" صفحة رقم 42 "
الأعراف : ( 91 ) فأخذتهم الرجفة فأصبحوا . . . . .
) فأخذتهم الرجفة ( الزلزلة وفي سورة الحجر ) فأخذتهم الصيحة ( ولعلها كانت من مباديها ) فأصبحوا في دارهم جاثمين ( أي في مدينتهم
الأعراف : ( 92 ) الذين كذبوا شعيبا . . . . .
) الذين كذبوا شعيبا ( مبتدأ خبره ) كأن لم يغنوا فيها ( أي استؤصلوا كأن لم يقيموا بها والمغنى المنزل ) الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ( دينا ودنيا لا الذين صدقوه واتبعوه كما زعموا فإنهم الرابحون في الدارين وللتنبيه على هذا والمبالغة فيه كرر الموصول واستأنف بالجملتين وأتى بهما اسميتين
الأعراف : ( 93 ) فتولى عنهم وقال . . . . .
) فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم ( قاله تأسفا بهم لشدة حزنه عليهم ثم أنكر على نفسه فقال ) فكيف آسى على قوم كافرين ( ليسوا أهل حزن لاستحقاقهم ما نزل عليهم بكفرهم أو قاله اعتذارا عن عدم شدة حزنه عليهم والمعنى لقد بالغت في الإبلاغ والإنذار وبذلت وسعي في النصح والإشفاق فلم تصدقوا قولي فكيف آسى عليكم وقرىء فكيف أيسي بإمالتين
الأعراف : ( 94 ) وما أرسلنا في . . . . .
) وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء ( بالبؤس والضر ) لعلهم يضرعون ( حتى يتضرعوا ويتذللوا
الأعراف : ( 95 ) ثم بدلنا مكان . . . . .
) ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة ( أي أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء والشدة السلامة والسعة ابتلاء لهم بالأمرين ) حتى عفوا ( كثروا عددا وعددا يقال عفا النبات إذا كثر(3/42)
" صفحة رقم 43 "
كثر ومنه إعفاء اللحى ) وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء ( كفرانا لنعمة الله ونسيانا لذكره واعتقادا بأنه من عادة الدهر يعاقب في الناس بين الضراء والسراء وقد مس آباءنا منه مثل ما مسنا ) فأخذناهم بغتة ( فجأة ) وهم لا يشعرون ( بنزول العذاب
الأعراف : ( 96 ) ولو أن أهل . . . . .
) ولو أن أهل القرى ( يعني القرى المدلول عليها بقوله ) وما أرسلنا في قرية من نبي ( وقيل مكة وما حولها ) آمنوا واتقوا ( مكان كفرهم وعصيانهم ) لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ( لوسعنا عليهم الخير ويسرناه لهم من كل جانب وقيل المراد المطر والنبات وقرأ ابن عامر لفتحنا بالتشديد ) ولكن كذبوا ( الرسل ) فأخذناهم بما كانوا يكسبون ( من الكفر والمعاصي
الأعراف : ( 97 ) أفأمن أهل القرى . . . . .
) أفأمن أهل القرى ( عطف على قوله ) فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون ( وما بينهما اعتراض والمعنى أبعد ذلك أمن أهل القرى ) أن يأتيهم بأسنا بياتا ( تبييتا أو وقت بيات أو مبيتا أو مبيتين وهو في الأصل مصدر بمعنى البيتوتة ويجيء بمعنى التبييت كالسلام بمعنى التسليم ) وهم نائمون ( حال من ضميرهم البارز أو المستتر في بياتا
الأعراف : ( 98 ) أو أمن أهل . . . . .
) أو أمن أهل القرى ( وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر أو بالسكون على الترديد ) أن يأتيهم بأسنا ضحى ( ضحوة النهار وهو في الأصل ضوء الشمس إذا ارتفعت ) وهم يلعبون ( يلهون من فرط الغفلة أو يشتغلون بما لا ينفعهم
الأعراف : ( 99 ) أفأمنوا مكر الله . . . . .
) أفأمنوا مكر الله ( تكرير لقوله ) أفأمن أهل القرى ( و ) مكر الله ( استعارة لاستدراج العبد وأخذه من حيث لا يحتسب ) فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ( الذين خسروا بالكفر وترك النظر والاعتبار
الأعراف : ( 100 ) أولم يهد للذين . . . . .
) أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها ( أي يخلفون من خلا قبلهم ويرثون ديارهم وإنما عدي يهد باللام لأنه بمعنى يبين ) أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ( أن الشأن لو نشاء أصبناهم بجزاء ذنوبهم كما أصبنا من قبلهم وهو فاعل يهد أي يغفلون عن الهداية أو(3/43)
" صفحة رقم 44 "
منقطع عنه بمعنى ونحن نطبع و لا يجوز عطفه على أصبناهم على أنه بمعنى وطبعنا لأنه في سياقه جواب لولا فضائه إلى نفي الطبع عنهم ) فهم لا يسمعون ( سماع تفهم واعتبار
الأعراف : ( 101 ) تلك القرى نقص . . . . .
) تلك القرى ( يعني قرى الأمم المار ذكرهم ) نقص عليك من أنبائها ( حال إن جعل ) القرى ( خبرا وتكون إفادته بالتقييد بها وخبر إن جعلت صفة ويجوز أن يكونا خبرين و ) من ( للتبعيض أي نقص بعض أنبائها ولها أنباء غيرها لا نقصها ) ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات ( بالمعجزات ) فما كانوا ليؤمنوا ( عند مجيئهم بها ) بما كذبوا من قبل ( بما كذبوه من قبل الرسل بل كانوا مستمرين على التكذيب أو فما كانوا ليؤمنوا مدة عمرهم بما كذبوا به أولا حين جاءتهم الرسل ولم تؤثر فيهم قط دعوتهم المتطاولة والآيات المتتابعة واللام لتأكيد النفي والدلالة على أنهم ما صلحوا للإيمان لمنافاته لحالهم في التصميم على الكفر والطبع على قلوبهم ) كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين ( فلا تلين شكيمتهم بالآيات والنذر
الأعراف : ( 102 ) وما وجدنا لأكثرهم . . . . .
) وما وجدنا لأكثرهم ( لأكثر الناس والآية اعتراض أو لأكثر الأمم المذكورين ) من عهد ( من وفاء عهد فإن أكثرهم نقضوا ما عهد الله إليهم في الإيمان والتقوى بإنزال الآيات ونصب الحجج أو ما عهدوا إليه حين كانوا في ضرر مخافة مثل ) لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين ( ) وإن وجدنا أكثرهم ( أي علمناهم ) لفاسقين ( من وجدت زيدا ذا الحفاظ لدخول أن المخففة واللام الفارقة وذلك لا يسوغ إلا في المبتدأ والخبر والأفعال الداخلة عليهما وعند الكوفيين إن للنفي واللام بمعنى إلا
الأعراف : ( 103 ) ثم بعثنا من . . . . .
) ثم بعثنا من بعدهم موسى ( الضمير للرسل في قوله ) ولقد جاءتهم رسلهم ((3/44)
" صفحة رقم 45 "
أو للأمم ) بآياتنا ( يعني المعجزات ) إلى فرعون وملئه فظلموا بها ( بأن كفروا بها مكان الإيمان الذي هو من حقها لوضوحها ولهذا المعنى وضع ظلموا موضع كفروا وفرعون لقب لمن ملك مصر ككسرى لمن ملك فارس وكان اسمه قابوس وقيل الوليد بن مصعب بن الريان ) فانظر كيف كان عاقبة المفسدين )
الأعراف : ( 104 ) وقال موسى يا . . . . .
) وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين ( إليك
الأعراف : ( 105 ) حقيق على أن . . . . .
وقوله ) حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق ( لعله جواب لتكذيبه إياه في دعوى الرسالة وإنما لم يذكر لدلالة قوله ) فظلموا بها ( عليه وكان أصله ) حقيق على أن لا أقول ( كما قرأ نافع فقلب لا من الإلباس كقوله وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر أو لأن ما لزمك فقد لزمته أو للإغراق في الوصف بالصدق والمعنى أنه حق واجب على القول الحق أن أكون أنا قائله لا يرضى إلا بمثلي ناطقا به أو ضمن حقيق معنى حريص أو وضع على مكان الباء لإفادة التمكن كقولهم رميت على القوس وجئت على حال حسنة ويؤيده قراءة أبي بالباء وقرئ حقيق أن لا أقول بدون ) على ( ) قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل ( فخلهم حتى يرجعوا معي إلى الأرض المقدسة التي هي وطن(3/45)
" صفحة رقم 46 "
آبائهم وكان قد استعبدهم واستخدمهم في الأعمال
الأعراف : ( 106 ) قال إن كنت . . . . .
) قال إن كنت جئت بآية ( من عند من أرسلك ) فأت بها ( فأحضرها عندي ليثبت بها صدقك ) إن كنت من الصادقين ( في الدعوى
الأعراف : ( 107 ) فألقى عصاه فإذا . . . . .
) فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ( ظاهر أمره لا يشك في أنه ثعبان وهو الحية العظيمة روي أنه لما ألقاها صارت ثعبانا أشعر فاغرا فاه بين لحييه ثمانون ذراعا وضع لحيه الأسفل على الأرض والأعلى على سور القصر ثم توجه نحو فرعون فهرب منه وأحدث وانهزم الناس مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون ألفا وصاح فرعون يا موسى أنشدك بالذي أرسلك خذه وأنا أومن بك وأرسل معك بني إسرائيل فأخذه فعاد عصا
الأعراف : ( 108 ) ونزع يده فإذا . . . . .
) ونزع يده ( من جيبه أو من تحت إبطه ) فإذا هي بيضاء للناظرين ( أي بيضاء بياضا خارجا عن العادة تجتمع عليها النظارة أو بيضاء للنظار لا إنها كانت بيضاء في جبلتها روي انه عليه السلام كان آدم شديد الادمة فأدخل يده في جيبه أو تحت ابطه ثم نزعها فإذا هي بيضاء نورانية غلب شعاعها شعاع الشمس
الأعراف : ( 109 ) قال الملأ من . . . . .
) قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم ( قيل قاله هو وأشراف قومه على سبيل التشاور في أمره فحكى عنه في سورة الشعراء وعنهم ها هنا
الأعراف : ( 110 ) يريد أن يخرجكم . . . . .
) يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون ( تشيرون في أن نفعل
الأعراف : ( 111 ) قالوا أرجه وأخاه . . . . .
) قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين )
الأعراف : ( 112 ) يأتوك بكل ساحر . . . . .
) يأتوك بكل ساحر عليم ( كأنه اتفقت عليه آراؤهم فأشاروا به على فرعون والإرجاء التأخير أي أخر أمره وأصله أرجئه كما قرأ أبو عمرو وأبو بكر ويعقوب من أرجأت وكذلك أرجئوه على قراءة ابن كثير على الأصل في الضمير أو / أرجهي / من أرجيت كما قرأ نافع في رواية ورش وإسماعيل والكسائي واما قراءته في رواية قالون ) أرجه ( بحذف الياء فللاكتفاء بالكسرة عنها وأما قراءة حمزة وعاصم وحفص ) أرجه ((3/46)
" صفحة رقم 47 "
بسكون الهاء فتلشبيه المنفصل بالمتصل وجعل جه كابل في إسكان وسطه وأما قراءة ابن عامر برواية ابن ذكوان أرجئه بالهمزة وكسر الهاء فلا يرتضيه النحاة فإن الهاء لا تكسر إلا إذا كان قبلها كسرة أو ياء ساكنة ووجهه أن الهمزة لما كانت تقلب ياء أجريت مجراها وقرأ حمزة والكسائي بكل سحار وفيه وفي يونس ويؤيده اتفاقهم عليه في الشعراء
الأعراف : ( 113 ) وجاء السحرة فرعون . . . . .
) وجاء السحرة فرعون ( بعدما أرسل الشرطة في طلبهم ) قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين ( استأنف به كأنه جواب سائل قال ما قالوا إذ جاؤوا وقرأ ابن كثير ونافع وحفص عن عاصم ) إن لنا لأجرا ( على الإخبار ويجاب الاجر كأنهم قالوا لا بد لنا من أجر والتنكير للتعظيم
الأعراف : ( 114 ) قال نعم وإنكم . . . . .
) قال نعم ( إن لكم لأجرا ) وإنكم لمن المقربين ( عطف على ما سد مسده ) نعم ( وزيادة على الجواب لتحريضهم
الأعراف : ( 115 ) قالوا يا موسى . . . . .
) قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين ( خيروا موسى مراعاة للأدب أو إظهارا للجلادة ولكن كانت رغبتهم في أن يلقوا قبله فنبهوا عليها بتغيير النظم إلى ما هو أبلغ وتعريف الخبر وتوسيط الفصل أو تأكيد ضميرهم المتصل بالمنفصل فلذلك
الأعراف : ( 116 ) قال ألقوا فلما . . . . .
) قال بل ألقوا ( كرما وتسامحا أو ازدراء بهم ووثوقا على شأنه ) فلما ألقوا سحروا أعين الناس ( بأن خيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه ) واسترهبوهم ( وأرهبوهم ارهابا شديدا كأنهم طلبوا رهبتهم ) وجاؤوا بسحر عظيم ( في فنه روي أنهم ألقوا حبالا غلاظا وخشبا طوالا كأنها حيات ملأت الوادي وركب بعضها بعضا
الأعراف : ( 117 ) وأوحينا إلى موسى . . . . .
) وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك ( فألقاها فصارت حية ) فإذا هي تلقف ما يأفكون ((3/47)
" صفحة رقم 48 "
أي ما يزورونه من الافك وهو الصرف وقلب الشيء عن وجهه ويجوز أن تكون ما مصدرية وهي مع الفعل بمعنى المفعول روي إنها لما تلقفت حبالهم وعصيهم وابتلعتها بأسرها أقبلت على الحاضرين فهربوا وازدحموا حتى هلك جمع عظيم ثم أخذها موسى فصارت عصا كما كانت فقال السحرة لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصينا وقرأ حفص عن عاصم ) تلقف ( ها هنا وفي طه والشعراء
الأعراف : ( 118 ) فوقع الحق وبطل . . . . .
) فوقع الحق ( فثبت لظهور آمره ) وبطل ما كانوا يعملون ( من السحر والمعارضة
الأعراف : ( 119 ) فغلبوا هنالك وانقلبوا . . . . .
) فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين ( أي صاروا اذلاء مبهوتين أو رجعوا إلى المدينة اذلاء مقهورين والضمير لفرعون وقومه
الأعراف : ( 120 ) وألقي السحرة ساجدين
) وألقي السحرة ساجدين ( جعلهم ملقين على وجوههم تنبيها على أن الحق بهرهم واضطرهم إلى السجود بحيث لم يبق لهم تمالك أو أن الله ألهمهم ذلك وحملهم عليه حتى ينكسر فرعون بالذين أراد بهم كسر موسى وينقلب الأمر عليه أو مبالغة في سرعة خرورهم وشدته
الأعراف : ( 121 ) قالوا آمنا برب . . . . .
) قالوا آمنا برب العالمين )
الأعراف : ( 122 ) رب موسى وهارون
) رب موسى وهارون ( أبدلوا الثاني من الأول لئلا يتوهم أنهم أرادوا به فرعون
الأعراف : ( 123 ) قال فرعون آمنتم . . . . .
) قال فرعون آمنتم به ( بالله أو بموسى والاستفهام فيه للانكار وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وروح عن يعقوب وهشام بتحقيق الهمزتين على الأصل وقرأ حفص ) آمنتم به ( على الأخبار وقرأ قنبل ) قال فرعون ( وآمنتم يبدل في حال الوصل من همزة الاستفهام بهمزة ومدة مطولة في تقدير أتفين في طه على الخبر بهمزة وألف وقرأ في الشعراء على الاستفهام بهمزة ومدة مطولة في تقدير ألفين وقرأ الباقون بتحقيق الهمزة الأولى وتليين الثانية ) قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه ( أي أن هذا الصنيع لحيلة احتلتموها أنتم وموسى ) في المدينة ( في مصر قبل أن تخرجوا للميعاد(3/48)
" صفحة رقم 49 "
) لتخرجوا منها أهلها ( يعني القبط وتخلص لكم ولبني إسرائيل ) فسوف تعلمون ( عاقبة ما فعلتهم وهو تهديد مجمل تفصيله
الأعراف : ( 124 ) لأقطعن أيديكم وأرجلكم . . . . .
) لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ( من كل شق طرفا ) ثم لأصلبنكم أجمعين ( تفضيحا لكم وتنكيلا لأمثالكم قيل إنه أول من سن ذلك فشرعه الله للقطاع تعظيما لجرمهم ولذلك سماه محاربة لله ورسوله ولكن على التعاقب لفرط رحمته
الأعراف : ( 125 ) قالوا إنا إلى . . . . .
) قالوا إنا إلى ربنا منقلبون ( بالموت لا محالة فلا نبالي بوعيدك ا أنا منقلبون إلى ربنا وثوابه أن فعلت بنا ذلك كأنهم استطابوع شغفا على لقاء الله أو مصيرنا ومصيرك إلى ربنا فيحكم بيننا
الأعراف : ( 126 ) وما تنقم منا . . . . .
) وما تنقم منا ( وما تنكر منا ) إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ( وهو خير الأعمال وأصل المناقب ليس مما يتأتى لنا العدول عنه طلبا لمرضاتك ثم فزعوا إلى الله سبحانه وتعالى فقالوا ) ربنا أفرغ علينا صبرا ( أفض علينا صبرا يغمرنا كما يفرغ الماء أو صب علينا ما يطهرنا من الاثام وهو الصبر على وعيد فرعون ) وتوفنا مسلمين ( ثابتين على الإسلام قيل إنه فعل بهم ما أوعدهم به وقيل انه لم يقدر عليهم لقوله تعالى ) أنتما ومن اتبعكما الغالبون )
الأعراف : ( 127 ) وقال الملأ من . . . . .
) وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ( بتغيير الناس(3/49)
" صفحة رقم 50 "
عليك ودعوتهم إلى مخالفتك ) ويذرك ( عطف على يفسدوا أو جواب الاستفهام بالواو كقول الحطيئة " ألم أك جارك ويكون بيني وبينكم المودة والاخاء " على معنى ايكون منك ترك موسى ويكون منه تركه اياك وقرئ بالرفع على انه عطف على انذر أو استئناف أو حال وقرئ بالسكون كأنه قيل يفسدوا ويذرك كقوله تعالى ) فأصدق وأكن ( ) وآلهتك ( معبوداتك قيل كان يعبد الكواكب وقيل صنع لقومه اصناما وأمرهم أن يعبدوها تقربا إليه ولذلك قال ) أنا ربكم الأعلى ( وقرئ إلا هتك أي عبادتك قال فرعون ) سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم ( كما كنما نفعل من قبل ليعلم أنا على ما كنا عليه من القهر والغلبة ولا يتوهم انه المولود الذي حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يده وقرأ ابن كثير ونافع سنتقل بالتخفيف ) وإنا فوقهم قاهرون ( غالبون وهم مقهورون تحت أيدينا
الأعراف : ( 128 ) قال موسى لقومه . . . . .
) قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ( لما سمعوا قول فرعون وتضجروا منه تسكينا لهم ) إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ( تسلية لهم وتقرير للأمر بالاستعانة بالله والتثبت في الأمر ) والعاقبة للمتقين ( وعد لهم بالنصرة وتذكير لما وعدهم من اهلاك القبط وتوريثهم ديارهم وتحقيق له وقرئ و ) العاقبة ( بالنصب عطف على اسم أن واللام في ) الأرض ( تحتمل العهد والجنس
الأعراف : ( 129 ) قالوا أوذينا من . . . . .
) قالوا ( أي بنوا إسرائيل ) أوذينا من قبل أن تأتينا ( بالرسالة بقتل الابناء ) ومن بعد ما جئتنا ( بإعادته ) قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض ( تصريحا(3/50)
" صفحة رقم 51 "
لما كنى عنه أولا لما رأى انهم لم يتسلوما بذلك ولعله أتى بفعل الطمع لعدم جزمه بأنهم المستخلفون بأعيانهم أو أولادهم وقد روي أن مصر إنما فتح لهم في زمن داود عليه السلام ) فينظر كيف تعملون ( فيرى ما تعملون من شكر وكفران وطاعة وعصيان فيجاريكم على حسب ما يوجد منكم
الأعراف : ( 130 ) ولقد أخذنا آل . . . . .
) ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ( بالجدوب لقلة الامطار والمياه والسنة غلبت على عام القحط لكثرة ما يذكر عنه ويرخ به ثم اشتق منها فقيل اسنت القوم إذا قحطوا ) ونقص من الثمرات ( بكثرة العاهات ) لعلهم يذكرون ( لكي ينتبهوا على أن ذلك بشؤم كفرهم ومعاصيهم فيتعطوا أو ترق قلوبهم بالشدائد فيفزعوا إلى الله ويرغبوا فيما عنده
الأعراف : ( 131 ) فإذا جاءتهم الحسنة . . . . .
) فإذا جاءتهم الحسنة ( من الخصب والسعة ) قالوا لنا هذه ( لأجلنا ونحن مستحقوها ) وإن تصبهم سيئة ( جدب وبلا ) يطيروا بموسى ومن معه ( يتشاءموا بهم ويقولوا ما اصابتنا إلا بشؤهم وهذا اغراق في وصهم بالغباوة والقساوة فإن الشدائد ترقق القلوب وتذلل العرائك وتزيل التماسك سيما بعد مشاهدة الايات وهم لم تثر فيهم بل زادوا عندها عتوا وانهماكا في الغي وانما عرف الحسنة وذكرها مع أداة التحقيق لكثرة وقوعها وتعلق الارادة بأحداثنا بالذات ونكر السيئة وأتى بها مع حرف الشك لندورها(3/51)
" صفحة رقم 52 "
وعدم القصد لها إلا بالتبع ) ألا إنما طائرهم عند الله ( أي سبب خبرهم وشرهم عنده وهو حكمته ومشيئته أو سبب شؤمهم عند الله وهو أعمالهم المكتوبة عنده فإنها التي ساقت ما يسوؤهم وقرئ إنما طيرهم وهو اسم الجمع وقيل هو جمع ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( أن ما يصيبهم من الله تعالى أو من شؤم أعمالهم
الأعراف : ( 132 ) وقالوا مهما تأتنا . . . . .
) وقالوا مهما ( أصلها ما الشرطية ضمت إليها ما المزيدة للتأكيد ثم قلبت ألفها هاء استثقالا للتكرير وقيل مركبة من مه الذي يصوت به الكاف وما الجزائية ومحلها الرفع على الابتداء أو النصب بفعل يفسره ) تأتنا به ( أي أيما شيء تحضرنا تأتنا به ) من آية ( بيان لمهما وانما سموها آية على زعم موسى لا لاعتقاهم ولذلك قالوا ) لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين ( أي لتسحر بها أعيننا وتشبه علينا والضمير في به وبها لمهما ذكره قبل التبيين باعتبار اللفظ وأنه بعده باعتبار المعنى
الأعراف : ( 133 ) فأرسلنا عليهم الطوفان . . . . .
) فأرسلنا عليهم الطوفان ( ماء طاف بهم وغشى اماكمنهم حروثهم من مطر أو سيل وقيل الجدري وقيل الموتان وقيل الطاعون ) والجراد والقمل ( قيل هو كبار(3/52)
" صفحة رقم 53 "
القردان وقيل أولاد الجراد قبل نبات اجنحتها ) والضفادع والدم ( روي انهم مطروا ثمانية أيام في ظلمة شديدة لا يقدر أحد أن يخرج من بيته ودخل الماء بيوتهم حتى قاموا فيه إلى تراقيهم وكانت بيوت بني إسرائيل مشتبكة ببيوتهم فلم يدخل فيها قطرة وركد على اراضيهم فمنعهم من الحرث والتصرف فيها ودام ذلك عليهم اسبوعا فقالوا لموسى ادع لنا ربك يكشف عنا ونحن نؤمن بك فدعا الله فكشف عنهم ونبت لهم من الكلأ والزرع تأكل الابواب والسقوف والثياب ففزعوا إليه ثانيا فدعا وخرج إلى الصحراء واشار بعصان نحو المشرق والمغرب فرجعت إلى النواحي التي جاءت منها فلم يؤمنوا فسلط الله عليهم القمل فأكل ما ابقاه الجراد واكن يقع في اطعمتهم ويدخل بين اثوابهم وجلودهم فيمصها ففزعوا إليه فرفع عنهم فقالوا قد تحققنا الآن انك ساحر ثم أرسل الله عليهم الضفادع بحيث لا يكشف ثوب ولا طعام إلا وجدت فيه وكانت تمتلئ منها مضاجعهم وتثب إلى قدورهم وهي تغلي وافواههم عند التكلم ففزعوا إليه وتضرعوا فأخذ عليهم العهود ودعا فكشف الله عنهم ثم نقضوا العهود ثم أرسل عليهم الدم فصارت مياههم دما حتى كان يجتمع القبطي مع الاسرائيلي على أناء فيكون ما يلي القبطي دما وما يلي الاسرائيلي ماء ويمص الماء من فم الاسرائيلي فيصير دما في فيه وقيل سلط الله عليهم الرعاف ) آيات ( نصب على الحال ) مفصلات ( مبينات لا تشكل على عاقل إنها آيات الله ونقمته عليهم أو مفصلات لامتحان أحوالهم إذ كان بين كل اثنتين منها شهر وكان امتداد كل واحدة اسبوعا وقيل أن موسى لبث فيهم بعدما غلب السحرة عشرين سنة يريهم هذه الايات على مهل ) فاستكبروا ( عن الإيمان ) وكانوا قوما مجرمين )
الأعراف : ( 134 ) ولما وقع عليهم . . . . .
) ولما وقع عليهم الرجز ( يعني العذاب المفصل أو الطاعون الذي ارسله الله عليهم بعد ذلك ) قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك ( بعهده عندك وهو النبوة أو بالذي عهده إليك أن تدعه به فيجيبك كما اجابك في آياتك وهو صلة لا دع اوة حال من الضمير فيه بمعنى ادع الله متوسلا إليه بما عهد عنك أو متعلق بفعل محذوف دل عليه التماسهم مثل اسعفنا إلى ما نطلب منك بحق ما معهد عندك أو قسم مجاب بقوله ) لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل ( أي أقسمنا بعهد الله عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن ولنرسلن
الأعراف : ( 135 ) فلما كشفنا عنهم . . . . .
) فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه ( إلى حد من الزمان هم بالغوه فمعذبون(3/53)
" صفحة رقم 54 "
فيه أو مهلكون وهو وقت الغرق أو الموت وقيل إلى اجل عينوه لايمانهم ) إذا هم ينكثون ( جواب لما أي فلما كشفنا عنهم فاجؤوا النكث من غير تأمل وتوقف فيه
الأعراف : ( 136 ) فانتقمنا منهم فأغرقناهم . . . . .
) فانتقمنا منهم ( فأردنا الانتقام منهم ) فأغرقناهم في اليم ( أي البحر الذي لا يدرك قعره وقيل لجته ) بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ( أي كان اغراقهم بسبب تكذيبهم بالايات وعدم فكرهم فيها حتى صاروا كالغافلين عنها وقيل الضمير للنقمة المدلول عليها بقوله ) فانتقمنا منهم )
الأعراف : ( 137 ) وأورثنا القوم الذين . . . . .
) وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون ( بالاستبعاد وذبح الابناء من مستضعفيهم ) مشارق الأرض ومغاربها ( يعني ارض الشام ملكها بنو إسرائيل بعد الفراعة والعمالقة وتمكنوا في نواحيها ) التي باركنا فيها ( بالخصب وسعة العيش ) وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل ( ومضت عليهم واتصلت بالانجاز عدته اياهم بالنصرة والتمكين وهو قوله تعالى ) ونريد أن نمن ( إلى قوله ) ما كانوا يحذرون ( وقرئ / كلمات ربك / لتعدد المواعيد ) بما صبروا ( بسبب صبرهم على الشدائد ) ودمرنا ( وخربنا ) ما كان يصنع فرعون وقومه )
الأعراف : ( 138 ) وجاوزنا ببني إسرائيل . . . . .
وقوله ) وجاوزنا ببني إسرائيل البحر ( وما بعده ذكر ما أحدثه بنو إسرائيل من الأمور الشنيعة بعد أن من الله عليهم بالنعم الجسام واراهم من الايات العظام تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مما أرى منهم وايقاظا للمؤمنين حتى لا يغفلوا عن محاسبة أنفسهم ومراقبة أحوالهم روي أن موسى عليه الصلاة والسلام معبر بهم يوم عاشوراء بعد مهلك فرعون(3/54)
" صفحة رقم 55 "
وقومه فصاموه شكرا ) فأتوا على قوم ( فمروا عليهم ) يعكفون على أصنام لهم ( يقيمون على عبادتها قيل كانت تماثيل بقر وذلك أول شأن العجل والقوم كانوا من العمالقة الذين أمر موسى بقتالهم وقيل من لخم وقرأ حمزة والكسائي يعكفون بالكسر ) قالوا يا موسى اجعل لنا إلها ( مثالا نعبده ) كما لهم آلهة ( يعبدونها وما كافة للكاف ) قال إنكم قوم تجهلون ( وصفهم بالجهل المطلق واكده لبعد ما صدر عنهم بعد ما رأوا من الايات الكبرى عن العقل
الأعراف : ( 139 ) إن هؤلاء متبر . . . . .
) إن هؤلاء ( إشارة إلى القوم ) متبر ( مكسر مدمر ) ما هم فيه ( يعني أن الله يهدم دينهم الذي هم عليه ويحطم اصنامهم ويجعلها رضاضا ) وباطل ( مضمحل ) ما كانوا يعملون ( من عبادتها وان قصدوا بها التقرب إلى الله تعالى وانما بالغ في هذا الكلام بايقاع ) هؤلاء ( اسم ) إن ( والاخبار عما هم فيه بالتبار وعما فعلوا بالبطلان وتقديم الخبرين في الجملتين الواقعتين خبرا لان للتنبيه على أن الدمار لا حق لما هم فيه لا محالة وان الاحباط الكلي لازب لما مضى عنهم تنفيرا وتحذيرا عما طلبوا
الأعراف : ( 140 ) قال أغير الله . . . . .
) قال أغير الله أبغيكم إلها ( طلب لكم معبودا ) وهو فضلكم على العالمين ( والحال انه خصكم بنعم لم يعطها غيركم وفيه تنبيه على سوء معاملتهم حيث قابلوا تخصيص الله اياهم من امثالهم لما لم يستحقوه تفضلا بأن قصدوا أن يشركوا به اخس شيء من مخلوقاته(3/55)
" صفحة رقم 56 "
الأعراف : ( 141 ) وإذ أنجيناكم من . . . . .
) وإذ نجيناكم من آل فرعون ( واذكروا صنيعه معكم في هذا الوقت وقرا ابن عامر انجاكم ) يسومونكم سوء العذاب ( استئناف لبيان ما انجاهم منه أو حال من المخاطبين أو من آل فرعون أو منهما ) يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم ( بدل منه مبين ) وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ( وفي الانجاء أو العذاب نعمة أو محنة عظيمة
الأعراف : ( 142 ) وواعدنا موسى ثلاثين . . . . .
) وواعدنا موسى ثلاثين ليلة ( ذا القعدة وقرا أبو عمرو ويعقوب / ووعدنا / ) وأتممناها بعشر ( من ذي الحجة ) فتم ميقات ربه أربعين ليلة ( بالغا أربعين روي انه عليه الصلاة والسلام وعد بني إسرائيل بمصر أن يأتيهم بعد مهلك فرعون بكتاب من الله فيه بيان ما يأتون وما يذرون فلما هلك فرعون سال ربه فأمره الله بصوم ثلاثين فلما أتم انكر خلوف فيه فتسوك فقالت الملائكة كنا نشم منك رائحة المسك فأفسدته بالسواك فأمره الله تعالى أن يزيد عليها عشرا وقيل آمره بان يتخلى ثلاثين بالصوم والعبادة ثم انزل عليه التوراة في العشر وكلمة فيها ) وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي ( كن خليفتي فيهم ) وأصلح ( ما يجب أن يصلح من امورهم أو كن مصلحا ) ولا تتبع سبيل المفسدين ( ولا تتبع من سلك الافساد ولا تطع من دعاك إليه
الأعراف : ( 143 ) ولما جاء موسى . . . . .
) ولما جاء موسى لميقاتنا ( لو قتنا الذي وقتناه واللام للاختصاص أي اختص مجيئه لمقاتنا ) وكلمه ربه ( من غير وسيط كما يكلم الملائكة وفيما روي أن موسى عليه الصلاة والسلام كان يسمع ذلك الكلام من كل جهة تنبيه على أن سماع كلامه التقديم ليس من جنس كلام المحدثين ) قال رب أرني أنظر إليك ( ارني نفسك بان تمكنني من رؤيتك أو يتجلى لي فأنظر إليك واراك وهو دليل على أن رؤيته تعالى جائرة في الجملة(3/56)
" صفحة رقم 57 "
لان طلب المستحيل من الأنبياء محال وخصوصا ما يقتضي الجهل بالله ولذلك رده بقوله تعالى ) لن تراني ( دون لن أرى أو لن أريك أو لن تنظر الي تنبيها على انه قاصر عن رؤيته لتوقفها على معد في الرائي لم يوجد فيه بعد وجعل أن يجعلهم ويزيح شبهتهم كما فعل بهم حين قالوا ) اجعل لنا إلها ( ولا يتبع سبيلهم كما قال لأخيه ) ولا تتبع سبيل المفسدين ( والاستدلال بالجواب على استحالتها اشد خطأ إذ لا يدل الأخبار عن عدم رؤيته اياه على أن لا يراه غيره أصلا فضلا عن أن يدل على استحالتها ودعوى الضرورة فيه مكابرة أو جهالة بحقيقة الرؤية ) قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ( استدراك يريد أن يبين به أنه لا يطيقه وفي تعليق الرؤية بالاستقرار أيضا دليل على الجواز ضرورة أن المعلق على الممكن ممكن والجبل قيل هو جبل زبير ) فلما تجلى ربه للجبل ( ظهر له عظمته وتصدى له اقتداره وأمره وقيل أعطى(3/57)
" صفحة رقم 58 "
له حياة ورؤية حتى رآه ) جعله دكا ( مدكوكا مفتتا والدك والدق أخوان كالشك والشق وقرأ حمزة والكسائي دكاء أي أرضا مستوية ومنه دكاء التي لا سنام لها وقرئ ) دكا ( أي قطعا جمع دكاء ) وخر موسى صعقا ( مغشيا عليه من هول ما رأى ) فلما أفاق قال ( تعظيما لما رأى ) سبحانك تبت إليك ( من الجراءة والأقدام على السؤال من غير أذن ) وأنا أول المؤمنين ( مر تفسيره وقيل معناه أنا أول من أمن بأنك لا ترى في الدنيا
الأعراف : ( 144 ) قال يا موسى . . . . .
) قال يا موسى إني اصطفيتك ( اخترتك ) على الناس ( أي الموجودين في زمانك وهارون وان كان نبيا كان مأمورا باتباعه ولم يكن كليما ولا صاحب شرع برسالتي يعني اسفار التوراة وقرا ابن كثير ونافع ) وبكلامي ( وبتكليمي اياك ) فخذ ما آتيتك ( أعطيتك من الرسالة ) وكن من الشاكرين ( على النعمة فيه روي أن سؤال الرؤية كان يوم عرفة واعطاء التوراة كان يوم النحر
الأعراف : ( 145 ) وكتبنا له في . . . . .
) وكتبنا له في الألواح من كل شيء ( مما يحتاجون إليه من أمر الدين ) موعظة وتفصيلا لكل شيء ( بدل من الجار والمجرور أي وكتبنا له كل شيء من المواعظ وتفصيل الأحكام واختلف في أن الالواح كانت عشرة أو سبعة وكانت من زمرد أو زبرجد أو ياقوت أحمر أو صخرة صماء لينها الله لموسى فقطعها بيده وسقفها بأصابعه وكان فيها التوراة أو غيرها ) فخذها ( على إضمار القول عطفا على كتبنا أو بدل من قوله ) فخذ ما آتيتك ( والهاء للألواح أو لكل شيء فإنه بمعنى الأشياء أو للرسالات ) بقوة ( بجد وعزيمة ) وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ( أي بأحسن ما فيها كالصبر والعفو بالإضافة إلى(3/58)
" صفحة رقم 59 "
الانتصار والاقتصاص على طريقة الندب والحث على الأفضل كقوله ) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ( أو بواجباتها فإن الواجب أحسن من غيره ويجوز أن يراد بالأحسن البالغ في الحسن مطلقا لا بالاضافة وهو المأمور به كقولهم الصيف أحر من الشتاء ) سأريكم دار الفاسقين ( دار فرعون وقومه بمصر خاوية على عروشها أو منازل عاد وثمور واضرابهم لتعتبروا فلا تفسقوا أو دارهم في الآخرة وهي جهنم وقرئ سأوريكم بمعنى سأبين لكم من اوريت الزند وسأورثكم ويؤيده قوله ) وأورثنا القوم )
الأعراف : ( 146 ) سأصرف عن آياتي . . . . .
) سأصرف عن آياتي ( المنصوبة في الأفاق والانفس ) الذين يتكبرون في الأرض ( بالطبع على قلوبهم فلا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها وقيل سأصرفهم عن إبطالها وان اجتهدوا ما فعل فرعون فعاد عليه باعلائها أو باهلاكهم ) بغير الحق ( صلة يتكبرون أي يتكبرون بما ليس بحق وهو دينهم الباطل أو حال من فاعله ) وإن يروا كل آية ( منزلة أو معجزة ) لا يؤمنوا بها ( لعنادهم واختلال عقولهم بسبب انهماكهم في الهوى والتقليد وهو يؤيد الوجه الأول ) وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا ( لاستيلاء الشيطنة عليهم وقرأ حمزة والكسائي الرشد بفتحتين وقرئ الرشاد وثلاثتها لغات كالسقم والسقم والسقام ) وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ( أي ذلك الصرف بسبب تكذيبهم وعدم تدبرهم للآيات ويجوز أن ينصب ذلك على المصدر أي سأصرف ذلك الصرف بسببهما
الأعراف : ( 147 ) والذين كذبوا بآياتنا . . . . .
) والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة ( أي ولقائهم الدار الآخرة أو ما وعد الله في الدار الآخرة ) حبطت أعمالهم ( لا ينتفعون بها ) هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ( إلا جزاء أعمالهم
الأعراف : ( 148 ) واتخذ قوم موسى . . . . .
) واتخذ قوم موسى من بعده ( من بعد ذهابه للميقات ) من حليهم ( التي استعاروا(3/59)
" صفحة رقم 60 "
من القبط حين هموا بالخروج من مصر واضافتها إليهم لأنها كانت في أيديهم أو ملكوها بعد هلاكهم وهو جمع حلي كثدي وثدي وقرأ حمزة والكسائي بالكسر بالاتباع كدلي ويعقوب على الإفراد ) عجلا جسدا ( بدنا ذا لحم ودم أو جسدا من الذهب خاليا من الروح ونصبه على البدل ) له خوار ( صوت البقر روي أن السامري لما صاغ العجل ألقى في فمه من تراب اثر فرس جبريل فصار حيا وقيل صاغه بنوع من الحيل فتدخل الريح جوفه وتصوت وانما نسب الاتخاذ إليهم وهو فعله أما لانهم رضوا به أو لأن المراد اتخاذهم إياه إلها وقرئ جؤار أي صياح ) ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا ( تقريع على فرط ضلالتهم واخلالهم بالنظر والمعنى آلم يروا حين اتخذوه إلها انه لا يقدر على كلام ولا على ارشاد سبيل كآحاد البشر حتى حسبوا انه خالق الأجسام والقوى والقدر ) اتخذوه ( تكرير للذم أي اتخذوه إلها ) وكانوا ظالمين ( واضعين الأشياء في غير مواضعها فلم يكن اتخاذ العجل بدعا منهم
الأعراف : ( 149 ) ولما سقط في . . . . .
) ولما سقط في أيديهم ( كناية عن اشتداد ندمهم فإن النادم المتحسر يعض يده غما فتصير يده مسقوطا فيها وقرئ سقط على بناء الفعل للفاعل بمعنى وقع العض فيها(3/60)
" صفحة رقم 61 "
وقيل معناه سقط الندم في أنفسهم ) ورأوا ( وعلموا ) أنهم قد ضلوا ( باتخاذ العجل ) قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ( بإنزال التوراة ) ويغفر لنا ( بالتجاوز عن الخطيئة ) لنكونن من الخاسرين ( وقرأهما حمزة والكسائي بالتاء و ) ربنا ( على النداء
الأعراف : ( 150 ) ولما رجع موسى . . . . .
) ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ( شديد الغضب وقيل حزينا ) قال بئسما خلفتموني من بعدي ( فعلتم بعدي حيث عبدتم العجل والخطاب للعبدة أو أقمتم مقامي فلم تكفوا العبدة والخطاب لهارون والمؤمنين معه وما نكرة موصوفة تفسر المستكن في بئس والمخصوص بالذم محذوف تقديره بئس خلافة خلفتمونيها من بعدي خلافتكم ومعنى من بعدي من بعد انطلاقي أو من بعد ما رأيتم مني من التوحيد والتنزيه والحمل عليه والكف عما ينافيه ) أعجلتم أمر ربكم ( أتركتموه غير تام كأنه ضمن عجل معنى سبق فعدى تعديته أو أعجلتم وعد ربكم الذي وعدنيه من الأربعين وقدرتم موتي وغيرتم بعدي كما غيرت الأمم بعد أنبيائهم ) وألقى الألواح ( طرحها من شدة الغضب وفرط الضجر حمية للدين روي أن التوراة كانت سبعة اسباع في سبعة الواح فلما القاها انكسرت فرفع ستة اسباعها وكان فيها تفصيل كل شيء وبقي سبع كان فيه المواعظ والاحكام ) وأخذ برأس أخيه ( بشعر رأسه ) يجره إليه ( توهما بأنه قصر في كفهم وهارون كان اكبر منه بثلاث سنين وكان حمولا لينا ولذلك كان احب إلى بني إسرائيل ) قال ابن أم ( ذكر الام ليرفقه عليه وكانا من اب وأم وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم هنا وفي طه يا ابن أم بالكسر وأصله يا ابن أمي فحذفت الياء اكتفاء بالكسرة تخفيفا كالمنادي المضاف إلى الياء والباقون بالفتح زيادة في التخفيف لطوله أو تشبيها بخمسة عشر ) إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ( إزاحة لتوهم التقصير في حقه والمعنى بذلت وسعي في كفهم حتى قهروني واستضعفوني وقاربوا قتلي ) فلا تشمت بي الأعداء ( فلا تفعل بي ما يشتمون بي لأجله ) ولا تجعلني مع القوم الظالمين ( معدودا في عدادهم بالمؤاخذة أو نسبة التقصير
الأعراف : ( 151 ) قال رب اغفر . . . . .
) قال رب اغفر لي ( بما صنعت بأخي ) ولأخي ( أن فرط في كفهم ضمه إلى نفسه(3/61)
" صفحة رقم 62 "
في الاستغفار ترضية له ودفعا للشماتة عنه ) وأدخلنا في رحمتك ( بمزيد الإنعام علينا ) وأنت أرحم الراحمين ( فأنت أرحم بنا منا على أنفسنا
الأعراف : ( 152 ) إن الذين اتخذوا . . . . .
) إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم ( وهو ما أمرهم به من قتل أنفسهم ) وذلة في الحياة الدنيا ( وهي خروجهم من ديارهم وقيل الجزية ) وكذلك نجزي المفترين ( على الله ولا فرية أعظم من فريتهم وهي قولهم هذا إلهكم وإله موسى ولعله لم يفتر مثلها أحد قبلهم ولا بعدهم
الأعراف : ( 153 ) والذين عملوا السيئات . . . . .
) والذين عملوا السيئات ( من الكفر والمعاصي ) ثم تابوا من بعدها ( من بعد السيئات ) وآمنوا ( واشتغلوا بالأيمان وما هو مقتضاه من الأعمال الصالحة ) إن ربك من بعدها ( من بعد التوبة ) لغفور رحيم ( وإن عظم الذنب كجريمة عبدة العجل وكثر كجرائم بني إسرائيل
الأعراف : ( 154 ) ولما سكت عن . . . . .
) ولما سكت ( سكن وقد وقرئ ) سكت ( وأسكت على أن المسكت هو الله أو أخوه أو الذين تابوا ) أخذ الألواح ( التي ألقاها ) وفي نسختها ( وفيما نسخ فيها أي كتب فعلة بمعنى مفعول كالخطبة وقيل فيما نسخ منها من الالواح المنكسرة ) هدى ( بيان للحق ) ورحمة ( إرشاد إلى الصلاح والخير ) للذين هم لربهم يرهبون ((3/62)
" صفحة رقم 63 "
دخلت اللام على المفعول لضعف الفعل بالتأخير أو حذف المفعول واللام للتعليل والتقدير يرهبون معاصي الله لربهم
الأعراف : ( 155 ) واختار موسى قومه . . . . .
) واختار موسى قومه ( أي من قومه فحذف الجار وأوصل الفعل إليه ) سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة ( روي أنه تعالى أمره أن يأتيه في سبعين من بني إسرائيل فاختار من كل سبط ستة فزاد اثنان فقال ليتخلف منكم رجلان فتشاجروا فقال إن لمن قعد اجر من خرج فقعد كالب ويوشع وذهب مع الباقين فلما دنوا من الجبل غشيه غمام فدخل موسى بهم الغمام وخروا سجدا فسمعوه تعالى يكلم موسى يأمره وينهاه ثم انكشف الغمام فأقبلوا إليه وقالوا ) لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ( فأخذتهم الرجفة أي الصاعقة أو رجفة الجبل فصعقوا منها ) قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي ( تمنى هلاكهم وهلاكه قبل أن يرى ما رأى أو بسبب آخر أو عنى به أنك قدرت على اهلاكهم قبل ذلك بحمل فرعون على اهلاكهم وبإغراقهم في البحر وغيرهما فترحمت عليهم بالانقاذ منها فإن ترحمت عليهم مرة أخرى لم يبعد من عميم إحسانك ) أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ( من العناد والتجاسر على طلب الرؤية وكان ذلك قاله بعضهم وقيل المراد بما فعل السفهاء عبادة العجل والسبعون اختارهم موسى لميقات التوبة عنها فغشيتهم هيبة قلقوا منها ورجفوا حتى كادت تبين مفاصلهم وأشرفوا على الهلاك فخاف عليهم موسى فبكى ودعا فكشفها الله عنهم ) إن هي إلا فتنتك ( ابتلاؤك حين أسمعتهم كلامك حتى طمعوا في الرؤية أو أوجدت في العجل خوارا فزاغوا به ) تضل بها من تشاء ( ضلاله بالتجاوز عن حده أو باتباع المخايل ) وتهدي من تشاء ( هداه فيقوى بها ايمانه ) أنت ولينا ( القائم بأمرنا ) فاغفر لنا ( بمغفرة ما قارفنا ) وارحمنا وأنت خير الغافرين ( تغفر السيئة وتبدلها بالحسنة(3/63)
" صفحة رقم 64 "
الأعراف : ( 156 ) واكتب لنا في . . . . .
) واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة ( حسن معيشة وتوفيق طاعة ) وفي الآخرة ( الجنة ) إنا هدنا إليك ( تبنا إليك من هاد يهود إذا رجع وقرئ بالكسر من هاده يهيده إذا أماله ويحتمل أن يكون مبنيا للفاعل وللمفعول بمعنى املنا أنفسنا وأملنا إليك ويجوز أن يكون المضموم أيضا مبنيا للمفعول منه على لغة من يقول عود المريض ) قال عذابي أصيب به من أشاء ( تعذيبه ) ورحمتي وسعت كل شيء ( في الدنيا المؤمن والكافر بل المكلف وغيره ) فسأكتبها ( فسأثبتها في الآخرة أو فسأكتبها كتبة خاصة منكم يا بني إسرائيل ) للذين يتقون ( الكفر والمعاصي ) ويؤتون الزكاة ( خصها بالذكر لإنافتها ولأنها كانت أشق عليهم ) والذين هم بآياتنا يؤمنون ( فلا يكفرون بشيء منها
الأعراف : ( 157 ) الذين يتبعون الرسول . . . . .
) الذين يتبعون الرسول النبي ( مبتدأ خبره يأمرهم أو خبر مبتدأ تقديره هم الذين أو بدل من الذين يتقون بدل البعض أو الكل والمراد من آمن منهم بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وإنما سماه رسولا بالإضافة إلى الله تعالى ونبيا بالإضافة إلى العباد ) الأمي ( الذي لا يكتب ولا يقرأ وصفه به تنبيها على أن كمال علمه مع حاله إحدى معجزاته ) الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ( اسما وصفة ) يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ( مما حرم عليهم كالشحوم ) ويحرم عليهم الخبائث ( كالدم ولحم الخنزير أو كالربا والرشوة ) ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ( ويخفف عنهم ما كلفوا به من التكاليف الشاقة كتعيين القصاص في العمد والخطأ وقطع الاعضاء الخاطئة وقرض(3/64)
" صفحة رقم 65 "
موضع النجاسة وأصل الإصر الثقل الذي يأصر صاحبه أي يحبسه من الحراك لثقله وقرأ ابن عامر آصارهم ) فالذين آمنوا به وعزروه ( وعظموه بالتقوية وقرئ بالتخفيف وأصله المنع ومنه التعزير ) ونصروه ( لي ) واتبعوا النور الذي أنزل معه ( أي مع نبوته يعني القرآن وإنما سماه نورا لأنه بإعجازه ظاهر أمره مظهر غيره أو لأنه كاشف الحقائق مظهر لها ويجوز أن يكون معه متعلقا باتبعوا أي واتبعوا النور المنزل مع اتباع النبي فيكون إشارة إلى اتباع الكتاب والسنة ) أولئك هم المفلحون ( الفائزون بالرحمة الابدية ومضمون الآية جواب دعاء موسى ( صلى الله عليه وسلم )
الأعراف : ( 158 ) قل يا أيها . . . . .
) قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم ( الخطاب عام كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مبعوثا إلى كافة الثقلين وسائر الرسل إلى أقوامهم ) جميعا ( حال من إليكم ) الذي له ملك السماوات والأرض ( صفة لله وإن حيل بينهما بما هو متعلق المضاف إليه لأنه كالتقدم عليه أو مدح منصوب أو مرفوع أو مبتدأ خبره ) لا إله إلا هو ( وهو على الوجوه الأول بيان لما قبله فإن من ملك العالم كان هو الإله لا غيره وفي ) يحيي ويميت ( مزيد تقرير لاختصاصه بالألوهية ) فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته ( ما أنزل عليه وعلى سائر الرسل من كتبه ووحيه وقرئ وكلمته على إرادة الجنس أو القرآن أو عيسى تعريضا لليهود وتنبيها على أن من لم يؤمن به لم يعتبر ايمانه وانما عدل عن التكلم إلى الغيبة لإجراء هذه الصفات الداعية إلى الإيمان به والاتباع له ) واتبعوه لعلكم تهتدون ( جعل رجاء الاهتداء أثر الأمرين تنبيها على أن من صدقه ولم يتابعه بالتزام شرعه فهو يعد في خطط الضلالة(3/65)
" صفحة رقم 66 "
الأعراف : ( 159 ) ومن قوم موسى . . . . .
) ومن قوم موسى ( يعنى من بني إسرائيل ) أمة يهدون بالحق ( يهدون الناس محقين أو بكلمة الحق ) وبه ( بالحق يعدلون بينهم في الحكم والمراد بها الثابتون على الإيمان القائمون بالحق من أهل زمانه اتبع ذكرهم ذكر أضدادهم على ما هو عادة القرآن تنبيها على أن تعارض الخير والشر وتزاحم أهل الحق والباطل أمر مستمر وقيل مؤمنو أهل الكتاب وقيل قوم وراء الصين رآهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة المعراج فآمنوا به
الأعراف : ( 160 ) وقطعناهم اثنتي عشرة . . . . .
) وقطعناهم ( وصيرناهم قطعا متميزا بعضهم عن بعض ) اثنتي عشرة ( مفعول ثان لقطع فإنه متضمن معنى صير أو حال وتأنيثه للحمل على الأمة أو القطعة ) أسباطا ( بدل منه ولذلك جمع أو تمييز له على أن كل واحد من اثنتي عشرة اسباط فكأنه قيل اثنتي عشرة قبيلة وقرئ بكسر الشين وإسكانها ) أمما ( على الأول بدل بعد بدل أو نعت أسباط وعلى الثاني بدل من اسباط ) وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه ( في التيه ) أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست ( أي فضرب فانبجست وحذفه للإيماء على أن موسى ( صلى الله عليه وسلم ) لم يتوقف في الامتثال وان ضربه لم يكن مؤثرا يتوقف عليه الفعل في ذاته ) منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس ( كل سبط ) مشربهم وظللنا عليهم الغمام ( ليقيهم حر الشمس ) وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا ( أي وقلنا لهم كلوا ) من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( سبق تفسيره في سورة البقرة
الأعراف : ( 161 ) وإذ قيل لهم . . . . .
) وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية ( بإضمار اذكروا لقرية بيت المقدس ) وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا ( مثل ما في سورة البقرة معنى غير أن قوله ) فكلوا ( فيها بالفاء أفاد تسبب سكناهم للأكل منها ولم يتعرض له ها هنا اكتفاء بذكره ثمة أو بدلالة الحال عليه واما تقديم قوله قولوا على وادخلوا فلا أثر له في المعنى لأنه لا(3/66)
" صفحة رقم 67 "
يوجب الترتيب وكذا الواو العاطفة بينهما ) نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين ( وعد بالغفران والزيادة عليه بالإثابة وانما اخرج الثاني مخرج الاستئناف للدلالة على أنه تفضل محض ليس في مقابلة ما أمروا به وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب تغفر بالتاء والبناء للمفعول و ) خطيئاتكم ( بالجمع والرفع غير ابن عامر فإنه وحد وقرأ أبو عمرو خطاياكم
الأعراف : ( 162 ) فبدل الذين ظلموا . . . . .
) فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون ( مضى تفسيره فيها
الأعراف : ( 163 ) واسألهم عن القرية . . . . .
) واسألهم ( للتقرير والتقريع بقديم كفرهم وعصيانهم والإعلام بما هو من علومهم التي لا تعلم إلا بتعليم أو وحي ليكون لك ذلك معجزة عليهم ) عن القرية ( عن خبرها وما وقع بأهلها ) التي كانت حاضرة البحر ( قريبة منه وهي أيلة قرية بين مدين والطور على شاطئ البحر وقيل مدين وقيل طبرية ) إذ يعدون في السبت ( يتجاوزون حدود الله بالصيد يوم السبت ) وإذ ( ظرف ل ) كانت ( أو ) حاضرة ( أو للمضاف المحذوف أو بدل منه بدل اشتمال ) إذ تأتيهم حيتانهم ( ظرف ل ) يعدون ( أو بدل بعد بدل وقرئ ) يعدون ( وأصله يعتدون ويعدون من آل الإعداد أي يعدون آلات الصيد يوم السبت وقد نهوا أن يشتغلوا فيه بغير العبادة ) يوم سبتهم شرعا ( يوم تعظيمهم أمر السبت مصدر سبتت اليهود إذا عظمت سبتها بالتجرد للعبادة وقيل اسم لليوم والإضافة لاختصاصهم بإحكام فيه ويؤيد الأول إن قرئ يوم اسباتهم وقوله ) ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ((3/67)
" صفحة رقم 68 "
وقرئ ) لا يسبتون ( من أسبت و ) لا يسبتون ( على البناء للمفعول بمعنى لا يدخلون في السبت و ) شرعا ( حال من الحيتان ومعناه ظاهرة على وجه الماء من شرع علينا إذا دنا وأشرف ) كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون ( مثل ذلك البلاء الشديد نبلوهم بسبب فسقهم وقيل كذلك متصل بما قبله أي لا تأتيهم مثل إتيانهم يوم السبت والباء متعلق ب ) يعدون )
الأعراف : ( 164 ) وإذ قالت أمة . . . . .
) وإذ قالت ( عطف على ) إذ يعدون ( ) أمة منهم ( جماعة من أهل القرية يعني صلحاءهم الذين اجتهدوا في موعظتهم حتى أيسوا من اتعاظهم ) لم تعظون قوما الله مهلكهم ( مخترمهم ) أو معذبهم عذابا شديدا ( في الآخرة لتماديهم في العصيان قالوه مبالغة في أن الوعظ لا ينفع فيهم أو سؤالا عن علة الوعظ ونفعه وكأنه تقاول بينهم أو قول من ارعوى عن الوعظ لمن لم يرعو منهم وقيل المراد طائفة من الفرقة الهالكة أجابوا به وعاظهم ردا عليهم وتهكما بهم ) قالوا معذرة إلى ربكم ( جواب للسؤال أي موعظتنا انهاء عذر إلى الله حتى لا ننسب إلى تفريط في النهي عن المنكر وقرأ حفص ) معذرة ( بالنصب على المصدر أو العلة أي اعتذرنا به معذرة ووعظناهم معذرة ) ولعلهم يتقون ( إذ اليأس لا يحصل إلا بالهلاك
الأعراف : ( 165 ) فلما نسوا ما . . . . .
) فلما نسوا ( تركوا ترك الناسي ) ما ذكروا به ( ما ذكرهم به صلحاؤهم ) أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا ( بالإعتداء ومخالفة أمر الله ) بعذاب بئيس ( شديد فعيل من بؤس يبؤس بؤسا إذا اشتد وقرأ أبو بكر بيئس على فيعل كضيغم وابن عامر بئس بكسر الباء وسكون الهمز على انه بئس كحذر كما قرئ به فخفف عينه بنقل حركتها إلى الفاء ككبد في كبد وقرأ نافع بيس على قلب الهمزة ياء كما قلبت في ذئب أو على انه فعل الذم وصف به فجعل اسما وقرئ بيس كريس على قلب الهمزة ثم(3/68)
" صفحة رقم 69 "
ادعامها وبيس بالتخفيف كهين وبائس كفاعل ) بما كانوا يفسقون ( بسبب فسقهم
الأعراف : ( 166 ) فلما عتوا عن . . . . .
) فلما عتوا عن ما نهوا عنه ( تكبروا عن ترك ما نهوا عنه كقوله تعالى ) وعتوا عن أمر ربهم ( ) قلنا لهم كونوا قردة خاسئين ( كقوله ) إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ( والظاهر يقتضي أن الله تعالى عذبهم أولا بعذاب شديد فعتوا بعد ذلك فمسخهم ويجوز أن تكون الآية الثانية تقريرا وتفصيلا للأولى روي أن الناهين لما أيسوا عن اتعاظ المعتدين كرهوا مساكنتهم فقسموا القرية بجدار فيه باب مطروق فأصبحوا يوما ولم يخرج إليهم أحد من المعتدين فقالوا إن لهم شأنا فدخلوا عليهم فإذا هم قردة فلم يعرفوا أنسبائهم ولكن القردة تعرفهم فجعلت تأتي انسباءهم وتشم ثيابهم وتدور باكية حولهم ثم ماتوا بعد ثلاث وعن مجاهد مسخت قلوبهم لا أبدانهم
الأعراف : ( 167 ) وإذ تأذن ربك . . . . .
) وإذ تأذن ربك ( أي أعلم من الإيذان بمعناه كالتوعد والإيعاد أو عزم لأن العازم على الشيء يؤذن نفسه بفعله فأجرى مجرى فعل القسم كعلم الله و ) شهد الله ( ولذلك اجيب بجوابه وهو ) ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة ( والمعنى وإذ اوجب ربك على نفسه ليسلطن على اليهود ) من يسومهم سوء العذاب ( كالإذلال وضرب الجزية بعث الله عليهم بعد سليمان عليه السلام بختنصر فخرب ديارهم وقتل مقاتليهم وسبى نساءهم وذراريهم وضرب الجزية على من بقي منهم وكانوا يؤدونها إلى المجوس حتى بعث الله محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) ففعل ما فعل ثم ضرب عليهم الجزية فلا تزال مضروبة إلى آخر الدهر ) إن ربك لسريع العقاب ( عاقبهم في الدنيا ) وإنه لغفور رحيم ( لمن تاب وآمن
الأعراف : ( 168 ) وقطعناهم في الأرض . . . . .
) وقطعناهم في الأرض أمما ( وفرقناهم فيها بحيث لا يكاد يخلو قطر منهم تتمة لأدبارهم حتى لا يكون لهم شوكة قط و ) أمما ( مفعول ثان أو حال ) ومنهم دون ذلك ( تقديره ومنهم أناس دون ذلك أي منحطون عن الصلاح وهم كفرتهم وفسقتهم ) وبلوناهم بالحسنات والسيئات ( بالنعم والنقم ) لعلهم يرجعون ( ينهون فيرجعون عما كانوا عليه(3/69)
" صفحة رقم 70 "
الأعراف : ( 169 ) فخلف من بعدهم . . . . .
) فخلف من بعدهم ( من بعد المذكورين ) خلف ( بدل سوء مصدر نعت به ولذلك يقع على الواحد والجمع وقيل جمع وهو شائع في ) ورثوا الكتاب ( التوراة من اسلافهم يقرؤونها ويقفون على ما فيها ) يأخذون عرض هذا الأدنى ( حطام هذا الشيء الأدنى يعني الدنيا وهو من الدنو أو الدناءة وهو ما كانوا يأخذون من الرشا في الحكومة وعلى تحريف الكلم والجملة حال من الواو ) ويقولون سيغفر لنا ( لا يؤاخذنا الله بذلك ويتجاوز عنه وهو يحتمل العطف والحال والفعل مسند إلى الجار والمجرور أو مصدر يأخذون ) وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ( حال من الضمير في ) لنا ( أي يرجون المغفرة مصرين على الذنب عائدين إلى مثله غير تائبين عنه ) ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ( أي في الكتاب ) أن لا يقولوا على الله إلا الحق ( عطف بيان للميثاق أو متعلق به أي بأن يقولوا والمراد توبيخهم على البت بالمغفرة مع عدم التوبة والدلالة على أنه افتراء على الله وخروج عن ميثاق الكتاب ) ودرسوا ما فيه ( عطف على ) ألم يؤخذ ( من حيث المعنى فإنه تقرير أو على ) ورثوا ( وهو اعتراض ) والدار الآخرة خير للذين يتقون ( مما يأخذ هؤلاء ) أفلا يعقلون ( فيعلموا ذلك ولا يستبدلوا الادنى الدنيء المؤدي إلى العقاب بالنعيم المخلد وقرأ نافع وابن عامر وحفص ويعقوب بالتاء على التلوين
الأعراف : ( 170 ) والذين يمسكون بالكتاب . . . . .
) والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة ( عطف على الذين ) يتقون ( وقوله ) أفلا يعقلون ( اعتراض أو مبتدأ خبره ) إنا لا نضيع أجر المصلحين ( على تقدير منهم أو وضع الظاهر موضع المضمر تنبيها على أن الإصلاح كالمانع من التضييع وقرأ أبو بكر ) يمسكون ( بالتخفيف وإفراد الإقامة لإناقتها على سائر أنواع التمسكات(3/70)
" صفحة رقم 71 "
الأعراف : ( 171 ) وإذ نتقنا الجبل . . . . .
) وإذ نتقنا الجبل فوقهم ( أي قلعناه ورفعناه فوقهم وأصل النتق الجذب ) كأنه ظلة ( سقيفة وهي ما أظلك ) وظنوا ( وتيقنوا ) أنه واقع بهم ( ساقط عليهم لأن الجبل لا يثبت في الجو ولأنهم كانوا يوعدون به وإنما أطلق الظن لأنه لم يقع متعلقه وذلك أنهم أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة لثقلها فرفع الله الطور فوقهم وقيل لهم إن قبلتم ما فيها وإذا ليقعن عليكم ) خذوا ( على إضمار القول أي وقلنا خذوا أو قائلين خذوا ) ما آتيناكم ( من الكتاب ) بقوة ( بجد وعزم على تحمل مشاقه وهو حال من الواو ) واذكروا ما فيه ( بالعمل به ولا تتركوه كالمنسي ) لعلكم تتقون ( قبائح الأعمال ورذائل الأخلاق
الأعراف : ( 172 ) وإذ أخذ ربك . . . . .
) وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ( أي أخرج من اصلابهم نسلهم على ما يتوالدون قرنا بعد قرن و ) من ظهورهم ( بدل ) من بني آدم ( بدل البعض وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب ذرياتهم ) وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ( أي ونصب لهم دلائل ربوبيته وركب في عقولهم ما يدعوهم إلى الإقرار بها حتى صاروا بمنزلة من قيل لهم ) قالوا بلى ( فنزل تمكينهم من العلم بها وتمكنوا منه بمنزلة الاشهاد والاعتراف على طريقة التمثيل ويدل عليه قوله ) أن تقولوا يوم القيامة ( أي كراهة أن تقولوا ) إنا كنا عن هذا غافلين ( لم ننبه عليه بدليل(3/71)
" صفحة رقم 72 "
الأعراف : ( 173 ) أو تقولوا إنما . . . . .
) أو تقولوا ( عطف على ) أن تقولوا ( وقرأ أبو عمرو كليهما بالياء لان أول الكلام على الغيبة ) إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم ( فاقتدينا بهم لان التقليد عند قيام الدليل والتمكن من العلم به لا يصلح عذرا ) أفتهلكنا بما فعل المبطلون ( يعنى اباءهم المبطلين بتأسيس الشرك وقيل لما خلق الله آدم أخرج من ظهره ذرية كالذر وأحياهم وجعل لهم العقل والنطق وألهمهم ذلك لحديث رواه عمر رضي الله تعالى عنه وقد حققت الكلام فيه في شرحي لكتاب المصابيح والمقصود من إيراد هذا الكلام ها هنا إلزام اليهود بمقتضى الميثاق العام بعد ما ألزمهم بالميثاق المخصوص بهم والاحتجاج عليهم بالحجج السمعية والعقلية ومنعهم عن التقليد وحملهم على النظر والاستدلال كما
الأعراف : ( 174 ) وكذلك نفصل الآيات . . . . .
) وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون ( أي عن التقليد واتباع الباطل
الأعراف : ( 175 ) واتل عليهم نبأ . . . . .
) واتل عليهم ( أي على اليهود ) نبأ الذي آتيناه آياتنا ( هو أحد علماء بني إسرائيل أو أمية بن أبي الصلت فإنه كان قد قرأ الكتب وعلم أن الله تعالى مرسل رسولا في ذلك الزمان ورجا أن يكون هو فلما بعث محمد عليه السلام حسده وكفر به أو بلعم بن باعوراء من الكنعانيين أوتي علم بعض كتب الله ) فانسلخ منها ( من الآيات بأن كفر بها(3/72)
" صفحة رقم 73 "
واعرض عنها ) فأتبعه الشيطان ( حتى لحقه وقيل استتبعه ) فكان من الغاوين ( فصار من الضالين روي أن قومه سألوه أن يدعو على موسى ومن معه فقال كيف أدعو على من معه الملائكة فألحوا حتى دعا عليهم فبقوا في التيه
الأعراف : ( 176 ) ولو شئنا لرفعناه . . . . .
) ولو شئنا لرفعناه ( إلى منازل الابرار من العلماء ) بها ( بسبب تلك الآيات وملازمتها ) ولكنه أخلد إلى الأرض ( مال إلى الدنيا أو إلى السفالة ) واتبع هواه ( في إيثار الدنيا واسترضاء قومه واعرض عن مقتضى الايات وانما علق رفعه بمشيئة الله تعالى ثم استدرك عنه بفعل العبد تنبيها على أن المشيئة سبب لفعله الموجب لرفعه وان عدمه(3/73)
" صفحة رقم 74 "
دليل عدمها دلالة انتفاء المسبب على انتفاء سببه وان السبب الحقيقي هو المشيئة وان ما نشاهده من الاسباب وسائط معتبرة في حصول المسبب من حيث أن المشيئة تعلقت به كذلك وكان من حقه أن يقول ولكنه اعرض عنها فأوقع موقعه ) أخلد إلى الأرض واتبع هواه ( مبالغة وتنبيها على ما حمله عليه وان حب الدنيا راس كل خطيئة ) فمثله ( فصفته التي هي مثل في الخسة ) كمثل الكلب ( كصفته في أخس أحواله وهو ) إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ( أي يلهث دائما سواء حمل عليه بالزجر والطرد أو ترك ولم يتعرض له بخلاف سائر الحيوانات لضعف فؤاده واللهث إدلاع اللسان من التنفس الشديد والشرطية في موضع الحال والمعنى لاهثا في الحالتين والتمثيل واقع موقع لازم التركيب الذي هو نفي الرفع ووضع المنزلة للمبالغة والبيان وقيل لما دعا على موسى ( صلى الله عليه وسلم ) خرج لسانه فوقع على صدره وجعل يلهث كالكلب ) ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص ((3/74)
" صفحة رقم 75 "
القصة المذكورة على اليهود فإنها نحو قصصهم ) لعلهم يتفكرون ( تفكرا يؤدي بهم إلى الاتعاظ ) ساء مثلا القوم ( أي مثل القوم وقرئ
الأعراف : ( 177 ) ساء مثلا القوم . . . . .
) ساء مثلا القوم ( على حذف المخصوص بالذم ) الذين كذبوا بآياتنا ( بعد قيام الحجة عليهم وعلمهم بها ) وأنفسهم كانوا يظلمون ( إما أن يكون داخلا في الصلة معطوفا على كذبوا بمعنى الذين جمعوا بين تكذيب الايات وظلم أنفسهم أو منقطعا عنها بمعنى وما ظلموا بالتكذيب إلا أنفسهم فإن وباله لا يتخطاها ولذلك قدم المفعول(3/75)
" صفحة رقم 76 "
الأعراف : ( 178 ) من يهد الله . . . . .
) من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون ( تصريح بأن الهدى والضلال من الله وأن هداية الله تختص ببعض دون بعض وأنها مستلزمة للاهتداء والافراد في الأول والجمع في الثاني باعتبار اللفظ والمعنى تنبيه على أن المهتدين كواحد لاتحاد طريقهم بخلاف الضالين والاقتصار في الأخبار عمن هداه الله بالمهتدي تعظيم لشأن الاهتداء وتنبيه على أنه في نفسه كمال جسيم ونفع عظيم لو لم يحصل له غيره لكفاه وأنه المستلزم للفوز بالنعم الآجلة والعنوان لها
الأعراف : ( 179 ) ولقد ذرأنا لجهنم . . . . .
) ولقد ذرأنا ( خلقنا ) لجهنم كثيرا من الجن والإنس ( يعني المصرين على الكفر(3/76)
" صفحة رقم 77 "
في علمه تعالى ) لهم قلوب لا يفقهون بها ( إذ لا يلقونها إلى معرفة الحق والنظر في دلائله ) ولهم أعين لا يبصرون بها ( أي لا ينظرون إلى ما خلق الله نظر اعتبار ) ولهم آذان لا يسمعون بها ( الآيات والمواعظ سماع تأمل وتذكر ) أولئك كالأنعام ( في عدم الفقه والإبصار للاعتبار والاستماع للتدبر أو في أن مشاعرهم وقواهم متوجهة إلى أسباب التعيش مقصورة عليها ) بل هم أضل ( فإنها تدرك ما يمكن لها أن تدرك من المنافع والمضار وتجتهد في جلبها ودفعها غاية جهدها وهم ليسوا كذلك بل أكثرهم يعلم أنه معاند فيقدم على النار ) أولئك هم الغافلون ( الكاملون في الغفلة
الأعراف : ( 180 ) ولله الأسماء الحسنى . . . . .
) ولله الأسماء الحسنى ( لأنها دالة على معان هي أحسن المعاني والمراد بها الألفاظ وقيل الصفات ) فادعوه بها ( فسموه بتلك الأسماء ) وذروا الذين يلحدون في أسمائه ( واتركوا تسمية الزائغين فيها الذين يسمونه بما لا توقيف فيه إذ ربما يوهم معنى فاسدا كقولهم يا أبا المكارم يا أبيض الوجه أو لا تبالوا بإنكارهم ما سمى به نفسه كقولهم ما نعرف إلا رحمان اليمامة أو وذروهم وإلحادهم فيها بإطلاقها على الاصنام واشتقاق اسمائها منها كاللات من الله والعزى من العزيز ولا توافقوهم عليه أو أعرضوا عنهم فإن الله مجازيهم كما قال ) سيجزون ما كانوا يعملون ( وقرأ حمزة هنا وفي فصلت ) يلحدون ( بالفتح يقال لحد وألحد إذا مال عن القصد(3/77)
" صفحة رقم 78 "
الأعراف : ( 181 ) وممن خلقنا أمة . . . . .
) وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ( ذكر ذلك بعد ما بين أنه خلق للنار طائفة ضالين ملحدين عن الحق للدلالة على أنه خلق أيضا للجنة هادين بالحق عادلين في الأمر واستدل به على صحة الإجماع لأن المراد منه أن في كل قرن طائفة بهذه الصفة لقوله عليه الصلاة والسلام لا تزال من أمتي طائفة على الحق إلى أن يأتي أمر الله إذ لو اختص بعهد الرسول أو غيره لم يكن فائدة فإنه معلوم
الأعراف : ( 182 ) والذين كذبوا بآياتنا . . . . .
) والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم ( سنستدنيهم إلى الهلاك قليلا قليلا وأصل الاستدراج الاستصعاد أو الاستنزال درجة بعد درجة ) من حيث لا يعلمون ( ما نريد بهم وذلك أن تتواتر عليهم النعم فيظنوا أنها لطف من الله تعالى بهم فيزدادوا بطرا وانهماكا في الغي حتى يحق عليهم كلمة العذاب
الأعراف : ( 183 ) وأملي لهم إن . . . . .
) وأملي لهم ( وأمهلهم عطف على ) سنستدرجهم ( ) إن كيدي متين ( إن أخذي شديد وإنما سماه كيدا لأن ظاهره إحسان وباطنه خذلان
الأعراف : ( 184 ) أولم يتفكروا ما . . . . .
) أولم يتفكروا ما بصاحبهم ( يعني محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) ) من جنة ( من جنون روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) صعد على الصفا فدعاهم فخذا فخذا يحذرهم بأس الله تعالى فقال قائلهم إن صاحبكم لمجنون بات يهوت إلى الصباح فنزلت ) إن هو إلا نذير مبين ( موضح إنذاره بحيث لا يخفى على ناظر
الأعراف : ( 185 ) أولم ينظروا في . . . . .
) أولم ينظروا ( نظر استدلال ) في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء ( مما يقع عليه اسم الشيء من الأجناس التي لا يمكن حصرها ليدلهم على كمال قدرة صانعها ووحدة مبدعها وعظم شأن مالكها ومتولي أمرها ليظهر لهم صحة ما يدعوهم إليه ) وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم ( عطف على ملكوت وأن مصدرية أو مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وكذا اسم يكون والمعنى أو لم ينظروا في اقتراب آجالهم(3/78)
" صفحة رقم 79 "
وتوقع حلولها فيسارعوا إلى طلب الحق والتوجه إلى ما ينجيهم قبل مغافصة الموت ونزول العذاب ) فبأي حديث بعده ( أي بعد القرآن ) يؤمنون ( إذا لم يؤمنوا به وهو النهاية في البيان كأنه إخبار عنهم بالطبع والتصميم على الكفر بعد إلزام الحجة والارشاد إلى النظر وقيل هو متعلق بقوله عسى أن يكون كأنه قيل لعل أجلهم قد اقترب فما بالهم لا يبادرون الإيمان بالقرآن وماذا ينتظرون بعد وضوحه فإنلم يؤمنوا به فبأي حديث أحق منه يريدون أن يؤمنوا به
الأعراف : ( 186 ) من يضلل الله . . . . .
وقوله ) من يضلل الله فلا هادي له ( كالتقرير والتعليل له ) ونذرهم في طغيانهم ( بالرفع على الاستئناف وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب بالياء لقوله ) من يضلل الله ( وحمزة والكسائي به وبالجزم عطفا على محل ) فلا هادي له ( كأنه قيل لا يهده أحد غيره ) ونذرهم ( ) يعمهون ( حال من هم
الأعراف : ( 187 ) يسألونك عن الساعة . . . . .
) يسألونك عن الساعة ( أي عن القيامة وهي من الأسماء الغالبة وإطلاقها عليها إما لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها أو لأنها على طولها عند الله كساعة ) أيان مرساها ( متى إرساؤها أي إثباتها واستقرارها ورسو الشيء ثباته واستقراره ومنه رسا الجبل وأرسى السفينة واشتقاق ) أيان ( من أي لأن معناه أي وقت وهو من أويت إليه لأن البعض أوى إلى الكل ) قل إنما علمها عند ربي ( استأثر به لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ) لا يجليها لوقتها ( لا يظهر أمرها في وقتها ) إلا هو ( والمعنى أن الخفاء بها مستمر(3/79)
" صفحة رقم 80 "
على غيره إلى وقت وقوعها واللام للتأقيت كاللام في قوله ) أقم الصلاة لدلوك الشمس ( ) ثقلت في السماوات والأرض ( عظمت على أهلها من الملائكة والثقلين لهولها وكأنه إشارة إلى الحكمة في إخفائها ) لا تأتيكم إلا بغتة ( إلا فجأة على غفلة كما قال عليه الصلاة والسلام إن الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه والرجل يسقي ماشيته والرجل يقوم سلعته في سوقه والرجل يخفض ميزانه ويرفعه ) يسألونك كأنك حفي عنها ( عالم بها فعيل من حفى عن الشيء إذا سأل عنه فإن من بالغفي السؤال عن الشيء والبحث عنه استحكم علمه فيه ولذلك عدي بعن وقيل هي صلة ) يسألونك ( وقيل هو من الحفاوة بمعنى الشفقة فإن قريشا قالوا له إن بيننا وبينك قرابة فقل لنا متى الساعة والمعنى يسألونك عنها كأنك حفي تتحفى بهم فتحضهم لأجل قرابتهم بتعليم وقتها وقيل معناه كأنك حفي بالسؤال عنها تحبه من حفى بالشيء إذا فرح أن تكثره لأنه من الغيب الذي استأثر الله بعلمه ) قل إنما علمها عند الله ( كرره لتكرير يسألونك لما نيط به من هذه الزيادة وللمبالغة ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( أن علمها عند الله لم يؤته أحدا من خلقه(3/80)
" صفحة رقم 81 "
الأعراف : ( 188 ) قل لا أملك . . . . .
) قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا ( جلب نفع ولا دفع ضر وهو إظهار للعبودية والتبري من ادعاء العلم بالغيوب ) إلا ما شاء الله ( من ذلك فيلهمني إياه ويوفقني له ) ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ( ولو كنت أعلمه لخالفت حالي ما هي عليه من استكثار المنافع واجتناب المضار حتى لا يمسني سوء ) إن أنا إلا نذير وبشير ( ما أنا إلا عبد مرسل للانذار والبشارة ) لقوم يؤمنون ( فإنهم المنتفعون بهما ويجوز أن يكون متعلقا بال ) بشير ( ومتعلق آل ) نذير ( محذوف
الأعراف : ( 189 ) هو الذي خلقكم . . . . .
) هو الذي خلقكم من نفس واحدة ( هو آدم ) وجعل منها ( من جسدها من ضلع من اضلاعها أو من جنسها كقوله ) جعل لكم من أنفسكم أزواجا ( ) زوجها ((3/81)
" صفحة رقم 82 "
حواء ) ليسكن إليها ( ليستأنس بها ويطمئن إليها اطمئنان الشيء إلى جزئه أو جنسه وإنما ذكر الضمير ذهابا إلى المعنى ليناسب ) فلما تغشاها ( أي جامعها ) حملت حملا خفيفا ( خف عليها ولم تلق منه ما تلقى منه الحوامل غالبا من الأذى أو محمولا خفيفا وهو النطفة ) فمرت به ( فاستمرت به أي قامت وقعدت وقرئ ) فمرت ( بالتخفيف وفاستمرت به وفمارت من المور وهو المجيء والذهاب أو من المرية أي فظنت الحمل وارتابت منه ) فلما أثقلت ( صارت ذات ثقل بكبر الولد في بطنها وقرئ على البناء للمفعول أي أثقلها حملها ) دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا ( ولدا سويا قد صلح بدنه ) لنكونن من الشاكرين ( لك على هذه النعمة المجددة
الأعراف : ( 190 ) فلما آتاهما صالحا . . . . .
) فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما ( أي جعل اولادهما له شركاء فيما آتى اولادهما فسموه عبد العزى وعبد مناف على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ويدل عليه قوله ) فتعالى الله عما يشركون ((3/82)
" صفحة رقم 83 "
الأعراف : ( 191 ) أيشركون ما لا . . . . .
) أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ( يعني الأصنام وقيل لما حملت حواء اتاهما إبليس في صورة رجل فقال لها ما يدريك ما في بطنك لعله بهيمة أو كلب وما يدريك من أين يخرج فخافت من ذلك وذكرته لآدم فهما منه ثم عاد إليها وقال إني من الله بمنزلة فإن دعوت الله أن يجعله خلقا مثلك ويسهل عليك خروجه تسميه عبد الحارث وكان اسمه حارثا بين الملائكة فتقبلت فلما ولدت سمياه عبد الحارث وأمثال ذلك لا يليق بالانبياء ويحتمل أن يكون الخطاب في ) خلقكم ( لآل قصي من قريش فإنهم خلقوا من نفس قصي وكان له زوج من جنسه عربية قرشية وطلبا من الله الولد فأعطاهما أربعة بنين فسمياهم عبد مناف وعبد شمس وعبد قصي وعبد الدار ويكون الضمير في ) يشركون ( لهما ولأعقابهما المقتدين بهما وقرأ نافع وأبو بكر شركا أي شركة بأن أشركا فيه غيره أو ذوي شرك وهم الشركاء وهم ضمير الأصنام جيء به على تسميتهم إياها آلهة
الأعراف : ( 192 ) ولا يستطيعون لهم . . . . .
) ولا يستطيعون لهم نصرا ( أي لعبدتهم ) ولا أنفسهم ينصرون ( فيدفعون عنها ما يعتريها
الأعراف : ( 193 ) وإن تدعوهم إلى . . . . .
) وإن تدعوهم ( أي المشركين ) إلى الهدى ( إلى الإسلام ) لا يتبعوكم ( وقرأ نافع بالتخفيف وفتح الباء وقيل الخطاب للمشركين وهم ضمير الاصنام أي إن تدعوهم إلى أن يهدوكم لا يتبعوكم إلى مرادكم ولا يجيبوكم كما يجيبكم الله ) سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون ( وإنما لم يقل أم صمتم للمبالغة في عدم إفادة الدعاء من حيث إنه مسوى بالثبات على الصمات أو لأنهم ما كانوا يدعونها لحوائجهم فكأنه قيل سواء عليكم احداثكم دعاءهم واستمراركم على الصمات عن دعائهم(3/83)
" صفحة رقم 84 "
الأعراف : ( 194 ) إن الذين تدعون . . . . .
) إن الذين تدعون من دون الله ( أي تعبدونهم وتسمونهم آلهة ) عباد أمثالكم ( من حيث إنها مملوكة مسخرة ) فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ( أنهم آلهة ويحتمل أنهم لما نحتوها بصور الأناسي قال لهم أن قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء امثالكم فلا يستحقون عبادتكم كما لا يستحق بعضكم عبادة بعض ثم عاد عليه بالنقض فقال
الأعراف : ( 195 ) ألهم أرجل يمشون . . . . .
) ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها ( وقرئ ) إن الذين ( بتخفيف ) إن ( ونصب ) عباد ( على أنها نافية عملت عمل ما الحجازية ولم يثبت مثله و ) يبطشون ( بالضم ها هنا وفي القصص والدخان ) قل ادعوا شركاءكم ( واستعينوا بهم في عداوتي ) ثم كيدون ( فالبغوا فيما تقدرون عليه من مكر وهي أنتم وشركاؤكم ) فلا تنظرون ( فلا تمهلون فإني لا أبالي بكم لوثوقي على ولاية الله تعالى وحفظه
الأعراف : ( 196 ) إن وليي الله . . . . .
) إن وليي الله الذي نزل الكتاب ( القرآن ) وهو يتولى الصالحين ( أي ومن عادته تعالى أن يتولى الصالحين من عباده فضلا عن أنبيائه
الأعراف : ( 197 ) والذين تدعون من . . . . .
) والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون ( من تمام التعليل لعدم مبالاته بهم
الأعراف : ( 198 ) وإن تدعوهم إلى . . . . .
) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ( يشبهون الناظرين إليك لأنهم صوروا بصورة من ينظر إلى من يواجهه
الأعراف : ( 199 ) خذ العفو وأمر . . . . .
) خذ العفو ( أي خذ ما عفا لك من أفعال الناس وتسهل ولا تطلب ما يشق عليهم من العفو الذي هو ضد الجهد أو ) خذ العفو ( عن المذنبين أو الفضل وما يسهل من صدقاتهم وذلك قبل وجوب الزكاة ) وأمر بالعرف ( المعروف المستحسن من الأفعال ) وأعرض عن الجاهلين ( فلا تمارهم ولا تكافئهم بمثل أفعالهم وهذه الآية جامعة لمكارم الأخلاق آمرة للرسول باستجماعها(3/84)
" صفحة رقم 85 "
الأعراف : ( 200 ) وإما ينزغنك من . . . . .
) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ ( ينخسنك منه نخس أي وسوسة تحملك على خلاف ما أمرت به كاعتراء غضب وفكر والنزغ والنسغ والنخس الغرز شبه وسوسته إغراء لهم على المعاصي وإزعاجا بغرز السائق ما يسوقه ) فاستعذ بالله إنه سميع ( يسمع استعاذتك ) عليم ( يعلم ما فيه صلاح أمرك فيحملك عليه أو سميع بأقوال من آذاك عليهم بأفعاله فيجازيه عليها مغنيا إياك عن الانتقام ومشايعة الشيطان
الأعراف : ( 201 ) إن الذين اتقوا . . . . .
) إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان ( لمة منه وهو اسم فاعل من طاف يطوف كأنها طافت بهم ودارت حولهم فلم تقدر أن تؤثر فيهم أو من طاف به الخيال يطيف طيفا وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب طيف على أنه مصدر أو تخفيف طيف كلين وهين والمراد بالشيطان الجنس ولذلك جمع ضميره ) تذكروا ( ما أمر الله به ونهى عنه ) فإذا هم مبصرون ( بسبب التذكر مواقع الخطأ ومكايد الشيطان فيتحرزون عنها ولا يتبعونه فيها والآية تأكيد وتقرير لما قبلها وكذا قوله
الأعراف : ( 202 ) وإخوانهم يمدونهم في . . . . .
) وإخوانهم يمدونهم ( أي وإخوان الشياطين الذين لم يتقوا بمدهم الشياطين ) في الغي ( بالتزيين والحمل عليه وقرئ ) يمدونهم ( من أمد ويمادونهم كأنهم يعينونهم بالتسهيل والاغراء وهؤلاء يعينونهم بالاتباع والامتثال ) ثم لا يقصرون ( ثم لا يمسكون عن اغوائهم حتى يردوهم ويجوز أن يكون الضمير للاخوان أي لا يكفون عن الغي ولا يقصرون كالمتقين ويجوز أن يراد بال ) إخوان ( الشياطين ويرجع الضمير إلى ) الجاهلين ( فيكون الخبر جاريا على ما هو له
الأعراف : ( 203 ) وإذا لم تأتهم . . . . .
) وإذا لم تأتهم بآية ( من القرآن أو مما اقترحوه ) قالوا لولا اجتبيتها ( هلا جمعتها تقولا من نفسك كسائر ما تقرؤه أو هلا طلبتها من الله ) قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي ( لست بمختلق للآيات أو لست بمقترح لها ) هذا بصائر من ربكم ( هذا القرآن بصائر للقلوب بها يبصر الحق ويدرك الصواب ) وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ( سبق تفسيره(3/85)
" صفحة رقم 86 "
الأعراف : ( 204 ) وإذا قرئ القرآن . . . . .
) وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ( نزلت في الصلاة كانوا يتكلمون فيها فأمروا باستماع قراءة الأمام والانصات له وظاهر اللفظ يقتضي وجوبهما حيث يقرأ القرآن مطلقا وعامة العلماء على استحبابهما خارج الصلاة واحتج به من لا يرى وجوب القراءة على المأموم وهو ضعيف
الأعراف : ( 205 ) واذكر ربك في . . . . .
) واذكر ربك في نفسك ( عام في الاذكار من القراءة والدعاء وغيرهما أو أمر للمأموم بالقراءة سرا بعد فراغ الأمام عن قراءته كما هو مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه ) تضرعا وخيفة ( متضرعا وخائفا ) ودون الجهر من القول ( ومتكلما كلاما فوق السر ودون الجهر فإنه أدخل في الخشوع والإخلاص ) بالغدو والآصال ( بأوقات الغدو والعشيات وقرئ والايصال وهو مصدر آصل إذا دخل في الأصيل وهو مطابق للغدو ) ولا تكن من الغافلين ( عن ذكر الله
الأعراف : ( 206 ) إن الذين عند . . . . .
) إن الذين عند ربك ( يعني ملائكة الملأ الأعلى ) لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه ( وينزهونه ) وله يسجدون ( ويخصونه بالعبادة والتذلل لا يشركون به غيره وهو تعريض بمن عداهم من المكلفين ولذلك شرع السجود لقراءته وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي فيقول يا ويله أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الاعراف جعل الله يوم القيامة بينه وبين إبليس سترا وكان آدم شفيعا له يوم القيامة(3/86)
" صفحة رقم 87 "
سورة الأنفال
بسم الله الرحمن الرحيم
الأنفال : ( 1 ) يسألونك عن الأنفال . . . . .
) يسألونك عن الأنفال ( أي الغنائم يعني حكمها وإنما سميت الغنيمة نفلا لأنها عطية من الله وفضل كما سمي به ما يشرطه الأمام لمقتحم خطر عطية له وزيادة على سهمه ) قل الأنفال لله والرسول ( أي أمرها مختص بهما يقسمها الرسول على ما يأمره الله به وسبب نزوله اختلاف المسلمين في غنائم بدر أنها كيف تقسم ومن يقسم المهاجرون منهم أو الأنصار وقيل شرط رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لمن كان له غناء أن ينفله فتسارع شبانهم حتى قتلوا سبعين وأسروا سبعين ثم طلبوا نفلهم وكان المال قليلا فقال الشيوخ والوجوه الذين كانوا عند الرايات كنا ردءا لكم وفئة تنحازون إلينا فنزلت فقسمها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بينهم على السواء ولهذا قيل لا يلزم الأمام أن يفي بما وعد وهو قول الشافعي رضي الله عنه وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال لما كان يوم بدر قتل أخي عمير فقتلت به سعيد بن العاص وأخذت سيفه فأتيت به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) واستوهبته منه فقال ليس هذا لي ولا لك اطرحه في القبض فطرحته وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي فما جاوزت إلا قليلا حتى نزلت سورة الانفال فقال لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سألتني السيف وليس لي وأنه قد صار لي فاذهب فخذه وقرئ ويسألونك علنفال بحذف الهمزة والفاء حركتها على اللام وإدغام نون عن فيها ويسألونك الانفال أي يسألك الشبان ما شرطت لهم ) فاتقوا الله ( في الاختلاف والمشاجرة ) وأصلحوا ذات بينكم ( الحال التي بينكم(3/87)
" صفحة رقم 88 "
بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم الله وتسليم أمره إلى الله والرسول ) وأطيعوا الله ورسوله ( فيه ) إن كنتم مؤمنين ( فإن الإيمان يقتضي ذلك أو أن كنتم كاملي الإيمان فإن كمال الإيمان بهذه الثلاثة طاعة الأوامر والاتقاء عن المعاصي وإصلاح ذات البين بالعدل والإحسان
الأنفال : ( 2 ) إنما المؤمنون الذين . . . . .
) إنما المؤمنون ( أي الكاملون في الإيمان ) الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ( فزعت لذكره استعظاما له وتهيبا من جلاله وقيل هو الرجل يهم بمعصية فيقال له اتق الله فينزع عنها خوفا من عقابه وقرئ ) وجلت ( بالفتح وهي لغة وفرقت أي خافت ) وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ( لزيادة المؤمن به أو لاطمئنان النفس ورسوخ اليقين بتظاهر الأدلة أو بالعمل بموجبها وهو قول من قال الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية بناء على أن العمل داخل فيه ) وعلى ربهم يتوكلون ( يفوضون إليه أمورهم ولا يخشون ولا يرجون إلا إياه
الأنفال : ( 3 ) الذين يقيمون الصلاة . . . . .
) الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون )
الأنفال : ( 4 ) أولئك هم المؤمنون . . . . .
) أولئك هم المؤمنون حقا ( لأنهم حققوا إيمانهم بأن ضموا إليه مكارم أعمال القلوب من الخشية والإخلاص والتوكل ومحاسن أفعال الجوارح التي هي العيار عليها من(3/88)
" صفحة رقم 89 "
الصلاة والصدقة و ) حقا ( صفة مصدر محذوف أو مصدر مؤكد كقوله ) وعد الله حقا ( ) لهم درجات عند ربهم ( كرامة وعلو منزلة وقيل درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم ) ومغفرة ( لما فرط منهم ) ورزق كريم ( أعد لهم في الجنة لا ينقطع عدده ولا ينتهي أمده
الأنفال : ( 5 ) كما أخرجك ربك . . . . .
) كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ( خبر مبتدأ محذوف تقديره هذه الحال في كراهتهم إياها كحال إخراجك للحرب في كراهتهم له وهي كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة أو صفة مصدر الفعل المقدر في قوله ) لله والرسول ( أي الأنفال ثبتت لله والرسول ( صلى الله عليه وسلم ) مع كراهتهم ثباتا مثل ثبات إخراجك ربك من بيتك يعني المدينة لأنها مهاجرة ومسكنه أو بيته فيها مع كراهتهم ) وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ( في موقع الحال أي أخرجك في حال كراهتهم وذلك أن عير قريش أقبلت من الشأم وفيها تجارة عظيمة ومعها أربعون راكبا منهم أبو سفيان وعمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل وعمرو بن هشام فأخبر جبريل عليه السلام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبر المسلمين فأعجبهم تلقيها لكثرة المال وقلة الرجال فلما خرجوا بلغ الخبر أهل مكة فنادى أبو جهل فوق الكعبة يا أهل مكة النجاء النجاء على كل صعب وذلول عيركم أموالكم إن أصابها محمد لن تفلحوا بعدها أبدا وقد رأت قبل ذلك بثلاث عاتكة بنت عبد المطلب أن ملكا نزل من السماء فأخذ صخرة من الجبل ثم حلق بها فلم يبق بيت في مكة إلا أصابه شيء منها فحدثت بها العباس وبلغ ذلك أبا جهل فقال ما نرضى رجالهم أن يتنبؤوا حتى تتنبأ نساؤهم فخرج أبو جهل بجميع أهل مكة ومضى بهم إلى بدر وهو ماء كانت العرب تجتمع عليه لسوقهم يوما في السنة وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بوادي ذفران فنزل عليه جبريل عليه السلام بالوعد بإحدى الطائفتين إما العير وإما قريش فاستشار فيه أصحابه فقال بعضهم هلا ذكرت لنا القتال(3/89)
" صفحة رقم 90 "
حتى تتأهب له إنما خرجنا للعير فردد عليهم وقال إن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل فقالوا يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو فغضب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقام أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وقالا فأحسنا ثم قام سعد بن عبادة فقال انظر أمرك فامض فيه فوالله لو سرت إلى عدن أبين ما تخلف عنك رجل من الأنصار ثم قال مقداد بن عمرو امض لما أمرك الله فأنا معك حيثما أحببت لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ) فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ( ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا أنا معكما مقاتلون فتبسم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم قال اشيرو علي أيها الناس وهو يريد الانصال لأنهم كانوا عددهم وقد شرطوا حين بايعون بالعقبة أنهم براء من ذمامه حتى يصل إلى ديارهم فتخوف أن لا يروا نصرته إلا على عدو دهمه بالمدينة فقام سعد بن معاذ فقال لكأنك تريدنا يا رسول الله فقال أجل قال آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا وإنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله تعالى فنشطه قوله ثم قال سيروا على بركة الله تعالى وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم وقيل إنه عليه الصلاة والسلام لما فرغ من بدر قيل له عليك بالعير(3/90)
" صفحة رقم 91 "
فناداه العباس وهو في وثاقه لا يصلح فقال له لم فقال لأن وعدك إحدى الطائفتين وقد اعطاك ما وعدك فكره بعضهم قوله
الأنفال : ( 6 ) يجادلونك في الحق . . . . .
) يجادلونك في الحق ( في إيثارك الجهاد بإظهار الحق لإيثارهم تلقي العير عليه ) بعد ما تبين ( لهم أنهم ينصرون اينما توجهوا بأعلام الرسول عليه الصلاة والسلام ) كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ( أي يكرهون القتال كراهة من يساق إلى الموت وهو يشاهد أسبابه وكان ذلك لقلة عددهم وعدم تأهبهم إذ روي أنهم كانوا لفرط فزعهم ورعبهم
الأنفال : ( 7 ) وإذ يعدكم الله . . . . .
) وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين ( على إضمار اذكر واحدى ثاني مفعولي ) يعدكم ( وقد أبدل منها ) أنها لكم ( بدل الاشتمال ) وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ( يعني العير فإنه لم يكن فيها إلا أربعون فارسا ولذلك يتمنونها ويكرهون ملاقاة النفير لكثرة عددهم وعددهم والشوكة الحدة مستعارة من واحدة الشوك ) ويريد الله أن يحق الحق ( أي يثبته ويعليه ) بكلماته ( المومحى بها في هذه الحال أو بأوامره للملائكة بالإمداد وقرئ بكلمته ) ويقطع دابر الكافرين ( ويستأصلهم والمعنى أنكم تريدون أن تصيبوا مالا ولا تلقوا مكروها والله يريد إعلاء الدين وإظهار الحق وما يحصل لكم فوز الدارين
الأنفال : ( 8 ) ليحق الحق ويبطل . . . . .
) ليحق الحق ويبطل الباطل ( أي فعل ما فعل وليس بتكرير لأن الأول لبيان المراد وما بينه وبين مرادهم من التفاوت والثاني لبيان الداعي إلى حمل الرسول على اختيار ذات الشوكة ونصرة عليها ) ولو كره المجرمون ( ذلك(3/91)
" صفحة رقم 92 "
الأنفال : ( 9 ) إذ تستغيثون ربكم . . . . .
) إذ تستغيثون ربكم ( بدل من ) وإذ يعدكم ( أو متعلق بقوله ) ليحق ( بقوله ) ليحق الحق ( أو على إضمار اذكر واستغاثتهم أنهم لما علموا أن لا محيص عن القتال أخذوا يقولون أي رب انصرنا على عدوك أغثنا يا غياث المستغيثين وعن عمر رضي الله تعالى عنه عليه السلام نظر إلى المشركين وهم ألف وإلى أصحابه وهم ثلاثمائة فاستقبل القبلة ومد يديه يدعو اللهم انجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فما زال كذلك حتى سقط رداؤه فقال أبو بكر يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك ) فاستجاب لكم أني ممدكم ( بأني ممدكم فحذف الجار وسلط عليه الفعل وقرأ أبو عمرو بالكسر على إرادة القول أو اجراء استجاب مجرى قال لأن الاستجابة من القول ) بألف من الملائكة مردفين ( متبعين المؤمنين أو بعضهم بعضا من أردفته أنا إذا جئت بعده أو متبعين بعضهم بعض المؤمنين أو أنفسهم المؤمنين من أردفته إياه فردفه وقرأ نافع ويعقوب مردفين بفتح الدال أي متبعين بمعنى انهم كانوا مقدمة الجيش أو ساقتهم وقرئ ) مردفين ( بكسر الراء وضمها وأصله مرتدفين بمعنى مترادفين فادغمت التاء في الدال فالتقى ساكنان فحركت الراء بالكسر على الأصل أو بالضم على الاتباع وقرئ بآلاف ليوافق ما في سورة آل عمران ووجه التوفيق بينه وبين المشهور أن المراد بالألف الذين كانوا على المقدمة أو الساقة أو وجوههم وأعيانهم أو من قاتل منهم واختلف في مقاتلتهم وقد روي إخبار تدل عليها
الأنفال : ( 10 ) وما جعله الله . . . . .
) وما جعله الله ( أي الإمداد ) إلا بشرى ( إلا بشارة لكم بالنصر ) ولتطمئن به قلوبكم ( فيزول ما بها من الوجل لقلتكم وذلتكم ) وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم ( وإمداد الملائكة وكثرة العدد والأهب ونحوهما وسائط لا تأثير لها فلا تحسبوا النصر منها ولا تيأسوا منه بفقدها(3/92)
" صفحة رقم 93 "
الأنفال : ( 11 ) إذ يغشيكم النعاس . . . . .
) إذ يغشيكم النعاس ( بدل ثان من ) وإذ يعدكم ( لإظهار نعمة ثالثة أو متعلق بالنصر أو بما في عند الله معنى الفعل أو بجعل أو بإضمار اذكر وقرأ نافع بالتخفيف من أغشيته الشيء إذا غشيته إياه والفاعل على القراءتين هو الله تعالى وقرأ ابن كثير وأبو عمر يغشاكم الناس بالرفع ) أمنة منه ( أمنا من الله وهو مفعول له باعتبار المعنى فإن قوله ) يغشيكم النعاس ( متضمن معنى تنعسون ويغشاكم بمعناه وال ) أمنة ( فعل لفاعله ويجوز أن يراد بها الإيمان فيكون فعل المغشي وأن تجعل على القراءة الاخيرة فعل النعاس على المجاز لأنها لأصحابه أو لأنه كان من حقه أن لا يغشاكم لشدة الخوف فلما غشيهم فكأنه حصلت له أمنة من الله لولاها لم يغشهم كقوله " يهاب النوم أن يغشى عيونا تهابك فهو نفار شرود " وقرئ ) أمنة ( كرحمة وهي لغة ) وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ( من الحدث والجنابة ) ويذهب عنكم رجز الشيطان ( يعني الجنابة لأنها من تخييله أو وسوسته وتخويفه إياهم من العطش روي أنهم نزلوا في كثيب أغفر تسوخ فيه الأقدام على غير ماء وناموا فاحتلم أكثرهم وقد غلب المشركون على الماء فوسوس إليهم الشيطان وقال كيف تنصرون وقد غلبتم على الماء وأنتم تصلون محدثين مجنبين وتزعمون انكم اولياء الله وفيكم رسوله فاشفقوا فأنزل الله المطر فمطروا ليلا حتى جرى الوادي واتخذوا الحياض على عدوته وسقوا الركاب واغتسلوا وتوضؤوا وتلبد الرمل الذي بينهم وبين العدو حتى ثبتت عليه الأقدام وزالت الوسوسة ) وليربط على قلوبكم ( بالوثوق على لطف الله بهم ) ويثبت به الأقدام ( أي بالمطر حتى لا تسوخ في الرمل أو بالربط على القلوب حتى تثبت في المعركة
الأنفال : ( 12 ) إذ يوحي ربك . . . . .
) إذ يوحي ربك ( بدل ثالث أو متعلق بيثبت ) إلى الملائكة أني معكم ( في إعانتهم وتثبيتهم وهو مفعول ) يوحى ( وقرئ بالكسر على إرادة القول أو اجراء الوحي مجراه ) فثبتوا الذين آمنوا ( بالبشارة أو بتكثير سوادهم أو بمحاربة أعدائهم فيكون قوله(3/93)
" صفحة رقم 94 "
) سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ( كالتفسير لقوله ) أني معكم فثبتوا ( وفيه دليل على أنهم قاتلوا ومن منع ذلك جعل الخطاب فيه مع المؤمنين إما على تغيير الخطاب أو على أن قوله ) سألقي ( إلى قوله ) كل بنان ( تلقين للملائكة ما يثبتون المؤمنين به كأنه قال قولوا لهم قولي هذا ) فاضربوا فوق الأعناق ( أعاليها التي هي المذابح أو الرؤوس ) واضربوا منهم كل بنان ( أصابع أي جزوا رقابهم واقطعوا أطرافهم
الأنفال : ( 13 ) ذلك بأنهم شاقوا . . . . .
) ذلك ( إشارة إلى الضرب أو الأمر به والخطاب للرسول أو لكل أحد من المخاطبين قبل ) بأنهم شاقوا الله ورسوله ( بسبب مشاقتهم لهما واشتقاقه من الشق لأن كلا من المتعادين في شق خلاف شق الآخر كالمعاداة من العدوة والمخاصمة من الخصم وهو الجانب ) ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ( تقرير للتعليل أو وعيد بما اعد لهم في الآخرة بعد ما حاق بهم في الدنيا
الأنفال : ( 14 ) ذلكم فذوقوه وأن . . . . .
) ذلكم ( الخطاب فيه مع الكفرة على طريقة الالتفات ومحله الرفع أي الأمر ذلكم أو ذلكم واقع أو نصب بفعل دل عليه ) فذوقوه ( أو غيره مثل باشروا أو عليكم فتكون الفاء عاطفة ) وأن للكافرين عذاب النار ( عطف على ذلكم أو نصب على المفعول معه والمعنى ذوقوا ما عجل لكم مع ما أجل لكم في الآخرة ووضع الظاهر فيه موضع الضمير(3/94)
" صفحة رقم 95 "
للدلالة على أن الكفر سبب العذاب الآجل أو الجمع بينهما وقرئ ) وإن ( بالكسر على الاستئناف
الأنفال : ( 15 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا ( كثيرا بحيث يرى لكثرتهم كأنهم يزحفون وهو مصدر زحف الصبي إذا دب على مقعده قليلا قليلا سمي به وجمع على زحوف وانتصابه على الحال ) فلا تولوهم الأدبار ( بالانهزام فضلا أن يكونوا مثلكم أو أقل منكم والأظهر أنها محكمة مخصوصة بقوله ) حرض المؤمنين على القتال ( الآية ويجوز أن ينتصب زحفا حالا من الفاعل والمعفول أي إذا لقيتموهم متزحفين يدبون اليكم وتدبون إليهم فلا تنهزموا أو من الفاعل وحده ويكون إشعارا بما سيكون منهم يوم حنين حين تولوا وهم اثنا عشر ألفا
الأنفال : ( 16 ) ومن يولهم يومئذ . . . . .
) ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال ( يريد الكر بعد الفر وتغرير العدو فإنه من مكايد الحرب ) أو متحيزا إلى فئة ( أو منحازا إلى فئة أخرى من المسلمين على القرب ليستعين بهم ومنهم من لم يعتبر القرب لما روى ابن عمر رضي الله عنهما انه كان في سرية بعثهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ففروا إلى المدينة فقلت يا رسول الله نحن الفرارون فقال بل أنتم العكارون وأنا فئتكم وانتصاب متحرفا ومتحيزا على الحال وإلا لغو لا عمل لها(3/95)
" صفحة رقم 96 "
أو الاستثناء من المولين أي إلا رجلا متحرفا أو ومتحيزا ووزن متحير متفيعل لا متفعل وإلا لكان متحوزا لأنه من حاز يحوز ) فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ( هذا إذا لم يزد العدو على الضعف لقوله ) الآن خفف الله عنكم ( الآية وقيل الآية مخصوصة بأهل بيته والحاضرين معه في الحرب
الأنفال : ( 17 ) فلم تقتلوهم ولكن . . . . .
) فلم تقتلوهم ( بقوتكم ) ولكن الله قتلهم ( بنصركم وتسليطكم عليهم وإلقاء الرعب في قلوبهم روي انه لما طلعت قريش من العقنقل قال ( صلى الله عليه وسلم ) هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسولك اللهم إني أسألك ما وعدتني فأتاه جبريل عليه السلام وقال له خذ قبضة من تراب فارمهم بها فلما التقى الجمعان تناول كفا من الحصباء فرمى بها في وجوههم وقال شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا شغل بعينيه فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم ثم لما انصرفوا أقبلوا على التفاخر فيقول الرجل قتلت وأسرت فنزلت والفاء جواب شرط محذوف تقديره إن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ) وما رميت ( يا محمد رميا توصله إلى أعينهم ولم تقدر عليه ) إذ رميت ( أي إذ أتيت بصورة الرمي ) ولكن الله رمى ( أتى بما هو غاية الرمي فأوصلها إلى أعينهم جميعا حتى انهزموا وتمكنتم من قطع دابرهم وقد عرفت أن اللفظ يطلق على المسمى وعلى ما هو كماله والمقصود منه وقيل انه نزل في طعنة طعن بها أبي بن خلف يوم أحد ولم يخرج منه دم فجعل يخور حتى مات أو رمية سهم رماه يوم خيبر نحو الحصن فأصاب كنانة بن أبي الحقيق على فراشه والجمهور على الأول وقرأ ابن(3/96)
" صفحة رقم 97 "
عامر وحمزة والكسائي ) ولكن ( بالتخفيف ورفع ما بعده في الموضعين وليبلي المؤمنين منه ) بلاء حسنا ( ولينعم عليهم نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة ومشاهدة الآيات فعل ما فعل ) إن الله سميع ( لاستغاثتهم ودعائهم ) عليم ( بنياتهم وأحوالهم
الأنفال : ( 18 ) ذلكم وأن الله . . . . .
) ذلكم ( إشارة إلى البلاء الحسن أو القتل أو الرمي ومحله الرفع أي المقصود أو الأمر ذلكم وقوله ) وأن الله موهن كيد الكافرين ( معطوف عليه أي المقصود ابلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين وإبطال حيلهم وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ) موهن ( بالتشديد وحفص ) موهن كيد ( بالإضافة والتخفيف
الأنفال : ( 19 ) إن تستفتحوا فقد . . . . .
) إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ( خطاب لأهل مكة على سبيل التهكم وذلك أنهم حين أرادوا الخروج تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين ) وإن تنتهوا ( عن الكفر ومعاداة الرسول ) فهو خير لكم ( لتضمنه سلامة الدارين وخير المنزلين ) وإن تعودوا ( لمحاربته ) نعد ( لنصرته عليكم ) ولن تغني ( ولن تدفع ) عنكم فئتكم ( جماعتكم ) شيئا ( من الاغناء أو المضار ) ولو كثرت ( فئتكم ) وأن الله مع المؤمنين ( بالنصر والمعونة وقرأ نافع وابن عامر وحفص ) وإن ( بالفتح على تقدير ولأن الله مع المؤمنين كان ذلك وقيل الآية خطاب للمؤمنين والمعنى أن تستنصروا فقد جاءكم النصر وإن تنتهوا عن التكاسل في القتال والرغبة عما يستأثره(3/97)
" صفحة رقم 98 "
الرسول فهو خير لكم وإن تعودوا إليه نعد عليكم بالإنكار أو تهييج العدو ولن تغني حينئذ كثرتكم إذا لم يكن الله معكم بالنصر فإنه مع الكاملين في إيمانهم ويؤيد ذلك
الأنفال : ( 20 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه ( أي ولا تتولوا عن الرسول فإن المراد من الآية الأمر بطاعته والنهي عن الاعراض عنه وذكر طاعة الله للتوطئة والتنبيه على أن طاعة الله في طاعة الرسول لقوله تعالى ) من يطع الرسول فقد أطاع الله ( وقيل الضمير للجهاد أو للأمر الذي دل عليه الطاعة ) وأنتم تسمعون ( القرآن والمواعظ سماع فهم وتصديق
الأنفال : ( 21 ) ولا تكونوا كالذين . . . . .
) ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا ( كالكفرة والمنافقين الذين ادعوا السماع ) وهم لا يسمعون ( سماعا ينتفعون به فكأنهم لا يسمعون رأسا
الأنفال : ( 22 ) إن شر الدواب . . . . .
) إن شر الدواب عند الله ( شر ما يدب على الأرض أو شر البهائم ) الصم ( عن الحق ) البكم الذين لا يعقلون ( إياه عدهم من البهائم ثم جعلهم شرها لإبطالهم ما ميزوا به وفضلوا لأجله
الأنفال : ( 23 ) ولو علم الله . . . . .
) ولو علم الله فيهم خيرا ( سعادة كتبت لهم أو انتفاعا بالآيات ) لأسمعهم ( سماع تفهم ) ولو أسمعهم ( وقد علم أن لا خير فيهم ) لتولوا ( ولم ينتفعوا به أو ارتدوا بعد التصديق والقبول ) وهم معرضون ( لعنادهم وقيل كانوا يقولون للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أحيي لنا قصيا فإنه كان شيخا مباركا حتى يشهد لك ونؤمن بك والمعنى لأسمعهم كلام قصي
الأنفال : ( 24 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول ( بالطاعة ) إذا دعاكم ( وحد الضمير فيه(3/98)
" صفحة رقم 99 "
لما سبق ولان دعوة الله تسمع من الرسول وروي أنه عليه الصلاة والسلام مر على أبي وهو يصلي فدعاه فعجل في صلاته ثم جاء فقال ما منعك عن إجابتي قال كنت أصلي قال ألم تخبر فيما أوحي إلي ) استجيبوا لله وللرسول ( واختلف فيه فقيل هذا لأن اجابته لا تقطع الصلاة فإن الصلاة أيضا إجابة وقيل لأن دعاءه كان لأمر لا يحتمل التأخير وللمصلي أن يقطع الصلاة لمثله وظاهر الحديث يناسب الأول ) لما يحييكم ( من العلوم الدينية فإنها حياة القلب والجهل موته قال " لا تعجبن الجهول حلته فذاك ميت وثوبه كفن " أو مما يورثكم الحياة الابدية في النعيم الدائم من العقائد والأعمال أو من الجهاد فإنه سبب بقائكم إذ لو تركوه لغلبهم العدو وقتلهم أو الشهادة لقوله تعالى ) بل أحياء عند ربهم يرزقون ( ) واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ( تمثيل لغاية قربه من العبد كقوله تعالى ) ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ( وتنبيه على أنه مطلع على مكنونات القلوب مما عسى يغفل عنه صاحبها أو حث على المبادرة إلى اخلاص القلوب وتصفيتها قبل أن يحول الله بينه وبين قلبه بالموت أو غيره أو تصوير وتخييل لتملكه على العبد قلبه فيفسخ عزائمه ويغير مقاصده ويحول بينه وبين الكفر إن أراد سعادته وبينه وبين الإيمان إن قضى شقاوته وقرئ بين المر بالتشديد على حذف الهمزة وإلقاء حركتها على الراء(3/99)
" صفحة رقم 100 "
وإجراء الوصل الوقف على لغة من يشدد فيه ) وأنه إليه تحشرون ( فيجازيكم بأعمالكم
الأنفال : ( 25 ) واتقوا فتنة لا . . . . .
) واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ( اتقوا ذنبا يعمكم اثره كإقرار المنكر بين أظهركم والمداهنة في الأمر بالمعروف وافتراق الكلمة وظهور البدع والتكاسل في الجهاد على أن قوله لا تصيبن إما جواب الأمر على معنى أن اصابتكم لا تصيب الظالمين منكم خاصة بل تعمكم وفيه أن جواب الشرط متردد فلا يليق به النون المؤكدة لكنه لما تضمن معنى النهي ساغ فيه كقوله تعالى ) ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم ( وأما صفة ل " لفتنة " ولا للنفي وفيه شذوذ لأن النون لا تدخل المنفي في غير القسم أو لنهي على إرادة القول كقوله " حتى إذا جن الظلام واختلط جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط " وإما جواب قسم محذوف كقراءة من قرأ لتصيبن وان اختلفا في المعنى ويحتمل أن يكون نهيا بعد الأمر باتقاء الذنب عن التعرض للظلم لأن وباله يصيب الظالم خاصة ويعود(3/100)
" صفحة رقم 101 "
عليه ومن في منكم على الوجوه الأول للتبعيض وعلى الأخريين للتبيين وفائدته التنبيه على أن الظلم منكم اقبح من غيركم ) واعلموا أن الله شديد العقاب )
الأنفال : ( 26 ) واذكروا إذ أنتم . . . . .
) واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض ( أرض مكة يستضعفكم قريش والخطاب للمهاجرين وقيل للعرب كافة فإنهم كانوا اذلاء في أيدي فارس والروم ) تخافون أن يتخطفكم الناس ( كفار قريش أو من عداهم فإنهم كانوا جميعا معادين لهم مضادين لهم ) فآواكم ( إلى المدينة أو جعل لكم مأوى تتحصنون به عن أعاديكم ) وأيدكم بنصره ( على الكفار أم بمظاهرة الأنصار أو بإمداد الملائكة يوم بدر ) ورزقكم من الطيبات ( من الغنائم ) لعلكم تشكرون ( هذه النعم(3/101)
" صفحة رقم 102 "
الأنفال : ( 27 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول ( بتعطيل الفرائض والسنن أو بأن تضمروا خلاف ما تظهرون أو بالغلول في المغانم وروي انه عليه الصلاة والسلام حاصر بني قريظة إحدى وعشرين ليلة فسألوه الصلح كما صالح إخوانهم بني النضير على أن يسيروا إلى إخوانهم بأذرعات وأريحاء بأرض الشام فأبى إلا أن ينزلوا على احكم سعد بن معاذ فأبوا وقالوا أرسل إلينا أبا لبابة وكان مناصحا لهم لأن عياله وماله في أيديهم فبعثه إليهم فقالوا ما ترى هل ننزل على حكم سعد بن معاذ فأشار إلى حلقه أنه الذبح قال أبو لبابة فما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله فنزلت فشد نفسه على سارية في المسجد وقال والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله علي فمكث سبعة أيام حتى خر مغشيا عليه ثم تاب الله عليه فقيل له قد تيب عليك فحل نفسك فقال لا والله لا احلها حتى يكون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هو الذي يحلني فجاءه فحله بيده فقال إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي فقال ( صلى الله عليه وسلم ) يجيزك الثلث أن تتصدق به وأصل الخوف النقص كما أن أصل الوفاء التمام واستعماله في ضد الأمانة لتضمنه إياه ) وتخونوا أماناتكم ( فيما بينكم وهو مجزوم بالعطف على الأول أو منصوب على الجواب بالواو ) وأنتم تعلمون ( أنكم تخونون أو أنتم علماء تميزون الحسن من القبيح(3/102)
" صفحة رقم 103 "
الأنفال : ( 28 ) واعلموا أنما أموالكم . . . . .
) واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ( لأنهم سبب الوقوع في الاثم أو العقاب أو محنة من الله تعالى ليبلوكم فيهم فلا يحملنكم حبهم على الخيانة كأبي لبابة ) وأن الله عنده أجر عظيم ( لمن آثر رضا الله عليهم وراعى حدوده فيهم فانيطوا هممكم بما يؤديكم إليه
الأنفال : ( 29 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ( هداية في قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل أو نصرا يفرق بين المحق والمبطل بإعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين أو مخرجا من الشبهات أو نجاة عما تحذرون في الدارين أو ظهورا يشهر امركم ويبث صيتكم من قولهم بت أفعل كذا حتى سطع الفرقان أي الصبح ) ويكفر عنكم سيئاتكم ( ويسترها ) ويغفر لكم ( بالتجاوز والعفو عنكم وقيل السيئات الصغائر والذنوب الكبائر وقيل المراد ما تقدم وما تأخر لأنها في أهل بدر وقد غفرهما الله تعالى لهم ) والله ذو الفضل العظيم ( تنبيه على أن ما وعده لهم على التقوى تفضل منه واحسان وأنه ليس مما يوجب تقواهم عليه كالسيد إذا وعد عبده انعاما على عمل
الأنفال : ( 30 ) وإذ يمكر بك . . . . .
) وإذ يمكر بك الذين كفروا ( تذكار لما مكر به حين كان بمكة ليشكر نعمة الله في خلاصه من مكرهم واستيلائه عليهم والمعنى واذكر إذ يمكرون بك ) ليثبتوك ( بالوثاق أو الحبس أو الاثخان بالجرح من قولهم ضربه حتى أثبته لا حراك به ولا براح وقرئ ) ليثبتوك ( بالتشديد وليبيتوك من البيات وليقيدوك ) أو يقتلوك ( بسيوفهم ) أو يخرجوك ( من مكة وذلك أنهم لما سمعوا بإسلام الأنصار ومبايعتهم فرقوا واجتمعوا في دار الندوة متشاورين في أمره فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ وقال أنا(3/103)
" صفحة رقم 104 "
من نجد سمعت اجتماعكم فأردت أن احضركم ولن تعدموا مني رأيا ونصحا فقال أبو البحتري رأيي أن تحبسوه في بيت وتسدوا منافذه غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه منها حتى يموت فقال الشيخ بئس الرأي يأتيكم من يقاتلكم من قومه ويخلصه من أيديكم فقال هشام بن عمر ورأيي أن تحملون على جمل فتخرجوه من أرضكم فلا يضركم ما صنع فقال بئس الرأي يفسد قوما غيركم ويقاتلكم بهم فقال أبو جهل أنا أرى أن تأخذوا من كل بطن غلاما وتعطوه سيفا صارما فيضربوه ضربة واحدة فيتفرق دمه في القبائل فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلهم فإذا طلبوا العقل عقلناه فقال صدق هذا الفتى فتفرقوا على رأيه فأتى جبريل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخبره الخبر وأمره بالهجرة فبيت عليا رضي الله تعالى عنه في مضجعه وخرج مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه إلى الغار ) ويمكرون ويمكر الله ( برد مكرهم عليهم أو بمجازاتهم عليه أو بمعاملة الماكرين معهم بأن اخرجهم إلى بدر وقلل المسلمين في أعينهم حتى حملوا عليهم فقتلوا ) والله خير الماكرين ( إذ لا يؤبه مكرهم دون مكره وإسناد أمثال هذا ما يحسن للمزاوجة ولا يجوز اطلاقها ابتداء لما فيه من إيهام الذم
الأنفال : ( 31 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
) وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ( هو قول النضر بن الحارث وإسناده إلى الجميع إسناد ما فعله رئيس القوم إليهم فإنه كان قاصهم أو قول الذين ائتمروا في أمره عليه الصلاة والسلام وهذا غاية مكابرتهم وفرط عنادهم إذ لو استطاعوا ذلك فما منعهم أن يشاؤوا وقد تحداهم وقرعهم بالعجز عشر سنين ثم قارعهم بالسيف فلم يعارضوا سورة مع انفتهم وفرط استنكافهم أن يغلبوا خصوصا في باب البيان ) إن هذا إلا أساطير الأولين ( ما سطره الأولون من القصص
الأنفال : ( 32 ) وإذ قالوا اللهم . . . . .
) وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ( هذا أيضا من كلام ذلك القائل ابلغ في الجحود روي أنه لما قال النضر أن هذا إلا اساطير الأولين قال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويلك إنه كلام الله فقال ذلك والمعنى إن(3/104)
" صفحة رقم 105 "
كان هذا حقا منزلا فأمطر الحجارة علينا عقوبة على انكاره أو ائتنا بعذاب اليم سواه والمراد منه التهكم واظهار اليقين والجزم التام على كونه باطلا وقرئ / احلق / بالرفع على أن ) هو ( مبتدأ غير فصل وفائدة التعريف فيه الدلالة على أن المعلق به كونه حقا بالوجه الذي يدعيه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو تنزيله لا الحق مطلقا لتجويزهم أن يكون مطابقا للواقع غير منزل كأساطير الأولين
الأنفال : ( 33 ) وما كان الله . . . . .
) وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ( بيان لما كان الموجب لإمهالهم والتوقف في إجابة دعائهم واللام لتأكيد النفي والدلالة على أن تعذيبهم عذاب استئصال والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بين أظهرهم خارج عن عادته غير مستقيم في قضائه والمراد باستغفارهم أما استغفار من بقي فيهم من المؤمنين أو قولهم اللهم غفرانك أو فرصة على معنى لو استغفروا لم يعذبوا كقوله ) وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ((3/105)
" صفحة رقم 106 "
الأنفال : ( 34 ) وما لهم ألا . . . . .
) وما لهم ألا يعذبهم الله ( وما لهم مما يمنع تعذيبهم متى زال ذلك وكيف لا يعذبون ) وهم يصدون عن المسجد الحرام ( وحالهم ذلك ومن صدهم عنه الجاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين إلى الهجرة واحصارهم عام الحديبية ) وما كانوا أولياءه ( مستحقين ولاية أمره مع شركهم وهو رد لما كانوا يقولون نحن ولاة البيت والحرم فنصد من نشاء وندخل من نشاء ) إن أولياؤه إلا المتقون ( من الشرك الذين لا يعبدون فيه غيره وقيل الضميران لله ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( أن لا ولاية لهم عليه كأنه نبه بالاكثر أن منهم من يعلم ويعاند أو أراد به الكل كما يراد بالقلة العدم
الأنفال : ( 35 ) وما كان صلاتهم . . . . .
) وما كان صلاتهم عند البيت ( أي دعاؤهم أو ما يسمونه صلاة أو ما يضعون موضعها ) إلا مكاء ( صفيرا فعال من مكا يمكو إذا صفر وقرئ بالقصر كالبكا ) وتصدية ( تصفيقا تفعله من الصدا أو من الصد على إبدال أحد حرفي التضعيف بالياء وقرئ ) صلاتهم ( بالنصب على أنه الخبر المقدم ومساق الكلام لتقرير استحقاقهم العذاب أو عدم ولايتهم للمسجد فإنها لا تليق بمن هذه صلاته روي أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء مشبكين بين اصابعهم يصفرون فيها ويصفقون وقيل كانوا يفعلون ذلك إذا أراد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يصلي يخلطون عليه ويرون انهم يصلون أيضا ) فذوقوا العذاب ( يعني القتل والأسر يوم بدر وقيل عذاب الآخرة واللام يحتمل أن تكون للعهد والمعهود ) ائتنا بعذاب ( ) بما كنتم تكفرون ( اعتقادا وعملا
الأنفال : ( 36 ) إن الذين كفروا . . . . .
) إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ( نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلا من قريش يطعم كل واحد منهم كل يوم عشر جزر أو في أبي سفيان استأجر ليوم أحد ألفين من العرب سوى من استجاش من العرب وانفق عليهم أربعين أوقية أو في أصحاب العير فإنه لما أصيب قريش ببدر قيل لهم أعينوا بهذا المال على حرب محمد لعلنا ندرك منه ثأرنا ففعلوا والمراد ب ) سبيل الله ( دينه واتباع رسوله ) فسينفقونها ( بتمامها ولعل الأول إخبار عن إنفاقهم في تلك الحال وهو إنفاق بدر والثاني إخبار عن إنفاقهم فيما يستقبل وهو إنفاق حد ويحتمل أن يراد بهما واحد على أن(3/106)
" صفحة رقم 107 "
مساق الأول لبيان غرض الانفاق ومساق الثاني لبيان عاقبته وإنه لم يقع بعد ) ثم تكون عليهم حسرة ( ندما وغما لفواتها من غير مقصود جعل ذاتها تصير حسرة وهي عاقبة إنفاقها مبالغة ) ثم يغلبون ( آخر الأمر وإن كان الحرب بينهم سجالا قبل ذلك ) والذين كفروا ( أي الذين ثبتوا على الكفر منهم إذا أسلم بعضهم ) إلى جهنم يحشرون ( يساقون
الأنفال : ( 37 ) ليميز الله الخبيث . . . . .
) ليميز الله الخبيث من الطيب ( الكافر من المؤمن أو الفساد من الصلاح واللام متعلقة ب ) يحشرون ( أو ) يغلبون ( أو ما أنفقه المشركون في عداوة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مما أنفقه المسلمون في نصرته واللام متعلقة بقوله ) ثم تكون عليهم حسرة ( وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب ) ليميز ( من التمييز وهو أبلغ من الميز ) ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا ( فيجمعه ويضم بعضه إلى بعض حتى يتراكبوا لفرط ازدحامهم أو يضم إلى الكافر ما أنفقه ليزيد به عذابه كمال الكانزين ) فيجعله في جهنم ( كله ) أولئك ( إشارة إلى الخبيث لأنه مقدر بالفريق الخبيث أو إلى المنفقين ) هم الخاسرون ( الكاملون في الخسران لأنهم خسروا أنفسهم وأموالهم
الأنفال : ( 38 ) قل للذين كفروا . . . . .
) قل للذين كفروا ( يعني أبا سفيان واصحابه والمعنى قل لأجلهم ) إن ينتهوا ( عن معاداة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بالدخول في الإسلام ) يغفر لهم ما قد سلف ( من ذنوبهم وقرئ بالتاء والكاف على انه خاطبهم و ) يغفر ( على البناء للفاعل وهو الله تعالى ) وإن يعودوا ( إلى قتاله ) فقد مضت سنة الأولين ( الذين تحزبوا على الأنبياء بالتدمير كما جرى على أهل بدر فليتوقعوا مثل ذلك(3/107)
" صفحة رقم 108 "
الأنفال : ( 39 ) وقاتلوهم حتى لا . . . . .
) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ( لا يوجد فيهم شرك ) ويكون الدين كله لله ( وتضمحل عنهم الأديان الباطلة ) فإن انتهوا ( عن الكفر ) فإن الله بما يعملون بصير ( فيجازيهم على انتهائهم عنه واسلامهم وعن يعقوب تعملون بالتاء على معنى فإن الله بما تعملون من الجهاد والدعوة إلى الإسلام والاخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان بصير فيجازيكم ويكون تعليقه بانتهائهم دلالة عى أنه كما يستدعي إثابتهم للمباشرة يستدعي اثابة مقاتليهم للتسبب
الأنفال : ( 40 ) وإن تولوا فاعلموا . . . . .
) وإن تولوا ( ولم ينتهوا ) فاعلموا أن الله مولاكم ( ناصركم فثقوا به ولا تبالوا بمعاداتهم ) نعم المولى ( لا يضيع من تولاه ) ونعم النصير ( لا يغلب من نصره
الأنفال : ( 41 ) واعلموا أنما غنمتم . . . . .
) واعلموا أنما غنمتم ( أي الذي أخذتموه من الكفار قهرا ) من شيء ( مما يقع عليه اسم الشيء حتى الخيط ) فأن لله خمسه ( مبتدأ خبره محذوف أي فثابت أن لله خمسه وقرئ فإن بالكسر والجمهور على أن ذكر الله للتعظيم كما في قوله ) والله ورسوله أحق أن يرضوه ( وأن المراد قسم الخمس على الخمسة المعطوفين ) وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ( فكأنه قال فأن لله خمسه يصرف إلى هؤلاء الاخصين به وحكمه بعد باق غير أن سهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه يصرف إلى ما كان يصرفه إليه من مصالح المسلمين كما فعله الشيخان رضي الله تعالى(3/108)
" صفحة رقم 109 "
عنهما وقيل إلى الأمام وقيل إلى الأصناف الأربعة وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه سقط سهمه وسهم ذوي القربى بوفاته وصار الكل مصروفا إلى الثلاثة الباقية وعن مالك رضي الله تعالى عنه الأمر فيه مفوض إلى رأي الأمام يصرفه إلى ما يراه أهم وذهب أبو العالية إلى ظاهر الآية فقال يقسم ستة أقسام ويصرف سهم الله إلى الكعبة لما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يأخذ قبضة منه فيجعلها للكعبة ثم يقسم ما بقي على خمسة وقيل سهم الله لبيت المال وقيل هو مضموم إلى سهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ذووا القربى بنو هاشم وبنو المطلب لما روي انه عليه الصلاة والسلام قسم سهم ذوي القربى عليهما فقال له عثمان وجبير بن مطعم رضي الله عنهما هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله منهم أرأيت اخواننا من بني المطلب اعطيتهم وحرمتنا وإنما نحن وهم بمنزلة واحدة فقال ( صلى الله عليه وسلم ) انهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام وشبك بين اصابعه وقيل بنو هاشم وحدهم وقيل جميع قريش الغني والفقير فيه سواء وقيل هو مخصوص بفقرائهم كسهم ابن السبيل وقيل الخمس كله لهم والمراد باليتامى والمساكين وابن السبيل من كان منهم والعطف للتخصيص والاية نزلت ببدر وقيل الخمس كان في غزوة بني قنيقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام للنصف من شوال على رأس عشرين شهرا من الهجرة ) إن كنتم آمنتم بالله ( متعلق بمحذوف دل عليه واعلموا أي أن كنتم آمنتم بالله فعلموا أنه جعل الخمس لهؤلاء فسلموه إليهم واقتنعوا بالاخماس الأربعة الباقية فإن العلم العملي إذا أمر به لم يرد منه العلم المجرد لأنه مقصود بالعرض والمقصود بالذات هو العمل ) وما أنزلنا على عبدنا ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من الآيات والملائكة(3/109)
" صفحة رقم 110 "
والنصر وقرئ ) عبدنا ( بضمتين أي الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين ) يوم الفرقان ( يوم بدر فإنه فرق فيه بين الحق والباطل ) يوم التقى الجمعان ( المسلمون والكافرون
الأنفال : ( 42 ) إذ أنتم بالعدوة . . . . .
) والله على كل شيء قدير ( فيقدر على نصر القليل على الكثير والإمداد بالملائكة ) إذ أنتم بالعدوة الدنيا ( بدل من ) يوم الفرقان ( والعدوة بالحركات الثلاث شط الوادي وقد قرئ بها والمشهور الضم والكسر وهو قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب كالدنيا والعليا تفرقة بين الاسم والصفة فجاء على الأصل كالقود وهو اكثر استعمالا من القصيا ) والركب ( أي لعير أو قوادها ) أسفل منكم ( في مكان أسفل من مكانكم يعني الساحل وهو منصوب على الظرف واقع موقع الخبر والجملة حال من الظرف قبله وفائدتها الدلالة على قوة العدو واستظهارهم بالركب وحرصهم على المقاتلة عنها وتوطين نفوسهم على أن لا يخلوا مراكزهم ويبذلوا منتهى جهدهم وضعف شأن المسلمين والتياث أمرهم واستبعاد غلبتهم عادة وكذا ذكر مراكز الفريقين فإن العدوة الدنيا كانت رخوة تسوخ فيها الارجل ولا يمشي فيها إلا بتعب ولم يكن بها ماء بخلاف العدوة القصوى وكذا قوله ) ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ( أي لو تواعدتم أنتم وهم القتال ثم علمتم حالكم وحالهم لاختلفتم أنتم في الميعاد هيبة منهم ويأسا من الظفر عليهم ليتحققوا أن ما اتفق لهم من الفتح ليس إلا صنعا من الله تعالى خارقا للعادة فيزدادوا إيمانا وشكرا ) ولكن ( جميع بينكم على هذه الحال من غير ميعاد ) ليقضي الله أمرا كان مفعولا ( حقيقا بأن يفعل وهو نصر أوليائه وقهر أعدائه وقوله ) ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة ((3/110)
" صفحة رقم 111 "
بدل منه أو متعلق بقوله مفعولا والمعنى ليموت من يموت عن بينة عاينها ويعيش من يعيش عن حجة شاهدها لئلا يكون له حجة ومعذرة فإن وقعة بدر من الآيات الواضحة أو ليصدر كفر من كفر وايمان من آمن عو وضوح بينة على استعارة الهلاك والحياة للكفر والإسلام والمراد بمن هلك ومن حي المشارف للهلاك والحياة أو من هذا حاله في علم الله وقضائه وقرئ ليهلك بالفتح وقرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر ويعقوب من حيي بفك الادغام للحمل على المستقبل ) وإن الله لسميع عليم ( بكفر من كفر وعقابه وايمان من آمن وثوابه ولعل الجمع بين الوصفين لاشتمال الأمرين على القول والاعتقاد
الأنفال : ( 43 ) إذ يريكهم الله . . . . .
) إذ يريكهم الله في منامك قليلا ( مقدر باذكر أو بدل ثان من يوم الفرقان أو متعلق بعليم أي يعلم المصالح إذ يقللهم في عينك في رؤياك وهو أن تخبر به أصحابك فيكون تثبيتا لهم وتشجيعا على عدوهم ) ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ( لجبنتم ) ولتنازعتم في الأمر ( في أمر القتال وتفرقت آراؤكم بين الثبات والفرار ) ولكن الله سلم ( أنعم بالسلامة من الفشل والتنازع ) إنه عليم بذات الصدور ( يعلم ما سيكون فيها وما يغير أحوالها
الأنفال : ( 44 ) وإذ يريكموهم إذ . . . . .
) وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ( الضميران مفعولا يرى و ) قليلا ( حال من الثاني وإنما قللهم في أعين المسلمين حتى قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه لمن إلى جنبه أتراهم سبعين فقال اراهم مائة تثبيتا لهم وتصديقا لرؤيا الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) ويقللكم في أعينهم ( حتى قال أبو جهل إن محمدا وأصحابه أكلة جزور وقللهم في أعينهم قبل التحام القتال ليجترءوا عليهم ولا يستعدوا لهم ثم كثرهم حتى يرونهم مثليهم لتفجأهم الكثرة فتبهتهم وتكسر قلوبهم وهذا من عظائم آيات تلك الواقعة فإن البصر وان كان قد يرى الكثير قليلا والقليل كثيرا لكن لا على هذا الوجه ولا إلى هذا الحد وانما يتصور ذلك(3/111)
" صفحة رقم 112 "
بصد الله الابصار عن ابصار بعض دون بعض مع التساوي في الشروط ) ليقضي الله أمرا كان مفعولا ( كرره لاختلاف الفعل المعلل به أو لأن المراد بالأمر ثمة الاكتفاء على الوجه المحكي وها هنا اعزاز الإسلام وأهله وإذلال الاشراك وحزبه ) وإلى الله ترجع الأمور )
الأنفال : ( 45 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة ( حاربتم جماعة ولم يصفها لأن المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار واللقاء مما غلب في القتال ) فاثبتوا ( للقائهم ) واذكروا الله كثيرا ( في مواطن الحرب داعين له مستظهرين بذكره مترقبين لنصره ) لعلكم تفلحون ( تظهرون بمرادكم من النصرة والمثوبة وفيه تنبيه على أن العبد ينبغي أن لا يشغله شيء عن ذكر الله وان يلتجئ إليه عند الشدائد ويقبل عليه بشراشره فارغ البال واثقا بأن لطفه لا ينفك عنه في شيء من الأحوال
الأنفال : ( 46 ) وأطيعوا الله ورسوله . . . . .
) وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا ( باختلاف الآراء كما فعلتم ببدر أو أحد ) فتفشلوا ( جواب النهي وقيل عطف عليه ولذلك قرئ ) وتذهب ريحكم ( بالجزم والريح مستعارة للدولة من حيث إنها في تمشي أمرها ونفاذه مشبهة بها في هبوبها ونفوذها وقيل المراد بها الحقيقة فإن النصرة لا تكون إلا بريح يبعثها الله وفي الحديث نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور ) واصبروا إن الله مع الصابرين ( بالكلاءة والنصرة(3/112)
" صفحة رقم 113 "
الأنفال : ( 47 ) ولا تكونوا كالذين . . . . .
) ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم ( يعني أهل مكة حين خرجوا منها لحماية العير ) بطرا ( فخرا وأشرا ) ورئاء الناس ( ليثنوا عليهم بالشجاعة والسماحة وذلك انهم لما بلغوا الجحفة وأفاهم رسول أبي سفيان أن ارجعوا فقد سلمت عيركم فقال أبو جهل لا والله حتى نقدم بدرا ونشرب فيها الخمور وتعزف علينا القيان ونطعم بها من حضرنا من العرب فوافوها ولكن سقوا كأس المنايا وناحت عليهم النوائح فنهى المؤمنين أن يكونوا أمثالهم بطرين مرائين وأمرهم بأن يكونوا أهل تقوى واخلاص من حيث أن النهي عن الشيء أمر بضده ) ويصدون عن سبيل الله ( معطوف على بطرا أن جعل مصدرا في موضع الحال وكذا أن جعل مفعولا له لكن على تأويل المصدر ) والله بما يعملون محيط ( فيجازيكم عليه
الأنفال : ( 48 ) وإذ زين لهم . . . . .
) وإذ زين لهم الشيطان ( مقدر باذكر ) أعمالهم ( في معاداة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وغيرها بأن وسوس إليهم ) وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ( مقالة نفسانية والمعنى أنه ألقى في روعهم وخيل إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون لكثرة عددهم وعددهم وأوهمهم أن اتباعهم إياه فيما يظنون أنها قربات مجير لهم حتى قالوا اللهم انصر اهدى الفئتين وأفضل الدينين ولكم خبر لا غالب أو صفته وليس صلته وألا لانتصب كقولك لا ضاربا زيدا عندنا ) فلما تراءت الفئتان ( أي تلاقى الفريقان ) نكص على عقبيه ( رجع القهقرى أي بطل كيده وعاد ما خيل إليهم انه مجيرهم سبب هلاكهم ) وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله ( أي تبرأ منهم وخاف عليهم وأيس من حالهم لما رأى امداد الله المسلمين بالملائكة وقيل لما أجمعت قريش على المسير ذكرت ما بينهم وبين كنانة من الاحنة وكاد ذلك يثنيهم فتمثل لهم إبليس بصورة سراقة بن مالك الكناني وقال لا غالب لكم اليوم وإني مجيركم من بني كنانة فلما رأى الملائكة تنزل نكص وكان يده في يد الحارث بن هشام فقال له إلى أين اتخذلنا في هذه الحالة فقال إني أرى ما لا ترون ودفع في صدر الحارث وانطلق وانهزموا فلما بلغوا مكة قالوا هزم الناس سراقة فبلغه ذلك فقال والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم فلما اسلموا علموا انه الشيطان وعلى هذا يحتمل أن يكون معنى قوله ) إني أخاف الله ( إني أخافه أن(3/113)
" صفحة رقم 114 "
يصيبني مكروها من الملائكة أو يهلكني ويكون الوقت هو الوقت الموعود إذ رأى فيه ما لم ير قبله والاول ما قاله الحسن واختاره ابن بحر ) والله شديد العقاب ( يجوز أن يكون من كلامه وان يكون مستأنفا
الأنفال : ( 49 ) إذ يقول المنافقون . . . . .
) إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ( والذين لم يطمئنوا إلى الإيمان بعد وبقي في قلوبهم شبهة وقيل هم المشركون وقيل المنافقون والعطف لتغاير الوصفين ) غر هؤلاء ( يعنون المؤمنين ) دينهم ( حتى تعرضوا لما لا يدي لهم به فخرجوا وهم ثلاثمائة وبضعة عشرة إلى زهاء ألف ) ومن يتوكل على الله ( جواب لهم ) فإن الله عزيز ( غالب لا يذل من استجار به وإن قل ) حكيم ( يفعل بحكمته البالغة ما يستبعده العقل ويعجز عن إدراكه
الأنفال : ( 50 ) ولو ترى إذ . . . . .
) ولو ترى ( ولو رأيت فإن لو تجعل المضارع ماضيا عكس إن ) إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة ( ببدر وإذ ظرف ترى والمفعول محذوف أي ولو ترى الكفرة أو حالهم حينئذ والملائكة فاعل يتوفى ويدل عليه قراءة ابن عامر بالتاء ويجوز أن يكون الفاعل ضمير الله عز وجل وهو مبتدأ خبره ) يضربون وجوههم ( والجملة حال من الذين كفروا واستغني فيه بالضمير عن الواو وهو على الأول حال منهم أو من الملائكة أو منهما لاشتماله على الضميرين ) وأدبارهم ( ظهورهم أو أستاههم ولعل المراد تعميم الضرب أي يضربون ما أقبل منهم وما أدبر ) وذوقوا عذاب الحريق ( عطف على يضربون بإضمار القول أي ويقولون ذوقوا بشارة لهم بعذاب الآخرة وقيل كانت معهم مقامع من حديد كلما ضربوا التهبت النار منها وجواب ) لو ( محذوف لتقطيع الأمر وتهويله(3/114)
" صفحة رقم 115 "
الأنفال : ( 51 ) ذلك بما قدمت . . . . .
) ذلك ( الضرب والعذاب ) بما قدمت أيديكم ( بسبب ما كسبتم من الكفر والمعاصي وهو خبر لذلك ) وأن الله ليس بظلام للعبيد ( عطف على ما للدلالة على أن سببيته بانضمامه إليه إذ لولاه لامكن أن يعذبه مبغير ذنوبهم لا أن لا يعذبهم بذنوبهم فإن ترك التعذيب من مستحقه ليس بظلم شرعا ولا عقلا حتى ينتهض نفي الظلم سببا للتعذيب وظلام التكثير لأجل العبيد
الأنفال : ( 52 ) كدأب آل فرعون . . . . .
) كدأب آل فرعون ( أي دأب هؤلاء مثل دأب آل فرعون وهو عملهم وطريقهم الذي دأبوا فيه أي داموا عليه ) والذين من قبلهم ( من قبل آل فرعون ) كفروا بآيات الله ( تفسير لدأبهم ) فأخذهم الله بذنوبهم ( كما أخذ هؤلاء ) إن الله قوي شديد العقاب ( لا يغلبه في دفعه شيء
الأنفال : ( 53 ) ذلك بأن الله . . . . .
) ذلك ( إشارة إلى ما حل بهم ) بأن الله ( بسبب أن الله ) لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم ( مبدلا إياها بالنقمة ) حتى يغيروا ما بأنفسهم ( يبدلوا ما بهم من الحال إلى حال أسوأ كتغيير قريش حالهم في صلة الرحم والكف عن تعرض الآيات والرسل بمعاداة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ومن تبعه منهم والسعي في إراقة دمائهم والتكذيب بالآيات والاستهزاء بها إلى غير ذلك مما أحدثوه بعد المبعث وليس السبب عدم تغيير الله ما أنعم عليهم حتى يغيروا حالهم بل ما هو المفهوم له وهو جري عادته على تغييره متى يغيروا حالهم وأصل يك يكون فحذفت الحركة للجزم ثم الواو لالتقاء الساكنين ثم النون لشبهه(3/115)
" صفحة رقم 116 "
بالحروف اللينة تخفيفا ) وأن الله سميع ( لما يقولون ) عليم ( بما يفعلون
الأنفال : ( 54 ) كدأب آل فرعون . . . . .
) كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون ( تكرير للتأكيد ولما نيط به من الدلالة على كفران النعم بقوله ) بآيات ربهم ( وبيان ما أخذ به آل فرعون وقيل الأول لتشبيه الكفر والاخذ به والثاني لتشبيه التغيير في النعمة بسبب تغييرهم ما بأنفسهم ) وكل ( من الفرق المكذبة أو من غرقى القبط وقتلى قريش ) كانوا ظالمين ( أنفسهم بالكفر والمعاصي
الأنفال : ( 55 ) إن شر الدواب . . . . .
) إن شر الدواب عند الله الذين كفروا ( أصروا على الكفر ورسخوا فيه فهم لا يؤمنون فلا يتوقع منهم إيمان ولعله إخبار عن قوم مطبوعين على الكفر بأنهم لا يؤمنون والفاء للعطف والتنبيه على أن تحقق المعطوف عليه يستدعي تحقق المعطوف وقوله
الأنفال : ( 56 ) الذين عاهدت منهم . . . . .
) الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة ( بدل من الذين كفروا بدل البعض للبيان والتخصيص وهم يهود قريظة عاهدهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن لا يمالثوا عليه فأعانوا المشركين بالسلاح وقالوا نسينا ثم عاهدهم فنكثوا ومالؤوهم عليه يوم الخندق(3/116)
" صفحة رقم 117 "
وركب كعب بن الاشرف إلى مكة فحالفهم ومن لتضمين المعاهدة معنى الأخذ والمراد بالمرة مرة المعاهدة أو المحاربة ) وهم لا يتقون ( سبة الغدر ومغبته أو لا يتقون الله فيه أو نصره للمؤمنين وتسليطه إياهم عليهم
الأنفال : ( 57 ) فإما تثقفنهم في . . . . .
) فإما تثقفنهم ( فإما تصادفنهم وتظفرن بهم ) في الحرب فشرد بهم ( ففرق عن مناصبتك ونكل عنها بقتلهم والنكاية فيهم ) من خلفهم ( من وراءهم من الكفرة والتشريد تفريق على اضطراب وقرئ فشرذ بالذال المعجمة وكأنه مقلوب شذر و ) من خلفهم ( والمعنى واحد فإنه إذا شرد من وراءهم فقد فعل التشريد في الوراء ) لعلهم يذكرون ( لعل المشردين يتعظون
الأنفال : ( 58 ) وإما تخافن من . . . . .
) وإما تخافن من قوم ( معاهدين ) خيانة ( نقض عهد بأمارات تلوح لك ) فانبذ إليهم ( فاطرح إليهم عهدهم ) على سواء ( على عدل وطريق قصد في العداوة ولا تناجزهم الحرب فإنه يكون خيانة منك أو على سواء في الخوف أو العلم بنقض العهد وهو في موضع الحال من النابذ على الوجه الأول أي ثابتا على طريق سوي أو منه أو من المنبوذ إليهم أو منهما على غيره وقوله ) إن الله لا يحب الخائنين ( تعليل للأمر بالنبذ والنهي عن مناجزة القتال المدلول عليه بالحال على طريقة الاستئناف
الأنفال : ( 59 ) ولا يحسبن الذين . . . . .
) ولا تحسبن ( خطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقوله ) الذين كفروا سبقوا ( مفعولاه وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص بالياء على أن الفاعل ضمير أحد أو ) من خلفهم ( أو ) الذين كفروا ( والمفعول الأول أنفسهم فحذف للتكرار أو على تقدير أن ) سبقوا ( وهو ضعيف لأن أن المصدرية كالموصول فلا تحذف أو على ايقاع الفعل على ) إنهم لا يعجزون ((3/117)
" صفحة رقم 118 "
بالفتح على قراءة ابن عامر وأن ) لا ( صلة و ) سبقوا ( حال بمعنى سابقين أي مفلتين والاظهر أنه تعليل للنهي أي لا تحسبنهم سبقوا فأفلتوا لأنهم لا يفوتون الله أو لا يجدون طالبهم عاجزا عن إدراكهم وكذا أن كسرت إن إلا أنه تعليل على سبيل الاستئناف ولعل الآية ازاحة لما يحذر به من نبذ العهد وإيقاظ العدو وقيل نزلت فيمن افلت من فل المشركين
الأنفال : ( 60 ) وأعدوا لهم ما . . . . .
) وأعدوا ( أيها المؤمنون ) لهم ( لناقضي العهد أو الكفار ) ما استطعتم من قوة ( من كل ما يتقوى به في الحرب وعن عقبة بن عامر سمعته ( صلى الله عليه وسلم ) يقول على المنبر ألا أن القوة الرمي قالها ثلاثا ولعله ( صلى الله عليه وسلم ) خصه بالذكر لأنه أقواه ) ومن رباط الخيل ( اسم للخيل التي تربط في سبيل الله فعال بمعنى مفعول أو مصدر سمي به يقال ربط ربطا ورباطا ورابط مرابطة ورباطا أو جمع ربيط كفصيل وفصال وقرئ ربط الخيل بضم الباء وسكونها جمع رباط وعطفها على القوة كعطف جبريل وميكائيل على الملائكة ) ترهبون به ( تخوفون به وعن يعقوب ) ترهبون ( بالتشديد والضمير ل ) ما استطعتم ( أو للإعداد ) عدو الله وعدوكم ( يعني كفار مكة ) وآخرين من دونهم ( من غيرهم من الكفرة قيل هم اليهود وقيل المنافقون وقل الفرس ) لا تعلمونهم ((3/118)
" صفحة رقم 119 "
لا تعرفونهم بأعيانهم ) الله يعلمهم ( يعرفهم ) وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم ( جزاؤه ) وأنتم لا تظلمون ( بتضييع العمل أو نقص الثواب
الأنفال : ( 61 ) وإن جنحوا للسلم . . . . .
) وإن جنحوا ( مالوا ومنه الجناح وقد يعدى باللام وإلى ) للسلم ( للصلح أو الاستسلام وقرأ أبو بكر بالكسر ) فاجنح لها ( وعاهد معهم وتأنيث الضمير لحمل السلم على نقيضها فيه قال " السلم تأخذ منها ما رضيت به والحرب يكفيك من أنفاسها جرع " وقرئ فاجنح بالضم ) وتوكل على الله ( ولا تخف من إبطانهم خداعا فيه فإن الله يعصمك من مكرهم ويحيقه بهم ) إنه هو السميع ( لأقوالهم ) العليم ( بنياتهم والاية مخصوصة بأهل الكتاب لاتصالها بقصتهم وقيل عامة نسختها آية السيف
الأنفال : ( 62 ) وإن يريدوا أن . . . . .
) وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله ( فإن محسبك الله وكافيك قال جرير " إني وجدت من المكارم حسبكم أن تلبسوا حر الثياب وتشبعوا " ) هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ( جميعا
الأنفال : ( 63 ) وألف بين قلوبهم . . . . .
) وألف بين قلوبهم ( مع ما فيهم من العصبية والضغينة في أدنى شيء والتهالك على الانتقام بحيث لا يكاد يأتلف فيهم قلبان حتى صاروا كنفس واحدة وهذا من معجزاته ( صلى الله عليه وسلم ) وبيانه ) لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ( أي تناهي عداوتهم إلى حد لو انفق منفق في إصلاح ذات بينهم ما في الأرض من الأموال لم يقدر على الألفة والإصلاح ) ولكن الله ألف بينهم ( بقدرته البالغة فإنه المالك للقلوب يقلبها كيف يشاء ) إنه عزيز ( تام القدرة والغلبة لا يعصى عليه ما يريده ) حكيم ( يعلم انه كيف ينبغي أن يفعل ما يريده وقيل الآية في الاوس والخزرج كان بينهم محن لا أمد لها ووقائع هلكت فيها(3/119)
" صفحة رقم 120 "
ساداتهم فأنساهم الله ذلك وألف بينهم بالإسلام حتى تصافوا وصاروا أنصارا
الأنفال : ( 64 ) يا أيها النبي . . . . .
) يا أيها النبي حسبك الله ( كافيك ) ومن اتبعك من المؤمنين ( أما في محل النصب على المفعول معه كقوله " إذا كانت الهيجاء واشتجر القنا فحسبك والضحاك سيف مهند " أو الجر عطفا على المكني عند الكوفيين أو الرفع عطفا على اسم الله تعالى أي كفاك الله والمؤمنون و الآية نزلت بالبيداء في غزوة بدر وقيل أسلم مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ثم اسلم عمر رضي الله عنه فنزلت ولذلك قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نزلت في إسلامه
الأنفال : ( 65 ) يا أيها النبي . . . . .
) يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ( بالغ في حثهم عليه واصله الحرض وهو أن ينهكه المرض حتى يشفى على الموت وقرئ حرص من الحرص ) إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا ( شرط في معنى الأمر بمصابرة الواحد للعشرة والوعد بأنهم أن صبروا غلبوا بعون الله وتأييده وقرا ابن كثير ونافع وابن عامر تكن بالتاء في الآيتين ووافقهم البصريان في ) وإن يكن منكم مائة ( ) بأنهم قوم لا يفقهون ( بسبب أنهم جهلة بالله واليوم الآخر لا يثبتون ثبات المؤمنين رجاء الثواب وعوالي الدرجات قتلوا أو قتلوا ولا يستحقون من الله إلا الهوان والخذلان
الأنفال : ( 66 ) الآن خفف الله . . . . .
) الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله ( لما أوجب على الواحد مقاومة العشرة والثبات لهم وثقل ذلك عليهم خفف عنهم بمقاومة الواحد الاثنين وقيل كان فيهم قلة فأمروا بذلك(3/120)
" صفحة رقم 121 "
ثم لما كثروا خفف عنهم وتكرير المعنى الواحد بذكر الأعداد المتناسبة للدلالة على أن حكم القليل والكثير واحد والضعف ضعف البدن وقيل ضعف البصيرة وكانوا متفاوتين فيها وفيه لغتان الفتح وهو قراءة عاصم وحمزة والضم وهو قراءة الباقين ) والله مع الصابرين ( بالنصر والمعونة فكيف لا يغلبون
الأنفال : ( 67 ) ما كان لنبي . . . . .
) ما كان لنبي ( وقرئ للنبي على العهد ) أن يكون له أسرى ( وقرأ البصريان بالتاء ) حتى يثخن في الأرض ( يكثر القتل ويبالغ فيه حتى يذل الكفر ويقل حزبه ويعز الإسلام ويستولي أهله من أثخنه المرض إذا أثقله وأصله الثخانة وقرئ ) يثخن ( بالتشديد للمبالغة ) تريدون عرض الدنيا ( حطامها بأخذكم الفداء ) والله يريد الآخرة ( يريد لكم ثواب الآخرة أو سبب نيل ثواب الآخرة من إعزاز دينه وقمع اعدائه وقرئ بجر الآخرة على إضمار المضاف كقوله " أكل امرئ تحسبين امرأ ونار توقد بالليل نارا " ) والله عزيز ( يغلب أولياءه على أعدائه ) حكيم ( يعلم ما يليق بكل حال ويخصه بها كما أمر بالإثخان ومنع من الافتداء حين كانت الشوكة للمشركين وخير بينه وبين المن لما تحولت الحال وصارت الغلبة للمؤمنين روي انه عليه السلام أتى يوم بدر بسبعين أسيرا فيهم العباس وعقيل بن أبي طالب فاستشار فيهم فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه قومك وأهلك استبقهم لعل الله يتوب عليم وخذ منهم فدية تقوي بها أصحابك وقال عمر رضي الله تعالى عنه اضرب أعناقهم فإنهم أئمة الكفر وان الله أغناك عن الفداء مكني من فلان لنسيب له ومكن عليا وحمزة من أخويهما فنضرب أعناقهم فلم يهو ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون الين من اللين وان الله ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة وان مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال ) فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ( ومثلك يا عمر مثل نوح قال ) رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ( فخير أصحابه فأخذوا الفداء فنزلت فدخل عمر(3/121)
" صفحة رقم 122 "
رضي الله تعالى عنه على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال يا رسول الله أخبرني فإن أجد بكاء بكيت وإلا تباكيت فقال ابك على أصحابك في أخذهم الفداء ولقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة والاية دليل على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجتهدون وأنه قد يكون خطأ ولكن لا يقرون عليه
الأنفال : ( 68 ) لولا كتاب من . . . . .
) لولا كتاب من الله سبق ( لولا حكم من الله سبق إثباته في اللوح المحفوظ وهو أن لا يعاقب المخطئ في اجتهاده أو أن لا يعذب أهل بدر أو قوما بما لم يصرح لهم بالنهي عنه أو أن الفدية التي أخذوها ستحل لهم ) لمسكم ( لنالكم ) فيما أخذتم ( من الفداء ) عذاب عظيم ( روي أنه عليه الصلاة والسلام قال لو نزل العذاب لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ وذلك لأنه أيضا أشار بالإثخان(3/122)
" صفحة رقم 123 "
الأنفال : ( 69 ) فكلوا مما غنمتم . . . . .
) فكلوا مما غنمتم ( من الفدية فإنها من جملة الغنائم وقيل امسكوا عن الغنائم فنزلت والفاء للتسبب والسبب محذوف تقديره أبحت لكم الغنائم فكلوا وبنحوه تشبث من زعم أن الأمر الوارد بعد الحظر للاباحة حلالا حال من المغنوم أو صفة للمصدر أي أكلا حلالا وفائدته ازاحة ما وقع في نفوسهم منه بسبب تلك المعاتبة أو حرمتها على الأولين ولذلك وصفة بقوله ) طيبا واتقوا الله ( في مخالفته ) إن الله غفور ( غفر لكم ذنبكم ) رحيم ( أباح لكم ما أخذتم
الأنفال : ( 70 ) يا أيها النبي . . . . .
) يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى ( وقرأ أبو عمرو من الأسارى ) إن يعلم الله في قلوبكم خيرا ( ايمانا وإخلاصا ) يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ( من الفداء روي أنها نزلت في العباس رضي الله عنه كلفه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يفدي نفسه وابني اخويه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث فقال يا محمد تركتني اتكفف قريشا ما بقيت فقال أين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل وقت خروجك وقلت لها إني لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا فإن حدث بي حدث فهو لك ولعبد الله وعبيد الله والفضل وقثم فقال العباس وما يدريك قال اخبرني به ربي تعالى قال فأشهد أنك صادق وأن لا إله إلا الله وأنك رسوله والله لم يطلع عليه أحد إلا الله ولقد دفعته إليها في سواد الليل قال العباس فأبدلني الله خيرا من ذلك لي الآن عشرون عبدا إن أدناهم ليضرب في عشرين ألفا وأعطاني زمزم ما أحب أن لي بها جميع أموال أهل مكة وأنا انتظر المغفرة من ربكم يعني الموعود بقوله ) ويغفر لكم والله غفور رحيم )
الأنفال : ( 71 ) وإن يريدوا خيانتك . . . . .
) وإن يريدوا ( يعني الاسرى ) خيانتك ( نقض ما عاهدوك ) فقد خانوا الله ( بالكفر ونقض ميثاقه المأخوذ بالعقل ) من قبل فأمكن منهم ( أي فأمكنك منهم كما فعل يوم بدر فان اعادوا الخيانة فسيمكنك منهم ) والله عليم حكيم ((3/123)
" صفحة رقم 124 "
الأنفال : ( 72 ) إن الذين آمنوا . . . . .
) إن الذين آمنوا وهاجروا ( هم المهاجرون هجروا اوطانهم حبا لله ولرسوله ) وجاهدوا بأموالهم ( فصرفوها في الكراع والسلاح وأنفقوها على المحاويج ) وأنفسهم في سبيل الله ( بمباشرة القتال ) والذين آووا ونصروا ( هم الأنصار آووا المهاجرين إلى ديارهم ونصروهم على أعدائهم ) أولئك بعضهم أولياء بعض ( في الميراث وكان المهاجرين والانصار يتوارثون بالهجرة والنصرة دون الاقارب حتى نسخ بقوله ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ( أو بالنصرة والمظاهرة ) والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ( أي من توليهم في الميراث وقرأ حمزة ) ولايتهم ( بالكسر تشبيها لها بالعمل والصناعة كالكتابة والامارة كأنه بتوليه صاحبه يزاول عملا ) وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ( فواجب عليكم أن تنصروهم على المشركين ) إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ( عهد فإنه لا ينقض عهدهم لنصرهم عليهم ) والله بما تعملون بصير )
الأنفال : ( 73 ) والذين كفروا بعضهم . . . . .
) والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ( في الميراث أو المؤازرة وهو بمفهومه يدل على منع التوارث أو المؤازرة بينهم وبين المسلمين ) إلا تفعلوه ( إلا تفعلوا ما أمرتم به من التواصل بينكم وتولي بعضكم لبعض حتى في التوارث وقطع العلائق بينكم وبين الكفار ) تكن فتنة في الأرض ( تحصل فتنة فيها عظيمة وهي ضعف الإيمان وظهور الكفر ) وفساد كبير ( في الدين وقرئ كثير
الأنفال : ( 74 ) والذين آمنوا وهاجروا . . . . .
) والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا ( لما قسم المؤمنين ثلاثة أقسام بين أن الكاملين في الإيمان منهم هم الذين حققوا ايمانهم بتحصيل مقتضاه من الهجرة وبذل المال ونصرة الحق ووعد لهم الموعد الكريم فقال ) لهم مغفرة ورزق كريم ( لا تبعة له ولا منة فيه
الأنفال : ( 75 ) والذين آمنوا من . . . . .
ثم ألحق بهم في الأمرين من سيلحق بهن ويتسم بسمتهم فقال(3/124)
" صفحة رقم 125 "
) والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم ( أي من جملتكم أيها المهاجرون والأنصار ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ( في التوارث من الأجانب ) في كتاب الله ( في حكمه أو في اللوح أو في القرآن واستدل به على توريث ذوي الأرحام ) أن الله بكل شيء عليم ( من المواريث والحكمة في إناطتها بنسبة الإسلام والمظاهرة اولا واعتبار القرابة ثانيا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الانفال وبراءة فأنا شفيع له يوم القيامة وشاهد انه بريء من النفاق واعطي حسنات بعدد كل منافق ومنافقة وكان العرش وحملته يستغفرون له أيام حياته(3/125)
" صفحة رقم 126 "
9
مقدمة سورة التوبة وقيل إلا آيتين من قوله ) لقد جاءكم رسول ( وهي آخر ما نزل ولها أسماء آخر التوبة والمقشقشة والبحوث والمبعثرة والمنقرة والمثيرة والحافرة والمخزية والفاضحة والمنكلة والمشردة والمدمدمة وسورة العذاب لما فيها من التوبة للمؤمنين والقشقشة من النفاق وهي التبري منه والبحث عن حال المنافقين وإثارتها والحفر عنها وما يخزيهم ويفضحهم وينكلهم ويشردهم ويدمدم عليهم وايها مائة وثلاثون وقيل تسع وعشرون وانما تركت التسمية فيها لأنها نزلت لرفع الامان وبسم الله امان وقيل كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا نزلت عليه سورة أو آية بين موضعها وتوفي(3/126)
" صفحة رقم 127 "
ولم يبين موضعها وكانت قصتها تشابه قصة الأنفال وتناسبها لأن في الأنفال ذكر العهود وفي براءة نبذها فضمت إليها وقيل لما اختلفت الصحابة في أنهما سورة واحدة هي سابعة السبع الطوال أو سورتان تركت بينهما فرجة ولم تكتب بسم الله
الأنفال : ( 1 - 2 ) يسألونك عن الأنفال . . . . .
) براءة من الله ورسوله ( أي هذه براءة ومن ابتدائية متعلقة بمحذوف تقديره وأصله ) من الله ورسوله ( ويجوز أن تكون ) براءة ( مبتدأ لتخصصها بصفتها والخبر ) إلى الذين عاهدتم من المشركين ( وقرئ بنصبها على اسمعوا براءة والمعنى أن الله ورسوله برئا من العهد الذي عاهدتم به المشركين وإنما علقت البراءة بالله ورسوله والمعاهدة بالمسلمين للدلالة على أنه يجب عليهم نبذ عهود المشركين إليهم وإن كانت صادرة بإذن الله تعالى واتفاق الرسول فإنهما برئا منها وذلك أنهم عاهدوا مشركي العرب فنكثوا إلا أناسا منهم بنو ضمرة وبنو كنانة فأمرهم بنبذ العهد إلى الناكثين وأمهل المشركين أربعة أشهر ليسيروا أين شاءوا فقال ) فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ( شوال وذي القعدة وذي الحجة والمحرم لأنها نزلت في شوال وقيل هي عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وربيع الأول وعشر من ربيع الآخر لأن التبليغ كان يوم النحر لما روي أنها لما نزلت أرسل رسول(3/127)
" صفحة رقم 128 "
الله ( صلى الله عليه وسلم ) عليا رضي الله عنه راكب العضباء ليقرأها على أهل الموسم وكان قد بعث أبا بكر رضي الله تعالى عنه أميرا على الموسم فقيل له لو بعث بها إلى أبي بكر فقال لا يؤدي عني إلا رجل مني فلما دنا علي رضي الله تعالى عنه سمع أبو بكر الرغاء فوقف وقال هذا رغاء ناقة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلما لحقه قال أمير أو مأمور فلما كان قبل التروية خطب أبو بكر رضي الله تعالى عنه وحدثهم عن مناسكهم وقام علي رضي الله عنه يوم النحر عند جمرة العقبة فقال أيها الناس إني رسول الله إليكم فقالوا بماذا فقرأ عليهم ثلاثين أو أربعين آية ثم قال أمرت بأربع أن لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا كل نفس مؤمنة وأن يتم إلى كل ذي عهد عهده ولعل قوله ( صلى الله عليه وسلم ) لا يؤدي عني إلا رجل مني ليس على العموم فإنه ( صلى الله عليه وسلم ) بعث لأن يؤدي عنه كثير لم يكونوا من عترته بل هو مخصوص بالعهود فإن عادة العرب أن لا يتولى العهد ونقضه على القبيلة إلا رجل منها ويدل عليه أنه في بعض الروايات لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي ) واعلموا أنكم غير معجزي الله ( لا تفوتونه وإن أمهلكم ) وأن الله مخزي الكافرين ( بالقتل والأسر في الدنيا والعذاب في الآخرة
الأنفال : ( 3 ) الذين يقيمون الصلاة . . . . .
) وأذان من الله ورسوله إلى الناس ( أي إعلام فعال بمعنى الإفعال كالأمان والعطاء ورفعه كرفع ) براءة ( على الوجهين ) يوم الحج الأكبر ( يوم العيد لأن فيه تمام الحج معظم أفعاله ولأن الإعلام كان فيه ولما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) وقف يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع فقال هذا يوم الحج الأكبر وقيل يوم عرفة لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) الحج عرفة ووصف الحج بالأكبر لأن العمرة تسمى الحج الأصغر أو لأن المراد بالحج ما يقع في ذلك اليوم من أعماله فإنه أكبر من باقي الأعمال أو لأن ذلك الحج اجتمع فيه المسلمون والمشركون ووافق عيده أعياد أهل الكتاب أو لأنه ظهر فيه عز المسلمين وذل المشركين(3/128)
" صفحة رقم 129 "
) إن الله ( أي بأن الله ) بريء من المشركين ( أي من عهودهم ) ورسوله ( عطف على المستكن في ) بريء ( أو على محل ) إن ( واسمها في قراءة من كسرها إجراء للأذان مجرى القول وقرئ بالنصب عطفا على اسم إن أو لأن الواو بمعنى مع ولا تكرير فيه فإن قوله ) براءة من الله ( إخبار بثبوت البراءة وهذه إخبار بوجوب الإعلام بذلك ولذلك علقه بالناس ولم يخصه بالمعاهدين ) فإن تبتم ( من الكفر والغدر ) فهو ( فالتوب ) خير لكم وإن توليتم ( عن التوبة أو تبتم على التولي عن الإسلام والوفاء ) فاعلموا أنكم غير معجزي الله ( لا تفوتونه طلبا ولا تعجزونه هربا في الدنيا ) وبشر الذين كفروا بعذاب أليم ( في الآخرة
الأنفال : ( 4 ) أولئك هم المؤمنون . . . . .
) إلا الذين عاهدتم من المشركين ( استثناء من المشركين أو استدراك فكأنه قيل لهم بعد أن أمروا بنبذ العهد إلى الناكثين ولكن الذين عاهدوا منهم ) ثم لم ينقصوكم شيئا ( من شروط العهد ولم ينكثوه أو لم يقتلوا منكم ولم يضروكم قط ) ولم يظاهروا عليكم أحدا ( من أعدائكم ) فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ( إلى تمام مدتهم ولا تجروهم مجرى الناكثين ) إن الله يحب المتقين ( تعليل وتنبيه على أن إتمام عهدهم من باب التقوى
الأنفال : ( 5 ) كما أخرجك ربك . . . . .
) فإذا انسلخ ( انقضى وأصل الانسلاخ خروج الشيء مما لابسه من سلخ الشاة ) الأشهر الحرم ( التي أبيح للناكثين أن يسيحوا فيها وقيل هي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم وهذا مخل بالنظم مخالف للإجماع فإنه يقتضي بقاء حرمة الأشهر الحرم(3/129)
" صفحة رقم 130 "
إذ ليس فيما نزل بعد ما ينسخها ) فاقتلوا المشركين ( الناكثين ) حيث وجدتموهم ( من حل أو حرم ) وخذوهم ( وأسروهم والأخيذ اليسير ) واحصروهم ( واحبسوهم أو حيلوا بينهم وبين المسجد الحرام ) واقعدوا لهم كل مرصد ( كل ممر لئلا يتبسطوا في البلاد وانتصابه على الظرف ) فإن تابوا ( عن الشرك بالإيمان ) وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ( تصديقا لتوبتهم وإيمانهم ) فخلوا سبيلهم ( فدعوهم ولا تتعرضوا لهم بشيء من ذلك وفيه دليل على أن تارك الصلاة ومانع الزكاة لا يخلى سبيله ) إن الله غفور رحيم ( تعليل للأمر أي فخلوهم لأن الله غفور رحيم غفر لهم ما قد سلف وعدلهم الثواب بالتوبة
الأنفال : ( 6 ) يجادلونك في الحق . . . . .
) وإن أحد من المشركين ( المأمور بالتعرض لهم ) استجارك ( استأمنك وطلب منك جوارك ) فأجره ( فأمنه ) حتى يسمع كلام الله ( ويتدبره ويطلع على حقيقة الأمر ) ثم أبلغه مأمنه ( موضع أمنه إن لم يسلم وأحد رفع بفعل يفسره ما بعده لا بالابتداء لأن إن من عوامل الفعل ) ذلك ( الأمن أو الأمر ) بأنهم قوم لا يعلمون ( ما الإيمان وما حقيقة ما تدعوهم إليه فلا بد من أمانهم ريثما يسمعون ويتدبرون
الأنفال : ( 7 ) وإذ يعدكم الله . . . . .
) كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ( استفهام بمعنى الإنكار والاستبعاد لأن يكون لهم عهد ولا ينكثوه مع وغرة صدورهم أو لأن يفي الله ورسوله(3/130)
" صفحة رقم 131 "
بالعهد وهم نكثوه وخبر يكون كيف وقدم للاستفهام أو للمشركين أو عند الله وهو على الأولين صفة لل ) عهد ( أو ظرف له أو ل ) يكون ( و ) كيف ( على الأخيرين حال من ال ) عهد ( و ) للمشركين ( إن لم يكن خبرا فتبيين ) إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ( هما المستثنون قبل ومحله النصب على الاستثناء أو الجر على البدل أو الرفع على أن الاستثناء منقطع أي ولكن الذين عاهدتم منهم عند المسجد الحرام ) فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ( أي فتربصوا أمرهم فإن استقاموا على العهد فاستقيموا على الوفاء وهو كقوله ) فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ( غير أنه مطلق وهذا مقيد وما تحتمل الشرطية والمصدرية ) إن الله يحب المتقين ( سبق بيانه
الأنفال : ( 8 ) ليحق الحق ويبطل . . . . .
) كيف ( تكرار لاستبعاد ثباتهم على العهد أو بقاء حكمه مع التنبيه على العلة وحذف الفعل للعلم به كما في قوله " وخبرتماني أنما الموت بالقرى فكيف وهاتا هضبة وقليب " (3/131)
" صفحة رقم 132 "
أي فكيف مات ) وإن يظهروا عليكم ( أي وحالهم أنهم إن يظفروا بكم ) لا يرقبوا فيكم ( لا يراعوا فيكم ) إلا ( حلفا وقيل قرابة قال حسان " لعمرك إن الك من قريش كإل السقب من رأل النعام " وقيل ربوبية ولعله اشتق للحلف من الإل وهو الجؤار لأنهم كانوا إذا تحالفوا رفعوا به أصواتهم وشهروه ثم استعير للقرابة لأنها تعقد بين الأقارب ما لا يعقده الحلف ثم للربوبية والتربية وقيل اشتقاقه من ألل الشيء إذا حدده أو من آل البرق إذا لمع وقيل إنه عبري بمعنى الإله لأنه قرئ إيلا كجبرئل وجبرئيل ) ولا ذمة ( عهدا أو حقا يعاب على إغفاله ) يرضونكم بأفواههم ( استئناف لبيان حالهم المنافية لثباتهم على العهد المؤدية إلى عدم مراقبتهم عند الظفر ولا يجوز جعله حالا من فاعل لايرقبوا فإنهم بعد ظهورهم لا يرضون ولأن المراد إثبات إرضائهم المؤمنين بوعد الإيمان والطاعة والوفاء بالعهد في الحال واستبطان الكفر والمعاداة بحيث إن ظفروا لم يبقوا عليهم والحالية تنافيه ) وتأبى قلوبهم ( ما تتفوه به أفواههم ) وأكثرهم فاسقون ( متمردون لا عقيدة تزعهم ولا مروءة تردعهم وتخصيص الأكثر لما في بعض الكفرة من التفادي عن الغدر والتعفف عما يجر إلى أحدوثة السوء
الأنفال : ( 9 ) إذ تستغيثون ربكم . . . . .
) اشتروا بآيات الله ( استبدلوا بالقرآن ) ثمنا قليلا ( عرضا يسيرا وهو اتباع الأهواء والشهوات ) فصدوا عن سبيله ( دينه الموصل إليه أو سبيل بيته بحصر الحجاج(3/132)
" صفحة رقم 133 "
والعمار والفاء للدلالة على أن اشتراءهم أداهم إلى الصد ) إنهم ساء ما كانوا يعملون ( عملهم هذا أو ما دل عليه قوله
الأنفال : ( 10 ) وما جعله الله . . . . .
) لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ( فهو تفسير لا تكرير وقيل الأول عام في الناقضين وهذا خاص بالذين اشتروا وهم اليهود أو الأعراب الذين جمعهم أبو سفيان وأطعمهم ) وأولئك هم المعتدون ( في الشرارة
الأنفال : ( 11 ) إذ يغشيكم النعاس . . . . .
) فإن تابوا ( عن الكفر ) وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ( فهم إخوانكم في الدين لهم ما لكم وعليهم ما عليكم ) ونفصل الآيات لقوم يعلمون ( اعتراض للحث على تأمل ما فصل من أحكام المعاهدين أو خصال التائبين
الأنفال : ( 12 ) إذ يوحي ربك . . . . .
) وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم ( وإن نكثوا ما بايعوا عليه من الإيمان أو الوفاء بالعهود ) وطعنوا في دينكم ( بصريح التكذيب وتقبيح الأحكام ) فقاتلوا أئمة الكفر ( أي فقاتلوهم فوضع أئمة الكفر موضع الضمير للدلالة على أنهم صاروا بذلك ذوي الرئاسة والتقدم في الكفر أحقاء بالقتل وقبل المراد بالأئمة رؤساء المشركين فالتخصيص إما لأن قتلهم أهم وهم أحق به أو للمنع من مراقبتهم وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي وروح عن يعقوب أئمة بتحقيق الهمزتين على الأصل والتصريح بالياء لحن ) إنهم لا أيمان لهم ( أي لا أيمان لهم على الحقيقة وألا لما طعنوا ولم ينكثوا وفيه دليل على أن الذمي إذا طعن في الإسلام فقد نكث عهده واستشهد به الحنفية على أن يمين الكافر ليست يمينا وهو ضعيف لأن المراد نفي الوثوق عليها لا أنها ليست بأيمان لقوله تعالى ) وإن نكثوا أيمانهم ( وقرأ ابن عامر لا أيمان لهم بمعنى لا أمان أو لا إسلام وتشبث به من لم يقبل توبة المرتد وهو ضعيف لجواز أن يكون يمعنى لا يؤمنون على الإخبار عن قوم معينين أو ليس لهم إيمان فيراقبوا لأجله ) لعلهم ينتهون ( متعلق ب قاتلوا أي ليكن غرضكم في المقاتلة أن ينتهوا عما هم عليه لا إيصال الأذية بهم كما هو طريقة المؤذين(3/133)
" صفحة رقم 134 "
الأنفال : ( 13 ) ذلك بأنهم شاقوا . . . . .
) ألا تقاتلون قوما ( تحريض على القتال لأن الهمزة دخلت على النفي للإنكار فأفادت المبالغة في الفعل ) نكثوا أيمانهم ( التي حلفوها مع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين على أن لا يعاونوا عليهم فعاونوا بني بكر على خزاعة ) وهموا بإخراج الرسول ( حين تشاوروا في أمره بدار الندوة على ما مر ذكره في قوله ) وإذ يمكر بك الذين كفروا ( وقيل هم اليهود نكثوا عهد الرسول وهموا بإخراجه من المدينة ) وهم بدؤوكم أول مرة ( بالمعاداة والمقاتلة لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) بدأهم بالدعوة وإلزام الحجة بالكتاب والتحدي به فعدلوا عن معارضته إلى المعاداة والمقاتلة فما يمنعكم أن تعارضوهم وتصادموهم ) أتخشونهم ( أتتركون قتالهم خشية أن ينالكم مكروه منهم ) فالله أحق أن تخشوه ( فقاتلوا أعداءكم ولا تتركوا أمره ) إن كنتم مؤمنين ( فإن قضية الإيمان أن لا يخشى إلا منه
الأنفال : ( 14 ) ذلكم فذوقوه وأن . . . . .
) قاتلوهم ( أمر بالقتال بعد بيان موجبه والتوبيخ على تركه والتوعد عليه ) يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ( وعد لهم إن قاتلوهم بالنصر عليهم والتمكن من قتلهم وإذلالهم ) ويشف صدور قوم مؤمنين ( يعني بني خزاعة وقيل بطونا من اليمن وسبأ قدموا مكة فأسلموا فلقوا من أهلها أذى شديدا فشكوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أبشروا فإن الفرج قريب
الأنفال : ( 15 ) يا أيها الذين . . . . .
) ويذهب غيظ قلوبهم ( لما لقوا منهم وقد أوفى الله بما وعدهم والآية من المعجزات ) ويتوب الله على من يشاء ( ابتداء إخبار بأن بعضهم يتوب عن كفره وقد كان(3/134)
" صفحة رقم 135 "
ذلك أيضا وقرئ ) ويتوب ( بالنصب على إضمار أن على أنه من جملة ما أجيب به الأمر فإن القتال كما تسبب لتعذيب قوم تسبب لتوبة قوم آخرين ) والله عليم ( بما كان وما سيكون ) حكيم ( لا يفعل ولا يحكم إلا على وفق الحكمة
الأنفال : ( 16 ) ومن يولهم يومئذ . . . . .
) أم حسبتم ( خطاب للمؤمنين حين كره بعضهم القتال وقيل للمنافقين و ) أم ( منقطعة ومعنى الهمزة فيها التوبيخ على الحسبان ) أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ( ولم يتبين الخلص منكم وهم الذين جاهدوا من غيرهم نفى العلم وأراد نفي المعلوم لمبالغة فإن كالبرهان عليه من حيث إن تعلق العلم به مستلزم لوقوعه ) ولم يتخذوا ( عطف على ) جاهدوا ( داخل في الصلة ) من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة ( بطانة يوالونهم ويفشون إليهم أسرارهم وما في ) لما ( من معنى التوقع منبه على أن تبين ذلك متوقع ) والله خبير بما تعملون ( يعلم غرضكم منه وهو كالمزيج لما يتوهم من ظاهر قوله ) ولما يعلم الله )
الأنفال : ( 17 ) فلم تقتلوهم ولكن . . . . .
) ما كان للمشركين ( ما صح لهم ) أن يعمروا مساجد الله ( شيئا من المساجد فضلا عن المسجد الحرام وقيل هو المراد وإنما جمع لأنه قبلة المساجد وإمامها فعامره كعامر الجميع ويدل عليه قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب بالتوحيد ) شاهدين على أنفسهم بالكفر ( بإظهار الشرك وتكذيب الرسول وهو حال من الواو والمعنى ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين عمارة بيت الله وعبادة غيره روي أنه لما أسر العباس عيره المسلمون بالشرك وقطيعة الرحم وأغلظ له علي رضي الله تعالى عنه في القول فقال ما بالكم تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا أنا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة(3/135)
" صفحة رقم 136 "
ونسقي الحجيج ونفك العاني فنزلت ) أولئك حبطت أعمالهم ( التي يفتخرون بها بما قارنها من الشرك ) وفي النار هم خالدون ( لأجله
الأنفال : ( 18 ) ذلكم وأن الله . . . . .
) إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ( أي إنما تستقيم عمارتها لهؤلاء الجامعين للكمالات العلمية والعملية ومن عمارتها تزيينها بالفرش وتنويرها بالسرج وإدامة العبادة والذكر ودروس العلم فيها وصيانتها مما لم تبن له كحديث الدنيا وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الله تعالى إن بيوتي في أرضي المساجد وإن زواري فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي فحق على المزور أن يكرم زائره وإنما لم يذكر الإيمان بالرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لما علم أن الإيمان بالله قرينة وتمامه الإيمان به ولدلالة قوله وأقام الصلاة وآتى الزكاة عليه ) ولم يخش إلا الله ( أي في أبواب الدين فإن الخشية عن المحاذير جبلية لا يكاد العاقل يتمالك عنها ) فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ( ذكره بصيغة التوقع قطعا لأطماع المشركين في الاهتداء والانتفاع بأعمالهم وتوبيخا لهم بالقطع بأنهم مهتدون فإن هؤلاء مع كمالهم إذا كان اهتداؤهم دائرا بين عسى ولعل فما ظنك بأضدادهم ومنعا للمؤمنين أن يغتروا بأحوالهم ويتكلوا عليها
الأنفال : ( 19 ) إن تستفتحوا فقد . . . . .
) أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله ( السقاية والعمارة مصدر أسقى وعمر فلا يشبهان بالجثث بل لا بد من إضمار تقديره أجعلتم أهل سقاية الحاج كمن آمن أو أجعلتم سقاية الحاج كإيمان من آمن ويؤيد الأول قراءة من قرأ سقاة الحاج وعمرة المسجد والمعنى إنكار أن يشبه المشركون وأعمالهم المحبطة بالمؤمنين وأعمالهم المثبتة ثم قرر ذلك بقوله ) لا يستوون عند الله ( وبين عدم تساويهم بقوله ) والله لا يهدي القوم الظالمين ( أي الكفرة ظلمة بالشرك ومعاداة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) منهمكون في الضلالة فكيف يساوون الذين هداهم الله ووفقهم للحق والصواب وقيل المراد بالظالمين الذين يسوون بينهم وبين المؤمنين
الأنفال : ( 20 ) يا أيها الذين . . . . .
) الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله ( أعلى رتبة وأكثر كرامة ممن لم تستجمع فيه هذه الصفات أو من أهل السقاية والعمارة عندكم ) وأولئك هم الفائزون ( بالثواب ونيل الحسنى عند الله دونكم(3/136)
" صفحة رقم 137 "
الأنفال : ( 21 ) ولا تكونوا كالذين . . . . .
) يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها ( في الجنات ) نعيم مقيم ( دائم وقرأ حمزة ) يبشرهم ( بالتخفيف وتنكير المبشر به إشعار بأنه وراء التعيين والتعريف
الأنفال : ( 22 ) إن شر الدواب . . . . .
) خالدين فيها أبدا ( أكد الخلود بالتأبيد لأنه قد يستعمل للمكث الطويل ) إن الله عنده أجر عظيم ( يستحقر دونه ما استوجبوه لأجله أو نعيم الدنيا
الأنفال : ( 23 ) ولو علم الله . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء ( نزلت في المهاجرين فإنهم لما أمروا بالهجرة قالوا إن هاجرنا قطعنا آباءنا وأبناءنا وعشائرنا وذهبت تجاراتنا وبقينا ضائعين وقيل نزلت نهيا عن موالاة التسعة الذين ارتدوا ولحقوا بمكة والمعنى لا تتخذوهم أولياء يمنعونكم عن الإيمان ويصدونكم عن الطاعة لقوله ) إن استحبوا الكفر على الإيمان ( إن اختاروه وحرصوا عليه ) ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون ( بوضعهم الموالاة في غير موضعها
الأنفال : ( 24 ) يا أيها الذين . . . . .
) قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم ( أقرباؤكم مأخوذ من العشرة وقيل من العشرة فإن العشيرة جماعة ترجع إلى عقد كعقد العشرة وقرأ أبو بكر / وعشيراتكم / وقرئ / وعشائركم / ) وأموال اقترفتموها ( اكتسبتموها ) وتجارة تخشون كسادها ( فوات وقت نفاقها ) ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله ( الحب الاختياري دون الطبيعي فإنه لا يدخل تحت التكليف في التحفظ عنه ) فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ( جواب ووعيد والأمر عقوبة عاجلة أو آجلة وقيل فتح مكة ) والله لا يهدي القوم الفاسقين ( لا يرشدهم وفي الآية تشديد عظيم وقل من يتخلص منه
الأنفال : ( 25 ) واتقوا فتنة لا . . . . .
) لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ( يعني مواطن الحرب وهي مواقفها ) ويوم حنين ( وموطن يوم حنين ويجوز أن يقدر في أيام مواطن أو يفسر الموطن بالوقت كمقتل الحسين ولا يمنع إبدال قوله ) إذ أعجبتكم كثرتكم ( منه أن يعطف على موضع في ) مواطن ( فإنه لا يقتضي تشاركهما فيما أضيف إليه المعطوف حتى يقتضي كثرتهم وإعجابها إياهم في جميع المواطن و ) حنين ( واد بين مكة والطائف حارب فيه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمسلمون وكانوا اثني عشر ألفا العشرة الذين حضروا فتح مكة وألفان انضموا إليهم من الطلقاء هوازن وثقيفا وكانوا أربعة آلاف فلما التقوا قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو أبو بكر رضي(3/137)
" صفحة رقم 138 "
الله تعالى عنه أو غيره من المسلمين لن تغلب اليوم من قلة إعجابا بكثرتهم واقتتلوا قتالا شديدا فأدرك المسلمين إعجابهم واعتمادهم على كثرتهم فانهزموا حتى بلغ فلهم مكة وبقي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في مركزه ليس معه إلا عمه العباس آخذا بلجامه وابن عمه أبو سفيان بن الحارث وناهيك بهذا شهادة على تناهي شجاعته فقال للعباس وكان صيتا صح بالناس فنادى يا عباد الله يا أصحاب الشجرة يا أصحاب سورة البقرة فكروا عنقا واحدا يقولون لبيك لبيك ونزلت الملائكة فالتقوا مع المشركين فقال ( صلى الله عليه وسلم ) هذا حين حمي الوطيس ثم أخذ كفا من ترا فرماهم ثم قال انهزموا ورب الكعبة فانهزموا ) فلم تغن عنكم ( أي الكثرة ) شيئا ( من الإغناء أو من أمر العدو ) وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ( برحبها أي بسعتها لا تجدون فيها مفرا تطمئن إليه نفوسكم من شدة الرعب أو لا تثبتون فيها كمن لا يسعه مكانه ) ثم وليتم ( الكفار ظهوركم ) مدبرين ( منهزمين والإدبار الذهاب إلى خلف الإقبال
الأنفال : ( 26 ) واذكروا إذ أنتم . . . . .
) ثم أنزل الله سكينته ( رحمته التي سكنوا بها وأمنوا ) على رسوله وعلى المؤمنين ( الذين انهزموا وإعادة الجار للتنبيه على اختلاف حاليهما وقيل هم الذين ثبتوا مع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يفروا ) وأنزل جنودا لم تروها ( بأعينكم أي الملائكة وكانوا خمسة آلاف أو ثمانية أو ستة عشر على اختلاف الأقوال ) وعذب الذين كفروا ( بالقتل والأسر والسبي ) وذلك جزاء الكافرين ( أي ما فعل بهم جزاء كفرهم في الدنيا
الأنفال : ( 27 ) يا أيها الذين . . . . .
) ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء ( منهم بالتوفيق للإسلام ) والله غفور رحيم ( يتجاوز عنهم ويتفضل عليهم روي أن ناسا جاءوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأسلموا وقالوا يا رسول الله أنت خير الناس وأبرهم وقد سبي أهلونا وأولادنا وأخذت أموالنا وقد سبي يومئذ ستة آلاف نفس وأخذ من الإبل والغنم ما لا يحصى فقال ( صلى الله عليه وسلم ) اختاروا إما سباياكم وإما أموالكم فقالوا ما كنا نعدل بالأحساب شيئا فقام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال إن هؤلاء جاءوا مسلمين وإنا خيرناهم بين الذراري والأموال فلم يعدلوا بالأحساب شيئا فمن كان بيده سبي وطابت نفسه أن يرده فشأنه ومن لا فليعطنا وليكن قرضا علينا حتى نصيب شيئا فنعطيه مكانه فقالوا رضينا وسلمنا فقال إني لا أدري لعل فيكم من لا يرضى فمروا(3/138)
" صفحة رقم 139 "
عرفاءكم فليرفعوا إلينا فرفعوا أنهم قد رضوا
الأنفال : ( 28 ) واعلموا أنما أموالكم . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس ( لخبث باطنهم أو لأنه يجب أن يجتنب عنهم كما يجتنب عن الأنجاس أو لأنهم لا يتطهرون ولا يتجنبون عن النجاسات فهم ملابسون لها غالبا وفيه دليل على أن ما الغالب نجاسته نجس وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن أعيانهم نجسة كالكلاب وقرئ ) نجس ( بالسكون وكسر النون وهو ككبد في كبد وأكثر ما جاء تابعا لرجس ) فلا يقربوا المسجد الحرام ( لنجاستهم وإنما نهى عن الاقتراب للمبالغة أو للمنع عن دخول الحرم وقيل المراد به النهي عن الحج والعمرة لا عن الدخول مطلقا وإليه ذهب أبو حنيفة رحمه الله تعالى وقاس مالك سائر المساجد على المسجد الحرام في المنع وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالفروع ) بعد عامهم هذا ( يعني سنة براءة وهي التاسعة وقيل سنة حجة الوداع ) وإن خفتم عيلة ( فقرأ بسبب منعهم من الحرم وانقطاع ما كان لكم من قدومهم من المكاسب والأرفاق ) فسوف يغنيكم الله من فضله ( من عطائه أو تفضله بوجه آخر وقد أنجز وعده بأن أرسل السماء عليهم مدرارا ووفق أهل تبالة وجرش فأسلموا وامتاروا لهم ثم فتح عليهم البلاد والغنائم وتوجه إليهم الناس من أقطار الأرض وقرئ / عائلة / على أنها مصدر كالعافية أو حال ) إن شاء ( قيده بالمشيئة لتنقطع الآمال إلى الله تعالى ولينبه على أنه تعالى متفضل في ذلك وان الغنى الموعود يكون لبعض دون بعض وفي عام دون عام ) إن الله عليم ( بأحوالكم ) حكيم ( فيما يعطي ويمنع
الأنفال : ( 29 ) يا أيها الذين . . . . .
) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ( أي لا يؤمنون بهما على ما ينبغي كما بيناه في أول البقرة فإن إيمانهم كلا إيمان ) ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ( ما ثبت تحريمه بالكتاب والسنة وقيل رسوله هو الذي يزعمون اتباعه والمعنى أنهم يخالفون أصل دينهم المنسوخ اعتقادا وعملا ) ولا يدينون دين الحق ( الثابت الذي هو ناسخ سائر الأديان ومبطلها ) من الذين أوتوا الكتاب ( بيان للذين لا يؤمنون ) حتى يعطوا الجزية ( ما تقرر عليهم أن يعطوه مشتق من جزى دينه إذا قضاه ) عن يد ( حال من الضمير أي عن يد مؤاتية بمعنى منقادين أو عن يدهم بمعنى مسلمين بأيديهم غير باعثين بأيدي غيرهم(3/139)
" صفحة رقم 140 "
ولذلك منع من التوكيل فيه أو عن غنى ولذلك قيل لا تؤخذ من الفقير أو عن يد قاهرة عليهم بمعنى عاجزين أذلاء أو من الجزية بمعنى نقدا مسلمة عن يد إلى يد أو عن إنعام عليهم فإن إبقاءهم بالجزية نعمة عظيمة ) وهم صاغرون ( أذلاء وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال تؤخذ الجزية من الذمي وتوجأ عنقه ومفهوم الآية يقتضي تخصيص الجزية بأهل الكتاب ويؤيده أن عمر رضي الله تعالى عنه لم يكن يأخذ الجزية من المجوس حتى شهد عنده عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه أنه ( صلى الله عليه وسلم ) أخذها من مجوس هجر وأنه قال سنوا بهم سنة أهل الكتاب وذلك لأنهم لهم شبهة كتاب فألحقوا بالكتابيين وأما سائر الكفرة فلا تؤخذ منهم الجزية عندنا وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى تؤخذ منهم إلا مشركي العرب لما روى الزهري أنه ( صلى الله عليه وسلم ) صالح عبدة الأوثان إلا من كان من العرب وعند مالك رحمه الله تعالى تؤخذ من كل كافر إلا المرتد وأقلها في كل سنة دينار سواء فيه الغني والفقير وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى على الغني ثمانية وأربعون درهما وعلى المتوسط نصفها وعلى الفقير الكسوب ربعها ولا شيء على الفقير غير الكسوب
الأنفال : ( 30 ) وإذ يمكر بك . . . . .
) وقالت اليهود عزير ابن الله ( إنما قاله بعضهم من متقدميهم أو ممن كانوا بالمدينة وإنما قالوا ذلك لأنه لم يبق فيهم بعد وقعة بختنصر من يحفظ التوراة وهو لما أحياه الله بعد مائة عام أملى عليهم التوراة حفظا فتعجبوا من ذلك وقالوا ما هذا إلا أنه ابن الله والدليل على أن هذا القول كان فيهم أن الآية قرئت عليهم فلم يكذبوا مع تهالكهم على التكذيب وقرأ عاصم والكسائي ويعقوب ) عزيز ( بالتنوين على أنه عربي مخبر عنه بابن غير موصوف به وحذفه في القراءة الأخرى إما لمنع صرفه للعجمة والتعريف أو لالتقاء الساكنين تشبيها للنون بحروف اللين أو لأن الابن وصف والخبر محذوف مثل معبودنا أو صاحبنا وهو مزيف لأنه يؤدي إلى تسليم النسب وإنكار الخبر المقدر ) وقالت النصارى المسيح ابن الله ( هو أيضا قول بعضهم وإنما قالوه استحالة لأن يكون ولد بلا أب أو لأن يفعل ما فعله من إبراء الأكمة والأبرص وإحياء الموتى من لم يكن إلها ) ذلك قولهم بأفواههم ((3/140)
" صفحة رقم 141 "
إما تأكيد لنسبة هذا القول إليهم ونفي للتجوز عنها أو إشعار بأنه قول مجرد عن برهان وتحقيق مماثل للمهمل الذي يوجد في الأفواه ولا يوجد مفهومه في الأعيان ) يضاهئون قول الذين كفروا ( أي يضاهي قولهم قول الذين كفروا فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ) من قبل ( أي من قبلهم والمراد قدماؤهم على معنى أن الكفر قديم فيهم أو المشركون الذين قالوا الملائكة بنات الله أو اليهود على أن الضمير للنصارى والمضاهاة المشابهة والهمز لغة فيه وقرأ به عاصم ومنه قولهم امرأة ضهيأ على فعيل للتي شابهت الرجال في أنها لا تحيض ) قاتلهم الله ( دعاء عليهم بالإهلاك فإن من قاتله الله هلك أو تعجب من شناعة قولهم ) أنى يؤفكون ( كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل
الأنفال : ( 31 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ( بأن أطاعوهم في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله أو بالسجود لهم ) والمسيح ابن مريم ( بأن جعلوه ابنا لله ) وما أمروا ( أي وما أمر المتخذون أو المتخذون أربابا فيكون كالدليل على بطلان الاتخاذ ) إلا ليعبدوا ( ليطيعوا ) إلها واحدا ( وهو الله تعالى وأما طاعة الرسول وسائر من أمر الله بطاعته فهو في الحقيقة طاعة لله ) لا إله إلا هو ( صفة ثانية أو استئناف مقرر للتوحيد ) سبحانه عما يشركون ( تنزيه له عن أن يكون له شريك
الأنفال : ( 32 ) وإذ قالوا اللهم . . . . .
) يريدون أن يطفئوا ( يخمدوا ) نور الله ( حجته الدالة على وحدانيته وتقدسه عن الولد أو القرآن أو نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) بأفواههم ( بشركهم أو بتكذيبهم ) ويأبى الله ( أي لا يرضى ) إلا أن يتم نوره ( بإعلاء التوحيد وإعزاز الإسلام وقيل إنه تمثيل لحالهم في(3/141)
" صفحة رقم 142 "
طلبهم إبطال نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بالتكذيب بحال من يطلب إطفاء نور عظيم منبث في الآفاق يريد الله أن يزيده بنفخه وإنما صح الاستثناء المفرغ والفعل موجب لأنه في معنى النفي ) ولو كره الكافرون ( محذوف الجواب لدلالة ما قبله عليه
الأنفال : ( 33 ) وما كان الله . . . . .
) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ( كالبيان لقوله ) ويأبى الله إلا أن يتم نوره ( ولذلك كرر ) ولو كره المشركون ( غير أنه وضع المشركون موضع الكافرون للدلالة على أنهم ضموا الكفر بالرسول إلى الشرك بالله والضمير في ) ليظهره ( للدين الحق أو للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) واللام في ) الدين ( للجنس أي على سائر الأديان فينسخها أو على أهلها فيخذلهم
الأنفال : ( 34 ) وما لهم ألا . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ( يأخذونها بالرشا في الأحكام سمي أخذ المال أكلا لأنه الغرض الأعظم منه ) ويصدون عن سبيل الله ( دينه ) والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ( يجوز أن يراد به الكثير من الأحبار والرهبان فيكون مبالغة في وصفهم بالحرص على المال والضن به وأن يراد المسلمون الذين يجمعون المال ويقتنونه ولا يؤدون حقه ويكون اقترانه بالمرتشين من أهل الكتاب للتغليظ ويدل عليه أنه لما نزل كبر على المسلمين فذكر عمر رضي الله تعالى عنه لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ما أدي زكاته فليس بكنز أي بكنز أوعد عليه فإن الوعيد على الكنز مع عدم الإنفاق فيما أمر الله أن ينفق فيه وأما قوله ( صلى الله عليه وسلم ) من ترك صفراء أو بيضاء كوي بها ونحوه فالمراد منها ما لم يؤد حقها لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) فيما أورده الشيخان مرويا عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فيكوى بها(3/142)
" صفحة رقم 143 "
جبينه وجنبه وظهره ) فبشرهم بعذاب أليم ( هو الكي بهما
الأنفال : ( 35 ) وما كان صلاتهم . . . . .
) يوم يحمى عليها في نار جهنم ( أي يوم توقد النار ذات حمى شديد عليها وأصله تحمى بالنار فجعل الإحماء للنار مبالغة ثم حذفت النار وأسند الفعل إلى الجار والمجرور تنبيها على المقصود فانتقل من صيغة التأنيث إلى صيغة التذكير وإنما قال ) عليها ( والمذكور شيئان لأن المراد بهما دنانير ودراهم كثيرة كما قال علي رضي الله تعالى عنه أربعة آلاف وما دونها وما فوقها كنز وكذا قوله تعالى ) ولا ينفقونها ( وقيل الضمير فيهما للكنوز أو للأموال فإن الحكم عام وتخصيصهما بالذكر لأنهما قانون التمول أو للفضة وتخصيصها لقربها ودلالة حكمها على أن الذهب أولى بهذا الحكم ) فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ( لأن جمعهم وإمساكهم إياه كان لطلب الوجاهة بالغنى والتنعم بالمطاعم الشهية والملابس البهية أو لأنهم ازوروا عن السائل وأعرضوا عنه وولوه ظهورهم أو لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة فإنها المشتملة على الأعضاء الرئيسية التي هي الدماغ والقلب والكبد أو لأنها أصول الجهات الأربع التي هي مقاديم البدن ومآخيره وجنباه ) هذا ما كنزتم ( على إرادة القول ) لأنفسكم ( لمنفعتها وكان عين مضرتها وسبب تعذيبها ) فذوقوا ما كنتم تكنزون ( أي وبال كنزكم أو ما تكنزونه وقرئ ) تكنزون ( بضم النون
الأنفال : ( 36 ) إن الذين كفروا . . . . .
) إن عدة الشهور ( أي مبلغ عددها ) عند الله ( معمول عدة لأنها مصدر ) اثنا عشر شهرا في كتاب الله ((3/143)
" صفحة رقم 144 "
في اللوح المحفوظ أو في حكمه وهو صفة لاثني عشر وقوله ) يوم خلق السماوات والأرض ( متعلق بما فيه من معنى الثبوت أو بالكتاب إن جعل مصدرا والمغنى أن هذا أمر ثابت في نفس الأمر مذ خلق الله الأجرام والأزمنة ) منها أربعة حرم ( واحد فرد وهو رجب وثلاثة سرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ) ذلك الدين القيم ( أي تحريم الأشهر الأربعة هو الدين القويم دين إبراهيم وإسماعيل ( صلى الله عليه وسلم ) والعرب ورثوه منهما ) فلا تظلموا فيهن أنفسكم ( بهتك حرمتها وارتكاب حرامها والجمهور على أن حرمة المقاتلة فيها منسوخة وأولو الظلم بارتكاب المعاصي فيهن فإنه أعظم وزرا كارتكابها في الحرم وحال الإحرام وعن عطاء أنه لا يحل للناس أن يغزوا في الحرم وفي الأشهر الحرم إلا أن يقاتلوا ويؤيد الأول ما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) حاصر الطائف وغزا هوازن بحنين في شوال وذي القعدة ) وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ( جميعا وهو مصدر كف عن الشيء فإن الجميع مكفوف عن الزيادة وقع موقع الحال ) واعلموا أن الله مع المتقين ( بشارة وضمان لهم بالنصرة بسبب تقواهم
الأنفال : ( 37 ) ليميز الله الخبيث . . . . .
) إنما النسيء ( أي تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر كانوا إذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه وحرموا مكانه شهرا آخر حتى رفضوا خصوص الأشهر واعتبروا مجرد العدد وعن نافع برواية ورش / إنما النسي / بقلب الهمزة ياء وإدغام الياء فيها وقرئ(3/144)
" صفحة رقم 145 "
/ النسي / بحذفها والنسء والنساء وثلاثتها مصادر نسأه إذا أخره ) زيادة في الكفر ( لأنه تحريم ما أحله الله وتحليل ما حرمه الله فهو كفر آخر ضموه إلى كفرهم ) يضل به الذين كفروا ( ضلالا زائدا وقرأ حمزة والكسائي وحفص ) يضل ( على البناء للمفعول وعن يعقوب ) يضل ( على أن الفعل لله تعالى ) يحلونه عاما ( يحلون المنسي من الاشهر الحرم سنة ويحرمون مكانه شهرا آخر ) ويحرمونه عاما ( فيتركونه على حرمته قيل أول من أحدث ذلك جنادة بن عوف الكناني كان يقوم على جمل في الموسم فينادي إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه ثم ينادي في القبائل إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم فحرموه والجملتان تفسير للضلال أو حال ) ليواطئوا عدة ما حرم الله ( أي ليوافقوا عدة الأربعة المحرمة واللام متعلقة بيحرمونه أو بما دل عليه مجموع الفعلين ) فيحلوا ما حرم الله ( بمواطأة العدة وحدها من غير مراعاة الوقت ) زين لهم سوء أعمالهم ( وقرئ على البناء للفاعل وهو الله تعالى والمعنى خذلهم وأضلهم حتى حسبوا قبيح أعمالهم حسنا ) والله لا يهدي القوم الكافرين ( هداية موصلة إلى الاهتداء
الأنفال : ( 38 ) قل للذين كفروا . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم ( تباطأتم وقرئ / تثاقلتم / على الأصل و ) اثاقلتم ( على الاستفهام للتوبيخ ) إلى الأرض ( متعلق به كأنه ضمن معنى الاخلاد والميل فعدي بإلى وكان ذلك في غزوة تبوك أمروا بها بعد رجوعهم من الطائف في وقت عسرة وقيظ مع بعد الشقة وكثرة العدو فشق عليهم ) أرضيتم بالحياة الدنيا ( وغرورها ) من الآخرة ( بدل الآخرة ونعيمها ) فما متاع الحياة الدنيا ( فما التمتع بها ) في الآخرة ( في جنب الآخرة ) إلا قليل ( مستحقر
الأنفال : ( 39 ) وقاتلوهم حتى لا . . . . .
) إلا تنفروا ( إن لا تنفروا إلى ما استنفرتم إليه ) يعذبكم عذابا أليما ( بالإهلاك بسبب فظيع كقحط وظهور عدو ) ويستبدل قوما غيركم ( ويستبدل بكم آخرين مطيعين كأهل اليمن وأبناء فارس ) ولا تضروه شيئا ( إذ لا يقدح تثاقلكم في نصر دينه شيئا فإنه الغني عن كل شيء وفي كل أمر وقيل الضمير للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أي ولا تضروه فإن الله سبحانه وتعالى وعد له بالعصمة والنصرة ووعده حق ) والله على كل شيء قدير ( فيقدر على التبديل وتغيير الاسباب والنصرة بلا مدد كما قال(3/145)
" صفحة رقم 146 "
الأنفال : ( 40 ) وإن تولوا فاعلموا . . . . .
) إلا تنصروه فقد نصره الله ( أي إن لم تنصروه فسينصره الله كما نصره ) إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين ( ولم يكن معه إلا رجل واحد فحذف الجزاء وأقيم ما هو كالدليل عليه مقامه أو إن لم تنصروه فقد أوجب الله له النصر حتى نصره في مثل ذلك الوقت فلن يخذله في غيره واسناد الاخراج إلى الكفرة لأن همهم بإخراجه أو قتله تسبب لإذن الله له بالخروج وقرئ ) ثاني اثنين ( بالسكون على لغة من يجري المنقوص مجرى المقصور في الاعراب ونصبه على الحال ) إذ هما في الغار ( بدل من إذ أخرجه بدل البعض إذ المراد به زمان متسع والغار نقب في أعلى ثور وهو جبل في يمنى مكة على مسيرة ساعة مكثا فيه ثلاثا ) إذ يقول ( بدل ثان أو ظرف لثاني ) لصاحبه ( وهو أبو بكر رضي الله تعالى عنه ) لا تحزن إن الله معنا ( بالعصمة والمعونة روي أن المشركين طلعوا فوق الغار فأشفق أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما ظنك باثنين الله ثالثهما فأعماهم الله عن الغار فجعلوا يترددون حوله فلم يروه وقيل لما دخلا الغار بعث الله حمامتين فباضتا في أسفله والعنكبوت فنسجت عليه ) فأنزل الله سكينته ( أمنته التي تسكن عندها القلوب ) عليه ( على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو على صاحبه وهو الأظهر لأنه كان منزعجا ) وأيده بجنود لم تروها ( يعني الملائكة أنزلهم ليحرسوه في الغار أو ليعينوه على العدو يوم بدر والاحزاب وحنين فتكون الجملة معطوفة على قوله ) نصره الله ( ) وجعل كلمة الذين كفروا السفلى ( يعني الشرك أو دعوة الكفر ) وكلمة الله هي العليا ( يعني التوحيد أو دعوة الإسلام والمعنى وجعل ذلك بتخليص الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) عن أيدي الكفار إلى المدينة فإنه المبدأ أو بتأييده إياه بالملائكة في هذه المواطن أو بحفظه ونصره له حيث حضر وقرأ يعقوب ) وكلمة الله ( بالنصب عطفا على كلمة ) الذين ( والرفع أبلغ لما فيه من الاشعار بأن ) وكلمة الله ( عالية في نفسها وإن فاق غيرها فلا ثبات لتفوقه ولا اعتبار(3/146)
" صفحة رقم 147 "
ولذلك وسط الفصل ) والله عزيز حكيم ( في أمره وتدبيره
الأنفال : ( 41 ) واعلموا أنما غنمتم . . . . .
) انفروا خفافا ( لنشاطكم له ) وثقالا ( عنه لمشقته عليكم أو لقلة عيالكم ولكثرتها أو ركبانا ومشاة أو خفافا وثقالا من السلاح أو صحاحا ومراضا ولذلك لما قال ابن أم مكتوم لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أعلي أن أنفر قال نعم حتى نزل ) ليس على الأعمى حرج ( ) وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ( بما أمكن لكم منهما كليهما أو أحدهما ) ذلكم خير لكم ( من تركه ) إن كنتم تعلمون ( الخير علمتم أنه خير أو إن كنتم تعلمون أنه خير إذ إخبار الله تعالى به صدق فبادروا إليه
الأنفال : ( 42 ) إذ أنتم بالعدوة . . . . .
) لو كان عرضا ( أي لو كان ما دعوا إليه نفعا دنيويا ) قريبا ( سهل المأخذ ) وسفرا قاصدا ( متوسطا ) لاتبعوك ( لوافقوك ) ولكن بعدت عليهم الشقة ( أي المسافة التي تقطع بمشقة وقرئ بكسر العين والشين ) وسيحلفون بالله ( أي المتخلفون إذا رجعت من تبوك معتذرين ) لو استطعنا ( يقولون لو كان لنا استطاعة العدة أو البدن وقرئ ) لو استطعنا ( بضم الواو تشبيها لها بواو الضمير في قوله ) اشتروا الضلالة ( ) لخرجنا معكم ( ساد مسد جوابي القسم والشرط وهذا من المعجزات لأنه إخبار عما وقع قبل وقوعه ) يهلكون أنفسهم ( بإيقاعها في العذاب وهو بدل من سيحلفون لأن الحلف الكاذب إيقاع للنفس في الهلاك أو حال من فاعله ) والله يعلم إنهم لكاذبون ( في ذاك لأنهم كانوا مستطيعين الخروج(3/147)
" صفحة رقم 148 "
الأنفال : ( 43 ) إذ يريكهم الله . . . . .
) عفا الله عنك ( كناية عن خطئه في الإذن فإن العفو من روادفه ) لم أذنت لهم ( بيان لما كني عنه بالعفو ومعاتبة عليه والمعنى لأي شيء أذنت لهم في القعود حين استأذنوك واعتلوا بأكاذيب وهلا توقفت ) حتى يتبين لك الذين صدقوا ( في الاعتذار ) وتعلم الكاذبين ( فيه قيل إنما فعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) شيئين لم يؤمر بهما اخذه للفداء وإذنه للمنافقين فعاتبه الله عليهما
الأنفال : ( 44 ) وإذ يريكموهم إذ . . . . .
) لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ( أي ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوك في أن يجاهدوا فإن الخلص منهم يبادرون إليه ولا يتوقفون على الأذن فيه فضلا أن يستأذنوك في التخلف عنه أو أن يستأذنوك في التخلف لا كراهة أن يجاهدوا ) والله عليم بالمتقين ( شهادة لهم بالتقوى وعدة لهم بثوابه
الأنفال : ( 45 ) يا أيها الذين . . . . .
) إنما يستأذنك ( في التخلف ) الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ( تخصيص الإيمان بالله عز وجل واليوم الآخر في الموضعين للاشعار بأن الباعث على الجهاد والوازع عنه الإيمان وعدم الإيمان بهما ) وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون ( يتحيرون
الأنفال : ( 46 ) وأطيعوا الله ورسوله . . . . .
) ولو أرادوا الخروج لأعدوا له ( للخروج ) عدة ( أهبة وقرئ عده بحذف التاء عند الإضافة كقوله " إن الخليط أجدوا البين فانجردوا وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا " وعده بكسر العين بالاضافة وعدة بغيرها ) ولكن كره الله انبعاثهم ( استدراك عن مفهوم قوله ) ولو أرادوا الخروج ( كأنه قال ما خرجوا ولكن تثبطوا لأنه تعالى كره انبعاثهم أي نهوضهم للخروج ) فثبطهم ( فحسبهم بالجبن والكسل ) وقيل اقعدوا مع القاعدين ((3/148)
" صفحة رقم 149 "
تمثيل لإلقاء الله كراهة الخروج في قلوبهم أو وسوسة الشيطان بالأمر بالقعود أو حكاية قول بعضهم لبعض أو إذن الرسول عليه السلام لهم والقاعدين يحتمل المعذورين وغيرهم وعلى الوجهين لا يخلو عن ذم
الأنفال : ( 47 ) ولا تكونوا كالذين . . . . .
) لو خرجوا فيكم ما زادوكم ( بخروجهم شيئا ) إلا خبالا ( فسادا وشرا ولا يستلزم ذلك أن يكون لهم خبال حتى لو خرجوا زادوه لأن الزيادة باعتبار أعم العام الذي وقع منه الاستثناء ولأجل هذا التوهم جعل الاستثناء منقطعا وليس كذلك لأنه لا يكون مفرغا ) ولأوضعوا خلالكم ( ولأسرعوا ركائبهم بينكم بالنميمة والتضريب أو الهزيمة والتخذيل من وضع البعير وضعا إذا أسرع ) يبغونكم الفتنة ( يريدون أن يفتنوكم بإيقاع الخلاف فيما بينكم أو الرعب في قلوبكم والجملة حال من الضمير في ) ولأوضعوا ( ) وفيكم سماعون لهم ( ضعفة يسمعون قولهم ويطيعونهم أو نمامون يسمعون حديثكم للنقل إليهم ) والله عليم بالظالمين ( فيعلم ضمائرهم وما يتأتى منهم
الأنفال : ( 48 ) وإذ زين لهم . . . . .
) لقد ابتغوا الفتنة ( تشتيت أمرك وتفريق أصحابك ) من قبل ( يعني يوم أحد فإن ابن أبي واصحابه كما تخلفوا عن تبوك بعدما خرجوا مع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) إلى ذي جدة أسفل من ثنية الوداع انصرفوا يوم أحد ) وقلبوا لك الأمور ( ودبروا لك المكايد والحيل ودوروا الآراء في ابطال أمرك ) حتى جاء الحق ( بالنصر والتأييد الإلهي ) وظهر أمر الله ( وعلا دينه ) وهم كارهون ( أي على رغم منهم والآيتان لتسلية الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين على تخلفهم وبيان ما ثبطهم الله لأجله وكره انبعاثهم له وهتك أستارهم وكشف أسرارهم وإزاحة اعتذارهم تداركا لما فوت الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بالمبادرة إلى الآذن ولذلك عوتب عليه
الأنفال : ( 49 ) إذ يقول المنافقون . . . . .
) ومنهم من يقول ائذن لي ( في القعود ) ولا تفتني ( ولا توقعني في الفتنة أي في العصيان والمخالفة بأن لا تأذن لي وفيه أشعار بأنه لا محالة متخلف أذن له أم يأذن أو في الفتنة بسبب(3/149)
" صفحة رقم 150 "
ضياع المال والعيال إذ لا كافل لهم بعدي أو في الفتنة بنساء الروم لما روي أن جد بن قيس قال قد علمت الأنصار أني مولع بالنساء فلا تفتني ببنات الاصفر ولكني اعينك بمالي فاتركني ) ألا في الفتنة سقطوا ( أي إن الفتنة هي التي سقطوا فيها وهي فتنة التخلف أو ظهور النفاق لا ما احترزوا عنه ) وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ( جامعة لهم يوم القيامة أو الآن لأن احاطة أسبابها بهم كوجودها .
الأنفال : ( 50 ) ولو ترى إذ . . . . .
) إن تصبك ( في بعض غزواتك . ) حسنة ( ظفر وغنيمة . ) تسؤهم ( لفرط حسدهم . ) وإن تصبك ( في بعضها ) مصيبة ( كسر أو شدة أو كما أصاب يوم أحد ) يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ( تبجحوا بانصرافهم واستحمدوا رأيهم في التخلف ) ويتولوا ( عن متحدثهم بذلك ومجتمعهم له أو عن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) وهم فرحون ( مسرورون
الأنفال : ( 51 ) ذلك بما قدمت . . . . .
) قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ( إلا ما احتصنا بإثباته وإيجابه من النصرة أو الشهادة أو ما كتب لأجلنا في اللوح المحفوظ لا يتغير بموافقتكم ولا بمخالفتكم وقرئ / هل يصيبنا / و / هل يصيبنا / وهو من فيعل لا من فعل لأنه من بنات الواو لقولهم صاب السهم يصوب واشتقاقه من الصواب لأنه وقوع الشيء فيما قصد به وقيل من الصواب ) هو مولانا ( ناصرنا ومتولي امورنا ) وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( لأن حقهم أن لا يتوكلوا على غيره
الأنفال : ( 52 ) كدأب آل فرعون . . . . .
) قل هل تربصون بنا ( تنتظرون بنا ) إلا إحدى الحسنيين ( إلا إحدى العاقبتين(3/150)
" صفحة رقم 151 "
اللتين كل منهما حسنى العواقب النصرة والشهادة ) ونحن نتربص بكم ( أيضا إحدى السوأيين ) أن يصيبكم الله بعذاب من عنده ( بقارعة من السماء ) أو بأيدينا ( أو بعذاب بأيدينا وهو القتل على الكفر ) فتربصوا ( ما هو عاقبتنا ) إنا معكم متربصون ( ما هو عاقبتكم
التوبة : ( 53 ) قل أنفقوا طوعا . . . . .
) قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم ( أمر في معنى الخبر أي لن يتقبل منكم نفقاتكم أنفقتم طوعا أو كرها وفائدته المبالغة في تساوي الانفاقين في عدم القبول كأنهم امروا بأن يمتحنوا فينفقوا وينظروا هل يتقبل منهم وهو جواب قول جد بن قيس وأعينك بمالي ونفي التقبل يحتمل أمرين أن لا يؤخذ منهم وان لا يثابوا عليه وقوله ) إنكم كنتم قوما فاسقين ( تعليل له على سبيل الاستئناف وما بعده بيان وتقرير له
التوبة : ( 54 ) وما منعهم أن . . . . .
) وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ( أي وما منعهم قبول نفقاتهم إلا كفرهم وقرأ حمزة والكسائي / أن يقبل / بالياء لأن تأنيث النفقات غير حقيقي وقرئ ) يقل ( على أن الفعل لله ) ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ( متثاقلين ) ولا ينفقون إلا وهم كارهون ( لأنهم لا يرجون بهما ثوابا ولا يخافون على تركهما عقابا
التوبة : ( 55 ) فلا تعجبك أموالهم . . . . .
) فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم ( فإن ذلك استدراج ووبال لهم كما قال ) إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا ( بسبب ما يكابدون لجمعها وحفظها من المتاعب وما يرون فيها من الشدائد والمصائب ) وتزهق أنفسهم وهم كافرون ( فيموتوا كافرين مشتغلين بالتمتع عن النظر في العاقبة فيكون ذلك استدراجا لهم وأصل الزهوق الخروج بصعوبة(3/151)
" صفحة رقم 152 "
التوبة : ( 56 ) ويحلفون بالله إنهم . . . . .
) ويحلفون بالله إنهم لمنكم ( إنهم لمن جملة المسلمين ) وما هم منكم ( لكفر قلوبهم ) ولكنهم قوم يفرقون ( يخافون منكم أن تفعلوا بهم ما تفعلون بالمشركين فيظهرون الإسلام تقية
التوبة : ( 57 ) لو يجدون ملجأ . . . . .
) لو يجدون ملجأ ( حصنا يلجؤون إليه ) أو مغارات ( غيرانا ) أو مدخلا ( نفقا ينجحرون فيه مفتعل من الدخول وقرأ يعقوب ) مدخلا ( من مدخل وقرئ ) مدخلا ( أي مكانا يدخلون فيه أنفسهم و / متدخلا / و / مندخلا / من تدخل اندخل ) لولوا إليه ( لأقبلوا نحوه ) وهم يجمحون ( يسرعون إسراعا لا يردهم شيء كالفرس الجموح وقرئ / يجمزون / ومنه الجمازة
التوبة : ( 58 ) ومنهم من يلمزك . . . . .
) ومنهم من يلمزك ( يعيبك وقرأ يعقوب ) يلمزك ( بالضم وابن كثير / يلامزك / ) في الصدقات ( في قسمها ) فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ( قيل إنها نزلت في أبي الجواظ المنافق فقال ألا ترون إلى صاحبكم إنما يقسم صدقاتكم في رعاة الغنم ويزعم أنه يعدل وقيل في ابن ذي الخويصرة رأس الخوارج كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقسم غنائم حنين فاستعطف قلوب أهل مكة بتوفير الغنائم عليهم فقال اعدل يا رسول الله فقال ويلك إن لم أعدل فمن يعدل و ) إذا ( للمفاجأة نائب مناب الفاء الجزائية
التوبة : ( 59 ) ولو أنهم رضوا . . . . .
) ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله ( ما أعطاهم الرسول من الغنيمة أو الصدقة وذكر الله للتعظيم وللتنبيه على أن ما فعله الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كان بأمره ) وقالوا حسبنا الله ((3/152)
" صفحة رقم 153 "
كفانا فضله ) سيؤتينا الله من فضله ( صدقة أو غنيمة أخرى ) ورسوله ( فيؤتينا اكثر مما آتانا ) إنا إلى الله راغبون ( في أن يغنينا من فضله والاية بأسرها في حيز الشرط والجواب محذوف تقديره ) خيرا لهم )
التوبة : ( 60 ) إنما الصدقات للفقراء . . . . .
ثم بين مصارف الصدقات تصويبا وتحقيقا لما فعله الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ) إنما الصدقات للفقراء والمساكين ( أي الزكوات لهؤلاء المعدودين دون غيرهم وهو دليل على أن المراد باللمز لمزهم في قسم الزكوات دون الغنائم والفقير من لا مال له ولا كسب يقع موقعا من حاجته من الفقار كأنه اصيب فقاره والمسكين من له مال أو كسب لا يكفيه من السكون كأن العجز أسكنه ويدل عليه قوله تعالى ) أما السفينة فكانت لمساكين ( وأنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يسأل المسكنة ويتعوذ من الفقر وقيل بالعكس لقوله تعالى ) مسكينا ذا متربة ( ) والعاملين عليها ( الساعين في تحصيلها وجمعها ) والمؤلفة قلوبهم ( قوم اسلموا ونيتهم ضعيفة فيه فيستأنف قلوبهم أو أشراف قد يترتب بإعطائهم ومراعاتهم إسلام نظرائهم وقد أعطى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عيينة بن حصن والألقرع بن حابس والعباس بن مرداس لذلك وقيل أشراف يستألفون على أن يسلموا فإن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يعطيهم والأصح أنه كان يعطيهم من خمس الخمس الذي كان خاص ماله وقد عد منهم من يؤلف قبله بشيء منها على قتال الكفار ومانعي الزكاة وقيل كان سهم المؤلفة لتكثير سواد الإسلام فلما أعزه الله وأكثر أهله سقط ) وفي الرقاب ( وللصرف في فك الرقاب بأن يعاون المكاتب بشىء منها على أداء النجوم وقيل بأن تبتاع الرقاب فتعتق وبه قال مالك وأحمد أو بأن يفدي الأساري والعدول عن اللام إلى في للدلالة على أن الاستحقاق للجهة لا للرقاب وقيل للايذان بأنهم أحق بها ) والغارمين ( والمديونين لأنفسهم غير معصية ومن غير إسراف إذا لم يكن لهم وفاء أو الاصلاح ذات البين وان كانوا اغنياء لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغاز في سبيل الله أو لغارم أو لرجل اشتراها بماله أو لرجل له جار مسكين(3/153)
" صفحة رقم 154 "
فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغني أو لعامل عليها ) وفي سبيل الله ( وللصرف في الجهاد بالانفاق على المتطوعة وابتياع الكراع والسلاح وقيل وفي بناء القناطر والمصانع ) وابن السبيل ( المسافر المنقطع عن ماله ) فريضة من الله ( مصدر لما دل عليه الآية الكريمة أي فرض لهم الله الصدقات فريضة أو حال من الضمير المستكن في ) للفقراء ( وقرئ بالرفع على تلك ) فريضة ( ) والله عليم حكيم ( يضع الأشياء في مواضعها وظاهر الآية يقتضي تخصيص استحقاق الزكاة بالاصناف الثمانية ووجوب الصرف إلى كل صنف وجد منهم ومراعاة التسوية بينهم قضية للاشتراك واليه ذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه وعن عمر وحذيفة وابن عباس وغيرهم من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين جواز صرفها إلى صنف واحد وبه قال الأئمة الثلاثة واختاره بعض اصحابنا وبه كان يفتي شيخي ووالدي رحمهما الله تعالى على أن الآية بيان أن الصدقة لا تخرج منهم لا ايجاب قسمها عليهم
التوبة : ( 61 ) ومنهم الذين يؤذون . . . . .
) ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن ( يسمع كل ما يقال له ويصدقه سمي بالجارحة للمبالغة كأنه من فرط استماعه صار جملته آلة السماع كما سمي الجاسوس عينا لذلك أو اشتق له فعل من أذن أذنا إذا استمع كأنف وشلل روي أنهم قالوا محمد أذن سامعه نقول ما شئنا ثم تأتيه فيصدقنا بما نقول ) قل أذن خير لكم ( تصديق لهم بأنه أذن ولكن لا على الوجه الذي ذموا به بل من حيث أنه يسمع الخير ويقبله ثم فسر ذلك بقوله ) يؤمن بالله ( يصدق به لما قام عنده من الأدلة ) ويؤمن للمؤمنين ( ويصدقهم لما علم من خلوصهم واللام مزيدة للتفرقة بين إيمان التصديق فإنه بمعنى التسليم وإيمان الأمان ) ورحمة ( أي وهو رحمة ) للذين آمنوا منكم ( لمن اظهر الإيمان حيث يقبله ولا يكشف سره وفيه تنبيه عل انه ليس يقبل قولكم جهلا بحالكم بل رفقا بكم وترحما عليكم وقرأ حمزة ) ورحمة ( بالجر عطفا على ) خير ( وقرئ بالنصب على إنها علة فعل دل عليه ) أذن خير ( أي يأذن لكم رحمة وقرأ نافع ) آذن ( بالتخفيف فيهما وقرئ ) أذن خير ( على أن ) خير ( صفة له أو خبر ثان ) والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ( بإيذائه
التوبة : ( 62 ) يحلفون بالله لكم . . . . .
) يحلفون بالله لكم ( على معاذيركم فيما قالوا أو تخلفوا ) ليرضوكم ( لترضوا(3/154)
" صفحة رقم 155 "
عنهم والخطاب للمؤمنين ) والله ورسوله أحق أن يرضوه ( أحق بالإرضاء بالطاعة والوفاق وتوحيد الضمير لتلازم الرضائين أو لأن الكلام في إيذاء الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وإرضائه أو لأن التقدير والله احق أن يرضوه والرسول كذلك ) إن كانوا مؤمنين ( صدقا
التوبة : ( 63 ) ألم يعلموا أنه . . . . .
) ألم يعلموا أنه ( أن الشأن وقرئ بالتاء ) من يحادد الله ورسوله ( يشاقق مفاعلة من الحد ) فأن له نار جهنم خالدا فيها ( على حذف الخبر أي فحق أن له أو على تكرير أن للتأكيد ويحتمل أن يكون معطوفا على أنه ويكون الجواب محذوفا تقديره من يحادد الله ورسوله يهلك وقرئ ) فإن ( بالكسر ) ذلك الخزي العظيم ( يعني الهلاك الدائم
التوبة : ( 64 ) يحذر المنافقون أن . . . . .
) يحذر المنافقون أن تنزل عليهم ( على المؤمنين ) سورة تنبئهم بما في قلوبهم ( وتهتك عليهم استارهم ويجوز أن يكون الضمائر للمنافقين فإن النازل فيهم كالنازل عليهم من حيث انه مقروء ومحتج به عليهم وذلك يدل على ترددهم أيضا في كفرهم وأنهم لم يكونوا على بت في أمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بشيء وقيل إنه خبر في معنى الأمر وقبل كانوا يقولونه فيما بينهم استهزاء لقوله ) قل استهزؤوا إن الله مخرج ( مبرز أو مظهر ) ما تحذرون ( أي ما تحذرونه من إنزال السورة فيكم أو ما تحذرون اظهاره من مساويكم
التوبة : ( 65 ) ولئن سألتهم ليقولن . . . . .
) ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ( روي أن ركب المنافقين مروا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة تبوك فقالوا انظروا إلى هذا الرجل يريد أن يفتح قصور الشام وحصونه هيهات هيهات فأخبر الله تعالى به نبيه فدعاهم فقال قلتم كذا وكذا فقالوا لا والله ما كنا في شيء من أمرك وأمر أصحابك ولكن كنا في شيء مما يخوض فيه الركب ليقصر بعضنا على بعض السفر ) قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون ( توبيخا على استهزائهم بمن لا يصح الاستهزاء به وإلزاما للحجة عليهم ولا تعبأ باعتذارهم الكاذب
التوبة : ( 66 ) لا تعتذروا قد . . . . .
) لا تعتذروا ( لا تشتغلوا باعتذاراتكم فإنها معلومة الكذب ) قد كفرتم ( قد أظهرتم الكفر بإيذاء الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والطعن فيه ) بعد إيمانكم ( بعد اظهاركم الإيمان ) إن نعف عن طائفة منكم ( لتوبتهم وإخلاصهم أو لتجنبهم عن الإيذاء والاستهزاء ) نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين ( مصرين على النفاق أو مقدمين على الإيذاء والاستهزاء وقرأ(3/155)
" صفحة رقم 156 "
عاصم بالنون فيهما وقرئ بالياء وبناء الفاعل فيهما وهو الله وإن تعف بالتاء والبناء على المفعول ذهابا إلى المعنى كأنه قال أن ترحم طائفة
التوبة : ( 67 ) المنافقون والمنافقات بعضهم . . . . .
) المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ( أي متشابهة في النفاق والبعد عن الإيمان كأبعاض الشيء الواحد وقيل إنه تكذيب لهم في حلفهم بالله إنهم لمنكم وتقرير لقولهم وما هم منكم وما بعده كالدليل عليه فإنه يدل على مضادة حالهم لحال المؤمنين وهو قوله ) يأمرون بالمنكر ( بالكفر والمعاصي ) وينهون عن المعروف ( عن الإيمان والطاعة ) ويقبضون أيديهم ( عن المبار وقبض اليد كناية عن الشح ) نسوا الله ( غفلوا عن ذكر الله وتركوا طاعته ) فنسيهم ( فتركهم من لطفه وفضله ) إن المنافقين هم الفاسقون ( الكاملون في التمرد والفسوق عن دائرة الخير
التوبة : ( 68 ) وعد الله المنافقين . . . . .
) وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها ( مقدرين الخلود ) هي حسبهم ( عقابا وجزاء وفيه دليل على عظم عذابها ) ولعنهم الله ( أبعدهم من رحمته وأهانهم ) ولهم عذاب مقيم ( لا ينقطع والمراد به ما وعدوه أو ما يقاسونه من تعب النفاق
التوبة : ( 69 ) كالذين من قبلكم . . . . .
) كالذين من قبلكم ( أي أنتم مثل الذين أو فعلتم مثل فعل الذين من قبلكم ) كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا ( بيان لتشبيههم بهم وتمثيل حالهم بحالهم ) فاستمتعوا بخلاقهم ( نصيبهم من ملاذ الدنيا واشتقاقه من الخلق بمعنى التقدير فإنه ما قدر لصاحبه ) فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم ( ذم الأولين باستمتاعهم بحظوظهم المخدجة من الشهوات الفانية والتهائهم بها عن النظر في العاقبة والسعي في تحصيل اللذائذ الحقيقية تمهيدا لذم المخاطبين بمشابهتهم واقتفاء أثرهم ) وخضتم ( ودخلتم في الباطل كالذين خاضوا كالذين خاضوا أو كالفوج الذي خاضوا أو كالخوض الذي خاضوه ) أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ( لم يستحقوا عليها ثوابا في الدارين ) وأولئك هم الخاسرون ( الذين خسروا الدنيا والاخرة(3/156)
" صفحة رقم 157 "
التوبة : ( 70 ) ألم يأتهم نبأ . . . . .
) ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح ( اغرقوا بالطوفان ) وعاد ( اهلكوا بالريح ) وثمود ( أهلكوا بالرجفة ) وقوم إبراهيم ( أهلك نمروذ ببعوض وأهلك اصحابه ) وأصحاب مدين ( وأهل مدين وهم قوم شعيب أهلكوا بالنار يوم الظلة ) والمؤتفكات ( قريات قوم لوط ائتفكت بهم أي انقلبت بهم فصار عاليها سافلها وامطروا حجارة من سجيل وقيل قريات المكذبين المتمردين وائتفاكهن انقلاب احوالهن من الخير إلى الشر ) أتتهم رسلهم ( يعني الكل ) بالبينات فما كان الله ليظلمهم ( أي لم يك من عادته ما يشابه ظلم الناس كالعقوبة بلا جرم ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( حيث عرضوها للعقاب بالكفر والتكذيب
التوبة : ( 71 ) والمؤمنون والمؤمنات بعضهم . . . . .
) والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ( في مقابلة قوله المنافقون والنمافقات بعضهم من بعض ) يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله ( في سائر الأمور ) أولئك سيرحمهم الله ( لا محالة فإن السين مؤكدة للوقوع ) أن الله عزيز ( غالب على كل شيء لا يمتنع عليه ما يريده ) حكيم ( يضع الاشياء مواضعها
التوبة : ( 72 ) وعد الله المؤمنين . . . . .
) وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة ( تستطيبها النفس أو يطيب فيها العيش وفي الحديث إنها قصور من اللؤلؤ والزبرجد والياقوت الأحمر ) في جنات عدن ( إقامة وخلود وعنه عليه الصلاة والسلام عدن دار الله التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلاثة النبيون والصديقون والشهداء يقول الله تعالى طوبى لمن دخلك ومرجع العطف فيها يحتمل أن يكون إلى تعدد الموعود لكل واحد أو للجميع على سبيل التوزيع أو إلى تغاير وصفه فكأنه وصفه اولا بأنه من جنس ما هو ابهى الاماكن التي يعرفونها لتميل إليه طباعهم أول ما يقرع اسماعهم ثم وصفه بأنه محفوف بطيب العيش معرى عن شوائب الكدورات التي لا تخلو(3/157)
" صفحة رقم 158 "
عن شيء منها اماكن الدنيا وفيها ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين ثم وصفه بأنه دار إقامة وثبات في جوار عليين لا يعتريهم فيها فناء ولا تغير ثم وعدهم بما هو اكبر من ذلك فقال ) ورضوان من الله أكبر ( لأنه المبدأ لكل سعادة وكرامة والمؤدي إلى نيل الوصول والفوز باللقاء وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله تعالى يقول لأهل الجنة هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط احدا من خلقك فيقول أنا اعطيكم افضل من ذلك فيقولون واي شيء من ذلك فيقول احل عليكم رضواني فلا اسخط عليكم أبدا ) ذلك ( أي الرضوان أو جميع ما تقدم ) هو الفوز العظيم ( الذي تستحقر دونه الدنيا وما فيها
التوبة : ( 73 ) يا أيها النبي . . . . .
) يا أيها النبي جاهد الكفار ( بالسيف ) والمنافقين ( بإلزام الحجة وإقامة الحدود ) واغلظ عليهم ( في ذلك ولا تحابهم ) ومأواهم جهنم وبئس المصير ( مصيرهم
التوبة : ( 74 ) يحلفون بالله ما . . . . .
) يحلفون بالله ما قالوا ( روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) اقام في غزوة تبوك شهرين ينزل عليه القرآن ويعيب المتخلفين فقال الجلاس بن سويد لئن كان ما يقول محمد لإخواننا حقا لنحن شر من الحمير فبلغ ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاستحضره فحلف بالله ما قاله فنزلت فتاب الجلاس وحسنت توبته ) ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم ( واظهروا الكفر بعد إظهار الإسلام ) وهموا بما لم ينالوا ( من فتك الرسول وهو أن خمسة عشر منهم توافقوا عند مرجعه من تبوك أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذ تسنم العقبة بالليل فأخذ عمار بن(3/158)
" صفحة رقم 159 "
ياسر بخطام راحلته يقودها وحذيفة خلفها يسوقها فبينما هما كذلك إذ سمع حذيفة بوقع اخفاف الإبل وقعقعة السلاح فقال إليكم إليكم يا أعداء الله فهربوا أو اخراجه واخراج المؤمنين من المدينة أو بأن يتوجوا عبد الله بن أبي وإن لم يرض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وما نقموا ( وما أنكروا أو ما وجدوا ما يورث نقمتهم ) إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ( فإن أكثر أهل المدينة كانوا محاويج في ضنك من العيش فلما قدمهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أثروا بالغنائم وقتل للجلاس مولى فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بديته اثني عشر ألفا فاستغنى والاستثناء مفرغ من أعم المفاعيل أو العلل ) فإن يتوبوا يك خيرا لهم ( وهو الذي حمل الجلاس على التوبة والضمير في ) يك ( للتوب ) وإن يتولوا ( بالإصرار على النفاق ) يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة ( بالقتل والنار ) وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير ( فينجيهم من العذاب
التوبة : ( 75 ) ومنهم من عاهد . . . . .
) ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ( نزلت في ثعلبة بن حاطب آتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ادع الله أن يرزقني مالا فقال عليه الصلاة والسلام يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه فراجعه وقال والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله لأعطين كل ذي حق حقه فدعا له فاتخذ غنما فنمت كما ينمى الدود حتى ضاقت بها المدينة فنزل واديا وانقطع عن الجماعة والجمعة فسأل عنه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقيل كثر ماله حتى لا يسعه واد فقال يا ويح ثعلبة فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مصدقين لأخذ الصدقات فاستقبلهما الناس بصدقاتهم ومرا بثعلبة فسألاه الصدقة وأقرآه الكتاب الذي فيه الفرائض فقال ما هذه إلا جزية ما هذه إلا أخت الجزية فارجعا حتى أرى رأيي فنزلت فجاء ثعلبة بالصدقة فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله منعني أن اقبل منك فجعل يحثو التراب على رأسه فقال هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني فقبض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فجاء بها إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه فلم يقبلها ثم جاء بها إلى عمر رضي الله تعالى عنه في خلافته فلم يقبلها(3/159)
" صفحة رقم 160 "
وهلك في زمان عثمان رضي الله تعالى عنه
التوبة : ( 76 ) فلما آتاهم من . . . . .
) فلما آتاهم من فضله بخلوا به ( منعوا حق الله منه ) وتولوا ( عن طاعة الله ) وهم معرضون ( وهم قوم عادتهم الإعراض عنها
التوبة : ( 77 ) فأعقبهم نفاقا في . . . . .
) فأعقبهم نفاقا في قلوبهم ( أي فجعل الله عاقبة فعلهم ذلك نفاقا وسوء اعتقاد في قلوبهم ويجوز أن يكون الضمير للبخل والمعنى فأورثهم البخل نفاقا متمكنا في قلوبهم ) إلى يوم يلقونه ( يلقون الله بالموت أو يلقون عملهم أي جزاءه وهو يوم القيامة ) بما أخلفوا الله ما وعدوه ( بسبب إخلافهم ما وعدوه من التصدق والصلاح ) وبما كانوا يكذبون ( وبكونهم كاذبين فيه فإن خلف الوعد متضمن لكذب مستقبح من الوجهين أو المقال مطلقا وقرئ ) يكذبون ( بالتشديد
التوبة : ( 78 ) ألم يعلموا أن . . . . .
) ألم يعلموا ( أي المنافقون أو من عاهد الله وقرئ بالتاء على الالتفات ) أن الله يعلم سرهم ( ما أسروه في أنفسهم من النفاق أو العزم على الإخلاف ) ونجواهم ( وما يتناجون به فيما بينهم من المطاعن أو تسمية الزكاة جزية ) وأن الله علام الغيوب ( فلا يخفى عليه ذلك
التوبة : ( 79 ) الذين يلمزون المطوعين . . . . .
) الذين يلمزون ( ذم مرفوع أو منصوب أو بدل من الضمير في سرهم وقرئ ) يلمزون ( بالضم ) المطوعين ( المتطوعين ) من المؤمنين في الصدقات ( روي(3/160)
" صفحة رقم 161 "
أنه ( صلى الله عليه وسلم ) حث على الصدقة فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم وقال كان لي ثمانية آلاف فأقرضت ربي أربعة وأمسكت لعيالي أربعة فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت فبارك الله له حتى صولحت إحدى امرأتيه عن نصف الثمن على ثمانين ألف درهم وتصدق عاصم بن عدي بمائة وسق من تمر وجاء أبو عقيل الأنصاري بصاع تمر فقال بت ليلتي أجر بالجرير على صاعين فتركت صاعا لعيالي وجئت بصاع فأمره رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن ينثره على الصدقات فلمزهم المنافقون وقالوا ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء ولقد كان الله ورسوله لغنيين عن صاع أبي عقيل ولكنه أحب أن يذكر بنفسه ليعطى من الصدقات فنزلت ) والذين لا يجدون إلا جهدهم ( إلا طاقتهم وقرئ بالفتح وهو مصدر جهد في الأمر إذا بالغ فيه ) فيسخرون منهم ( يستهزئون بهم ) سخر الله منهم ( جازاهم على سخريتهم كقوله تعالى ) الله يستهزئ بهم ( ) ولهم عذاب أليم ( على كفرهم
التوبة : ( 80 ) استغفر لهم أو . . . . .
) استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ( يريد به التساوي بين الأمرين في عدم الإفادة لهم كما نص عليه بقوله ) إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ( روي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي وكان من المخلصين سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في مرض أبيه أن يستغفر له ففعل ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت فقال ( صلى الله عليه وسلم ) لأزيدن على السبعين فنزلت ) سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم ( وذلك لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) (3/161)
" صفحة رقم 162 "
فهم من السبعين العدد المخصوص لأنه الأصل فجوز أن يكون ذلك حدا يخالفه حكم ما وراءه فبين له أن المراد به التكثير دون التحديد وقد شاع استعمال السبعة والسبعين والسبعمائة ونحوها في التكثير لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد فكأنه العدد بأسره ) ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله ( إشارة إلى أن اليأس من المغفرة وعدم قبول استغفارك ليس لبخل منا ولا قصور فيك بل لعدم قابليتهم بسبب الكفر الصارف عنها ) والله لا يهدي القوم الفاسقين ( المتمردين في كفرهم وهو كالدليل على الحكم السابق فإن مغفرة الكافر بالاقلاع عن الكفر والارشاد إلى الحق والمنهمك في كفره المطبوع عليه لا ينقلع ولا يهتدي والتنبيه على عذر الرسول في استغفاره وهو عدم يأسه من ايمانهم ما لم يعلم انهم مطبوعون على الضلالة والممنوع هو الاستغفار بعد العلم لقوله تعالى ) ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم )
التوبة : ( 81 ) فرح المخلفون بمقعدهم . . . . .
) فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله ( بقعودهم عن الغزو خلفه يقال اقام خلاف الحي أي بعدهم ويجوز أن يكون بمعنى المخالفة فيكون انتصابه على العلة أو الحال ) وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ( ايثارا للدعة والخفض على طاعة الله وفيه تعريض بالمؤمنين الذين آثروا عليها تحصيل رضاه ببذل الأموال والمهج ) وقالوا لا تنفروا في الحر ( أي قال بعضهم لبعض أو قالوه للمؤمنين تثبيطا ) قل نار جهنم أشد حرا ( وقد آثرتموها بهذه المخالفة ) لو كانوا يفقهون ( أن مآبهم إليها أو إنها كيف هي ما اختاروها بايثار الدعة على الطاعة(3/162)
" صفحة رقم 163 "
التوبة : ( 82 ) فليضحكوا قليلا وليبكوا . . . . .
) فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون ( إخبار عما يؤول إليه حالهم في الدنيا والاخرة أخرجه على صيغة الأمر للدلالة على انه حتم واجب ويجوز أن يكون الضحك والبكاء كنايتين عن السرور والغم والمراد من القلة العدم
التوبة : ( 83 ) فإن رجعك الله . . . . .
) فإن رجعك الله إلى طائفة منهم ( فإن ردك إلى المدينة وفيها طائفة من المتخلفين يعني منافقيهم فإن كلهم لم يكونوا منافقين أو من بقي منهم وكان المتخلفون اثني عشر رجلا ) فاستأذنوك للخروج ( إلى غزوة أخرى بعد تبوك ) فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا ( إخبار في معنى النهي للمبالغة ) إنكم رضيتم بالقعود أول مرة ( تعليل له وكان اسقاطهم عن ديوان الغزاة عقوبة لهم على تخلفهم و ) أول مرة ( هي الخرجة إلى غزوة تبوك ) فاقعدوا مع الخالفين ( أي المتخلفين لعدم لياقتهم للجهاد كالنساء والصبيان وقرئ مع / الخلفين / على قصر ) الخالفين )
التوبة : ( 84 ) ولا تصل على . . . . .
) ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ( روي أن عبد الله بن أبي دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في مرضه فلما دخل عليه سأله أن يستغفر له ويكفنه في شعاره الذي يلي جسده ويصلي عليه فلما مات أرسل قميصه ليكفن فيه وذهب ليصلي عليه فنزلت وقيل صلى عليه ثم نزلت وانما لم ينه عن التكفين في قميصه ونهى عن الصلاة عليه لأن الضن بالقميص كان مخلا بالكرم ولأنه كان مكافأة لا لباسه العباس قميصه حين أسر ببدر والمراد من الصلاة الدعاء للميت والاستغفار له وهو ممنوع في حق الكافر ولذلك رتب النهي على قوله ) مات أبدا ( يعني الموت على الكفر فإن إحياء الكافر للتعذيب دون التمتع فكأنه لم يحيى ) ولا تقم على قبره ( ولا تقف عند قبره للدفن أو الزيارة ) إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ( تعليل للنهي أو لتأبيد الموت(3/163)
" صفحة رقم 164 "
التوبة : ( 85 ) ولا تعجبك أموالهم . . . . .
) فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ( تكرير للتأكيد والأمر حقيق به فإن الابصار طامحة إلى الأموال والاولاد والنفوس مغتبطة عليها ويجوز أن تكون هذه في فريق غير الأول
التوبة : ( 86 ) وإذا أنزلت سورة . . . . .
) وإذا أنزلت سورة ( من القرآن ويجوز أن يراد بها بعضها ) أن آمنوا بالله ( بأن آمنوا بالله ويجوز أن تكون أن المفسرة ) وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم ( ذوو الفضل والسعة ) وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين ( الذين قعدوا لعذر
التوبة : ( 87 ) رضوا بأن يكونوا . . . . .
) رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ( مع النساء جمع خالفه وقد يقال الخالفة للذي لا خير فيه ) وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ( ما في الجهاد وموافقة الرسول من السعادة وما في التخلف عنه من الشقاوة
التوبة : ( 88 ) لكن الرسول والذين . . . . .
) لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم ( أي إن تخلف هؤلاء ولم يجاهدوا فقد جاهد من هو خير منهم ) وأولئك لهم الخيرات ( منافع الدارين النصر والغنيمة في الدنيا والجنة والكرامة في الآخرة وقيل الحور لقوله تعالى ) فيهن خيرات حسان ( وهي جمع خيرة تخفيف خيرة ) وأولئك هم المفلحون ( الفائزون بالمطالب
التوبة : ( 89 ) أعد الله لهم . . . . .
) أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم ( بيان لما لهم من الخيرات الأخروية
التوبة : ( 90 ) وجاء المعذرون من . . . . .
) وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم ( يعني اسدا وغطفان استأذنوا في التخلف معتذرين بالجهد وكثرة العيال وقيل هم رهط عامر بن الطفيل قالوا أن غزونا معك اغارت طييء على اهالينا ومواشينا والمعذر أما من عذر في الأمر إذا قصر فيه موهما أن له عذرا(3/164)
" صفحة رقم 165 "
ولا عذر له أو من اعتذر إذا مهد العذر بإدغام التاء في الذال ونقل حركتها إلى العين ويجوز كسر العين لالتفاء الساكنين وضمها للاتباع لكن لم يقرأ بهما وقرأ يعقوب ) المعذرون ( من أعذر إذا اجتهد في العذر وقرئ ) المعذرون ( بتشديد العين والذال على انه من تعذر بمعنى اعتذر وهو لحن إذ التاء لا تدغم في العين وقد اختلف في أنهم كانوا معتذرين بالتصنع أو بالصحة فيكون قوله ) وقعد الذين كذبوا الله ورسوله ( في غيرهم وهم منافقو الاعراب كذبوا الله ورسوله في ادعاء الإيمان وان كانوا هم الأولين فكذبهم بالاعتذار ) سيصيب الذين كفروا منهم ( من الأعراب أو من المعذرين فإن منهم من اعتذر لكسله لا لكفره ) عذاب أليم ( بالقتل والنار
التوبة : ( 91 ) ليس على الضعفاء . . . . .
) ليس على الضعفاء ولا على المرضى ( كالهرمى والزمنى ) ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون ( لفقرهم كجهينة ومزينة وبني عذرة ) حرج ( إثم في التأخر ) إذا نصحوا لله ورسوله ( بالإيمان والطاعة في السر والعلانية كما يفعل الموالي الناصح أو بما قدروا عليه فعلا أو قولا يعود على الإسلام والمسلمين بالصلاح ) ما على المحسنين من سبيل ( أي ليس عليهم جناح ولا إلى معاتبتهم سبيل وانما وضع المحسنين موضع الضمير للدلالة على انهم منخرطون في سلك المحسنين غير معاتبين لذلك ) والله غفور رحيم ( لهم أو للمسيء فكيف للمحسن
التوبة : ( 92 ) ولا على الذين . . . . .
) ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ( عطف على ) الضعفاء ( أو على ) المحسنين ( وهم البكاؤون سبعة من الأنصار معقل بن يسار وصخر بن خنساء وعبد الله بن كعب وسالم بن عمير وثعلبة بن غنمة وعبد الله بن مغفل وعلية بن زيد أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقالوا قد نذرنا الخروج فاحملنا على الخفاف المرقوعة والنعال المخصوفة نغز معك فقال ( صلى الله عليه وسلم ) لا اجد ما احملكم عليه فتولوا وهم يبكون وقيل هم(3/165)
" صفحة رقم 166 "
بنو مقرن معقل وسويد والنعمان وقيل أبو موسى وأصحابه ) قلت لا أجد ما أحملكم عليه ( حال من الكاف في ) أتوك ( بإضمار قد ) تولوا ( جواب إذا . ) وأعينهم تفيض ( تسيل . ) من الدمع ( أي دمعا فإن من للبيان وهي مع المجرور في محل النصب على التمييز وهو أبلغ من يفيض جمعها ، لأنه يدل على أن العين صارت دمعا فياضا. ) حزنا ( نصب على العلة أو الحال أو المصدر لفعل دل عليه ما قبله . ) ألا يجدوا ( لئلا يجدوا متعلق بـ ) حزنا ( أو بـ ) تفيض ( . ) ما ينفقون ( في مغزاهم .
التوبة : ( 93 ) إنما السبيل على . . . . .
) إنما السبيل ( بالمعاتبة . ) على الذين يستأذنونك وهم أغنياء ( واجدون الأهبة . ) رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ( استئناف لبيان ما هو السبب لاستئذانهم من غير عذر وهو رضاهم بالدناءة والانتظام في جملة الخوالف إيثارا للدعة ) وطبع الله على قلوبهم ( حتى غفلوا عن وخامة العاقبة ) فهم لا يعلمون ( مغبته
التوبة : ( 94 ) يعتذرون إليكم إذا . . . . .
) يعتذرون إليكم ( في التخلف ) إذا رجعتم إليهم ( من هذه السفرة ) قل لا تعتذروا ( بالمعاذير الكاذبة لأنه ) لن نؤمن لكم ( لن نصدقكم لأنه ) قد نبأنا الله من أخباركم ( أعلمنا بالوحي إلى نبيه بعض اخباركم وهو ما في ضمائركم من الشر والفساد ) وسيرى الله عملكم ورسوله ( أتتوبون عن الكفر أم تثبتون عليه فكأنه استتابة وإمهال للتوبة ) ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة ( أي إليه فوضع الوصف موضع الضمير للدلالة على انه مطلع على سرهم وعلنهم لا يفوت عن علمه شيء من ضمائرهم واعمالهم ) فينبئكم بما كنتم تعملون ( بالتوبيخ والعقاب عليه
التوبة : ( 95 ) سيحلفون بالله لكم . . . . .
) سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم ( فلا تعاتبوهم ) فأعرضوا عنهم ( ولا توبخوهم ) إنهم رجس ( لا ينفع فيهم التأنيب فإن المقصود منه التطهير بالحمل على الانابة وهؤلاء ارجاس لا تقبل التطهير فهو علة الاعراض وترك المعاتبة ) ومأواهم جهنم ( من تمام التعليل وكأنه قال إنهم ارجاس من أهل النار لا ينفع فيهم التوبيخ في الدنيا والاخرة أو تعليل ثان والمعنى أن النار كفتهم عتابا فلا تتكلفوا عتابهم ) جزاء بما كانوا يكسبون ( يجوز أن يكون مصدرا وان يكون علة(3/166)
" صفحة رقم 167 "
التوبة : ( 96 ) يحلفون لكم لترضوا . . . . .
) يحلفون لكم لترضوا عنهم ( بحلفهم فتستديموا عليهم ما كنتم تفعلون بهم ) فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ( أي فإن رضاكم لا يستلزم رضا الله ورضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كانوا في سخط الله وبصدد عقابه وان امكنهم أن يلبسوا عليكم لا يمكنهم أن يلبسوا على الله فلا يهتك سترهم ولا ينزل الهوان بهم والمقصود من الآية النهي عن الرضا عنهم والاغترار بمعاذيرهم بعد الأمر بالاعراض وعدم الالتفات نحوهم
التوبة : ( 97 ) الأعراب أشد كفرا . . . . .
) الأعراب ( أهل البدو ) أشد كفرا ونفاقا ( من أهل الحضر لتوحشهم وقساوتهم وعدم مخالطتهم لأهل العلم وقلة استماعهم للكتاب والسنة ) وأجدر ألا يعلموا ( وأحق بأن لا يعلموا ) حدود ما أنزل الله على رسوله ( من الشرائع فرائضها وسنتها ) والله عليم ( بعلم حال كل أحد من أهل الوبر والمدر ) حكيم ( فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم عقابا وثوابا
التوبة : ( 98 ) ومن الأعراب من . . . . .
) ومن الأعراب من يتخذ ( يعد ) ما ينفق ( يصرفه في سبيل الله ويتصدق به ) مغرما ( غرامة وخسرانا إذ لا يحتسبه قربة عند الله ولا يرجو عليه ثوابا وإنما ينفق رياء أو تقية ) ويتربص بكم الدوائر ( دوائر الزمان ونوبه لينقلب الأمر عليكم فيتخلص من الانفاق ) عليهم دائرة السوء ( اعتراض بالدعاء عليهم بنحو ما يتربصون أو الإخبار عن(3/167)
" صفحة رقم 168 "
وقوع ما يتربصون عليهم والدائرة في الأصل مصدر أو اسم فاعل من دار يدور وسمي به عقبة الزمان و ) السوء ( بالفتح مصدر اضيف إليه للمبالغة كقولك رجل صدق وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ) السوء ( هنا وفي الفتح بضم السين ) والله سميع ( لما يقولون عند الانفاق ) عليم ( بما يضمرون
التوبة : ( 99 ) ومن الأعراب من . . . . .
) ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله ( سبب ) قربات ( وهي ثاني مفعولي ) يتخذ ( وعند الله صفتها أو ظرف ل ) يتخذ ( ) وصلوات الرسول ( وسبب صلواته لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يدعو للمتصدقين ويستغفر لهم ولذلك سن للمصدق عليه أن يدعو للمتصدق عند أخذ صدقته لكن ليس له أن يصلي عليه كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم صل على آل أبي أوفى لأنه منصبه فله أن يتفضل به على غيره ) ألا إنها قربة لهم ( شهادة من الله بصحة معتقدهم وتصديق لرجائهم على الاستئناف مع حرف التنبيه وإن المحققة للنسبة والضمير لنفقتهم وقرأ ورش ) قربة ( بضم الراء ) سيدخلهم الله في رحمته ( وعدلهم بإحاطة الرحمة عليهم والسين لتحقيقه وقوله ) إن الله غفور رحيم ( لتقريره وقيل الأولى في أسد وغطفان وبني تميم والثانية في عبد الله ذي البجادين وقومه
التوبة : ( 100 ) والسابقون الأولون من . . . . .
) والسابقون الأولون من المهاجرين ( هم الذين صلوا إلى القبلتين أو الذين شهدوا بدرا أو الذين أسلموا قبل الهجرة ) والأنصار ( أهل بيعة العقبة الأولى وكانوا سبعة وأهل بيعة العقبة الثانية وكانوا سبعين والذين آمنوا حين قدم عليهم أبو زرارة مصعب بن عمير وقرئ عطفا على ) والسابقون ( ) والذين اتبعوهم بإحسان ( اللاحقون بالسابقين من القبيلتين أو من اتبعوهم بالأيمان والطاعة إلى يوم القيامة ) رضي الله عنهم ( بقبول طاعتهم وارتضا أعمالهم ) ورضوا عنه ( بما نالوا من نعمه الدينية والدنيوية ) وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار ( وقرأ ابن كثير ) من تحتها الأنهار ( كما في سائر المواضع ) خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم )
التوبة : ( 101 ) وممن حولكم من . . . . .
) وممن حولكم ( أي وممن حول بلدتكم يعني المدينة ) من الأعراب منافقون ( هم(3/168)
" صفحة رقم 169 "
جهينة ومزينة واسلم واشجع وغفار كانوا نازلين حولها ) ومن أهل المدينة ( عطف على ) وممن حولكم ( أو خبر لمحذوف صفته ) مردوا على النفاق ( ونظيره في حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه قوله " أنا ابن جلا وطلاع الثنايا " وعلى الأول صفة للمنافقين فصل بينها وبينه بالمعطوف على الخبر أو كلام مبتدأ لبيان تمرنهم وتمهرهم في النفاق ) لا تعلمهم ( لا تعرفهم بأعيانهم وهو تقرير لمهارتهم فيه وتنوقهم في تحامي مواقع التهم إلى حد اخفى عليك حالهم مع كمال فطنتك وصدق فراستك ) نحن نعلمهم ( ونطلع على اسرارهم إن قدروا أن يلبسوا عليك لم يقدروا أن يلبسوا علينا ) سنعذبهم مرتين ( بالفضيحة والقتل أو بأحدهما وعذاب القبر أو بأخذ الزكاة ونهك الأبدان ) ثم يردون إلى عذاب عظيم ( إلى عذاب عظيم ) إلى عذاب النار )
التوبة : ( 102 ) وآخرون اعترفوا بذنوبهم . . . . .
) وآخرون اعترفوا بذنوبهم ( ولم يعتذروا عن تخلفهم بالمعاذير الكاذبة وهم طائفة من المتخلفين اوثقوا أنفسهم على سواري المسجد لما بلغهم ما نزل في المتخلفين فقدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فدخل المسجد على عادته فصلى ركعتين فرآهم فسأل عنهم فذكر له أنهم اقسموا أن لا يحلوا أنفسهم حتى تحلهم فقال وأنا اقسم أن لا احلهم حتى اومر فيهم فنزلت فأطلقهم ) خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ( خلطوا الفعل الصالح الذي هو اظهار الندم والاعتراف بالذنب بآخر سيىء هو التخلف وموافقة أهل النفاق والواو إما بمعنى الباء كما في قولهم بعت الشاء شاة ودرهما أو للدلالة على أن كل واحد منهما(3/169)
" صفحة رقم 170 "
مخلوط بالآخر ) عسى الله أن يتوب عليهم ( أن يقبل توبتهم وهي مدلول عليها بقوله ) اعترفوا بذنوبهم ( ) إن الله غفور رحيم ( يتجاوز عن التائب ويتفضل عليه
التوبة : ( 103 ) خذ من أموالهم . . . . .
) خذ من أموالهم صدقة ( روي انهم لما اطلقوا قالوا يا رسول الله هذه اموالنا التي خلفتنا فتصدق بها وطهرنا فقال ما امرت أن آخذ من أموالكم شيئا فنزلت ) تطهرهم ( من الذنوب أو حب المال المؤدي بهم إلى مثله وقرئ ) تطهرهم ( من أطهره بمعنى طهره و ) تطهرهم ( بالجزم جوابا للأمر ) وتزكيهم بها ( وتنمي بها حسناتهم وترفعهم إلى منازل المخلصين ) وصل عليهم ( واعطف عليهم بالدعاء والاستغفار لهم ) إن صلاتك سكن لهم ( تسكن إليها نفوسهم وتطمئن بها قلوبهم وجمعها لتعدد المدعو لهم وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالتوحيد ) والله سميع ( لاعترافهم ) عليم ( بندامتهم
التوبة : ( 104 ) ألم يعلموا أن . . . . .
) ألم يعلموا ( الضمير إما للمتوب عليهم والمراد أن يمكن في قلوبهم قبول توبتهم والاعتداد بصدقاتهم أو لغيرهم والمراد به التحضيض عليهما ) أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ( إذا صحت وتعديته ب ) عن ( لتضمنه معنى التجاوز ) ويأخذ الصدقات ( يقبلها قبول من يأخذ شيئا ليؤدي بدله ) وأن الله هو التواب الرحيم ( وأن من شأنه قبول توبة التائبين والتفضل عليهم
التوبة : ( 105 ) وقل اعملوا فسيرى . . . . .
) وقل اعملوا ( ما شئتم ) فسيرى الله عملكم ( فإنه لا يخفى عليه خيرا كان أو شرا ) ورسوله والمؤمنون ( فإنه تعالى لا يخفى عنهم كما رأيتم وتبين لكم ) وستردون إلى عالم الغيب والشهادة ( بالموت ) فينبئكم بما كنتم تعملون ( بالمجازاة عليه(3/170)
" صفحة رقم 171 "
التوبة : ( 106 ) وآخرون مرجون لأمر . . . . .
) وآخرون ( من المتخلفين ) مرجون ( مؤخرون أي موقوف أمرهم من ارجأته إذا اخرته وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص ) مرجون ( بالواو وهما لغتان ) لأمر الله ( في شأنهم ) إما يعذبهم ( إن أصروا على النفاق ) وإما يتوب عليهم ( إن تابوا والترديد للعباد وفيه دليل على أن كلا الأمرين بإرادة الله تعالى ) والله عليم ( بأحوالهم ) حكيم ( فيما يفعل بهم وقرئ ) والله غفور رحيم ( والمراد بهؤلاء كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع أمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) اصحابه أن لا يسلموا عليهم ولا يكلموهم فلما رأوا ذلك أخلصوا نياتهم وفوضوا أمرهم إلى الله فرحمهم الله تعالى
التوبة : ( 107 ) والذين اتخذوا مسجدا . . . . .
) والذين اتخذوا مسجدا ( عطف على ) وآخرون مرجون ( أو مبتدأ خبره محذوف أي وفيمن وصفنا الذين اتخذوا أو منصوب على الاختصاص وقرا نافع وابن عامر بغير الواو ) ضرارا ( مضارة للمؤمنين وروي أن بني عمرو بن عوف لما بنوا مسجد قباء سألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأتيهم فأتاهم فصلى فيه فحسدتهم إخوانهم بنو غنم بن عوف فبنوا مسجدا على قصد أن يؤمهم فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام فلما اتموه أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا أنا قد بنينا مسجدا لذي الحاجة والعلة والليلة المطيرة والشاتية فصل فيه حتى نتخذه مصلى فأخذ ثوبه ليقوم معهم فنزلت فدعا بمالك بن الدخشم ومعن بن عدي وعامر بن السكن والوحشي فقال لهم انطلقوا إلى المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه ففعل واتخذ مكانه كناسة ) وكفرا ( وتقوية للكفر الذي يضمرونه ) وتفريقا بين المؤمنين ( يريد الذي كانوا يجتمعون للصلاة في مسجد قباء ) وإرصادا ( ترقبا ) لمن حارب الله ورسوله من قبل ( يعني الراهب فإنه قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم أحد لا اجد قوما يقاتلونك إلا قاتلتك معهم فلم يزل يقاتله إلى يوم حنين حتى انهزم مع هوازن وهرب(3/171)
" صفحة رقم 172 "
إلى الشام ليأتي من قيصر بجنود يحارب بهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومات بقنسرين وحيدا وقيل كان يجمع الجيوش يوم الأحزاب فلما انهزموا خرج إلى الشام و ) من قبل ( متعلق ب ) حارب ( أو ب ) اتخذوا ( أي اتخذوا مسجدا من قبل أن ينافق هؤلاء بالتخلف لما روي انه بنى قبيل غزوة تبوك فسألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأتيه فقال أنا على جناح سفر وإذا قدمنا إن شاء الله صلينا فيه فلما قفل كرر عليه فنزلت ) وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى ( ما أردنا ببنائه إلا الخصلة الحسنى أو الارادة الحسنى وهي الصلاة والذكر والتوسعة على المصلين ) والله يشهد إنهم لكاذبون ( في حلفهم
التوبة : ( 108 ) لا تقم فيه . . . . .
) لا تقم فيه أبدا ( للصلاة ) لمسجد أسس على التقوى ( يعني مسجد قباء اسسه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وصلى فيه أيام مقامه بقباء من الاثنين إلى الجمعة لأنه اوفق للقصة أو مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لقول أبي سعيد رضي الله عنه سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عنه فقال هو مسجدكم هذا مسجد المدينة ) من أول يوم ( من أيام وجوده ومن يعم الزمان والمكان كقوله " لمن الديار بقنة الحجر اقوين من حجج ومن دهر "
التوبة : ( 109 ) أفمن أسس بنيانه . . . . .
) أحق أن تقوم فيه ( اولى بأن تصلي فيه ) فيه رجال يحبون أن يتطهروا ( من المعاصي والخصال المذمومة طلبا لمرضاة الله سبحانه وتعالى وقيل من الجنابة فلا ينامون عليها ) والله يحب المطهرين ( يرضى عنهم ويدنيهم من جنابه تعالى ادناء المحب حبيبه قيل لما نزلت مشى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومعه المهاجرون حتى وقف على باب مسجد قباء(3/172)
" صفحة رقم 173 "
فإذا الأنصار جلوس فقال ( صلى الله عليه وسلم ) امؤمنون أنتم فسكتوا فأعادها فقال عمر انهم مؤمنون وأنا معهم فقال ( صلى الله عليه وسلم ) اترضون بالقضاء قالوا نعم قال ( صلى الله عليه وسلم ) اتصبرون على البلاء قالوا نعم قال اتشكرون في الرخاء قالوا نعم فقال ( صلى الله عليه وسلم ) أنتم مؤمنون ورب الكعبة فجلس ثم قال يا معشر الأنصار أن الله عز وجل قد اثنى عليكم فما الذي تصنعون عند الوضوء وعند الغائط فقالوا يا رسول الله نتبع الغائط الاحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء فتلا النبي ) فيه رجال يحبون أن يتطهروا ( ) أفمن أسس بنيانه ( بنيان دينه ) على تقوى من الله ورضوان خير ( على قاعدة محكمة هو التقوى من الله وطلب مرضاته بالطاعة ) أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار ( على قاعدة هي اضعف القواعد وارخاها ) فانهار به في نار جهنم ( فأدى به لخوره وقلة استمساكه إلى السقوط في النار وانما وضع شفا الجرف وهو ما جرفهالوادي الهائر في مقابلة التقوى تمثيلا لما بنوا عليه أمر دينهم في البطلان وسرعة الانطماس ثم رشحه بانهياره به في النار ووضعه في مقابلة الرضوان تنبيها على أن تأسيس ذلك على أمر يحفظه من النار ويوصله إلى رضوان الله ومقتضياته التي الجنة ادناها وتأسيس هذا على ما هم بسببه على صدد الوقوع في النار ساعة فساعة ثم أن مصيرهم إلى النار لا محالة وقرأ نافع وابن عامر ) أسس ( على البناء للمفعول وقرئ اساس بنيانه و ) أسس بنيانه ( على الاضافة و ) أسس ( على البناء للمفعول وقرئ / أساس بنيانه / و ) أسس بنيانه ( على الاضافة و ) أسس ( و / آساس / بالفتح والمد و / إساس / بالكسر وثلاثتها جمع أس و ) تقوى ( بالتنوين على أن الألف للالحاق لا للتأنيث كتترى وقرأ ابن عامر وحمزة وأبو بكر ) جرف ( بالتخفيف ) والله لا يهدي القوم الظالمين ( إلى ما فيه صلاحهم ونجاحهم(3/173)
" صفحة رقم 174 "
التوبة : ( 110 ) لا يزال بنيانهم . . . . .
) لا يزال بنيانهم الذي بنوا ( بناؤهم الذي بنوه مصدر أريد به المفعول وليس بجمع ولذلك قد تدخله التاء ووصف بالمفرد واخبر عنه بقوله ) ريبة في قلوبهم ( أي شكا ونفاقا والمعنى أن بناءهم هذا لا يزال سبب شكهم وتزايد نفاقهم فإنه حملهم على ذلك ثم لما هدمه الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) رسخ ذلك في قلوبهم وازداد بحيث لا يزول وسمه عن قلوبهم ) إلا أن تقطع قلوبهم ( قطعا بحيث لا يبقى لها قابلية الادراك وهو في غاية المبالغة والاستثناء من اعم الازمنة وقيل المراد بالتقطع ما هو كائن بالقتل أو في القبر أو في النار وقيل المراد بالتقطع ما هو كائن بالقتل أو في القبر أو في النار وقيل التقطع بالتوبة ندما وأسفا وقرأ يعقوب إلى بحرف الانتهاء و ) تقطع ( بمعنى تتقطع وهو قراءة ابن عامر وحمزة وحفص وقرئ / يقطع / بالياء و ) تقطع ( بالتخفيف و ) تقطع قلوبهم ( على خطاب الرسول أو كل مخاطب ولو قطعت على البناء للفاعل والمفعول ) والله عليم ( بنياتهم ) حكيم ( فبما أمر بهدم بنيانهم
التوبة : ( 111 ) إن الله اشترى . . . . .
) إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ( تمثيل لإثابة الله اياهم الجنة على بذل أنفسهم واموالهم في سبيله ) يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون ( استئناف ما لأجله الشراء وقيل ) يقاتلون ( في معنى الأمر وقرأ حمزة والكسائي بتقديم المبني للمفعول وقد عرفت أن الواو لا توجب الترتيب وان فعل البعض قد يسند إلى الكل ) وعدا عليه حقا ( مصدر مؤكد لما دل عليه الشراء فإنه في معنى الوعد ) في التوراة والإنجيل والقرآن ( مذكورا فيهما اثبت في القرآن ) ومن أوفى بعهده من الله ( مبالغة في الانجاز وتقرير لكونه حقا ) فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به ( فافرحوا به غاية الفرح فإنه اوجب لكم عظائم المطالب كما قال ) وذلك هو الفوز العظيم ((3/174)
" صفحة رقم 175 "
التوبة : ( 112 ) التائبون العابدون الحامدون . . . . .
) التائبون ( رفع على المدح أي هم التائبون والمراد بهم المؤمنون المذكورون ويجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف تقديره التائبون من أهل الجنة وإن لم يجاهدوا لقوله ) وكلا وعد الله الحسنى ( أو خبره ما بعده أي التائبون عن الكفر على الحقيقة هم الجامعون لهذه الخصال وقرئ بالياء نصبا على المدح أو جرا صفة للمؤمنين ) العابدون ( الذين عبدوا الله مخلصين له الدين ) الحامدون ( لنعمائه أو لما نابهم من السراء والضراء ) السائحون ( الصائمون لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) سياحة أمتي الصوم شبه بها لأنه يعوق عن الشهوات أو لأنه رياضة نفسانية يتوصل بها إلى الاطلاع على حفايا الملك والملكوت أو السائحون للجهاد أو لطلب العلم ) الراكعون الساجدون ( في الصلاة ) الآمرون بالمعروف ( بالأيمان والطاعة ) والناهون عن المنكر ( عن الشرك والمعاصي والعاطف فيه للدلالة على انه بما عطف عليه في حكم خصلة واحدة كأنه قال الجامعون بين الوصفين وفي قوله تعالى ) والحافظون لحدود الله ( أي فيما بينه وعينه من الحقائق والشرائع للتنبيه على أن ما قبله مفصل الفضائل وهذا مجملها وقيل انه للايذان بأن التعداد قد تم بالسابع من حيث أن السبعة هو العدد التام والثامن ابتداء تعداد آخر معطوف عليه ولذلك سمي واو الثمانية ) وبشر المؤمنين ( يعني به هؤلاء الموصوفين بتلك الفضائل ووضع ) المؤمنين ( موضع ضميرهم للتنبيه على أن ايمانهم دعاهم إلى ذلك وان المؤمن الكامل من كان كذلك وحذف المبشر به للتعظيم كأنه قيل وبشرهم بما يجل عن احاطة الافهام وتعبير الكلام
التوبة : ( 113 ) ما كان للنبي . . . . .
) ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ( روي انه ( صلى الله عليه وسلم ) قال لأبي طالب لما حضرته الوفاة قل كلمة احاج لك بها عند الله فأبى فقال ( صلى الله عليه وسلم ) لا(3/175)
" صفحة رقم 176 "
أزال استعفر لك ما لم انه عنه فنزلت وقيل لما افتتح مكة خرج إلى الابواء فزار قبر أمه ثم قام مستعبرا فقال إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي وأنزل علي الآيتين ) ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ( بأن ماتوا على الكفر وفيه دليل على جواز الاستغفار لاحيائهم فإنه طلب توفيقهم للايمان وبه دفع النقيض باستغفار إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأبيه الكفار فقال
التوبة : ( 114 ) وما كان استغفار . . . . .
) وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه ( وعدها إبراهيم أباه بقوله ) لأستغفرن لك ( أي لاطلبن مغفرتك بالتوفيق للايمان فإنه يجب ما قبله ويدل عليه قراءة من قرأ ) أباه ( أو وعدها إبراهيم أبوه وهي الوعد بالأيمان ) فلما تبين له أنه عدو لله ( بأن مات على الكفر أو اوحي إليه بأنه لن يؤمن ) تبرأ منه ( فقطع استغفاره ) إن إبراهيم لأواه ( لكثير التأوه وهو كناية عن فرط ترحمه ورقة قلبه ) حليم ( صبور على الاذى والجملة لبيان ما حمله على الاستغفار له مع شكاسته عليه
التوبة : ( 115 ) وما كان الله . . . . .
) وما كان الله ليضل قوما ( أي ليسميهم ضلالا ويؤاخذه مؤاخذتهم ) بعد إذ هداهم ( للإسلام ) حتى يبين لهم ما يتقون ( حتى يبين لهم خطر ما يجب اتقاؤه وكأنه بيان عذر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله لعمه أو لمن استغفر لاسلافه المشركين قبل المنع وقيل إنه في قوم مضوا على الأمر الأول في القبلة والخمر ونحو ذلك وفي الجملة(3/176)
" صفحة رقم 177 "
دليل على أن الغافل غير مكلف ) أن الله بكل شيء عليم ( فيعلم أمرهم في الحالين
التوبة : ( 116 ) إن الله له . . . . .
) إن الله له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ( لما منعهم من الاستغفار للمشركين وان كانوا اولي قربى وتضمن ذلك وجوب التبرؤ عنهم رأسا بين لهم أن الله مالك كل موجود ومتولي آمره والغالب عليه ولا يتأتى لهم ولاية ولا نصرة إلا منه ليتوجهوا بشراشرهم إليه ويتبرؤوا مما عداه حتى لا يبقى لهم مقصود فيما يأتون ويذرون سواه
التوبة : ( 117 ) لقد تاب الله . . . . .
) لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار ( من إذن المنافقين في التخلف أو هو بعث على التوبة والمعنى ما من أحد إلا وهو محتاج إلى التوبة حتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمهاجرون والانصار لقوله تعالى ) وتوبوا إلى الله جميعا ( إذ ما من أحد إلا وله مقام الأنبياء والصالحين من عباده ) الذين اتبعوه في ساعة العسرة ( في وقتها هي حالهم في غزوة تبوك كانوا في عسرة الظهر يعتقب العشرة على بعير واحد والزاد حتى قيل أن الرجلين كانا يقتسمان تمرة والماء حتى شربوا القيظ ) من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ( عن الثبات على الإيمان أو اتباع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وفي ) كاد ( ضمير الشأن أو ضمير القوم والعائد إليه الضمير في ) منهم ( وقرأ حمزة وحفص ) يزيغ ( بالياء لأن(3/177)
" صفحة رقم 178 "
تأنيث القلوب غير حقيق وقرئ من بعد ما زاغت قلوب فريق منهم يعني المتخلفين ) ثم تاب عليهم ( تكرير للتأكيد وتنبيه على انه تاب عليهم من أجل ما كابدوا من العسرة أو المراد انه تاب عليهم لكيدودتهم ) إنه بهم رؤوف رحيم )
التوبة : ( 118 ) وعلى الثلاثة الذين . . . . .
) وعلى الثلاثة ( وتاب على الثلاثة كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع ) الذين خلفوا ( تخلفوا عن الغزو أو خلف أمرهم فإنهم المرجئون ) حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ( أي برحبها لإعراض الناس عنهم بالكلية وهو مثل لشدة الحرية ) وضاقت عليهم أنفسهم ( قلوبهم من فرط الوحشة والغم بحيث لا يسعها انس ولا سرور ) وظنوا ( وعلموا ) أن لا ملجأ من الله ( من سخطه ) إلا إليه ( إلا إلى استغفاره ) ثم تاب عليهم ( بالتوفيق للتوبة ) ليتوبوا ( أو أنزل قبول توبتهم ليعدوا من جملة التائبين أو رجع عليهم بالقبول والرحمة مرة بعد أخرى ليستقيموا على توبتهم ) إن الله هو التواب ( لمن تاب ولو عاد في اليوم مائة مرة ) الرحيم ( المتفضل عليهم بالنعم
التوبة : ( 119 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ( فيما لا يرضاه ) وكونوا مع الصادقين ( في إيمانهم وعهودهم أو في دين الله نية وقولا وعملا وقرئ ) من الصادقين ( أي في توبتهم وإنابتهم فيكون المراد به هؤلاء الثلاثة وأضرابهم
التوبة : ( 120 ) ما كان لأهل . . . . .
) ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ( نهي عبر به بيصغة النفي للمبالغة ) ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ( ولا يصونوا أنفسهم عما لم يصن نفسه عنه ويكابدوا معه ما يكابده من الاهوال روي أن أبا خيثمة بلغ بستانه وكانت له زوجة حسنات فرشت في الظل وبسطت له الحصير وقربت إليه الرطب والماء البارد فنظر فقال ظل ظليل ورطب يانع وماء بارد وامرأة حسناء ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الضح والريح ما(3/178)
" صفحة رقم 179 "
هذا بخير فقام فرحل ناقته واخذ سيفه ورمحه ومر كالريح فمد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) طرفه إلى الطريق فإذا براكب يزهاه السراب فقال كن أبا خيثمة فكأنه ففرح به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) استغفر له وفي ) ولا يرغبوا ( يجوز النصب والجزم ) ذلك ( إشارة إلى ما دل عليه قوله ما كان من النهي عن التخلف أو وجوب المشايعة ) بأنهم ( بسبب أنهم ) لا يصيبهم ظمأ ( شيء من العطش ) ولا نصب ( تعب ) ولا مخمصة ( مجاعة ) في سبيل الله ولا يطؤون ( ولا يدوسون ) موطئا ( مكانا ) يغيظ الكفار ( يغضبهم وطؤه ) ولا ينالون من عدو نيلا ( كالقتل والاسر والنهب ) إلا كتب لهم به عمل صالح ( إلا استوجبوا به الثواب و ذلك مما يوج المشايعة . ) إن الله لا يضيع أجر المحسنين ( على إحسانهم ،وهو تعليل لـ ) كتب ( وتنبيه على أن الجهاد إحسان ، أما في حق الكفار فلأنهسعى في تكميلهم بأقصى ما يمكن كضرب المداوي للمجنون ، وأما في حق المؤمنين فلأنه صيانة لهم عن سطوة الكفار واستيلائهم .
التوبة : ( 121 ) ولا ينفقون نفقة . . . . .
) ولا ينفقون نفقة صغيرة ( ولو علاقة . ) ولا كبيرة ( مثل ما أنفق عثمان رضي الله عنه في جيش العسرة . ) ولا يقطعون واديا ( في مسيرهم وهو كل منعرج ينفذ فيه السيل اسم فاعل من ودي إذا سال فشاع بمعنى الأرض . ) إلا كتب لهم ( أثبت لهم ذلك . ) ليجزيهم الله بذلك ( . ) أحسن ما كانوا يعملون ( جزاء احسن أعمالهم أو احسن جزاء أعمالهم
التوبة : ( 122 ) وما كان المؤمنون . . . . .
) وما كان المؤمنون لينفروا كافة ( وما استقام لهم أن ينفروا جميعا لنحو غزو أو طلب علم كما لا يستقيم لهم أن يتثبطوا جميعا فإنه يخل بأمر المعاش ) فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ( فهلا نفر من كل جماعة كثيرة كقبيلة وأهل بلدة جماعة قليلة ) ليتفقهوا في الدين ( ليتكلفوا الفقاهة فيه ويتجشموا مشاق تحصيلها ) ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ((3/179)
" صفحة رقم 180 "
وليجعلوا غاية سعيهم ومعظم غرضهم من الفقاهة ارشاد القوم وانذارهم وتخصيصه بالذكر لانه اهم وفيه دليل على أن التفقه و التذكير من فروض الكفاية وانه ينبغي أن يكون غرض المتعلم فيه أن يستقيم ويقيم لا الترفع على الناس والتبسط في البلاد ) لعلهم يحذرون ( إرادة أن يحذروا عما ينذرون منه واستدل به على أن إخبار الآحاد حجة لأن عموم كل فرقة يقتضي أن ينفر منكل ثلاثة تفردوا بقرية طائفة إلى التفقه لتنذر فرقتها كي يتذكروا ويحذروا فلو لم يعتبر الأخبار ما لم يتواتر لم يفد ذلك وقد اشبعت القول فيه تقريرا واعتراضا في كتابي المرصاد وقد قيل للآية معنى آخر وهو انه لما نزل في المتخلفين ما نزل سبق المؤمنون إلى النفير وانقطعوا عن التفقه فأمروا أن ينفر من كل فرقة طائفة إلى الجهاد ويبقى أعقابهم يتفقهون حتى لا ينقطع التفقه الذي هو الجهاد الأكبر لأن الجدال بالحجة هو الأصل والمقصود م البعثة فيكون الضمير في ليتفقهوا ولينذروا لبواقي الفرق بعد الطوائف النافرة للغزو وفي رجعوا للطوائف أي ولينذروا لبواقي قومهم النافرين إذا رجعوا إليهم بما حصلوا أيام غيبتهم من العلوم
التوبة : ( 123 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ( أمروا بقتال الأقرب منهم فالأقرب كما أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اولا بإنذار عشيرته الاقربين فإن الأقرب احق بالشفقة والاستصلاح وقيل هم يهود حوالي المدينة كقريظة والنضير وخيبر وقيل الروم فإنهم كانوا يسكنون الشأم وهو قريب من المدينة ) وليجدوا فيكم غلظة ( شدة وصبرا على القتال وقرئ بفتح الغين وضمها وهما لغتان فيها ) واعلموا أن الله مع المتقين ( بالحراسة والاعانة
التوبة : ( 124 ) وإذا ما أنزلت . . . . .
) وإذا ما أنزلت سورة فمنهم ( فمن المنافقين ) من يقول ( انكار واستهزاء ) أيكم زادته هذه ((3/180)
" صفحة رقم 181 "
السورة ) إيمانا ( وقرئ ) أيكم ( بالنصب على اضمار فعل يفسره ) زادته ( ) فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا ( بزيادة العلم الحاصل من تدبر السورة وانضمام الإيمان بها وبما فيها إلى ايمانهم ) وهم يستبشرون ( بنزولها لانه سبب لزيادة كمالهم وارتفاع درجاتهم
التوبة : ( 125 ) وأما الذين في . . . . .
) وأما الذين في قلوبهم مرض ( كفر ) فزادتهم رجسا إلى رجسهم ( كفرا بها مضموما إلى الكفر بغيرها ) وماتوا وهم كافرون ( واستحكم ذلك فيهم حتى ماتوا عليه
التوبة : ( 126 ) أو لا يرون . . . . .
) أو لا يرون ( يعني المنافقين وقرئ بالتاء ) أنهم يفتنون ( يبتلون بأصناف البليات أو بالجهاد مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيعاينون ما يظهر من الآيات ) في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ( لا ينتهون ولا يتوبون من نفاقهم ) ولا هم يذكرون ( ولا يعتبرون
التوبة : ( 127 ) وإذا ما أنزلت . . . . .
) وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض ( تغامزوا بالعيون انكارا لها وسخرية أو غيظاص لما فيها من عيوبهم ) هل يراكم من أحد ( أي يقولون هل يراكم أحد إن قمتم من حضرة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فإن لم يرهم أحد قاموا وإن يرهم أحد اقاموا ) ثم انصرفوا ( عن حضرته مخافة الفضيحة ) صرف الله قلوبهم ( عن الإيمان وهو يحتمل الأخبار والدعاء ) بأنهم ( بسبب انهم ) قوم لا يفقهون ( لسوء فهمهم أو لعدم تدبرهم
التوبة : ( 128 ) لقد جاءكم رسول . . . . .
) لقد جاءكم رسول من أنفسكم ( من جنسكم عربي مثلكم وقرئ من ) أنفسكم ( أي من اشرفكم ) عزيز عليه ( شديد شاق ) ما عنتم ( عنتكم ولقاؤكم المكروه ) حريص عليكم ( أي على ايمانكم وصلاح شأنكم ) بالمؤمنين ( منكم ومن غيركم ) رؤوف رحيم ( قدم الابلغ منهما وهو الرؤوف لأن الرأفة شدة الرحمة محافظة على الفواصل
التوبة : ( 129 ) فإن تولوا فقل . . . . .
) فإن تولوا ( عن الإيمان بك ) فقل حسبي الله ( فإنه يكفيك معرتهم ويعينك عليهم ) لا إله إلا هو ( كالدليل عليه ) عليه توكلت ( فلا أرجو ولا اخاف إلا منه ) وهو رب العرش العظيم ((3/181)
" صفحة رقم 182 "
الملك العظيم أو الجسم العظيم المحيط الذي تنزل منه الأحكام والمقادير وقرئ ) العظيم ( بالرفع وعن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه أن آخر ما نزل هاتان الايتان وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما نزل القرآن علي إلا آية آية وحرفا حرفا ما خلا سورة براءة و ) قل هو الله أحد ( فإنهما انزلتا علي ومعهما سبعون ألف صف من الملائكة والله اعلم(3/182)
" صفحة رقم 183 "
سورة يونس عليه السلام
مكية وهي مائة وتسع آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
التوبة : ( 129 ) فإن تولوا فقل . . . . .
) الر ( فخمها ابن كثير ونافع برواية قالون وحفص وقرأ ورش بين اللفظين وأمالها الباقون اجراء لالف الراء مجرى المنقلبة من الياء ) تلك آيات الكتاب الحكيم ( إشارة إلى ما تضمنته السورة أو القرآن من الآي والمراد من الكتاب أحدهما ووصفه بالحكيم لاشتماله عل الحكم أو لأنه كلام حكيم أو محكم آياته لم ينسخ شيء منها
يونس : ( 2 ) أكان للناس عجبا . . . . .
) أكان للناس عجبا ( استفهام انكار للتعجب و ) عجبا ( خبر كان واسمه ) أن أوحينا ( وقرئ بالرفع على أن الأمر بالعكس أو على ) إن كان ( تامة و ) أن أوحينا ( بدل من عجب واللام للدلالة على انهم جعلوه اعجوبة لهم يوجهون نحوه إنكارهم واستهزاءهم ) إلى رجل منهم ( من أفناء رجالهم دون عظيم من عظماء من عظمائهم قيل كانوا يقولون العجب أن الله تعالى لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب وهو من فرط حماقتهم وقصور نظرهم على الأمور العاجلة وجهلهم بحقيقة الوحي والنبوة هذا وأنه ( صلى الله عليه وسلم ) لم يكن يقصر عن عظمائهم فيما يعتبرونه إلا في المال وخفة الحال اعون شيء في هذا الباب ولذلك كان اكثر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبله كذلك وقل تعجبوا من أنه(3/183)
" صفحة رقم 184 "
بعث بشرا رسولا كما سبق ذكره في سورة الأنعام ) أن أنذر الناس ( أن هي المفسرة أو المخففة من الثقيلة فتكون في موقع مفعول اوحينا ) وبشر الذين آمنوا ( عمم الانذار إذ قلما من أحد ليس فيه ما ينبغي أن ينذر منه وخصص البشراة بالمؤمنين إذ ليس للكفار ما يصح أن يبشروا به حقيقة ) أن لهم ( بأن لهم ) قدم صدق عند ربهم ( سابقة منزلة رفيعة سميت قدما لأن السبق بها كما سميت النعمة يدا لأنها تعطى باليد وإضافتها إلى الصدق لتحققها والتنبيه على انهم إنما ينالونها بصدق القول والنية ) قال الكافرون إن هذا ( يعنون الكتاب وما جاء به الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) لسحر مبين ( وقرأ ابن كثير والكوفيون لساحر على أن الاشارة إلى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فيه اعتراف بأنهم صادفوا من الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) امورا خارقة للعادة معجزة إياهم عن المعارضة وقرئ ) إن هذا إلا سحر مبين )
يونس : ( 3 ) إن ربكم الله . . . . .
) إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض ( التي هي أصول الممكنات ) في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ( يقدر أمر الكائنات على ما اقتضته حكمته وسبقت به كلمته ويهيئ بتحريكه اسبابها وينزلها منه والتدبير النظر في أدبار الأمور لتجيء محمودة العاقبة ) ما من شفيع إلا من بعد إذنه ( تقرير لعظمته وعز جلاله ورد على من زعم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله وفيه إثبات الشفاعة لمن أذن له ) ذلكم الله ( أي الموصوف بتلك الصفات المقتضية للألوهية والربوبية ) ربكم ( لا غير إذ لا يشاركه أحد في شيء من(3/184)
" صفحة رقم 185 "
ذلك ) فاعبدوه ( وحدوه بالعبادة ) أفلا تذكرون ( تتفكرون أدنى تفكر فينبهكم على انه المستحق للربوبية والعبادة لا ما تعبدونه
يونس : ( 4 ) إليه مرجعكم جميعا . . . . .
) إليه مرجعكم جميعا ( بالموت أو النشور لا إلى غيره فاسعدوا للقائه ) وعد الله ( مصدر مؤكد لنفسه لأن قوله ) إليه مرجعكم ( وعد من الله ) حقا ( مصدر آخر مؤكد لغيره وهو ما دل عليه ) وعد الله ( ) إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ( بعد بدئه وإهلاكه ) ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ( أي بعدله أو بعدالتهم وقيامهم على العدل في امورهم أو بإيمانهم لأنه العدل القويم كما أن الشرك ظلم عظيم وهو الاوجه لمقابلة قوله ) والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ( فإن معناه ليجزي الذين كفروا بشراب من حميم وعذاب اليم بسبب كفرهم لكنه غير النظم للمبالغة في استحقاقهم للعقاب والتنبيه على أن المقصود بالذات من الابداء والاعادة هو الاثابة والعقاب واقع بالعرض وأنه تعالى يتولى اثابة المؤمنين بما يليق بلطفه وكرمه ولذلك لم يعينه واما عقاب الكفرة فكأنه داء ساقه إليهم سوء اعتقادهم وشؤم افعالهم والاية كالتعليل لقوله تعالى ) إليه مرجعكم جميعا ( فإنه لما كان المقصود من الابداء والاعادة مجازاة الله المكلفين على أعمالهم كان مرجع الجميع إليه لا محالة ويؤديه قراءة من قرأ ) إنه يبدأ ( بالفتح أي لأنه ويجوز أن يكون منصوبا أو مرفوعا بما نصب ) وعد الله ( أو بما نصب ) حقا )
يونس : ( 5 ) هو الذي جعل . . . . .
) هو الذي جعل الشمس ضياء ( أي ذات ضياء وهو مصدر كقيام أو جمع ضوء كسياط وسوط والياء فيه منقلبة عن الواو وقرأ ابن كثير برواية قنبل هنا وفي الأنبياء وفي القصص ضئاء بهمزتين على القلب بتقديم اللام على العين ) والقمر نورا ( أي ذا(3/185)
" صفحة رقم 186 "
نورا أو سمي نورا للمبالغة وهو أعم من الضوء كما عرفت وقيل ما بالذات ضوء وما بالعرض نور وقد نبه سبحانه وتعالى بذلك على انه خلق الشمس نيرة في ذاتها والقمر نيرا بعرض مقابلة الشمس والاكتساب منها ) وقدره منازل ( الضمير لكل واحد أي قدر مسير كل واحد منهما منازل أو قدره ذا منازل أو للقمر وتخصيصه بالذكر لسرعة سيره ومعاينة منزله واناطة احكام الشرع به ولذلك علله بقوله ) لتعلموا عدد السنين والحساب ( حساب الاوقات من الاشهر والايام في معاملاتكم وتصرفاتكم ) ما خلق الله ذلك إلا بالحق ( إلا ملتبسا بالحق مراعيا فيه مقتضى الحكمة البالغة ) يفصل الآيات لقوم يعلمون ( فإنهم المنتفعون بالتأمل فيها وقرأ ابن كثير والبصريان وحفص ) يفصل ( بالياء
يونس : ( 6 ) إن في اختلاف . . . . .
) إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض ( من أنواع الكائنات ) لآيات ( على وجود الصناع ووحدته وكمال علمه وقدرته ) لقوم يتقون ( العواقب فإنه يحملهم على التفكر والتدبر
يونس : ( 7 ) إن الذين لا . . . . .
) إن الذين لا يرجون لقاءنا ( لا يتوقعونه لإنكارهم البعث وذهورهم بالمحسوسات عما وراءها ) ورضوا بالحياة الدنيا ( من الآخرة لغفلتهم عنها ) واطمأنوا بها ( وسكنوا إليها مقصرين هممهم على لذائذها وزخارفها أو سكنوا فيها سكون من لا يزعج عنها ) والذين هم عن آياتنا غافلون ( لا يتفكرون فيها لانهماكهم فيما يضادها والعطف إما لتغاير الوصفين والتنبيه على أن الوعيد على الجمع بين الذهول عن الآيات رأسا والانهماك في الشهوات بحيث لا تخطر الآخرة ببالهم اصلا وإما لتغاير الفريقين والمراد بالاولين من انكر البعث ولم ير إلا الحياة الدنيا وبالاخرين من ألهاه حب العاجل عن التأمل في الاجل والاعداد له
يونس : ( 8 ) أولئك مأواهم النار . . . . .
) أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون ( بما واظبوا عليه وتمرنوا به من المعاصي
يونس : ( 9 ) إن الذين آمنوا . . . . .
) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ( بسبب ايمانهم إلى سلوك(3/186)
" صفحة رقم 187 "
سبيل يؤدي إلى الجنة أو لادراك الحقائق كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم أو لما يريدونه في الجنة ومفهوم الترتيب وإن دل على أن سبب الهداية هو الإيمان والعمل الصالح لكن دل منطوق قوله ) بإيمانهم ( على استقلال الإيمان بالسببية وأن العمل الصالح كالتتمة والرديف له ) تجري من تحتهم الأنهار ( استئناف أو خبر ثان أو حال من الضمير المنصوب على المعنى الأخير وقوله ) في جنات النعيم ( خبر أو حال أخرى منه أو من ) الأنهار ( أو متعلق ب ) تجري ( أو بيهدي
يونس : ( 10 ) دعواهم فيها سبحانك . . . . .
) دعواهم فيها ( أي دعاؤهم ) سبحانك اللهم ( اللهم إنا نسبحك تسبيحا ) وتحيتهم ( ما يحيى به بعضهم بعضا أو تحية اللائكة إياهم ) فيها سلام وآخر دعواهم ( وآخر دعائهم ) أن الحمد لله رب العالمين ( أي أن يقولون ذلك ولعل المعنى انهم إذا دخلوا الجنة وعاينوا عظمة الله وكبرياءه مجدوه ونعتوه بنعوت الجلال ثم حياهم الملائكة بالسلامة عن الآفات والفوز بأصناف الكرامات أو الله تعال فحمدوه واثنوا عليه بصفات الاكرام و ) إن ( هي المخففة من الثقيلة وقد قرئ بها وبنصب ) الحمد )
يونس : ( 11 ) ولو يعجل الله . . . . .
) ولو يعجل الله للناس الشر ( ولو يسرعه إليهم ) استعجالهم بالخير ( وضع موضع تعجيله لهم الخير اشعارا بسرعة اجابته لهم في الخير حتى كأن استعجالهم به تعجيل لهم أو بأن المراد شر استعجلوه كقولهم ) فأمطر علينا حجارة من السماء ( وتقدير الكلام ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله للخير حين استعجلوه استعجالا(3/187)
" صفحة رقم 188 "
كاستعجالهم بالخير فحذف منه ما حذف لدلالة الباقي عليه ) لقضي إليهم أجلهم ( لاميتوا وأهلكوا وقرأ ابن عامر ويعقوب ) لقضي ( على البناء للفاعل وهو الله تعالى وقرئ لقضينا ) فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون ( عطف على فعل محذوف دلت عليه الشرطية كأنه قيل ولكن لا نعجل ولا نقضي فنذرهم امهالا واستدراجا
يونس : ( 12 ) وإذا مس الإنسان . . . . .
) وإذا مس الإنسان الضر دعانا ( لإزالته مخلصا فيه ) لجنبه ( ملقى لجنبه أي مضجعا ) أو قاعدا أو قائما ( وفائدة الترديد تعميم الدعاء لجميع الأحوال أو لأصناف المضار ) فلما كشفنا عنه ضره مر ( يعني مضى على طريقته واستمر على كفره أو مر عن موقف الدعاء لا يرجع إليه ) كأن لم يدعنا ( كأنه لم يدعنا فخفف وحذف ضمير الشأن كما قال " ونحر مشرق اللون كأن ثدياه حقان " ) إلى ضر مسه ( إلى كشف ضر ) كذلك ( مثل ذلك التزيين ) زين للمسرفين ما كانوا يعملون ( من الانهماك في الشهوات والأعراض عن العبادات
يونس : ( 13 ) ولقد أهلكنا القرون . . . . .
) ولقد أهلكنا القرون من قبلكم ( يا أهل مكة ) لما ظلموا ( حين ظلموا بالتكذيب واستعمال القوى والجوارح لا على ما ينبغي ) وجاءتهم رسلهم بالبينات ( بالحجج الدالة على صدقهم وهو حال من الواو بإضمار قد أو عطف على ظلموا ) ما كانوا ليؤمنوا ( وما استقام لهم أن يؤمنوا لفساد استعدادهم وخذلان الله لهم وعلمه بأنهم يموتون على كفرهم واللام لتأكيد النفي ) كذلك ( مثل ذلك الجزاء وهو اهلاكهم بسبب تكذيبهم للرسل واصرارهم عليه بحيث تحقق انه لا فائدة في امهالهم ) نجزي القوم المجرمين ( نجزي كل مجرم أو نجزيكم فوضع المظهر موضع الضمير للدلالة على كمال جرمهم وانهم اعلام فيه
يونس : ( 14 ) ثم جعلناكم خلائف . . . . .
) ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم ( استخلفناكم فيها بعد القرون التي(3/188)
" صفحة رقم 189 "
أهلكناها استخلاف من يختبر ) لننظر كيف تعملون ( أتعملون خيرا أو شرا فنعاملكم على مقتضى أعمالكم وكيف معمول تعملون فإن معنى الاستفهام يحجب أن يعمل فيه ما قبله وفائدته الدلالة على أن المعتبر في الجزاء جهات الأفعال وكيفياتها لا هي من حيث ذاتها ولذلك يحسن الفعل تارة ويقبح أخرى
يونس : ( 15 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ( يعني المشركين ) ائت بقرآن غير هذا ( بكتاب آخر نقرؤه ليس فيه ما نستعبده من البعث والثواب والعقاب بعد الموت أو ما نكرهه من معايب آلهتنا ) أو بدله ( بأن تجعل مكان الآية المشتملة على ذلك آية أخرى ولعلهم سألوا ذلك كي يسعفهم إليه فيلزموه ) قل ما يكون لي ( ما يصح لي ) أن أبدله من تلقاء نفسي ( من قبل نفسي وهو مصدر استعمل ظرفا وإنما اكتفى بالجواب عن التبديل لاستلزام امتناعه الاتيان بقرآن آخر ) إن أتبع إلا ما يوحى إلي ( تعليل لما يكون فإن المتبع لغيره في أمر لا يستبد بالتصرف فيه بوجه وجواب للنقض بنسخ بعض الآيات ببعض ورد لما عرضوا له بهذا السؤال من أن القرآن كلامه واختراعه ولذلك قيل التدبيل في الجواب وسماه عصيانا فقال ) إني أخاف إن عصيت ربي ( أي بالتبديل ) عذاب يوم عظيم ( وفيه ايماء بأنهم استوجبوا العذاب بهذا الاقتراح
يونس : ( 16 ) قل لو شاء . . . . .
) قل لو شاء الله ( غير ذلك ) ما تلوته عليكم ولا أدراكم به ( ولا أعلمكم به على لساني وعن ابن كثير / ولأدراكم / بلام التأكيد أي لو شاء الله ما تلوته عليكم ولأعلمكم به على لسان غيري والمعنى انه الحق الذي لا محيص عنه لو لم أرسل به لأرسل به غيري وقرئ ) ولا أدراكم ( / ولا أدرأتكم / بالهمز فيهما على لغة من يقلب الألف المبدلة من الياء همزة أو على انه من الدرء بمعنى الدفع أي ولا جعلتكم بتلاوته خصماء تدرؤنني(3/189)
" صفحة رقم 190 "
بالجدال والمعنى أن الأمر بمشيئة الله تعالى لا بمشيئتي حتى اجعله على نحو ما تشتهونه ثم قرر ذلك بقوله ) فقد لبثت فيكم عمرا ( مقدارا عمر أربعين سنة ) من قبله ( من قبل القرآن ولا أتلوه ولا أعلمه فإنه إشارة إلى أن القرآن معجز خارق للعادة فإن من عاش بين اظهرهم أربعين سنة لم يمارس فيها علما ولم يشاهد عالما ولم ينشئ قريضا ولا خطية ثم قرأ عليهم كتابا بزت فصاحته فصاحة كل منطيق وعلا من كل منثور ومنظوم واحتوى على قوماعد علمي الاصول والفروع واعرب عن اقاصيص الأولين واحاديث الآخرين على ما هي عليه علم انه معلوم به من الله تعالى ) أفلا تعقلون ( أي أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر فيه لتعلموا أنه ليس إلا من الله
يونس : ( 17 ) فمن أظلم ممن . . . . .
) فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( تفاد مما اضافوه إليه كناية أو تظليم للمشركين بافترائهم على الله تعلى في قولهم إنه لذو شريك وذو ولد ) أو كذب بآياته ( فكفر بها ) إنه لا يفلح المجرمون )
يونس : ( 18 ) ويعبدون من دون . . . . .
) ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ( فإنه جماد لا يقدر على نفع ولا ضر ) ويقولون هؤلاء ( الأوثان ) شفعاؤنا عند الله ( تشفع لنا فيما يهمنا من أمور الدنيا أو في الآخرة أن يكن بعث وكأنهم كانوا شاكين فيه وهذا من فرط جهالتهم حيث تركوا عبادة الموجد الضار النافع إلى عبادة ما يعلم قطعا أنه لا يضر ولا ينفع على توهم أنه ربما يشفع لهم عنده ) قل أتنبئون الله ( أتخبرونه ) بما لا يعلم ( وهو أن(3/190)
" صفحة رقم 191 "
له شريكا أو هؤلاء شفعاء عنده وما لا يعلمه العالم بجميع المعلومات لا يكون له تحقق ما وفيه تقريع وتهكم بهم ) في السماوات ولا في الأرض ( حال من العائد المحذوف مؤكدة للنفي منبهة على أن ما يعبدون من دون الله أما سماوي وإما أرضي ولا شيء من الموجودات فيهما إلا وهو حادث مقهور مثلهم لا يليق أن يشرك به ) سبحانه وتعالى عما يشركون ( عن إشراكهم أو عن الشركاء الذين يشركونهم به وقرأ حمزة والكسائي هنا وفي الموضعين في أول النحل والروم بالتاء
يونس : ( 19 ) وما كان الناس . . . . .
) وما كان الناس إلا أمة واحدة ( موحدين على الفطرة أو متفقين على الحق وذلك في عهد آدم عليه السلام إلى أن قتل قابيل هابيل أو بعد الطوفان أو على الضلال في فترة من الرسل ) فاختلفوا ( باتباع الهوى والأباطيل أو ببعثه الرسل عليهم الصلاة والسلام فتبعتهم طائفة وأصرت أخرى ) ولولا كلمة سبقت من ربك ( بتأخير الحكم بينهم أو العذاب الفاصل بينهم إلى يوم القيامة فإنه يوم الفصل والجزاء ) لقضي بينهم ( عاجلا ) فيما فيه يختلفون ( بإهلاك المبطل وإبقاء المحق
يونس : ( 20 ) ويقولون لولا أنزل . . . . .
) ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه ( أي من الآيات التي اقترحوها ) فقل إنما الغيب لله ( هو المختص بعلمه فلعله يعلم في إنزال الآيات المقترحة من مفاسد تصرف عن إنزالها ) فانتظروا ( لنزول ما اقترحتموه ) إني معكم من المنتظرين ( لما يفعل الله بكم بجحودكم ما نزل علي من الآيات العظام واقتراحكم غيره
يونس : ( 21 ) وإذا أذقنا الناس . . . . .
) وإذا أذقنا الناس رحمة ( صحة وسعة ) من بعد ضراء مستهم ( كقحط ومرض ) إذا لهم مكر في آياتنا ( بالطعن فيها والاحتيال في دفعها قيل قحط أهل مكة سبع سنين حتى كادوا يهلكون ثم رحمهم الله بالحيا فطفقوا يقدحون في آيات الله ويكيدون رسوله ) قل الله أسرع مكرا ( منكم قد دبر عقابكم قبل أن تدبروا كيدهم وإنما دل على سرعتهم المفضل عليها كلمة المفاجأة الواقعة جوابا لإذا الشرطية والمكر إخفاء الكيد وهو من الله تعالى أما الاستدراج أو الجزاء على المكر ) إن رسلنا يكتبون ما تمكرون ( تحقيق للانتقام وتنبيه على أن ما دبروا في إخفائه لم يخف على الحفظة فضلا أن يخفى على الله تعالى وعن يعقوب يمكرون بالياء ليوافق ما قبله(3/191)
" صفحة رقم 192 "
يونس : ( 22 ) هو الذي يسيركم . . . . .
) هو الذي يسيركم ( يحملكم على السير ويمكنكم منه وقرأ ابن عامر / ينشركم / بالنون والشين من النشر ) في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك ( في السفن ) وجرين بهم ( بمن فيها عدل عن الخطاب إلى الغيبة للمبالغة كأنه تذكرة لغيرهم ليتعجب من حالهم وينكر عليهم ) بريح طيبة ( لينة الهبوب ) وفرحوا بها ( بتلك الريح ) جاءتها ( جواب إذا والضمير للفلك أو للريح الطيبة بمعنى تلقتها ) ريح عاصف ( ذات عصف شديدة الهبوب ) وجاءهم الموج من كل مكان ( يجيء الموج منه ) وظنوا أنهم أحيط بهم ( اهلكوا وسدت عليهم مسالك الخلاص كمن أحاط به العدو ) دعوا الله مخلصين له الدين ( من غير إشراك لتراجع الفطرة وزوال المعارض من شدة الخوف وهو بدل من ) ظنوا ( بدل اشتمال لأن دعاءهم من لوازم ظنهم ) لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين ( على إرادة القول أو مفعول ) دعوا ( لأنه من جملة القول
يونس : ( 23 ) فلما أنجاهم إذا . . . . .
) فلما أنجاهم ( إجابة لدعائهم ) إذا هم يبغون في الأرض ( فاجئوا الفساد فيها وسارعوا إلى ما كانوا عليه ) بغير الحق ( مبطلين فيه وهو احتراز عن تخريب المسلمين ديار الكفرة وإحراق زروعهم وقلع أشجارهم فإنها إفساد بحق ) يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم ( فإن وباله عليكم أو أنه على أمثالكم وابناء جنسكم ) متاع الحياة الدنيا ( منفعة الحياة الدنيا لا تبقى ويبقى عقابها ورفعه على أنه خبر ) بغيكم ( و ) على أنفسكم ( صلته أو خبر مبتدأ محذوف تقديره ذلك متاع الحياة الدنيا و ) على أنفسكم ( خبر ) بغيكم ( ونصبه حفص على انه مصدر مؤكد أي تتمتعون متاع الحياة الدنيا أو مفعول البغي لانه بمعنى الطلب فيكون الجار من صلته والخبر محذوف والخبر محذوف تقديره بغيكم متاع الحياة(3/192)
" صفحة رقم 193 "
الدنيا محذور أو ضلال أو مفعول فعل دل عليه البغي وعلى أنفسكم خبره ) ثم إلينا مرجعكم ( في القيامة ) فننبئكم بما كنتم تعملون ( بالجزاء عليه
يونس : ( 24 ) إنما مثل الحياة . . . . .
) إنما مثل الحياة الدنيا ( حالها العجيبة في سرعة تقضيها وذهاب نعيمها بعد إقبالها واغترار الناس بها ) كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض ( فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضا ) مما يأكل الناس والأنعام ( من الزرع والبقول والحشيش ) حتى إذا أخذت الأرض زخرفها ( حسنها وبهجتها ) وازينت ( تزينت بأصناف النبات وأشكالها وألوانها المختلفة كعروس أخذت من ألوان الثياب والزين فتزينت بها ) وازينت ( أصله تزينت فأدغم وقد قرىء على الأصل ) وازينت ( على أفعلت من غير اعلال كاغيلت والمعنى صارت ذات زينة وازيانت كابياضت ) وظن أهلها أنهم قادرون عليها ( متمكنون من حصدها ورفع غلتها ) أتاها أمرنا ( ضرب زرعها ما يحتاجه ) ليلا أو نهارا فجعلناها ( فجعلنا زرعها ) حصيدا ( شبيها بما حصد من أصله ) كأن لم تغن ( كأن لم يغن زرعها أي لم يلبث والمضاف محذوف في الموضعين للمبالغة وقرىء بالياء على الأصل ) بالأمس ( فيما قبيله وهو مثل في الوقت القريب والممثل به مضمون الحكاية وهو زوال خضرة النبات فجأة وذهابه حطاما بعدما كان غضا والتف وزين الأرض حتى طمع فيه أهله وظنوا أنه قد سلم من الجوائح لا الماء وإن وليه حرف التشبيه لأنه من التشبيه المركب ) كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ( فإنهم المنتفعون
يونس : ( 25 ) والله يدعو إلى . . . . .
) والله يدعو إلى دار السلام ( دار السلام من التقضي والآفة أو دار الله وتخصيص هذا الاسم أيضا للتنبيه على ذلك أو دار يسلم الله والملائكة فيها على من يدخلها والمراد الجنة ) ويهدي من يشاء ( بالتوفيق ) إلى صراط مستقيم ( هو طريقها وذلك الإسلام والتدرع بلباس التقوى وفي تعميم الدعوة وتخصيص الهداية بالمشيئة دليل على أن الأمر غير الإرادة وأن المصر على الضلالة لم يرد الله رشده
يونس : ( 26 ) للذين أحسنوا الحسنى . . . . .
) للذين أحسنوا الحسنى ( المثوبة الحسنى ) وزيادة ( وما يزيد على المثوبة تفضلا(3/193)
" صفحة رقم 194 "
لقوله ) ويزيدهم من فضله ( وقيل الحسنى مثل حسناتهم والزيادة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وأكثر وقيل الزيادة مغفرة من الله ورضوان وقيل الحسنى الجنة والزيادة هي اللقاء ) ولا يرهق وجوههم ( لا يغشاها ) قتر ( غبرة فيها سواد ) ولا ذلة ( هوان والمعنى لا يرهقهم ما يرهق أهل النار أولا يرهقهم ما يوجب ذلك من حزن وسوء حال ) أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ( دائمون لا زوال فيها ولا انقراض لنعيمها بخلاف الدنيا وزخارفها
يونس : ( 27 ) والذين كسبوا السيئات . . . . .
) والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها ( عطف على قوله ) للذين أحسنوا الحسنى ( على مذهب من يجوز في الدار زيد والحجرة عمرو أو ) للذين ( مبتدأ والخبر ) جزاء سيئة بمثلها ( على تقدير وجزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها أي أن تجازى بسيئة مثلها لا يزاد عليها وفيه تنبيه على أن الزيادة هي الفضل أو التضعيف أو ) كأنما أغشيت وجوههم ( أو أولئك أصحاب النار وما بينهما اعتراض ف ) كأنما أغشيت وجوههم ( أو أولئك أصحاب النار وما بينهما اعتراض ف ) جزاء سيئة ( مبتدأ وخبره محذوف أي فجزاء سيئة بمثلها واقع أو بمثلها على زيادة الباء أو تقدير مقدر بمثلها ) وترهقهم ذلة ( وقرئ بالياء ) ما لهم من الله من عاصم ( ما من أحد يعصمهم من سخط الله أو من جهة الله ومن عنده كما يكون للمؤمنين ) كأنما أغشيت ( غطيت ) وجوههم قطعا من الليل مظلما ( لفرط سوادها وظلمتها ومظلما حال من الليل والعامل فيه ) أغشيت ( لأنه العامل في ) قطعا ( وهو موصوف بالجار والمجرور والعامل في الموصوف عامل في الصفة أو معنى الفعل في ) من الليل ( وقرأ ابن كثير(3/194)
" صفحة رقم 195 "
والكسائي ويعقوب ) قطعا ( بالسكون فعلى هذا يصح أن يكون ) مظلما ( صفة ل أو حالا منه ) أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( مما يحتج به الوعيدية والجواب أن الآية في الكفار لاشتمال السيئات على الكفر والشرك ولأن الذين احسنوا يتناول أصحاب الكبيرة من أهل القبلة فلا يتناولهم قسيمه
يونس : ( 28 ) ويوم نحشرهم جميعا . . . . .
) ويوم نحشرهم جميعا ( يعني افريضين جيمعا " ثم نقو للذين اشركوا مكانكم " ألزموا مكانكم حتى تنظروا ما يفعل بكم ) أنتم ( تأكيد للضمير المنتقل إليه من عامله ) وشركاؤكم ( عطف علهي وقرئ بالنصب على المفعول معه ) فزيلنا بينهم ( ففرقنا بيهم وقطعنا الوصل التي كانت بينهم ) وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون ( مجاز عن براءة ما عبدوه من عبادتهم فإنهم إنما عبدوا في الحقيقة اهواءهم لأنها الآمرة بالاشراك لا ما اشركوا به وقيل ينطق الله الاصنام فتشافههم بذلك مكان الشفاعة التي يتوقعون منها وقيل المراد بالشركاء الملائكة والمسيح وقيل الشياطين
يونس : ( 29 ) فكفى بالله شهيدا . . . . .
) فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم ( فإنه العالم بكنه الحال ) إن كنا عن عبادتكم لغافلين ( ) إن ( هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة
يونس : ( 30 ) هنالك تبلو كل . . . . .
) هنالك ( في ذلك المقام ) تبلو كل نفس ما أسلفت ( تختبر ما قدمت من عمل فتعاين نفعه وضره وقرأ حمزة والكسائي ) تتلو ( من التلاوة أي تقرأ ذكر ما قدمت أو من التلو أي تتبع عملها فيقودها إلى الجنة أو إلى النار وقرئ / نبلو / بالنون ونصب ) كل ( وإبدال ) ما ( منه والمعنى نختبرها أي نفعل بها فعل المختبر لحالها المعترف لسعادتها وشقاوتها بتعرف ما أسلفت من(3/195)
" صفحة رقم 196 "
أعمالها ويجوز أن يراد به نصيب بالبلاء أي بالعذاب كل نفس عاصية بسبب ما أسلفت من الشر فتكون ) ما ( منصوبة بنزع الخافض ) وردوا إلى الله ( إلى جزائه إياهم بما أسلفوا ) مولاهم الحق ( ربهم ومتولي أمرهم على الحقيقة لا ما اتخذوه مولى وقرئ ) الحق ( بالنصب على المدح أو المصدر المؤكد ) وضل عنهم ( وضاع عنهم ) ما كانوا يفترون ( من أن آلهتهم تشفع لهم أو ما كانوا يدعون أنها آلهة
يونس : ( 31 ) قل من يرزقكم . . . . .
) قل من يرزقكم من السماء والأرض ( أي منهما جميعا فإن الأرزاق تحصل بأسباب سماوية ومواد أرضية أو ) من ( كل واحد منهما توسعة عليكم وقيل من لبيان من على حذف المضاف أي من أهل السماء والأرض ) أم من يملك السمع والأبصار ( أم من يستطيع خلقهما وتسويتهما أو من يحفظهما من الآفات مع كثرتها وسرعة انفعالها من أدنى شيء ) ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ( ومن يحيي ويميت أو من ينشئ الحيوان من النطفة والنطفة منه ) ومن يدبر الأمر ( ومن يلي تدبير أمر العالم وهو تعميم بعد تخصيص ) فسيقولون الله ( إذ لا يقدرون على المكابرة والعناد في ذلك لفرط وضوحه ) فقل أفلا تتقون ( أنفسكم عقابه بإشراككم إياه ما لا يشاركه في شيء من ذلك
يونس : ( 32 ) فذلكم الله ربكم . . . . .
) فذلكم الله ربكم الحق ( أي المتولي لهذه الأمور المستحق للعبادة هو ربكم الثابت ربوبيته لأنه الذي أنشأكم وأحياكم ورزقكم ودبر أموركم ) فماذا بعد الحق إلا الضلال ( استفهام إنكار أي ليس بعد الحق إلا الضلال فمن تخطى الحق الذي هو عبادة الله تعالى وقع(3/196)
" صفحة رقم 197 "
في الضلال ) فأنى تصرفون ( عن الحق إلى الضلال
يونس : ( 33 ) كذلك حقت كلمة . . . . .
) كذلك حقت كلمة ربك ( أي كما حقت الربوبية لله أو أن الحق بعده الضلال أو أنهم مصرفون عن الحق كذلك حقت كلمة الله وحكمه وقرأ نافع وابن عامر ) كلمات ( هنا وفي آخر السورة وفي غافر ) على الذين فسقوا ( تمردوا في كفرهم وخرجوا عن حد الاستصلاح ) أنهم لا يؤمنون ( بدل من الكلمة أو تعليل لحقيتها والمراد بها العدة بالعذاب
يونس : ( 34 ) قل هل من . . . . .
) قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده ( جعل الإعادة كالإبداء في الإلزام بها لظهور برهانها وإن لم يساعدوا عليها ولذلك أمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) عنهم في الجواب فقال ) قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده ( لأن لجاجهم لا يدعهم أن يعترفوا بها ) فأنى تؤفكون ( تصرفون عن قصد السبيل
يونس : ( 35 ) قل هل من . . . . .
) قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق ( بنصب الحجج وإرسال الرسل ( صلى الله عليه وسلم ) والتوفيق للنظر والتدبر وهدى كما يعدى بإلى لتضمنه معنى الانتهاء يعدى باللام للدلالة على أن المنتهى غاية الهداية وأنها لم تتوجه نحوه على سبيل الاتفاق ولذلك عدي بها ما أسند إلى الله تعالى ) قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى ( أم الذي لا يهتدي إلا أن يهدى من قولهم هدي بنفسه إذا اهتدى أو لا يهدي غيره إلا أن يهديه الله وهذا حال أشراف شركائهم كالملائكة والمسيح وعزير وقرأ ابن كثير وورش عن نافع وابن عامر ) يهدي ( بفتح الهاء وتشديد الدال ويعقوب وحفص بالكسر والتشديد والأصل يهتدي فأدغم وفتحت الهاء بحركة التاء أو(3/197)
" صفحة رقم 198 "
كسرت لالتقاء الساكنين وروى أبو بكر ) يهدي ( باتباع الياء الهاء وقرأ أبو عمرو بالإدغام المجرد ولم يبال بالتقاء الساكنين لأن المدغم في حكم المتحرك وعن نافع برواية قالون مثله وقرئ ) إلا أن يهدى ( للمبالغة ) فما لكم كيف تحكمون ( بما يقتضي صريح العقل بطلانه
يونس : ( 36 ) وما يتبع أكثرهم . . . . .
) وما يتبع أكثرهم ( فيما يعتقدونه ) إلا ظنا ( مستندا إلى خيالات فارغة وأقيسة فاسدة كقياس الغائب على الشاهد والخالق على المخلوق بأدنى مشاركة موهومة والمراد بالأكثر الجميع أو من ينتمي منهم إلى تمييز ونظر ولا يرضى بالتقليد الصرف ) إن الظن لا يغني من الحق ( من العلم والاعتقاد الحق ) شيئا ( من الإغناء ويجوز أن يكون مفعولا به و ) من الحق ( حالا منه وفيه دليل على أن تحصيل العلم في الأصول واجب والاكتفاء بالتقليد والظن غير جائز ) إن الله عليم بما يفعلون ( وعيد على اتباعهم للظن وإعراضهم عن البرهان
يونس : ( 37 ) وما كان هذا . . . . .
) وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ( افتراء من الخلق ) ولكن تصديق الذي بين يديه ( مطابقا لما تقدمه من الكتب الإلهية المشهود على صدقها ولا يكون كذبا كيف وهو لكونه معجزا دونها عيار عليها شاهد على صحتها ونصبه بأنه خبر لكان مقدرا أو علة لفعل محذوف تقديره ولكن أنزله الله تصديق الذي وقرئ بالرفع على تقدير ولكن هو تصديق ) وتفصيل الكتاب ( وتفصيل ما حقق وأثبت من العقائد والشرائع ) لا ريب فيه ( منتفيا عنه الريب وهو خير ثالث داخل في حكم الاستدراك ويجوز أن يكون حالا من الكتاب فإنه مفعول في المعنى وأن يكون استئنافا ) من رب العالمين ( خبر آخر تقديره كائنا من رب العالمين أو متعلق بتصديق أو تفصيل و ) لا ريب فيه ( اعتراض أو بالفعل المعلل ويهما ويجوز أن يكون حالا من الكتاب أو من الضمير في ) فيه ( ومساق الآية بعد المنع عن اتباع الظن لبيان ما يجب اتباعه والبرهان عليه
يونس : ( 38 ) أم يقولون افتراه . . . . .
) أم يقولون ( بل أيقولون ) افتراه ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ومعنى الهمزة فيه للإنكار ) قل فأتوا بسورة مثله ( في البلاغة وحسن النظم وقوة المعنى على وجه الافتراء فإنكم مثلي في(3/198)
" صفحة رقم 199 "
العربية والفصاحة وأشد تمرنا في النظم والعبارة ) وادعوا من استطعتم ( ومع ذلك فاستعينوا بمن أمكنكم أن تستعينوا به ) من دون الله ( سوى الله تعالى فإنه وحده قادر على ذلك ) إن كنتم صادقين ( أنه اختلقه
يونس : ( 39 ) بل كذبوا بما . . . . .
) بل كذبوا ( بل سارعوا إلى التكذيب ) بما لم يحيطوا بعلمه ( بالقرآن أول ما سمعوه قبل أن يتدبروا آياته ويحيطوا بالعلم بشأنه أو بما جهلوه ولم يحيطوا به علما من ذكر البعث والجزاء وسائر ما يخالف دينهم ) ولما يأتهم تأويله ( ولم يقفوا بعد على تأويله ولم تبلغ أذهانهم معانيه أو ولم يأتهم بعد تأويل ما فيه من الإخبار بالغيوب حتى يتبين لهم أنه صدق أم كذب والمعنى أن القرآن معجز من جهة اللفظ والمعنى ثم إنهم فاجئوا تكذيبه قبل أن يتدبروا نظمه ويتفحصوا معناه ومعنى التوقع في لما أنه قد ظهر لهم بالآخرة إعجازه لما كرر عليهم التحدي فزادوا قواهم في معارضته فتضاءلت دونها أو لما شاهدوا وقوع ما أخبر به طبقا لإخباره مرارا فلم يقلعوا عن التكذيب تمردا وعنادا ) كذلك كذب الذين من قبلهم ( أنبياءهم ) فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ( فيه وعيد لهم بمثل ما عوقب به من قبلهم
يونس : ( 40 ) ومنهم من يؤمن . . . . .
) ومنهم ( ومن المكذبين ) من يؤمن به ( من يصدق به في نفسه ويعلم أنه حق ولكن يعاند أو من سيؤمن به ويتوب عن الكفر ) ومنهم من لا يؤمن به ( في نفسه لفرط غباوته وقلة تدبره أو فيما يستقبل بل يموت على الكفر ) وربك أعلم بالمفسدين ( بالمعاندين أو المصرين
يونس : ( 41 ) وإن كذبوك فقل . . . . .
) وإن كذبوك ( وإن أصروا على تكذيبك بعد إلزام الحجة ) فقل لي عملي ولكم عملكم ( فتبرأ منهم فقد أعذرت والمعنى لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم حقا كان أو باطلا ) أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ( لا تؤاخذون بعملي ولا أؤاخذ بعملكم ولما فيه من إيهام الإعراض عنهم وتخلية سبيلهم قيل إنه منسوخ بآية السيف
يونس : ( 42 ) ومنهم من يستمعون . . . . .
) ومنهم من يستمعون إليك ( إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع ولكن لا يقبلون كالأصم الذي لا يسمع أصلا ) أفأنت تسمع الصم ( تقدر على إسماعهم ) ولو كانوا لا يعقلون ((3/199)
" صفحة رقم 200 "
ولو إنضم إلى صممهم عدم تعلهم وفيه تنبيه على أن حقيقة إستماع الكلام فهم المعنى المقصود منه ولذلك لا توصف به البهائم وهو لا يتاتى إلا باستعمال العقل السليم في تدبره وعقولهم لما كانت مؤفه بمعارضة الوهم ومشايعة الإلف والتقليد تعذر إفهامهم الحكم والمعاني الدقيقة فلم ينتفعوا بسرد الألفاظ عليهم غير ما ينتفع به البهائم من كلام الناعق
يونس : ( 43 ) ومنهم من ينظر . . . . .
) ومنهم من ينظر إليك ( يعاينون دلائل نبوتك ولكن لا يصدقونك ) أفأنت تهدي العمي ( تقدر على هدايتهم ) ولو كانوا لا يبصرون ( وإن انضم إلى عدم البصر عدم البصيرة فإن المقصود من الابصار هو الاعتبار والاستبصار والعمدة في ذلك البصرة ولذلك يحدس الأعمى المستبصر ويتفطن لما لا يدركه البصر الاحمق والاية كالتعليل للامر بالتبري والأعراض عنهم
يونس : ( 44 ) إن الله لا . . . . .
) إن الله لا يظلم الناس شيئا ( بسلم حواسهم وعقولهم ) ولكن الناس أنفسهم يظلمون ( بإفسادها وتفويت منافعها عليهم وفيه دليل على أن للعبد كسبا وأنه ليس بمسلوب الاختيار بالكلية كما زعمت المجبرة ويجوز أن يكون وعيدا لهم بمعنى أن ما يحيق بهم يوم القيامة من العذاب عدل من الله لا يلظمهم به ولكنهم ظلموا أنفسهم باقتراف اسبابه وقرأ أبو عمرو والكسائي بالتخفيف ورفعالناس ) الناس )
يونس : ( 45 ) ويوم يحشرهم كأن . . . . .
) ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار ( يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا أو في القبور لهول ما يرون والجملة التشبيهية في موضع الحال أي يحشرهم مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة أو صفة ليوم والعائد محذوف تقديره كأن لم يلبثوا قبله أو لمصدر محذوف أي حشرا كأن لم يلبثوا قبله ) يتعارفون بينهم ( يعرف بعضهم بعضا كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلا وهذا أول ما نشروا ثم ينقطع التعارف لشدة الأمر عليهم وهي حال أخرى مقدرة أو بيان لقوله ) كأن لم يلبثوا ( أو متعلق الظروف والتقدير يتعارفون يوم يحشرهم ) قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله ( استئناف للشهادة على خسرانهم والتعجب منه ويجوز(3/200)
" صفحة رقم 201 "
أن يكون حالا من الضمير في يتعارفون على إرادة القول ) وما كانوا مهتدين ( لطرق استعمال ما منحوا من المعاون في تحصيل المعارف فاستكسبوا بها جهالات أدت بهم إلى الردى والعذاب الدائم
يونس : ( 46 ) وإما نرينك بعض . . . . .
) وإما نرينك ( نبصرنك ) بعض الذي نعدهم ( من العذاب في حياتك كما أراه يوم بدر ) أو نتوفينك ( قبل أن نريك ) فإلينا مرجعهم ( فنريكه في الآخرة وهو جواب ) نتوفينك ( وجواب ) نرينك ( محذوف مثل فذاك ) ثم الله شهيد على ما يفعلون ( مجاز عليه ذكر الشهادة وأراد نتيجتها ومقتضاها ولذلك رتبها على الرجوع ب ثم أو مؤد شهادته على افعالهم يوم القيامة
يونس : ( 47 ) ولكل أمة رسول . . . . .
) ولكل أمة ( من الأمم الماضية ) رسول ( يبعث إليهم ليدعوهم إلى الحق ) فإذا جاء رسولهم ( بالبينات فكذبوه ) قضي بينهم ( بين الرسول ومكذبيه ) بالقسط ( بالعدل فأنجى الرسول وأهلك المكذبون ) وهم لا يظلمون ( وقيل معناه لكل أمة يوم القيامة رسول تنسب إليه فإذا جاء رسولهم الموقف ليشهد عليهم بالكفر والأيمان قضى بينهم بإنجاء المؤمنين وعقاب الكفار لقوله ) وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم )
يونس : ( 48 ) ويقولون متى هذا . . . . .
) ويقولون متى هذا الوعد ( استبعادا له واستهزاء به ) إن كنتم صادقين ( خطاب منهم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين
يونس : ( 49 ) قل لا أملك . . . . .
) قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا ( فكيف املك لكم فاستعجل في جلب العذاب اليكم ) إلا ما شاء الله ( أن أملكه أو ولكن ما شاء الله من ذلك كائن ) لكل أمة أجل ((3/201)
" صفحة رقم 202 "
مضروب لهلاكهم ) إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ( لا يتأخرون ولا يتقدمون فلا تستعجلون فسيحين وقتكم وينجز وعدكم
يونس : ( 50 - 51 ) قل أرأيتم إن . . . . .
) قل أرأيتم إن أتاكم عذابه ( الذي تستعجلون به ) بياتا ( وقت بيات اشتغال بالنوم ) أو نهارا ( حين كنتم مشتغلين بطلب معاشكم ) ماذا يستعجل منه المجرمون ( أي شيء من العذاب يستعجلونه وكله مكروه لا يلائم الاستعجال وهو متعلق ب ) أرأيتم ( لأنه بمعنى اخبروني والمجرمون وضع موضع الضمير للدلالة على انهم لجرمهم ينبغي أن يفزعوا من مجيؤء العذاب لا أن يستعجلوه وجواب الشرط محذوف وهو تندموا على الاستعجال أو تعرفوا خطأه ويجوز أن يكون الجواب ماذا كقولك أن أتيتك ماذا تعطيني وتكون الجملة متعلقة ب ) أرأيتم ( أو بقوله ) أثم إذا ما وقع آمنتم به ( بمعنى إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان وماذا يستعجل اعتراض ودخول حرف الاستفهام على ثم لانكار التأخير ) الآن ( على إرادة القول أي قيل لهم إذا آمنوا بعد وقوع العذاب الآن آمنتم به وعن نافع ) الآن ( بحذف الهمزة والقاء حركتها على اللام ) وقد كنتم به تستعجلون ( تكذيبا واستهزاء
يونس : ( 52 ) ثم قيل للذين . . . . .
) ثم قيل للذين ظلموا ( عطف على قيل المقدر ) ذوقوا عذاب الخلد ( المؤملم على الدوام ) هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون ( من الكفر والمعاصي
يونس : ( 53 ) ويستنبئونك أحق هو . . . . .
) ويستنبئونك ( ويستخبرونك ) أحق هو ( أحق ما تقول من الوعد أو ادعاء النبوة تقوله بجد أم باطل تهزل به قاله حيي بن اخطب لما قدم مكة والاطهر أن الاستفهام فيه على اصله لقوله ) ويستنبئونك ( وقيل إنه للانكار ويؤيده انه قرئ ) الحق هو ( فإن فيه تعريضا بأنه باطل وأحق مبتدأ والضمير مرتفع به ساد مسد الخبر أو خبر مقدم والجملة في(3/202)
" صفحة رقم 203 "
مومضع النصب ) ويستنبئونك ( قل إي إنه لحق أن العذاب لكائن أو ما ادعيته لثابت وقيل كلا الضميرين للقرآن وإي بمعنى نعم وهو من لوازم القسم ولذلك يوصل بواوه في التصديق فيقال إي والله ولا يقال إي وحده ) وما أنتم بمعجزين ( بفائتين العذاب
يونس : ( 54 ) ولو أن لكل . . . . .
) ولو أن لكل نفس ظلمت ( بالشرك أو التعدي على الغير ) ما في الأرض ( من خزائنها وأموالها ) لافتدت به ( لجعلته فدية لها من العذاب من قولهم افتداه بمعنى فداه ) وأسروا الندامة لما رأوا العذاب ( لأنهم بهتوا بما عاينوا مما لم يحتسبوه من فظاعة الأمر وهوله فلم يقدروا أن ينطقوا وقيل ) وأسروا الندامة ( أخلصوها لأن اخفاءها اخلاصها أو لأنه يقال سر الشيء وأسره إذا اظهره ) قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ( ليس تكريرا لأن الأول قضاء بين الأنبياء ومكذبيهم والثاني مجازاة المشركين على الشرك أو الحكومة بين الظالمين والمظلومين والضمير إنما يتناولهم لدلالة الظلم عليهم
يونس : ( 55 ) ألا إن لله . . . . .
) ألا إن لله ما في السماوات والأرض ( تقرير لقدرته تعالى على الاثابة والعقاب ) ألا إن وعد الله حق ( ما وعده من الثواب والعقاب كائن لا خلف فيه ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( لأنهم لا يعلمون لقصور عقولهم إلا ظاهرا من الحياة الدنيا
يونس : ( 56 ) هو يحيي ويميت . . . . .
) هو يحيي ويميت ( في الدنيا فهو يقدر عليهما في العقبى لان القادر لذاته لا تزول قدرته والمادة القابلة بالذات للحياة والموت لهما أبدا ) وإليه ترجعون ( بالموت أو النشور
يونس : ( 57 ) يا أيها الناس . . . . .
) يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ((3/203)
" صفحة رقم 204 "
أي قد جاءكم كتاب جامع للحكمة العملية الكاشفة عن محاسن الأعمال ومقابحها المرغبة في المحاسن والزاجرة عن المقابح ولاحكمة النظرية التي هي شفاء لما في الصدور من الشكوك وسوء الإعتقاد وهدى إلى الحق واليقين ورحمة للمؤمنين حيث انزلت عليهم فنجوا بها من ظلمات الضلالة إلى نور الإيمان وتبدلت مقاعدهم من طبقات النيران بمصاعد من درجات الجنان والتنكير فيها للتعظيم
يونس : ( 58 ) قل بفضل الله . . . . .
) قل بفضل الله وبرحمته ( بإنزال القرآن والباء متعلقة بفعل يفسره قوله ) فبذلك فليفرحوا ( فإن اسم الاشارة بمنزلة الضمير تقديره بفضل الله وبرحمته فليعتنوا أو فليفرحوا فبذلك وفائدة ذلك التكرير التأكيد والبيان بعد الأجمال وايجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح أو بفعل دل عليه ) قد جاءتكم ( وذلك إشارة إلى مصدره أي فبمجيئها فليفرحوا والفاء بمعنى الشرط كأنه قيل إن فرحوا بشيء فيهما فليفرحوا أو للربط بما قبلها والدلالة على أن مجيء الكتاب الجامع بين هذه الصفات موجب للفرح وتكريرها للتأكيد كقوله " وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي " وعن يعقوب / فلتفرحوا / بالتاء على الأصل المرفوض وقد روي مرفوعا ويؤيده انه قرئ / فافرحوا / ) هو خير مما يجمعون ( من حطام الدنيا فإنها إلى الزوال قريب وهو ضمير ذلك وقرأ ابن عامر تجمعون بالتاء على معنى فبذلك المؤمنون فهو خير مما تجمعونه آيها المخاطبون
يونس : ( 59 ) قل أرأيتم ما . . . . .
) قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق ( جعل الرزق منزلا لأنه مقدر في السماء محصل باسباب منها وما في موضع النصب ب ) أنزل ( أو ب ) أرأيتم ( فإنه بمعنى اخبروني ولكم دل على أن المراد منه ما حل ولذلك وبخ على التبعيض فقال ) فجعلتم منه حراما وحلالا ( مثل ) هذه أنعام وحرث حجر ( وعند قوله تعالى ) ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ( ) قل آلله أذن لكم ( في التحريم والتحليل فتقولون ذلك بحكه ) أم على الله تفترون ( في نسبة ذلك إليه ويجوز أن تكون المنفصلة متصلة ب ) أرأيتم ( وقل مكرر للتأكيد وأن يكون الاستفهام للانكزار و ) أم ( منقطعة ومعنى الهمزة فيها تقرير لافترائهم على الله(3/204)
" صفحة رقم 205 "
يونس : ( 60 ) وما ظن الذين . . . . .
) وما ظن الذين يفترون على الله الكذب ( أي شيء ظنهم ) يوم القيامة ( ايحسبون أن لا يجازوا عليه وهو منصوب بالظن ويدل عليه انه قرئ بلفظ الماضي لانه كائن وفي ابهام الوعيد تهديد عظيم ) إن الله لذو فضل على الناس ( حيث أنعم عليهم بالعقل وهداهم إرسال الرسل وإنزال الكتب ) ولكن أكثرهم لا يشكرون ( هذه النعمة
يونس : ( 61 ) وما تكون في . . . . .
) وما تكون في شأن ( ولا تكون في أمر وأصله الهمز من شأنت شأنه إذا قصدت قصده والضمير في ) وما تتلو منه ( له لأن تلاوة القرآن معظم شأن الرسول أو لأن القراءة تكون لشأن فيكون التقدير من أجله ومفعول تتلو ) من قرآن ( على أن ) من ( تبعيضية أو مزيدة لتأكيد النفي أو لل ) قرآن ( واضماره قبل الذكر ثم بيانه تفخيم له أو لله ) ولا تعملون من عمل ( تعميم للخطاب بعد تخصيصه بمن هو رأسهم ولذلك ذكر حيث خص ما فيه فخامة وذكر حيث عم ما يتناول الجليل والحقير ) إلا كنا عليكم شهودا ( رقباء مطلعين عليه ) إذ تفيضون فيه ( تخوضون فيه وتندفعون ) وما يعزب عن ربك ( ولا يبعد عنه ولا يغيب عن علمه وقرأ الكسائي بكسر الزاي هنا وفي سبأ ) من مثقال ذرة ( موازن نملة صغيرة أو هباء ) في الأرض ولا في السماء ( أي في الوجود والامكان فإن العامة لا تعرف ممكنا غيرهما ليس فيهما ولا متعلقا بهما وتقديم الأرض لأنن الكلام في حال أهلها والمقصود منه البرهان على احاطة علمه بها ) ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ((3/205)
" صفحة رقم 206 "
كلام برأسه مقرر لما قبله ) لا ( نافية و ) أصغر ( اسمها ) في كتاب ( خبرها وقرأ حمزة ويعقوب بالرفع على الابتداء والخبر ومن عطف على لفظ ) مثقال ذرة ( وجعل الفتح بدل الكسر لامتناع الصرف أو على محله مع الجار جعل الاستثناء منقطعا والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ
يونس : ( 62 ) ألا إن أولياء . . . . .
) ألا إن أولياء الله ( الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة ) لا خوف عليهم ( من لحوق مكروه ) ولا هم يحزنون ( لفوات مأمول والاية جمجمل فسره قوله
يونس : ( 63 ) الذين آمنوا وكانوا . . . . .
) الذين آمنوا وكانوا يتقون ( وقيل الذين آمنوا وكانوا يتقون بيان لتوليهم إياه
يونس : ( 64 ) لهم البشرى في . . . . .
) لهم البشرى في الحياة الدنيا ( هو ما بشر به المتقين في كتابه وعلى لسان نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) وما يريهم من الرؤيا الصالحة وما يسنح لهم من المكاشفات وبشرى الملائكة عند النزع ) وفي الآخرة ( بتلقي الملائكة اياهم مسلمين مبشرين بالفوز والكرامة بيان لتوليه لهم ومحل ) الذين آمنوا ( النصب أو الرفع على المدح أو على وصف الأولياء أو على الابتداء وخبره ) لهم البشرى ( ) لا تبديل لكلمات الله ( أي لا تغيير لأقواله ولا اخلاف لمواعيده ) ذلك ( إشارة إلى كونهم مبشرين في الدارين ) هو الفوز العظيم ( هذه اجلملة والتي قبلها اعتراض لتحقيق المبشر به وتعظيم شأنه وليس من شرطه أن يقع بعده كلام يتصل بما قبله 3
يونس : ( 65 ) ولا يحزنك قولهم . . . . .
) ولا يحزنك قولهم ( اشراكهم وتكذيبهم وتهديدهم وقرأ نافع ) يحزنك ( من(3/206)
" صفحة رقم 207 "
أحزنه وكلاهما بمعنى ) إن العزة لله جميعا ( استئناف بمعنى التعليل ويدل عليه القارة بالفتح كأنه قيل لا تحزن بقولهم ولا تبال بهم لأن الغلبة لله جميعا لا يملك غيره شيئا منها فهو يقهرهم وينصرك عليهم ) هو السميع ( لاقوالهم ) العليم ( بعزماتهم فيكافئهم عليها
يونس : ( 66 ) ألا إن لله . . . . .
) ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض ( من الملائكة والثقلين وإذا كان هؤلاء الذين هم اشرف الممكنات عبيدا لا يصلح أحد منهم للربوبية فما لا يعقل منها احق أن لا يكون له ندا أو شريكا فهو كالدليل على قوله ) وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ( أي شركاء على الحقيقة وإن كان يسمونها شركاء ويجوز أن يكون ) شركاء ( مفعول ) يدعون ( ومفعول ) يتبع ( محذوف دل عليه ) إن يتبعون إلا الظن ( أي ما يتبعون يقينا وإنما يتبعون ظنهم أنها شركاء ويجوز أن تكون ) ما ( استفهامية منصوبة ب ) يتبع ( أو موصولة معطوفة على من وقرئ ) تدعون ( بالتاء الخاطبية والمعنى أي شيء يتبع الذين تدعونهم شركاء من الملائكة والنبيين أي أنهم لا يتبعون إلا الله ولا يعبدون غيره فما لكم لا تتبعونهم فيه كقوله ) أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ( فيكون إلزاما بعد برهان وما بعده مصروف عن خطابهم لبيان سندهم ومنشأ رأيهم ) وإن هم إلا يخرصون ( يكذبون فيما ينسبون إلى الله أو يحزرون ويقدرون أنها شركاء تقديرا باطلا
يونس : ( 67 ) هو الذي جعل . . . . .
) هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا ( تنبيه على كمال قدرته وعظم نعمته المتوحد هو بهما ليدلهم على تفرده باستحقاق العبادة وإنما قال ) مبصرا ( ولم يقل لتبصروا فيه تفرقة بين الظرف المجرد والظرف الذي هو سبب ) إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ( سماع تدبر واعتبار(3/207)
" صفحة رقم 208 "
يونس : ( 68 ) قالوا اتخذ الله . . . . .
) قالوا اتخذ الله ولدا ( أي تبناه ) سبحانه ( تنزيه له عن التبني فإنه لا يصح إلا ممن يتصور له الولد وتعجب من كلمتهم الحمقاء ) هو الغني ( علة لتنزيهه فإن اتخاذ الولد مسبب عن الحاجة ) له ما في السماوات وما في الأرض ( تقرير لغناه ) إن عندكم من سلطان بهذا ( نفي لمعارض ما أقامه من البرهان مبالغة في تجهيلهم وتحقيقا لبطلان قولهم و ) بهذا ( متعلق ب ) سلطان ( أو نعت له أو ب ) عندكم ( كأنه قيل إن عندكم في هذا من سلطان ) أتقولون على الله ما لا تعلمون ( توبيخ وتقريع على اختلافهم وجهلهم وفيه دليل على أن كل قول لا دليل عليه فهو جهالة وأن العقائد لا بد لها من قاطع وأن التقليد فيها غير سائغ
يونس : ( 69 ) قل إن الذين . . . . .
) قل إن الذين يفترون على الله الكذب ( باتخاذ الولد وإضافة الشريك إليه ) لا يفلحون ( لا ينجون من النار ولا يفوزون بالجنة
يونس : ( 70 ) متاع في الدنيا . . . . .
) متاع في الدنيا ( خبر مبتدأ محذوف أي افتراؤهم متاع في الدنيا يقيمون به رئاستهم في الكفر أو حياتهم أو تقلبهم ) متاع ( مبتدأ خبره محذوف أي لهم تمتع في الدنيا ) ثم إلينا مرجعهم ( بالموت فيلقون الشقاء المؤبد ) ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون ( بسبب كفرهم
يونس : ( 71 ) واتل عليهم نبأ . . . . .
) واتل عليهم نبأ نوح ( خبره مع قومه ) إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم ( عظم عليكم وشق ) مقامي ( نفسي كقولك فعلت كذا لمكان فلان أو كوني وإقامتي بينكم مدة مديدة أو قيامي على الدعوة ) وتذكيري ( إياكم ) بآيات الله فعلى الله توكلت ( وثقت به ) فأجمعوا أمركم ( فاعزموا عليه ) وشركاءكم ( أي مع شركائكم ويؤيده القراءة بالرفع عطفا على الضمير المتصل وجاز من غير أن يؤكد للفصل وقيل إنه معطوف على ) أمركم ( بحذف المضاف أي وأمر شركائكم وقيل إنه منصوب بفعل محذوف تقديره وادعوا شركاءكم وقد قرئ به وعن نافع ) فأجمعوا ( من الجمع والمعنى أمرهم بالعزم أو الاجتماع على قصده والسعي في إهلاكه على أي وجه يمكنهم ثقة(3/208)
" صفحة رقم 209 "
بالله وقلة مبالاة بهم ) ثم لا يكن أمركم ( في قصدي ) عليكم غمة ( مستورا واجعلوه ظاهرا مكشوفا من غمه إذا ستره أو ثم لا يكن حالكم عليكم غما إذا أهلكتموني وتخلصتم من ثقل مقامي وتذكيري ) ثم اقضوا ( أدوا ) إلى ( ذلك الأمر الذي تريدون بي وقرئ / ثم افضوا إلي / بالفاء أي انتهوا إلي بشركم أو ابرزوا إلي من أفضى إذا خرج إلى الفضاء ) ولا تنظرون ( ولا تمهلوني
يونس : ( 72 ) فإن توليتم فما . . . . .
) فإن توليتم ( أعرضتم عن تذكيري ) فما سألتكم من أجر ( يوجب توليكم لثقله عليكم واتهامكم إياي لأجله أو يفوتني لتوليكم ) إن أجري ( ما ثوابي على الدعوة والتذكير ) إلا على الله ( لا تعلق له بكم يثيبني به آمنتم أو توليتم ) وأمرت أن أكون من المسلمين ( المنقادين لحكمه لا أخالف أمره ولا أرجو غيره
يونس : ( 73 ) فكذبوه فنجيناه ومن . . . . .
) فكذبوه ( فأصروا على تكذيبه بعدما ألزمهم الحجة وبين أن توليهم ليس إلا لعنادهم وتمردهم لا جرم حقت عليهم كلمة العذاب ) فنجيناه ( من الغرق ) ومن معه في الفلك ( وكانوا ثمانين ) جعلناكم خلائف ( من الهالكين به ) وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا ( بالطوفان ) فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ( تعظيم لما جرى عليهم وتحذير لمن كذب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وتسلية له
يونس : ( 74 ) ثم بعثنا من . . . . .
) ثم بعثنا ( أرسلنا ) من بعده ( من بعد نوح ) رسلا إلى قومهم ( كل رسول إلى قومه ) فجاؤوهم بالبينات ( بالمعجزات الواضحة المثبتة لدعواهم ) فما كانوا ليؤمنوا ( فما استقام لهم أن يؤمنوا لشدة شكيمتهم في الكفر وخذلان الله إياهم ) بما كذبوا به من قبل ( أي بسبب تعودهم تكذيب الحق وتمرنهم عليه قبل بعثه الرسل ( صلى الله عليه وسلم ) ) كذلك نطبع على قلوب المعتدين ( بخذلانهم لانهماكهم في الضلال واتباع المألوف وفي أمثال ذلك دليل على أن الأفعال واقعة بقدرة الله تعالى وكسب العبد وقد مر تحقيق ذلك
يونس : ( 75 ) ثم بعثنا من . . . . .
) ثم بعثنا من بعدهم ( من بعد هؤلاء الرسل ) موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا ( بالآيات التسع ) فاستكبروا ( عن اتباعهما ) وكانوا قوما مجرمين ( معتادين(3/209)
" صفحة رقم 210 "
الأجرام فلذلك تهاونوا برسالة ربهم واجترؤوا على ردها
يونس : ( 76 ) فلما جاءهم الحق . . . . .
) فلما جاءهم الحق من عندنا ( وعرفوه بتظاهر المعجزات الباهرة المزيلة للشك ) قالوا ( من فرط تمردهم ) إن هذا لسحر مبين ( ظاهر أنه سحر أو فائق في فنه واضح فيما بين إخوته
يونس : ( 77 ) قال موسى أتقولون . . . . .
) قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم ( إنه لسحر فحذف المحكي المقول لدلالة ما قبله عليه ولا يجوز أن يكون ) أسحر هذا ( لأنهم بتوا القول بل هو استئناف بإنكار ما قالوه اللهم إلا أن يكون الاستفهام فيه للتقرير والمحكي مفهوم قولهم ويجوز انيكون معنى ) أتقولون للحق ( أتعيبونه من قولهم فلان يخاف القالة كقوله تعالى ) سمعنا فتى يذكرهم ( فيستغني عن المفعول ) ولا يفلح الساحرون ( من تمام كلام موسى للدلالة على أنه ليس بسحر فإنه لو كان سحرا لاضمحل ولم يبطل السحرة ولأن العالم بأنه لا يفلح الساحر لا يسحر أو من تمام قولهم إن جعل أسحر هذا محكيا كأنهم قالوا أجئتنا بالسحر تطلب به الفلاح ولا يفلح الساحرون
يونس : ( 78 ) قالوا أجئتنا لتلفتنا . . . . .
) قالوا أجئتنا لتلفتنا ( لتصرفنا واللفت والفتل أخوان ) عما وجدنا عليه آباءنا ( من عبادة الأصنام ) وتكون لكما الكبرياء في الأرض ( الملك فيها سمي بها لاتصاف الملوك بالكبر أو التكبر على الناس باستتباعهم ) وما نحن لكما بمؤمنين ( بمصدقين فيما جئتما به
يونس : ( 79 ) وقال فرعون ائتوني . . . . .
) وقال فرعون ائتوني بكل ساحر ( وقرأ حمزة والكسائي ) بكل سحار ( ) عليم ( حاذق فيه
يونس : ( 80 ) فلما جاء السحرة . . . . .
) فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون )
يونس : ( 81 ) فلما ألقوا قال . . . . .
) فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر ( أي الذي جئتم به هو السحر لا ما سماه فرعون وقومه سحرا وقرأ أبو عمرو ) السحر ( على أن ) ما ( استفهامية مرفوعة بالابتداء(3/210)
" صفحة رقم 211 "
وجئتم به خبرها و ) السحر ( بدل منه أو خبر مبتدأ محذوف تقديره أهو السحر أو مبتدأ خبره محذوف أي السحر هو ويجوز أن ينتصب ما يفعل يفسره ما بعده وتقديره أي شيء أتيتم ) إن الله سيبطله ( سيمحقه أو سيظهر بطلانه ) إن الله لا يصلح عمل المفسدين ( لا يثبته ولا يقويه وفيه دليل على أن السحر إفساد وتمويه لا حقيقة له
يونس : ( 82 ) ويحق الله الحق . . . . .
) ويحق الله الحق ( ويثبته ) بكلماته ( بأوامره وقضاياه وقرئ / بكلمته / ) ولو كره المجرمون ( ذلك
يونس : ( 83 ) فما آمن لموسى . . . . .
) فما آمن لموسى ( أي في مبدأ أمره ) إلا ذرية من قومه ( إلا أولاد من أولاد قومه بني إسرائيل دعاهم فلم يجيبوه خوفا من فرعون إلا طائفة من شبانهم وقيل الضمير ل ) فرعون ( والذرية طائفة من شبانهم آمنوا به أو مؤمن آل فرعون وامرأته آسية وخازنة وزوجته وماشطته ) على خوف من فرعون وملئهم ( أي مع خوف منهم والضمير ل ) فرعون ( وجمعه على ما هو المعتاد في ضمير العظماء أو على أن المراد ب ) فرعون ( آله كما يقال ربيعة ومضر أو للذرية أو للقوم ) أن يفتنهم ( أن يعذبهم فرعون وهو بدل منه أو مفعول خوف وإفراده بالضمير للدلالة على أن الخوف من الملأ كان بسببه ) وإن فرعون لعال في الأرض ( لغالب فيها ) وإنه لمن المسرفين ( في الكبر والعتو حتى ادعى الربوبية واسترق أسباط الأنبياء
يونس : ( 84 ) وقال موسى يا . . . . .
) وقال موسى ( لما رأى تخوف المؤمنين به ) يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا ( فثقوا به واعتمدوا عليه ) إن كنتم مسلمين ( مستسلمين لقضاء الله مخلصين له وليس هذا من تعليق الحكم بشرطين فإن المعلق بالإيمان وجوب التوكل فإنه المقتضي له والمشروط بالإسلام حصوله فإنه لا يوجد مع التخطيط ونظيره إن دعاك زيد فأجبه إن قدرت
يونس : ( 85 ) فقالوا على الله . . . . .
) فقالوا على الله توكلنا ( لأنهم كانوا مؤمنين مخلصين ولذلك أجيبت دعوتهم(3/211)
" صفحة رقم 212 "
) ربنا لا تجعلنا فتنة ( موضع فتنة ) للقوم الظالمين ( أي لا تسلطهم علينا فيفتنونا
يونس : ( 86 ) ونجنا برحمتك من . . . . .
) ونجنا برحمتك من القوم الكافرين ( من كيدهم ومن شؤم مشاهدتهم وفي تقديم التوكل على الدعاء تنبيه على أن الداعي ينبغي له أن يتوكل أولا لتجاب دعوته
يونس : ( 87 ) وأوحينا إلى موسى . . . . .
) وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ ( أي اتخذا مباءة ) لقومكما بمصر بيوتا ( تسكنون فيها أو ترجعون إليها للعبادة ) واجعلوا ( أنتما وقومكما ) بيوتكم ( تلك البيوت ) قبلة ( مصلى وقيل مساجد متوجهة نحو القبلة يعني الكعبة وكان موسى ( صلى الله عليه وسلم ) يصلي إليها ) وأقيموا الصلاة ( فيها أمروا بذلك أول أمرهم لئلا يظهر عليهم الكفرة فيؤذوهم ويفتنوهم عن دينهم ) وبشر المؤمنين ( بالنصرة في الدنيا والجنة في العقبى وإنما ثنى الضمير أولا لأن التبوأ للقوم واتخاذ المعابد مما يتعاطاه رؤوس القوم بتشاور ثم جمع لأن جعل البيوت مساجد والصلاة فيها مما ينبغي أن يفعله كل أحد ثم وحد لأن البشارة في الأصل وظيفة صاحب الشريعة
يونس : ( 88 ) وقال موسى ربنا . . . . .
) وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة ( ما يتزين به من الملابس والمراكب ونحوهما ) وأموالا في الحياة الدنيا ( وأنواعا من المال ) ربنا ليضلوا عن سبيلك ( دعاء عليهم بلفظ الأمر بما علم من ممارسة أحوالهم أنه لا يكون غيره كقولك لعن الله إبليس وقيل اللام للعاقبة وهي متعلقة ب ) أتيت ( ويحتمل أن تكون للعلة لأن إيتاء النعم على الكفر استدراج وتثبيت على الضلال ولأنهم لما جعلوها سببا للضلال فكأنهم أوتوها ليضلوا فيكون ) ربنا ( تكريرا للأول تأكيدا وتنبيها على أن المقصود عرض ضلالهم وكفرانهم تقدمة لقوله ) ربنا اطمس على أموالهم ( أي أهلكها والطمس المحق وقرئ ) اطمس ( بالضم ) واشدد على قلوبهم ( أي وأقسها عليها حتى لا تنشرح للإيمان ) فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ( جواب للدعاء أو دعاء بلفظ النهي أو عطف على ) ليضلوا ( وما بينهم دعاء معترض(3/212)
" صفحة رقم 213 "
يونس : ( 89 ) قال قد أجيبت . . . . .
) قال قد أجيبت دعوتكما ( يعني موسى وهارون لأنه كان يؤمن ) فاستقيما ( فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة وإلزام الحجة ولا تستعجلا فإن ما طلبتما كائن ولكن في وقته روي أنه مكث فيهم بعد الدعاء أربعين سنة ) ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون ( طريق الجلهة في الاستعجال أو عدم الوثوق والاطمئنان بوعد الله تعالى وعن ابن عامر برواية ابن ذكوان ولا تتبعان بالنون الخفيفة وكسرها لالتقاء الساكنين ) ولا تتبعان ( من تبع ) ولا تتبعان ( أيضا
يونس : ( 90 ) وجاوزنا ببني إسرائيل . . . . .
) وجاوزنا ببني إسرائيل البحر ( أي جوزناهم في البحر حتى بلغوا الشط حافظين لهم وقرئ / جوزنا / وهو من فعل المرادف لفاعل كضعف وضاعف ) فأتبعهم ( فأدركهم يقال تبعته حتى اتبعته ) فرعون وجنوده بغيا وعدوا ( باغين وعادين أو للبغي والعدو وقرئ ) وعدوا ( ) حتى إذا أدركه الغرق ( لحقه ) قال آمنت أنه ( أي بأنه ) لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ( وقرأ حمزة والكسائي إنه بالكسر على إضمار القوم أو الاستئناف بدلا وتفسيرا ل / ءامنت / فنكب عن الإيمان أو أن القبول وبالغ فيه حين لا يقبل
يونس : ( 91 ) آلآن وقد عصيت . . . . .
) الآن ( أتؤمن الآن وقد أيست من نفسك ولم يبق لك اختيار ) وقد عصيت قبل ( قبل ذلك مدة عمرك ) وكنت من المفسدين ( الضالين المضلين عن الإيمان
يونس : ( 92 ) فاليوم ننجيك ببدنك . . . . .
) فاليوم ننجيك ( ننقذك مما وقع فيه قومك من قعر البحر ونجعلك طافيا أو نلقيك على نجوة من الأرض ليراك بنو إسرائيل وقرأ يعقوب ) ننجيك ( من أنجى وقرأ / ننحيك / بالحاء أي نلقيك بناحية من الساحل ) ببدنك ( في موضع الحال أي ببدنك عاريا عن الروح أو كاملا سويا أو عريانا من غير لباس أو بدرعك وكانت له درع من ذهب يعرف بها وقرئ / بأبدانك / أي بأجزاء البدن كلها كقولهم هوى بإجرامه أو بدرعك كأنه كان مظاهرا بينها ) لتكون لمن خلفك آية ( لمن وراءك علامة وهم بنو إسرائيل إذ كان في نفوسهم من عظمته ما خيل إليهم أنه لا يهلك حتى كذبوا موسى ( صلى الله عليه وسلم ) حين أخبرهم بغرقه إلى أن عاينوه مطرحا على ممرهم من الساحل أو لمن يأتي بعدك من القرون إذا(3/213)
" صفحة رقم 214 "
سمعوا مآل أمرك ممن شاهدك عبرة ونكالا عن الطغيان أو حجة تدلهم على أن الإنسان على ما كان عليه من عظم الشأن وكبرياء الملك مملوك مقهور بعيد عن مظان الربوبية وقرئ لمن ) خلقك ( أي لخالقك آية أي كسائر الاياة فإن إفراده إياك بالالقاء إلى الساحل دليل على أنه تعمد منه لكشف تزويرك واماطة الشبهة في أمرك وذلك دليل على كمال قدرته وعلمه وارادته وهذا الوجه أيضا محتمل على المشهور ) وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ( لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها
يونس : ( 93 ) ولقد بوأنا بني . . . . .
) ولقد بوأنا ( أنزلنا ) بني إسرائيل مبوأ صدق ( منزلا صالحا مرضيا وهو الشأم ومصر ) ورزقناهم من الطيبات ( من اللذائذ ) فما اختلفوا حتى جاءهم العلم ( فما اختلفوا في أمر دينهم إلا من بعدما قرأوا التوراة وعلموا أحكامها أو في أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) إلا من بعد ما علموا صدقه بنعوته وتظاهر معجزاتهه ) إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ( فيميز المحق من المبطل بالانجاء والاهلاك
يونس : ( 94 ) فإن كنت في . . . . .
) فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك ( من القصص على سبيل الفرض والتقدير ) فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك ( فإنه محقق عندهم ثابت في كتبهم على نحو ما القينا إليك والمراد تحقيق ذلك والاستشهاد بما في الكتب المتقدمة وأن القرآن مصدق لما فيها أو وصف أهل الكتاب الرسوخ في العلم بصحة ما أنزل إليه أو تهييج الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وزيادة تثبيته لا إمكان وقوع الشك له ولذلك قال ( صلى الله عليه وسلم ) لا اشك ولا اسأل وقيل الخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد امته أو لكل من يسمع أي أن كنت آيها السامع في شك مما نزلنا على لسان نبينا إليك وفيه تنبيه على أن كل من خالجته شبهة في الدين ينبغي أن يسارع إلى حلها بالرجوع إلى أهل العلم ) لقد جاءك الحق من ربك ( واضحا أنه لا مدخل للمرية فيه بالآيات القاطعة ) فلا تكونن من الممترين ( بالتزلزل عما أنت عليه من الحزم واليقين(3/214)
" صفحة رقم 215 "
يونس : ( 95 ) ولا تكونن من . . . . .
) ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين ( أيضا من باب التهييج والتثبيت وقطع الاطماع عنه كقوله ) فلا تكونن ظهيرا للكافرين )
يونس : ( 96 ) إن الذين حقت . . . . .
) إن الذين حقت عليهم ( ثبتت عليهم ) كلمة ربك ( بأنهم يموتون على الكفر ويخلدون في العذاب ) لا يؤمنون ( إذ لا يكذب كلامه ولا ينتقض قضاؤه
يونس : ( 97 ) ولو جاءتهم كل . . . . .
) ولو جاءتهم كل آية ( فإن السبب الاصلي لإيمانهم وهو تعلق إرادة الله تعالى به مفقود ) حتى يروا العذاب الأليم ( وحينئذ لا ينفعهم كما لا ينفع فرعون
يونس : ( 98 ) فلولا كانت قرية . . . . .
) فلولا كانت قرية آمنت ( فهلا كانت قرية من القرى التي اهلكناها آمنت قبل معاينة العذاب ولم تؤخر إليها كما أخر فرعون ) فنفعها إيمانها ( بأن يقبله الله منها ويكشف العذاب عنها ) إلا قوم يونس ( لكن قوم يونس عليه السلام ) لما آمنوا ( أول ما رأوا امارة العذاب ولم يؤخره إلى حلوله ) كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ( ويجوز أن تكون لاجملة في معنى النفي لتضمن حرف التحضيض معناه فيكون الاستثناء متصلا لأن المراد من القرى اهاليها كأنه قال ما آمن أهل قرية من القرى العاصية فنفعهم ايمانهم إلا قوم يونس ويؤيده قراءة الرفع على البدل ) ومتعناهم إلى حين ( إلى آجالهم روي أن يونس عليه السلام بعث إلى أهل نينوى من الموصل فكذبوه وأصروا عليه فوعدهم بالعذاب إلى ثلاث وقيل إلى ثلاثين وقيل إلى أربعين فلما دنا الموعد اغامت السماء غيما أسود ذا دخان شديد فهبط حتى غشي مدينتهم فهابوا فطلبوا يونس فلم يجدوه فأيقنوا صدقه فلبسوا المسوح وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم وفرقوما بين كل والدة وولدها فحن بعضها إلى بعض وعلت الاصوات والعجيج(3/215)
" صفحة رقم 216 "
وأخلصوا التوبة وأظهروا الإيمان وتضرعوا إلى الله تعالى فرحمهم وكشف عنهم وكان يوم عاشوراء يوم الجمعة
يونس : ( 99 ) ولو شاء ربك . . . . .
) ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم ( بحيث لا يشذ منهم أحد ) جميعا ( مجتمعين على الإيمان لا يختلفون فيه وهو دليل على القدرية في أنه تعالى لم يشأ ايمانهم أجمعين وأن من شاء ايمانه يؤمن لا محالة والتقييد بمشيئة الالجاء خلاف الظاهر ) أفأنت تكره الناس ( بما لم يشأ منهم ) حتى يكونوا مؤمنين ( وترتيب الاكراه على المشيئة بالفاء وإيلاؤها حرف الاستفهام للانكار وتقديم الضمير على الفعل للدلالة على أن خلاف المشيئة مستحيل فلا يمكن تحصيله بالإكراه عليه فضلا عن الحث والتحريض علهي إذ روي انه كان حريصا على إيمان قومه شديد الاهتمام به فنزلت ولذلك قرره بقوله
يونس : ( 100 - 101 ) وما كان لنفس . . . . .
) وما كان لنفس أن تؤمن ( بالله ) إلا بإذن الله ( إلا بإرادته وألطافه وتوفيقه فلا تجهد نفسك في هداها فإنه إلى الله ) ويجعل الرجس ( العذاب أو الخذلان فإن سببه وقرئ بالزاي وقرأ أبو بكر ) ونجعل ( بالنون ) على الذين لا يعقلون ( لا يستعملون عقولهم بالنظر في الحجج والايات أو لا يعقلون دلائله واحكامه لما على قلوبهم من الطبع ويؤيد الأول قوله ) قل انظروا ( أي تفكروا ) ماذا في السماوات والأرض ( من عجائب صنعه لتدلكم على وحدته وكمال قدرته و ) ماذا ( إن جعلت استفهامية علقت ) انظروا ( عن العمل ) وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ( في علم الله وحكمته ) وما ( نافية أو استفهامية في موضع النصب
يونس : ( 102 ) فهل ينتظرون إلا . . . . .
) فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم ( مثل وقائعهم ونزول بأس الله بهم(3/216)
" صفحة رقم 217 "
إذ لا يستحقون غيره من قولهم أيام العرب لوقائعها ) قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين ( لذلك أو فانتظروا هلاكي إني معكم من المنتظرين هلاككم
يونس : ( 103 ) ثم ننجي رسلنا . . . . .
) ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا ( عطف على محذوف دل عليه ) إلا مثل أيام الذين خلوا ( كأنه قيل نهلك الأمم ثم ننجي رسلنا ومن آمن بهم على حكاية الحال الماضية ) كذلك حقا علينا ننج المؤمنين ( كذلك الانجاء أو انجاء كذلك ننجي محمدا وصحبه حين نهلك المشركين و ) حقا علينا ( اعتراض ونصبه بفعله المقدر وقيل بدل من كذلك وقرأ حفص والكسائي ) ننجي ( مخففا
يونس : ( 104 ) قل يا أيها . . . . .
) قل يا أيها الناس ( خطاب لأهل مكة ) إن كنتم في شك من ديني ( وصحته ) فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم ( فهذا خلاصة ديني اعتقادا وعملا فاعرضوها على العقل الصرف وانظروا فيها بعين الأنصاف لتعلموا صحتها وهو أني لا اعبد ما تخلقونه وتعبدونه ولكن اعبد خالقكم الذي هو يوجدكم ويتوفاكم وإنما خص التوفي بالذكر للتهديد ) وأمرت أن أكون من المؤمنين ( بما دل عليه العقل ونطق به الوحي وحذف الجار من أن يجوز أن يكون من المطرد مع أن وأن يكون من غيره كقوله " أمرتك الخير فافعل ما أمرت به فقد تركتك ذا مال وذا نسب "
يونس : ( 105 ) وأن أقم وجهك . . . . .
) وأن أقم وجهك للدين ( عطف على ) أن أكون ( غير ) إن ( صلة ) إن ( محكية بصيغة الأمر ولا فرق بينهما في الغرض لأن المقصود وصلها بما يتضمن معنى المصدر لتدل معه عليه وصيغ الأفعال كلها كذلك سواء الخبر منها والطلب ومعنى وأمرت بالاستقامة في الدين والاستبداد فيه بأداء الفرائض والانتهاء عن القبائح أو في الصلاة باستقبال القبلة ) حنيفا ( حال من الدين أو الوجه ) ولا تكونن من المشركين )
يونس : ( 106 ) ولا تدع من . . . . .
) ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ( بنفسه أن دعوته أو خذلته ) فإن فعلت ( فإن دعوته ) فإنك إذا من الظالمين ( جزاء للشرك وجواب لسؤال مقدر عن تبعة الدعاء(3/217)
" صفحة رقم 218 "
يونس : ( 107 ) وإن يمسسك الله . . . . .
) وإن يمسسك الله بضر ( وإن يصبك به ) فلا كاشف له ( يرفعه ) إلا هو ( إلا الله ) وإن يردك بخير فلا راد ( فلا دافع ) لفضله ( الذي أرادك به ولعله ذكر الارادة مع الخير والمس مع الضر مع تلازم الأمرين للتنبيه على أن الخير مراد بالذات وان الضر إنما مسهم لا بالقصد الأول ووضع الفضل موضع الضمير للدلالة على انه متفضل بما يرد بهم من الخير لا استحقاق لهم عليه ولم يستثن لأن مراد الله لا يمكن رده ) يصيب به ( بالخير ) من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم ( فتعرضوا لرحمعه بالطاعة ولا تيأسوا من غفرانه بالمعصية
يونس : ( 108 ) قل يا أيها . . . . .
) قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم ( رسوله أو القرآن ولم يبق لكم عذر ) فمن اهتدى ( بالأيمان والمتابعة ) فإنما يهتدي لنفسه ( لأن نفعه لها ) ومن ضل ( بالكفر بهما ) فإنما يضل عليها ( لأن وبال الضلال عليها ) وما أنا عليكم بوكيل ( بحفيظ موكول إلى امركم وانما أنا بشير ونذير
يونس : ( 109 ) واتبع ما يوحى . . . . .
) واتبع ما يوحى إليك ( بالامتثال والتبليغ ) واصبر ( على دعوتهم وتحمل اذيتهم ) حتى يحكم الله ( بالنصرة أو بالأمر بالقتال ) وهو خير الحاكمين ( إذ لا يمكن الخطأ في حكمه لاطلاعه على السرائر اطلاعه على الظواهر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة يونس أعطي من الاجر عشر حسنات بعدد من صدق بيونس وكذب به وبعدد من غرق مع فرعون(3/218)
" صفحة رقم 219 "
سورة هود عليه السلام
مكية وهي مائة وثلاث وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
هود : ( 1 ) الر كتاب أحكمت . . . . .
) الر كتاب ( مبتدأ وخبر أو ) كتاب ( خبر مبتدأ محذوف ) أحكمت آياته ( نظمت نظما محكما لا يعتريه إخلال من جهة اللفظ ولامعنى أو منعت من الفساد والنسخ فإن المراد آيات السورة وليس فيها منسوخ أو احكمت بالحجج والدلائل أو جعلت حكمية منقول من حكم بالضم إذا صار حكيما لأنها مشتملة على امهات الحكم النظرية والعملية ) ثم فصلت ( بالفوائد من العقائد والاحكام والمواعظ والاخبار أو بجعلها سورا أو بالانزال نجما نجما أو فصل فيها ولخص ما يحتاج إليه وقرئ ) ثم فصلت ( أي فرقت بين الحق والباطل واحكمت آياته ) ثم فصلت ( على البناء للمتكلم و ) ثم ( للتفاوت في الحكم أو للتراخي في الأخبار ) من لدن حكيم خبير ( صفة أخرى ل ) كتاب ( أو خبر بعد خبر أو صلة ل ) أحكمت ( أو ) فصلت ( وهو تقرير لاحكامها وتفصيلها على اكمل ما ينبغي باعتبار ما ظهر آمره وما خفي
هود : ( 2 ) ألا تعبدوا إلا . . . . .
) ألا تعبدوا إلا الله ( لأن لا تعبدوا وقيل أن مفسرة لان في تفصيل الآيات معنى القول ويجوز أن يكون كلاما مبتدأ للاغراء على التوحيد أو الأمر بالتبري من عبادة الغير كأنه قيل ترك عبادة غير الله بمعنى الزموه أو اتركوها تركا ) إنني لكم منه ( من الله(3/219)
" صفحة رقم 220 "
) نذير وبشير ( بالعقاب على الشرك والثواب على التوحيد
هود : ( 3 ) وأن استغفروا ربكم . . . . .
) وأن استغفروا ربكم ( عطف على ألا تعبدوا ) ثم توبوا إليه ( ثم توسلوا إلى مطلوبكم بالتوبة فإن المعرض عن طريق الحق لا بد له من الرجوع وقيل استغفروا من الشرك ثم توبوا إلى الله بالطاعة ويجوز أن يكون ثم لتفاوت ما بين الأمرين ) يمتعكم متاعا حسنا ( يعيشكم في أمن ودعة ) إلى أجل مسمى ( هو آخر أعماركم المقدرة أو لا يهلككم بعذاب الاستئصال والارزاق والاجال وان كانت متعلقة بالاعمار لكنها مسماة بالاضافة إلى كل أحد فلا تتغير ) ويؤت كل ذي فضل فضله ( ويعط كل ذي فضل في دينه جزاء فضله في الدنيا والاخرة وهو وعد للمومحد التائب بخير الدارين ) وإن تولوا ( وإن تتولا ) فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير ( يوم القيامة وقيل يوم الشدائد وقد ابتلوا بالقحط حتى اكلوا الجيف وقرئ ) وإن تولوا ( من ولي
هود : ( 4 ) إلى الله مرجعكم . . . . .
) إلى الله مرجعكم ( رجوعكم في ذلك اليوم وهو شاذ عن القياس ) وهو على كل شيء قدير ( فيقدر على تعذيبكم اشد عذاب وكأنه تقدير لكبر اليوم
هود : ( 5 ) ألا إنهم يثنون . . . . .
) ألا إنهم يثنون صدورهم ( يثنونها عن الحق وينحرفون أو يعطفونها على الكفر وعداوة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو يولون ظهورهم وقرئ / يثنوني / بالياء والتاء من اثنوني وهو بناء مبالغة و تثنون وأصله تثنونن من الثن وهو الكلأ الضعيف أراد به ضعف قلوبهم أو مطاوعة صدورهم للثني وتثنئن من انثأن كابياض بالهمزة وتثنوي(3/220)
" صفحة رقم 221 "
) ليستخفوا منه ( من الله بسرهم فلا يطلع رسوله والمؤمنين عليه قيل إنها نزلت في طائفة من المشركين قالوا إذا ارخينا ستورنا واستغشينا ثيابنا وطوينا صدورنا على عداوة محمد كيف يعلم وقيل نزلت في المنافقين وفيه ظر إذ الآية
مكية والنفاق حدث بالمدينة ) ألا حين يستغشون ثيابهم ( ألا حين يأوون إلى فراشهم ويتغطون بثيابهم ) يعلم ما يسرون ( في قلوبهم ) وما يعلنون ( بأفواههم يستوي في علمه سرهم وعلنهم فكيف يخفى عليه ما عسى يظهرونه ) إنه عليم بذات الصدور ( بالأسرار ذات لاصدور أو بالقلوب وأحوالها
هود : ( 6 ) وما من دابة . . . . .
) وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ( غذاؤها ومعاشها لتكلفه إياه تفضلا ورحمة وانما أتى بلفظ الوجوب تحقيقا لوصوله وحملا على التوكل فيه ) ويعلم مستقرها ومستودعها ( اماكنها في الحياة والممات أو الاصلاب والارحام أو مساكنها من الأرض حين وجدت بالفعل ومودعها من المواد والمقار حين كانت بعد بالقوة ) كل ( كل واحد من الدواب واحوالها ) في كتاب مبين ( مذكور في اللوح المحفوظ وكأنه أريد بالآية بيان كونه عالما بالمعلومات كلها وبما بعدها بيان كونه قادرا على الممكنات بأسرها تقريرا للتوحيد ولما سبق من الوعد والوعيد
هود : ( 7 ) وهو الذي خلق . . . . .
) وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ( أي خلقهما وما فيهما كما مر بيانه في الاعراف اوما في جهتي العلو والسفل وجمع السموات دون الأرض لاختلاف العلويات بالاصل والذات دون لاسفليات ) وكان عرشه على الماء ( قبل خلقهما لم يكن حائل بينهما لأنه كان موضوعا على متن الماء واستدل به على إمكان الخلاء وأن الماء أول حادث بعد العرش من أجرام هذا العالم وقيل كان الماء على متن الريح والله اعلم بذلك ) ليبلوكم أيكم أحسن عملا ( متعلق ب ) خلق ( أي خلق ذلك كخلق من خلق ليعاملكم(3/221)
" صفحة رقم 222 "
معاملة المبتلي لأحوالكم كيف تعملون فإن جملة ذلك اسباب ومواد لوجودكم ومعاشكم وما تحتاج إليه أعمالكم ودلائل وامارات تستدلون بها وتستنبطون منها وانما جاز تعليق فعل البلوى لما فيه من معنى العلم من حيث انه طريق إليه كالنظر والاستماع وانما ذكر صيغة التفضيل والاختبار شامل لفرق المكلفين باعتبار الحسن والقبح للتحريض على احاسن المحاسن والتحضيض على الترقي دائما في مراتب العلم والعمل فإن المراد باعلم ما يعم عمل القلب والجوارح ولذلك قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ايكم احسن عقلا واورع عن محارم الله واسرع في طاعة الله والمعنى ايكم اكمل علما وعملا ) ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ( أي ما البعث أو القول به أو القرآن المتضمن لذكره إلا كالسحر في الخديعة أو البطلان وقرأ حمزة والكسائي إلا ساحر على أن الاشارة إلى القائل وقرئ ) إنكم ( بالفتح على تضمن قلت معنى ذكرت أو أن يكون أن بمعنى على أي ولئن قلت علكم مبعوثون بمعنى توقعوا بعثكم ولا تبتوا بانكاره لعدوه من قبيل مالا حقيقة له مبالغة في انكاره
هود : ( 8 ) ولئن أخرنا عنهم . . . . .
) ولئن أخرنا عنهم العذاب ( الموعود ) إلى أمة معدودة ( إلى جماعة من الاوقات قليلة ) ليقولن ( استهزاء ) ما يحبسه ( ما يمنعه من الوقوع ) ألا يوم يأتيهم ( كيوم(3/222)
" صفحة رقم 223 "
بدر ) ليس مصروفا عنهم ( ليس العذاب مدفوعا عنهم و ) يوم ( منصوب بخير ) ليس ( مقدم عليه وهو دليل على جواز تقديم خبرها عليها ) وحاق بهم ( واحاط بهم وضع الماضي موضع المستقبل تحقيقا ومبالغة في التهديد ) ما كانوا به يستهزؤون ( أي العذاب الذي كانوا به يستعجلون فوضع ) يستهزؤون ( موضع يستعجلون لأن استعجالهم كان استهزاء
هود : ( 9 ) ولئن أذقنا الإنسان . . . . .
) ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ( ولئن اعطيناه نعمة بحيث يجد لذتها ) ثم نزعناها منه ( ثم سلبنا تلك النعمة منه ) إنه ليؤوس ( قطوع رجاءه من فضل الله تعالى لقلة صبره وعدم ثقته به ) كفور ( مبالغ في كفران ما سلف له من النعمة
هود : ( 10 ) ولئن أذقناه نعماء . . . . .
) ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ( كصحة بعد سقم وغنى بعد عدم وفي اختلاف الفعلين نكتة لا تخفى ) ليقولن ذهب السيئات عني ( أي المصائب التي ساءتني ) إنه لفرح ( بطر بالنعم مغتر بها ) فخور ( على الناس مشغول عن الشكر والقيام بحقها وفي لفظ الاذاقة والمس تنبيه على أن ما يجده الإنسان في الدنيا من النعم والمحن كالانموذج لما يجده في الآخرة وانه يقع في الكفران والبطر بأدنى شيء لأن الذوق إدراك الطعم والمس مبتدأ الوصول
هود : ( 11 ) إلا الذين صبروا . . . . .
) إلا الذين صبروا ( على الضراء إيمانا بالله تعالى واستسلاما لقضائه ) وعملوا الصالحات ((3/223)
" صفحة رقم 224 "
شكرا لآلائه سابقها ولاحقها ) أولئك لهم مغفرة ( لذنوبهم ) وأجر كبير ( اقله الجنة والاستثناء من الإنسان لأن المراد به الجنس فإذا كان محلى باللام افاد الاستغراق ومن حمله على الكافر لسبق ذكرهم جعل الاستثناء منقطعا
هود : ( 12 ) فلعلك تارك بعض . . . . .
) فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك ( تترك تبليغ بعض ما يوحى إليك وهو ما يخالف رأي المشركين مخافة ردهم واستهزائهم به ولا يلزم من توقع الشيء لوجود ما يدعو إليه وقوعه لجواز أن يكون ما يصرف عنه وهو عصمة الرسل عن الخيانة في الوحي والثقة في التبليغ ها هنا ) وضائق به صدرك ( وعارض لك احيانا ضيق صدرك بأن تتلوه عليهم مخافة ) أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز ( ينفقه في الاستتباع كالملوك ) أو جاء معه ملك ( يصدقه وقيل الضمير في ) به ( مبهم يفسره ) أن يقولوا ( ) إنما أنت نذير ( ليس عليك إلا الانذار بما اوحي إليك ولا عليك ردوا أو اقترحوا فما بالك يضيق به صدرك ) والله على كل شيء وكيل ( فتوكل عليه فإنه عالم بحالهم وفاعل بهم حزاء اقوالهم وافعالهم
هود : ( 13 ) أم يقولون افتراه . . . . .
) أم يقولون افتراه ( ) أم ( منقطعة والهاء ) لما يوحى ( ) قل فأتوا بعشر سور مثله ( في البيان وحسن النظم تحداهم اولا بعشر سور ثم لما عجزوا عنها سهل الأمر عليهم وتحداهم بسورة وتوحيد المثل باعتبار كل واحدة ) مفتريات ( مختلقات من عند انفسكم إن صح أني اختلقته نم عند نفسي فإنكم عرب فصحاء مثلي تقدرون على مثل ما اقدر عليه بل أنتم لتعلمكم القصص والاشعار وعودكم القريض والنظم ) وادعوا من استطعتم من دون الله ( إلى المعاونة على المعارضة ) إن كنتم صادقين ( انه مفترى(3/224)
" صفحة رقم 225 "
هود : ( 14 ) فإن لم يستجيبوا . . . . .
) فإن لم يستجيبوا لكم ( بإتيان ما دعوتم إليه وجمع الضمير أما لتعظيم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أو لأن المؤمنين كانوا أيضا يتحدونهم وكان أمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) متناولا لهم من حيث انه يجب اتباعه عليهم في كل أمر إلا ما خصه الدليل وللتنبيه على أن التحديث مما يوجب رسوخ ايمانهم وقوة يقينهم فلا يغفلون عنه ولذلك رتب عليه قوله ) فاعلموا أنما أنزل بعلم الله ( ملتبسا بما لا يعلمه إلا الله ولا يقدر علهي سواه ) وأن لا إله إلا هو ( واعلموا أن لا اله إلا الله لانه العالم القادر بما لا يعلم ولا يقدر عليه غيره ولظهور عجز آهتهم ولتنصيص هذا الكلام الثابت صدقة باعجازه عليه وفيه تهديد واقناط من أن يجيرهم من بأس الله آلهتهم ) فهل أنتم مسلمون ( ثابتون على الإسلام راسخون فيه مخلصون إذا تحقق عندكم اعجازه مطلقا ويجوز أن يكون الكل خجطابا للمشركين والضمير في ) لم يستجيبوا ( لمن استطعتم أي فإن لم يستجيبوا لكم إلى المظاهرة لعجزهم وقد عرفتم من أنفسكم القصور عن المعاوضة فاعلموا انه نظم لا يعلمه إلا الله وانه منزل من عنده وان ما دعاكم إليه من التوحيد حق فهل أنتم داخلون في الإسلام بعد قيام الحجة القاطعة وفي مثل هذا الاستفهام ايجاب بليغ لما فيه من معنى الطلب والتنبيه على قيام الموجب وزوال العذر
هود : ( 15 ) من كان يريد . . . . .
) من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ( بإحسانه وبره ) نوف إليهم أعمالهم فيها ( نوصل إليهم جزاء أعمالهم في الدنيا من الصحة والرئاسة وسعة الزرق وكثرة الأولاد وقرئ ) يوف ( بالياء أي يوف الله ونوف على البناء للمعفول ونوف بالتخفيف والرفع لأن الشرط ماض كقوله " وإن أتاه كريم يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم " (3/225)
" صفحة رقم 226 "
) وهم فيها لا يبخسون ( لا ينقصون شيئا من أجورهم والآية في أهل الرياء وقيل في المنافقين وقيل في الكفرة وغرضهم وبرهم
هود : ( 16 ) أولئك الذين ليس . . . . .
) أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار ( مطلقا في مقابلة ما عملوا لأنهم استوفوا ما تقتضيه صور أعمالهم الحسنة وبقيت لهم أوزار العزائم السيئة ) وحبط ما صنعوا فيها ( لأنه لم يبق لهم ثواب في الآخرة أو أم يكن لأنهم لم يريدوا به وجه الله والعمدة في اقتضاء ثوابها هو الإخلاص ويجوز تعليق الظرف ب ) صنعوا ( على أن الضمير ل ) الدنيا ( ) وباطل ( في نفسه ) ما كانوا يعملون ( لأنه لم يعمل على ما ينبغي وكأن كل واحدة من الجملتين علة لما قبلها وقرئ باطلا على انه مفعول يعملون و ) ما ( ابهامية أو في معنى المصدر كقوله " ولا خارجا من في زور كلام " (3/226)
" صفحة رقم 227 "
بطل على الفعل
هود : ( 17 ) أفمن كان على . . . . .
) أفمن كان على بينة من ربه ( برهان من الله يدله على الحق والصواب فيما يأتيه ويذره والهمزة لانكار أن يعقب من هذا شأنه هؤلاء المقصرين هممهم وافكارهم على الدنيا وان يقارب بينهم في المنزلة وهو الذي أغنى عن ذكر الخبر وتقديره أفمن كان على بينة كمن كان يريد الحياة الدنيا وهو حكم يعم كل مؤمن مخلص وقيل المراد به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل مؤمنوا أهل الكتاب ) ويتلوه ( ويتبع ذلك البرهان الذي هو دليل العقل ) شاهد منه ( شاهد من الله يشهد بصحته وهو القرآن ) ومن قبله ( ومن قبل القرآن ) كتاب موسى ( يعني التوراة فإنها أيضا تتلوه في التصديق أو البينة هو القرآن ) ويتلوه ( من التلاوة والشاهد جبريل أو لسان الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) على أن الضمير له أو من التلو والشاهد ملك يحفظه والضمير في ) ويتلوه ( إما لمن أو للبينة باعتبار المعنى ) ومن قبله كتاب موسى ( جملة مبتدأة وقرئ ) كتاب ( بالنصب عطفا على الضمير في ) ويتلوه ( أي يتلو القرآن شاهد ممن أن على بينة دالة على أنه حق كقوله ) وشهد شاهد من بني إسرائيل ( ويقرأ من قبل القرآن التوراة ) إماما ( كتابا مؤتما به في الدين ) ورحمة ( على المنزل عليهم لأنه الوصلة إلى الفوز بخير الدارين ) أولئك ( إشارة إلى من كان على بينة ) يؤمنون به ( بالقرآن ) ومن يكفر به من الأحزاب ( من أهل مكة ومن تحزب معهم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) فالنار موعده ( يردها لا محالة ) فلا تك في مرية منه ( من الموعد أو القرآن وقرئ ) مرية ( بالضم وهما الشك ) إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ( لقلة نظرهم واختلال فكرهم(3/227)
" صفحة رقم 228 "
هود : ( 18 ) ومن أظلم ممن . . . . .
) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( كأن أسند إليه ما لم ينزله أو نفى عنه ما أنزله ) أولئك ( أي الكاذبون ) يعرضون على ربهم ( في الموقف بأن يحبسوا وتعرض أعمالهم ) ويقول الأشهاد ( من الملائكة والنبيين أو من جوارحهم وهو جمع شاهد كأصحاب أو شهيد كأشراف جمع شريف ) هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ( تهويل عظيم مما يحيق بهم حينئذ لظلمهم بالكذب على الله
هود : ( 19 ) الذين يصدون عن . . . . .
) الذين يصدون عن سبيل الله ( عن دينه ) ويبغونها عوجا ( يصفونها بالانحراف عن الحق والصواب أو يبغون أهلها أن يعوجوا بالردة ) وهم بالآخرة هم كافرون ( والحال انهم كافرون بالاخرة وتكريرهم لتأكيد كفرهم واختصاصهم به
هود : ( 20 ) أولئك لم يكونوا . . . . .
) أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض ( أي ما كانوا معجزين الله في الدنيا أن يعاقبهم ) وما كان لهم من دون الله من أولياء ( يمنعونهم من العقاب ولكنه أخر عقابهم إلى هذا اليوم ليكون اشد وأدوم ) يضاعف لهم العذاب ( استئناف وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب يضعف بالتشديد ) ما كانوا يستطيعون السمع ( لتصامهم عن الحق ويغضهم له ) وما كانوا يبصرون ( لتعاميهم عن آيات الله وكأنه العلة لمضاعفة العذاب وقيل هو بيان ما نفاه من ولاية الالهة بقوله ) وما كان لهم من دون الله من أولياء ( فإن ما لا يسمع ولا يبصر لا يصلح للولاية وقوله ) يضاعف لهم العذاب ( اعتراض
هود : ( 21 ) أولئك الذين خسروا . . . . .
) أولئك الذين خسروا أنفسهم ( باشتراء عبادة الالهة بعبادة الله تعالى ) وضل عنهم ما كانوا يفترون ( من الالهة وشفاعتها أو خسروا بما بدلوا وضاع عنهم ما حصلوا(3/228)
" صفحة رقم 229 "
فلم يبق معهم سوى الحسرة والندامة
هود : ( 22 ) لا جرم أنهم . . . . .
) لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون ( لا أحد ابين واكثر خسرانا منهم
هود : ( 23 ) إن الذين آمنوا . . . . .
) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم ( اطمأنوا إليه وخشعوا له من الخبت وهو الأرض المطمئنة ) أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ( دئمون
هود : ( 24 ) مثل الفريقين كالأعمى . . . . .
) مثل الفريقين ( الكافر والمؤمن ) كالأعمى والأصم والبصير والسميع ( يجوز أن يراد به تشبيه الكافر بالاعمى لتعاميه عن آيات الله وبالاصم لتصامه عن اسماع كلام الله تعالى وتأبيه عن تدبر معانيه وتشبيه المؤمن بالسميع والبصر لأن أمره بالضد فيكون كل واحد منهما مشبها باثنين باعتبار وصفين أو تشبيه الكافر بالجامع بين العمى والصمم والمؤمن بالجامع بين ضديهما والعاطف لعطف الصفة على الصفة كقوله " الصابح فالغانم فالايب " وهذا من باب اللف والطباق ) هل يستويان ( هل يستوي الفريقان ) مثلا ( أي تمثيلا أو صفة أو حالا ) أفلا تذكرون ( بضرب الأمثال والتأمل فيها
هود : ( 25 ) ولقد أرسلنا نوحا . . . . .
) ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم ( بأني لكم قرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة بالكسر على إرادة أقول ) نذير مبين ( أبين لكم مومجبات العذاب ووجه الخلاص
هود : ( 26 ) أن لا تعبدوا . . . . .
) ألا تعبدوا إلا الله ( بدل من ) إني لكم ( أو مفعول مبين ويجوز أن تكون أن مفسرة متعلقة ب ) أرسلنا ( أو ب ) نذير ( ) إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ( مؤلم وهو في الحقيقة صفة المعذب لكن يوصف به العذاب وزمانه على طريقة جد جده وهاره صائم للمبالغة(3/229)
" صفحة رقم 230 "
هود : ( 27 ) فقال الملأ الذين . . . . .
) فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا ( لا مزية لك علينا تخصك بالنبوة ووجوب الطاعة ) وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ( اخساؤنا جمع ارذل فإنه بالغلبة صار مثل الاسم كالااكبر أو ارذل جمع رذل ) بادي الرأي ( ظاهر الرأي من غير تعمق من البدو أو أول الرأي من البدء والباء مبدلة من الهمزة لانكسار ما قبلها وقرأ أبو عمرو بالهمزة وانتصابه بالظرف على حذف المضاف أي وقت حدوث بادي الرأي والعامل فيه ) اتبعك ( وانما استرذلوهم لذلك أو لفقرهم فإنهم لما لم يعلموا إلا ظاهرا من الحياة الدنيا كان الاحظ بها اشرف عندهم والمحروم منها ارذل ) وما نرى لكم ( لك ولمتبعيك ) علينا من فضل ( يؤهلكم للنبوة واستحقاق المتابعة ) بل نظنكم كاذبين ( اياي في دعوى النبوة واياهم في دعوى العلم بصدقك فغلب المخاطب على الغائبين
هود : ( 28 ) قال يا قوم . . . . .
) قال يا قوم أرأيتم ( أخبروني ) إن كنت على بينة من ربي ( حجة شاهدة بصحة دعواي ) وآتاني رحمة من عنده ( بإيتاء البينة أو النبوة ) فعميت عليكم ( فخفيت عليكم فلم تهدكم وتوحيد الضمير لأن البينة في نفسها هي الرحمة أو لأن خفاءها يوجب خفاء النبوة أو على تقدير فعميت بعد البينة وحذفها للاختصار أو لأنه لكل واحدة منهما وقرأ حمزة والكسائي وحفص ) فعميت ( أي أخفيت وقرئ / عماها / على أن الفعل لله(3/230)
" صفحة رقم 231 "
) أنلزمكموها ( انكرهكم على الاهتداء بها ) وأنتم لها كارهون ( لا تختارونها ولا تتأملون فيها وحيث اجتمع ضميران وليس أحدهما مرفوعا وقدم الاعرف منهما جاز في الثاني الفصل والوصل
هود : ( 29 ) ويا قوم لا . . . . .
) ويا قوم لا أسألكم عليه ( على التبليغ وهو إن لم يذكر فمعلوم مما ذكر ) مالا ( جعلا ) إن أجري إلا على الله ( فإنه المأمول منه ) وما أنا بطارد الذين آمنوا ( جواب لهم حين سألوا طردهم ) أنهم ملاقو ربهم ( فيخاصمون طاردهم عنده أو أنهم يلاقونه ويفوزون بقربه فكيف أطردهم ) ولكني أراكم قوما تجهلون ( بلقاء ربكم أو بأقدارهم أو في التماس طردهم أو تتسفهون عليهم بأن تدعوهم اراذل
هود : ( 30 ) ويا قوم من . . . . .
) ويا قوم من ينصرني من الله ( بدفع انتقامه ) إن طردتهم ( وهم بتلك الصفة والمثابة ) أفلا تذكرون ( لتعرفوا أن التماس طردهم وتوقيف الإيمان عليه لس بصواب
هود : ( 31 ) ولا أقول لكم . . . . .
) ولا أقول لكم عندي خزائن الله ( رزقه وأمواله حتى جحدتم فضلي ) ولا أعلم الغيب ( عطف على ) عندي خزائن الله ( أي ولا أقول لكم أنا أعلم الغيب حتى تكذبوني استبعادا أو حتى اعلم أن هؤلاء ابتعوني بادي الرأي من غير بصيرة وعقد قلب وعلى الثاني يجوز عطفه على أقول ) ولا أقول إني ملك ( حتى تقولوا ما أنت إلا بشر مثلنا ) ولا أقول للذين تزدري أعينكم ( ولا أقول في شأن من استرذلتموهم لفقرهم ) لن يؤتيهم الله خيرا ( فإن ما أعده الله لهم في الآخرة خير مما آتاكم في الدنيا ) الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين ( أن قلت شيئا من ذلك والازدراء به افتعال من زرى عليه إذا عابه قلبت تاؤه دالا لتجانس الراء في الجهر واسناده إلى الاعين للمبالغة والتنبيه على(3/231)
" صفحة رقم 232 "
انهم استرذلوهم بادي الرؤية من غير روية بما عاينوا من رثاثة حالهم وقلة منالهم دون تامل في معانيهم وكمالاتهم
هود : ( 32 ) قالوا يا نوح . . . . .
) قالوا يا نوح قد جادلتنا ( خاصمتنا ) فأكثرت جدالنا ( فأطلته أو أتي بأنواعه ) فأتنا بما تعدنا ( من العذاب ) إن كنت من الصادقين ( في الدعوى والوعيد فإن مناظرتك لا تؤثر فينا
هود : ( 33 ) قال إنما يأتيكم . . . . .
) قال إنما يأتيكم به الله إن شاء ( عاجلا أو آجلاص ) وما أنتم بمعجزين ( بدفع العذاب أو الهرب منه
هود : ( 34 ) ولا ينفعكم نصحي . . . . .
) ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم ( شرط ودليل وجواب والجملة دليل جواب قوله ) إن كان الله يريد أن يغويكم ( وتقدير الكلام أن كان الله يريد أن يغويكم فإن اردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي ولذلك تقول لو قال الرجل أنت طالق أن دخلت الدار أن كلمت زيداص فدخلت ثم كلمت لنم تطلق وهو جواب لما اوهموا من أن جداله كلام بلا طائل وهو دليل على أن إرادة الله تعالى يصح تعلقها بالاغواء وان خلاف مراده محال وقيل ) أن يغويكم ( أن يهلككم من غوى الفصيل غوى إذا بشم فهلك ) هو ربكم ( هو خالقكم والمتصرف فيكم وفق ارادته ) وإليه ترجعون ( فيجازيكم على أعمالكم
هود : ( 35 ) أم يقولون افتراه . . . . .
) أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي ( وباله وقرئ اجرامي على الجمع ) وأنا بريء مما تجرمون ( من اجرامكم في اسناد الافتراء الي
هود : ( 36 ) وأوحي إلى نوح . . . . .
) وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس ( فلا تحزن ولا تتأسف ) بما كانوا يفعلون ( أقنطه الله تعالى من إيمانهم ونهاه أن يغتم بما فعلوه من التكذيب والايذاء(3/232)
" صفحة رقم 233 "
هود : ( 37 ) واصنع الفلك بأعيننا . . . . .
) واصنع الفلك بأعيننا ( ملتبسا بأعيننا عبر بكثرة آلة الحس الذي يحفظ به الشيء ويراعى عن الاختلال والزيغ عن المبالغة في الحفظ والرعاية على طريق التمثيل ) ووحينا ( إليك كيف تصنعها ) ولا تخاطبني في الذين ظلموا ( ولا تراجعني فيهم ولا تدعني باستدفاع العذاب عنهم ) إنهم مغرقون ( محكوم عليهم بالاغراق فلا سبيل إلى كفه
هود : ( 38 ) ويصنع الفلك وكلما . . . . .
) ويصنع الفلك ( حكاية حال ماضية ) وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه ( استهزؤوا به لعمله السفينة فإأنه كان يعملها في برية بعيدة من الماء اوان عزته وكانوا يضحكون منه ويقولون له صرت نجارا بعدما كنت نبيا ) قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ( إذا أخذكم الغرق في ادلنيا والحرق في الآخرة وقيل المراد بالخسرة ي الاستجهال
هود : ( 39 ) فسوف تعلمون من . . . . .
) فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ( يعني به اياهم وبالعذاب الغرق ) ويحل عليه ( وينزل عليه أو يحل حلول الدين الذي لا انفكاك عنه ) عذاب مقيم ( دائم وهو عذاب النار
هود : ( 40 ) حتى إذا جاء . . . . .
) حتى إذا جاء أمرنا ( غاية لقوله ) ويصنع الفلك ( وما بينهما حال من الضمير فيه أو حتى هي التي يبتدأ بعدها الكلام ) وفار التنور ( نبع الماء منه وارتفع كالقدر تفور(3/233)
" صفحة رقم 234 "
) التنور ( تنور الخبز ابتدأ منه النبوع على خرق العادة وكان في الكوفة في موضع مسجدها أو ي الهند أو بعين وردة من ارض الجزيرة وقيل التنور وجه الأرض أو اشرف موضع فيها ) قلنا احمل فيها ( في السينة ) من كل ( من كل نوع من لاحيوانات المنتفع بها ) زوجين اثنين ( ذكراص وأنثى هذا على قراءة حفص والباقون اضافوا على معنى احمل اثنين من كل صنف ذكر وصنف أنثى ) وأهلك ( عطف على ) زوجين ( أو ) اثنين ( والمرا امرأته وبنوه ونساؤهم ) إلا من سبق عليه القول ( بأنه من المغرقين يريد ابنه كنعان وأمه واعلة فإنهما كانا كافرين ) ومن آمن ( والمؤمنين من غيرهم ) وما آمن معه إلا قليل ( قيل كانوا تسعة وسبعين زوجته المسلمة وبنوه الثلاثة سام وحام ويافث ونساؤهم واثنان وسبعون رجلا وامرأة من غيرهم روي انه عليه الصلاة والسلام اتخذ السفينة في سنتين من الساج وكان طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسين وسمكها ثلاثين وجعل لها ثلاثة بطون فحمل في اسفلها الدواب والوحش وفي اوسطها الأنس وفي اعلاها الطير
هود : ( 41 ) وقال اركبوا فيها . . . . .
) وقال اركبوا فيها ( أي صيروا فيها وجعل ذلك ركوبا لأنها في الماء كالمركوب في الأرض ) بسم الله مجراها ومرساها ( متصل ب ) اركبوا ( حال من الواو أي اركبوا فيها مسمين الله أو قائلين باسم الله وقت اجرائها وارسائها أو مكانهما على أن المجرى والمرسى للوقت أو المكان أو المصدر والمضاف محذوف كقولهم آتيك خفوق النجم وانتصابهما بما قدرناه حالا ويجوز رعفهما ب ) بسم الله ( على أن المراد بهما المصدر أو جملة من مبتدأ وخبر أي إجراؤها ) بسم الله ( على أن ) بسم الله ( خير أو صلة والخبر محذوف وهي أما جملة مقتضية لا تعلق لها بما قبلها أو حال مقدرة من الوار أو الهاء وروي انه كان إذا أراد أن تجري قال بسم الله فجرت وإذا أراد أن ترسو قال بسم الله(3/234)
" صفحة رقم 235 "
فرست ويجوز أن يكون الاسم مقحما كقوله " ثم اسم السلام عليكما " وقرأ حمزة والكسائي وعاصم برواية حفص ) مجراها ( بالفتح من جرى وقرئ ) مرساها ( أيضا من رسا وكلاهما يحتمل الثلاثة ومجريها ومرسيها بلفظ الفاعل صفتين لله ) إن ربي لغفور رحيم ( أي لولا مغفرته لفرطاتكم ورحمته اياكم لما نجاكم
هود : ( 42 ) وهي تجري بهم . . . . .
) وهي تجري بهم ( متصل بمحذوف دل عليه ) اركبوا ( فركبوا مسمين وهي تجري وهم فيها ) في موج كالجبال ( في مومج من الطوفان وهو ما يرتفع من الماء عند اضطرابه كل موجة منها كجبل في تراكمها وارتفاعها وما قيل من أن الماء طبق ما بين السماء والأرض وكانت السفينة تجري في جوفه ليس بثابت والمشهور انه علا شوامخ الجبال خمسة عشر ذراعا وإن صح فلعل ذلك قبل التطبيق ) ونادى نوح ابنه ( كنعان وقرئ / ابنها / و ) ابنه ( بحذف الألف على أن الضمير لامرأته وكان ربيبه وقيل كان لغير رشدة لقوله تعالى ) فخانتاهما ( وهو خطأ إذ الأنبياء عصمن من ذلك والمراد بالخيانة الخيانة في الدين وقرئ / ابناها / على الندبة ولكونها حكاية سوغ حذف الحرف ) وكان في معزل ((3/235)
" صفحة رقم 236 "
عزل فيه نفسه عن أبيه أو عن دينه مفعل للمكان من عزله عنه إذا أبعده ) يا بني اركب معنا ( في السفينة والجمهور كسروا الياء ليدل على ياء الاضافة المحذوفة في جميع القرآن غير ابن كثير فإنه وقف عليها في لقمان في الموضع الأول باتفاق الرواة وفي الثالث في رواية قنبل وعاصم فإنه فتح ها هنا اقتصارا على الفتح من الألف المبدلة من ياء الاضافة وختلفت الرواية عنه في سائر المواضع وقد ادغم الباء في المميم أبو عمرو الكسائي وحفص لتقاربهما ) ولا تكن مع الكافرين ( في الدين والانعزال
هود : ( 43 ) قال سآوي إلى . . . . .
) قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ( أن يغرقني ) قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ( إلا الراحم وهو الله تعالى أو الإمكان من رحمهم الله وهم المؤمنون رد بذلك أن يكون اليوم معتصم من جبل ونحوه يعصم اللائذ به إلا معتصم المؤمنين وهو منقطع أي لكن من رحمه الله يعصمه ) وحال بينهما الموج ( بين نوح وابنه أو بين ابنه والجبل ) فكان من المغرقين ( فصار من المهلكين بالماء
هود : ( 44 ) وقيل يا أرض . . . . .
) وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي ( نوديا بما ينادى به اولوا العلم وامرا بما يؤمرون به تمثيلا لكمال قدرته وانقيادهما لما يشاء تكونيه فيهما بالأمر المطاع الذي يأمر المنقاد لحكمه المبادر إلى امتثال آمره مهابة من عظمته وخشية من أليم عقابه والبلغ النشف والاقلاع والامساك ) وغيض الماء ( نقص ) وقضي الأمر ( وانجز ما وعد من(3/236)
" صفحة رقم 237 "
إهلاكح الكافرين وانجاء المؤمنين ) واستوت ( واستقرت السفينة ) على الجودي ( جبل بالموصل وقيل بالشام وقيل بآمل روي انه ركب السفينة عاشر رجب ونزل عنها عاشر المحرم فصام ذلك اليوم فصار ذلك سنة ) وقيل بعدا للقوم الظالمين ( هلاكا لهم يقال بعد بعداص وبعداص إذا ابعد بعدا بعيدا بحيث لا يرجى عوده ثم استعير للهلاك وخص بدعاء السوء والاية في غاية الفصاحة لفخامة لفظها وحسن نظمها والدلالة على كنه الحال مع الايجاز الخالي عن الاخلال وفي ايراد الأخبار على البناء للمفعول دلالة على تعظيم الفاعل وانه متعين في نفسه مستغن عن ذكره إذ لا يذهب الوهم إلى غيره للعلم بأن مثل هذه الأفعال لا يقدر علهيا سوى الواحد القهار
هود : ( 45 ) ونادى نوح ربه . . . . .
) ونادى نوح ربه ( وأراد نداءه بدليل عطف قوله ) فقال رب إن ابني من أهلي ( فأنه النداء ) وإن وعدك الحق ( وإن كل وعد تعده حق لا يتطرق إليه الخلف وقد وعدت أن تنجي أهلي فما حاله أو فما له لم ينج ويجوز أن يكون هذا النداء قبل غرقه ) وأنت أحكم الحاكمين ( لأنك اعلمهم وأعدلهم أو لانك اعلمهم وأعدلهم أو لأنك اكثر حكمة من ذوي الحكم على أن الحاكم من الحكمة كالدارع من الدرع
هود : ( 46 ) قال يا نوح . . . . .
) قال يا نوح إنه ليس من أهلك ( لقطع الولاية بين المؤمن والكافر واشار إليه بقوله ) إنه عمل غير صالح ( فإنه تعليل لنفي كونه من أهله وأصله إنه ذو عمل فاسد فجعل ذاته ذات العمل لمبالغة كقول الخنساء تصف ناقة " ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت فإنما هي اقبال وادبار " ثم بدل الفاسد بغير الصالح تصريحا بالمناقضة بين وصفها وانتفاء ما اوجب النجاة لمن نجا من أهله عنه وقرأ الكسائي ويعقوب ) إنه عمل غير صالح ( أي عمل عملا غير صالح ) فلا تسألن ما ليس لك به علم ( ما لا تعلم اصواب هو أم ليس كذلك وإنما سمي نداءه سؤالا لتضمن ذكر الوعد بنجاة أهله استنجازه في شأنه ولده أو استفساره المانع للانجاز(3/237)
" صفحة رقم 238 "
في حقه وانما سماه جهلا وزجر عنه بقوله ) إني أعظك أن تكون من الجاهلين ( لأن استثناء من سبق عليه القول من أهله قد دله على الحال واغناه عن السؤال لكن اشغله حب الولد عنه حتى اشتبه عليه الأمر وقرأ ابن كثير بفتح اللام والنون الشديدة وكذلك نافع وانب عامر غير انهما كسرا النون على أن اصله تسألنني فحذفت نون الوقاية لاجتماع النونات وكسرت الشديدة للياء ثم حذفت اكتفاء بالكسرة وعن نافع بروغاية رويس اثباتها في الوصل
هود : ( 47 ) قال رب إني . . . . .
) قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ( فيما يستقبل ) ما ليس لي به علم ( ما لا علم لي بصحته ) وإلا تغفر لي ( وإن لم تغفر لي ما فرط مني في السؤال ) وترحمني ( بالتوبة والتفضل علي ) أكن من الخاسرين ( اعمالا
هود : ( 48 ) قيل يا نوح . . . . .
) قيل يا نوح اهبط بسلام منا ( أنزل من السفينة مسلما من المكاره من جهتنا أو مسلما عليك ) وبركات عليك ( ومباركا عليك أو زيادات في نسلك حتى تصير آدما ثانيا وقرئ ) اهبط ( بالضم بركة على التوحيد وهو الخير النامي ) وعلى أمم ممن معك ( وعلى امم هم الذين معك سموا أمما لتحزبهم أو لتشعب الأمم منهم أو وعلى امم ناشئة ممن معك والمراد بهم المؤمنون لقوله ) وأمم سنمتعهم ( أي وممن معك امم سنمتعهم في الدنيا ) ثم يمسهم منا عذاب أليم ( في الآخرة والمراد بهم الكفار من ذرية من معه وقيل هم قوم هود وصالح ولوط وشعيب والعذاب ما نزل بهم
هود : ( 49 ) تلك من أنباء . . . . .
) تلك ( إشارة إلى قصة نوح ومحلها الرفع بالابتداء وخبرها ) من أنباء الغيب ( أي بعضها ) نوحيها إليك ( خبر ثان والضمير لها أي موحاة إليك أو حال من ال ) أنباء ( أو(3/238)
" صفحة رقم 239 "
هو الخبر و ) من أنباء ( متعلق به أو حال من الهاء في ) نوحيها ( ) ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ( خبر آخر أي مجهولة عندك وعند قومك من قبل ايحائنا إليك أو حال من الهاء في نوحيها أو الكاف في ) إليك ( أي جاهلا أنت وقومك بها وفي ذكرهم تنبيه على انه لم يتعلمها إذ لم يخالط غيرهم وأنهم مع كثرتهم لما لم يسمعوها فكيف بواحد منهم ) فاصبر ( على مشاق الرسالة وأذية القوم كما صبر نوح ) إن العاقبة ( في الدنيا بالظفر وفي الآخرة بالفوز ) للمتقين ( عن الشرك والمعاصي
هود : ( 50 ) وإلى عاد أخاهم . . . . .
) وإلى عاد أخاهم هودا ( عطف على قوله ) نوحا إلى قومه ( و ) هودا ( عطف بيان ) قال يا قوم اعبدوا الله ( وحده ) ما لكم من إله غيره ( وقرئ بالجر حملا على المجرور وحده ) إن أنتم إلا مفترون ( على الله باتخاذ الأوثان شركاء وجعلها شفعاء
هود : ( 51 ) يا قوم لا . . . . .
) يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني ( خاطب كل رسول به قومه ازاحة للتهمة وتمحيضا للنصيحة فإنها لا تنجع ما دامت مشوبة بالمطامع ) أفلا تعقلون ( أفلا تستعملون عقولكم فتعرفوا المحق من المبطل والصواب من الخطأ
هود : ( 52 ) ويا قوم استغفروا . . . . .
) ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ( اطلبوا مغفرة الله بالأيمان ثم توسلوا إليها بالتوبة وأيضا التبري من الغير إنما يكون بعد الإيمان بالله والرغبة فيما عنده ) يرسل السماء عليكم مدرارا ( كثير الدر ) ويزدكم قوة إلى قوتكم ( ويضاعف قوتكم وانما رغبهم بكثرة المطر وزيادة القوة لأنهم كانوا أصحاب زروع عمارات وقيل حبس الله عنهم القطر وأعقم ارحام نسائهم ثلاثين سنة فوعدهم هود عليه السلام على الإيمان والتوبة بكثرة الامطار وتضاعف القوة بالتناسل ) ولا تتولوا ( ولا تعرضوا عما ادعوكم إليه ) مجرمين ( مصرين على اجرامكم
هود : ( 53 ) قالوا يا هود . . . . .
) قالوا يا هود ما جئتنا ببينة ( بحجة تدل على صحة دعواك وهو لفرط عنادهم وعدم(3/239)
" صفحة رقم 240 "
اعتدادهم بما جاءهم من المعجزات ) وما نحن بتاركي آلهتنا ( بتاركي عبادتهم ) عن قولك ( صادرين عن قولك حال من الضمير في تاركي ) وما نحن لك بمؤمنين ( اقناط له من الإجابة والتصديق
هود : ( 54 ) إن نقول إلا . . . . .
) إن نقول إلا اعتراك ( ما نقول إلا قولنا ) اعتراك ( أي اصابك من عراه يعروه إذا أصابه ) بعض آلهتنا بسوء ( بجنون لسبك إياها وصدك عنها ومن ذلك تهذي وتتكلم بالخرافات والجملة مقول القول وألا لغو لأن الاستثناء مفرغ ) قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون )
هود : ( 55 - 56 ) من دونه فكيدوني . . . . .
) من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون ( اجاب به عن مقالتهم الحمقاء بأن أشهد الله تعالى على براءته من لآآلهتهم وفراغه عن اضرارهم تأكيدا لذلك تثبيتا له وأمرهم بأن يشهدوا علهي استهانة بهم وأن يجتمعوا على الكيد في إهلاكه من غير انظار حتى إذا اجتهدوا فيه ورأوا انهم عجزوا عن آخرهم وهم الاقوياء الاشداء أن يضروه لم يبق لهم شبيهة أن آلهتهم التي هي جماد لا يضر ولا ينفع لا تتمكن من إضراره انتقاما منه وهذا من جملة معزاته فإن مواجهة الواحد الجم الغفير من الجبابرة الفتاك العطاش إلى اراقة دمه بهذا الكلام ليس إلا لثقته بالله وتثبطهم عن اضراره ليس إلا بعصمته إياه ولذلك عقبه بقوله ) إني توكلت على الله ربي وربكم ( تقريرا له والمعنى انكم وان بذلتم غاية وسعكم(3/240)
" صفحة رقم 241 "
لن تضروني فإن متوكل على الله واثق بكلاءته وهو مالكي ومالككم لا يحيق بي ما لم يرده ولا يقدرو على ما لم يقدره ثم برهن علهي بوقله ) ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ( أي إلا وهو مالك لها قادر عليها يصرفها على ما يريد بها والاخذ بالنواصي تمثيل لذلك ) إن ربي على صراط مستقيم ( أي انه على الحق والعدل لا يضيع عنده معتصم ولا يفوته ظالم
هود : ( 57 ) فإن تولوا فقد . . . . .
) فإن تولوا ( فإن تتولوا ) فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ( فقد أديت ما علي من الابلاغ والزام الحجة فلا تفريط مني ولا عذر لكم فقد أبلغتكم ما أرسلت به اليكم ) ويستخلف ربي قوما غيركم ( استئناف بالوعيد لهم بأن الله يهلكهم ويستخلف قوما آخرين في ديارهم وأموالهم أو عطف على الجواب بالفاء ويؤيده القراءة بالجزم على الموضع كأنه قيل وإن تتولا يعذرني ربي ويستخلف ) ولا تضرونه ( لتوليكم ) شيئا ( من الضرر ومن جزم يستخلف اسقط النون منه ) إن ربي على كل شيء حفيظ ( رقيب فلا تخفى علهي أعمالكم ولا يغفل عن مجازاتكم أو حافظ مستول عليه فلا يمكن أن يضره شيء
هود : ( 58 ) ولما جاء أمرنا . . . . .
) ولما جاء أمرنا ( عذابنا أو امرنا العذاب ) نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ( وكانوا أربعة آلاف ) ونجيناهم من عذاب غليظ ( تكرير لبيان ما نجاهم منه وهو السموم كانت تدخل انوف الكفرة وتخرج من ادبارهم فتقطع اعضاءهم أو المراد به تنجيتهم من عذاب الآخرة أيضا والتعريض بأن المهلكين كما عذبوا في الدنيا بالسموم فهم معذبون في الآخرة بالعذاب الغليظ
هود : ( 59 ) وتلك عاد جحدوا . . . . .
) وتلك عاد ( أنت اسم الاشارة باعتبار القبيلة أو لان الاشارة إلى قبورهم وآثارهم ) جحدوا بآيات ربهم ( كفروا بها ) وعصوا رسله ( لأنهم عصوا رسولهم ومن عصي(3/241)
" صفحة رقم 242 "
رسولا فكأنما عصى الكل لأنهم امروا بطاعة كل رسول ) واتبعوا أمر كل جبار عنيد ( يعني كبراءهم الطاغين و ) عنيد ( من عند عندا وعندا وعنودا إذا طغى والمعنى عصوا من دعاهم إلى الإيمان وما ينجيهم واطاعوا من دعاهم إلى الكفر وما يرديهم
هود : ( 60 ) وأتبعوا في هذه . . . . .
) وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ( أي جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين تكبهم في العذاب ) ألا إن عادا كفروا ربهم ( جحدوه أو كفروا نعمه أو كفروا به فحذف الجار ) ألا بعدا لعاد ( دعاء عليهم بالهلاك والمراد به الدلالة على انهم كانوا مستوجبين لما نزل عليهم بسبب ما حكي عنهم وانما كرر ألا وأعاد ذكرهم تفظيعا لأمرهم وحثا على الاعتبار بحالهم ) قوم هود ( عطف بيان لعاد وفائدته تمييزهم عن عاد الثانية عاد إرم والايماء إلى أن استحقاقهم للبعد بما جرى بينهم وبين هود
هود : ( 61 ) وإلى ثمود أخاهم . . . . .
) وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض ( هو كونكم منها لا غيره فإنه خلق آدم ومواد النطف التي خلق نسله منها من التراب ) واستعمركم فيها ( عمركم فيها واستبقاكم من العمر أو اقدركم على عمارتها وأمركم بها وقيل هو من العمرى بمعنى اعمركم فيها دياركم ويرثها منكم بعد انصرام اعماركم أو جعلكم معمرين دياركم تسكنونها مدة عمركم ثم تتركونها لغيركم ) فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب ( قريب الرحمة ) مجيب ( لداعيه
هود : ( 62 ) قالوا يا صالح . . . . .
) قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا ( لما نرى فيك من مخايل الرشد(3/242)
" صفحة رقم 243 "
والسداد أن تكون لنا سيدا ومستشارا في الأمور أو أن توافقنا في الدين فلما سمعنا هذا القول منك انقطع رجاؤنا عنك ) أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ( على حكاية الحال الماضية ) وإننا لفي شك مما تدعونا إليه ( من التوحيد والتبري عن الأوثان ) مريب ( موقع في الريبة من أرابه أو ذي ريبة على الإسناد المجازي من اراب في الأمر
هود : ( 63 ) قال يا قوم . . . . .
) قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ( بيان وبصيرة وحرف الشك باعتبار المخاطبين ) وآتاني منه رحمة ( نبوة ) فمن ينصرني من الله ( فمن يمنعني من عذابه ) إن عصيته ( في تبليغ رسالته والمنع عن الاشراك به ) فما تزيدونني ( إذن باستتباعكم اياي ) غير تخسير ( غير أن تخسروني بإبطال ما منحني الله به والتعرض لعذابه أو فما تزيدونني بما تقولون لي غير أن أنسبكم إلى الخسران
هود : ( 64 ) ويا قوم هذه . . . . .
) ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية ( انتصب آية على الحال وعاملها معنى الاشارة ولكم حال منها تقدمت عليها لتنكيرها ) فذروها تأكل في أرض الله ( ترع نباتها وتشرب ماءها ) ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب ( عاجل لا يتراخى عن مسكهم لها بالسوء إلا يسيرا وهو ثلاثة أيام
هود : ( 65 ) فعقروها فقال تمتعوا . . . . .
) فعقروها فقال تمتعوا في داركم ( عيشوا في منازلكم أو في داركم الدنيا ) ثلاثة أيام ( الأربعاء والخميس والجمعة ثم تهلكون ) ذلك وعد غير مكذوب ( أي غير مكذوب فيه فاتسع فيه باجرائه مجرى المفعول به كقوله " ويوم شهدناه سليما وعامرا " أو غير مكذوب على المجاز وكأن الواعد قال له أفي بك فإن وفى به صدقه وإلا كذبه أو وعد غير كذب على انه مصدر كالمجلود والمعقول(3/243)
" صفحة رقم 244 "
هود : ( 66 ) فلما جاء أمرنا . . . . .
) فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ ( أي ونجيناهم من خزي يومئذ وهو هلاكهم بالصيحة أو ذلهم وفضيحتهم يوم القيامة وعن نافع ) يومئذ ( بالفتح على اكتساب المضاف البناء من المضاف إليه هنا وفي المعارج في قوله ) من عذاب يومئذ ( ) إن ربك هو القوي العزيز ( القادر على كل شيء والغالب عليه
هود : ( 67 ) وأخذ الذين ظلموا . . . . .
) وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ( قد سبق تفسير ذلك في سورة الاعراف
هود : ( 68 ) كأن لم يغنوا . . . . .
) كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ( نونه أبو بكر ها هنا وفي النجم والكسائي في جميع القرآن وابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو في قوله ) ألا بعدا لثمود ( ذهابا إلى الحي أو الاب الأكبر
هود : ( 69 ) ولقد جاءت رسلنا . . . . .
) ولقد جاءت رسلنا إبراهيم ( يعني الملائكة قيل كانوا تسعة وقيل ثلاثة جبريل وميكائيل واسرافيل ) بالبشرى ( ببشارة الولد وقيل بهلاك قوم لوط ) قالوا سلاما ( سلمنا عليك سلاما ويجوز نصبه ب ) قالوا ( على معنى ذكروا سلاما ) قال سلام ( أي امركم أو جوابي سلام أو وعليكم سلام رعفه اجابة بأحسن من تحيتهم وقرأ حمزة والكسائي ) سلم ( وذلك في الذاريات وهما لغتان كحرم وحرام وقيل المراد به الصلح ) فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ( فما أبطأ مجيئه به أو فما ابطأ في المجيء به أو فما تأخر عنه والجار في ) إن ( مقدر أو محذوف والحنيذ المشوي بالرضف وقيل الذي يفطر ودكه من حنذت الفرس إذا عرقته بالجلال لقوله ) بعجل سمين ((3/244)
" صفحة رقم 245 "
هود : ( 70 ) فلما رأى أيديهم . . . . .
) فلما رأى أيديهم لا تصل إليه ( لا يمدون إليه أيديهم ) نكرهم وأوجس منهم خيفة ( أنكر ذلك منهم وخاف أن يريدوا به مكروها ونكر وأنكر واستنكر بمعنى والايجاس الادراك وقيل الاضمار ) قالوا ( له لما احسوا منه اثر الخوف ) لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط ( أنا ملائكة مرسلة إليهم بالعذاب وانما لم نمد إليه أيدينا لأنا لا نأكل
هود : ( 71 ) وامرأته قائمة فضحكت . . . . .
) وامرأته قائمة ( وراء الستر تسمع محاورتهم أو على رؤوسهم للخدمة ) فضحكت ( سرورا بزوال الخيفة أو بهلاك أهل الفساد أو بإصابة رأيها فإنها كانت تقول لإبراهيم اضمم إليك لوطا فإني أعلم أن العذاب ينزل بهؤلاء القوم وقيل فضحكت فحاضت قال الشاعر " وعهدي بسلمي ضاحكا في لبابة ولم يعد حقا ثديها أن تحلما " ومنه ضحكت السمرة إذا سال صمغها وقرئ بفتح الحاء ) فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ( نصبه ابن عامر وحمزة وحفص بفعل يفسره ما دل عليه الكلام وتقديره ووهبناها من وراء إسحاق يعقوب وقيل انه معطوف على موضع ) بإسحاق ( أو على لفظ ) إسحاق ( وفتحته للجر فإنه غير مصروف ورد للفصل بينه وبين ما عطف عليه بالظرف وقرأ الباقون بالرفع على انه مبتدأ(3/245)
" صفحة رقم 246 "
وخبره الظرف أي و ) يعقوب ( مولود من بعده وقيل الوراء ولد الولد ولعله سمي به لأنه بعد الولد وعلى هذا تكون اضافته إلى ) إسحاق ( ليس من حيث أن يعقوب عليه الصلاة والسلام وراءه بل من حيث انه وراء إبراهيم من جهته وفيه نظر والاسمان يحتمل وقوعهما في البشارة كيحيى ويحتمل وقوعهما في الحكاية بعد أن ولدا فسميا به وتوجيه البشارة إليها للدلالة على أن الولد المبشر به يكون منها لا من هاجر ولأنها كانت عقيمة حريصة على الولد
هود : ( 72 ) قالت يا ويلتى . . . . .
) قالت يا ويلتى ( يا عجبا وأصله في الشر فأطلق على كل أمر فظيع وقرئ بالياء على الأصل ) أألد وأنا عجوز ( ابنة تسعين أو تسع وتسعين ) وهذا بعلي ( زوجي وأصله القائم بالأمر ) شيخا ( ابن مائة أو مائة وعشرين ونصبه على الحال والعالم فيها معنى اسم الاشارة وقرئ بالرفع على انه خبر محذوف أي هو شيخ أو خبر بعد خبر أو هو الخبر و ) بعلي ( بدل ) إن هذا لشيء عجيب ( يعني الولد من هرمين وهو استعجاب من حيث العادة دون القدرة ولذلك
هود : ( 73 ) قالوا أتعجبين من . . . . .
) قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ( منكرين عليها فإن خوارق العادات باعتبار أهل بيت النبوة ومهبط المعجزات وتخصيصهم بمزي النعم والكرامات ليس ببدع ولا حقيق بأن يستغربه عاقل فضلا عمن نشأت وشابت في ملاحظة الآيات أهل البيت نصب على المدح أو النداء لقصد التخصيص كقولهم اللهم اغفر لنا ايتها العصابة ) إنه حميد ( فاعل ما يستوجب به الحمد ) مجيد ( كثير الخير والاحسان
هود : ( 74 ) فلما ذهب عن . . . . .
) فلما ذهب عن إبراهيم الروع ( أي ما اوجس م الخيفة واطمأن قلبه بعرفانهم ) وجاءته البشرى ( بدل الورع ) يجادلنا في قوم لوط ( يجادل رسلنا في شأنهم ومجادلته اياهم قوله ) إن فيها لوطا ( وهو أما جواب لما جيء به مضارعا على حكاية(3/246)
" صفحة رقم 247 "
الحال أو لانه في سياق الجواب بمعنى الماضي كجواب لو أو دليل جوابه المحذوف مثل اجترأ على خطابنا أو شرع في جدالنا أو متعلق به أقيم مقامه مثل اخذ أو اقبل يجادلنا
هود : ( 75 ) إن إبراهيم لحليم . . . . .
) إن إبراهيم لحليم ( غير عجول على الانتقام من المسيء إليه ) أواه ( كثير التأوه من الذنوب والتأسف على الناس ) منيب ( راجع إلى الله والمقصود من ذلك بيان الحامل له على المجادلة وهو رقة قلبه وفرط ترحمه
هود : ( 76 ) يا إبراهيم أعرض . . . . .
) يا إبراهيم ( على إرادة القول أي قالت الملائكة ) يا إبراهيم ( ) أعرض عن هذا ( الجدال ) إنه قد جاء أمر ربك ( قدره بمقتضى قضائه الازلي بعذابهم وهو اعلم بحالهم ) وإنهم آتيهم عذاب غير مردود ( مصروف بجدال ولا دعاء ولا غير ذلك
هود : ( 77 ) ولما جاءت رسلنا . . . . .
) ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم ( ساءه مجيئهم لانهم جاؤوه في صورة غلمان فظن انهم أناس فخاف عليهم أن يقصدهم قومه فيعجز عن مدافعتهم ) وضاق بهم ذرعا ( وضاق بمكانهم صدره وهو كناية عن شدة الانقباض للعجز عن مدافعة المكروه والاحتيال فيه ) وقال هذا يوم عصيب ( شديد من عصبه إذا شده
هود : ( 78 ) وجاءه قومه يهرعون . . . . .
) وجاءه قومه يهرعون إليه ( يسرعون إليه كأنهم يدفعون دفعا لطلب الفاحشة من اضيافه ) ومن قبل ( أي ومن قبل ذلك الوقت ) كانوا يعملون السيئات ( الفوماحش فتمرونوا بها ولم يستحيوا منها حتى جاؤوا يهرعون لها مجاهرين ) قال يا قوم هؤلاء بناتي ( فدى بهن اضيافه كرما وحمية والمعنى هؤلاء بناتي فتزوجوهن وكانوا يطلبونهن قبل فلا(3/247)
" صفحة رقم 248 "
يجيبهم لخبثهم وعدم كفاءتهم لا لحرمة المسلمات على الكفار فإنه شرع طارئ أو مبالغة في تناهي خبث ما يرومونه حتى إن ذلك أهون منه أو اظهارا لشدة امتعاضه من ذلك كي يرقوا له وقيل المراد بالبنات نساؤهم فإن كل نبي أبو أمته من حيث الشفقة والتربية وفي حرف ابن مسعود ) وأزواجه أمهاتهم ( وهو اب لهم ) هن أطهر لكم ( انظف فعلا وأقل فحشا كقولك الميتة اطيب من المغصوب واحل منه وقرئ ) أطهر ( بالنصب على الحال على أن هن خبر بناتي كقولك هذا أخي هو الأفضل فإنه لا يقع بين الحال وصاحبها ) فاتقوا الله ( بترك الفواحش أو بايثارهن عليهم ) ولا تخزون ( ولا تفضحوني من الخزي أو ولا تخجلوني من الخزاية بمعنى الحياء ) في ضيفي ( في شأنهم فإن إخزاء ضيف الرجل اخزاؤه ) أليس منكم رجل رشيد ( يهتدي إلى الحق ويرعوي عن القبيح
هود : ( 79 ) قالوا لقد علمت . . . . .
) قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق ( من حاجة ) وإنك لتعلم ما نريد ( وهو اتيان الذكران
هود : ( 80 ) قال لو أن . . . . .
) قال لو أن لي بكم قوة ( لو قويت بنفسي على دفعكم ) أو آوي إلى ركن شديد ( إلى قوي ابلغ به عنكم شبهه بركن الجبل في شدته وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رحم الله أخي لوطا كان يأوي إلى ركن شديد وقرئ ) أو آوي ( بالنصب بإضمار أن كأنه قال لو أن لي بكم قوة أو أويا وجواب لو محذوف تقديره لدفعتكم روي أنه أغلق بابه دون اضيافه وأخذ يجادلهم من وراء الباب فتسوروا الجدار فلما رأت الملائكة ما على لوط من الكرب(3/248)
" صفحة رقم 249 "
هود : ( 81 ) قالوا يا لوط . . . . .
) قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ( لن يصلوا إلى اضرارك بإضرارنا فهون عليك ودعنا واياهم فخلاهم أن يدخلوا فضرب جبريل عليه السلام بجناحه وجوههم فطمس اعينهم واعماهم فخرجوا يقولون النجاء النجاء فإن في بيت لوط سحرة ) فأسر بأهلك ( بالقطع من الاسراء وقرأ ابن كثير ونافع بالوصل حيث وقع في القرآن من السري ) بقطع من الليل ( بطائفة منه ) ولا يلتفت منكم أحد ( ولا يتخلف أو لا ينظر إلى وراسه والنهي في اللفظ أحد وفي المعنى للوط ) إلا امرأتك ( ايتثناء من قوله ) فأسر بأهلك ( ويدل عليه انه قرئ فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك وهذا إنما يصح على تأويل الالتفات بالتخلف فإنه إن فسر بالنظر إلى الوراء في الذهاب ناقض لك قراءة ابن كثير وأبي عمرو بالرفع على البدل من أحد ولا يجوز حمل القراءتين على الروايتين في انه خلفها مع قومها أو اخرجها فلما سمعت صوت العذاب التفتت وقالت يا قوماه فأدركها حجر فقتلها لأن القواطع لا يصح حملها على المعاني المتناقضة والاولى جعل الاستثناء في القراءتين من قوله ) ولا يلتفت ( مثله في قوله ) ما فعلوه إلا قليل ( ولا يبعد أن يكون(3/249)
" صفحة رقم 250 "
أكثر القراء على غير الافصح ولا يلزم من ذلك أمرها بالالتفات بل عدم نهيها عنه استصلاحا ولذلك علل طريقة الاستئناف بقوله ) إنه مصيبها ما أصابهم ( ولا يحسن جعل الاستثناء منطقعا على قراءة الرفع ) إن موعدهم الصبح ( كأنه علة الأمر بالاسراء ) أليس الصبح بقريب ( جواب لاستعجال لوط واستبطائه العذاب
هود : ( 82 ) فلما جاء أمرنا . . . . .
) فلما جاء أمرنا ( عذابنا أو أمرنا به ويؤيده الأصل وجعل التعذيب مسببا عنه بقوله ) جعلنا عاليها سافلها ( فإنه جواب لما وكان حقه جعلوا عاليها سافلها أي الملائكة(3/250)
" صفحة رقم 251 "
المأمورون به فأسند إلى نفسه من حيث إنه المسبب تعظيما للامر فإنه روي أن جبريل علهي السلام ادخل جناحه تحت مدائنهم ورفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة ثم قلبها عليهم ) وأمطرنا عليها ( على المدن أو على شذاذها ) حجارة من سجيل ( من طين متحجر لقوله ) حجارة من طين ( واصله سنك كل فعرب وقيل إنه من أسجله إذا أ سله أو أدر عطيته والمعنى من مثل الشيء المرسل أو من مثل العطية في الادرار أو من السجل أي مما كتب الله أن يعذبهم به وقيل اصله من سجين أي من جهنم فأبدلت نونه لاما ) منضود ( نضد معدا لعذابهم أو نضد في الارسال بتتابع بعضهم بعضا كقطار الامطار أو نضد بعضه على بعض والصق به
هود : ( 83 ) مسومة عند ربك . . . . .
) مسومة ( معلمة للعذاب وقيل معلمة ببياض وحمرة أو بسيما تتميز به عن حجارة الأرض أو باسم من يرمى بها ) عند ربك ( في خزائنه ) وما هي من الظالمين ببعيد ( فإنهم بظلمهم حقيق بأن تمطر عليهم وفيه وعيد لكل ظالم وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) انه سأل جبريل عليه السلام فقال يعني ظالمي امتك ما من ظالم منهم إلا وهو بعرض حجر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة وقيل الضمير للقرى أي هي قريبة من(3/251)
" صفحة رقم 252 "
ظالمي مكة يمرون بها في أسفارهم إلى الشام وتذكير البعيد على تأويل الحجر أو المكان
هود : ( 84 ) وإلى مدين أخاهم . . . . .
) وإلى مدين أخاهم شعيبا ( أراد أولاد مدين بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أو أهل مدين وهو بلد بناه فسمي باسمه ) قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان ( أمرهم بالتوحيد اولا فإنه ملاك الأمر ثم نهاهم عنما اعتادوه من البخس في المنافي للعدل المخل بحكمة التعاوض ) إني أراكم بخير ( بسعة تغنيكم عن البخس أو بنعمة حقها أن تتفضلوا على الناس شركا عليها لا أن تنقصوا حقوقهم أو بسعة فلا تزيلوها مما أنتم عليه وهو في الجملة علة للنهي ) وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ( لا يشذ منه أحد منكم ومقيل عذاب مهلك من قوله ) وأحيط بثمره ( والمراد عذاب يوم القيامة أو عذاب الاستئصال ووصف اليوم بالاحاطة وهي صفة العذاب لاشتماله عليه
هود : ( 85 ) ويا قوم أوفوا . . . . .
) ويا قوم أوفوا المكيال والميزان ( صرح بالأمر بالايفاء بعد النهي عن ضده مبالغة وتنبيها على انه لا يكفيهم الكف عن تعمدهم التطفيف بل يلزمهم السعي في الايفاء ولو بزيادة لا يتأتى بدوها ) بالقسط ( بالعدل والسوية من غير زيادة ولا نقصان فإن الازدياد ايفاء وهو مندوب غير مأمور به وقد يكون محظورا ) ولا تبخسوا الناس أشياءهم ( تعميم بعد تخصيص فإنه اعم من أن يكون في المقدار أو في غيره وكذا قوله ) ولا تعثوا في الأرض مفسدين ( فإن العثو يعم تنقيص الحقوق وغيره من أنواع الفساد وقيل المراد بالبخس المكس كأخذ العشور في المعاملات والعثو السرعة وقطع الطريق والغارة وفائدة الحال إخراج ما يقصط به الاصلاح كما فعله الخضر عليه الصلاة والسلام قيل معناه ولا تعثوا في الأرض مفسدين في أمر دينكم ومصالح آخرتكم
هود : ( 86 ) بقية الله خير . . . . .
) بقية الله ( ما ابقاه لكم من الحلال بعد التنزه عما حرم عليكم ) خير لكم ( مما تجمعون بالتطفيف ) إن كنتم مؤمنين ( بشرط أن تؤمنوا فإن خيريتها باستتباع الثواب مع النجاة وذلك مشروط بالأيمان أو إن كنتم مصدقين لي في قولي لكم وقيل البقية الطاعة(3/252)
" صفحة رقم 253 "
كقوله ) والباقيات الصالحات ( وقرئ / تقية / الله بالتاء وهي تقواه التي تكف عن المعاصي ) وما أنا عليكم بحفيظ ( احفظكم عن القبائح أو احفظ عليكم أعمالكم فأجازيكم عليها وانما أنا ناصح مبلغ وقد اعذرت حين انذرت أو لست بحافظ عليكم نعم الله لو لم تتركوا سوء صنيعكم
هود : ( 87 ) قالوا يا شعيب . . . . .
) قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ( من الاصنام أجابوا به آمرهم بالتوحيد على الاستهزاء به والتهكم بصلواته والاشعار بأن مثله لا يدعو إليه داع عقلي وانما دعاك إليه خطرات ووساوس من جنس ما تواظب عليه وكان شعيب كثير الصلاة فلذلك جمعوا وخصوا الصلاة بالذكر وقرأ حمزة والكسائي وحفص على الأفراد والمعنى اصلواتك تأمرك بتكليف أن نترك فحذف المضاف لأن الرجل لا يؤمر بفعل غيره ) أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ( عطف على ما أي وان نترك فعلنا ما نشاء في اموالنا وقرئ بالتاء فيهما على أن العطف على ) أن نترك ( وهو جواب النهي عن التطفيف والأمر بالايفاء وقيل كان ينهاهم عن تقطيع الدراهم والدنانير فأرادوا به ذلك ) إنك لأنت الحليم الرشيد ( تهكموا به وقصدوا وصفه بضد ذلك أو عللوا انكار ما سمعوا منه واستبعاده بأنه موسوم بالحلم والرشد المانعين عن المبادرة إلى امثال ذلك
هود : ( 88 ) قال يا قوم . . . . .
) قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ( إشارة إلى ما آتاه الله من العلم والنبوة ) ورزقني منه رزقا حسنا ( إشارة إلى ما آتاه الله من المال الحلال وجواب الشرط محذوف(3/253)
" صفحة رقم 254 "
تقديره فهل يسع مع هذا الأنعام الجامع للسعادات الروحانية والجسمانية أن أخون في وحيه وأخالفه في أمره ونهيه وهو اعتذار عما أنكروا عليه من تغيير المألوف والنهي عن دين الاباء والضمير في ) منه ( لله أي من عنده وبإعانته بلا كد مني في تحصيله ) وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ( أي وما أريد أن آتي ما أنهاكم عنه لأسبتبد به دونكمن فلو كان صوابا لآثرته ولم اعرض عنه فضلا عن أن انهى عنه يقال خالفت زيدا إلى كذا إذا قصدته وهو مول عنه وخالفته عنه إذا كان الأمر بالعكس ) إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ( ما أريد إلا أن اصلحكم بأمري بالمعروف ونهيي عن المنكر ما دمت اتسطيع الاصلاح فلو وجدت الصلاح فيما أنتم عليه لما نهيتكم عنه ولهذه الاجوبة الثلاثة على هذا النسق شأن وهو التنبيه على أن العاقل يجب أن يراعي في كل ما يأتيه ويذره أحد حقوق ثلاثة اهمها واعلاها حق الله تعالى وثانيها حق النفس وثالثها حق الناس وكل(3/254)
" صفحة رقم 255 "
ذلك يقتضي أن آمركم بما أمرتكم به وانهاكم عما نهيتكم عنه و ) ما ( مصدرية واقعة موقع الظروف وقيل خبرية بدل من ) الإصلاح ( أي المقدار الذي استطعته أو اصلاح ما استطعته فحذف المضاف ) وما توفيقي إلا بالله ( وما توفيقي لاصابة الحق والصواب إلا بهدايته ومعونته ) عليه توكلت ( فإنه القادر المتمكن من كل شيء وما عداه عاجز في حد ذاته بل معدوم ساقط عن درجة الاعتبار وفيه إشارة إلى محض التوحيد الذي هو أقصى مراتب العلم بالمبدأ ) وإليه أنيب ( إشارة إلى معرفة المعاد وهو أيضا يفيد الحصر بتقديم الصلة على الفعل وفي هذه الكلمات طلب التوفيق لاصابة الحق فيما يأتيه ويذره من الله تعالى والاستعانة به في مجامع أمره والإقبال عليه بشراشره وحسم اطماع الكفار واظهار الفراغ عنهم وعدم المبالاة بمعاداتهم وتهديدهم بالرجوع إلى الله للجزاء
هود : ( 89 ) ويا قوم لا . . . . .
) ويا قوم لا يجرمنكم ( لا يكسبنكم ) شقاقي ( معاداتي ) أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح ( من الغرق ) أو قوم هود ( من الريح ) أو قوم صالح ( من الرجفة و ) إن ( بصلتها ثاني مفعولي جزم فإنه يعدى إلى واحد والاول افصح فإن اجرم اقل دورانا على السنة الفصحاء وقرئ ) مثل ( بالفتح لاضافته إلى المبني كقوله(3/255)
" صفحة رقم 256 "
" لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت حمامة ف يغصون ذات ارقال " ) وما قوم لوط منكم ببعيد ( زمانا أو مكانا فإن لم تعتبروا بمن قبلهم فاعبروا بهم أو ليسوا ببعيد منكم في الكفر والمساوي فلا يبعد عنكم ما اصابهم وافراد البعيد لان المراد وما اهلاكهم أو وما هم بشيء بعيد ولا يبعد أن يسوى في امثاله بين المذكر والمؤنث لأنها على زنة المصادر كالصهيل والشهيق
هود : ( 90 ) واستغفروا ربكم ثم . . . . .
) استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ( عما أنتم عليه ) إن ربي رحيم ( عظيم الرحمة للتائبين ) ودود ( فاعل بهم من اللطف والاحسان ما يفعل البليغ المودة بمن يوده وهو وعد على التوبة بعد الوعيد على الإصرار
هود : ( 91 ) قالوا يا شعيب . . . . .
) قالوا يا شعيب ما نفقه ( ما نفهم ) كثيرا مما تقول ( كوجوب التوحيد وحرمة البخس وما ذكرت دليلا عليهما وذلك لقصور عقولهم وعدم تفكرهم وقيل قالا ذلك استهانة بكلامه أو لأنهم لم يلقوا إليه اذهانهم لشدة نفرتهم عنه ) وإنا لنراك فينا ضعيفا ( لا قوة لك فتمتنع منا إن أردنا بك سوءا أو مهينا لا عز لك وقيل اعمى بلغة حمير وهو مع(3/256)
" صفحة رقم 257 "
عدم مناسبته يرده التقييد بالظرف ومنع بعض المعتزلة استنباء الأعمى قياسا على القضاء والشهادة والفرق بين ) ولولا رهطك ( قومك وعزتهم عندنا لكونهم على ملتنا لا لخوف من شوكتهم فإن الرهط من الثلاثة إلى العشرة وقيل إلى التسعة ) لرجمناك ( لقتلناك برمي الاحجار أو بأصعب وجه ) وما أنت علينا بعزيز ( فتمنعنا عزتك عن الرجم وهذا ديدن السفيه المحجوج يقابل الحجج والايات بالسب والتهديد وفي ايلاء ضميره حرف النفي تنبيه على أن الكلام فيه لا في ثبوت العزة وان المانع لهم عن ايذائه عزة قومه ولذلك
هود : ( 92 ) قال يا قوم . . . . .
) قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا ( وجعلتموه كالمنسي المنبوذ وراء الظهر بإشراككم به والاهانة بروسله فلا تبقون علي لله وتبقون علي لرهطي وهو يحتمل الإنكار والتوبيخ والرد والتكذيب و ) ظهريا ( منسوب إلى الظهر والكسر من تغييرات النسب ) إن ربي بما تعملون محيط ( فلا يخفى عليه شيء منها فيجازي عليها
هود : ( 93 ) ويا قوم اعملوا . . . . .
) ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ( سبق مثله في سورة الأنعام والفاء في ف ) سوف تعلمون ( ثمة للتصريح بأن الإصرار والتمكن فيما هم عليه سبب لذلك وحذفها ها هنا لأنه جواب سائل قال فماذا يكون بعد ذلك فهو(3/257)
" صفحة رقم 258 "
ابلغ في التهويل ) ومن هو كاذب ( عطف على من يأتيه لا لأنه قسيم له كقولك ستعلم الكاذب والصادق بل لأنهم لما أوعدوه وكذبوه قال سوف تعلمون من المعذب والكاذب مني ومنكم وقيل كان قياسه ومن هو صادق لينصرف الأول إليهم والثاني إليه لكنهم لما كانوا يدعونه كاذبا قال ومن هو كاذب على زعمهم ) وارتقبوا ( وانتظروا ما أقول لكم ) إني معكم رقيب ( منتظر فعيل بمعنى الراقب كالصريم أو المراقب كالعشير أو المرتقب كالرفيع
هود : ( 94 ) ولما جاء أمرنا . . . . .
) ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا ( إنما ذكره بالواو كما في قصة عاد إذ لم يسبقه ذكر وعد يجري مجرى السبب له بخلاف قصتي صالح ولوط فإنه ذكر بعد الوعد وذلك قوله ) وعد غير مكذوب ( وقوله ) إن موعدهم الصبح ( فلذلك جاء بفاء السببية ) وأخذت الذين ظلموا الصيحة ( قيل صاح بهم جبريل عليهم السلام فهلكوا ) فأصبحوا في ديارهم جاثمين ( ميتين واصل الجثوم اللزوم في المكان
هود : ( 95 ) كأن لم يغنوا . . . . .
) كأن لم يغنوا فيها ( كأن لم يقيموا فيها ) ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود ( شبههم بهم لأن عذابهم كان أيضا بالصيحة غير أن صيحتهم كانت من تحتهم وصيحة مدين كانت من فوقهم وقرئ ) بعدت ( بالضم على الأصل فإن الكسر تغيير لتخصيص معنى البعد بما يكون بسبب الهلاك والبعد مصدر لهما والبعد مصدر المكسور
هود : ( 96 ) ولقد أرسلنا موسى . . . . .
) ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ( بالتوراة أو المعجزات ) وسلطان مبين ( وهو المعجزات القاهرة أو العصا وإفرادها بالذكر لأنها أبهرها ويجوز أن يراد بهما أحد أي(3/258)
" صفحة رقم 259 "
ولقد ارسلناه بالجامع بين كونه آياتنا وسلطانا له على نبوته واضحا في نفسه أو موضحا إياها فإن ابان جاء لازما ومتعديا والفرق بينهما أن الآية تعم الامارة والدليل القاطع والسلطان يخص بالقاطع والمبين يخص بما فيه جلاء
هود : ( 97 ) إلى فرعون وملئه . . . . .
) إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون ( فاتبعوا أمره بالكفر بموسى أو فما تبعوا موسى الهادي إلى الحق المؤيد بالمعجزات القاهرة الباهرة واتبعوا طريقة فعرون المنهمك في الضلال والطغيان الداعي إلى ما لا يخفي فساده على من له ادنى مسكة من العقل لفرط جهالتهم وعدم استبصارهم ) وما أمر فرعون برشيد ( مرشد أو ذي رشد وانما هو غي محض وضلال صريح
هود : ( 98 ) يقدم قومه يوم . . . . .
) يقدم قومه يوم القيامة ( إلى النار كما كان يقدمهم في الدنيا إلى الضلال يقال قدم بمعنى تقدم ) فأوردهم النار ( ذكره بلفظ الماضي مبالغة في تحقيقه ونزل النار لهم منزلة الماء فسمى اتيانا موردا ثم قال ) وبئس الورد المورود ( أي بئس المورد الذي وردوه فإنه يراد لتبريد الاكباد وتسكين العطش والنار بالضد والاية كالدليل على قوله ) وما أمر فرعون برشيد ( فإن من كان هذه عاقبته لم يكن في أمره رشد أو تفسير له على أن المراد بالرشيد ما يكون مأمون العاقبة حميدها
هود : ( 99 ) وأتبعوا في هذه . . . . .
) وأتبعوا في هذه ( الدنيا ) لعنة ويوم القيامة ( أي يلعنون في الدنيا والاخرة ) بئس الرفد المرفود ( بئس العون المعان أو العطاء المعطى واصل الرفد ما يضاف إلى(3/259)
" صفحة رقم 260 "
غير ليعمده والمخصوص بالذم حذوف أي رفدهم وهو اللعنة في الدارين
هود : ( 100 ) ذلك من أنباء . . . . .
) ذلك ( أي ذلك النبأ ) من أنباء القرى ( المهلكة ) نقصه عليك ( مقصوص عليك ) منها قائم ( من تلك القرى باق كالزرع القائم ) وحصيد ( ومنها عافي الأثر كالزرع المحصود والجملة مستأنفة وقيل حال من الهاء في نقصه وليس بصحيح إذ لا واو ولا ضمير
هود : ( 101 ) وما ظلمناهم ولكن . . . . .
) وما ظلمناهم ( بإهلاكنا اياهم ) ولكن ظلموا أنفسهم ( بأن عرضوها له بارتكاب ما يوجبه ) فما أغنت عنهم ( فما نفعتهم ولا قدرت أن تدفع عنهم بل ضرتهم ) آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك ( حين جاءهم عذابه ونقمته ) وما زادوهم غير تتبيب ( هلاك أو تخسير
هود : ( 102 ) وكذلك أخذ ربك . . . . .
) وكذلك ( ومثل ذلك الأخذ ) أخذ ربك ( وقرئ ) أخذ ربك ( بالفعل وعلى هذا يكون محل الكاف النصب على المصدر ) إذا أخذ القرى ( أي أهلها وقرئ إذ لان المعنى على المضي ) وهي ظالمة ( حال من ) القرى ( وهي في الحقيقة لأهلها لكنها لما اقيمت مقامه اجريت عليها وفائدتها الاشعار بأنهم اخذوا بظلمهم وانذار كل ظالم ظلم نفسه أو غيره من وخامة العاقبة ) إن أخذه أليم شديد ( وجيع غير مرجو الخلاص منه وهو مبالغة في التهديد والتحذير(3/260)
" صفحة رقم 261 "
هود : ( 103 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك ( أي فيما نزل بالأمم الهالكة أو فيما قصه الله تعالى من قصصهم ) لآية ( لعبرة ) لمن خاف عذاب الآخرة ( يعتبر به عظمته لعلمه بأن ما حاق بهم أنموذج مما أعد الله للمجرمين في الآخرة أو ينزجر به عن موجباته لعلمه بأنها من إله مختار يعذب من يشاء ويرحم من يشاء فإن من أنكر الآخرة وأحال فناء هذا العالم لم يقل بالفاعل المختار وجعل تلك الوقائع لأسباب فلكية اتفقت في تلك الأيام لا لذنوب المهلكين بها ) وذلك ( إشارة إلى يوم القيامة وعذاب الآخرة دل عليه ) يوم مجموع له الناس ( أي يجمع له الناس والتغيير للدلالة على ثبات معنى الجمع لليوم وأنه من شأنه لا محالة وأن الناس لا ينفكون عنه فهو أبلغ من قوله ) يوم يجمعكم ليوم الجمع ( ومعنى الجمع له الجمع لما فيه من المحاسبة والمجازاة ) وذلك يوم مشهود ( أي مشهود فيه أهل السموات والأرضين فاتسع فيه بإجراء الظرف مجرى المفعول به كقوله " في محفل من نواصي الناس مشهود " أي كثير شاهدوه ولو جعل اليوم مشهودا في نفسه لبطل الغرض من تعظيم اليوم وتمييزه فإن سائر الأيام كذلك
هود : ( 104 ) وما نؤخره إلا . . . . .
) وما نؤخره ( أي اليوم ) إلا لأجل معدود ( إلا لانتهاء مدة معدودة متناهية على حذف المضاف وإرادة مدة التأجيل كلها بالأجل لا منتهاها فإنه غير معدود
هود : ( 105 ) يوم يأت لا . . . . .
) يوم يأتي ( أي الجزاء أو اليوم كقوله ) أو تأتيهم الساعة ( على أن ) يوم ( بمعنى حين أو الله عز وجل كقوله تعالى ) هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل ( ونحوه وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة ) يأت ( بحذف الياء اجتراء عنها بالكسرة ) لا تكلم نفس ( لا تتكلم بما ينفع وينجي من جواب أو شفاعة وهو الناصب للظرف ويحتمل نصبه بإضمار اذكر أو بالانتهاء المحذوف ) إلا بإذنه ( إلا بإذن الله كقوله ) لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن ((3/261)
" صفحة رقم 262 "
وهذا في موقف وقوله ) هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ( في موقف آخر أو المأذون فيه هي الجوابات الحقة والممنوع عنه هي الأعذار الباطلة ) فمنهم شقي ( وجبت له النار بمقتضى الوعيد ) وسعيد ( وجبت له الجنة بموجب الوعد والضمير لأهل الموقف وإن لم يذكر لأنه معلوم مدلول عليه بقوله ) لا تكلم نفس ( أو للناس
هود : ( 106 ) فأما الذين شقوا . . . . .
) فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ( الزفير إخراج لانفس والشهيق رده واستعمالها في أول النهيق وآخره والمراد بهما الدلالة على شدة كربهم وغمهم وتشبيه حالهم بمن استولت الحرارة على قلبه وانحصر فيه روحه أو تشبيه صراخهم بأصوات لاحمير وقرئ / وشقوا / بالضم
هود : ( 107 ) خالدين فيها ما . . . . .
) خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ( ليس لارتباط دوامهم في النار بدزامها فإن النصوص دالة على تأبيد دوامهم وانقطاع دوامهما بل التعبير عن التأبيد والمبالغة بما كانت العرب يعبرون به عنه على سبيل التمثيل ولو كان لارتباط لم يلزم أيضا من زوال السموات والأرض زوال عذابهم ولا من دوامه دوامهما إلا من قبيل المفهوم لأن دوامهما كالملزوم لدوامه وقد عرفت أن المفهوم لا يقاوم المنطوق وقيل المراد سموات الآخرة وأرضها ويدل عليه قوله تعالى ) يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ( وإن أهل(3/262)
" صفحة رقم 263 "
الآخرة لا بد لهم من مظل ومقل وفيه نظر لأنه تشبيه بما لا يعرف أكثر الخلق وجوده ودوامه ومن عرفه فإنما يعرفه بما يدل على دوام الثواب والعقاب فلا يجدي له التشبيه ) إلا ما شاء ربك ( استثناء من الخلود في النار لأن بعضهم وهم فساق الموحدين يخرجون منها وذلك كاف في صحة الاستثناء لأن زوال الحكم عن الكل يكفيه زواله عن البعض وهم المراد بالاستثناء الثاني فإنهم مفارقون عن الجنة أيام عذابهم فإن التأبيد من مبدأ معين ينتقض باعتبار الابتداء كما ينتقض باعتبار الانتهاء وهؤلاء وإن شقوا بعصيانهم فقد سعدوا بإيمانهم ولا يقال فعلى هذا لم يكن قوله ) فمنهم شقي وسعيد ( تقسيما صحيحا لأن من شرطه أن تكون صفة كل قسم منتفية عن قسيمه لأن ذلك الشرط حيث التقسيم لانفصال حقيقي أو مانع من الجمع وها هنا المراد أن أهل الموقف لا يخرجون عن القسمين وأن حالهم لا يخلو عن السعادة والشقاوة وذلك لا يمنع اجتماع الأمرين في شخص باعتبارين أو لأن أهل النار ينقلون منها إلى الزمهرير وغيره من العذاب أحيانا وكذلك أهل الجنة ينعمون بما هو أعلى من الجنة كالاتصال بجناب القدس والفوز برضوان الله ولقائه أو من أصل الحكم والمستثنى زمان توقفهم في الموقف للحساب لأن ظاهره يقتضي أن يكونوا في(3/263)
" صفحة رقم 264 "
النار حين يأتي اليوم أو مدة لبثهم في الدنيا والبرزخ إن كان الحكم مطلقا غير مقيد باليوم وعلى هذا التأويل يحتمل أن يكون الاستثناء من الخلود على ما عرفت وقيل هو من قوله ) لهم فيها زفير وشهيق ( وقيل إلا ها هنا بمعنى سوى كقولك على ألف إلا الألفان القديمان والمعنى سوى ما شاء ربك من الزيادة التي لا آخر لها على مدة بقاء لاسموات والأرض ) إن ربك فعال لما يريد ( من غير اعتراض
هود : ( 108 ) وأما الذين سعدوا . . . . .
) وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ ( غير مقطوع وهو تصريح بأن الثواب لا ينقطع وتنبيه على أن المراد من الاستثناء في الثواب ليس الانقطاع ولأجله فرق بين الثواب والعقاب بالتأبيد وقرأ حمزة والكسائي وحفص ) سعدوا ( على البناء للمفعول من سعده الله بمعنى أسعده و ) عطاء ( نصب على مصدر المؤكد أي أعطوا عطاء أو الحال من الجنة
هود : ( 109 ) فلا تك في . . . . .
) فلا تك في مرية ( شك بعد ما أنزل عليك من مآل أمر الناس ) مما يعبد هؤلاء ( من عبادة هؤلاء المشركين في أنها ضلال مؤد إلى مثل ما حل بمن قبلهم ممن قصصت عليك سوء عاقبة عبادتهم أو من حال ما يعبدونه في أنه ما يضر ولا ينفع ) ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل ( استئناف معناه تعليل عن النهي عن المرية أي هم وآباؤهم سواء في لاشرك أي ما يعبدون عبادة إلا كعبادة آبائهم أو ما يع بدون عبادة إلا كعبادة آبائهم أو ما يعبدون شيئا إلا مثل ما عبدوه من(3/264)
" صفحة رقم 265 "
الأوثان وقد بلغك ما لحق آباءهم من ذلك فسيلحقهم مثله لأن التماثل في الأسباب يقتضي التماثل في المسببات ومعنى ) كما يعبد ( كما كان يعبد فحذف للدلالة من قبل عليه ) وإنا لموفوهم نصيبهم ( حظهم من العذاب كآبائهم أو من الرزق فيكون عذرا لتأخير العذاب عنهم مع قيام ما يوجبه ) غير منقوص ( حال من النصيب لتقييد التوفية فإنك تقول وفيته حقه وتريد به وفاء بعضه ولو مجازا
هود : ( 110 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
) ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ( فآمن به قوم وكفر به قوم كما اختلف هؤلاء في القرآن ) ولولا كلمة سبقت من ربك ( يعني كلمة الإنظار إلى يوم القيامة ) لقضي بينهم ( بإنزال ما يستحقه لامبطل ليتميز به عن المحق ) وأنهم ( وإن كفار قومك ) لفي شك منه ( من القرآن ) مريب ( موقع في الريبة
هود : ( 111 ) وإن كلا لما . . . . .
) وإن كلا ( وإن كل المختلفين المؤمنين منهم والكافرين والتنوين بدل من المضاف إليه وقرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر بالتخفيف مع الإعمال اعتبارا للأصل ) لما ليوفينهم ربك أعمالهم ( اللام الأولى موطئة للقسم والثانية للتأكيد أو بالعكس وما مزيدة بينهما للفصل وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة ) لما ( بالتشديد على أن أصله لمن ما فقلبت النون ميما للادغام فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت أولاهن والمعنى لمن الذين يوفينهم ربك جزاء أعمالهم وقرئ لما بالتنوين أي جميعا كقوله ) أكلا لما ( ) وإن كل لما ( على أن ) إن ( نافية و ) ولما ( بمعنى إلا وقد قرئ به ) إنه بما يعملون خبير ( فلا يفوته شيء منه وإن خفي(3/265)
" صفحة رقم 266 "
هود : ( 112 ) فاستقم كما أمرت . . . . .
) فاستقم كما أمرت ( لما بين أمر المختلفين في التوحيد والنبوة وأطنب في شرح الوعد والوعيد أمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بالاستقامة مثل ما أمر بها وهي شاملة للاستقامة في العقائد كالتوسط بين التشبيه والتعطيل بحيث يبقى العقل مصونا من الطرفين والأعمال من تبليغ الوحي وبيان الشرائع كما أنزل والقيام بوظائف العبادات من غير تفريط وإفراط مفوت للحقوق ونحوهما وهي في غاية العسر ولذلك قال عليه الصلاة والسلام شيبتني هود ) ومن تاب معك ( أي تاب من الشرك والكفر وآمن معك وهو عطف على المستكن في استقم وإن لم يؤكد بمنفصل لقيام الفاصل مقامه ) ولا تطغوا ( ولا تخرجوا عما حد لكم ) إنه بما تعملون بصير ( فهو مجازيكم عليه وهو في معنى التعليل للأمر والنهي وفي الآية دليل على وجوب اتباع النصوص من غير تصرف وانحراف بنحو قياس واستحسان
هود : ( 113 ) ولا تركنوا إلى . . . . .
) ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ( ولا تميلوا إليهم أدنى ميل فإن الركون هو الميل اليسير كالتزيي بزيهم وتعظيم ذكرهم واستدامه ) فتمسكم النار ( بركونكم إليهم وإذا كان الركون إلى من وجد منه ما يسمى ظلما كذلك فما ظنك بالركون إلى الظالمين أي الموسومين بالظلم ثم بالميل إليهم كل الميل ثم بالظلم نفسه والانهماك فيه ولعل الآية(3/266)
" صفحة رقم 267 "
أبلغ ما يتصور في النهي عن الظلم والتهديد عليه وخطاب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ومن معه من المؤمنين بها للتثبيت على الاستقامة التي هي العدل فإن الزوال عنها بالميل غلى أحد طرفي إفراط وتفريط فإنه ظلم على نفسه أو غيره بل ظلم في نفسه وقر ) تركنوا ( ) فتمسكم ( بكسر التاء على لغة تميم و ) تركنوا ( على البناء للمفعول من أركنه ) وما لكم من دون الله من أولياء ( من أنصار يمنعون العذاب عنكم والواو للحال ) ثم لا تنصرون ( أي ثم لا ينصركم الله إذا سبق في حكمه أن يعذبكم ولا يبقي عليكم وثم لاستبعاد نصره إياهم وقد أوعدهم بالعذاب عليه وأوجبه لهم ويجوز أن يكون منزلا منزلة الفاء لمعنى الاستبعاد فإنه لما بين أن الله معذبهم وأن غيره لا يقدر على نصرهم أنتج ذلك أنهم لا ينصرون أصلا
هود : ( 114 ) وأقم الصلاة طرفي . . . . .
) وأقم الصلاة طرفي النهار ( غدوة وعشية وانتصابه على الظرف لأنه مضاف إليه ) وزلفا من الليل ( وساعات منه قريبة من النهار فإنه من أزلفه إذا قربه وهو جمع زلفة وصلاة الغداة صلاة الصبح لأنها أقرب الصلاة من أول النهار وصلاة العشي صلاة العصر وقيل الظهر والعصر لأن ما بعد الزوال عشي وصلاة الزلف المغرب والعشاء وقرئ / زلفا / بضمتين وضمة وسكون كبسر وبسر في بسره و ) زلفى ( بمعنى زلفة كقرى وقربة ) إن الحسنات يذهبن السيئات ( يكفرنها وفي الحديث إن الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر وفي سبب النزول أن رجلا أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إني قد أصبت من امرأة غير أني لم آتها فنزلت ) ذلك ( إشارة إلى قوله ) فاستقم ( وما بعده وقيل إلى القرآن ) ذكرى للذاكرين ( عظة للمتعظين(3/267)
" صفحة رقم 268 "
هود : ( 115 ) واصبر فإن الله . . . . .
) واصبر ( على الطاعات وعن المعاصي ) فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ( عدول عن الضمير ليكون كالبرهان على المقصود ودليلا على أن الصلاة والصبر إحسان وإيماء بأنه لا يعتد بهما دون الإخلاص
هود : ( 116 ) فلولا كان من . . . . .
) فلولا كان ( فهلا كان ) من القرون من قبلكم أولوا بقية ( من الرأي والعقل أو أولو فضل وإنما سمي ) بقية ( لأن الرجل يستبقي أفضل ما يخرجه ومنه يقال فلان من بقية القوم أي من خيارهم ويجوز أن يكون مصدرا كالتقية أي ذوو إبقاء على أنفسهم وصيانة لها من العذاب ويؤيده أنه قرئ ) بقية ( وهي المرة من مصدر بقاه يبقيه إذا راقبه ) ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم ( لكن قليلا منهم أنجيناهم لأنهم كانوا كذلك ولا يصح اتصاله إلا إذا جعل استثناء من النفي اللازم للتحضيض ) واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه ( ما أنعموا فيه من الشهوات واهتموا بتحصيل أسبابها وأعرضوا عما وراء ذلك ) وكانوا مجرمين ( كافرين كأنه أراد أن يبين ما كان السبب لاستئصال الأمم السالفة وهو فشو الظلم فيهم واتباعهم للهوى وترك النهي عن المنكرات مع الكفر وقوله واتبع معطوف مضمر دل عليه الكلام إذ المعنى فلم ينهوا عن الفساد واتبع الذين ظلموا وكانوا مجرمين عطف على ) اتبع ( أو اعترض وقرئ و ) واتبع ( أي وأتبعوا جزاء ما أترفوا فتكون الواو للحال ويجوز أن تفسر به المشهورة ويعضده تقدم الإنجاء(3/268)
" صفحة رقم 269 "
هود : ( 117 ) وما كان ربك . . . . .
) وما كان ربك ليهلك القرى بظلم ( بشرك ) وأهلها مصلحون ( فيما بينهم لا يضمون إلى شركهم فسادا وتباغيا وذلك لفرط رحمته ومسامحته في حقوقه ومن ذلك قدم الفقهاء عند تزاحم حقوق العباد وقيل الملك يبقى مع الشرك ولا يبقى مع الظالم
هود : ( 118 ) ولو شاء ربك . . . . .
) ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ( مسلمين كلهم وهو دليل ظاهر على أن الأمر غير الإرادة وأنه تعالى لم يرد الإيمان من كل أحد وأن ما أراده يجب وقوعه ) ولا يزالون مختلفين ( بعضهم على الحق وبعضهم على الباطل لا تكاد تجد اثنين يتفقان مطلقا
هود : ( 119 ) إلا من رحم . . . . .
) إلا من رحم ربك ( إلا ناسا هداهم الله فضله فاتفقوا على ما هو اصول دين الحق والعمدة فيه ) ولذلك خلقهم ( إن كان الضمير ل ) الناس ( فلإشارة إلى الإختلاف واللام للعاقبة أو إليه وإلى الحرمة وإن كان لمن فإلى الرحمة ) وتمت كلمة ربك ( وعيد أو قوله للملائكة ) لأملأن جهنم من الجنة والناس ( أي من عصاتهما ) أجمعين ( أو منهما أ جمعين لا من أحدهما
هود : ( 120 ) وكلا نقص عليك . . . . .
) وكلا ( ولك وكل نبأ ) نقص عليك من أنباء الرسل ( نخبرك به ) ما نثبت به فؤادك ((3/269)
" صفحة رقم 270 "
بيان لكلا أو بدل منه وفائدته التنبيه على المقصود من الأقتصاص وهو زيادة يقينه وطمأنينة قلبه وثبات نفسه على أداء الرسالة واحتمال أذى الكفار أو مفعول ) وكلا ( منصوب على المصدر بمعنى كل نوع من أنواع الإقتصاص نقص عليك ما نثبت به فؤادك من أنباء الرسل ) وجاءك في هذه ( الشورة أو الأنباء المقتصة عليك ) الحق ( ما هو حق ) وموعظة وذكرى للمؤمنين ( إشارة إلى سائر فوائده العامة
هود : ( 121 ) وقل للذين لا . . . . .
) وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم ( على حالكم ) إنا عاملون ( على حالنا
هود : ( 122 ) وانتظروا إنا منتظرون
) وانتظروا ( بنا الدوائر ) إنا منتظرون ( أن ينزل بكم نحو ما نزل على أمثالكم
هود : ( 123 ) ولله غيب السماوات . . . . .
) ولله غيب السماوات والأرض ( خاصة لا يخفى عليه خافية مما فيهما ) وإليه يرجع الأمر كله ( فيرجع لا محالة أمرهم وأمرك إليه وقرأ نافع وحفص و ) يرجع ( على البناء للمفعول ) فاعبده وتوكل عليه ( فإنه كافيك وفي تقديم الأمر بالعباد على التوكل تنبيه على أنه إنما ينفع العابد ) وما الله بغافل عما تعملون ( أنت وهم فيجازي كلا ما يستحقه وقرأ نافع وابن عامر وحفص بالياء هنا وفي آخر ) النمل ( عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة هود أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بنوح ومن كذب به وهود وصالح وشعيب ولوط وإبراهيم وموسى وكان يوم القيامة من السعداء إن شاء الله تعالى(3/270)
" صفحة رقم 271 "
سورة يوسف عليه السلام
مكية وآيها مائة وإحدى عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
يوسف : ( 1 ) الر تلك آيات . . . . .
) الر تلك آيات الكتاب المبين ( ) تلك ( إشارة إلى آيات السورة وهي المراد ب ) الكتاب ( أي تلك الآيات آيات السورة الظاهرة أمرها في الأعجاز أو الواضحة معانيها أو المبينة لمن تدبرها أنها من عند الله أو لليهود ما سألوا
يوسف : ( 2 ) إنا أنزلناه قرآنا . . . . .
إذ روي أن علماءهم قالوا لكبراء المشركين سلوا محمدا لم أنتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر وعن قصة يوسف عليه السلام فنزلت ) إنا أنزلناه ( أي الكتاب ) قرآنا عربيا ( سمى البعض ) قرآنا ( لأنه في الأصل اسم جنس يقع على الكل والبعض وصار علما لكل بالغلبة ونصبه على الحال وهو في نفسه إما توطئه للحال التي هي ) عربيا ( أو حال لأنه مصدر بمعنى مفعول و ) عربيا ( صفة له أو حال ممن الضمير فيه أو حال بعد حال وفي كل ذلك خلاف ) لعلكم تعقلون ( علة لإنزاله بهذه الصفة أي أنزلناه مجموعا أو مقرءا بلغتكم كي تفهموه وتحيطوا بمعانيه أو تستعلموا فيه عقولكم فتعلموا أن اقتصاصه كذلك ممن لم يتعلم القصص معجز لا يتصور إلى بالإيحاء(3/271)
" صفحة رقم 272 "
يوسف : ( 3 ) نحن نقص عليك . . . . .
) نحن نقص عليك أحسن القصص ( أحسن الإقتصاص لأن اقتص على أبدع الأساليب أو أحسن ما يقص لاشتماله على العجائب والحكم والآيات والعبر فعل بمعنى مفعول كالنقص والسلب واشتقاقه من قص أثره إذا تبعه ) بما أوحينا إليك ( أي بإيحائنا المصدر ) وإن كنت من قبله لمن الغافلين ( عن هذه القصة لم تخطر ببالك ولم تقرع سمعك قط وهو تعليل لكونه موحى وإن هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة
يوسف : ( 4 ) إذ قال يوسف . . . . .
) إذ قال يوسف ( بدل من ) أحسن القصص ( إن جعل مفعولا بدل الأشتمال أو منصوب بإضمار اذكر و ) يوسف ( عبري ولو كان عربيا لصرف وقرىء بفتح السين وكسرها على التلعب به لا على أنه مضارع بني للمفعول أو الفاعل من آسف لأن المشهورة شهدت بعجمته ) لأبيه ( يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام وعنه عليه الصلاة السلام الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ) يا أبت ( أصله يا أبي فعوض عن الياء التأنيث لتناسبهما في الزيادة ولذلك(3/272)
" صفحة رقم 273 "
قلبها هاء في الوقف ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وكسرها لأنها عوض حرف يناسبها وفتحها ابن عامر في كل القرآن لأنها حركة أصلها أو لأنه كان يا أبتا فحذف الألف وبقي الفتحة وإنما جاز يا أبتا ولم يجز ا أبتي لأنه جمع بين العوض والمعوض وقرئ بالضم إجراء لها مجرى الأسماء المؤنثة بالتاء من غير اعتبار التعويض وإنما لم تسكن كأصلها لأنها حرف صحيح منزل منزلة الاسم فيجب تحريكها ككاف الخطاب ) إني رأيت ( من الرؤيا لا من الرؤية لقوله ) لا تقصص رؤياك ( ولقوله ) هذا تأويل رؤياي من قبل ( ) أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ( روي عن جابر رضي الله تعالى عنه أن يهوديا جاء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أخبرني يا محمد عن النجوم التي رآهن يوسف فسكت فنزل جبريل عليه السلام فأخبره بذلك فقال إذا أخبرتك هل تسلم قال نعم قال جريان والطارق والذيال وقابس وعمودان والفيلق والمصبح والضروح والفرغ ووثاب وذو الكتفين رآها يوسف والشمس والقمر نزلن من السماء وسجدن له فقال اليهودي إي والله إنها لأسماؤها ) رأيتهم لي ساجدين ( استئناف لبيان حالهم التي رآهم عليها فلا تكرير وإنما أجريت مجرى العقلاء لوصفها بصفاتهم(3/273)
" صفحة رقم 274 "
يوسف : ( 5 ) قال يا بني . . . . .
) قال يا بني ( تصغير ابن صغره للشفقة أو الصغر السن لأنه كان ابن اثنتي عشرة سنة وقرأ حفص هنا وفي الصافات بفتح الياء ) لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا ( فيحتالوا لإهلاكك حيلة فهم يعقوب عليه السلام من رؤياه أن الله يصطفيه لرسالته وفوقه على إخوته فخاف عليه حسدهم وبغيهم والرؤيا كالرؤية غير أنها مختصة بما يكو ن في النوم فرق بينهما بحر في التأنيث كالقربة والقربى وهي انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيلة إلى الحس المشترك والصدقة منها إنما تكون باتصال النفس بالملكوت لما بينهما من ا لتناسب عند فراغها من تدبير البدن أدنى فراغ فتتصور بما فيها مما يليق بها من المعاني الحاصلة هناك ثم إن المتخيلة تحاكيه بصورة تناسبه فترسلها إلى الحس المشترك فصير مشاهدة ثم إن كانت شديدة المناسبة لذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوت إلا بالكلية والجزئية استغنت الرؤيا عن التعبير وإلا احتاجت إليه وإنما عدي كاد باللام وهو متعد بنفسه لتضمنه معنى فعل يعدى به أكيدا ولذلك أكد بالمصدر وعله بقوله ) إن الشيطان للإنسان عدو مبين ( ظاهر العداوة لما فعل بآدم عليه السلام وحواء فلا يألو جهدا في تسويلهم وإثارة الحسد فيهم حتى يحملهم على الكيد
يوسف : ( 6 ) وكذلك يجتبيك ربك . . . . .
) وكذلك ( أي وكما اجتباك لمثل لهذه الرؤيا الدالة على شرف وعز وكمال نفس ) يجتبيك ربك ( للنبوة والملك أو لأمور عظام والاجتباء من جبيت الشيء إذا حصلته لنفسك ) ويعلمك ( كلام مبتدأ خارج عن التشبيه كأنه قيل وهو يعلمك ) من تأويل الأحاديث ( من تعبير الرؤيا لأنها أحاديث الملك إن كانت صادقة وأحاديث النفس أو الشيطان إن كانت كاذبة أو من تأويل غوامض كتب الله تعالى وسنن الأنبياء وكلمات الحكماء وهو اسم جمع للحديث كأباطيل اسم جمع للباطل ) ويتم نعمته عليك ( بالنبوة أو بأن يصل نعمة الدنيا بنعمة الآخرة ) وعلى آل يعقوب ( يريد به سائر بنيه ولعله استدل على نبوتهم بضوء الكواكب أو نسله ) كما أتمها على أبويك ( بالرسالة وقيل على إبراهيم(3/274)
" صفحة رقم 275 "
بالخلة والإنجاء من النار وعلى إسحاق بإنقاذه من الذبح وفدائه بذبح عظيم ) من قبل ( أي من قبلك أو من قبل هذا الوقت ) إبراهيم وإسحاق ( عطف بيان لأبويك ) إن ربك عليم ( بمن يستحق الاجتباء ) حكيم ( يفعل الأشياء على ما ينبغي
يوسف : ( 7 ) لقد كان في . . . . .
) لقد كان في يوسف وإخوته ( أي في قصتهم ) آيات ( دلائل قدرة الله تعالى وحكمته أو علامات نبوتك وقرأ ابن كثير ) آية ( ) للسائلين ( لمن سأل عن قصتهم والمراد بإخوته بنو علاته العشرة وهم يهوذا وروبيل وشمعون ولاوي وزبالون ويشخر ودينة من بنت خالته ليا تزوجها يعقوب أولا فلما توفيت تزوج أختها راحيل فولدت له بنيامين ويوسف وقيل جمع بينهما ولم يكن الجمع محرما حينئذ وأربعة آخرون دان ونفتالي وجاد وآشر من سريتين زلفة وبلهة
يوسف : ( 8 ) إذ قالوا ليوسف . . . . .
) إذ قالوا ليوسف وأخوه ( بيامين وتخصيصه بالإضافة لاختصاصه بالأخوة من الطرفين ) أحب إلى أبينا منا ( وحده لأن أفعل من لا يفرق فيه بين الواحد وما فوقه والمذكر وما يقابله بخلاف أخويه فإن الفرق واجب في المحلى جائز في المضاف ) ونحن عصبة ( والحال أنا جماعة أقوياء أحق بالمحبة من صغيرين لا كفاية فيهما والعصبة والعصابة العشرة فصاعدا سموا بذلك لأن الأمور تعصب بهم ) إن أبانا لفي ضلال مبين ( لتفضيله المفضول أو لترك التعديل في المحبة روي أنه كان أحب إليه لما يرى فيه من المخايل وكان إخوته يحسدونه فلما رأى الرؤيا ضاعف له المحبة بحيث لم يصبر عنه فتبالغ حسدهم حتى حملهم على التعرض له
يوسف : ( 9 ) اقتلوا يوسف أو . . . . .
) اقتلوا يوسف ( من جملة المحكي بعد قوله إذ قالوا كأنهم اتفقوا على ذلك الأمر إلا من قال ) لا تقتلوا يوسف ( وقيل إنما قاله شمعون أو دان ورضي به الآخرون(3/275)
" صفحة رقم 276 "
) أو اطرحوه أرضا ( منكورة بعيدة من العمران وهو معنى تنكيرها وإبهامها ولذلك نصبت كالظروف المبهمة ) يخل لكم وجه أبيكم ( جواب الأمر والمعنى يصف لكم وجه أبيكم فيقبل بكليته عليكم ولا يلتفت عنكم إلى غيركم ولا ينازعكم في محبته أحد ) وتكونوا ( جزم بالعطف على ) يخل ( أو نصب بإضمار أن ) من بعده ( من بعد يوسف أو الفراغ من أمره أو قتله أو طرحه ) قوما صالحين ( تائبين إلى الله تعالى عما جنيتم أو صالحين مع أبيكم بصلح ما بينكم وبينه بعذر تمهدونه أو صالحين في أمر دنياكم فإنه ينتظم لكم بعده بخلو وجه أبيكم
يوسف : ( 10 ) قال قائل منهم . . . . .
) قال قائل منهم ( يعني يهوذا وكان أحسنهم فيه رأيا وقيل روبيل ) لا تقتلوا يوسف ( فإن القتل عظيم ) وألقوه في غيابة الجب ( في قعره سمي به لغيبوبته عن أعين الناظرين وقرأ نافع في / غيابات / في الموضعين على الجمع كأنه لتلك الجب غيابات وقرئ ) غيبه ( و / غيابات / بالتشديد ) يلتقطه ( يأخذه ) بعض السيارة ( بعض الذين يسيرون في الأرض ) إن كنتم فاعلين ( بمشورتي أو إن كنتم على أن تفعلوا ما يفرق بينه وبين أبيه
يوسف : ( 11 ) قالوا يا أبانا . . . . .
) قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف ( لم تخافنا عليه ) وإنا له لناصحون ( ونحن نشفق عليه ونريد له الخير أرادوا به استنزاله عن رأيه في حفظه منهم لما تنسم من حسدهم والمشهور ) تأمنا ( بالادغام باشمام وعن نافع بترك الإشمام ومن الشواذ ترك الإدغام لأنهما من كلمتين وتيمنا بكسر التاء
يوسف : ( 12 ) أرسله معنا غدا . . . . .
) أرسله معنا غدا ( إلى الصحراء ) يرتع ( نتسع في أكل الفواكه ونحوهما من الرتعة وهي الخصب ) ويلعب ( بالاستباق والانتضال وقرأ ابن كثير نرتع بكسر العين على أنه من ارتعى يرتعي ونافع بالكسر والياء فيه وفي ) ويلعب ( وقرأ الكوفيون ويعقوب بالياء والسكون على إسناد الفعل إلى يوسف وقرئ ) يرتع ( من أرتع ماشيته و ) يرتع ( بكسر العين و ) ويلعب ( بالرفع على الابتداء ) وإنا له لحافظون ( من أن يناله مكروه(3/276)
" صفحة رقم 277 "
يوسف : ( 13 ) قال إني ليحزنني . . . . .
) قال إني ليحزنني أن تذهبوا به ( لشدة مفارقته علي وقلة صبري عنه ) وأخاف أن يأكله الذئب ( لأن الأرض كانت مذابة وقيل رأى في المنام أن الذئب قد شد على يوسف وكان يحذره عليه وقد همزها على الأصل ابن كثير ونافع في رواية قالون وفي رواية اليزيدي وأبو عمرو وقفا وعاصم وابن عامر وحمزة درجا واشتقاقه من تذاءبت الريح إذا هبت من كل جهة ) وأنتم عنه غافلون ( لاشتغالكم بالرتع واللعب أو لقلة اهتمامكم بحفظه
يوسف : ( 14 ) قالوا لئن أكله . . . . .
) قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة ( اللام موطئه للقسم وجوابه ) إنا إذا لخاسرون ( ضعفاء مغبونون أو مستحقون لأن يدعى عليهم بالخسار والواو في ) ونحن عصبة ( للحال
يوسف : ( 15 ) فلما ذهبوا به . . . . .
) فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب ( وعزموا على إلقائه فيها والبئر بئر المقدس أو بئر بأرض الأردن أو بين مصر و مدين أو على ثلاثة فراسخ من مقام يعقوب وجواب لما محذوف مثل فعلوا به ما فعلوا من الأذى فقد روي أنهم لما بروزا به إلى الصحراء أخذوا يؤذونه ويضربونه حتى كادوا يقتلونه فجعل يصيح ويستغيث فقال يهوذا أما عاهدتموني أن لا تقتلوه فأتوا به إلى البئر فدلوه فيها فتعلق بشفيرها فربطوا يديه ونزعوا قميصه ليلطخوه بالدم ويحتالوا به إلى أبيهم فقال يا إخوتاه ردوا علي قميصي أتوارى به فقالوا ادع الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر يلبسوك ويؤنسوك فلما بلغ نصفها ألقوه وكان فيها ماء فسقط فيه ثم أوى إلى صخرة كانت فيها فقام عليها يبكي فجاءه جبريل بالوحي كما قال ) وأوحينا إليه ( وكان ابن سبع عشرة سنة وقيل كان مراهقا أوحي إليه في صغره كما أوحي إلى يحيى وعيسى عليهم الصلاة والسلام وفي(3/277)
" صفحة رقم 278 "
القصص أن إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار جرد عن ثيابه فأتاه جبريل عليه السلام بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه فدفعه إبراهيم إلى إسحاق وإسحاق إلى يعقوب فجعله في تميمة علقها بيوسف فأخرجه جبريل عليه السلام وألبسه إياه ولتنبئنهم بأمره هذا لتحدثنهم بما فعلوا بك ) وهم لا يشعرون ( إنك يوسف لعلو شأنك وبعده عن أوهامهم وطول العهد المغير لحلى والهيئات وذلك إشارة إلى ما قال لهم بمصر حيين دخلوا عليه ممتارين ) فعرفهم وهم له منكرون ( بشره بما يؤول إليه أمره إيناسا له وتطييبا لقلبه وقيل ) وهم لا يشعرون ( متصل ب ) أوحينا ( أي آنسناه بالوحي وهم لا يشعرون ذلك
يوسف : ( 16 ) وجاؤوا أباهم عشاء . . . . .
) وجاؤوا أباهم عشاء ( أي آخر النهار وقرىء / عشيا / وهو تصغير عشي وعشي بالضم والقصر جمع أي عشوا من البكاء ) يبكون ( متباكين روي أنه لما سمع بكاءهم فزع وقال مالكم يا بني واين يوسف
يوسف : ( 17 ) قالوا يا أبانا . . . . .
) قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق ( نتسابق في العدو أو في الرمي وقد يشترك الإفتعال والتفاعل كالإنتضال والتناضل ) وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ( بمصدق لنا ) ولو كنا صادقين ( لسوء ظنك بنا وفرط محبتك ليوسف
يوسف : ( 18 ) وجاؤوا على قميصه . . . . .
) وجاؤوا على قميصه بدم كذب ( أي ذي كذب بمعنى مكذوب فيه ويجوز أن يكون وصفا بالمصدر للمبالغة وقرىء بالنصب على الحال من الواو أي جاؤوا كاذبين و / كدب / بالدال غير المعجمة أيكدر أو طري وقيل أصله البياض الخارج على أظفار الأحداث فشبه به الدم اللاصق على القميص وعلى قميصه في موضع النصب على الظرف أي فوق قميصه أو على الحال من الدم إن جوز تقديمها على المجرور روي أنه لما سمع بخبر يوسف صاح وسأل عن قميصه فأخذه وألقاه على و جهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص وقال ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من هذا أكل أبني ولم يمزق عليه قميصه ولذلك ) قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا ( أي سهلت لكم أنفسكم وهونت في أعينكم أمرا(3/278)
" صفحة رقم 279 "
عظيما من السول وهو الاسترخاء ) فصبر جميل ( أي فأمري صبر جميل أو فصبر جميل أجمل وفي الحديث الصبر الجميل الذي لا شكوى فيه إلى الخلق ) والله المستعان على ما تصفون ( على احتمال ما تصفونه من إهلاك يوسف وهذه الجريمة كانت قبل استنبائهم إن صح
يوسف : ( 19 ) وجاءت سيارة فأرسلوا . . . . .
) وجاءت سيارة ( رفقة يسيرون من مدين إلى مصر فنزلوا قريبا من الجب وكان ذلك بعد ثلاث من إلقائه فيه ) فأرسلوا واردهم ( الذي يرد الماء ويستقي لهم وكان مالك بن ذعر الخزاعي ) فأدلى دلوه ( فأرسلها في الجب ليملأها فتدلى بها يوسف فلما رآه ) قال يا بشرى هذا غلام ( نادى البشرى بشارة لنفسه أو لقومه كأنه قال تعال فهذا أوانك وقيل هو اسم لصاحب له ناداه ليعينه على إخراجه وقرأ غير الكوفيين / يا بشراي / بالإضافة وأمال فتحة الراء حمزة والكسائي وقرأ ورش بين اللفظين وقرئ ) يا بشرى ( بالإدغام وهو له / بشراي / بالسكون على قصد الوقف ) وأسروه ( أي الوارد وأصحابه من سائر الرفقة وقيل اخفوا أمره وقال لهم دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه لهم بمصر وقيل الضمير لإخوة يوسف وذلك أن يهوذا كان يأتيه كل يوم بالطعام فأتاه يومئذ فلم يجده فيها فأخبر اخوته فأتوا الرفقة وقالوا هذا غلامنا ابق منا فاشتوه فسكت يوسف مخافة أن يقتلوه ) بضاعة ( نصب على الحال أي أخفوه متاعا للتجارة واشتقاقه من البضع فإنه ما بضع من المال للتجارة ) والله عليم بما يعملون ( لم يخف عليه أسرارهم أو صنيع إخوة يوسف بأبيهم وأخيهم
يوسف : ( 20 ) وشروه بثمن بخس . . . . .
) وشروه ( وباعوه وفي مرجع الضمير الوجهان أو اشتروه من اخوته ) بثمن بخس ( مبخوس لزيفه أو نقصانه ) دارهم ( بدل من الثمن ) معدودة ( قليلة فإنهم يزنون ما بلغ الأوقية ويعدمون ما دونها قيل كان عشرين درهما وقيل كان اثنين وعشرين درهما(3/279)
" صفحة رقم 280 "
) وكانوا فيه ( في يوسف ) من الزاهدين ( الراغبين عنه والضمير في ) وكانوا ( إن كان للإخوة فظاهر وإن كان للرفقة بائعين فزهدهم فيه لأنهم التقطوه والملتقط للشيء متهاون به خائف من انتزاعه مستعجل في بيعه وإن كانوا مبتاعين فلأنهم اعتقدوا أنه آبق وفيه متعلق بالزاهدين إن جعل اللام للتعريف وإن جعل بمعنى الذي فهو متعلق بمحذوف بينه الزاهدين لأن متعلق الصلة لا يتقدم على الموصول
يوسف : ( 21 ) وقال الذي اشتراه . . . . .
) وقال الذي اشتراه من مصر ( وهو العزيز الذي كان على خزائن مصر واسمه قطفير أو إطفير وكان الملك يومئذ ريان بن الوليد العمليقي وقد آمن بيوسف عليه السلام ومات في حياته وقيل كان فرعون موسى عاش أربعمائة سنة بدليل قوله تعالى ) ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات ( والمشهور أنه من أولاد فرعون يوسف والآية من قبيل خطاب الأولاد بأحوال الآباء روي أنه اشتراه العزيز وهو ابن سبع عشرة سنة ولبث في منزلة ثلاث عشرة سنة واستوزره الريان وهو ابن ثلاث وثلاثين وسنة وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة واختلف فيما اشتراه به من جعل شراءه به غير الأول فقيل عشرون دينارا وزوجا نعل وثوبان أبيضان وقيل ملؤه فضة وقيل ذهبا ) لامرأته ( راعيل أو زليخا ) أكرمي مثواه ( اجعلي مقامه عندنا كريما أي حسنا والمعنى أحسني تعهده ) عسى أن ينفعنا ( في ضياعنا وأموالنا نستظهر به في مصالحنا ) أو نتخذه ولدا ( نتبناه وكان عقيما لما تفرس فيه من الرشد ولذلك قيل أفرس الناس ثلاثة عزيز مصر وابنه شعيب التي قالت ) يا أبت استأجره ( وأبو بكر حين استخلف عمر رضي الله تعالى عنهما ) وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ( وكما مكنا محبته في قلب العزيز أو كما مكناه في منزله أو كما أنجيناه وعطفنا عليه العزيز مكنا له ففيها ) ولنعلمه من تأويل الأحاديث ( عطف على مضمر تقديره ليتصرف فيها بالعدل ولنعلمه أي كان القصد في إنجائه وتمكينه إلى أن يقيم العدل ويدبر أمور الناس ويعلم معاني كتب الله تعالى وأحكامه فينفذها أو تعبير المنامات المنبهة على الحوادث الكائنة ليستعد لها ويشتغل بتدبيرها قبل أن تحل كما فعل لسنيه ) والله غالب على أمره ( لا يرده شيء ولا ينازعه فيما يشاء أو على أمر يوسف إن أراد به إخوته شيئا وأراد الله غيره فلم يمكن إلا ما أراده ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( أن الأمر كله بيده أو لطائف صنعه وخفايا لطفه(3/280)
" صفحة رقم 281 "
يوسف : ( 22 ) ولما بلغ أشده . . . . .
) ولما بلغ أشده ( منتهى اشتداد جسمه وقوته وهو سن الوقوف ما بين الثلاثين والأربعين وقيل سن الشباب ومبدؤه بلوغ الحلم ) آتيناه حكما ( حكمة وهو العلم المؤيد بالعمل أو حكما بين الناس ) وعلما ( يعني علم تأويل الأحاديث ) وكذلك نجزي المحسنين ( تنبيه على أنه تعالى آتاه ذلك جزاء على إحسانه في عمله واتقانه في عنفوان أمره
يوسف : ( 23 ) وراودته التي هو . . . . .
) وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ( طلبت منه وتمحلت أن يواقعها من راد يرود إذا جاء وذهب لطلب شيء ومنه الرائد ) وغلقت الأبواب ( قيل كانت سبعة والتشديد للتكثير أو للمباغة في الإيثاق ) وقالت هيت لك ( أي أقبل وبادر أو تهيأت والكلمة على الوجهين اسم فعل بني على الفتح كأين واللام للتبيين كالتي في سقيا لك وقرأ ابن كثير بالضم وفتح الهاء تشبيها له بحيث ونافع وابن عامر بالفتح وكسر الهاء كعيط وقرأ هشام كذلك إلا أنه يهمز وقد روي عنه ضم التاء وهو لغة فيه وقرئ ) هيت ( كجير و / هئت / كجئت من هاء يهيء إذا تهيأ وقرئ هيئت وعلى هذا فاللام من صلته ) قال معاذ الله ( أعوذ بالله معاذا ) أنه ( إن الشأن ) ربي أحسن مثواي ( سيدي قطفير أحسن تعهدي إذ قال لك في ) أكرمي مثواه ( فما جزاؤه أن أخونه في أهله وقيل الضمير لله تعالى(3/281)
" صفحة رقم 282 "
أي إنه خالقي أحسن منزلتي بأن عطف على قلبه فلا أعصيه ) إنه لا يفلح الظالمون ( المجازون الحسن بالسيء وقيل الزناة فإن الزنا ظلم على الزاني المزني بأهله
يوسف : ( 24 ) ولقد همت به . . . . .
) ولقد همت به وهم بها ( وقصدت مخالطته وقصد مخالطتها والهم بالشيء قصده والعزم لعيه ومنه الهمام وهو الذي إذا هم بالشيء أمضاه والمراد بهمه عليه الصلاة والسلام ميل الطبع ومنازعة الشهوة لا القصد الإختياري وذلك مما لا يدخل تحت التكليف بل الحقيق بالمدح والأجر الجزيل من الله من يكف نفسه عن الفعل عند قيام هذا الهم أو مشارفة الهم كقولك قتلته لو لم أخف الله ) لولا أن رأى برهان ربه ( في قبح الزنا وسوء مغبته لخالطها لشبق الغلمة وكثرة المغالبة ولا يجوز أن يجعل ) وهم بها ( جواب ) لولا ( فإنها في حكم أدوات الشرط فلا يتقدم عليها دوابها بل الجواب محذوف يدل عليه وقيل رأى جبريل عليه الصلاة والسلام وقيل تمثل له يعقوب عاضا على أنامله وقيل قطفير وقيل نودي يا يوسف أنت مكتوب في الأنبياء وتعمل عمل السفهاء ) كذلك ( أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه أو المر مثل ذلك ) لنصرف عنه السوء ( خيانة السيد ) والفحشاء ( الزنا ) إنه من عبادنا المخلصين ( اللذين أخلصهم الله لطاعته وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب بالكسر في كل القرآن إذا كان في أوله الألف واللام أي الذين أخلصوا دينهم لله(3/282)
" صفحة رقم 283 "
يوسف : ( 25 ) واستبقا الباب وقدت . . . . .
) واستبقا الباب ( أي تسابقا غلى الباب فحذف الجار أو ضمن الفعل معنى الإبتدار وذلك أن يوسف فر منها ليخرج وأسرعت وراءه لتمنعه الخروج ) وقدت قميصه من دبر ( اجتذبته من ورائه فانقذ قميصه والقد الشق طولا والقط الشق عرضا ) وألفيا سيدها ( وصادفا زوجها ) لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم ( إسهاما بأنها فرت منه تبرئة لساحتها عد زوجها وتغييره على يوسف وإغراءه به انتقاما منه و ) ما ( نافيه أو استفهامية بمعنى أي شيء جزاءه إلا السجن
يوسف : ( 26 ) قال هي راودتني . . . . .
) قال هي راودتني عن نفسي ( طالبتني بلمؤاتاة وإنما قال ذلك دفعا لما عرضته له من السجن أو العذاب الأليم ولو لم تكذب عليه لما قاله ) وشهد شاهد من أهلها ( قيل ابن عم لها وقيل ابن خال لها صبيا في المهد وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تكلم أربعة صغارا ابن ماشطة فرعون وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى أبن مريم عليه الصلاة والسلام وإنما ألقى الله الشهادة على لسان أهلها لتكون ألزم عليها ) إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين ( لأنه يدل على أنها قدت قميصه من تقدامه بالدفع عن نفسها أو أنه أسرع خلفها فتعثر بذيله فانقذ جيبه
يوسف : ( 27 ) وإن كان قميصه . . . . .
) وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين ( لأنه يدل على أنه تعبته فاجتذبت ثوبه فقدته والشرطية محكية على إرادة القول أو على أن فعل الشهادة من القول وتسميتها لأنها أت مؤادها والجمع بين إن وكان على تأويل أن يعلم أنه كان ونحوه ونظيره قولك إن أحسنت إلى اليوم فقد أحسنت إليك من قبل فإن معناه أن تمنن علي بإحسانك أمنن عليك بإحساني لك السابق وقرىء ) من قبل ( و ) من دبر ( بالضم لأنهما قطعا عن الإضافة كقبل وبعد وبالفتح كأنهما جعلا علمين للجهتين فمنعا الصرف وبسكون العين(3/283)
" صفحة رقم 284 "
يوسف : ( 28 ) فلما رأى قميصه . . . . .
) فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه ( إن قولك ) ما جزاء من أراد بأهلك سوءا ( إن السوء أو إن هذا الأمر ) من كيدكن ( من حيلتكن والخطاب لها ولأمثالها أو لسائر النساء ) إن كيدكن عظيم ( فإن كيد السناء ألطف وأعلق بالقلب واشد تأثيرا في النفس ولأنهن يواجهن به الرحال والشيطان يوسوس به مارقة
يوسف : ( 29 ) يوسف أعرض عن . . . . .
) يوسف ( حذف منه حرف النداء لقربه وتفطنه للحديث ) أعرض عن هذا ( أكتمه ولا تذكره ) واستغفري لذنبك ( يا راعيل ) إنك كنت من الخاطئين ( من القوم المذنبين من خطى إذا أذنب متعمدا والتذكير للتغليب
يوسف : ( 30 ) وقال نسوة في . . . . .
) وقال نسوة ( هي اسم لجمع امرأة وتأنيثه بهذا الإعتبار غير حقيقي ولذلك جرد فعله وضم النون لغة فيها ) في المدينة ( ظرف لقال أي أشعن الحاكية فيمصر أو صفة نسوة وكن خمسا زوجة الحاجب والساقي والخباز والسجان وصاحب الدواب ) امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه ( تطلب مواقعة غلامها إياها و ) العزيز ( بلسان العرب الملك وأصل فتى فتي لقولهم فتيان والفتوة شاذة ) قد شغفها حبا ( شق شغاف قلبها وهو حجابه حتى وصل إلى فؤادها حبا ونصبه على التمييز لصرف الفعل عنه وقرىء / شعفها / من شعف البعير إذا هنأه بالقطران فأحرقه ) إنا لنراها في ضلال مبين ( في ضلال عن الرشد وبعد عن الصواب
يوسف : ( 31 ) فلما سمعت بمكرهن . . . . .
) فلما سمعت بمكرهن ( باغتيابهن وإنما سماه مكرا لأنهن أخفينه كما يخفي الماكر مكره أو قلن ذلك لتريهن يوسف أو لأنها استكتمتهن سرها فأفشينه عليها ) أرسلت إليهن ( تدعوهن قيل دعت أربعين امرأة فيهن الخمس المذكورات ) وأعتدت لهن متكأ ( ما يتكن عليه من الوسائد ) وآتت كل واحدة منهن سكينا ( حتى يتكئن والسكاكين(3/284)
" صفحة رقم 285 "
بأيدهن فإذا خرج عليهن يبهتن ويشغلن عن نفوسهن فتقع أيديهن على أيدهن فيقطعنها فيبكتن بالحجة أو يهاب يوسف مكرها إذا خرج وحده على أربعين امرأة في ايديهن الخناجر وقيل متكأ طعاما أو مجلس طعام فإنهم كانوا يتكئون للطعام والشراب ترفا ولذلك نهى عنه جميل " فظللنا بنعمة واتكأنا وشربنا الحلال منن قللة " وقيل المتكأ طعام يحز حزا كأن القاطع يتكىء عليه بالسكين وقرىء ) متكأ ( بحذف الهمزة / متكاء / بإشباع الفتحة كمنتزاح و ) متكأ ( وهو الأترج أو ما يقطع من متك الشيء إذا بتكه و ) متكأ ( من تكىء يتكأ إذا اتكأ ) وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه ( عظمنه وهبن حسنه الفائق وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ورأيت يوسف ليلة المعراج كالقمر ليلة البدر وقيل كان يرى تلألؤ وجهه على الجدران وقيل أكبرن بمعنى حضن من أكبرت المرأة إذا حاضت لأنها تدخل الكبر بالحيض والهاء ضمير للمصدر أو ليوسف عليه الصلاة والسلام على حذف اللام أي حضن له من شدة الشبق كما قال المتنبي " خف الله واستر ذا الجمال ببرقع فإن لحت حاضت في الخدور العوائق " ) وقطعن أيديهن ( جرحنها بالسكاكين من فرط الدهشة ) وقلن حاش لله ( تنزيها له من صفات العجز وتعجبا من قدرته على خلق مثله وأصله / حاشا / كما قرأ أبو عمرو في الدرج فحذفت ألف الأخيرة تخفيفا وهو حرف يفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء فوضع الاستثناء فوضع موضع التنزيه واللام للبيان كما في قولك سقيا لك وقرئ حاشا الله بغير لام بمعنى براءة الله وحاشا لله بالتنوين على تنزيله منزلة المصدر وقيل حاشا فاعل من الحشا الذي هو الناحية وفاعله ضمير يوسف أي صار في ناحية لله مما يتوهم فيه ) ما هذا بشرا ( لأن الجمال غير معهود للبشر وهو على لغة الحجاز في إعمال ما عمل ليس لمشاركتها(3/285)
" صفحة رقم 286 "
في نفي الحال وقرئ بشر بالرفع على لغة تميم وبشرى أي بعبد مشترى لئيم ) إن هذا إلا ملك كريم ( فإن الجمع بين الجمال الرائق والكمال الفائق والعصمة البالغة من خواص الملائكة أو لأن جماله فوق البشر ولا يفوقه فيه إلا الملك
يوسف : ( 32 ) قالت فذلكن الذي . . . . .
) قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ( أي فهو ذلك العبد الكنعاني الذي لمتنني في الافتنان به قبل أن تتصورنه حق تصوره ولو تصورتنه بما عاينتن لعذرتنني أو فهذا الذي لمتنني فيه فوضع ذلك موضع هذا رفعا لمنزلة المشار إليه ) ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ( فامتنع طلبا للعصمة أقرت لهن حين عرفت أنهن يعذرنها كي يعاونها على إلانه عريكته ) ولئن لم يفعل ما آمره ( أي ما آمر به فحذف الجار أو أمري إياه بمعنى موجب أمري فيكون الضمير ليوسف ) ليسجنن وليكونن من الصاغرين ( من الاذلاء وهو من صغر بالكسر يصغر صغرا وصغارا والصغير من صغر بالضم صغرا وقرئ ) ليكونن ( وهو يخالف خط المصحف لأن النون كتبت فيه بالألف ك ) لنسفعا ( على حكم الوقف وذلك في الخفيفة لشبهها بالتنوين
يوسف : ( 33 ) قال رب السجن . . . . .
) قال رب السجن ( وقرأ يعقوب بالفتح على المصدر ) أحب إلي مما يدعونني إليه ( أي أثر عندي من مؤاناتها نظرا إلى العاقبة وإن كان هذا مما تشتهيه النفس وذلك مما تكرهه وإسناد الدعوة إليهن جميعا لأنهن خوفنه من مخالفتها وزين لها مطاوعتها أو دعونه إلى أنفسهن وقيل إنما ابتلي بالسجن لقوله هذا وإنما كان الأولى به أن يسأل الله العافية ولذلك رد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على من كان يسأل الصبر ) وإلا تصرف عني ( وإن لم تصرف عني ) كيدهن ( في تحبيب ذلك إلي وتحسينه عندي بالتثبيت على العصمة(3/286)
" صفحة رقم 287 "
) أصب إليهن ( أمل إلى جانبهن أو إلى أنفسهن بطبعي ومقتضى شهوتي والصبوة الميل إلى الهوى ومنه الصبا لأن النفوس تستطيبها وتميل إليها وقرئ ) أصب ( من الصبابة وهي الشوق ) وأكن من الجاهلين ( من السفهاء بارتكاب ما يدعونني إليه فإن الحكيم لا يفعل القبيح أو من الذين لا يعملون بما يعلمون فإنهم والجهال سواء
يوسف : ( 34 ) فاستجاب له ربه . . . . .
) فاستجاب له ربه ( فأجاب الله دعاءه الذي تضمنه قوله ) وإلا تصرف ( ) فصرف عنه كيدهن ( فثبته بالعصمة حتى وطن نفسه على مشقة السجن وآثرها على اللذة المتضمنة للعصيان ) إنه هو السميع ( لدعاء الملتجئين إليه ) العليم ( بأحوالهم وما يصلحهم
يوسف : ( 35 ) ثم بدا لهم . . . . .
) ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ( ثم ظهر للعزيز وأهله من بعد ما رأوا الشواهد الدالة على براءة يوسف كشهادة الصبي وقد القميص وقطع النساء أيديهن واستعصامه عنهن وفاعل ) بدا ( مضمر يفسره ) ليسجننه حتى حين ( وذلك لأنها خدعت زوجها وحملته على سجنه سبع سنين وقرئ بالتاء على أن بعضهم خاطب به العزيز على التعظيم أو العزيز ومن يليه وعتى بلغة هذيل
يوسف : ( 36 ) ودخل معه السجن . . . . .
) ودخل معه السجن فتيان ( أي أدخل يوسف السجن واتفق أنه أدخل حينئذ أخران من عبيد الملك شرابيه وخبازه للاتهام بأنهما يريدان أن يسماه ) قال أحدهما ( يعني الشرابي ) إني أراني ( أي في المنام وهي حكاية حال ماضية ) أعصر خمرا ( أي عنبا وسماه خمرا باعتبار ما يؤول إليه ) وقال الآخر ( أي الخباز ) إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه ( تنهش منه ) نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين ( من الذين يحسنون تأويل الرؤيا أو من العالمي وإنما قالا ذلك لأنهما رأياه في السجن يذكر الناس ويعبر رؤياهم أو من المحسنين إلى أهل السجن فأحسن إلينا بتأويل ما رأينا إن كنت تعرفه
يوسف : ( 37 ) قال لا يأتيكما . . . . .
) قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله ( أي بتأويل ما قصصتما علي أو(3/287)
" صفحة رقم 288 "
بتأويل الطعام يعني بيان ماهيته وكيفيته فإنه يشبه تفسير المشكل كأنه أراد أن يدعوهما إلى التوحيد ويرشدهما إلى الطريق القويم قبل أن يسعف إلى ما سألاه منه كما هو طريقة الأنبياء والنازلين منازلهم من العلماء في الهداية والإرشاد فقدم ما يكون معجزة له من الأخبار بالغيب ليدلهما على صدقه في الدعوة والتعبير ) قبل أن يأتيكما ذلكما ( أي ذلك التأويل ) مما علمني ربي ( بالإلهام ) وهم بالآخرة هم كافرون ( تعليل لما قبله أي علمني ذلك لأني تركت ملة أولئك
يوسف : ( 38 ) واتبعت ملة آبائي . . . . .
) واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ( أو كلام مبتدأ لتمهيد الدعوة وإظهار أنه من بيت النبوة لتقوى رغبتهما في الاستماع إليه والوثوق عليه ولذلك جوز للخامل أن يصف نفسه حتى يعرف فيقتبس منه وتكرير الضمير للدلالة على اختصاصهم وتأكيد كفرهم بالآخرة ) ما كان لنا ( ما صح لنا معشر الأنبياء ) أن نشرك بالله من شيء ( أي شيء كان ) ذلك ( أي التوحيد ) من فضل الله علينا ( بالوحي ) وعلى الناس ( وعلى سائر الناس يبعثنا لإرشادهم وتثبيتهم عليه ) ولكن أكثر الناس ( المبعوث إليهم ) لا يشكرون ( هذا الفضل فيعرضون عنه ولا ينتبهون أو من فضل الله علينا وعليهم بنصب الدلائل وإنزال الآيات ولكن أكثرهم لا ينظرون إليها ولا يستدلون بها فيلغوها كمن يكفر النعمة ولا يشكرها
يوسف : ( 39 ) يا صاحبي السجن . . . . .
) يا صاحبي السجن ( أي يا ساكنيه أو يا صاحبي فيه فأضافهما إليه على الاتساع كقوله " يا سارق الليلة أهل الدار " ) أأرباب متفرقون ( شتى متعددة متساوية الأقدام ) خير أم الله الواحد ( المتوحد بالألوهية ) القهار ( الغالب الذي لا يعادله ولا يقاومه غيره
يوسف : ( 40 ) ما تعبدون من . . . . .
) ما تعبدون من دونه ( خطاب لهما ولمن على دينهما من أهل مصر ) إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ((3/288)
" صفحة رقم 289 "
أي إلا الأشياء باعتبار أسام أطلقتم عليها من غير حجة تدل على تحقق مسمياتها فيها فكأنكم لا تعبدون إلا الأسماء المجردة والمعنى أنكم سميتم ما لم يدل على استحقاقه الألوهية عقل ولا نقل آلهة ثم أخذتم تعبدنوها باعتبار ما تطلقون عليها ) إن الحكم ( ما الحكم في أمر العبادة ) إلا لله ( لأنه المستحق لها بالذات من حيث إنه الواجب لذاته الموجد للكل والمالك لأمره ) أمر ( على لسان أنبيائه ) ألا تعبدوا إلا إياه ( الذي دلت عليه الحجج ) ذلك الدين القيم ( الحق وأنتم لا تميزون المعوج عن القويم وهذا من التدرج في الدعوة وإلزام الحجة بين لهم أولا رجحان التوحيد على اتخاذ الآلهة على طريق الخطابة ثم برهن على أن ما يسمونها آلهة ويعبدونها لا تستحق الالهية فإن استحقاق العبادة إما بالذات وإما بالغير وكلا القسمين منتف عنها ثم نص على ما هو الحق القويم والدين المستقيم الذي لا يقتضي العقل غيره ولا يرتضي العلم دونه ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( فيخبطون في جهالاتهم
يوسف : ( 41 ) يا صاحبي السجن . . . . .
) يا صاحبي السجن أما أحدكما ( يعني الشرابي ) فيسقي ربه خمرا ( كان يسقيه قبل ويعود إلى ما كان عليه ) وأما الآخر ( يريد به الخباز ) فيصلب فتأكل الطير من رأسه ( فقالا كذبنا فقال ) قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ( أي قطع الأمر الذي تستفتيان فيه وهو ما يؤول إليه أمركما ولذلك وحده فإنهما وإن استفتيا في أمرين لكنهما أرادا استبانة عاقبة ما نزل بهما
يوسف : ( 42 ) وقال للذي ظن . . . . .
) وقال للذي ظن أنه ناج منهما ( الظان يوسف إن ذكر ذلك عن اجتهاد وإن ذكره عن وحي فهو الناجي إلا أن يؤول الظن باليقين ) اذكرني عند ربك ( اذكر حالي عند الملك كي يخلصني ) فأنساه الشيطان ذكر ربه ( فأنسى الشرابي أن يذكره لربه فأضاف إليه(3/289)
" صفحة رقم 290 "
المصدر لملابسته له أو على تقدير ذكر أخبار ربه أو أنسي يوسف ذكر الله حتى استعان بغيره ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام رحم الله أخي يوسف لو لم يقل ) اذكرني عند ربك ( لما لبث في السجن سبعا بعد الخمس والاستعانة بالعباد في كشف الشدائد وإن كانت محمودة في الجملة لكنها لا تليق بمنصب الأنبياء وهو القطع المصدر لملابسته له أو على تقدير ذكر أخبار أو أنسي يوسف ذكر الله حتى استعان بغيره ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام رحم الله أخي يوسف لو لم يقل ) اذكرني عند ربك ( لما لبث في السجن سبعا بعد الخمس والاستعانة بالعباد في ككشف الشدائد وإن كانت محمودة في الجملة لكنها لا تليق بمنصب الأنبياء ) فلبث في السجن بضع سنين ( البضع ما بين الثلاث إلى التسع من البضع وهو القطع
يوسف : ( 43 ) وقال الملك إني . . . . .
) وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف ( لما دنا فرجه رأى الملك سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس وسبع بقرات مهازيل فابتلعت المهازيل السمان ) وسبع سنبلات خضر ( قد انعقد حبها ) وأخر يابسات ( وسبعا آخر يابسات قد أدركت فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبت عليها وإنما استغنى عن بيان حالها بم(3/290)
" صفحة رقم 291 "
قص من حال البقرات وأجرى السمان على المميز دون المميز لأن التمييز بها ووصف السبع الثاني بالعجاف لتعذر التمييز بها مجردأ عن الموصوف فإنه لبيان الجنس وقياسه عجف لأنه جمع عجفا عجفاء لكنه حمل على ) سمان ( لأنه نقيضه ) يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي ( عبروها ) إن كنتم للرؤيا تعبرون ( إن كنتم عالمين بعبارة الرؤيا وهي الإنتقال من الصور الخيالية إلى المعاني النفسانية التي هي مثالها من العبور وهي المجاوزة وعبرت الرؤيا عبارة أثبت من عبرتها تعبيرا واللام للبيان أو لتقوية العامل فإن الفعل لما أخر عن مفعول ضعف فقوي باللام كاسم الفاعل أو لتضمن ) تعبرون ( معنى فعل يعدى باللام كأنه قيل إن كنتم تنتدبون لعبارة الرؤيا
يوسف : ( 44 ) قالوا أضغاث أحلام . . . . .
) قالوا أضغاث أحلام ( أي هذه أضغاث أحلام وهي تخاليطها جمع ضغث واصله ما جمع من أخلاط النبات وحزم فاستعير للرؤيا الكاذبة وإنما جمعوا للمبالغة في وصف الحلم بالبطلان كقولهم فلان يركب الخيل أو لتضمنه أشياء مختلفة ) وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ( يريدون بالأحلام المنامات الباطلة خاصة أي ليس لا تأويل عندنا وإنما التأويل للمنامات الصادقة فهو كنه مقدمة للعذر في جهلهم بتأويله
يوسف : ( 45 ) وقال الذي نجا . . . . .
) وقال الذي نجا منهما ( من صاحبي السجن وهو الشرابي ) وادكر بعد أمة ( وتذكر يوسف بعد جماعة من الزمان مجتمعة أي مدة طويلة وقرىء ) أمة ( بكسر الهمزة وهي النعمة أي بعدما أنعم عليه بالنجاة وأمه أي نسيان يقال أمه يأمه أمها إذا نسي والجملة اعتراض ومقول القول ) أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون ( أي إلى من عنده علمه أو إلى السجن(3/291)
" صفحة رقم 292 "
يوسف : ( 46 ) يوسف أيها الصديق . . . . .
) يوسف أيها الصديق ( أي فأرسل إلى يوسف فجاءه فقال يا يوسف وإنما وصفه بالصديق وهو المبالغ في الصدق لأنه جرب أحواله وعرف صدقه في تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه ) أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات ( أي في رؤيا ذلك ) لعلي أرجع إلى الناس ( أعود إلى الملك ومن عنده أو إلى أهل البلد إذ قيل إن السجن لم يكن فيه ) لعلهم يعلمون ( تأويلها أو فضلك ومكانك وإنما لم يبت الكلام فيهما لأنه لم يكن جازما بالرجوع فربما اخترم دونه ولا يعلمهم
يوسف : ( 47 ) قال تزرعون سبع . . . . .
) قال تزرعون سبع سنين دأبا ( أي على الحال بمعنى دائبين أو المصدر بإضمار فعله أي تدأبون دأبا وتكون الجملة حالا وقرأ حفص ) دأبا ( بفتح الهمزة وكلاهما مصدر دأب في العمل وقيل ) تزرعون ( أمر أخرجه في صورة الخبر مبالغة لقوله ) فما حصدتم فذروه في سنبله ( لئلا يأكله السوس وهو على الأول نصيحة خارجة عن العبارة ) إلا قليلا مما تأكلون ( في تلك السنين
يوسف : ( 48 ) ثم يأتي من . . . . .
) ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن ( أي يأكل أهلهن ما ادخرتم لأجلهن فأسند إليهن على المجاز تطبيقا بين المعبر والمعبر به ) إلا قليلا مما تحصنون ( تحرزون لبذور الزراعة
يوسف : ( 49 ) ثم يأتي من . . . . .
) ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس ( يمطرون من الغيث أو يغاثون من القحط من الغوث ) وفيه يعصرون ( ما يعصر كالعنب والزيتون لكثرة الثمار وقيل يحلبون(3/292)
" صفحة رقم 293 "
الضروع وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على تغليب المستفتي وقرئ على بناء المفعول من عصره إذا أنجاه ويحتمل أن يكون المبني للفاعل منه أي يغيثهم الله ويغيث بعضهم بعضا أو من أعصرت السحابة عليهم فعدي بنزع الخافض أو بتضمينه معنى المطر وهذه بشارة بشرهم بها بعد أن أول البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخصبة والعجاف واليابسات بسنين مجدبة وابتلاع العجاف السمان يأكل ما جمع في السنين المخصبة في السنين المجدبة ولعله علم ذلك بالوحي أو بأن انتهاء الجدب بالخصب أو بأن السنة الآلهية على أن يوسع على عباده بعد ما ضيق عليهم
يوسف : ( 50 ) وقال الملك ائتوني . . . . .
) وقال الملك ائتوني به ( بعد ما جاءه الرسول بالتعبير ) فلما جاءه الرسول ( ليخرجه ) قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ( إنما تأنى في الخروج وقدم سؤال النسوة وفحص حالهن لتظهر براءة ساحته ويعلم أنه سجن ظلما فلا يقدر الحاسد أن يتوسل به إلى تقبيح أمره وفيه دليل على أنه ينبغي أن يجتهد في نفي التهم ويتقي مواقعها وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبثت لأسرعت الإجابة وإنما قال فأسأله ما بال النسوة ولم يقل فاسأله أن يفتش عن حالهن تهييجا له على البحث وتحقيق الحال وغنما لم يتعرض لسيدته مع ما صنعت به كرما ومراعاة للأدب وقرئ ) النسوة ( بضم النون ) إن ربي بكيدهن عليم ( حين قلن لي أطع مولاتك وفيه تعظيم كيدهن والاستشهاد بعلم الله عليه وعلى أنه بريء مما قذف به والوعيد لهن على كيدهن
يوسف : ( 51 ) قال ما خطبكن . . . . .
) قال ما خطبكن ( قال الملك لهن ما شأنكن والخطب أمر يحق أن يخاطب فيه صاحبه ) إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ( تنزيه له وتعجب من قدرته على خلق(3/293)
" صفحة رقم 294 "
عفيف مثله ) ما علمنا عليه من سوء ( من ذنب ) قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق ( ثبت واستقر من حصحص البعير إذا ألقى مباركة ليناخ قال فحصحص في صم الصفا ثفنانته وناء بسلمى نوأة ثم صمما أو ظهر من حص شعره إذا استأصله بحيث ظهرت بشرة رأسه وقرئ على البناء للمفعول ) أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ( في قوله ) هي راودتني عن نفسي )
يوسف : ( 52 - 53 ) ذلك ليعلم أني . . . . .
) ذلك ليعلم ( قاله يوسف لما عاد إليه الرسول وأخبره بكلامهن أي ذلك التثبت ليعلم العزيز ) أني لم أخنه بالغيب ( بظهر الغيب وهو حال من الفاعل أو المفعول أي لم أخنه وأنا غائب عنه أو وهو غائب عني أو ظرف أي بمكان الغيب وراء الأستار والأبواب المغلقة ) وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ( لا ينفذه ولا يسدده أو لا يهدي الخائنين بكيدهم فأوقع الفعل على الكيد مبالغة وفيه تعريض براعيل في خيانتها زوجها وتوكيد لأمانته ولذلك عقبه بقوله ) وما أبرئ نفسي ( أي لا أنزهها تنبيها على أنه لم يرد بذلك تزكية نفسه والعجب بحاله بل إظهار ما أنعم الله عليه من العصمة والتوفيق وعن ابن عباس أنه لما قال(3/294)
" صفحة رقم 295 "
) ليعلم أني لم أخنه بالغيب ( قال له جبريل ولا حين هممت فقال ذلك ) إن النفس لأمارة بالسوء ( من حيث إنها بالطبع مائلة إلى الشهوات فتهتم بها وتستعمل القوى والجوارح في أثرها كل الأوقات ) إلا ما رحم ربي ( إلا وقت رحمة ربي أو إلا ما رحمه الله من النفوس فعصمه من ذلك وقيل الاستثناء منقطع أي ولكن رحمة ربي هي التي تصرف الإساءة وقيل الآية حكاية قول راعيل والمستثنى نفس يوسف وأضرابه وعن ابن كثير ونافع / بالسو / على قلب الهمزة واوا ثم الادغام ) إن ربي غفور رحيم ( يغفر هم النفس ويرحم من يشاء بالعصمة أو يغفر للمستغفر لذنبه المعترف على نفسه ويرحمه ما استغفره واسترحمه مما ارتكبه
يوسف : ( 54 ) وقال الملك ائتوني . . . . .
) وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي ( أجعله خالصا لنفسي ) فلما كلمه ( أي فلما أتو به فكلمه وشاهد من الرشد والدهاء ) قال إنك اليوم لدينا مكين ( ذو مكانة ومنزلة ) آمين ( مؤتمن على كل شيء روي أنه لما خرج من السجن اغتسل وتنظف ولبس ثيابا جددا فلما دخل على الملك قال اللهم أني أسألك من خيره وأعوذ بعزتك وقدرتك من شره ثم سلم عليه ودعا له بالعبرية فقال الملك ما هذا اللسان قال لسان آبائي وكان الملك يعرف سبعين لسانا فكلمه بها فأجابه بجميعهما فتعجب منه فقال أحب أن أسمع رؤياي منك فحكاها ونعت له بالبقرات والسنابل وأمكانها على ما رآها فأجلسه على السرير وفوض إليه أمره وقيل توفي قطفير في تلك الليالي فنصبه منصبه وزوج منه راعيل فوجدها عذراء وولد له منها أفرائيم وميشا
يوسف : ( 55 ) قال اجعلني على . . . . .
) قال اجعلني على خزائن الأرض ( ولني أمرها والأرض أرض مصر ) إني حفيظ ( لها ممن لا يستحقها ) عليم ( بوجوه التصرف فيه ولعله عليه السلام لما رأى أنه يستعمله في أمره لا محالة آثر ما تعم فوائده وتجل عوائده وفيه دليل على جواز طلب التولية وإظهار أنه مستعد لها والتولي من يد الكافر إذا علم أنه لا سبيل إلى إقامة الحق وسياسة الخلق إلا بالاستظهار به وعن مجاهد أن الملك أسلم على يده(3/295)
" صفحة رقم 296 "
يوسف : ( 56 ) وكذلك مكنا ليوسف . . . . .
) وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ( في أرض مصر ) يتبوأ منها حيث يشاء ( ينزل من بلادها حيث يهوى وقرأ ابن كثير ) نشاء ( بالنون ) نصيب برحمتنا من نشاء ( في الدنيا والآخرة ) ولا نضيع أجر المحسنين ( بل نوفي أجورهم عاجلا وآجلا
يوسف : ( 57 ) ولأجر الآخرة خير . . . . .
) ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون ( الشرك والفواحش لعظمه ودوامه
يوسف : ( 58 ) وجاء إخوة يوسف . . . . .
) وجاء إخوة يوسف ( روي أنه لما استوزره الملك أقام العدل واجتهد في تكثير الزراعات وضبط الغلات حتى دخلت السنون المجدبة وعم القحط مصر والشأم ونواحيهما وتوجه إليه الناس فباعها أولا بالدراهم والدنانير حتى لم يبق معهم شيء منها ثم بالحلي والجواهر ثم بالدواب ثم بالضياع والعقار ثم برقابهم حتى استرقهم جميعا ثم عرض الأمر على الملك فقال الرأي رايك فأعتقهم ورد عليهم أموالهم وكان قد أصاب كنعان ما أصاب سائر البلاد فأرسل يعقوب بنيه غير بنيامين إليه للميرة ) فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون ( اي عرفهم يوسف ولم يعرفوه لطول العهد ومفارقتهم إياه في سن الحداثة ونسيانهم إياه وتوهمهم أنه هلك وبعد حاله التي رأوه عليها من حاله حين فارقوه وقلة تأملهم في حلاه من التهيب والاستعظام
يوسف : ( 59 ) ولما جهزهم بجهازهم . . . . .
) ولما جهزهم بجهازهم ( أصلحهم بعدتهم وأوقر ركائبهم بما جاؤوا لأجله والجهاز ما يعد من الأمتعة للنقلة كعدد السفر وما يحمل من بلدة إلى أخرى وما تزف به المرأة إلى زوجها وقرئ ) بجهازهم ( بالكسر ) قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ( روي أنهم لما دخلوا عليه قال من أنتم وما أمركم لعلكم عيون قالوا معاذ الله إنما نحن بنو أب واحد وهو شيخ كبير صديق نبي من الأنبياء اسمه يعقوب قال كم أنتم قالوا كنا اثني عشر فذهب أحدنا إلى البرية فهلك قال فكم أنتم ها هنا قالوا عشرة قال فأين الحادي عشر قالوا عند أبينا يتسلى به عن الهالك قال فمن يشهد لكم قالوا لا يعرفنا أحد ها هنا فيشهد لنا قال فدعو بعضكم عندي رهينة وائتوني بأخيكم من أبيكم حتى أصدقكم فاقترعوا فأصابت شمعون وقيل كان يوسف يعطي لكل نفر حملا فسألوه حملا زائدا لأخ لهم من أبيهم فأعطاهم وشرط عليهم أن يأتوه به ليعلم صدقهم ) ألا ترون أني أوفي الكيل ((3/296)
" صفحة رقم 297 "
أتمه ) وأنا خير المنزلين ( للضيف والمضيفين لهم وكان أحسن إنزالهم وضيافتهم
يوسف : ( 60 ) فإن لم تأتوني . . . . .
) فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون ( ولا تدخلوا دياري وهو إما نهي أو نفي معطوف على الجزاء
يوسف : ( 61 ) قالوا سنراود عنه . . . . .
) قالوا سنراود عنه أباه ( سنجتهد في طلبه من أبيه ) وإنا لفاعلون ( ذلك لا نتوانى فيه
يوسف : ( 62 ) وقال لفتيانه اجعلوا . . . . .
) وقال لفتيانه ( لغلمانه الكيالين جمع فتى وقرأ حمزة والكسائي وحفص ) لفتيانه ( على أنه جمع الكثرة ليوافق قوله ) اجعلوا بضاعتهم في رحالهم ( فإنه وكل بكل رحل واحدا يعني فيه بضاعتهم التي شروا بها الطعام وكانت نعالا وأدما وإنما فعل ذلك توسيعا وتفضلا عليهم وترفعا من أن يأخذ ثمن الطعام منهم وخوفا من أن لا يكون عند أبيه ما يرجعون به ) لعلهم يعرفونها ( لعلهم يعرفون حق ردها أو لكي يعرفوها ) إذا انقلبوا ( انصرفوا ورجعوا ) إلى أهلهم ( وفتحوا أوعيتهم ) لعلهم يرجعون ( لعل معرفتهم ذلك تدعوهم إلى الرجوع
يوسف : ( 63 ) فلما رجعوا إلى . . . . .
) فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل ( حكم بمنعه هذا إن لم نذهب ببنيامين ) فأرسل معنا أخانا نكتل ( نرفع المانع من الكيل ونكتل ما نحتاج إليه وقرأ حمزة والكسائي بالياء على إسناده إلى الأخ أي يكتل لنفسه فينضم اكتياله إلى اكتيالنا ) وإنا له لحافظون ( من أن يناله مكروه
يوسف : ( 64 ) قال هل آمنكم . . . . .
) قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل ( وقد قلتم في يوسف ) وإنا له لحافظون ( فالله خير حافظا فأتوكل عليه ) وأفوض أمري ( إليه وانتصاب / حفظا / على التمييز و ) حافظا ( على قراءة حمزة والكسائي وحفص يحتمله والحال كقوله لله دره(3/297)
" صفحة رقم 298 "
فارسا وقرئ / خير حافظ / و / خير الحافظين / ) وهو أرحم الراحمين ( فارجوا أن يرحمني بحفظه ولا يجمع على مصيبتين
يوسف : ( 65 ) ولما فتحوا متاعهم . . . . .
) ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم ( وقرئ ) ردت ( بنقل كسرة الدال المدغمة إلى الراء نقلها في بيع وقيل ) قالوا يا أبانا ما نبغي ( ماذا نطلب هل من مزيد على ذلك أكرمنا وأحسن مثوانا وباع منا ورد علينا متاعنا أو لا نطلب وراء ذلك إحسانا أو لا نبغي في القول ولا نزيد فيما حكينا لك من إحسانه وقرئ / ما تبغي / على الخطاب أي شيء تطلب وراء هذا الإحسان أو من الدليل على صدقنا ) هذه بضاعتنا ردت إلينا ( استئناف موضح لقوله ) ما نبغي ( ) ونمير أهلنا ( معطوف على محذوف أي ردت إلينا فنستظهر بها ونمير أهلنا بالرجوع إلى الملك ) ونحفظ أخانا ( عن المخاوف في ذهابنا وإيابنا ) ونزداد كيل بعير ( وسق بعير باستصحاب أخينا هذا إذا كانت ) ما ( استفهامية فأما إذا كانت نافية احتمل ذلك واحتمل أن تكون الجمل معطوفة على ) ما نبغي ( أي لا نبغي فيما نقول ) ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ( ) ذلك كيل يسير ( أي مكيل قليل لا يكفينا استقلوا ما كيل لهم فأرادوا أن يضاعفوه بالرجوع إلى الملك ويزدادوا إليه ما يكال لأخيهم ويجوز أن تكون الإشارة إلى كيل بعير أي ذلك شيء قليل لا يضايقنا فيه الملك ولا يتعاظمه وقيل إنه من كلام يعقوب ومعناه إن حمل بعير شيء يسير لا يخاطر لمثله بالولد
يوسف : ( 66 ) قال لن أرسله . . . . .
) قال لن أرسله معكم ( إذ رأيت منكم ما رأيت ) حتى تؤتون موثقا من الله ( حتى تعطوني ما أتوثق به من عند الله أي عهدا مؤكدا بذكر الله ) لتأتنني به ( جواب القسم إذ المعنى حتى تحلفوا بالله لتأتيني به ) إلا أن يحاط بكم ( إلا أن تغلبوا فلا تطيقوا ذلك أو إلا أن تهلكوا جميعا وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال والتقدير لتأتنني به على كل حال إلا حال الإحاطة بكم أو من أعم العلل على أن قوله لتأتنني به على كل حال إلا حال الإحاطة بكم أو من أعم العلل على أن قوله لتأتنني به في تأويل النفي أي لا تمتنعون(3/298)
" صفحة رقم 299 "
من الإتيان به إلا للإحاطة بكم كقولهم أقسمت بالله إلا فعلت أي ما أطلب إلا فعلك ) فلما آتوه موثقهم ( عهدهم ) قال الله على ما نقول ( من طلب الموثق وإتيانه ) وكيل ( رقيب مطلع
يوسف : ( 67 ) وقال يا بني . . . . .
) وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة ( لأنهم كانوا ذوي جمال وأبهة مشتهرين في مصر بالقربة والكرامة عند الملك فخاف عليهم أن يدخلوا كوكبة واحدة فيعانوا ولعله لم يوصهم بذلك في الكرة الأولى لأنهم كانوا مجهولين حينئذ أو كان الداعي إليها خوفه على بنيامين وللنفس آثار منها العين والذي يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام في عوذته اللهم إني أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ) وما أغني عنكم من الله من شيء ( مما قضي عليكم بما أشرت به إليكم فإن الحذر لا يمنع القدر ) إن الحكم إلا لله ( يصيبكم لا محالة إن قضي عليكم سوء ولا ينفعكم ذلك ) عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ( جمع بين الحرفين في عطف الجملة على الجملة لتقدم الصلة للاختصاص كأن الواو للعطف والفاء لإفادة التسبب فإن فعل الأنبياء سبب لأن يقتدي بهم
يوسف : ( 68 ) ولما دخلوا من . . . . .
) ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ( أي من أبواب متفرقة في البلد ) ما كان يغني عنهم ( رأي يعقوب واتباعهم له ) من الله من شيء ( مما قضاه عليهم كما قال يعقوب عليه السلام فسرقوا وأخذ بنيامين بوجدان الصواع في رحله وتضاعف المصيبة على يعقوب ) إلا حاجة في نفس يعقوب ( استثناء منقطع أي ولكن حاجة في نفسه يعني شفقته عليهم وحرازته من أن يعانوا ) قضاها ( أظهرها ووصى بها ) وإنه لذو علم لما علمناه ( بالوحي ونصب الحجج ولذلك ولذلك قال ) وما أغني عنكم من الله من شيء ( ولم يغتر بتدبيره ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( سر القدر وأنه لا يغني عنه الحذر
يوسف : ( 69 ) ولما دخلوا على . . . . .
) ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه ( ضم إليه بنيامين على الطعام أو في المنزل روي أنه أضافه فأجلسهم مثنى فبقي بنيامين وحيدا فبكى وقال لو كان أخي يوسف حيا لجلس معي فأجلسه معه على مائدته ثم قال لينزل كل اثنين منكم بيتا وهذا لا ثاني له فيكون معي فبات عنده وقال له أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك قال من(3/299)
" صفحة رقم 300 "
يجد أخا مثلك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف وقام إليه وعانقه و ) قال إني أنا أخوك فلا تبتئس ( فلا تحزن افتعال من البؤس ) بما كانوا يعملون ( في حقنا فيما مضى
يوسف : ( 70 ) فلما جهزهم بجهازهم . . . . .
) فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية ( المشربة ) في رحل أخيه ( قيل كانت مشربة جعلت صاعا يكال به وقيل كانت تسقى الدواب بها ويكال بها وكانت من فضة وقيل من ذهب صاعا وقرئ و ) جعل ( على حذف جواب فلما تقديره أمهلهم حتى انطلقوا ) ثم أذن مؤذن ( نادى مناد ) أيتها العير إنكم لسارقون ( لعله لم يقله بأمر يوسف عليه الصلاة والسلام أو كان تعبية السقاية والنداء عليها برضا بنيامين وقيل معناه إنكم لسارقون يوسف من أبيه أو أئنكم لسارقون والعير القافلة وهو اسم الإبل التي عليها الأحمال لأنها تعير أي تتردد فقيل لأصحابها كقوله عليه الصلاة والسلام يا خيل الله اركبي وقيل جمع عير وأصله فعل كسقف فعل به ما فعل ببيض تجوز به لقافلة الحمير ثم استعير لكل قافلة
يوسف : ( 71 ) قالوا وأقبلوا عليهم . . . . .
) قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون ( أي شيء ضاع منكم والفقد غيبة الشيء عن الحس بحيث لا يعرف مكانه وقرئ ) تفقدون ( من أفقدته إذا وجدته فقيدا
يوسف : ( 72 ) قالوا نفقد صواع . . . . .
) قالوا نفقد صواع الملك ( وقرئ / صاع / و / صوع / بالفتح والضم والعين والغين و / صواغ / من الصياغة ) ولمن جاء به حمل بعير ( من الطعام جعلا له ) وأنا به زعيم ( كفيل أؤديه إلى من رده وفيه دليل على جواز الجعالة وضمان الجعل قبل تمام العمل(3/300)
" صفحة رقم 301 "
يوسف : ( 73 ) قالوا تالله لقد . . . . .
) قالوا تالله ( قسم فيه معنى التعجب التاء بد من الباء مختصة باسم الله تعالى ) لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين ( استشهدوا بعلمهم على براءة أنفسهم لما عرفوا منهم في كرتي مجيئهم ومداخلتهم للملك مما يدل على فرط أمانتهم كرد البضاعة التي جعلت في رحالهم وكعم الدواب لئلا تتناول زرعا أو طعاما لأحد
يوسف : ( 74 ) قالوا فما جزاؤه . . . . .
) قالوا فما جزاؤه ( فما جزاء السارق أو السرق أو ال ) صواع ( على حذف المضاف ) إن كنتم كاذبين ( في ادعاء البراءة
يوسف : ( 75 ) قالوا جزاؤه من . . . . .
) قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه ( أي جزاء سرقته أخذ من وجد في رحله واسترقاقه هكذا كان شرع يعقوب عليه الصلاة والسلام وقوله ) فهو جزاؤه ( تقرير للحكم وإلزام له أو خبر ) من ( والفاء لتضمنها معنى الشرط أو جواب لها على أنها شرطية والجملة كما هي خبر ) جزاؤه ( على إقامة الظاهر فيها مقام الضمير كأنه قيل جزاؤه من وجد في رحله فهو هو ) كذلك نجزي الظالمين ( بالسرقة
يوسف : ( 76 ) فبدأ بأوعيتهم قبل . . . . .
) فبدأ بأوعيتهم ( فبدأ المؤذن وقيل يوسف لأنهم ردوا إلى مصر ) قبل وعاء أخيه ( بنيامين نفيا للتهمة ) ثم استخرجها ( أي السقاية أو الصواع لأنه يذكر ويؤنث ) من وعاء أخيه ( وقرئ بضم الواو وبقلبها همزة ) كذلك ( مثل ذلك الكيد ) كدنا ليوسف ( بأن علمناه إياه وأوحينا به إليه ) ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ( ملك مصر لأن دينه الضرب وتغريم ضعف ما أخذ دون الاسترقاق وهو بيان للكيد ) إلا أن يشاء الله ( أن يجعل ذلك الحكم حكم الملك فالاستثناء من أعم الأحوال ويجوز أن يكون منقطعا أي لكن أخذه بمشيئة الله تعالى وإذنه ) نرفع درجات من نشاء ( بالعلم كما رفعنا درجته ) وفوق كل ذي علم عليم ( أرفع درجة منه واحتج به من زعم أنه تعالى عالم بذاته إذ لو(3/301)
" صفحة رقم 302 "
كان ذا علم لكان فوقه من هو أعلم منه والجواب أن المراد كل ذي علم من الخلق لأن الكلام فيهم ولأن العليم هو الله سبحانه وتعالى ومعناه الذي له العلم البالغ لغة ولأنه لا فرق بينه وبين قولنا فوق كل العلماء عليم وهو مخصوص
يوسف : ( 77 ) قالوا إن يسرق . . . . .
) قالوا إن يسرق ( بنيامين ) فقد سرق أخ له من قبل ( يعنون يوسف قيل ورثت عمته من أبيها منطقة إبراهيم عليه السلام وكانت تحضن يوسف وتحبه فلما شب أراد يعقوب انتزاعه منها فشدت المنطقة على وسطه ثم أظهرت ضياعها فتفحص عنها فوجدت محزومة عليه فصارت أحق به في حكمهم وقيل كان لأبي أنه صنم فسرقه وكسره وألقاه في الجيف وقيل كان في البيت عناق أو دجاجة فأعطاها السائل وقيل دخل كنيسة وأخذ تمثيلا صغيرا من الذهب ) فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم ( أكنها ولم يظهرها لهم والضمير للإجابة أو المقالة أو نسبة السرقة وقيل أنها كناية بشريطة التفسير يفسرها قوله ) قال أنتم شر مكانا ( فإنه بدل من أسرها والمعنى قال في نفسه أنتم شر مكانا أي منزلة في السرقة لسرقتكم أخاكم أو في سوء الصنيع مما كنتم عليه وتأنيثها باعتبار الكلمة أو الجملة وفيه نظر إذ المفسر بالجملة لا يكون إلا ضمير الشأن ) والله أعلم بما تصفون ( وهو يعلم أن الأمر ليس كما تصفون
يوسف : ( 78 ) قالوا يا أيها . . . . .
) قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا ( أي في السن أو القدرة ذكروا له حاله استعطافا له عليه ) فخذ أحدنا مكانه ( بدله فإن أباه ثكلان على أخيه الهالك مستأنس به(3/302)
" صفحة رقم 303 "
) إنا نراك من المحسنين ( إلينا فأتمم إحسانك أو من المتعودين بالإحسان فلا تغير عاداتك
يوسف : ( 79 ) قال معاذ الله . . . . .
) قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده ( فإن أخذ ظلم على فتواكم فلو أخذنا أحدكم مكانه ) إنا إذا لظالمون ( في مذهبكم هذا وإن مراده إن اله أذن في أخذ من وجدنا الصاع في رحله لمصلحته ورضاه عليه فلون أخذت غيره كنت ظالما
يوسف : ( 80 ) فلما استيأسوا منه . . . . .
) فلما استيأسوا منه ( يئسوا من يوسف وإجابته إياهم زيادة السين والتاء للمبالغة ) خلطوا ( انفردوا واعتزلوا ) نجيا ( متناجين وإنما وحده لأنه مصدر أو بزنته كما قيل هم صديق وجمعه أنجية كندية وأندية ككبيرهم في السن وهو روبيل أو في الرأي وهو شمعون وقيل يهوذا ) ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ( عهدا وثيقا وأنما جعل لفهم بالله مووثقا منه لأنه بإذن منه وتأكيد من جهته ) ومن قبل ( ومن قبل هذا ) ما فرطتم في يوسف ( قصرتم في شأنه و ) ما ( مزيدة ويجوز أن تكون مصدرية في موضع النصب بالعطف على مفعول تعلموا ولا بأس بالفصل بي العاطف والمعطوف بالظرف أو على اسم ) إن ( وخبره في يوسف أو ) من قبل ( أو الرفع بالإبتداء والخبر ) من قبل ( وفيه نظر لأن ) قبل ( إذا كان خبرا أو صلة لا يقطع عن الإضافة حتى لا ينقص وأن تكون موصولة أي ما فرطتموه بمعنى ما قدمتوه في حقه من الجناية ومحله ما تقدم ) فلن أبرح الأرض ( فلن أفارق أرض مصر ) حتى يأذن لي أبي ( في الرجوع ) أو يحكم الله لي ( أويقضي لي بالخروج منها أو بخلاص أخي منهم أو بالمقابلة معهم لتخليصه وروي أنهم كلموا العزيز في إطلاقه فقال روبيل أيها الملك والله لتتركنا أو لأصيحن صيحة تضع منها الحوامل ووقفت شعور جسده فخرجت من ثيابه فقال يوسف عليه السلام لابنه قم إلى جنبه فسمه وكان بنو يعقوب عليه السلام إذا غضب أحدهم فمسه الآخر ذهب غضبه فقال روبيل من هذا إن في هذا البلد لبزرا من برز يعقوب ) وهو خير الحاكمين ( لأن حكمه لا يكون إلا بالحق(3/303)
" صفحة رقم 304 "
يوسف : ( 81 ) ارجعوا إلى أبيكم . . . . .
) ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق ( على ما شاهدناه من ظاهر الأمر وقرىء ) سرق ( أي نسب إلى السرقة ) وما شهدنا ( عليه ) إلا بما علمنا ( بان رأينا أن الصواع استخرج من وعائه ) وما كنا للغيب ( لباطن الحال ) حافظين ( فلا ندري أنه سرق الصواع في رحله أو وما كنا للعواقب عالمين فلم ندر حين أعطيناك الموثق أنه سيسرق أو أنك تصاب به كما أصبت بيوسف
يوسف : ( 82 ) واسأل القرية التي . . . . .
) واسأل القرية التي كنا فيها ( يعنون مصر أو قرية بقربها لحقهم المنادي فيها و ا لمعنى أرسل إلى اهلها واسألهم عنا لقصة ) والعير التي أقبلنا فيها ( وأصحاب العير التي توجهنا فيهم وكنا معهم ) وإنا لصادقون ( تأكيد في محل القسم
يوسف : ( 83 ) قال بل سولت . . . . .
) قال بل سولت ( أي فلما رجعوا إلى أبيهم وقالوا له ما قال لهم أخووهم قال ) بل سولت ( أي زينت وسهلت ) لكم أنفسكم أمرا ( أردتموه فقد رتموه وإلا فما أدرى الملك أن السرق يؤخذ بسرقته ) فصبر جميل ( أي فأمري صبر جميل أو فصبر جميل أجمل ) عسى الله أن يأتيني بهم جميعا ( بيوسف وبنيامين وأخيهما الذي توقف بمصر ) إنه هو العليم ( بحالي وحالهم ) الحكيم ( في تدبيرهما
يوسف : ( 84 ) وتولى عنهم وقال . . . . .
) وتولى عنهم ( وأعرض عنهم كراهة لما صادف منهم ) وقال يا أسفى على يوسف ( أي يا اسفا تعال فهذا أوانك والأسف اشد الحزن والحسرة والألف بدل من ياء المتكلم وإنما تاسف على يوسف دون أخويه والحادث رزؤهما لأن رزأه كان قاعدة المصيبات وكان غبضا آخذا بمجامع قلبه ولأنه كان واثقا بحياتهما دون حياته وفي الحديث لم تعط أمة من الأمم ) إنا لله وإنا إليه راجعون ( عند المصيبة إلا أمة(3/304)
" صفحة رقم 305 "
محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ألا ترى إلى يعقوب عليه الصلاة والسلام حين أصابه ما أصابه لم يسترجع وقال ) يا أسفى ( ) وابيضت عيناه من الحزن ( لكثرة بكائه من الحزن كأن العبرة محقت سوادهما وقيل ضعف بصره وقيل عمي وقرىء ) من الحزن ( وفيه دليل على جواز التأسف والبكاء عند التفجع ولعل أمثال ذلك لا تدخل تحت التكليف فإنه قل من يملك نفسه عند الشدائد ولقد بكى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على ولده إبراهيم وقال القلب يجزع والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون ) فهو كظيم ( مملوء من الغيظ على أولاده ممسك له في قلبه لا يظهره فعيل بمعنى مفعول كقوله تعالى ) وهو مكظوم ( من كظم السقاء إذا شده على ملئه أو بمعنى مفعول كقوله ) والكاظمين الغيظ ( من كظم الغيظ إذا اجترعه واصله كظم البعير جرته إذا ردها في جوفه
يوسف : ( 85 ) قالوا تالله تفتأ . . . . .
) قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف ( أي لا تفتأ ولا تزال تذكرة تفجعا عليه فحذف لا كما قوله " فقلت يمين الله أبرح قاعدا " لأنه لا يلتبس بالإثبات فإن القسم إذا لم يكن معه علامات الإثبات كان على النفي ) حتى تكون حرضا ( مريضا مشفيا على الهلاك وقيل الحرض الذي أذابه هم أو مرض وهو في الأصل مصدر ولذلك لا يؤنث ولا يجمع والنعت بالكسر كدنف ودنف وقد قرىء به وبضمتين كجنب ) أو تكون من الهالكين ( من الميتين
يوسف : ( 86 ) قال إنما أشكو . . . . .
) قال إنما أشكو بثي وحزني ( همي الذي لا أقدر الصبر عليه من البث بمعنى النشر ) إلى الله ( لا إلى أحد منكم ومن غيركم فخلوني وشكايتي ) وأعلم من الله ( من صنعه(3/305)
" صفحة رقم 306 "
ورحمته فإنه لا يخيب داعيه ولا يدع المتجىء إليه أو من الله بنوع من الإلهام ) ما لا تعلمون ( من حياة يوسف قيل رأى ملك الموت في المنام فسأله عنه فقال هو حي وقيل علم من رؤيا يوسف أنه لا يموت حتى يخر له إخوته سجدا
يوسف : ( 87 ) يا بني اذهبوا . . . . .
) يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ( فتعرفوا منهما وتفحصوا عن حالهما والتحسس تطلب الإحساس ) ولا تيأسوا من روح الله ( ولا تقنطوا من فرجه وتنفيسه وقرىء ) من روح الله ( أي من رحمته التي يحيا بها العباد ) إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ( بالله وصفاته فإن العارف المؤمن لا يقنط من رحمته في شيء من الأحوال
يوسف : ( 88 ) فلما دخلوا عليه . . . . .
) فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز ( بعدما رجعوا إلى مصر رجعة ثانية ) مسنا وأهلنا الضر ( شدة الجوع ) وجئنا ببضاعة مزجاة ( رديئة أو قليلة ترد وتدفع رغبة عنها من أزجيته إذا دفعته ومنه تزجية الزمان قيل كانت دراهم زيوفا وقيل صوفا وسمنا وقيل الصنوبر والحبة الخضراء وقيل الأقط وسويق المقل ) فأوف لنا الكيل ( فأتم لنا الكيل ) وتصدق علينا ( برد أخينا أو بالمسامحة وقبول المزجاة أو بالزيادة على ما يساويها واختلف في أن حرمة الصدقة تعم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو تختص بنبينا ( صلى الله عليه وسلم ) ) إن الله يجزي المتصدقين ( أحسن الجزاء والتصدق التفضل مطلقا ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في القصر هذه صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته لكنه اختص عرفا بما يبتغي به ثواب من الله تعالى
يوسف : ( 89 ) قال هل علمتم . . . . .
) قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه ( أي هل علمتم قبحه فتبتم عنه وفعلهم بأخيه إفراده عن يوسف وإذلاله حتى لا يستطيع أن يكلمهم إلا بعجز وذلة ) إذ أنتم جاهلون ( قبحه فلذلك أقدمتم عليه أو عاقبته وإنما قال ذلك تنصيحا لهم وتحريضا على التوبة وشفقة عليهم لما رأى من عجزهم وتمسكنهم لا معاقبة وتثريبا وقيل أعطوه كتاب(3/306)
" صفحة رقم 307 "
يعقوب في تخليص بنيامين وذكروا له ما هو في من الحزن على فقد يوسف وأخيه فقال لهم ذلك وإنما جلهم لأن فعلهم كان فعل الجهال أو لأنهم كانوا حينئذ صبيانا شياطين
يوسف : ( 90 ) قالوا أئنك لأنت . . . . .
) قالوا أئنك لأنت يوسف ( استفهام تقرير ولذلك حقق بأن ودخول اللام عليه وقرأ ابن كثير على الإيجاب قيل عرفوه بروائه وشمائله حين كلمهم به وقيل تبسم فعرفوه ببثناياه وقيل رفع التاج عن رأسه فرأوا علامة بقرنه تشبه الشامة البيضاء وكانت لسارة ويعقوب مثلها ) قال أنا يوسف وهذا أخي ( من أبي وأمي ذكره تعريفا لنفسه به وتفحيما لشأنه وإدخالا له في قوله ) قد من الله علينا ( أي بالسلامة والكرامة ) إنه من يتق ( أي يتق اله ) ويصبر ( على البليات أو على الطاعات وعن المعاصي ) فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ( وضع المحسنين موضع الضمير للتنبيه على أن المحسن من جمع بين التقوى والصبر
يوسف : ( 91 ) قالوا تالله لقد . . . . .
) قالوا تالله لقد آثرك الله علينا ( اختارك علينا بحسن الصورة وكمال السيرة ) وإن كنا لخاطئين ( والحال أن شأننا أنا كنا مذنبين بما فعلنا معك
يوسف : ( 92 ) قال لا تثريب . . . . .
) قال لا تثريب عليكم ( لا تأنيب عليكم تفعيل من الثرب وهو الشحم الذي يغشى الكرش للإزالة كالتجليد فاستعير للتقريع الذي يمزق العرض ويذهب ما ء الوجه ) اليوم ( متعلق بال ) تثريب ( أو بالمقدر للجار الواقع خبرا لل ) لا تثريب ( والمعنى لا أثربكم اليوم الذي هو مظنته فما ظنكم بسائر الأيام أو بقبوله ) يغفر الله لكم ( لأنه صفح عن جريمتهم حينئذ واعترفوا بها ) وهو أرحم الراحمين ( فإنه يغفر الصغائر والكبائر ويتفضل على التائب ومن كرم يوسف عليه الصلاة والسلام أنهم لما عرفوه أرسلوا إليه وقالوا إنك تدعونا بالبكرة والعشي إلى الطعام ونحن نستحي منك لما فرط منا فيك فقال درهما ما بلغ ولد شرفت بكم وعظمت فيعيونهم حيث علموا أنكم اخوتي وأني من حفدة إبراهيم عليه الصلاة والسلام
يوسف : ( 93 ) اذهبوا بقميصي هذا . . . . .
) اذهبوا بقميصي هذا ( القميص الذي كان عليه وقيل القميص المتوارث الذي كان(3/307)
" صفحة رقم 308 "
في التعويذ ) فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا ( أي يرجع بصيرا أي ذا بصر ) ائتوني ( أنتم وأبي ) بأهلكم أجمعين ( بنسائكم وذرايكم ومواليكم
يوسف : ( 94 ) ولما فصلت العير . . . . .
) ولما فصلت العير ( من مصر وخرجت من عمرانها ) قال أبوهم ( لمن حضره ) إني لأجد ريح يوسف ( أوجده الله ريح ما عبق بقميصه من ريحه حيين أقبل به غليه يهوذا من ثمانين فرسخا ) لولا أن تفندون ( تنسبوني إلى الفند وهو نقصان عقل يحدث من هرم ولذلك لا يقال عجوز مفندة ن نقصان عقلها ذاتي وجواب ) لولا ( محذوف بقديره لصدقتموني أو لقلت إنه قريب
يوسف : ( 95 ) قالوا تالله إنك . . . . .
) قالوا ( أي الحاضرون ) تالله إنك لفي ضلالك القديم ( لفي ذهابك عن الصواب قدما بالإفراط في محبة يوسف وإكثار ذكره والتوقع للقائه
يوسف : ( 96 ) فلما أن جاء . . . . .
) فلما أن جاء البشير ( يهوذا روي أنه قال كما أحزنته بحمل قميصه الملطخ بالدم إليه فأفرحه بحمل هذا غليه ) ألقاه على وجهه ( طرح البشير القميص على وجه يعقوب عليه السلام أو يعقوب نفسه ) فارتد بصيرا ( عاد بصيرا لما انتعش فيه من القوة ) قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون ( من حياة يوسف عليه الصلاة والسلام وإنزال الفرح وقيل إني أعلم كلام مبتدأ والمقول ) ولا تيأسوا من روح الله ( أو ) إني لأجد ريح يوسف )
يوسف : ( 97 ) قالوا يا أبانا . . . . .
) قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين ( ومن حق المعترف بذنبه أن يصفح عنه ويسأله المغفرة
يوسف : ( 98 ) قال سوف أستغفر . . . . .
) قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم ( اخره إلى السحر أو إلى صلاة(3/308)
" صفحة رقم 309 "
الليل أو إلى ليلة الجمعة تحريا لوقت الإجابة أو إلى أن يستحل لهم من يوسف أو يعلم أنه عفا عنهم فإن عفو المظلوم شرط المغفرة ويؤيده ما روي أنه استقبل القبلة قائما يدعو وقام يوسف خلفه يؤمن وقاموا خلفهما أذلة خاشعين حتى نزل جبريل وقال إن الله قد أجاب دعوتك في ولدك وعقد مواثيقهم بعدك على النبوة وهو إن صح فدليل على نبوتهم وأن ما صادر عنهم كان قبل استنبائهم
يوسف : ( 99 ) فلما دخلوا على . . . . .
) فلما دخلوا على يوسف ( روي أنه وجه إليه رواحل وأموالا ليتجهز إليه بمن معه استقبله يوسف والملك بأهل مصر وكان أولاده الذين دخلوا معه مصر اثنين وسبعين رجلا وامرأة وكانوا حين خرجوا مع موسى عليه الصلاة والسلام ستمائة ألف وخمسمائة وبضعة سبعين رجلا سوى الذرية والهرمى ) آوى إليه أبويه ( ضم إليه أباه وخالته واعتنقهما نزلها منزلة الأم تنزيل العم منزلة الأب في قوله تعالى ) وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ( أو لأن يعقوب عليه الصلاة والسلام تزوجها بعد أمه والربة تدعى أما ) وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ( من القحط وأصناف المكاره والمشيئة متعلقة بالدخول المكيف بالمن والدخول الأول كان في موضع خارج البلد حين استقبلهم
يوسف : ( 100 ) ورفع أبويه على . . . . .
) ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا ( تحية وتكرمة له فإن السجود كان عندهم يجري مجراها وقيل معناه خروا لأجله سجدا لله شكرا وقيل الضمير لله تعالى والواو لأبويه وإخوته والرفع مؤخر عن الخرور وإن قدم لفظا للإهتمام بتعظيمه لهما ) وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل ( التي رأيتها أيام الصبا ) قد جعلها ربي حقا ( صدقا ) وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن ( ولم يذكر الجب لئلا يكون تثريا عليهم ) وجاء بكم من البدو ( من البادية لأنهم كانوا أصحاب المواشي وأهل البدو ) من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ( أفسد بيننا وحرش من نزع الرائض الدابة إذا نخسها وحملها على الجري ) إن ربي لطيف لما يشاء ( لطيف التدبير له إذا ما من صعب إلا وتنفذ فيه مشيئته ويتسهل دونها ) إنه هو العليم ( بوجود المصالح والتدابير ) الحكيم ( الذي يفعل كل شيء في وقته وعلى و جه يقتضي الحكمة روي أن يوسف طاف بأبيه عليهما الصلاة(3/309)
" صفحة رقم 310 "
والسلام في خزائنه فلما أدخله خزانة القراطيس قال يا بني ما اعقك عندك هذه القراطيس وما كتبت إلى على ثمان مراحل قال أمرني جبريل عليه السلام قال أو ما تسأله قال أنت أبسط مني غليه فاسأله فقال جبريل الله أمرني بذلك لقولك ) وأخاف أن يأكله الذئب ( قال فهلا خفتني
يوسف : ( 101 ) رب قد آتيتني . . . . .
) رب قد آتيتني من الملك ( بعض الملك وهو ملك ) وعلمتني من تأويل الأحاديث ( الكتب أو الرؤيا ومن أيضا للبغيض لأنه لم يؤت كل التأويل ) فاطر السماوات والأرض ( مبدعهما وانتصابه على أنه صفة المنادى أو منادى برأسه ) أنت وليي ( ناصري ومتولي أمري ) في الدنيا والآخرة ( أو الذي يتولاني بالنعمة فيهما ) توفني مسلما ( اقبضني ) وألحقني بالصالحين ( من آبائي أو بعامة الصاحلين في الرتبة والكرامة روي أن يعقوب عليه السلام أقام معه أربعا وعشرين سنة ثم توفي وأوصى أن يدفن بالشام إلى جنب أبيه فذهب به ودفنه ثمة ثم عاد وعاش بعده ثلاثا وعشرين سنة ثم تاقت نفسه إلى المك المخلد فتمنى الموت فتوفاه الله طيبا طارا فتخاصم أهل مصر في مدفنه حتى هموا بالقتال فرأوا أن يجعلوه في صندوق من مرمر ويدفنوه في النيل بحيث يمر عليه الماء ثم يصل إلى مصر ليكونوا شرعا فيه ثم نقله موسى عليها الصلاة والسلام إلى مدفن آبائه وكان عمره مائة وعشرين سنة وقد ولد له من راعيل افراثم وميشا وهو جد يوشع بن نون ورحمة امرأة أيوب عليها لصلاة والسلام
يوسف : ( 102 ) ذلك من أنباء . . . . .
) ذلك ( إشارة إلى ما ذكر من نبأ يوسف عليها لصلاة والسلام والخاب فيه للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وهو مبتدأ ) من أنباء الغيب نوحيه إليك ( خبران له ) وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ( كالدليل عليهما والمعنى أن هذا النبأ غيب لم تعرفه غلا بالوحي لأنك لمتحضر إخوة يوسف حين عزموا على ما هم به من أن يجعلوه في غيابة الجب وهم يمكرون به وبأبيه ليرسله معهم ومن المعلوم الذي لا يخفى على مكذبيك أن ما لقيت أحدا سمع ذلك فتعلمت منه وإنما حذف هذا الشق استغناء بذكره في غير هذه(3/310)
" صفحة رقم 311 "
القصة كقوله ) تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا )
يوسف : ( 103 ) وما أكثر الناس . . . . .
) وما أكثر الناس ولو حرصت ( على إيمانهم وبالغت في إظهار الآيات عليهم ) بمؤمنين ( لعنادهم وتصميمهم على الكفر
يوسف : ( 104 ) وما تسألهم عليه . . . . .
) وما تسألهم عليه ( على الإنباء أو القرآن ) من أجر ( من جعل كما يفعله حملة الأخبار ) إن هو إلا ذكر ( عظة من الله تعالى ) للعالمين ( عامة
يوسف : ( 105 ) وكأين من آية . . . . .
) وكأين من آية ( وكم من آية والمعنى وكأي عدد شئت من الدلائل الدالة على وجود الصانع وحكمته وكمال قدرته وتوحيده ) في السماوات والأرض يمرون عليها ( على الآيات ويشاهدونها ) وهم عنها معرضون ( لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها وقرئ ) والأرض ( بالرفع على أنه مبتدأ خبره ) يمرون ( فيكون لها الضمير في ) عليها ( وبالنصب على ويطئون الأرض وقرئ / والأرض يمشون عليها / أي يترددون فيها فيرون آثار الأمم الهالكة
يوسف : ( 106 ) وما يؤمن أكثرهم . . . . .
) وما يؤمن أكثرهم بالله ( في إقراراهم بوجوده وخالقيته ) إلا وهم مشركون ( بعبادة غيره أو باتخاذ الأحبار أربابا ونسبة التبني إليه تعالى أو لاقول بالنور والظلمة أو النظر إلى الأسباب ونحو ذلك وقيل الآية في مشركي مكة وقيل في المنافقين وقيل في أهل الكتاب
يوسف : ( 107 ) أفأمنوا أن تأتيهم . . . . .
) أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله ( عقوبة تغشاهم وتشملهم ) أو تأتيهم الساعة بغتة ( فجأة من غير سابقة علامة ) وهم لا يشعرون ( بإتيانها غير مستعدين لها
يوسف : ( 108 ) قل هذه سبيلي . . . . .
) قل هذه سبيلي ( يعني الدعوة إلى التوحيد والإعداد للمعاد ولذلك فسر السبيل(3/311)
" صفحة رقم 312 "
بقوله ) أدعو إلى الله ( وقيل هو حال الياء ) على بصيرة ( بيان وحجة واضحة غير عمياء ) إن ( تأكيد للمستتر في ) أدعو ( أو ) على بصيرة ( ) ومن اتبعني ( عطف عليه ) وسبحان الله وما أنا من المشركين ( وأنزهه تنزيها من الشركاء
يوسف : ( 109 ) وما أرسلنا من . . . . .
) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا ( رد لقولهم ) لو شاء ربنا لأنزل ملائكة ( وقيل معناه نفي استنباء النساء ) نوحي إليهم ( كما يوحي إليك ويميزون بذلك عن غيرهم وقرأ حفص ) نوحي ( في كل القرآن ووافقه حمزة والكسائي في سورة الأنبياء ) من أهل القرى ( لأن أهلها أعلم وأحلم من أهل البدو ) أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ( من المكذبين بالرسل والآيات فيحذروا تكذيبك أو من المشغوفين بالدنيا المتهالكين عليها فيقلعوا عن حبها ) ولدار الآخرة ( ولدار الحال أو الساعة أو الحياة الآخرة ) خير للذين اتقوا ( الشرك والمعاصي ) أفلا تعقلون ( يستعملون عقولهم ليعرفوا أنها خير وقرأ نافع وابن عامر وعاصم ويعقوب بالتاء حملا على قوله ) قل هذه سبيلي ( أي قل لهم أفلا تعقلون
يوسف : ( 110 ) حتى إذا استيأس . . . . .
) حتى إذا استيأس الرسل ( غاية محذوف دل عليه الكلام أي لا يغررهم تماد أيامهم فإن من قبلهم أمهلوا حتى آيس الرسل عن النصر عليهم في الدنيا أو عن إيمانهم لانهماكهم في الكفر مترفهين متمادين فيه من غير وازع ) وظنوا أنهم قد كذبوا ( أي كذبتم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون أو كذبهم القوم بوعد الإيمان وقيل الضمير للمرسل أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون أو كذبهم القوم بوعد الإيمان وقيل الضمير للمرسل إليهم أي وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم بالدعوة والوعيد وقيل الأول للمرسل(3/312)
" صفحة رقم 313 "
إليهم والثاني للرسل أي وظنوا أن الرسل قد كذبوا وأخلفوا فيما وعد لهم من النصر وخلط الأمر عليهم وما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الرسل ظنوا أنهم أخلفوا ما وعدهم الله من النصر إن صح فقد أراد بالظن ما يهجس في القلب عن طريق الوسوسة هذا وأن المراد به المبالغة في التراخي والإمهال على سبيل التمثيل وقرأ غير الكوفيين بالتشديد أي وظن الرسل أن القوم قد كذبوا فيما حدثوا به عند قومهم لما تراخى عنهم ولم يروا له أثرا ) جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ( النبي والمؤمنين وإنما لم يعينهم للدلالة على أنهم الذين يستأهلون أن يشاء نجاتهم لا يشركهم فيه غيرهم وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب على لفظ الماضي المبني للمفعول وقرىء فنجا ) ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ( إذا نزل بهم وفيه بيان للمشيئين
يوسف : ( 111 ) لقد كان في . . . . .
) لقد كان في قصصهم ( في قصص الأنبياء وأممهم أو في قصة يوسف وإخوته ) عبرة لأولي الألباب ( لذوي العقول المبرأة من شوائب الإلف والركون إلى الحس ) ما كان حديثا يفترى ( ما كانا لقرآن حديثا يفترى ) ولكن تصديق الذي بين يديه ( من الكتب الإلهية ) وتفصيل كل شيء ( يحتاج إليه في(3/313)
" صفحة رقم 314 "
الدين إذ ما من أمر ديني إلا وله سند من القرآن بوسط أو بغير وسط ) وهدى ( من الضلال ) ورحمة ( ينال بها خير الدارين ) لقوم يؤمنون ( يصدقونه وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) علموا أرقاءكم سورة يوسف فإنه أيما مسلم تلاها وعلمها أهله وما ملكت يمينه هون الله عليه سكرات الموت وأعطاه القوة أن لا يحسد مسلما(3/314)
" صفحة رقم 315 "
سورة الرعد
وقيل
مكية إلا قوله ) ويقول الذين كفروا ( . الآية وهي ثلاث وأربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الرعد : ( 1 ) المر تلك آيات . . . . .
) المر ( قيل معناه أنا الله أعلم وأرى ) تلك آيات الكتاب ( يعني بالكتاب السورة و ) تلك ( إشارة إلى آياتها أي تلك الآيات آيات السورة الكاملة أو القرآن ) والذي أنزل إليك من ربك ( هو القرآن كله ومحله الجر بالعطف على ) الكتاب ( عطف العام على الخاص أو إحدى الصفتين على الأخرى أو الرفع يالابتداء وخبره ) الحق ( والجملة كالحجة على الجملة الأولى وتعريف الخبر وإن دل على اختصاص المنزل بكونه حقا فهم أعم من المنزل صريحا أو ضمنا كالمثبت بالقياس وغيره مما نطق المنزل بحسن اتباعه ) ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ( لإخلالهم بالنظر والتأمل فيه(3/315)
" صفحة رقم 316 "
الرعد : ( 2 ) الله الذي رفع . . . . .
) الله الذي رفع السماوات ( مبتدأ وخبر ويجوز أن يكون الموصول صفة والخبر ) يدبر الأمر ( ) بغير عمد ( أساطين جمع عماد كإهاب وأهب أو عمود كأديم وأدم وقرئ ) عمد ( كرسل ) ترونها ( صفة ل ) عمد ( أو استئناف للاستشهاد برؤيتهم السموات كذلك وهو دليل على وجود الصانع الحكيم فإن ارتفاعها على سائر الأجسام السماوية لها في حقيقة الجرمية واختصاصها بماا يقتضي ذلك لا بد وأن يكون بمخصص ليس بجسم ولا جسماني يرجح بعض الممكنات على بعض بإرادته وعلى هذا المنهاج سائر ما ذكر من الآيات ) ثم استوى على العرش ( بالحفظ والتدبير ) وسخر الشمس والقمر ( ذللهما لما أراد منهما كالحركة المستمرة على حد من السرعة ينفع في حدوث الكائنات وبقائها ) كل يجري لأجل مسمى ( لمدة معينة يتم فيها أدواره أو لغاية مضرومة ينقطع دونها سيرة وهي ) إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت ( ) يدبر الأمر ( أمر ملكوته من الإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة وغير ذلك ) يفصل الآيات ( ينزلها ويبينها مفصلة أو يحدث الدلائل واحدا بعد واحد ) لعلكم بلقاء ربكم توقنون ( لكي تتفكروا فيها وتتحققوا كمال قدرته فتعلموا أن من قدر على خلق هذه الأشياء وتدبيرها قدر على الإعادة والجزاء
الرعد : ( 3 ) وهو الذي مد . . . . .
) وهو الذي مد الأرض ( بسطها طولا وعرضا لتثبت عليها الأقدام وينقلب عليها(3/316)
" صفحة رقم 317 "
الحيوان ) وجعل فيها رواسي ( جبالا ثوابت من رسا الشيء إذا ثبت جمع راسية والتاء للتأنيث على أنها صفة أجبل أو للمبالغة ) وأنهارا ( ضمها إلى الجبال وعلق بهما فعلا واحدا من حيث إن الجبال أسباب لتولدها ) ومن كل الثمرات ( متعلق بقوله ) جعل فيها زوجين اثنين ( أي وجعل فيها من كل أنواع الثمرات صنفين اثنين كالحلو والحامض والأسود والأبيض والصغير والكبير ) يغشي الليل النهار ( يلبسه مكانه فيصير الجو مظلما بعدما كان مضيئا وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر ) يغشى ( بالتشديد ) إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ( فيها فإن تكونها وتخصصها بوجه دون وجه دليل على وجود صانع حكيم دبر أمرها وهيأ أسبابها
الرعد : ( 4 ) وفي الأرض قطع . . . . .
) وفي الأرض قطع متجاورات ( بعضها طيبة وبعضها سبخة وبعضها رخوة وبعضها صلبة وبعضها تصلح للزرع دون الشجر وبعضها بالعكس ولولا تخصيص قادر موقع لأفعاله على وجه دون وجه لم تكن كذلك لاشتراك تلك القطع في الطبيعة الأرضية وما يلزمها ويعرض لها بتوسط ما يعرض من الأسباب السماوية من حيث أنها متضامة متشاركة في النسب والأوضاع ) وجنات من أعناب وزرع ونخيل ( وبساتين فيها أنواع الشجار والزروع وتوحيد الزرع لأنه مصدر في أصله وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وحفص ) وزرع ونخيل ( بالرفع عطفا على ) وجنات ( ) صنوان ( نخلات أصلها واحد ) وغير صنوان ( متفرقات مختلفات الأصول وقرأ حفص بالضم وهو لغة بني تميم ك / فنوان / في جمع قنو ) يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل ( في(3/317)
" صفحة رقم 318 "
التمر شكلا وقدرا ورائحة وطعما وذلك أيضا مما يدل على الصانع الحكيم فإن اختلافهما مع اتحاد الأصول والأسباب لا يكون إلا بتخصيص قادر مختار وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب ) يسقى ( بالتذكير على تأويل ما ذكر وحمزة والكسائي يفضل بالياء ليطابق قوله
الرعد : ( 5 ) وإن تعجب فعجب . . . . .
) يدبر الأمر ( ) إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ( يستعملون عقولهم بالتفكير ) وإن تعجب ( يامحمد من إنكارهم البعث ) فعجب قولهم ( حقيق بأن يتعجب بالتفكر ) وإن تعجب ( يا محمد من إنكارهم البعث ) فعجب قولهم ( حقيق بأن يتعجب منه فإن من قدر على إنشاء ما قص عليك كانت الإعادة أيسر شيء عليه والآيات المعدودة كما هي دالة على وجود المبدأ فهي دالة على إمكان الإعادة من حيث إنها تدل على كمال علمه وقدرته وقبول المواد لأنواع تصرفاته ) أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد ( بدل من قولهم أو مفعول له والعامل في إذا محذوف دل عليه ) أئنا لفي خلق جديد ( ) أولئك الذين كفروا بربهم ( لأنهم كفروا بقدرته على البعث ) وأولئك الأغلال في أعناقهم ( مقيدون بالضلال لا يرجى خلاصهم أو يغلون يوم القيامة ) وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( لا ينفكون عنها وتوسيط الفصل لتخصيص الخلود بالكفار
الرعد : ( 6 ) ويستعجلونك بالسيئة قبل . . . . .
) ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة ( بالعقوبة قبل العافية وذلك لأنهم استعجلوا ما هددوا به من عذاب الدنيا استهزاء ) وقد خلت من قبلهم المثلات ( عقوبات أمثالهم من المكذبين فما لهم لم يعتبروا بهاو لم يجوزوا حلول مثلها عليهم والمثلة بفتح الثاء وضمها كالصدقة والصدقة العقوبة لأنها مثل المعاقب عليه ومنه المثال للقصاص وأمثلت الرجل من صاحبه إذا اقتصصته منه وقرىء / المثلاث / بالتخفيف و / المثلاث / بإتباع الفاء العين و / المثلاث / بالتخفيف بعد الإتباع و / المثلاث / بفتح الثاء على أنها جمع مثلة كركبة وركبات ) وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ( مع ظلمهم أنفسهم ومحله النصب على الحال والعامل فيه المغفرة والتقييد به دليل على جواز العفو قبل التوبة فإن التائب ليس على ظلمه ومن منع ذلك خص الظلم بالصغائر المكفرة لمجتنب الكبائر أو(3/318)
" صفحة رقم 319 "
أول المغفرة بالستر والإمهال ) وإن ربك لشديد العقاب ( للكفار أو لمن شاء وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لولا عفو الله وتجاوزه لما هنأ أحد العيش ولولا وعيده وعقابه لا تكل على أحد
الرعد : ( 7 ) ويقول الذين كفروا . . . . .
) ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه ( لعدم اعتدادهم بالآيات المنزلة عليه واقتراحا لنحو ما أوتي موسى عليهما السلام ) إنما أنت منذر ( مرسل للإنذار كغيرك من الرسل وما عليك إلا الإتيان بما تصح به نبوتك من جنس المعجزات لا بما يقترح عليك ) ولكل قوم هاد ( نبي مخصوص بمعجزات من جنس ما هو الغالب عليهم يهديهم إلى لاحق ويدعوهم إلى الصواب أو قادر على هدايتهم وهو الله تعالى لكن لا يهدي إلا من يشاء هدايته بما ينزل عليك من الآيات
الرعد : ( 8 ) الله يعلم ما . . . . .
ثم أردف ذلك بما يدل على كمال علمه وقدرته وشمول قضائه وقدره تنبيها على أنه تعالى قادر على إنزال ما اقترحوه وإنما لم ينزل لعلمه بأن اقتراخهم للعناد دون الاسترشاد وأنه قادر على هدايتهم وإنما لم يهدهم لسبق قضائه بالكفر فقل ) الله يعلم ما تحمل كل أنثى ( أي حملها أو ما تحمله على أي حال هو من الأحوال الحاضرة والمترقبة ) وما تغيض الأرحام وما تزداد ( وما تنقصه وما تزداده في الجنة والمدة والعدد وأقصى مدة الحمل أربع سنين عندنا وخمس عند مالك وسنتان عند أبي حنيفة روي أن الضحاك ولد لسنتين وهرم ابن حيان لأربع سنين وأعلى عدده لا حد له وقيل نهاية ما عرف به أربعة وإليه ذهب أبو حنيفة رضي الله عنه وقال الشافعي رحمه الله أخبرني شيخ باليمن أن امرأته ولدت بطونا في كل بطن خمسة وقيل المراد نقصان دم الحيض وازدياده وغاض جاء متعديا ولازما وكذا ازداد قال تعالى ) وازدادوا تسعا ((3/319)
" صفحة رقم 320 "
فإن جعلتهما لازمين تعين إما أن تكون مصدرية وإسنادهم إلى الأرحام على المجازفإنهما لله تعالى أو لما فيها ) وكل شيء عنده بمقدار ( بقدر لا يجاوزه ولا ينقص عنه كقوله تعالى ) إنا كل شيء خلقناه بقدر ( فإنه تعالى خص كل حادث بوقت وحال معينين وهيأ له أسبابا مسوفة إلي تقتضي ذلك وقرأ ابن كثير ) هاد ( و ) وآل ( و ) واق ( ) وما عند الله باق ( بالتنوين في الوصل فإذا وقف وقف بالياء في هذه الأحرف الأربعة حيث وقعت لا غير والباقون يصلون ويقفون بغير ياء
الرعد : ( 9 ) عالم الغيب والشهادة . . . . .
) عالم الغيب ( الغائب عن الحس ) والشهادة ( الحاضر له ) الكبير ( العظيم الشأن الذي لا يخرج عن علمه شيء ) المتعال ( المستعلي على كل شيء بقدرته أو الذي كبر عن نعت المخلوقين وتعالى عنه
الرعد : ( 10 ) سواء منكم من . . . . .
) سواء منكم من أسر القول ( في نفسه ) ومن جهر به ( لغيره ) ومن هو مستخف بالليل ( طالب للخفاء في مختبأ بالليل ) وسارب ( بارز ) بالنهار ( يراه كل أحد من سرب سروبا إذا برز وهو عطف على من أو مستخف على أن من في معنى الاثنين كقوله " نكن مثل من يا ذئب يصطحبان " كأنه قال سواء منكم اثنين مستخف بالليل وسارب بالنهار والآية متصلة بما قبلها مقررة لكمال علمه وشموله(3/320)
" صفحة رقم 321 "
الرعد : ( 11 ) له معقبات من . . . . .
) له ( لمن أسر أو جهر أو استخفى أو سرب ) معقبات ( ملائكة في حفظه جمع معقبة من عقبه إذا جاء على عقبه كأن بعضهم يعقب بعضا أو لأنهم يعقبون أقواله وأفعاله فيكتبونها أو اعتقب فأدغمت التاء في القاف والتاء للمبالغة أو لأن المراد بالمعقبات جماعات وقرئ / معاقيب / جمع معقب أو معقبة على تعويض الياء من حذف إحدى القافين ) من بين يديه ومن خلفه ( من جوانبه أو من الأعمال ما قدم وأخر ) يحفظونه من أمر الله ( من بأسه متى أذنب بالاستمهال أو الاستغفار له أو يحفظونه من المضار أو يراقبون أحواله من أجل أمر الله تعالى وقد قرئ به وقيل من بمعنى الباء وقيل من أمر الله صفة ثانية ل ) معقبات ( وقيل المعقبات الحرس والجلازة حول السلطان يحفظونه في توهمه من قضاء الله تعالى ) إن الله لا يغير ما بقوم ( من العافية والنعمة ) حتى يغيروا ما بأنفسهم ( من الأحوال الجميلة بالأحوال القبيحة ) وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ( فلا راد له فالعامل في ) إذا ( ما دل عليه الجواب ) وما لهم من دونه من وال ( ممن يلي أمرهم فيدفع عنهم السوء وفيه دليل على أن خلاف مراد الله تعالى محال
الرعد : ( 12 ) هو الذي يريكم . . . . .
) هو الذي يريكم البرق خوفا ( من أذاه ) وطمعا ( في الغيث وانتصابها على العلة بتقدير المضاف أي إرادة خوف وطمع أو التأويل بالإخافة والإطماع أو الحال من ) البرق ( أو المخاطبين على إضمار ذو أو إطلاق المصدر بمعنى المفعول أو الفاعل للمبالغة وقيل يخاف المطر من يضره ويطمع فيه من ينفعه ) وينشئ السحاب ( الغيم(3/321)
" صفحة رقم 322 "
المنسحب في الهواء ) الثقال ( وهو جمع ثقيلة وإنما وصف به السحاب لأنه اسم جنس في معنى الجمع
الرعد : ( 13 ) ويسبح الرعد بحمده . . . . .
) ويسبح الرعد ( ويسبح سامعوه ) بحمده ( ملتبسين به فيضجون بسبحان الله والحمد لله أو يدل الرعد بنفسه على وحدانية الله وكمال قدرته ملتبسا بالدلالة على فضله ونزول رحمته وعن ابن عباس رضي الله عنهما سئل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الرعد فقال ملك موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب ) والملائكة من خيفته ( من خوف الله تعالى وإجلاله وقيل الضمير ل ) الرعد ( ) ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ( فيهلكه ) وهم يجادلون في الله ( حيث يكذبون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيما يصفه به منه كمال العلم والقدرة والتفرد بالألوهية إعادة الناس ومجازاتهم والجدال التشدد في الخصومة من الجدل وهو الفتل والواو إما لعطف الجملة على الجملة أو للحال فإنه روي أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أخا لبيد وفدا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قاصدين لقتله فأخذه عامر بالمجادلة ودار أربد من خلفه ليضربه بالسيف فتنبه له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال اللهم اكفنيهما بما شئت فأرسل الله على أربد صاعقة فقتله ورمى عامرا بغدة فمات في بيت سلولية وكان يقول غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية فنزلت ) وهو شديد المحال ((3/322)
" صفحة رقم 323 "
الممالحة المكايدة لأعدائه من محل فلان بفلان إذا كايده وعرضه للهلاك ومنه تمحل إذا تكلف استعمال الحيلة ولعل أصله المحل بمعنى القحط وقيل فعال من المحل بمعنى القوة وقيل مفعل من الحول أو الحيلة أعل على غير قياس ويعضده أنه قرىء بفتح الميم على أنه مفعل من حال يحول إذا احتال ويجوز أن يكون بمعنى الفقار فيكون مثلا في القوة والقدرة كقولهم فساعد الله أشد و موساه أحد
الرعد : ( 14 ) له دعوة الحق . . . . .
) له دعوة الحق ( الدعاء الحق فإنه الذي يحق أن يعبد ويدعى إلى عبادته دون غيره أو له الدعوة المجابة فإن من دعاه أجابه ويؤيده ما بعده و ) الحق ( على الوجهين ما يناقض الباطل وإضافة ال ) دعوة ( إليه لما بينهما من الملابسة أو على تأويل دعوة المدعو الحق وقيل ) الحق ( هو الله تعالى وكل دعاء إليه دعوة الحق والمراد بالجملتين إن كانت الآية في إربد وعامر أن إهلاكهما من حيث لم يشعرا به محال من الله إجابة لدعوة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أو دلالة على أنه على الحق وإن كانت عامة فالمراد وعيد الكفرة على مجادلة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بحلول محاله بهم وتهديدهم بإجابة دعاء رسول ( صلى الله عليه وسلم ) عليهم أو بيان ظلالهم وفساد رأيهم ) والذين يدعون ( أي الأصنام فحذف المفعول لدلالة ) من دونه ( عليه ) لا يستجيبون لهم بشيء ( من الطلبات ) إلا كباسط كفيه ( إلا استجابة كاستجابة من بسط كفيه ) إلى الماء ليبلغ فاه ( يطلب منه أن يبلغه ) وما هو ببالغه ( لأنه جماد لا يشعر بدعائه ولا يقدر على إجابته والإتيان بغير ما جبل عليه وكذلك آلهتهم وقيل شبهوا في قلة(3/323)
" صفحة رقم 324 "
جدوى دعائهم لها بمن أراد أن يغترف الماء ليشربه فبسط كفيه ليشربه وقرىء ) تدعون ( بالتاء وباسط بالتنوين ) وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ( في ضياع وخسار وباطل
الرعد : ( 15 ) ولله يسجد من . . . . .
) ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها ( يحتمل أن يكون السجود على حقيقته فإنه يسجد له الملائكة والمؤمنون من الثقلين طوعا حالتي الشدة والرخاء والكفرة كرها حال الشدة والضرورة ) وظلالهم ( بالعرض وأن يراد به انقيادهم لإحداث ما أراده منهم شاؤوا أو كرهوا وانقياد ظلالهم لتصريفه إياها بالمد والتقليص وانتصاب ) طوعا وكرها ( بالحال أو العلة وقوله ) بالغدو والآصال ( ظرف ل ) يسجد ( والمراد بهما الدوام أو حال من الظلال وتخصيص الوقتين لأن الظلال إنما تعظم وتكثر فيهما والغدو جمع غداة كقنى جمع قناة و ) والآصال ( جمع أصيل وهو ما بين العصر والمغرب وقيل الغدو مصدر ويؤيده أنه قد قرىء و / الإيصال / وهو الدخول في الأصيل
الرعد : ( 16 ) قل من رب . . . . .
) قل من رب السماوات والأرض ( خالقهما ومتولي أمرهما ) قل الله ( أجب عنهم بذلك إذ لا جواب لهم سواه ولأنه البين الذي لا يمكن المراء فيه أو لقنهم الجواب به ) قل أفاتخذتم من دونه ( ثم ألزمهم بذلك لأن اتخاذهم منكر بعيد عن مقتضى العقل ) أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ( لا يقدرون على أن يجلبوا إليها نفعا أو يدفعوا عنها ضرا فكيف يستطيعون إنفاع الغير ودفع الضر عنه وهو دليل ثان على ضلالهم وفساد رأيهم في اتخاذهم أولياء رجاء أن يشفعوا لهم ) قل هل يستوي الأعمى والبصير ( المشرك الجاهل بحقيقة العبادة والموجب لها والموحد العالم بذلك وقيل المعبود الغافل(3/324)
" صفحة رقم 325 "
عنكم والمعبود المطلع على أحوالكم ) أم هل تستوي الظلمات والنور ( الشرك والتوحيد وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بالياء ) أم جعلوا لله شركاء ( بل أجعلوا والهمزة للإنكار وقوله ) خلقوا كخلقه ( صفة لشركاء داخلة في حكم الإنكار ) فتشابه الخلق عليهم ( خلق الله وخلقهم والمعنى أنهم ما اتخذوا لله شركاء خالقين مثله حتى يتشابه عليهم الخلق فيقولوا هؤلاء خلقوا كما خلق الله فاستحقوا العبادة كما استحقها ولكنهم اتخذوا شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلا عما يقدر عليه الخالق ) قل الله خالق كل شيء ( أي لا خالق غيره فيشاركه في العبادة جعل الخلق موجب العبادة ولازم استحقاقها ثم نفاه عمن سواه ليدل على قوله ) وهو الواحد ( المتوحد بالألوهية ) القهار ( الغالب على كل شيء
الرعد : ( 17 ) أنزل من السماء . . . . .
) أنزل من السماء ماء ( من السحاب أو من جانب السماء أو من السماء نفسها فإن المبادىء منها ) فسالت أودية ( أنهار جمع واد وهو الموضع الذي يسيل الماء فيه بكثرة فاتسع فيه واستعمل للماء الجاري فيه وتنكيرها لأن المطر يأتي على تناوب بين البقاع ) بقدرها ( بمقدارها الذي علم الله تعالى أنه نافع غير ضار أو بمقدارها في الصغر والكبر ) فاحتمل السيل زبدا ( رفعه والزبد وضر الغليان ) رابيا ( عاليا ) ومما يوقدون عليه في النار ( يعم الفلزات كالذهب والفضة والحديد والنحاس على وجه التهاون بها إظهارا لكبريائه ) ابتغاء حلية ( أي طلب حلى ) أو متاع ( كالأواني وآلات الحرب والحرث(3/325)
" صفحة رقم 326 "
والمقصود من ذلك بيان منافعها ) زبد مثله ( أي ومما يوقدون عليه زبد مثل زبد الماء وهو خبثه و ) من ( للابتداء أو للتبعيض وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالياء على أن الضمير للناس وإضماره للعمل به ) كذلك يضرب الله الحق والباطل ( مثل الحق والباطل فإنه مثل الحق في إفادته وثباته بالماء الذي ينزل من السماء فتسيل به الأودية على قدر الحاجة والمصلحة فينتفع به أنواع المنافع ويمكث في الأرض بأن يثبت بعضه في منافعه ويسلك بعضه في عروق الأرض إلى العيون والقنى والآبار وبالفلز الذي ينتفع به في صوغ الحلى واتخاذ الأمتعة المختلفة ويدوم ذلك مدة متطاولة والباطل في قلة نفعه وسرعة زواله بزبدهما وبين ذلك بقوله ) فأما الزبد فيذهب جفاء ( يجفأ به أي يرمي به السيل والفلز المذاب وانتصابه على الحال وقرئ جفالا والمعنى واحد ) وأما ما ينفع الناس ( كالماء وخلاصة الفلز ) فيمكث في الأرض ( ينتفع به أهلها ) كذلك يضرب الله الأمثال ( لإيضاح المشتبهات
الرعد : ( 18 ) للذين استجابوا لربهم . . . . .
) للذين استجابوا ( للمؤمنين الذين استجابوا ) لربهم الحسنى ( الاستجابة الحسنى ) والذين لم يستجيبوا له ( وهم الكفرة واللام متعلقة بيضرب على أنه جعل ضرب المثل لشأن الفريقين ضرب المثل لهما وقيل للذين استجابوا خبر الحسنى وهي المثوية أو الجنة والذين لم يستجيبوا مبتدأ خبره ) لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به ( وهو على الأول كلام مبتدأ لبيان مآل غير المستجيبين ) أولئك لهم سوء الحساب ( وهو المناقشة فيه بأن يحاسب الرجل بذنبه لا يغفر منه شيء ) ومأواهم ( مرجعهم ) جهنم وبئس المهاد ( المستقر والمخصوص بالذم محذوف
الرعد : ( 19 ) أفمن يعلم أنما . . . . .
) أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق ( فيستجيب ) كمن هو أعمى ( عمى القلب لا يستبصر فيستجيب والهمزة لإنكار أن تقع شبهة في تشابههما بعدما ضرب من المثل ) إنما يتذكر أولوا الألباب ( ذوو العقول المبرأة عن مشايعة الألف ومعارضة الوهم
الرعد : ( 20 ) الذين يوفون بعهد . . . . .
) الذين يوفون بعهد الله ( ما عقدوه على أنفسهم من الاعتراف بربوبيته حين قالوا(3/326)
" صفحة رقم 327 "
بلى أو عهد عهد الله تعالى عليهم في كتبه ) ولا ينقضون الميثاق ( ما وثقوه من المواثيق بينهم وبين الله تعالى وبين العباد وهو تعميم بعد تخصيص
الرعد : ( 21 ) والذين يصلون ما . . . . .
) والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ( من الرحم وموالاة المؤمنين والإيمان بجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ويندرج في ذلك مراعاة جميع حقوق الناس ) ويخشون ربهم ( وعيده عموما ) ويخافون سوء الحساب ( خصوصا فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا
الرعد : ( 22 ) والذين صبروا ابتغاء . . . . .
) والذين صبروا ( على ما تكرهه النفس ويخالفه الهوى ) ابتغاء وجه ربهم ( طلبا لرضاه لا لجزاء وسمعة ونحوهما ) وأقاموا الصلاة ( المفروضة ) وأنفقوا من ما رزقناهم ( بعضه الذي وجب عليهم إنفاقه ) سرا ( لمن لم يعرف بالمال ) وعلانية ( لمن عرف به ) ويدرؤون بالحسنة السيئة ( ويدفعونها بها فيجازون الإساءة بالإحسان أو يتبعون السيئة الحسنة فتمحوها ) أولئك لهم عقبى الدار ( عاقبة الدنيا وما ينبغي أن يكون مآل أهلها وهي الجنة والجملة خبر الموصولات إن رفعت بالابتداء وإن جعلت صفات لأولي الألباب فاستئناف بذكر ما استوجبوا بتلك الصفات
الرعد : ( 23 - 24 ) جنات عدن يدخلونها . . . . .
) جنات عدن ( بدل من ) عقبى الدار ( أو مبتدأ خبر ) يدخلونها ( والعدن الإقامة أي جنات يقيمون فيها وقيل هو بطنان الجنة ) ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ( عطف على المرفوع في يدخلون وإنما ساغ للفصل بالضمير الآخر أو مفعول معه والمعنى أنه يلحق بهم من صلح من أهلهم وإن لم يبلغ مبلغ فضلهم تبعا لهم وتعظيما لشأنهم وهو دليل على أن الدرجة تعلو بالشفاعة أو أن الموصوفين بتلك الصفات يقرن بعضهم ببعض لما بينهم من القرابة والوصلة في دخول الجنة زيادة في أنسهم وفي التقييد بالصلاح دلالة على أن مجرد الأنساب لا تنفع ) والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ( من أبواب المنازل أو من أبواب الفتوح والتحف قائلين(3/327)
" صفحة رقم 328 "
) سلام عليكم ( بشارة بدوام السلامة ) بما صبرتم ( متعلق ب ) عليكم ( أو بمحذوف أي هذا بما صبرتم لا ب ) سلام ( فإن الخبر فاصل والباء للسببية أو للبدلية ) فنعم عقبى الدار ( وقرىء ) فنعم ( بفتح النون والأصل نعم فسكن العين بنقل كسرتها إلى الفاء وبغيره
الرعد : ( 25 ) والذين ينقضون عهد . . . . .
) والذين ينقضون عهد الله ( يعني مقابلي الأولين ) من بعد ميثاقه ( من بعد ما أوثقوه به من الإقرار والقبول ) ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض ( بالظلم وتهييج الفتن ) أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ( عذاب جهنم أو سوء عاقبة الدنيا لأنه في مقابلة ) عقبى الدار )
الرعد : ( 26 ) الله يبسط الرزق . . . . .
) الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( يوسعه ويضيقه ) وفرحوا ( أي أهل مكة ) بالحياة الدنيا ( بما بسط لهم في الدنيا ) وما الحياة الدنيا في الآخرة ( أي في جنب الآخرة ) إلا متاع ( إلا متعة لا تدوم كعجالة الراكب وزاد الراعي والمعنى أنهم أشروا بما نالوا من الدنيا ولم يصرفوه فيما يستوجبون به نعيم الآخرة واغتروا بما هو في جنبه نزر قليل النفع سريع الزوال
الرعد : ( 27 ) ويقول الذين كفروا . . . . .
) ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ( باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات ) ويهدي إليه من أناب ( أقبل إلى الحق ورجع عن العناد وهو جواب يجري مجرى التعجب من قولهم كأنه قال قل لهم ما أعظم عنادكم إن الله يضل من يشاء ممن كان على صفتكم فلا سبيل إلى اهتدائهم و إن أنزلت كل آية ويهدي إليه من أناب بما جئت به بل بأدنى منه من الآيات
الرعد : ( 28 ) الذين آمنوا وتطمئن . . . . .
) الذين آمنوا ( بدل ) من ( أو خبر مبتدأ محذوف ) وتطمئن قلوبهم بذكر الله ((3/328)
" صفحة رقم 329 "
أنسا به واعتمادا عليه ورجاء منه أو بذكر رحمته بعد القلق من خشيته أو بذكر دلائله الدالة على وجوده ووحدانيته أو بكلامه يعني القرآن الذي هو أقوى المعجزات ) ألا بذكر الله تطمئن القلوب ( تسكن إليه
الرعد : ( 29 ) الذين آمنوا وعملوا . . . . .
) الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( مبتدأ خبره ) طوبى لهم ( وهو فعلى من الطيب قلبت ياؤه واوا لضمة ما قبلها مصدر لطاب كبشرى وزلفى ويجوز فيه الرفع والنصب ولذلك قرئ ) وحسن مآب ( بالنصب
الرعد : ( 30 ) كذلك أرسلناك في . . . . .
) كذلك ( مثل ذلك يعني إرسال قبلك ) أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها ( تقدمتها ) أمم ( أرسلوا إليهم فليس ببدع إرسالك إليهم ) لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك ( لتقرأ عليهم الكتاب الذي أوحيناه إليك ) وهم يكفرون بالرحمن ( وحالهم أنهم يكفرون بالبليغ الرحمة الذي أحاطت بهم نعمته ووسعت كل شيء رحمته فلم يشكروا نعمه وخصوصا ما أنعم عليهم بإرسالك إليهم وإنزال القرآن الذي هو مناط المنافع الدينية والدنيوية عليهم وقيل نزلت في مشركي أهل مكة حين قيل لهم ) اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن ( ) قل هو ربي ( أي الرحمن خالقي ومتولي أمري ) لا إله إلا هو ( لا مستحق للعبادة سواه ) عليه توكلت ( في نصرتي عليكم ) وإليه متاب ( مرجعي ومرجعكم
الرعد : ( 31 ) ولو أن قرآنا . . . . .
) ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ( شرط حذف جوابه والمراد منه تعظيم شأن القرآن أو المبالغة في عناد الكفرة وتصميمهم أي ولو أن كتابا زعزعت به الجبال عن مقارها ) أو قطعت به الأرض ((3/329)
" صفحة رقم 330 "
تصدعت من خشية الله عند قراءته أو شققت فجعلت أنهارا وعيونا ) أو كلم به الموتى ( فتسمع فتقرؤه أو فتسمع وتجيب عند قراءته لكان هذا القرآن لأنه الغاية في الإعجاز والنهاية في التذكير والإنذار أو لما آمنوا به كقوله ) ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة ( الآية وقيل إن قريشا قالوا يا محمد إن سرك أن نتبعك فسير بقرآنك الجبال عن مكة حتى تتسع لنا فنتخذ فيها بساتين وقطائع أو سخر لنا به الريح لنركبها ونتجر إلى الشام أو ابعث لنا فنتخذ فيها بساتين وقطائع أو سخر لنا به الريح لنركبها ونتجر إلى الشام أو ابعث لنا به قصي بن كلاب وغيره من آبائنا ليكلمونا فيك فنزلت وعلى هذا فتقطيع الأرض قطعها بالسير وقيل الجواب مقدم وهو قوله ) وهم يكفرون بالرحمن ( وما بينهما اعتراض وتذكير ) كلم ( خاصة لاشتمال الموتى على المذكر الحقيقي ) بل لله الأمر جميعا ( بل لله القدرة على كل شيء وهو إضراب عما تضمنته ) لو ( من معنى النفي أي بل الله قادر على الإتيان بما اقترحوه من الآيات إلا أن إرادته لم تتعلق بذلك لعلمه بأنه لا تلين له شكيمتهم ويؤيد ذلك قوله ) أفلم ييأس الذين آمنوا ( عن أيمانهم مع ما رأوا من أحوالهم وذهب أكثرهم إلى أن معناه أفلم يعلم لما روي أن علي وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين قرؤوا / أفلم يتبين / وهو تفسير وإنما استعمل اليأس بمعنى العلم لأنه مسبب عن العلم فإن الميئوس عنه لا يكون إلا معلوما ولذلك علقه بقوله ) أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ( فإن معناه نفى هدى بعض الناس لعدم تعلق المشيئة باهتدائهم وهو على الأول متعلق بمحذوف تقديره ) أفلم يأس الذين آمنوا ((3/330)
" صفحة رقم 331 "
عن إيمانهم علما منهم ) أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ( أو بآمنوا ) ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا ( من الكفر وسوء الأعمال ) قارعة ( ذاهبة تقرعهم وتقلقهم ) أو تحل قريبا من دارهم ( فيفرعون منها ويتطاير إليهم شررها وقيل الآية في كفار مكة فإنهم لا يزالوا مصابين بما صنعوا برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإنه عليه الصلاة والسلام كان لا زال يبعث السرايا عليهم فتغير حواليهم وتختطف مواشيهم وعلى هذا يجوز أن يكون تحل خطابا للرسول عليه الصلاة والسلام فإنه حل بجيشه قريبا من دارهم عام الحديبية ) حتى يأتي وعد الله ( الموت أو القيامة أو فتح مكة ) إن الله لا يخلف الميعاد ( لا متناع الكذب في كلامه
الرعد : ( 32 ) ولقد استهزئ برسل . . . . .
) ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ( تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ووعيد للمستهزئين به والمقترحين عليه والإملاء أن يترك ملاوة من الزمان في دعة وأمن ) ثم أخذتهم فكيف كان عقاب ( أي عقابي إياهم
الرعد : ( 33 ) أفمن هو قائم . . . . .
) أفمن هو قائم على كل نفس ( رقيب عليها ) بما كسبت ( من خير أو شر لا يخفى عليه شيء من أعماله مولا يفوت عنده شيء من جزائهم والخبر محذوف تقديره كمن ليس كذلك ) وجعلوا لله شركاء ( استئناف أو عطف على ) كسبت ( إن جعلت ) ما ( مصدرية(3/331)
" صفحة رقم 332 "
أو لم يوحدوه وجعلوا لعيه ويكون فيه موضع الضمير للتنبيه على أنه المستحق للعبادة وقوله ) قل سموهم ( تنبيه على أن هؤلاء الشركاء لا يستحقونها والمعنى صفوهم فانظروا هل لهم ما يستحقون به العبادة ويستأهلون الشركة ) أم تنبئونه ( بل أتنبئونه وقرىء ) تنبئونه ( بالتخفيف ) بما لا يعلم في الأرض ( بشركاء يستحقون العبادة لا يعلمهم أو بصفات لهم يستحقونها لأجلها لا يعملها وهو العالم بكل شيء ) أم بظاهر من القول ( أم تسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير حقيقة واعتبار معنى كتسمية الزنجي كافورا وهذا احتجاج بليغ على أسلوب عجيب ينادي على نفسه بالإعجاز ) بل زين للذين كفروا مكرهم ( تمويههم فتخيلوا أباطيل ثم خالوها حقا أو كيدهم للإسلام يشركهم ) وصدوا عن السبيل ( سبيل الحق وقرأ ابن كثير ونافع وأبو بعمرو وابن عامر ) وصدوا ( بالفتح أي وصدوا الناس عن الإيمان وقىء بالكسر وصد بالتنوين ) ومن يضلل الله ( يخذله ) فما له من هاد ( يوفقه للهدى
الرعد : ( 34 ) لهم عذاب في . . . . .
) لهم عذاب في الحياة الدنيا ( بالقتل والأسر وسائر ما يصيبهم من المصائب ) ولعذاب الآخرة أشق ( لشدته ودوامه ) وما لهم من الله ( من عذابه أو من رحمته ) من واق ( حافظ
الرعد : ( 35 ) مثل الجنة التي . . . . .
) مثل الجنة التي وعد المتقون ( صفتها التي هي مثل في الغرابة وهو مبتدأ خبر(3/332)
" صفحة رقم 333 "
محذوف عند سيبويه أي فيما قصصنا عليكم مثل الجنة وقيل خبره ) تجري من تحتها الأنهار ( على طريقة قولك صفة زيد أسمر أو على حذف موصوف أي مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار أو على زيادة المثل وهو على قول سيبويه حال من العائد أو المحذوف أو من الصلة ) أكلها دائم ( لا ينقطع ثمرها ) وظلها ( أي وظلها وكذلك لا ينسخ في الدنيا بالشمس ) تلك ( أي الجنة الموصوفة ) عقبى الذين اتقوا ( مآلهم ومنهى أمرهم ) وعقبى الكافرين النار ( لا غير وفي ترتيب النظمين إطماع للمتقين وإقناط للكافرين
الرعد : ( 36 ) والذين آتيناهم الكتاب . . . . .
) والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ( يعني المسلمين من أهل الكتاب كابن سلام وأصحابه ومن آمن من النصارى وهم ثمانون رجلا أربعون بنجران وثمانية باليمن واثنان وثلاثون بالحبشة أو عامتهم فإنهم كانوا يفرحون بما يوافق كتبهم ) ومن الأحزاب ( يعني كفرتهم الذين تحزبوا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالعداوة ككعب بن الأشرف وأصحابه والسيد والعاقب وأشياعهما ) من ينكر بعضه ( وهو من يخالف شرائعهم أو ما يوافق ما حرفوه منها ) قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به ( جواب المنكرين أي قل لهم إني أمرت فيما أنزل إلي بأن أعبد الله وأوحده وهو العمدة في الدين ولا سبيل لكم إلى إنكاره وأما ما تنكرونه لما يخالف شرائعكم فليس ببدع مخلفة الشرائع والكتب الإلهية في جزيئات الأحكام وقرىء ) ولا أشرك ( بالرفع على الإستئناف ) إليه أدعو ( لا إلى غيره ) وإليه مآب ( وإليه مرجعي للجزاء لا إلى غيره وهذا هو القدر المتفق عليه بين الأنبياء وأما ماعدا ذلك من التفاريع فمما يختلف بالأعصار والأمم فلا معنى لإنكارهم المخالفة فيه
الرعد : ( 37 ) وكذلك أنزلناه حكما . . . . .
) وكذلك ( ومثل ذلك الإنزال المشتمل على أصول الدينات المجمع عليها(3/333)
" صفحة رقم 334 "
) أنزلناه حكما ( يحكم في القضايا والوقائع بما تقتضيه الحكمة عربيا مترجما بلسان العرب ليسهل لهم فهمه وحفظه وانتصابه على الحال ) ولئن اتبعت أهواءهم ( التي يدعونك إليها كتقرير دينهم والصلاة إلى قبلتهم بعدما حولت عنها ) بعد ما جاءك من العلم ( بنسخ ذلك ) ما لك من الله من ولي ولا واق ( ينصرك ويمنع العقاب عنك وهو حسم لأطماعهم وتهييج للمؤمنين على الثبات في دينهم
الرعد : ( 38 ) ولقد أرسلنا رسلا . . . . .
) ولقد أرسلنا رسلا من قبلك ( بشرا مثلك ) وجعلنا لهم أزواجا وذرية ( نساء وأولادا كما هي لك ) وما كان لرسول ( وما يصح له ولم يكن في وسعه ) أن يأتي بآية ( تقترح عليه وحكم يلتمس منه ) إلا بإذن الله ( فإنه المليء بذلك ) لكل أجل كتاب ( لك ل وقت وأمد حكم يكتب على العباد على ما يقتضيه استصلاحهم
الرعد : ( 39 ) يمحو الله ما . . . . .
) يمحو الله ما يشاء ( ينسخ ما يستصوب نسخة ) ويثبت ( ما تقتضيه حكمته وقيل يمحو سيئات التائب ويثبت الحسنات مكانها وقيل يمحو من كتاب الحفظة مالا يتعلق به جزاء ويترك يغيره مثبتا أو يثبت ما رآه وحده في صميم قلبه وقيل يمحو قرنا و يثبت آخرين وقيل يمحو الفاسدات ويثبت الكائنات وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي ) ويثبت ( بالتشديد ) وعنده أم الكتاب ( أصل الكتاب وهو اللوح المحفوظ إذ ما من كائن إلا وهو مكتوب فيه
الرعد : ( 40 ) وإما نرينك بعض . . . . .
) وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك ( وكيفما دارت الحال أريناك بعض ما أوعدناهم أو توفيناك قبله ) فإنما عليك البلاغ ( لا غير ) وعلينا الحساب ( للمجازاة لا عليك فلا تحتفل بإعراضهم ولا تستعجل بعذابهم فإنا فاعلون له و هذا طلائعه
الرعد : ( 41 ) أو لم يروا . . . . .
) أو لم يروا أنا نأتي الأرض ( أرض الكفرة ) ننقصها من أطرافها ( بما نفتحه على المسلمين منها ) والله يحكم لا معقب لحكمه ( لا راد له وحقيقته الذي يعقب الشيء بالإبطال ومنه قيل لصاحب الحق معقب لأنه يقفو غريمه بالإقتضاء والمعنى أنه حكم للأسلام بالإقبال وعلى الكفر بالإدبار وذلك كائن لا يمكن تغييره ومحل ) لا ( مع المنفي النصب على الحال اي يحكم نافذا حكمه ) وهو سريع الحساب ( فيحاسبهم عما قليل(3/334)
" صفحة رقم 335 "
في الآخرة بعدما عذبهم بالقتل والإجلاء في الدنيا
الرعد : ( 42 ) وقد مكر الذين . . . . .
) وقد مكر الذين من قبلهم ( بأنبيائهم والمؤمنين به منهم ) فلله المكر جميعا ( إذ لا يؤبه بمكر دون مكره فإنه القادر على ما هو المقصود منه غيره ) يعلم ما تكسب كل نفس ( فيعد جزاءها ) وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار ( من الحزبيين حيثما يأتيهم العذاب المعد لهم وهم في غفلة منه وهذا كالتفسير لمكر الله تعالى بهم واللام تدل على أن المراد بالعقبى العاقبة المحمودة مع ما في الأضافة إلى الدار كما عرفت وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكافر على إرادة الجنس وقرئ ) الكافرون ( ) والذين كفروا ( و ) الكفر ( أي أهله وسيعلم من أعلمه إذا أخبره
الرعد : ( 43 ) ويقول الذين كفروا . . . . .
) ويقول الذين كفروا لست مرسلا ( قيل المراد بهم رؤساء اليهود ) قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ( فإنه أظهر من الأدلة على رسالتي ما يغني عن شاهد يشهد عليها ) ومن عنده علم الكتاب ( علم القرآن وما ألف عليه من النظم المعجز أو علم التوراة وهو ابن سلام وأضرابه أو علم اللوح المحفوظ وهو الله تعالى أي كفى بالذي يستحق العبادة وبالذي لا يعلم ما في اللوح المحفوظ إلا هو شهيدا بيننا فيخزي الكاتب منا ويؤيده قراءة من قرأ ) ومن عنده ( بالكسر و ) علم الكتاب ( وعلى الأول مرتفع بالظرف فإنه معتمد على الموصول ويجوز أن يكون مبتدأ والظرف خبره وهو متعين على الثاني وقرئ ) ومن عنده علم الكتاب ( على الحرف والبناء للمفعول عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الرعد أعطي من الأجر عشر حسنات بوزن كل سحاب مضى وكل سحاب يكون إلى يوم القيامة من الموفين بعهد الله(3/335)
" صفحة رقم 336 "
سورة إبراهيم عليه السلام
وهي آياتها اثنتان وخمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
إبراهيم : ( 1 ) الر كتاب أنزلناه . . . . .
) الر كتاب ( أي هو كتاب ) أنزلناه إليك لتخرج الناس ( بدعائك إياهم إلى ما تضمنه ) من الظلمات ( من أنواع الضلال ) إلى النور ( إلى الهدى ) بإذن ربهم ( بتوفيقه وتسهيله مستعار من الاذن الذي هو تسهيل الحجاب وهو صلة ) لتخرج ( أو حال من فاعله أو مفعوله ) إلى صراط العزيز الحميد ( بدل من قوله ) إلى النور ( بتكرير العامل أو استئناف على أنه جواب لمن يسأله عنه وإضافة الصراط إلى الله تعالى إما لأنه مقصده أو المظهر له وتخصيص الوصفين للتنبيه على أنه لا يذل سالكه ولا يخيب سابله
إبراهيم : ( 2 ) الله الذي له . . . . .
) الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ( على قراءة نافع وابن عامر مبتدأ وخبر أو ) الله ( خبر مبتدأ محذوف والذي صفته وعلى قراءة الباقين عطف بيان ل ) العزيز ( لأنه كالعلم لاختصاصه بالمعبود على الحق ) وويل للكافرين من عذاب شديد ( وعيد لمن كفر بالكتاب ولم يخرج به من الظلمات إلى النور والويل نقيض الوأل وهو النجاة وأصله النصب لأنه مصدر إلا أنه لم يشتق منه فعل لكنه رفع لإفادة الثبات(3/336)
" صفحة رقم 337 "
إبراهيم : ( 3 ) الذين يستحبون الحياة . . . . .
) الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ( يختارونها عليها فإن المختار للشيء يطلب من نفسه أن يكون أحب إليها من غيره ) ويصدون عن سبيل الله ( بتعويق الناس عن الإيمان وقرئ ) ويصدون ( من أصده وهو منقول من صد صدودا إذا تنكب وليس فصيحا لأن في صده مندوحة عن تكلف التعدية بالهمزة ) ويبغونها عوجا ( ويبغون لها زيغا ونكوبا عن الحق ليقدحوا فيه فحذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير والموصول بصلته يحتمل الجر صفة للكافرين والنصب على الذم والرفع عليه أو على أنه مبتدأ خبره ) أولئك في ضلال بعيد ( أي ضلوا عن الحق ووقعوا عنه بمراحل والبعد في الحقيقة للضال فوصف به فعله للمبالغة أو للأمر الذي به الضلال فوصف به لملابسته
إبراهيم : ( 4 ) وما أرسلنا من . . . . .
) وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ( إلا بلغة قومه الذي هو منهم وبعث فيهم ) ليبين لهم ( ما أمروا به فيفقهوه عنه بيسر وسرعة ثم ينقلوه ويترجموه إلى غيرهم فإنهم أولى الناس إليه بأن يدعوهم وأحق بأن ينذرهم ولذلك أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بإنذار عشيرته أولا ولو نزل على من بعث إلى أمم مختلفة كتب على ألسنتهم استقل ذلك بنوع من الإعجاز لكن أدى إلى اختلاف الكلمة وإضاعة فضل الجهاد في تعلم الألفاظ ومعانيها والعلوم المتشبعة منها وما في أتعاب القرائح وكد النفوس من القرب المقتضية لجزيل الثواب وقرئ / بلسن / وهو لغة فيه كريش ورياش ولسن بضمتين وضمة وسكون على الجمع كعمد وعمد وقيل الضمير في قومه لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأن الله تعالى أنزل الكتب كلها بالعربية ثم ترجمها جبريل عليه السلام أو كل نبي بلغة المنزل عليهم وذلك ليس بصحيح يرده قوله ) ليبين لهم ( فإنه ضمير القوم والتوراة والإنجيل ونحوهما لم تنزل لتبين للعرب(3/337)
" صفحة رقم 338 "
) فيضل الله من يشاء ( فيخذله عن الإيمان ) ويهدي من يشاء ( بالتوفيق له ) وهو العزيز ( فلا يغلب على مشيئته ) الحكيم ( الذي لا يضل ولا يهدي إلا لحكمه
إبراهيم : ( 5 ) ولقد أرسلنا موسى . . . . .
) ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ( يعني اليد والعصا وسائر معجزاته ) أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور ( بمعنى أي أخرج لأن في الإرسال معنى القول أو بأن أخرج فإن صيغ الأفعال سواء في الدلالة على المصدر فيصح أن توصل بها أن الناصبة ) وذكرهم بأيام الله ( بوقائعه التي وقعت على الأمم الدارجة وأيام العرب حروبها وقيل بنعمائه وبلائه ) إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ( يصبر على بلائه ويشكر على نعمائه فإنه إذا سمع بما أنزل على من قبل من البلاء وأفيض عليهم من النعماء أعتبر وتنبه لما يجب عليه من الصبر والشكر وقيل المراد لكل مؤمن وإنما عبر عنه بذلك تنبيها على أن الصبر والشكر عنوان المؤمن
إبراهيم : ( 6 ) وإذ قال موسى . . . . .
) وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون ( أي اذكروا نعمته عليكم وقت إنجائه إياكم ويجوز أن ينتصب ب ) عليكم ( إن جعلت مستقرة غير(3/338)
" صفحة رقم 339 "
صلة للنعمة وذلك إذا أريد به العطية دون الأنعام ويجوز أن يكون بدلا من ) نعمة الله ( بدل الاشتمال ) يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ( أحوال من آل فوعون أو من ضمير المخاطبين والمراد بالعذاب ها هنا غير المراد به في سورة البقرة والأعراف لأنه مفسر بالتذبيح والقتل ثمة ومعطوف عليه بالتذبيح ها هنا وهو إما جنس العذاب أو ستعبادهم أو استعمالهم بالعمال الشاقة ) وفي ذلكم ( من حيث إنه بإقدار الله إياهم وإمهالهم فيه ) بلاء من ربكم عظيم ( ابتلاء من هو يجوز أن تكون الإشارة إلى الإنجاء والمراد بالبلاء النعمة
إبراهيم : ( 7 ) وإذ تأذن ربكم . . . . .
) وإذ تأذن ربكم ( أيضا من كلام موسى ( صلى الله عليه وسلم ) و ) تأذن ( بمعنى آذن كتوعد وأوعد غير أنه أبلغ لما في التفعل من معنى التكليف والمبالغة ) لئن شكرتم ( يا بني إسرائيل ما أنعمت عليكم من الإنجاء وغيره بالإيمان والعمل الصالح ) لأزيدنكم ( نعمة إلى نعمة ) ولئن كفرتم ( ما أنعمت عليكم ) إن عذابي لشديد ( فلعلي أعذبكم على الكفران عذابا شديدا و من عادة أكرم الأكرمين أن يصرح بالوعد ويعرض بالوعيد والجملة مقول قول مقدر أو مفعول ) تأذن ( على أنه جار مجرى قال لأنه ضرب منه
إبراهيم : ( 8 ) وقال موسى إن . . . . .
) وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا ( من الثقلين ) فإن الله لغني ( عن شكركم ) حميد ( مستحق للحمد في ذاته محمود تحمده الملائكة وتنطق بنعمته ذرات المخلوقات فما ضررتم بالكفر إلا أنفسكم حيث حرمتموها مزيد الأنعام وعرضتموها للعذاب الشديد
إبراهيم : ( 9 ) ألم يأتكم نبأ . . . . .
) ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود ( من كلام موسى عليه الصلاة والسلام أو كلام مبتدأ من الله ) والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ( جملة وقعت اعتراضا أو الذين من بعدهم عطف على ما قبله ولا يعلمهم اعتراض والمعنى أنهم لكثرتهم لا يعلم عددهم إلا الله ولذلك قال بان مسعود رضي الله تعالى عنه كذب(3/339)
" صفحة رقم 340 "
النسابون ) جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم ( فعضوها غيظا مما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام كقوله تعالى ) عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ( أو وضعوها عليها تعجبا منه أو استهزاء عليه كمن غلبه الضحك أو إسكاتا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأمرا لهم بإطباق الأفواه أو أشاروا بها إلى السنتهم وما نطقت به من قولهم ) إنا كفرنا ( تنييها على أن لا جواب لهم سواه أو ردوها في أفواه الأنبياء يمنعونهم من التكلم وعلى هذا يحتمل أن يكون تمثيلا وقيل الأيدي بمعنى الأيادي أيردوا ايادي الأنبياء التي هي مواعظهم وما أوحي إليهم من الحكم والشرائع في أفواههم لأنهم إذا كذبوها ولم يقبلوها فكأنهم ردوها إلى حيث جاءت منه ) وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به ( على زعمكم ) وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه ( من الإيمان وقرىء ) تدعونا ( بالأدغام ) مريب ( موقع في الريبة أو ذي ريبة وهي قلق النفس وأن لا تطمئن إلى الشيء
إبراهيم : ( 10 ) قالت رسلهم أفي . . . . .
) قالت رسلهم أفي الله شك ( أدخلت همزة الإنكار على الظرف لأن الكلام في المشكوك فيه لا في الشك أي إنما ندعوكم إلى الله وهو لا يحتمل الشك أي إنما ندعوكم إلى الله وهو لا يحتمل الشك لكثرة الأدلة وظهور دلالتها عليه واشاروا إلى ذلك بقولهم ) فاطر السماوات والأرض ( وهو صفة أو بدل و ) شك ( مرتفع بالظرف ) يدعوكم ( إلى الإيمان ببعثه إيانا و ) ليغفر لكم ( أو يدعوكم إلى المغفرة كقولك دعوته لينصرني على إقامة المفعول له مقام المفعول به ) من ذنوبكم ( بعض ذنوبكم وهو ما بينكم وبينه تعالى فإن الإسلام يجبه دون المظالم وقيل جيء بمن في خطاب الكفرة دون المؤمنين في جميع القرآن تفرقة بي الخطابين ولعل المعنى فيه أن المغفرة حيث جاءت في خطاب الكفار مرتبة على الإيمان وحيث جاءت في خطاب المؤمنين مشفوعة بالطاعة والتجنب عن المعاصي ونحو ذلك فتناول الخروج عن المظالم ) ويؤخركم إلى أجل مسمى ( إلى وقت سماه الله تعالى وجعله آخر(3/340)
" صفحة رقم 341 "
أعماركم ) قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا ( لا فضل لكم علينا فلم تخصون بالنبوة دوننا ولو شاء الله أن يبعث إلى البشر رسلا لبعث من جنس أفضل ) تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا ( بهذه الدعوى ) فأتونا بسلطان مبين ( يدل على فضلكم واستحقاقكم لهذه المزية أو على صحة ادعائكم النبوة كأنهم لم يعتبروا ما جاءوا به من البينات والحجج واقترحوا عليهم آية أخرى تعنتا ولجاجا
إبراهيم : ( 11 ) قالت لهم رسلهم . . . . .
) قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده ( سلموا مشاركتهم في الجنس وجعلوا الموجب لاختصاصهم بالنبوة فضل الله ومنه عليهم وفيه دليل على أن النبوة عطائية وأن ترجيح بعض الجائزات على بعض بمشيئة الله تعالى ) وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله ( أي ليس إلينا الإتيان بالآيات ولا تستبد به استطاعتنا حتى نأتي بما اقترحتموه وإنما هو أمر يتعلق بمشيئة الله تعالى فيخص كل نبي بنوع من الآيات ) وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( فلنتوكل عليه في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم عمموا الأمر للإشعار بما يوجب التوكل وقصدوا به أنفسهم قصدا أوليا ألا ترى قوله تعالى
إبراهيم : ( 12 ) وما لنا ألا . . . . .
) وما لنا ألا نتوكل على الله ( أي عذر لنا في أن لا نتوكل عليه ) وقد هدانا سبلنا ( التي بها نعرفه ونعلم أن الأمور كلها بيده وقرأ أبو عمرو بالتخفيف ههنا وفي ) العنكبوت ( ) ولنصبرن على ما آذيتمونا ( جواب قسم محذوف أكدوا به توكلهم وعدم مبالاتهم بما يجري من الكفار عليهم ) وعلى الله فليتوكل المتوكلون ( فليثبت المتوكلون على ما استحدثوه من توكلهم المسبب عن إيمانهم
إبراهيم : ( 13 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا ( حلفوا على أن يكون أحد الأمرين إما إخراجهم للرسل أو عودهم إلى ملتهم وهو بمعنى الصيرورة(3/341)
" صفحة رقم 342 "
لأنهم لم يكونوا على ملتهم قط ويجوز أن يكون الخطاب لكل رسول ومن آمن معه فغلبوا الجماعة على الواحد ) فأوحى إليهم ربهم ( أي إلى رسلهم ) لنهلكن الظالمين ( على إضمار القول أو إجراء الإيحاء مجراه لأنه نوع منه
إبراهيم : ( 14 ) ولنسكننكم الأرض من . . . . .
) ولنسكننكم الأرض من بعدهم ( أي أرضهم وديارهم كقوله تعالى ) وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها ( وقرئ / ليهلكن / / وليسكنكم / بالياء اعتبارا لأوحى كقولك أقسم زيد ليخرجن ) ذلك ( إشارة إلى الموحى به وهو إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين ) لمن خاف مقامي ( موقفي وهو الموقف الذي يقيم فيه العباد للحكومة يوم القيامة أو قيامي عليه لا علمه وقيل المقام مقحم ) وخاف وعيد ( أي وعيدي بالعذاب أو عذابي الموعود للكفار
إبراهيم : ( 15 ) واستفتحوا وخاب كل . . . . .
) واستفتحوا ( سألوا من الله الفتح على أعدائهم أو القضاء بينهم وبين أعدائهم من الفتاحة كقوله ) ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ( وهو معطوف على ) فأوحى ( والضمير للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقيل للكفرة وقيل للفريقين فإن كلهم سألوه أن ينصر المحق ويهلك المبطل وقرئ بلفظ الأمر عطفا على / ليهلكن / ) وخاب كل جبار عنيد ( أي ففتح لهم فأفلح المؤمنون وخاب كل جبار عات متكبر على الله معاند للحق فلم يفلح ومعنى الخيبة إذا كان الاستفتاح من الكفرة أو من القبيلين كان أوقع
إبراهيم : ( 16 ) من ورائه جهنم . . . . .
) من ورائه جهنم ( أي من بين يديه فإنه مرصد بها واقف على شفيرها في الدنيا مبعوث إليها في الآخرة وقيل من وراء حياته وحقيقته ما توارى عنك ) ويسقى من ماء ( عطف على محذوف تقديره من ورائه جهنم يلقى فيها ما يلقى ) ويسقى من ماء ( و ) صديد ( عطف بيان ل ) ماء ( وهو ما يسيل من جلود أهل النار
إبراهيم : ( 17 ) يتجرعه ولا يكاد . . . . .
) يتجرعه ( يتكلف جرعه وهو صفة لماء أو حال من الضمير في ) يسقى ( ولا(3/342)
" صفحة رقم 343 "
) يكاد يسيغه ( ولا يقارب أن يسيغه فكيف يسيغه بل يغص به فيطول عذابه والسوغ جواز الشراب على الحلق بسهولة وقبول نفس ) ويأتيه الموت من كل مكان ( أي أسبابه من الشدائد فتحيط به من جميع الجهات وقيل من كل مكان من جسده حتى من أصول شعره وإبهام رجله ) وما هو بميت ( فيستريح ) ومن ورائه ( ومن بين يديه ) عذاب غليظ ( أي يستقبل في كل وقت عذابا أشد مما هو عليه وقيل هو الخلود في النار وقيل حبس الأنفاس وقيل الآية منقطعة عن قصة الرسل نازلة في أهل مكة طلبوا الفتح الذي هو المطر في سنيهم التي أرسل الله تعالى عليهم بدعوة رسوله فخيب رجاءهم فلم يسقهم ووعد لهم أن يسقيهم في جهنم بدل سقياهم صديد أهل النار
إبراهيم : ( 18 ) مثل الذين كفروا . . . . .
) مثل الذين كفروا بربهم ( مبتدأ خبره محذوف أي فيما يتلى عليكم صفتهم التي هي مثل في الغرابة أو قوله ) أعمالهم كرماد ( وهو على الأول جملة مستأنفة لبيان مثلهم وقيل ) أعمالهم ( بدل من المثل والخبر ) كرماد اشتدت به الريح ( حملته وأسرعت الذهاب به وقرأ نافع ) الرياح ( ) في يوم عاصف ( العصف اشتداد الريح وصف به زمانه للمبالغة كقولهم نهاره صائم وليله قائم شبه صنائعهم من الصدقة وصلة الرحم وإغاثة الملهوف وعتق الرقاب ونحو ذلك من مكارمهم في حبوطها وذهابها هباء منثورا لبنائها على غير أساس من معرفة الله تعالى والتوجه بها إليه أو أعمالهم للأصنام برماد طيرته الريح العاصف فلا يرون له أثرا من الثواب وهو فذلكة التمثيل ) ذلك ( إشارة إلى ضلالهم مع حسبانهم أنهم محسنون ) هو الضلال البعيد ( فإنه الغاية في البعد عن طريق الحق
إبراهيم : ( 19 - 20 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر ( خطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) به أمته وقيل لكل واحد من الكفرة على التلوين ) أن الله خلق السماوات والأرض بالحق ( والحكمة والوجه الذي يحق أن تخلق عليه وقرأ حمزة والكسائي / خالق السموات / ) إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ((3/343)
" صفحة رقم 344 "
يعدمكم ويخلق خلقا آخر مكانكم رتب ذلك على كونه خالقا للسموات والأرض استدلال ا به عليه فإن من خلق أصولهم وما يتوقف عليه تخليقهم ثم كونهم بتبديل الصور وتغيير الطبائع قدر أن يبدلهم بخلق آخر ولم يمتنع عليه ذلك كما قال ) وما ذلك على الله بعزيز ( بمعتذر أو متعسر فإنه قادر لذاته لا اختصاص له بمقدور دون مقدور ومن كان هذا شانه كان حقيقا بأن يؤمن به ويعبد رجاء لثوابه وخوفا من عقابه يوم الجزاء
إبراهيم : ( 21 ) وبرزوا لله جميعا . . . . .
) وبرزوا لله جميعا ( أي يبرزون من قبورهم يوم القيامة لأمر الله تعالى ومحاسبته أو ) لله ( على ظنهم فإنهم كانوا يخفون أرتكاب الفواحش ويظنون أنها تخفى على الله تعالى فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله تعالى عند أنفسهم وإنما ذكر بلفظ لماضي لتحقيق وقوعه ) فقال الضعفاء ( الإتباع جمع ضعيف يريد به ضعاف الرأي وإنما كتبت بالواو على لفظ من بفخم الألف قبل الهمزة في مليها إلى الواو ) للذين استكبروا ( لرؤوسائهم الذين استتبعوهم واستغفووهم ) إنا كنا لكم تبعا ( في تكذيب الرسل والإعراض عن نصائحهم وهو جمع تابع كغائب وغيب أو مصدر نعت به للمبالغة أو على إضمار مضاف ) فهل أنتم مغنون عنا ( دافعون عنا ) من عذاب الله من شيء ( من الأولى للبيان واقعة موقع الحال والثانية للتبغيض واقعة موقع المفعول أي بعض الشيء الذي هو عذاب الله ويجوز أن تكونا للتبعيض أي بعض شيء هو بعض عذاب الله والأعراب ما سبق ويحتمل أن تكون الأولى مفعولا والثانية مصدرا أ ي فهل أنتم مغنون بعض العذاب بعض الإغناء ) قالوا ( أي الذين استكبروا جوابا عن معاقبة الأتباع واعتذار عما فعلوا بهم ) لو هدانا الله ( للإيمان ووفقنا له ) لهديناكم ( ولكن ضللنا فأضللناكم أي اخترنا لكم ما اخترناه لأنفسنا أو لو هدنا الله طريق النجاة من العذاب لهديناكم وأغنيناه عنكم كما عرضناكم له لكن سد دوننا طريق الخلاص ) سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ( مستويان(3/344)
" صفحة رقم 345 "
علينا الجزع والصبر ) ما لنا من محيص ( منجى ومهرب من العذاب من الحيص وهو العدل على جهة الفرار وهو يحتمل أن يكون مكانا كالمبيت ومصدرا كالمغيب ويجوز أن يكو قوله ) سواء علينا ( من كلام الفريقين ويؤيده ما روي أنهم يقولون تعالوا نجزع فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم فيقولون تعالوا نصبر فيصبرون كذلك ثم يقولون ) سواء علينا )
إبراهيم : ( 22 ) وقال الشيطان لما . . . . .
) وقال الشيطان لما قضي الأمر ( أحكم وفرغ منه ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار خطيبا في الأشقياء من الثقلين ) إن الله وعدكم وعد الحق ( وعدا أنجزه وهو الوعد بالبعث والجزاء ) ووعدتكم ( وعد الباطل وهو أن لا بعث ولا حساب وإن كانا فالأصنام تشفع لكم ) فأخلفتكم ( جعل تبين خلف وعده كالأخلاف منه ) وما كان لي عليكم من سلطان ( تسلط فألجئكم إلى الكفر والمعاصي ) إلا أن دعوتكم ( إلا دعائي إياكم إليها بتسويلي وهو ليس من جنس السلطان ولكنه على طريقة قولهم تحية بينهم ضرب وجيع ويجوز أن يكون الإستثثناء منقطعا ) فاستجبتم لي ( أسرعتم إجابتي ) فلا تلوموني ( بوسوستي فإن من صرح العداوة لا يلام بأمثال ذلك ) ولوموا أنفسكم ( حيث أطعتموني إذ دعوتكم ولم تطيعوا ربكم لما دعاكم واحتجت المعتزلة بأمثال ذلك على استقلال العبد بأفعلاه وليس فيها ما يدل عليه إذ يكفي لصحتها أن يكون لقدرة العبد مدخل ما في فعله وهو الكسب الذي يقوله أصحابنا ) ما أنا بمصرخكم ( بمغيثكم من العذاب ) وما أنتم بمصرخي ( بمغيثي وقرأ حمزة بكسر الياء على الأصل في التقاء الساكنين وهو أصل مرفوض في مثله لما فيه من اجتماع ياءين وثلاث كسرات مع أن حركة ياء الإضافة الفتح فإذا لم تكسر وقبلها ألف فبالحري أن لا تكسر وقبلها ياء أو على لغة من يزيد ياء على ياء الإضافة إجراء لها مجرى الهاء والكاف في ضربته وأعطيتكه وحذف الياء اكتفاء بالكسرة ) إني كفرت بما أشركتمون من قبل ( ) ما ( إما مصدرية ) من ( متعلقة بأشر كتموني أي كفرت اليوم بإشراككم إياي من قبل هذا اليوم أي في الدنيا(3/345)
" صفحة رقم 346 "
بمعنى تبرأت منه واستنكرته كقوله ) ويوم القيامة يكفرون بشرككم ( أو موصولة بمعنى من نحو ما في قولهم سبحان ما سخركن لنا و 0 من متعلقة ب ) كفرت ( أي كفرت بالذي أشركتمونيه وهو الله تعالى بطاعتكم إياي فيما دعوتكم إليه من عبادة الأصنام وغيرها من قبل إشراككم حين رددت أمره بالسجود لآدم عليه الصلاة والسلام وأشرك منقول من شركت زيدا للتعدية إلى مفعول ثان ) إن الظالمين لهم عذاب أليم ( تتمة كلامه أو ابتداء كلام من الله تعالى وفي حكاية أمثال ذلك لطف للسامعين وإيقاظ لهم حتى يحاسبوا أنفسهم ويتدبروا عواقبهم
إبراهيم : ( 23 ) وأدخل الذين آمنوا . . . . .
) وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم ( بإذن الله تعالى وأمره والمدخلون هم الملائكة وقرئ ) وأدخل ( على التكلم فيكون قوله ) بإذن ربهم ( متعلقا بقوله ) تحيتهم فيها سلام ( أي تحييهم الملائكة فيها بالسلام بإذن ربهم
إبراهيم : ( 24 ) ألم تر كيف . . . . .
) ألم تر كيف ضرب الله مثلا ( كيف اعتمده ووضعه ) كلمة طيبة كشجرة طيبة ( أي جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة وهو تفسير لقوله ) ضرب الله مثلا ( ويجوز أن تكون ) كلمة ( بدلا من ) مثلا ( و ) شجرة ( صفتها أو خبر مبتدأ محذوف أي هي ) كشجرة ( وإن تكون أول مفعولي ضرب إجراء له مجرى جعل وقد قرئت بالرفع على الابتداء ) أصلها ثابت ( في الأرض ضارب بعروقه فيها وفروعها وأعلاها ) في السماء ( ويجوز أن يريد وفروعها أي أفنائها على الاكتفاء بلفظ الجنس لاكتسابه الاستغراق من الإضافة وقرئ / ثابت أصلها / والأول على أصله ولذلك قيل إنه أقوى ولعل الثاني(3/346)
" صفحة رقم 347 "
إبراهيم : ( 25 ) تؤتي أكلها كل . . . . .
) تؤتي أكلها ( تعطي ثمرها ) كل حين ( وقته الله تعالى لإثمارها ) بإذن ربها ( بإرادة خالقها وتكوينه
إبراهيم : ( 26 ) ومثل كلمة خبيثة . . . . .
) ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة ( كمثل شجرة خبيثة ) اجتثت ( استؤصلت وأخذت جئتها بالكلية ) من فوق الأرض ( لأن عروقها قريبة منه ) ما لها من قرار ( استقرار واختلف في الكلمة والشجرة ففسرت الكلمة الطيبة بكلمة التوحيد ودعوة الإسلام والقرآن والكلمة الخبيثة بالشرك بالله تعالى والدعاء إلى لاكفر وتكذيب الحق ولعل المراد بهما ما يعم ذلك فالكلمة الطيبة ما أعرب عن حق أو دعا إلى صلاح والكلمة الخبيثة ما كان على خلاف ذلك وفسرت الشجرة الطيبة بالنخلة وروي ذلك مرفوعا وبشجرة في الجنة والخبيثة بالحنظلة والكشوث ولعل المراد بهما أيضا ما يعم ذلك
إبراهيم : ( 27 ) يثبت الله الذين . . . . .
) يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ( الذي بالحجة عندهم وتمكن في قلوبهم ) الحياة الدنيا ( فلا يزالون إذا فتنوا في دينهم كزكريا ويحي عليهما السلام وجرجيس وشمعون والذين فتنهم أصحاب الأخدود ) وفي الآخرة ( فلا يتلعثمون إذا سئلوا عن معتقدهم في الموقف ولا تدهشهم أهوال يوم القيامة وروي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) ذكر قبض روح المؤمن فقال ثم تعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه في قبره ويقولان له من ربك وما دينك ومن نبيك فيقول ربي الله وديني الإسلام ونبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فذلك قوله ) يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ((3/347)
" صفحة رقم 348 "
) ويضل الله الظالمين ( الذين ظلموا أنفسهم بالاقتصار على التقليد فلا يهتدون إلى الحق ولا يثبتون في مواقف الفتن ) ويفعل الله ما يشاء ( من تثبيت بعض وإضلال آخرين من غير اعتراض عليه
إبراهيم : ( 28 ) ألم تر إلى . . . . .
) ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا ( أي شكر نعمته كفرا بأن وضعوه مكانه أو بذلوا نفس النعمة كفرا فإنهم لما كفروها سلبت منهم فصاروا تاركين لها محصلين للكفر بدلها كأهل مكة خلقهم الله تعالى وأسكنهم حرمه وجعلهم قوام بيته ووسع عليهم أبواب رزقه وشرفهم بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) فكفروا ذلك فقحطوا سبع سنين وأسروا وقتلوا يوم بدر وصاروا أدلاء فبقوا مسلوبي النعمة وموصوفين بالكفر وعن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما هم الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أمية فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين ) وأحلوا قومهم ( الذين شايعوهم في الكفر ) دار البوار ( دار الهلاك بحملهم على الكفر
إبراهيم : ( 29 ) جهنم يصلونها وبئس . . . . .
) جهنم ( عطف بيان لها ) يصلونها ( حال منها أو من القوم أي داخلين فيها مقاسين لحرها أو مفسر لفعل مقدر ناصب لجهنم ) وبئس القرار ( أي وبئس المقر جهنم
إبراهيم : ( 30 ) وجعلوا لله أندادا . . . . .
) وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله ( الذي هو التوحيد وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس عن يعقوب بفتح الياء وليس الضلال ولا الإضلال غرضهم في اتخاذ الأنداد لكن كان نتيجة جعل كالغرض ) قل تمتعوا ( بشهواتكم أو بعبادة الأوثان فإنها من قبيل الشهوات التي يتمتع بها وفي التهديد بصيغة الأمر إيذان بأن المهدد عليه كالمطلوب لإفضائه إلى المهدد به وأن الأمرين كائنان لا محالة ولذلك علله بقوله ) فإن مصيركم إلى النار ( وأن المخاطب لانهماكه فيه كالمأمور به من أمر مطاع
إبراهيم : ( 31 ) قل لعبادي الذين . . . . .
) قل لعبادي الذين آمنوا ( خصهم بالإضافة تنويها لهم وتنبيها على أنهم المقيمون(3/348)
" صفحة رقم 349 "
لحقوق العبودية ومفعول ) قل ( محذوف يدل عليه جوابه أي قل لعبادي الذين آمنوا أقيموا الصلاة وأنفقوا ) يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم ( فيكون إيذانا بأنهم لفرط مطاوعتهم للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بحيث لا ينفك فعلهم عن أمره وأنه كالسبب الموجب له ويجوز أن يقدرا بلام الأمر ليصح تعلق القول بهما وإنما حسن ذلك ها هنا ولم يحسن في قوله " محمد تفد نفسك كل نفس إذا ما خفت من أمر تبالا " لدلالة قل عليه وقيل هما جوابا أقيموا وأنفقوا مقامين مقامها وهو ضعيف لأنه لا بد من مخالفة ما بين الشرك وجوابه ولأن أمر المواجهة لا يجاب بلفظ الغيبة إذا كان الفاعل واحدا ) سرا وعلانية ( منتصبان على المصدر أي إنفاق سر وعلانية أو على الحال أي ذوي سر وعلانية أو على الظرف أي وقتي سر وعلانية والأحب إعلان الواجب وإخفاء المتطوع به ) من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ( فيبتاع المقصر ما يتدارك به تقصيره أو يفدي به نفسه ) ولا خلال ( ولا مخالة فيشفع لك خليل أو من قبل أن يأتي يوم لا انتفاع فيه بمبايعة ولا مخالة وإنما ينتفع فيه بالإنفاق لوجه الله تعالى وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بالفتح فيهما على النفي العام
إبراهيم : ( 32 ) الله الذي خلق . . . . .
) الله الذي خلق السماوات والأرض ( مبتدأ وخبره ) وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ( تعيشون به وهو يشمل المطعوم والملبوس مفعول لأخرج و ) من الثمرات ( بيان له وحال منه ويحتمل عكس ذلك ويجوز أن يراد به المصدر فينتصب بالعلة أو المصدر لأن أخرج في معنى رزق ) وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره ( بمشيئته(3/349)
" صفحة رقم 350 "
غلى حيث توجهتم ) وسخر لكم الأنهار ( فجعلها معدة لانتفاعكم وتصرفكم وقيل تسخير هذه الأشياء تعليم كيفية اتخاذها
إبراهيم : ( 33 ) وسخر لكم الشمس . . . . .
) وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ( يدأبان في سيرهما وإنارتهما وإصلاح ما يصلحانه من المكونات ) وسخر لكم الليل والنهار ( يتعاقبان لسباتكم ومعاشكم
إبراهيم : ( 34 ) وآتاكم من كل . . . . .
) وآتاكم من كل ما سألتموه ( أي بعض جميع ما سألتموه يعني من كل شيء سألتموه شيئا فإن الموجود من كل صنف بعض ما في قدرة الله تعالى ولعل المراد ب ) ما سألتموه ( ما كان حقيقيا بأن يسأل لاحتياج الناس إليه سئل أو لم يسأل وما يحتمل أن تكون موصولة وموصوفة ومصدرية ويكون المصدر بمعنى المفعول وقرئ ) من كل ( بالتنوين أي وآتاكم من كل شيء ما احتجتم إليه وسألتموه بلسان الحال ويجوز أن تكون ) ما ( نافية في موقع الحال أي وآتاكم من كل شيء غير سائليه ) وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ( لا تحصروها ولا تطيقوا عد أنواعها فضلا عن إفرادها فإنها غير متناهية وفيه دليل على أن المفرد يفيد الاستغراق بالإضافة ) إن الإنسان لظلوم ( يظلم النعمة بإغفال شكرها أو بظلم نفسه بأن يعرضها للحرمان ) كفار ( شديد الكفران وقيل ظلوم في الشدة يشكو ويجزع كفار في النعمة يجمع ويمنع
إبراهيم : ( 35 ) وإذ قال إبراهيم . . . . .
) وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد ( بلدة مكة ) آمنا ( ذا أمن لمن فيها والفرق بينه وبين قوله ) اجعل هذا البلد آمنا ( أن المسؤول في الأول وإزالة الخوف عنه وتصييره(3/350)
" صفحة رقم 351 "
آمنا وفي الثاني جعله من البلاد الآمنة ) واجنبني وبني ( بعدني وإياهم ) أن نعبد الأصنام ( واجعلنا منها في جانب وقرئ ) واجنبني ( وهما على لغة نجد وأما أهل الحجاز فيقولون جنبني شره وفيه دليل على أن عصمة الأنبياء بتوفيق الله وحفظه إياهم وهو بظاهره لا يتناول أحفاده وجميع ذريته وزعم ابن عيينة أن أولاد إسماعيل عليه الصلاة والسلام لم يعبدوا الصنم محتجا به وإنما كانت لهم حجارة يدورون بها ويسمونها الدوار ويقولون البيت حجر فحيثما نصبنا حجرا فهو بمنزلته
إبراهيم : ( 36 ) رب إنهن أضللن . . . . .
) رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ( فذلك سألت منك العصمة واستعذت بك من إضلالهن وإسناد الإضلال إليهن باعتبار السببية كقوله تعالى ) وغرتهم الحياة الدنيا ( فمن تبعني على ديني ) فإنه مني ( أي بعضي لا ينفك عني في أمر الدين ) ومن عصاني فإنك غفور رحيم ( تقدر أن تغفر له وترحمه ابتداء أو بعد التوفيق للتوبة وفيه دليل على أن كل ذنب فلله أن يغفره حتى الشرك إلا أن الوعيد فرق بينه وبين غيره
إبراهيم : ( 37 ) ربنا إني أسكنت . . . . .
) ربنا إني أسكنت من ذريتي ( أي بعض ذريتي أو ذرية من ذريتي فحذف المفعول وهم إسماعيل ومن ولد منه فإن إسكانه متضمن لإسكانهم ) بواد غير ذي زرع ( يعني وادي مكة فإنها حجرية لا تنبت ) عند بيتك المحرم ( الذي حرمت التعرض له و التهاون به أو لم يزل معظما ممنعا يهابه الجبابرة أو منع منه الطوفان فلم يستول عليه ولذلك سمي عتيقا أي أعتق منه ولو دعا بهذا الدعاء أول ما قدم فلعله قال ذلك باعتبار ما كان أو ما(3/351)
" صفحة رقم 352 "
سيؤول إليه روي أن هاجر كانت لسارة رضي الله عنها فوهبتها لإبراهيم عليه السلام فولدت منه إسماعيل عليه السلام فغارت عليها فناشدته أن يخرجهما من عندها فأخرجهما إلى أرض مكة فأظهر الله عين زمزم ثم إن جرهم رأوا ثم طيورا فقالوا لا طير إلا على الماء فقصدوه فرأوهما وعندهما عين فقالوا أشركينا في مائك نشركك في ألباننا ففعلت ) ربنا ليقيموا الصلاة ( اللام لام كي وهي متعلقة ب ) أسكنت ( أي ما أسكنتهم بهذا الوادي البلقع من كل مرتفق ومرتزق إلا لإقامة الصلاة عند بيتك المحرم وتكرير النداء وتوسيطه للإشعار بأنها المقصودة بالذات من إسكانهم ثمة والمقصود من الدعاء توفيقهم لها وقيل لام الأمر والمراد هو الدعاء لهم بإقامة الصلاة كأنه طلب منهم الإقامة وسأل من الله تعالى أن يوفقهم لها ) فاجعل أفئدة من الناس ( أي أفئدة من أفئدة الناس و ) من ( للتبعيض ولذلك قيل لو قال أفئدة الناس لازدحمت عليهم فارس والروم ولحجت اليهود والنصارى أو للابتداء كقولك القلب مني سقيم أي أفئدة ناس وقرأ هشام / أفئيدة / يخلف عنه بياء بعد الهمزة وقرئ / آفدة / وهو يحتمل أن يكون مقلوب ) أفئدة ( كآدر في أدؤر وأن يكون اسم فاعل من أفدت الرحلة إذا عجلت أي جماعة يعجلون نحوهم / وأفدة / بطرح الهمزة للتخفي وإن كان الوجه فيه إخراجهما بين بين ويجوز أن يكون من أفد ) تهوي إليهم ( تسرع إليهم شوقا وودادا وقرئ ) تهوى ( على البناء للمفعول من أهوى إليه غيره و ) تهوى ( من هوى يهوي إذا أحب وتعديته بإلى لتضمنه معنى النزوع ) وارزقهم من الثمرات ( مع سكناهم واديا لا نبات فيه ) لعلهم يشكرون ( تلك النعمة(3/352)
" صفحة رقم 353 "
فأجاب الله عز وجل دعوته فجعله حرما آمنا يجيء إليه ثمرات كل شيء حتى توجد فيه الفواكه الربيعية والصيفية والخريفية في يوم واحد
إبراهيم : ( 38 ) ربنا إنك تعلم . . . . .
) ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن ( تعلم سرنا كما تعلم علننا والمعنى إنك أعلم بأحوالنا ومصالحنا وأرحم بنا منا بأنفسنا فلا حاجة لنا إلى الطلب لكنا ندعوك إظهارا لعبوديتك وافتقارا إلى رحمتك واستعجالا لنيل ما عندك وقيل ما نخفي من وجد الفرقة وما نعلن من التضرع إليك والتوكل عليك وتكرير النداء للمبالغة في التضرع واللجأ إلى الله تعالى ) وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء ( لأنه العالم بعلم ذاتي يستوي نسبته إلى كل معلوم ومن للاستغراق
إبراهيم : ( 39 ) الحمد لله الذي . . . . .
) الحمد لله الذي وهب لي على الكبر ( أي وهب لي وأنا كبير آيس من الولد قيد الهبة بحال الكبر استعظاما للنعمة وإظهارا لما فيها من آلائه ) إسماعيل وإسحاق ( روي أنه ولد له إسماعيل لتسع وتسعين سنة وإسحاق لمائة واثنتي عشرة سنة ) إن ربي لسميع الدعاء ( أي لمجيبه من قولك سمع الملك كلامي إذا اعتد به وهو من أبنية المبالغة العاملة عمل الفعل أضيف إلى مفعوله أو فاعله على إسناد السماع إلى دعاء الله تعالى على المجاز وفيه إشعار بأنه دعا ربه وسأل منه الولد فأجابه ووهب له سؤله حين ما وقع اليأس منه ليكون من أجل النعم وأجلاها
إبراهيم : ( 40 ) رب اجعلني مقيم . . . . .
) رب اجعلني مقيم الصلاة ( معدلا لها مواظبا عليها ) من ذريتي ( عطف على المنصوب في ) اجعلني ( والتبعيض لعلمه بإعلام الله أو استقراء عادته في الأمم الماضية أن يكون في ذريته كفار ) ربنا وتقبل دعاء ( واستجب دعائي أو وتقبل عبادتي
إبراهيم : ( 41 ) ربنا اغفر لي . . . . .
) ربنا اغفر لي ولوالدي ( وقرئ / ولأبوي / وقد تقدم عذر استغفاره لهما وقيل(3/353)
" صفحة رقم 354 "
أراد بهما آدم وحواء ) وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ( يثبت مستعار من القيام على الرجل كقولهم قامت الحرب على ساق أو يقوم إليه أهله فحذف المضاف أو أسند إليه قيامهم مجازا
إبراهيم : ( 42 ) ولا تحسبن الله . . . . .
) ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ( خطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد به تثبيته على ما هو عليه من أنه تعالى مطلع على أحوالهم وأفعالهم لا يخفى عليه خافية والوعيد بأنه معاقبهم على قليله وكثيره لا محالة أو لكل من توهم غفلته جهلا بصفاته واغترارا بإمهاله وقيل إنه تسلية للمظلوم وتهديد للظالم ) إنما يؤخرهم ( يؤخر عذابهم وعن أبي عمرو بالنون ) ليوم تشخص فيه الأبصار ( أي تشخص فيه أبصارهم فلا تقر في أماكنها من هول ما ترى
إبراهيم : ( 43 ) مهطعين مقنعي رؤوسهم . . . . .
) مهطعين ( أي مسرعين إلى الداعي أو مقبلين بأبصارهم لا يطوفون هيبة وخوفا وأصل الكلمة هو الإقبال على الشيء ) مقنعي رؤوسهم ( رافعيها ) لا يرتد إليهم طرفهم ( بل تثبت عيونهم شاخصة لا تطرف أو لا يرجع إليهم نظرهم فينظروا إلى أنفسهم ) وأفئدتهم هواء ( خلاء أي خالية عن الفهم لفرط الحيرة والدهشة ومنه يقال للأحمق وللجبان قلبه هواء أي لا رأي فيه ولا قوة قال زهير " من الظلمان جؤجؤه هواء " وقيل خالية عن الخير خاوية عن الحق
إبراهيم : ( 44 ) وأنذر الناس يوم . . . . .
) وأنذر الناس ( يا محمد ) يوم يأتيهم العذاب ( يعني يوم القيامة أو يوم الموت فإنه أول أيام عذابهم وهو مفعول ثان ل ) أنذر ( ) فيقول الذين ظلموا ( بالشرك والتكذيب ) ربنا أخرنا إلى أجل قريب ( أخر العذاب عنا أو ردنا إلى الدنيا ومهلنا إلى حد من الزمان قريب أو أخر آجالنا وأبقنا مقدار ما نؤمن بك ونحبك ونجيب دعوتك ) نجب دعوتك ونتبع الرسل ( جواب للأمر ونظيره ) لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ( ) أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ( على إرادة القول و ) ما لكم ( جواب القسم جاء بلفظ الخطاب على المطابقة دون الحكاية والمعنى أقسمتم أنكم(3/354)
" صفحة رقم 355 "
باقون في الدنيا لا تزالون بالموت ولعلهم أقسموا بطرا وغرورا أو دل عليه حالهم حيث بنوا شديدا وأملوا بعيدا وقيل أقسموا أنهم لا ينتقلون إلى دار أخرى وأنهم إذا ماتوا لا يزالون على تلك الحالة إلى حالة أخرى كقوله ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت )
إبراهيم : ( 45 ) وسكنتم في مساكن . . . . .
) وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ( بالكفر والمعاصي كعاد وثمود وأصل سكن أن يعدى بفي كقر وغني وأقام وقد يستعمل بمعنى التبوء فيجري مجراه كقولك سكنت الدار ) وتبين لكم كيف فعلنا بهم ( بما تشاهدونه في منازلهم من آثار ما نزل بهم وما تواتر عندكم من أخبارهم ) وضربنا لكم الأمثال ( من أحوالهم أي بينا لكم أنكم مثلهم في الكفر واستحقاق العذاب أو صفات ما فعلوا وفعل بهم التي هي في الغرابة كالأمثال المضروبة
إبراهيم : ( 46 ) وقد مكروا مكرهم . . . . .
) وقد مكروا مكرهم ( المستفرغ فيه جهدهم لإبطال الحق وتقرير الباطل ) وعند الله مكرهم ( ومكتوب عنده فعلهم فهو مجازيهم عليه أو عنده ما يمكرهم به جزاء لمكرهم وإبطالا له ) وإن كان مكرهم ( في العظم والشدة ) لتزول منه الجبال ( مسوى لإزالة الجبال وقيل إن نافية واللام مؤكدة لها كقوله ) وما كان الله ليعذبهم ( على أن الجبال مثل لأمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ونحوه وقيل مخففة من الثقيلة والمعنى أنهم مكروا ليزيلوا ما هو كالجبال الراسية ثباتا وتمكنا من آيات الله تعالى وشرائعه وقرأ الكسائي ) لتزول ((3/355)
" صفحة رقم 356 "
بالفتح والرفع على أنها المخففة واللام هي الفاصلة ومعناه تعظيم مكرهم وقرئ بالفتح والنصب على لغة من يفتح لام وقرئو / إن مكرهم /
إبراهيم : ( 47 ) فلا تحسبن الله . . . . .
) فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ( مثل قوله ) إنا لننصر رسلنا ( ) كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ( وأصله مخلف رسله وعده فقدم المفعول الثاني إيذانا بأنه لا يخلف الوعد أصلا كقوله ) إن الله لا يخلف الميعاد ( وإذا لم يخلف وعده أحدا فكيف يخلف رسله ) أن الله عزيز ( غالب لا يماكر قادر لا يدافع ) ذو انتقام ( لأوليائه
إبراهيم : ( 48 ) يوم تبدل الأرض . . . . .
) يوم تبدل الأرض غير الأرض ( بدل من ) يوم يأتيهم ( أو ظرف للانتقام أو مقدر باذكر أو لا يخلف وعده ولا يجوز أن ينتصب بمخلف لأن ما قبل أن لا يعمل فيما بعده ) والسماوات ( عطف على الأرض وتقديره والسموات غير السموات والتبديل يكون في الذات كقولك بدلت الدراهم دنانير وعليه قوله ) بدلناهم جلودا غيرها ( وفي الصفة كقولك بدلت الحلقة خاتما إذا أذبته وغيرت شكلها وعليه قوله ) يبدل الله سيئاتهم حسنات ( ولآية تحتملهما فعن علي رضي الله تعالى عنه تبدل أرضا من فضة وسموات من ذهب وعن ابن مسعود وأنس رضي الله تعالى عنهما يحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطئ عليها أحد خطيئة وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هي(3/356)
" صفحة رقم 357 "
تلك الأرض وإنما تغير صفاتها ويدل عليه ما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال تبدل الأرض غير الأرض فتبسط وتمد مد الأديم العكاظي ) لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ( واعلم أنه لا يلزم على الوجه الأول أن يكون الحاصل بالتبديل أرضا وسماء على الحقيقة ولا يبعد على الثاني أن يجعل الله الأرض جهنم والسموات الجنة على ما أشعر به قوله تعالى ) كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين ( وقوله ) إن كتاب الفجار لفي سجين ( ) وبرزوا ( من أجداثهم ) لله الواحد القهار ( لمحاسبته ومجازاته وتوصيفه بالوصفين للدلالة على أن الأمر في غاية الصعوبة كقوله ) لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ( فإن الأمر إذا كان لواحد غلاب لا يغالب فلا مستغاث لأحد إلى غيره ولا مستجار
إبراهيم : ( 49 ) وترى المجرمين يومئذ . . . . .
) وترى المجرمين يومئذ مقرنين ( قرن بعضهم مع بعض بحسب مشاركتهم في العقائد والأعمال كقوله ) وإذا النفوس زوجت ( أو قرنوا مع الشياطين أو مع ما اكتسبوا من العقائد الزائغة والملكات الباطلة أو قرنت أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأغلال وهو يحتمل أن يكون تمثيلا لمؤاخذتهم على ما اقترفته أيديهم وأرجلهم ) في الأصفاد ( متعلق ب ) مقرنين ( أو حال من ضميره والصفد القيد وقيل الغل قال سلامة بن جندل(3/357)
" صفحة رقم 358 "
وزيد الخيل قد لاقى صفادا يعض بساعد ويعظم ساق وأصله الشد
إبراهيم : ( 50 ) سرابيلهم من قطران . . . . .
) سرابيلهم ( قمصانهم ) من قطران ( وجاء قطران لغتين فيه وهو ما يتحلب من الأبهل فيطبخ فتهنأ به الإبل الجربى فيحرق الجرب بحدته وهو أسود منتن تشتعل فيه النار بسرعة تطلى به جلود أهل النار حتى يكون طلاؤه لهم كالقمص ليجتمع عليهم لذع القطران ووحشة لونه ونتن ريحه مع إسراع النار في جلودهم على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين ويحتمل أن يكون تمثيلا لما يحيط بجوهر النفس من الملكات الرديئة والهيئات الوحشية فيجلب إليها أنواعا من الغموم والآلام وعن يعقوب ) قطران ( والقطر النحاس أو الصفر المذاب والآني المتناهي حره والجملة حال ثانية أو حال من الضمير في ) مقرنين ( ) وتغشى وجوههم النار ( وتتغشاها لأنهم لم يتوجهوا بها إلى الحق ولم يستعملوا في تدبره مشاعرهم وحواسهم التي خلقت فيها لأجله كما تطلع على أفئدتهم لأنها فارغة عن المعرفة مملوءة بالجهالات ونظيره قوله تعالى ) أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة ( وقوله تعالى ) يوم يسحبون في النار على وجوههم )
إبراهيم : ( 51 ) ليجزي الله كل . . . . .
) ليجزي الله كل نفس ( أي يفعل بهم ذلك ليجزي كل نفس مجرمة ) ما كسبت ( أو كل نفس من مجرمة أو مطيعة لأنه بين أن المجرمين يعاقبون لإجرامهم علم أن المطيعين يثابون لطاعتهم ويتعين ذلك أن علق اللام ب ) برزوا ( ) إن الله سريع الحساب ( لأنه لا يشغله حساب عن حساب
إبراهيم : ( 52 ) هذا بلاغ للناس . . . . .
) هذا ( إشارة إلى القرآن أو السورة أو ما فيه العظة والتذكير أو ما وصفه من قوله ) ولا تحسبن الله ( ) بلاغ للناس ( كفاية لهم في الموعظة ) ولينذروا به ( عطف على(3/358)
" صفحة رقم 359 "
محذوف أي لينصحوا ولينذروا بهذا البلاغ فتكون اللام متعلقة بالبلاغ ويجوز أن تتعلق بمحذوف تقديره ولينذروا به أنزل أو تلي وقرئ بفتح الياء من نذر به إذا علمه واستعد له ) وليعلموا أنما هو إله واحد ( بالنظر والتأمل فيما فيه من الآيات الدالة عليه أو المبهمة على ما يدل عليه ) وليذكر أولوا الألباب ( فيرتدعوا عما يرديهم ويتدرعوا بما يحظيهم واعلم أنه سبحانه وتعالى ذكر هذا البلاغ ثلاث فوائد هي الغاية والحكمة في إنزال الكتب تكميل الرسل للناس واستكمال القوة النظرية التي منتهى كمالها التوحيد واستصلاح القوة العملية الذي هو التدرع بلباس التقوى جعلنا الله تعالى من الفائزين بهما وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة إبراهيم أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من عبد الأصنام وعدد من يعبدها(3/359)
" صفحة رقم 360 "
سورة الحجر
وهي تسع وتسعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحجر : ( 1 ) الر تلك آيات . . . . .
) الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ( الإشارة إلى آيات السورة و ) والكتاب ( هو السورة وكذا القرآن وتنكيره للتفخيم أي آيات الجامع لكونه كتابا كاملا وقرآنا يبين الرشد من الغي بيانا غريبا
الحجر : ( 2 ) ربما يود الذين . . . . .
) ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ( حين عاينوا حال المسلمين عند نزول النصر أو حلول الموت أو يوم القيامة وقرأ نافع وعاصم ) ربما ( بالتخفيف وقرئ ) ربما ( بالفتح والتخفيف وفيه ثمان لغات ضم الراء وفتحها مع التشديد والتخفيف وبتاء التأنيث ودونها وما كافة تكفه عن الجر فيجوز دخوله على الفعل وحقه أن يدخل الماضي لكن لما كان المترقب في أخبار الله تعالى كالماضي في تحققه أجري مجراه وقيل ما نكرة موصوفة كقوله ربما تكره النفوس من الأم ر له فرجة كحل العقال(3/360)
" صفحة رقم 361 "
ومعنى التقليل فيه الإيذان بأنهم لو كانوا يودون لو كانوا يودون الإسلام مرة فبالحري أن يسارعوا غليه فكيف وهم يودونه كل ساعة وقيل تدهشهم أهوال القيامة فإن حانت منهم إفاقة في ببعض الأوقات تمنوا ذلك والغيبة في حكاية ودادتهم كالغيبة في قولك حلف باله ليفعلن
الحجر : ( 3 ) ذرهم يأكلوا ويتمتعوا . . . . .
) ذرهم ( دعهم ) يأكلوا ويتمتعوا ( بدنياهم ) ويلههم الأمل ( ويشغلهم تووقعهم لطول الأعمار واستقامة الأحوال عن الإستعداد للمعاد ) فسوف يعلمون ( سوء صنيعهم إذا عاينوا جزاءه والغرض إقناط الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من أرعوائهم وإيذانهم بأنهم من أهل الخذلان وإن نصحهم يعد اشتغال بما لا طائل تحته وفيه إلزام للحجة وتحذير عن أيثار التنعم وما يؤدي إليه طول الأمل
الحجر : ( 4 ) وما أهلكنا من . . . . .
) وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ( أجل مقدر كتب في اللوح المحفوظ والمستثنى جملة واقعة صفة لقرية والأصل أن لا يدخلها الواو كقوله ) إلا لها منذرون ( ولكن لما شبهت صورتها الحال أدخلت تأكيدا للصوقها بالموصوف(3/361)
" صفحة رقم 362 "
الحجر : ( 5 ) ما تسبق من . . . . .
) ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ( أي وما يستأخرون عنه وتذكير ضمير ) أمة ( فيه للحمل على المعنى
الحجر : ( 6 ) وقالوا يا أيها . . . . .
) وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر ( نادوا به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على التهكم ألا ترى إلى ما نادوه له وهو قولهم ) إنك لمجنون ( ونظير ذلك قول فرعون ) إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ( والمعنى إنك لتقول قول المجانين حين تدعي أن الله تعالى تزل عليك الذكر أي القرآن
الحجر : ( 7 ) لو ما تأتينا . . . . .
) لو ما تأتينا ( ركب ) لو ( مع ) ما ( كما ركبت مع لا لمعنيين امتناع الشيء لوجود غيره والتحضيض ) بالملائكة ( ليصدقوك ويعضدوك على الدعوة كقوله تعالى ) لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ( أو للعقاب على تكذيبنا لك كما أتت الأمم المكذبة قبل ) إن كنت من الصادقين ( في دعواك
الحجر : ( 8 ) ما ننزل الملائكة . . . . .
) ما ننزل الملائكة ( بالياء ونصب ) الملائكة ( على أن الضمير لله تعالى وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالنون وأبو بكر بالتاء والبنا للمفعول ورفع ) الملائكة ( وقرىء ) تنزل ( بمعنى تتنزل ) إلا بالحق ( إلا تنزيلا ملتبسا بالحق أي بالوجه الذي قدره واقتضته حكمته ولا حكمه في أن تأتيكم بصور تشهدونها فإنه لا يزيدكم إلا لبسا ولا في معالجتكم بالعقوبة فإن منكم و من ذراريكم من سبقت كلمتنا له بالإيمان وقيل الحق الوحي أو العذاب ) وما كانوا إذا منظرين ( ) إذا ( جواب لهم و جزاء لشرط مقدر أي و لو نزلنا الملائكة ما كانوا منظرين
الحجر : ( 9 ) إنا نحن نزلنا . . . . .
) إنا نحن نزلنا الذكر ( رد لإنكارهم واستهزائهم ولذلك أكده من وجزه وقرره بقوله ) وإنا له لحافظون ( أي من التحريف والزيادة والنقص بأن جعلناه معجزا مباينا لكلام(3/362)
" صفحة رقم 363 "
البشر بحيث لا يخفى تغيير نظمه على أهل اللسان أو نفي تطرق الخلل إليه في الدوام بضمان الحفظ له كما نفى أن يطعن فيه بأن المنزل له وقيل الضمير في ) له ( للنبي ( صلى الله عليه وسلم )
الحجر : ( 10 ) ولقد أرسلنا من . . . . .
) ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين ( في فرقهم جمع شيعة وهي الفرقة المتفقة على طريق ومذهب من شاعه إذا تبعه واصله الشياع وهو الحطب الصغار توقد به الكبار والمعنى نبأنا رجالا فيهم وجعلناهم رسلا فيما بينهم
الحجر : ( 11 ) وما يأتيهم من . . . . .
) وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون ( كما يفعل هؤلاء وهو تسلية للنبي عليه الصلاة والسلام ) وما ( للحال لا يدخل إلا مضارعا بمعنى الحال أو ماضيا قريبا منه وهذا على كحاية الحال الماضية
الحجر : ( 12 ) كذلك نسلكه في . . . . .
) كذلك نسلكه ( ندخله ) في قلوب المجرمين ( والسلك إدخال الشيء في الشيء كالخيط في المخيط والرمح في المطعون والضمير للإستهزاء وفيه دليل على أن الله تعالى يوجد الباطل في قلوبهم وقيل ل ) الذكر ( فإن الضمير الآخر في قوله
الحجر : ( 13 ) لا يؤمنون به . . . . .
) لا يؤمنون به ( له وهو خال من هذا الضمير والمعنى مثل ذلك السلك نسلك الذكر في قولب المجرمين مكذبا غير مؤمن به أو بيان للجملة المتضمنه له وهذا الإحتجاج ضعيف إذ لا يلزم من تعاقب الضمائر توافقها في المرجوع غليه ولا يتعين أن تكون الجملة حالا من الضمير لجواز أن تكون حالا من المجرمين ولا ينافي كونها مفسرة للمعنى الأول يقويه ) وقد خلت سنة الأولين ( أي سنة الله فيهم بأن خذلهم وسلك الكفر في قلوبهم أو بإهلاك من كذب الرسل منهم فيكون وعيدا لأهل مكة(3/363)
" صفحة رقم 364 "
الحجر : ( 14 ) ولو فتحنا عليهم . . . . .
) ولو فتحنا عليهم ( أي على هؤلاء المقترحين ) بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون ( يصعدون إليها ويرون عجائبها طول نهارهم مستوضحين لما يرون أو تصعد الملائكة وهم يشاهدونهم
الحجر : ( 15 ) لقالوا إنما سكرت . . . . .
) لقالوا ( من غلوهم في العناد وتشكيكهم في الحق ) إنما سكرت أبصارنا ( سدت عن الإبصار بالسحر من السكر ويدل عليه قراءة ابن كثير بالتخفيف أو حيرت من السكر ويدل عليه قراءة من قرأ ) سكرت ( ) بل نحن قوم مسحورون ( قد سحرنا محمد بذلك كما قالوه عند ظهور غيره من الآيات وفي كلمتي الحصر والإضراب دلالة على البت بأن ما يرونه لا حقيقة له بل هو باطل خيل إليهم بنوع من السحر
الحجر : ( 16 ) ولقد جعلنا في . . . . .
) ولقد جعلنا في السماء بروجا ( اثني عشر مختلفة الهيئات و الخواص على مادل عليه الرصد والتجربة مع بساطة السماء ) وزيناها ( بالأشكال والهيئات البهية ) للناظرين ( المعتبرين المستدلين بها على قدرة مبدعها وتوحيد صانعها
الحجر : ( 17 ) وحفظناها من كل . . . . .
) وحفظناها من كل شيطان رجيم ( فلا يقدر أن يصعد إليها ويوسوس إلى أهلها ويتصرف فيأمرها ويطلع على أحوالها
الحجر : ( 18 ) إلا من استرق . . . . .
) إلا من استرق السمع ( بدل من كل شيطان واستراق السمع اختلاس سرا شبه به خطفتهم البسيرة من قطان السموات لما بينهم من المناسبة في الجوهر أو بالإستدلال من أوضاع الكواكب وحركاتها وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم كانوا لا يحجبون عن السموات فلما ولد عيسى عليه الصلاة والسلام منعوا من ثلاث سموات فلما ولد محمد ( صلى الله عليه وسلم ) منعوا من كلها بالشهب ولا يقدح فيه تكونها قبل المولد لجواز أن يكون لها(3/364)
" صفحة رقم 365 "
أسباب أخر وقيل الإستثناء منقطع أي ولكن من استرق السمع ) فأتبعه ( فتبعه ولحقه ) شهاب مبين ( ظاهر للمبصرين والشهاب شعلة نار ساطعة وقدي طلق للكوكب والسنان لما فيهما من البريق
الحجر : ( 19 ) والأرض مددناها وألقينا . . . . .
) والأرض مددناها ( بسطناها ) وألقينا فيها رواسي ( جبالا ثوابت ) وأنبتنا فيها ( في الأرض أو فيها وفي الجبال ) من كل شيء موزون ( مقدر بمقدار معين تقتضيه حكمته أو مستحسن مناسب من قولهم كلام موزون أو ما يوزن ويقدر أو له وزن أبواب النعمة والمنفعة
الحجر : ( 20 ) وجعلنا لكم فيها . . . . .
) وجعلنا لكم فيها معايش ( تعيشون لها من المطاعم والملابس وقرىء ) معايش ( بالهمزة على التشبيه بشمائل ) ومن لستم له برازقين ( عطف على ) معايش ( أو على محل ) لكم ( ويريد به العيال والخدم والمماليك وسائر ما يظنون أنهم يرزقونهم ظنا كاذبا فإن الله يرزقهم وإياهم وفذلكة الآية الإستدلال يجعل الأرض ممدودة بمقدار وشكل معينين مختلفة الجزاء في الوضع محدثة فيها أنواع النبات والحيوان المختلفة خلقه وطبيعة مع جواز أن لا تكون كذلك على كمال قدرته وتناهي حكمته والتفرد في الألوهية والإمتنان على العباد بم أنعم عليهم في ذلك ليوحدوه يعبدوه
الحجر : ( 21 ) وإن من شيء . . . . .
ثم بالغ في ذلك وقال(3/365)
" صفحة رقم 366 "
) وإن من شيء إلا عندنا خزائنه ( أي وما من شيء غلا نحن قادرون على إيجاده وتكوينه اضعاف ما وجد منه فضرب الخزائن مثلا لا قتداره أو شبه مقدوراته بالأشياء المخزونة التي لا يحوج إخراجها إلى كلفة واجتهاد ) وما ننزله ( من بقاع القدرة ) إلا بقدر معلوم ( حده الحكة وتعلقت به المشيئة فإن تخصيص بعضها بالإيجاد في بعض الأوقات مشتملا على ببعض الصفات والحالات لا بد له من مخصص حكيم
الحجر : ( 22 ) وأرسلنا الرياح لواقح . . . . .
) وأرسلنا الرياح لواقح ( حوامل شبه الريح التي جاءت بخير من إنشاء سحاب ماطر بالحامل كما شبه ما لا يكون كذلك بالعقيم أو ملقحات للشجر ونظيره الطوائح بمعنى المطيحات في قوله " ومختبط مما تطيح الطوائح " وقرىء ) وأرسلنا الرياح ( على تأويل الجنس ) فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه ( فجعلناه لكم سقيما ) وما أنتم له بخازنين ( قادرين متمكنين من خراجه نفى عنهم ما أثبته لنفسه أو حافظين في الغدران والعيون والآباء وذلك أيضا يدل على المدبر الحكيم كما تدل حركة الهواء في بعض الأوقات من بعض الجهات على وجه ينتفع به الناس فإن طبيعة الماء تقتضي الغور فوقوفه دون حد لا بد له منسب مخصص
الحجر : ( 23 ) وإنا لنحن نحيي . . . . .
) وإنا لنحن نحيي ( بإيجاد الحياة في بعض الجسام القالبة لها ) ونميت ( بإزالتها وقد أول الحياة بما يعم الحيوان والنبات وتكرير الضمير لدلالة على الحصر ) ونحن الوارثون ( الباقون إذا مات الخلائق كلها(3/366)
" صفحة رقم 367 "
الحجر : ( 24 ) ولقد علمنا المستقدمين . . . . .
) ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين ( من استقدم ولادة وموتا ومن استأخر أو من خرج من أصلاب الرجال ومن لم يخرج بعد أو من تقدم في الإسلام والجهاد وسبق إلى الطاعة أو تأخر لا يخفى علينا شيء من أحوالكم وهو بيان لكمال علمه بعد الإحتجاج على كمال قدرته فإن ما يدل على قدرته دليل على علمه وقيل رغب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الصف الأول فازدحموا عليه فنزلت وقيل إن إمرأة حسناء كانت تصلي خلف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فتقدم بعض القوم لئلا ينظر إليها وتأخر بعض ليبصرها فنزلت
الحجر : ( 25 ) وإن ربك هو . . . . .
) وإن ربك هو يحشرهم ( لا محالة للجزاء وتوسيط الضمير للدلالة على أنه القادر والتولي لحشرهم لا غير وتصدير الجملة ب ) إن ( لتحقيق الوعد والتنبيه على أن ما سبق من الدلالة على كمال قدرته وعلمه بتفاصيل الأشياء يدل على صحة الحكم كما صرح به بقوله ) إنه حكيم ( باهر الحكمة متقن في أفعاله ) عليم ( وسع علمه كل شيء
الحجر : ( 26 ) ولقد خلقنا الإنسان . . . . .
) ولقد خلقنا الإنسان من صلصال ( من طين يابس يصلصل أي يصوت إذا نقر وقيل هو من صلصل إذا أنتن تضعيف صل ) من حمإ ( طين تغير واسود من طول مجاورة(3/367)
" صفحة رقم 368 "
المساء وهو صفة صلصال أي كائن ) من حمإ ( ) مسنون ( مصور من سنه الوجه أو منصوب لييبس ويتصور الجواهر المذابة تصب في القوالب من السن وهو الصب كأنه أفرغ الحكمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف فيبس حتى إذا نقر صلصل ثم غير ذلك طورا بعد طور حتى سواه ونفخ فيه من روحه أو منتن من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به فإن ما يسيل بينهما يكون منتنا ويسمى السنين
الحجر : ( 27 ) والجان خلقناه من . . . . .
) والجان ( أبا الجن وقيل إبليس ويجوز أن يراد به الجنس كما هو الظاهر من الإنسان لأن تشعب الجنس لما كان من شخص واحد خلق من مادة واحدة كان الجنس بأسره مخلوقا منها وانتصابه بفعل يفسره ) خلقناه من قبل ( من قبل خلق الإنسان ) من نار السموم ( من نار الحر الشديد النافذ في المسام ولا يمتنع خلق الحياة في الأجرام البسيطة كما لا يمتنع خلقها في الجوهر المجردة فضلا عن الأجساد المؤلفة التي الغالب فيها لا جزء الناري فإنها أقبل لها من التي الغالب فيها الجزء الأرضي وقوله ) من نار ( باعتبار الغالب كقوله ) خلقكم من تراب ( ومساق الآية كما هو للدلالة على كمال قدرة الله تعالى وبيان بدء خلق الثقلين فهو للتنبيه على المقدمة الثانية التي يتوقف عليها إمكان الحشر وهو قبول للجمع والإحياء
الحجر : ( 28 ) وإذ قال ربك . . . . .
) وإذ قال ربك ( واذكر وقت قوله ) للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون )
الحجر : ( 29 ) فإذا سويته ونفخت . . . . .
) فإذا سويته ( عدلت خلقته وهيأته لنفخ الروح فيه ) ونفخت فيه من روحي ( حتى جرى آثاره في تجاويف أعضائه فحيي وأصل النفخ إجراء الريح في تجويف جسم آخر ولما كان الروح يتعلق ألا بالبخار اللطيف المنبعث من القلب وتفيض عليه(3/368)
" صفحة رقم 369 "
القوة الحيوانية فيسري حاملا لها في تجاويف الشرايين إلى أعماق البدن جعل تعلقه بالبدن نفخا وإضافة الروح إلى نفسه لما مر في ) النساء ( ) فقعوا له ( فأسقطوا له ) ساجدين ( أرم من وقع يقع
الحجر : ( 30 ) فسجد الملائكة كلهم . . . . .
) فسجد الملائكة كلهم أجمعون ( أكد بتأكيدين للمبالغة في التعميم ومنع التخصيص وقيل أكد بالكل للإحاطة وبأجمعين للدلالة على أنهم سجدوا مجتمعين دفعة وفيه نظر إذ لو كان المر كذلك كان الثاني حالا لا تأكيدا
الحجر : ( 31 ) إلا إبليس أبى . . . . .
) إلا إبليس ( إن جعل منقطعا اتصل به قوله ) أبى أن يكون مع الساجدين ( أي ولكن إبليس أبى وأن جعل متصلا كان استئنافا على أنه جواب سائل قال هلا سجد
الحجر : ( 32 ) قال يا إبليس . . . . .
) قال يا إبليس ما لك ألا تكون ( أي غرض لك في أن لا تكون ) مع الساجدين ( لآدم
الحجر : ( 33 ) قال لم أكن . . . . .
) قال لم أكن لأسجد ( اللام لتأكيد النفي أي لايصح مني وينافي حالي أن أسجد ) لبشر ( جسماني كثيف وأنا ملك روحاني ) خلقته من صلصال من حمإ مسنون ( وهو أخس العناصر وخلقتني من نار وهي أشرفها استنقص آدم عليه السلام باعتبار النوع الأصل وقد سبق الجواب عنه في سورة الأعراف
الحجر : ( 34 ) قال فاخرج منها . . . . .
) قال فاخرج منها ( من السماء أو الجنة أو زمر الملائكة ) فإنك رجيم ( مطرود من الخير والكرامة فإن من يطرد يرجم بالحجر أو شيطان يرجم بالشهب وهو وعيد يتضمن الجواب عن شبهته
الحجر : ( 35 ) وإن عليك اللعنة . . . . .
) وإن عليك اللعنة ( هذا الطرد والإبعاد ) إلى يوم الدين ( فإنه منتهى أمد اللعن فإنه يناسب أيام التكليف ومه زمان الجزاء وما في قوله ) فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين ((3/369)
" صفحة رقم 370 "
معنى آخر ينسى عنده هذه وقيل إنما حد اللعن به لأنه أبعد غاية يضربها الناس أو لأنه يعذب فيه بما ينسى اللعن معه فيصير كالزائل
الحجر : ( 36 ) قال رب فأنظرني . . . . .
) قال رب فأنظرني ( فأخرني والفاء متعلقة بمحذوف دل عليه ) فاخرج منها فإنك رجيم ( ) إلى يوم يبعثون ( أراد أن يجد فسحة في الإغواء أو نجاة من الموات إذ لا موت بعد وقت البعث فأجابه إلى الأول دون ا لثاني
الحجر : ( 37 - 38 ) قال فإنك من . . . . .
) قال فإنك من المنظرين ( ) إلى يوم الوقت المعلوم ( المسمى فيه أجلك عند الله أو انقراض الناس كلهم وهو النفخة الأولى عند الجمهور ويجوز أن يكون المراد بالأيام الثلاثة يوم القيامة واختلاف العبارات لاختلاف الاعتبارات فعبر عنه أولا بيوم الجزاء لما عرفته وثانيا بيوم البعث إذ به يحصل العلم بانقطاع التكليف واليأس عن التضليل وثالثا بالمعلوم لوقوعه في الكلامين ولا يلزم من ذلك أن لا يموت فلعله يموت أول اليوم وببعث مع الخلائق في تضاعيفه وهذه الخاطبة وإن لم تكن بواسطة لم تدل على من صب إبليس لأن خطاب الله له على سبيل الإهانة والإذلال
الحجر : ( 39 ) قال رب بما . . . . .
) قال رب بما أغويتني ( الباء للقسم وما مصدرية وجوابه ) لأزينن لهم في الأرض ((3/370)
" صفحة رقم 371 "
والمعنى أقسم بإغوائك إياي لأزينن لهم المعاصي في الدنيا التي هي دار الغرور كقوله ) أخلد إلى الأرض ( وفي انعقاد القسم بأفعال الله تعالى خلاف وقيل للسببية والمعتزلة أولو الإغواء بالنسبة إلى لغي أو التسبب له بأمره إياه بالسجود لآدم عليه السلام أو بالإضلال عن طريق الجنة واعتذروا عن إمهال الله له وهو سبب لزيادة غيه وتسليط له على إغواء بني آدم بأن الله تعالى علم منه وممن تبعه أنهم يموتون على الكفر ويصيرون إلى النار أمهل أولم يمهل وأن في إمهاله تعريضا لمن خالفه لاستحقاق مزيد الثواب وضعف ذلك لا يخفى على ذوي الألباب ) ولأغوينهم أجمعين ( ولأحملنهم أجمعين على الغواية
الحجر : ( 40 ) إلا عبادك منهم . . . . .
) إلا عبادك منهم المخلصين ( الذين أخلصتهم لطاعتك وطهرتهم من الشوائب ففعلا يعمل فيهم كيدي وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو بالكسر فيكل القرآن أي الذين أخلصوا نفوسهم لله تعالى
الحجر : ( 41 ) قال هذا صراط . . . . .
) قال هذا صراط علي ( حق علي أن أراعيه ) مستقيم ( لا انحراف عنه والإشارة(3/371)
" صفحة رقم 372 "
إلى ما تضمنه الاستثناء وهو تخليص المخلصين من إغوائه أو الإخلاص على معنى أنه طرق ) على ( يؤدي إلى الوصول إلي من غير اعوجاج وقرئ ) على ( من علو الشرف
الحجر : ( 42 ) إن عبادي ليس . . . . .
) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ( تصديق لإبليس فيما استثناه وتغيير الوضع لتعظيم ) المخلصين ( ولأن المقصود بيان عصمتهم وانقطاع مخالب الشيطان عنهم أو تكذيب له فيما أوهم أن له سلطانا على من ليس بمخلص من عباده فإن منتهى تزيينه التحريض والتدليس كما قال ) وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ( وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا وعلى الأول يدفع قول من شرط أن يكون المستثني أقل من الباقي لإفضائه إلى تناقض الاستثناءين
الحجر : ( 43 ) وإن جهنم لموعدهم . . . . .
) وإن جهنم لموعدهم ( لموعد الغاوين أو المتبعين ) أجمعين ( تأكيد للضمير أو حال والعامل فيها الموعد إن جعلته مصدرا على تقدير مضاف ومعنى الإضافة إن جعلته اسم مكان فإنه لا يعمل
الحجر : ( 44 ) لها سبعة أبواب . . . . .
) لها سبعة أبواب ( يدخلون منها لكثرتهم أو طبقات ينزلونها بحسب مراتبهم في المتابعة وهي جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية ولعل تخصيص العدد لانحصار مجامع المهلكات في الركون إلى المحسوسات ومتابعة القوة الشهوي والغضبية أو لأن أهلها سبع فرق ) لكل باب منهم ( من الأتباع ) جزء مقسوم ( أفرز له فأعلاها للموحدين العصاة والثاني لليهود والثالث للنصارى والرابع للصابئين والخامس للمجوس والسادس للمشركين والسابع للمنافقين وقرأ أبو بكر ) جزء ( بالتثقيل وقرئ ) جزء ( على حذف الهمزة وإلقاء حركتها على الزاي ثم الوقف(3/372)
" صفحة رقم 373 "
عليه بالتشديد ثم إجراء الوصل مجرى الوقف ومنهم حال منه أو من المستكن في الظرف لا في ) مقسوم ( لأن الصفة لا تعمل فيما تقدم موصوفها
الحجر : ( 45 ) إن المتقين في . . . . .
) إن المتقين ( من اتباعه في الكفر والفواحش فإن غيرها مكفرة ) في جنات وعيون ( لكل واحد جنة وعين أو لكل عدة منهما كقوله ) ولمن خاف مقام ربه جنتان ( ثم قوله ) ومن دونهما جنتان ( وقوله ) مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن ( الآية وقرأ نافع وحفص وأبو عمرو وهشام ) وعيون ( بضم العين حيث وقع الباقون بكسر العين
الحجر : ( 46 ) ادخلوها بسلام آمنين
) ادخلوها ( على إرادة القول وقرئ بقطع الهمزة وكسر الخاء على أنه ماض فلا يكسر التنوين ) بسلام ( سالمين أو مسلما عليكم ) آمنين ( من الآفة والزوال
الحجر : ( 47 ) ونزعنا ما في . . . . .
) ونزعنا ( في الدنيا بما ألف بين قلوبهم أو في الجنة بتطييب نفوسهم ) ما في صدورهم من غل ( من حقد كان في الدنيا وعن علي رضي الله تعالى عنه أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم أو من التحاسد على درجات الجنة ومراتب القرب ) إخوانا ( حال من الضمير في جنات أو فاعل ادخلوها أو الضمير في آمنين أو الضمير المضاف إليه والعامل فيها معنى الإضافة وكذا قوله ) على سرر متقابلين ( ويجوز أن يكون صفتين لإخوانا أو حال من ضميره لأنه بمعنى متصافين وأن يكون متقابلين حالا من(3/373)
" صفحة رقم 374 "
الحجر : ( 48 ) لا يمسهم فيها . . . . .
) لا يمسهم فيها نصب ( استئناف أو حال بعد حال من الضمير في متقابلين ) وما هم منها بمخرجين ( فإن تمام النعمة بالخلود
الحجر : ( 49 - 51 ) نبئ عبادي أني . . . . .
) نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم ( فذلكه ما سبق من الوعد والوعيد وتقرير له وفي ذكر المغفرة دليل على أنه لم يرد بالمتقين من يتقي الذنوب بأسرها كبيرها وصغيرها وفي توصيف ذاته بالغفران والرحمة دون التعذيب ترجيح الوعد وتأكيده وفي عطف ) ونبئهم عن ضيف إبراهيم ( على نبئ عبادي تحقيق لهما بما يعتبرون به
الحجر : ( 52 ) إذ دخلوا عليه . . . . .
) إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما ( أي نسلم عليك سلاما أو سلمنا سلاما ) قال إنا منكم وجلون ( خائفون وذلك لأنهم دخلوا بغير إذن وبغير وقت ولأنهم امتنعوا من الأكل والوجل اضطراب النفس لتوقع ما تكره
الحجر : ( 53 ) قالوا لا توجل . . . . .
) قالوا لا توجل ( وقرئ / لا تأجل / و / لا تؤجل / من أوجله / ولا تواجل / من واجلة بمعنى أوجله ) إنا نبشرك ( استئناف في معنى التعليل للنهي عن الوجل فإن المبشر لا يخاف منه وقرأ حمزة نبشرك بفتح النون والتخفيف من البشر ) بغلام ( هو إسحاق عليه السلام لقوله ) وبشرناه بإسحاق ( ) عليم ( إذا بلغ(3/374)
" صفحة رقم 375 "
الحجر : ( 54 ) قال أبشرتموني على . . . . .
) قال أبشرتموني على أن مسني الكبر ( تعجب من أن يولد له مع مس الكبر إياه أو إنكار لأن ببشر به في مصل هذه الحالة وكذا وقوله ) فبم تبشرون ( أي فبأي أعجوبة تبشرون أو فبأي شيء تبشرون فإن البشارة بمم لا يتصور وقوعه عادة بشرة بغير شيء وقرأ ابن كثير بكسر النون مشددة في كل القرآن على إدغام نون الجمع في نون الوقاية وكسرها وقرأ نافع بكسرها مخففة على حذف نون الجمع استثقلا لاجتماع المثلين ودلالة بإيقاء نون الوقاية وكسرها على الياء
الحجر : ( 55 - 56 ) قالوا بشرناك بالحق . . . . .
) قالوا بشرناك بالحق ( بما يكون لا محالة أو باليقين الذي لا لبس فيه أو بطريقة هي حق وهو قول الله تعالى وأمره ) فلا تكن من القانطين ( من الآيسين من ذلك فإنه تعالى قادر على أن يخلق بشرا من غير أبوين فكيف من شيخ فان وعجوز عاقر وكن استعجاب إبراهيم عليه السلام باعتبار العادة دون القدرة ولذلك ) قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ( المخطئون طريق المعرفة فلا يعرفون سعة رحمة الله تعالى وكمال علمه وقدرته كما قل تعالى ) إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ( وقرأ أبو عمرو و الكسائي يقنط بالكسر و قرىء بالضم وما ضيهما قنط بالفتح
الحجر : ( 57 ) قال فما خطبكم . . . . .
) قال فما خطبكم أيها المرسلون ( أي فما شأنكم الذي أرسلتم لأجله سوى البشارة ولعله علم أن كمال المقصود ليس البشارة لأنهم كانوا عددا والبشارة لا تحتاج إلى(3/375)
" صفحة رقم 376 "
العدد ولذلك اكتفى بالواحد في بشارة زكريا ومريم عليهما السلام أو لأنهم بشروه في تضاعيف الحال لإزالة الوجل ولو كانت المقصود لابتدؤوا بها
الحجر : ( 58 ) قالوا إنا أرسلنا . . . . .
) قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ( يعني قوم لوط
الحجر : ( 59 ) إلا آل لوط . . . . .
) إلا آل لوط ( إن كان استثناء من ) قوم ( كان منقطعا إذ ال ) قوم ( مقيد بالإجراء وإن كان استثناء من الضمير في ) مجرمين ( كان متصلا والقوم والإرسال شاملين للمجرمين و ) آل لوط ( المؤمنين به وكأن المعنى إنا أرسلنا إلى قوم أجرم كلهم إلا آل لوط منهم لنهلك المجرمين وننجي آل لوط منهم ويدل عليه قوله ) إنا لمنجوهم أجمعين ( أي مما يعذب به القوم وهو استئناف إذا اتصل الإستثناء ومتصل بآل لوط جار مجرى خبر لكن إذا انقطع وعلى هذا جاز أن يكون قوله
الحجر : ( 60 ) إلا امرأته قدرنا . . . . .
) إلا امرأته ( استثناء من ) آل لوط ( أو من ضميرهم وعلى الأول لا يكون إلا من ضميرهم لاختلاف الحكمين اللهم إلا أن يجعل ) إنا لمنجوهم ( اعتراضا وقرأ حمزة والكسائي ) لمنجوهم ( مخففا ) قدرنا إنها لمن الغابرين ( الباقين مع الكفرة لتهلك معهم وقرأ أبو بكر عن عاصم ) قدرنا ( هنا وفي ) النمل ( بالتخفيف وإنما علق والتعليق من خواص أفعال القلوب لتضمنه معنى العلم ويجوز أني كون ) قدرنا ( أجري مجرى قلنا(3/376)
" صفحة رقم 377 "
لأن التقدير بمعنى اقضاء قول وأصله جعل الشيء على مقدار غيره وإسنادهم إياه إلى أنفسهم وهو فعل الله سبحانه وتعالى لمالهم من القرب والإختصاص به
الحجر : ( 61 - 62 ) فلما جاء آل . . . . .
) فلما جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون ( تنكركم نفسي وتنفر عنكم مخافة أن تطرقوني بشر
الحجر : ( 63 ) قالوا بل جئناك . . . . .
) قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون ( أي ماجئناك بما تنكرنا لأجله بل بما يسرك ويشفي لك من عدوك وهو العذاب الذي توعدتهم به فيمترون فيه
الحجر : ( 64 ) وأتيناك بالحق وإنا . . . . .
) وأتيناك بالحق ( باليقين من عذابهم ) وإنا لصادقون ( فيما أخبرناك به
الحجر : ( 65 ) فأسر بأهلك بقطع . . . . .
) فأسر بأهلك ( فاذهب بهم في الليل وقرأ الحجازيان بوصل الهمزة من اسرى وهما بمعنى وقرىء / فسر / من السير ) بقطع من الليل ( في طائفة من الليل وقيل في آخره قال افتحي الباب وانظري فيا لنجوم كم علينا من قطع ليل بهيم ) واتبع أدبارهم ( وكن على أثرهم تذودهم وتسرع بهم وتطلع على حالهم ) ولا يلتفت منكم أحد ( لينظر ما وراءه فيرى من الهول مالا يطيقه أو فيصيبه ما أصابهم أو لا ينصرف أحدكم ولا يتخلف أمرؤ لغرض فيصيبه العذاب وقيل نهوا عن الإلتفات ليوطئوا نفوسهم على المهاجرة ) وامضوا حيث تؤمرون ( إلى حيث أمركم الله بالمضي إليه وهو الشام أو مصر فعدي ) وامضوا ( إلى ) حيث تؤمرون ( إلى ضمير المحذوف على الإتساع(3/377)
" صفحة رقم 378 "
الحجر : ( 66 ) وقضينا إليه ذلك . . . . .
) وقضينا إليه ( أي وأوحينا إليه مقضيا ولذلك عدي بإلى ) ذلك الأمر ( مبهم يفسره ) أن دابر هؤلاء مقطوع ( ومحله النصب على البدل منه وفي ذلك تفخيم للأمر وتعظيم له وقرىء بالكسر على الإستئناف والمعنى أنهم يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد ) مصبحين ( داخلين في الصبح وهو حال من هؤلاء أو من الضمير في مقطوع وجمعه للحمل على المعنى ف ) أن دابر هؤلاء ( في معنى مدبري هؤلاء
الحجر : ( 67 ) وجاء أهل المدينة . . . . .
) وجاء أهل المدينة ( سدوم ) يستبشرون ( بأضياف لوط طمعا فيهم
الحجر : ( 68 ) قال إن هؤلاء . . . . .
) قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون ( بفضيحة ضيفي فإن من أسيء إلى ضيفه فقد أسيء غليه
الحجر : ( 69 ) واتقوا الله ولا . . . . .
) واتقوا الله ( في ركوب الفاحشة ) ولا تخزون ( ولا تذلوني بسببهم من الخزي وهو الهوان أو لا تخجلوني فيهم من الخزاية وهو الحياء
الحجر : ( 70 ) قالوا أو لم . . . . .
) قالوا أو لم ننهك عن العالمين ( على أن تجير منهم أحدا أو تمنع بينا وبيينهم فإنهم كانوا يتعرضون لكل أحد وكان لوط يمنعهم عنه بقدر وسعه أو عن ضيافة الناس وإنزالهم
الحجر : ( 71 ) قال هؤلاء بناتي . . . . .
) قال هؤلاء بناتي ( يعني نساء القوم فإن نبي كل أمه بمنزلته أبيهم وفيه وجوه ذكرت في سورة ) هود ( ) إن كنتم فاعلين ( قضاء الوطر أو ما أقول لكم
الحجر : ( 72 ) لعمرك إنهم لفي . . . . .
) لعمرك ( قسم بحياة المخاطب والمخاطب في هذا القسم هو النبي عليه الصلاة والسلام وقيل لوط عليه السلام قالت الملائكة له ذلك والتقدير لعمرك قسمي وهو للغة في العمر يختص به القسم لإيثار الأخف فيه لأنه كثير الدور على ألسنتهم ) إنهم لفي سكرتهم ((3/378)
" صفحة رقم 379 "
لفي غوايتهم أو شدة غلمتهم التي أزالت عقولهم وتمييزهم بين خطئهم والصواب الذي يشار به إليهم ) يعمهون ( يتحيرون فكيف يسمعون نصحك وقيل الضمير لقريش والجملة اعتراض
الحجر : ( 73 ) فأخذتهم الصيحة مشرقين
) فأخذتهم الصيحة ( يعني صيحة هائلة مهلكة وقيل صيحة جبريل عليه السلام ) مشرقين ( داخلين في وقت شروق الشمس
الحجر : ( 74 ) فجعلنا عاليها سافلها . . . . .
) فجعلنا عاليها ( عالي قراهم ) سافلها ( وصارت منقلبة بهم ) وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل ( من طين متحجر أو طين عليه كتاب من السجل وقد تقدم مزيد بيان لهذه القصة في سورة هود
الحجر : ( 75 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك لآيات للمتوسمين ( للمتفكرين المتفرسين الذين يتشبثون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة الشيء بسمته
الحجر : ( 76 ) وإنها لبسبيل مقيم
) وإنها ( وإن المدينة أو القرى ) لبسبيل مقيم ( ثابت يسلكه الناس ويرون آثارها
الحجر : ( 77 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك لآية للمؤمنين ( بالله ورسله
الحجر : ( 78 ) وإن كان أصحاب . . . . .
) وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين ( هم قوم شعيب كانوا يسكنون الغيضة فبعثه الله إليهم فكذبوه فأهلكوا بالظلة و ) الأيكة ( الشجرة المتكاثفة
الحجر : ( 79 ) فانتقمنا منهم وإنهما . . . . .
) فانتقمنا منهم ( بالإهلاك ) وإنهما ( يعني سدوم والأيكة وقيل الأيكة ومدين فإنه كان مبعوثا إليهما فكان ذكر إحداهما منبها على الأخرى ) لبإمام مبين ( لبطريق واضح والإمام اسم ما يؤتم به فسمي به الطريق ومطمر البناء واللوح لأنهما مما يؤتم به
الحجر : ( 80 ) ولقد كذب أصحاب . . . . .
) ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين ( يعني ثمود كذبوا صالحا ومن كذب واحدا من الرسل فكأنما كذب الجميع ويجوز أن يكون المراد بالمرسلين صالحا ومن معه من المؤمنين و ) الحجر ( واد بين المدينة والشأم يسكنونه
الحجر : ( 81 ) وآتيناهم آياتنا فكانوا . . . . .
) وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين ( يعني آيات الكتاب المنزل على نبيهم أو معجزاته كالناقة وسقيها وشربها ودرها أو ما نصب لهم من الأدلة(3/379)
" صفحة رقم 380 "
الحجر : ( 82 ) وكانوا ينحتون من . . . . .
) وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين ( من الانهدام ونقب اللصوص وتخريب الأعداء لوثاقتها أو من العذاب لفرط غفلتهم أو حسبانهم أن الجبال تحميهم منه
الحجر : ( 83 ) فأخذتهم الصيحة مصبحين
) فأخذتهم الصيحة مصبحين )
الحجر : ( 84 ) فما أغنى عنهم . . . . .
) فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ( من بناء البيوت الوثيقة واستكثار الأموال والعدد
الحجر : ( 85 ) وما خلقنا السماوات . . . . .
) وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ( إلا خلقا ملتبسا بالحق لا يلائم استمرار الفساد ودوام الشرور فلذلك اقتضت الحكمة إهلاك أمثال هؤلاء وإزاحة فسادهم من الأرض ) وإن الساعة لآتية ( فينتقم الله لك فيها ممن كذبك ) فاصفح الصفح الجميل ( ولا تعجل بانتقام منهم وعاملهم معاملة الصفوح الحليم وقيل هو منسوخ بآية السيف
الحجر : ( 86 ) إن ربك هو . . . . .
) إن ربك هو الخلاق ( الذي خلقك وخلقهم وبيده أمرك وأمرهم ) العليم ( بحالك وحالهم فهو حقيق بأن تكل ذلك إليه ليحكم بينكم أو هو الذي خلقكم وعلم الأصلح لكم وقد علم أن الصفح اليوم أصلح وفي مصحف عثمان وأبي رضي الله عنهما هو ) الخالق ( وهو يصلح للقليل والكثير و ) الخلاق ( يختص بالكثير(3/380)
" صفحة رقم 381 "
الحجر : ( 87 ) ولقد آتيناك سبعا . . . . .
) ولقد آتيناك سبعا ( سبعة آيات وهي الفاتحة وقيل سبعة سور وهي الطوال وسابعتها ) الأنفال ( و ) التوبة ( فإنهما في حكم سورة ولذلك لم يفصل بينهما بالتسمية وقيل ) التوبة ( وقيل ) يونس ( أو الحواميم السبع وقيل سبع صحائف وه الأسباع ) من المثاني ( بيان للسبع والمثاني من التثنية أو الثناء فإن كل ذلك مثنى تكرر قراءته أو ألفاظه أو قصصه ومواعظة أو مثني عليه يالبلاغة والإعجاز أو مثن على الله بما هو أهله من صفاته العظمى وأسمائه الحسنى ويجوز أن يراد ب ) المثاني ( القرآن أو كتب الله كلها فتكون ) من ( للتبعيض ) والقرآن العظيم ( إن أريد بالسبع الآيات أو السور فمن عطف الكل على البعض أو العام على الخاص وإن أريد به الأسباع فمن عطف أحد الوصفين على الآخر
الحجر : ( 88 ) لا تمدن عينيك . . . . .
) لا تمدن عينيك ( لا تطمح ببصرك طموح راغب ) إلى ما متعنا به أزواجا منهم ( أصنافا من الكفار فإنه مستحقر بالإضافة إلى ما أوتيته فإنه كمال مطلوب بالذات مفض إلى دوام اللذات وفي حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه من أوتي القرآن فرأى أن أحدا أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي فقد صغر عظيما وعظم صغيرا وروي أنه عليه الصلاة والسلام وافى بأذرعات سبع قوافل ليهود بني قريظة والنضير فيها أنواع البز والطيب والجواهر وسائر الأمتعة فقال المسلمون لو كانت هذه الأموال لنا لتقويتنا بها وأنفقناها في سبيل الله فقال لهم لقد أعطيتم سبع آيات هي خير من هذه القوافل السبع ) ولا تحزن عليهم ((3/381)
" صفحة رقم 382 "
أنهم لم يؤمنوا وقيل إنهم المتمتعون به ) واخفض جناحك للمؤمنين ( وتواضع لهم وارفق بهم
الحجر : ( 89 ) وقل إني أنا . . . . .
) وقل إني أنا النذير المبين ( أنذركم ببيان وبرهان أن عذاب الله نازل بكم إن لم تؤمنوا
الحجر : ( 90 ) كما أنزلنا على . . . . .
) كما أنزلنا على المقتسمين ( مثل العذاب الذي أنزلناه عليهم فهو وصف لمفعول النذير أقيم مقامه والمقتسمون هم الاثنا عشر الذين اقتسموا مداخل مكة أيام الموسم لينفروا الناس عن الإيمان بالرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فأهلكهم الله تعالى يوم بدر أو الرهط الذين اقتسموا على أن يبيتوا صالحا عليه الصلاة والسلام وقيل هو صفة مصدر محذوف يدل عليه ) ولقد آتيناك ( فإنه بمعنى أنزلنا إليك والمقتسمون هم الذين جعلوا القرآن عضين حيث قالوا عنادا بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل وبعضه باطل مخالف لهما أو قسموه إلى شعر وسحر وكهانة وأساطير الأولين أو أهل الكتاب آمنوا ببعض كتبهم وكفروا ببعض على أن القرآن ما يقرؤون من كتبهم فيكون ذلك تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقوله ) لا تمدن عينيك ( الخ اعتراضا ممدا لها
الحجر : ( 91 ) الذين جعلوا القرآن . . . . .
) الذين جعلوا القرآن عضين ( أجزاء جمع عضة وأصلها عضوة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء وقيل فعل من عضهته إذا بهته وفي الحديث " لعن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) العاضهة والمستعضهة " وقيل أسحارا وعن عكرمة العضة السحر وإنما جمع السلامة جبرا لما حذف منه والموصول بصلته صفة للمقتسمين أو مبتدأ خبره
الحجر : ( 92 ) فوربك لنسألنهم أجمعين
) فوربك لنسألنهم أجمعين )
الحجر : ( 93 ) عما كانوا يعملون
) عما كانوا يعملون ( من التقسيم أو النسبة إلى السحر فنجازيهم عليه وقيل هو عام في كل ما فعلوا من الكفر والمعاصي
الحجر : ( 94 ) فاصدع بما تؤمر . . . . .
) فاصدع بما تؤمر ( فاجهر به من صدع بالحجة إذا تكلم بها جهارا أو فافرق به بين الحق والباطل وأصله الإبانة والتمييز وما مصدرية أو موصولة والراجع محذوف أي بما تؤمر به من الشرائع ) وأعرض عن المشركين ( ولا تلتفت إلى ما يقولون(3/382)
" صفحة رقم 383 "
الحجر : ( 95 ) إنا كفيناك المستهزئين
) إنا كفيناك المستهزئين ( بقمعهم وإهلاكهم قيل كانوا خمسة من أشراف قريش الوليد بن المغيرة و العاص بن وائل وعدي بني قيس والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب يبالغلون في إيذائه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والاستهزاء به فقال جبريل عليه السلام لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمرت أن أكفيكهم فأومأ إلى ساق الوليد فمر بنبال فتعلق بثوبه سهم فلم ينعطف تعظما لأخذه فأصاب عرقا فيعقبه فقطعه فمات وأومأ إلى أخمص العاص فدخلت فيه شوكة فانتفخت رجله حتى صارت كالرحى ومات وأشار إلى أنف عدي بن قيس فامتخط قيحا فمات وإلى الأسود بن عبد يغوث وهو قاعد في أصل شجرة فجعل ينطح برأسه الشجرة ويضرب وجهه بالشوك حتى مات وإلى عيني الأسود بن المطلب فعمي
الحجر : ( 96 ) الذين يجعلون مع . . . . .
) الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون ( عاقبة أمرهم في الدارين
الحجر : ( 97 ) ولقد نعلم أنك . . . . .
) ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون ( من الشرك والطعن في القرآن والإستهزاء بك
الحجر : ( 98 ) فسبح بحمد ربك . . . . .
) فسبح بحمد ربك ( فافزع إلى الله تعالى فيما نابك بلا تسبيح والتحميد يكفك ويكشف الغم عنك أو فنزهه عما يقولون حامدا له على أن هداك للحق ) وكن من الساجدين ( من المصلين وعنه عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة
الحجر : ( 99 ) واعبد ربك حتى . . . . .
) واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ( أي الموت فإنه متيقن لحاقه كل حي مخلوق والمعنى فاعبده ما دمت حيا ولا تخل بالعبادة لحظة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الحجر كان له من الأجر عشر حسنات بعدد المهاجرين والأنصار والمستهزئين بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) والله أعلم(3/383)
" صفحة رقم 384 "
سورة النحل
مكية غير ثلاث آيات في آخرها وهي مائة وثمان وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
النحل : ( 1 ) أتى أمر الله . . . . .
) أتى أمر الله فلا تستعجلوه ( كانوا يستعجلون ما أو عدهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من قيام الساعة أو إهلاك الله تعالى إياهم كما فعل يوم بدر استهزاء وتكذيبا ويقولون إن صح ما تقوله فالأصنام تشفع لنا وتخلصنا منه فنزلت والمعنى أن الأمر الموعود به بمنزلة الآتي التحقق من حيث إنه واجب الوقوع فلا تستعجلوا وقوعه فإنه لا خير لكم فيه ولا خلاص لكم منه ) سبحانه وتعالى عما يشركون ( تبرأ وجل عن أن يكون له شريك فيدفع ما أراد بهم وقرأ حمزة و الكسائي بالتاء على وفق قوله ) فلا تستعجلوه ( والباقون بالياء على تلوين الخطاب أو على أن الخطاب للمؤمنين أو لهم ولغيرهم لما روى أنه لما نزلت أتى أمر الله فوثب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ورفع الناس رؤسهم فنزلت ) فلا تستعجلوه )
النحل : ( 2 ) ينزل الملائكة بالروح . . . . .
) ينزل الملائكة بالروح ( بالوحي أو القرآن فإنه يحيى به القلوب الميتة بالجهل أو(3/384)
" صفحة رقم 385 "
يقوم في الدين مقام الروح في الجسد وذكره عقيب ذلك إشارة إلى الطريق الذي به علم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ما تحقق موعدهم به ودنوه وإزاحة لاستبعادهم اختصاصه بالعلم به وقرأ ابن كثير وأبو بعمرو ) ينزل ( من أنزل وعن يعقوب مثله وعنه ) تنزل ( بمعنى تتنزل وقرأ أبو بكر ) تنزل ( على المضارع المبني للمفعول من التنزيل ) من أمره ( بأمره أو من أجله ) على من يشاء من عباده ( أن يتخذه رسولا ) أن أنذروا ( بأن أنذروا أي اعلموا من نذرت بكذا إذا علمته ) أنه لا إله إلا أنا فاتقون ( أن الشأن ) لا إله إلا أنا فاتقون ( أو خوفوا أهل الكفر والمعاصي بأنه ) لا إله إلا أنا ( وقوله ) فاتقون ( رجوع إلى مخاطبتهم بما هو المقصود و ) إن ( مفسرة لأن الروح بمعنى الوحي الدال على القول أو مصدرية في موضع الحر بدلا من الروح أو النصب بنزع الخافض أو مخففة من الثقيلة والآية تدل على أن نزول الوحي بواسطة الملائكة وأن حاصله التنبيه على التوحيد الذي هو منتهى كمال القوة العلمية والأمر بالتقوى الذي هو أقصى كمال القوة العملية وأن النبوة عطائية والآيات التي بعدها دليل على وحدانيته من حيث إنها تدل على أنه تعالى هو الموجد لأصول العالم وفروعه على وفق الحكمة والمصلحة ولو كان له شريك لقدر على ذلك في فيلزم التمانع
النحل : ( 3 ) خلق السماوات والأرض . . . . .
) خلق السماوات والأرض بالحق ( أوجدهما على مقدار وشكل وأوضاع وصفات مختلفة قدرها وخصصها بحكمته ) تعالى عما يشركون ( منهما أو مما يفتقر في وجوده(3/385)
" صفحة رقم 386 "
أو بقائه إليهما ومما لا يقدر على خلقهما وفيه دليل على أنه تعالى ليس من قبيل الأجرام
النحل : ( 4 ) خلق الإنسان من . . . . .
) خلق الإنسان من نطفة ( جماد لا حس بها ولا حراك سيالة لا تحفظ الوضع الشكل ) فإذا هو خصيم ( منطيق مجادل ) مبين ( للحجة أو خصيم مكافح لخالقه قائل ) من يحيي العظام وهي رميم ( روي أن أبي بن خلف أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعظم رميم وقال يا محمد أترى الله يحي هذا بعد ما قد رم فنزلت
النحل : ( 5 ) والأنعام خلقها لكم . . . . .
) والأنعام ( الإبل والبقر والغنم وانتصابها بمضمر يفسره ) خلقها لكم ( أو بالعطف على الإنسان وخلقها لكم بيان ما خلقت لأجله وما بعده تفصيل له ) فيها دفء ( ما يدفأ به فيقي البرد ) ومنافع ( نسلها ودرها وظهورها وإنما عبر عنها بالمنافع ليتناول عوضها ) ومنها تأكلون ( ما يؤكل منها من اللحوم والشحوم والألبان وتقديم الظرف للمحافظة على رؤوس الآي أو لأن الأكل منها هو المعتاد المعتمد عليه في المعاش وأما الأكل من سائر الحيوانات المأكولة فعلى سبيل التداوي أو التفكه
النحل : ( 6 ) ولكم فيها جمال . . . . .
) ولكم فيها جمال ( زينة ) حين تريحون ( تردونها من مراعيها إلى مراحلها بالعشي ) وحين تسرحون ( تخرجونها بالغداة إلى المراعي فإن الأفنية تتزين بها في الوقتين ويجل أهلها في أعين الناظرين إليها وتقديم الاراحة لأن الجمال فيها أظهر فإنها تقبل ملأى البطون حافلة الضروع ثم تأوي إلى الحظائر حاضرة لأهلها وقرئ / حينا / على أن ) تريحون ( و ) تسرحون ( وصفان له بمعنى ) تريحون ( فيه و ) تسرحون ( فيه
النحل : ( 7 ) وتحمل أثقالكم إلى . . . . .
) وتحمل أثقالكم ( أحمالكم ) إلى بلد لم تكونوا بالغيه ( أي إن لم تكن الأنعام(3/386)
" صفحة رقم 387 "
ولم تخلق فضلا أن تحملوها على ظهوركم إليه ) إلا بشق الأنفس ( إلا بكلفة ومشقة وقرئ بالفتح وهو لغة فيه وقيل المفتوح مصدر شق الأمر عليه وأصله الصدع والمكسور بمعنى النصف كأنه ذهب نصف قوته بالتعب ) إن ربكم لرؤوف رحيم ( حيث رحمكم بخلقها لانتفاعكم وتيسير الأمر عليكم
النحل : ( 8 ) والخيل والبغال والحمير . . . . .
) والخيل والبغال والحمير ( عطف على ) الأنعام ( ) لتركبوها وزينة ( أي لتركبوها وتتزينوا بها زينة وقيل هي معطوفة على محل ) لتركبوها ( وتغيير النظم لأن الزينة بفعل الخالق والركوب ليس بفعله ولأن المقصود من خلقها الركوب وأما التزين بها فحاصل بالعرض وقرئ بغير واو وعلى هذا يحتمل أن يكون علة ) لتركبوها ( أو مصدرا في موضع الحال من أحد الضميرين أي متزينين أو متزينا بها واستدل به على حرمة لحومها ولا دليل فيه إذ لا يلزم من تعليل الفعل بما يقصد منه غالبا أن لا يقصد منه غيره أصلا ويدل على أن الآية
مكية وعامة المفسرين والمحدثين على أن الحمر الأهلية حرمت عام خيبر ) ويخلق ما لا تعلمون ( لما فصل الحيوانات التي يحتاج إليها غالبا احتياجا ضروريا أو غير ضروري أجمل غيرها ويجوز أن يكون إخبارا بأن له من الخلائق ما لا علم لنا به وأن يراد به ما خلق في الجنة والنار مما لم يخطر على قلب بشر
النحل : ( 9 ) وعلى الله قصد . . . . .
) وعلى الله قصد السبيل ( بيان مستقبل الطريق الموصل إلى الحق أو إقامة السبيل وتعديلها رحمة وفضلا أو عليه قصد السبيل يصل إليه من يسلكه لا محالة يقال سبيل قصد(3/387)
" صفحة رقم 388 "
وقاصد أي مستقيم كأنه يقصد الوجه الذي يقصده السالك لا يميل عنه والمراد من ) السبيل ( الجنس ولذلك أضاف إليه ال ) قصد ( وقال ) ومنها جائر ( حائدعن القصد أو عن الله وتغيير الأسلوب لأنه ليس بحق على الله تعالى أن يبين طرق الضلالة أو لأن المقصود بيان سبيله وتقسيم السبيل إلى القصد والجائر إنما جاء بالعرض وقرئ و / منكم جائر / أي عن القصد ) ولو شاء ( الله ) لهداكم أجمعين ( أي ولو شاء هدايتكم أجمعين لهداكم إلى قصد السبيل هداية مستلزمة للاهتداء
النحل : ( 10 ) هو الذي أنزل . . . . .
) هو الذي أنزل من السماء ( من السحاب أو من جانب السماء ) ماء لكم منه شراب ( ما تشربونه ) ولكم ( صلة ) أنزل ( أو خبر ) شراب ( و ) من ( تبعيضية متعلقة به وتقديمها يوهم حصر المشروب فيه ولا بأس به لأن مياه العيون والآبار منه لقوله ) فسلكه ينابيع ( وقوله ) فأسكناه في الأرض ( ) ومنه شجر ( ومنه يكون شجر يعني الشجر الذي ترعاه المواشي وقيل كل ما نبت على الأرض شجر قال يعلفها اللحم إذا عز الشجر والخيل في إطعامها اللحم ضرر ) فيه تسيمون ( ترعون من سامت الماشية وأسامها صاحبها وأصله السومة وهي العلامة لأنها تؤثر بالرعي علامات
النحل : ( 11 ) ينبت لكم به . . . . .
) ينبت لكم به الزرع ( وقرأ أبو بكر بالنون على التفخيم ) والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات ( وبعض كلها إذا لم ينبت في الأرض كل ما يمكن من الثمار ولعل تقديم ما يسام فيه على ما يؤكل منه لأنه سيصير غذاء حيوانيا هو اشرف الأغذية ومن هذا تقديم الزرع والتصريح بالأجناس الثلاثة وترتيبها ) إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ( على وجود الصانع وحكمته فإن من تأمل أن الحبة تقع في الأرض وتصل إليها نداوة تنفذ فيها فينشق أعلاها ويخرج منه ساق الشجرة وينشق أسفلها فيخرج منه عروقها ثم ينموا ويخرج منه الأوراق والأزهار والأكمام والثمار ويشتمل كل منها على أجسام مختلفة الأشكال والطباع مع اتحاد المواد ونسبة الطبائع السفلية والتأثيرات الفلكية إلى الكل علم أن ذلك ليس إلا بفعل فاعل مختار مقدس عن منازعة الأضداد والأنداد ولعل فصل الآية به(3/388)
" صفحة رقم 389 "
النحل : ( 12 ) وسخر لكم الليل . . . . .
) وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم ( بأن هيأها لمنافعكم ) مسخرات بأمره ( حال من الجميع أي نفعكم بها حال كونها مسخرات لله تعالى خلقها ودبرها كيف شاء أو لما خلقن له بإيجاده وتقديره أو لحكمه وفيه إيذان بالجواب عما عسى أن يقال إن المؤثر في تكوين النبات حركات الكواكب وأوضاعها فإن ذلك إن سلم فلا ريب في أنها أيضا ممكنة الذات والصفات واقعة على بعض الوجوه المحتملة فلا بد لها من موجد مخصص مختار واجب الوجود دفعا للدور والتسلسل أو مصدر ميمي جمع لاختلاف الأنواع وقرأ حفص ) والنجوم مسخرات ( على الابتداء والخبر فيكون تعميما للحكم بعد تخصيصه ورفع ابن عامر ) الشمس والقمر ( أيضا ) إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ( جمع الآية وذكر العقل لأنها تدل أنواعا من الدلالة ظاهرة لذوي العقول السليمة غير محوجة إلى استيفاء فكر كأحوال النبات
النحل : ( 13 ) وما ذرأ لكم . . . . .
) وما ذرأ لكم في الأرض ( عطف على ) الليل ( أي وسخر لكم ما خلق لكم فيها من حيوان ونبات ) مختلفا ألوانه ( أصنافه فإنها تتخالف باللون غالبا ) إن في ذلك لآية لقوم يذكرون ( إن اختلافها في الطباع والهيئات والمناظر ليس إلا بصنع صانع حكيم
النحل : ( 14 ) وهو الذي سخر . . . . .
) وهو الذي سخر البحر ( جعله بحيث تتمكنون من الانتفاع به بالركوب والاصطياد والغوص ) لتأكلوا منه لحما طريا ( هو السمك ووصفه بالطراوة لأنه أرطب اللحوم يسرع إليه الفساد فيسارع إلى أكله ولإظهار قدرته في خلقه عذبا طريا في ماء زعاق وتمسك به مالك والثوري على أن من حلف أن لا يأكل لحما حنث بأكل السمك وأجيب عنه بأن مبنى الإيمان على العرف وهو لا يفهم منه عند الإطلاق ألا ترى أن الله تعالى سمى الكافر دابة ولا يحنث الخالق على أن لا يركب دابة بركوبه ) وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ( كاللؤلؤ والمرجان أي تلبسها نساؤكم فأسند إليهم لأنهن من جملتهم ولأنهن(3/389)
" صفحة رقم 390 "
يتزين بها لأجلهم ) وترى الفلك ( السفن ) مواخر فيه ( جواري فيه تشقه بحيزومها من المخر وهو شق الماء وقيل صوت جري الفلك ) ولتبتغوا من فضله ( من سعة رزقه بركوبها للتجارة ) ولعلكم تشكرون ( أي تعرفون نعم الله تعالى فتقومون بحقها ولعل تخصيصه بتعقيب الشكر لأنه أقوى في باب الأنعام من حيث أنه جعل المهالك سببا للانتفاع وتحصيل المعاش
النحل : ( 15 ) وألقى في الأرض . . . . .
) وألقى في الأرض رواسي ( جبالا رواسي ) أن تميد بكم ( كراهة أن تميل بكم وتضطرب وذلك لأن الأرض قبل أن تخلق فيها الجبال كانت كرة خفيفة بسيطة الطبع وكان من حقها أن تتحرك بالإستدارة كالأفلاك أو أن تتحرك بأدنى سبب للتحريك فلما خلقت الجبال على وجهها تفاوت جوانبها وتوجهت الجبال بثقلها نحو المركز فصارت كالأوتاد التي تمنعها عن الحركة وقيل لما خلق الله الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة ما هي بمقر أحد على ظهورها فأصبحت وقد أرسيت بالجبال ) وأنهارا ( وجعل فيها أنهارا لأن ألقى فيه معناه ) سبلا لعلكم تهتدون ( لمقاصدكم أو إلى معرفة الله سبحانه وتعالى
النحل : ( 16 ) وعلامات وبالنجم هم . . . . .
) وعلامات ( معالم يستدل بها السابلة من جبل وسهل وريح ونحو ذلك ) وبالنجم هم يهتدون ( بالليل في البراري والبحار والمراد بالنجم الجنس ويدل عليه قراءة ) وبالنجم ( بضمتين وضمة وسكون على الجمع وقيل الثريا والفرقدات وبنات نعش والجدي ولعل الضمير لقريش لأنهم كانوا كثيري الأسفار مشهورين بالإهتداء في مسايرهم بالنجوم وإخراج الكلام عن سنن الخطاب وتقديم النجم وإقحام الضمير(3/390)
" صفحة رقم 391 "
للتخصيص كأنه قيل وبالنجم خصوصا هؤلاء يهتدون فا الإعتبار بذلك والشكر عليه ألزم لهم أوجب عليهم
النحل : ( 17 ) أفمن يخلق كمن . . . . .
) أفمن يخلق كمن لا يخلق ( إنكار بعد إقامة الدلائل المتكاثرة على كمال قدرته وتناهي حكمته والتفرد بخلق ما عدد من مدعاته لأن يساويه ويستحق مشاركته مالا يقدر على خلق شيء من ذلك بل على إيجاد شيء ما وكان حق الكلام أفمن لا يخلق كمن يخلق لكنه عكس تنبيها على أنهم بالإشراك بالله سبحانه وتعالى جعلوه من جنس المخلوقات العجزة شبيها بها والمراد بمن لا يخلق كل ما عبد من دون الله سبحانه وتعالى مغلبا فيه أولو العلم شبيها بها والمراد بمن لا يخلق كل ما عبد من دون الله سبحانه وتعالى مغلبا فيه أولو العلم منهم أو الأصنام وأجروها مجرى أولي العلم لأنهم سموها آلهة ومن حق الإله أن يعلم أو للمشاكلة بينه وبين من يخلق أو لمبالغة وكأن قيل إن من يخلق ليس كمن لا يخلق من أولي العلم فكيف بما لا علم عنده ) أفلا تذكرون ( فتعرفوا فساد ذلك فإنه لجلائه كالحاصل للعقل الذي يحضر عنده بأدنى تذكر والتفات
النحل : ( 18 ) وإن تعدوا نعمة . . . . .
) وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ( لا تضبطوا عددها فضلا أن يطيقوا القيام بشكرها أتبع ذلك تعداد النعم وإلزام الحجة على تفرده باستحقاق العبادة تنبيها على أن وراء ما عدد نعما لا ت نحصر وأن حق عبادته تعالى غير مقدور ) إن الله لغفور ( حيث يتجاوز عن تقصير في أداء شكرها ) رحيم ( لا يقطعها لتفريطيكم فيه ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها
النحل : ( 19 ) والله يعلم ما . . . . .
) والله يعلم ما تسرون وما تعلنون ( من عقائدكم وأعمالكم وهو وعيد ونزيف للشرك باعتبار العلم بعد تزييفه باعتبار القدرة
النحل : ( 20 ) والذين يدعون من . . . . .
) الذين تدعون من دون الله ( أي والآلهة الذين تعبدونهم من دونه وقرأ أبو بكر ) يدعون ( بالياء وقرأ حفص ثلاثتها بالياء ) لا يخلقون شيئا ( لما نفى المشاركة بين من(3/391)
" صفحة رقم 392 "
يخل قومن لا يخلق بين أنهم لا يخلقون شيئا لينتج أنهم لا يشاركونه ثم أكد ذلك بأن اثبت لهم صفات تنافى الألوهية فقال ) وهم يخلقون ( لأنهم ذوات ممكنة مفترقة الوجود إلى التخليق والإله ينبغي أن يكون واجب الوجود
النحل : ( 21 ) أموات غير أحياء . . . . .
) أموات ( هم أموات لا تعتريهم الحياة أو أموات حالا أو مالا ) غير أحياء ( بالذات ليتناول كل معبود والإله ينبغي أن يكون حيا بالذات لا يعتريه الممات ) وما يشعرون أيان يبعثون ( ولا يعلمون وقت بعثهم أو بعث عبدتهم فكيف يكون لهم وقت جزاء على عبادتهم والإله ينبغي أن يكون عالما بالغيوب مقدارا للثواب والعقاب وفيه تنبيه على أن البعث من توابع التكليف
النحل : ( 22 ) إلهكم إله واحد . . . . .
) إلهكم إله واحد ( تكرير للمدعي بعد إقامة الحجج ) فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون ( بيان لما اقتضى إصرارهم بعد وضوح الحق وذلك عدم إيمانهم بالآخرة فإن المؤمن بها يكون طالبا للدلائل متأملا فيما يسمع فينتفع به والكافر بها يكون حاله بالعكس وإنكار قلوبهم مالا يعرف إلا بالبرهان اتباعا للأسلاف وركونا إلى المألوف فإنه ينافي النظر والإستكبار عن أتباع الرسول وتصديقه والألتفات إلى قوله والأول هو العمدة في الباب ولذلك رتب عليه ثبوت الآخرين
النحل : ( 23 ) لا جرم أن . . . . .
) لا جرم ( حقا ) أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ( فيجازيهم وهو في موضع الرفع ب ) جرم ( لأنه مصدر أو فعل ) إنه لا يحب المستكبرين ( فضلا عن الذين استكبروا عن توحيده أو اتباع الرسول(3/392)
" صفحة رقم 393 "
النحل : ( 24 ) وإذا قيل لهم . . . . .
) وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم ( القائل بعضهم على التهكم أو الوافدون عليهم أو المسلمون ) قالوا أساطير الأولين ( أي ما تدعون نزوله أو المنزل أساطير الأولين وإنما سموه منزلا على التهكم أو على الفرض أي على تقدير أنه منزل فهو أساطير الأولين لا تحقيق فيه والقائلون قيل هم المقتسمون
النحل : ( 25 ) ليحملوا أوزارهم كاملة . . . . .
) ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ( أي قالوا ذلك إضلالا للناس فحملوا أوزار ضلالهم كالمة فإن إضلالهم نتيجة رسوخهم في الضلال ) ومن أوزار الذين يضلونهم ( وبعض أوزار ضلال من يضلوهم وهو حصة التسبب ) بغير علم ( حال من المفعول أي يضلون من لا يعلم أنهم ضلال وفائدتها الدلالة على أن جهلهم لا يعذرهم إذ كان عليهم أن يبحثوا ويميزوا بين المحق والمبطل ) ألا ساء ما يزرون ( بئس شيئا يزرونه فعلهم
النحل : ( 26 ) قد مكر الذين . . . . .
) وقد مكر الذين من قبلهم ( أي سووا منصوبات ليمكروا بها رسل الله عليهم الصلاة والسلام ) فأتى الله بنيانهم من القواعد ( فأتاها أمره من جهة العمد التي بنوا عليها بأن ضعضعت ) فخر عليهم السقف من فوقهم ( وصار سبب هلاكهم ) وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ( لا يحتسبون ولا يتوقعون وهو على سبيل التمثيل وقيل المراد به نمروذ بن كنعان بنى الصرح ببابل سمكه خمسة آلاف ذراع ليترصد أمر السماء فأهب الله الريح فخر عليه وعلى قومه فهلكوا
النحل : ( 27 ) ثم يوم القيامة . . . . .
) ثم يوم القيامة يخزيهم ( يذلهم أو يعذبهم بالنار كقوله تعالى ) ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته ( ) ويقول أين شركائي ( أضاف إلى نفسه استهزاء أو حكاية(3/393)
" صفحة رقم 394 "
لإضافتهم زيادة في توبيخهم
النحل : ( 28 ) الذين تتوفاهم الملائكة . . . . .
) الذين كنتم تشاقون فيهم ( تعادون المؤمنين في شأنهم وقرأ نافع بكسر النون بمعنى تشاقوني فإن مشاقة المؤمنين كمشاقة الله عز وجل ) وقال الذين أوتوا العلم ( أي الأنبياء والعلماء الذين كانوا يدعونهم إلى التوحيد فيشاقونهم ويتكبرون عليهم أو الملائكة ) إن الخزي اليوم والسوء ( الذلة والعذاب ) على الكافرين ( وفائدة إظهار الشماتة بهم وزيادة الإهانة وحكايته لأن يكون لطفا ووعظا لمن سمعه ) الذين تتوفاهم الملائكة ( وقرأ حمزة بالياء وقرئ بإذغام في التاء وموضع الموصول يحتمل الأوجه الثلاثة ) ظالمي أنفسهم ( بأن عرضوها للعذاب المخلد ) فألقوا السلم ( فسالموا وأخبتوا حين عاينوا الموت ) ما كنا ( قائلين ما كنا ) نعمل من سوء ( كفر وعدوا ويجوز أن يكون تفسيرا ل ) السلم ( على أن المراد به القول الدال على الاستسلام ) بلى ( أي فتجيبهم الملائكة بلى ) إن الله عليم بما كنتم تعملون ( فهو يجازيكم عليه وقيل قوله ) فألقوا السلم ( إلى آخر الآية استئناف ورجوع إلى شرح حالهم يوم القيامة وعلى هذا أول من لم يجوز الكذب يومئذ ) ما كنا نعمل من سوء ( بأنا لم نكن في زعمنا واعتقادنا عاملين سوءا ويحتمل أن يكون الراد عليهم هو الله تعالى أو أولو العلم
النحل : ( 29 ) فادخلوا أبواب جهنم . . . . .
) فادخلوا أبواب جهنم ( كل صنف بابها المعد له وقيل أبواب جهنم أصناف عذابها ) خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين ( جهنم(3/394)
" صفحة رقم 395 "
النحل : ( 30 ) وقيل للذين اتقوا . . . . .
) وقيل للذين اتقوا ( يعني المؤمنين ) ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا ( أي أنزل خيرا وفي نصبه دليل على أنهم لم يتلعثموا في الجواب وأطبقوه على السؤال معترفين بالإنزال على خلاف الكفرة روي أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بخير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا جاء الوافد المقتسمين قالوا له ما قالوا وإذا جاء المؤمنين قالوا له ذلك ) للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ( مكافأة في الدنيا ) ولدار الآخرة خير ( أي ولثوابهم في الآخرة خير منها وهو عدة للذين اتقوا على قولهم ويجوز أن يكون بما بعده حكاية لقولهم بدلا وتفسيرا ل ) خيرا ( على أنه منتصب ب ) قالوا ( ) ولنعم دار المتقين ( دار الآخرة فحذفت لتقدم ذكرها
النحل : ( 31 ) جنات عدن يدخلونها . . . . .
وقوله ) جنات عدن ( خبر مبتدأ محذوف ويجوز أن يكون المخصوص بالمدح ) يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاؤون ( من أنواع المشتهيات وفي تقديم الظرف تنبيه على أن الإنسان لا يجد جميع ما يريده إلا في الجنة ) كذلك يجزي الله المتقين ( مثل هذا الجزاء يجزيهم وهو يؤيد الوجه الأول
النحل : ( 32 ) الذين تتوفاهم الملائكة . . . . .
) الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ( طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي لأنه في مقابلة ) ظالمي أنفسهم ( وقيل فرحين ببشارة الملائكة إياهم بالجنة أو طيبين بقبض أرواحهم لتوجه نفوسهم بالكلية إلى حضرة القدس ) يقولون سلام عليكم ( لا يحيقكم(3/395)
" صفحة رقم 396 "
بعد مكروه
النحل : ( 33 ) هل ينظرون إلا . . . . .
) ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ( حين تبعثون فإنها معدة لكم على أعمالكم وقيل هذا التوفي وفاة الحشر لأن المر بالدخول حينئذ ) هل ينظرون ( ما ينتظر الكفار المار ذكرهم ) إلا أن تأتيهم الملائكة ( لقبض أرواحهم وقرأ حمزة والكسائي بالياء ) أو يأتي أمر ربك ( القيامة أو العذاب المستأصل ) كذلك ( مثل ذلك الفعل من الشرك والتكذيب ) فعل الذين من قبلهم ( فأصابهم ما أصابوا ) وما ظلمهم الله ( بتدميرهم ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( بكفرهم ومعاصيهم المؤدية إليه
النحل : ( 34 ) فأصابهم سيئات ما . . . . .
) فأصابهم سيئات ما عملوا ( أي جزاء سيئات أعمالهم على حذف المضاف أو تسمية الجزاء باسمها ) وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ( وأحاط بهم جزاؤه ولا يستعلم إلا في الشر
النحل : ( 35 ) وقال الذين أشركوا . . . . .
) وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء ( إنما قالوا ذلك استهزاء أو منعا للبعثة والتكليف متمسكين بأن ما شاء الله يجب وما لم يشأ يمتنع فما الفائدة فيها أو إنكارا لقبح ما أنكر عليهم من الشركى وتحريم البحائر ونحوها محتجين بأنها لو كانت مستقبحة لما شاء الله صدورها عنهم ولشاء خلافه ملجئا إليه لا اعتذارا إذ لم يعتقدوا قبح أعمالهم وفيما بعده تنبيه على الجواب عن(3/396)
" صفحة رقم 397 "
الشبهتين ) كذلك فعل الذين من قبلهم ( فأشركوا بالله وحرموا حله وردوا رسله ) فهل على الرسل إلا البلاغ المبين ( إلا الإبلاغ الموضح للحق وهو لا يؤثر فيهدى من شاء الله هداه لكنه يؤدي إليه على سبيل التوسط وما شاء الله وقوعه إنما يجب وقوعه لا مطلقا بل بأسباب قدرها له
النحل : ( 36 ) ولقد بعثنا في . . . . .
ثم بين أن البعثة أمر جرت به السنة الإلهية في المم كلها سببا لهدى من أراد اهتداءه وزيادة لضلال من أراد ضلاله كالغذاء الصالح فإنه ينفع المزاج السوي ويقويه ويضر المنحرف ويفنيه بقوله تعالى ) ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ( يأمر بعبادة الله تعالى واجتناب الطاغوت ) فمنهم من هدى الله ( وفقهم للإيمان بإرشادهم ) ومنهم من حقت عليه الضلالة ( إذ لم يوفقهم ولم يرد هداهم وفيه تنبيه على فساد الشبهة الثانية لما فيه من الدلالة على أن تحقق الضلال وثباته بفعل اله تعالى وإرادته من حيث أنه قسم من هدى الله وقد صرح به في الآية الأخرى ) فسيروا في الأرض ( يا معشر قريش ) فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ( من عاد وثمود وغيرهم لعلكم تعتبرون
النحل : ( 37 ) إن تحرص على . . . . .
) إن تحرض ( يا محمد ) على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل ( من يريد ضلاله وهو المعنى بمن حقت عليه الضلالة وقرأ غير الكوفيين ) لا يهدي ( على البناء للمفعول وهو أبلغ ) وما لهم من ناصرين ( من ينصرهم بدفع العذاب عنهم .
النحل : ( 38 ) وأقسموا بالله جهد . . . . .
) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ( عطف على ) وقال الذين أشركوا ( إيذانا بأنهم كما أنكروا التوحيد أنكروا البعث مقسمين عليه زيادة في البت على فساده ولقد رد الله عليهم أبلغ فقال ) بلى ( يبعثهم ) وعدا ( مصدر مؤكد لنفسه وهو(3/397)
" صفحة رقم 398 "
ما دل عليه ) بلى ( فإن يبعث موعد من الله ) عليه ( إنجازه لا متناع الخلف فيوعده أو لأن البعث مقتضى حكمته ) حقا ( صفة أخرى للوعد ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( لقصور نظرهم بالمألوف فيتوهم امتناعه
النحل : ( 39 ) ليبين لهم الذي . . . . .
ثم إنه تعالى بين الأمرين فقال ) ليبين لهم ( أي يبعثهم ) ليبين لهم ( ) الذي يختلفون فيه ( وهو الحق ) وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين ( فيما يزعمون وهو إشارة إلى السبب الداعي إلى البعث المقتضي له من حيث الحكمة وهو المميز بين الحق والباطل والمحق والمبطل بالثواب والعقاب
النحل : ( 40 ) إنما قولنا لشيء . . . . .
ثم قال ) إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ( وهو بيان إمكانية وتقريره أن تكوين الله بمحض قدرته ومشيئته لا توقف له على سبق المواد والمدد وإلا لزم التسلسل فكما أمكن له تكوين الأشياء ابتداء بلا سبق مادة ومثال أمكن له تكوينها إعادة بعده ونصب ابن عامر و الكسائي ها هنا وفي ) يس ( فيكون عطفا على نقول أو جوابا للأمر
النحل : ( 41 ) والذين هاجروا في . . . . .
) والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا ( هم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه المهاجرون ظلمهم قريش فهاجر بعضهم إلى الحبشة ثم إلى المدينة وبعضهم إلى المدينة أو المحبوسون المعذبون بمكة بعد هجرة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهم بلال وصهيب وخباب وعمار وعابس وأبو جندل وسهيل رضي الله تعالى عنهم وقوله و ) في الله ( أي في حقه ولوجهه ) لنبوئنهم في الدنيا حسنة ( مباءة حسنة وهي المدينة أو تبوئة حسنة ) ولأجر الآخرة أكبر ((3/398)
" صفحة رقم 399 "
مما يعجل لهم في الدنيا وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا أعطى رجلا من المهاجرين عطاء قال له خذ بارك الله لك فيه هذا ما وعدك الله في الدنيا وما ادخر لك في الآخرة أفضل ) لو كانوا يعلمون ( الضمير للكفار أي لو علموا أن الله يجمع لهؤلاء المهاجرين خير الدارين لوافقهم أو للمهاجرين أي لو علموا ذلك لزادوا في اجتهادهم وصبرهم
النحل : ( 42 ) الذين صبروا وعلى . . . . .
) الذين صبروا ( على الشدائد كأذى الكفار ومفارقة الوطن ومحله النصب أو الرفع على المدح ) وعلى ربهم يتوكلون ( منقطعين إلى الله مفوضين إليه الأمر كله
النحل : ( 43 ) وما أرسلنا من . . . . .
) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ( رد لقول قريش الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا أي جرت السنة الإلهية بأن لا يبعث للدعوة العامة إلا بشرا يوحي إليه على ألسنة الملائكة والحكمة في ذلك قد ذكرت في سورة ) الأنعام ( فإن شككتم فيه ) فاسألوا أهل الذكر ( أهل الكتاب أو علماء الأخبار ليعلموكم ) إن كنتم لا تعلمون ( وفي الآية دليل على أنه تعالى لم يرسل امرأة ولا ملكا للدعوة العامة وقوله ) جاعل الملائكة رسلا ( معناه رسلا إلى الملائكة أو إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقيل لم يبعثوا إلى الأنبياء إلا متمثلين بصورة الرجال ورد بما روي أنه عليه الصلاة والسلام رأى جبريل صلوات الله عليه وعلى صورته التي هو عليها مرتين وعلى وجوب المراجعة إلى العلماء فيما لا يعلم
النحل : ( 44 ) بالبينات والزبر وأنزلنا . . . . .
) بالبينات والزبر ( أي أرسلناهم بالبينات والزبر أي المعجزات والكتب كأنه جواب قائل قال بم أرسلوا ويجوز أن يتعلق بما أرسلنا داخلا في الاستثناء مع رجالا أي وما أرسلنا إلا رجالا بالبينات كقولك ما ضربت إلا زيدا بالسوط أو صفة لهم أي رجالا ملتبسين بالبينات أو بيوحي على المفعولية أو الحال من القائم مقام فاعله على أن(3/399)
" صفحة رقم 400 "
قوله فاسألوا اعتراض أو بلا تعلمون على أن الشرط للتبكيت والإلزام ) وأنزلنا إليك الذكر ( أي القرآن وإنما سمي ذكرا مما أمروا به ونهوا عنه أو مما تشابه عليهم والتبيين أعم من أن ينص بالمقصود أو يرشد إلى ما يدل عليه كالقياس ودليل العقل ) ولعلهم يتفكرون ( وإرادة أن يتأملوا فيه فينتبهوا للحقائق
النحل : ( 45 ) أفأمن الذين مكروا . . . . .
) أفأمن الذين مكروا السيئات ( أي المكرات السيئات وهم الذين احتالوا لهلاك الأنبياء أو الذين مكروا برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وراموا صد أصحابه عن الإيمان ) أن يخسف الله بهم الأرض ( كما خسف بقارون ) أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون ( بغتة من جانب السماء كما فعل بقوم لوط
النحل : ( 46 ) أو يأخذهم في . . . . .
) أو يأخذهم في تقلبهم ( أي متقلبين في مسايرهم ومتاجرهم ) فما هم بمعجزين )
النحل : ( 47 ) أو يأخذهم على . . . . .
) أو يأخذهم على تخوف ( على مخافة بأن يهلك قوما قبلهم فيتخوفوا فيأتيهم العذاب وهم متخوفون أو على أن ينقصهم شيئا بعد شيء في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا من تخوفته إذا تنقصته روي أن عمر رضي الله تعالى عنه قال على المنبر ما تقولون فيها فسكتوا فقام شيخ من هذيل فقال هذه لغتنا التخوف التنقص فقال هل تعرف العرب ذلك في أشعارها قال نعم قال شاعرنا أبو كبير يصف ناقته " تخوف الرجل منها بامكا قردا كما تخوف عود النبعة السفن " (3/400)
" صفحة رقم 401 "
فقال عمر عليكم بديوانكم لا تضلوا قالوا وما ديواننا قال شعر الجاهلية فإن قيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم ) فإن ربكم لرؤوف رحيم ( حيث لا يعالجكم بالعقوبة
النحل : ( 48 ) أو لم يروا . . . . .
) أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء ( استفهام إنكار أي قد رأوا أمثال هذه الصنائع فما بالهم لم يتفكروا فيها ليظهر لهم كمال قدرته وقهره فيخافوا منه وما موصولة مبهمة بيانها ) يتفيأ ظلاله ( أي أو لم ينظروا إلى المخلوقات التي لها ظلال متفيئة وقرأ حمزة والكسائي / ترو / بالتاء ) عن اليمين والشمائل ( عن إيمانها وعن شمائلها أي عن جانبي كل واحد منها استعارة من يمين الإنسان وشماله ولعل توحيد اليمين وجمع شمائلها باعتبار اللفظ والمعنى كتوحيد الضمير في ظلاله وجمعه في قوله ) سجدا لله وهم داخرون ( وهما حالان من الضمير في ظلاله والمراد من السجود الاستسلام سواء كان بالطبع أو الاختيار يقال سجدت النخلة إذا مالت لكثرة الحمل وسجد البعير إذا طأطأ رأسه ليركب وسجدا حال من الظلال ) وهم داخرون ( حال من الضمير والمعنى يرجع الظلال بارتفاع الشمس وانحدارها أو باختلاف مشارقها ومغاربها بتقدير الله تعالى من جانب إلى جانب منقادة لما قدر لها من التفيؤ أو واقعة على الأرض ملتصقة بها على هيئة الساجد والأجرام في أنفسها أيضا داخرة أي صاغرة من قادة لأفعال الله تعالى فيها وجمع ) داخرون ( بالواو لأن من جملتها من يعقل أو لأن الدخور من أوصاف العقلاء وقيل المراد ب ) اليمين والشمائل ( يمين الفلك وهو جانبه الشرقي لأن الكواكب(3/401)
" صفحة رقم 402 "
تظهر منه آخذة في الأرتفاع وشماله هو الجانب الغربي المقابل له من الأرض فإن الظلال في أول النهار تبتدىء من المشرق واقعة على الربع الغربي من الأرض وعند الزوال تبتدىء من المغرب واقعة على الربع الشرقي من الأرض
النحل : ( 49 ) ولله يسجد ما . . . . .
) ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض ( أي ينقاد أنقيادا يعم الأنقياد لإرادته وتأثيره طبعا والإنقياد لتكليفه وأمره طوعا ليصح إسناده إلى عامة أهل السموات والأرض وقوله ) من دابة ( بيان لهما لأن الدبيب هو الحركة الجسمانية سواء كانت في أرض أو سماء ) والملائكة ( عطف على المبين به عطف جبريل على الملائكة للعظيم أو عطف المجردات على الجسمانيات وبه احتج من نقال إن الملائكة أرواح مجردة أو بيان لما في الأرض والملائكة تكرير لما في السموات وتعيين له إجلالا وتعظيما أو المراد بها ملائكتها من الحفظة وغيرهم وما لما استعمل للعقلاء كما استعمل لغيرهم كان استعماله حيث اجتمع القبيلان أولى من إطلاق من تغليبا للعقلاء ) وهم لا يستكبرون ( عن عبادته
النحل : ( 50 ) يخافون ربهم من . . . . .
) يخافون ربهم من فوقهم ( يخافونه أن يرسل عذابا من فوقهم أو يخافونه وهو(3/402)
" صفحة رقم 403 "
فوقهم بالقهر كقوله تعالى ) وهو القاهر فوق عباده ( والجملة حال من الضمير ف ) لا يستكبرون ( أو بيان له وتقرير لأن من خاف الله تعالى لم يستكبر عن عبادته ) ويفعلون ما يؤمرون ( من الطاعة والتدبير وفيه دليل على أن الملائكة مكلفون مدارون بين الخوف والرجاء
النحل : ( 51 ) وقال الله لا . . . . .
) وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين ( ذكر العدد مع أن المعدود يدل عليه دلالة على أن مساق النهي إليه أو إيماء بأن الأثينية تنافي الألوهية كما ذكر الواحد في قوله ) إنما هو إله واحد ( للدلالة على أن المقصود إثبات الواحدانية دون الإلهية أو للتنبيه على أن الوحدة من لوازم الإلهية ) فإياي فارهبون ( نقل من الغيبة إلى التكلم مبالغة في الترهيب وتصريحا بالمقصود فكأنه قال فأنا ذلك الإله الواحد فإياي فارهبون لا غير
النحل : ( 52 ) وله ما في . . . . .
) وله ما في السماوات والأرض ( خلقا وملكا ) وله الدين ( أي الطاعة ) واصبا ( لا زما لما تقرر من أنه الإله وحده والحقيق بأن يرهب منه وقيل ) واصبا ( من الوصب أي وله الدين ذا كلفة وقيل الدين الجزاء أي وله الجزاء دائما لا ينقطع ثوابه لمن آمن وعقابه لمن كفر ) أفغير الله تتقون ( ولا ضار سواه كما لا نافع غيره كما قال تعالى
النحل : ( 53 ) وما بكم من . . . . .
) وما بكم من نعمة فمن الله ( أي وأي شيء اتصل بكم من نعمة فهو مناله ) وما ( شرطية أو موصولة متضمنة معنى الشرط باعتبار الإخبار دون الحصول فإن استقرار النعمة(3/403)
" صفحة رقم 404 "
بهم يكون سببا للإخبار بأنها من الله لا لحصولها منه ) ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ( فما تتضرعون إلا إليه والجؤار رفع الصوت في الدعاء والإستغاثة
النحل : ( 54 ) ثم إذا كشف . . . . .
) ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم ( وهم كفاركم ) بربهم يشركون ( بعبادة غيره هذا إذا كان الخطاب عاما فإن كان خاصيا بالمشركين كان من للبيان كأنه قال إذا فريق وهم أنتم ويجوز أن تكون من للتبعيض على أن يعتبر بعضهم كقوله تعالى ) فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد )
النحل : ( 55 ) ليكفروا بما آتيناهم . . . . .
) ليكفروا بما آتيناهم ( من نعمة الكشف عنهم كأنهم قصدوا بشركهم كفران النعمة أو إنكار كونها من الله تعالى ) فتمتعوا ( أمر تهديد ) فسوف تعلمون ( أغلظ وعيده وقرىء / فيمتعوا / مبنيا للمفعول عطفا على ) ليكفروا ( وعلى هذا جاز أن تكون اللام لام الأمر الوارد للتهديد والفاء للجواب
النحل : ( 56 ) ويجعلون لما لا . . . . .
) ويجعلون لما لا يعلمون ( أي لآلهتهم التي لا علم لها لأنها جماد فيكون الضمير ) لما ( أو التي لا يعلمونها فيعتقدون فيها جهالات مثل أنها تنفعهم وتشفع لهم على أن العائد إلى ما محذوف أو لجهلهم على أن ما مصدرية والمجعول له محذوف للعلم به ) نصيبا مما رزقناهم ( من الزروع والأنعام ) تالله لتسألن عما كنتم تفترون ( من أنها آلهة حقيقة بالتقريب غليها وهو وعيد لهم عليه
النحل : ( 57 ) ويجعلون لله البنات . . . . .
) ويجعلون لله البنات ( كانت خزاعة وكنانة يقولن الملائكة بنات الله ) سبحانه ( تنزيه له منقولهم أو تعجب منه ) ولهم ما يشتهون ( يعني البنين ويجوز فيما يشتهون الرفع بالإبتداء والنصب بالعطف على البنات على أن الجعل بمعنى الإختيار وهو وإن أفضى إلى أن يكون ضمير الفاعل والمفعول لشيء واحد لكنه لا يبعد تجويزه في المعطوف(3/404)
" صفحة رقم 405 "
النحل : ( 58 ) وإذا بشر أحدهم . . . . .
) وإذا بشر أحدهم بالأنثى ( أخبر بولادتها ) ظل وجهه ( صار أو دام النهار كله ) مسودا ( من الكآبة والحياء من الناس واسوداد الوجه كناية عن الإغتنام والتشوير ) وهو كظيم ( مملوء غيظا من المرأة
النحل : ( 59 ) يتوارى من القوم . . . . .
) يتوارى من القوم ( يستخفي منهم ) من سوء ما بشر به ( من سوء المبشر به عرفا ) أيمسكه ( محدثا نفسه متفكرا في أن يتركه ) على هون ( ذلك ) أم يدسه في التراب ( أي يفيه فيه ويئده وتذكير الضمير للفظ ) ما ( وقرىء بالتأنيث فيهما ) ألا ساء ما يحكمون ( حيث يجعلون لمن تعالى عن الولد ما هذا محله عندهم
النحل : ( 60 ) للذين لا يؤمنون . . . . .
) للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ( صفة السوء وهي الحاجة إلى الولد المنادية بالموت واستبقاء الذكور استظهارا بهم وكراهة الإناث ووأدهن خشية الإملاق ) ولله المثل الأعلى ( وهو الوجوب الذاتي والغنى المطلق والجود الفائق والنزاهة عن صفات المخلوقين ) وهو العزيز الحكيم ( المنفرد بكمال القدرة والحكمة
النحل : ( 61 ) ولو يؤاخذ الله . . . . .
) ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ( بكفرهم ومعاصيهم ) ما ترك عليها ( على الأرض وإنما أضمرها من غير ذكر لدلالة الناس والدابة عليها ) من دابة ( قط بشؤم ظلمهم وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه كاد الجعل يهلك في حجره بذنب ابن آدم أو من دابة ظالمة وقيل لو أهلك الآباء بكفرهم لم يكن الأبناء ) ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ( سماه لأعمارهم أو لعذابهم كي يتوالدوا ) فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ( بل هلكوا أو عذبوا حينئذ لا محالة ولا يلزم من عموم الناس وإضافة الظلم إليهم أن يكونوا كلهم ظالمين حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لجواز أن يضاف إليهم ما شاع فيهم وصدر عن أكثرهم
النحل : ( 62 ) ويجعلون لله ما . . . . .
) ويجعلون لله ما يكرهون ( أي ما يكرهونه لأنفسهم من البنات والشركاء في الرياسة والاستخفاف بالرسل وأراذل الأموال ) وتصف ألسنتهم الكذب ( مع ذلك وهو ) أن لهم الحسنى ( أي عند الله كقوله ) ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى ( وقرئ ) الكذب ( جمع كذوب صفة لللألسنة ) لا جرم أن لهم النار ( رد لكلامهم وإثبات لضده ) وأنهم مفرطون ( مقدمون إلى النار من أفرطته في طلب الماء إذا قدمته وقرأ(3/405)
" صفحة رقم 406 "
نافع بكسر الراء على أنه من الإفراط في المعاصي وقرئ بالتشديد مفتوحا من فرطته في طلب الماء ومكسورا من التفريط في الطاعات
النحل : ( 63 ) تالله لقد أرسلنا . . . . .
) تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم ( فأصروا على قبائحها وكفروا بالمرسلين ) فهو وليهم اليوم ( أي في الدنيا وعبر باليوم عن زمانها أو فهو وليهم حين كان يزين لهم أو يوم القيامة على أنه حكاية حال ماضية أو آتية ويجوز أن يكون الضمير لقريش أي زين الشيطان للكفرة المتقدمين أعمالهم وهو ولي هؤلاء اليوم يغريهم ويغويهم وإن يقدر مضاف أي فهو ولي أمثالهم والولي القرين أو الناصر فيكون نفيا للناصر لهم عل أبلغ الوجوه ) ولهم عذاب أليم ( في القيامة
النحل : ( 64 ) وما أنزلنا عليك . . . . .
) وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم ( للناس ) الذي اختلفوا فيه ( من التوحيد والقدر وأحوال المعاد وأحكام الأفعال ) وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ( معطوفان على محل لتبين فإنهما فعلا المنزل بخلاف التبيين
النحل : ( 65 ) والله أنزل من . . . . .
) والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ( أنبت فيها أنواع النبات بعد يبسها ) إن في ذلك لآية لقوم يسمعون ( سماع تدبر وإنصاف
النحل : ( 66 ) وإن لكم في . . . . .
) وإن لكم في الأنعام لعبرة ( دلالة يعبر بها من الجهل إلى العلم ) نسقيكم مما في بطونه ( استئناف لبيان العبرة وإنما ذكر الضمير ووحده ها هنا للفظ وأنثه في سورة ) المؤمنين ( للمعنى فإن الأنعام اسم جمع ولذلك عده سيبويه في المفردات المبنية على أفعال كأخلاق وأكياس ومن قال إنه جمع نعم جعل الضمير للبعض فإن اللبن لبعضها دون جميعها أو لواحدة أو له على المعنى فإن المراد به الجنس وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر ويعقوب ) نسقيكم ( بالفتح هنا وفي ) المؤمنين ( ) من بين فرث ودم لبنا ( فإنه يخلق من بعض أجزاء الدم المتولد من الأجزاء اللطيفة التي في الفرث وهو الأشياء المأكولة(3/406)
" صفحة رقم 407 "
المنهضمة بعض الإنهضام في الكرش وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن البهيمة إذا اعتلفت وانطبخ العلف في كرشها كان أسفلة فرثا وأوسطه لبنا وإعلاه دما ولعله أن صح فالمراد أن أوسطه يكون مادة اللبن وأعلاه مادة الدم الذي يغذي البدن لأنهما لا يتكونان في الكرش هو يبقى ثقله وهو الفرث ثم يسكها ريثما يهضمها هضما ثانيا فيحدث أخلاطا أربعة معه مائية فتميز القوة المميزة تلك المائية بما زاد على قدر الحاجة من المرتين وتدفعها إلى الكلية والمرارة والطحال ثم يوزع الباقي على الأعضاء بحسبها فيجري إلى كل حقه على ما يليق به بتقدير الحكيم العليم ثم إن كان الحيوان أنثى زاد أخلاطها على قدر غذائها لاستيلاء البرد والرطوبة على مزاجها فيندفع الزائد أولا إلى الرحم لأجل الجنين فإذا انفصل انصب ذلك الزائد أو بعضه إلى الضروع فيبيض بمجاورة لحومها الغددية البيض فيصير لبنا ومن نتدبر صنع الله تعالى في إحداث الخلاط والألبان وإعداد مقارها ومجاريها والأسباب المولدة لها والقوى المتصرفة فيها كل وقت على ما يليق به اضطر إلى الإقرار بكمال حكمته وتناهي رحمته و ) من ( الأولى تبغيضية لأن اللبن بعض ما في بطونها والثانية ابتدائية كقولك سقيت من الحوض لأن بين الفرث والدم المحل الذي يبتدأ منه الإسقاء وهي متعلقة ب ) نسقيكم ( أو حال من ) لبنا ( قدم عليه لتنكيره وللتنبيه على أنه موضع العبرة ) خالصا ( صافيا لا يستصحب لون الدم ولا رائحة الفرث أو مضى عما يصحبه من الأجزاء الكثيفة بتضييق مخرجه ) سائغا للشاربين ( سهل المرور في حلقهم وقرىء / سيغا / بالتشديد والتخفيف
النحل : ( 67 ) ومن ثمرات النخيل . . . . .
) ومن ثمرات النخيل والأعناب ( متعلق بمحذوف أي ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب أي من عصيرهما وقوله ) تتخذون منه سكرا ( استئناف لبيان الإسقاء أو ب ) تتخذون ( ومنه تكرير للظرف تأكيدا أو خبر لمحذوف صفته ) تتخذون ( أي ومن(3/407)
" صفحة رقم 408 "
ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه وتذكير الضمير على الوجهين الأولين لأنه للمضاف المحذوف الذي هو العصير أو لأن ال ) ثمرات ( بمعنى الثمر وال ) سكرا ( مصدر سمي به الخمر ) ورزقا حسنا ( كالتمر والزبيب والدبس والخل والآية إن كانت ساقة على تحريم الخمر فدالة على كراهتها وإلا فجامعة بين العتاب والمنة وقيل ال ) سكرا ( النبيذ وقيل الطعم قال " جعلت أعراض الكرام سكرا " أي تنقلت بأعراضهم وقيل ما يسد الجوع من السكر فيكون الرزق ما يحصل من أثمانه
النحل : ( 68 ) وأوحى ربك إلى . . . . .
) وأوحى ربك إلى النحل ( ألهمها وقذف في قلوبها وقرئ ) إلى النحل ( بفتحتين ) أن اتخذي ( بأن اتخذي ويجوز أن تكون ) إن ( مفسرة لأن في الإيحاء معنى معنى القول وتأنيث الضمير على المعنى فإن النحل مذكر ) من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ( ذكر بحرف التبعيض لأنها لا تبني في كل جبل وكل شجر وكل ما يعرش من كرم أو سقف ولا في كل مكان منها وإنما سمي ما تبنيه لتتعسل فيه بيتا تشبيها ببناء الإنسان لما فيه من حسن الصنعة وصحة القسمة التي لا يقوى عليها أحذق المهندسين إلا بآلات وأنظار دقيقة ولعل ذكره لتنبيه على ذلك وقرئ ) بيوتا ( بكسر الباء وقرأ ابن عامر وأبو بكر ) يعرشون ( بضم الراء
النحل : ( 69 ) ثم كلي من . . . . .
) ثم كلي من كل الثمرات ( من كل ثمرة تشتهينها مرها وحلوها ) فاسلكي ( ما أكلت ) سبل ربك ( في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النور المر عسلا من أجوافك أو(3/408)
" صفحة رقم 409 "
) فاسلكي ( الطرق التي ألهمك في عمل العسل أو فاسلكي راجعة إلى بيوتك ) سبل ربك ( لا تتوعر عليك ولا تلتبس ) ذللا ( جمع ذلول وهي حال من السبل أي مذللة ذللها الله تعالى وسهلها لك أو من الضمير في اسلكي أي وأنت ذلل منقادة لما أمرت به ) يخرج من بطونها ( كأنه عدل به عن خطاب النحل إلى خطاب الناس لأنه محل الإنعام عليهم والمقصود من خلق النحل وإلهامه لأجلهم ) شراب ( يعني العسل لأنه مما يشرب واحتج به من زعم أن النحل تأكل الأزهار والأوراق العطرة فتستحيل في بطنها عسلا ثم تقيء ادخارا للشتاء ومن زعم أنها تلتقط بأفواهها أجزاء طلية حلوة صغيرة متفرقة على الأوراق والأزهار وتضعها في بيوتها ادخارا فإذا اجتمع في بيوتها شيء كثير منها كان العسل فسر البطون بالأفواه ) مختلف ألوانه ( ابيض وأصفر وأحمر وأسود بحسب اختلاف سن النحل والفصل ) فيه شفاء للناس ( إما بنفسه كما في الأمراض البلغمية أو مع غيره كما في سائر الأمراض إذ قلما يكون معجون إلا والعسل جزء منه مع أن التنكير فيه مشعر بالتبعيض ويجوز أن يكون للتعظيم وعن قتادة أن رجلا جاء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إن أخي يشتكي بطنه فقال " اسقه العسل " فذهب ثم رجع فقال قد سقيته فما نفع فقال اذهب واسقه عسلا فقد صدق الله وكذب بطن أخيك فسقاه فشفاه الله تعالى فبرأ فكأنما أنشط من عقال وقيل الضمير للقرآن أو لما بين الله من أحوال النحل ) إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ( فإن من تدبر اختصاص النحل بتلك العلوم الدقيقة والأفعال العجيبة حق التدبر علم قطعا أنه لا بد له من خالق قادر حكيم يلهمها ذلك ويحملها عليه
النحل : ( 70 ) والله خلقكم ثم . . . . .
) والله خلقكم ثم يتوفاكم ( بآجال مختلفة ) ومنكم من يرد ( يعاد ) إلى أرذل العمر ((3/409)
" صفحة رقم 410 "
أخسه يعني الهرم الذي يشابه الطفولية في نقصان القوة والعقل وقيل هو خمس وتسعون سنة وقيل خمس وسبعون ) لكي لا يعلم بعد علم شيئا ( ليصير إلى حالة شبيهة بحالة الطفولية في النسيان وسوء الفهم ) إن الله عليم ( بمقادير أعماركم ) قدير ( يميت الشاب النشيط ويبقى الهرم الفاني وفيه تنبيه على أن تفاوت آجال الناس ليس إلا بتقدير قادر حكيم ركب أبنيتهم وعدل أمزجتهم على قدر معلوم ولو كان ذلك مقتضى الطبائع لم يبلغ التفاوت هذا المبلغ
النحل : ( 71 ) والله فضل بعضكم . . . . .
) والله فضل بعضكم على بعض في الرزق ( فمنكم غني ومنكم فقير ومنكم موال يتولون يتولون رزقهم ورزق غيرهم ومنكم مماليك حالهم على خلاف ذلك ) فما الذين فضلوا برادي رزقهم ( بمعطي رزقهم ) على ما ملكت أيمانهم ( على مماليكهم فإنما يردون عليهم رزقهم الذي جعله الله في أيديهم ) فهم فيه سواء ( فالموالي والمماليك سواء في أن عليهم رزقهم فالجملة لازمة للجملة المنفية أو مقررة لها ويجوز أن تكون واقعة موقع الجواب كأنه قيل فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فيستووا في الرزق على أنه رد وإنكار على المشركين فإنهم يشركون بالله بعض مخلوقاته في الألوهية ولا يرضون أن يشاركهم عبيدهم فيما أنعم الله عليهم فيساورهم فيه ) أفبنعمة الله يجحدون ( حيث يتخذون له شركاء فإنه يقتضى أن يضاف إليهم بعض ما أنعم الله عليهم ويجحدوا أنه من عند الله أو حيث أنكروا أمثال هذه الحجج بعدما أنعم الله عليهم بإيضاحهم والباء لتضمن الجحود معنى الكفر وقرأ أبو بكر / تجحدون / بالتاء لقوله ) خلقكم ( و ) فضل بعضكم )
النحل : ( 72 ) والله جعل لكم . . . . .
) والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ( أي من جنسكم لتأنسوا بها ولتكون أولادكم(3/410)
" صفحة رقم 411 "
مثلكم وقيل هو خلق حواء من آدم ) وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ( وأولاد أولاد أو بنات فإن الحافد هو المسرع في الخدمة والبنات يخدمن في البيوت أتم خدمة وقيل هم الأختان على البنات وقيل الربائب ويجوز أن يراد بها البنون أنفسهم والعطف لتغاير الوصفين ) ورزقكم من الطيبات ( من اللذائذ أو الحلالات و ) من ( للتبعيض فإن المرزوق في الدنيا أنموذج منها ) أفبالباطل يؤمنون ( وهو أن الأصنام تنفعهم أو أن من الطيبات ما يحرم كالبحائر والسوائب ) وبنعمة الله هم يكفرون ( حيث أضافوا نعمه إلى الأصنام أو حرموا ما أحل الله لهم وتقديم الصلة على الفعل إما للاهتمام أو لإيهام التخصيص مبالغة أو للمحافظة على الفواصل
النحل : ( 73 ) ويعبدون من دون . . . . .
) ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ( من مطر ونبات و ) رزقا ( إن جعلته مصدرا فشيئا منصوب به وإلا فبدل منه ) ولا يستطيعون ( أن يتملكوه أو لا استطاعة لهم أصلا وجمع الضمير فيه وتوحيده في ) لا يملك ( لأن ) ما ( مفرد في معنى الألهة ويجوز أن يعود إلى الكفار أي ولا يستطيع هؤلاء مع أنهم أحياء متصرفون شيئا من ذلك فكيف بالجماد
النحل : ( 74 ) فلا تضربوا لله . . . . .
) فلا تضربوا لله الأمثال ( فلا تجعلوا له مثلا تشركون به أو تقيسونه عليه فإن ضرب المثل تشبيه حال بحال ) أن الله يعلم ( فساد ما تعولون عليه من القياس على أن عبادة عبيد الملك أدخل في التعظيم من عبادته وعظم جرمكم فيما تفعلون ) وأنتم لا تعلمون ( ذلك ولو علمتموه لما جرأتم عليه فهو عليم للنهي أو أنه يعلم كنه الأشياء وأنتم لا تعلمونه فدعوا رأيكم دون نصه ويجوز أن يراد فلا تضربوا لله الأمثال فإنه يعلم كيف تضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون ثم علمهم كيف يضرب فضرب مثلا لنفسه ولمن عبد دونه فقال(3/411)
" صفحة رقم 412 "
النحل : ( 75 ) ضرب الله مثلا . . . . .
) ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون ( مثل ما يشرك به بالمملوك العاجز عن التصرف رأسا ومثل نفسه بالحر المالك الذي رزقه الله مالا كثيرا فهو يتصرف فيه وينفق منه كيف يشاء واحتج بامتناع الاشتراك والتسوية بينهما مع تشاركهما في الجنسية والمخلوقية على امتناع التسوية بين الأصنام التي هي أعجز المخلوقات وبين الله الغني القادر على الإطلاق وقيل هو تمثيل للكافر المخذول والمؤمن الموفق وتقييد العبد بالمملوكية للتمييز عن الحر فإنه أيضا عبد الله وبسلب القدرة للتمييز عن المكاتب والمأذون وجعله قسيما للمالك المتصرف يدل على أن المملوك لا يملك والأظهر أن ) من ( نكرة موصوفة ليطابق ) عبدا ( وجمع الضمير في ) يستوون ( لأنه للجنسين فإن المعنى هل يستوي الأحرار والعبيد ) الحمد لله ( كل الحمد له لا يستحقه غيره فضلا عن العبادة لأنه مولى النعم كلها ) بل أكثرهم لا يعلمون ( فيضيفون نعمة إلى غيره ويعبدونه لأجلها
النحل : ( 76 ) وضرب الله مثلا . . . . .
) وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم ( ولد أخرس لا يفهم ولا يفهم ) لا يقدر على شيء ( من الصنائع والتدابير لنقصان عقله ) وهو كل على مولاه ( عيال وثقل على من يلي أمره ) أينما يوجهه ( حيثما يرسله مولاه في أمر وقرئ / يوجه / على البناء للمفعول و / يوجه / بمعنى يتوجه كقوله أينما أوجه ألق سعدا وتوجه بلفظ الماضي ) لا يأت بخير ( ينجح وكفاية مهم ) هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل ( ومن هو فهم منطيق ذو كفاية ورشد ينفع الناس بحثهم على العدل الشامل لمجامع الفضائل ) وهو على صراط مستقيم ( وهو في نفسه على طريق مستقيم لا يتوجه إلى مطلب إلا ويبلغه بأقرب سعي وإنما قابل تلك الصفات بهذين الوصفين لأنهما كمال ما يقابلهما وهذا تمثيل ثان ضربه الله تعالى لنفسه وللأصنام لإبطال المشاركة بينه وبينها أو للمؤمن والكافر
النحل : ( 77 ) ولله غيب السماوات . . . . .
) ولله غيب السماوات والأرض ( يختص به علمه لا يعلمه غيره وهو ما غاب فيهما عن العباد بأن لم يكن محسوسا ولم يدل عليه محسوس وقيل يوم القيامة فإن علمه غائب عن أهل السموات والأرض ) وما أمر الساعة ( وما أمر قيام الساعة في سرعته وسهولته(3/412)
" صفحة رقم 413 "
) إلا كلمح البصر ( إلا كرجع الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها ) أو هو أقرب ( أو أمرها أقرب منه بأن يكون في زمان نصف تلك الحركة بل الآن الذي تبتدئ فيه فإنه تعالى يحيي الخلائق ودفعة وما يوجد دفعة كان في آن و ) أو ( للتخيير أو بمعنى بل وقيل معناه أن قيام الساعة وإن تراخى فهو عند الله كالشيء الذي تقولون فيه هو كلمح البصر أو هو أقرب مبالغة في استقرابه ) إن الله على كل شيء قدير ( فيقدر أن يحيي الخلائق دفعة كما قدر أن أحياهم متدرجا
النحل : ( 78 ) والله أخرجكم من . . . . .
ثم دل على قدرته فقال ) والله أخرجكم من بطون أمهاتكم ( وقرأ الكسائي بكسر الهمزة على أنه لغة أو إتباع لما قبلها وحمزة بكسرها وكسر الميم والهاء مزيدة مثلها في أهراق ) لا تعلمون شيئا ( جهالا مستصحبين جهل الجمادية ) وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ( أداة تتعلمون بها فتحسون بمشاعركم جزيئات الأشياء فتدركونها ثم تتنبهون بقلوبكم لمشاركات ومباينات بينها بتكرر الإحساس حتى تتحصل لكم العلوم البديهية وتتمكنوا من تحصيل المعالم الكسبية بالنظر فيها ) لعلكم تشكرون ( كي تعرفوا ما أنعم عليكم طورا بعد طور فتشكروه
النحل : ( 79 ) ألم يروا إلى . . . . .
) ألم يروا إلى الطير ( قرأ ابن عامر وحمزة ويعقوب بالتاء على أنه خطاب للعامة ) مسخرات ( مذللات للطيران بما خلق لها من الأجنحة والأسباب المؤاتية له ) في جو السماء ( في الهواء المتباعد من الأرض ) ما يمسكهن ( فيه ) إلا الله ( فإن ثقل جسدها يقتضي سقوطها ولا علاقة فوقها ولا دعامة تحتها تمسكها ) إن في ذلك لآيات ( تسخير الطير للطيران بأن خلقها خلقة يمكن معها الطيران وخلق الجو بحيث يمكن الطيران فيه وإمساكها في الهواء على خلاف طبعها ) لقوم يؤمنون ( لأنهم هم المنتفعون بها
النحل : ( 80 ) والله جعل لكم . . . . .
) والله جعل لكم من بيوتكم سكنا ( موضعا تسكنون فيه وقت إقامتكم كالبيوت المتخذة من الحجر والمدر فعل بمعنى مفعول ) وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا ( هي(3/413)
" صفحة رقم 414 "
القباب المتخذة من الأدم ويجوز أن يتناول المتخذة من الوبر والصوف والشعر فإنها من حيث إنها نباتة على جلودها يصدق عليها أنها من جلودها ) تستخفونها ( تجدونها خفيفة يخف عليكم حملها ونقلها ) يوم ظعنكم ( وقت ترحالكم ) ويوم إقامتكم ( ووضعها أو ضربها وقت الحضر أو النزول وقرأ الحجازيان والبصريان ) يوم ظعنكم ( بالفتح وهو لغة فيه ) ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها ( الصوف للضائنة والوبر للإبل والشعر للمعز وإضافتها إلى ضمير ) الأنعام ( لأنها من جملتها ) أثاثا ( ما يلبس ويفرش ) ومتاعا ( ما يتجر به ) إلى حين ( إلى مدة من الزمان فإنها لصلابتها تبقى مدة مديدة أو إلى حين مماتكم أو إلى أن تقضوا منه أوطاركم
النحل : ( 81 ) والله جعل لكم . . . . .
) والله جعل لكم مما خلق ( من الشجر والجبل والأبنية وغيرها ) ظلالا ( تتقون بها حر الشمس ) وجعل لكم من الجبال أكنانا ( مواضع تسكنون بها من الكهوف والبيوت المنحوتة فيها جمع كن ) وجعل لكم سرابيل ( ثيابا من الصوف والكتان والقطن وغيرها ) تقيكم الحر ( خصه بالذكر اكتفاء بأحد الضدين أو لأن وقاية الحر كانت أهم عندهم ) وسرابيل تقيكم بأسكم ( يعني الدروع والجواشن والسربال يعم كل ما يلبس ) كذلك ( كإتمام هذه النعم التي تقدمت ) يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون ( أي تنظرون في نعمه فتؤمنون به وتنقادون لحكمه وقرئ ) تسلمون ( من السلامة أي تشكرون فتسلمون من العذاب أو تنظرون فيها فتسلمون من الشرك وقيل ) تسلمون ( من الجراح بلبس الدروع
النحل : ( 82 ) فإن تولوا فإنما . . . . .
) فإن تولوا ( أعرضوا ولم يقبلوا منك ) فإنما عليك البلاغ المبين ( فلا يضرك فإنما عليك البلاغ وقد بلغت وهذا من إقامة السبب مقام المسبب
النحل : ( 83 ) يعرفون نعمة الله . . . . .
) يعرفون نعمة الله ( أي يعرف المشركون نعمة الله التي عددها عليهم وغيرها حيث يعترفون بها وبأنها من الله تعالى ) ثم ينكرونها ( بعبادتهم غير المنعم بها وقولهم إنها بشفاعة آلهتنا أو بسبب كذا أو بإعراضهم عن أداء حقوقها وقيل نعمة الله نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) (3/414)
" صفحة رقم 415 "
عرفوها بالمعجزات ثم أنكروها عنادا ومعنى ثم استبعاد الإنكار بعد المعرفة ) وأكثرهم الكافرون ( الجاحدون عنادا وذكر الأكثر إما لأن بعضهم لم يعرف الحق لنقصان العقل أو التفريط في النظر أو لم تقم عليه الحجة لأنه لم يبلغ حد التكليف وإما لأنه يقام مقام الكل كما في قوله ) بل أكثرهم لا يعلمون )
النحل : ( 84 ) ويوم نبعث من . . . . .
) ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ( وهو نبيها يشهد لهم وعليهم بالإيمان والكفر ) ثم لا يؤذن للذين كفروا ( في الاعتذار إذ لا عذر لهم وقيل في الرجوع إلى الدنيا و ) ثم ( لزيادة ما يحيق بهم من شدة المنع عن الاعتذار لما فيه من الإقناط الكلي على ما يمنون به من شهادة الأنبياء ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولا هم يستعتبون ( ولا هم يسترضون من العتبى وهي الرضا وانتصاب يوم بمحذوف تقديره اذكر أو خوفهم أو يحيق بهم ما يحيق وكذا قوله
النحل : ( 85 ) وإذا رأى الذين . . . . .
) وإذا رأى الذين ظلموا العذاب ( عذاب جهنم ) فلا يخفف عنهم ( أي العذاب ) ولا هم ينظرون ( يمهلون
النحل : ( 86 ) وإذا رأى الذين . . . . .
) وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم ( أوثانهم التي ادعوها شركاء أو الشياطين الذين شاركوهم في الكفر بالحمل عليه ) قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك ( نعبدهم أو نطيعهم وهو اعتراف بأنهم كانوا مخطئين في ذلك أو التماس لأن يشطر عذابهم ) فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون ( أي أجابوهم بالتكذيب في أنهم شركاء الله أو أنهم ما عبدونهم حقيقة وإنما عبدوا أهواءهم كقوله تعالى ) كلا سيكفرون بعبادتهم ( ولا يمتنع إنطاق الله الأصنام به حينئذ أو في أنهم حملوهم على الكفر وألزموهم إياه كقوله ) وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ((3/415)
" صفحة رقم 416 "
النحل : ( 87 ) وألقوا إلى الله . . . . .
) وألقوا ( وألقى الذين ظلموا ) إلى الله يومئذ السلم ( الاستسلام لحكمه بعد الاستكبار في الدنيا ) وضل عنهم ( وضاع عنهم وبطل ) ما كانوا يفترون ( من أن آلهتهم ينصرونهم ويشفعون لهم حين كذبوهم وتبرؤوا منهم
النحل : ( 88 ) الذين كفروا وصدوا . . . . .
) الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ( بالمنع عن الإسلام والحمل على الكفر ) زدناهم ( آية لصدهم ) فوق العذاب ( المستحق بكفرهم ) بما كانوا يفسدون ( بكونهم مفسدين بصدهم
النحل : ( 89 ) ويوم نبعث في . . . . .
) ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم ( يعني نبيهم فإن نبي كل أمة بعث منهم ) وجئنا بك ( يا محمد ) شهيدا على هؤلاء ( على أمتك ) ونزلنا عليك الكتاب ( استئناف أو حال بإضمار قد ) تبيانا ( بيانا بليغا ) لكل شيء ( من أمور الدين على المحروم من تفريطه ) وبشرى للمسلمين ( خاصة
النحل : ( 90 ) إن الله يأمر . . . . .
) إن الله يأمر بالعدل ( بالتوسط في الأمور اعتقادا كالتوحيد المتوسط بين التعطيل والتشريك والقول بالكسب المتوسط بين محض الجبر والقدر وعملا كالتعبد بأداء الواجبات المتوسط بين البطالة والترهب وخلقا كالجود المتوسط بين البخل والتبذير ) والإحسان ( إحسان الطاعات وهو إما بحسب الكمية كالتطوع بالنوافل أو بحسب الكيفية كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) وإيتاء ذي القربى ( وإعطاء الأقارب ما يحتاجون إليه وهو تخصيص بعد تعميم للمبالغة ) وينهى عن الفحشاء ( عن الإفراط في متابعة القوة الشهوية كالزنى فإنه أقبح أحوال الإنسان وأشنعها ) والمنكر ( ما ينكر على متعاطيه في إثارة القوة الغضبية(3/416)
" صفحة رقم 417 "
) والبغي ( والاستعلاء والاستيلاء على الناس والتجبر عليهم فإنها الشيطنة التي هي مقتضى القوة الوهمية ولا يوجد من الإنسان شر إلا وهو مندرج في هذه الأقسام صادر بتوسط إحدى هذه القوى الثلاث ولذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه هي أجمع آية في القرآن للخير والشر وصارت سبب إسلام عثمان بن مظعون رضي الله تعالى عنه ولو لم يكن في القرآن غير هذه الآية لصدق عليه أنه تبيان لكل شيء وهدى ورحمة للعالمين ولعل إيرادها عقب قوله ) ونزلنا عليك الكتاب ( للتنبيه عليه ) يعظكم ( بالأمر والنهي والميز بين الخير والشر ) لعلكم تذكرون ( تتعظون
النحل : ( 91 ) وأوفوا بعهد الله . . . . .
) وأوفوا بعهد الله ( يعني البيعة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لقوله تعالى ) إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ( وقيل كل أمر يجب الوفاء به ولا يلائمه قوله ) إذا عاهدتم ( وقيل النذور وقيل الإيمان بالله ) ولا تنقضوا الأيمان ( أي أيمان البيعة أو مطلق الأيمان ) بعد توكيدها ( بعد توثيقها بذكر الله تعالى ومنه أكد بقلب الواو همزة ) وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ( شاهدا بتلك البيعة فإن الكفيل مراع لحال المكفول به رقيب عليه ) إن الله يعلم ما تفعلون ( من نقض الأيمان والعهود
النحل : ( 92 ) ولا تكونوا كالتي . . . . .
) ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها ( ما غزلته مصدر بمعنى المفعول ) من بعد قوة ( متعلق ب ) نقضت ( أي نقضت غزلها من بعد إبرام وإحكام ) أنكاثا ( طاقات نكث فتلها جمع نكث وانتصابه على الحال من ) غزلها ( أو المفعول الثاني لنقضت فإنه بمعنى صيرت والمراد به تشبيه الناقض بمن هذا شأنه وقيل هي ريطة بنت سعد بن تيم القرشية فإنها كانت خرقاء تفعل ذلك ) تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ( حال من الضمير في ) ولا تكونوا ( أو في الجار الواقع موقع الخبر أي لا تكونوا متشبهين بامرأة هذا شأنها متخذي أيمانكم مفسدة ودخلا بينكم وأصل الدخل ما يدخل الشيء ولم يكن منه ) أن تكون أمة هي أربى من أمة ( لأن تكون جماعة أزيد عددا وأوفر مالا من جماعة والمعنى لا تغدروا(3/417)
" صفحة رقم 418 "
بقوم لكثرتكم وقلتهم أو لكثرة منابذتهم وقوتهم كقريش فإنهم كانوا إذا رأوا شوكة في أعادي حلفائهم نقضوا عهدهم وحالفوا أعداءهم ) إنما يبلوكم الله به ( الضمير لأن تكون أمة لأنه بمعنى المصدر أي يختبركم بكونهم أربى لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله وبيعة رسوله أم تغترون بكثرة قريش وشوكتهم وقلة المؤمنين وضعفهم وقيل الضمير للرياء وقيل للأمر بالوفاء ) وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ( إذا جازاكم على أعمالكم بالثواب والعقاب
النحل : ( 93 ) ولو شاء الله . . . . .
) ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ( متفقة على الإسلام ) ولكن يضل من يشاء ( بالخذلان ) ويهدي من يشاء ( بالتوفيق ) ولتسألن عما كنتم تعملون ( سؤال تبكيت ومجازاة
النحل : ( 94 ) ولا تتخذوا أيمانكم . . . . .
) ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم ( تصريح بالنهي عنه بعد التضمين تأكيدا ومبالغة في قبح المنهي ) فتزل قدم ( أي عن محجة الإسلام ) بعد ثبوتها ( عليها والمراد أقدامهم وإنما وحد ونكر للدلالة على أن زلل قدم واحدة عظيم فكيف بأقدام كثيرة ) وتذوقوا السوء ( العذاب في الدنيا ) بما صددتم عن سبيل الله ( بصدكم عن الوفاء أو صدكم غيركم عنه فإن من نقض البيعة وارتد جعل ذلك سنة لغيره ) ولكم عذاب عظيم ( في الآخرة
النحل : ( 95 ) ولا تشتروا بعهد . . . . .
) ولا تشتروا بعهد الله ( ولا تستبدلوا عهد الله وبيعة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ثمنا قليلا ( عرضا يسيرا وهو ما كانت قريش يعدون لضعفاء المسلمين ويشترطون لهم على الارتداد ) إنما عند الله ( من النصر والتغنيم في الدنيا والثواب في الآخرة ) هو خير لكم ( مما يعدونكم ) إن كنتم تعلمون ( إن كنتم من أهل العلم والتمييز
النحل : ( 96 ) ما عندكم ينفد . . . . .
) ما عندكم ( من أعراض الدنيا ) ينفد ( ينقضي ويفنى ) وما عند الله ( من خزائن رحمته ) باق ( لا ينفذ وهو تعليل للحكم السابق ودليل على أن نعيم أهل الجنة باق ) ولنجزين الذين صبروا أجرهم ( على الفاقة وأذى الكفار أو على مشاق التكاليف وقرأ ابن كثير وعاصم بالنون ) بأحسن ما كانوا يعملون ( بما يرجع فعله من أعمالهم كالواجبات والمندوبات أو بجزاء أحسن من أعمالهم
النحل : ( 97 ) من عمل صالحا . . . . .
) من عمل صالحا من ذكر أو أنثى ( بينه بالنوعين دفعا للتخصيص ) وهو مؤمن ( إذ(3/418)
" صفحة رقم 419 "
لا اعتداد بأعمال الكفرة في استحقاق الثواب وإنما المتوقع عليها تخفيف العذاب ) فلنحيينه حياة طيبة ( في الدنيا يعيش عيشا طيبا فإنه إن كان موسرا فظاهر وإن كان معسرا يطيب عيشه بالقناعة والرضا بالقسمة وتوقع الأجر العظيم في الآخرة بخلاف الكافر فإنه إن كان معسرا فظاهر وإن كان موسرا لم يدعه الحرص وخوف الفوات أن يتهنأ بعيشه وقيل في الآخرة ) ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ( من الطاعة
النحل : ( 98 ) فإذا قرأت القرآن . . . . .
) فإذا قرأت القرآن ( إذا أدرت قراءته كقوله تعالى ) إذا قمتم إلى الصلاة ( ) فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ( فاسأل الله أن يعيذك من وساوسه لئلا يوسوسك في القراءة والجمهور على أنه للاستحباب وفيه دليل على أن المصلي يستعيذ في كل ركعة لأن الحكم المترتب على شرط يتكرر بتكرره قياسا وتعقيبه لذكر العمل الصالح والوعد عليه إيذان بأن الاستعاذة عند القراءة من هذا القبيل وعن ابن مسعود قرأت على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقلت أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم فقال قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أقرأنيه جبريل عن القلم عن اللوح المحفوظ
النحل : ( 99 ) إنه ليس له . . . . .
) إنه ليس له سلطان ( تسلط وولاية ) على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ( على أولياء الله تعالى المؤمنين به والمتوكلين عليه فإنهم لا يطيعون أوامره ولا يقبلون وساوسه إلا فيما يحتقرون على ندور وغفلة ولذلك أمروا بالاستعاذة فذكر السلطنة بعد الأمر بالاستعاذة لئلا يتوهم منه أن له سلطانا
النحل : ( 100 ) إنما سلطانه على . . . . .
) إنما سلطانه على الذين يتولونه ( يحبونه ويطيعونه ) والذين هم به ( بالله أو بسبب الشيطان ) مشركون )
النحل : ( 101 ) وإذا بدلنا آية . . . . .
) وإذا بدلنا آية مكان آية ( بالنسخ فجعلنا الآية الناسخة مكان المنسوخة لفظا أو(3/419)
" صفحة رقم 420 "
حكما ) والله أعلم بما ينزل ( من المصالح فلعل ما يكون مصلحة في وقت يصير مفسدة بعده فينسخه وما لا يكون مصلحة حينئذ يكون مصلحة الآن فيثبته مكانه وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ) ينزل ( بالتخفيف ) قالوا ( أي الكفرة ) إنما أنت مفتر ( متقول على الله تأمر بشيء ثم يبدو لك فتنهى عنه وجواب ) إذا ( ) والله أعلم بما ينزل ( اعتراض لتوبيخ الكفار على قولهم والتنبيه على فساد سندهم ويجوز أن يكون حالا ) بل أكثرهم لا يعلمون ( حكمة الأحكام ولا يميزون الخطأ من الصواب
النحل : ( 102 ) قل نزله روح . . . . .
) قل نزله روح القدس ( يعني جبريل ( صلى الله عليه وسلم ) وإضافة الروح إلى القدس وهو الطهر كقولهم حاتم الجود وقرأ ابن كثير ) روح القدس ( بالتخفيف وفي ) ينزل ( و ) نزله ( تنبيه على أن إنزاله مدرجا على حسب المصالح بما يقتضي التبديل ) من ربك بالحق ( ملتبسا بالحكمة ) ليثبت الذين آمنوا ( ليثبت الله الذين آمنوا على الإيمان بأنه كلامه وأنهم إذا سمعوا الناسخ وتدبروا ما فيه من رعاية الصلاح والحكمة رسخت عقائدهم واطمأنت قلوبهم ) وهدى وبشرى للمسلمين ( المنقادين لحكمه وهما معطوفان على محل ) ليثبت ( أي تثبيتا وهداية وبشارة وفيه تعريض بحصول أضداد ذلك لغيرهم وقرئ ) ليثبت ( بالتخفيف
النحل : ( 103 ) ولقد نعلم أنهم . . . . .
) ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر ( يعنون جبرا الرومي غلام عامر بن الحضرمي وقيل جبرا ويسارا كانا يصنعان السيوف بمكة ويقرآن التوراة والإنجيل وكان الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) يمر عليهما ويسمع ما يقرآنه وقيل عائشا غلام حويطب بن عبد العزى قد أسلم وكان صاحب كتب وقيل سلمان الفارسي ) لسان الذي يلحدون إليه أعجمي ( لغة الرجل الذي يميلون قولهم عن الاستقامة إليه مأخوذ من لحد القبر وقرأ حمزة والكسائي يلحدون بفتح الياء والحاء لسان أعجمي غير بين ) وهذا ( وهذا القرآن ) لسان عربي مبين ( ذو بيان وفصاحة والجملتان مستأنفتان لإبطال طعنهم وتقريره يحتمل وجهين أحدهما أن ما سمعه منه كلام أعجمي لا يفهمه هو ولا أنتم والقرآن عربي تفهمونه بأدنى(3/420)
" صفحة رقم 421 "
تأمل فكيف يكون ما تلقفه منه وثانيهما هب أنه تعلم من المعنى باستماع كلامه لكن لم يتلقف منه اللفظ لأن ذلك أعجمي وهذا عربي والقرآن كما هو معجز باعتبار المعنى فهو معجز من حيث اللفظ مع أن العلوم الكثيرة التي في القرآن لا يمكن تعلمها إلا بملازمة معلم فائق في تلك العلوم مدة متطاولة فكيف تعلم جميع ذلك من غلام سوقي سمع منه في بعض أوقات مروره عليه كلمات أعجمية لعلهما لم يعرفا معناها وطعنهم في القرآن بأمثال هذه الكلمات الركيكة دليل على غاية عجزهم
النحل : ( 104 ) إن الذين لا . . . . .
) إن الذين لا يؤمنون بآيات الله ( لا يصدقون أنها من عند الله ) لا يهديهم الله ( إلى الحق أو إلى سبيل النجاة وقيل إلى الجنة ) ولهم عذاب أليم ( في الآخرة هددهم على كفرهم بالقرآن بعدما أماط شبهتهم ورد طعنهم فيه
النحل : ( 105 ) إنما يفتري الكذب . . . . .
ثم قلب الأمر عليهم فقال ) إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله ( لأنهم لا يخافون عقابا يردعهم عنه ) وأولئك ( إشارة إلى الذين كفروا أو إلى قريش ) هم الكاذبون ( أي الكاذبون على الحقيقة أو الكاملون في الكذب لأن تكذيب آيات الله والطعن فيها بهذه الخرافات أعظم الكذب أو الذين عادتهم الكذب لا يصرفهم عنه دين ولا مروءة أو الكاذبون في قولهم ) إنما أنت مفتر ( ) إنما يعلمه بشر )
النحل : ( 106 ) من كفر بالله . . . . .
) من كفر بالله من بعد إيمانه ( بدل من الذين لا يؤمنون وما بينهما اعتراض أو من ) أولئك ( أو من ) الكاذبون ( أو مبتدأ خبره محذوف دل عليه قوله ) فعليهم غضب ( ويجوز أن ينتصب بالذم وان تكون من شرطية محذوفة الجواب دل عليه قوله ) إلا من أكره ( على الافتراء أو كلمة الكفر استثناء متصل لأن الكفر لغة يعم القول والعقد كالإيمان ) وقلبه مطمئن بالإيمان ( لم تتغير عقيدته وفيه دليل على أن الإيمان هو التصديق بالقلب ) ولكن من شرح بالكفر صدرا ( اعتقده وطاب به نفسا ) فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ((3/421)
" صفحة رقم 422 "
إذ لا أعظم من جرمه روي أن قريشا أكرهوا عمرا وأبويه يا سرا وسمية على الارتداد فربطوا سمية بين بعيرين وجيء بحربة في قبلها وقالوا انك اسلمت من اجل الرجال فقتلت وقتلوا ياسرا وهما أول قتيلين في الإسلام وأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا مكرها فقيل يا رسول الله إن عمارا كفر فقال كلا إن عمارا ملئ ايمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه فأتى عمار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو يبكي فجعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يمسح عينيه ويقول ما لك أن عادوا لك فعد لهم بما قلت وهو دليل على جواز التكلم بالكفر عند الاكراه وان كان الأفضل أن يتجنب عنه اعزازا للدين كما فعه ابواه لما روي أن مسيلمة اخذ رجلين فقال لاحدهما ما تقول في محمد قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال فما تقول في فقال أنت أيضا فخلاه وقال للآخر ما تقول في محمد قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال فما تقول في قال أنا اصم فاعاد جوابه فقتله فبلغ ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أما الأول فقد اخذ برخصة الله واما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئا له
النحل : ( 107 ) ذلك بأنهم استحبوا . . . . .
) ذلك ( إشارة إلى الكفر بعد الإيمان أو الوعيد ) بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة ( بسبب انهم آثروها عليها ) وأن الله لا يهدي القوم الكافرين ( أي الكافرين في علمه إلى ما يوجب ثبات الإيمان ولا يعصمهم من الزيغ
النحل : ( 108 ) أولئك الذين طبع . . . . .
) أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ( فأبت عن ادراك الحق والتأمل فيه ) وأولئك هم الغافلون ( الكاملون في الغفلة إذ اغفلتهم الحالة الراهنة عن تدبر العواقب
النحل : ( 109 ) لا جرم أنهم . . . . .
) لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون ( إذ ضيعوا اعمارهم وصرفوها فيما افضى بهم إلى العذاب المخلد
النحل : ( 110 ) ثم إن ربك . . . . .
) ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ( أي عذبوا كعمار رضي الله تعالى عنه بالولاية والنصر و ) ثم ( لتباعد حال هؤلاء عن حال أولئك وقرأ ابن عامر فتنوا بالفتح(3/422)
" صفحة رقم 423 "
أي من بعد ما عذبوا المؤمنين كالحضرمي اكره مولاه جبرا حتى ارتد ثم اسلم وهاجر ) ثم جاهدوا وصبروا ( على الجهاد وما اصابهم من المشاق ) إن ربك من بعدها ( من بعد الهجرة والجهاد والصبر ) لغفور ( لما فعلوا قبل ) رحيم ( منعم عليهم مجازاة على ما صنعوا بعد
النحل : ( 111 ) يوم تأتي كل . . . . .
) يوم تأتي كل نفس ( منصوب ب ) رحيم ( أو باذكر ) تجادل عن نفسها ( تجادل عن ذاتها وتسعى في خلاصها لا يهمها شأن غيرها فتقول نفسي نفسي ) وتوفى كل نفس ما عملت ( جزاء ما عملت ) وهم لا يظلمون ( لا ينقصون اجورهم
النحل : ( 112 ) وضرب الله مثلا . . . . .
) وضرب الله مثلا قرية ( أي جعلها مثلا لكل قوم انعم الله عليهم فأبطرتهم النعمة فكفروا فأنزل الله بهم نقمته أو لمكة ) كانت آمنة مطمئنة ( لا يزعج أهلها خوف ) يأتيها رزقها ( اقواتها ) رغدا ( واسعا ) من كل مكان ( من نواحيها ) فكفرت بأنعم الله ( بنعمه جمع نعة على ترك الاعتداد بالتاء كدرح وأدرع أو جمع نعم كبؤس وأبؤس ) فأذاقها الله لباس الجوع والخوف ( استعار الذوق لإدراك اثر الضرر واللباس لما غشيهم واشتمل عليهم من الجوع والخوف واوقع الاذاقة عليه بالنظر إلى المستعار له كقول كثير " غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا علقت لضحكته رقاب المال " فإنه استعار الرداء للمعروف لأنه يصون عرض صاحبه صون الرداء لما يلقى عليه واضاف إليه الغمر الذي هو وصف المعروف والنوال لا وصف الرداء نظرا إلى المستعار له وقد ينظر إلى المستعار كقوله " ينا زعني ردائي عبد عمر رويدك يا اخا عمرو بن بكر " " لي الشطر الذي ملكت يميني ودونك فاعتجز منه بشطر " استعار الرداء لسيفه ثم قال فاعتجر نظرا إلى المستعار ) بما كانوا يصنعون ( بصنيعهم
النحل : ( 113 ) ولقد جاءهم رسول . . . . .
) ولقد جاءهم رسول منهم ( يعني محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) والضمير لأهل مكة عاد إلى ذكرهم بعد ما ذكر مثلهم ) فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون ( أي حال التباسهم بالظلم والعذاب ما اصابهم من الجدب الشديد أو وقعة بدر(3/423)
" صفحة رقم 424 "
النحل : ( 114 ) فكلوا مما رزقكم . . . . .
) فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا ( أمرهم بأكل ما احل الله لهم وشكر ما انعم عليهم بعدما زجرهم عن الكفر وهددهم عليه بما ذكر من التمثيل والعذاب الذي حل بهم صدا لهم عن صنيع الجاهلية ومذاهبها الفاسدة ) واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون ( تطيعون أو إن صح زعمكم انكم تقصدون بعبادة الالهة عبادته
النحل : ( 115 ) إنما حرم عليكم . . . . .
) إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم ( لما أمرهم بتناول ما احل لهم عدد عليهم محرماته ليعلم أن ما عداها حل لهم
النحل : ( 116 - 117 ) ولا تقولوا لما . . . . .
ثم اكد ذلك بالنهي عن التحريم والتحليل بأهوائهم فقال ) ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام ( كما قالوما ) ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ( الآية ومقتضى سياق الكلام وتصدير الجملة بإنما حصر المحرمات في الاجناس الأربعة إلا ما ضم إليه دليل كالسباع والحمر الأهلية وانتصاب ) الكذب ( ب ) لا تقولوا ( و ) هذا حلال وهذا حرام ( بدل منه أو متعلق بتصف على إرادة القول أي ولا تقولوا الكذب لما تصفه السنتكم فتقولوا هذا حلال وهذا حرام أو مفعول ) لا تقولوا ( و ) الكذب ( منتصب ب ) تصف ( وما مصدرية أي ولا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب أي لا تحرموا ولا تحللوا بمجرد قول تنطق به ألسنتكم من غير دليل ووصف ألسنتهم الكذب مبالغة في وصف كلامهم بالكذب كأن حقيقة الكذب كانت مجهولة وألسنتكم تصفها وتعرفها بكلامهم هذا ولذلك عدد من تصحيح الكلام كقولهم وجهها يصف الجمال وعينها تصف السحر وقرئ ) الكذب ( بالجر بدلا من ) ما ( و ) الكذب ( جمع كذوب أو كذاب بالرفع صفة للألسنة وبالنصب على الذم أو بمعنى الكلم الكواذب ) لتفتروا على الله الكذب ( تعليل لا يتضمن الغرض ) إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ( لما كان المفتري يفتري لتحصيل مطلوب نفي عنهم الفلاح وبينه بقوله ) متاع قليل ( أي ما يفترون لأجله أو ما هم فيه منفعة قليلة تنقطع عن قريب ) ولهم عذاب أليم ( في الآخرة
النحل : ( 118 ) وعلى الذين هادوا . . . . .
) وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك ( أي في سورة الأنعام في قوله ) وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ( ) من قبل ( متعلق ب ) قصصنا ( أو ب(3/424)
" صفحة رقم 425 "
) حرمنا ( ) وما ظلمناهم ( بالتحريم ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( حيث فعلوا ما عوقبوا به عليه وفيه تنبيه على الفرق بينهم وبين غيرهم في التحريم وأنه كما يكون للمضرة يكون للعقوبة
النحل : ( 119 ) ثم إن ربك . . . . .
) ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ( بسببها أو ملتبسين بها ليعم الجهل بالله وبعقابه وعدم التدبر في العواقب لغلبة الشهوة والسوء يعم الافتراء على الله وغيره ) ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها ( من بعد التوبة ) لغفور ( لذلك السوء ) رحيم ( يثيب على الإنابة
النحل : ( 120 ) إن إبراهيم كان . . . . .
) إن إبراهيم كان أمة ( لكماله واستجماعه فضائل لا تكاد توجد إلا مفرقة في أشخاص كثيرة كقوله " ليس من الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد " وهو رئيس الموحدين وقدوة المحققين الذي جادل فرق المشركين وأبطل مذاهبهم الزائغة بالحجج الدامغة ولذلك عقب ذكره بتزييف مذاهب المشركين من الشرك والطعن في النبوة وتحريم ما أحله أو لأنه كان وحده مؤمنا وكان سائر الناس كفارا وقيل هي فعلة بمعنى مفعول كالرحلة والنخبة من أمه إذا قصده أو اقتدى به فإن الناس كانوا يؤمونه(3/425)
" صفحة رقم 426 "
للاستفادة ويقتدون بسيرته كقوله ) إني جاعلك للناس إماما ( ) قانتا لله ( مطيعا له قائما بأوامره ) حنيفا ( مائلا عن الباطل ) ولم يك من المشركين ( كما زعموا فإن قريشا كانوا يزعمون أنهم على ملة إبراهيم
النحل : ( 121 ) شاكرا لأنعمه اجتباه . . . . .
) شاكرا لأنعمه ( ذكر بلفظ القلة للتنبيه على أنه كان لا يخل بشكر النعم القليلة فكيف بالكثيرة ) اجتباه ( للنبوة ) وهداه إلى صراط مستقيم ( في الدعوة إلى الله ) وآتيناه في الدنيا حسنة ( بأن حببه إلى الناس حتى أن أرباب الملل يتولونه ويثنون عليه ورزقه أولادا طيبة وعمرا طويلا في السعة والطاعة
النحل : ( 122 ) وآتيناه في الدنيا . . . . .
) وإنه في الآخرة لمن الصالحين ( لمن أهل الجنة كما سأله بقوله ) وألحقني بالصالحين )
النحل : ( 123 ) ثم أوحينا إليك . . . . .
) ثم أوحينا إليك ( يا محمد و ) ثم ( إما لتعظيمه والتنبيه على أن أجل ما أوتي إبراهيم اتباع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ملته أو لتراخي أيامه ) أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ( في التوحيد والدعوة إليه بالرفق وإيراد الدلائل مرة بعد أخرى والمجادلة مع كل أحد على حسب فهمه ) وما كان من المشركين ( بل كان قدوة الموحدين
النحل : ( 124 ) إنما جعل السبت . . . . .
) إنما جعل السبت ( تعظيم السبت أو التخلي فيه للعبادة ) على الذين اختلفوا فيه ( أي على نبيهم وهم اليهود أمرهم موسى ( صلى الله عليه وسلم ) أن يتفرغوا للعبادة يوم الجمعة فأبوا وقالوا نريد يوم السبت لأنه تعالى فرغ فيه من خلق السموات والأرض فألزمهم الله السبت وشدد الأمر عليهم وقيل معناه إنما جعل وبال السبت وهو المسخ على الذين اختلفوا فيه فأحلوا الصيد فيه تارة وحرموه أخرى واحتالوا له الحيل وذكرهم هنا لتهديد المشركين كذكر القرية التي كفرت بأنعم الله ) وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ( بالمجازاة على الاختلاف أو بمجازاة كل فريق بما يستحقه
النحل : ( 125 ) ادع إلى سبيل . . . . .
) ادع ( من بعثت إليهم ) إلى سبيل ربك ( إلى الإسلام ) بالحكمة ( بالمقالة المحكمة وهو الدليل الموضح للحق المزيح للشبهة ) والموعظة الحسنة ( الخطابات المقنعة والعبر النافعة فالأولى لدعوة خواص الأمة الطالبين للحقائق والثانية لدعوة عوامهم ) وجادلهم ( وجادل معانديهم ) بالتي هي أحسن ( بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين وإيثار الوجه الأيسر والمقدمات التي هي أشهر فإن ذلك(3/426)
" صفحة رقم 427 "
أنفع في تسكين لهبهم وتبيين شغبهم ) إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ( أي إنما عليك البلاغ والدعوة وأما حصول الهداية والضلال والمجازاة عليهما فلا إليك بل الله أعلم بالضالين والمهتدين وهو المجازي لهم
النحل : ( 126 ) وإن عاقبتم فعاقبوا . . . . .
) وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ( لما أمره بالدعوة وبين له طرقها أشار إليه وإلى من يتابعه بترك المخالفة ومراعاة العدل مع من يناصبهم فإن الدعوة لا تنفك عنه من حيث إنها تتضمن رفض العادات وترك الشهوات والقدح في دين الأسلاف والحكم عليهم بالكفر والضلال وقيل إنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما رأى حمزة وقد مثل به فقال والله لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بسبعين مكانك فنزلت فكفر عن يمينه وفيه دليل على أن للمقتص أن يماثل الجاني وليس له أن يجاوزه وحث على العفو تعريضا بقوله ) وإن عاقبتم ( وتصريحا على الوجه الآكد بقوله ) ولئن صبرتم لهو ( أي الصبر ) خير للصابرين ( من الانتقام للمنتقمين
النحل : ( 127 ) واصبر وما صبرك . . . . .
ثم صرح بالأمر به لرسوله لأنه أولى الناس به لزيادة علمه بالله ووثوقه عليه فقال ) واصبر وما صبرك إلا بالله ( إلا بتوفيقه وتثبيته ) ولا تحزن عليهم ( على الكافرين أو على المؤمنين وما فعل بهم ) ولا تك في ضيق مما يمكرون ( في ضيق صدر من مكرهم وقرأ ابن كثير في ) ضيق ( بالكسر هنا وفي النمل وهما لغتان كالقول والقيل ويجوز أن يكون الضيق تخفيف ضيق(3/427)
" صفحة رقم 428 "
النحل : ( 128 ) إن الله مع . . . . .
) إن الله مع الذين اتقوا ( المعاصي ) والذين هم محسنون ( في أعمالهم بالولاية والفضل أو مع الذين اتقوا الله بتعظيم أمره والذين هم محسنون بالشفقة على خلقه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة النحل لم يحاسبه الله بما أنعم عليه في دار الدنيا وإن مات في يوم تلاها أو ليلة كان له من الأجر كالذي مات وأحسن الوصية(3/428)
" صفحة رقم 429 "
سورة الإسراء
مكية وقيل إلا قوله تعالى ) وإن كادوا ليفتنونك ( إلى آخر ثمان آيات وهي مائة وإحدى عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الإسراء : ( 1 ) سبحان الذي أسرى . . . . .
) سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ( سبحان اسم بمعنى التسبيح ) الذي ( هو التنزيه يستعمل علما له فيقطع عن الإضافة ويمنع عن الصرف قال " قد قلت لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر " وانتصابه بفعل متروك إظهاره وتصدير الكلام به للتنزيه عن العجز عما ذكر بعد و ) أسرى ( وسرى بمعنى و ) ليلا ( نصب على الظرف وفائدته الدلالة بتنكيره على تقليل مدة الإسراء ولذلك قرئ من ) الليل ( أي بعضه كقوله ) ومن الليل فتهجد به ((3/429)
" صفحة رقم 430 "
) من المسجد الحرام ( بعينه لما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر عند البيت بين النائم واليقظان إذ أتاني جبريل بالبراق أو من الحرم وسماه المسجد الحرام لأنه كله مسجد أو لأنه محيط به أو ليطابق المبدأ المنتهى لما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان نائما في بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسري به ورجع من ليلته وقص القصة عليها وقال مثل لي الأنبياء ( صلى الله عليه وسلم ) فصليت بهم ثم خرج إلى المسجد الحرام وأخبر به قريشا فتعجبوا منه استحالة وارتد ناس ممن آمن به وسعى رجال إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقال إن كان قال لقد صدق فقالوا أتصدقه على ذلك قال إني لأصدقه على أبعد من ذلك فسمي الصديق واستنعته طائفة سافروا إلى بيت المقدس فجلى له فطفق ينظر إليه وينعته لهم فقالوا أما النعت فقد أصاب فقالوا أخبرنا عن عيرنا فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها وقال تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق فخرجوا يشتدون إلى الثنية فصادفوا العير كما أخبر ثم لم يؤمنوا وقالوا ما هذا إلا سحر مبين وكان ذلك قبل الهجرة بسنة واختلف في أنه كان في(3/430)
" صفحة رقم 431 "
المنام أو في اليقظة بروحه أو بجسده والأكثر على أنه أسري بجسده إلى بيت المقدس ثم عرج به إلى السموات حتى انتهى إلى سدرة المنتهى ولذلك تعجب قريش واستحالوه والاستحالة مدفوعة بما ثبت في الهندسة أن ما بين طرفي قرص الشمس ضعف ما بين طرفي كرة الأرض مائة ونيفا وستين مرة ثم إن طرفها الأسفل يصل موضع طرفها الأعلى في أقل من ثانية وقد برهن في الكلام أن الأجسام متساوية في قبول الأعراض وأن الله قادر على كل الممكنات فيقدر أن يخلق مثل هذه الحركة السريعة في بدن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو فيما يحمله والتعجب من لوازم المعجزات ) إلى المسجد الأقصى ( بيت المقدس لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد ) الذي باركنا حوله ( ببركات الدين والدنيا لأنه مهبط الوحي ومتعبد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من لدن موسى عليه الصلاة والسلام ومحفوف بالانهار والاشجار ) لنريه من آياتنا ( كذهابه في برهة من الليل مسيرة شهر ومشاهدته بيت المقدس وتمثل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام له ووقوفه على مقاماتهم وصرف الكلام من الغيبة إلى التكلم لتعظيم تلك البركات والايات وقرئ ) ليريه ( بالياء ) إنه هو السميع ( لأقوال محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) البصير ( بأفعاله فيكرمه ويقربه على حسب ذلك
الإسراء : ( 2 ) وآتينا موسى الكتاب . . . . .
) وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا ( على أن لا تتخذوا كقولك كتبت إليك أن افعل كذا وقرأ أبو عمرو بالياء على ) ألا تتخذوا من دوني وكيلا ( ربا تكلون إليه اموركم غيري(3/431)
" صفحة رقم 432 "
الإسراء : ( 3 ) ذرية من حملنا . . . . .
) ذرية من حملنا مع نوح ( نصب على الاختصاص أو النداء أن قرى / أن لا تتخذوا / بالتاء على النهي يعني قلنا لهم لا تتخذوا من دوني وكيلا أو على انه أحد مفعولي ) لا تتخذوا ( و ) من دوني ( حال من ) وكيلا ( فيكون كقوله ) ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ( وقرئ بالرفع على انه خبر مبتدأ محذوف أو بدل من واو ) تتخذوا ( و ) ذرية ( بكسر الذال وفيه تذكير بأنعام الله تعالى عليهم في انجاء آبائهم من الغرق بحملهم مع نوح عليه السلام في السفينة ) أنه ( إن نوحا عليه السلام ) كان عبدا شكورا ( يحمد الله تعالى على مجامع حالاته وفيه ايماء بأن انجاءه ومن معه كان ببركة شكره وحث للذرية على الاقتداء به وقيل الضمير لموسى عليه الصلاة والسلام
الإسراء : ( 4 ) وقضينا إلى بني . . . . .
) وقضينا إلى بني إسرائيل ( واوحينا إليهم وحيا مقضيا مبتوتا ) في الكتاب ( في التوراة ) لتفسدن في الأرض ( جواب قسم محذوف أو قضينا على اجراء القضاء المبتوت مجرى القسم ) مرتين ( افسادتين اولاهما مخالفة احكام التوراة وقتل شيعاء وقيل ارمياء وثانيهما قتل زكريا ويحيى وقصد قتل عيسى عليه السلام ) ولتعلن علوا كبيرا ( ولتستكبرن عن طاعة الله تعالى أو لتظلمن الناس
الإسراء : ( 5 ) فإذا جاء وعد . . . . .
) فإذا جاء وعد أولاهما ( وعد عقاب اولاهما ) بعثنا عليكم عبادا لنا ( بختنصر عامل لهراسف على بابل وجنوده وقيل جالوت الجزري وقيل سنحاريب من أهل نينوى ) أولي بأس شديد ( ذوي قوة وبطش في الحرب شديد ) فجاسوا ( فترددوا لطلبكم وقرئ بالحاء المهملة وهما أخوان ) خلال الديار ( وسطها للقتل والغارة فقتلوا كبارهم وسبوا صغارهم وحرقوا التوراة وخربوا المسجد والمعتزلة لما منعوا تسليط الله الكافر على ذلك اولوا البعث بالتخلية وعدم المنع ) وكان وعدا مفعولا ( وكان وعد عقابهم لا بد أن يفعل
الإسراء : ( 6 ) ثم رددنا لكم . . . . .
) ثم رددنا لكم الكرة ( أي الدولة والغلبة ) عليهم ( على الذين بعثوا عليكم وذلك بأن القى الله في قلوب بهمن بن اسفنديار لما ورث الملك من جده كشتاسف بن لهراسف(3/432)
" صفحة رقم 433 "
شفقة عليهم فرد اسراهم إلى الشام وملك دانيا عليهم فاستولوا على من كان فيها من اتباع بختنصر أو بأن سلط الله داود عليه الصلاة والسلام على جالوت فقتله ) وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ( مما كنتم والنفير من ينفر مع الرجل من قومه وقيل جمع نفر وهم المجتمعون للذهاب إلى العدو
الإسراء : ( 7 ) إن أحسنتم أحسنتم . . . . .
) إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ( لان ثوابه لها ) وإن أسأتم فلها ( فإن وباله عليها وإنما ذكرها باللازم ازدواجا ) فإذا جاء وعد الآخرة ( وعد عقوبة المرة الآخرة ) ليسوؤوا وجوهكم ( أي بعثناهم ) ليسوؤوا وجوهكم ( أي يجعلوها بادية آثار المساءة فيها فحذف لدلالة ذكره اولا عليه وقرأ ابن عامر وحمزة أبو بكر ليسوء على التوحيد والضمير فيه للوعد أو للعبث أو لله ويعقضده قراءة الكسائي بالنون وقرئ / لنسوأن / بالنون والياء والنون المخففة والمثقلة و / لنسوأن / بفتح اللام على الاوجه الأربعة على انه جواب إذا واللام في قوله ) وليدخلوا المسجد ( متعلق بمحذوف هو بعثناهم ) كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما ( ليهلكوا ) ما علوا ( ما غلبوه واستولوا عليه أو مدة علوهم ) تتبيرا ( ذلك بأن سلط الله عليهم الفرس مرة أخرى فغزاهم ملك بابل من ملوك الطائف اسمه جودرز وقيل حردوس قيل دخل صاحب الجيش مذبح قرابينهم فوجد فيه دما يغلي فسألهم عنه فقالوا دم قربان لم يقبل منا فقال ما صدقوني فقتل عليه الوفا منهم فلم يهدأ الدم ثم قافل أن لم تصدقوني ما تركت منكم احدا فقالوا إنه دم يحيى فقال لمثل هذا ينتقم ربكم(3/433)
" صفحة رقم 434 "
منكم ثم قال يا يحيى قد علم ربي وربك ما اصاب قومك من اجلك فاهدأ بإذن الله تعالى قبل أن لا ابقي احدا منهم فهدأ
الإسراء : ( 8 ) عسى ربكم أن . . . . .
) عسى ربكم أن يرحمكم ( بعد المرة الآخرة ) وإن عدتم ( نوبة أخرى ) عدنا ( مرة ثالثة إلى عقوبتكم وقد عادوا بتكذيب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقصد قتله فعاد الله تعالى بتسليطه عليهم فقتل قريظة واجلى بني النضير وضرب الجزية على الباقين هذا لهم في الدنيا ) وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ( محبسا لا يقدرون على الخروج منها ابد الآباد وقيل بساطا كما يبسط الحصير
الإسراء : ( 9 ) إن هذا القرآن . . . . .
) إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ( للحالة أو الطريقة التي هي أقوم الحالات أو الطلاق ) ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا ( وقرأ حمزة والكسائي ) ويبشر ( بالتخفيف
الإسراء : ( 10 ) وأن الذين لا . . . . .
) وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما ( عطف على ) أن لهم أجرا كبيرا ( والمعنى انه يبشر المؤمنين ببشارتين ثوابهم وعقاب أعدائهم أو على ) يبشر ( بإضمار يخبر
الإسراء : ( 11 ) ويدع الإنسان بالشر . . . . .
) ويدع الإنسان بالشر ( ويدعو الله تعالى عند غضبه بالشر على نفسه وأهله وماله أو يدعوه بما حسبه خيرا وهو شر ) دعاءه بالخير ( مثل دعائه بالخير ) وكان الإنسان عجولا ( يسارع إلى كل ما يخطر بباله لا ينظر عاقبته وقيل المراد آدم عليه الصلاة والسلام فإنه لما انتهى الروح إلى سرته ذهب لينهض فسقط روي انه عليه السلام دفع اسيرا إلى سودة بنت زمعة فحرمته لانينه فأخرت كتافه فهرب فدعا عليها بقطع اليد ثم ندم فقال عليه السلام اللهم إنما أنا بشر فمن دعوت عليه فاجعل دعائي رحمة له فنزلت ويجوز أن يريد بالانسان الكافر وبالدعاء استعجاله بالعذاب استهزاء كقول النضر بن(3/434)
" صفحة رقم 435 "
الحارث اللهم انصر خير الحزبين ) اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ( الآية فاجيب له فضرب عنقه صبرا يوم بدر
الإسراء : ( 12 ) وجعلنا الليل والنهار . . . . .
) وجعلنا الليل والنهار آيتين ( تدلان على القادر الحكيم بتعاقبهما على نسق واحد بإمكان غيره ) فمحونا آية الليل ( أي الآية التي هي الليل بالاشراق والاضافة فيهما للتبيين كإضافة العدد إلى المعدود ) وجعلنا آية النهار مبصرة ( مضيئة أو مبصرة للناس من ابصره فبصر أو مبصرا أهله كقولهم اجبن الرجل إذا كان أهله جبناء وقيل الايتان القمر والشمس وتقدير الكلام وجعلنا نيري الليل والنهار آيتين أو جعلنا الليل والنهار ذوي آيتين ومحو آية الليل التي هي القمر جعلها مظلمة في نفسها مطموسة النور أو نقص نورها شيئا فشيئا إلى المحاق وجعل آية النهار التي هي الشمس مبصرة جعلها ذات شعاع تبصر الاشياء بضوئها ) لتبتغوا فضلا من ربكم ( لتطلبوا في بياض النهار اسباب معاشكم وتتوصلوا به إلى استبانة أعمالكم ) ولتعلموا ( باختلافهما أو بحركاتهما ) عدد السنين والحساب ( وجنس الحساب ) وكل شيء ( تفتقرون إليه في أمر الدين والدنيا ) فصلناه تفصيلا ( بيناه بيانا غير ملتبس
الإسراء : ( 13 ) وكل إنسان ألزمناه . . . . .
) وكل إنسان ألزمناه طائره ( عمله وما قدر له كأنه طير إليه من عش الغيب ووكر القدر لما كانوا يتيمنون ويتشاءمون بسنوح الطار وبروحه استعير لما هو سبب الخير والشر من قدر الله تعالى وعمل العبد ) في عنقه ( لزوم الطوق في عنقه ) ونخرج له يوم القيامة كتابا ( هي صحيفة عمله أو نفسه المنتقشة بآثار اعماله فإن الأعمال الاختيارية تحدث في النفس احوالا ولذلك يفيد تكريرها لها ملكات ونصبه بأنه مفعول أو حال من مفعول محذوف وهو ضمير الطائر ويعضده قراءة يعقوب و ) يخرج ( من خرج ) يخرج ( وقرئ و ) يخرج ( أي الله عز وجل ) يلقاه منشورا ( لكشف الغطاء وهما صفتان للكتاب أو ) يلقاه ( صفة و ) منشورا ( حال من مفعوله وقرأ ابن عامر ) يلقاه ( على البناء للمفعول من لقيته كذا
الإسراء : ( 14 ) اقرأ كتابك كفى . . . . .
) اقرأ كتابك ( على إرادة القول ) كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ( أي كفى نفسك والباء مزيدة و ) حسيبا ( تمييز وعلى صلته لانه أما بمعنى الحاسب كالصريم بمعنى الصارم وضريب القداح بمعنى ضاربها من حسب عليه كذا أو بمعنى الكافي فوضع(3/435)
" صفحة رقم 436 "
موضع الشهيد لأنه يكفي المدعي ما أهمه وتذكيره على أن الحساب والشهادة مما يتولاه الرجال أو على تأويل النفس بالشخص
الإسراء : ( 15 ) من اهتدى فإنما . . . . .
) من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ( لا ينجي اهتداؤه غيره ولا يردي ضلاله سواه ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( ولا تحمل نفس حاملة وزرا وزر نفس أخرى بل إنما تحمل وزرها ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( يبين الحجج ويمهد الشرائع فيلزمهم الحجة وفيه دليل على أن لا وجوب قبل الشرع
الإسراء : ( 16 ) وإذا أردنا أن . . . . .
) وإذا أردنا أن نهلك قرية ( وإذا تعلقت ارادتنا بإهلاك قوم لانفاذ قضائنا السابق أو دنا وقته المقدر كقولهم إذا أراد المريض أن يموت ازداد مرضه شدة ) أمرنا مترفيها ( متنعميها بالطاعة على لسان رسول بعثناه إليهم ويدل على ذلك ما قبله وما بعده فإن الفسق هو الخروج عن الطاعة والتمرد في العصيان فيدل على الطاعة من طريق المقابلة وقيل امرناهم بالفسق لقوله ) ففسقوا فيها ( كقولك امرته فقرأ فإنه لا يفهم منه إلا الأمر بالقراءة على أن الأمر مجاز من الحمل عليه أو التسبب له بأن صب عليهم من النعم ما ابطرهم وافضى بهم إلى الفسوق ويحتمل أن لا يكون له مفعول منوي كقولهم امرته فعصاني وقيل معناه كثرنا يقال امرت الشيء وآمرته فأمر إذا كثرته وفي الحديث خير(3/436)
" صفحة رقم 437 "
المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة أي كثيرة النتاج وهو أيضا مجاز من معنى الطلب ويؤيده قراءة يعقوب ) أمرنا ( ورواية ) أمرنا ( عن أبي عمرو ويحتمل أن يكون منقولا من أمر بالضم امارة أي جعلناهم امراء وتخصيص المترفين لأن غيرهم يتبعهم ولانهم أسرع إلى الحماقة واقدر على الفجور ) فحق عليها القول ( يعني كلمة العذاب السابقة بحلوله أو بظهور معاصيهم أو بانهماكهم في المعاصي ) فدمرناها تدميرا ( اهلكناها بإهلاك أهلها وتهريب ديارهم
الإسراء : ( 17 ) وكم أهلكنا من . . . . .
) وكم أهلكنا ( وكثيرا أهلكنا ) من القرون ( بيان لكم وتمييز له ) من بعد نوح ( كعاذ وثمود ) وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا ( يدرك بواطنها وظواهرها فيعاقب عليها وقديم الخبير لتقدم متعلقه
الإسراء : ( 18 ) من كان يريد . . . . .
) من كان يريد العاجلة ( مقصورا عليها همه ) عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ( قيد المعجل والمعجل له بالمشيئة والارادة لأنه لا يجد كل متمن ما يتمناه ولا كل واجد جميع ما يهواه وليعلم أن الأمر بالمشيئة والهم فضل ) لمن نريد ( بدل من له بدل البعض وقرئ ) ما يشاء ( والضمير فيه لله تعالى حتى يطابق المشهورة وقيل ) لمن ( فيكون(3/437)
" صفحة رقم 438 "
مخصوصا بمن أراد الله تعالى به ذلك وقيل الآية في المنافقين كانوا يراءون المسلمين ويغزون معهم ولم يكن غرضهم إلا مساهمتهم في الغنائم ونحوها ) ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ( مطرودا من رحمة الله تعالى
الإسراء : ( 19 ) ومن أراد الآخرة . . . . .
) ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها ( حقها من السعي وهو الاتيان بما أمر به والانتهاء عما نهى عنه لا التقرب بما يخترعون بآرائهم وفائدة اللام اعتبار النية والاخلاص ) وهو مؤمن ( ايمانا صحيحا لا شرك معه ولا تكذيب فإنه العمدة ) فأولئك ( الجامعون للشروط الثلاثة ) كان سعيهم مشكورا ( من الله تعالى أي مقبولا عنده مثابا عليه فإن شكر الله الثواب على الطاعة
الإسراء : ( 20 ) كلا نمد هؤلاء . . . . .
) كلا ( كل واحد من الفريقين والتنوين بدل من المضاف إليه ) نمد ( بالعطاء مرة بعد أخرى ونجعل آنفه مدادا لسالفه ) هؤلاء وهؤلاء ( بدل من ) كلا ( ) من عطاء ربك ( من معطاه متعلق ب ) نمد ( ) وما كان عطاء ربك محظورا ( ممنوعا لا يمنعه في الدنيا من مؤمن ولا كافر تفضلا
الإسراء : ( 21 ) انظر كيف فضلنا . . . . .
) انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض ( في الرزق وانتصاب ) كيف ( ب ) فضلنا ( على الحال ) وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ( أي التفاوت في الآخرة اكبر لأن التفاوت فيها بالجنة ودرجاتها والنار ودركاتها
الإسراء : ( 22 ) لا تجعل مع . . . . .
) لا تجعل مع الله إلها آخر ( الخطاب لرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد به أمته أو لكل أحد ) فتقعد ( فتصير من قولهم شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها حربة أو فتعجز من قولهم قعد عن الشيء إذا عجز عنه ) مذموما مخذولا ( جامعا على نفسك الذم من الملائكة والمؤمنين والخذلان من الله تعالى ومفهومه أن الموحد يكون ممدوحا منصورا
الإسراء : ( 23 ) وقضى ربك ألا . . . . .
) وقضى ربك ( أمر أمرا مقطوعا به ) أن لا تعبدوا ( بأن لا تعبدوا ) إلا إياه ( لأن(3/438)
" صفحة رقم 439 "
غاية التعظيم لا تحق إلا لمن له غاية العظمة ونهاية الأنعام وهو كالتفصيل لسعي الآخرة ويجوز أن تكون ) إن ( مفسرة و ) لا ( ناهية ) وبالوالدين إحسانا ( وبأن تحسنوا أو واحسنوا بالوالدين احسانا لانهما السبب الظاهر للوجود والتعيش ولا يجوز أن تتعلق الباء بالاحسان لأن صلته لا تتقدم عليه ) إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ( ) أما ( لا هي أن الشرطية زيدت عليها ما تأكيدا ولذلك صح لحوق النون المؤكدة للفعل واحدهما فاعل ) يبلغن ( ويدل على قراءة حمزة والكسائي من ألف / يبلغان / الراجع إلى ) الوالدين ( وكعطف على أحدهما فاعلا أو لبدلا ولذلك لم يجز أن يكون تأكيدا للالف ومعنى ) عندك ( أن يكونا في كنفك وكفالتك ) فلا تقل لهما أف ( فلا تتضجر مما يستقذر منهما وتستثقل من مؤنتهما وهو صوت يدل على تضجر وقيل هو اسم الفعل الذي هو اتضجر وهو مبني على الكسر لالتقاء الساكنين وتنوينه في قراءة نافع وحفص للتنكير وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب بالفتح على التخفيف وقرئ به منونا وبالضم للاتباع كمنذ منونا وغير منون والنهي عن ذلك يدل على المنع من سائر أنواع الايذاء قياسا بطريق الأولى وقيل عرفا كقولك فلان لا يملك النقير والقطمير ولذلك منع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حذيفة من قتل أبيه وهو في صف المشركين نهى عما يؤذيهما بعد الأمر بالاحسان بهما ) ولا تنهرهما ((3/439)
" صفحة رقم 440 "
ولا تزجرهما عما لا يعجبك بإغلاظ وقيل النهي والنهر والنهم اخوات ) وقل لهما ( بدل التأفيف والنهر ) قولا كريما ( جميلا لا شراسة فيه
الإسراء : ( 24 ) واخفض لهما جناح . . . . .
) واخفض لهما جناح الذل ( تذلل لهما وتواضع فيهما وجعل للذل جناحا كما جعل لبيد في قوله " وغداة ريح قد كشفت وقرة إذ أصبحت بيد الشمال زمامها " للشمال يدا أو اللقرة زماما وأمره بخفضه مبالغة أو أراد جناحه كقوله تعالى ) واخفض جناحك للمؤمنين ( واضافته إلى الذل للبيان والمبالغة كما اضيفت حاتم إلى الجود والمعنى واخفض لهما جناحك الذليل وقرئ ) الذل ( بالكسر وهو الانقياد(3/440)
" صفحة رقم 441 "
والنعت منه ذلول ) من الرحمة ( من فرط رحمتك عليهما لافتقارهما إلى من كان افقر خلق الله تعالى إليهما بالامس ) وقل رب ارحمهما ( وادع الله تعالى أن يرحمهما برحمته الباقية ولا تكتف برحمتك الفانية وان كانا كافرين لان من الرحمة أن يديهما ) كما ربياني صغيرا ( رحمة مثل رحمتهما علي وتربيتهما وارشادهما لي في صغري وفاء بوعدك للراحمين روي أن رجلا قال لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن أبوي بلغا من الكبر أني ألأي منهما ما وليا مني في الصغر فهل قضيتهما حقهما قال لا فإنهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك وأنت تفعل ذلك وتريد موتهما
الإسراء : ( 25 ) ربكم أعلم بما . . . . .
) ربكم أعلم بما في نفوسكم ( من قصد البر أليهما واعتقاد ما يجب لهما من التوقير وكأنه تهديد على أن يضمر لهما كراهة واستثقالا ) إن تكونوا صالحين ( قاصدين لللاح ) فإنه كان للأوابين ( للتوابين ) غفورا ( ما فطر منهم عند حرج الصدر من اذية أو تقصر وفيه تشديد عظيم ويجوز أن يكون عاما لكل تائب ويندرج فيه الجاني على ابويه التائب من جنايته لوروده على اثره
الإسراء : ( 26 ) وآت ذا القربى . . . . .
) وآت ذا القربى حقه ( من صلة الرحم وحسن المعاشرة والبرعليهم وقال أبو حنيفة حقهم إذا كانوا محارم فقراء أن ينفق عليهم وقيل المراد بذي القربى اقارب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ( بصرف المال فيما لا ينبغي وانفاقه على وجه الاسراف واصل التبذير التفريق وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال لسعد وهو يتوضأ ما هذا السرف قال أو في الوضوء سرف قال نعم وإن كنت على نهر جار
الإسراء : ( 27 ) إن المبذرين كانوا . . . . .
) إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ( امثالهم في الشرارة فإن التضييع والاتلاف شر أو اصدقاءهم واتباعهم لأنهم يطيعونهم في الاسراف والصرف في المعاصي روي(3/441)
" صفحة رقم 442 "
أنهم كانوا ينحرون الإبل ويتياسرون عليها ويبذرون اموالهم في السمعة فنهاهم الله عن ذلك وامرهم بالانفاق في القربات ) وكان الشيطان لربه كفورا ( مبالغا في الكفر به فينبغي أن لا يطاع
الإسراء : ( 28 ) وإما تعرضن عنهم . . . . .
) وإما تعرضن عنهم ( وإن أعرضت عن ذي القربى والمسكن وابن السبيل حياء من الرد ويجوز أن يراد بالاعراض عنهم أن لا ينفعهم على سبيل الكناية ) ابتغاء رحمة من ربك ترجوها ( لانتظار رزق من الله ترجوه أن يأتيك فتعطيه أو منتظرين له وقيل معناه لفقد رزق من ربك ترجوه أن يفتح لك فوضع الابتغاء موضعه لأنه مسبب عنه ويجوز أن يتعلق بالجواب الذي هو قوله ) فقل لهم قولا ميسورا ( أي فقل لهم قولا لينا ابتغاء رحمة الله برحمتك عليهم باجمال القول لهم والميسور من يسر الأمر مثل سعد الرجل ونحس وقيل القول الميسور الدعاء لهم بالميسور وهو اليسر مثل اغناكم الله تعالى ورزقنا الله واياكم
الإسراء : ( 29 ) ولا تجعل يدك . . . . .
) ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ( تمثيلان لمنع الشحيح واسراف المبذر نهى عنهما آمرا بالاقتصاد بينهما الذي هو الكرم ) فتقعد ملوما ( فتصير ملوما عند الله وعند الناس بالاسراف وسوء التدبير ) محسورا ( نادما أو منقطعا بك لا شيء عندك من حسرة السفر إذا بلغ منه وعن جابر بينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جالس أتاه صبي فقل إن أمي تستكسيك درعا فقال ( صلى الله عليه وسلم ) من ساعة إلى ساعة فعد إلينا فذهب إلى أمه فقالت قل له إن أمي تستكسيك الدرع الذي عليك فدخل ( صلى الله عليه وسلم ) داره ونزع قميصه واعطاه(3/442)
" صفحة رقم 443 "
وقعد عريانا وأذن بلال وانتظروه للصلاة فلم يخرج فأنزل الله ذلك
الإسراء : ( 30 - 31 ) إن ربك يبسط . . . . .
ثم سلاه بقوله ) إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( يوسعه ويضيقه بمشيئته التابعة للحكمة البالغة فليس ما يرهقك من الاضافة إلا لمصلحتك ) إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ( يعلم سرهم وعلنهم فيعلم من مصالحهم ما يخفى عليهم ويجوز أن يراد أن البسط والقبض من أمر الله تعالى العالم بالسرائر والظواهر فأما العباد فعليهم أن يقتصدوا أو انه تعالى يبسط تارة ويقبض أخرى فاستنوا بسنته ولا تقبضوا كل القبض ولا تبسطوا كل البسط وان يكون تمهيدا لقوله تعالى ) ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ( مخافة الفاقة وقتلهم أولادهم هو وأدهم بناتهم مخافة الفقر فنهاهم عنه وضمر لهم ارزاقهم فقال ) نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا ( ذنبا كبيرا لما فيه من قطع التناسل وانقطاع النوع وال ) خطأ ( الاثم يقال خطئ خطأ كأثم اثما وقرأ ابن عامر ) خطأ ( وهو اسم من أخطأ يضاد الصواب وقيل لغة فيه كمثل ومثل وحذر وحذر وقرأ ابن كثير / خطاء / بالمد والكسر وهو أما لغة فيه أو مصدر خطاء بالمد والكسر وهو وإن لم يسمع لكنه جاء تخاطأ في قوله " تخاطأه القاص حتى وجدته وخرطومه في منقع الماء راسب " وهو مبني عليه وقرئ / خطاء / بالفتح والمد وخطا بحذف الهمزة مفتوحا ومكسورا
الإسراء : ( 32 ) ولا تقربوا الزنى . . . . .
) ولا تقربوا الزنى ( بالعزم والاتيان بالمقدمات فضلا عن أن تباشروه ) إنه كان فاحشة ((3/443)
" صفحة رقم 444 "
فعلة ظاهرة القبح زائدته ) وساء سبيلا ( وبئس طريقا طريقه هو الغصب على الابضاع المؤدي إلى قطع الأنساب وهيج الفتن
الإسراء : ( 33 ) ولا تقتلوا النفس . . . . .
) ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ( إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان وزنا بعد احصان وقتل مؤمن معصوم عمدا ) ومن قتل مظلوما ( غير مستوجب للقتل ) فقد جعلنا لوليه ( للذي يلي أمره بعد وفاته وهو الوارث ) سلطانا ( تسلطا بالمؤاخذة بمقتضى القتل على من عليه أو بالقصاص على القاتل فإن قوله تعالى ) مظلوما ( بدل على أن القتل عمدا عدوان فإن الخطأ لا يسمى ظلما ) فلا يسرف ( أي القاتل ) في القتل ( بأن يقتل من لا يستحق قتله فإن العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك أو الولي بالمثلة أو قتل غير لا يستحق قتله فإن العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك أو الولي بالمثلة أو قتل غير القاتل ويؤيد الأول قراءة أبي / فلا تسرفوا / وقرأ حمزة والكسائي / فلا تسرف / على خطاب أحدهما ) إنه كان منصورا ( علة النهي على الاستئناف والضمير أما للمقتول فإنه منصور في الدنيا بثبوت القصاص بقتله وفي الآخرة بالثواب واما لوليه فإن الله تعالى نصره حيث اوجب القصاص له أمر الولاة بمعونته واما للذي يقتله الولي اسرافا بإيجاب القصاص أو التعزيز والوزر على المسرف
الإسراء : ( 34 ) ولا تقربوا مال . . . . .
) ولا تقربوا مال اليتيم ( فضلا أن تتصرفوا فيه ) إلا بالتي هي أحسن ( إلا بالطريقة التي هي احسن ) حتى يبلغ أشده ( غاية لجواز التصرف الذي دل عليه الاستثناء ) وأوفوا بالعهد ( بما عاهدكم الله من تكاليفه أو ما عاهدتموه وغيره ) إن العهد كان مسؤولا ( مطلوبا يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي به أو مسؤولا عنه يسأل الناكث ويعاتب عليه لم نكثت أو يسأل العهد تبكيتا للناكث كما يقال للموءودة ) بأي ذنب قتلت ( فيكون تخييلا ويجوز أن يراد أن صاحب العهد كان مسؤولا(3/444)
" صفحة رقم 445 "
الإسراء : ( 35 ) وأوفوا الكيل إذا . . . . .
) وأوفوا الكيل إذا كلتم ( ولا تبخسوا فيه ) وزنوا بالقسطاس المستقيم ( بالميزان السوي وهو رومي عرب ولا يقدح ذلك في عربية القرآن لأن العجمي إذا استعملته العرب وأجرته مجرى كلامهم في الاعراب والتعريف والتنكير ونحوها صار عربيا وقرأ حمزة والكسائي وحفص بكسر القاف هنا في الشعراء ) ذلك خير وأحسن تأويلا ( واحسن عاقبة تفعيل من آل إذا رجع
الإسراء : ( 36 ) ولا تقف ما . . . . .
) ولا تقف ( ولا تتبع وقرئ ) ولا تقف ( من قاف اثره إذا قفاه ومنه القافة ) ما ليس لك به علم ( ما لم يتعلق به علمك تقليدا أو رجما بالغيب واحتج به من منع اتباع الظن وجوابه ان المراد بالعلم هو الإعتقاد الراجح المستفاد من سند سواء كان قطعا أو ظنا واستعماله بهذا المعنى سائغ شائع وقيل انه مخصوص بالعقائد وقيل بالرمي وشهادة الزور ويؤيده قوله ( صلى الله عليه وسلم ) من قفا مؤمنا بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج وقول الكميت " ولا ارمي البريء بغير ذنب ولا اقو الحواصن أن قفينا " ) إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك ( أي كل هذه الاعضاء فأجراها مجرى العقلاء لما كانت مسؤولة عن احوالها شاهدة على صاحبها هذا وإن أولاء وإن غلب في العقلاء لكنه من حيث إنه اسم جمع لذا وهو يعم القبيلين جاء لغيرهم كقوله " والعيش بعد أولئك الأيام " (3/445)
" صفحة رقم 446 "
) كان عنه مسؤولا ( في ثلاثتها ضمير كل أي كان كل واحد منها مسؤولا عن نفسه يعني عما فعل به صاحبه ويجوز أن يكون الضمير في عنه لمصدر ) ولا تقف ( أو لصاحب السمع والبصر وقيل ) مسؤولا ( مسند إلى ) عنه ( كقوله تعالى ) غير المغضوب عليهم ( والمعنى يسأل صاحبه عنه وهو خطأ لأن الفاعل وما يقوم مقامه لا يتقدم وفيه دليل على أن العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية وقرئ ) والفؤاد ( بقلب الهمزة واوا بعد الضمة ثم ابدالها بالفتح
الإسراء : ( 37 ) ولا تمش في . . . . .
) ولا تمش في الأرض مرحا ( أي ذا مرح وهو الاختيال وقرئ ) مرحا ( وهو باعتبار الحكم ابلغ وإن كان المصدر آكد من صريح النعت ) إنك لن تخرق الأرض ( لن تجعل فيها خرقا بشدة وطأتك ) ولن تبلغ الجبال طولا ( بتطاولك وهو تهكم بالمختال وتعليل للنهي بأن الاختيال حماقة مجردة لا تعود بجدوى ليس في التذلل
الإسراء : ( 38 ) كل ذلك كان . . . . .
) كل ذلك ( إشارة إلى الخصال الخمس والعشرين المذكورة من قوله تعالى ) لا تجعل مع الله إلها آخر ( وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إنها المكتوبة في الواح موسى عليه السلام ) كان سيئه ( يعني المنهي عنه فإن المذكورات مأمورات ومناه وقرأ الحجازيان والبصريان ) سيئة ( على أنها خبر ) كان ( والاسم ضمير ) كل ( و ) ذلك ( إشارة إلى ما نهى عنه خاصة وعلى هذا قوله ) عند ربك مكروها ( بدل من ) سيئة ( أو(3/446)
" صفحة رقم 447 "
صفة لها محمولة على المعنى فإنه بمعنى سيئا وقد قرئ به ويجوز أن ينتصب مكروها على الحال من المستكن في ) كان ( أو في الظرف على انه صفة ) سيئة ( والمراد به المبغوض المقابل للمرضى لا ما يقابل المراد لقيام القاطع على أن الحوادث كلها واقعة بإرادته تعالى
الإسراء : ( 39 ) ذلك مما أوحى . . . . .
) ذلك ( إشارة إلى الأحكام المتقدمة ) مما أوحى إليك ربك من الحكمة ( التي هي معرفة الحق لذاته والخير للعمل به ) ولا تجعل مع الله إلها آخر ( كرره للتنبيه على أن التوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه فإن من لا قصد له بطل عمله ومن قصد يفعله أو تركه غيره ضاع سعيه وانه رأس الحكمة وملاكها ورتب عليه اولا ما هو عائده الشرك في الدنيا وثانيا ما هو نتيجته في العقبى فقال تعالى ) فتلقى في جهنم ملوما ( تلوم نفسك ) مدحورا ( مبعدا من رحمة الله تعالى
الإسراء : ( 40 ) أفأصفاكم ربكم بالبنين . . . . .
) أفأصفاكم ربكم بالبنين ( خطاب لم نقالوا الملائكة بنات الله والهمزة للانكار والمعنى افخصكم ربكم بأفضل الأولاد هم البنون ) واتخذ من الملائكة إناثا ( بنات لنفسه وهذا خلاف ما عليه عقولكم وعادتكم ) إنكم لتقولون قولا عظيما ( بإضافة الأولاد إليه وهي خاصة بعض الأجسام لسرعة زوالها ثم بتفضيل انفسكم عليه حيث تجعلون له ما تكرهون ثم يجعل الملائكة الذين هم من اشرف خلق الله ادونهم
الإسراء : ( 41 ) ولقد صرفنا في . . . . .
) ولقد صرفنا ( كررنا هذا المعنى بوجوه من التقرير ) في هذا القرآن ( في مواضع منه ويجوز أن يراد بهذا القرآن ابطال إضافة البنات إليه على تقدير ولقد صرفنا هذا القول(3/447)
" صفحة رقم 448 "
في هذا المعنى أو اوقعنا التصريف فيه وقرئ ) صرفنا ( بالتخفيف ) ليذكروا ( ليتذكروا وقرأ حمزة والكسائي هنا وفي القرآن ) ليذكروا ( من الذكر الذي هو بمعنى التذكر ) وما يزيدهم إلا نفورا ( عن الحق وقلة طمأنينة إليه
الإسراء : ( 42 ) قل لو كان . . . . .
) قل لو كان معه آلهة كما يقولون ( آيها المشركون وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم بالياء فيه وفيما بعده على أن الكلام مع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ووافقهما نافع وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر ويعقوب في الثانية على أن الأولى مما أمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أن يخاطب به المشركين والثانية مما نزه به نفسه عن مقالتهم ) إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ( جواب عن قولهم وجزاء للو والمعنى لطلبوا إلى م نهو مالك الملك سبيلا بالمعازة كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض أو بالتقرب إليه والطاعة لعلمهم بقدرته وعجزهم كقوله تعالى ) أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة )
الإسراء : ( 43 ) سبحانه وتعالى عما . . . . .
) سبحانه ( ينزه تنزيها ) وتعالى عما يقولون علوا ( تعاليا ) كبيرا ( متباعدا غاية البعد عما يقولون فإنه في أعلى مراتب الوجود وهو كونه واجب الوجود والبقاء لذاته واتخاذ الولد من ادنى مراتبه فإنه من خواص ما يمتنع بقاؤه
الإسراء : ( 44 ) تسبح له السماوات . . . . .
) تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ( ينزهه عما هو من لوازم الإمكان توابع الحدوث بلسان الحال حيث تدل بإمكانها وحدوثها على الصانع القديم الواجب لذاته ) ولكن لا تفقهون تسبيحهم ( أيها المشركون لاخلالكم بالنظر الصحيح الذي به يفهم تسبيحهم ويجوز أن يحمل التسبيح على المشترك بين اللفظ(3/448)
" صفحة رقم 449 "
والدلالة لاسناده إلى ما يتصور منه اللفظ والى ما لا يتصور منه وعليهما عند من جوز إطلاق اللفظ على معنييه وقرأ ابن كثير وابن عامر ونافع وأبو بكر ) يسبح ( بالياء ) إنه كان حليما ( حيث لم يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وشرككم ) غفورا ( لمن تاب منكم
الإسراء : ( 45 - 46 ) وإذا قرأت القرآن . . . . .
) وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا ( يجبهم عن فهم ما تقرؤه عليهم ) مستورا ( ذا ستر كقوله تعالى ) وعده مأتيا ( وقولهم سيل مفعم أو مستورا عن الحس أو بحجاب آخر لا يفهمون ولا يفهمون انهم لا يفهمون نفي عنهم أن يفهموا ما انزل عليهم من الآيات بعدما نفى عنهم التفقه للدلالات المنصوبة في الانفس والافاق تقريرا له وبيانا لكونهم مطبوعين على الضلالة كما صرح به بقوله(3/449)
" صفحة رقم 450 "
) وجعلنا على قلوبهم أكنة ( تكنها وتحول دونها عن ادراك الحق وقبوله ) أن يفقهوه ( كراهة أن يفقهوه ويجوز أن يكون مفعولا لما دل عليه قوله ) وجعلنا على قلوبهم أكنة ( أي منعناهم أن يفقهوه ) وفي آذانهم وقرا ( يمنعهم عن استماعه ولما كان القرآن معجزا من حيث اللفظ والمعنى اثبت لمنكريه ما يمنع عن فهم المعنى واراك اللفظ ) وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ( واحداص غير مشفوع به آلهتهم مصدر وقع موقع الحال واصله يحد وحده بمعنى واحدا وحده ) ولوا على أدبارهم نفورا ( هربا من استماع التوحيد ونفرة أو تولية ويجوز أن يكون جمع نافر كقاعد وقعود
الإسراء : ( 47 ) نحن أعلم بما . . . . .
) نحن أعلم بما يستمعون به ( بسببه ولأجله من الهزء بك وبالقرآن ) إذ يستمعون إليك ( ظرف ل ) أعلم ( وكذا ) وإذ هم نجوى ( أي نحن اعلم بغرضهم من الاستماع حين هم مستمعون إليك مضمرون له وحين هم ذوو نجوى يتناجون به و ) نجوى ( مصدر وحيتمل أن يكون جمع نجى ) إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ( مقدر باذكر أو بدل من ) وإذ هم نجوى ( على وضع ) الظالمون ( موضع الضمير للدلالة على أن تناجيهم بقولهم هذا من باب الظلم والمسحور هو الذي سحر فزال عقله وقيل الذي له سحر وهو الرئة أي إلا رجلا يتنفس ويأكل ويشرب مثلكم
الإسراء : ( 48 ) انظر كيف ضربوا . . . . .
) انظر كيف ضربوا لك الأمثال ( مثلوك بالشاعر والساحر والكاهن والمجنون ) فضلوا ( عن الحق في جميع ذلك ) فلا يستطيعون سبيلا ( إلى طعن موجه فيتهافتون ويخبطون كالمتحير في أمره لا يدري ما يصنع أو إلى الرشاد
الإسراء : ( 49 ) وقالوا أئذا كنا . . . . .
) وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا ( حطاما ) أئنا لمبعوثون خلقا جديدا ( على الإنكار والاستبعاد لما بين غضاضة الحي ويبوسة الرميم من المباعدة والمنافاة و العامل في إذا ما دل عليه مبعوثون لا نفسه لأن ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها و ) خلقا ( مصدر أو حال(3/450)
" صفحة رقم 451 "
الإسراء : ( 50 ) قل كونوا حجارة . . . . .
) قل ( جوابا لهم ) كونوا حجارة أو حديدا )
الإسراء : ( 51 ) أو خلقا مما . . . . .
) أو خلقا مما يكبر في صدوركم ( أي مما يكبر عندكم عن قبول الحياة لكونه ابعد شيء منها فإن قدرته تعالى لا تقصر عن احيائكم لاشتراك الأجسام في قبول الاعراض فكيف إذا كنتم عظاما مرفوتة وقد كانت غضة موصوفة بالحياة قبل والشيء اقبل لما عهد فيه مما لم يعهد ) فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة ( وكنتم ترابا وما هو ابعد منه من الحياة ) فسينغضون إليك رؤوسهم ( فسيحركونها نحوك تعجبا واستهزاء ) ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا ( فإن كل ما هو آت قريب وانصابه على الخبر أو الظرف أي يكون في زمان قريب و ) أن يكون ( اسم ) عسى ( أو خبره والاسم مضمر
الإسراء : ( 52 ) يوم يدعوكم فتستجيبون . . . . .
) يوم يدعوكم فتستجيبون ( أي يوم يبعثكم فتنبعثون استعار لهما الدعاء والاستجابة للتنبيه على سرعتهما وتيسر امرهما وان المقصود منهما الاحضار للمحاسبة والجزاء ) وتظنون إن لبثتم إلا قليلا ( وتستصرون مدة لبثكم في القبور كالذي مر على قرية أو مدة حياتكم لما ترون من الهول
الإسراء : ( 53 ) وقل لعبادي يقولوا . . . . .
) وقل لعبادي ( يعني المؤمنين ) يقولوا التي هي أحسن ( الكلمة التي هي احسن ولا يخاشنوا المشركين ) إن الشيطان ينزغ بينهم ( يهيج بينهم المراء والشر فلعل المخاشنة بهم تفضي إلى العناد وازدياد الفساد ) إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ( ظاهر العداوة
الإسراء : ( 54 ) ربكم أعلم بكم . . . . .
) ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم ( تفسير ل ) التي هي أحسن ( وما بينهما اعتراض أي قولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا تصرحا بأنهم من أهل النار فإنه يهيجهم على الشر مع أن ختام أمرهم غيب لا يعلمه إلا الله ) وما أرسلناك عليهم وكيلا ((3/451)
" صفحة رقم 452 "
موكولا إليك أمرهم تقسرهم على الإيمان وانما ارسلناك مبشرا ونذيرا فدارهم ومر أصحابك بالاحتمال منهم وروي أن المشركين افرطوا في ايذائهم فشكوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت وقيل شتم عمر رضي الله تعالى عنه رجل منهم فهم به فأمره الله بالعفو
الإسراء : ( 55 ) وربك أعلم بمن . . . . .
) وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ( بأحوالهم فيختار منهم لنبوته وولايته من يشاء وهو رد لاستبعاد قريش أن يكون يتيم أبي طالب نبيا وان يكون العراة الجؤع اصحابه ) ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض ( بالفضائل النفسانية والتبري عن العلائق الجسمانية لا بكثرة الأموال والاتباع حتى داود عليه الصلاة والسلام فإن شرفه بما اوحى إليه من الكتاب لا بما اوتيه من الملك قيل هو إشارة إلى تفضيل رسول اله ( صلى الله عليه وسلم ) وقوله ) وآتينا داود زبورا ( تنبيه على وجه تفضيله وهو انه خاتم الأنبياء وأمته خير الأمم المدلول عليه بما كتب في الزبور من أن الأرض يرثها عبادي الصالحون وتنكيره ها هنا وتعريفه في قوله تعالى ) ولقد كتبنا في الزبور ( لأنه في الأصل فعول للمفعول كالحلوب أو المصدر كالقبول ويؤيده قراءة حمزة بالضم وهو كالعباس أو الفضل أو لأن المراد وآتينا داود بعض الزبر أو بعضا من الزبور فيه ذكر الرسول ( صلى الله عليه وسلم )
الإسراء : ( 56 ) قل ادعوا الذين . . . . .
) قل ادعوا الذين زعمتم ( أنها آلهة ) من دونه ( كالملائكة والمسيح وعزير ) فلا يملكون ( فلا يستطيعون ) كشف الضر عنكم ( كالمرض والفقر والقحط ) ولا تحويلا ( ولا تحويل ذلك منكم إلى غيركم
الإسراء : ( 57 ) أولئك الذين يدعون . . . . .
) أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ( هؤلاء الالهة يبتغون إلى الله القرابة بالطاعة ) أيهم أقرب ( بدل من واو ) يبتغون ( أي من هو اقرب منهم إلى الله الوسيلة فكيف بغير الأقرب ) ويرجون رحمته ويخافون عذابه ( كسائر العباد فكيف تزعمون انهم آلهة ) إن عذاب ربك كان محذورا ( حقيقا بأن يحذره كل أحد حتى الرسل والملائكة(3/452)
" صفحة رقم 453 "
الإسراء : ( 58 ) وإن من قرية . . . . .
) وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة ( بالموت والاستئصال ) أو معذبوها عذابا شديدا ( بالقتل وانواع البلية ) كان ذلك في الكتاب ( في اللوح المحفوظ ) مسطورا ( مكتوبا
الإسراء : ( 59 ) وما منعنا أن . . . . .
) وما منعنا أن نرسل بالآيات ( ما صرفنا عن ارسال الآيات التي اقترحها قريش ) إلا أن كذب بها الأولون ( إلا تكذيب الأولين الذين هم امثالهم في الطبع كعاد وثمود وأنها لو ارسلت لكذبوا بها تكذيب أولئك واستوجبوا الاستئصال على ما مضت به سنتنا وقد قضينا أن لا نستأصلهم لأن منهم من يؤمن أو يلد من يؤمن ثم ذكر بعض الأمم المهلكة بتكذيب الآيات المقترحة فقال ) وآتينا ثمود الناقة ( بسؤالهم ) مبصرة ( بينة ذات ابصار أو بصائر أو جاعلتهم ذوي بصائر وقرئ بالفتح ) فظلموا بها ( فكفروا بها أو فظلموا أنفسهم بسبب عقرها ) وما نرسل بالآيات ( أي بالآيات المقترحة ) إلا تخويفا ( من نزول العذاب المستأصل فإن لم يخافوا نزل أو بغير المقترحة كالمعجزات وآيات القرآن إلا تخويفا بعذاب الآخرة فإن أمر من بعثت إليهم مؤخر إلى يوم القيامة والباء مزيدة أو في موقع الحال والمفعول محذوف
الإسراء : ( 60 ) وإذ قلنا لك . . . . .
) وإذ قلنا لك ( واذكر إذ اوحينا إليك ) إن ربك أحاط بالناس ( فهم في قبضة قدرته أو احاط بقريش بمعنى اهلكهم من احاط بهم العدو فهي بشارة بوقعة بدر والتعبير بلفظ الماضي لتحقق وقوعه ) وما جعلنا الرؤيا التي أريناك ( ليلة المعراج وتعلق به من قال انه كان في المنام ومن قال انه كان في اليقظة فسر الرؤيا بالرؤية أو عام الحديبية حين(3/453)
" صفحة رقم 454 "
رأى انه دخل مكة وفيه أن الآية
مكية إلا أن يقال رآها بمكة وحكاها حينئذ ولعله رؤيا رآها في وقعة بدر لقوله تعالى ) إذ يريكهم الله في منامك قليلا ( ولما روي انه لما ورد ماءه قال لكأني انظر إلى مصارع القوم هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان فتسامعت به قريش واستسخروا منه وقيل رأى قوما من بني أمية يرقون منبره وينزون عليه نزو القردة فقال هذا حظهم من الدنيا يعطونه بإسلامهم وعلى هذا كان المراد بقوله ) إلا فتنة للناس ( ما حدث في ايامهم ) والشجرة الملعونة في القرآن ( عطف على ) الرؤيا ( وهي شجرة الزقوم لما سمع المشركون ذكرها قالوا أن محمدا يزعم أن الجحيم تحرق الحجارة ثم يقول ينبت فيها الشجر ولم يعلموا أن من قدر أن يحمي وبر السمندل من أن تأكله النار واحشاء النعامة من اذى الجمر وقطع الحديد المحماة الحمر التي تبتلعها قدر أن يخلق في النار شجرة لا تحرقها ولعنها في القرآن لعن طاعميها وصفت به على المجاز للمبالغة أو وصفها بأنها في أصل الجحيم فإنه ابعد مكان من الرحمة أو بأنها مكروهة مؤذية من قولهم طعام ملعون لما كان ضارا وقد اولت بالشيطان وأبي جهل والحكم بن أبي العاصي وقرئت بالرفع على الابتداء والخبر محذوف أي والشجرة الملعونة في القرآن كذلك ) ونخوفهم ( بأنواع التخويف ) فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا ( إلا عتوا متجاوز الحد
الإسراء : ( 61 ) وإذ قلنا للملائكة . . . . .
) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا ( لمن خلقته من طين فنصب بنزع الخافض ويجوز أن يكون حالا من الراجع إلى الموصول أي خلقته وهو طين أو منه أي أأسجد له وأ له طين وفيه على الوجوه الثلاثة ايماء بعلة الإنكار
الإسراء : ( 62 ) قال أرأيتك هذا . . . . .
) قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي ( الكاف لتأكيد الخطاب لا محل له من الاعراب(3/454)
" صفحة رقم 455 "
وهذا مفعول أول والذي صفته والمفعول الثاني محذوف لدلالة صلته عليه والمعنى اخبرني عن هذا الذي كرمته علي بامري بالسجود له لم كرمته علي ) لئن أخرتن إلى يوم القيامة ( كلام مبتدأ واللام موطئة للقسم وجوابه ) لأحتنكن ذريته إلا قليلا ( أي لاستأصلنهم بالاغواء إلا قليلا لا اقدر أن اقاوم شكيمتهم من احتنك الجراد الأرض إذا جرد ما عليها اكلا مأخوذ من الحنك وانما علم أن ذلك يتسهل له أما استنباطا من قول الملائكة ) أتجعل فيها من يفسد فيها ( مع التقرير أو تفرسا من خلقه ذا وهم وشهوة وغضب
الإسراء : ( 63 ) قال اذهب فمن . . . . .
) قال اذهب ( امض لما قصدته وهو طرد وتخلية بينه وبين ما سلوت له نفسه ) فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم ( جزاؤك جزاؤهم فغلب المخاطب على الغائب ويجوز أن يكون الخطاب للتابعين على الالتفات ) جزاء موفورا ( مكملا من قولهم فر لصاحبك عرضه وانتصاب جزاء على المصدر بإضمار فعله أو بما في ) جزاؤكم ( من معنى تجازون أو حال موطئة لقوله ) موفورا )
الإسراء : ( 64 ) واستفزز من استطعت . . . . .
) واستفزز ( واستخفف ) من استطعت منهم ( أن تستفزه والفز الخفيف ) بصوتك ( بدعائك إلى الفساد ) وأجلب عليهم ( وصح عليهم من الجلبة وهي الصياح ) بخيلك ورجلك ( باعوانك من راكب وراجل والخيل الخيالة ومنه قوله عليه ( صلى الله عليه وسلم ) يا خيل الله اركبي والرجل اسم جمع للراجل كالصحب والركب ويجوز أن يكون تمثيلا لتسلطه على من يغويه بمغوار صوت على قوم فاستفزهم من اماكنهم(3/455)
" صفحة رقم 456 "
واجلب عليهم بجنده حتى استأصلهم وقرأ حفص ) ورجلك ( بالكسر وغيره بالضم وهما لغتان كندس وندس ومعناه وجمعك الرجل وقرئ و / رجالك / و / رجالك / ) وشاركهم في الأموال ( بحملهم على كسبها وجمعها من الحرام والتصرف فيها على ما لا ينبغي ) والأولاد ( بالحث على التوثل إلى الولد بالسبب المحرم والاشراك فيه بتسميته عبد العزى والتضليل بالحمل على الاديان الزائغة والحرف الذميمة والافعال القبيحة ) وعدهم ( المواعيد الباطلة كشفاعة الالهة والاتكال على كرامة الاباء وتأخير التوبة لطول الأمل ) وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ( اعتراض لبيان مواعيده الباطلة والغرور تزيين الخطأ بما يوهم انه صواب
الإسراء : ( 65 ) إن عبادي ليس . . . . .
) إن عبادي ( يعين المخلصين وتعظيم الاضافة والتقييد في قوله ) إلا عبادك منهم المخلصين ( يخصصهم ) ليس لك عليهم سلطان ( أي على اغوائهم قردة ) وكفى بربك وكيلا ( يتوكلون عليه في الاستعاذة منك على الحقيقة
الإسراء : ( 66 ) ربكم الذي يزجي . . . . .
) ربكم الذي يزجي ( هوالذي يجري ) لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله ( الريح وانواع الامتعة التي لا تكون عندكم ) إنه كان بكم رحيما ( حيث هيأ لكم ما تحتاجون إليه وسهل عليكم ما تعسر من اسبابه
الإسراء : ( 67 ) وإذا مسكم الضر . . . . .
) وإذا مسكم الضر في البحر ( خوف الغرق ) ضل من تدعون ( ذهب عن خواطركم كل من تدعونه في حوادثكم ) إلا إياه ( وحده فإنكم حينئذ لا يخطر ببالكم سواه فلا(3/456)
" صفحة رقم 457 "
تدعون لكشفه إلا إياه أو ضل كل من تعبدونه عن اغاثتكم إلا الله ) فلما نجاكم ( من الغرق ) إلى البر أعرضتم ( عن التوحيد وقيل اتسعتم في كفران النعمة كقول ذي الرمة " عطاء فتى تمكن في المعالي فاعرض في المكارم واستطالا " ) وكان الإنسان كفورا ( كالتعليل للاعراض
الإسراء : ( 68 ) أفأمنتم أن يخسف . . . . .
) أفأمنتم ( الهمزة فيه للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره انجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الاعراض فإن من قدر أن يهلككم في البحر بالغرق قادر أن يهلككم في البر بالخسف وغيره ) أن يخسف بكم جانب البر ( أن يقلبه وأنتم عليه أو يقلبه بسببكم فبكم حال أو صلة ليخسف وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالنون فيه وفي الأربعة التي بعده وفي ذكر الجانب تنبيه على انهم لما وصلوا الساحل كفروا واعرضوا وان الجوانب والجهات في قدرته سواء لا معقل يؤمن فيه من اسباب الهلاك ) أو يرسل عليكم حاصبا ( ريحا تحصب أي ترمي بالحصباء ) ثم لا تجدوا لكم وكيلا ( يحفظكم من ذلك فإنه لا راد لفضله
الإسراء : ( 69 ) أم أمنتم أن . . . . .
) أم أمنتم أن يعيدكم فيه ( في البحر ) تارة أخرى ( بخلق دواع تلجئكم إلى أن ترجعوا فتركبوه ) فيرسل عليكم قاصفا من الريح ( لا تمر بشيء إلا قصفته أي كسرته ) فيغرقكم ( وعن يعقوب بالتاء على إسناده إلى ضمير ) الريح ( بما كفرتم بسبب اشراككم أو كفرانكم نعمة الانجاء ) ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا ( مطالبا يتبعنا بانتصار أو صرف
الإسراء : ( 70 ) ولقد كرمنا بني . . . . .
) ولقد كرمنا بني آدم ( بحسن الصورة والمزاج الاعدل واعتدال القامة والتمييز بالعقل والافهام بالنطق والاشارة والخط والتهدي إلى اسباب المعاش والمعاد والتسلط على ما في الأرض والتمكن من الصناعات وانسياق الاسباب والمسببات العلوية والسفلية إلى ما يعود عليهم بالمنافع إلى غير ذلك مما يقف الحصر دون احصائه ومن ذلك ما ذكره ابن عباس وهو أن كل حيوان يتناول طعامه بفيه إلا الانسن فإنه يرفعه إليه بيده ) وحملناهم في البر والبحر ( على الدواب والسفن من حملته حملا إذا جعلت له ما يركبه أو حملناهم فيهما حتى لم(3/457)
" صفحة رقم 458 "
تخسف بهم الأرض ولم يغرضهم الماء ) ورزقناهم من الطيبات ( المستلذات مما يحصل بفعلهم وبغير فعلهم ) وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ( بالغلبة والاستيلاء أو بالشرف والكرامة والمستثنى جنس الملائكة عليهم الصلاة والسلام أو الخواص منهم ولا يلزم من عدم تفضيل الجنس عدم تفضيل بعض أفراده والمسألة موضع نظر وقد أول الكثير بالكل وفيه تعسف
الإسراء : ( 71 - 72 ) يوم ندعوا كل . . . . .
) يوم ندعوا ( نصب بإضمار اذكر أو ظرف لما دل عليه ) ولا يظلمون ( وقرئ ) يدعو ( و ) يدعى ( و ) يدعو ( على قلب الألف واوا لي لغة من يقول افعو في افعى أو على أن الواو علامة الجمع كما في قوله ) وأسروا النجوى الذين ظلموا ( أو ضميره وكل بدل منه والنون محذوفة لقلة المبالاة بها فإنها ليست إلا علامة الرفع وهو قد يقدر كما في ) يدعى ( ) كل أناس بإمامهم ( بمن ائتموا به من نبي أو مقدم في الدين أو كتاب أو دين وقيل بكتاب أعمالهم التي قدموها فيقال يا صاحب كتاب كذا أي تنقطع علقة الأنساب وتبقى نسبة الأعمال وقيل بالقوى الحاملة لهم على عقائدهم وافعالهم وقيل بأمهاتهم(3/458)
" صفحة رقم 459 "
جمع أم كخف وخفاف والحكمة في ذلك اجلال عيسى عليه السلام واظهار شرف الحسن والحسين رضي الله عنهما وان لا يفتضح أولاد الزنا ) فمن أوتي ( من المدعوين ) كتابه بيمينه ( أي كتاب عمله ) فأولئك يقرؤون كتابهم ( ابتهادا وتبجحا بما يرون فيه ) ولا يظلمون فتيلا ( ولا ينقصون من اجورهم ادنى شيء وجمع اسم الاشارة والضمير لان من اوتي في معنى الجمع وتعليق القراءة بإيتاء الكتاب باليمين يدل على أن من اوتي كتابه بشماله إذا اطلع ما فيه غشيهم من الخجل والحيرة ما يحبس ألسنتهم عن القراءة ولذلك لم يذكرهم من أن قوله ) ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى ( أيضا مشعر بذلك فإن الأعمى لا يقرأ الكتاب والمعنى ومن كان في هذه الدنيا اعمى القلب لا يبصر رشده كان في الآخرة اعمى لا يرى طريق النجاة ) وأضل سبيلا ( منه في الدنيا لزوال الاستعداد وفقدان الآلة والمهلة وقيل لان الاهتداء بعد لا ينفعه والاعمى مستعار من فاقد الحاسة وقيل الثاني للتفضيل من عمي بقلبه كالاجهل والابله ولذلك لم يمله أبو عمرو ويعقوب فإن أفعل(3/459)
" صفحة رقم 460 "
التفضيل تمامه بمن فكانت ألفه في حكم المتوسطة كما في أعمالكم بخلاف النعت فإن الفه واقعة في الطرف لفظا وحكما فكانت معرضة للامالة من حيث إنها تصير ياء في التثنية وقد امالهما حمزة والكسائي وأبو بكر وقرأ ورش بين بين فيهما
الإسراء : ( 73 ) وإن كادوا ليفتنونك . . . . .
) وإن كادوا ليفتنونك ( نزلت في ثقيف قالوا لا ندخل في امرك حتى تعطينا خصالا نفتخر بها على العرب لا نعشر ولا نحشر ولا نجبى في صلاتنا وكل ربا لنا فهو لنا وكل ربنا علينا فهو موضوع عنا وان تمتعنا باللات سنة وان تحرم وادينا كما حرمت مكة فإن قالت العرب لم فلت ذلك فقل إن الله امرني وقيل في قريش قالوا لا نمكنك من استلام الحجر حتى تلم بآلهتنا وتمسها بيدك وان هي المخففة واللام هي الفارقة والمعنى أن الشان قاربوا بمبالغتهم أن يوقعوك في الفتنة بالاستنزال ) عن الذي أوحينا إليك ( من الأحكام ) لتفتري علينا غيره ( غير ما اوحينا اليك ) وإذا لاتخذوك خليلا ( ولو اتبعت مرادهم لاتخذوك بافتتانك وليا لهم بريئا من ولايتي
الإسراء : ( 74 ) ولولا أن ثبتناك . . . . .
) ولولا أن ثبتناك ( ولولا تثبيتنا اياك ) لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ( لقاربت أن تميل إلى اتباع مرادهم والمعنى انك كنت على صدد الركون إليهم لقوة خدعهم وشدة احتيالهم لكن ادركتك عصمتنا فمنعت أن تقرب من الركون فضلا عن أن تركن إليهم وهو صريح ف يانه ( صلى الله عليه وسلم ) ما هم بإجابتهم مع قوة الدواعي إليها ودليل على أن العصمة بتوفيق الله وحفظه
الإسراء : ( 75 ) إذا لأذقناك ضعف . . . . .
) إذا لأذقناك ( أي لو قاربت لاذقناك ) ضعف الحياة وضعف الممات ( أي عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ضعف ما نعذب به في الدارين بمثل هذا الفعل غيرك لأن خطأ الخطير أخطر وكان اصل الكلام عذابا ضعفا في الحياة وعذابا ضعفا في الممات بمعنى مضاعفا ثم حذف الموصوف واقيمت الصفة مقامه ثم اضيفت كما يشاف موصوفها وقيل الضعف من أسماء العذاب وقيل المراد ب ) ضعف الحياة ( عذاب الآخرة ) وضعف الممات ((3/460)
" صفحة رقم 461 "
عذاب القبر ) ثم لا تجد لك علينا نصيرا ( يدفع العذاب عنك
الإسراء : ( 76 ) وإن كادوا ليستفزونك . . . . .
) وإن كادوا ( وان كاد أهل مكة ) ليستفزونك ( ليزعجوك بمعاداتهم ) من الأرض ( أرض مكة ) ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك ( ولو خرجت لا يبقون بعد خروجك ) إلا قليلا ( وقد كان كذلك فإنهم اهلكوا ببدر بعد هجرته بسنة وقيل الآية نزلت في اليهود حسدوا مقام النبي بالمدينة فقالوا الشام مقام الأنبياء فإن كنت نيا فالحق بها حتى نؤمن بك فوقع ذلك في قلبه فخرج مرحلة فنزلت فرجع ثم قتل منهم بنوا قريظة واجلى بنو قريظة واجلى بنو النضير بقليل وقرئ / لا يلبثوا / منصوبا ب ) إذا ( على انه معطوف على جملة قوله ) وإن كادوا ليستفزونك ( لا على خبر كاد فإن إذا لا تعمل إذا كان معتمدا ما بعدها على ما قبلها وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب وحفص ) خلافك ( وهو لغة فيه قال الشاعر " عفت الديار خلافهم فكأنما بسط الشواطب بينهن حصيرا "
الإسراء : ( 77 ) سنة من قد . . . . .
) سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ( نصب على المصدر أي سن الله ذلك سنة وهو أن يهلك كل أمة اخرجوا رسولهم من بين اظهرهم فالسنة لله واضافتها إلى الرسل لأنها من اجلهم ويدل عليه ) ولا تجد لسنتنا تحويلا ( أي تغييرا
الإسراء : ( 78 ) أقم الصلاة لدلوك . . . . .
) أقم الصلاة لدلوك الشمس ( لزوالها ويدل عليه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر وقيل لغروبها واصل التركيب للانتقال ومنه الدلك فإن الدلك لا تستقر يده وكذا كل ما تركب من الدال واللام كدلج ودلح ودلع ودلف ودله وقيل الدلوك من الدلك لان الناظر إليها يدلك عينيه ليدفع(3/461)
" صفحة رقم 462 "
شعاعها واللام للتأقيت مثلها في لثلاث خلون ) إلى غسق الليل ( إلى ظلمته وهو وقت صلاة العشاء الاخيرة ) وقرآن الفجر ( وصلاة الصبح سميت قرآنا لانه ركنها كما سميت ركوعا وسجودا واستدل به على وجوب القراءة فيها ولا دليل فيه لجواز أن يكون التجوز لكونها مندوبة فيها نعم لو فسر بالقراءة في صلاة الفجر دل الأمر بإقامتها على الوجوب فيها نصا وفي غيرها قياسا ) إن قرآن الفجر كان مشهودا ( تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار أو شواهد القدرة من تبدل الظلمة بالضياء والنوم الذي هو اخو الموت بالانتباه أو كثير من المصلين أو من حقه أن يشهده الجم الغفير والاية جامعة للصلوات الخمس أن فسر الدلوك بالزوال ولصلوات الليل وحدها أن فسر بالغروب وقيل المراد بالصلاة صلاة المغرب وقوله ) لدلوك الشمس إلى غسق الليل ( بيان لمبدأ الوقت ومنتهاه ، واستدل به على أن الوقت يمتد إلى غروب الشفق .
الإسراء : ( 79 ) ومن الليل فتهجد . . . . .
) ومن الليل فتهجد به ( وبعض الليل فاترك الهجود للصلاة والضمير لل ) قرآن ( ) نافلة لك ( فريضة زائدة لك على الصلوات المفروضة أو فضيلة لك لاختصاص وجوبه بك ) عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ( مقاما يحمده القائم فيه وكل من عرفه وهو مطلق في كل مكان يتضمن كرامة والمشهور انه مقام الشفاعة لما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه انه ( صلى الله عليه وسلم ) قال هو المقام الذي اشفع فيه لامتي ولاشعاره بأن(3/462)
" صفحة رقم 463 "
الناس يحمدونه لقيامه فيه وما ذاك إلا مقام الشفاعة وانتصابه على الظرف بإضمار فعله أي فيقيمك مقاما أو بتضمين ) يبعثك ( معناه أو الحال بمعنى أن يبعثك ذا مقام
الإسراء : ( 80 ) وقل رب أدخلني . . . . .
) وقل رب أدخلني ( أي في القبر ) مدخل صدق ( ادخالا مرضيا ) وأخرجني ( أي منه عند البعث ) مخرج صدق ( اخراجا ملقى بالكرامة وقيل المراد ادخال المدينة والاخراج من مكة وقيل ادخاله مكة ظاهرا عليها واخراجه منها آمنا من المشركين وقيل ادخاله الغار واخراجه منه سالما وقيل ادخاله فيما حمله من اعباء الرسالة واخراجه منه مؤديا حقه وقيل ادخاله في كل ما يلابسه م مكان أو أمر واخراجه منه وقرئ ) مدخل ( و ) مخرج ( بالفتح على معنى ادخلني فأدخل دخولا واخرجني فأخرج خروجا ) واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ( حجة تنصرني على من خالفني أو ملكا ينصر الإسلام على الكفر فاستجاب له بقوله ) فإن حزب الله هم الغالبون ( ) ليظهره على الدين كله ( ) ليستخلفنهم في الأرض )
الإسراء : ( 81 ) وقل جاء الحق . . . . .
) وقل جاء الحق ( الإسلام ) وزهق الباطل ( وذهب وهلك الشرك من زهق روحه إذا خرج ) إن الباطل كان زهوقا ( مضمحلا غير ثابت عن ابن مسعود رضي الله عنه انه ( صلى الله عليه وسلم ) دخل مكة يوم الفتح وفيها ثلثمائة وستون صنما ينكت بمخصرته في عين واحد واحد منها فيقول جاء الحق وزهق الباطل فينكب لوجهه حتى القى جميعها وبقي صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من صفر فقال يا علي ارم به فصعد فرمى به فكسره
الإسراء : ( 82 ) وننزل من القرآن . . . . .
) وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ( ما هو في تقويم دينهم واستصلاح نفوسهم كالدواء الشافي للمرضى و ) من ( للبيان فإن كله كذلك وقيل انه للتبعيض والمعنى أن منه ما يشفى من المرض كالفاتحة وآيات الشفاء وقرأ البصريان ) ننزل ( بالتخفيف ) ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ( لتكذيبهم وكفرهم به(3/463)
" صفحة رقم 464 "
الإسراء : ( 83 ) وإذا أنعمنا على . . . . .
) وإذا أنعمنا على الإنسان ( بالصحة والسعة ) أعرض ( عن ذكر الله ) ونأى بجانبه ( لوى عطفه وبعد بنفسه عنه كأنه مستغن مستبد بأمره ويجوز أن يكون كناية عن الاستكبار لانه من عادة المستكبرين وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان هنا وفي فصلت / وناء / على القلب أو على انه بمعنى نهض ) وإذا مسه الشر ( من مرض أو فقر ) كان يؤوسا ( شديد اليأس من روح الله
الإسراء : ( 84 ) قل كل يعمل . . . . .
) قل كل يعمل على شاكلته ( قل كل أحد يعمل على طريقته التي تشاكل حاله في الهدى والضلالة أو جوهر روحه واحواله التابعة لمزاج بدنه ) فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا ( أسد طريقا وابين منهجا وقد فسرت الشاكلة بالطبيعة والعادة والدين
الإسراء : ( 85 ) ويسألونك عن الروح . . . . .
) ويسألونك عن الروح ( الذي يحيا به بدن الإنسان ويدبره ) قل الروح من أمر ربي ( من الابداعيات الكائنة ب ) كن ( من غير مادة وتولد من اصل كأعضاء جسده أو وجد بأمره وحدث بتكوينه على أن السؤال عن قدمه وحدوثه وقيل مما استأثر الله بعلمه لما روي أن اليهود قالوا لقريش سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فإن اجاب عنها أو سكت فليس بنبي وان اجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي فبين لهم القصتين وابهم أمر الروح وهو مبهم في التوراة ويقل الروح جبريل وقيل خلق اعظم من الملك وقيل القرآن ومن أمر ربي معناه من وحيه ) وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ( تستفيدونه بتوسط حواسكم فإن اكتساب العقل للمعارف النظرية إنما هو من الضروريات المستفادة من احساس الجزئيات ولذلك قيل من فقد حسا فقد فقد علما ولعل اكثر الاشياء لا يدركه الحس ولا شيئا من أحواله المعروفة لذاته وهو إشارة إلى أن الروح مما لا يمكن معرفة ذاته إلا بعوارض تميزه عما يلتبس به فلذلك اقتصر على هذا الجواب كما اقتصر موسى في جواب وما رب العالمين بذكر بعض صفاته روي انه ( صلى الله عليه وسلم ) لما قال لهم ذلك قالوا انحن مختصون بهذا الخطاب فقال بل نحن(3/464)
" صفحة رقم 465 "
وانتم فقالوا ما أعجب شأنك ساعة تقول ) ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ( وساعة تقول هذا فنزلت ) ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ( وما قالوه لسوء فهمهم لان الحكمة الانسانية أن يعلم من الخير والحق ما تسعه القوة البشرية بل ما ينتظم به معاشه ومعاده وهو بالاضافة إلى معلومات الله التي لا نهاية لها قليل ينال به خير الدارين وهو بالاضافة إليه كثيرا
الإسراء : ( 86 ) ولئن شئنا لنذهبن . . . . .
) ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ( اللام الأولى موطئة للقسم و ) لنذهبن ( جوابه النائب مناب جزاء الشرط والمعنى أن شئنا ذهبنا بالقرآن ومحوناه من المصاحف والصدور ) ثم لا تجد لك به علينا وكيلا ( من يتوكل علينا استرداده مسطورا محفوظا
الإسراء : ( 87 ) إلا رحمة من . . . . .
) إلا رحمة من ربك ( فإنها أن نالتك فلعلها تسترده عليك ويجوز أن يكون استثناء منقطعا بمعنى ولك رحمة ربك تركته غير مذهوب به فيكون امتنانا بابقائه بعد المنة في تنزيله ) إن فضله كان عليك كبيرا ( كإرساله وانزال الكتاب عليه وابقائه في حفظه
الإسراء : ( 88 ) قل لئن اجتمعت . . . . .
) قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ( في البلاغة وحسن النظم وكمال المعنى ) لا يأتون بمثله ( وفيهم العرب العرباء وارباب البيان وأهل التحقيق وهو جواب قسم محذوف دل عليه اللام الموطئة ولولا هي لكان جوب الشرط بلا جزم لكون الشرط ماضيا كقول زهير " وإن أتاه خليل يوم مسألة يقول لا غائب مالي ولا حرم " (3/465)
" صفحة رقم 466 "
) ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ( ولو تظاهروا على الاتيان به ولعله لم يذكر الملائكة لان اتيانهم بمثله لا يخرجه عن كونه معجزا ولانهم كانوا وسائط في اتيانه ويجوز أن تكون الآية تقريرا لقوله ) ثم لا تجد لك به علينا وكيلا )
الإسراء : ( 89 ) ولقد صرفنا للناس . . . . .
) ولقد صرفنا ( كررنا بوجوه مختلفة زيادة في التقرير والبيان ) للناس في هذا القرآن من كل مثل ( من كل معنى كالمثل في غرابته ووقوعه موقعها في الانفس ) فأبى أكثر الناس إلا كفورا ( إلا جحودا وانما جاز ذلك ولم يجز ضربت إلا زيدا لأنه متأول بالنفي
الإسراء : ( 90 ) وقالوا لن نؤمن . . . . .
) وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ( تعنتا واقتراحا بعد ما لزمتهم الحجة بيان اعجاز القرآن وانضمام غيره من المعجزات إليه وقرأ الكوفيون ويعقوب ) تفجر ( بالتخفيف والأرض ارض مكة والينبوع عين لا ينضب ماؤها يفعول من نبع الماء كيعبوب من عب الماء إذا زخر
الإسراء : ( 91 ) أو تكون لك . . . . .
) أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا ( أو يكون لك بستان يشتمل على ذلك
الإسراء : ( 92 ) أو تسقط السماء . . . . .
) أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ( يعنون قوله تعالى " أو تسقط عليهم كسفا من السماء " وهو كقطع لفظا ومعنى وقد سكنه ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب في جميع القرآن إلا في الروم وابن عامر إلا في هذه السورة وأبو(3/466)
" صفحة رقم 467 "
بكر ونافع في غيرهما وحفص فيما عدا الطور وهو أما مخفف من المفتوح كسدرة وسدر أو فعل بمعنى مفعول كالطحن ) أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ( كفيلا بما تدعيه أي شاهدا على صحته ضامنا لدركه أو مقابلا كالعشير بمعنى المعاشر وهو حال من الله وحال الملائكة محذوفة لدلالتها عليها كما حذف الخبر في قوله " فإني وقيار بها لغريب "
الإسراء : ( 93 ) أو يكون لك . . . . .
) أو يكون لك بيت من زخرف ( من ذهب وقد قرئ به واصله الزنية ) أو ترقى في السماء ( في معارجها ) ولن نؤمن لرقيك ( وحده ) حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ( وكان فيه تصديقك ) قل سبحان ربي ( تعجبا من اقتراحاتهم أو تنزيها لله من أن يأتي أو يتحكم عليه أو يشاركه أحد في القدرة وقرأ ابن كثير وابن عامر قال سبحان ربي أي قال الرسول ) هل كنت إلا بشرا ( كسائر الناس ) رسولا ( كسائر الرسل وكانوا لا يأتون قومهم إلا بما يظهره الله عليهم على ما يلائم حال قومهم ولم يكن أمر الآيات إليهم ولا لهم أن يتحكموا على الله حتى يخيروها علي هذا هو الجواب المجمل واما التفصيل فقد ذكر في آيات آخر كقوله ) ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس ( ) ولو فتحنا عليهم بابا )
الإسراء : ( 94 ) وما منع الناس . . . . .
) وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ( أي وما منعهم الإيمان بعد نزول الوحي وظهور الحق ) إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا ( إلا قولهم هذا والمعنى انه لم يبق لهم / شبهة تمنعهم عن الإيمان بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) والقرآن إلا إنكارهم أن يرسل الله بشرا
الإسراء : ( 95 ) قل لو كان . . . . .
) قل ( جوابا لشبهتهم ) لو كان في الأرض ملائكة يمشون ( ما يمشي بنو آدم ) مطمئنين ( ساكنين فيها ) لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ( لتمكنهم من الاجتماع(3/467)
" صفحة رقم 468 "
به والتلقي منه واما الأنس فعامتهم عماة من ادراك الملك والتلقف منه فان ذلك مشروط بنوع من التناسب والتجانس وملكيا يحتمل أن يكون حالا من رسول وان يكون موصوفا به وكذلك بشرا والاول اوفق
الإسراء : ( 96 ) قل كفى بالله . . . . .
) قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ( على أني رسول الله السكم باظهاره المعجزة على وفق دعواي أو على أني بلغت ما ارسلت به اليكم وانكم عاندتهم وشهيدا نصب على الحال أو التمييز ) إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ( يعلم أحوالهم الباطنة منها والظاهرة فيجازتهم عليها وفيه تسلية للرسول ص وتهديد للكفار
الإسراء : ( 97 - 98 ) ومن يهد الله . . . . .
) ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ( يهدونه ) ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم ( يسبحون عليها أو يمشون بها روي انه قتل لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كيف يمشون على وجوهم قال أن الذي امشاهم على اقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم ) عميا وبكما وصما ( لا يبصرون ما يقر اعينهم ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم ولا ينطقون بما يقبل منهم لانهم في ديناهم لم يستبصروا بالأيات والعبر وتصاموا عن استعماع الحق وأبو أن ينطقوا بالصدق ويجوز أن يحشروا بعد الحساب من الموقف إلى النار مؤفي القوى والحواس ) مأواهم جهنم كلما خبت ( سكن لهيها بان أكلت جلودهم ولحومهم ) زدناهم سعيرا ( توقدا بان نبدل جلودهم ولحومهم فتعود متلهبة مستعرة كأنهم لما كذبوا بالإعادة بعد الافناء جزاهم الله بان لا يزالوا على الاعادة والافناء واليه أشار بقوله ) ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا ( لان الاشارة إلى ما تقدم من عذابهم(3/468)
" صفحة رقم 469 "
الإسراء : ( 99 ) أولم يروا أن . . . . .
) أو لم يروا ( أو لم يعلموا ) أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم ( فانهم ليسوا اشد خلقا منهن ولا الاعادة اصعب عليه من الابداء ) وجعل لهم أجلا لا ريب فيه ( هو الموت أو القيامة ) فأبى الظالمون ( مع وضوح الحق ) إلا كفورا ( إلا جحودا
الإسراء : ( 100 ) قل لو أنتم . . . . .
) قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي ( خزائن رزقه وسائر نعمه وأنتم مرفوع بفعل يفسره ما بعده كقول حاتم لو ذات سوار لطمتني وفائدة هذا الحذف والتفسير المبالغة مع الايجاز والدلالة على الاختصاص ) إذا لأمسكتم خشية الإنفاق ( لبخلتم مخافة النفاد بالانفاق إذ لا أحد إلا ويختار النفع لنفسه ولو آثر غيره بشيء فإنما يؤثره لعوض يفوقه فهو إذن بخيل بالاضافة إلى جود الله تعالى وكرمه هذا وإن البخلاء اغلب فيهم ) وكان الإنسان قتورا ( بخيلا لان بناء أمره على الحاجة والضنة بما يحتاج إليه وملاحظة العوض فيما يبذله
الإسراء : ( 101 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
) ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ( هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وانفجار الماء من الحجر وانفلاق البحر ونتق الطور على بني إسرائيل وقيل الطوفان والسنون وقص الثمرات مكان الثلاثة الاخيرة وعن صفوان أن يهديا سأل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عنها فقال أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرفوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا من الزحف وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت فقبل اليهودي يده ورجله فعلى هذا المراد بالآيات الأحكام العامة للملل الثابتة في كل الشرائع سميت بذلك لأنها تدل على حال من يتعاطى متعلقها في الآخرة من السعادة أو الشقاوة وقوله وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا حكم مستأنف زائد على الجواب ولذلك غير فيه سياق الكلام ) فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم ( فقلنا له سلهم من فرعون ليرسلهم معك أو سلهم عن حال دينهم ويؤيده قراءة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسأل على لفظ المضي بغير همز وهو(3/469)
" صفحة رقم 470 "
لغة قريش و ) إذ ( متعلق بقلنا أو اسأل على هذه القراءة أو فاسأل يا محمد بني إسرائيل عما جرى بين موسى وفرعون إذ جاءهم أو عن الآيات ليظهر للمشركين صدقك أو للتتسلى نفسك أو لتعلم انه تعالى لو أتى بما اقترحوا لاصروا على العناد والمكابرة كمن قبلهم أو ليزادد يقينك لان تظاهر الأدلة يوجب قوة اليقين وطمأنينة القلب وعلى هذا كان ) إذ ( نصبا بآيتنا أو بإضمار يخبروك على انه جواب الأمر أو باضمار اذكر على الاستئناف ) فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا ( سحرت فتخبط عقلك
الإسراء : ( 102 ) قال لقد علمت . . . . .
) قال لقد علمت ( يا فرعون وقرأ الكسائي بالضم على اخباره عن نفسه ) ما أنزل هؤلاء ( يعني الآيات ) إلا رب السماوات والأرض بصائر ( بينات تبصرك صدقي ولكنك تعاند وانتصابه على الحال ) وإني لأظنك يا فرعون مثبورا ( مصروفا عن الخير مطبوعا على الشر من قولهم ما ثبرك عن هذا أي ما صرفك أو هالكا قارع ظنه بظنه وشتان ما بين الظنين فإن ظن فرعون كذب بحت وظن موسى يحوم حول اليقين من تظاهر اماراته وقرئ / وإن أخالك يا فرعون لمثبورا / على أن المخففة واللام هي الفارقة
الإسراء : ( 103 ) فأراد أن يستفزهم . . . . .
) فأراد ( فرعون ) أن يستفزهم ( أن يستخف موسى وقومه وينفيهم ) من الأرض ( أرض مصر أو الأرض مطلقا بالقتل والاستئصال ) فأغرقناه ومن معه جميعا ( فعكسنا عليه مكره فاستفززناه وقومه بالاغراق
الإسراء : ( 104 ) وقلنا من بعده . . . . .
) وقلنا من بعده ( من بعد فرعون أو اغراقه ) لبني إسرائيل اسكنوا الأرض ( التي أراد أن يستفزكم منها ) فإذا جاء وعد الآخرة ( الكرة أو الحياة أو الساعة أو الدار الآخرة يعني قيام القيامة ) جئنا بكم لفيفا ( مختلطين اياكم واياهم ثم نحكم بينكم ونميز سعداءكم من اشقيائكم واللفيف الجماعات من قبائل شتى(3/470)
" صفحة رقم 471 "
الإسراء : ( 105 ) وبالحق أنزلناه وبالحق . . . . .
) وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ( أي وما انزلنا القرآن إلا ملتبسا بالحق المقتضي لانزاله وما نزل على الرسول إلا ملتبسا بالحق الذي اشتمل عليه وقيل وما انزلناه من السماء إلا محفوظا بالرصد من الملائكة وما نزل على الرسول إلا محفوظا بهم من تخليط الشياطين ولعله أراد به نفي اعتراء البطلان له أول الأمر وآخره ) وما أرسلناك إلا مبشرا ( للمطيع بالثواب ) ونذيرا ( للعاصي بالعقاب فلا عليك إلا التبشير والانذار
الإسراء : ( 106 ) وقرآنا فرقناه لتقرأه . . . . .
) وقرآنا فرقناه ( نزلناه مفرقا منجما وقيل فرقنا فيه الحق من الباطل فحذف الجار كما في قوله ويما شهدناه وقرئ بالتشديد لكثرة نجومه فإنه نزل في تضاعيف عشرين سنة ) لتقرأه على الناس على مكث ( على مثل وتؤدة فإنه ايسر للحفظ وأعن في الفهم وقرس بالفتح وهو لغة فيه ) ونزلناه تنزيلا ( على حسب الحوادث
الإسراء : ( 107 ) قل آمنوا به . . . . .
) قل آمنوا به أو لا تؤمنوا ( فإن ايمانكم بالقرآن لا يزيد كمالا وامتناعكم عنه لا يورثه نقصا وقوله ) إن الذين أوتوا العلم من قبله ( تعليل له أي أن لم تؤمنوا به فقد آمن به من هو خير منكم وهم العلماء الذين قرؤوا الكتب السابقة وعرفوا حقيقة الوحي وامارات النبوة وتمكنوا من الميز بين المحق والمبطل أو رأوا نعتك وصفة ما انزل إليك في تلك الكتب ويجوز أن يكون تعليلا ل ) قل ( على سبيل التسلية كأنه قيل تسل بإيمان العلماء عن إيمان الجهلة ولا تكترث بإيمانهم وإعراضهم ) إذا يتلى عليهم ( القرآن ) يخرون للأذقان سجدا ( يسقطون على وجوههم تعظيما لأمر الله أو شكرا لانجاز وعده في تلك الكتب ببعثه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) على فترة من الرسل وانزال القرآن عليه
الإسراء : ( 108 ) ويقولون سبحان ربنا . . . . .
) ويقولون سبحان ربنا ( عن خلف الموعد ) إن كان وعد ربنا لمفعولا ( انه كان وعده كائنا لا محالة
الإسراء : ( 109 ) ويخرون للأذقان يبكون . . . . .
) ويخرون للأذقان يبكون ( كرره لاختلاف الحال والسبب فإن الأول للشكر عند انجاز الوعد والثاني لما اثر فيهم من مواعظ القرآن حال كونهم باكين من خشية الله وذكر الذقن لانه أول ما يلقى الأرض من وجه الساجد واللام فيه لاختصاص الخرور به ) ويزيدهم ( سماع القرآن ) خشوعا ( كما يزيدهم علما ويقينا بالله(3/471)
" صفحة رقم 472 "
الإسراء : ( 110 ) قل ادعوا الله . . . . .
) قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ( نزلت حين سمع المشركون رسول الله يقول يا الله يا رحمن فقالوا انه ينهانا أن نعبد الهين وهو يدعو الها آخر أو قالت اليهود انك لتقل ذكر الرحمن وقد اكثره الله في التوراة والمراد على الأول هو التسوية بين اللفظين بانهما يطلقان على ذات واحدة وان اختلف اعتبار اطلاقهما والتوحيد إنما هو للذات الذي هو المعبود المطلق وعلى الثاني انههم سيان في حسن الإطلاق والافضاء إلى المقصود وهو اجود لقوله ) أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ( والدعاء في الآية بمعنى التسمية وهو يتعدى إلى مفعولين حذف أولهما استغناء عنه وأو للتخيير والتنوين في ) أيا ( عوض عن المضاف إليه و ) ما ( صلة لتأكيد ما في ) أيا ( من الإبهام والضمير في ) فله ( للمسمى لأن التسمية له لا للاسم وكان اصل الكلام ) أيا ما تدعوا ( فهو حسن فوضع موضعه فله الأسماء الحسنى للمبالغة والدلالة على ما هو الدليل عليه وكونها حسنى لدلالتها على صفات الجلال والاكرام ) ولا تجهر بصلاتك ( بقراءة صلاتك حتى تسمع المشركين فإن ذلك يحملهم على السب واللغو فيها ) ولا تخافت بها ( حتى لا تسمع من خلفك من المؤمنين ) وابتغ بين ذلك ( بين الجهر والمخافتة ) سبيلا ( وسطا فإن الاقتصاد في جميع الأمور محبوب روي أن أبا بكر رضي الله عنه كان يخفت ويقول اناجي ربي وقد علم حاجتي وعمر رضي الله عنه كان يجهر ويقول اطرد الشيطان واوقظ الوسنان فلما نزلت أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أبا بكر أن يرفع قليلا وعمر أن يخفض قليلا قيل معناه لا(3/472)
" صفحة رقم 473 "
تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها بأسرها وابتغ بين ذلك سبيلا بالاخفات نهارا والجهر ليلا
الإسراء : ( 111 ) وقل الحمد لله . . . . .
) وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ( في الألوهية ) ولم يكن له ولي من الذل ( ولي يواليه من اجل مذلة به ليدفعها بموالاته نفى عنه أن يكون له ما يشاركه من جنسه ومن غير جنسه اختيارا واضطرارا وما يعاونه ويقويه ورتب الحمد عليه للدلالة على انه الذي يستحق جنس الحمد لأنه الكامل الذات المنفرد بالايجاد المنعم على الإطلاق وما عداه ناقص مملوك نعمة أو منعم عليه ولذلك عطف عليه قوله ) وكبره تكبيرا ( وفيه تنبيه على أن العبد وان بالغ في التنزيه والتمجيد واجتهد في العبادة والتحميد ينبغي أن يعترف بالقصور عن حقه في ذلك روي انه ( صلى الله عليه وسلم ) كان إذا افصح الغلام من بني عبد المطلب علمه هذه الآية وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة بني إسرائيل فرق قلبه عند ذكر الوالدين كان له قنطار في الجنة والقنطار ألف أوقية ومائتا أوقية والله اعلم بالصواب واليه المرجع والمآب(3/473)
" صفحة رقم 474 "
سورة الكهف
مكية وقيل إلا قوله ) واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم ( الآية وهي مائة واحدى عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الكهف : ( 1 ) الحمد لله الذي . . . . .
) الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ( يعني القرآن رتب استحقاق الحمد على انزاله تنبيها على انه اعظم نعمائه وذلك لانه الهادي إلى ما فيه كمال العباد والداعي إلى ما به ينتظم صلاح المعاش والمعاد ) ولم يجعل له عوجا ( شيئا من العوج باختلال في اللفظ وتناف في المعنى أو انحراف من الدعوة إلى جانب الحق وهو في المعاني كالعوج في الاعيان(3/474)
" صفحة رقم 475 "
الكهف : ( 2 ) قيما لينذر بأسا . . . . .
) قيما ( مستقيما معتدلا لا افراط فيه ولا تفريط أو ) قيما ( بمصالح العباد فيكون وصفا له بالتكميل بعد وصفه بالكمال أو على الكتب السابقة يشهد بصحتها وانتصابه بمضمر تقديره جعله قيما أو على الحال من الضمير في ) له ( أو من ) الكتاب ( على أن الواو ) ولم يجعل ( للحال دون العطف إذ لو كان للعطف لكان المعطوف فاصلا بين ابعاض المعطوف عليه ولذلك قيل فيه تقديم وتأخير ) قيما ( ) لينذر بأسا شديدا ( أي لينذر الذين كفروا عذبا شديدا فحذف المفعول الأول اكتفاء بدلالة القرينة واقتصارا على الغرض المسوق إليه ) من لدنه ( صادرا من عنده وقرأ أبو بكر بإسكان الدال كإسكان الباء من سبع مع الاشمام ليدل على اصله وكسر النون لالتقاء الساكنين وكسر الهاء للاتباع ) ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ( هو الجنة
الكهف : ( 3 ) ماكثين فيه أبدا
) ماكثين فيه ( في الاجر ) أبدا ( بلا انقطاع(3/475)
" صفحة رقم 476 "
الكهف : ( 4 ) وينذر الذين قالوا . . . . .
) وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ( خصهم بالذكر وكرر الانذار متعلقا بهم استعظاما لكفرهم وانما لم يذكر المنذر به استغناء بتقدم ذكره
الكهف : ( 5 ) ما لهم به . . . . .
) ما لهم به من علم ( أي بالولد أو باتخاذه أو بالقول والمعنى انهم يقولوه عن جهل مفرط وتوهم كاذب أو تقليد لما سمعوه من اوائلهم من غير علم بالمعنى الذي ارادوا به فإنهم كانوا يطلقون الاب والابن بمعنى المؤثر والاثر أو بالله إذ لو علموه لما جوزا نسبة الاتخاذ إليه ) ولا لآبائهم ( الذين تقولوه بمعنى التبني ) كبرت كلمة ( عظمت مقالتهم هذه في الكفر لما فيها من التشبيه والتشريك وإيهام احتياجه تعالى إلى ولد يعينه ويخلفه إلى غير ذلك من الزيغ و ) كلمة ( نصب على التمييز وقرئ بالرفع على الفاعلية والاول ابلغ وادل على المقصود ) تخرج من أفواههم ( صفة لها تفيد استعظام اجترائهم على(3/476)
" صفحة رقم 477 "
اخراجها من افواهم والخارج بالذات هو الهواء الحامل لها وقيل صفة محذوف هو المخصوص بالذم لان كبرها هنا بمعنى بئس وقرئ ) كبرت ( بالسكون مع الاشمام ) إن يقولون إلا كذبا )
الكهف : ( 6 ) فلعلك باخع نفسك . . . . .
) فلعلك باخع نفسك ( قاتلها ) على آثارهم ( إذا ولوا عن الإيمان لما يداخله من الوجد على توليهم بمن فارقته اعزته فهو يتحسر على آثارهم ويبخع نفسك وجدا عليهم وقرئ ) باخع نفسك ( على الاضافة ) إن لم يؤمنوا بهذا الحديث ( بهذا القرآن ) أسفا ( للتأسف عليهم أو متأسفا عليهم والاسف فرط الحزن والغضب وقرئ ) إن ( بالفتح على لأن فلا يجوز أعمال ) باخع ( إلا إذا جعل حكاية حال ماضية(3/477)
" صفحة رقم 478 "
الكهف : ( 7 ) إنا جعلنا ما . . . . .
) إنا جعلنا ما على الأرض ( من الحيوان والنبات والمعادن ) زينة لها ( ولأهلها ) لنبلوهم أيهم أحسن عملا ( في تعاطيه وهو من زهد فيه ولم يغتر به وقنع منه بما يزجي به أيامه وصرفه على ما ينبغي وفيه تسكين لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
الكهف : ( 8 ) وإنا لجاعلون ما . . . . .
) وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ( تزهيد فيه والجزر الأرض التي قطع نباتها مأخوذ من الجرز وهو القطع والمعنى إنا لنعيد ما علينا من الزينة ترابا مستويا بالأرض ونجعله كصعيد املس لا نبات فيه
الكهف : ( 9 ) أم حسبت أن . . . . .
) أم حسبت ( بل احسبت ) أن أصحاب الكهف والرقيم ( في ابقاء حياتهم مدة مديدة ) كانوا من آياتنا عجبا ( وقصتهم بالاضافة إلى خلق ما على الأرض من الاجناس والانواع الفائتة للحصر على طبائع متباعدة وهيئات متخالفة تعجب الناظرين من مادة(3/478)
" صفحة رقم 479 "
واحدة ثم ردها إليها ليس بعجيب مع أنه من آيات الله كالنزر الحقير و ) الكهف ( الغار الواسع في الجبل و ) والرقيم ( اسم الجبل أو الوادي الذين فيه كهفهم أو اسم قريتهم أو كلبهم قال أمية بن أبي الصلت " وليس بها إلا الرقيم جاورا وصيدهمو والقوم في الكهف هجد " أو لوح رصاصي أو حجري رقمت فيه اسماؤهم وجعل على باب الكهف وقيل أصحاب الرقيم قوم آخرون كانوا ثلاثة خرجوا يرتادون لأهلهم فأخذتهم السماء فأووا إلى الكهف فانحطت صخرة وسدت بابه فقال أحدهم اذكروا ايكم عمل حسنة لعل الله يرحمنا ببركته فقال أحدهم استعملت اجراء ذات يوم فجاء رجل وسط النهار وعمل في بقيته مثل عملهم فأعطيته ثم اجرهم فغضب أحدهم وترك اجره فوضعته في جانب البيت ثم مر بي بقر فاشتريت به فصيلة فبلغت ما شاء الله فرجع الي بعد حين شيخا ضعيفا لا اعرفه وقال إنه لي عندك حقا وذكره لي حتى عرفته فدفعتها إليه جميعا اللهم أن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا فانصدع الجبل حتى رأوا الضوء وقال آخر كان في فضل وصابت الناس شدة فجاءتني امرأة فطلبت مني معروفا فقلت والله ما هو دون فك فأبت وعادت ثم رجعت ثلاثا ثم ذكرت لزوجها فقال اجيبي له واغيثي عيالك فأتت وسلمت الي نفسها فلما تكشفتها وهممت بها ارتعدت فقلت ما لك قالت اخاف الله فقلت لها خفته في الشدة ولم اخفه في الرخاء فتركتها واعطيتها ملتمسها اللهم أن كنت فعلته لوجهك فافرج عنا فانصدع حتى تعارفوا وقال الثالث كان لي ابوان هرمان وكانت(3/479)
" صفحة رقم 480 "
لي غنم وكنت اطعمهما واسقيهما ثم ارجع إلى غنمي فحبسني ذات يوم غيث فلم ابرح حتى امسيت فأتيت أهلي وأخذت محلبي فحلبت فيه ومضيت أليهما فوجدتهما نائمين فشق علي أن اوقظهما فوقعت جاليا ومحلبي على يدي حتى ايقظهما الصبح فسقيتهما اللهم أن كنت فعلته لوجهك فافرح عنا ففرج الله عنهم فخرجوا وقد رفع ذلك نعمان بن بشير
الكهف : ( 10 ) إذ أوى الفتية . . . . .
) إذ أوى الفتية إلى الكهف ( يعني فتية من اشراف الروم أرادهم دقيانوس على الشرك فأبوا وهربوا إلى الكهف ) فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة ( توجب لنا المغرفة والرزق والامن من العدو ) وهيئ لنا من أمرنا ( من الأمر الذي نحن عليه من مفارقة الكفار ) رشدا ( نصيرا بسببه راشدين مهتدين أو اجعل ارنا كله رشدا كقولك رأيت منك اسدا وأ ل التهيئة احداث هيئة الشيء
الكهف : ( 11 ) فضربنا على آذانهم . . . . .
) فضربنا على آذانهم ( أي ضربنا عليهم حجابا يمنع السماع بمعنى انمناهم انامة لا تنبههم فيها الاصوات فحذف المفعول كما حذف في قولهم بنى على امرأته ) في الكهف سنين ((3/480)
" صفحة رقم 481 "
ظرفان لضربنا ) عددا ( أي ذوات عدد ووصف السنين به يحتمل التكثير والتقليل فإن مدة لبثهم كبعض يوم عنده
الكهف : ( 12 ) ثم بعثناهم لنعلم . . . . .
) ثم بعثناهم ( ايقظناهم ) لنعلم ( ليتعلق علمنا تعلقا حاليا مطابقا لتعلقه اولا تعلقا استقباليا ) أي الحزبين ( المختلفين منهم أو من غيرهم في مدة لبثهم ) أحصى لما لبثوا أمدا ( ضبط امد الزمان لبثهم وما في أي من معنى الاستفهام علق عنه لنعلم فهو مبتدأ و ) أحصى ( خبره وهو فعل ماض و ) أمدا ( مفعول له و ) لما لبثوا ( حال منه أو مفعول له وقيل إنه المفعول واللام مزيدة وما موصولة و ) أمدا ( تمييز وقيل ) أحصى ( اسم تفضل من الاحصاء بحذف الزوائد كقولهم هو أحصى للمال وافلس من ابن المذلق و ) أمدا ( نصب بفعل دل عليه ) أحصى ( كقوله " واضرب منا بالسيوف القوانسا " (3/481)
" صفحة رقم 482 "
الكهف : ( 13 ) نحن نقص عليك . . . . .
) نحن نقص عليك نبأهم بالحق ( بالصدق ) إنهم فتية ( شبان جمع فتى كصبي وصبية ) آمنوا بربهم وزدناهم هدى ( بالتثبيت
الكهف : ( 14 ) وربطنا على قلوبهم . . . . .
) وربطنا على قلوبهم ( وقويناها بالصبر على هجر الوطن والاهل والمال والجراءة على اظهار الحق والرد على دقيانوس الجبار ) إذ قاموا ( بين يديه ) فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا ( والله لقد قلنا قولا ذا شطط أي ذا بعد عن الحق مفرط في الظلم
الكهف : ( 15 ) هؤلاء قومنا اتخذوا . . . . .
) هؤلاء ( مبتدأ ) قومنا ( عطف بيان ) اتخذوا من دونه آلهة ( خبره وهو إخبار في معنى انكار ) لولا يأتون ( هلا يأتون ) عليهم ( على عبادتهم ) بسلطان بين ( ببرهان ظاهر فإن الدين لا يؤخذ إلا به وفيه دليل على أن ما لا دليل عليه من الديانات مردود وان التقليد فيه غير جائز ) فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( بنسبة الشريك إليه
الكهف : ( 16 ) وإذ اعتزلتموهم وما . . . . .
) وإذ اعتزلتموهم ( خطاب بعضهم لبعض ) وما يعبدون إلا الله ( عطف على الضمير المنصوب أي وإذا اعتزلتم القوم ومعبوديهم إلا الله فإنهم كانوا يعبدون الله ويبعدون الاصنام كسائر المشركين ويجوز أن تكون ) ما ( مصدرية على تقدير وإذ اعتزلتموهم وعبادتهم إلا عبادة الله وأن تكون نافية على انه إخبار من الله تعالى عن الفتية بالتوحيد معترضين بين ) إذ ( وجوابه لتحقيق اعتزالهم ) فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم ( يبسط الرزق لكم ويوسع عليكم ) من رحمته ( في الدارين ) ويهيئ لكم من أمركم مرفقا ( ما ترتفقون به أي تنتفعون وجزمهم بذلك لنصوع يقينهم وقوة وثوقهم بفضل الله تعالى وقرأ نافع وابن عامر ) مرفقا ( بفتح الميم وكسر الفاء وهو مصدر جاء شاذا كالمرجع والمحيض فإن قياسه الفتح(3/482)
" صفحة رقم 483 "
الكهف : ( 17 ) وترى الشمس إذا . . . . .
) وترى الشمس ( لو رأيتهم والخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل أحد ) إذا طلعت تزاور عن كهفهم ( تميل عنه ولا يقع شعاعها عليهم يؤذيه لان الكهف كان جنوبيا أو لان الله تعالى زورها عنهم واصله تتزاول فأدغمت التاء في الزاي وق أ الكوفيون بحذفها وابن عامر ويعقوب / تزور / كتحمر وقرئ ) تزاور ( كتحمار وكلها من الزور بمعنى الميل ) ذات اليمين ( جهة اليمين وحقيقتها الجهة ذات اسم اليمين ) وإذا غربت تقرضهم ( تقطعهم وتصرم عنهم ) ذات الشمال ( يعني يمين الكهف وشماله لقوله ) وهم في فجوة منه ( أي وهم في متسع من الكهف يعني في وسطه بحيث ينالهم روح الهواء ولا يؤذيهم كرب الغار ولا حر الشمس وذلك لأن باب الكهف في مقابلة بنات نعش واقرب المشارق والمغارب إلى محاذاته مشرق رأس السرطان ومغربه والشمس إذا كان مدارها مداره تطلق مائلة عنه مقابلة لجانبه الأبيض وهو الذي يلي المغرب وتغرب محاذية لجانبه الايسر فيقع شعاعها على جانبيه ويحلل عفونته ويعدل هواءه ولا يقع عليهم فيؤذي أجسادهم ويبلي ثيابهم ) ذلك من آيات الله ( أي شأنهم وايواؤهم إلى كهف شأنه كذلك أو اخبارك بالتوفيق ) فهو المهتد ( الذي اصاب الفلاح والمراد به أما الثناء عليهم أو التنبيه على أن امثال هذه الآيات كثيرة ولكن المنتفع بها من وفقه الله للتأمل فيها والاستبصار بها ) ومن يضلل ( ومن يخذله ) فلن تجد له وليا مرشدا ( من يليه ويرشده(3/483)
" صفحة رقم 484 "
الكهف : ( 18 ) وتحسبهم أيقاظا وهم . . . . .
) وتحسبهم أيقاظا ( لانفتح عيونهم أو لكثر تقلبهم ) وهم رقود ( نيام ) ونقلبهم ( في رقدتهم ) ذات اليمين وذات الشمال ( كيلا تأكل الأرض ما يليها من ابدانهم على طول الزمان وقرئ / ويقلبهم / بالياء والضمير لله تعالى و ) ونقلبهم ( على المصدر منصوبا بعفل يدل عليه تحسبهم أي وترى تقلبهم ) وكلبهم ( هو مروا به فتبعهم فطردوه فأنطقه الله فقال أنا احب احباء الله فناموا وأنا احرسكم أو كلب راع مروا به فتبعهم وتبعه الكلب ويؤيده قراءة من قرأ و / كالبهم / أي وصاحب كلبهم ) باسط ذراعيه ( حكاية حال ماضية ولذلك اعمل اسم الفاعل ) بالوصيد ( بفناء الكهف وقيل الوصيد الباب وقيل العتبة ) لو اطلعت عليهم ( فنظرت إليهم وقرئ ) لو اطلعت ( بضم الواو ) لوليت منهم فرارا ( لهربت منهم و ) فرارا ( يحتمل المصدر لأنه نوع من التولية والعلة والحال ) ولملئت منهم رعبا ( خوفا يملأ صدرك بما ألبسهم الله من الهيبة أو لعظم اجرامهم وانفتاح عيونهم وقيل لوحشة مكانهم وعن معاوية رضي الله عنه انه غزا الروم فمر بالكهف فقال لو كشفت لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال له ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ليس لك ذلك قد منع الله تعالى منه من هو خير منك فقال ) لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ( فلم يسمع وبعث ناسا فلما دخلوا جاءت ريح فاحرقتهم وقرأ الحجازيان / لملئت / بالتشديد للمبالغة وابن عامر والكسائي ويعقوب ) رعبا ( بالتثقيل
الكهف : ( 19 ) وكذلك بعثناهم ليتساءلوا . . . . .
) وكذلك بعثناهم ( وكما أنمناهم آية بعثناهم آية على كمال قدرتنا ) ليتساءلوا بينهم ((3/484)
" صفحة رقم 485 "
ليسأل بعضهم بعضا فتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم فيزدادوا يقينا على كمال قدرة الله تعالى ويستبصروا به أمر البعث ويشركوا ما انعم الله به عليهم ) قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ( بناء على غالب ظنهم لان النائم لا يحصي مدة نومه ولذلك احالوا العلم إلى الله تعالى ) قالوا ربكم أعلم بما لبثتم ( ويجوز أن يكون ذلك قول بعضهم وهذا انكار الآخرين عليهم وقيل انهم دخلوا الكهف غدة وانتبهوا ظهيرة وظنوا انهم في يومهم أو اليوم الذي بعده قالوا ذلك فلما نظروا إلى طول اظفارهم واشعارهم قالا هذا ثم لما علموا أن الأمر ملتبس لا طريق لهم إلى علمه اخذوا فيما يهمهم وقالوا ) فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة ( والورق الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة وقرأ أبو بكر وأبو عمرو وحمزة وروح عن يعقوب بالتخفيف وقرئ بالتثقيل وادغام القاف في الكاف وبالتخفيف مكسور الواو مدغما وغير مدغم ورد المدغم لالتقاء الساكنين على غير حده وحملهم له دليل على أن التزود رأي المتوكلين والمدينة طرسوس ) فلينظر أيها ( أي أهلها ) أزكى طعاما ( احل واطيب أو اكثر وارخص ) فليأتكم برزق منه وليتلطف ( وليتكلف اللطف في المعاملة حتى لا يغبن أو في التخفي حتى لا يعرف ) ولا يشعرن بكم أحدا ( ولا يفعلن ما يؤدي إلى الشعور
الكهف : ( 20 ) إنهم إن يظهروا . . . . .
) إنهم إن يظهروا عليكم ( أي يطلعوا عليكم أو يظفروا بكم والضمير للأهل المقدر في ) أيها ( ) يرجموكم ( يقتلوكم بالرجم ) أو يعيدوكم في ملتهم ( أو يصيروكم إليها كرها من العود بمعنى الصيرورة وقيل كانوا اولا على دينهم فآمنوا ) ولن تفلحوا إذا أبدا ( إن دخلتم في ملتهم(3/485)
" صفحة رقم 486 "
الكهف : ( 21 ) وكذلك أعثرنا عليهم . . . . .
) وكذلك أعثرنا عليهم ( وكما انمناهم وبعثناهم لتزداد بصيرتهم اطلعنا عليهم ) ليعلموا ( ليعلم الذين اطلعناهم على حالهم ) إن وعد الله ( بالبعث أو الموعود الذي هو البعث ) حق ( لأن نومهم وانتباههم كحال من يموت ثم يبعث ) وأن الساعة لا ريب فيها ( وأن القيامة لا ريب في امكانها فإن من توفى نفوسهم وامسكها ثلاثمائة سنني حافظا أبدانها عن التحلل والتفتت ثم ارسلنا إليها قد أن يتوفى نفوس جميع الناس ممسكا إياها إلى أن يحشر ابدانهم فيردها عليها ) إذ يتنازعون ( ظرف ل ) أعثرنا ( أي اعثرنا عليهم حين يتنازعون ) بينهم أمرهم ( أمر دينهم وكان بعضم يقول تبعث الارواح مجردة وبعضهم يقول يبعثان معا ليرتفع الخلاف ويتبين انهما يبعثان معا أو أمر الفتية حين أماتهم الله ثانيا بالموت فقال بعضهم ماتوا وقال اخرون لنتخذن عليهم مسجدا يصلى فيه كما قال تعالى ) ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ((3/486)
" صفحة رقم 487 "
وقوله ) ربهم أعلم بهم ( اعتراض أما من الله ردا على الخائضين في أمرهم من أولئك المتنازعين في زمانهم أو من المتنازعين فيهم على عهد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أو من المتنازعين للرد إلى الله بعد ما تذكرا أمرهم وتناقلوا في انسابهم واحوالهم فلم يتحقق لهم ذلك حكي أن المبعوث لما دخل السوق واخرج الدراهم وكان عليها اسم دقيانوس اتهموه بأنه وجد كنزا فذهبوا به إلى الملك وكان نصرانيا موحدا فقص عليه القصص فقال بعضهم إن آباءنا اخبرونا أن فتية فرا بدينهم من دقيانوس فلعلهم هؤلاء فانطلق الملك أهل المدينة من مؤمن وكافر وابصروهم وكلموهم ثم قالت الفتية للملك نستودعك الله ونعيذك به من شر الجن والانس ثم رجعوا إلى مضاجعهم فماتوا فدفنهم الملك في الكهف وبني عليم مسجدا وقيل لما انتهوا إلى الكهف قال لهم الفتى مكانكم حتى ادخل اولا لئلا يفزعوا فدخل فعمي عليهم المدخل فبنوا ثم مسجدا
الكهف : ( 22 ) سيقولون ثلاثة رابعهم . . . . .
) سيقولون ( أي الخائضون في قصتهم في عهد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من أهل الكتاب والمؤمنين ) ثلاثة رابعهم كلبهم ( أي هم ثلاثة رجال يربعهم كلبهم بانضمامه إليهم قيل هو قول اليهود وقيل هو قول السيد من نصارى نجران وكان يعقوبيا ) ويقولون خمسة سادسهم كلبهم ((3/487)
" صفحة رقم 488 "
قاله النصارى أو العاقب منهم وكاننسطوريا ) رجما بالغيب ( يرمون رميا بالخبر الخفي الذي لا مطلع لهم عليه واتيانا به أو ظنا بالغيب من قولهم رجم بالظن إذا ظنوإنما لم يذكر بالسين اكتفاء بعطفه على ما هو فيه ) ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ( إنما قاله المسلمون بإخبار الرسول لهم عن جبريل عليهما الصلاة والسلام وايماء الله تعالى إليه بأنه اتبعه قوله ) قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل ( واتبع الأولين قوله رجما بالغيب وبأن اثبت العلم بهم لطافة بعد ما حصر اقوال الطوائف في الثلاثة المذكورة فإن عدم ايراج رابع في نحو هذا المحل دليل العدم مع أن الأصل ينفيه ثم رد الأولين بأن اتبعهما قوله ) رجما بالغيب ( ليتعين الثالث وبأن ادخل فيه الواو على الجملة الواقعة صفة للنكرة تشبيها لها بالواقعة حالا م المعرفة لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف والدلالة على(3/488)
" صفحة رقم 489 "
أن اتصافه بها أمر ثابت وعن علي رضي الله عنه هم سبعة وثمانهم كلبهم واسماؤهم يمليحا ومكشينيا ومشلينيا هؤلاء أصحاب يمين الملك ومرنوش ودبرنوش وشاذنوش احصاب يساره وكان يستشيرهم والسابع الراعي الذي وافقهم واسم كلبهم قطمير واسم مدينتهم افسوس وقيل الأقوال الثلاثة لأهل الكتاب والقليل منهم ) فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ( فلا تجادل في شأن الفتية إلا جدالا ظاهرا غير متعمق فيه وهو أن تقص عليم ما في القرآن من غير تجهيل لهم والرد عليهم ) ولا تستفت فيهم منهم أحدا ( ولا تسأل احدا عن قصتهم سؤال مسترشد فإنما فيما اوحي إليك لمندوحة من غيره مع أنه لا علم لهم بها ولا سؤال متعنت تريد تفضيح المسؤول وتزييف ما عنده فإنه مخل بمكارم الأخلاق
الكهف : ( 23 - 24 ) ولا تقولن لشيء . . . . .
) ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ( نهي تأديب من الله تعالى لنبيه حين قالت اليهود لقريش سلوه عن الروح واصحاب الكهف وذي القرنين فسألوه فقال ائتوني غدا أخبركم ولم يستثن فابطأ عليه الوحي بشعة عشر يوما حتى شق عليه وكذبه قريش والاستثناء من النهي أي ولا تقولن أجل شيء تعزم عليه أني فاعله فيما يستقبل إلا ب ) أن يشاء الله ( أي إلا ملتبسا بمشيئته قائلا إن شاء الله أو إلا وقت أن يشاء الله أن تقوله بمعنى أن يأذن لك فيه ولا يجوز تعليقه بفاعل لأن استثناء اقتران المشيئة بالفعل(3/489)
" صفحة رقم 490 "
غير سديد استثناء اعتراضها دونه لا يناسب النهي ) واذكر ربك ( مشيئة ربك وقل أن شاء الله كما روي انه لما نزل قال ( صلى الله عليه وسلم ) إن شاء الله ) إذا نسيت ( إذا فرط منك نسيان لذلك ثم تذكرته وعن ابن عباس ولو بعد سنة ما لم يحنث ولذلك جوز تأخير الاستثناء عنه وعامة الفقهاء على خلافه لأنه لو صح ذلك لم يتقرر اقرارا ولا طلاق ولا عتاق ولم يعلم صدق ولا كذب وليس في الآية والخبر أن الاستثناء المتدارك به من القول السابق بل هو من مقدر مدلول به عليه ويجوز أن يكون المعنى واذكر ربك بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت الاستثناء مبالغة في الحث عليه أو اذكر ربك وعقابه إذا(3/490)
" صفحة رقم 491 "
تركت بعض ما امرك به ليبعثك على التدارك أو اذكره إذا اعتراك النسيان ليذكرك المنسي ) وقل عسى أن يهدين ربي ( يدلني ) لأقرب من هذا رشدا ( لأقرب رشدا واظهر دلالة على أني نبي من نبأ أصحاب الكهف وقد هداه لأعظم من ذلك كقصص الأنبياء المتباعدة عنه ايامهم والاخبار بالغيوب والحوادث النازلة في الاعصار المستقبلة إلى قيام الساعة أو لأقرب رشدا وأدنى خيرا من المنسي
الكهف : ( 25 ) ولبثوا في كهفهم . . . . .
) ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا ( يعني لبثهم فيه أحياء مضروبا على اذانهم وهو بيان لما أجمل قبل وقيل إنه حكاية كلام أهل الكتاب فإنهم اختلفوا في مدة لبثهم كما اختلفوا في عدتهم فقال بعضهم ثلاثمائة وقال بعضهم ثلثمائة وتسع سنين وقرأ حمزة والكسائي / ثلاثمائة سنين / بالاضافة على وضع الجمع موضع الواحد ويحسنه(3/491)
" صفحة رقم 492 "
ها هنا أن علامة الجمع فيه جبر لما حذف من الواحد وان الأصل في العدد اضافته إلى الجمع ومن لم يضف أبدل السنين من ثلثمائة ) قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض ( له ما غاب فيهما وخفي من احوال أهلهما فلا خلق يخفى عليه علما ) أبصر به وأسمع ( ذكر بصيغة التعجب للدلالة على أن آمره في الادراك خارج عما عليه ادراك السامعين والمبصرين إذ لا يحجبه شيء ولا يتفاوت دون لطيف وكثيف وصغير وكبير وخفي وجلي والهاء تعود إلى الله ومحله الرفع على الفاعلية والباء مزيدة عند سيبويه وكان اصله ابصر أي صار ذا بصر ثم نقل إلى صيغة الأمر بمعنى الانشاء فبرز الضمير لعدم لياق الصيغة له أو لزيادة الباء كما في قوله تعالى ) وكفى به ( والنصب على المفعولية عند الاخفش والفاعل ضمير المأمور وهو كل أحد والباء مزيدة أن كانت الهمزة للتعدية ومعدية أن كانت للصيرورة ) ما لهم ( الضمير أهل السماوات والأرض ) من دون الله من ولي ( من يتولى امورهم ) ولا يشرك في حكمه ( في(3/492)
" صفحة رقم 493 "
قضائه ) أحدا ( منهم ولا بجعل له فيه مدخلا وقرأ ابن عامر وقالون عن يعقوب بالتاء والجزم على نهي كل أحد عن الاشراك
الكهف : ( 27 ) واتل ما أوحي . . . . .
ثم لما دل اشتمال القرآن على قصة أصحاب الكهف من حيث إنها من المغيبات بالاضافة إلى رسول الله على انه وحي معجز آمره أن يداوم درسه ويلازم اصحابه فقال ) واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك ( من القرآن ولا تسمع لقولهم ) ائت بقرآن غير هذا أو بدله ( ) لا مبدل لكلماته ( لا أحد يقدر على تبديلها وتغييرها غيره ) ولن تجد من دونه ملتحدا ( ملتجأ عليه إن هممت به
الكهف : ( 28 ) واصبر نفسك مع . . . . .
) واصبر نفسك ( واحبسها وثبتها ) مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ( في مجامع اوقاتهم أو في طرفي النهار وقرأ ابن عامر / بالغدوة / وفيه أن غدوة علم في الأكثر فتكون اللام فيه على تأويل التنكير ) يريدون وجهه ( رضا الله وطاعته ) ولا تعد عيناك عنهم ( ولا يجاوزهم نظرك إلى غيرهم وتعديته بعن لتضمينه معنى نبأ وقرئ ) ولا تعد عيناك ( ) ولا تعد ( من أعداه وعداه والمراد نهي الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أن يزدري بفقراء المؤمنين وتعلو عينه عن رثاثة زيهم طموحا إلى طراوة زي الاغنياء ) تريد زينة الحياة الدنيا ( حال من الكاف في المشهورة ومن المستكن في الفعل في غيرها ) ولا تطع من أغفلنا قلبه ( من جعلنا قلبه غافلا ) عن ذكرنا ( كأمية بن خلف في دعائك إلى طرد الفقراء عن مجلسك لصناديد قريش وفيه تنبيه على أن الداعي له إلى هذا الاستدعاء غفلة قلبه عن المعقولات وانهماكه في المحسوسات حتى خفي عليه أن الشرف بحلية النفس لا بزينة الجسد وانه لو اطاعه كان مثله في الغباوة والمعتزلة لما غاظهم اسناد الاغفال إلى الله تعالى قالوا انه مثل اجبنته إذا وجدته كذلك أو نسبته إليه أو من اغفل ابله إذا تركها بغير سمة أي لم نسمه بذكرنا كقولب الذين كتبنا في قلوبهم الإيمان واحتجوا على أن المراد ليس ظاهر ما ذكر(3/493)
" صفحة رقم 494 "
أولا بقوله ) واتبع هواه ( وجوابه ما مر غير مرة وقرئ ) أغفلنا ( بإسناد الفعل إلى القلب على معنى حسبنا قلبه غافلين عن ذكرنا إياه بالمؤاخذة ) وكان أمره فرطا ( أي تقدما على الحق نبذا له وراء ظهره يقال فرس فرط أي متقدم للخيل ومنه الفرط
الكهف : ( 29 ) وقل الحق من . . . . .
) وقل الحق من ربكم ( الحق ما يكون من جهة الله لا ما يقتضيه الهوى ويجوز أن يكون الحق خبر مبتدأ محذوف و ) من ربكم ( حالا ) فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ( لا ابالي بإيمان من آمن ولا كفر من كفر وهو لا يقتضي استقلال العبد بفعله فإنه وان كان بمشيئته فمشيئته ليست بمشيئته ) إنا أعتدنا ( هيأنا ) للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها ( فسطاطها شبه به ما يحيط بهم من النار وقيل السرادق الحجرة التي تكون حول الفسطاط وقيل سرادقها دخانها وقيل حائط من نار ) وإن يستغيثوا ( من العطش ) يغاثوا بماء كالمهل ( كالجسد المذاب وقيل كدردي الزيت وهو على طريقة قوله فاعتبوا باصيلم ) يشوي الوجوه ( إذا قدم ليشرب من فرط حرارته وهو صفة ثانية لماء أو(3/494)
" صفحة رقم 495 "
حال من المهل أو الضمير في الكاف ) بئس الشراب ( المهل ) وساءت ( النار ) مرتفقا ( متكأ واصل الارتفاق نصب المرفق تحت الخد وهو لمقابلة قوله وحسنت مرتفقا وألا فلا ارتفاق لأهل النار
الكهف : ( 30 ) إن الذين آمنوا . . . . .
) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ( خبر إن الأولى وهي الثانية بما في حيزها والراجع محذوف تقديره من أحسن عملا منهم أو مستغنى عنه بعموم من أحسن عملا كما هو مستغنى عنه في قولك نعم الرجل زيد أو واقع موقعه الظاهر فإن من احسن عملا لا يحسن اطلاقه على الحقيقة إلا على الذين آمنا وعملوا الصالحات
الكهف : ( 31 ) أولئك لهم جنات . . . . .
) أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار ( وما بينهما اعتراض وعلى الأول استئناف لبيان الاجر أو خبر ثان ) يحلون فيها من أساور من ذهب ( من الأولى للابتداء والثانية للبيان صفة ل ) أساور ( وتنكيره لتعظيم حسنها من الاحاطة به وهو جمع اسورة أو أسوار في جمع سوار ) ويلبسون ثيابا خضرا ( لان الخضرة احسن الألوان واكثرها راوة ) من سندس وإستبرق ( مما رق من الديباج وما غلظ منه جمع بين النوعين للدلالة على أن فيها ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين ) متكئين فيها على الأرائك ( على السرر كما هو هيئة المتنعمين ) نعم الثواب ( الجنة ونعيمها ) وحسنت ( الارائك ) مرتفقا ( متكأ(3/495)
" صفحة رقم 496 "
الكهف : ( 32 ) واضرب لهم مثلا . . . . .
) واضرب لهم مثلا ( للكافر والمؤمن ) رجلين ( حال رجلين مقدرين أو موجودين هما أخوان من بني إسرائيل كافر اسمه قطروس ومؤمن اسمه يهوذا ورثا من ابيهما ثمانية آلاف دينار فتشاطرا فاشترى الكافر بها ضياعا وعقارا وصرفها المؤمن في وجوه الخير وآل أمرهما إلى ما حكاه الله تعالى وقيل الممثل بهما أخوان من بني مخزوم كافر وهو الأسود بن عبد الاشد ومؤمن وهو أبو سلمة عبد الله زوج أم سلمة قبل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) جعلنا لأحدهما جنتين ( بستانين ) من أعناب ( من كروم والجملة بتمامها بيان للتمثيل أو صفة للرجلين ) وحففناهما بنخل ( وجعلنا النخل محيطة بهما مؤزرا بها كرومهما يقال حفه القوم إذا اطافوا به وحففته بهم إذا جعلتهم حافين حوله فتزيده الباء مفعولا ثانيا كقولك غشيته به ) وجعلنا بينهما ( وسطهما ) زرعا ( ليكون كل منهما جامعا للاقوات والفواكه متواصل العمارة على الشكل الحسن والترتيب الانيق
الكهف : ( 33 ) كلتا الجنتين آتت . . . . .
) كلتا الجنتين آتت أكلها ( ثمرها وافراد الضمير لأفراد ) كلتا ( وقرئ / كل الجنتين آتى أكله / ) ولم تظلم منه ( ولم تنقص من أكلها ) شيئا ( يعهد في سائر البساتين فإن اثمار تتم في عام وتنقص في عام غالبا ) وفجرنا خلالهما نهرا ( ليدوم شربهما فإنه الأصل ويزيد بهاؤهما وعن يعقوب ) وفجرنا ( بالتخفيف
الكهف : ( 34 ) وكان له ثمر . . . . .
) وكان له ثمر ( أنواع من المال سوى الجنتين من ثمر ماله إذا كثره وقرأ عاصم بفتح الثاء والميم وأبو عمرو بضم الثاء واسكان الميم والباقون بضمهما وكذلك في قوله ) وأحيط بثمره ( ) فقال لصاحبه وهو يحاوره ( يراجعه في الكلام من حار إذا رجع ) أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ( حشما وأعوانا وقيل اولادا ذكورا لانهم الذين ينفرون معه
الكهف : ( 35 ) ودخل جنته وهو . . . . .
) ودخل جنته ( بصاحبه يطوف به فيها ويفاخره بها وافراد الجنة لان المراد ما هو جنته وما متع به من الدنيا تنبيها على أن لا جنة له غيرها ولا حظ له في الجنة التي وعد(3/496)
" صفحة رقم 497 "
المتقون أو لاتصال كل واحدة من جنتيه بالاخرى أو لان الدخول يكون في واحدة واحدة ) وهو ظالم لنفسه ( ضار لها بعجبه وكفره ) قال ما أظن أن تبيد ( أن تفنى ) هذه ( لاجنة ) أبدا ( لطول امله وتمادي غفلته واغتراره بمهلته
الكهف : ( 36 ) وما أظن الساعة . . . . .
) وما أظن الساعة قائمة ( كائنة ) ولئن رددت إلى ربي ( بالبعث كما زعمت ) لأجدن خيرا منها ( من جنته وقرأ الحجازيان والشامي ) منهما ( أي من الجنتين ) منقلبا ( مرجعا وعاقبة لأنها فانية وتلك باقية وانما اقسم على ذلك لاعتقاده انه تعالى إنما اولاه لاستئهاله واستحقاقه إياه لذاته وهو معه اينما تلقاه
الكهف : ( 37 ) قال له صاحبه . . . . .
) قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ( لانه اصل مادتك أو مادة اصلك ) ثم من نطفة ( فإنها مادتك القريبة ) ثم سواك رجلا ( ثم عدلك وكملك انسانا ذكرا بالغا مبلغ الرجال جعل كفره بالبعث كفرا بالله تعالى لأن منشأه الشك في كمال قدرة الله تعالى ولذلك رتب الإنكار على خلقه إياه من التراب فإن من قدر على بدء خلقه منه قدر أن يعيده منه
الكهف : ( 38 ) لكن هو الله . . . . .
) لكن هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا ( اصله لكن أنا فحذفت الهمزة بنقل الحركة أو دون فتلاقت النونان فكان الادغام وقرأ ابن عامر ويعقوب في رواية بالألف في الوصل لتعويضها من الهمزة أو لاجراء الوصل مجرى الوقف وقد قرئ / لكن أنا / على الأصل(3/497)
" صفحة رقم 498 "
وهو ضمير الشأن وهو بالجملة الواقعة خبرا له خبر أنا أو ضمير ) الله ( و ) الله ( بدله وربي خبره والجملة خبر أنا والاستدراك من اكفرت كأنه قال أنت كافر بالله لكني مؤمن به وقد قرئ لكن هو الله ربي ولكن أنا لا اله إلا هو ربي
الكهف : ( 39 ) ولولا إذ دخلت . . . . .
) ولولا إذ دخلت جنتك قلت ( وهلا قلت عند دخولها ) ما شاء الله ( الأمر ما شاء أو ما شاء كائن على أن ما موصولة أو أي شيء شاء الله كان على إنها شرطية والجواب محذوف اقرارا بأنها وما فيها بمشيئة الله أن شاء ابقاها وان شاء ابداها ) لا قوة إلا بالله ( وقلت لا قوة إلا بالله اعترافا بالعجز على نفسك والقدرة لله وان ما تيسر لك من عمارتها وتدبير أمرها بمعونته واقداره وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من رأى شيئا فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره ) إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا ( يحتمل أن يكون فصلا وأن يكون تأكيدا للمفعول الأول وقرئ ) أقل ( بالرفع على أنه خبر ) إنا ( والجملة مفعول ثاني ل ) ترن ( وفي قوله ) وولدا ( دليل لمن فسر النفر بالاولاد
الكهف : ( 40 ) فعسى ربي أن . . . . .
) فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ( في الدنيا أو في الآخرة لايماني وهو جواب الشرط ) ويرسل عليها ( على جنتك لكفرك ) حسبانا من السماء ( مرامي جمع حسبانة وهي الصواعد وقيل هو مصدر بمعنى الحساب المراد به التقدير بتخريبها أو عذاب حساب الأعمال السيئة ) فتصبح صعيدا زلقا ( أرضا ملساء يزلق عليها باستئصال نباتها واشجارها
الكهف : ( 41 ) أو يصبح ماؤها . . . . .
) أو يصبح ماؤها غورا ( أي غائرا في الأرض مصدر وصف به كالزرق ) فلن تستطيع له طلبا ( للماء الغائر ترددا في رده
الكهف : ( 42 ) وأحيط بثمره فأصبح . . . . .
) وأحيط بثمره ( واهلك امواله حسبما توقعه صاحبه وانذره منه وهو مأخوذ من احاط به العدو فإنه إذا احاط به غلبه وإذا غلبه اهلكه ونظيره أتى عليه إذا اهلكه من أتى(3/498)
" صفحة رقم 499 "
عليهم العدو إذا جاءهم مستعليا عليهم ) فأصبح يقلب كفيه ( ظهرا لبطن تلهفا وتحسرا ) على ما أنفق فيها ( في عمارتها وهو متعلق ب ) يقلب ( لان تقليب الكفين كناية عن الندم فكأنه قيل فأصبح يندم أو حال أي متحسرا على ما انفق فيها ) وهي خاوية ( ساقطة ) على عروشها ( بأن سقطت عروشها على الأرض وسقطت الكروم فوقها عليها ) ويقول ( عطف على ) يقلب ( أو حال من ضميره ) يا ليتني لم أشرك بربي أحدا ( كأنه تذكر موعظة أخيه وعلم انه أتى من قبل شركة فتمنى لو لم يكن مشركا فلم يهلك الله بستانه ويحتمل أن يكون توبة من الشرك وندما على ما سبق منه
الكهف : ( 43 ) ولم تكن له . . . . .
) ولم تكن له فئة ( وقرأ حمزة والكسائي بالياء لتقدمه ) ينصرونه ( يقدرون نصره بدفع الاهلاك أو رد المهلك أو الاتيان بمثله ) من دون الله ( فإنه القادر على ذلك وحده ) وما كان منتصرا ( وما كان ممتنعا بقوته عن انتقام الله منه
الكهف : ( 44 ) هنالك الولاية لله . . . . .
) هنالك ( في ذلك المقام وتلك الحال ) الولاية لله الحق ( النصرة له وحده لا يقدر عليها غير تقديرا لقوله ) ولم تكن له فئة ينصرونه ( أو نصر فيها اولياءه المؤمنين على الكفرة كما نصر فيما فعل بالكافر اخاه المؤمن ويعضده قوله ) هو خير ثوابا وخير عقبا ( أي لاوليائه وقرأ حمزة والكسائي بالكسر ومعناه السلطان والملك أي هناك السلطان له لا يغلب ولا يمنع منه أو لا يعبد غيره كقوله تعالى ) فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ( فيكون تنبيها على أن قوله ) يا ليتني لم أشرك ( كان عن اضطرار(3/499)
" صفحة رقم 500 "
وجزع مما دهاه وقيل ) هنالك ( إشارة إلى الآخرة وقرأ أبو عمرو والكسائي ) الحق ( بالرفع صفة للولاية وقرئ بالنصب على المصر المؤكد وقرأ عاصم وحمزة ) عقبا ( بالسكون وقرئ ) عقبى ( وكلها بمعنى العاقبة
الكهف : ( 45 ) واضرب لهم مثل . . . . .
) واضرب لهم مثل الحياة الدنيا ( واذكر لهم ما يشبه الحياة الدنيا في زهرتها وسرعة زوالها أو صفتها الغريبة ) كماء ( هي كماء ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا ل ) اضرب ( على انه بمعنى صير ) أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض ( فالتفت بسببه وخالط بعضه بعضا من كثرته وتكاثفه أو نجع في النبات حتى روى ورف وعلى هذا كان حقه فاختلط بنبات الأرض لكنه لما كان كل من المختلطين موصوفا بصفة صاحبه عكس للمبالغة في كثرته ) فأصبح هشيما ( مهشوما مكسورا ) تذروه الرياح ( تفرقه وقرئ / تذريه / من اذرى والمشبه به ليس الماء ولا حاله بل الكيفية المنتزعة من الجملة وهي حال النبات المنبت بالماء يكون اخضر وارفا ثم هشيما تطيره الرياح فيصير كأن لم يكن ) وكان الله على كل شيء ( من الانشاء والافناء ) مقتدرا ( قادرا
الكهف : ( 46 ) المال والبنون زينة . . . . .
) المال والبنون زينة الحياة الدنيا ( يتزين بها الإنسان في دنياه وتفنى عنه عما قريب ) والباقيات الصالحات ( واعمال الخيرات التي تبقى له ثمرتها ابد الاباد ويندرج فيها ما(3/500)
" صفحة رقم 501 "
فسرت به من الصلوات الخمس واعمال الحج وصيام رمضان وسبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله اكبر والكلام الطيب ) خير عند ربك ( من المال والبنين ) ثوابا ( عائذة ) وخير أملا ( لأن صاحبها ينال بها في الآخرة ما كان يؤمل بها في الدنيا
الكهف : ( 47 ) ويوم نسير الجبال . . . . .
) ويوم نسير الجبال ( واذكر يوم نقلعها ونسيرها في الجو أو نذهب في الجو أو نذهب بها فنجعلها هباء منبثا ويجوز عطفه على ) عند ربك ( أي الباقيات الصالحات خير عند الله ويوم القيامة وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر تسير بالتاء والبناء للمفعول وقرئ / تسير / من سارت ) وترى الأرض بارزة ( بادية برزت من تحت الجبال ليس عليها ما يسترها وقرئ وترى على بناء المفعول ) وحشرناهم ( وجمعناهم إلى الموقف ومجيئه ماضيا بعد(3/501)
" صفحة رقم 502 "
) نسير ( ) وترى ( لتحقق الحشر أو للدلالة على أن حشرهم قبل التسييير ليعاينوا ويشاهدوا ما وعد لهم وعلى هذا تكون الواو للحال بإذمار قد ) فلم نغادر ( فلم نترك ) منهم أحدا ( يقال غادره واغدره إذا تركه ومنه العدر لترك الوفاء والغدير لما غادره السير وقرئ بالياء
الكهف : ( 48 ) وعرضوا على ربك . . . . .
) وعرضوا على ربك ( شبه حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان لا ليعرفهم بل ليأمر فيهم ) صفا ( مصطفين لا يحجب أحد أحدا ) لقد جئتمونا ( على اضمار القول على وجه يكون حالا أو عاملا في يوم نسير ) كما خلقناكم أول مرة ( عراة لا شيء معكم من المال والولد كقوله ) ولقد جئتمونا فرادى ( أو أحياء كخلقتكم الأولى لقوله ) بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ( وقتا لانجاز الوعد بالبعث والنشور وان الأنبياء كذبوكم به وبل للخروج من قصة إلى أخرى
الكهف : ( 49 ) ووضع الكتاب فترى . . . . .
) ووضع الكتاب ( صحائف الأعمال في الإيمان والشمائل أو في الميزان وقيل هو كناية عن وضع الحساب ) فترى المجرمين مشفقين ( خائفين ) مما فيه ( من الذنوب ) ويقولون يا ويلتنا ( ينادون هلكتهم التي هلكوها من بين الهلكات ) ما لهذا الكتاب ( تعجبا من شأنه ) لا يغادر صغيرة ((3/502)
" صفحة رقم 503 "
هنة صغيرة ) ولا كبيرة إلا أحصاها ( إلا عددها واحاط بها ) ووجدوا ما عملوا حاضرا ( مكتوبا في الصحف ) ولا يظلم ربك أحدا ( فيكتب عليه ما لم يفعل أو يزيد في عقابه الملائم لعمله
الكهف : ( 50 ) وإذ قلنا للملائكة . . . . .
) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس ( كرره في مواضع لكونه مقدمة للأمور المقصود بيانها في تلك المحال وها هنا لما شنع على المفتخرين واستقبح صنيعه قرر ذلك بأنه من سنن إبليس أو لما بين حال المغرور بالدنيا والمعرض عنها وكان سبب الاغترار بها حب الشهوات وتسويل الشيطان زهدهم اولا في زخارف الدنيا بأنها عرضة الزوال والأعمال الصالحة خير وابقى من انفسها واعلاها ثم نفرهم عن الشيطان بتذكير ما بينهم من العداوة القديمة وهكذا مذهب كل تكرير في القرآن ) كان من الجن ( حال بإضمار قد أو استئناف للتعليل كأنه قيل ما له لم يسجد فقيل كان من الجن ) ففسق عن أمر ربه ( فخرج عن آمره بترك السجود والفاء للسبب وفيه دليل على أن الملك لا يعصى(3/503)
" صفحة رقم 504 "
البتة وانما عصى إبليس لانه كان جنيا في أصله والكلام المستقصى فيه في سورة البقرة ) أفتتخذونه ( اعقيب ما وجد منه تتخذونه والهمزة للانكار والتعجب ) وذريته ( اولاده أو اتباعه وسماهم ذرية مجازا ) أولياء من دوني ( فتستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتي ) وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ( من الله تعالى إبليس وذريته
الكهف : ( 51 ) ما أشهدتهم خلق . . . . .
) ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ( نفى احضار إبليس وذريته خلق السماوات والأرض واحضار بعضهم خلق بعض ليدل على نفي الاعتضاد بهم في ذلك كما صرح به بقوله ) وما كنت متخذ المضلين عضدا ( أي اعوانا ردا لاتخاذهم اولياء من دون الله شركاء له في العبادة فإن استحقاق العبادة من توابع الخالقية والاشتراك فيه يستلزم الاشتراك فيها فوضع ) المضلين ( موضع الضمير ذما لهم واستبعادا للاعتضاد بهم وقيل الضمير للمشركين والمعنى ما اشهدتهم خلق ذلك وما خصصتهم بعلوم لا يعرفها غيرهم حتى لو(3/504)
" صفحة رقم 505 "
آمنا اتبعهم الناس كما يزعمون فلا تلتفت إلى قوهم طمعا في نصرتهم للدين فإنه لا ينبغي لي أن اعتضد بالمضلين لديني ويعضده قراءة من قرأ ) وما كنت ( على خطاب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وقرئ / متخذا المضلين / على الأصل و ) عضدا ( بالتخفيف و ) عضدا ( بالاتباع و ) عضدا ( كخدم جمع عاضد من عضده إذا قواه
الكهف : ( 52 ) ويوم يقول نادوا . . . . .
) ويوم يقول ( أي الله تعالى للكافرين وقرأ حمزة بالنون ) نادوا شركائي الذين زعمتم ( أنهم شركائي وشفعاؤكم ليمنعوكم من عذابي واضافة الشركاء على زعمهم للتوبيخ والمراد ما عبد من دونه وقيل إبليس وذريته ) فدعوهم ( فنادوهم للاغاثة ) فلم يستجيبوا لهم ( فلم يغيثوهم ) وجعلنا بينهم ( بين الكفار وآلهتهم ) موبقا ( مهلكا يشتركون فيه وهو النار أو عداوة هي في شدتها هلاك كقول عمر رضي الله عنه لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفا و ) موبقا ( اسم مكان أو مصدر من وبق يوبق وبقا إذا هلك وقيل البين الوصل أي وجعلنا تواصلهم في الدنيا هلاكا يوم القيامة
الكهف : ( 53 ) ورأى المجرمون النار . . . . .
) ورأى المجرمون النار فظنوا ( فأيقنوا ) أنهم مواقعوها ( مخالطوها واقعون فيها ) ولم يجدوا عنها مصرفا ( انصرافا أو مكانا ينصرفون إليه
الكهف : ( 54 ) ولقد صرفنا في . . . . .
) ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل ( من كل جنس يحتاجون إليه ) وكان الإنسان أكثر شيء ( يتأتى منه الجدل ) جدلا ( خصومة بالباطل وانتصابه على التمييز
الكهف : ( 55 ) وما منع الناس . . . . .
) وما منع الناس أن يؤمنوا ( من الإيمان ) إذ جاءهم الهدى ( وهو الرسول الداعي والقرآن المبين ) ويستغفروا ربهم ( ومن الاستغفار من الذنوب ) إلا أن تأتيهم سنة الأولين ( إلا طلب أو انتظار أو تقدير أن تأتيهم سنة الأولين وهي الاستئصال فحذف(3/505)
" صفحة رقم 506 "
المضاف واقيم المضاف إليه مقامه ) أو يأتيهم العذاب ( عذاب الآخرة ) قبلا ( عيانا وقرأ الكوفيون ) قبلا ( بضمتين وهو لغة فيه أو جمع قبيل بمعنى أنواع وقرئ بفتحتين وهو أيضا لغة يقال لقيته مقابلة وقبلا وقبلا وقبليا وانتصابه على الحال من الضمير أو ) العذاب )
الكهف : ( 56 ) وما نرسل المرسلين . . . . .
) وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ( للمؤمنين والكافرين ) ويجادل الذين كفروا بالباطل ( باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات والسؤال عن قصة أصحاب الكهف ونحوها تعنتا ) ليدحضوا به ( ليزيلوا بالجدال ) الحق ( عن مقره ويبطلوه من ادحاض القدم وهو ازلاقها وذلك قوهم للرسل ) ما أنتم إلا بشر مثلنا ( ) ولو شاء الله لأنزل ملائكة ( ونحو ذلك ) واتخذوا آياتي ( يعني القرآن ) وما أنذروا ( وانذارهم أو والذي انذروا به من العقاب ) هزوا ( استهزاء وقرئ / هزأ / بالسكون وهو ما يستهزأ به على التقديرين
الكهف : ( 57 ) ومن أظلم ممن . . . . .
) ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ( بالقرآن ) فأعرض عنها ( فلم يتدبرها ولم يتذكر بها ) ونسي ما قدمت يداه ( من الكفر والمعاصي ولم يتفكر في عاقبتهما ) إنا جعلنا على قلوبهم أكنة ( تعليل لاعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم ) أن يفقهوه ( كراهة أن يفقهوه وتذكير الضمير وافراده للمعنى ) وفي آذانهم وقرا ( يمنعهم أن يستمعوه حق استماعه ) وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا ( تحقيقا ولا تقليدا لأنهم لا يفقهون ولا يسمعون وإذا كما عرفت جزاء وجواب للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) على تقدير قوله ما لي ادعوهم فإن حرصه ( صلى الله عليه وسلم ) على إسلامهم يدل عليه
الكهف : ( 58 ) وربك الغفور ذو . . . . .
) وربك الغفور ( البليغ المغفرة ) ذو الرحمة ( الموصوف بالرحمة ) لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب ( استشهاد على ذلك بإمهال قريش مع إفراطهم في عداوة(3/506)
" صفحة رقم 507 "
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) بل لهم موعد ( وهو يوم بدر أو يوم القيامة ) لن يجدوا من دونه موئلا ( منجأ ولا ملجأ يقال وأل إذا نجاووأل إليه إذا لجأ إليه
الكهف : ( 59 ) وتلك القرى أهلكناهم . . . . .
) وتلك القرى ( يعني قرى عاد وثمود اضرابهم ) وتلك ( مبتدأ خبره ) أهلكناهم ( أو مفعول مضمر مفسر به و ) القرى ( صفته ولا بد من تقدير مضاف في أحدهما ليكون مرجع الضمائر ) لما ظلموا ( كقريش بالتكذيب والمراء وانواع المعاصي ) وجعلنا لمهلكهم موعدا ( لإهلاكهم وقتا لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون فيعتبروا بهم ولا يغتروا بهم ولا يغتروا بتأخير العذاب عنهم وقرأ أبو بكر ) لمهلكهم ( بفتح الميم واللام أي لهلاكهم وحفص بكسر اللام حملا على ما شذ من مصادر يفعل كالمرجع والمحيض
الكهف : ( 60 ) وإذ قال موسى . . . . .
) وإذ قال موسى ( مقدر باذكر ) لفتاه ( يوشع بن نون بن افرائيم بن يوسف عليهم الصلاة والسلام فإنه كان يخدمه ويتبعه ولذلك سماه فتاه وقيل لعبده ) لا أبرح ( أي لا أزال اسير فحذف الخبر لدلالة حاله وهو السفر وقوله ) حتى أبلغ مجمع البحرين ( من حيث إنها تستدعي ذا غاية عليه ويجوز أن يكون اصله لا يبرح مسيري حتى ابلغ على أن حتى ابلغ هو الخبر فحذف المضاف واقيم المضاف إليه مقامه فانقلب الضمير والفعل وان يكون ) لا أبرح ( هو بمعنى لا ازول عما أنا عليه من السير والطلب ولا افارقه فلا يستدعي الخبر و ) مجمع البحرين ( ملتقى بحري فارس ولروم مما يلي المشرق وعد(3/507)
" صفحة رقم 508 "
لقاء الخضر فيه وقيل البحران موسى وخضر عليهما الصلاة والسالم فإن موسى كان بحر علم الظاهر والخضر كان بحر علم الباطن وقرئ ) مجمع ( بكسر الميم على الشذوذ من يفعل كالمشر والمطلع ) أو أمضي حقبا ( أو اسير زمانا طويلا والمعنى حتى يقع أما بلوغالمجمع أو مضي الحقب أو حتى ابلغ إلا أن امضي زمانا اتيقن معه فوات المجمع والحقب الدهر وقيل ثمانون سنة وقيل سبعون روي أن موسى عليه الصلاة والسلام خطب الناس بعد هلاك القبط ودخوله مصر خطبة بليغة فأعجب بها فقيل له هل تعلم احدا اعلم منك فقال لا فأوحى الله إليه بل اعلم منك عبدنا الخضر وهو بمجمع البحرين وكان الخضر في أيام افريدون وكان على مقدمة ذي القرني الأكبر وبقي إلى أيام موسى وقيل أن موسى عليه السلام سأل ربه أي عبادك احب إليك قال الذي يذكرني ولا ينساني قال فأي عبادك اقضى قال الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى قال فأي عبادك اعلم قال الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى(3/508)
" صفحة رقم 509 "
فقال أن كان في عبادك اعلم نمي فادللني عليه قال اعلم منك الخضر قال أين طلبه قال على الساحل عند الصخرة قال كيف لي به قال تأخذ حوتا في مكتل فحيث فقدته فهو هناك فقال لفتاه إذا فقدت الحوت فأخبرني فذهبا يمشيان
الكهف : ( 61 ) فلما بلغا مجمع . . . . .
) فلما بلغا مجمع بينهما ( أي مجمع البحرين و ) بينهما ( ظرف اضيف إليه على التساع أو بمعنى الوصل ) نسيا حوتهما ( نسي موسى عليه الصلاة والسلام أن يطلبه ويتعرف حاله ويوشع أن يذكر له ما رأى من حياته ووقوعه في البحر روي أن موسى عليه السلام ورقد فاضطرب الحوت المشوي ووثب في البحر معجزة لموسى أو الخضر وقيل توضأ يوشع من عين الحياة فانتضح الماء عليه فعاش ووثب في الماء وقيل نسيا تفقد آمره وما يكون منه امارة على الظفر بالمطلوب ) فاتخذ سبيله في البحر سربا ( فاتخذ الحوت طريقه في البحر مسلكا من قوله ) وسارب بالنهار ( وقيل امسك الله جرية الماء على الحوت فصار كالطاق عليه ونصبه على المفعول الثاني وفي البحر حال منه أو من السبيل ويجوز تعلقه باتخذ
الكهف : ( 62 ) فلما جاوزا قال . . . . .
) فلما جاوزا ( مجمع البحرين ) قال لفتاه آتنا غداءنا ( ما نتغدى به ) لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ( قيل لم ينصب حتى جاوز الموعد فلما جاوزه وسار الليلة والغد إلى الظهر القي عليه الجوع والنصب وقيل لم يعي موسى في سفر غيره ويؤيده التقييد باسم الاشارة
الكهف : ( 63 ) قال أرأيت إذ . . . . .
) قال أرأيت إذ أوينا ( أرأيت ما دهاني إذ اوينا ) إلى الصخرة ( يعني الصخرة التي(3/509)
" صفحة رقم 510 "
رقد عندها موسى وقيل هي الصخرة التي دون نهر الزيت ) فإني نسيت الحوت ( فقدته أو نسيت ذكره بما رأيت منه ) وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ( أي وما أنساني ذكره إلا الشيطان فإنه ) أن أذكره ( بدل من الضمير وقرىء / أن أذكركه / وهو اعتذار عن نسيانه بشغل الشيطان له بوساوسه والحال وإن كانت عجيبة لا ينسى مثلها لكنه لما ضرى بمشاهدة امثالها عند موسى وألفها قل اهتمامه بها ولعله نسي ذلك لاستغراقه في الاستبصار وانجاب شراشره إلى جناب القدس بما عراه من مشاهدة الآيات الباهرة وإنما نسبه إلى الشيطان هضما لنفسه أو لأن عدم احتمال القوة للجانبين واشتغالها بإحداهما عن الآخر يعد من نقصان ) واتخذ سبيله في البحر عجبا ( سبيلا عجبا وهو كونه كالسرب أو اتخاذا عجبا والمفعول الثاني هو الظرف وقيل هو مصدر فعله المضمر أي قال في آخر كلامه أو موسى في جوابه عجبا تعجبا من تلك الحال وقيل الفعل لموسى أي اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا
الكهف : ( 64 ) قال ذلك ما . . . . .
) قال ذلك ( أي أمر الحوت ) ما كنا نبغ ( نطلب لأنه امارة المطلوب ) فارتدا على آثارهما ( فرجعا في الطريق الذي جاءا فيه ) قصصا ( يقصان قصصا أن يتبعان آثارهما ابتاعا أو مقتصين حتى اتيا الصخرة
الكهف : ( 65 ) فوجدا عبدا من . . . . .
) فوجدا عبدا من عبادنا ( الجهور على انه الخضر عليه السام واسمه بلي بن ملكان وقيل اليسع وقيل اليأس ) آتيناه رحمة من عندنا ( هي الوحي والنبوة ) وعلمناه من لدنا علما ( مما يختص بنا ولا يعلم إلا بتوفيقنا وهو علم الغيوب(3/510)
" صفحة رقم 511 "
الكهف : ( 66 ) قال له موسى . . . . .
) قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن ( على شرط أن تعلمني وهو في موضع الحال من الكاف ) مما علمت رشدا ( علما ذا رشد وهو اصابة الخير وقرأ البصريان بفتحتين وهما لغتان كالبخل والبخر وه مفعول ) تعلمن ( ومفعول ) علمت ( العائد المحذوف وكلاهما منقولان من علم الذي له مفعول واحد ويجوز أن يكون رشدا علة لا تبعد أو مصدر إضمار فعله ولا ينافي نبوته وكنه صاحب شريعة أن يتعلم من غيره ما لم يكن شرطا ي أبواب الدين فإن الرسول ينبغي أن يكون اعلم ممن أرسل إليه فيما بعث به من اصول الدين وفروعه لا مطلقا وقد راعى في ذلك في غاية التواضع والادب فاستجهل نفسه واستأذن أن يكون تابعا له وسأل منه أن يرشده وينعم عليه بتعليم بعض ما أنعم الله عليه
الكهف : ( 67 - 68 ) قال إنك لن . . . . .
) قال إنك لن تستطيع معي صبرا ( نفى عنه استطاعة الصبر معه على وجوه من التأكيد كأنها مما لا يصح ولا يستقيم وعلل ذلك واعتذر عنه بقوله ) وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ( أي وكيف تصبر وأنت نبي على ما أتولى من أمور ظواهرها مناكير وبواطنها لم يحط بها خبرك وخبرا تمييزا أو مصدر لأن لم تحط به بمعنى لم تخبره(3/511)
" صفحة رقم 512 "
الكهف : ( 69 ) قال ستجدني إن . . . . .
) قال ستجدني إن شاء الله صابرا ( معك غير منكر عليك ) ولا أعصي لك أمرا ( عطف على صابرا أي ستجدني صابرا وغير عاص أو على ستجدني وتعليق الوعد بالمشيئة أما للتيمن وخلفه ناسيا لا يقدح في عصمته أو لعلمه بصعوبة الأمر فإن مشاهدة الفساد والصبر على خلاف المعتاد شديد فلا خلف وفيه دليل على أن افعال العباد واقعة بمشيئة الله تعالى
الكهف : ( 70 ) قال فإن اتبعتني . . . . .
) قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء ( فلا تفاتحني بالسؤال عن شيء انكرته مني ولم تعلم وجه صحته ) حتى أحدث لك منه ذكرا ( حتى ابتدئك ببيانه وقرأ نافع وابن عامر ) فلا تسألني ( بالنون الثقيلة
الكهف : ( 71 ) فانطلقا حتى إذا . . . . .
) فانطلقا ( على الساحل يطلبان السفينة ) حتى إذا ركبا في السفينة خرقها ( اخذ الخضر فأسا فخرق السفينة بأن قلع لوحين من الواحها ) قال أخرقتها لتغرق أهلها ( فإ خرقها سبب لدخول الماء فيها المفضي إلى غرق أهلها وقرئ ) لتغرق ( بالتشديد للتكثير وقرأ حمزة والكسائي / ليغرق أهلها / على إسناده إلى الاهل ) لقد جئت شيئا إمرا ( أتيت امرا عظيما من أمر الأمر إذا عظم
الكهف : ( 72 ) قال ألم أقل . . . . .
) قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ( تذكير لما ذكره قبل
الكهف : ( 73 ) قال لا تؤاخذني . . . . .
) قال لا تؤاخذني بما نسيت ( بالذي نسيته أو بشيء نسيته يعني وصيته بأن لا يعترض عليه أو بنسياني إياها وهو اعتذار بالنسيان أخرجه في معرض النهي عن المؤاخذة مع قيام المانع لها وقيل أراد بالنسيان الترك أي لا تؤاخذني بما تركت من وصيتك أول مرة وقيل انه من معاريض الكلام والمراد شيء آخر نسبه ) ولا ترهقني من أمري عسرا ( ولا تغشني عسرا من أمري بالمضايقة والمؤاخذة على المنسي فإن ذلك يعسر(3/512)
" صفحة رقم 513 "
على متابعتك و ) عسرا ( مفعول ثاني لترهق فإنه يقال رهقه إذا غشيه وأرهقه إياه وقرئ ) عسرا ( بضمتين
الكهف : ( 74 ) فانطلقا حتى إذا . . . . .
) فانطلقا ( أي بعد ما خرجا من السفينة ) حتى إذا لقيا غلاما فقتله ( قيل فتل عنقه وقيل ضرب برأسه الحائط وقيل اضجعه فذبحه والفاء للدلالة على انه كما لقيه قتله من غير ترو واستكشاف حال ولذلك ) قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس ( أي طاهرة من الذنوب وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ورويس عن يعقوب زاكية والأول أبلغ وقال أبو عمرو الزاكية التي لم تذنب قط والزكية التي أذنبت ثم غفرت ولعله اختار الأول لذلك فإنها كانت صغيرة ولم تبلغ الحلم أو أنه لم يرها قد اذنبت ذنبا يقتضي قتلها أو قتلت نفسا فتقاد بها نبه به على أن القتل إنما يباح حدا أو قصاصا وكلا الأمرين منتف ولعل تغيير النظم بأن جعل خرقها جزاء واعتراض موسى عليه الصلاة والسلام مستأنفا في الأولى في الثانية قتله من جملة الشرط واعتراضه جزاء لأن القتل اقبح والاعتراض عليه ادخل فكا جديرا بأن يجعل عمدة الكلام ولذلك فصله بقوله ) لقد جئت شيئا نكرا ( أي منكرا وقرأ نافع في رواية قالون وروش وابن عامر ويعقوب وأبو بكر ) نكرا ( بضمتين
الكهف : ( 75 ) قال ألم أقل . . . . .
) قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ( زاد فيه ) لك ( مكافحة بالعتاب على(3/513)
" صفحة رقم 514 "
رفض الوصية ووسما بقلة الثبات والصبر لما تكرر منه الاشمئزاز والاستنكار ولم يرعو بالتذكير أو مرة حتى زاد في الاستنكار ثاني مرة
الكهف : ( 76 ) قال إن سألتك . . . . .
) قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني ( وان سألت صحبتك وعن يعقوب ) فلا تصاحبني ( أي فلا تجعلني صاحبك ) قد بلغت من لدني عذرا ( قد وجدت عذرا من قبلي لما خالفتك ثلاث مرات وعن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رحم الله أخي موسى استحيا فقال ذلك لو لبث مع صاحبه لابصر اعجب الاعاجيب وقرأ نافع ) من لدني ( بتحريك النون والاكتفاء بها عن نون الدعامة كقوله " قدني نم نصر الحبيبين قدى " وأبو بكر ) لدني ( بتحريك النون واسكان الضاد من عضد
الكهف : ( 77 ) فانطلقا حتى إذا . . . . .
) فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية ( قرية إنطاكية وقيل ابلة البصرة وقيل باج وان أرمينية ) استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما ( وقرئ ) يضيفوهما ( من إضافة يقال ضافه إذا نزل به ضيفا وأضافه وضيفه انزله واصل التركيب للميل يقال ضاف السهم عن الغرض إذا مال ) فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض ( يداني أن يسقط فاستعيرت الارادة للمشارفة كما استعير لها الهم والعزم قال " يريد الرمع صدر أبي براء ويعدل عن دماء بني عقيل " وقال " إن دهرا يلم شملي بجمل لزمان يهم بالاحسان " وانقض انفعل من قضضه إذا كسرته ومنه انقضاض الطير والكواكب لهويه أو افعل من النقض وقبرئ ) أن ينقض ( و / أن ينقاض / بالصاد المهملة من انقاصت السن إذا انشقت طولا ) فأقامه ( بعمارته أو بعمود عمده به وقيل مسحه بيده فقام وقيل نقضه(3/514)
" صفحة رقم 515 "
وبناه ) قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا ( تحريضا على اخذ الجعل لينتعشا به أو تعريضا بأنه فضول لما في ) لو ( من النفي كأنه لما رأى الحرمان ومساس الحاجة واشتغاله بما لا يعنيه لم يتمالك نفسه واتخذ افتعل من تخذ كاتبع من تبع وليس من الأخذ عند البصريين وقرأ ابن كثير والبصريان / لتخذت / أي لاخذت واظهر ابن كثير يعقوب وخفص الدال وادغمه الباقون
الكهف : ( 78 ) قال هذا فراق . . . . .
) قال هذا فراق بيني وبينك ( الاشارة إلى الفراق الموعود بقوله ) فلا تصاحبني ( أو إلى الاعتراض الثالث أو الوقت أي هذا الاعتراض سبب فراقنا أو هذا الوقت وقته واضافة الفراق إلى البين واضافة المصدر إلى الظرف على الاتساع وقد قرئ على الأصل ) سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ( بالخبر الباطن فيما لم تستطع الصبر عليه لكونه منكرا من حيث الظاهر
الكهف : ( 79 ) أما السفينة فكانت . . . . .
) أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ( لمحاويج وهودليل على أن المسكين يطلق على من يملك شيئا إذا لم يكفه وقيل سموا مساكين لعجزهم عن دفع الملك أو لزمانتهم فإنها كانت لعشرة اخوة خمسة زمني وخمسة يعملون في البحر ) فأردت أن أعيبها ( أن اجعلها ذات عيب ) وكان وراءهم ملك ( قدامهم أو خلفهم وكان(3/515)
" صفحة رقم 516 "
رجوعهم عليه واسمه دلندي بن كركر وقيل منوار بن جلندي الازدي ) يأخذ كل سفينة غصبا ( من اصحابها وكان حق النظم أن يتأخر قوله ) فأردت أن أعيبها ( عن قوله ) وكان وراءهم ملك ( لان إرادة التعيب مسببة عن خوف الغصب وانما قدم للعناية أو لأن السبب لما كان مجموع الأمرين خوف الغصب ومسكنه الملاك رتبه على اقوى الجزأين واعاهما وعقبه بالآخر على سبيل التقييد والتتميم وقرئ / كل سفينة صالحة / والمعنى عليها
الكهف : ( 80 ) وأما الغلام فكان . . . . .
) وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما ( أن يغضيهما ) طغيانا وكفرا ( لنعمتهما بعقوقه فليحقهما شرا أو يقرن بايمانهما طغيانه وكفره يجتمع في بيت واحد مؤمنان وطاغ كافر أو يديهما بعلته فيرتدا بإضلاله أو بممالأته على طغيانه وكفره حياله وانما خشي ذلك لأن الله تعالى اعلمه وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن نجدة الحروري كتب الهي كيف قتله وقد نهى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن قتل الولدان فكتب إليه إن كنت علمت من حال الولدان ما علمه عالم موسى فلك أن تقتل وقرئ / فخاف ربك / أي فكره كراهة من خاف سوء عاقبته ويجوز أن يكون قوله ) فخشينا ( حكاية قول الله عز وجل
الكهف : ( 81 ) فأردنا أن يبدلهما . . . . .
) فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه ( أن يرزقهما ولدا خيرا منه ) زكاة ( طهارة من الذنوب والاخلاق الرديئة ) وأقرب رحما ( رحمة وعطفا على والديه قيل ولدت لهما(3/516)
" صفحة رقم 517 "
جارية فتزوجها نبي فولدت له نبيا هدى الله به أمة من الأمم وقرأ نافع وأبو عمرو / ويبدلهما / بالتشديد وابن عامر ويعقوب وعاصم ) رحما ( بالتخفيف وانتصابه على التمييز والعامل اسم التفضيل وكذلك ) زكاة )
الكهف : ( 82 ) وأما الجدار فكان . . . . .
) وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة ( قيل اسمهما اصر وصريم واسم المقتول جيسور ) وكان تحته كنز لهما ( من ذهب وفضة روي ذلك مرفوعا والذم على كنزهما في قوله تعالى ) والذين يكنزون الذهب والفضة ( لمن لا يؤدي زكاتهما وما تعلق بهما من الحقوق وقيل من كتب العلم وقيل كان لوح من ذهب مكتوب فيه عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا اله إلا الله محمد رسول الله ) وكان أبوهما صالحا ( تنبيه على أن سعيه ذلك كان لصلاحه قيل كان بينهما وبين الاب الذي حفظا(3/517)
" صفحة رقم 518 "
سبعة آباء وكان سياحا واسمه كاشح ) فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ( أي الحلم وكمال الرأي ) ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك ( مرحومين من ربك ويجوز أن يكون علة أو مصدرا لأراد فإن إرادة الخير رحمة وقيل متعلق بمحذوف تقديره فعلت رحمة من ربك ولعل اسناد الارادة اولا إلى نفسه لانه المباشرك للتعيب وثانيا إلى الله والى نفسه لان التبديل باهلاك الغلام ويجاد الله بدله وثالثا إلى الله وحده لأنه لا مدخل له في بلوغ الغلامين أو لان الأول في نفسه شر والثالث خير والثاني ممتزج أو لاختلاف حال العارف في الالتفات إلى الوسائط ) وما فعلته ( وما فعلت ما رأيته ) عن أمري ( عن رأي وانما فعلته بأمر الله عز وجل ومبنى ذلك على انه إذا تعارض ضرران يجب تحمل اهونهما لدفع اعظمهما وهو اصل ممهد غير أن الشرائع في تفاصيله مختلة ) ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ( أي ما لم تستطع فحذف التاء تخفيفا ومن فوائد هذه القصة أن لا يعجب المرء بعلمه ولا يبادر إلى انكار ما لم يستحسنه فلعل فيه سرا لا يعرفه وان يداوم على التعلم ويتذلل للمعلم ويراعي الأدب في المقابل وان ينبه المجرم على جرمه ويعفو عنه حتى يتحقق اصراره ثم يهاجر عنه(3/518)
" صفحة رقم 519 "
الكهف : ( 83 ) ويسألونك عن ذي . . . . .
) ويسألونك عن ذي القرنين ( يعني اسكندر الرومي ملك فارس والروم وقيل المشرق والمغرب ولذلك سمي ذا القرنين أو لانه طاف قرني الدنيا شرقها وغربها وقيل لانه انقرض في أيامه قرنان من الناس وقيل كان له قرنان أي ضفيرتان وقيل كان لتاجه قرنان ويحتمل انه لقب بذلك لشجاته كما يقال الكبش للشجاع كأنه ينطح اقرانه واختلف في نبوته مع الاتفاق على ايمانه وصلاحه والسائلون هم اليهود سألوه امتحانا أو مشركو مكة ) قل سأتلو عليكم منه ذكرا ( خطاب للسائلين والهاء لذي القرنين وقيل لله
الكهف : ( 84 ) إنا مكنا له . . . . .
) إنا مكنا له في الأرض ( أي مكنا له آمره من التصرف فيها كيف شاء فحذف المفعول ) وآتيناه من كل شيء ( اراده وتوجه إليه ) سببا ( وصلة توصلة إليه من العلم والقدرة والالة(3/519)
" صفحة رقم 520 "
الكهف : ( 85 ) فأتبع سببا
) فأتبع سببا ( أي فأراد بلوغ المغرب فاتبع سببا يوصله إليه وقرأ الكوفيون وابن عامر بقطع الألف مخففة التاء
الكهف : ( 86 ) حتى إذا بلغ . . . . .
) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ( ذات حمأ من حمئت البئر إذا صارت ذات حمأة وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر ) حامية ( أي حارة ولا تنافي بينهما لجواز أن تكون العين جامعة للوصفين أو ) حمية ( على أن ياءها مقلوبة عن الهمزة لكسر ما قبلها ولعله بلغ ساحل المحيط فرآها كذلك إذ لم يكن في مطمح بصره غير الماء ولذلك قال ) وجدها تغرب ( ولم يقل كانت تغرب وقيل إن ابن عباس سمع معاوية يقرأ ) حامية ( فقال ) حمئة ( فبعث معاوية إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب قال في ماء وطين كذلك نجده في التوراة ) ووجد عندها ( عند تلك العين ) قوما ( قيل كان لباسهم جلود الوحش وطعامهم ما لفظه البحر وكانوا كفارا فخيره الله بين أن يعذبهم أو يدعوهم إلى الإيمان كما حكى بقوله ) قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب ( أي بالقتل على كفرهم ) وإما أن تتخذ فيهم حسنا ( بالإرشاد وتعليم الشرائع وقيل خيره الله بين القتل والأسر وسماه إحسانا في مقابلة القتل ويؤيده الأول
الكهف : ( 87 ) قال أما من . . . . .
وقوله ) قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ( أي فاختار الدعوة وقال أما من دعوته فظلم نفسه بالإصرار على كفره أو استمر على ظلمه الذي هو الشرك فنعذبه أنا ومن معي في الدنيا بالقتل ثم يعذبه الله في الآخرة عذابا منكرا لم يعهد مثله
الكهف : ( 88 ) وأما من آمن . . . . .
) وأما من آمن وعمل صالحا ( وهو ما يقتضيه الإيمان ) فله ( في الدارين ) جزاء الحسنى ((3/520)
" صفحة رقم 521 "
فعلته الحسنى وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص ) جزاء ( منونا منصوبا على الحال أي فله المثوبة الحسنى مجزيا بها أو على المصدر لفعله المقدر حالا أي يجزي بها جزاء أو التمييز وقرئ منصوبا غير منون على أن تنوينه حذف لالتقاء الساكنين ومنونا مرفوعا على انه المبتدأ و ) الحسنى ( بدله ويجوز أن يكون ) أما ( وما للتقسيم دون التخيير أي ليكن شأنك معهم أما التعذيب واما الاحسان فالأول لمن اصر على الكفر والثاني لمن تاب عنه ونداء الله إياه أن كان نبيا فبوحي وان كان غيره فبإلهام أو على لسان نبي ) وسنقول له من أمرنا ( بما نأمر به ) يسرا ( سهلا ميسرا غير شاق وتقديره ذا يسر وقرئ بضمتين
الكهف : ( 89 ) ثم أتبع سببا
) ثم أتبع سببا ( ثم اتبع طريقا يوصله إلى المشرق
الكهف : ( 90 ) حتى إذا بلغ . . . . .
) حتى إذا بلغ مطلع الشمس ( يعني الموضع الذي تطلع الشمس عليه اولا من معمورة الأرض وقرئ بفتح اللام على اضمار مضاف أي مكان مطلع الشمس فإنه مصدر ) وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ( من اللباس أو البناء فإن ارضهم لا تمسك الابنية أو انهم اتخذوا الاسراب بدل الابنية
الكهف : ( 91 ) كذلك وقد أحطنا . . . . .
) كذلك ( أي أمر ذي القرنين كما وصفناه في رفعة المكان وبسطة الملك أو أمره فيهم كأمره في أهل المغرب من التخيير والاختيار ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف لوجد أو ) نجعل ( أو صفة قوم أي على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب علهيم الشمس في الكفر والحكم ) وقد أحطنا بما لديه ( من الجنود الآلات والعدد والاسباب ) خبرا ( علما تعلق بظواهره وخفاياه والمراد أن كثرة ذلك بلغت مبلغا لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير
الكهف : ( 92 ) ثم أتبع سببا
) ثم أتبع سببا ( يعني طريقا ثالثا معرضا بين المشرق والمغرب آخذا من الجنوب إلى الشمال(3/521)
" صفحة رقم 522 "
الكهف : ( 93 ) حتى إذا بلغ . . . . .
) حتى إذا بلغ بين السدين ( بين الجبلين المبني بينهما سده وهما جبلا أرمينية واذربيجان وقيل جبلان منفان في اواخر الشمال في منقطع ارض الترك من ورائهما يأجوج ومأجوج وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر ويعقوب ) بين السدين ( بالضم وهما لغتان وقيل المضموم لخا خلقه الله تعالى والمفتوح لما عمله الناس لانه في الأصل مصدر سمي به حدث يحدثه الناس وقيل بالعكس وبين ها هنا مفعول به وهو من الظروف المتصرفة ) وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ( لغرابة لغتهم وقلة فطنتهم وقرأ حمزة والكسائي ) لا يفقهون ( أي لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه لتلعثمهم فيه
الكهف : ( 94 ) قالوا يا ذا . . . . .
) قالوا يا ذا القرنين ( أي قال مترجمهم وفي مصحف ابن مسعود قال / الذين من دونهم / ) إن يأجوج ومأجوج ( قبيلتان من ولد يافث بن نوح وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل وهما اسمان اعجميان بدليل منع الصرف وقيل عربيان من أج الظليم إذا أسرع واصلهما الهمز كما قرأ عاصم ومنع صرفهما للتعريف والتأنيث ) مفسدون في الأرض ((3/522)
" صفحة رقم 523 "
أي في ارضنا بالقتل والتخريب واتلاف الزرع قيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون اخضر إلا اكلوه ولا يابسا إلا احتملوه وقيل كانوا يأكلون الناس ) فهل نجعل لك خرجا ( نخرجه من اموالنا وقرأ حمزة والكسائي / خراجا / وكلاهما واحد كالنول والنوال وقيل الخراج على الأرض والذمة والخرج المصدر ) على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ( يحجز دون خروجهم علينا وقد ضمه من ضم السدين غير حمزة والكسائي
الكهف : ( 95 ) قال ما مكني . . . . .
) قال ما مكني فيه ربي خير ( ما جعلني فيه مكينا من المال والملك خير مما تبذلون لي من الخراج ولا حاجة بي إليه وقرأ ابن كثير / مكنني / على الأصل ) فأعينوني بقوة ( أي بقوة فعلة أو بما أتقوى به من الآلات ) أجعل بينكم وبينهم ردما ( حاجزا حصينا وهو اكبر من السد من قولهم ثوب مردم إذا كان رقاعا فوق رقاع
الكهف : ( 96 ) آتوني زبر الحديد . . . . .
) آتوني زبر الحديد ( قطعه والزبرة القطعة الكبيرة وهو لا ينافي رد الخراج والاقتصار على المعونة لان الايتاء بمعنى المناولة ويدل عليه قراءة أبي بكر / ردما ائتوني / بكسر التنوين موصولة الهمزة على معنى جيئوني بزبر الحديد والباء محذوفة حذفها في امرتك الخير ولان اعطاء الآلة من الاعانة بالقوة دون الخراج على العمل ) حتى إذا ساوى بين الصدفين ( بين جانبي الجبلين بتنضيدها وقرأ ابن كثير وابن عامر والبصريان بضمتين أبو بكر بضم الصاد وسكون الدال وقرئ بفتح الصاد وضم الدال وكلها لغات من الصدف وهو الميل لان كلا منهما منعزل عنالاخر ومنه التصادف للتقابل ) قال انفخوا ( أي قال للعملة انفخوا في الاكوار والحديد ) حتى إذا جعله ( جعل المنفوخ فيه ) نارا ( كالنار بالاحماء ) قال آتوني أفرغ عليه قطرا ( أي اتوني قطرا أي نحاسا مذابا أفرغ عليه قطرا فحذف الأول لدلالة الثاني عليه وبه تمسك البصريون على أن أعمال الثاني من العاملين المتوجهين نحو معمول واحد اولى إذ لو كان قطرا مفعول افرغ حذرا(3/523)
" صفحة رقم 524 "
من الالباس وقرأ حمزة وأبو بكر قال أتوني موصولة الألف
الكهف : ( 97 ) فما اسطاعوا أن . . . . .
) فما اسطاعوا ( بحذف التاء حذرا من تلاقي متقاربين وقرأ حمزة بالادغام جامعا بين الساكنين على غير حده وقرئ بقلب السين صادا ) أن يظهروه ( أن يعلوه بالصعود لارتفاعه وانملاسه ) وما استطاعوا له نقبا ( لثخنه وصلابته وقيل حفر للاساس حتى بلغ الماء وجعله من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد بينهما الحطب والفحم حتى ساوى اعلى الجبلين ثم وضع المنافيخ حتى صارت كالنار فصب النحاس المذاب عليه فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلا صلدا وقيل بناه من الصخور مرتبطا بعضها ببعض بكلاليب من حديد ونحاس مذاب في تجاويفها
الكهف : ( 98 ) قال هذا رحمة . . . . .
) قال هذا ( هذا السد أو الاقدار على تسويته ) رحمة من ربي ( على عباده ) فإذا جاء وعد ربي ( وقت وعده بخروج يأجوج ومأجوج أو بقيام الساعة بأن شارف يوم القيامة ) جعله دكا ( مدكوكا مبسوطا مسوى بالأرض مصدر بمعنى مفعول ومنه جمل ادك لمنبسط السنام وقرأ الكوفيون دكاء بالمد أي ارضا مستوية ) وكان وعد ربي حقا ( كائا لا محالة وهذا آخر حكاية قول ذي القرنين
الكهف : ( 99 ) وتركنا بعضهم يومئذ . . . . .
) وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ( وجعلنا بعض يأجوج ومأجوج حين يخرجون مما وراء السد يموجون في بعض مزدحمين في البلاد أو يموج بعض الخلق في بعض فيضطربون ويختلطون انسهم وجنهم حيارى ويؤيده قوله ) ونفخ في الصور ( لقيام الساعة ) فجمعناهم جمعا ( للحساب والجزاء
الكهف : ( 100 ) وعرضنا جهنم يومئذ . . . . .
) وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ( وابرزناها واظهرناها لهم
الكهف : ( 101 ) الذين كانت أعينهم . . . . .
) الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري ( عن آياتي التي ينظر إليها فاذكر بالتوحيد والتعظيم ) وكانوا لا يستطيعون سمعا ( استماعا لذكري وكلامي لإفراط صممهم عن الحق فإن الاصم قد يستطيع السمع إذا صيح به وهؤلاء كأنهم اصمت مسامعهم بالكلية
الكهف : ( 102 ) أفحسب الذين كفروا . . . . .
) أفحسب الذين كفروا ( افظنوا والاستفهام للانكار ) أن يتخذوا عبادي ( اتخاذهم الملائكة والمسيح ) من دوني أولياء ( معبودين نافعهم أو لا أعذبهم به فحذف المفعول(3/524)
" صفحة رقم 525 "
الثاني كما يحذف الخبر للقرينة أو سد أن يتخذوا مسد مفعوليه وقرئ ) أفحسب الذين كفروا ( أي إفكا فيهم في النجاة وان بما في حيزها مرتفع بأنه فاعل حسب فإن النعت إذا اعتمد على الهمزة ساوى الفعل في العمل أو خبر له ) إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا ( ما يقام للنزيل وفيه تهكم وتنبيه على أن لهم وراءها من العذاب ما تستحقر دونه
الكهف : ( 103 ) قل هل ننبئكم . . . . .
) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ( نصب على التمييز وجمع لأنه من أسماء الفاعلين أو لتنوع أعمالهم
الكهف : ( 104 ) الذين ضل سعيهم . . . . .
) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ( ضاع وبطل لكفرهم وعجبهم كالرهابنة فإنهم خسروا دنياهم واخراهم ومحله الرفع على الخبر المحذوف فأنه جواب السؤال أو الجر على البدل أو النصب على الذم ) وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ( بعجبهم واعتقادهم انهم على الحق
الكهف : ( 105 ) أولئك الذين كفروا . . . . .
) أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ( بالقرآن أو بدلائله المنصوبة على التوحيد(3/525)
" صفحة رقم 526 "
والنبوة ) ولقائه ( بالبعث على ما هو عليه أو لقاء عذابه ) فحبطت أعمالهم ( بكفرهم فلا يثابون عليها ) فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ( فنزدري بهم ولا نجعل لهم مقدارا واعتبارا أو لا نضع لهم ميزانا يوزن به أعمالهم لانحباطها
الكهف : ( 106 ) ذلك جزاؤهم جهنم . . . . .
) ذلك ( أي الأمر ذلك وقوله ) جزاؤهم جهنم ( جملة مبينة له ويجوز أن يكون ) ذلك ( مبتدأ والجملة خبره والعائد محذوف أي جزاؤهم به أو جزاؤهم بدله و ) جهنم ( خبره أو ) جزاؤهم ( خبره و ) جهنم ( عطف بيان للخبر ) بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا ( أي بسبب ذلك
الكهف : ( 107 ) إن الذين آمنوا . . . . .
) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ( فيما سبق من حكم الله ووعده و ) الفردوس ( اعلى درجات الجنة واصله البستان الذي يجمع الكرم والنخل
الكهف : ( 108 ) خالدين فيها لا . . . . .
) خالدين فيها ( حال مقدرة ) لا يبغون عنها حولا ( تحولا إذ لا يجدون اطيب منها حتى تنازعهم إليه أنفسهم ويجوز أن يراد به تأكيد الخلود
الكهف : ( 109 ) قل لو كان . . . . .
) قل لو كان البحر مدادا ( ما يكتب به وهو اسم ما يمد الشيء كالحبر للدواة(3/526)
" صفحة رقم 527 "
والسليط للسراج ) لكلمات ربي ( لكلمات علمه وحكمته ) لنفد البحر ( لنفد جنس البحر بأمره لأن كل جسم متناه ) قبل أن تنفد كلمات ربي ( فإنها غير متناهية لا تنفد كعلمه وقرأ حمزة والكسائي بالياء ) ولو جئنا بمثله ( بمثل البحر الموجود ) مددا ( زيادة ومعونة لان مجموع المتناهين متناه بل مجموع ما يدخل في الوجود من الأجسام لا يكون إلا متناهيا للدلائل القاطعة على تناهي الابعاد والمتناهي ينفذ قبل أن ينفد غير المتناهي لا محالة وقرئ ) ينفد ( بالياء و ) مددا ( بكسر الميم جمع مدة وهي ما يستمده الكاتب ومدادا وسبب نزولها أن اليهود قالوا في كتابكم ) ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ( وتقرؤون ) وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )
الكهف : ( 110 ) قل إنما أنا . . . . .
) قل إنما أنا بشر مثلكم ( لا ادعي الاحاطة على كلماته ) يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ( وانما تميزت عنكم بذلك ) فمن كان يرجو لقاء ربه ( يؤمل حسن لقائه أو يخاف سوء لقائه ) فليعمل عملا صالحا ( يرتضيه الله ) ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ( بأن يرائيه أو يطلب منه اجرا روي أن جندب بن زهير قال لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إني لاعمل العمل لله فإذا اطلع عليه سرني فقال إن الله لا يقبل ما شورك فيه فنزلت تصديقا له وعنه(3/527)
" صفحة رقم 528 "
( صلى الله عليه وسلم ) اتقوا الشرك الاصغر قالوا وما الشرك الاصغر قال الرياء والاية جامعة لخلاصتي العلم والعمل وهما التوحيد والاخلاص في الطاعة وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأها عند مضجعه كان له نورا في مضجعه يتلألأ إلى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم فإن كان مضجعه بمكة كان له نورا يتلألأ من مضجعه إلى البيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يستيقظ وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الكهف من آخرها كانت له نورا من قرنه إلى قدمه ومن قرأها كلها كانت له نورا من الأرض إلى السماء(3/528)
" صفحة رقم 3 "
سورة مريم
وهي ثمان أو تسع وتسعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
مريم : ( 1 ) كهيعص
) كهيعص ( أمال أبو عمرو الهاء لأن ألفات أسماء التهجي ياءات وابن عامر وحمزة الياء والكسائي وأبو بكر كليهما ونافع بين بين ونافع وابن كثير وعاصم يظهرون دال الهجاء عند الذال والباقون يدغمونها
مريم : ( 2 ) ذكر رحمة ربك . . . . .
) ذكر رحمة ربك ( خبر ما قبله إن أول السورة أو بالقرآن فإنه مشتمل عليه أو خبر محذوف أي هذا المتلو ) ذكر رحمة ربك ( أو مبتدأ حذف خبره أي فيما يتلى عليك ذكرها وقرىء ) ذكر رحمة ( على الماضي و ذكر على الأمر ) عبده ( مفعول الرحمة أو الذكر على أن الرحمة فاعله على الإتساع كقولك ذكرني جود زيد ) زكريا ( بدل منه أو عطف بيان له
مريم : ( 3 ) إذ نادى ربه . . . . .
) إذ نادى ربه نداء خفيا ( لأن الإخفاء والجهر عند الله سيان والإخفاء أشد إخباتا وأكثر إخلاصا أو لئلا يلام على طلب الولد في إبان الكبر أو لئلا يطلع عليه مواليه الذين(4/3)
" صفحة رقم 4 "
خافهم أو لأن ضعف الهرم أخفى صوته واختلف في سنه حينئذ فقيل ستون وقيل سبعون وقيل خمس وسبعون وقيل خمس وثمانون وقيل تسع وتسعون
مريم : ( 4 ) قال رب إني . . . . .
) قال رب إني وهن العظم مني ( تفسير للنداء والوهن الضعف وتخصيص العظم لأنه دعامة البدن وأصل بنائه ولأنه أصلب ما فيه فإذا وهن كان ما وراءه أوهن وتوحيد لأن المراد به الجنس وقرىء و ) هن ( و ) وهن ( بالضم والكسر ونظيره كمل بالحركات الثلاث ) واشتعل الرأس شيبا ( شبه الشيب في بياضه وإنارته بشواظ النار وانتشاره وفشوه في الشعر باشتعالها ثم أخرجه مخرج الإستعارة وأسند الإشتعال إلى الرأس الذي هو مكان الشيب مبالغة وجعله مميزا إيضاحا للمقصود واكتفى باللام على الإضافة للدلالة على أن علم المخاطب بتعين المراد يغني عن التقيد ) ولم أكن بدعائك رب شقيا ( بل كلما دعوتك استجبت لي وهو توسل بما سلف معه من الإستجابة وتنبيه على أن المدعو له وإن لم يكن معتادا فإجابته معتادة وأنه تعالى عوده بالإجابة وأطمعه فيها ومن حق الكريم أن لا يخيب من أطمعه
مريم : ( 5 ) وإني خفت الموالي . . . . .
) وإني خفت الموالي ( يعني بني عمه وكانوا أشرار بني إسرائيل فخاف أن لا يحسنوا خلافته على أمته ويبدلوا عليهم دينهم ) من ورائي ( بعد موتي وعن ابن كثير(4/4)
" صفحة رقم 5 "
بالمد والقصر بفتح الياء وهو يتعلق بمحذوف أو بمعنى الموالي أي خفت فعل الموالي من ورائي أو الذين يلون الأمر من ورائي وقرىء خفت الموالي من ورائي أي قلوا وعجزوا عن إقامة الدين بعدي أو خفوا ودرجوا قدامي فعلى هذا كان الظرف متعلقا ب ) خفت ( ) وكانت امرأتي عاقرا ( لا تلد ) فهب لي من لدنك ( فإن مثله لا يرجى إلا من فضلك وكمال قدرتك فإني وامرأتي لا نصلح للولادة ) وليا ( من صلبي
مريم : ( 6 ) يرثني ويرث من . . . . .
) يرثني ويرث من آل يعقوب ( صفتان له وجزمهما أبو عمرو والكسائي على أنهما جواب الدعاء والمراد وراثة الشرع والعلم فإن الأنبياء لا يورثون المال وقيل يرثني الحبورة فإنه كان حبرا ويرث من آل يعقوب الملك وهو يعقوب بن إسحاق عليهما الصلاة والسلام وقيل يعقوب كان أخا زكريا أو عمران بن ماثان من نسل سليمان عليه السلام وقرىء يرثني وارث آل يعقوب على الحال من أحد الضميرين وأو يرث بالتصغير لصغره ووارث من آل يعقوب على أنه فاعل ) يرثني ( وهذا يسمى التجريد في علم البيان لأنه جرد عن المذكور أولا مع أنه المراد ) واجعله رب رضيا ( ترضاه قولا وعملا(4/5)
" صفحة رقم 6 "
مريم : ( 7 ) يا زكريا إنا . . . . .
) يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى ( جواب لندائه ووعد بإجابة دعائه وإنما توالي تسميته تشريفا له ) لم نجعل له من قبل سميا ( لم يسم أحد بيحيى قبله وهو شاهد بأن التسمية بالأسامي الغريبة تنويه للمسمى وقيل سميا شبيها كقوله تعالى ) هل تعلم له سميا ( لأن المتماثلين يتشاركان في الاسم والأظهر أنه أعجمي وإن كان عربيا فمنقول عن فعل كيعيش ويعمر وقيل سمي به لأنه حيي به رحم أمه أو لأن دين الله حيي بدعوته
مريم : ( 8 - 9 ) قال رب أنى . . . . .
) قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ( جساوة وقحولا في المفاصل وأصله عتو وكقعود فاستثقلوا توالي الضمتين والواوين فكسروا التاء فانقلبت الواو الأولى ياء ثم قلبت الثانية وأدغمت وقرأ حمزة والكسائي وحفص ) عتيا ((4/6)
" صفحة رقم 7 "
بالكسر وإنما استعجب الولد من شيخ فان وعجوز عاقر اعترافا بأن المؤثر فيه كمال قدرته وأن الوسائط عند التحقيق ملغاة ولذلك قال أي الله تعالى أو الملك المبلغ للبشارة تصديقا له ) كذلك ( الأمر كذلك ويجوز أن تكون الكاف منصوبة ب قال في ) قال ربك ( وذلك إشارة إلى مبهم يفسره ) هو علي هين ( ويؤيد الأول قراءة من قرأ وهو على هين أي الأمر كما قلت أو كما وعدت وهو على ذلك يهون علي أو كما وعدت وهو على ذلك يهون علي أو كما وعدت وهو علي هين لا أحتاج فيما أريد أن أفعله إلى الأسباب ومفعول قال الثاني محذوف ) وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ( بل كنت معدوما صرفا وفيه دليل على أن المعدوم ليس بشيء وقرأ حمزة والكسائي وقد خلقناك
مريم : ( 10 ) قال رب اجعل . . . . .
) قال رب اجعل لي آية ( علامة أعلم بها وقوع ما بشرتني به ) قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ( سوي الخلق ما بك من خرس ولا بكم وإنما ذكر الليالي هنا والأيام في آل عمران للدلالة على أنه استمر عليه المنع من كلام الناس والتجرد للذكر والشكر ثلاثة أيام ولياليهن
مريم : ( 11 ) فخرج على قومه . . . . .
) فخرج على قومه من المحراب ( من المصلى أو من الغرفة ) فأوحى إليهم ( فأومأ إليهم لقوله ) إلا رمزا ( وقيل كتب لهم على الأرض ) أن سبحوا ( صلوا أو نزهوا ربكم ) بكرة وعشيا ( طرفي النهار ولعله كان مأمورا بأن يسبح ويأمر قومه بأن يوافقوه و ) إن ( تحتمل أن تكون مصدرية وأن تكون مفسرة(4/7)
" صفحة رقم 8 "
مريم : ( 12 ) يا يحيى خذ . . . . .
) يا يحيى ( على تقدير القول ) خذ الكتاب ( التوراة ) بقوة ( بجد واستظهار بالتوفيق ) وآتيناه الحكم صبيا ( يعني الحكمة وفهم التوراة وقيل النبوة أحكم الله عقله في صباه واستنبأه
مريم : ( 13 ) وحنانا من لدنا . . . . .
) وحنانا من لدنا ( ورحمة منا عليه وتعطفا في قلبه على أبويه وغيرهما عطف على الحكم ) وزكاة ( وطهارة من الذنوب أو صدقة أي تصدق الله به على أبويه أو مكنه ووفقه للتصديق على الناس ) وكان تقيا ( مطيعا متجنبا عن المعاصي
مريم : ( 14 ) وبرا بوالديه ولم . . . . .
) وبرا بوالديه ( وبارا بهما ) ولم يكن جبارا عصيا ( عاقا أو عاصي ربه
مريم : ( 15 ) وسلام عليه يوم . . . . .
) وسلام عليه ( من الله ) يوم ولد ( من أن يناله الشيطان بما ينال به بني آدم ) ويوم يموت ( من عذاب القبر ) ويوم يبعث حيا ( من عذاب النار القيامة
مريم : ( 16 ) واذكر في الكتاب . . . . .
) واذكر في الكتاب ( في القرآن ) مريم ( يعني قصتها ) إذ انتبذت ( اعتزلت بدل من ) مريم ( بدل الاشتمال لأن الأحيان مشتملة على ما فيها أو بدل الكل لأن المراد ب ) مريم ( قصتها وبالظرف الأمر الواقع فيه وهما واحد أو ظرف لمضاف مقدر وقيل ) إذ ( بمعنى أن المصدرية كقولك أكرمتك إذ لم تكرمني فتكون بدلا لا محالة ) من أهلها مكانا شرقيا ( شرقي بيت المقدس أو شرقي دارها ولذلك اتخذ النصارى المشرق قبلة ومكانا ظرف أو مفعول لأن ) انتبذت ( متضمن معنى أتت
مريم : ( 17 ) فاتخذت من دونهم . . . . .
) فاتخذت من دونهم حجابا ( سترا ) فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ( قيل قعدت في مشرفة للاغتسال من الحيض متحجبة بشيء يسترها وكانت تتحول من المسجد إلى بيت خالتها إذا حاضت وتعود إليه إذا طهرت فبينما هي في مغتسلها أتاها جبريل عليه السلام متمثلا بصورة شاب أمرد سوي الخلق لتستأنس بكلامه ولعله لتهييج(4/8)
" صفحة رقم 9 "
شهوتها به فتنحدر نطفتها إلى رحمها
مريم : ( 18 ) قالت إني أعوذ . . . . .
) قالت إني أعوذ بالرحمن منك ( من غاية عفافها ) إن كنت تقيا ( تتقي الله وتحتفل بالاستعاذة وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله أي فإني عائذة منك أو فتتعظ بتعويذي أو فلا تتعرض لي ويجوز أن يكون للمبالغة أي إن كنت تقيا متورعا فإني أتعوذ منك فكيف إذا لم تكن كذلك
مريم : ( 19 ) قال إنما أنا . . . . .
) قال إنما أنا رسول ربك ( الذي استعذت به ) لأهب لك غلاما ( أي لأكون سببا في هبته في بالنفخ في الدرع ويجوز أن يكون حكاية لقول الله تعالى ويؤيده قراءة أبي عمرو والأكثر عن نافع ويعقوب بالياء ) زكيا ( طاهرا من الذنوب أو ناميا على الخير أي مترقيا من سن إلى سن على الخير والصلاح
مريم : ( 20 ) قالت أنى يكون . . . . .
) قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ( ولم يباشرني رجل بالحلال فإن هذه الكنايات إنما تطلق فيه أما الزنا فإنما يقال فيه خبث بها وفجر ونحو ذلك ويعضده عطف قوله ) ولم أك بغيا ( عليه وهو فعول من البغي قلبت واوه ياء وأدغمت ثم كسرت الغين اتباعا ولذلك لم تلحقه التاء أو فعيل بمعنى فاعل ولم تلحقه التاء لأنه للمبالغة أو للنسب كطالق
مريم : ( 21 ) قال كذلك قال . . . . .
) قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله ( أي ونفعل ذلك لنجعله آية أو لنبين به(4/9)
" صفحة رقم 10 "
قدرتنا ولنجعله وقيل عطف على ليهب على طريقة الالتفات ) آية للناس ( علامة لهم وبرهانا على كمال قدرتنا ) ورحمة منا ( على العباد يهتدون بإرشاده و ) وكان أمرا مقضيا ( أي تعلق به قضاء الله في الأزل أو قدر وسطر في اللوح أو كان أمرا حقيقيا بأن يقضى ويفعل لكونه آية ورحمة
مريم : ( 22 ) فحملته فانتبذت به . . . . .
) فحملته ( بأن الفتح في درعها فدخلت النفخة في جوفها وكان مدة حملها سبعة أشهر وقيل ستة وقيل ثمانية ولم يعش مولود وضع لثمانية ولم يعش مولود وضع لثمانية غيره وقيل ساعة كما حملته نبذته وسنها ثلاث عشرة سنة وقيل عشر سنين وقد حاضت حيضتين ) فانتبذت به ( فاعتزلت وهو في بطنها كقوله " تدوس بنا الجماجم والتريبا " والجار والمجرور في موضع الحال ) مكانا قصيا ( بعيدا من أهلها وراء الجبل وقيل أقصى الدار
مريم : ( 23 ) فأجاءها المخاض إلى . . . . .
) فأجاءها المخاض ( فألجأها المخاض وهو في الأصل منقول من جاء لكنه خص به في الاستعمال كآتي في أعطى وقرئ المخاض بالكسر وهما مصدر مخضت المرأة إذا تحرك الولد في بطنها للخروج ) إلى جذع النخلة ( لتستتر به وتعتمد عليه عند الولادة وهو مابين العرق والغصن وكانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا خضرة وكان الوقت شتاء(4/10)
" صفحة رقم 11 "
والتعريف إما للجنس أو للعهد إذ لم يكن ثم غيرها وكانت كالمتعالم عند الناس ولعله تعالى ألهمها ذلك ليريها من آياته ما يسكن روعتها ويطعمها الرطب الذي هو خرسة النفساء الموافقة لها ) قالت يا ليتني مت قبل هذا ( استحياء من الناس ومخافة لومهم وقرأ أبو عمرو وابن كثير وابن عامر وأبو بكر ) مت ( من مات يموت ) وكنت نسيا ( ما من شأنه ان ينسى ولا يطلب ونظيره الذبح لما يذبح وقرأ حمزة وحفص بالفتح وهو لغة فيه أو مصدر سمي به وقرئ به وبالهمز وهو الحليب المخلوط بالماء ينسؤه لقلته ) منسيا ( منسي الذكر بحيث لا يخطر ببالهم وقرئ بكسر الميم على الاتباع
مريم : ( 24 ) فناداها من تحتها . . . . .
) فناداها من تحتها ( عيسى وقيل جبريل كان يقبل الولد وقيل تحتها أسفل من مكانها وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص وروح من تحتها بالكسر والجر على أن في نادى ضمير أحدهما وقيل الضمير في تحتها النخلة ) ألا تحزني ( أي لا تحزني أو بأن لا تحزني ) قد جعل ربك تحتك سريا ( جدولا هكذا روي مرفوعا وقيل سيدا من السرو وهو عيسى عليه الصلاة والسلام
مريم : ( 25 - 26 ) وهزي إليك بجذع . . . . .
) وهزي إليك بجذع النخلة ( وأميليه إليك والباء مزيدة للتأكيد أو افعلي الهز والإمالة به أو ) وهزي ( الثمرة بهزه والهز تحريك بجذب ودفع ) تساقط عليك ( تتساقط فأدغمت التاء الثانية في السين وحذفها حمزة وقرأ يعقوب بالياء وحفص تساقط من ساقطت بمعنى أسقطت وقرئ تتساقط وتسقط ويسقط فالتاء للنخلة والياء(4/11)
" صفحة رقم 12 "
للجذع ) رطبا جنيا ( تمييز أو مفعول روي أنها كانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا ثمر وكان الوقت شتاء فهزتها فجعل الله تعالى لها رأسا وخوصا ورطبا وتسليتها بذلك لما فيه من المعجزات الدالة على براءة ساحتها فإن مثلها لا يتصور لمن يرتكب الفواحش والمنبهة لمن رآها على أن من قدر أن يثمر النخلة اليابسة في الشتاء قدر أن يحبلها من غير فحل وأنه ليس ببدع من شأنها مع ما فيه من الشراب والطعام ولذلك رتب عليه الأمرين فقال ) فكلي واشربي ( أي من الرطب وماء السري أو من الرطب وعصيره ) وقري عينا ( وطيبي نفسك وارفضي عنها ما أحزنك وقرىء وقري بالكسر وهو لغة نجد واشتقاقه من القرار فإن العين إذا رأت ما يسر النفس سكنت إليه من النظر إلى غيره أو من القرفان دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة ولذلك يقال قرة العين للمحبوب وسخنتها للمكروه ) فإما ترين من البشر أحدا ( فإن تري آدما وقرىء ترئن على لغة من يقول لبأت بالحج لتآخ بين الهمزة وحرف اللين ) فقولي إني نذرت للرحمن صوما ( صمتا وقد قرىء به أو صياما وكانوا لا يتكلمون في صيامهم ) فلن أكلم اليوم إنسيا ( بعد أن أخبرتم بنذري وإنما أكلم الملائكة وأناجي ربي وقيل أخبرتهم بنذرها بالإشارة وأمرها بذلك لكراهة المجادلة و الإكتفاء بكلام عيسى عليه الصلاة والسلام فإنه قاطع في قطع الطاعن(4/12)
" صفحة رقم 13 "
مريم : ( 27 ) فأتت به قومها . . . . .
) فأتت به ( أي مع ولدها ) قومها ( راجعة إليهم بعد ما طهرت من النفاس ) تحمله ( حاملة إياه ) قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ( أي بديعا منكرا من فرى الجلد
مريم : ( 28 ) يا أخت هارون . . . . .
) يا أخت هارون ( يعنون هرون النبي عليه الصلاة والسلام وكانت من أعقاب من كان معه في طبقة الأخوة وقيل كانت من نسله وكان بينهما ألف سنة وقيل هو رجل طالح أو صالح كان في زمانهم شبهوها به تهكما أو لما رأوا قبل من صلاحها أو شتموها به ) ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ( تقرير لآن ما جاءت به فري وتنبيه على أن الفواحش من أولاد الصالحين أفحش
مريم : ( 29 ) فأشارت إليه قالوا . . . . .
) فأشارت إليه ( إلى عيسى عليه الصلاة والسلام أي كلموه ليجيبكم ) قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا ( ولم نعهد صبيا في المهد كلمه عاقل و ) كان ( زائدة والظرف صلة من و ) صبيا ( حال من المستكن فيه أو تامة أو دائمة كقوله تعالى ) وكان الله عليما حكيما ( أو بمعنى صار
مريم : ( 30 ) قال إني عبد . . . . .
) قال إني عبد الله ( أنطقه الله تعالى به أولا لأنه أول المقامات وللرد على من يزعم ربوبيته ) آتاني الكتاب ( الإنجيل ) وجعلني نبيا ((4/13)
" صفحة رقم 14 "
مريم : ( 31 ) وجعلني مباركا أين . . . . .
) وجعلني مباركا ( نفاعا معلما للخير والتعبير بلفظ الماضي إما باعتبار ما سبق في قضائه أو بجعل المحقق وقوعه كالواقع وقيل أكمل الله عقله واستنبأه طفلا ) أين ما كنت ( حيث كنت ) وأوصاني ( وأمرني ) بالصلاة والزكاة ( زكاة المال إن ملكته أو تطهير النفس عن الرذائل ) ما دمت حيا )
مريم : ( 32 ) وبرا بوالدتي ولم . . . . .
) وبرا بوالدتي ( وبارا بها عطف على ) مباركا ( وقرىء بالكسر على أنه مصدر وصف به أو منصوب بفعل دل عليه أوصاني أي وكلفني برا ويؤيده القراءة بالكسر والجر عطفا على الصلاة ) ولم يجعلني جبارا شقيا ( عند الله من فرط تكبره(4/14)
" صفحة رقم 15 "
مريم : ( 33 ) والسلام علي يوم . . . . .
) والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ( كما هو على يحيى والتعريف للعهد والأظهر أنه للجنس والتعريض باللعن على أعدائه فإنه لما جعل جنس السلام على نفسه عرض بأن ضده عليهم كقوله تعالى ) والسلام على من اتبع الهدى ( فإنه تعريض بأن العذاب على من كذب وتولى
مريم : ( 34 ) ذلك عيسى ابن . . . . .
) ذلك عيسى ابن مريم ( أي الذي تقدم نعته هو عيسى ابن مريم لا ما يصفه النصارى وهو تكذيب لهم فيما يصفونه على الوجه الأبلغ والطريق البرهاني حيث جعله موصوفا بأضداد ما يصفونه ثم عكس الحكم ) قول الحق ( خبر محذوف أي هو قول الحق الذي لا ريب فيه والإضافة للبيان والضمير للكلام السابق أو لتمام القصة وقيل صفة ) عيسى ( أبدل أو خبر ثان ومعناه كلمة الله وقرأ عاصم وابن عامر ويعقوب ) قول ( بالنصب على أنه مصدر مؤكد وقرىء قال الحق وهو بمعنى القول ) الذي فيه يمترون ( في أمره يشكون أو يتنازعون فقالت اليهود ساحر وقالت النصارى ابن الله وقرىء بالتاء على الخطاب
مريم : ( 35 ) ما كان لله . . . . .
) ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه ( تكذيب للنصارى وتنزيه لله تعالى عما بهتوه ) إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ( تبكيت لهم فإن من إذا أراد شيئا أوجده(4/15)
" صفحة رقم 16 "
ب ) كن ( كان منزها عن شبه الخلق إلى الحاجة فى إتخاذ الولد بإحبال الإناث وقرأ ابن عامر ) فيكون ( بالنصب على الجواب
مريم : ( 36 ) وإن الله ربي . . . . .
) وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ( سبق تفسيره في سورة آل عمران وقرأ الحجازيان والبصريان ) وإن ( بالفتح على ولأن وقيل إنه معطوف على ) الصلاة )
مريم : ( 37 ) فاختلف الأحزاب من . . . . .
) فاختلف الأحزاب من بينهم ( اليهود والنصارى أو فرق النصارى نسطورية قالوا إنه ابن الله ويعقوبية قالوا هو الله هبط إلى الأرض ثم صعد إلى السماء وملكانية قالوا هو عبد الله ونبيه ) فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ( من شهود يوم عظيم هوله وحسابه وجزاؤه وهو يوم القيامة أو من وقت الشهود أو من مكانه فيه أو من شهادة ذلك اليوم عليهم وهو أن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء وألسنتهم وآرابهم وأرجلهم بالكفر والفسق أو من وقت الشهادة أو من مكانها وقيل هو ما شهدوا به في عيسى وأمه
مريم : ( 38 ) أسمع بهم وأبصر . . . . .
) أسمع بهم وأبصر ( تعجب معناه أن استماعهم وإبصارهم ) يوم يأتوننا ( أي يوم القيامة جدير بأن يتعجب منهما بعد ما كانوا صما عميا في الدنيا أو التهديد بما سيسمعون(4/16)
" صفحة رقم 17 "
ويبصرون يومئذ وقيل أمر بأن يسمعهم ويبصرهم مواعيد ذلك وما يحيق بهم فيه والجار والمجرور على الأول في موضع الرفع وعلى الثاني في موضع النصب ) لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ( أوقع الظالمون موقع الضمير إشعارا بأنهم ظلموا أنفسهم حيث أغفلوا الاستماع والنظر حين ينفعهم وسجل بأنه ضلال بين
مريم : ( 39 ) وأنذرهم يوم الحسرة . . . . .
) وأنذرهم يوم الحسرة ( يوم يتحسر الناس المسيء على إساءته والمحسن على قلة إحسانه ) إذ قضي الأمر ( فرغ من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار وإذ بدل من اليوم أو ظرف ل ) لحسرة ( ) وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ( حال متعلقة بقوله ) في ضلال مبين ( وما بينهما اعتراض أو ب ) أنذرهم ( أي أنذرهم غافلين غير مؤمنين فتكون حالا متضمنة للتعليل
مريم : ( 40 ) إنا نحن نرث . . . . .
) إنا نحن نرث الأرض ومن عليها ( لا يبقى لأحد غيرنا عليها وعليهم ملك ولا ملك أو نتوفى الأرض ومن عليها بالإفناء والإهلاك توفي الوارث لإرثه ) وإلينا يرجعون ( يردون للجزاء
مريم : ( 41 ) واذكر في الكتاب . . . . .
) واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا ( ملازما للصدق أو كثير التصديق لكثرة ما صدق به من غيوب الله تعالى وآياته وكتبه ورسله ) نبيا ( استنبأه الله
مريم : ( 42 ) إذ قال لأبيه . . . . .
) إذ قال ( بدل من ) إبراهيم ( وما بينهما اعتراض أو متعلق ب ) كان ( أو(4/17)
" صفحة رقم 18 "
ب ) صديقا نبيا ( ) لأبيه يا أبت ( التاء معوضة من ياء الإضافة ولذلك لا يقال يا أبتي ويقال يا أبتا وإنما تذكر للاستعطاف ولذلك كررها ) لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ( فيعرف حالك ويسمع ذكرك ويرى خضوعك ) ولا يغني عنك شيئا ( في جلب نفع أو دفع ضر دعاه إلى الهدى وبين ضلاله واحتج عليه أبلغ احتجاج وأرشقه برفق وحسن أدب حيث لم يصرح بضلاله بل طلب العلة التي تدعوه إلى عبادة ما يستخف به العقل الصريح ويأبى الركون إليه فضلا عن عبادته التي هي غاية التعظيم ولا تحق إلا لمن له الاستغناء التام والإنعام العام وهو الخالق الرازق المحي المميت المعاقب المثيب ونبه على أن العاقل ينبغي أن يفعل ما يفعل لغرض صحيح والشيء لو كان حيا مميزا سميعا بصيرا مقتدرا على النفع والضر ولكن كان ممكنا لاستنكف العقل القويم عن عبادته وإن كان أشرف الخلق كالملائكة والنبيين لما يراه مثله في الحاجة والانقياد للقدرة الواجبة فكيف إذا كان جمادا لا يسمع ولا يبصر
مريم : ( 43 ) يا أبت إني . . . . .
ثم دعاه إلى أن يتبعه ليهديه إلى الحق القويم والصراط المستقيم لما لم يكن محظوظا من العلم الإلهي مستقلا بالنظر السوي فقال ) يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا ( ولم يسم أباه بالجهل المفرط ولا نفسه بالعلم الفائق بل جعل نفسه كرفيق له في مسير يكون أعرف بالطريق
مريم : ( 44 - 45 ) يا أبت لا . . . . .
ثم ثبطه عما كان عليه بأنه مع خلوة عن النفع مستلزم للضر فإنه في الحقيقة عبادة الشيطان من حيث إنه الآمر به فقال ) يا أبت لا تعبد الشيطان ( ولما استهجن ذلك بين وجه الضر فيه بأن الشيطان مستعص على ربك المولي للنعم بقوله ) إن الشيطان كان للرحمن عصيا ( ومعلوم أن المطاوع للعاصي عاص وكل عاص حقيق بأن تسترد منه النعم وينتقم منه ولذلك عقبه بتخويفه سوء عاقبته وما يجر إليه فقال ) يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ( قرينا في(4/18)
" صفحة رقم 19 "
اللعن والعذاب تليه ويليك أو ثابتا في موالاته فإنه أكبر من العذاب كما أن رضوان الله أكبر من الثواب وذكر الخوف والمس وتنكير العذاب إما للمجاملة أو لخفاء العاقبة ولعل اقتصاره على عصيان الشيطان من بين جناياته لارتقاء همته في الربانية أو لأنه ملاكها أو لأنه من حيث إنه نتيجة معاداته لآدم وذريته منبه عليها
مريم : ( 46 ) قال أراغب أنت . . . . .
) قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ( قابل استعطافه ولطفه في الإرشاد بالفظاظة وغلظه العناد فناداه باسمه ولم يقابل ) يا أبت ( بيا بني وأخره وقدم الخبر على المبتدأ وصدره بالهمزة لإنكار نفس الرغبة على ضرب من التعجب كأنها مما لا يرغب عنها عاقل ثم هدده فقال ) لئن لم تنته ( عن مقالك فيها أو الرغبة عنها ) لأرجمنك ( بلساني يعني الشتم والذم أو بالحجارة حتى تموت أو تبعد مني ) واهجرني ( عطف على ما دل عليه ) لأرجمنك ( أي فاحذرني واهجرني ) مليا ( زمانا طويلا من الملاوة أو مليا بالذهاب عني
مريم : ( 47 ) قال سلام عليك . . . . .
) قال سلام عليك ( توديع ومتاركة ومقابلة للسيئة بالحسنة أي لا أصيبك بمكروه ولا أقول لك بعد ما يؤذيك ولكن ) سأستغفر لك ربي ( لعله يوفقك للتوبة والإيمان فإن حقيقة الاستغفار للكافر استدعاء التوفيق لما يوجب مغفرته وقد مر تقريره في سورة التوبة ) إنه كان بي حفيا ( بليغا في البر والإلطاف
مريم : ( 48 ) وأعتزلكم وما تدعون . . . . .
) وأعتزلكم وما تدعون من دون الله ( بالمهاجرة بديني ) وأدعو ربي ( وأعبده وحده ) عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا ( خائبا ضائع السعي مثلكم في دعاء آلهتكم وفي تصدير الكلام ب ) عسى ( التواضع وهضم النفس والتنبيه على أن الإجابة والإثابة تفضل غير واجبتين وأن ملاك الأمر خاتمته وهو غيب(4/19)
" صفحة رقم 20 "
مريم : ( 49 ) فلما اعتزلهم وما . . . . .
) فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله ( بالهجرة إلى الشام ) وهبنا له إسحاق ويعقوب ( بدل من فارقهم من الكفرة قيل أنه لما قصد الشام أتى أولا حران وتزوج بسارة وولدت له إسحق وولد منه يعقوب ولعل تخصيصها بالذكر لأنهما شجرتا الأنبياء أو لأنه أراد أن يذكر إسماعيل بفضله على الانفراد ) وكلا جعلنا نبيا ( وكلا منهما أو منهم
مريم : ( 50 ) ووهبنا لهم من . . . . .
) ووهبنا لهم من رحمتنا ( النبوة والأموال والأولاد ) وجعلنا لهم لسان صدق عليا ( يفتخر بهم الناس ويثنون عليهم استجابة لدعوته ) واجعل لي لسان صدق في الآخرين ( والمراد باللسان ما يوجد به ولسان العرب لغتهم وإضافته إلى الصدق وتوصيفه بالعلو للدلالة على أنهم أحقاء بما يثنون عليهم وأن محامدهم لا تخفى على تباعد الأعصار وتحول الدول وتبدل الملل
مريم : ( 51 ) واذكر في الكتاب . . . . .
) واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا ( موحدا أخلص عبادته عن الشرك والرياء أو أسلم وجهه لله وأخلص نفسه عما سواه وقرأ الكوفيون بالفتح على أن الله أخلصه ) وكان رسولا نبيا ( أرسله الله إلى الخلق فأنبأهم عنه ولذلك قدم ) رسولا ( مع أنه أخص وأعلى
مريم : ( 52 ) وناديناه من جانب . . . . .
) وناديناه من جانب الطور الأيمن ( من ناحيته اليمنى من اليمين وهي التي تلي يمين(4/20)
" صفحة رقم 21 "
موسى أو من جانبه الميمون من اليمن بأن تمثل له الكلام من تلك الجهة ) وقربناه ( تقريب تشريف شبهه بمن قربه الملك لمناجاته ) نجيا ( مناجيا حال من أحد الضميرين وقيل مرتفعا من النحوة وهو الارتفاع لما روي أنه فوق السموات حتى سمع صرير القلم
مريم : ( 53 ) ووهبنا له من . . . . .
) ووهبنا له من رحمتنا ( من أجل رحمتنا ) أخاه ( معاضده أخيه وموازرته إجابة لدعوته ) واجعل لي وزيرا من أهلي ( فإنه كان أسن من موسى وهو مفعول أو بدل على تقدير أن تكون ) من ( للتبعيض ) هارون ( عطف بيان له ) نبيا ( حال منه
مريم : ( 54 ) واذكر في الكتاب . . . . .
) واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد ( ذكره بذلك لأنه المشهور به والموصوف بأشياء في هذا الباب لم تعهد من غيره وناهيك أنه وعد الصبر على الذبح(4/21)
" صفحة رقم 22 "
فقال ) ستجدني إن شاء الله من الصابرين ( فوفى ) وكان رسولا نبيا ( يدل على أن الرسول لا يلزم أن يكون صاحب شريعة فإن أولاد إبراهيم كانوا على شريعته
مريم : ( 55 ) وكان يأمر أهله . . . . .
) وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة ( اشتغالا بالأهم وهو أن يقبل الرجل على نفسه ومن هو أقرب الناس إليه بالتكميل قال الله تعالى ) وأنذر عشيرتك الأقربين ( ) وأمر أهلك بالصلاة ( ) قوا أنفسكم وأهليكم نارا ( وقيل أهله أمته فإن الأنبياء آباء الأمم ) وكان عند ربه مرضيا ( لاستقامة أقواله وأفعاله
مريم : ( 56 ) واذكر في الكتاب . . . . .
) واذكر في الكتاب إدريس ( وهو سبط شيث وجد أبي نوح عليهم السلام واسمه أخنوخ واشتقاق إدريس من الدرس يرده منع صرفه نعم لا يبعد أن يكون معناه في تلك اللغة قريبا من ذلك فلقب به لكثرة درسه إذ روي أنه تعالى أنزل عليه ثلاثين صحيفة وأنه أول من خط بالقلم ونظر في علم النجوم والحساب ) إنه كان صديقا نبيا )
مريم : ( 57 ) ورفعناه مكانا عليا
) ورفعناه مكانا عليا ( يعني شرف النبوة والزلفى عند الله وقيل الجنة وقيل السماء السادسة أو الرابعة
مريم : ( 58 ) أولئك الذين أنعم . . . . .
) أولئك ( إشارة إلى المذكورين في السورة من زكريا إلى إدريس عليهم السلام ) الذين أنعم الله عليهم ( بأنواع النعم الدينية والدنيوية ) من النبيين ( بيان للموصول ) من ذرية آدم ( بدل منه بإعادة الجار ويجوز أن تكون ) من ( فيه للتبعيض لأن المنعم عليهم أعم من الأنبياء وأخص من الذرية ) وممن حملنا مع نوح ( أي ومن ذرية من حملنا خصوصا وهم من عدا إدريس فإن إبراهيم كان من ذرية سام بن نوح ) ومن ذرية إبراهيم ( الباقون ) وإسرائيل ( عطف على ) إبراهيم ( أي ومن ذرية إسرائيل وكان منهم موسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسى وفيه دليل على أن أولاد البنات من الذرية ) وممن هدينا ( ومن جملة من هديناهم إلى الحق ) واجتبينا ( للنبوة والكرامة ) إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ( خبر ل ) أولئك ( إن جعلت الموصول صفته واستئناف إن جعلته خبره لبيان خشيتهم من الله وإخباتهم له مع ما لهم من علو الطبقة(4/22)
" صفحة رقم 23 "
في شرف النسب وكمال النفس والزلفى من الله تعالى وعن النبي عليه الصلاة والسلام اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكو فتباكوا والبكي جمع باك كالسجود في جمع ساجد وقرىء يتلى بالياء لأن التأنيث غير حقيقي وقرأ حمزة والكسائي بكيا بكسر الباء
مريم : ( 59 ) فخلف من بعدهم . . . . .
) فخلف من بعدهم خلف ( فعقبهم وجاء بعدهم عقب سوء يقال خلف صدق بالفتح وخلف سوء بالسكون ) أضاعوا الصلاة ( تركوها أو أخروها عن وقتها ) واتبعوا الشهوات ( كشرب الخمر واستحلال نكاح الأخت من الأب والإنهماك في المعاصي وعن علي رضي الله تعالى عنه في قوله ) واتبعوا الشهوات ( من بنى الشديد وركب المنظور ولبس المشهور ) فسوف يلقون غيا ( شرا كقوله " فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره ومن يغو لا يعدم على الغي لائما " أو جزاء غي كقوله تعالى ) يلق أثاما ( أو غيا عن طريق الجنة وقيل هو واد في جهنم يستعيذ منه أوديتها
مريم : ( 60 ) إلا من تاب . . . . .
) إلا من تاب وآمن وعمل صالحا ( يدل على أن الآي في الكفرة ) فأولئك يدخلون الجنة ( وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر ويعقوب على البناء للمفعول من أدخل ) ولا يظلمون شيئا ( ولا ينقصون شيئا من جزاء أعمالهم ويجوز أن ينتصب ) شيئا ( على المصدر وفيه تنبيه على أن كفرهم السابق لا يضرهم ولا ينقص أجورهم
مريم : ( 61 ) جنات عدن التي . . . . .
) جنات عدن ( بدل من الجنة بدل البعض لاشتمالها عليها أو منصوب على المدح و قرىء بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وعدن لأنه المضاف إليه في العلم أو(4/23)
" صفحة رقم 24 "
علم للعدن بمعنى الإقامة كبرة ولذلك صح وصف ما أضيف إليه بقوله ) التي وعد الرحمن عباده بالغيب ( أي وعدها إياهم وهي غائبة عنهم أو وهم غائبون عنها أو وعدهم بإيمانهم بالغيب ) أنه ( إن الله ) كان وعده ( الذي هو الجنة ) مأتيا ( يأتيها أهلها الموعود لهم لا محالة وقيل هو من أتى إليه إحسانا أي مفعولا منجزا
مريم : ( 62 ) لا يسمعون فيها . . . . .
) لا يسمعون فيها لغوا ( فضول كلام ) إلا سلاما ( ولكن يسمعون قولا يسلمون فيه من العيب والنقيصة أو تسليم الملائكة عليهم أو تسليم بعضهم على بعض على الاستثناء المنقطع أو على أن معنى التسليم إن كان لغوا فلا يسمعون لغوا سواه كقوله " ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب " أو على أن معناه الدعاء بالسلامة وأهلها أغنياء عنه فهو من باب اللغو ظاهرا وإنما فائدته الإكرام ) ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ( على عادة المتنعمين والتوسط بين الزهادة والرغابة وقيل المراد دوام الرزق ودروره
مريم : ( 63 ) تلك الجنة التي . . . . .
) تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ( نبقيها عليهم من ثمرة تقواهم كما يبقى على الوارث مال مورثه والوراثة أقوى لفظ يستعمل في التملك والاستحقاق من حيث إنها لا تعقب بفسخ ولا استرجاع ولا تبطل برد ولا إسقاط وقيل يورث المتقون من الجنة المساكن التي كانت لأهل النار لو أطاعوا زيادة في كرامتهم وعن يعقوب ) نورث ( بالتشديد(4/24)
" صفحة رقم 25 "
مريم : ( 64 ) وما نتنزل إلا . . . . .
) وما نتنزل إلا بأمر ربك ( حكاية قول جبريل عليه الصلاة والسلام حين استبطأه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما سئل عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح ولم يدر ما يجيب ورجا أن يوحى إليه فيه فأبطأ عليه خمسة عشر يوما وقيل أربعين يوما حتى قال المشركون ودعه ربه وقلاه ثم نزل ببيان ذلك والتنزل النزول على مهل لأنه مطاوع نزل وقد يطلق بمعنى النزول مطلقا كما يطلق نزل بمعنى أنزل والمعنى وما ننزل وقتا عب وقت إلا بأمر الله على ما تقتضيه حكمته وقرئ وما يتنزل بالياء والضمير للوحي ) له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك ( وهو ما نحن فيه من الأماكن والأحايين لا ننتقل من مكان إلى مكان ولا ننزل في زمان دون زمان إلا بأمره ومشيئته ) وما كان ربك نسيا ( تاركا لك أي ما كان عدم النزول إلا لعدم الأمر به ولم يكن ذلك عن ترك الله لك وتوديعه إياك كما زعمت الكفرة وإنما كان لحكمة رآها فيه وقيل أول الآية حكاية قول المتقين حين يدخلون الجنة والمعنى وما ننزل الجنة إلا بأمر الله ولطفه وهو مالك الأمور كلها السالفة والمترقبة والحاضرة فما وجدناه وما نجده من لطفه وفضله
مريم : ( 65 ) رب السماوات والأرض . . . . .
وقوله ) وما كان ربك نسيا ( تقرير من الله لقولهم أي وما كان ربك نسيا لأعمال العاملين وما وعد لهم من الثواب عليها وقوله ) رب السماوات والأرض وما بينهما ( بيان لامتناع النسيان عليه وهو خبر محذوف أو بدل من ) ربك ( ) فاعبده واصطبر لعبادته ( خطاب للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) مرتب عليه أي لما عرفت ربك لأنه لا ينبغي له أن ينساك أو أعمال العمال فأقبل على عبادته واصطبر عليها ولا تتشوش بإبطاء الوحي وهزء الكفر وإنما عدي باللام لتضمنه معنى الثبات للعبادة فيما يورد عليه من الشدائد والمشاق كقولك للمحارب اصطبر لقرنك ) هل تعلم له سميا ( مثلا يستحق أن يسمى إلها أو أحدا سمي الله فإن المشركين وإن سموا الصنم إلها لم يسموه الله قط وذلك لظهور أحديته تعالى وتعالى ذاته عن المماثلة بحيث لم يقبل اللبس(4/25)
" صفحة رقم 26 "
والمكابرة وهو تقرير للأمر أي إذا صح أن لا أحد مثله ولا يستحق العبادة غيره لم يكن بد من التسليم لأمره والاشتغال بعبادته والاصطبار على مشاقها
مريم : ( 66 ) ويقول الإنسان أئذا . . . . .
) ويقول الإنسان ( المراد به الجنس بأسره فإن المقول مقول فيما بينهم وإن لم يقله كلهم كقولك بنو فلان قتلوا فلانا والقاتل واحد منهم أو بعضهم المعهود وهم الكفرة أو أبي بن خلف فإنه أخذ عظاما بالية ففتها وقال يزعم محمد أننا نبعث بعدما نموت ) أئذا ما مت لسوف أخرج حيا ( من الأرض أو من حال الموت وتقديم الظرف وإيلاؤه حرف الإنكار لأن المنكر كون ما بعد الموت وقت الحياة وانتصابه بفعل دل عليه أخرج لا به فإن ما بعد اللام لا يعمل فيما قبلها وهي ها هنا مخلصة للتوكيد مجردة عن معنى الحال كما خلصت الهمزة واللام في يا الله للتعويض فساغ اقترانها بحرف الاستقبال وروي عن ابن ذكوان إذا ما مت بهمزة واحدة مكسورة على الخبر
مريم : ( 67 ) أولا يذكر الإنسان . . . . .
) أولا يذكر الإنسان ( عطف على ) يقول ( وتوسيط همزة الإنكار بينه وبين العاطف مع أن الأصل أن يتقدمهما للدلالة على أن المنكر بالذات هو المعطوف وأن المعطوف عليه إنما نشأ منه فإنه لو تذكر وتأمل ) أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ( بل كان عدما صرفا لم يقل ذلك فإن أعجب من جمع المواد بعد التفريق وإيجاد مثل ما كان(4/26)
" صفحة رقم 27 "
فيها من الأعراض وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وقالون عن يعقوب يذكر من الذكر الذي يراد به التفكر وقرئ يتذكر على الأصل
مريم : ( 68 ) فوربك لنحشرنهم والشياطين . . . . .
) فوربك لنحشرنهم ( أقسم باسمه تعالى مضافا إلى نبيه تحقيقا للأمر وتفخيما لشأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) والشياطين ( عطف أو مفعول معه لما روي أن الكفرة يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم كل مع شيطانه في سلسلة وهذا وإن كان مخصوصا بهم ساغ نسبته إلى الجنس بأسره فإنهم إذا حشروا وفيهم الكفرة مقرونين بالشياطين فقد حشروا جميعا معهم ) ثم لنحضرنهم حول جهنم ( ليرى السعداء ما نجاهم الله منه فيزدادوا غبطة وسرورا وينال الأشقياء ما ادخروا لمعادهم عدة ويزدادوا غيظا من رجوع السعداء عنهم إلى دار الثواب وشماتتهم عليهم ) جثيا ( على ركبهم لما ديهمهم من هول الموقف جاثون لقوله تعالى ) وترى كل أمة جاثية ( على المعتاد في مواقف التقاول وإن كان المراد بالإنسان الكفرة فلعلهم يساقون جثاة من الموقف إلى شاطىء جهنم إهانة بهم أو لعجزهم عن القيام لما عراهم من الشدة وقرأ حمزة والكسائي وحفص ) جثيا ( بكسر الجيم
مريم : ( 69 ) ثم لننزعن من . . . . .
) ثم لننزعن من كل شيعة ( من كل أمة شاعت دينا ) أيهم أشد على الرحمن عتيا ( من كان أعصى وأعتى منهم فنطرحهم فيها وفي ذكر الأشد تنبيه على أنه تعالى(4/27)
" صفحة رقم 28 "
يعفو كثيرا من أهل العصيان ولو خص ذلك بالكفرة فالمراد أنه يميز طوائفهم أعتاهم فأعتاهم ويطرحهم في النار على الترتيب أو يدخل كلا طبقتها التي تليق به ) أيهم ( مبني على الضم عند سيبويه لأن حقه أن يبنى كسائر الموصولات لكنه أعرب حملا على ) كل ( وبعض للزوم الإضافة وإذا حذف صدر صلته زاد نقصه فعاد إلى حقه منصوب المحل بننزعن ولذلك قرىء منصوبا ومرفوع عند غيره إما بالإبتداء على أنه استفهامي وخبره ) أشد ( والجملة محكية وتقدير الكلام ) لننزعن ( من كل شيعة الذين يقال فيهم أيهم أشد أو معلق عنها لننزعن لتضمنه معنى التمييز اللازم للعلم أو مستأنفة والفعل واقع على ) من كل شيعة ( على زيادة من أو على معنى لننزعن بعض كل شيعة وإما بشيعة لأنها بمعنى تشيع وعلى للبيان أو متعلق بافعل
مريم : ( 70 ) ثم لنحن أعلم . . . . .
وكذا الباء في قوله ) ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا ( أي لنحن أعلم بالذين هم أولى بالصلي أو صليهم أولى بالنار وهم المنتزعون ويجوز أن يراد بهم وبأشدهم عتيا رؤساء(4/28)
" صفحة رقم 29 "
الشيع فإن عذابهم مضاعف لضلالهم وقرأ حمزة والكسائي وحفص ) صليا ( بكسر الصاد
مريم : ( 71 ) وإن منكم إلا . . . . .
) وإن منكم ( وما منكم التفات إلى الإنسان ويؤيده أنه قرىء وإن منهم ) إلا واردها ( إلا واصلها وحاضر دونها يمر بها المؤمنون وهي خامدة وتنهار بغيرهم وعن جابر رضي الله عنه أنه عليه السلام سئل عنه فقال إذا دخل أهل الجنة الجنة قال بعضهم لبعض أليس قد وعدنا ربنا أن نرد النار فيقال لهم قد رودتموها وهي خامدة وأما قوله تعالى ) أولئك عنها مبعدون ( فالمراد عن عذابها وقيل ورودها الجواز على الصراط فإنه ممدود عليها ) كان على ربك حتما مقضيا ( كان ورودهم وادبا واجبا الله على نفسه وقضى به بأن وعد به وعدا لا يمكن خلفه وقيل أقسم عليه
مريم : ( 72 ) ثم ننجي الذين . . . . .
) ثم ننجي الذين اتقوا ( فيساقون إلى الجنة وقرأ الكسائي ويعقوب ننجي بالتخفيف وقرىء ثم بفتح الثاء أي هناك و ) ونذر الظالمين فيها جثيا ( منهارا بهم كما كانوا وهو دليل على أن المراد بالورود الجثو حواليها وأن المؤمنين يفارقون الفجرة إلى الجنة بعد تجاثيهم وتبقى الفجرة فيها منهارا بهم على هيئاتهم(4/29)
" صفحة رقم 30 "
مريم : ( 73 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ( مرتلات الألفاظ مبينات المعاني بنفسها أو ببيان الرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو واضحات الإعجاز ) قال الذين كفروا للذين آمنوا ( لأجلهم أو معهم ) أي الفريقين ( المؤمنين والكافرين ) خير مقاما ( موضع قيام أو مكانا وقرأ ابن كثير بالضم أي موضع إقامة ومنزل ) وأحسن نديا ( مجلسا ومجتمعا والمعنى أنهم لما سمعوا حفوظ الدنيا والإستدلال بزيادة حظهم فيها على فضلهم وحسن حالهم عند الله تعالى لقصور نظرهم على الحال وعلمهم بظاهر من الحياة الدنيا
مريم : ( 74 ) وكم أهلكنا قبلهم . . . . .
فرد عليهم ذلك أيضا مع التهديد نقضا بقوله ) وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا ( و ) كم ( مفعول ) أهلكنا ( و ) من قرن ( بيانه وإنما سمي أهل كل عصر قرنا أي مقدما من قرن الدابة وهو مقدمها لأنه يتقدم من بعده وهم أحسن صفة لكم وأثاثا تمييز عن النسبة وهو متاع البيت وقيل هو ماجد منه والخرثي ما رث والرئي المنظر فعل من الرؤية لما يرى كالطحن والخبز وقرأ نافع وابن عامر ريا على قلب الهمزة وإدغامها أو على أنه من الري الذي هو النعمة وقرأ أبو بكر رييا على القلب وقرىء ريا بحذف الهمزة وزيا من الزي وهو الجمع فإنه محاسن مجموعة
مريم : ( 75 ) قل من كان . . . . .
ثم بين أن تمتيعهم استدراج وليس بإكرام وإنما العيار على الفضل والنقص ما يكون في الآخرة بقوله ) قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ( فيمده ويمهله بطول العمر والتمتع به وإنما أخرجه على لفظ الأمر إيذانا إمهاله مما ينبغي أن فعله استدراجا وقطعا(4/30)
" صفحة رقم 31 "
لمعاذيره كقوله تعالى ) إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ( وكقوله ) أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ( ) حتى إذا رأوا ما يوعدون ( غاية المد وقيل غاية قول الذين كفروا للذين آمنوا أي قالوا أي الفريقين حتى إذا رأوا ما يوعدون ) إما العذاب وإما الساعة ( تفصيل للموعود فإنه إما العذاب في الدنيا وهو غلبة المسلمين عليهم وتعذيبهم إياهم قتلا وأسرا وإما يوم القيامة وما ينالهم فيه من الخزي والنكال ) فسيعلمون من هو شر مكانا ( من الفريقين بأن عاينوا الأمر على عكس ما قدروه وعاد ما متعوا به خذلانا ووبالآ عليهم وهو جواب الشرط والجملة محكية بعد ) حتى ( ) وأضعف جندا ( أي فئة وأنصارا قابل به أحسن نديا من حيث إن حسن النادي باجتماع وجوه القوم وأعيانهم وظهور شوكتهم واستظهارهم
مريم : ( 76 ) ويزيد الله الذين . . . . .
) ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ( عطف على الشرطية المحكية بعد القول كأنه لما بين أن إمهال الكافر وتمتيعه بالحياة الدنيا ليس لفضله أراد أن يبين أن قصور حظ المؤمن منها ليس لنقصه بل لأن الله عز وجل أراد به ما هو خير له وعوضه منه وقيل عطف على فليمدد لأنه في معنى الخبر كأنه قيل من كان في الضلالة يزيد الله الله في ضلاله ويزيد المقابل له هداية ) والباقيات الصالحات ( الطاعات التي تبقى عائدتها أبد الآباد ويدخل فيها ما قيل من الصلوات الخمس وقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ) خير عند ربك ثوابا ( عائدة مما متع به الكفرة من النعم المخدجة الفانية التي يفتخرون بها سيما ومآلها النعيم المقيم ومآل هذه الحسرة والعذاب الدائم كما أشار إليه بقوله ) وخير مردا ( والخير ها هنا إما لمجرد الزيادة أو على طريقة قولهم الصيف أحر من الشتاء أي أبلغ في حره منه في برده(4/31)
" صفحة رقم 32 "
مريم : ( 77 ) أفرأيت الذي كفر . . . . .
) أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا ( نزلت في العاص بن وائل كان لخباب عليه مال فتقاضاه فقال له لا حتى تكفر بمحمد فقال لا والله لا أكفر بمحمد حيا ولا ميتا ولا حين تبعث قال فإذا بعثت جئتني فيكون لي ثم مال وولد فأعطيك ولما كانت الرؤية أقوى سند الإخبار استعمل أرأيت بمعنى الإخبار والفاء أصلها في التعقيب والمعنى أخبر بقصة هذا الكافر عقب حديث أولئك وقرأ حمزة والكسائي ولدا وهو جمع ولد كأسد في أسد أو لغة فيه كالعرب والعرب
مريم : ( 78 ) أطلع الغيب أم . . . . .
) أطلع الغيب ( أقد بلغ من عظمة شأنه إلى أن ارتقى إلى علم الغيب الذي توحد به الواحد القهار حتى ادعى أن يؤتى في الآخرة مالا وولدا وتألى عليه ) أم اتخذ عند الرحمن عهدا ( أو اتخذ من عالم الغيب عهدا بذلك فإنه لا يتوصل إلى العلم به إلا بأحد هذين الطريقين وقيل العهد كلمة الشهادة والعمل الصالح فإن وعد الله بالثواب عليهما كالعهد عليه
مريم : ( 79 ) كلا سنكتب ما . . . . .
) كلا ( ردع وتنبيه على أنه مخطئ فيما تصوره لنفسه ) سنكتب ما يقول ( سنظهر له أنا كتبنا قوله على طريقة قوله " إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة " أي تبين أني لم تلدني لئيمة أو سننتقم منه انتقام من كتب جريمة العدو وحفظها عليه(4/32)
" صفحة رقم 33 "
فإن نفس الكتابة لا تتأخر عن القول لقوله تعالى ) ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ( ) ونمد له من العذاب مدا ( ونطول له من العذاب ما يستأهله أو نزيد عذابه ونضاعفه له لكفره وافترائه واستهزائه على الله جلت عظمته ولذلك أكده بالمصدر دلالة على فرط غضبه عليه
مريم : ( 80 ) ونرثه ما يقول . . . . .
) ونرثه ( بموته ) ما يقول ( يعني المال والولد ) ويأتينا ( يوم القيامة ) فردا ( لا يصحبه مال ولا ولد كان له في الدنيا فضلا أن يؤتى ثم زائدا وقيل ) فردا ( رافضا لهذا القول منفردا عنه
مريم : ( 81 ) واتخذوا من دون . . . . .
) واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا ( ليتعززوا بهم حيث يكونون لهم وصلة إلى الله وشفعاء عنده
مريم : ( 82 ) كلا سيكفرون بعبادتهم . . . . .
) كلا ( ردع وإنكار لتعززهم بها ) سيكفرون بعبادتهم ( ستجحد الآلهة عبادتهم ويقولون ما عبدتمونا لقوله تعالى ) إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ( أو سينكر الكفرة لسوء العاقبة أنهم عبدوها لقوله تعالى ) ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ( ) ويكونون عليهم ضدا ( يؤيد الأول إذا فسر الضد بضد العز أي ويكونون عليهم ذلا أو بضدهم على معنى أنها تكون معونة في عذابهم بأن توقد بها نيرانهم أو جعل الواو للكفرة أي يكونون كافرين بهم بعد أن كانوا يعبدونها وتوحيده لوحدة المعنى الذي به مضادتهم فإنهم بذلك كالشيء الواحد ونظيره قوله عليه الصلاة والسلام وهم يد على من سواهم وقرىء ) كلا ( بالتنوين على قلب الألف نونا في الوقف قلب ألف الإطلاق في قوله(4/33)
" صفحة رقم 34 "
" أقلي اللوم عاذل والعتابن " أو على معنى كل هذا الرأي كلا وكلا على إضمار فعل يفسره ما بعده أي سيجحدون ) كلا سيكفرون بعبادتهم )
مريم : ( 83 ) ألم تر أنا . . . . .
) ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين ( بأن سلطانهم عليهم أو قيضنا لهم قرناء ) تؤزهم أزا ( تهزهم وتغريهم على المعاصي بالتسويلات وتحبيب الشهوات والمراد تعجيب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من أقاويل الكفرة وتماديهم في الغي وتصميمهم على الكفر بعد وضوح الحق على ما نطقت به الآيات المتقدمة
مريم : ( 84 ) فلا تعجل عليهم . . . . .
) فلا تعجل عليهم ( بأن يهلكوا حتى تستريح أنت والمؤمنون من شرورهم وتطهر الأرض من فسادهم ) إنما نعد لهم ( أيام آجالهم ) عدا ( والمعنى لا تعجل بهلاكهم فإنه لم يبق له إلا أيام محصورة وأنفاس معدودة
مريم : ( 85 ) يوم نحشر المتقين . . . . .
) يوم نحشر المتقين ( نجمعهم ) إلى الرحمن ( إلى ربهم الذي غمرهم برحمته ولا ختبار هذا الإسم في هذه السورة شأن ولعله لأن مساق هذا الكلام فيها لتعداد نعمه الجسام وشرح حال الشاكرين له ا والكافرين بها ) وفدا ( وافدين عليه كما يفد الوفاد على الملوك منتظرين لكرامتهم وإنعامهم
مريم : ( 86 ) ونسوق المجرمين إلى . . . . .
) ونسوق المجرمين ( كما تساق البهائم ) إلى جهنم وردا ( عطاشا فإن من يرد الماء لا يرده إلا لعطش أو كالدواب التي ترد الماء
مريم : ( 87 ) لا يملكون الشفاعة . . . . .
) لا يملكون الشفاعة ( الضمير فها للعباد المدلول عليها بذكر القسمين وهو الناصب لليوم ) إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ( إلا من تحلى بما يستعد به ويستأهل أن شفع للعصاة من الإيمان والعمل الصالح على ما وعد الله تعالى أو إلا من اتخذ من الله إذنا فيها كقوله تعالى ) لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ( من قولهم عهد الأمير إلى فلان بكذا إذا أمره به ومحله الرفع على البدل من الضمير أو النصب على تقدير مضاف أي إلا شفاعة من اتخذ أو على الآستثناء وقيل الضمير للمجرمين والمعنى لا يملكون(4/34)
" صفحة رقم 35 "
الشفاعة فيهم إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا يستعد به أن يشفع له بالإسلام
مريم : ( 88 ) وقالوا اتخذ الرحمن . . . . .
) وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ( الضمير يحتمل الوجهين لأن هذا لما كان مقولا فيما بين الناس جاز أن ينسب إليهم
مريم : ( 89 ) لقد جئتم شيئا . . . . .
) لقد جئتم شيئا إدا ( على الإلتفات للمبالغة في الذم والتسجيل عليهم بالجراءة على الله تعالى والإد بالفتح والكسر العظيم المنكر الإداة الشدة وأدني الأمر وآدني أثقلني وعظم علي
مريم : ( 90 ) تكاد السماوات يتفطرن . . . . .
) تكاد السماوات ( وقرأ نافع والكسائي بالياء ) يتفطرن منه ( يتشققن مرة بعد أخرى وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة وأبو بكر ويعقوب ينفطرن والأول أبلغ لأن التفعل مطاوع فعل والإنفعال مطاوع فعل ولأن أصل التفعل التكلف ) وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ( تهد هدا أو مهدودة أو لأنها تهد أي تكسر وهو تقرير لكونه أدا والمعنى أن هول هذه الكلمة وعظمها بحيث لو تصورت بصورة محسوسة لم تتحملها هذه الأجرام والعظام وتفتت من شدتها أو أن فظاعتها مجلبة لغضب الله بحيث لولا حلمه لخرب العالم وبدد قوائمه غضبا على من تفوه بها
مريم : ( 91 ) أن دعوا للرحمن . . . . .
) أن دعوا للرحمن ولدا ( يحتمل النصب على العلة ل ) تكاد ( أو ل ) هدا ( على حذف اللام وإفضاء الفعل إليه والجر بإضمار اللام أو بالإبدال من الهاء في منه والرفع على أنه خبر محذوف تقديره الموجب لذلك ) أن دعوا ( أو فاعل ) هدا ( أي هدها دعاء(4/35)
" صفحة رقم 36 "
الولد للرحمن وهو من دعا بمعنى سمى المتعدي إلى مفعولين وإنما اقتصر على المفعول الثاني ليحيط بكل ما دعي له ولدا أو من دعا بمعنى نسب الذي مطاوعه ادعى إلى فلان إذا انتسب إليه
مريم : ( 92 - 93 ) وما ينبغي للرحمن . . . . .
) وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ( ولا يليق به اتخاذ الولد ولا يتطلب له لو طلب مثلا لأنه مستحيل ولعل ترتيب الحكم بصفة الرحمانية للإشعار بأن كل ما عداه نعمة ومنعم عليه فر يجانس من هو مبدأ النعم كلها ومولي أصولها وفروعها فكيف يمكن أن يتخذه ولدا ثم صرح به في قوله ) إن كل من في السماوات والأرض ( أي ما منهم ) إلا آتي الرحمن عبدا ( إلا وهو مملوك له يأوي إليه بالعبودية والإنقياد وقرىء / آت الرحمن / على الأصل
مريم : ( 94 ) لقد أحصاهم وعدهم . . . . .
) لقد أحصاهم ( حصرهم وأحاط بهم بحيث لا يخرجون عن حوز علمه وقبضة قدرته ) وعدهم عدا ( عد أشخاصهم وأنفاسهم وأفعالهم فإن كل شيء عنده بمقدار
مريم : ( 95 ) وكلهم آتيه يوم . . . . .
) وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ( منفردا عن الإتباع والأنصار فلا يجانسه شيء من ذلك ليتخذه ولدا ولا يناسبه ليشرك به
مريم : ( 96 ) إن الذين آمنوا . . . . .
) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ( سيحدث لهم في القلوب مودة من غير تعرض منهم لأسبابها وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا أحب الله عبدا يقول لجبريل أحببت فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله قد أحب فلانا فأحبوه في حبه أهل السماء ثم توضع له المحبة في الأرض والسين إما لأن السورة
مكية وكانوا ممقوتين حينئذ بين الكفرة فوعدهم ذلك إذا دجا الإسلام أو لأن الموعود في القيامة حين تعرض حسناتهم على رؤوس الأشهاد فينزع ما في صدورهم من الغل(4/36)
" صفحة رقم 37 "
مريم : ( 97 ) فإنما يسرناه بلسانك . . . . .
) فإنما يسرناه بلسانك ( بأن أنزلناه بلغتك والباء بمعنى على أو على أصله لتضمن ) يسرناه ( معنى أنزلناه بلغتك ) لتبشر به المتقين ( الصائرين إلى التقوى ) وتنذر به قوما لدا ( أشداء الخصومة آخذين في كل لديد أي شق من المراء لفرط لجاجهم فبشر به وأنذر
مريم : ( 98 ) وكم أهلكنا قبلهم . . . . .
) وكم أهلكنا قبلهم من قرن ( تخويف للكفرة وتجسير للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) على إنذارهم ) هل تحس منهم من أحد ( هل تشعر بأحد منهم وتراه ) أو تسمع لهم ركزا ( وقرئ ) تسمع ( من أسمعت والركز الصوت الخفي وأصل التركيب هو الخفاء ومنه ركز الرمح إذا غيب طرفه في الأرض والركاز المال المدفون عن رسول الله من قرأ سورة مريم أعطي عشر حسنات بعدد من كذب زكريا وصدق به ويحيى ومريم وعيسى وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام المذكورين فيها وبعدد من دعا الله في الدنيا ومن لم يدع الله(4/37)
" صفحة رقم 38 "
سورة طه
مكية وهي مائة وأربع وثلاثون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
طه : ( 1 ) طه
) طه ( فخمها قالون وابن كثير وابن عامر وحفص ويعقوب على الأصل وفخم الطاء وحده أبو عمرو وورش لاستعلائه وأمالها الباقون وهما من أسماء الحروف وقيل معناه يا رجل على لغة عك فإن صح فلعل أصله يا هذا فتصرفوا فيه بالقلب والاختصار والاستشهاد بقوله " إن السفاهة طاها في خلائقكم لا قدس الله أخلاق الملاعين " ضعيف لجواز أن يكون قسما كقوله حم لا ينصرون وقرئ ) طه ( على أنه أمر للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يطأ الأرض بقدميه فإنه كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه وأن(4/38)
" صفحة رقم 39 "
أصله طأ فقلبت همزته هاء أو قلبت في يطأ ألفا كقوله لا هناك المرتع ثم بنى عليه الأمر وضم إليه هاء السكت وعلى هذا يحتمل أن يكون أصل ) طه ( طأها والألف مبدلة من الهمزة والهاء كناية الأرض لكن يرد ذلك كتابتهما على صورة الحرف وكذا التفسير بيا رجل أو اكتفى بشطري الكلمتين وعبر عنهما باسمهما
طه : ( 2 ) ما أنزلنا عليك . . . . .
) ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ( خبر ) طه ( إن جعلته مبتدأ على أنه مؤول بالسورة أو ) القرآن ( والقرآن فيه واقع موقع العائد وجوابه إن جعلته مقسما به ومنادى له إن جعلته نداء واستئناف إن كانت جملة فعلية أو اسمية بإضمار مبتدأ أو طائفة من الحروف محكية والمعنى ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب بفرط تأسفك على كفر قريش إذ ما عليك إلا أن تبلغ أو بكثرة الرياضة وكثرة التهجد والقيام على ساق والشقاء شائع بمعنى التعب ومنه أشقى من رائض المهر وسيد القوم أشقاهم ولعله عدل إليه للإشعار بأنه أنزل عليه ليسعد وقيل رد وتكذيب للكفرة فإنهم لما رأوا كثرة عبادته قالوا إنك لتشقى بترك ديننا وإن القرآن أنزل عليك لتشقى به(4/39)
" صفحة رقم 40 "
طه : ( 3 ) إلا تذكرة لمن . . . . .
) إلا تذكرة ( لكن تذكيرا وانتصابها على الاستثناء المنقطع ولا يجوز أن يكون بدلا من محل ) لتشقى ( لاختلاف الجنسين ولا مفعولا له ل ) أنزلنا ( فإن الفعل الواحد لا يتعدى إلى علتين وقيل هو مصدر في موقع الحال من الكاف أو القرآن أو مفعول له على أن ) لتشقى ( متعلق بمحذوف هو صفة القرآن أي ما أنزلنا عليك القرآن المنزل لتتعب بتبليغه إلا تذكرة ) لمن يخشى ( لمن في قلبه خشية ورقة تتأثر بالإنذار أو لمن علم الله منه أنه يخشى بالتخويف منه فإنه المنتفع به
طه : ( 4 ) تنزيلا ممن خلق . . . . .
) تنزيلا ( نصب بإضمار فعله أو ب ) يخشى ( أو على المدح أو البدل من ) تذكرة ( إن جعل حالا وإن جعل مفعولا له لفظا أو معنى فلا لأن الشيء لا يعلل بنفسه ولا بنوعه ) ممن خلق الأرض والسماوات العلى ( مع ما بعده إلى قوله ) له الأسماء الحسنى ( تفخيم لشأن المنزل بفرط تعظيم المنزل بذكر أفعاله وصفاته على الترتيب(4/40)
" صفحة رقم 41 "
الذي هو عند العقل فبدأ بخلق الأرض والسموات التي هي أصول العالم وقدم الأرض لأنها أقرب غلى الحس وأظهر عنده من السموات العلى وهو جمع العليا تأنيث العلى
طه : ( 5 - 6 ) الرحمن على العرش . . . . .
ثم أشار إلى وجه إحداث الكائنات وتدبير أمرها بأن قصد العرش فأجرى منه الأحكام والتقادير وأنزل منه الأسباب على ترتيب ومقادير حسب ما اقتضته حكمته وتعلقت به مشيئته فقال ) الرحمن على العرش استوى له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ( ليدل بذلك على كمال قدرته وإرادته
طه : ( 7 ) وإن تجهر بالقول . . . . .
ولما كانت القدرة تابعة للإرادة وهي لا تنفك عن العلم عقب ذلك بإحاطة علمه تعالى بجليات الأمور وخفياتها على سواء فقال ) وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ( أي وإن تجهر بذكر الله ودعائه فاعلم أنه غني عن جهرك فإنه سبحانه يعلم السر وأخفى منه وهو ضمير النفس وفيه على أن شرع الذكر والدعاء والجهر فيهما ليس لإعلام الله بل لتصوير النفس بالذكر ورسوخه فيها ومنعها عن الاشتغال بغيره وهضمها بالتضرع والجؤار
طه : ( 8 ) الله لا إله . . . . .
ثم إنه لما ظهر بذلك أنه المستجمع لصفات الالوهية بين أنه المتفرد بها والمتوحد بمقتضاها فقال ) الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ( ومن في ) ممن خلق الأرض ( صلة ل ) تنزيلا ( أو صفة ) له ( والانتقال من التكلم إلى الغيبة للتفنن في الكلام وتفخيم المنزل من وجهين إسناد إنزاله إلى ضمير الواحد العظيم الشأن ونسبته إلى المختص بصفات الجلال والإكرام والتنبيه على أنه واجب الإيمان به والانقياد له من حيث أنه كلام من هذا شأنه ويجوز أن يكون أنزلناه حكاية كلام جبريل والملائكة النازلين معه وقرئ ) الرحمن ( على الجر صفة لمن خلق فيكون ) على العرش استوى ( خبر محذوف وكذا إن رفع ) الرحمن ( على المدح دون الابتداء ويجوز أن يكون خبرا ثانيا والثرى الطبقة الترابية من الأرض وهي آخر طبقاتها و ) الحسنى ( تأنيث الأحسن وفضل أسماء الله تعالى على سائر الأسماء في الحسن لدلالتها على معان هي أشرف المعاني وأفضلها(4/41)
" صفحة رقم 42 "
طه : ( 9 ) وهل أتاك حديث . . . . .
) وهل أتاك حديث موسى ( قفي تمهيد نبوته ( صلى الله عليه وسلم ) بقصة موسى ليأتم به في تحمل أعباء النبوة وتبليغ الرسالة والصبر على مقاساة الشدائد فإن هذه السورة من أوائل ما نزل
طه : ( 10 ) إذ رأى نارا . . . . .
) إذ رأى نارا ( ظرف لل ) حديث ( لأنه حدث أو مفعول لا ذكر قيل إنه استأذن شعيبا عليهما الصلاة والسلام في الخروج إلى أمه وخرج بأهله فلما وافى وادي طوى وفيه الطور ولد له ابن في ليلة شاتية مظلمة مثلجة وكانت ليلة الجمعة وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته إذ رأى من جانب الطور نارا ) فقال لأهله امكثوا ( أقيموا مكانكم وقرأ حمزة لأهله امكثوا ها هنا وفي القصص بضم الهاء في الوصل والباقون بكسرها ) إني آنست نارا ( أبصرتها إبصارا لا شبهة فيه وقيل الإيناس إبصار ما يؤنس به ) لعلي آتيكم منها بقبس ( بشعلة من النار وقيل جمرة ) أو أجد على النار هدى ( هاديا يدلني على الطريق أو يهديني أبواب الدين فإن أفكار الأبرار مائلة إليها في كل ما يعن لهم ولما كان حصولهما مترقبا بني الأمر فيهما على الرجاء بخلاف الإيناس فإنه كان محققا ولذلك حققه لهم ليوطنوا أنفسهم عليه ومعنى الاستعلاء في ) على النار ( أن أهلها مشرفون عليها أو مستعلون المكان القريب منها كما قال سيبويه في مررت بزيد إنه لصوق بمكان يقرب منه
طه : ( 11 ) فلما أتاها نودي . . . . .
) فلما أتاها ( أي النار وجد نارا بيضاء تتقد في شجرة خضراء ) نودي يا موسى )
طه : ( 12 ) إني أنا ربك . . . . .
) إني أنا ربك ( فتحه ابن كثير وأبو عمرو أي بأني وكسره الباقون بإضمار القول أو إجراء النداء مجراه وتكرير الضمير للتوكيد والتحقيق قيل إنه لما نودي قال من المتكلم(4/42)
" صفحة رقم 43 "
قال إني أنا الله فوسوس إليه إبليس لعلك تسمع كلام شيطان فقال أنا عرفت أنه كلام الله بأني أسمعه من جميع الجهات وبجميع الأعضاء وهو إشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام تلقى من ربه كلامه تلقيا روحانيا ثم تمثل ذلك الكلام لبدنه وانتقل إلى الحسن المشترك فانتقش به من غير اختصاص بعضو وجهة ) فاخلع نعليك ( أمره بذلك لأن الحفوة تواضع وأدب ولذلك طاف السلف حافين وقيل لنجاسة نعليه فإنهما كانتا من جلد حمار غير مدبوغ وقيل معناه فرغ قلبك من الأهل والمال ) إنك بالواد المقدس ( تعليل للأمر باحترام البقعة والمقدس يحتمل المعنيين ) طوى ( عطف بيان للوادي ونونه ابن عامر والكوفيون بتأويل المكان وقيل هو كثني من الطي مصدر ل ) نودي ( أو ) المقدس ( أي نودي نداءين أو قدس مرتين(4/43)
" صفحة رقم 44 "
طه : ( 13 ) وأنا اخترتك فاستمع . . . . .
) وأنا اخترتك ( اصطفيتك للنبوة وقرأ حمزة وإنا اخترناك ) فاستمع لما يوحى ( للذي يوحى إليك أو للوحي واللام تحتمل التعلق بكل من الفعلين
طه : ( 14 ) إنني أنا الله . . . . .
) إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ( بدل مما يوحى دال على أنه مقصور على تقرير التوحيد الذي هو منتهى العلم والأمر بالعبادة التي هي كمال العمل ) وأقم الصلاة لذكري ( خصها بالذكر وأفردها بالأمر للعلة التي أناط بها إقامتها وهو تذكر المعبود وشغل القلب واللسان بذكره وقيل ) لذكري ( لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها أو لأن أذكرك بالثناء أو ) لذكري ( خاصة لا ترائي بها ولا تشوبها بذكر غيري وقيل لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة أو لذكر صلاتي لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها إن الله تعالى يقول أقم الصلاة لذكري
طه : ( 15 ) إن الساعة آتية . . . . .
) إن الساعة آتية ( كائنة لا محالة ) أكاد أخفيها ( أريد إخفاء وقتها أو أقرب أن أخفيها فلا أقول إنها آتية ولولا ما في الأخبار بإتيانها من اللطف وقطع الأعذار لما أخبرت به أو أكاد أظهرها من أخفاه إذا سلب خفاءه ويؤيده القراءة بالفتح من خفاه إذا أظهره ) لتجزى كل نفس بما تسعى ( متعلق ب ) آتيه ( أو ب ) أخفيها ( على المعنى الأخير
طه : ( 16 ) فلا يصدنك عنها . . . . .
) فلا يصدنك عنها ( عن تصديق الساعة أو عن الصلاة ) من لا يؤمن بها ( نهى(4/44)
" صفحة رقم 45 "
الكافر أن يصد موسى عليه الصلاة والسلام عنها والمراد نهيه أن ينصد عنها كقولهم لا أرينك ها هنا تنبيها على أن فطرته السليمة لو خليت بحالها لاختارها ولم يعرض عنها وأنه ينبغي أن يكون راسخا في دينه فإن صد الكافر إنما يكون بسبب ضعفه فيه ) واتبع هواه ( ميل نفسه إلى اللذات المحسوسة المخدجة فقصر نظره عن غيرها ) فتردى ( فتهلك بالانصداد بصده
طه : ( 17 ) وما تلك بيمينك . . . . .
) وما تلك ( استفهام يتضمن استيقاظا لما يريه فيها من العجائب ) بيمينك ( حال من معنى الإشارة وقيل صلة ) تلك ( ) يا موسى ( تكرير لزيادة الاستئناس والتنبيه
طه : ( 18 ) قال هي عصاي . . . . .
) قال هي عصاي ( وقرئ عصي على لغة هذيل ) أتوكأ عليها ( أعتمد عليها إذا أعييت أو وقفت على رأس القطيع ) وأهش بها على غنمي ( وأخبط الورق بها على رؤوس غنمي وقرئ / أهش / وكلاهما من هش الخبز يهش إذا انكسر لهشاشته وقرئ بالسين من الهس وهو زجر الغنم أي أنحي عليها زاجرا لها ) ولي فيها مآرب أخرى ( حاجات أخر مثل أن كان إذا سار ألقاها على عاتقه فعلق بها أدواته وعرض الزندين على شعبيتها وألقى عليها الكساء واستظل به وإذا قصر الرشاء وصله بها وإذا تعرضت السباع لغنمه قاتل بها وكأنه ( صلى الله عليه وسلم ) فهم أن المقصود من السؤال أن يذكر حقيقتها وما يرى من منافعها حتى إذا رآها بعد ذلك على خلاف تلك الحقيقة ووجد منها خصائص أخرى خارقة للعادة مثل أن تشتعل شعبتاه بالليل كالشمع وتصيران دلوا عند الاستقاء وتطول بطول البئر وتحارب عنه إذا ظهر عدو وينبع الماء بركزها وينضب بنزعها وتورق وتثمر إذا اشتهى ثمرة فركزها على أن ذلك آيات باهرة ومعجزات قاهرة أحدثها الله فيها لأجله وليست من خواصها فذكر حقيقتها ومنافعها مفصلا ومجملا على معنى أنها من جنس العصي تنفع منافع أمثالها ليطابق جوابه الغرض الذي فهمه(4/45)
" صفحة رقم 46 "
طه : ( 19 - 20 ) قال ألقها يا . . . . .
) قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى ( قيل لما ألقاها انقلبت حية صفراء بغلظ العصا ثم تورمت وعظمت فلذلك سماها جانا تارة نظرا إلى المبدأ وثعبانا مرة باعتبار المنتهى وحية أخرى باعتبار الاسم الذي يعم الحالين وقيل كانت في ضخامة الثعبان وجلادة الجان ولذلك قال ) كأنها جان )
طه : ( 21 ) قال خذها ولا . . . . .
) قال خذها ولا تخف ( فإنه لما رآها حية تسرع وتبتلع الحجر والشجر خاف وهرب منها ) سنعيدها سيرتها الأولى ( هيئتها وحالتها المتقدمة وهي فعلة من السير تجوز بها للطريقة والهيئة وانتصابها على نزع الخافض أو على أن أعاد منقول من عاده بمعنى عاد إليه أو على الظرف أي سنعيدها في طريقتها أو على تقدير فعلها أي سنعيد العصا بعد ذهابها تسير سيرتها الأولى فتنتفع بها ما كنت تنتفع قبل قيل لما قال له ربه ذلك اطمأنت نفسه حتى أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها
طه : ( 22 ) واضمم يدك إلى . . . . .
) واضمم يدك إلى جناحك ( إلى جنبك تحت العضد يقال لكل ناحيتين جناحان كجناحي العسكر استعارة من جناحي الطائر سميا بذلك لأنه يجنحهما عند الطيران ) تخرج بيضاء ( كأنها مشعة ) من غير سوء ( من غير عاهة وقبح كنى به عن البرص كما كنى بالسوأة عن العورة لأن الطباع تعافه وتنفر عنه ) آية أخرى ( معجزة ثانية وهي حال من ضمير ) تخرج بيضاء ( أو من ضميرها أو مفعول بإضمار خذ أو دونك
طه : ( 23 ) لنريك من آياتنا . . . . .
) لنريك من آياتنا الكبرى ( متعلق بهذا المضمر أو بما دل عليه آية أو القصة التي دللنا بها أو فعلنا ذلك ) لنريك ( و ) الكبرى ( صفة ) آياتنا ( أو مفعول نريك و ) من آياتنا ( حال منها
طه : ( 24 ) اذهب إلى فرعون . . . . .
) اذهب إلى فرعون ( بهاتين الآيتين وادعه إلى العبادة ) إنه طغى ( عصى وتكبر(4/46)
" صفحة رقم 47 "
طه : ( 25 - 26 ) قال رب اشرح . . . . .
) قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري ( لما أمره الله بخطب عظيم وأمر جسيم سأله أن يشرح صدره ويفسح قلبه لتحمل أعبائه والصبر على مشاقه والتلقي لما ينزل عليه ويسهل الأمر له بأحداث الأسباب ورفع الموانع وفائدة لي إبهام المشروح والميسر أولا ثم رفعه بذكر الصدر والأمر تأكيدا ومبالغة
طه : ( 27 - 28 ) واحلل عقدة من . . . . .
) واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ( فإنما يحسن التبليغ من البليغ وكان في لسانه رتة من جمرة أدخلها فاه وذلك أن فرعون حمله يوما فأخذ بلحيته ونتفها فغضب وأمر بقتله فقالت آسية إنه صبي لا يفرق بين الجمر والياقوت فأحضرا بين يديه فأخذ الجمرة ووضعها في فيه ولعل تبيض يده كان لذلك وقيل احترقت يده فاجتهد فرعون في علاجها فلم تبرأ ثم لما دعاه قال إلى أي رب تدعوني قال به تمسك بقوله ) قد أوتيت سؤلك يا موسى ( ومن لم يقل احتج بقوله ) هو أفصح مني لسانا ( وقوله ) ولا يكاد يبين ( وأجاب عن الأول بأنه لم يسأل حل عقدة لسانه مطلقا بل عقدة تمنع الإفهام ولذلك نكرها وجعل يفقهوا جواب الأمر ومن لساني يحتمل أن يكون صفة عقدة وأن يكون صلة احلل(4/47)
" صفحة رقم 48 "
طه : ( 29 - 30 ) واجعل لي وزيرا . . . . .
) واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي ( يعينني على ما كلفتني به واشتقاق الوزير إما من الوزر لأنه يحمل الثقل عن أميره أو من الوزر وهو الملجأ لأن الأمير يعتصم برأيه ويلتجئ إليه في أموره ومنه الموازرة وقيل أصله أزير من الأزر بمعنى القوة فعيل بمعنى مفاعل كالعشير والجليس قلبت همزته واوا كقلبها في موازر ومفعولا اجعل وزيرا و ) هارون ( قدم ثانيهما للعناية به و ) لي ( صلة أو حال أو ) لي وزيرا ( و ) هارون ( عطف بيان للوزير أو وزير ) وزيرا من أهلي ( و ) لي ( تبيين كقوله ) ولم يكن له كفوا أحد ( و ) أخي ( على الوجوه بدل من ) هارون ( أو مبتدأ خبره
طه : ( 31 - 32 ) اشدد به أزري
) اشدد به أزري وأشركه في أمري ( على لفظ الأمر وقرأهما ابن عامر بلفظ الخبر على أنهما جواب الأمر
طه : ( 33 - 34 ) كي نسبحك كثيرا
) كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا ( فإن التعاون يهيج الرغبات ويؤدي إلى تكاثر الخير وتزايده(4/48)
" صفحة رقم 49 "
طه : ( 35 ) إنك كنت بنا . . . . .
) إنك كنت بنا بصيرا ( عالما بأحوالنا وأن التعاون مما يصلحنا وأن هرون نعم المعين لي فيما أمرتني
طه : ( 36 ) قال قد أوتيت . . . . .
) قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ( أي مسؤولك فعل بمعنى مفعول كالخبز والأكل بمعنى المخبوز والمأكول
طه : ( 37 ) ولقد مننا عليك . . . . .
) ولقد مننا عليك مرة أخرى ( أي أنعمنا عليك في وقت آخر
طه : ( 38 ) إذ أوحينا إلى . . . . .
) إذ أوحينا إلى أمك ( بإلهام أو في منام أو على لسان نبي في وقتها أو ملك لا على وجه النبوة كما أوحي إلى مريم ) ما يوحى ( ما لا يعلم إلا بالوحي أو مما ينبغي أن يوحى ولا يخل به لعظم شأنه وفرط الاهتمام به
طه : ( 39 ) أن اقذفيه في . . . . .
) أن اقذفيه في التابوت ( بأن اقذفيه أو أي اقذفيه لأن الوحي بمعنى القول ) فاقذفيه في اليم ( والقذف يقال للإلقاء وللموضع كقوله تعالى ) وقذف في قلوبهم الرعب ( وكذلك الرمي كقوله " غلام رماه الله بالحسن يافعا " ) فليلقه اليم بالساحل ( لما كان إلقاء البحر إياه إلى الساحل أمرا واجب الحصول لتعلق الإرادة به وجعل البحر كأنه ذو تمييز مطيع أمره بذلك وأخرج الجواب مخرج الأمر والأولى أن تجعل الضمائر كلها لموسى مراعاة للنظم فالمقذوف في البحر والملقى إلى الساحل وإن كان التابوت(4/49)
" صفحة رقم 50 "
بالذات فموسى بالعرض ) يأخذه عدو لي وعدو له ( جواب ) فليلقه ( وتكرير ) عدو ( للمبالغة أو لأن الأول باعتبار الواقع والثاني باعتبار المتوقع قيل إنها جعلت في التابوت قطنا ووضعته فيه ثم قيرته وألقته في اليم وكان يشرع منه إلى بستان فرعون نهر فدفعه الماء إليه فأداه إلى بركة في البستان وكان فرعون جالسا على رأسها مع امرأته آسية بنت مزاحم فأمر به فأخرج ففتح فإذا هو صبي أصبح الناس وجها فأحبه حبا شديدا كما قال سبحانه وتعالى ) وألقيت عليك محبة مني ( أي محبة كائنة مني قد زرعتها في القلوب بحيث لا يكاد يصبر عنك من رآك فلذلك أحبك فرعون ويجوز أن يتعلق ) مني ( ب ) وألقيت ( أي أحببتك ومن أحبه الله أحبته القلوب وظاهر اللفظ أن اليم ألقاه بساحله وهو شاطئه لآن الماء يسحله فالتقط منه لكن لا يبعد أن يؤول الساحل بجنب فوهة نهره ) ولتصنع على عيني ( لتربى ويحسن إليك وأنا راعيك وراقبك والعطف على علة مضمرة مثل ليتعطف عليك أو على الجملة السابقة بإضمار فعل معلل مثل فعلت ذلك وقرئ و ) ولتصنع ( بكسر اللام وسكونها والجزم على أنه أمر ) ولتصنع ( بالنصب وفتح التاء أي وليكن عملك على عين مني لئلا تخالف به عن أمري
طه : ( 40 ) إذ تمشي أختك . . . . .
) إذ تمشي أختك ( ظرف ل ) وألقيت ( أو ) ولتصنع ( أو بدل من ) إذ أوحينا ( على أن المراد بها وقت متسع ) فتقول هل أدلكم على من يكفله ( وذلك لأن كان لا يقبل ثدي المراضع فجاءت أخته مريم متفحصة خبره فصادفتهم يطلبون له مرضعة يقبل ثديها فقالت ) هل أدلكم ( فجاءت بأمه فقبل ثديها ) فرجعناك إلى أمك ( وفاء بقولنا ) إنا رادوه إليك ( ) كي تقر عينها ( بلقائك ) ولا تحزن ( هي بفراقك أو أنت على فراقها وفقد إشفاقها و ) وقتلت نفسا ( نفس القبطي الذي استغاثه عليه الإسرائيلي ) فنجيناك من الغم ( غم قتله خوفا من عقاب الله تعالى واقتصاص فرعون بالمغفرة والأمن منه بالهجرة إلى(4/50)
" صفحة رقم 51 "
) وفتناك فتونا ( وابتليناك ابتلاء أو أنواعا من الإبتلاء على أنه جمع فتن أو فتنة على ترك الإعتداد بالتاء كحجوز وبدور في حجزة وبدرة فخلصناك مرة بعد أخرى وهو إجمال لما ناله في سفره من الهجرة عن الوطن ومفارقة الألآف والمشي راجلا على حذر وفقد الزاد وأجر نفسه إلى غير ذلك أوله ولما سبق ذكره ) فلبثت سنين في أهل مدين ( لبثت فيهم عشر سنين قضاء لأوفى الأجلين ومدين على ثمان مراحل من مصر ) ثم جئت على قدر ( قدرته لأن أكلمك وأستنبئك غير مستقدم وقته المعين ولا مستأخر أو على مقدار من السن يوحى فيه إلى الأنبياء ) يا موسى ( كرره عقيب ما هو غاية الحكاية لتنبيه على ذلك
طه : ( 41 ) واصطنعتك لنفسي
) واصطنعتك لنفسي ( واصطفيتك لمحبتي مثله فيما خوله من الكرامة بمن قربه الملك واستخلصه لنفسه
طه : ( 42 ) اذهب أنت وأخوك . . . . .
) اذهب أنت وأخوك بآياتي ( بمعجزاتي ) ولا تنيا ( ولا تفترا ولا تقصرا وقرىء تنيا بكسر التاء ) في ذكري ( لا تنسياني حيثما تقلبتما وقيل في تبليغ ذكري والدعاء إلي
طه : ( 43 ) اذهبا إلى فرعون . . . . .
) اذهبا إلى فرعون إنه طغى ( أمر به أولا موسى عليه الصلاة والسلام وحده وههنا إياه وأخاه فلا تكرير قيل أوحى إلى هرون أن يتلقى موسى وقيل سمع بمقبله فاستقبله
طه : ( 44 ) فقولا له قولا . . . . .
) فقولا له قولا لينا ( مثل ) هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى ( فإنه(4/51)
" صفحة رقم 52 "
دعوة في صورة عرض ومشورة حذرا أن تحمله الحماقة على أن يسطو عليكما أو احتراما لما له من حق التربية عليك وقيل كنياه وكان له ثلاث كنى أبو العباس وأبو الوليد وأبو مرة وقيل عداه شبابا لا يهرم بعده وملكا لا يزول إلا بالموت ) لعله يتذكر أو يخشى ( متعلق ب ) اذهبا ( أو قولا أي باشرا الأمر على رجائكما وطمعكما أنه يثمر ولا يخيب سعيكما فإن الراجي مجتهد والآيس متكلف والفائدة في إرسالهما والمبالغة عليهما في الإجتهاد مع علمه بأنه لا يؤمن إلزام الحجة وقطع المعذرة وإظهار ما حدث في تضاعيف ذلك من الآيات والتذكر للمتحقق والخشية للمتوهم ولذلك قدم الأول أي إن لم يتحقق صدقكما ولم يتذكر فلا أقل من أن يتوهمه فيخشى
طه : ( 45 ) قالا ربنا إننا . . . . .
) قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا ( أن يعجل علينا بالعقوبة ولا يصبر إلى تمام الدعوة وإظهار المعجزة من فرط إذا تقدم ومنه الفارط وفرس فرط يسبق الخيل وقرىء ) يفرط ( من أفرطته إذا حملته على العجلة أي نخاف أن يحمله حامل من استكبار أو خوف على الملك أو شيطان إنسي أو جني على المعالجة بالعقاب و ) يفرط ( من الإفراط في الأذية ) أو أن يطغى ( أو أن يزداد طغيانا فيتخطى إلى أن يقول فيك ما لا ينبغي لجراءته وقساوته وإطلاقه من حسن الأدب
طه : ( 46 ) قال لا تخافا . . . . .
) قال لا تخافا إنني معكما ( بالحفظ والنصر ) أسمع وأرى ( ما يجري بينكما وبينه من قول وفعل فأحدث في كل ما يصرف شره عنكما ويوجب نصرتي لكما ويجوز أن لا يقدر شيء على معنى إنني حافظكما سامعا ومبصرا والحافظ إذا كان قادرا سميعا بصيرا تم الحفظ
طه : ( 47 ) فأتياه فقولا إنا . . . . .
) فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ( أطلقهم ) ولا تعذبهم ( بالتكاليف الصعبة وقتل الولدان فإنهم كانوا في أيدي القبط يستخدمونهم ويتعبونهم في(4/52)
" صفحة رقم 53 "
العمل ويقتلون ذكور أولادهم في عام دون عام وتعقيب الإتيان بذلك دليل على أن تخليص المؤمنين من الكفرة أهم من دعوتهم إلى الإيمان ويجوز أن يكون للتدريج في الدعوة ) قد جئناك بآية من ربك ( جملة مقررة لما تضمنه الكلام السابق من دعوى الرسالة وإنما وحد الآية وكان معه آيتان لأن المراد إثبات الدعوى ببرهانها لا الإشارة إلى وحدة الحجة وتعددها وكذلك قوله ) قد جئتكم ببينة ( ) فأت بآية ( ) قال أولو جئتك بشيء مبين ( ) والسلام على من اتبع الهدى ( وسلام الملائكة وخزنة الجنة على المهتدين أو السلامة في الدارين لهم
طه : ( 48 ) إنا قد أوحي . . . . .
) إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى ( أن عذاب المنزلين على المكذبين للرسل ولعل تغيير النظم والتصريح بالوعيد والتوكيد فيه لأن التهديد في أول الأمر أهم وأنجح وبالواقع أليق
طه : ( 49 ) قال فمن ربكما . . . . .
) قال فمن ربكما يا موسى ( أن بعد ما أتياه وقالا له ما أمرا به ولعله حذف لدلالة الحال عليه فإن المطيع إذا أمر بشيء فعله لا محالة وإنما خاطب الإثنين وخص موسى عليه الصلاة والسلام بالنداء لأنه الأصل وهرون وزيره وتابعه أو لأنه عرف أن له رتة ولأخيه فصاحة فأراد أن يفحمه ويدل عليه قوله ) أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ((4/53)
" صفحة رقم 54 "
طه : ( 50 ) قال ربنا الذي . . . . .
) قال ربنا الذي أعطى كل شيء ( من الأنواع ) خلقه ( صورته وشكله الذي يطابق كماله الممكن له أو أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به فقدم المفعول الثاني لأنه المقصود بيانه وقيل أعطى كل حيوان نظيره في الخلق والصورة زوجا وقرىء ) خلقه ( صفة للمضاف إليه أو المضاف على شذوذ فيكون المفعول الثاني محذوفا أي أعطى كل مخلوق ما يصلحه ) ثم هدى ( ثم عرفه كيف يرتفق بما أعطي وكيف يتوصل به إلى بقائه وكماله اختيارا أو طبعا وهو جواب في غاية البلاغة لاختصاره وإعرابه عن الموجودات بأسرها على مراتبها ودلالته على أن الغني القادر بالذات المنعم على الإطلاق هو الله تعالى وأن جميع ماعداه مفتقر إليه منعم عليه في حد ذاته وصفاته وأفعاله ولذلك بهت الذي كفر وأفحم عن الدخل عليه فلم ير إلا صرف الكلام عنه
طه : ( 51 ) قال فما بال . . . . .
) قال فما بال القرون الأولى ( فما حالهم بعد موتهم من السعادة والشقاوة
طه : ( 52 ) قال علمها عند . . . . .
) قال علمها عند ربي ( أي هو غيب لا يعلمه إلا هو وإنما أنا عبد مثلك لا أعلم منه إلا ما أخبرني به ) في كتاب ( مثبت في اللوح المحفوظ ويجوز أن يكون تمثيلا لتمكنه في علمه بما استحفظه العالم وقيده بالكتبة ويؤيده ) لا يضل ربي ولا ينسى ( والضلال أن تخطىء الشيء في مكانه فلم تهتد إليه والنسيان أن تذهب عنه بحيث لا يخطر ببالك وهما محالان على العالم بالذات ويجوز أن يكون سؤاله دخلا على إحاطة قدرة الله تعالى(4/54)
" صفحة رقم 55 "
بالأشياء كلها وتخصيصه ابعاضها بالصور والخواص المختلفة بأن ذلك يستدعي علمه بتفاصيل الأشياء وجزئياتها والقرون الخالية مع كثرتهم وتمادي مدتهم وتباعد أطرافهم كيف أحاط علمه بهم وبأجزائهم وأحوالهم فيكون معنى الجواب أن علمه تعالى محيط بذلك كله وأنه مثبت عنده لا يضل ولا ينسى
طه : ( 53 - 54 ) الذي جعل لكم . . . . .
) الذي جعل لكم الأرض مهدا ( مرفوع صفة ل ) ربي ( أو خبر لمحذوف أو منصوب على المدح وقرأ الكوفيون هنا وفي الزخرف ) مهدا ( أي كالمهد تتمدونها وهو مصدر رسمي به والباقون مهادا وهو اسم ما يمهد كالفراش أو جمع مهد ولم يختلفوا في الذي في النبأ ) وسلك لكم فيها سبلا ( وجعل لكم فيها سبلا بين الجبال والأدوية والبراري تسلكونها من أرض إلى أرض لتبلغوا منافعها ) وأنزل من السماء ماء ( مطرا ) فأخرجنا به ( عدل به عن لفظ الغيبة إلى صيغة التكلم على الحكاية لكلام الله تعالى تنبيها على ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة والحكمة وإيذانا بأنه مطاع تنقاد الأشياء المختلفة لمشيئته وعلى هذا نظائره كقوله ) ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ( ) أم من خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ( الآية ) أزواجا ( أصنافا سميت بذلك لأزدواجها واقتران بعضها ببعض ) من نبات ( بيان أو صفة لأزواجا وكذلك ) شتى ( ويحتمل أن يكون صفة ل ) نبات ((4/55)
" صفحة رقم 56 "
فإنه من حيث أنه مصدر في الأصل يستوي فيه الواحد والجمع وهو جمع شتيت كمريض ومرضى أي متفرقات في الصور والأغراض والمنافع يصلح بعضها للناس وبعضها للبهائم فلذلك قال ) كلوا وارعوا أنعامكم ( وهو حال من ضمير ) فأخرجنا ( على إرادة القول أي أخرجنا أصناف النبات قائلين ) كلوا وارعوا ( والمعنى معديهما لانتفاعكم بالأكل والعلف آذنين فيه ) إن في ذلك لآيات لأولي النهى ( لذوي العقول الناهية عن اتباع الباطل وارتكاب القبائح جمع نهية
طه : ( 55 ) منها خلقناكم وفيها . . . . .
) منها خلقناكم ( فإن التراب أصل خلقه أول آبائكم وأول مواد أبدانكم ) وفيها نعيدكم ( بالموت وتفكيك الأجزاء ) ومنها نخرجكم تارة أخرى ( بتأليف أجزائكم المتفتتة المختلطة بالتراب على الصور السابقة ورد الأرواح إليها
طه : ( 56 ) ولقد أريناه آياتنا . . . . .
) ولقد أريناه آياتنا ( بصرناه إياها أو عرفناه صحتها ) كلها ( تأكيد لشمول الأنواع أو لشمول الأفراد على أن المراد بآياتنا آيات معهودة وهي الآيات التسع المختصة بموسى أو أنه عليه السلام أراه آياته وعدد عليه ما أوتي غيره من المعجزات ) فكذب ( موسى من فرط عناده ) وأبى ( الإيمان والطاعة لعتوه
طه : ( 57 ) قال أجئتنا لتخرجنا . . . . .
) قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا ( أرض مصر ) بسحرك يا موسى ( هذا تعلل وتحير ودليل على أنه علم كونه محقا حتى خاف منه على ملكه فإن الساحر لا يقدر أن يخرج ملكا مثله من أرضه
طه : ( 58 - 59 ) فلنأتينك بسحر مثله . . . . .
) فلنأتينك بسحر مثله ( مثله سحرك ) فاجعل بيننا وبينك موعدا ( وعدا لقوله ) لا نخلفه نحن ولا أنت ( فإن الإخلاف لا يلائم الزمان والمكان وانتصاب ) مكانا سوى ( بفعل دل عليه المصدر لا به لأنه موصوف أو بأنه بدل من ) موعدا ( على تقدير مكان مضاف إليه وعلى هذا يكون طباق الجواب في قوله(4/56)
" صفحة رقم 57 "
) قال موعدكم يوم الزينة ( من حيث المعنى فإن يوم الزينة يدل على مكان مشتهر باجتماع الناس فيه في ذلك اليوم أو بإضمار مثل مكان موعدكم مكان يوم الزينة كما هو على الأول أو وعدكم وعد يزم الزينة وقرىء ) يوم ( بالنصب وهو ظاهر في أن المراد بهما المصدر ومعنى سوى منتصفا يستوي مسافته إلينا وإليك وهو في النعت كقولهم قوم عدى في الشذوذ وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة ويعقوب بالضم وقيل في يوم الزينة يوم عاشوراء أو يوم النيروز أو يوم عيد كان لهم في كل عام وإنما عينه ليظهر الحق ويزهق الباطل على رؤوس الأشهاد ويشيع ذلك في الأقطار ) وأن يحشر الناس ضحى ( عطف على ال ) يوم ( أو ) الزينة ( وقرىء على البناء للفاعل بالتاء على خطاب فرعون والياء على أن فيه ضمير ال ) يوم ( أو ضمير ) فرعون ( على أن الخطاب لقومه
طه : ( 60 ) فتولى فرعون فجمع . . . . .
) فتولى فرعون فجمع كيده ( ما يكاد به يعني السحرة وآلاتهم ) ثم أتى ( الموعد
طه : ( 61 ) قال لهم موسى . . . . .
) قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا ( بأن تدعوا آياته سحرا ) فيسحتكم بعذاب ( فيهلككم ويستأصلكم وبه قرأ حمزة والكسائي وحفص ويعقوب بالضم من الاسحات وهو لغة نجد وتميم والسحت لغة الحجاز ) وقد خاب من افترى ( كما خاب فرعون فإنه افترى واحتال ليبقى الملك عليه فلم ينفعه
طه : ( 62 ) فتنازعوا أمرهم بينهم . . . . .
) فتنازعوا أمرهم بينهم ( أي تنازعت السحرة في أمر موسى حين سمعوا كلامه فقال بعضهم ليس هذا من كلام السحرة ) وأسروا النجوى ( بأن موسى إن غلبنا اتبعناه أو تنازعوا واختلفوا فيما يعارضون به موسى وتشاوروا في السر وقيل الضمير لفروعون وقومه
طه : ( 63 ) قالوا إن هذان . . . . .
وقوله(4/57)
" صفحة رقم 58 "
) قالوا إن هذان لساحران ( تفسير ل ) وأسروا النجوى ( كأنهم تشاوروا في تلفيقه حذرا أن يغلبا فيتبعهما الناس و ) هذان ( اسم إن على لغة بلحرث بن كعب فإنهم جعلوا الألف للتثنية وأعربوا المثنى تقديرا وقيل اسمها ضمير الشأن المحذوف و ) هذان لساحران ( خبرها وقيل ) إن ( بمعنى نعم وما بعدها مبتدأ وخبر وفيهما إن اللام لا تدخل خبر المبتدأ وقيل أصله إنه هذان لهما ساحران فحذف الضمير وفيه أن المؤكد بلام لا يليق به الحذف وقرأ أبو عمرو أن هذين وهو ظاهر وابن كثير وحفص أن هذان على أنها هي المخففة و اللام هي الفارقة أو النافية واللام بمعنى إلا ) يريدان أن يخرجاكم من أرضكم ( بالإستيلاء عليها ) بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى ( بمذهبكم الذي هو أفضل المذاهب بإظهار مذهبهما وإعلاء دينهما لقوله ) إني أخاف أن يبدل دينكم ( وقيل أرادوا أهل طريقتكم وهم بنو إسرائيل فإنهم كانوا أرباب علم فيما بينهم لقول موسى ) أرسل معنا بني إسرائيل ( وقيل الطريقة اسم لوجوه القوم واشرافهم من حيث إنهم قدوة لغيرهم(4/58)
" صفحة رقم 59 "
طه : ( 64 ) فأجمعوا كيدكم ثم . . . . .
) فأجمعوا كيدكم ( فأزمعوه واجعلوه مجمعا عليه لا يتخلف عنه واحد منكم وقرأ أبو عمرو ) فأجمعوا ( ويعضده قوله ) فجمع كيده ( والضمير في ) قالوا ( إن كان للسحرة فهو قول بعضهم لبعض ) ثم ائتوا صفا ( مصطفين لأنه أهيب في صدور الرائين قيل كانوا سبعين ألفا مع كل واحد منهم جبل وعصا وأقبلوا عليه إقبالة واحدة ) وقد أفلح اليوم من استعلى ( فاز بالمطلوب من غلب وهو اعتراض
طه : ( 65 ) قالوا يا موسى . . . . .
) قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى ( أي بعد ما أتوا مراعاة للأدب و ) إن ( بما بعده منصوب بفعل مضمر أو مرفوع بخبرية محذوف أي اختر إلقاءك أولا أو إلقاءنا أبو الأمر إلقاءك أو إلقاؤنا
طه : ( 66 ) قال بل ألقوا . . . . .
) قال بل ألقوا ( مقابلة أدب بأدب وعدم مبالاة بسحرهم وإسعافا إلى ما أو هموا من الميل إلى البدء بذكر الأول في شقهم وتغيير النظم إلى وجه أبلغ ولأن يبرزوا ما معهم ويستنفذوا أقصى وسعهم ثم يظهر الله سلطانه فيقذف بالحق على الباطل فيدمغه ) فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ( أي فألقوا فإذا حبالهم وعصيهم وهي للمفاجأة والتحقيق أنها أيضا ظرفية تستدعي متعلقا ينصبها وجملة تضاف إليها لكنها خصت بأن يكون المتعلق فعل المفاجأة والجملة ابتدائية والمعنى فألقوا ففاجأ موسى عليه الصلاة والسلام وقت تخييل سعي حبالهم وعصيهم من سحرهم وذلك بأنهم لطخوها بالزئبق فلما ضربت عليها الشمس اضطربت فخيل إليها أنها تتحرك وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان وروح تخيل بالتاء على إسناده إلى ضمير الحبال والعصي وإبدال أنها ) تسعى ( منه بدل الاشتمال وقرئ ) يخيل ( بالياء على إسناده إلى الله تعالى وتخيل بمعنى تخيل
طه : ( 67 ) فأوجس في نفسه . . . . .
) فأوجس في نفسه خيفة موسى ( فأضمر فيها خوفا من مفاجأته على ما هو مقتضى الجبلة البشرية أو من أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه
طه : ( 68 ) قلنا لا تخف . . . . .
) قلنا لا تخف ( ما توهمت ) إنك أنت الأعلى ( تعليل للنهي وتقرير لغلبته مؤكدا(4/59)
" صفحة رقم 60 "
بالاستئناف وحرف التحقيق وتكرير الضمير وتعريف الخبر ولفظ العلو الدال على الغلبة الظاهرة وصيغة التفضيل
طه : ( 69 ) وألق ما في . . . . .
) وألق ما في يمينك ( أبهمه ولم يقل عصاك تحقيرا لها أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم وألق العويدة التي في يدك أو تعظيما لها أي لا تحتفل بكثرة هذه الأجرام وعظمها فإن في يمينك ما هو أعظم منها أثرا فألقه ) تلقف ما صنعوا ( تبتلعه بقدرة الله تعالى وأصله تتلقف فحذفت إحدى التاءين وتاء المضارعة تحتمل التأنيث والخطاب على إسناد الفعل إلى المسبب وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان بالرفع على الحال أو الاستئناف وحفص بالجزم والتخفيف على أنه من لقفته بمعنى تلقفته ) إنما صنعوا ( إن الذي زوروا وافتعلوا ) كيد ساحر ( وقرئ بالنصب على أن ما كافة وهو مفعول صنعوا وقرأ حمزة والكسائي سحر بمعنى ذي سحر أو بتسمية الساحر سحرا على المبالغة أو بإضافة الكيد إلى السحر للبيان كقولهم علم فقه وإنما وحد الساحر لأن المراد به الجنس المطلق ولذلك قال ) ولا يفلح الساحر ( أي هذا الجنس وتنكير الأول لتنكير المضاف كقول العجاج " يوم ترى النفوس ما أعدت في سعي دنيا طالما قد مدت " كأنه قيل إنما صنعوا كيد سحري ) حيث أتى ( حيث كان وأين أقبل(4/60)
" صفحة رقم 61 "
طه : ( 70 ) فألقي السحرة سجدا . . . . .
) فألقي السحرة سجدا ( أي فألقى فتلقفت فتحقق عند السحرة أنه ليس بسحر وإنما هو آية من آيات الله ومعجزة من معجزاته فألقاهم ذلك على وجوههم سجدا لله توبة عما صنعوا وإعتابا وتعظيما لما رأوا ) قالوا آمنا برب هارون وموسى ( قدم هارون لكبر سنه أو لروي الآية أو لأن فرعون ربى موسى في صغره فلو اقتصر على موسى أو قدم ذكره لربما توهم أن المراد فرعون وذكر هارون على الاستتباع روي أنهم رأوا في سجودهم الجنة ومنازلهم فيها
طه : ( 71 ) قال آمنتم له . . . . .
) قال آمنتم له ( أي لموسى واللام لتضمن الفعل معنى الاتباع وقرأ قنبل وحفص ) آمنتم له ( على الخبر والباقون على الاستفهام ) قبل أن آذن لكم ( في الإيمان له ) إنه لكبيركم ( لعظيمكم في فنكم وأعلمكم به أو لأستاذكم ) الذي علمكم السحر ( وأنتم تواطأتم على ما فعلتم ) فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ( اليد اليمنى والرجل اليسرى ومن ابتدائية كأن القطع ابتدأ من مخالفة العضو العضو وهي مع المجرور بها في حيز النصب على الحال أي لأقطعنها مختلفات وقرئ لأقطعن ولأصلبن بالتخفيف ) ولأصلبنكم في جذوع النخل ( شبه تمكن المصلوب بالجذع بتمكن المظروف بالظرف وهو أول من صلب ) ولتعلمن أينا ( يريد نفسه وموسى لقوله ) آمنتم له ( واللام مع الإيمان في كتاب الله لغير الله أراد به توضيع موسى والهزء به فإنه لم يكن من التعذيب في شيء وقيل رب موسى الذي آمنوا به ) أشد عذابا وأبقى ( وأدوم عقابا
طه : ( 72 ) قالوا لن نؤثرك . . . . .
) قالوا لن نؤثرك ( لن نختارك ) على ما جاءنا ( موسى به ويجوز أن يكون الضمير فيه لما ) من البينات ( المعجزات الواضحات ) والذي فطرنا ( عطف على ما جاءنا أو قسم ) فاقض ما أنت قاض ( ما أنت قاضيه أي صانعه أو حاكم به ) إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ( إنما تصنع ما تهواه أو تحكم ما تراه في هذه الدنيا ) والآخرة خير وأبقى ( فهو كالتعليل لما قبله والتمهيد لما بعده وقرئ ) تقضي هذه الحياة الدنيا ( كقولك صيم يوم الجمعة
طه : ( 73 ) إنا آمنا بربنا . . . . .
) إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا ( من الكفر والمعاصي ) وما أكرهتنا عليه من السحر ( من معارضة المعجزة روي أنهم قالوا لفرعون أرنا موسى نائما فوجدوه تحرسه(4/61)
" صفحة رقم 62 "
العصا فقالوا ما هذا بسحر فإن الساحر إذا نام بطل سحره فأبى إلا أن يعارضوه ) والله خير وأبقى ( جزاء أو خير ثوابا وأبقى عقابا
طه : ( 74 ) إنه من يأت . . . . .
) أنه ( إن الأمر ) من يأت ربه مجرما ( بأن يموت على كفره وعصيانه ) فإن له جهنم لا يموت فيها ( فيستريح ) ولا يحيى ( حياة مهنأة
طه : ( 75 ) ومن يأته مؤمنا . . . . .
) ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات ( في الدنيا ) فأولئك لهم الدرجات العلى ( المنازل الرفيعة
طه : ( 76 ) جنات عدن تجري . . . . .
) جنات عدن ( بدل من الدرجات ) تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ( حال والعامل فيها معنى الإشارة أو الإستقرار ) وذلك جزاء من تزكى ( تطهر من أدناس الكفر والمعاصي والآيات الثلاث يحتمل أن تكون من كلام السحرة وأن تكون ابتداء كلام من الله تعالى
طه : ( 77 ) ولقد أوحينا إلى . . . . .
) ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي ( أي من مصر ) فاضرب لهم طريقا ( فاجعل لهم من قولهم ضرب له في ماله سهما أو فاتخذ من ضرب اللبن إذا عمله ) في البحر يبسا ( يابسا مصدر وصف به يقال يبس يبسا ويبسا كسقم سقما وسقما ولذلك وصف به المؤنث فقيل شاة يبس للتي جف لبنها وقرىء ) يبسا ( وهو إما مخفف منه أو وصف على فعل كصعب أو جمع يابس كصحب وصف به الواحد مبالغة كقوله " كأن قتود رحلي حين ضمت حوالب غرزا ومعي جياعا " (4/62)
" صفحة رقم 63 "
أو لتعدده معنى فإنه جعل لكل سبط منهم طريقا ) لا تخاف دركا ( حال من المأمور أي آمنا من أن يدرككم العدو أوصفة ثانية والعائد محذوف وقرأ حمزة لا تخفف على أنه جواب الأمر 0 ) ولا تخشى ( استئناف أي وأنت لا تخشى أو عطف عليه والألف فيه للإطلاق كقوله و ) وتظنون بالله الظنونا ( أو حال بالواو والمعنى ولا تخشى الغرق
طه : ( 78 ) فأتبعهم فرعون بجنوده . . . . .
) فأتبعهم فرعون بجنوده ( وذلك أن موسى عليه السلام خرج بهم أول الليل فأخبر فرعون بذلك فقص أثرهم والمعنى فأتبعهم فرعون نفسه ومعه جنوده فحذف المفعول الثاني وقيل ) فأتبعهم ( بمعنى فأتبعهم ويؤيده القراءة به والباء للتعدية وقيل الباء مزيدة والمعنى فاتبعهم جنوده وذادهم خلفهم ) فغشيهم من اليم ما غشيهم ( الضمير لجنوده أوله ولهم وفيه مبالغة ووجازة أي غطاهم ما غطاهم والفاعل هو الله تعالى أو ما غشاهم أو فرعون لأنه الذي ورطهم للهلاك
طه : ( 79 ) وأضل فرعون قومه . . . . .
) وأضل فرعون قومه وما هدى ( أي أضلهم في الدين وما هداهم وهو تهكم به في قوله ) وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ( أو أضلهم في البحر وما نجا
طه : ( 80 ) يا بني إسرائيل . . . . .
) يا بني إسرائيل ( خطاب لهم بعد إنجائهم من البحر وإهلاك فرعون على إضمار قلنا أو للذين منهم في عهد النبي عليه الصلاة والسلام بما فعل بآبائهم ) قد أنجيناكم من عدوكم ( فرعون وقومه ) وواعدناكم جانب الطور الأيمن ( بمناجاة موسى وإنزال(4/63)
" صفحة رقم 64 "
التوراة وإنما عد الموعادة إليهم وهي لموسى أوله وللسبعين المختارين للملابسة ) ونزلنا عليكم المن والسلوى ( يعني في التيه
طه : ( 81 ) كلوا من طيبات . . . . .
) كلوا من طيبات ما رزقناكم ( لذائذه أو حلالاته وقرأ حمزة والكسائي أنجيتكم وواعدتكم وما رزقتكم على التاء وقرىء ووعدتكم ووعدناكم والأيمن بالجر على الجوار مثل حجر ضب خرب ) ولا تطغوا فيه ( فيما رزقناكم بالإخلال بشكره والتعدي لما حد الله لكم فيه كالسرف والبطر والمنع عن المستحق ) فيحل عليكم غضبي ( فيلزمكم عذابي ويجب لكم من حل الدين إذا وجب أداؤه ) ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ( فقد تردى وهلك وقيل وقع في الهاوية وقرأ الكسائي يحل و / ويحلل / بالضم من حل يحل إذا نزل
طه : ( 82 ) وإني لغفار لمن . . . . .
) وإني لغفار لمن تاب ( عن الشرك ) وآمن ( بما يجب الإيمان به ) وعمل صالحا ثم اهتدى ( ثم استقام على الهدى المذكور
طه : ( 83 ) وما أعجلك عن . . . . .
) وما أعجلك عن قومك يا موسى ( سؤال عن سبب العجلة يتضمن إنكارها من حيث إنها نقيصة فينفسها انضم إليها إغفال القوم وإيهام التعظم عليهم فلذلك أجاب موسى عن الأمرين وقدم جواب الإنكار لأنه أهم
طه : ( 84 ) قال هم أولاء . . . . .
) موسى قال هم أولاء على أثري ( أي ماتقدمتهم إلا تخطى يسيرة لا يعتد بها عادة وليس بيني وبيهم إلا مسافة قريبة يتقدم بها الرفقة بعضهم بعضا ) وعجلت إليك رب لترضى ( فإن المسارعة إلى إمتثال أمرك والوفاء بعهدك توجب مرضاتك
طه : ( 85 ) قال فإنا قد . . . . .
) قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك ( أبتليناهم بعبادة العجل بعد خروجك من بينهم وهم الذين خلفهم مع هارون وكانوا ستمائة ألف مانجا من عبادة وقرىء ) وأضلهم ( أي(4/64)
" صفحة رقم 65 "
أشدهم ضلالا لأنه كان ضالا مضلا وإن صح أنهم أقاموا على الذين بعد ذهابه عشرين ليلة وحسبوها بأيامها أربعين وقالوا قد أكملنا العدة ثم كان أمر العجل وإن هذا الخطاب كان له عند مقدمه إذ ليس في الآية ما يدل عليه كان ذلك إخبارا من الله له عن المترقب بلفظ الواقع على عادته فإن أصل وقوع الشيء أن يكون في علمه ومقتضى مشيئته و ) السامري ( منسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل يقال لها السامرة وقيل كان علجا من كرمان وقيل من أهل باجرما واسمه موسى بن ظفر وكان منافقا
طه : ( 86 ) فرجع موسى إلى . . . . .
) فرجع موسى إلى قومه ( بعد ما استوفى الأربعين وأخذ التوراة ) غضبان ( عليهم ) أسفا ( حزينا بما فعلوا ) قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا ( بأن يعطيكم التوراة فيها هدى ونور ) أفطال عليكم العهد ( أي الزمان يعني زمان مفارقته لهم ) أم أردتم أن يحل عليكم ( يجب عليكم ) غضب من ربكم ( بعبادة ما هو مثل في الغباوة ) فأخلفتم موعدي ( وعدكم إياي بالثبات على الإيمان بالله والقيام على ما أمرتكم به وقيل هو من أخلفت وعده إذا وجدت الخلف فيه أي فوجدتم الخلف في وعدي لكم بالعود بعد الأربعين وهو لا يناسب الترتيب على الترديد ولا على الشق الذي يليه ولا جوابهم له
طه : ( 87 ) قالوا ما أخلفنا . . . . .
) قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ( بأن ملكنا أمرنا إذ لو خلينا وأمرنا ولم يسول لنا(4/65)
" صفحة رقم 66 "
السامري لما أخلفناه وقرأ نافع وعاصم ) بملكنا ( بالفتح وحمزة والكسائي بالضم وثلاثتها في الأصل لغات في مصدر ملكت الشيء ) ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم ( حملنا أحمالا من حلى القبط التي استعرناها منهم حين هممنا بالخروج من مصر باسم العرس وقيل استعاروا لعيد كان لهم ثم لم يردوا عند الخروج مخافة أن يعلموا به وقيل هي ما ألقاه البحر على الساحل بعد إغراقهم فأخذوه ولعلهم سموها أوزارا لأنها آثام فإن الغنائم لم تكن تحل بعد أو لأنهم كانوا مستأمنين وليس للمستأمن أن يأخذ مال الحربي ) فقذفناها ( أي في النار ) فكذلك ألقى السامري ( أي ما كان معه منها روي أنهم لما حسبوا أن العدة قد كملت قال لهم السامري إنما أخلف موسى ميعادكم لما معكم من حلى القوم وهو حرام عليكم فالرأي أن نحفر حفيرة ونسجر فيها نارا ونقذف كل ما معنا فيها ففعلوا وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر وروح حملنا بالفتح والتخفيف
طه : ( 88 ) فأخرج لهم عجلا . . . . .
) فأخرج لهم عجلا جسدا ( من تلك الحلى المذابة ) له خوار ( صوت العجل ) فقالوا ( يعني السامري ومن افتتن به أول ما رآه ) هذا إلهكم وإله موسى فنسي ( أي فنسيه موسى وذهب يطلبه عند الطور أو فنسي السامري أن ترك ما كان عليه من إظهار الإيمان
طه : ( 89 ) أفلا يرون ألا . . . . .
) أفلا يرون ( أفلا يعلمون ) ألا يرجع إليهم قولا ( أنه لا يرجع إليهم كلاما ولا يرد عليهم جوابا وقرئ ) يرجع ( بالنصب وفيه ضعف لأن أن الناصبة لا تقع بعد أفعال اليقين ) ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ( ولا يقدر على إنفاعهم وإضرارهم
طه : ( 90 ) ولقد قال لهم . . . . .
) ولقد قال لهم هارون من قبل ( من قبل رجوع موسى عليه الصلاة والسلام أو قول السامري كأنه أول ما وقع عليه بصره حين طلع من الحفرة توهم ذلك وبادر تحذيرهم ) يا قوم إنما فتنتم به ((4/66)
" صفحة رقم 67 "
بالعجل ) وإن ربكم الرحمن ( لا غير ) فاتبعوني وأطيعوا أمري ( في الثبات على الدين
طه : ( 91 ) قالوا لن نبرح . . . . .
) قالوا لن نبرح عليه ( على العجل وعبادته ) عاكفين ( مقيمين ) حتى يرجع إلينا موسى ( وهذا الجواب يؤيد الوجه الأول
طه : ( 92 ) قال يا هارون . . . . .
) قال يا هارون ( أي قال له موسى حين رجع ) ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ( بعبادة العجل
طه : ( 93 ) ألا تتبعن أفعصيت . . . . .
) ألا تتبعن ( أن تتبعني في الغضب لله والمقاتلة مع من كفر به أو أن تأتي عقبي وتلحقني ولا مزيدة كما في قوله ) ما منعك ألا تسجد ( ) أفعصيت أمري ( بالصلابة في الدين والمحاماة عليه
طه : ( 94 ) قال يا ابن . . . . .
) قال يا ابن أم ( خص الأم استعطافا وترقيقا وقيل لأنه كان أخاه من الأم والجمهور على أنهما كانا من أب وأم ) لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ( أي بشعر رأسي قبض عليهما يجره إليه من شدة غيظه وفرط غضبه لله وكان عليه الصلاة والسلام حديدا خشنا متصلبا في كل شيء فلم يتمالك حين رآهم يعبدون العجل ) إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ( لو قاتلت أو فارقت بعضهم بعض ) ولم ترقب قولي ( حين قلت ) اخلفني في قومي وأصلح ( فإن الإصلاح كان في حفظ الدهماء والمداراة لهم أن ترجع إليهم فتتدارك الأمر برأيك
طه : ( 95 ) قال فما خطبك . . . . .
) قال فما خطبك يا سامري ( أي ثم أقبل عليه وقال له منكرا ما خطبك أي ما طلبك له وما الذي حملك عليه وهو مصدر خطب الشيء إذا طلبه
طه : ( 96 ) قال بصرت بما . . . . .
) قال بصرت بما لم يبصروا به ( وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على الخطاب أي علمت بما لم تعلموه وفطنت لما لم تفطنوا له وهو أن الرسول الذي جاءك روحاني لا يمس أثره شيئا إلا أحياه أو رأيت ما لم تروه وهو أن جبريل عليه الصلاة والسلام جاءك على فرس الحياة وقيل إنما عرفه لأن أمه ألقته حين ولدته خوفا من فرعون وكان جبريل يغذوه حتى(4/67)
" صفحة رقم 68 "
استقل ) فقبضت قبضة من أثر الرسول ( من تربة موطئة والقبضة المرة من القبض فأطلق على المقبوض كضرب الأمير وقرىء بالصاد والأول للأخذ بجميع الكف والثاني للأخذ بأطراف الأصابع ونحوهما الخضم والقضم والرسول جبريل عليه الصلاة والسلام ولعله لم يسمه لأنه لم عرف أنه جبريل أو أراد أن ينبه على الوقت وهو حين أرسل إليه ليذهب به إلى الطور ) فنبذتها ( في الحلي المذاب أوفي جوف العجل حتى حيي ) وكذلك سولت لي نفسي ( زينته وحسنته لي
طه : ( 97 ) قال فاذهب فإن . . . . .
) قال فاذهب فإن لك في الحياة ( عقوبة على ما فعلت ) أن تقول لا مساس ( خوفا من أن يمسك أحد فتأخذك الحمى ومن مسك فتتحامى الناس ويتحاموك وتكون طريدا وحيدا كالوحش النافر وقرىء / لامساس / كفجار وهو علم للمسة ) وإن لك موعدا ( في الآخرة ) لن تخلفه ( لن يخلفكه الله وينجزه لك في الآخرة بعد ما عاقبك في الدنيا وقرأ ابن كثير والبصريان بكسر اللام أي لن تخلف الواعد إياه وسيأتيك لا محالة فحذف المفعول الأول لأن المقصود هو الموعد ويجوز أن يكون من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفا وقرىء بالنون على حكاية قول الله ) وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا ( ظللت على عبادته مقيما فحذف اللام الأولى تخفيفا وقرىء بكسر الظاء على نقل حركة اللام إليها ) لنحرقنه ( أي بالنار ويؤيده قراءة ) لنحرقنه ( أو بالمبرد على أنه مبالغة في حرق إذ برد بالمبرد ويعضده قراءة ) لنحرقنه ( ) ثم لننسفنه ( ثم لنذرينه رمادا أو مبرودا وقرىء بضم السين ) في اليم نسفا ( فلا يصادف منه شيء والمقصود من ذلك زيادة عقوبته وإظهار غباوة المفتتنين به لمن له أدنى نظر
طه : ( 98 ) إنما إلهكم الله . . . . .
) أنما إلهكم ( المستحق لعبادتكم ) الله الذي لا إله إلا هو ( إذ لا أحد يماثله أو يدانيه في كمال العلم والقدرة ) وسع كل شيء علما ( وسع علمه كل ما يصح أن يعلم(4/68)
" صفحة رقم 69 "
لا العجل الذي يصاغ ويحرق وإن كان حيا في نفسه كان مثلا في الغباوة وقرىء ) وسع ( فيكون انتصاب ) علما ( على المفعولية لأنه وإن انتصب على التمييز في المشهورة لكنه فاعل في المعنى فلما عدي الفعل بالتضعيف إلى المفعولين صار مفعولا
طه : ( 99 ) كذلك نقص عليك . . . . .
) كذلك ( مثل ذلك الإقتصاص يعني اقتصاص عليه الصلاة والسلام ) نقص عليك من أنباء ما قد سبق ( من أخبار الأمور الماضية والأمم الدارجة تبصرة لك وزيادة في علمك وتكثيرا لمعجزاتك وتنبيها وتذكيرا للمستبصرين من أمتك ) وقد آتيناك من لدنا ذكرا ( كتابا مشتملا على هذه الأقاصيص والأخبار حقيقا بالتفكر والإعتبار والتنكير فيه للتعظيم وقيل ذكرا جميلا وصيتا عظيما بين الناس
طه : ( 100 ) من أعرض عنه . . . . .
) من أعرض عنه ( عن الذكر الذي هو القرآن الجامع لوجوه السعادة والنجاة وقيل عن الله ) فإنه يحمل يوم القيامة وزرا ( عقوبة ثقيلة فادحة على كفره وذنوبه سماها ) وزرا ( تشبيها في ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها بالحمل الذي يفدح الحامل وينقض ظهره أو إثما عظيما
طه : ( 101 ) خالدين فيه وساء . . . . .
) خالدين فيه ( في الوزر أو في حمله والجمع فيه والتوحيد في أعرض للحمل على المعنى واللفظ ) وساء لهم يوم القيامة حملا ( أي بئس لهم ففيه ضمير مبهم يفسره ) حملا ( والمخصوص بالذم محذوف أي ساء حملا وزرهم واللام في ) لهم ( للبيان كما في ) هيت لك ( ولو جعلت ) ساء ( بمعنى أحزن والضمير الذي فيه للوزر أشكل أمر اللام ونصب ) حملا ( ولم يفد مزيد معنى
طه : ( 102 ) يوم ينفخ في . . . . .
) يوم ينفخ في الصور ( وقرأ أبو ب عمرو بالنون على إسناد النفخ إلى الأمر به تعظيما له أو للنافخ وقرىء بالياء المفتوحة على أن فيه ضمير الله أو ضمير إسرافيل وإن لم يجر ذكره لأنه المشهور بذلك وقرىء ) في الصور ( وهو جمع صورة وقد سبق بيان ذلك ) ونحشر المجرمين يومئذ ( وقرىء ويحشر المجرمون ) زرقا ( زرق العيون وصفوا بذلك لأن(4/69)
" صفحة رقم 70 "
الزرقة أسوأ ألوان العين وأبغضها إلى العرب لأن الروم كانوا أعدى أعدائهم وهم زرق العين ولذلك قالوا صفة العدو أسود الكبد أصهب السبال أزرق العين أو عميا فإن حدقة الأعمى تزراق
طه : ( 103 ) يتخافتون بينهم إن . . . . .
) يتخافتون بينهم ( يخفضون أصواتهم لما يملأ صدورهم من الرعب والهول والخفت خفض الصوت وإخفاؤه ) إن ( ما ) لبثتم إلا عشرا ( أي في الدنيا يستقصرون مدة لبثهم فيها لزوالها أو لاستطالتهم مدة الآخرة أو لتأسفهم عليها لما عاينوا الشدائد وعلموا أنهم استحقوها على إضاعتها في قضاء الأوطار واتباع الشهوات أو في القبر لقوله ) ويوم تقوم الساعة ( إلى آخر الآيات
طه : ( 104 ) نحن أعلم بما . . . . .
) نحن أعلم بما يقولون ( وهو مدة لبثهم ) إذ يقول أمثلهم طريقة ( أعدلهم رأيا أو عملا ) إن لبثتم إلا يوما ( استرجاح لقول من يكون أشد تقالا منهم
طه : ( 105 ) ويسألونك عن الجبال . . . . .
) ويسألونك عن الجبال ( عن مآل أمرها وقد سأل عنها رجل من ثقيف ) فقل ( لهم ) ينسفها ربي نسفا ( يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها
طه : ( 106 ) فيذرها قاعا صفصفا
) فيذرها ( فيذر مقارها أو الأرض وإضمارها من غير ذكر لدلالة ) الجبال ( عليها كقوله تعالى ) ما ترك عليها من دابة ( ) قاعا ( خاليا ) صفصفا ( مستويا كأن أجزاءها على صف واحد
طه : ( 107 ) لا ترى فيها . . . . .
) لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ( اعوجاجا ولا نتوا إن تأملت فيها بالقياس الهندسي وثلاثتها أحوال مترتبة فالأولان باعتبار الإحساس والثالث باعتبار المقياس(4/70)
" صفحة رقم 71 "
ولذلك ذكر العوج بالكسر وهو يخص بالمعاني والأمت وهو النتوء اليسير وقيل لا ترى استئناف مبين للحالين
طه : ( 108 ) يومئذ يتبعون الداعي . . . . .
) يومئذ ( أي يوم إ نسقت على إضافة اليوم إلى وقت النسف ويجوز أن يكون بدلا ثانيا من يوم القيامة ) يتبعون الداعي ( داعي الله إلى المحشر قيل هو إسرافيل يدعو الناس قائما على صخرة بيت المقدس فيقلبون من كل أوب إلى صوبه ) لا عوج له ( لا يعوج له مدعو ولا يعدل عنه ) وخشعت الأصوات للرحمن ( خفضت لمهابته ) فلا تسمع إلا همسا ( صوتا خفيا ومنه الهميس لصوت أخفاف الإبل وقد فسر الهمس بخفق أقدامهم ونقلها إلى المحشر
طه : ( 109 ) يومئذ لا تنفع . . . . .
) يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ( الاستثناء من الشفاعة أي إلا شفاعة من أذن له أو من أعم المفاعيل أي إلا من أذن في أن يشفع له فإن الشفاعة تنفعه ف ) من ( على الأول مرفوع على البدلية وعلى الثاني منصوب على المفعولية و ) آذن ( يحتمل أن يكون من الاذن ومن الأذن ) ورضي له قولا ( أي ورضي لمكانه عند الله قوله في الشفاعة أو رضي لأجله قول الشافع في شأنه أو قوله لأجله وفي شأنه
طه : ( 110 ) يعلم ما بين . . . . .
) يعلم ما بين أيديهم ( ما تقدمهم من الأحوال ) وما خلفهم ( وما بعدهم مما يستقبلونه ) ولا يحيطون به علما ( ولا يحيط علمهم بمعلوماته وقيل بذاته وقيل الضمير لأحد الموصولين أو لمجموعهما فإنهم لم يعلموا جميع ذلك ولا تفصيل ما علموا منه
طه : ( 111 ) وعنت الوجوه للحي . . . . .
) وعنت الوجوه للحي القيوم ( ذلت وخضعت له خضوع العناة وهم الأسارى في يد الملك القهار وظاهرها يقتضي العموم ويجوز أن يراد بها وجوه المجرمين فتكون اللام(4/71)
" صفحة رقم 72 "
بدل الإضافة ويؤيده ) وقد خاب من حمل ظلما ( وهو يحتمل الحال والاستئناف لبيان ما لأجله عنت وجوههم
طه : ( 112 ) ومن يعمل من . . . . .
) ومن يعمل من الصالحات ( بعض الطاعات ) وهو مؤمن ( إذ الإيمان شرط في صحة الطاعات وقبول الخيرات ) فلا يخاف ظلما ( منع ثواب مستحق بالوعد ) ولا هضما ( ولا كسرا منه بنقصان أو جزاء ظلم وهضم لأنه غيره ولم يهضم حقه وقرئ فلا يخف على النهي
طه : ( 113 ) وكذلك أنزلناه قرآنا . . . . .
) وكذلك ( عطف على كذلك نقص أي مثل ذلك الإنزال أو مثل إنزال هذه الآيات المتضمنة للوعيد ) أنزلناه قرآنا عربيا ( كله على هذه الوتيرة ) وصرفنا فيه من الوعيد ( مكررين فيه آيات الوعيد ) لعلهم يتقون ( المعاصي فتصير التقوى لهم ملكة ) أو يحدث لهم ذكرا ( عظة واعتبارا حين يسمعونها فتثبطهم عنها ولهذه النكتة أسند التقوى إليهم والإحداث إلى القرآن
طه : ( 114 ) فتعالى الله الملك . . . . .
) فتعالى الله ( في ذاته وصفاته عن مماثلة المخلوقين لا يماثل كلامه كلامهم كما لا تماثل ذاته ذاتهم ) الملك ( النافذ أمره ونهيه الحقيق بأن يرجى وعده ويخشى وعيده ) الحق ( في ملكوته يستحقه لذاته أو الثابت في ذاته وصفاته ) ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ( نهي عن الاستعجال في تلقي الوحي من جبريل عليه السلام ومساوقته في القراءة حتى يتم وحيه بعد ذكر الإنزال على سبيل الاستطراد وقيل نهي عن تبليغ ما كان مجملا قبل أن يأتي بيانه ) وقل رب زدني علما ( أي سل الله زيادة العلم بدل الاستعجال فإن ما أوحي إليك تناله لا محالة
طه : ( 115 ) ولقد عهدنا إلى . . . . .
) ولقد عهدنا إلى آدم ( ولقد أمرناه يقال تقدم الملك إليه وأوعز إليه وعزم عليه وعهد(4/72)
" صفحة رقم 73 "
إليه إذا أمره واللام جواب قسم محذوف وإنما عطف قصة آدم على قوله ) وصرفنا فيه من الوعيد ( للدلالة على أن أساس بني آدم على العصيان وعرقهم راسخ في النسيان ) من قبل ( من قبل هذا الزمان ) فنسي ( العهد ولم يعن به حتى غفل عنه أو ترك ما وصي به من الاحتراز عن الشجرة ) ولم نجد له عزما ( تصميم رأي وثباتا على الأمر إذ لو كان ذا عزيمة وتصلب لم يزله الشيطان ولم يستطع تغريره ولعل ذلك كان في بدء أمره قبل أن يجرب ذا عزيمة وتصلب لم يزله الشيطان ولم يستطع تغريره ولعل ذلك كان في بدء أمره قبل أن يجرب الأمور ويذوق شريها وأريها وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لو وزنت أحلام بني آدم بحلم آدم لرجح حلمه وقد قال الله تعالى ) ولم نجد له عزما ( وقيل عزما مفعولاه وإن كان من الوجود المناقض للعدم فله حال من عزما أو متعلق بنجد
طه : ( 116 ) وإذ قلنا للملائكة . . . . .
) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ( مقدر أي اذكر حاله في ذلك الوقت ليتبين لك أنه نسي ولم يكن من أولي العزيمة والثبات ) فسجدوا إلا إبليس ( قد سبق القول فيه ) أبى ( جملة مستأنفة لبيان ما منعه من السجود وهو الاستكبار وعلى هذا لا يقدر له مفعول مثل السجود المدلول عليه بقوله ) فسجدوا ( لأن المعنى أظهر الإباء عن المطاوعة
طه : ( 117 ) فقلنا يا آدم . . . . .
) فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما ( فلا يكونن سببا لإخراجكما(4/73)
" صفحة رقم 74 "
والمراد نهيهما عن أن يكون بحيث يتسبب الشيطان إلى إخراجهما ) من الجنة فتشقى ( وأفرده بإسناد الشقاء إليه بعد إشراكهما في الخروج اكتفاء باستلزام شقائه شقاءها من حيث إنه قيم عليها ومحافظة على الفواصل أو لأن المراد بالشقاء التعب في طلب المعاش وذلك وظيفة الرجال ويؤيده قوله
طه : ( 118 - 119 ) إن لك ألا . . . . .
) إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى ( ) وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ( فإنه بيان وتذكير لما له في الجنة من أسباب الكفاية وأقطاب الكفاف التي هي الشبع والري والكسوة والسكن مستغنيا عن اكتسابها والسعي في تحصيل أغراض ما عسى ينقطع ويزول منها بذكر نقائضها ليطرق سمعه بأصناف الشقوة المحذر عنها والعاطف وإن ناب عن أن لكنه ناب من حيث إنه عامل لا من حيث إنه حرف تحقيق فلا يمتنع دخوله على أن امتناع دخول إن عليه وقرأ نافع وأبو بكر وإنك لا تظمأ بكسر الهمزة والباقون بفتحها
طه : ( 120 ) فوسوس إليه الشيطان . . . . .
) فوسوس إليه الشيطان ( فانتهى إليه وسوسته ) قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد ( الشجرة التي من أكل منها خلد ولم يمت أصلا فأضافها إلى الخلد أي الخلود لأنها سببه بزعمه ) وملك لا يبلى ( لا يزول ولا يضعف
طه : ( 121 ) فأكلا منها فبدت . . . . .
) فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ( أخذا يلزقان الورق على سوآتهما للتستر وهو ورق التين ) وعصى آدم ربه ( بأكل الشجرة ) فغوى ( فضل عن المطلوب وخاب حيث طلب الخلد بأكل الشجرة أو عن المأمور به أو عن الرشد حيث اغتر بقول العدو وقرئ فغوى من غوى الفصيل إذا أتخم من اللبن وفي النعي عليه بالعصيان والغواية مع صغر زلته تعظيم للزلة وزجر بليغ لأولاده عنها(4/74)
" صفحة رقم 75 "
طه : ( 122 ) ثم اجتباه ربه . . . . .
) ثم اجتباه ربه ( اصطفاه وقربه بالحمل على التوبة والتوفيق لها من أجبى إلى كذا فاجتبيته مثل جليت على العروس فاجتليتها وأصل معنى الكلمة الجمع ) فتاب عليه ( فقبل توبته لما تاب ) وهدى ( إلى الثبات على التوبة والتثبت بأسباب العصمة
طه : ( 123 ) قال اهبطا منها . . . . .
) قال اهبطا منها جميعا ( الخطاب لآدم وحواء أو له ولإبليس ولما كانا أصلي الذرية خاطبهما مخاطبتهم فقال ) بعضكم لبعض عدو ( لأمر المعاش كما عليه الناس من التجاذب التحارب أو لاختلال حال كل من النوعين بواسطة الآخر ويؤيد الأول قوله ) فإما يأتينكم مني هدى ( كتاب ورسول ) فمن اتبع هداي فلا يضل ( في الدنيا ) ولا يشقى ( في الآخرة
طه : ( 124 ) ومن أعرض عن . . . . .
) ومن أعرض عن ذكري ( عن الهدى الذاكر لي والداعي إلى عبادتي ) فإن له معيشة ضنكا ( ضيقا مصدر وصف به ولذلك يستوي فيه المذكر والمؤنث وقرىء ضنكى ازديادها خائفا على انتقاصها بخلاف المؤمن الطالب للآخرة مع أنه تعالى قد يضيق بشؤم الكفر ويوسع ببركة الإيمان كما قال ) وضربت عليهم الذلة والمسكنة ( ) ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ( ) ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا ( الآيات وقيل هو الضريع والزقوم في النار وقيل عذاب القبر ) ونحشره ( قرىء بسكون الهاء على لفظ الوقف وبالجزم عطفا على محل ) فإن له معيشة ضنكا ( لأنه جواب الشرط ) يوم القيامة أعمى ( البصر أو القلب ويؤيد الأول
طه : ( 125 ) قال رب لم . . . . .
) قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا ( وقد أمالهما حمزة والكسائي لأن الألف منقلبة من الياء وفرق أبو عمرو بأن الأول رأس الآية ومحل الوقف فهو جدير بالتغيير
طه : ( 126 ) قال كذلك أتتك . . . . .
) قال كذلك ( أي مثل ذلك فعلت ثم فسره فقال ) أتتك آياتنا ( واضحة نيرة ) فنسيتها ( فعميت عنها وتركتها غير منظور إليها ) وكذلك ( ومثل تركك إياها ) اليوم تنسى ( تترك في العمى والعذاب(4/75)
" صفحة رقم 76 "
طه : ( 127 ) وكذلك نجزي من . . . . .
) وكذلك نجزي من أسرف ( بالإنهماك في الشهوات والإعراض عن الآيات ) ولم يؤمن بآيات ربه ( بل كذب بها وخالفها ) ولعذاب الآخرة ( وهو الحشر على العمى وقيل عذاب النار أي وللنار بعد ذلك ) أشد وأبقى ( من ضنك العيش أو منه ومن العمى ولعله إذا دخل النار زال عماه ليرى محله وحاله أو مما فعله من ترك الآيات والكفر بها
طه : ( 128 ) أفلم يهد لهم . . . . .
) أفلم يهد لهم ( مسند إلى الله تعالى أبو الرسول أو ما دل عليه ) كم أهلكنا قبلهم من القرون ( أي إهلاكنا إياهم أو الجملة بمضمونها والفعل على الأولين معلق يجري مجرى أعلم ويدل عليه القراءة بالنون ) يمشون في مساكنهم ( ويشاهدون آثار هلاكهم ) إن في ذلك لآيات لأولي النهى ( لذوي العقول الناهية عن التغافل والتعامي
طه : ( 129 ) ولولا كلمة سبقت . . . . .
) ولولا كلمة سبقت من ربك ( وهي العدة بتأخير عذاب هذه الأمة إلى الآخرة ) لكان لزاما ( لكان مثل ما نزل بعاد وثمود لازما لهؤلاء الكفرة وهو مصدر وصف به أو اسم آلة سمي به اللازم لفرط لزومه كقولهم لزاز خصم ) وأجل مسمى ( عطف على كلمة أي ولولا العدة بتأخير العذاب وأجل مسمى لأعمارهم أو لعذابهم وهو يوم القيامة أو يوم بدر لكان العذاب لزاما والفصل للدلالة على استقلال كل منهما بنفي لزوم العذاب ويجوز عطفه على المستكن في كان أي لكان الأخذ العاجل وأجل مسمى لازمين له
طه : ( 130 ) فاصبر على ما . . . . .
) فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك ( وصل وأنت حامد لربك على هدايته(4/76)
" صفحة رقم 77 "
وتوفيقه أو نزهة عن الشرك وسائر ما يضيفون إليه من النقائص حامدا له على ما ميزك بالهدى معترفا بأنه المولى للنعم كلها ) قبل طلوع الشمس ( يعني الفجر ) وقبل غروبها ( يعني الظهر والعصر لأنهما في آخر النهار أو العصر وحده ) ومن آناء الليل ( ومن ساعاته جمع أنا بالكسر والقصر أو أناء بالفتح والمد ) فسبح ( يعني المغرب والعشاء وإنما قدم زمان الليل لاختصاصه بمزيد الفضل فإن القلب فيه أجمع والنفس أميل إلى الاستراحة فكانت العبادة فيه أحمز ولذلك قال سبحانه وتعالى ) إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا ( ) وأطراف النهار ( تكرير لصلاتي الصبح والمغرب إرادة الاختصاص ومجيئه بلفظ الجمع لأمن الإلباس كقوله " ظهراهما مثل ظهور الترسين " أو أمر بصلاة الظهر فإنه نهاية النصف الأول من النهار وبداية النصف الآخر وجمعه(4/77)
" صفحة رقم 78 "
باعتبار النصفين أو لأن النهار جنس أو بالتطوع في أجزاء النهار ) لعلك ترضى ( متعلق ب ) سبح ( أي سبح في هذه الأوقات طمعا أن تنال عند الله ما به ترضي نفسك وقرأ الكسائي وأبو بكر بالبناء للمفعول أي يرضيك ربك
طه : ( 131 ) ولا تمدن عينيك . . . . .
) ولا تمدن عينيك ( أي نظر عينيك ) إلى ما متعنا به ( استحسانا له وتمنيا أن يكون لك مثله ) أزواجا منهم ( وأصنافا من الكفرة ويجوز أن يكون حالا من الضمير في به والمفعول منهم أي الذي متعنا به وهو أصناف بعضهم أو ناسا منهم ) زهرة الحياة الدنيا ( منصوب بمحذوف دل عليه ) متعنا ( أو ) به ( على تضمينه معنى أعطينا أو بالبدل من محل ) به ( أو من ) أزواجا ( بتقدير مضاف ودونه أو بالذم وهي الزينة والبهجة وقرأ يعقوب بالفتح وهو لغة كالجهرة في الجهرة أو جمع زاهر وصف لهم بأنهم زاهر والدنيا لتنعمهم وبهاء زيهم بخلاف ما عليه المؤمنون الزهاد ) لنفتنهم فيه ( لنبلوهم ونختبرهم فيه أو لنعذبهم في الآخرة بسببه ) ورزق ربك ( وما ادخر لك في الآخرة أو ما رزقك من الهدى والنبوة ) خير ( مما منحهم في الدنيا ) وأبقى ( فإنه لا ينقطع
طه : ( 132 ) وأمر أهلك بالصلاة . . . . .
) وأمر أهلك بالصلاة ( أمره بأن يأمر أهل بيته أو التابعين له من أمته بالصلاة بعد ما أمر بها ليتعاونوا على الإستعانة بها على خصاصتهم ولا يهتموا بأمر المعيشة ولا يلتفتوا لفت أرباب الثروة ) واصطبر عليها ( وداوم عليها ) لا نسألك رزقا ( أي أن ترزق نفسك ولا أهلك ) نحن نرزقك ( وإياهم ففرغ بالك لأمر الآخرة ) والعاقبة ( المحمودة ) للتقوى ( لذوي التقوى روي أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أصاب أهله ضر(4/78)
" صفحة رقم 79 "
أمرهم بالصلاة وتلا هذه الآية
طه : ( 133 ) وقالوا لولا يأتينا . . . . .
) وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه ( بآية تدل على صدقة في إهداء النبوة أو بآية مقترحة إنكارا لما جاء به من الآيات أو للاعتداد به تعنتا وعنادا فألزمهم بإتيانه بالقرآن الذي هو أم المعجزات وأعظمها وأبقاها لأن حقيقة المعجزة اختصاص مدعي النبوة بنوع من العلم أو العمل على وجه خارق للعادة ولا شك أن العلم أصل العمل وأعلى منه قدرا وأبقى أثرا فكذا ما كان من هذا القبيل ونبههم أيضا على وجه أبين من وجوه إعجازه المختصة بهذا الباب فقال ) أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى ( من التوراة والإنجيل وسائر الكتب السماوية فإن اشتمالها على زبدة ما فيها من العقائد والأحكام الكلية مع أن الآتي بها أمي لم يرها ولم يتعلم ممن علمها إعجاز بين وفيه إشعار بأنه كما يدل على نبوته برهان لما تقدمه من الكتب من حيث أنه معجز وتلك ليست كذلك بل هي مفتقرة إلى ما يشهد على صحتها وقرئ الصحف بالتخفيف وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم ) أو لم تأتهم ( بالتاء والباقون بالياء
طه : ( 134 ) ولو أنا أهلكناهم . . . . .
) ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله ( من قبل محمد عليه الصلاة والسلام أو البينة والتذكير لأنها في معنى البرهان أو المراد بها القرآن ) لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ( بالقتل والسبي في الدنيا ) ونخزى ( بدخول النار يوم القيامة وقد قرئ بالبناء للمفعول فيهما
طه : ( 135 ) قل كل متربص . . . . .
) قل كل ( أي كل واحد منا ومنكم ) متربص ( منتظر لما يؤول إليه أمرنا وأمركم(4/79)
" صفحة رقم 80 "
) فتربصوا ( وقرئ فتمتعوا ) فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ( المستقيم وقرئ السواء أي الوسط الجيد والسوآى والسوء أي الشر والسوي هو تصغيره ) ومن اهتدى ( من الضلالة و ) من ( في الموضعين للاستفهام ومحلها الرفع بالابتداء ويجوز أن تكون الثانية موصولة بخلاف الأولى لعدم العائد فتكون معطوفة على محل الجملة الاستفهامية المعلق عنها الفعل على أن العلم بمعنى المعرفة أو على أصحاب أو على الصراط على أن المراد به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ طه أعطي يوم القيامة ثواب المهاجرين والأنصار رضوان الله عليهم أجمعين(4/80)
" صفحة رقم 81 "
سورة الأنبياء
مكية وآيها مائة واثنتا عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الأنبياء : ( 1 ) اقترب للناس حسابهم . . . . .
) اقترب للناس حسابهم ( بالإضافة إلى ما مضى أو ما عند الله لقوله تعالى ) إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ( وقوله ) ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ( أو لأن كل ما هو آت قريب وإنما البعيد ما انقرض ومضى واللام صلة ل ) اقترب ( أو تأكيد للإضافة وأصله اقترب حساب الناس ثم اقترب للناس الحساب ثم اقترب للناس حسابهم وخص الناس بالكفار لتقييدهم بقوله ) وهم في غفلة ( أي في غفلة عن الحساب ) معرضون ( عن التفكر فيه وهما خبران للضمير ويجوز أن يكون الظرف حالا من المستكن في ) معرضون )
الأنبياء : ( 2 ) ما يأتيهم من . . . . .
) ما يأتيهم من ذكر ( ينبههم من سنة الغفلة والجهالة ) من ربهم ( صفة ل ) ذكر ((4/81)
" صفحة رقم 82 "
أو صلة ل ) يأتيهم ( ) محدث ( تنزيله ليكرر على أسماعهم التنبيه كي يتعظوا وقرىء بالرفع حملا على المحل ) إلا استمعوه وهم يلعبون ( يستهزئون به ويستسخرون منه لتناهي غفلتهم وفرط إعراضهم عن النظر في الأمور والتفكر في العواقب ) وهم يلعبون ( حال من الواو وكذلك
الأنبياء : ( 3 ) لاهية قلوبهم وأسروا . . . . .
) لاهية قلوبهم ( أي استمعوه جامعين بين الإستهزاء والتلهي والذهول عن التفكر فيه ويجوز أن يكون من واو ) يلعبون ( وقرئت بالرفع على أنها خبر آخر للضمير بدل من واو ) وأسروا ( للإيماء بأنهم ظالمون فيما أسروا به أو فاعل له والواو لعلامة الجمع أو مبتدأ والجملة المتقدمة خبره وأصله وهؤلاء أسروا النجوى فوضع الموصول موضعه تسجيلا على فعلهم بأنه ظلم أو منصوب على الذم ) هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون ( بأمره في موضع النصب بدلا من ) النجوى ( أو مفعولا لقول مقدر كأنهم استدلوا بكونه بشرا على كذبه في ادعاء الرسالة لا عتقادهم أن الرسول لا يكون إلا ملكا واستلزموا منه أن ما جاء به من الخوارق كالقرآن سحر فأنكروا حضوره وإنما أسروا به تشاورا في استنباط ما يهدم أمره ويظهر فساده للناس عامة
الأنبياء : ( 4 ) قال ربي يعلم . . . . .
) قل ربي يعلم القول في السماء والأرض ( جهرا كان أو سرا فضلا عما أسروا به فهو(4/82)
" صفحة رقم 83 "
آكد من قوله ) قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض ( ولذلك أختير ها هنا وليطابق قوله ) وأسروا النجوى ( في المبالغة وقرأ حمزة والكسائي وحفص / قال / بالإخبار عن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) وهو السميع العليم ( فلا يخفى عليه ما يسرون ولا ما يضمرون
الأنبياء : ( 5 ) بل قالوا أضغاث . . . . .
) بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر ( إضراب لهم عن قولهم هو سحر إلى أنه تخاليط أحلام ثم إلى أنه كلام افتراه ثم إلى أنه قول شاعر والظاهر أن ) بل ( الأولى لتمام حكاية والإبتداء بأخرى أو للإضراب عن تحاورهم في شأن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وما ظهر عليه من الآيات إلى تقاولهم في أمر القرآن والثانية والثالثة لإضرابهم عن كونه أباطيل خيلت إليه وخلطت عليه إلى كونه مفتريات أختلقها من تلقاء نفسه ثم إلى أنه كلام شعري يخيل إلى السامع معاني لاحقيقة لها ويرغبه فيها ويجوز أن يكون الكل من الله تنزيلا لأقوالهم في درج الفساد لأن كونه شعرا أبعد من كونه مفترى لأنه مشتمل على مغيبات كثيرة طابقت الواقع والمفتري لا يكون كذلك بخلاف الأحلام ولأنهم جربوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نيفا وأربعين سنة وما سمعوا منه كذبا قط وهو أبعد من كونه سحرا لأنه يجانسه من حيث إنهما من الخوارق ) فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ( أي كما أرسل به الأولون مثل اليد البيضاء والعصا وإبراء الأكمه وإحياء الموتى وصحة التشبيه من حيث إن الإرسال يتضمن الإتيان بالآية(4/83)
" صفحة رقم 84 "
الأنبياء : ( 6 ) ما آمنت قبلهم . . . . .
) ما آمنت قبلهم من قرية ( من أهل قرية ) أهلكناها ( باقتراح الآيات لما جاءتهم ) أفهم يؤمنون ( لو جئتهم بها وهم أعتى منهم وفيه تنبيه على أن عدم الإتيان بالمقترح للإبقاء عليهم إذ لو أتى به ولم يؤمنوا استوجبوا عذاب الاستئصال كمن قبلهم
الأنبياء : ( 7 ) وما أرسلنا قبلك . . . . .
) وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ( جواب لقولهم ) هل هذا إلا بشر مثلكم ( فأمرهم أن يسألوا أهل الكتاب عن حال الرسل المتقدمة ليزول عنهم الشبهة والإحالة عليهم إما للإلزام فإن المشركين كانوا يشاورونهم في أمر النبي عليه الصلاة والسلام ويثقون بقولهم أو لأن إخبار الجم الغفير يوجب العلم وإن كانوا كفارا وقرأ حفص نوحي بالنون
الأنبياء : ( 8 ) وما جعلناهم جسدا . . . . .
) وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ( نفي لما اعتقدوا أنها من خواص الملك عن الرسل تحقيقا لأنهم أبشارا مثلهم وقيل جواب لقولهم ) ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ( ) وما كانوا خالدين ( تأكيد وتقرير له فإن التعيش بالطعام من توابع التحليل المؤدي إلى الفناء وتوحيد الجسد لإرادة الجنس أو لأنه مصدر في الأصل أو على حذف المضاف أو تأويل الضمير بكل واحد وهو جسم ذو لون فلذلك لا يطلق على الماء والهواء ومنه الجساد للزعفران وقيل جسم ذو تركيب لأن أصله لجمع الشيء واشتداده
الأنبياء : ( 9 ) ثم صدقناهم الوعد . . . . .
) ثم صدقناهم الوعد ( أي في الوعد ) فأنجيناهم ومن نشاء ( يعني المؤمنين بهم ومن في إبقائه حكمة كمن سيؤمن هو أو أحد من ذريته ولذلك حميت العرب من عذاب الاستئصال ) وأهلكنا المسرفين ( في الكفر والمعاصي(4/84)
" صفحة رقم 85 "
الأنبياء : ( 10 ) لقد أنزلنا إليكم . . . . .
) لقد أنزلنا إليكم ( يا قريش ) كتابا ( يعني القرآن ) فيه ذكركم ( صيتكم كقوله ) وإنه لذكر لك ولقومك ( أو موعظتكم أو ما تطلبون به حسن الذكر من مكارم الأخلاق ) أفلا تعقلون ( فتؤمنون
الأنبياء : ( 11 ) وكم قصمنا من . . . . .
) وكم قصمنا من قرية ( وارادة عن غضب عظيم لأن القصم كسر يبين تلاؤم الأجزاء بخلاف الفصم ) كانت ظالمة ( صفة لأهلها وصفت بها لما أقيمت مقامه ) وأنشأنا بعدها ( بعد إهلاك أهلها ) قوما آخرين ( مكانهم
الأنبياء : ( 12 ) فلما أحسوا بأسنا . . . . .
) فلما أحسوا بأسنا ( فلما أدركوا شدة عذابنا وإدراك المشاهد المحسوس والضمير للأهل المحذوف ) إذا هم منها يركضون ( يهربون مسرعين راكضين دوابهم أو مشبهين بهم من فرط إسراعهم
الأنبياء : ( 13 ) لا تركضوا وارجعوا . . . . .
) لا تركضوا ( على إرادة القول أي قيل لهم استهزاء لا تركضوا إما بلسان الحال أو المقال والقائل ملك أو من ثم من المؤمنين ) وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ( من التنعم والتلذذ والإتراف إبطار النعمة ) ومساكنكم ( التي كانت لكم ) لعلكم تسألون ( غدا عن أعمالكم أو تعذبون فإن السؤال من مقدمات العذاب أو تقصدون للسؤال والتشاور في المهام والنوازل
الأنبياء : ( 14 ) قالوا يا ويلنا . . . . .
) قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين ( لما رأوا العذاب ولم يروا وجه النجاة فلذلك لم ينفعهم وقيل إن أهل حضور من قرى اليمن بعث إليهم نبي فقتلوه فسلط الله عليهم بختنصر فوضع السيف فيهم فنادى مناد من السماء يا لثارات الأنبياء فندموا وقالوا ذلك
الأنبياء : ( 15 ) فما زالت تلك . . . . .
) فما زالت تلك دعواهم ( فما زالوا يرددون ذلك وإنما سماه دعوى لأن المولول(4/85)
" صفحة رقم 86 "
كأنه يدعوا الويل ويقول يا ويل تعال فهذا أوانك وكل من ) تلك ( و ) دعواهم ( يحتمل الاسمية والخبرية ) حتى جعلناهم حصيدا ( مثل الحصيد وهو النبت المحصود ولذلك لم يجمع ) خامدين ( ميتين من خمدت النار وهو مع ) حصيدا ( بمنزلة المفعول الثاني كقولك جعلته حلوا حامضا إذ المعنى وجعلناهم جامعين لمماثلة الحصيد والخمود أو صفة له أو حال من ضميره
الأنبياء : ( 16 ) وما خلقنا السماء . . . . .
) وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين ( وإنما خلقناها مشحونة بضروب البدائع تبصرة للنظار وتذكرة لذوي الاعتبار وتسببا لما ينتظم به أمور العباد في المعاش والمعاد فينبغي أن يتسلقوا بها إلى تحصيل الكمال ولا يغتروا بزخارفها فإنها سريعة الزوال
الأنبياء : ( 17 ) لو أردنا أن . . . . .
) لو أردنا أن نتخذ لهوا ( ما يتلهى به ويلعب ) لاتخذناه من لدنا ( من جهة قدرتنا أو من عندنا مما يليق بحضرتنا من المجردات لا من الأجسام المرفوعة والأجرام المبسوطة كعادتكم في رفع السقوف وتزويقها وتسوية الفرش وتزيينها وقيل اللهو الولد بلغة اليمن وقيل الزوجة والمراد به الرد على النصارى ) إن كنا فاعلين ( ذلك ويدل على جواب الجواب المتقدم وقيل ) إن ( نافية والجملة كالنتيجة للشرطية
الأنبياء : ( 18 ) بل نقذف بالحق . . . . .
) بل نقذف بالحق على الباطل ( إضراب عن اتخاذ اللهو وتنزيه لذاته عن اللعب أي بل من شأننا أن نغلب الحق الذي من جملته الجد على الباطل الذي من عداده اللهو ) فيدمغه ( فيمحقه وإنما استعار لذلك القذف وهو الرمي البعيد المستلزم لصلابة المرمى والدمغ الذي هو كسر الدماغ بحيث يشق غشاؤة المؤدي إلى زهوق الروح تصويرا لابطاله ومبالغة فيه وقرئ ) فيدمغه ( بالنصب كقوله " سأترك منزلي لبني تميم وألحق بالحجاز فأستريحا " (4/86)
" صفحة رقم 87 "
ووجهه مع بعده الحمل على المعنى والعطف على الحق ) فإذا هو زاهق ( هالك والزهوق ذهاب الروح وذكره لترشيح المجاز ) ولكم الويل مما تصفون ( مما تصفونه به مما لا يجوز عليه وهو في موضع الحال وما مصدرية أو موصولة أو موصوفة
الأنبياء : ( 19 ) وله من في . . . . .
) وله من في السماوات والأرض ( خلقا وملكا ) ومن عنده ( يعني الملائكة المنزلين منه لكرامتهم عليه منزلة المقربين عند الملوك وهو معطوف على ) من في السماوات ( وأفرده للتعظيم أو لأنه أعم منه من وجه أو المراد به نوع من الملائكة متعال عن التبوؤ في السماء والأرض أو مبتدأ خبره ) لا يستكبرون عن عبادته ( لا يتعظمون عنها ) ولا يستحسرون ( ولا يعيون منها وإنما جيء بالاستحسار الذي هو أبلغ من الحسور تنبيها على أن عبادتهم بثقلها ودوامها حقيقة بأن يستحسر منها ولا يستحسرون
الأنبياء : ( 20 ) يسبحون الليل والنهار . . . . .
) يسبحون الليل والنهار ( ينزهونه ويعظمونه دائما ) لا يفترون ( حال من الواو في ) يسبحون ( وهو استئناف أو حال من ضمير قبله
الأنبياء : ( 21 ) أم اتخذوا آلهة . . . . .
) أم اتخذوا آلهة ( بل اتخذوا والهمزة لإنكار اتخاذهم ) من الأرض ( صفة لآلهة أو متعلقة بالفعل على معنى الآبتداء وفائدتها التحقير دون التخصيص ) هم ينشرون ( الموتى وهم وإن لم يصرحوا به لكن(4/87)
" صفحة رقم 88 "
لزم ادعاؤهم لها الإلهية فإن من لوازمها الإقتدار على جميع الممكنات والمراد به تجهيلهم والتهكم بهم وللمبالغة في ذلك زيد الضمير الموهم لاختصاص الإنشار بهم
الأنبياء : ( 22 ) لو كان فيهما . . . . .
) لو كان فيهما آلهة إلا الله ( غير الله وصف ب ) إلا ( لتعذر الإستثناء لعدم شمول ما قبلها لما بعدها ودلالته على ملازمة الفساد لكون الآلهة فيهما دونه والمراد ملازمته لكونها مطلقا أو معه حملا لها على غير كما استثنى بغير حملا عليها ولا يجوز الرفع على البدل لأنه متفرع على الإستثناء ومشروط بأن يكون في كلام غير موجب ) لفسدتا ( لبطلتا لما يكون بينهما(4/88)
" صفحة رقم 89 "
من الإختلاف و التمانع فإنها إن توافقت في المراد تطاردت عليه القدر وإن تخالفت فيه تعاوقت عنه ) فسبحان الله رب العرش ( المحيط بجميع الأجسام الذي هو محل التدابير ومنشأ التقادير ) عما يصفون ( من اتخاذ الشريك والصاحبة والولد
الأنبياء : ( 23 ) لا يسأل عما . . . . .
) لا يسأل عما يفعل ( لعظمته وقوة سلطانه وتفرده بالألوهية والسلطنة الذاتية ) وهم يسألون ( لأنهم مملوكون مستعبدون والضمير لل آلهة أو للعباد
الأنبياء : ( 24 ) أم اتخذوا من . . . . .
) أم اتخذوا من دونه آلهة ( كرره استعظاما لكفرهم واستفظاعا لأمرهم وتبكيتا وإظهارا لجهلهم أو ضما لإنكار ما يكون لهم سندا من النقل إلى إنكار ما يكون لهم دليلا من العقل على معنى أوجدوا آلهة ينشرون الموتى فاتخذوهم آلهة لما وجدوا فيهم من خواص الألوهية أو وجدوا في الكتب الإلهية الأمر بإشراكهم فاتخذوهم متابعة للأمر ويعضد ذلك أنه رتب على الأول ما يدل على فساده عقلا وعلى الثاني ما يدل على فساده نقلا ) قل هاتوا برهانكم ( على ذلك إما من العقل أو من النقل فإنه لا يصح القول بما لا دليل عليه كيف وقد تطابقت الحجج على بطلانه عقلا ونقلا ) هذا ذكر من معي وذكر من قبلي ( من الكتب السماوية فانظروا هل تجدون فيها إلا الأمر بالتوحيد والنهي عن الإشراك والتوحيد لما لم يتوقف على صحته بعثة الرسل وإنزال الكتب صح الإستدلال فيه بالنقل و ) من معي ( أمته و ) من قبلي ( الأمم المتقدمة وإضافة ال ) ذكر ( إليهم لأنه عظتهم وقرىء بالتنوين ولا إعمال وبه وب ) من ( الجارة على أن مع اسم هو ظرف كقبل وبعد وشبههما وبعدهما ) بل أكثرهم لا يعلمون الحق ( ولا يميزون بينه وبين الباطل وقرىء ) الحق ( بالرفع على أنه خبر محذوف وسط للتأكيد بين السبب والمسبب ) فهم معرضون ( عن التوحيد وإتباع الرسول من أجل ذلك
الأنبياء : ( 25 ) وما أرسلنا من . . . . .
) وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ( تعميم بعد تخصيص فإن ) وذكر من قبلي ( من(4/89)
" صفحة رقم 90 "
حيث إنه خبر لاسم الإشارة مخصوص بالموجود بين أظهرهم وهو الكتب الثلاثة وقرأ حفص وحمزة والكسائي نوحي إليه بالنون وكسر الحاء والباقون بالياء وفتح الحاء
الأنبياء : ( 26 ) وقالوا اتخذ الرحمن . . . . .
) وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ( نزلت في خزاعة حيث قالوا الملائكة بنات الله ) سبحانه ( تنزيه له عن ذلك ) بل عباد ( بل هم عباد من حيث إنهم مخلوقون وليسوا بالأولاد ) مكرمون ( وفيه تنبيه على مدحض القوم وقرىء بالتشديد
الأنبياء : ( 27 ) لا يسبقونه بالقول . . . . .
) لا يسبقونه بالقول ( لا يقولون شيئا حتى يقوله كما هو ديدن العبيد المؤدبين وأصله لا يسبق قولهم قوله فنسب السبق إليه وإليهم وجعل القول محله وأداته تنبيها على استهجان السبق المعرض به للقائلين على الله ما لم يقله وأنيبت اللام على الإضافة اختصارا وتجافيا عن تكرير الضمير وقرىء ) لا يسبقونه ( بالضم من سابقته فسبقته أسبقه ) وهم بأمره يعملون ( لا يعلمون قط ما لم يأمرهم به
الأنبياء : ( 28 ) يعلم ما بين . . . . .
) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ( لا تخفى عليه خافية مما قدموا وأخروا وهو كالعلة لما قبله والتمهيد لما بعده فإنهم لإحاطتهم بذلك يضبطون أنفسهم ويراقبون أحوالهم ) ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ( أن يشفع له مهابة منه ) وهم من خشيته ( عظمته ومهابته ) مشفقون ( مرتعدون وأصل الخشية خوف مع تعظيم ولذلك خص بها العلماء والإشفاق خوف مع اعتناء فإن عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر وإن عدي بعلى فبالعكس
الأنبياء : ( 29 ) ومن يقل منهم . . . . .
) ومن يقل منهم ( من الملائكة أو من الخلائق ) إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم ( يريد به نفي النبوة وإدعاء ذلك عن الملائكة وتهديد المشركين بتهديد مدعي الربوبية ) كذلك نجزي الظالمين ( من ظلم بالإشراك وادعاء الربوبية(4/90)
" صفحة رقم 91 "
الأنبياء : ( 30 ) أولم ير الذين . . . . .
) أولم ير الذين كفروا ( أو لم يعلموا وقرأ ابن كثير بغير واو ) أن السماوات والأرض كانتا رتقا ( ذات رتق أو مرتوقتين وهو الضم والإلتحام أي كانتا واحدا وحقيقة متحدة ) ففتقناهما ( بالتنويع والتمييز أو كانت السموات واحدة ففتقت بالتحريكات المختلفة حتى صارت أفلاكا وكانت الأر ضون واحدة فجعلت باختلاف كيفياتها وأحوالها طبقات أو أقاليم وقيل ) كانتا ( بحيث لا فرجة بينهما ففرج وقيل ) كانتا رتقا ( لا تمطر ولا تنبت ففتقناهما بالمطر والنبات فيكون المراد ب ) السماوات ( سماء الدنيا وجمعها باعتبار الآفاق أو ) السماوات ( بأسرها على أن لها مدخلا ما في الأمطار والكفرة وإن لم يعلموا ذلك فهم متمكنون من العلم به نظرا فإن الفتق عارض مفتقر إلى مؤثر واجب وابتداء أو بوسط أو استفسارا من العلماء ومطالعة للكتب وإنما قال ) كانتا ( ولم يقل كن لأن المارد جماعة السموات وجماعة الأرض وقرىء ) رتقا ( بالفتح على تقدير شيئا رتقا أي مرتوقا كالرفض بمعنى المرفوض ) وجعلنا من الماء كل شيء حي ( وخلقنا من الماء كل حيوان كقوله تعالى ) والله خلق كل دابة من ماء ( وذلك لأنه من أعظم مواده أو لفرط احتياجه إليه وانتفاعه به بعينه أو صيرنا كل(4/91)
" صفحة رقم 92 "
شيء حي بسبب من الماء لا يحيا دونه وقرئ حيا على أنه صفة ) كل ( أو مفعول ثان والظرف لغو والشيء مخصوص بالحيوان ) أفلا يؤمنون ( مع ظهور الآيات
الأنبياء : ( 31 ) وجعلنا في الأرض . . . . .
) وجعلنا في الأرض رواسي ( ثابتات من رسا الشيء إذا ثبت ) أن تميد بهم ( كراهة أن تميل بهم وتضطرب وقيل لأن لا تميد فحذف لا لأمن الإلباس ) وجعلنا فيها ( في الأرض أو الرواسي ) فجاجا سبلا ( مسالك واسعة وإنما قدم فجاجا وهو وصف له ليصير حالا فيدل على أنه حين خلقها كذلك أو ليبدل منها ) سبلا ( فيدل ضمنا على أنه خلقها ووسعها للسابلة مع ما يكون فيه من التوكيد ) لعلهم يهتدون ( إلى مصالحهم
الأنبياء : ( 32 ) وجعلنا السماء سقفا . . . . .
) وجعلنا السماء سقفا محفوظا ( عن الوقوع بقدرته أو الفساد والانحلال إلى الوقت المعلوم بمشيئته أو استراق السمع بالشهب ) وهم عن آياتها ( عن أحوالها الدالة على وجود الصانع ووحدته وكمال قدرته وتناهي حكمته التي يحس ببعضها ويبحث عن بعضها في علمي الطبيعة والهيئة ) معرضون ( غير متفكرين
الأنبياء : ( 33 ) وهو الذي خلق . . . . .
) وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر ( بيان لبعض تلك الآيات ) كل في فلك ( أي كل واحد منهما والتنوين بدل من المضاف إليه والمراد بالفلك الجنس كقولهم كساهم الأمير حلة ) يسبحون ( يسرعون على سطح الفلك إسراع السابح على سطح الماء وهو خبر ) كل ( والجملة حال من ) الشمس والقمر ( وجاز انفرادهما بها لعدم اللبس والضمير(4/92)
" صفحة رقم 93 "
لهما وإنما جمع باعتبار المطالع وجعل الضمير واو العقلاء لأن السباحة فعلهم
الأنبياء : ( 34 ) وما جعلنا لبشر . . . . .
) وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون ( نزلت حين قالوا نتربص به ريب المنون وفي معناه قوله " فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا " والفاء لتعلق الشرط بما قبله والهمزة لإنكاره بعد ما تقرر ذلك
الأنبياء : ( 35 ) كل نفس ذائقة . . . . .
) كل نفس ذائقة الموت ( ذائقة مرارة مفارقتها جسدها وهو برهان على ما أنكروه ) ونبلوكم ( ونعاملكم معاملة المختبر ) بالشر والخير ( بالبلايا والنعم ) فتنة ( ابتلاء مصدر من غير لفظه ) وإلينا ترجعون ( فنجازيكم حسب ما يوجد منكم من الصبر والشكر وفيه إيماء بأن المقصود من هذه الحياة والابتلاء والتعريض للثواب والعقاب تقريرا لما سبق
الأنبياء : ( 36 ) وإذا رآك الذين . . . . .
) وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك ( ما يتخذونك ) إلا هزوا ( إلا مهزوءا به ويقولون ) أهذا الذي يذكر آلهتكم ( أي بسوء وإنما أطلقه لدلالة الحال فإن ذكر العدو لا يكون إلا بسوء ) وهم بذكر الرحمن ( بالتوحيد أو بإرشاد الخلق ببعث الرسل وإنزال الكتب رحمة عليهم أو بالقرآن ) هم كافرون ( منكرون فهم أحق أن يهزأ بهم وتكرير الضمير للتأكيد والتخصيص ولحيلولة الصلة بينه وبين الخبر
الأنبياء : ( 37 ) خلق الإنسان من . . . . .
) خلق الإنسان من عجل ( كأنه خلق منه لفرط استعجاله وقلة ثباته كقولك خلق زيد من الكرم جعل ما طبع عليه بمنزلة المطبوع وهو منه مبالغة في لزومه له ولذلك قيل إنه على القلب ومن عجلته مبادرته إلى الكفر واستعجال الوعيد روي أنها نزلت في النضر بن(4/93)
" صفحة رقم 94 "
الحارث حين استعجل العذاب ) سأريكم آياتي ( نقماتي في الدنيا كوقعة بدر وفي الآخرة عذاب النار ) فلا تستعجلون ( بالأتيان بها والنهي عما جبلت عليه نفوسهم ليقعدوها عن مرادها
الأنبياء : ( 38 ) ويقولون متى هذا . . . . .
) ويقولون متى هذا الوعد ( وقت وعد العذاب أو القيامة ) إن كنتم صادقين ( يعنون النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه رضي الله عنهم
الأنبياء : ( 39 ) لو يعلم الذين . . . . .
) لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون ( محذوف الجواب و ) حين ( مفعول ) يعلم ( أي لو يعلمون الوقت الذي يستعجلون منه بقولهم ) متى هذا الوعد ( وهو حين تحيط بهم النار من كل جانب بحيث لا يقدرون على دفعها ولا يجدون ناصرا يمنعها لما استعجلوا يعلمون بطلان ما هم عليه حين لا يكفون وإنما وضع الظاهر فيه موضع الضمير للدلالة على ما أوجب لهم ذلك
الأنبياء : ( 40 ) بل تأتيهم بغتة . . . . .
) بل تأتيهم ( العدة أو النار أو الساعة ) بغتة ( فجأة مصدر أو حال وقرىء بفتح الغين ) فتبهتهم ( فنغلبهم أو تحيرهم وقرىء الفعلان بالياء والضمير ل ) الوعد ( أو ال ) حين ( وكذا في قوله ) فلا يستطيعون ردها ( لأن الوعد بمعنى النار أو العدة والحين بمعنى الساعة ويجوز أن يكون ل ) النار ( أو لل ) بغتة ( ) ولا هم ينظرون ( يمهلون وفيه تذكير بإمهالهم في الدنيا
الأنبياء : ( 41 ) ولقد استهزئ برسل . . . . .
) ولقد استهزئ برسل من قبلك ( تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون ((4/94)
" صفحة رقم 95 "
وعد له بأن ما يفعلونه به يحيق بهم كما حاق بالمستهزئين بالإنبياء ما فعلوا يعني جزاءه
الأنبياء : ( 42 ) قل من يكلؤكم . . . . .
) قل ( يا محمد للمستهزئين ) من يكلؤكم ( يحفظكم ) بالليل والنهار من الرحمن ( من بأسه إن أراد بكم وفي لفظ ) الرحمن ( تنبيه على أن لا كالىء غير رحمته العامة وأن اندفاعه بمهلته ) بل هم عن ذكر ربهم معرضون ( لا يخطرونه ببالهم فضلا أن يخافوا بأسه حتى إذا كلؤا منه عرفوا الكالىء وصلحوا للسؤال عنه
الأنبياء : ( 43 ) أم لهم آلهة . . . . .
) أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا ( بل ألهم آلهة تمنعهم من العذاب تتجاوز منعنا أو من عذاب يكون من عندنا والإضرابان عن الأمر بالسؤال على الترتيب فإنه عن المعرض الغافل عن الشيء بعيد وعن المعتقد أبعد ) لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون ( استئناف بإبطال ما اعتقدوه فإن من لا يقدر على نصر نفسه ولا يصحبه نصر من الله فكيف ينصر غيره
الأنبياء : ( 44 ) بل متعنا هؤلاء . . . . .
) بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر ( إضراب عما توهموا ببيان ما هو الداعي إلى حفظهم وهو الإستدراج والتمتع بما قدر لهم من الأعمار أو عن الدلالة على بطلانه ببيان ما أوهمهم ذلك وهو أنه تعالى متعهم بالحياة الدنيا وأمهلهم حتى طالت أعمارهم فحسبوا أن لا يزالوا كذلك وأنه بسبب ما هم عليه ولذلك عقبه بما يدل على أنه أمل كاذب فقال ) أفلا يرون أنا نأتي الأرض ( أرض الكفرة ) ننقصها من أطرافها ( بتسليط المسلمين عليها وهو تصوير لما يجريه الله تعالى على أيدي المسلمين ) أفهم الغالبون ( رسول الله والمؤمنين
الأنبياء : ( 45 ) قل إنما أنذركم . . . . .
) قل إنما أنذركم بالوحي ( بما أوحي إلي ) ولا يسمع الصم الدعاء ( وقرأ ابن عامر ولا تسمع الصم على خطاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقرىء بالياء على أن فيه ضميره وإنما سماهم ) الصم ( ووضعه موضع ضميرهم للدلالة على تصامهم وعدم انتفاعهم بما يسمعون ) إذا ما ينذرون ( منصوب ب ) يسمع ( أو ب ) الدعاء ( والتقييد به لأن الكلام في الإنذار أو للمبالغة في تصامهم وتجاسرهم(4/95)
" صفحة رقم 96 "
الأنبياء : ( 46 ) ولئن مستهم نفحة . . . . .
) ولئن مستهم نفحة ( أدنى وفيه مبالغات ذكر المس وما فيه النفحة من معنى القلة فإن أصل النفح هبوب رائحة الشيء والبناء الدال على المرة ) من عذاب ربك ( من الذي ينذرون به ) ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين ( لدعوا على أنفسهم بالويل واعترفوا عليها بالظلم
الأنبياء : ( 47 ) ونضع الموازين القسط . . . . .
) ونضع الموازين القسط ( العدل توزن بها صحائف الأعمال وقيل وضع الموازين تمثيل لإرصاد الحساب السوي والجزاء على حسب الأعمال بالعدل وإفراد ) القسط ( لأنه مصدر وصف به للمبالغة ) ليوم القيامة ( لجزاء يوم القيامة أو لأهله أو فيه كقولك جئت لخمس خلون من الشهر ) فلا تظلم نفس شيئا ( من حقها أو من الظلم ) وإن كان مثقال حبة من خردل ( أي وإن كان العمل أو الظلم مقدار حبة ورفع نافع ) مثقال ( على ) كان ( التامة ) أتينا بها ( أحضرناها وقرىء ) آتينا ( بمعنى جازينا بها من الإيتاء فإنه قريب من أعطينا أو من المؤاتاة فإنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء وأثبنا من الثواب وجئنا والضمير للمثقال وتأنيثه لإضافته إلى ) حبه ( ) وكفى بنا حاسبين ( إذ لا مزيد على علمنا وعدلنا
الأنبياء : ( 48 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
) ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين ( أي الكتاب الجامع لكونه فارقا بين الحق والباطل ) وضياء ( يستضاء به في ظلمات الحيرة والجهالة ) وذكرا ( يتعظ به المتقون أو ذكر ما يحتاجون إليه من الشرائع وقيل ) الفرقان ( النصر وقيل فلق البحر وقرىء ) ضياء ( بغير واو على أنه حال من الفرقان
الأنبياء : ( 49 ) الذين يخشون ربهم . . . . .
) الذين يخشون ربهم ( صفة ) للمتقين ( أو مدح لهم منصوب أو مرفوع ) بالغيب ( حال من الفاعل أو المفعول ) وهم من الساعة مشفقون ( خائفون وفي تصدير الضمير وبناء الحكم عليه مبالغة وتعريض
الأنبياء : ( 50 ) وهذا ذكر مبارك . . . . .
) وهذا ذكر ( يعني القرآن ) مبارك ( كثير خيره ) أنزلناه ( على محمد عليه الصلاة والسلام ) أفأنتم له منكرون ( استفهام توبيخ
الأنبياء : ( 51 ) ولقد آتينا إبراهيم . . . . .
) ولقد آتينا إبراهيم رشده ( الإهتداء لوجوه الصلاح وإضافته ليدل على أنه رشد مثله(4/96)
" صفحة رقم 97 "
وأن له شأنا وقرئ رشدة وهو لغة ) من قبل ( من قبل موسى وهرون أو محمد عليه الصلاة والسلام وقيل من قبل استنبائه أو بلوغه حيث قال ) إني وجهت ( ) وكنا به عالمين ( علمنا أنه أهل لما أتيناه أو جامع لمحاسن الأوصاف ومكارم الخصال وفيه إشارة إلى أن فعله سبحانه وتعالى باختيار وحكمة وأنه عالم بالجزئيات
الأنبياء : ( 52 ) إذ قال لأبيه . . . . .
) إذ قال لأبيه وقومه ( متعلق ب ) آتينا ( أو ب ) رشده ( أو بمحذوف أي أذكر من أوقات رشده وقت قوله ) ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ( تحقير لشأنها وتوبيخ على إجلالها فإن التمثال صورة لا روح فيها لا يضر ولا ينفع واللام للاختصاص لا للتعدية فإن تعدية العكوف بعلى والمعنى أنتم فاعلون العكوف لها ويجوز أن يؤول بعلى أو يضمن العكوف معنى العبادة
الأنبياء : ( 53 ) قالوا وجدنا آباءنا . . . . .
) قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين ( فقلدناهم وهو جواب عما لزم الاستفهام من السؤال عما اقتضى عبادتها وحملهم عليها
الأنبياء : ( 54 ) قال لقد كنتم . . . . .
) قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين ( منخرطين في سلك ضلال لا يخفى على عاقل لعدم استناد الفريقين إلى دليل والتقليد إن جاز فإنما يجوز لمن علم في الجملة أنه على حق(4/97)
" صفحة رقم 98 "
الأنبياء : ( 55 ) قالوا أجئتنا بالحق . . . . .
) قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين ( كأنهم لاستبعادهم تضليله إياهم ظنوا أن ما قاله على وجه الملاعبة فقالوا أبجد تقوله أم تلعب به
الأنبياء : ( 56 ) قال بل ربكم . . . . .
) قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن ( إضراب عن كونه لاعبا بإقامة البرهان على ما ادعاه وهن للسموات والأرض أو للتماثيل وهو أدخل في تضليلهم وإلزام الحجة عليهم ) وأنا على ذلكم ( أي المذكور من التوحيد ) من الشاهدين ( من المتحققين له والمبرهنين عليه فإن الشاهد من تحقق الشيء وحققه
الأنبياء : ( 57 ) وتالله لأكيدن أصنامكم . . . . .
) وتالله ( وقرئ بالباء وهي الأصل والتاء بدل من الواو المبدلة منها وفيها تعجب ) لأكيدن أصنامكم ( لأجتهدن في كسرها ولفظ الكيد وما في التاء من التعجب لصعوبة الأمر وتوقفه على نوع من الحيل ) بعد أن تولوا ( عنها ) مدبرين ( إلى عيدكم ولعله قال ذلك سرا
الأنبياء : ( 58 ) فجعلهم جذاذا إلا . . . . .
) فجعلهم جذاذا ( قطاعا فعال بمعنى مفعول كالحطام من الجذ وهو القطع وقرأ الكسائي بالكسر وهو لغة أو جمع جذيذ كخفاف وخفيف وقرئ بالفتح و / جذذا / جمع جذيذ وجذذا جمع جذة ) إلا كبيرا لهم ( للأصنام كسر غيره واستبقاه وجعل الفأس على عنقه ) لعلهم إليه يرجعون ( لأنه غلب على ظنه أنهم لا يرجعون إلا إليه لتفرده واشتهاره بعداوة آلهتهم فيحاجهم بقوله ) بل فعله كبيرهم ( فيحجهم أو أنهم يرجعون إلى الكبير فيسألونه عن كاسرها إذ من شأن المعبود أن يرجع إليه في حل العقد فيبكتهم بذلك أو إلى الله أي ) يرجعون ( إلى توحيده عند تحققهم عجز آلهتهم
الأنبياء : ( 59 ) قالوا من فعل . . . . .
) قالوا ( حين رجعوا ) من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين ( بجرأته على الآلهة الحقيقة بالإعظام أو بإفراطه في حطمها أو بتوريط نفسه للهلاك(4/98)
" صفحة رقم 99 "
الأنبياء : ( 60 ) قالوا سمعنا فتى . . . . .
) قالوا سمعنا فتى يذكرهم ( يعيبهم فلعله فعله ويذكر ثاني مفعولي سمع أو صفة ل فتى مصححة لأن يتعلق به السمع وهو أبلغ في نسبة الذكر إليه ) يقال له إبراهيم ( خبر محذوف أي هو إبراهيم ويجوز أن يرفع بالفعل لأن المراد به الأسم
الأنبياء : ( 61 ) قالوا فأتوا به . . . . .
) قالوا فأتوا به على أعين الناس ( بمرأى منهم بحيث تتمكن صورته في أعينهم تتمكن الراكب على المركوب ) لعلهم يشهدون ( بفعله أو قوله أو يحضرون عقوبتنا له
الأنبياء : ( 62 ) قالوا أأنت فعلت . . . . .
) قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ( حين أحضروه
الأنبياء : ( 63 ) قال بل فعله . . . . .
) قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون ( أسند الفعل إليه تجوزا لأن غيظه لما رأى من زيادة تعظيمهم له تسبب لمباشرته إياه أو تقريرا لنفسه مع الإستهزاء والتبكيت على أسلوب تعريضي كما لو قال لك من لا يحسن الخط فيما كتبته بخط رشيق أأنت كتبت هذا فقلت بل كتبته أنت أو حكاية لما يلزم من مذهبهم جوازه وقيل إنه في المعنى متعلق بقوله ) إن كانوا ينطقون ( وما بينهما اعتراض أو ضمير ) فتى ( أو ) إبراهيم ( وقوله ) كبيرهم هذا ( مبتدأ وخبر ولذلك وقف على فعله وما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال لإبراهيم ثلاث كذبات تسمية للمعاريض كذبا لما شابهت صورتها صورته
الأنبياء : ( 64 ) فرجعوا إلى أنفسهم . . . . .
) فرجعوا إلى أنفسهم ( وراجعوا عقولهم ) فقالوا ( فقال بعضهم لبعض ) إنكم أنتم الظالمون ((4/99)
" صفحة رقم 100 "
بهذا السؤال أو بعبادة من لا ينطق ولا يضر ولا ينفع لا من ظلمتموه بقولكم ) إنه لمن الظالمين )
الأنبياء : ( 65 ) ثم نكسوا على . . . . .
) ثم نكسوا على رؤوسهم ( انقلبوا إلى المجادلة بعدما استقاموا بالمراجعة شبه عودهم إلى الباطل بصيرورة أسفل الشيء مستعليا على أعلاه وقرىء نكسوا بالتشديد و ) نكسوا ( أي نكسوا أنفسهم ) لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ( فكيف تأمرنا بسؤالها وهو على إرادة القول
الأنبياء : ( 66 ) قال أفتعبدون من . . . . .
) قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم ( إنكار لعبادتهم لها بعد اعترافهم بأنها جمادات لا تنفع ولا تضر فإنه ينافي الألوهية
الأنبياء : ( 67 ) أف لكم ولما . . . . .
) أف لكم ولما تعبدون من دون الله ( تضجر منه على إصرارهم بالباطل البين و ) أف ( صوت المتضجر ومعناه قبحا ونتنا واللام لبيان المتأفف له ) أفلا تعقلون ( قبح صنيعكم
الأنبياء : ( 68 ) قالوا حرقوه وانصروا . . . . .
) قالوا ( أخذا في المضارة لما عجزوا عن المحاجة ) حرقوه ( فإن النار أوهل ما يعاقب به ) وانصروا آلهتكم ( بالإنتقام لها ) إن كنتم فاعلين ( إن كنتم ناصرين لها نصرا مؤزرا والقائل فيهم رجل من أكراد فارس اسمه هيون خسف به الأرض خسف به الأرض وقيل نمروذ
الأنبياء : ( 69 ) قلنا يا نار . . . . .
) قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ( ذات برد وسلام أي ابردي بردا غير ضار وفيه مبالغات جعل النار المسخرة لقدرته مأمورة مطيعة وإقامة ) كوني ( ذات برد مقام أبردي ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وقيل نصب ) سلاما ( بفعله أي وسلمنا سلاما روى أنهم بنوا حظير بكوثي وجمعوا فيها نارا عظيمة ثم وضعوه في المنجنيق مغلولا فرموا به فيها فقال له جبريل هل لك حاجة فقال أما إليك فلا فقال فسل ربك فقال حسبي من سؤالي علمه بحالي فجعل الله تعالى ببركة قوله الحظيرة روضة ولم يحترق منه إلا وثاقة فاطلع عليه نمروذ من الصرح فقال إني مقرب إلى إلهك(4/100)
" صفحة رقم 101 "
فذبح أربعة آلاف بقرة وكف عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام وكان إذ ذاك ابن ست عشرة سنة وانقلاب النار هواء طيبا ليس ببدع غير أنه هكذا على خلاف المعتاد فهو إذن من المعتاد فهو إذن من معجزاته وقيل كانت النار بحالها لكنه سبحانه وتعالى دفع عنه أذاها كما ترى في السمندل ويشعر به قوله على إبراهيم
الأنبياء : ( 70 ) وأرادوا به كيدا . . . . .
) وأرادوا به كيدا ( مكرا في إضراره ) فجعلناهم الأخسرين ( أخسر من كل خاسر لما عاد سعيهم برهانا قاطعا على أنهم على الباطل وإبراهيم على الحق وموجبا لمزيد درجته واستحقاقهم أشد العذاب
الأنبياء : ( 71 ) ونجيناه ولوطا إلى . . . . .
) ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ( أي من العراق إلى الشام وبركاته العامة أن أكثر الأنبياء بعثوا فيه فانتشرت في العالمين شرائعهم التي هي مبادي الكمالات والخيرات الدينية والدنيوية وقيل كثرة النعم والخصب الغالب روي أنه عليه الصلاة والسلام نزل بفلسطين ولوط عليه الصلاة والسلام بالمؤتفكة وبينهما مسيرة يوم وليلة
الأنبياء : ( 72 ) ووهبنا له إسحاق . . . . .
) ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة ( عطية فهي حال منهما أو ولد ولد أو زيادة على ما سأل وهو إسحاق فتختص بيعقوب ولا بأس به للقرينة ) وكلا ( يعني الأربعة ) جعلنا صالحين ( بأن وفقناهم للصلاح وحملناهم عليه فصاروا كاملين
الأنبياء : ( 73 ) وجعلناهم أئمة يهدون . . . . .
) وجعلناهم أئمة ( يقتدى بهم ) يهدون ( الناس إلى الحق ) بأمرنا ( لهم بذلك وإرسالنا إياهم حتى صاروا مكملين ) وأوحينا إليهم فعل الخيرات ( ليحثوهم عليها فيتم كمالها بانضمام العمل إلى العلم وأصله أن تفعل الخيرات ثم فعلا الخيرات ثم ) فعل الخيرات ( وكذلك قوله ) وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ( وهو من عطف الخاص على العام للتفضيل وحذفت تاء الإقامة المعوضة من إحدى الألفين لقيام المضاف إليه مقامها ) وكانوا لنا عابدين ( موحدين مخلصين في العبادة ولذلك قدم الصلة
الأنبياء : ( 74 ) ولوطا آتيناه حكما . . . . .
) ولوطا آتيناه حكما ( حكمة أو نبوة أو فصلا بين الخصوم ) وعلما ( بما ينبغي علمه للأنبياء ) ونجيناه من القرية ( قرية سدوم ) التي كانت تعمل الخبائث ( يعني اللواطة وصفها بصفة أهلها أو أسندها إليها على حذف المضاف وإقامتها مقامه ويدل عليه ) إنهم كانوا قوم سوء فاسقين ( فإنه كالتعليل له(4/101)
" صفحة رقم 102 "
الأنبياء : ( 75 ) وأدخلناه في رحمتنا . . . . .
) وأدخلناه في رحمتنا ( في أهل رحمتنا أو جنتنا ) إنه من الصالحين ( الذين سبقت لهم منا الحسنى
الأنبياء : ( 76 ) ونوحا إذ نادى . . . . .
) ونوحا إذ نادى ( إذ دعا الله سبحانه على قومه بالهلاك ) من قبل ( من قبل المذكورين ) فاستجبنا له ( دعاءه ) فنجيناه وأهله من الكرب العظيم ( من الطوفان أو أذى قومه والكرب الغم الشديد
الأنبياء : ( 77 ) ونصرناه من القوم . . . . .
) ونصرناه ( مطاوع انتصر أي جعلناه منتصرا ) من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين ( لاجتماع الأمرين تكذيب الحق والانهماك في الشر ولعلهما لم يجتمعا في قوم إلا وأهلكهم الله تعالى
الأنبياء : ( 78 ) وداود وسليمان إذ . . . . .
) وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث ( في الزرع وقيل في كرم تدلت عناقيده ) إذ نفشت فيه غنم القوم ( رعته ليلا ) وكنا لحكمهم شاهدين ( لحكم الحاكمين والمتحاكمين إليهما عالمين
الأنبياء : ( 79 ) ففهمناها سليمان وكلا . . . . .
) ففهمناها سليمان ( الضمير للحكومة أو للفتوى وقرئ فأفهمناها روي أن داود حكم بالغنم لصاحب الحرث فقال سليمان وهو ابن إحدى عشرة سنة غير هذا أرفق بهما فأمر بدفع الغنم إلى أهل الحرث ينتفعون بألبانها وأولادها وأشعارها والحرث إلى أرباب الغنم يقومون عليه حتى يعود إلى ما كان ثم يترادان ولعلهما قالا اجتهادا والأول نظير قول أبي حنيفة في العبد الجاني والثاني مثل قول الشافعي بغرم الحيلولة في العبد المغصوب إذا أبق وحكمه في شرعنا عند الشافعي وجوب ضمان المتلف بالليل إذ المعتاد ضبط الدواب ليلا وهكذا قضى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما دخلت ناقة البراء حائطا وأفسدته فقال على أهل الأموال حفظها بالنهار وعلى أهل الماشية حفظهما بالليل وعند أبي حنيفة لا ضمان إلا أن يكون معها حافظ لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) جرح العجماء جبار ) وكلا آتينا حكما وعلما ( دليل على أن(4/102)
" صفحة رقم 103 "
خطأ المجتهد لا يقدح فيه وقيل على أن كل مجتهد مصيب وهو مخالف لمفهوم قوله تعالى ) ففهمناها ( ولولا النقل لاحتمل توافقهما على أن قوله ففهمناها لإظهار ما تفضل عليه في صغره ) وسخرنا مع داود الجبال يسبحن ( يقدسن الله معه إما بلسان الحال أو بصوت يتمثل له أو بخلق الله تعالى فيها الكلام وقيل يسرن معه من السباحة وهو حال أو استئناف لبيان وجه التسخير و ) مع ( متعلقة ب ) سخرنا ( أو ) يسبحن ( ) والطير ( عطف على ) الجبال ( أو مفعول معه وقرئ بالرفع على الابتداء أو العطف على الضمير على ضعف ) وكنا فاعلين ( لأمثاله فليس ببدع منا وإن كان عجبا عندكم
الأنبياء : ( 80 ) وعلمناه صنعة لبوس . . . . .
) وعلمناه صنعة لبوس ( عمل الدرع وهو في الأصل اللباس قال " البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بوسها " قيل كانت صفائح فحلقها وسردها ) لكم ( متعلق بعلم أو صفة للبوس ) لتحصنكم من بأسكم ( بدل منه بدل الاشتمال بإعادة الجار والضمير لداود عليه الصلاة والسلام أو للبوس وفي قراءة ابن عامر وحفص بالتاء للصنعة أو للبوس على تأويل الدرع وفي قراءة أبي بكر ورويس بالنون لله عز وجل ) فهل أنتم شاكرون ( ذلك أمر أخرجه في صورة الاستفهام للمبالغة والتقريع
الأنبياء : ( 81 ) ولسليمان الريح عاصفة . . . . .
) ولسليمان ( وسخرنا له ولعل اللام فيه دون الأول لأن الخارق فيه عائد إلى سليمان نافع له وفي الأول أمر يظهر في الجبال والطير مع داود وبالإضافة إليه ) الريح عاصفة ( شديدة الهبوب من حيث إنها تبعد بكرسيه في مدة يسيرة كما قال تعالى ) غدوها شهر ورواحها شهر ( وكانت رخاء في نفسها طيبة وقيل كانت رخاء تارة وعاصفة أخرى(4/103)
" صفحة رقم 104 "
حسب إرادته ) تجري بأمره ( بمشيئته حال ثانية أو بدل من الأولى أو حال من ضميرها ) إلى الأرض التي باركنا فيها ( إلى الشام رواحا بعد ما سارت به منه بكرة ) وكنا بكل شيء عالمين ( فنجريه على ما تقتضيه الحكمة
الأنبياء : ( 82 ) ومن الشياطين من . . . . .
) ومن الشياطين من يغوصون له ( في البحار ويخرجون نفائسها ) ومن ( عطف على ) الريح ( أو مبتدأ خبره ما قبله وهي نكرة موصوفة ) ويعملون عملا دون ذلك ( ويتجاوزون ذلك إلى أعمال أخر كبناء المدن والقصور واختراع الصنائع الغريبة كقوله تعالى ) يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل ( ) وكنا لهم حافظين ( أن يزيغوا عن أمره أو يفسدوا على ما هو مقتضى جبلتهم
الأنبياء : ( 83 ) وأيوب إذ نادى . . . . .
) وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر ( بأني مسني الضر وقرىء بالكسر على إضمار القول أو تضمين النداء معناه و ) الضر ( بالفتح شائع كل كل ضرر وبالضم خاص بما في النفس كمرض وهزال ) وأنت أرحم الراحمين ( وصف ربه بغاية الرحمة بعدما ذكر نفسه بما يوجبها واكتفى بذلك عن عرض المطلوب لطفا في السؤال وكان روميا من ولد عيص بن إسحاق استنبأه الله وكثر أهله وماله فابتلاه الله بهلاك أولاده بهدم بيت عليهم وذهاب أمواله والمرض في بدنه ثماني عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة أو سبعا وسبعة أشهر وسبع ساعات روي أن امرأته ماخير بنت ميشا بن يوسف أو رحمة بنت إفراثيم بن يوسف قالت له يوما لو دعوت الله فقال كم كانت مدة الرخاء فقالت ثمانين سنة فقال استحيي من الله أن ادعوه وما بلغت مدة بلائي مدة رخائي
الأنبياء : ( 84 ) فاستجبنا له فكشفنا . . . . .
) فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر ( بالشفاء من مرضه ) وآتيناه أهله ومثلهم معهم ( بأن ولد له ضعف ما كان أو أحيي ولده وولد له منهم نوافل ) رحمة من عندنا وذكرى للعابدين ( رحمة على أيوب وتذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كماصبر فيثابوا كما أثيب أو لرحمتنا للعابدين فإنا نذكرهم بالإحسان ولا ننساهم
الأنبياء : ( 85 ) وإسماعيل وإدريس وذا . . . . .
) وإسماعيل وإدريس وذا الكفل ( يعني إلياس وقيل يوشع وقيل زكريا سمي به لأنه كان ذا حظ من الله تعالى أو تكفل أمته أو له ضعف عمل أنبياء زمانه وثوابهم والكفل(4/104)
" صفحة رقم 105 "
يجيء بمعنى النصيب والكفالة والضعف ) كل ( كل هؤلاء ) من الصابرين ( على مشاق التكاليف وشدائد النوب
الأنبياء : ( 86 ) وأدخلناهم في رحمتنا . . . . .
) وأدخلناهم في رحمتنا ( يعني النبوة أو نعمة الآخرة ) إنهم من الصالحين ( الكاملين في الصلاح وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإن صلاحهم معصوم عن كدر الفساد
الأنبياء : ( 87 ) وذا النون إذ . . . . .
) وذا النون ( وصاحب الحوت يونس بن متى ) إذ ذهب مغاضبا ( لقومه لما برم بطول دعوتهم وشدة شكيمتهم وتمادي إصرارهم مهاجرا عنهم قبل أن يؤمر وقبل وعدهم بالعذاب فلم يأتهم لميعادهم بتوبتهم ولم يعرف الحال فظن أنه كذبهم وغضب من ذلك وهو من بناء المغالبة للمبالغة أو لأنه أغضبهم بالمهاجرة لخوفهم لحوق العذاب عندها وقرىء مغضبا ) فظن أن لن نقدر عليه ( لن نضيق عليه أو لن نقضي عليه بالعقوبة من القدر ويعضده أنه قرىء مثقلا أو لن نعمل فيه قدرتنا وقيل هو تمثيل لحاله بحال من ظن أن لن نقدر عليه في مراغمته قومه من غير انتظار لأمرنا أو خطرة شيطانية سبقت إلى وهمه فسميت ظنا للمبالغة وقرىء بالياء وقرأ يعقوب على البناء للمفعول وقرىء به مثقلا ) فنادى في الظلمات ( في الظلمة الشديدة المتكاثفة أو ظلمات بطن الحوت والبحر والليل ) أن لا إله إلا أنت ( بأنه لا إله إلا أنت ) سبحانك ( من أن يعجزك شيء ) إني كنت من الظالمين ( لنفسي بالمبادرة إلى المهاجرة وعن النبي عليه الصلاة والسلام ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له
الأنبياء : ( 88 ) فاستجبنا له ونجيناه . . . . .
) فاستجبنا له ونجيناه من الغم ( بأن قذفه الحوت إلى الساحل بعد أربع ساعات كان في بطنه وقيل ثلاثة أيام والغم غم الإلتقام وقيل غم الخطيئة ) وكذلك ننجي المؤمنين ( من غموم دعوا الله فيها بالإخلاص وفي الإمام نجي ولذلك أخفى الجماعة النون الثانية فإنها تخفى مع حروف الفم وقرأ ابن عامر وأبو بكر بتشديد الجيم على أن(4/105)
" صفحة رقم 106 "
أصله ) ننجي ( النون الثانية كما حذفت التاء الثانية في ) تظاهرون ( وهي وإن كانت فاء فحذفها أوقع من حذف حرف المضارعة التي لمعنى ولا يقدح فيه اختلاف حركتي النونين فإن الداعي إلى الحذف اجتماع المثلين مع تعذر الإدغام وامتناع الحذف في تتجافى لخوف اللبس وقيل هو ماض مجهول أسند إلى ضمير المصدر وسكن آخره تخفيفا ورد بأنه لا يسند إلى المصدر والمفعول مذكور والماضي لا يسكن آخره
الأنبياء : ( 89 ) وزكريا إذ نادى . . . . .
) وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا ( وحيدا بلا ولد يرثني ) وأنت خير الوارثين ( فإن لم ترزقني من يرثني فلا أبالي به
الأنبياء : ( 90 ) فاستجبنا له ووهبنا . . . . .
) فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه ( أي أصلحناها للولادة بعد عقرها أو ل ) زكريا ( بتحسين خلقها وكانت حردة ) إنهم ( يعني المتوالدين أو المذكورين من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ) كانوا يسارعون في الخيرات ( يبادرون إلى أبواب الخير ) ويدعوننا رغبا ورهبا ( ذوي رغب ورهب أو راغبين في الثواب راجين للإجابة أو في الطاعة وخائفين العقاب أو المعصية ) وكانوا لنا خاشعين ( مخبتين أو دائبين الوجل والمعنى أنهم نالوا من الله ما نالوا بهذه الخصال
الأنبياء : ( 91 ) والتي أحصنت فرجها . . . . .
) والتي أحصنت فرجها ( من الحلال والحرام يعني مريم ) فنفخنا فيها ( أي في عيسى عليه الصلاة والسلام فيها أي أحييناه في جوفها وقيل فعلنا النفخ فيها ) من روحنا ( من الروح الذي الذي هو بأمرنا وحده أو من جهة روحنا يعني جبريل عليه الصلاة والسلام ) وجعلناها وابنها ( أي قصتهما أو حالهما ولذلك وحد قوله ) آية للعالمين ( فإن من تأمل حالهما تحقق كمال قدرة الصانع تعالى
الأنبياء : ( 92 ) إن هذه أمتكم . . . . .
) إن هذه أمتكم ( أي إن ملة التوحيد والإسلام ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها فكونوا عليها ) أمة واحدة ( غير مختلفة فيما بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا مشاركة لغيرها في صحة الاتباع وقرئ ) أمتكم ( بالنصب على البدل ) أمة ( بالرفع على الخبر وقرئتا بالرفع عن أنهما خبران ) وأنا ربكم ( لا إله لكم غيري ) فاعبدون ((4/106)
" صفحة رقم 107 "
الأنبياء : ( 93 ) وتقطعوا أمرهم بينهم . . . . .
) وتقطعوا أمرهم بينهم ( صرفه إلى الغيبة التفاتا لينعى على الذين تفرقوا في الدين وجعلوا أمره قطعا موزعة بقبيح فعلهم إلى غيرهم ) كل ( من الفرق المتحزبة ) إلينا راجعون ( فنجازيهم
الأنبياء : ( 94 ) فمن يعمل من . . . . .
) فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن ( بالله ورسله ) فلا كفران ( فلا تضييع ) لسعيه ( استعير لمنع الثواب كما أستعير الشكر لإعطائه ونفي نفي الجنس للمبالغة ) وإنا له ( لسعيه ) كاتبون ( مثبتون في صحيفة عمله لا يضيع بوجه ما
الأنبياء : ( 95 ) وحرام على قرية . . . . .
) وحرام على قرية ( وممتنع على أهلها غير متصور منهم وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي وحرم بكسر الحاء وإسكان الراء وقرئ حرم ) أهلكناها ( حكمنا بإهلاكها أو وجدناها هالكة ) أنهم لا يرجعون ( رجوعهم إلى التوبة أو الحياة ولا صلة أو عدم رجوعهم للجزاء وهو مبتدأ خبره حرام أو فاعل له ساد مسد خبره أو دليل عليه وتقديره توبتهم أو حياتهم أو عدم بعثهم أو لأنهم ) لا يرجعون ( ولا ينيبون ) وحرام ( خبر محذوف أي وحرام عليها ذاك وهو المذكور في الآية المتقدمة ويؤيده القراءة بالكسر وقيل ) حرام ( عزم وموجب عليهم ) أنهم لا يرجعون )
الأنبياء : ( 96 ) حتى إذا فتحت . . . . .
) حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج ( متعلق ب ) حرام ( أو بمحذوف دل الكلام عليه أو ب ) لا يرجعون ( أي يستمر الإمتناع أو الهلاك أو عدم الرجوع إلى قيام الساعة وظهور أماراتها وهو فتح سد يأجوج ومأجوج وهي حتى التي يحكى الكلام بعدها والمحكي هي الجملة الشرطية وقرأ ابن عامر ويعقوب فتحت بالتشديد وهم يعني(4/107)
" صفحة رقم 108 "
يأجوج ومأجوج أو الناس كلهم ) من كل حدب ( نشز من الأرض وقرئ جدث وهو القبر ) ينسلون ( يسرعون من نسلان الذئب وقرئ بضم السين
الأنبياء : ( 97 ) واقترب الوعد الحق . . . . .
) واقترب الوعد الحق ( وهو القيامة ) فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ( جواب الشرط وإذا للمفاجأة تسد مسد الفاء الجزائية كقوله تعالى ) إذا هم يقنطون ( فإذا جاءت الفاء معها تظاهرتا على وصل الجزاء بالشرط فيتأكد والضمير للقصة أو مبهم يفسره الأبصار ) يا ويلنا ( مقدر بالقول واقع موقع الحال من الموصول ) قد كنا في غفلة من هذا ( لم نعلم أنه حق ) بل كنا ظالمين ( لأنفسنا بالإخلال بالنظر وعدم الاعتداد بالنذر
الأنبياء : ( 98 ) إنكم وما تعبدون . . . . .
) إنكم وما تعبدون من دون الله ( يحتمل الأوثان وإبليس وأعوانه لأنهم بطاعتهم لهم في حكم عبدتهم لما روي أنه عليه الصلاة والسلام لما تلا الآية على المشركين قال له ابن الزبعرى قد خصمتك ورب الكعبة أليس اليهود عبدوا عزيرا والنصارى عبدوا المسيح وبنو مليح عبدوا الملائكة فقال ( صلى الله عليه وسلم ) بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك فأنزل الله تعالى ) إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ( الآية وعلى هذا يعم الخطاب ويكون ) ما ( مؤولا ب ) من ( أو بما يعمه ويدل عليه ما روي أن ابن الزبعرى قال هذا شيء لآلهتنا خاصة أو لكل من عبد من دون الله فقال ( صلى الله عليه وسلم ) بل لكل من عبد من دون الله ويكون قوله ) إن الذين ( بيانا للتجوز أو للتخصيص فأخر عن الخطاب ) حصب جهنم ( ما(4/108)
" صفحة رقم 109 "
يرمي به إليها وتهيج به من حصبه يحصبه إذا رماه بالحصباء وقرئ بسكون الصاد وصفا بالمصدر ) أنتم لها واردون ( استئناف أو بدل من ) حصب جهنم ( واللام معوضة من على للاختصاص والدلالة على أن ورودهم لأجلها
الأنبياء : ( 99 ) لو كان هؤلاء . . . . .
) لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها ( لأن المؤاخذ بالعذاب لا يكون إلها ) وكل فيها خالدون ( لا خلاص لهم عنها
الأنبياء : ( 100 ) لهم فيها زفير . . . . .
) لهم فيها زفير ( أنين وتنفس شديد وهو من إضافة فعل البعض إلى الكل للتغلب إن أريد ) ما تعبدون ( الأصنام ) وهم فيها لا يسمعون ( من الهول وشدة العذاب وقيل ) لا يسمعون ( ما يسرهم
الأنبياء : ( 101 ) إن الذين سبقت . . . . .
) إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ( أي الخصلة الحسنى وهي السعادة أو التوفيق بالطاعة أو البشرى بالجنة ) أولئك عنها مبعدون ( لأنهم يرفعون إلى أعلى عليين(4/109)
" صفحة رقم 110 "
روي أن عليا كرم الله وجهه خطب وقرأ هذه الآية ثم قال أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وابن الجراح ثم أقيمت الصلاة فقام يجر رداءه ويقول
الأنبياء : ( 102 ) لا يسمعون حسيسها . . . . .
) لا يسمعون حسيسها ( وهو بدل من ) مبعدون ( أو حال من ضميره سيق للمبالغة في إبعادهم عنها والحسيس صوت يحس به ) وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون ( دائمون في غاية التنعم وتقديم الظرف للاختصاص والاهتمام به
الأنبياء : ( 103 ) لا يحزنهم الفزع . . . . .
) لا يحزنهم الفزع الأكبر ( النفخة الأخيرة لقوله تعالى ) ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض ( أو الانصراف إلى النار أو حين يطبق على النار أو يذبح الموت ) وتتلقاهم الملائكة ( تستقبلهم مهنئين لهم ) هذا يومكم ( يوم ثوابكم وهو مقدر بالقول ) الذي كنتم توعدون ( في الدنيا
الأنبياء : ( 104 ) يوم نطوي السماء . . . . .
) يوم نطوي السماء ( مقدر باذكر أو ظرف ل ) لا يحزنهم ( أو ) وتتلقاهم ( أو حال مقدرة من العائد المحذوف من ) توعدون ( والمراد بالطي ضد النشر أو المحو من قولك طوعني هذا الحديث وذلك لأنها نشرت مظلة لبني آدم فإذا انتقلوا قوضت عنهم وقرئ بالياء والبناء للمفعول ) كطي السجل للكتب ( طيا كطي الطومار لأجل الكتابة أو لما يكتب أو يكتب أو كتب فيه ويدل عليه قراءة حمزة والكسائي وحفص على الجمع أي للمعاني الكثيرة المكتوبة فيه وقيل ) السجل ( ملك يطوي كتب الأعمال إذا رفعت إليه أو كاتب كان لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقرئ ) السجل ( كالدلو و ) السجل ( كالعتل وهما لغتان فيه ) كما بدأنا أول خلق نعيده ( أي نعيد ما خلقناه مبتدأ إعادة مثل بدئنا إياه في كونهما إيجادا عن العدم أو جمعا بين الأجزاء المتبددة والمقصود بيان صحة الإعادة بالقياس على الإبداء لشمول الإمكان الذاتي المصحح للمقدورية وتناول القدرة القديمة لهما على السواء(4/110)
" صفحة رقم 111 "
وما كافة أو مصدرية وأول مفعول ل ) بدأنا ( أو لفعل يفسره ) نعيده ( أو موصولة والكاف متعلقة بمحذوف يفسره ) نعيده ( أي نعيد مثل الذي بدأنا وأول خلق ظرف ل ) بدأنا ( أو حال من ضمير الموصول المحذوف ) وعدا ( مقدر بفعله تأكيدا ل ) نعيده ( أو منتصب به لأنه عدة بالإعادة ) علينا ( أي علينا إنجازه ) إنا كنا فاعلين ( ذلك لا محالة
الأنبياء : ( 105 ) ولقد كتبنا في . . . . .
) ولقد كتبنا في الزبور ( في كتاب داود عليه السلام ) من بعد الذكر ( أي التوراة وقيل المراد ب ) الزبور ( جنس الكتب المنزل وب ) الذكر ( اللوح المحفوظ ) إن الأرض ( أي أرض الجنة أو الأرض المقدسة ) يرثها عبادي الصالحون ( يعني عامة المؤمنين أو الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها أو أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم )
الأنبياء : ( 106 ) إن في هذا . . . . .
) إن في هذا ( أي فيما ذكر من الأخبار والمواعظ والمواعيد ) لبلاغا ( لكفاية أو لسبب بلوغ إلى البغية ) لقوم عابدين ( همهم العبادة دون العادة
الأنبياء : ( 107 ) وما أرسلناك إلا . . . . .
) وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ( لأن ما بعثت به سبب لإسعادهم وموجب لصلاح معاشهم ومعادهم وقيل كونه رحمة للكفار أمنهم به من الخسف والمسخ وعذاب الاستئصال
الأنبياء : ( 108 ) قل إنما يوحى . . . . .
) قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ( أي ما يوحى إلي إلا أنه لا إله لكم إلا إله واحد وذلك لأن المقصود الأصلي من بعثته مقصور على التوحيد فالأولى لقصر الحكم على الشيء والثانية على العكس ) فهل أنتم مسلمون ( مخلصون العبادة لله تعالى على مقتضى الوحي المصدق بالحجة وقد عرفت أن التوحيد مما يصح إثباته بالسمع
الأنبياء : ( 109 ) فإن تولوا فقل . . . . .
) فإن تولوا ( عن التوحيد ) فقل آذنتكم ( أي أعلمتكم ما أمرت به أو حربي لكم ) على سواء ( مستوين في الإعلام به أو مستوين أنا وأنتم في العلم بما أعلمتكم به أو في(4/111)
" صفحة رقم 112 "
المعاداة أو إيدانا على سواء وقيل أعلمتكم أني على ) سواء ( أي عدل واستقامة رأي بالبرهان النير ) وإن أدري ( وما أدري ) أقريب أم بعيد ما توعدون ( من غلبة المسلمين أو الحشر لكنه كائن لا محالة
الأنبياء : ( 110 ) إنه يعلم الجهر . . . . .
) إنه يعلم الجهر من القول ( ما تجاهرون به من الطعن في الإسلام ) ويعلم ما تكتمون ( من الإحن والأحقاد للمسلمين فيجازيكم عليه
الأنبياء : ( 111 ) وإن أدري لعله . . . . .
) وإن أدري لعله فتنة لكم ( وما أدري لعل تأخير جزائكم استدراج لكم وزيادة في افتتانكم أو امتحان لينظر كيف تعملون ) ومتاع إلى حين ( وتمتيع إلى أجل مقدر تقتضيه مشيئته
الأنبياء : ( 112 ) قال رب احكم . . . . .
) قال رب احكم بالحق ( اقض بيننا وبين أهل مكة بالعدل المقتضى لاستعجال العذاب والتشديد عليهم وقرأ حفص / قال / على حكاية قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقرئ رب بالضم وربي احكم على بناء التفضيل و ) احكم ( من الأحكام ) وربنا الرحمن ( كثير الرحمة على خلقه ) المستعان ( المطلوب منه المعونة ) على ما تصفون ( من الحال بأن الشوكة تكون لهم وأن راية الإسلام تخفق أياما ثم تسكن وأن الموعد به لو كان حقا لنزل بهم فأجاب الله تعالى دعوة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) فخيب أمانيهم ونصر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) عليهم وقرئ بالياء وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ اقترب حاسبه الله حسابا يسيرا وصافحه وسلم عليه كل نبي ذكر اسمه في القرآن والله تعالى أعلم(4/112)
" صفحة رقم 113 "
سورة الحج
مكية إ لا ست آيات من هذان خصمان إلى صراط الحميد وآيها ثمان وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحج : ( 1 ) يا أيها الناس . . . . .
) يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة ( تحريكها للأشياء على الإسناد المجازي أو تحريك الأشياء فيها فاضيفت إليها إضافة معنوية بتقدير في أو إضافة المصدر إلى الظرف على إجرائه مجرى المفعول به وقيل هي زلزلة تكون قبيل طلوع الشمس من مغربها وإضافتها إلى الساعة لأنها من أشراطها ) شيء عظيم ( هائل علل أمرهم بالتقوى بفظاعة الساعة ليتصوروها بعقولهم ويعلموا أنه لا يؤمنهم منها سوى التدرع بلباس التقوى فيبقوا على أنفسهم ويتقوها بملازمة التقوى
الحج : ( 2 ) يوم ترونها تذهل . . . . .
) يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت ( تصوير لهولها والضمير لل ) زلزلة ( و ) يوم ( منصوب ب ) تذهل ( وقرئ ) تذهل ( و ) تذهل ( مجهولا ومعروفا أي تذهلها الزلزلة والذهول الذهاب عن الأمر بدهشة والمقصود الدلالة على أن هولها بحيث إذا دهشت التي ألقمت الرضيع ثديها نزعته من فيه وذهلت عنه و ) ما ( موصولة أو مصدرية ) وتضع كل ذات حمل حملها ( جنينها ) وترى الناس سكارى ( كأنهم سكارى ) وما هم بسكارى ( على الحقيقة ) ولكن عذاب الله شديد ( فأرهقهم هوله بحيث طير عقولهم وأذهب تمييزهم وقرئ ) ترى ( من أريتك قائما أو رؤيت قائما بنصب الناس ورفعه على أنه نائب مناب الفاعل وتأنيثه على تأويل الجماعة وإفراده بعد جمعه لأن الزلزلة يراها الجميع وأثر السكر إنما يراه كل أحد على غيره وقرأ حمزة والكسائي سكرى كعطشى إجراء للسكر مجرى العلل
الحج : ( 3 ) ومن الناس من . . . . .
) ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ( نزلت في النضر بن الحارث وكان جدلا(4/113)
" صفحة رقم 114 "
يقول الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين ولا بعث بعد الموت هي تعمه وأضرابه ) ويتبع ( في المجادلة أو في عامة أحواله ) كل شيطان مريد ( متجرد للفساد وأصله العري
الحج : ( 4 ) كتب عليه أنه . . . . .
) كتب عليه ( على الشيطان ) أنه من تولاه ( تبعه والضمير للشأن ) فأنه يضله ( خبر لمن أو جواب له والمعنى كتب عليه إضلال من يتولاه لأنه جبل عليه وقرئ بالفتح على تقدير فشأنه أنه يضله لا على العطف فإنه يكون بعد تمام الكلام وقرئ بالكسر في الموضعين على حكاية المكتوب أو إضمار القول أو تضمين الكتب معناه ) ويهديه إلى عذاب السعير ( بالحمل على ما يؤدي إليه
الحج : ( 5 ) يا أيها الناس . . . . .
) يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث ( من إمكانه وكونه مقدورا وقرئ ) من البعث ( بالتحريك كالجلب ) فإنا خلقناكم ( أي فانظروا في بدء خلقكم فإنه يزيح ريبكم فإنا خلقناكم ) من تراب ( بخلق آدم منه أو الأغذية التي يتكون منها المني ) ثم من نطفة ( مني من النطف وهو الصب ) ثم من علقة ( قطعة من الدم جامدة ) ثم من مضغة ( قطعة من اللحم وهي في الأصل قدر ما يمضغ ) مخلقة وغير مخلقة ( مسواة لا نقص فيها ولا عيب وغير مسواة أو تامة وساقطة أو مصورة وغير مصورة ) لنبين لكم ( بهذا التدريج قدرتنا وحكمتنا وأن ما قبل التغير والفساد والتكون مرة قبلها أخرى وأن من قدر على تغييره وتصويره أولا قدر على ذلك ثانيا وحذف المفعول إيماء إلى أن أفعاله هذه يتبين بها من قدرته وحكمته ما لا يحيط به الذكر ) ونقر في الأرحام ما نشاء ( أن نقره ) إلى أجل مسمى ( هو وقت الوضع وأدناه بعد ستة أشهر وأقصاه أربع سنين وقرئ ونقره بالنصب وكذا قوله ) ثم نخرجكم طفلا ( عطفا على نبين كأن خلقهم مدرجا لغرضين تبيين القدرة وتقريرهم في الأرحام حتى يولدوا وينشؤوا ويبلغوا حد التكليف وقرئا بالياء رفعا ونصبا ويقر بالياء ) ونقر ( من قررت الماء إذا صببته و ) طفلا ( حال أجريت على تأويل كل واحد أو للدلالة على الجنس أو لأنه في الأصل مصدر ) ثم لتبلغوا أشدكم ( كمالكم في القوة والعقل جمع شدة كالأنعم جمع نعمة كأنها شدة في الأمور ) ومنكم من يتوفى ( عند بلوغ الأشد أو قبله وقرئ ) يتوفى ( أو يتوفاه الله تعالى ) ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ( وهو الهرم والخوف وقرئ بسكون الميم ) لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ((4/114)
" صفحة رقم 115 "
ليعود كهيئته الأولى في أوان الطفولية من سخافة العقل وقلة الفهم فينسى ما عمله وينكر ما عرفه والآية استدلال ثان على إمكان البعث بما يعتري الإنسان في أسنانه من الأمور المختلفة والأحوال المتضادة فإن من قدر على ذلك قدر على نظائره ) وترى الأرض هامدة ( ميتة يابسة من همدت النار إذا صارت رمادا ) فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت ( تحركت بالنبات ) وربت ( وانتفخت وقرئ وربات أي ارتفعت ) وأنبتت من كل زوج ( من كل صنف ) بهيج ( حسن رائق وهذه دلالة ثالثة كررها الله تعالى في كتابه لظهورها وكونها مشاهدة
الحج : ( 6 ) ذلك بأن الله . . . . .
) ذلك ( إشارة إلى ما ذكر من خلق الإنسان في أطوار مختلفة وتحويله على أحوال متضادة وإحياء الأرض بعد موتها وهو مبتدأ خبره ) بأن الله هو الحق ( أي بسبب انه الثابت في نفسه الذي به تتحقق الأشياء ) وأنه يحيي الموتى ( وأنه يقدر على إحيائها وإلا لما أحيا النطفة والأرض الميتة ) وأنه على كل شيء قدير ( لأن قدرته لذاته الذي نسبته غلى الكل على سواء فلما دلت المشاهدة على قدرته على إحياء بعض الأموات لزم اقتداره على إحياء كلها
الحج : ( 7 ) وأن الساعة آتية . . . . .
) وأن الساعة آتية لا ريب فيها ( فإن التغيير من مقدمات الانصرام وطلائعه ) وأن الله يبعث من في القبور ( بمقتضى وعده الذي لا يقبل الخلف(4/115)
" صفحة رقم 116 "
الحج : ( 8 ) ومن الناس من . . . . .
) ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ( تكرير للتأكيد ولم نيط به من الدلالة بقوله ) ولا هدى ولا كتاب منير ( على أنه لا سند له عن استدلال أو وحي أو الأول في المقلدين وهذا في المقلدين والمراد بالعلم العلم الفطري ليصبح عطف ال ) هدى ( وال ) كتاب ( عليه
الحج : ( 9 ) ثاني عطفه ليضل . . . . .
) ثاني عطفه ( متكبرا وثنى العطف كناية عن التكبر كلي الجيد أو معرضا عن الحق استخفافا به وقرئ بفتح العين أي مانع تعطفه ) ليضل عن سبيل الله ( علة للجدال وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس بفتح الياء على أن إعراضه عن الهدى المتمكن منه بالإقبال على الجدال الباطل خروج من الهدى إلى الضلال وأنه من حيث مؤداه كالغرض له ) له في الدنيا خزي ( وهو ما أصابه يوم بدر ) ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ( المحروق وهو النار
الحج : ( 10 ) ذلك بما قدمت . . . . .
) ذلك بما قدمت يداك ( على الالتفات أو إرادة القول أي يقال له يوم القيامة ذلك الخزي والتعذيب بسبب ما اقترفته من الكفر والمعاصي ) وأن الله ليس بظلام للعبيد ( وإنما هو مجاز لهم على أعمالهم والمبالغة لكثرة العبيد
الحج : ( 11 ) ومن الناس من . . . . .
) ومن الناس من يعبد الله على حرف ( على طرف من الدين لا ثبات له فيه كالذي يكون على طرف الجيش فإن أحس بظفر قر وإلا فر ) فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه ( روي أنها نزلت في أعاريب قدموا المدينة فكان أحدهم إذا صح بدنه ونتجت فرسه مهرا سريا وولدت امرأته غلاما سويا وكثر ماله وماشيته قال ما أصبت منذ دخلت في ديني هذا إلا خيرا واطمأن وإن كان الأمر بخلافه قال ما أصبت إلا شرا وانقلب وعن أبي سعيد أن يهوديا أسلم فأصابته مصائب فتشاءم بالإسلام فأتى(4/116)
" صفحة رقم 117 "
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أقلني فقال إن الإسلام لا يقال فنزلت ) خسر الدنيا والآخرة ( بذهاب عصمته وحبوط عمله بالارتداد وقرئ حاسرا بالنصب على الحال والرفع على الفاعلية ووضع الظاهر موضع الضمير تنصيصا على خسرانه أو على أنه خبر محذوف ) ذلك هو الخسران المبين ( إذ لا خسران مثله
الحج : ( 12 ) يدعو من دون . . . . .
) يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ( يعبد جمادا بنفسه ولا ينفع ) ذلك هو الضلال البعيد ( عن المقصد مستعار من ضلال من أبعد في التيه ضالا
الحج : ( 13 ) يدعو لمن ضره . . . . .
) يدعو لمن ضره ( بكونه معبودا لأنه يوجب القتل في الدنيا والعذاب في الآخرة ) أقرب من نفعه ( الذي يتوقع بعبادته وهو الشفاعة والتوسل بها إلى الله تعالى واللام معلقة ل ) يدعو ( من حيث إنه بمعنى يزعم والزعم قول مع اعتقاد أو داخلة على الجملة(4/117)
" صفحة رقم 118 "
الواقعة مقولا إجراء له مجرى قول أي يقول الكافر ذلك بدعاء وصراخ حين يرى استضراره به أو مستأنفة على أن يدعو تكرير للأول ومن مبتدأ خبره ) لبئس المولى ( الناصر ) ولبئس العشير ( الصاحب
الحج : ( 14 ) إن الله يدخل . . . . .
) إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد ( من إثابة الموحد الصالح وعقاب المشرك الطالح لا دافع له ولا نافع
الحج : ( 15 ) من كان يظن . . . . .
) من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة ( كلام فيه اختصار والمعنى أن الله ناصر رسوله في الدنيا والآخرة فمن كان يظن خلاف ذلك ويتوقعه من غيظه وقيل المراد بالنصر الرزق والضمير لمن ) فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع ( فليستقص في إزالة غيظه أو جزعه بأن يفعل كل ما يفعله الممتلئ غيظا أو المبالغ جزعا حتى يمد حبلا إلى سماء بيته فيختنق من قطع إذا اختنق فإن المختنق يقطع نفسه بحبس مجاريه وقيل فليمده حبلا إلى سماء الدنيا ثم ليقطع به المسافة حتى يبلغ عنانها فيجتهد في دفع نصره أو تحصيل رزقه وقرأ ورش وأبو عمرو وابن عامر ليقطع بكسر اللام 0 ) فلينظر ( فليتصور في نفسه ) هل يذهبن كيده ( فعله ذلك وسماه على الأول كيدا لأنه منتهى ما يقدر عليه ) ما يغيظ ((4/118)
" صفحة رقم 119 "
غيظه أو الذي يغيظ من نصر الله وقيل نزلت في قوم مسلمين استبطأوه نصر الله لاستعجالهم وشدة غيظهم على المشركين
الحج : ( 16 ) وكذلك أنزلناه آيات . . . . .
) وكذلك ( ومثل ذلك الإنزال أنزلنا القرآن كله ) آيات بينات ( واضحات ) وأن الله يهدي ( ولأن الله يهدي به أو يثبت على الهدى من يريد هدايته أو إثباته أنزله كذلك مبينا
الحج : ( 17 ) إن الذين آمنوا . . . . .
) إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة ( بحكومة بينهم وإظهار المحق منهم على المبطل أو الجزاء فيجازي كلا ما يليق به ويدخله المحل المعدل له وإنما أدخلت إن على كل واحد من طرفي الجملة لمزيد التأكيد ) إن الله على كل شيء شهيد ( عالم به مراقب لأحواله
الحج : ( 18 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض ( يستخر لقدرته ولا يتأتى عن تدبيره أو يدل بذلته على عظمته مدبره ومن يجوز أن يعم أولي العقل وغيرهم على التغليب فيكون قوله ) والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ( إفرادا لها بالذكر لشهرتها واستبعاد ذلك منها وقرىء ) والدواب ( بالتخفيف كراهة التضعيف أو الجمع بين السكنين ) وكثير من الناس ( عطف عليها إن جوز إ مال اللفظ الواحد فيكل واحد من مفهوميه وإسناده بعتبار أحدهما إلى أمر وباعتبار الآخر إلى آخر فإن تخصيص الكثير يدل على خصوص المعنى المسند إليهم أو مبتدأ خبره محذوف يدل عليه خبر قسيمة نحو حق له الثواب أو فاعل فعل مضمر أي ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة ) وكثير حق عليه العذاب ( بكفره وإبائه عن الطاعة ويجوز أن يجعل وكثيرا تكريرا للأول مبالغة في تكثير المحقوقين بالعذاب وأن يعطف به على الساجدين بالمعنى العام(4/119)
" صفحة رقم 120 "
موصوفا بما بعده وقرىء ) حق ( بالضم وحقا بإضمار فعله ) ومن يهن الله ( بالشقاوة ) فما له من مكرم ( يكرمه بالسعادة وقرىء بالفتح بمعنى الإكرام ) إن الله يفعل ما يشاء ( من الإكرام والإهانة
الحج : ( 19 ) هذان خصمان اختصموا . . . . .
) هذان خصمان ( أي فوجان مختصمان ولذلك قال ) اختصموا ( حملا على المعنى ولو عكس لجاز والمراد بهما المؤمنون والكافرون ) في ربهم ( في دينه أو في ذاته وصفاته وقيل تخاصمت اليهود والمؤمنون فقال اليهود نحن أحق بالله وأقدم منكم كتابا ونبيا قبل نبيكم وقال المؤمنون نحن أحق بالله آمنا بمحمد ونبيكم وبما أنزل الله من كتاب وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم كفرتم به حسدا فنزلت ) فالذين كفروا ( فصل لخصومتهم وهو المعنى بقوله تعالى ) إن الله يفصل بينهم يوم القيامة ( ) قطعت لهم ( قدرت لهم على مقادير جثهم وقرىء بالتخفيف ) ثياب من نار ( نيران تحيط بهم إحاطة الثياب ) يصب من فوق رؤوسهم الحميم ( حال من الضمير في ) لهم ( أو خبر ثان والحميم الماء الحار
الحج : ( 20 ) يصهر به ما . . . . .
) يصهر به ما في بطونهم والجلود ( أي يؤثر من فرط حرارته في بطونهم تأثيره في ظاهرهم فتذاب به أحشاؤهم كما تذاب به جلودهم والجملة حال من ) الحميم ( أو من ضميرهم وقرىء بالتشديد للتكثير(4/120)
" صفحة رقم 121 "
الحج : ( 21 ) ولهم مقامع من . . . . .
) ولهم مقامع من حديد ( سياط منه يجلدون بها وجمع مقمعة وحقيقتها ما يقمع به أي بكف بعنف
الحج : ( 22 ) كلما أرادوا أن . . . . .
) كلما أرادوا أن يخرجوا منها ( من النار ) من غم ( من عمومها بدل من الهاء بإعادة الجار ) أعيدوا فيها ( أي فخرجوا أعيدوا لأن الإعادة لا تكون إلا بعد الخروج وقيل يضربهم لهيب النار فيرفعهم إلى أعلاها فيضربون بالمقامع فيهرون فيها ) وذوقوا ( أي وقيل لهم ذوقوا ) عذاب الحريق ( أي النار البالغة في الإحراق
الحج : ( 23 ) إن الله يدخل . . . . .
) إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ( غير الأسلوب فيه وأسند الإدخال إلى الله تعالى وأكده بإن إحمادا لحال المؤمنين وتعظيما لشأنهم ) يحلون فيها ( من حليت المرأة إذا ألبستها الحلى وقرىء بالتخفيف والمعنى واحد ) من أساور ( صفة مفعول محذوف و ) أساور ( جمع أسورة وه جمع سوار ) من ذهب ( بيان له ) ولؤلؤا ( عطف عليها لا على ) ذهب ( لأنه لم يعهد السوار منه غلا يراد المرصعة به ونصبه نافع وعاصم عطفا على محلها أو إضمار الناصب مثل ويؤتون وروى حفص بهمزتين وترك أبو بكر والسوسي عن أبي عمرو الهمزة الأولى وقرىء لؤلؤا بقلب الصانية واوا ولوليا بقلبهما ولوين ثم قلب الثانية ياء و ليليا بقلبهما ياءين ولول كأدل و ) ولباسهم فيها حرير ( غير أسلوب الكلام فيه للدلالة على ان الحرير ثيابهم المعتادة أو للمحافظة عل هيئة الفواصل
الحج : ( 24 ) وهدوا إلى الطيب . . . . .
) وهدوا إلى الطيب من القول ( وهو قولهم ) الحمد لله الذي صدقنا وعده ( أو(4/121)
" صفحة رقم 122 "
كلمة التوحيد ) وهدوا إلى صراط الحميد ( المحمود نفسه أو عاقبته وهو الجنة أو الحق أو المستحق لذاته الحمد وهو الله سبحانه وتعالى وصراط الإسلام
الحج : ( 25 ) إن الذين كفروا . . . . .
) إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله ( لا يريد به حالا ولا استقبالا وإنما يريد به استمروا الصد منهم كقولهم فلان يعطي ويمنع ولذلك حسن عطفه على الماضي وقيل هو حال من فاعل ) كفروا ( وخبر ) إن ( محذوف دل عليه آخر الآية أي معذبون ) والمسجد الحرام ( عطف على إسم الله وأوله الخنفية بمكة واستشهدوا بقوله ) الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ( أي المقيم والطارىء على عدم جواز بيع دورها وإجارتها وهو مع ضعفه معارض بقوله تعالى ) الذين أخرجوا من ديارهم ( وشراء عمر رضي الله تعالى عنه دار السجن فيها من غير نكير و ) سواء ( خبر مقدم والجملة مفعول ل ثان ل ) جعلناه ( إن جعل ) للناس ( حالا من الهاء وإلا فحال من المستكن فيه وصبه حفص على أنه المفعول أو الحال و ) العاكف ( مرتفع به وقرىء ) العاكف ( بالجر على أنه بدل من الناس ) ومن يرد فيه ( مما ترك مفعوله ليتناول كل متناول وقرىء بالفتح من الورود ) بإلحاد ( عدول عن القصد ) بظلم ( بغير حق وهما حالان مترادفان أو الثاني بدل من الأول بإعادة الجار أو صلة له أي مجلدا بسبب الظلم كالإشراك واقتراف الآثام ) نذقه من عذاب أليم ( جواب ل ) من )
الحج : ( 26 ) وإذ بوأنا لإبراهيم . . . . .
) وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ( أي واذكر إذ عيناه وجعلنا له مباءة وقيل اللام زائدة ومكان ظرف أي وإذ أنزلناه فيه قيل رفع البيت إلى السماء وانطمس أيام الطوفان فأعلمه الله مكانه بريح أرسلها فكنست ما حوله فبناه على اسه القديم ) أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ( ) إن ( مفسرة ل ) بوأنا ( من حيث إنه(4/122)
" صفحة رقم 123 "
تضمن معنى تعبدنا لأن التبوئة من أجل العبادة أو مصدرية موصولة بالنهي أي فعلنا ذلك لئلا تشرك بعبادتي وطهر بيتي من الأوثان والأقدار لمن يطوف به ويصلي فيه ولعله عبر عن الصلاة بأركانها للدلالة على أن كل واحد منها مستقل بإقتضاء ذلك كيف وقد اجتمعت وقرىء ) يشرك ( بالياء وقرأ نافع وحفص وهشام ) بيتي ( بفتح الياء
الحج : ( 27 ) وأذن في الناس . . . . .
) وأذن في الناس ( ناد فيهم وقرىء وآذن ) بالحج ( بدعوة الحج والأمر به روي أنه عليه الصرة والسلام صعد أبا قبيس فقال يا أيها الناس حجوا بيت ربكم فأسمعه الله من أصلاب الرجال وأرحام النساء فيما بين المشرق والمغرب ممن سبق في علمه أن يحج وقيل الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمر بذلك في حجة الوداع ) يأتوك رجالا ( مشاة جمع راجل كقائم وقيام وقرىء بضم الراء مخفف الجيم ومثقلة ورجالي كعجالي ) وعلى كل ضامر ( أي وركبنا على كل بعير مهزول أتعب بعد السفر فهزله ) يأتين ( صفة ل ) ضامر ( محمولة على معناه وقرىء يأتون صفة للرجال والركبان أو استئناف فيكون الضمير ل ) الناس ( ) من كل فج ( طريق ) عميق ( بعيد وقرىء معيق يقال بئر بعيدة العمق والمع بمعنى
الحج : ( 28 ) ليشهدوا منافع لهم . . . . .
) ليشهدوا ( ليحضروا ) منافع لهم ( دينية ودنيوية وتنكيرها لأن المراد بها نوع من المنافع مخصوص بهذه العبادة ) ويذكروا اسم الله ( عند إعداد الهدايا والضحايا وذبحها وقيل كنى بالذكر عن النحر لأن ذبح المسلمين لا ينفك عنه تنبيها على أنه(4/123)
" صفحة رقم 124 "
المقصود مما يتقرب به إلى الله تعالى ) أيام معلومات ( هي عشر ذي الحجة وقيل أيام النحر ) على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ( علق الفعل بالمروزق وبينه بالبهيمة تحريضا على التقرب وتنبيها على مقتضى الذكر ) فكلوا منها ( من لحومها أمر بذلك إباحة وإزالة لما عليه أهل الجاهلية من التحرج فيه أو ندبا إلى مواساة الفقراء ومساواتهم وهذا في المتطوع به دون الواجب ) وأطعموا البائس ( الذي أصابه بؤس أي شدة ) الفقير ( المحتاج والمر فيه للوجوب وقد قيل به في الأول
الحج : ( 29 ) ثم ليقضوا تفثهم . . . . .
) ثم ليقضوا تفثهم ( ثم ليزيلوا وسخهم بقص الشارب والأظفار ونتف الإبط والإستحداد عند الحلال ) وليوفوا نذورهم ( ما ينذرون من البر في حجهم وقيل مواجب الحج وقرأ أبو بكر بفتح الواو وتشديد الفاء ) وليطوفوا ( طواف الركن الذين به تمام التحلل فإنه قرينة قضاء التفث وقيل طواف الوداع وقرأ ابن عامر وحده بكسر اللام فيهما ) بالبيت العتيق ( القديم لأنه أول بيت وضع للناس أو المعتق من تسلط الجبابرة فكم من جبار رسا إليه ليهدمه فمنعه الله تعالى وأما الحجاج فإنما قصد إخراج ابن الزبير منه دون التسلط عليه
الحج : ( 30 ) ذلك ومن يعظم . . . . .
) ذلك ( خبر محذوف أي المر ذلك وهو وأمثاله تطلق لفصل بين كلامين ) ومن يعظم حرمات الله ( أحكامه وسائر ما لا يحل هتكه أو الحرم وما يتعلق بالحج من التكاليف وقيل الكعبة والمسجد الحرام والبلد الحرام والشهر الحرام والمحرم ) فهو خير له ( فالتعظيم ) خير له ( ) عند ربه ( ثوابا ) وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم ( إلا المتلو عليكم تحريمه وهو ما حرم منها لعارض كالميتة وما أهل به لغير الله فلا تحرموا منها غير ما حرمه الله كالبحيرة والسائبة ) فاجتنبوا الرجس من الأوثان ( فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان كما تجتنب النجاس وهو غاية المبالغة في النهي عن تعظيمها والتنفير عن عبادتها ) واجتنبوا قول الزور ( تعميم بعد تخصيص فإن عبادة الأوثان راس الزور كأنه لما حث على تعظيم الحرمات أتبعه ذلك ردا لما كانت الكفرة عليه من تحريم البحائر والسوائب وتعظيم الأوثان والإفتراء على الله تعالى بأنه حكم بذلك وقيل شهادة الزور لم روي أنه عليه الصلاة والسلام قال عدلت شهادة الزور الإشراك بالله تعالى ثلاثا وتلا هذه الآية و والزور من الزور وهو الإنحراف كما أن الإفك من الإفك وهو(4/124)
" صفحة رقم 125 "
الصرف فإن الذب منحرف عن الواقع
الحج : ( 31 ) حنفاء لله غير . . . . .
) حنفاء لله ( مخلصين له ) غير مشركين به ( وهما حالان من الواو ) ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء ( لأنه سقط من أوج الإيمان إلى حضيض الكفر ) فتخطفه الطير ( فإن الهواء الرديئة توزع أفكاره وقرأ نافع وحده ) فتخطفه ( بفتح الخاء وتشديد الطاء ) أو تهوي به الريح في مكان سحيق ( بعيد فإن الشيطان قد طرح به في الضلالة وأو للتخيير كما قوله تعالى ) أو كصيب من السماء ( أو للتنويع فإن من المشركين من لا خلاص له أصلا ومنهم من يمكن خلاصه بالتوبة لكن على بعد ويجوز أن يكون من التشبيهات المركبة فيكون المعنى ومن يشرك بالله فقد هلكت نفسه هلاكا يشبه أحد الهلاكين
الحج : ( 32 ) ذلك ومن يعظم . . . . .
) ذلك ومن يعظم شعائر الله ( دين الله أو فرائض الحج ومواضع نسكه أو الهدايا لأنها من معالم الحج وهو أوفق لظاهر ما بعده وتعظيمها أن تختارها حسانا سمانا عالية الأثمان روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) أهدى مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفة برة من ذهب وأن عمر رضي الله تعالى عنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلثمائة دينار ) فإنها من تقوى القلوب ( فإن تعظيمها منه من أفعال ذوي تقوى القلوب فحذفت هذه المضافات والعائد إلى من وذكر القلوب لأنها منشأ التقوى والفجور أو الآمرة بهما(4/125)
" صفحة رقم 126 "
الحج : ( 33 ) لكم فيها منافع . . . . .
) لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق ( أي لكم فيها منافع درها ونسلها وصوفها وظهرها إلى أن تنحر ثم وقت نحرها منتهية إلى البيت أي ما يديه من الحرم و ) ثم ( تحتلم التراخي في الوقت والتراخي في الرتبة أي لكم فيها منافع دنيوية إلى وقت النحر وبعده منافع دينية أعظم منها وهو على الأولين إما متصل بحديث النعام والضمير فيه لها أو المراد على الأول لكم فيها منافع دينية تنتفعون بها إلى اجل مسمى هو الموت ثم محلها منتهية إلى البيت العتيق الذي ترفع غليه الأعمال أو يكون فيه ثوابها وهو البيت المعمور أو الجنة وعلى الثاني ) لكم فيها منافع ( التجارات في الأسواق إلى وقت المراجعة ثم وقت الخروج منه منتهية إلى الكعبة بالإحلال بطواف الزيارة
الحج : ( 34 ) ولكل أمة جعلنا . . . . .
) ولكل أمة ( ولك أهل دين ) جعلنا منسكا ( متعبدا أو قربانا يتقربون به إلى الله وقرأ حمزة والكسائي بالكسر أي موضع نسك ) ليذكروا اسم الله ( دون غيره ويجعلون نسيكتهم لوجهه علل الجعل به تنبيها على أن المقصود من المناسك تذكر المعبود ) على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ( عند ذبحها وفيه تنبيه على أن القربان يجب أن يكون نعما ) فإلهكم إله واحد فله أسلموا ( أخلصوا التقرب أو الذكر ولا تشوبوه بالإشراك ) وبشر المخبتين ( المتواضعين أو المخلصين فإن الإخبات صفتهم(4/126)
" صفحة رقم 127 "
الحج : ( 35 ) الذين إذا ذكر . . . . .
) الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ( هيبة منه لإشراق أشعة جلاله عليها ) والصابرين على ما أصابهم ( من الكلف والمصائب ) والمقيمي الصلاة ( في أوقاتها وقرىء والمقيمين الصلاة على الأصل ) ومما رزقناهم ينفقون ( في وجوه الخير
الحج : ( 36 ) والبدن جعلناها لكم . . . . .
) والبدن ( جمع بدنه كخشب وخشبة وأصله الضم وقد قرىء به وإنما سميت بها الإبل لعظم بدنها مأخوذة من بدن بدانة ولا يلزم من مشاركة البقرة لها في أجزائها عن سبعة بقوله عليه الصلاة السلام البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة تناول اسم البدنة لها شرعا بل الحديث يمنع ذلك وانتصابه بفعل يفسره ) جعلناها لكم ( ومن رفعه جعله مبتدأ ) من شعائر الله ( من أعلام دينه التي شرعها الله تعالى ) لكم فيها خير ( منافع دينية وذنيوية ) فاذكروا اسم الله عليها ( بأن تقولوا عند ذبحها الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر اللهم منك وإليك ) صواف ( قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن وقرىء صوافن من صفن الفرس إذا قام على ثلاث وعلى طرف حافر الرابعة لأن البدنة تعقل إحدى يديها فتقوم على ثلاث وقرىء صوافنا بإبدال التنوين منحرف الإطلاق عند الوقف وصوافي أي خوالص لوجه الله وصوافي بسكون الياء على لغة من يسكن الياء مطلقا كقولهم أعط القوس باريها ) فإذا وجبت جنوبها ( سقطت على الأرض وهو كناية عن الموت ) فكلوا منها وأطعموا القانع ( الراضي بما عنده وبما يعطى من غير مسألة ويؤيده(4/127)
" صفحة رقم 128 "
قراءة القنع أو السائل من قنعت غليه قنوعا إذا خضعت له في السؤال ) والمعتر ( والمعترض بالسؤال وقرىء والمعتري يقال عره وعرراه واعتراه واعتراه ) كذلك ( مثل ما وصفنا من نحرها قياما ) سخرناها لكم ( مع عظامها وقوتها حتى تأخذوها منقادة فتعقلوها وتحبسوها صافة قوائمها ث تطعنون في لباتها ) لعلكم تشكرون ( إنعامنا عليكم بالتقرب والإخلاص
الحج : ( 37 ) لن ينال الله . . . . .
) لن ينال الله ( لن يصيب رضاه ولني قع منه موقع القبول ) لحومها ( المتصدق بها ) ولا دماؤها ( المهراقة بالنحر من حيث إنها لحوم ودماء ) ولكن يناله التقوى منكم ( ولكن يصيبه ما يصحبه من تقوى قلوبكم التي تدعوكم إلى تعظيم أمره تعالى والتقريب إليه والإخلاص له وقيل كان أهل الجاهلية إذا ذبحوا القرابين لطخوا الكعبة بدمائها قربة إلى الله تعالى فهم به المسلمون فنزلت ) كذلك سخرها لكم ( كرره تذكيرا للنعمة وتعليلا له بقوله ) لتكبروا الله ( أي لتعرفوا عظمته باقتداره على ما لا يقدر عليه غيره فتوحدوه بالكبرياء وقيل هو التكبير عند الإحلال أو الذبح ) على ما هداكم ( أرشدكم إلى طريق تسخيرها وكيفية التقرب بها و ) ما ( تحتمل المصدرية والخيرية و ) على ( متعلقة ب ) لتكبروا ( لتضمنه معنى الشكر ) وبشر المحسنين ( المخلصين فيما يأتونه ويذرونه
الحج : ( 38 ) إن الله يدافع . . . . .
) إن الله يدافع عن الذين آمنوا ( غائلة المشركين وقرأ نافع وابن عامر والكوفيون يدافع أي يبالغ في الدفع مبالغة من يغالب فيه ) إن الله لا يحب كل خوان ( في أمانة الله ) كفور ( لنعمته كمن يتقرب إلى الأصنام بذبيحته فلا يرتضي علهم ولا ينصرهم
الحج : ( 39 ) أذن للذين يقاتلون . . . . .
) أذن ( رخص وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي على البناء للفاعل وهو الله ) للذين يقاتلون ( المشركين والمأذون فيه محذوف لدلالته عليه وقرأ نافع وابن عامر وحفص بفتح التاء أي الذين يقاتلهم المشركون ) بأنهم ظلموا ( بسبب أنهم ظلموا وهم(4/128)
" صفحة رقم 129 "
أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان المشركون يؤذونهم وكانوا يأتونه من بين مضروب ومشجوج يتظلمون إليه فيقول لهم اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر فأنزلت وهي أول آية نزلت في القتال بعدما نهي عنه في نيف وسبعين آية ) وإن الله على نصرهم لقدير ( وعد لهم بالنصر كما وعد بدفع أذى الكفار عنهم
الحج : ( 40 ) الذين أخرجوا من . . . . .
) الذين أخرجوا من ديارهم ( يعن مكة ) بغير حق ( بغير موجب استحقوه به ) إلا أن يقولوا ربنا الله ( على طريقة قول النابغة " ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب " وقيل منقطع ) ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ( بتسليط المؤمنين منهم على الكافرين ) لهدمت ( لخربت باستيلاء المشركين على أهل الملل وقرأ نافع دفاع وقرأ نافع وابن كثير ) لهدمت ( بالتخفيف ) صوامع ( صوامع الرهبانية ) وبيع ( بيع النصارى ) وصلوات ( كنائس اليهود سميت بها لأنها يصلى فيها وقيل أصلها صلوتا بالعبرانية فعربت ) ومساجد ( مساجد المسلمين ) يذكر فيها اسم الله كثيرا ( صفة للأربع أو لمساجد خصت بها تفضيلا ) ولينصرن الله من ينصره ( من ينصر دينه وقد أنجز وعده بأن سلط المهاجرين والأنصار على صناديد العرب وأكاشرة العجم وقياصرتهم وأورثهم أرضهم وديارهم ) إن الله لقوي ( على نصرهم ) عزيز ( لا يمانعه شيء
الحج : ( 41 ) الذين إن مكناهم . . . . .
) الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ( وصف للذين أخرجوا وهو ثناء قبل بلاء وفيه دليل على صحة أمر الخلفاء الراشدين إذ لم يستجمع ذلك غيرهم من المهاجرين وقيل بدل ممن ينصره ) ولله عاقبة الأمور ( فإن مرجعها إلى حكمه وفيه تأكيد لما وعده
الحج : ( 42 - 44 ) وإن يكذبوك فقد . . . . .
) وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين ((4/129)
" صفحة رقم 130 "
تسلية له ( صلى الله عليه وسلم ) بأن قومه إن كذبوه فهو ليس بأوحدي في التكذيب فإن هؤلاء قد كذبوا رسلهم قبل قومه ) وكذب موسى ( غير فيه النظم وبنى الفعل للمفعول لأن قومه بو إسرائيل ولم يكذبوه وإنما كذبه القبط ولأن تكذيبه كان أشنع وآياته كانت أعظم وأشنع ) فأمليت للكافرين ( فأمهلتهم حتى انصرمت آجالهم المقدرة ) ثم أخذتهم فكيف كان نكير ( أي إنكاري عليهم بتغيير النعمة محنة والحياة هلاكا والعمارة خرابا
الحج : ( 45 ) فكأين من قرية . . . . .
) فكأين من قرية أهلكناها ( بإهلاك أهلها وقرأ البصريان بغير لفظ التعظيم ) وهي ظالمة ( أي أهلها ) فهي خاوية على عروشها ( ساقطة حيطانها على سقوفها بأن تعطل بنيانها فخرت سقوفها ثم انهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف أو خالية مع بقاء عروشها وسلامتها فيكون الجار متعلقا ب ) خاوية ( ويجوز أن يكون خبر بعد خبر أي هي خالية وهي على عروشها أي مطلة عليها بأن سقطت وبقيت الحيطان مائلة مشرفة عليها والجملة معطوفة على ) أهلكناها ( لا على ) وهي ظالمة ( فإنها حال والإهلاك ليس حال خوائها فلا محل لها إن نصبت كأي بمقدر يفسره ) أهلكناها ( وإن رفعته بالابتداء فمحلها الرفع ) وبئر معطلة ( عطف على ) قرية ( أي وكم بئر عامرة في البوادي تركت لا يستقي منها لهلاك أهلها وقرئ بالتخفيف ممن أعطله بمعنى عطلة ) وقصر مشيد ( مرفوع أو مجصص أخليناه عن ساكنيه وذلك يقوي أن معنى ) خاوية على عروشها ( خالية مع بقاء عروشها وقيل المراد ب ) وبئر ( بئر في سفح جبل بحضرموت وبقصر قصر مشرف على قلته كان لقوم حنظلة بن صفوان من قوم صالح فلما قتلوه أهلكهم الله تعالى وعطلهما
الحج : ( 46 ) أفلم يسيروا في . . . . .
) أفلم يسيروا في الأرض ( حث لهم على أن يسافروا ليروا مصارع المهلكين فيعتبروا وهو وإن كانوا قد سافروا فلم يسافروا لذلك ) فتكون لهم قلوب يعقلون بها ( ما(4/130)
" صفحة رقم 131 "
يجب أن يعقل من التوحيد بما حصل لهم من الاستبصار والاستدلال ) أو آذان يسمعون بها ( ما يجب أن يسمع من الوحي والتذكير بحال من شاهدوا آثارهم ) فإنها ( الضمير للقصة أو مبهم يفسره الأبصار وفي ) تعمى ( راجع إليه والظاهر أقيم مقامه ) لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ( عن الاعتبار أي ليس الخلل في مشاعرهم وإنما أيفت عقولهم باتباع الهوى والانهماك في التقليد وذكر ) الصدور ( للتأكيد ونفي التجوز وفضل التنبيه على أن العمى الحقيقي ليس المتعارف الذي يخص البصر قيل لما نزل ) ومن كان في هذه أعمى ( قال ابن أم مكتوم يا رسول الله أنا في الدنيا أعمى أفأكون في الآخرة أعمى فنزلت ) فإنها لا تعمى الأبصار )
الحج : ( 47 ) ويستعجلونك بالعذاب ولن . . . . .
) ويستعجلونك بالعذاب ( المتوعد به ) ولن يخلف الله وعده ( لامتناع الخلف في خبره فيصيبهم ما أوعدهم به ولو بعد حين لكنه صبور لا يعجل بالعقوبة ) وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ( بيان لتناهي صبره وتأنيه حتى استقصر المدد الطوال أو لتمادي عذابه وطول أيامه حقيقية أو من حيث إن أيام الشدائد مستطالة وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء(4/131)
" صفحة رقم 132 "
الحج : ( 48 ) وكأين من قرية . . . . .
) وكأين من قرية ( وكم من أهل قرية فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه في الإعراب ورجع للضمائر والأحكام مبالغة في التعميم والتهويل وإنما عطف الأولى بالفاء وهذه الواو لأن الأولى بدل من قوله ) فكيف كان نكير ( وهذه في حكم ما تقدمها من الجملتين لبيان أن المتوعد به يحيق بهم لا محالة وأن تأخيره لعادته تعالى ) أمليت لها ( كما أمهلتكم ) وهي ظالمة ( مثلكم ) ثم أخذتها ( بالعذاب ) وإلي المصير ( وإلى حكمي مرجع الجميع
الحج : ( 49 ) قل يا أيها . . . . .
) قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين ( أوضح لكم ما أنذركم به والاقتصار على الإنذار مع عموم الخطاب وذكر الفريقين لأن صدر الكلام ومساقه للمشركين وإنما ذكر المؤمنين وثوابهم زيادة في غيظهم
الحج : ( 50 ) فالذين آمنوا وعملوا . . . . .
) فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ( لما بدر منهم ) ورزق كريم ( هي الجنة وال ) كريم ( من كل نوع ما يجمع فضائله
الحج : ( 51 ) والذين سعوا في . . . . .
) والذين سعوا في آياتنا ( بالرد والإبطال ) معاجزين ( مسابقين مشاقين للساعين فيها بالقبول والتحقيق عن عاجزه فأعجزه وعجزه إذا سابقه فسبقه لأ كلا من المتسابقين يطلب إعجاز الآخر عن اللحوق به وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ) معجزين ( على أنه حال مقدرة ) أولئك أصحاب الجحيم ( النار الموقدة وقيل اسم دركة(4/132)
" صفحة رقم 133 "
الحج : ( 52 ) وما أرسلنا من . . . . .
) وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ( الرسول من بعثه الله بشريعة مجددة يدعو الناس إليها والنبي بعمه ومن بعثه لتقرير شرع سابق كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهم السلام ولذلك شبه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) علماء أمته بهم فالنبي أعم من الرسول ويدل عليه أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن الأنبياء فقال مائة ألف وأربعة وعشرون الفا قيل فكم الرسل منهم قال ثلاثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا وقيل الرسول من جمع إلى المعجزة كتابا منزلا عليه والنبي غير الرسول من لا كتاب له وقيل الرسول من يأتيه الملك بالوحي والنبي يقال له ولمن يوحى غليه في المنام ) إلا إذا تمنى ( زور في نفسه ما يهواه ) ألقى الشيطان في أمنيته ( في تشهيه ما يوجب اشتغاله بالدنيا كما قال(4/133)
" صفحة رقم 134 "
عليه الصلاة والسلام وإنه ليغان على قلبي فاستغفر الله سبعين مرة ) فينسخ الله ما يلقي الشيطان ( فيبطله ويذهب به بعصمته عن الركون غليه والإرشاد إلى ما يزيحه ) ثم يحكم الله آياته ( ث يبت آياته الداعية إلى الإستغراق في أمر الآخرة ) والله عليم ( بأحوال الناس ) حكيم ( فيما يفعله بهم قيل حدث نفسه بزوال المسكنة فنزلت وقيل تمنى لحرصه على إيمان قومه أن ينزل عليه ما يقربهم غليه واستمر به ذلك حتى كان في ناديهم فنزلت عليه سورة والنجم فأخذ يقرؤها فلما بلغ ) ومناة الثالثة الأخرى ( وسوس غليه الشيطان حتى سبق لسانه سهوا إلى أن قال تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ففرح به المشركون حتى شايعوه بالسجود لما سجد في آخرها بحيث لم يبق في المسجد مؤمم ولا مشرك إلا سجد ث نبهه جبريل عليه السلام فأغتم لذلك فعزاه الله بهذه الآية وهو مردود عند المحققين وإن صح فابتلاء يتميز به الثابت على الإيمان عن المتزلزل فيه وقيل تمنى قرأ كقوله " تمنى كتاب الله أول ليله تمني داود الزبور على رسل " (4/134)
" صفحة رقم 135 "
وأمنيته قراءته وإلقاء الشيطان فيها أن تكلم بذلك رافعا صوته بحيث ظن السامعون أنه من قراءة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقد رد أيضا بأنه يخل بالوثوق على القرآن ولا يندفع بقوله ) فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ( لأنه أيضا يحتمله والآية تدل على جواز السهو على الأنبياء وتطرق الوسوسة إليهم
الحج : ( 53 ) ليجعل ما يلقي . . . . .
) ليجعل ما يلقي الشيطان ( علة لتمكين الشيطان منه وذلك يدل على أن المقى أمر ظاهر عرفه المحق والمبطل ) فتنة للذين في قلوبهم مرض ( شك ونفاق ) والقاسية قلوبهم ((4/135)
" صفحة رقم 136 "
المشركين ) إن الظالمين ( يعني الفريقين فوضع الظاهر موضع ضميرهم قضاء عليهم بالظلم ) لفي شقاق بعيد ( عن الحق أو عن الرسول والمؤمنين
الحج : ( 54 ) وليعلم الذين أوتوا . . . . .
) وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك ( أن القرآن هو الحق النازل من عند الله أو تمكين الشيطان من الإلقاء هو الحق الصادر من الله لأنه مما جرت به عادته في الإنس من لدن آدم ) فيؤمنوا به ( بالقرآن أو بالله ) فتخبت له قلوبهم ( بالإنقياد والخشية ) وإن الله لهاد الذين آمنوا ( فيما أشكل ) إلى صراط مستقيم ( هو نظر صحيح يوصلهم إلى ما هو الحق فيه
الحج : ( 55 ) ولا يزال الذين . . . . .
) ولا يزال الذين كفروا في مرية ( في شك ) منه ( من القرآن أو الرسول أو مما ألقى الشيطان في أمنيته يقولن ما باله ذكرها بخير ثم ارتد عنها ) حتى تأتيهم الساعة ( القيامة أو أشراطها أو الموت ) بغتة ( فجأة ) أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ( يقتلون فيه كيوم بدر سمي به لأن أولاد النساء يقتلون فيه فيصرن كالعقم أو لأن المقاتلين أبناء الحرب فإذا قتلوا صارت عقيما فوصف ايوم بوصفها اتساعا أو لأنه لا خير لهم فيه ومنه الريح القيم لما لم تنشيء مطرا ولم لقح شجرا أو لأنه لا مثل له لقتال الملائكة فيه أويوم القيامة على أن المراد بن ) الساعة ( غيره أو على وضعه موضع ضميرها للتهويل
الحج : ( 56 ) الملك يومئذ لله . . . . .
) الملك يومئذ لله ( التنوين فيه ينوب عن الجملة التي دلت عليها الغاية أي يوم تزول مريتهم ) يحكم بينهم ( بالمجازاة والضمير يعم المؤمنين والكافرين لتفصيله بقوله ) فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم ((4/136)
" صفحة رقم 137 "
الحج : ( 57 ) والذين كفروا وكذبوا . . . . .
) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين ( وإدخال الفاء فيخبر الثاني دون الأول تنبيه على أن إثابة الؤمنين بالجنات تفضيل من الله تعالى وأن عقاب الكافرين مسبب عن أعمالهم فلذلك قال ) لهم عذاب ( ولم يقل هم عذاب
الحج : ( 58 ) والذين هاجروا في . . . . .
) والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا ( في الجهاد ) أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا ( الجنة ونعيمها وإنما سوى بين من قتل في الجهاد ومن مات حتف أنفه في الوعد لا ستوائهما في القصد وأصل العمل روي أن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم قالوا يا نبي الله هؤلاء الذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله تعالى من الخير ونخن نجاهد معك كما جاهدوا فما لنا إن متنا فنزلت ) وإن الله لهو خير الرازقين ( فإنه يرزق بغير حساب
الحج : ( 59 ) ليدخلنهم مدخلا يرضونه . . . . .
) ليدخلنهم مدخلا يرضونه ( هو الجنة فيها ما يحبونه ) وإن الله لعليم ( بأحوالهم وأحوال معادهم ) حليم ( لا يعاجل في العقوبة
الحج : ( 60 ) ذلك ومن عاقب . . . . .
) ذلك ( أي المر ذلك ) ومن عاقب بمثل ما عوقب به ( ولم يزد في الإقتصاص وإنما سمي الإبتداء بالعقاب الذي هو الجزاء للإزدواج أو لأنه سببه ) ثم بغي عليه ( بالمعاودة إلى العقوبة ) لينصرنه الله ( لا محالة ) إن الله لعفو غفور ( للمنتصر حيث اتبع هواه في الإنتقام وأعرض عما ندب الله غليه بقوله ولمن صبر وغفران ذلك لمن عزم الأمور ووفيه تعريض بالحث على العفو والمغفرة فإنه تعالى مع كمال قدرته وتعالي شأنه لما كان يعفو ويغفر فغيره بذلك أولى وتنبيه على أنه تعالى قادر على العقوبة إذ لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده(4/137)
" صفحة رقم 138 "
الحج : ( 61 ) ذلك بأن الله . . . . .
) ذلك ( أي ذلك النصر ) بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ( بسبب أن الله تعالى قادر على تغليب الأمور بعضها على بعض جار عادته على المداولة بين الأشياء المتعاندة ومن ذلك إيلاج أحد الملوين في الآخر بأن يزيد فيه ما ينقص منه أو بتحصيل ظلمة الليل في مكان النهار بتغيب الشمس وعكس ذلك باظلاعها ) وأن الله سميع ( يسمع قول المعاقب ) بصير ( يرى أفعالهما فلا يهملهما
الحج : ( 62 ) ذلك بأن الله . . . . .
) ذلك ( الوصف بكمال القدرة والعلم ) بأن الله هو الحق ( الثابت في نفسه الواجب لذاته وحده فإن وجوب وجوده ووحدته يقتضيان أن يكون مبدأ لكل ما يوجد سواه عالما بذاته وبما عداه أو الثابت الإلهية ولا يصلح لها إلا من كان قادرا عالما ) وأن ما يدعون من دونه ( إلها وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو بكر بالتاء على مخاطبة المشركين وقرأ بالبناء للمفعول فتكون الواو لما فإنه في معنى الآلهة ) هو الباطل ( المعدوم في حد ذاته أو باطل الألوهية ) وأن الله هو العلي ( عن الأشياء ) الكبير ( على أن يكون له شريك لا شيء أعلى منه شأنها وأكبر منه سلطانا
الحج : ( 63 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء ( استفهام تقرير ولذلك رفع ) فتصبح الأرض مخضرة ( عطف على ) أنزل ( أذ لو نصب جوابا لدل على نفي الإخضرار كما في قولك ألم تر أني جئتك فتكر مني والمقصود إثباته وإنما عدل به عن صبغة الماضي للدلالة على بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان ) إن الله لطيف ( يصل علمه أو لطفه إلى كل ما جل ودق ) خبير ( بالتدابير الظاهرة والباطنة
الحج : ( 64 ) له ما في . . . . .
) له ما في السماوات وما في الأرض ( خلقا وملكا ) وإن الله لهو الغني ( في ذاته عن كل شيء ) الحميد ( المستوجب للحمد بصفاته وأفعاله
الحج : ( 65 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض ( جعلها مذللة لكم معدة لمنافعكم ) والفلك ( عطف على ) ما ( أو على إسم ) إن ( وقرىء بالرفع على الإبتداء ) تجري في البحر بأمره ((4/138)
" صفحة رقم 139 "
حال منها أو خبر ) ويمسك السماء أن تقع على الأرض ( من أن تقع أو كراهة بأن خلقها على صورة متداعية إلى الاستمساك ) إلا بإذنه ( إلا بمشيته وذلك يوم القيامة وفيه رد لاستمساكها بذاتها فإنها مساوية لسائر الأجسام في الجسيمة فتكون قابلة للميل الهابط قبول غيرها ) إن الله بالناس لرؤوف رحيم ( حيث هيأ لهم أسباب الاستدلال وفتح عليهم أبواب المنافع ودفع عنها أبواب المضار
الحج : ( 66 ) وهو الذي أحياكم . . . . .
) وهو الذي أحياكم ( بعد أن كنتم جمادا عناصر ونطفا ) ثم يميتكم ( إذا جاء أجلكم ) ثم يحييكم ( في الآخرة ) إن الإنسان لكفور ( لجحود لنعم الله مع ظهورها
الحج : ( 67 ) لكل أمة جعلنا . . . . .
) لكل أمة ( أهل دن ) جعلنا منسكا ( متعبدا أو شريعة تعبدوا بها وقيل عيدا ) هم ناسكوه ( ينسكونه ) فلا ينازعنك ( سائر أرباب الملل ) في الأمر ( في أمر الدين أو النسائك لأنهم بين جهال وأهل عناد أو لأن أمر دينك أظهر من أن يقبل النزاع وقيل المراد نهي الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لأنهم بين جهال وأهل عناد أو لأن أمر دينك أظهر من أن يقبل النزاع وقيل المراد نهي الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) عن الالتفات إلى قولهم وتمكينهم من المناظرة المؤدية إلى نزاعهم فإنها إنما تنفع طالب الحق وهؤلاء أهل مراء أو عن منازعتهم كقولك لا يضار بك زيد وهذا إنما يجوز في أفعال المغالبة للتلازم وقيل نزلت في كفار خزاعة قالوا للمسلمين ما لكم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله الله وقرئ / فلا ينزعنك / على تهييج الرسول والمبالغة في تثبيته على دينه على أنه من نازعته فنزعته إذا غلبته ) وادع إلى ربك ( إلى توحيده وعبادته ) إنك لعلى هدى مستقيم ( طريق إلى الحق سوي
الحج : ( 68 ) وإن جادلوك فقل . . . . .
) وإن جادلوك ( وقد ظهر الحق ولزمت الحجة ) فقل الله أعلم بما تعملون ( من المجادلة الباطلة وغيرها فيجازيكم عليها وهو وعيد فيه رفق
الحج : ( 69 ) الله يحكم بينكم . . . . .
) الله يحكم بينكم ( يفصل بين المؤمنين منكم والكافرين بالثواب والعقاب ) يوم القيامة ( كما فصل في الدنيا بالحجج والآيات ) فيما كنتم فيه تختلفون ( من أمر الدين(4/139)
" صفحة رقم 140 "
الحج : ( 70 ) ألم تعلم أن . . . . .
) ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض ( فلا يخفى عليه شيء ) إن ذلك في كتاب ( هو اللوح كتبه فيه قبل حدوثه فلا يهمنك أمرهم مع علمنا به وحفظنا له ) إن ذلك ( إن الإحاطة به وإثباته في اللوح المحفوظ أو الحكم بينكم ) على الله يسير ( لأن علمه مقتضى ذاته المتعلق بكل المعلومات على سواء
الحج : ( 71 ) ويعبدون من دون . . . . .
) ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا ( حجة تدل على جواز عبادته ) وما ليس لهم به علم ( حصل لهم من ضرورة العقل أو استدلاله ) وما للظالمين ( وما للذين ارتكبوا مثل هذا الظلم ) من نصير ( يقرر مذهبهم أو يدفع العذاب عنهم
الحج : ( 72 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
) وإذا تتلى عليهم آياتنا ( من القرآن ) بينات ( واضحات الدلالة على العقائد الحقية والحكام الإلهية ) تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر ( الإنكار لفرط نكيرهم للحق وغيظهم لأباطيل أخذوها تقليدا وهذا منتهى الجهالة وللإشعار بذلك وضع الذين كفروا موضع الضمير أو ما يقصدونه من الشر ) يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا ( يثبون ويبطشون بهم ) قل أفأنبئكم بشر من ذلكم ( من غيظكم على التالين وسطوتكم عليهم أو مما أصابكم من الصخر بسبب ما تلوا عليكم ) النار ( أي هو النار كأنه جواب سائل قال ما هو ويجوز أن يكون مبتدأ خبره ) وعدها الله الذين كفروا ( وقرىء بالنصب على الإختصاص وبالجر بدلا من شر فتكون الجملة استئنافا كما إذا رفعت خبرا أو حالا منها ) وبئس المصير ( النار
الحج : ( 73 ) يا أيها الناس . . . . .
) يا أيها الناس ضرب مثل ( بين لكم حال مستغربة أو قطة رائعة ولذلك سماها مثلا أو جعل لله مثل أي مثل في أستحقاق العبادة ) فاستمعوا له ( للمثل أو لشأنه استماع تدبر(4/140)
" صفحة رقم 141 "
وتفكر ) إن الذين تدعون من دون الله ( يعني الأصنام وقرأ يعقوب بالياء وقرىء مبنيا للمفعول والراجع إلى الموصول محذوف على الأولين ) لن يخلقوا ذبابا ( لا يقدرون على خلقه مع صغره لأن ) لن ( بما فيها من تأكد النفي دالة على منافاة ما بين المنفي والمنفي عنه و ) الذباب ( من الذب لأنه يذب وجمعه أذبة وذبان ) ولو اجتمعوا له ( أي للخلق هو بجوابه المقدر في موضع حال جيء به للمبالغة أي لا يقدرون على خلقه مجتمعين له متعاونين عليه فكيف إذا كانوا منفردين ) وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ( جهلهم غاية التجهيل بأن أشركوا غليها قدر على المقدورات كلها وتفرد بإيجاد الموجودات بأسرها تماثيل هي أعجز الأشياء وبين ذلك بأنها لا تقدر على خلق أقل الأحياء وأذلها ولو اجتمعوا له بل لا تقوى على مقاومته هذا الأقل الأذل وتعجز عن ذبه عن نفسها واستنفاذ ما يختطفه من عندها قيل كانوا يطلونها بالطيب والعسل ويغلقون عليها الأبواب فيدخل الذباب من الكوى فيأكله ) ضعف الطالب والمطلوب ( عابد الصنم ومعبوده أو الذباب يطلب ما يسلب عن الصنم من الطيب والصنم يطلب الذباب منه السلب أو الصنم والذباب كأنه يطلبه ليستنقذ منه ما يسلبه ولو حققت وجدت الصنم أضعف بدرجات
الحج : ( 74 ) ما قدروا الله . . . . .
) ما قدروا الله حق قدره ( ما عرفوه حق معرفته حيث أشركوا به وسموا باسمه ما هو أبعد الأشياء عنه مناسبة ) إن الله لقوي ( على خلق الممكنات بأسرها ) عزيز ( لا يغلبه شيء وآلهتهم التي يعبدونها عاجزة عن أقلها مقهورة من أذلها
الحج : ( 75 ) الله يصطفي من . . . . .
) الله يصطفي من الملائكة رسلا ( يتوسطون بينه وبين الأنبياء بالوحي ) ومن الناس ( يدعون سائرهم إلى الحق ويبلغون إليهم ما نزل عليهم كأنه لما قرر وحدانيته في الألوهية ونفى أن يشاركه غيره في صفاتها بين أن له عبادا مصطفين للرسالة يتوسل بإجابتهم(4/141)
" صفحة رقم 142 "
والاقتداء بهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى وهو أعلى المراتب ومنتهى الدرجات لمن سواه من الموجودات تقريرا للنبوة وتزييفا لقولهم ) ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ( والملائكة بنات الله تعالى ونحو ذلك ) إن الله سميع بصير ( مدرك للأشياء كلها
الحج : ( 76 ) يعلم ما بين . . . . .
) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ( عالم بواقعها ومترقبها ) وإلى الله ترجع الأمور ( وإليه ترجع الأمور لأنه مالطها بالذات لا يسأل عما يفعل من الاصطفاء وغيره وهم يسألون
الحج : ( 77 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا ( في صلاتكم أمرهم بهما لأنهم ما كانوا يفعلونها أول الإسلام أو صلوا وعبر عن الصلاة بهما لأنهما أعظم أركانها أو أخضعوا الله وخروا سجدا ) واعبدوا ربكم ( بسائر ما تعبدكم به ) وافعلوا الخير ( وتحروا ما هو خير وأصلح فيما تأتون وتذرون كنوافل الطاعات وصلة الأرحام ومكارم الأخلاق ) لعلكم تفلحون ( أي افعلوا هذه كلها وأنتم راجون الفلاح غير متيقنين له واثقين على أعمالكم والآية آية سجدة عندنا لظاهر ما فيها من الأمر بالسجود ولقوله عليه الصلاة والسلام فضلت سورة الحج بسجدتين من لم يسجدهما فلا يقرؤها
الحج : ( 78 ) وجاهدوا في الله . . . . .
) وجاهدوا في الله ( أي والله ومن أجله أعداء دينه الظاهرة كأهل الزيغ والباطنة كالهوى والنفس وعنه عليه الصلاة والسلام أنه رجع من غزوة تبوك فقال رجعنا من الجهاد(4/142)
" صفحة رقم 143 "
الأصغر إلى الجهاد الأكبر ) حق جهاده ( أي جهادا فيه أي جهادا فيه حقا خالصا لوجهه فعكس وأضيف الحق إلى الجهاد مبالغة كقولك هو حق عالم وأضيف الجهاد إلى الضمير اتساعا أو لأنه مختص بالله من حيث أنه مفعول لوجه الله تعالى ومن أجله ) هو اجتباكم ( اختاركم لدينه ولنصرته وفيه تنبيه على المقتضى للجهاد والداعي إليه في قوله ) وما جعل عليكم في الدين من حرج ( أي ضيق بتكليف ما يشتد القيام به عليكم إشارة إلى أنه لا مانع لهم عنه ولا عذر لهم في تركه أو إلى الرخصة في إغفال بعض ما أمرهم به حيث شق عليهم لقوله عليه الصلاة والسلام إذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم وقيل ذلك بأن جعل لهم من كل ذنب مخرجا بأن رخص لهم في المضايق وفتح عليهم باب التوبة وشرع لهم الكفارات في حقوقه والأروش والديات في حقوق العباد ) ملة أبيكم إبراهيم ( منتصبة على المصدر بفعل دل عليه مضمون ما قبلها بحذف المضاف أي وسع دنكم توسعة ملة أبيكم إبراهيم أو على الإغراء أو على الاختصاص وإنما جعله أباهم لأنه أبو رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو كالأب لأمته من حيث إنه سبب لحياتهم الأبدية ووجودهم على الوجه(4/143)
" صفحة رقم 144 "
المعتد به في الآخرة أو لأن أكثر العرب كانوا من ذرتيه فغلبوا على غيرهم ) هو سماكم المسلمين من قبل ( من قبل القرآن في الكتب المتقدمة ) وفي هذا ( وفي القرآن والضمير لله تعالى ويدل عليه أنه قرىء / الله سماكم / أو ل ) إبراهيم ( وتسميتهم بمسلمين في القرآن وإن لم تكن منه كانت بسبب تسميته من قبل في قوله ) ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ( وقيل وفي هذا تقديره وفي هذا بيان تسميته إياكم مسلمين ) ليكون الرسول ( يوم القيامة متعلق بسماكم ) شهيدا عليكم ( بأنه بلغكم فيدل على قبول شهادته لنفسه اعتمادا على عصمته أو بطاعة من أطاع وعصيان من عصى ) وتكونوا شهداء على الناس ( بتبليغ الرسل إليهم ) فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ( فتقربوا إلى الله تعالى بأنواع(4/144)
" صفحة رقم 145 "
الطاعات لما خصكم بهذا الفضل والشرف ) واعتصموا بالله ( وثقوا به في مجامع اموركم ولا تطلبوا الإعانة والنصرة إلا منه ) هو مولاكم ( ناصركم ومتولي أموركم ) فنعم المولى ونعم النصير ( هو إذ لا مثل له سبحانه في الولاية والنصرة بل لا مولى ولا نصير سواه في الحقيقة عن النبي عليه الصلاة والسلام " من قرأ سورة الحج أعطي من الأجر كحجة حجها وعمرة اعتمرها بعدد من حج واعتمر فيما مضى وفيما بقي " (4/145)
" صفحة رقم 146 "
سورة المؤمنون
مكية وهي مائة وتسع عشرة آية عند البصريين وثماني عشرة عند الكوفين
بسم الله الرحمن الرحيم
المؤمنون : ( 1 ) قد أفلح المؤمنون
) قد أفلح المؤمنون ( قد فازوا بأمانيهم وقد ثبت المتوقع كما أن لما تنفيه وتدل على ثباته إذا دخلت على الماضي ولذلك تقربه من الحال ولما كان المؤمنون متوقعين ذلك من فضل الله صدرت بها بشارتهم وقرأ ورش عن نافع ) قد أفلح ( بإلقاء حركة الهمزة على الدال وحذفها وقرىء / أفلحوا / على لغة أكلوني البراغث أو على الإبهام والتفسير و ) أفلح ( بالضم اجتزاء بالضمة عن الواو ) أفلح ( على البناء للمفعول
المؤمنون : ( 2 ) الذين هم في . . . . .
) الذين هم في صلاتهم خاشعون ( خائفون من الله سبحانه وتعالى متذللون له ملزمون أبصارهم مساجدهم روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يصلي رافعا بصره إلى السماء فلما نزلت رمى ببصره نحو مسجده وأنه رأى رجلا يعبث بلحيته فقال " لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه "
المؤمنون : ( 3 ) والذين هم عن . . . . .
) والذين هم عن اللغو ( عما لا يعنيهم من قول أو فعل ) معرضون ( لما بهم من(4/146)
" صفحة رقم 147 "
الجد ما شغلهم عنه وهو أبلغ من الذين لا يلهون من وجوه جعل الجملة اسمية وبناء الحكم على الضمير والتعبير عنه بالاسم وتقديم الصلة عليه وإقامة الإعراض مقام الترك ليدل على بعدهم عنه رأسا مباشرة وتسببا وميلا وحضورا فإنه أصله أن يكون في عرض غير عرضه
المؤمنون : ( 4 ) والذين هم للزكاة . . . . .
وكذلك قوله ) والذين هم للزكاة فاعلون ( وصفهم بالخشوع ليدل على أنهم بلغوا الغاية في لقيام على الطاعات البدنية والمالية والتجنب عن المحرمات وسائرما توجب المروءة اجتنابه والزكاة تقع على المعنى والعين والمراد الأول لأن الفاعل فاعل الحدث لا المحل الذي هو موقعه أو الثاني على تقدير مضاف
المؤمنون : ( 5 ) والذين هم لفروجهم . . . . .
) والذين هم لفروجهم حافظون ( لا يبذلونها
المؤمنون : ( 6 ) إلا على أزواجهم . . . . .
) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ( زوجاتهم أو سرياتهم و ) على ( صلة ل ) حافظون ( من قولك احفظ على عنان فرسي أو حال أي حافظوها في كافة الأحوال إلا في حال التزوج أو التسري أو بفعل دل عليه غير ملومين وإنما قال ما إجراء للماليك مجرى غير العقلاء إذ الملك أصل شائع فيه وإفراد ذلك بعد تعميم قوله ) والذين هم عن اللغو معرضون ( لأن المباشرة أشهى الملاهي إلى النفس وأعظمها خطرا ) فإنهم غير ملومين ( الضمير لحافظون أو لمن دل عليه الاستثناء أي فإن بذلوها لأزواجهم أو إمائهم فإنهم غير ملومين على ذلك
المؤمنون : ( 7 ) فمن ابتغى وراء . . . . .
) فمن ابتغى وراء ذلك ( المستثنى ) فأولئك هم العادون ( الكاملون في العدوان(4/147)
" صفحة رقم 148 "
المؤمنون : ( 8 ) والذين هم لأماناتهم . . . . .
) والذين هم لأماناتهم وعهدهم ( لما يؤتمنون عليه ويعاهدون من جهة الحق أو الخلق ) راعون ( قائمون بحفظها وإصلاحها وقرأ ابن كثير هنا وفي المعارج / لأمانتهم / على الإفراد ولأمن الإلباس أو لأنها في الأصل مصدر
المؤمنون : ( 9 ) والذين هم على . . . . .
) والذين هم على صلواتهم يحافظون ( يواظبون عليها ويؤدونها في أوقاتها ولفظ الفعل فيه لما في الصلاة من التجدد والتكرر ولذلك جمعه غير حمزة والكسائي وليس ذلك تكريرا لما وصفهم به أولا فإن الخشوع في الصلاة غير المحافظة عليها وفي تصدير الأوصاف وختمها بأمر الصلاة تعظيم لشأنها
المؤمنون : ( 10 ) أولئك هم الوارثون
) أولئك ( الجامعون لهذه الصفات ) هم الوارثون ( الأحقاء بأن يسموا وراثا دون غيرهم
المؤمنون : ( 11 ) الذين يرثون الفردوس . . . . .
) الذين يرثون الفردوس ( بيان لما يرثونه وتقييد للوراثة بعد إطلاقها تفخيما لها وتأكيدا وهي مستعارة لاستقاقهم الفردوس من أعمالهم وإن كان بمقتضى وعده مبالغة فيه وقيل إنهم يرثون من الكفار منازلهم فيها حيث فوتوها على أنفسهم لأنه تعالى خلق لكل إنسان منزلا في الجنة ومنزلا في النار ) هم فيها خالدون ( أنت الضمير لأنه اسم للجنة أو لطبقتها العليا
المؤمنون : ( 12 ) ولقد خلقنا الإنسان . . . . .
) ولقد خلقنا الإنسان من سلالة ( من خلاصة سلت من بين الكدر ) من طين ( متعلق بمحذوف لأنه صفة ل ) سلالة ( أو من بيانية أو بمعنى ) سلالة ( لأنها في معنى مسلولة فتكون ابتدائية كالأولى والإنسان آدم عليه الصلاة والسلام خلق من صفوة سلت من الطين أو الجنس فإنهم خلقوا من سلالات جعلت نطفا بعد أدوار وقيل المراد بالطين آدم لأنه خلق منه والسلالة نطفته
المؤمنون : ( 13 ) ثم جعلناه نطفة . . . . .
) ثم جعلناه ( ثم جعلنا نسله فحذف المضاف ) نطفة ( بأن خلقناه منها أو ثم جعلنا السلالة نطفة وتذكير الضمير على تأويل الجوهر أو المسلول أو الماء ) في قرار مكين ((4/148)
" صفحة رقم 149 "
مستقر حصين يعني الرحم وهو في الأصل صفة للمستقر وصف به المحل للمبالغة كما عبر عنه بالقرار
المؤمنون : ( 14 ) ثم خلقنا النطفة . . . . .
) ثم خلقنا النطفة علقة ( بأن أحلنا النطفة البيضاء علقة حمراء ) فخلقنا العلقة مضغة ( فصيرناها قطعة لحم ) فخلقنا المضغة عظاما ( بأن صلبناها ) فكسونا العظام لحما ( مما بقي من المضغة أو مما أنبتنا عليها مما يصل إليها واختلاف العواطف لتفاوت الاستحالات والجمع لاختلافها في الهيئة والصلابة وقرأ ابن عامر وأبو بكر على التوحيد فيهما اكتفاء باسم الجنس عن الجمع وقرئ بإفراد أحدهما وجمع الآخر ) ثم أنشأناه خلقا آخر ( وهو صورة البدن أو الروح أو القوى بنفخة فيه أو المجموع و ) ثم ( لما بين الخلقين من التفاوت واحتج به أبو حنيفة على أن من غضب بيضة أفرخت عنده لزمه ضمان البيضة لا الفرخ لأنه خلق آخر ) فتبارك الله ( فتعالى شأنه في قدرته وحكمته ) أحسن الخالقين ( المقدرين تقديرا فحذف المميز لدلالة ) الخالقين ( عليه
المؤمنون : ( 15 ) ثم إنكم بعد . . . . .
) ثم إنكم بعد ذلك لميتون ( لصائرون إلى الموت لا محالة ولذلك ذكر النعت الذي للثبوت دون اسم الفاعل وقد قرئ به
المؤمنون : ( 16 ) ثم إنكم يوم . . . . .
) ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ( للمحاسبة والمجازاة(4/149)
" صفحة رقم 150 "
المؤمنون : ( 17 ) ولقد خلقنا فوقكم . . . . .
) ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق ( سموات لأنها طروق بعضها فوق بعض مطارقة النعل بالنعل وكل ما فوقه مثله فهو طريقه أو لأنها طرق الملائكة أو الكواكب فيها مسيرها ) وما كنا عن الخلق ( عن ذلك المخلوق الذي هو السموات أو عن جميع المخلوقات ) غافلين ( مهملين أمرها بل نحفظها عن الزوال والاختلال وندبر أمرها حتى تبلغ منتهى ما قدر لها من الكمال حسبما اقتضته الحكمة وتعلقت به المشيئة
المؤمنون : ( 18 ) وأنزلنا من السماء . . . . .
) وأنزلنا من السماء ماء بقدر ( بتقدير يكثر نفعه ويقل ضرره أو بمقدار ما علمنا من صلاحهم ) أنشأناه ( فجعلناه ) هباء منثورا ( في الأرض ) وإنا على ذهاب به ( على إزالته بالإفساد أو التصعيد أو التعميق بحيث يتعذر استنباطه ) لقادرون ( كما كنا قادرين على إنزاله وفي تنكير ) ذهاب ( إيماء إلى كثرة طرقه ومبالغة في الإيعاد به ولذلك جعل أبلغ من قوله تعالى ) قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين )
المؤمنون : ( 19 ) فأنشأنا لكم به . . . . .
) فأنشأنا لكم به ( بالماء ) جنات من نخيل وأعناب لكم فيها ( في الجنات ) فواكه كثيرة ( تتفكهون بها ) ومنها ( ومن الجنات ثمارها وزروعها ) تأكلون ( تغذيا أو ترزقون وتحصلون معايشكم من قوله فلان يأكل من حرفته ويجوز أن يكون الضمير أن لل ) نخيل ( وال ) أعناب ( أي لكم في ثمراتها أنواع من الفواكه الرطب والعنب والتمر والزينب والعصير والدبس وغير ذلك وطعام تأكلونه
المؤمنون : ( 20 ) وشجرة تخرج من . . . . .
) وشجرة ( عطف على ) جنات ( وقرئت بالرفع على الابتداء أي ومما أنشأنا لكم(4/150)
" صفحة رقم 151 "
به شجرة ) تخرج من طور سيناء ( جبل موسى عليه الصلاة والسلام بين مصر وأيلة وقيل بفلسطين وقد يقال له طور سينين ولا يخلو من أن يكون الطور للجبل وسيناء اسم بقعة أضيف إليها أو المركب منهما علم له كامرئ القيس ومنع صرفه للتعريف والعجمة أو التأنيث على تأويل البقعة لا اللألف لأنه فيعال كديماس من السناء بالمد وهو الرفعة أو بالقصر وهو النور أو ملحق بفعلال كعلباء من السين إذ لا فعلاء بألف التأنيث بخلاف ) سيناء ( على قراءة الكوفيين والشامي ويعقوب فإنه فيعال ككيسان أو فعلاء كصحراء لا فعلال إذ ليس في كلامهم وقرئ بالكسر والقصر ) تنبت بالدهن ( أي تنبت ملتبسا بالدهن ومستصحبا له ويجوز أن تكون الباء صلة معدية ل ) تنبت ( كما في قولك ذهبت يزيد وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب في رواية ) تنبت ( وهو إما من أنبت بمعنى نبت كقول زهير " رأيت ذوي الحاجات عند بيوتهم فطينا لهم حتى إذا أنبت البقل " أو على تقدير ) تنبت ( زيتونا ملتبسا بالدهن وقرىء على البناء للمفعول هو كالأول وتثم ربالدهن وتخرج الدهن وتنبت بالدهان ) وصبغ للآكلين ( معطوف على الدهن جار على إعرابه عطف أ د وصفي الشيء على الآخر أي تنبت بالشيء الجامع بين كونه دهنيا يدهن به ويسرج منه وكونه إداما يصبغ فيه الخبز أي يغمس فيه للإئتدام وقرىء وصباغ كدباغ في دبغ
المؤمنون : ( 21 ) وإن لكم في . . . . .
) وإن لكم في الأنعام لعبرة ( تعتبرون بحالها وتستدلون بها ) نسقيكم مما في بطونها ( من الألبان أو من العلف فإن اللبن يتكون منه فمن للتبعيض أو للإبتداء وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر ويعقوب ) نسقيكم ( بفتح النون ) ولكم فيها منافع كثيرة ( في ظهورها وأصوافها وشعورها ) ومنها تأكلون ( فتنتفعون بأعيانها
المؤمنون : ( 22 ) وعليها وعلى الفلك . . . . .
) وعليها ( وعلى النعام فإن منها ما يحمل عليه كالإبل والبقر وقيل المراد الإبل لأنها هي المحمول عليها عندهم والمناسب للفلك فإنها سفائن البر قال ذو الرمة " سفينة بر تحت خدي زمامها " (4/151)
" صفحة رقم 152 "
فيكون الضمير فيه كالضمير في ) وبعولتهن أحق بردهن ( ) وعلى الفلك تحملون ( في البر والبحر
المؤمنون : ( 23 ) ولقد أرسلنا نوحا . . . . .
) ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ( إلى آخر القصص مسوق لبيان كفران الناس ما عدد عليهم من النعم المتلاحقة وما حاق بهم من زاولها ) ما لكم من إله غيره ( استئناف لتعليل المر بالعبادة وقرأ الكسائي غيره بالجر على اللفظ ) أفلا تتقون ( أفلا تخافون أن يزيل عنكم نعمه فيهلككم ويعذبكم برفضكم عبادته إلى عبادة غيره وكفرانكم نعمه التي لا تحصونها
المؤمنون : ( 24 ) فقال الملأ الذين . . . . .
) فقال الملأ ( الأشراف ) الذين كفروا من قومه ( ) ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ( أن يطلب الفضل عليكم ويسودكم ) ولو شاء الله ( أن يرسل رسولا ) لأنزل ملائكة ( رسلا ) ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ( يعنون نوحا عليه السلام أي ما سمعنا به أنه نبي أو ما كلمهم به من الحث على عبادة الله سبحانه وتعالى وتفي غليه غيره أو من دعوى النبوة وذلك إما لفرط عنادهم أو لأنهم كانوا في فترة متطاولة
المؤمنون : ( 25 ) إن هو إلا . . . . .
) إن هو إلا رجل به جنة ( أيحنون ولأجله يقول ذلك ) فتربصوا به ( فاحتملوه وانتظروا ) حتى حين ( لعله يفيق من جنونه
المؤمنون : ( 26 ) قال رب انصرني . . . . .
) قال ( بعدما أيس من إيمانهم ) رب انصرني ( بإهلاكهم إو بإنجاز ما وعدتهم من العذاب ) بما كذبون ( بدل تكذيبهم إياي أو بسببه
المؤمنون : ( 27 ) فأوحينا إليه أن . . . . .
) فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ( بحفظنا نحفظه أن تخطىء فيه أو يفسده عليك مفسد ) ووحينا ( وأمرنا وتعليمنا كيف تصنع ) فإذا جاء أمرنا ( بالركوب أو نزول العذاب ) وفار التنور ( روي أنه قيل لنوح إذا فار الماء من التنور اركب أنت ومن معك فلما نبع الماء منه(4/152)
" صفحة رقم 153 "
أخبرته امرأته فركب ومحله في مسجد الكوفة عن يميمن الداخل مما يلي باب كندى وقيل عين وردة من الشام وفيه وجوه أخر ذكرتها في هود ) فاسلك فيها ( فادخل فيها يقال سلك فيه وسلك غيره قال تعالى ) ما سلككم في سقر ( ) من كل زوجين اثنين ( منكل أمتي الذكر والأنثى واحدين مزدوجين وقرأ حفص ) من كل ( بالتنوين أي من كل نوع زوجين واثنين تأكيد ) وأهلك ( وأهل بيتك أو من آمن معك ) إلا من سبق عليه القول منهم ( أي القول من الله تعالى بإهلاكه لكفره وإنما جيء بعلى لأن السابق ضار كما جيء باللام حيث كان نافعا في قوله تعالى ) إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ( ) ولا تخاطبني في الذين ظلموا ( بالدعاء لهم بالإنجاء ) إنهم مغرقون ( لا محالة لظلمهم بالإشراك والمعاصي ومن هذا شأنه لا يشفع له ولا يشفع فيه كيف
المؤمنون : ( 28 ) فإذا استويت أنت . . . . .
وقد أمره بالحمد على النجاة منهم بهلاكهم بقوله ) فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين ( كقوله تعالى ) فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين )
المؤمنون : ( 29 ) وقل رب أنزلني . . . . .
) وقل رب أنزلني ( في السفينة أو في الأرض ) منزلا مباركا ( يتسبب لمزيد الخير في الدارين على قراءة أبي بكر وقرىء ) منزلا ( بمعنى إنزالا أو موضع إنزال ) وأنت خير المنزلين ( ثناء مطابق لدعائه أمره بأن يشفعه به مبالغة فيه وتوسلا به إلى الإجابة وإنما أفرده بالأمر والمعلق به أن يستوي هو ومن معه إظهار لفضله وإشعارا بأن في دعائه مندوحة عن دعائهم فإنه يحيط بهم
المؤمنون : ( 30 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك ( فيما فعل بنوح وقومه ) لآيات ( يستدل بها ويعتبر أولو الإستبصار(4/153)
" صفحة رقم 154 "
والإعتبار ) وإن كنا لمبتلين ( لمصيبين قوم نوح ببلاء عظيم أو ممتحنين عبادنا بهذه الآيات ) وإن ( هي المخففة واللام هي الفارقة
المؤمنون : ( 31 ) ثم أنشأنا من . . . . .
) ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين ( هم عاد أو ثمود
المؤمنون : ( 32 ) فأرسلنا فيهم رسولا . . . . .
) فأرسلنا فيهم رسولا منهم ( هو هود أو صالح وإنما جعل القول موضع الإرسال ليلد على أنه لم يأتهم من مكان غير مكانهم وإنما أوحي إليه وهو بين أظهرهم ) أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ( تفسير لأرسلنا أي قلنا لهم على لسان الرسول اعبدوا الله ) أفلا تتقون ( عذاب الله
المؤمنون : ( 33 ) وقال الملأ من . . . . .
) وقال الملأ من قومه الذين كفروا ( لعله ذكر بالواو لأن كلامهم لم يتصل بكلام الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بخلاف قول قوم نوح حيث استؤنف به فعلى تقدير سؤال ) وكذبوا بلقاء الآخرة ( بلقاء ما فيها من الثواب والعقاب أو بمعادهم إلى الحياة الثانية بالبعث ) وأترفناهم ( ونعمناهم ) في الحياة الدنيا ( بكثرة الأموال والأولاد ) ما هذا إلا بشر مثلكم ( في الصفة والحالة ) يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ( تقرير للماثلة و ) ما ( خبرية والعائد إلى الثاني منصوب محذوف أو مجرور حذف مع الجار لدلالته ما قبله عليه
المؤمنون : ( 34 ) ولئن أطعتم بشرا . . . . .
) ولئن أطعتم بشرا مثلكم ( فيما يأمركم به ) إنكم إذا لخاسرون ( حيث أذللتم أنفسكم و ) إذا ( جزاء للشرط وجواب للذين قاولوهم من قومه
المؤمنون : ( 35 ) أيعدكم أنكم إذا . . . . .
) أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما ( مجردة عن اللحوم والأعصاب ) أنكم مخرجون ( من الأجداث أو من العدم تارة أخرى إلى الوجود و ) إنكم ( تكرير للأول أكد به لما طال الفصل بينه وبين خبره أو أنكم لمخرجون مبتدأ خبره الظرف المقدم أو فاعل للفعل المقدر جوابا للشرط والجملة خبر الأول أي أنكم إخراجكم إذا متم أو أنكم إذا متم وقع إخراجكم ويجوز أن يكون خبر الأول محذوفا لدلالة خبر الثاني عليه لا أن يكون الظرف لأن اسمه جثة
المؤمنون : ( 36 ) هيهات هيهات لما . . . . .
) هيهات هيهات ( بعد التصديق أو الصحة ) لما توعدون ( أو بعدما توعدون واللام للبيان كما في ) هيت لك ( كأنهم لما صوتوا بكلمة الإستعباد قيل فما له هذا الإستعباد قالوا ) لما توعدون ( وقيل ) هيهات ( بمعنى البعد وهو مبتدأ خبره ) لما توعدون ( وقرىء بالفتح منونا للتكبير وباللضم منونا(4/154)
" صفحة رقم 155 "
على أنه جمع هيهة وغير منون تشبيها بقبل وبالكسر على الوجهينو بالسكون على لفظ الوقف وبإبدال التاء هاء
المؤمنون : ( 37 ) إن هي إلا . . . . .
) إن هي إلا حياتنا الدنيا ( أصله إن الحياة ) إلا حياتنا الدنيا ( فأقيم الضمير مقام الأولى لدلالة الثانية عليها حذرا عن التكرير وإشعارا بأن تعينها مغن عن التصريح بها كقوله " هي النفس ما حملتها تتحمل " ومعناه لا حياة إلا هذه الحياة لأن ) إن ( نافية دخلت على ) هي ( التي في معنى الحياة الدالة على الجنس فكانت مثل لا التي تنفي ما بعدها نفي الجنس ) نموت ونحيا ( يموت بعضنا ويولد بعض ) وما نحن بمبعوثين ( بعد الموت
المؤمنون : ( 38 ) إن هو إلا . . . . .
) إن هو ( ما هو ) إلا رجل افترى على الله كذبا ( فيما يدعيه من إرساله له وفيما يعدنا من البعث ) وما نحن له بمؤمنين ( بمصدقين
المؤمنون : ( 39 ) قال رب انصرني . . . . .
) قال رب انصرني ( عليهم وانتقم لي منهم ) بما كذبون ( بسبب تكذيبهم إياي
المؤمنون : ( 40 ) قال عما قليل . . . . .
) قال عما قليل ( عن زمان قليل و ) ما ( صلة لتوكيد معنى القلة أو نكرة موصوفة ) ليصبحن نادمين ( على التكذيب إذا عاينوا العذاب
المؤمنون : ( 41 ) فأخذتهم الصيحة بالحق . . . . .
) فأخذتهم الصيحة ( صيحة جبريل صاح عليهم صيحة هائلة تصدعت منها قلوبهم فماتوا واستدل به على أن القوم قوم صالح ) بالحق ( بالوجه الثالث الذي لا دافع له أو بالعدل من الله كقولك فلان يقضي بالحق أو بالوعد الصدق ) فجعلناهم غثاء ( شبههم في دمارهم بغثاء السيل وهو حميله كقول العرب سال به الوادي لمن هلك وهو من المصادر التي تنصب بأفعال لا يستعمل إظهارها واللام لبيان من دعي عليه بالبعد ووضع الظاهر موضع ضميرهم للتعليل
المؤمنون : ( 42 ) ثم أنشأنا من . . . . .
) ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين ( هي قوم صالح ولوط وشعيب وغيرهم
المؤمنون : ( 43 ) ما تسبق من . . . . .
) ما تسبق من أمة أجلها ( الوقت الذي حد لهلاكها و ) من ( مزدة للاستغراق ) وما يستأخرون ( الأجل
المؤمنون : ( 44 ) ثم أرسلنا رسلنا . . . . .
) ثم أرسلنا رسلنا تترا ( متواترين واحدا بعد واحد من الوتر وهو الفرد والتاء بدل(4/155)
" صفحة رقم 156 "
من الواو كتولج وتيقور والألف للتأنيث لأن الرسل جماعة وقرأ أبو عمرو وابن كثير بالتنوين على أنه مصدر بمعنى المواترة وقع حالا وأماله حمزة وابن عامر والكسائي ) كل ما جاء أمة رسولها كذبوه ( إضافة الرسول مع الإرسال إلى المرسل ومع المجيء إلى المرسل إليهم لأن الإرسال الذي هو مبدأ الأمر منه والمجيء الذي هو منتهاه إليهم ) فأتبعنا بعضهم بعضا ( في الإهلاك ) وجعلناهم أحاديث ( لم نبق منهم إلا حكايات يسمر بها وهو اسم جمع للحديث أو جمع أحدوثة وهي ما يتحدث به تلهيا ) فبعدا لقوم لا يؤمنون )
المؤمنون : ( 45 ) ثم أرسلنا موسى . . . . .
) ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا ( بالآيات التسع ) وسلطان مبين ( وحجة واضحة ملزمة للخصم ويجوز أن يراد به العصا وأفرادها لأنها أول المعجزات وأمها تعلقت بها معجزات شتى كانقلابها حية وتلقفها ما أفكته السحرة وانفلاق البحر وانفجار العيون من الحجر بضربهما بها وحراستها ومصيرها شمعة وشجرة خضراء مثمرة ورشاء ودلوا وأن يراد به المعجزات وبالآيات الحجج وأن يراد بهما المعجزات فإنهما آيات للنبوة وحجة بينة على ما يدعيه النبي ( صلى الله عليه وسلم )
المؤمنون : ( 46 ) إلى فرعون وملئه . . . . .
) إلى فرعون وملئه فاستكبروا ( على الإيمان والمتابعة ) وكانوا قوما عالين ( متكبرين
المؤمنون : ( 47 ) فقالوا أنؤمن لبشرين . . . . .
) فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا ( ثنى البشر لأنه يطلق للواحد كقوله ) بشرا سويا ( كما يطلق للجمع كقوله ) فإما ترين من البشر أحدا ( ولم يئن المثل لأنه في حكم المصدر وهذه القصص كما نرى تشهد بأن قصارى شبه المنكرين للنبوة قياس حال الأنبياء على أحوالهم لما بينهم من المماثلة في الحقيقة وفساده يظهر للمستبصر بأدنى تأمل فإن النفوس البشرية وإن تشاركت في أصل القوى والإدراك لكنها متباينة الأقدام فيهما وكما(4/156)
" صفحة رقم 157 "
ترى في جانب النقصان أغبياء لا يعود عليهم الفك برادة يمكن أن يكون في طرف الزيادة أغنياء عن التفكر والتعلم في أكثر الأشياء وأغلب الأحوال فيدركون ما لا يدرك غيرهم ويعلمون ما لا ينتهي إليه علمهم وإليه أشار بقوله تعالى ) قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ( ) وقومهما ( يعني بني إسرائيل ) لنا عابدون ( خادمون منقادون كالعباد
المؤمنون : ( 48 ) فكذبوهما فكانوا من . . . . .
) فكذبوهما فكانوا من المهلكين ( بالغرق في بحر قلزم
المؤمنون : ( 49 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
) ولقد آتينا موسى الكتاب ( التوراة ) لعلهم ( لعل بني إسرائيل ولا يجوز عود الضمير إلى ) فرعون ( وقومه لأن التوراة نزلت بعد إغراقهم ) يهتدون ( إلى المعارف والأحكام
المؤمنون : ( 50 ) وجعلنا ابن مريم . . . . .
) وجعلنا ابن مريم وأمه آية ( بولادتها إياه من غير مسيس فالآية أمر واحد مضاف إليهما أو ) وجعلنا ابن مريم ( آية بأن تتكلم في المهد وظهرت منه معجزات أخر ) وأمه ( آية بأن ولدت من غير مسيس فحذفت الأولى لدلالة الثانية عليها ) وآويناهما إلى ربوة ( أرض بيت المقدس فإنها مرتفعة أو دمشق أو رملة فلسطين أو مصر فإن قراها على الربى وقرأ ابن عامر وعاصم بفتح الراء وقرئ / رباوة / بالضم والكسر ) ذات قرار ( مستقر من الأرض منبسطة وقيل ذات ثمار وزروع فإن ساكنيها يستقرون فيها لأجلها ) ومعين ( وماء طاهر جار فعيل من معن الماء إذا جرى وأصله الابعاد في الشيء أو من الماعون وهو المنفعة لأنه نفاع أو مفعول من عانه إذا أدركه بعينه لأنه لظهوره مدرك بالعيون وصف ماءها بذلك لأنه الجامع لأسباب التنزه وطيب المكان(4/157)
" صفحة رقم 158 "
المؤمنون : ( 51 ) يا أيها الرسل . . . . .
) يا أيها الرسل كلوا من الطيبات ( نداء وخطاب لجميع الأنبياء لا على أنهم خوطبوا بذلك دفعه لأنهم أرسلوا في أزمنة مختلفة بل على معنى أ كلا منهم خوطب به في زمانه فيدخل تحته عيسى دخولا أوليا ويكون ابتداء كلام تنبيها على أن تهيئة أسباب التنعم لم تكن له خاصة وأن إباحة الطيبات للأنبياء شرع قديم واحتجاجا على الرهبانية في رفض الطيبات أو حكاية لما ذكر لعيسى وأمه عند إيوائهما إلى الربوة ليقتديا بالرسل في تناول ما رزقا وقيل النداء له ولفظ الجمع للتعظيم والطيبات ما يستلذ به من المباحات وقيل الحلال الصافي القوام فالحلال ما لا يعصى الله فيه والصافي ما لا ينسى الله فيه والقوام ما يمسك النفس ويحفظ العقل ) واعملوا صالحا ( فإنه المقصود منكم والنافع عند ربكم ) إني بما تعملون عليم ( فأجازيكم عليه
المؤمنون : ( 52 ) وإن هذه أمتكم . . . . .
) وإن هذه ( أي ولأن ) هذه ( والمعللبه ) فاتقون ( أو واعلموا أن هذه وقيل إنه معطوف على ) ما تعملون ( وقرأ ابن عامر بالتخفيف والكوفيون بالكسر على الاستئناف ) أمتكم أمة واحدة ( ملتكم ملة واحدة أي متحدة في الإعتقاد وأصول الشرائع أو جماعتكم جماعة واحدة متفقة على الإيمان والتوحيد في العبادة ونصب ) أمة ( على الحال ) وأنا ربكم فاتقون ( في شق العصا ومخالفة الكلمة
المؤمنون : ( 53 ) فتقطعوا أمرهم بينهم . . . . .
) فتقطعوا أمرهم بينهم ( فتقطعوا أمر دينهم جعلوه أديانا مختلفة أو فتفرقوا وتحزبوا وأمرهم منصوب بنزع الخافض أو التمييز والضمير لما دل عليه الأمة من أربابها أولها ) زبرا ( قطعا جمع زبور الذي بمعنى الفرقة ويؤيده القراءة بفتح الباء فإنه جمع زبرة وهو حال من أمرهم أو من الواو أو مفعول ثان ل ) فتقطعوا ( فإنه متضمن معنى جعل وقيل(4/158)
" صفحة رقم 159 "
كتبا من زبرت الكتاب فيكون مفعولا ثانيا أو حالا من أمرهم على تقدير مثل كتب وقرئ بتخفيف الباء كرسل في ) رسل ( ) كل حزب ( من التحزبين ) بما لديهم ( من الدين ) فرحون ( معجبون معتقدون أنهم على الحق
المؤمنون : ( 54 ) فذرهم في غمرتهم . . . . .
) فذرهم في غمرتهم ( في جهالتهم شبهها بالماء الذي يغمر القامة لأنهم معمورون فها أو لاعبون بها وقرىء في / غمراتهم / ) حتى حين ( إلى أن يقتلوا أو يمتوا
المؤمنون : ( 55 ) أيحسبون أنما نمدهم . . . . .
) أيحسبون أنما نمدهم به ( أن ما نعطيهم ونجعله لهم مددا ) من مال وبنين ( بيان لما وليس خبرا له فإنه غير معاتب عليه وإنما المعاتب عليه اعتقادهم أن ذلك خير لهم خبره
المؤمنون : ( 56 ) نسارع لهم في . . . . .
) نسارع لهم في الخيرات ( والراجع محذوف والمعنى ايحسبون أن الذي نمدهم به نسارع به لهم فيما فيه خيرهم وإكرامهم ) بل لا يشعرون ( بل هم كالبهائم لا فطنة لهم ولا شعور ليتأملوا فيه فيعلموا أن ذلك الإمداد استدراج لا مسارعة في الخير وقرىء / يمدهم / على الغيبة وكذلك / يسارع / و / يسرع / ويحتمل أن يكون فيهما ضمير المد به و / يسارع / مبنيا للمفعول
المؤمنون : ( 57 ) إن الذين هم . . . . .
) إن الذين هم من خشية ربهم ( من خوف عذابه ) مشفقون ( حذرون
المؤمنون : ( 58 ) والذين هم بآيات . . . . .
) والذين هم بآيات ربهم ( المنصوبة والمنزلة ) يؤمنون ( بتصديق مدلولها
المؤمنون : ( 59 ) والذين هم بربهم . . . . .
) والذين هم بربهم لا يشركون ( شركا جليا ولا خفيا
المؤمنون : ( 60 ) والذين يؤتون ما . . . . .
) والذين يؤتون ما آتوا ( يعطون ما أعطوه ما الصدقات وقرىء / يأتون ما أتوا / أي يفعلون ما فعلوا من الطاعات ) وقلوبهم وجلة ( خائفة أن لا يقبل منهم وأن لا يقع على الوجه الائق فيؤاخذ به ) أنهم إلى ربهم راجعون ( لأن مرجعهم لغيه أو من أن مرجعهم غليه وهو يعلم ما يخفى عليهم
المؤمنون : ( 61 ) أولئك يسارعون في . . . . .
) أولئك يسارعون في الخيرات ( يرغبون في الطاعات أشد الرغبة فيبادرونها أو يسارعون في نيل الخيرات الدنيوية الموعودة على صالح الأعمال بالمبادرة غليها كقوله(4/159)
" صفحة رقم 160 "
تعالى ) فآتاهم الله ثواب الدنيا ( فيكون إثباتا لهم ما نفي عن أضدادهم ) وهم لها سابقون ( لأجلها فاعلون السبق أو سابقون الناس إلى الطاعة أو الثواب أبو الجنة أو سابقونها أي ينالونها قبل الآخرة حيث عجلت لهم في الدنيا كقوله تعالى ) هم لها عاملون )
المؤمنون : ( 62 ) ولا نكلف نفسا . . . . .
) ولا نكلف نفسا إلا وسعها ( قدر طاقتها يريد به التحريض على ما وصف به الصالحين وتسهيله على النفوس ) ولدينا كتاب ( يريد به اللوح أو صحيفة العمال ) ينطق بالحق ( بالصدق لا يوجد فيه ما يخالف الواقع ) وهم لا يظلمون ( بزيادة عقاب أو نقصان ثواب
المؤمنون : ( 63 ) بل قلوبهم في . . . . .
) بل قلوبهم ( قلوب الكفرة ) في غمرة ( في غفلة غامرة لها ) من هذا ( من الذي ووصف به هؤلاء أو من كتاب الحفظة ) ولهم أعمال ( خبيثة ) من دون ذلك ( متجاوزة لما وصفوا به أو متخطية عما هم عليه من الشرك ) هم لها عاملون ( معتادون فعلها
المؤمنون : ( 64 - 65 ) حتى إذا أخذنا . . . . .
) حتى إذا أخذنا مترفيهم ( متنعميهم ) بالعذاب ( يعني القتل يوم بدر أو الجوع حين دعا عليهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فقال " اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف " فقحطوا حتى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحرقة ) إذا هم يجأرون ( فاجثوا الصراخ بالإستغاثة وهو جواب الشرط والجملة مبتدأ بعد حتى ويجوز أن يكون الجواب ) لا تجأروا اليوم ( فإنه مقدر بالقول أي قيل لهم ) لا تجأروا اليوم ( ) إنكم منا لا تنصرون ( تعليل للنهي أي لا تجأروا فإنه لا ينفعكم إذ لا تمنعون منا أو لا يلحقكم نصر ومعونة من جهتنا(4/160)
" صفحة رقم 161 "
المؤمنون : ( 66 ) قد كانت آياتي . . . . .
) قد كانت آياتي تتلى عليكم ( يعني القرآن ) فكنتم على أعقابكم تنكصون ( تعرضون مدبرين عن سماعها وتصديقها والعمل لها والنكوص الرجوع قهقرى
المؤمنون : ( 67 ) مستكبرين به سامرا . . . . .
) مستكبرين به ( الضمير للبيت وشهوة استكبارهم وافتخارهم بأنه قوامه أغنت عن سبق ذكره أو لا يأتي فإنها بمعنى كتابي والباء متعلقة ب ) مستكبرين ( لأنه بمعنى مكذبين أو لأن استكبارهم على المسلمين حدث بسبب استماعه أو بقوله ) سامرا ( أي تسمرون بذكر القرآن والطعن فيه وهو في الأصل مصدر جاء على لفظ الفاعل كالعاقبة وقرىء / سمرا / جمع سامر ) تهجرون ( من الهجر بالفتح إما بمعنى القطيعة أو الهذيان أي تعرضون عن القرآن أو تهذون في شأنه أو لا هجر بالضم أي الفحش ويؤيد الثاني قراءة نافع ) تهجرون ( من أهجر وقرىء ) تهجرون ( على المبالغة
المؤمنون : ( 68 ) أفلم يدبروا القول . . . . .
) أفلم يدبروا القول ( أي القرآن ليعلموا أنه الحق من ربهم بإعجاز لفظه ووضوح مدلوله ) أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ( من الرسول والكتاب أو من الأمن من عذاب الله تعالى فلم يخافوا كما خاف آباؤهم الأقدمون كإسماعيل وأعقابه فآمنوا به وبكتابه ورسله وأطاعوه
المؤمنون : ( 69 ) أم لم يعرفوا . . . . .
) أم لم يعرفوا رسولهم ( بالأمانة والصدق وحسن الخلق وكمال العلم مع عدم التعلم إلى غير ذلك مما هو صفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ) فهم له منكرون ( دعواه لأحد هذه الوجوه إذ لا وجه له غيرها فإن إنكار الشيء قطعا أو ظنا إنما يتجه إذا ظهر امتناعه بحسب النوع أو اشخص أبو ببحث عما يدل عليه أقصى ما يمكن فلم يوجد(4/161)
" صفحة رقم 162 "
المؤمنون : ( 70 ) أم يقولون به . . . . .
) أم يقولون به جنة ( فلا يبالون بقوله وكانوا يعلمون أنه ( صلى الله عليه وسلم ) أرجحهم عقلا وأدقهم نظرا ) بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون ( لأنه يخالف شهواتهم وأهواءهم فلذلك أنكروه وإنما قيد الحكم بالأكثر لأنه كان منهم من ترك الإيمان استنكافا من توبيخ قومه أو لقلة فطنته وعدم فكرته لا كراهة للحق
المؤمنون : ( 71 ) ولو اتبع الحق . . . . .
) ولو اتبع الحق أهواءهم ( بأن كان في الواقع آلهة شتى ) لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ( كما سبق تقريره في قوله تعالى ) لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( وقيل لو اتبع الحق أهواءهم وانقلب باطلا لذهب ما قام به العالم فلم يبق أو لو اتبع الحق الذي جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أهواءهم وانقلب شركا لجاء الله بالقيامة وأهلك العالم من فرط غضبه أو لو اتبع الله أهواءهم بأن أنزل ما يشتهونه من الشرك والمعاصي لخرج عن الألوهية ولم يقدر أن يمسك السموات والأرض وهو على أصل المعتزلة ) بل أتيناهم بذكرهم ((4/162)
" صفحة رقم 163 "
بالكتاب الذي هو ذكرهم أي وعظهم أو صيتهم أو الذكر الذي تمنوه بقولهم ) لو أن عندنا ذكرا من الأولين ( وقرئ / بذكراهم / ) فهم عن ذكرهم معرضون ( لا يلتفتون إليه
المؤمنون : ( 72 ) أم تسألهم خرجا . . . . .
) أم تسألهم ( قيل أنه قسيم قوله ) أم به جنة ( ) خرجا ( أجرا على أداء الرسالة ) فخراج ربك ( رزقة في الدنيا أو ثوابه في العقبى ) خير ( لسعته ودوامه ففيه مندوحة لك عن عطائهم والخرج بإزاء الدخل يقال لكل ما تخرجه إلى غيرك والخراج غالب في لاضريبة على الأرض ففيه إشعار بالكثرة واللزوم فيكون أبلغ ولذلك عبر به عن عطاء الله إياه وقرأ ابن عامر / خرجا فخرج / وحمزة والكسائي / خراجا فخراج / للمزاوجة ) وهو خير الرازقين ( تقرير لخيرية خراجه تعالى
المؤمنون : ( 73 ) وإنك لتدعوهم إلى . . . . .
) وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم ( تشهد العقول السليمة على استقامته لا عوج فيه يوجب اتهامهم له واعلم أنه سبحانه ألزمهم الحجة وأزاح العلة في هذه الآيات بأن حصر أقسام ما يؤدي إلى الإنكار والاتهام وبين انتفاءها ما عدا كراهة الحق وقلة الفطنة
المؤمنون : ( 74 ) وإن الذين لا . . . . .
) وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط ( عن الصراط السوي ) لناكبون ( لعادلون عنه فإن خوف الآخرة أقوى البواعث على طلب الحق وسلوك طريقه
المؤمنون : ( 75 ) ولو رحمناهم وكشفنا . . . . .
) ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر ( يعني القحط ) للجوا ( لثبتوا واللجاج التمادي في الشيء ) في طغيانهم ( إفراطهم في الكفر والاستكبار عن الحق وعداوة الرسول والمؤمنين ) يعمهون ( عن الهدى روي أنهم قحطوا حتى أكلوا العلهز فجاء أبو سفيان إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أنشدك الله والرحم ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين قال بلى فقال قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فنزلت(4/163)
" صفحة رقم 164 "
المؤمنون : ( 76 ) ولقد أخذناهم بالعذاب . . . . .
) ولقد أخذناهم بالعذاب ( يعني القتل يوم بدر ) فما استكانوا لربهم ( بل أقاموا على عتوهم واستكبارهم واستكان استفعل من الكون لأن المفتقر انتقل من كون إلى كون أو افتعل من السكون أشبعت فتحته ) وما يتضرعون ( وليس من عادتهم التضرع وهو استشهاد على ما قبله
المؤمنون : ( 77 ) حتى إذا فتحنا . . . . .
) حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد ( يعني الجوع فإنه أشد من القتل والأسر ) إذا هم فيه مبلسون ( متحيزون آيسون من كل خير حتى جاءك أعتاهم يستعطفك
المؤمنون : ( 78 ) وهو الذي أنشأ . . . . .
) وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار ( لتحسوا بها ما نصب من الآيات ) والأفئدة ( لتتفكروا فيها وتستدلوا بها إلى غير ذلك من المنافع الدينية والدنيوية ) قليلا ما تشكرون ( تشكرونها شكرا قليلا لأن العمدة في شكرها استعمالها فيما خلقت لأجله والإذعان لمانحها من غير إشراك و ) ما ( صلة للتأكيد
المؤمنون : ( 79 ) وهو الذي ذرأكم . . . . .
) وهو الذي ذرأكم في الأرض ( خلقكم وبثكم فيها بالتناسل ) وإليه تحشرون ( تجمعون يوم القيامة بعد تفرقكم
المؤمنون : ( 80 ) وهو الذي يحيي . . . . .
) وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار ( ويختص به تعاقبهما لا يقدر على غيره فيكون ردا لنسبته إلى الشمس حقيقة أو لأمره وقضائه تعاقبهما أو انتقاص أحدهما وازدياد الآخر ) أفلا تعقلون ( بالنظر والتأمل أن الكل منا وأن قدرتنا تعم الممكنات كلها وأن البعث من جملتها وقرئ بالياء على أن الخطاب السابق لتغليب المؤمنين
المؤمنون : ( 81 ) بل قالوا مثل . . . . .
) بل قالوا ( أي كفار مكة ) مثل ما قال الأولون ( آباؤهم ومن دان بدينهم(4/164)
" صفحة رقم 165 "
المؤمنون : ( 82 ) قالوا أئذا متنا . . . . .
) قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ( استبعادا ولم يتأملوا أنهم كانوا قبل ذلك أيضا ترابا فخلقوا
المؤمنون : ( 83 ) لقد وعدنا نحن . . . . .
) لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين ( إلا أكاذيبهم التي كتبوها جمع أسطورة لأنه يستعمل فيما يتلهى به كالأعاجيب والأضاحيك وقيل جمع أسطار جمع سطر
المؤمنون : ( 84 - 85 ) قل لمن الأرض . . . . .
) قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون ( إن كنتم من أهل العلم أو من العالمين بذلك ، فيكون استهانة بهم وتقريرا لفرط جهالتم حتى جهلوا مثل هذا الجلي الوضح إلزاما بما لا يمكن لمن له مسكة من العلم إنكاره . ولذلك أخبر عن جوابهم قبل أن يجيبوا فقال : ) سيقولون لله ( لأن العقل الصريح قد اضطرهم بأدنى نظر إلى الإقرار بأنه خالقها ) قل ( أي بعد ما قالوه ) أفلا تذكرون ( فتعلمون أن من فطر الأرض ومن فيها ابتداء قادر على إيجادها ثانيا فإن بدء الخلق ليس أهون من إعادته وقرئ ) تتذكرون ( على الأصل
المؤمنون : ( 86 ) قل من رب . . . . .
) قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ( فإنهما أعظم من أعظم من ذلك
المؤمنون : ( 87 ) سيقولون لله قل . . . . .
) سيقولون لله ( قرأ أبو عمرو ويعقوب بغير لام فيه وفيمها بعده على ما يقتضيه لفظ السؤال ) قل أفلا تتقون ( عقابه فلا تشركوا به بعض مخلوقاته ولا تنكروا قدرته على بعض مقدوراته
المؤمنون : ( 88 ) قل من بيده . . . . .
) قل من بيده ملكوت كل شيء ( ملكه غاية ما يمكن وقيل خزائنه ) وهو يجير ( يغيث من يشاء ويحرسه ) ولا يجار عليه ( ولا يغاث أ د ولا يمنع منه وتعديته بعلى لتضمين معنى النصرة ) إن كنتم تعلمون )
المؤمنون : ( 89 ) سيقولون لله قل . . . . .
) سيقولون لله قل فأنى تسحرون ( فمن أين تخدعون فتصرعون عن الرشد مع ظهور الأمر وتظاهر الأدلة
المؤمنون : ( 90 ) بل أتيناهم بالحق . . . . .
) بل أتيناهم بالحق ( من التوحيد والوعد بالنشور ) وإنهم لكاذبون ( حيث أنكروا ذلك
المؤمنون : ( 91 ) ما اتخذ الله . . . . .
) ما اتخذ الله من ولد ( لتقدسه عن مماثلة أ د ) وما كان معه من إله ( يساهمه في(4/165)
" صفحة رقم 166 "
الألوهية ) إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ( جواب محاجتهم وجزاء شرط حذف لدلالة ما قبله عليه أي لو كان معه آلهة كما تقولن للذهب كل منهم بما خلقه واستبد به وامتاز ملكه عن ملك الآخرين وظهر بينهم التحارب والتغالب كما هو حال ملوك الدنيا فلم يكن بيده وحده ملكوت كل شيء واللازم باطل بالإجماع والإستقراء وقيام البرهان على استناد جميع الممكنات إلى واجب واحد ) سبحان الله عما يصفون ( من الولد والشريك لما سبق من الدليل على فساده
المؤمنون : ( 92 ) عالم الغيب والشهادة . . . . .
) عالم الغيب والشهادة ( خبر مبتدأ محذوف وقد جره ان ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وحفص على اللصفة وهو دليل آخر على نفي الشريك بناء على توافقهم في أنه المنفرد بذلك ولهذا رتب عليه ) فتعالى عما يشركون ( بالفاء
المؤمنون : ( 93 ) قل رب إما . . . . .
) قل رب إما تريني ( إن كان لا بد من أن تريني لأن ما والنون للتأكيد ) ما يوعدون ( من العذاب في الدنيا والآخرة
المؤمنون : ( 94 ) رب فلا تجعلني . . . . .
) رب فلا تجعلني في القوم الظالمين ( قرينا لهم في العذاب وهو إما لهضم النفس أو لأن شؤم الظلمة قد يحيق بم وراءهم كقوله تعالى ) واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ( عن الحسن أنه تعالى أخبر نبيه عليه السلام أنهله في أمته نقمة ولم يطلعه على وقتها فأمره بهذا الدعاء وتكرير النداء وتصدير كل واحد من الشرط والجزاء به فضل تضرع وجؤار
المؤمنون : ( 95 ) وإنا على أن . . . . .
) وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون ( لكنا نؤخر علمنا بأن بعضهم أو بعض أعقابهم يؤمنون أو لأنا لا نعذبهم وأنت فيهم ولعله رد لإنكارهم الموعود واستعجالهم له استهزاء به وقيل قد أراه وهو قتل بدر أو فتح مكة
المؤمنون : ( 96 ) ادفع بالتي هي . . . . .
) ادفع بالتي هي أحسن السيئة ( وهو الصفح عنها والإحسان في مقابلتها لكن بحيث لم يؤد إلى وهن في الدين وقيل هي كلمة التوحيد والسيئة الشرك وقيل هو الأمر بالمعروف والسيئة المنكر وهو أبلغ من ادفع بالحسنة السيئة لما فيه من التنصيص على(4/166)
" صفحة رقم 167 "
التفصيل ) نحن أعلم بما يصفون ( بما يصفونك به أو بوصفهم إياك على خلاف حالك وأقدر على جزائهم فوكل إلينا أمرهم
المؤمنون : ( 97 ) وقل رب أعوذ . . . . .
) وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين ( وساوسهم واصل الهمز النخس ومنه مهماز الرائض شبه حثهم الناس على المعاصي بهمز الراضة للدواب على امشي والجم للمرات أو لتنوع الوساوس أو لتعدد المضاف إليه
المؤمنون : ( 98 ) وأعوذ بك رب . . . . .
) وأعوذ بك رب أن يحضرون ( يحوموا حولي في شيء من الأحوال وتخصيص حال الصلاة وقراءة القرآن وحلول الأجل لأنها أحرى الأحوال بأن يخاف عليه
المؤمنون : ( 99 ) حتى إذا جاء . . . . .
) حتى إذا جاء أحدهم الموت ( متعلق ب ) يصفون ( وما بينهما اعتراض لتأكيد الأعضاء بالإستعاذة بالله من الشيطان أن يزله عن الحلم ويغريه على الإنتقام أو بقوله ) إنهم لكاذبون ( قال تحسرا على ما فرط فيه من الإسمان والطاعة لما اطلع على الأمر ) رب ارجعون ( ردوني إلى الدنيا والواو لتعظيم المخاطب وقيل لتكرير قوله ارجعني كما قيل في قفا وأطرقا
المؤمنون : ( 100 ) لعلي أعمل صالحا . . . . .
) لعلي أعمل صالحا فيما تركت ( في الإسمان الذي تركته أي لعلي آتي الإيمان وأعمل فيه وقيل في المال أو في الدنيا وعنه عليه الصلاة والسلام " قال إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا أنرجعك إلى الدنيا فيقول إلى دار الهموم والأحزان بل قدوما إلى الله تعالى وأما الكافر فيقول رب ارجعون " ) كلا ( ردع من طلب الرجعة واستبعاد لها ) إنها كلمة ( معنى قوله ) رب ارجعون ( الخ والكلمة الطائفة من الكلام المنتظم بعضها مع بعض ) هو قائلها ( لا محالة لتسلط الحسرة عليه ) ومن ورائهم ( أمامهم والضمير(4/167)
" صفحة رقم 168 "
للجماعة ) برزخ ( حائل بينهم وبين الرجعة ) إلى يوم يبعثون ( يوم القيامة وهو إقناط كلي عن الرجوع إلى الدنيا لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلى الدنيا وإنما الرجوع فيه غلى حياة تكون في الآخرة
المؤمنون : ( 101 ) فإذا نفخ في . . . . .
) فإذا نفخ في الصور ( لقيام الساعة والقراءة بفتح الواو وبه وبكسر الصاد يؤيد أن ) الصور ( أيضا جمع الصورة ) فلا أنساب بينهم ( تنفعهم لزاول التعاطف والتراحم من فرط الحيرة واستيلاء الدهشة بحيث يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه أو يفتخرون بها ) يومئذ ( كما يفعلون اليوم ) ولا يتساءلون ( ولا يسال بعضهم بعضا لاشتغاله بنفسه وهو لا يناقض قوله ) وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ( لأنه عند النفخة وذلك بعد المحاسبة أو دخول أهل الجنة الجنة والنار النار
المؤمنون : ( 102 ) فمن ثقلت موازينه . . . . .
) فمن ثقلت موازينه ( موزونات عقائده وأعماله أي فمن كانت له عقائد وأعمال صالحة يكون لها وزن عند الله تعالى وقدر ) فأولئك هم المفلحون ( الفائزون بالنجاة والدرجات .
المؤمنون : ( 103 ) ومن خفت موازينه . . . . .
) ومن خفت موازينه ( ومن لم يكن له ما يكون وزن ، وهم الكفار لقوله تعلى : ) فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ( ) فأولئك الذين خسروا أنفسهم ( غبنوها حيث ضبعوا زمان استكمالها وأبطلوا استعدادها لنيل كمالها ) في جهنم خالدون ( بدل من الصلة أو خير ثان ) فأولئك )
المؤمنون : ( 104 ) تلفح وجوههم النار . . . . .
) تلفح وجوههم النار ( تحرقها واللفح كالنفح إلا أنه أشد تأثيرا ) وهم فيها كالحون ( من شدة الاحتراق والكلوح تقلص الشفتين عن الأسنان وقرئ / كلحون / ) ألم تكن آياتي تتلى عليكم ( على إضمار القول أي يقال لهم
المؤمنون : ( 105 ) ألم تكن آياتي . . . . .
) ألم تكن ( ) فكنتم بها تكذبون ( تأنيب وتذكير لهم بما استحقوا هذا العذاب لأجله
المؤمنون : ( 106 ) قالوا ربنا غلبت . . . . .
) قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا ( ملكتنا بحيث صارت أحوالنا مؤدبة إلى سوء العاقبة وقرأ حمزة والكسائي / شقاوتنا / بالفتح كالسعادة وقرئ بالكسر كالكتابة ) وكنا قوما ضالين ( عن الحق(4/168)
" صفحة رقم 169 "
المؤمنون : ( 107 ) ربنا أخرجنا منها . . . . .
) ربنا أخرجنا منها ( من النار ) فإن عدنا ( إلى التكذيب ) فإنا ظالمون ( لأنفسنا
المؤمنون : ( 108 ) قال اخسؤوا فيها . . . . .
) قال اخسؤوا فيها ( اسكتوا سكوت هوان في النار فإنهما ليست مقام سؤال من خسأت الكلب إذا زجرته فخسأ ) ولا تكلمون ( في رفع العذاب أو لا تكلمون رأسا قيل إن أهل النار يقولون ألف سنة ) ربنا أبصرنا وسمعنا ( فيجابون ) حق القول مني ( فيقولون ألفا ) ربنا أمتنا اثنتين ( فيجابون ) إنكم ماكثون ( فيقولون ألفا ) ربنا أخرنا إلى أجل قريب ( فيحابون ) أولم تكونوا أقسمتم من قبل ( فيقولون ألفا ) ربنا أخرجنا نعمل صالحا ( فيجابون ) أولم نعمركم ( فيقولون ألفا ) رب ارجعون ( فيجابون ) اخسؤوا فيها ( ثم لا يكون لهم فيها إلا زفير وشهيق وعواء
المؤمنون : ( 109 ) إنه كان فريق . . . . .
) أنه ( إن الشأن وقرئ بالفتح أي لأنه ) كان فريق من عبادي ( يعني المؤمنين وقيل الصحابة وقيل أهل الصفة ) يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين ((4/169)
" صفحة رقم 170 "
المؤمنون : ( 110 ) فاتخذتموهم سخريا حتى . . . . .
) فاتخذتموهم سخريا ( هزؤا وقرأ نافع وحمزة والكسائي هنا وفي ) ص ( بالضم وهما مصدر سخر زيدت فيهما ياء النسب للمبالغة وعند الكوفيين المكسور بمعنى الهزء والمضموم من السخرة بمعنى الانقياد والعبودية ) حتى أنسوكم ذكري ( من فرط تشاغلكم بالاستهزاء بهم فلم تخافوني في أوليائي ) وكنتم منهم تضحكون ( استهزاء بهم
المؤمنون : ( 111 ) إني جزيتهم اليوم . . . . .
) إني جزيتهم اليوم بما صبروا ( على أذاكم ) أنهم هم الفائزون ( فوزهم بمجامع مراداتهم مخصوصين به وهو ثاني مفعولي ) جزيتهم ( وقرأ حمزة والكسائي بالكسر استئنافا
المؤمنون : ( 112 ) قال كم لبثتم . . . . .
) قال ( أي الله أو الملك المأمور بسؤالهم وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي على الأمر للملك أو لبعض رؤساء أهل النار ) كم لبثتم في الأرض ( أحياء أو أمواتا في القبور ) عدد سنين ( تميز لكم
المؤمنون : ( 113 ) قالوا لبثنا يوما . . . . .
) قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ( استقصارا لمدة لبثهم فيها بالنسبة إلى خلودهم في النار أو لأنها كانت أيام سرورهم وأيام السرور قصار أو لأنها منقضية والمنقضي في حكم المعدوم ) فاسأل العادين ( الذين يتمكنون من عد أيامها إن أردت تحقيقها فأنا لما نحن فيه من العذاب مشغولون عن تذكرها وإحصانها أو الملائكة الذين يعدون أعمار الناس ويحصون أعمالهم وقرئ ) العادين ( بالتخفيف أي الظلمة فإنهم يقولون ما تقول و ) العادين ( أي القدماء المعمرين فإنهم أيضا يستقصرون
المؤمنون : ( 114 ) قال إن لبثتم . . . . .
) قال ( وفي قراءة حمزة والكسائي ) قل ( ) إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون ( تصديق لهم في مقالهم
المؤمنون : ( 115 ) أفحسبتم أنما خلقناكم . . . . .
) أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ( توبيخ على تغافلهم و ) عبثا ( حال بمعنى عابثين أو(4/170)
" صفحة رقم 171 "
مفعوله له أي لم نخلقكم تلهيا بكم وإنما خلقناكم لنتعبدكم ونجازيكم على أعمالكم وهو كالدليل على البعث ) وأنكم إلينا لا ترجعون ( معطوف على ) أنما خلقناكم ( أو ) عبثا ( وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب بفتح التاء وكسر الجيم
المؤمنون : ( 115 ) أفحسبتم أنما خلقناكم . . . . .
) فتعالى الله الملك الحق ( الذي يحق له الملك مطلقا فإن من عداه مملوك بالذات مالك بالعرض من وجه دون وجه وفي حال دون حال ) لا إله إلا هو ( فإن ماعداه عبيد له ) رب العرش الكريم ( الذي يحيط بالأجرام وينزل منه محكمات الأقضية والأحكام ولذلك وصفه بالكرم أو لنسبته إلى أكرم الأكرمين وقرىء بالرفع على أنه صفة الرب
المؤمنون : ( 117 ) ومن يدع مع . . . . .
) ومن يدع مع الله إلها آخر ( يعبده إفرادا أو إشراكا ) لا برهان له به ( صفة أخرى لإلها لازمة له فإن الباطل لا برهان به جيء بها للتأكيد وبناء الحكم عليه تنبيها على أن التدين بما لا دليل عليه ممنوع فضلا عما دل الدليل على خلافه أو اعتراض بين الشرط والجزاء لذلك ) فإنما حسابه عند ربه ( فهو مجاز له مقدار ما يستحقه ) إنه لا يفلح الكافرون ( إن الشأن وقرئ بالفتح على التعليل أو الخبر أي حسابه عدم الفلاح بدأ السورة بتقرير فلاح المؤمنين وختمها بنفي الفلاح عن الكافرين
المؤمنون : ( 118 ) وقل رب اغفر . . . . .
ثم أمر رسوله بأن يستغفره ويسترحمه فقال ( وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين
( عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة المؤمنين بشرته الملائكة بالروح والريحان وما تقرأ به عينيه عند نزول ملك الموت وعنه عليه لاصلاة والسلام أنه قال لقد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ ) قد أفلح المؤمنون ( حتى ختم العشر وروي أن أولها وآخرها من كنوز الجنة من عمل بثلاث آيات من أولها واتعظ بأربع من آخرها فقد نجا وأفلح(4/171)
" صفحة رقم 172 "
سورة النور
مدنية وهي أربع وستون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
النور : ( 1 ) سورة أنزلناها وفرضناها . . . . .
) سورة ( أي هذه سورة أو فيما أوحينا إليك سورة ) أنزلناها ( صفتها ومن نصبها جعله مفسرا لناصبها فلا يكون له محل إلا إذا قدر اتل أو دونك نحوه ) وفرضناها ( وفرضنا ما فيها من الأحكام وشدده ابن كثير وأبو عمرو ولكثرة فرائضها أو المفروض عليهم أو للمبالغة في إيجابها ) وأنزلنا فيها آيات بينات ( واضحات الدلالة ) لعلكم تذكرون ( فتتقون المحارم وقرئ بتخفيف الذال
النور : ( 2 ) الزانية والزاني فاجلدوا . . . . .
) الزانية والزاني ( أو فيما فرضنا أو أنزلنا حكمها وهو الجلد ويجوز أن يرفعا بالابتداء والخبر ) فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ( والفاء لتضمنها معنى الشرط إذ اللام بمعنى الذي وقرئ بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر وهو أحسن من نصب سورة لأجل الأمر والزان بلا ياء وإنما قدم ) الزانية ( لأن الزنا في الأغلب يكون بتعرضها للرجل وعرض نفسها عليه ولأن مفسدته تتحقق بالإضافة إليها والجلد ضرب الجلد وهو حكم يخص بمن ليس بمحصن لما دل على أن حد المحصن هو الرجم وزاد الشافعي عليه تغريب الحر سنة لقوله عليه الصلاة والسلام البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام وليس في الآية ما يدفعه لينسخ أحدهما الآخر نسخا مقبولا أو مردودا وله في العبد ثلاثة أقوال والإحصان بالحرية والبلوغ والعقل والإصابة في نكاح صحيح واعتبرت الحنفية(4/172)
" صفحة رقم 173 "
الإسلام أيضا وهو مردود برجمه عليه الصلاة والسلام يهوديين ولا يعارضه من أشرك بالله فليس بمحصن إذ المراد بالمحصن الذي يقتنص له من المسلم ) ولا تأخذكم بهما رأفة ( رحمة ) في دين الله ( في طاعته وإقامة حده فتعطلوه أن تسامحوا فيه ولذلك قال عليه الصلاة والسلام لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها وقرأ ابن كثير بفتح الهمزة وقرئت بالمد على فعالة ) إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ( فإن الإيمان يقتضي الجد في طاعة الله تعالى والاجتهاد في إقامة حدوده وأحكامه وهو من باب التهييج ) وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ( زيادة في التنكيل فإن التفضيح قد ينكل أكثر مما ينكل التعذيب وال ) طائفة ( فرقة يمكن أن تكون حافة حول شيء من الطوف وأقلها ثلاثة وقيل واحد واثنان والمراد جمع يحصل به التشهير
النور : ( 3 ) الزاني لا ينكح . . . . .
) الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ( إذ الغالب أن المائل إلى الزنا لا يرغب في نكاح الصوالح والمسافحة لا يرغب فيها الصلحاء فإن المشاكلة علة للألفة والتضام والمخافة سبب للنفرة والإفتراق وكان حق المقابلة أن يقال والزانية لا تنكح إلا من هو زان أو مشرك لكن المراد بيان أحوال الرجال في الرغبة فيهن لأن الآية نزلت في ضعفة المهاجرين لما هموا أن يتزوجوا بغايا يكرين أنفسهن لينفقن لأن الآية عليهم من أكسابهن على عادة الجاهلية ولذلك قدم الزاني ) وحرم ذلك على المؤمنين ( لأنه تشبه بالفساق وتعرض للتهمة وتسبب لسوء القالة والطعن في النسب وغير ذلك من المفاسد ولذلك عبر عن التنزيه بالتحريم مبالغة وقيل النفي بمعنى النهي وقد قرىء به(4/173)
" صفحة رقم 174 "
والحرمة على ظاهرها والحكم مخصوص بالسبب الذي ورد فيه أو منسوخ بقوله تعالى ) وأنكحوا الأيامى منكم ( فإنه يتناول المسافحات ويؤيده أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن ذلك فقال " أوله سفاح وآخره نكاح والحرام لا يحرم الحلال " وقيل المراد بالنكاح الوطء فيؤول إلى نهي الزاني عن الزنا إلا بزانية والزانية أن يزني بها إلا زان وهو فاسد
النور : ( 4 ) والذين يرمون المحصنات . . . . .
) والذين يرمون المحصنات ( يقذفونهن بالزنا لوصف المقذوفات بالإحصان وذكرهن عقيب الزاني واعتبار أربعة شهداء بقوله ) ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ( والقذف بغيره مثل يا شارب الخمر يوجب التعزير كقذف غير المحصن والإحصان ها هنا بالحرية والبلوغ والعقل والإسلام والعفة عن الزنا ولا فرق فيه بين الذكر والأنثى وتخصيص ) المحصنات ( لخصوص الواقعة أو لأن قذف النساء أغلب وأشنع ولا يشترط اجتماع الشهود عند الآداء ولا تعتبر شهادة زوج المقذوفة خلافا لأبي حنيفة وليكن ضربه أخف من ضرب الزنا لضعف سببه واحتماله ولذلك نقص عدده ) ولا تقبلوا لهم شهادة ( أي شهادة كانت لأنه مفتر وقيل شهادتهم في القذف ولا يتوقف ذلك على استيفاء الجلد خلافا لأبي حنيفة فإن الأمر بالجلد والنهي عن القبول سيان في وقوعهما جوابا للشرط لا ترتيب بينهما فيترتبان عليه دفعة كيف وحاله قبل الجلد اسوأ مما بعده ) أبدا ( ما لم يتب بينهما فيترتبان عليه دفعة كيف وحاله قبل الجلد اسوأ مما بعده أبدا ما لم يتب وعند أبي حنيفة إلى آخر عمره ) وأولئك هم الفاسقون ( المحكوم بفسقهم
النور : ( 5 ) إلا الذين تابوا . . . . .
) إلا الذين تابوا ( عن القذف ) من بعد ذلك وأصلحوا ( أعمالهم بالتدارك ومنه الإستسلام للحد أو الإستحلال من المقذوف والإستثناء راجع إلى أصل الحكم وهو اقتضاء الشرط لهذه الأمور ولا يلزمه سقوط الحد به كما قيل لأن من تمام التوبة(4/174)
" صفحة رقم 175 "
الاستسلام له أو الاستحلال ومحل المستثنى النصب على الاستثناء وقيل إلى النهي ومحله الجر على البدل من هم في لهم وقيل إلى الأخيرة ومحله النصب لأنه من موجب وقيل منقطع متصل بما بعده ) فإن الله غفور رحيم ( علة للاستثناء
النور : ( 6 ) والذين يرمون أزواجهم . . . . .
) والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ( نزلت في هلال بن أمية رأى رجلا على فراشه وأنفسهم بدل من شهداء أو صفة لهم على أن إلا بمعنى غير ) فشهادة أحدهم أربع شهادات ( فالواجب شهادة أحدهم أو فعليهم شهادة أحدهم و ) أربع ( نصب على المصدر وقد رفعه حمزة والكسائي وحفص على أنه خبر ) شهادة ( ) بالله ( متعلق بشهادات لأنها أقرب وقيل بشهادة لتقدمها ) إنه لمن الصادقين ( أي فيما رماها به من الزنا وأصله على أنه فحذف الجار وكسرت إن وعلق العامل عنه باللام تأكيدا
النور : ( 7 ) والخامسة أن لعنة . . . . .
) والخامسة ( والشهادة الخامسة ) أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ( في الرمي هذا لعان الرجل وحكمه سقوط حد القذف عنه وحصول الفرقة بينهما بنفسه فرقة فسخ عندنا لقوله عليه الصلاة والسلام المتلاعنان لا يجتمعان أبدا وتفريق الحاكم فرقة طلاق عند أبي حنيفة ونفي الولد أن تعرض له فيه وثبوت حد الزنا على المرأة
النور : ( 8 ) ويدرأ عنها العذاب . . . . .
) ويدرأ عنها العذاب ( أي الحد ) أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين )
النور : ( 9 ) والخامسة أن غضب . . . . .
) والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ( في ذلك ورفع الخامسة(4/175)
" صفحة رقم 176 "
بالابتداء وما بعدها الخبر أو بالعطف على أن تشهد ونصبها حفص عطفا على ) أربع ( وقرأ نافع ويعقوب ) أن لعنة الله ( و ) أن غضب الله ( بتخفيف النون فيهما وكسر الضاد وفتح الباء من ) غضب ( ورفع الهاء من اسم ) الله ( والباقون بتشديد النون فيهما ونصب التاء وفتح الضاد وجر الهاء
النور : ( 10 ) ولولا فضل الله . . . . .
) ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم ( متروك الجواب للتعظيم أي لفضحكم وعاجلكم بالعقوبة
النور : ( 11 ) إن الذين جاؤوا . . . . .
) الذين جاؤوا بالإفك ( بأبلغ ما يكون من الكذب من الإفك وهو الصرف لأنه قول مأفوك عن وجهه والمراد ما أفك به على عائشة رضي الله تعالى عنها وذلك أنه عليه الصلاة والسلام استصحبها في بعض الغزوات فأذن ليلة في القفول بالرحيل فمشت لقضاء حاجة ثم عادت إلى الرحل فلمست صدرها فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع فرجعت لتتلمسه فظن الذي كان يرحلها أنها دخلت الهودج فرحله على مطيتها وسار فلما عادت إلى منزلها لم تجد ثمة أحدا فجلست كي يرجع إليها منشد وكان صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه قد عرس وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلها فعرفها فأناخ راحلته فركبتها فقادها حتى أتيا الجيش فاتهمت به ) عصبة منكم ( جماعة منكم وهي من العشرة إلى الأربعين وكذلك العصابة يريد عبد اله بن أبي وزيد بن رفاعة وحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم وهي خبر إن وقوله ) لا تحسبوه شرا لكم ( مستأنف والخطاب للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وأبي بكر وعائشة وصفوان رضي اله تعالى عنهم والهاء للإفك ) بل هو خير لكم ( لاكتسابكم به الثواب العظيم وظهور كرامتكم على الله بإنزال ثماني عشرة آية في براءتكم وتعظيم شأنكم وتهويل الوعيد لمن تكلم فيكم والثناء على من ظن بكم خيرا ) لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ( لكل جزاء ما اكتسب بقدر ما خاض فيه مختصا به ) والذي تولى كبره ( معظمه وقرأ يعقوب بالضم وهو لغة فيه ) منهم ( من الخائضين وهو ابن أب فإنه بدأ به وأذاعه عداوة(4/176)
" صفحة رقم 177 "
لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو هو وحسان ومسطح فإنهما شايعاه بالتصريح به ) والذي ( بمعنى الذين ) له عذاب عظيم ( في الآخرة أو في الدنيا بأن جلدوا وصار ابن أبي مطرودا مشهورا بالنفاق وحسان أعمى أشل اليدين ومسطح مكفوف البصر
النور : ( 12 ) لولا إذ سمعتموه . . . . .
) لولا ( هلا ) إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ( بالذين منهم من المؤمنين والمؤمنات كقوله تعالى ) ولا تلمزوا أنفسكم ( وإنما عدل فيه من الخطاب إلى الغيبة مبالغ في التوبيخ وإشعارا بأن الإيمان يقتضي ظن الخير بالمؤمنين والكف عن الطعن فيهم وذب الطاعنين عنهم كما يذوبهم عن أنفسهم وإنما جاز الفصل بين ) لولا ( وفعله بالظرف لأنه منزل منزلته من حيث إنه لا ينفك عنه وذلك يتسع فيه مالا يتسع في غيره وذلك لأن ذكر الظرف أهم فإن التحضيض على أن لا يخلوا بأوله ) وقالوا هذا إفك مبين ( كما يقول المستقين المطلع على الحال
النور : ( 13 ) لولا جاؤوا عليه . . . . .
) لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ( من ملة المقول تقريرا لكونه كذبا فإن ما لا حجة عليه كذب عند الله أي في حكمه ولذلك رتب الحد عليه
النور : ( 14 ) ولولا فضل الله . . . . .
) ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة ( لولا هذه لا متناع الشيء لوجود غيره والمعنى لولا فضل الله عليكم في الدنيا بأنواع النعم التي من جملتها الإمهال للتوبة ) ورحمته ( في الآخرة بالعفو والمغفرة المقدران لكم ) لمسكم ( عاجلا ) فيما أفضتم ( خضتم ) فيه عذاب عظيم ( يستحقر دونه اللوم والجلد(4/177)
" صفحة رقم 178 "
النور : ( 15 ) إذ تلقونه بألسنتكم . . . . .
) إذ ( ظرف ) لمسكم ( أو ) أفضتم ( ) تلقونه بألسنتكم ( يأخذه بعضكم من بعض بالسؤال عنه يقال تلقى القول كتلقفه وتلقنه قرىء / تتلقونه / على الأصل و ) تلقونه ( من لقيه إذا لقفه و ) تلقونه ( بكسر حرف المضارعة و ) تلقونه ( من إلقائه بعضهم على بعض و ) تلقونه ( وتألقونه من الألق والألق وهو الكذب وتثقونه من ثقفته إذا طلبته فوجدته و ) تلقونه ( أي تتبعونه ) وتقولون بأفواهكم ( أي و تقولون كلاما مختصا بالأفواه بلا مساعدة من القلوب ) ما ليس لكم به علم ( لأنه ليس تعبيرا عن علم به في قلوبك كقوله تعالى ) يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ( ) وتحسبونه هينا ( سهلا لا تبعة له ) وهو عند الله عظيم ( في الاوزر واستجرار العذاب فهذه ثلاثة آثام مترتبة علق بها مس العذاب العظيم تلقي الإفك بألسنتهم والتحدث به من غير تحقق واستصغارهم لذلك وهو عند الله عظيم
النور : ( 16 ) ولولا إذ سمعتموه . . . . .
) ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا ( ما ينبغي وما يصح لنا ) أن نتكلم بهذا ( يجوز أن تكون الإشارة إلى القول المخصوص وأن تكون إلى نوعه فإن قذف آحاد الناس محرم شرعا فضلا عن تعرض الصديقة ابنة الصديق حرمة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) سبحانك ( تعجب من ذلك الإفك أو ممن يقول ذلك وأصله أن يذكر عند كل متعجب أو تنزيها لله تعالى من أن يصعب عليه مثله ثم كثر فاستعمل لك متعجب أو تنزيه لله تعالى من أن تكون حرمة نبيه فاجرة فإن فجورها ينفر عنه ويخل بمقصود الزاوج بخلاف كفرها فيكون تقريرا لما قبله وتمهيدا لقوله ) هذا بهتان عظيم ( لعظمة المبهوت عليه فإن حقارة الذنوب وعظمها باعتبار متعلقاتها
النور : ( 17 ) يعظكم الله أن . . . . .
) يعظكم الله أن تعودوا لمثله ( كراهة أن تعودوا أو في أن تعودوا ) أبدا ( ما دمتم أحياء مكلفين ) إن كنتم مؤمنين ( فإن الإيمان يمنع عنه وفيه تهييج وتقريع(4/178)
" صفحة رقم 179 "
النور : ( 18 ) ويبين الله لكم . . . . .
) ويبين الله لكم الآيات ( الدالة على الشرائع ومحاسن الآداب كي تتعظوا وتتأدبوا ) والله عليم ( بالأحوال كلها ) حكيم ( في تدابيره ولا يجوز الكشخنة على نبيه ولا يقرره عليها
النور : ( 19 ) إن الذين يحبون . . . . .
) إن الذين يحبون ( يريدون ) أن تشيع ( أن تنتشر ) الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ( بالحد والسعير إلى غير ذلك ) والله يعلم ( ما في الضمائر ) وأنتم لا تعلمون ( فعاقبوا في الدنيا على ما دل عليه الظاهر والله سبحانه يعاقب على ما في القلوب من حب الإشاعة
النور : ( 20 ) ولولا فضل الله . . . . .
) ولولا فضل الله عليكم ورحمته ( تكرير للمنة بترك المعاجلة بالعقاب للدلالة على عظم الجريمة ولذا عطف قوله ) وأن الله رؤوف رحيم ( على حصول فضله ورحمته عليهم وحذف الجواب وهو مستغنى عنه بذكر مرة
النور : ( 21 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ( بإشاعة الفاحشة وقرئ بفتح الطاء وقرأ نافع والبزي وأبو عمرو وأبو بكر وحمزة بسكونها ) ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ( بيان لعلة النهي عن اتباعه و ) الفحشاء ( ما أفرط قبحه و ) المنكر ( ما أنكره الشرع ) ولولا فضل الله عليكم ورحمته ( بتوفيق التوبة الماحية للذنوب وشرع الحدود المكفرة لها ) زكا ( ما طهر من دنسها ) منكم من أحد أبدا ( آخر الدهر ) ولكن الله يزكي من يشاء ( بحمله على التوبة وقبولها ) والله سميع ( لمقالهم ) عليم ( بنياتهم
النور : ( 22 ) ولا يأتل أولوا . . . . .
) ولا يأتل ( ولا يحلف افتعال من الألية أو ولا يقصر من الألو ويؤيد الأول أنه قرئ ولا / يتأل / وأنه نزل في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وقد حلف أن لا ينفق على مسطح بعد وكان ابن خالته وكان من فقراء المهاجرين ) أولوا الفضل منكم ( في الدين ) والسعة ( في المال وفيه دليل على فضل أبي بكر وشرفه رضي الله تعالى عنه ) أن يؤتوا ( على أ لا ) يؤتوا ( أو في ) أن يؤتوا ( وقرئ بالتاء على الالتفات ) أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ( صفات لموصوف واحد أي ناسا جامعين لها(4/179)
" صفحة رقم 180 "
لأن الكلام فيمن كان كذلك أو لموصفات أقيمت مقامها فيكون أبلغ في تعليل المقصود ) وليعفوا ( عما فرط منهم ) وليصفحوا ( بالإغماض عنه ) ألا تحبون أن يغفر الله لكم ( على عفوكم وصفحكم وإحسانك إلى من أساء إليكم ) والله غفور رحيم ( مع كمال قدرته فتخلقوا بأخلاقه روي أنه عليه الصلاة والسلام قرأها على أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقال بلى أحب ورجع إلى مسطح نفقته
النور : ( 23 ) إن الذين يرمون . . . . .
) إن الذين يرمون المحصنات ( العفائف ) الغافلات ( عما قذفن به ) المؤمنات ( بالله وبرسوله استباحة لعرضهن وطعنا فيهن ) ولهم عذاب عظيم ( لعظم ذنوبهم وقيل هو حكم كل قاذف ما لم يتب وقيل مخصوص بمن قذف أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولذلك قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا توبة له ولو فتشت وعيدات القرآن لتجد أغلظ مما نزل في إفك عائشة رضي الله تعالى عنها
النور : ( 24 ) يوم تشهد عليهم . . . . .
) يوم تشهد عليهم ( ظرف لما في لهم من معنى الإستقرار لا للعذاب لأنه موصوف وقرأ حمزة والكسائي بالياء للتقدم والفصل ) ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ( يعترفون بها بإنطاق الله تعالى إياها بغير اختيارهم أبو بظهور آثاره عليها وفي ذلك مزيد تهويل للعذاب(4/180)
" صفحة رقم 181 "
النور : ( 25 ) يومئذ يوفيهم الله . . . . .
) يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ( جزاءهم المستحق ) ويعلمون ( لمعاينتهم الأمر ) أن الله هو الحق المبين ( الثابت بذاته الظاهر ألوهيته لا يشاركه في ذلك غيره ولا يقدر على الثواب والعقاب سواه أو ذو الحق البين أي العادل الظاهر عدله ومن كان هذا شأنه ينتقم من الظالم للمظلوم لا محالة
النور : ( 26 ) الخبيثات للخبيثين والخبيثون . . . . .
) الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات ( أي الخبائث يتزوجن الخباث وبالعكس وكذلك أهل الطيب فيكون كالدليل على قوله ) أولئك ( يعني أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو الرسول وعائشة وصفوان رضي الله تعالى عنهم ) مبرؤون مما يقولون ( إذ لو صدق لم تكن زوجته عليه السلام ولم يقرر عليها وقيل ) الخبيثات ( ) والطيبات ( من الأقوال والإشارة إلى الطيبين والضمير في ) يقولون ( للآفكين أي مبرؤون مما يقولون فيهم أو ) للخبيثين ( و ) الخبيثات ( أي مبرؤون من أن يقولوا مثل قولهم ) لهم مغفرة ورزق كريم ( يعني الجنة ولقد برأ الله أربعة بأربعة برأ يوسف عليه السلام بشاهد من أهلها وموسى عليه الصلاة والسلام من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه ومريم بإنطاق ولدها وعائشة رضي الله تعالى عنها بهذه الآيات الكريمة مع هذه المبالغة وما ذلك إلا لإظهار منصب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وإعلاه منزلته
النور : ( 27 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم ( التي تسكنوها فإن الآجر والمعير أيضا لا يدخلان إلا بإذن ) حتى تستأنسوا ( تستأذنوا من الإستنئناس بمعنى الإستعلام من آنس الشيء إذا ابصره فإن المستأذن مستعلم للحال مستكشف أنه هل يراد دخوله أو يؤذن له أو من الإستئناس الذي هو خلاف الإستيحاش فإن المستأذن مستوحش خائف أن لا يؤذن له فإذا أذن له استأنس أو تتعرفوا هل ثم إنسان من الإنس ) وتسلموا على أهلها ( بأن تقولوا السلام لعيكم أأدخل وعنه عليه الصلاة والسلام التسليم أن يقول السلام عليكم(4/181)
" صفحة رقم 182 "
أأدخل ثلاث مرات فإن أذن له دخل وإلا رجع ) ذلكم خير لكم ( أي الاستئذان أو التسليم خير لكم من أن تدخلوا بغتة أو من تحية الجاهلية كان الرجل منهم إذا دخل بيتا غير بيته قال حييتم صباحا أو حييتم مساء ودخل فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف وروي أن رجلا قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أأستأذن على أمي قال نعم قال إنها ليس لها خادم غيري أأستأذن عليها كلما دخلت قال أتحب أن تراها عريانة قالا لا قال فاستأذن ) لعلكم تذكرون ( متعلق بمحذوف أي أنزل عليكم أو قيل لكم هذا إرادة أن تذكروا وتعملوا بما هو أصلح لكم
النور : ( 28 ) فإن لم تجدوا . . . . .
) فإن لم تجدوا فيها أحدا ( يأذن لكم ) فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم ( حتى يأتي من يأذن لكم فإن المانع من الدخول ليس الاطلاع على العورات فقط بل وعلى ما يخفيه الناس عادة مع أن التصرف في ملك الغير بغير إذنه محظور واستثنى ما إذا عرض فيه حرق أو غرق أو كان فيه منكر ونحوها ) وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا ( ولا تلحوا ) هو أزكى لكم ( الرجوع أطهر لكم عما لا يخلو الإلحاح والوقوف على الباب عنه من الكراهة وترك المروءة أو أنفع لدينكم ودنياكم ) والله بما تعملون عليم ( فيعلم ما تأتون وما تذرون مما خوطبتم به فيجازيكم عليه
النور : ( 29 ) ليس عليكم جناح . . . . .
) ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة ( كالربط والحوانيت والخانات والخانقات ) فيها متاع ( استماع ) لكم ( كالاستكنان من الحر والبرد وإيواء الأمتعة والجلوس للمعاملة وذلك استثناء من الحكم السابق لشموله البيوت المسكونة وغيرها ) والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ( وعيد لمن دخل مدخلا لفساد أو تطلع على عورات
النور : ( 30 ) قل للمؤمنين يغضوا . . . . .
) قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ( أي ما يكون نحو محرم ) ويحفظوا فروجهم ( إلا على أزواجهم أو ما ملكت إيمانهم ولما كان المستثنى منه كالشاذ النادر بخلاف الغض(4/182)
" صفحة رقم 183 "
أطلقه وقيد الغض بحرف التبعيض وقيل حفظ الفروج ها هنا خاصة سترها ) ذلك أزكى لهم ( أنفع لهم أو أطهر لما فيه من البعد عن الريبة ) إن الله خبير بما يصنعون ( لا يخفى عليه إجالة أبصارهم واستعمال سائر حواسهم وتحريك جوارحهم وما يقصدون بها فليكونوا على حذر منه في كل حركة وسكون
النور : ( 31 ) وقل للمؤمنات يغضضن . . . . .
) وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ( فلا ينظرن إلى ما لا يحل لهن النظر إليه من الرجال ) ويحفظن فروجهن ( بالتستر أو التحفظ عن الزنا وتقديم الغض لأن النظر بريد الزنا ) ولا يبدين زينتهن ( كالحلي والثياب والأصباغ فضلا عن مواضعها لمن لا يحل أن تبدى له ) إلا ما ظهر منها ( عند مزاولة الأشياء كالثياب والخاتم فإن في سترها حرجا وقيل المراد بالزينة مواضعها على حذف المضاف أو ما يعم المحاسن الخلقية والتزيينية والمستثنى هو الوجه والكفان لأنها ليست بعورة والأظهر أن هذا في الصلاة لا في النظر فإن كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها إلا لضرورة كالمعالجة وتحمل الشهادة ) وليضربن بخمرهن على جيوبهن ( سترا لأعناقهن وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو وهشام بضم الجيم ) ولا يبدين زينتهن ( كرره لبيان من يحل الإبداء ومن لا يحل له ) إلا لبعولتهن ( فإنهم المقصودون بالزينة ولهم أن ينظروا إلى جميع بدنهن حتى الفرج بكره ) أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن ( لكثرة مداخلتهم عليهن واحتياجهن إلى مداخلتهم وقلة توقع الفتنة من قبلهم لما في الطباع من النفرة عن مماسة القرائب ولهم أن ينظروا منهن ما يبدو عند المهنة والخدمة وإنما لم يذكر الأعمام والأخوال لأنهم في معنى الإخوان أولان الأحوط أن يتسترن عنهم حذرا أن يصفوهن لأبنائهم ) أو نسائهن ( يعني المؤمنات فإن الكافرات لا يتحرجن عن وصفهن للرجال أو النساء كلهن وللعلماء في ذلك خلاف(4/183)
" صفحة رقم 184 "
) أو ما ملكت أيمانهن ( يعم الإماء والعبيد لما روي أنه عليه الصلاة والسلام أتى فاطمة بعبد وهبه لها وعليها ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت رجليها لم يبلغ رأسها فقال عليه الصلاة والسلام إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك وقيل المراد بها الإماء وعبد المرأة كالأجنبي منها ) أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال ( أي أولي الحاجة إلى النساء وهم الشيوخ الهم والممسوحون وفي المحبوب والخصي خلاف وقيل البله الذين يتبعون الناس لفضل طعامهم ولا يعرفون شيئا من أمور النساء وقرأ ابن عامر وأبو بكر غير بالنصب على الحال ) أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ( لعدم تمييزهم من الظهور بمعنى الاطلاع أو لعدم بلوغهم حد الشهوة من الظهور بمعنى الغلبة والطفل جنس وضع موضع الجمع اكتفاء بدلالة الوصف ) ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ( ليتقعقع خلخالخها فيعلم أنها ذات خلخال فإن ذلك يورث ميلا في الرجال وهو أبلغ من النهي عن إظهار الزينة وأدل على المنع من رفع الصوت ) وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون ( إذ لا يكاد يخلو أحد منكم من تفريط سيما في الكف عن الشهوات وقيل توبوا مما كنتم تفعلونه في الجاهلية فإنه وإن جب بالإسلام لكنه يجب الندم عليه والعزم على الكف عنه كلما يتذكر وقرأ ابن عامر ) أيها المؤمنون ( وفي الثلاثة والباقون بفتحها ووقف أبو عمرو والكسائي عليهن بالألف ووقف الباقون بغير الألف ) لعلكم تفلحون ( بسعادة الدارين
النور : ( 32 ) وأنكحوا الأيامى منكم . . . . .
) وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ( لما نهى عما عسى يفضي إلى السفاح المخل بالنسب المقتضي للألفة وحسن التربية ومزيد الشفقة المؤدية إلى بقاء النوع بعد الزجر عنه مبالغة فيه عقبه بأمر النكاح الحافظ له والخطاب للأولياء والسادة وفيه دليل على وجوب تزويج المولية والمملوك وذلك عند طلبهما وإشعار بأن المرأة والعبد لا(4/184)
" صفحة رقم 185 "
يستبدان به إذ لو استبدا لما وجب على الولي والمولى و ) الأيامى ( مقلوب أيايم كيتامى جمع أيم وهو العزب ذكرا كان أو أنثى بكرا كان أو ثيبا قال " فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي وإن كنت أفتى منكم أتأيم " وتخصيص 0 الصالحين لأن إحصان دينهم والاهتمام بشأنهم أهم وقيل المراد الصالحون للنكاح والقيام بحقوقه ) إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ( رد لما عسى يمنع من النكاح والمعنى لا يمنعن فقر الخاطب أو المخطوبة من المناكحة فإن في فضل الله غنية عن المال فإنه غاد ورائح أو وعد من الله بالإغناء لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) اطلبوا الغنى في هذه الآية لكن مشروط بالمشيئة كقوله تعالى ) وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء ( ) والله واسع ( ذو سعة لا تنفذ نعمته إذ لا تنتهي قدرته ) عليم ( يبسط الرزق ويقدر على ما تقتضيه حكمته
النور : ( 33 ) وليستعفف الذين لا . . . . .
) وليستعفف ( وليجتهد في العفة وقمع الشهوة ) الذين لا يجدون نكاحا ( أسبابه ويجوز أن يراد بالنكاح ما ينكح به أو بالوجدان التمكن منه ) حتى يغنيهم الله من فضله ( فيجدوا ما يتزوجون به ) والذين يبتغون الكتاب ( المكاتبة وهو أن يقول الرجل لمملوكه كاتبتك على كذا من الكتاب لأن السيد كتب على نفسه عتقه إذا أدى المال أو لأنه مما يكتب لتأجيله أو من الكتب بمعنى الجمع لأن العوضض فيه يكون منجما بنجوم يضم بعضها إلى بعض ) مما ملكت أيمانكم ( عبدا كان أو أمة والموصول بصلته مبتدأ خبره ) فكاتبوهم ( أو مفعول لمضمر هذا تفسيره والفاء لتضمن معنى الشرط والأمر فيه للندب عند أكثر العلماء لأن الكتابة معاوضة تتضمن الارفاق فلا تجب كغيرها واحتجاج الحنفية(4/185)
" صفحة رقم 186 "
بإطلاقه على جواز الكتابة الحالية ضعيف لأن المطلق لا يعم مع أن العجز عن الأداء في الحال يمنع صحتها كما في السلم فيما لا يوجد عند المحل ) إن علمتم فيهم خيرا ( أمانة وقدرة على أداء المال بالاحتراف وقد روي مثله مرفوعا وقيل صلاحا في الدين وقيل مالا وضعفه ظاهر لفظا ومعنى وهو شرط الأمر فلا يلزم من عدمه عدم الجواز ) وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ( أمر للموالي كما قبله بأن يبذلوا لهم شيئا من أموالهم وفي معناه حط شيء من مال الكتابة وهو للوجوب عند الأكثر ويكفي أقل ما يتمول وعن علي رضي الله تعالى عنه يحط الربع وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الثلث وقيل ندب لهم إلى الإنفاق عليهم بعد أن يؤتوا ويعتقوا وقيل أمر لعامة المسلمين بإعانة المكاتبين وإعطائهم سهمهم من الزكاة ويحل للمولى وإن كان غنيا لأنه لا يأخذه صدقة كالدائن والمشتري ويدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام في حديث بريرة هو لها صدقة ولنا هدية ) ولا تكرهوا فتياتكم ( إماءكم ) على البغاء ( على الزنا كانت لعبد اله بن أبي ست جوار يكرههن على الزنا وضرب عليهن الضرائب فشكا بعضهن إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت ) إن أردن تحصنا ( تعففا شرط للإكراه فإنه لا يوجد دونه وإن جعل شرطا للنهي لم يلزم من عدمه جواز الإكراه لجواز أن يكون ارتفاع النهي بامتناع المنهي عنه وإيثار إن على إذا لأن إرادة التحصن من الإماء كالشاذ النادر ) لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ((4/186)
" صفحة رقم 187 "
أي لهن أوله إن تاب والأول أوفق للظاهر ولما في مصحف ابن مسعود رضي الله تعالى عنه من بعد إكراههن لهن غفور رحيم ولا يرد عليه أن المكرمة غير آثمة فلا حاجة إلى المغفرة لأن الإكراه لا ينافي المؤاخذة بالذات ولذلك حرم على المكره القتل وأوجب عليه القصاص
النور : ( 34 ) ولقد أنزلنا إليكم . . . . .
) ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ( يعني التي بنيت في هذه السورة وأوضحت فيها الأحكام والحدود وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي بالكسر في هذا وفي ) الطلاق ( لأنها واضحات تصدقها الكتب المتقدمة والعقول المستقيمة من بين بمعنى تبين أو لأنها بينت الأحكام والحدود ) ومثلا من الذين خلوا من قبلكم ( أو ومثلا من أمثال من قبلكم أي وقصة عجيبة مثل قصصهم وهي قصة عائشة رضي الله تعالى عنها فإنها كقصة يوسف ومريم ) وموعظة للمتقين ( يعني ما وعظ به في تلك الآيات وتخصيص المتقين لأنهم المنتفعون بها وقيل المراد بالآيات القرآن والصفات المذكورة صفاته
النور : ( 35 ) الله نور السماوات . . . . .
) الله نور السماوات والأرض ( النور في الأصل كيفية تدركها الباصرة أولا وبواسطتها سائر المبصرات كالكيفية الفائضة من النيرين على الأجرام الكثيفة المحاذية لهما وهو بهذا المعنى لا يصح إطلاقه على الله تعالى إلا بتقدير مضاف كقولك زيد كرم بمعنى ذو كرم أو على تجوز إما بمعنى منور السموات والأرض وقد قرئ به فإنه تعالى نورهما بالكواكب وما يفيض عنها من الأنوار أو بالملائكة والأنبياء أو مدبرهما من قولهم للرئيس الفائق في التدبير نور القوم لأنهم يهتدون به في الأمور أو موجدهما فإن النور ظاهر بذاته مظهر لغيره وأصل الظهور هو الوجود كما أن أصل الخفاء هو العدم والله سبحانه وتعالى موجود بذاته موجد لما عداه أو الذي به تدرك أو يدرك أهلها من حيث إنه يطلق على الباصرة لتعلقها به أو لمشاركتها له في توقف الإدراك عليه ثم على البصيرة لأنها أقوى إدراكا فإنها تدرك نفسها وغيرها من الكليات والجزئيات الموجودات والمعدومات وتغوص في بواطنها وتتصرف فيها بالتركيب والتحليل ثم إن هذه الإدراكات ليست لذاتها وإلا لما(4/187)
" صفحة رقم 188 "
فارقتها فهي إذن من سبب يفيضها عليها وهو الله سبحانه وتعالى ابتداء أو بتوسط من الملائكة والأنبياء ولذلك سموا أنوارا ويقرب منه قول ابن عباس رضي اله تعالى عنهما معناه هادي من فيهما فهم بنوره يهتدون وإضافته إليهما للدلالة على سعة إشراقهأ ولاشتمالهما على الأنوار الحسية والعقلية وقصور الإدراكات البشرية عليهما وعلى المتلق بهما والمدلول لهما ) مثل نوره ( صفة نوره العجيبة الشأن وإضافته إلى ضميره سبحانه وتعالى دليل على أن إطلاقه عليه لم يكن على ظاهره ) كمشكاة ( كصفة مشكاة وهي الكوة الغير النافذة وقرأ الكسائي برواية الدوري بالإمالة ) فيها مصباح ( سراج ضخم ثافب وقيل المشكاة الأنبوية في وسط القنديل والمصباح لافتيلة المشتعلة ) المصباح في زجاجة ( في قنديل من الزجاج ) الزجاجة كأنها كوكب دري ( مضيء متلألئ كالزهرة في صفاته وزهرته منسوب إلى الدار أو فعيل كمريق من الدرء فإنه يدفع الظلام بضوئه أو بعض ضوئه بعضا من لمعانه إلا أنه قلبت همزته ياء ويدل عليه قراءة حمزة وأبي بكر على الأصل وقراءة أبي عمرو والكسائي / دريء / كشريب وقد قرئ به مقلوبا ) يوقد من شجرة مباركة زيتونة ( أي ابتداء ثقوب المصباح من شجرة الزيتون المتكاثر نفعه بأن رويت ذبالته بزيتها وفي إبهام الشجرة ووصفها بالبركة ثم إبدال الزيتونة عنها تفخيم لشأنها وقرأ نافع وابن عامر وحفص بالياء والبناء للمفعول من أوقد وحمزة والكسائي وأبو بكر بالتاء كذلك(4/188)
" صفحة رقم 189 "
على إسناده إلى ) الزجاجة ( بحذف المضاف وقرئ / توقد / من تتوقد ويوقد بحذف التاء لاجتماع زيادتين وهو غريب ) لا شرقية ولا غربية ( تقع الشمس عليها حينا بعد حين بل بحيث تقع عليها طول النهار كالتي تكون على قلة أو صحراء واسعة فإن ثمرتها تكون أنضج وزيتها أصفى أو لا نابتة في شرق المعمورة وغربها بل في وسطها وهو الشام فإن زيتونه أجود الزيتون أو لا في مضحى تشرق الشمس عليها دائما فتحرقها أو في مقيأة تغيب عنها دائما فتتركها نيئا وفي الحديث لا خير في شجرة ولا بات في مقيأة ولا خير فيهما في مضحى ) يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه ( أي يكاد يضيء بنفسه من غير نار لتلألئه وفرط وبيصه ) نور على نور ( نور متضاعف فإن نور المصباح زاد في إنارته صفاء الزيت وزهرة القنديل وضبط المشكاة لأشعته وقد ذكر في معنى التمثيل وجوه الأول أنه تمثيل للهدى الذي دلت عليه الآيات المبينات في جلاء مدلولها وظهور ما تضمنته من الهدى بالمشكاة المنعوتة أو تشبيه للهدى من حيث إنه محفوف بظلمات أوهام الناس وخيالاتهم بالمصباح وإنما ولي الكاف المشكاة لاشتمالها عليه وتشبيهه به أوفق من(4/189)
" صفحة رقم 190 "
تشبيهه بالشمس أو تمثيل لما نور الله به قلب المؤمن من المعارف والعلوم بنور المشكاة المنبث فيها من مصباحها ويؤيده قراءة أبي / مثل نور المؤمن / أو تمثيل لما منح الله به عباده من القوى الداركة الخمس المترتبة التي منوط بها المعاش والمعاد وهي الحساسة التي تدرك بها المحسوسات بالحواس الخمس والخيالية التي تحفظ صور تلك المحسوسات لتعرضها على القوة العقلية متى شاءت والعاقلة التي تدرك الحقائق الكلية والمفكرة وهي التي تؤلف المعقولات لتستنتج منها علم ما لم تعلم والقوة القدسية التي تتجلى فيها لوائح الغيب وأسرار الملكوت المختصة بالأنبياء والأولياء المعنية بقوله تعالى ) ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ( بالأشياء الخمسة المذكورة في الآية وهي ) مشكاة ( و ) الزجاجة ( و ) المصباح ( و ) الشجرة ( و ) زيتها ( فإن الحساسة كالمشكاة لأن محلها كالكوى ووجها إلى الظاهر لا تدرك ما وراءها وإضاءتها بالمعقولات لا بالذات والخيالية كالزجاجة في قبول صور المدركات من الجوانب وضبطها للأنوار العقلية وإنارتها بما تشتمل عليه من المعقولات والعاقلة كالمصباح لإضاءتها بالإدراكات الكلية والمعارف الإلهية والمفكرة كالشجرة المباركة لتأديتا إلى ثمرات لا نهاية لها الزيتونة المثمرة بالزيت الذي هو مادة المصابيح التي لا تكون شرقية ولا غربية لتجردها عن اللواحق الجسمية أو لوقوعها بين الصور والمعاني متصرفة في القبيلين منتفعة من الجانبين والقوة القدسية كالزيت فإنها لصفاتها وشدة ذكائها تكاد تضيء بالمعارف من غير(4/190)
" صفحة رقم 191 "
تفكر ولا تعلم أو تمثيل للقوة العقلية في مراتبها بذلك فإنها في بدء أمرها خالية عن العلوم مستعدة لقبولها كالمشكاة ثم تنتقش بالعلوم الضرورية بتوسط إحساس الجزئيات بحيث تتمكن من تحصيل النظريات فتصير كالزجاجة متلألئة في نفسها قابلة للأنوار وذلك التمكن إن كان بفكر واجتهاد فكالشجرة الزيتونة وإن كان بالحدس فكالزيت وإن كان بقوة قدسية فكالتي يكاد زيتها يضيء لأنها تكاد تعلم ولو لم تتصل بملك الوحي والإلهام الذي مثله النار من حيث إن العقول تشتعل عنه ثم إذا حصلت لها العلوم بحيث تتمكن من استحضاره متى شاءت كانت كالمصباح فإذا استحضرتها كانت نورا على نور ) يهدي الله لنوره ( لهذا النور الثاقب ) من يشاء ( فإن الأسباب دون مشيئته لاغية إذ بها تمامها ) ويضرب الله الأمثال للناس ( إدناء للمعقول من المحسوس توضيحا وبيانا ) والله بكل شيء عليم ( معقولا كان أو محسوسا ظاهرا كان أو خفيا وفيه وعد ووعيد لمن تدبرها ولمن لم يكترث بها
النور : ( 35 ) الله نور السماوات . . . . .
) في بيوت ( متعلق بما قبله أي كمشكاة في بعض بيوت أو توقد في بيوت فيكون تقييد للمثل به بما لا يكون تحبيرا ومبالغة فيه فإن قناديل المساجد تكون أعظم أو تمثيلا لصلاة المؤمنين أو أبدانهم بالمساجد ولا ينافي جمع البيوت وحدة المشكاة إذ المراد بها ما له هذا الوصف بلا اعتبار وحدة ولا كثرة أو بما بعده وهو يسبح وفيها تكرير مؤكد لا يذكر لأنه من صلة أن فلا يعمل فيما قبله أو بمحذوف مثل سبحوا في بيوت والمراد بها المساجد لأن الصفة تلائمها وقيل المساجد الثلاثة والتنكير للتعظيم ) أذن الله أن ترفع ( بالبناء أو التعظيم ) ويذكر فيها اسمه ( عام فيما يتضمن ذكره حتى المذاكرة في أفعاله والمباحثة في أحكامه ) يسبح له فيها بالغدو والآصال ( ينزهونه أي يصلون له فيها بالغدوات والعشيات والغدو مصدر أطلق للوقت ولذلك حسن اقترانه بالآصال وهو جمع أصيل وقرئ / والايصال / وهو الدخول في الأصيل وقرأ ابن عامر وأبو بكر ) يسبح ( بالفتح(4/191)
" صفحة رقم 192 "
على إسناده إلى أحد الظروف الثلاثة ورفع رجال بما يدل عليه وقرئ تسبح بالتاء مكسورا لتأنيث الجمع ومفتوحا على إسناده إلى أوقات الغدو
النور : ( 37 ) رجال لا تلهيهم . . . . .
) رجال لا تلهيهم تجارة ( لا تشغلهم معاملة رابحة ) ولا بيع عن ذكر الله ( مبالغة بالتعميم بعد التخصيص إن أريد به مطلق المعارضة أو بإفراد ما هو الأهم من قسمي التجارة فإن الربح يتحقق بالبيع ويتوقع بالشراء وقيل المراد بالتجارة الشراء فإنه أصلها ومبدؤها وقيل الجلب لأنه الغالب فيها ومنه يقال تجر في كذا إذا جلبه وفيه إيماء بأنهم تجار ) وأقام الصلاة ( عوض فيه الإضافة من التاء المعوضة عن العين الساقطة بالإعلال كقوله " وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا " ) وإيتاء الزكاة ( ما يجب إخراجه من المال للمستحقين ) يخافون يوما ( مع ما هم عليه من الذكر والطاعة ) تتقلب فيه القلوب والأبصار ( تضطرب وتتغير من الهول أو تتقلب أحوالها فتفقه القلوب ما لم تكن تفقه وتبصر الأبصار ما لم تكن تبصره أو تتقلب القلوب مع توقع النجاة وخوف الهلاك والأبصار من أي ناحية يؤخذ بهم ويؤتى كتبهم
النور : ( 38 ) ليجزيهم الله أحسن . . . . .
) ليجزيهم الله ( متعلق بيسبح أو لا تلهيهم أو يخافون ) أحسن ما عملوا ( أحسن جزاء ما عملوا الموعود لهم من الجنة ) ويزيدهم من فضله ( أشياء لم يعدهم بها على أعمالهم ولم تخطر ببالهم ) والله يرزق من يشاء بغير حساب ( تقرير للزيادة وتنبيه على كمال القدرة ونفاذ المشيئة وسعة الإحسان
النور : ( 39 ) والذين كفروا أعمالهم . . . . .
) والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة ( والذين كفروا خالهم على ضد ذلك فإن أعمالهم التي يحسبونها صالحة نافعة عند الله يجدونها لاغية مخيبة في العاقبة كالسراب وهو ما يرى في القلاة من لمعان الشمس عليها وقت الظهيرة فيظن أنه ماء يسرب أي يجري والقيعة بمعنى القاع وهو الأرص الخالية عن النبات وغيره المستوية وقيل جمعه كجار وجيرة وقرئ / بقيعات / كديمات في ديمة ) يحسبه الظمآن ماء ( أي العطشان(4/192)
" صفحة رقم 193 "
وتخصيصه لتشبيه الكافر به ي شدة الخيبة عند ميس الحاجة ) حتى إذا جاءه ( جاء ما توهمه ماء أو موضعه ) لم يجده شيئا ( مما ظنه ) ووجد الله عنده ( عقابه أو زبانيته أو وجده محاسبا إياه ) فوفاه حسابه ( استعراضا أو مجازاة ) والله سريع الحساب ( لا يشغله حساب ن حساب روي أنها نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية تعبد في الجاهلية والتمس الدين فلما جاء الإسلام كفر
النور : ( 40 ) أو كظلمات في . . . . .
) أو كظلمات ( عطف على ) كسراب ( و ) أو ( للتخيير فإن أ مالهم لكونها لاغية لا منفعة لها كالسراب ولكونها خالية عن نور الحق كالظلمات المتراكمة من لج البحر والأمواج والسحاب أو للتنويع فإن أعماله إن كانت حسنة فكالسراب وإن كانت قبيحة فكالظلمات أو للتقسيم باعتبار وقتين فإنها كالظلمات في الدنيا كالسراب في الآخرة ) في بحر لجي ( ذي لج أي عميق منسوب إلى اللج وهو معظم الماء ) يغشاه ( يغشى البحر ) موج من فوقه موج ( أي أمواج مترادفة متراكمة ) من فوقه ( من فوق الموج الثاني ) سحاب ( غطى النجوم ويحجب أنوارها والجملة صفة أخرى لل ) بحر ( ) ظلمات ( أي هذه ظلمات ) بعضها فوق بعض ( وقرأ ابن كثير ) ظلمات ( بالجر على إبدالها من الأولى أو بإضافة ال ) سحاب ( إليها في رواية البزي ) إذا أخرج يده ( وهي أقرب ما يرى إليه ) لم يكد يراها ( لم يقرب أن يراها فضلا أن يراها كقول ذي الرمة " إذا غير النأي المحبين لم يكد رسيس الهوى من حب مية يبرح " والضمائر للواقع في البحر وإن لم يجر ذكره لدلالة المعنى عليه ) ومن لم يجعل الله له نورا ( ومن لم يقدر له الهداية ليوقفه لأسبابها ) فما له من نور ( خلاف الموفق الذي له نور على نور
النور : ( 41 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر ( ألم تعلم علما يشبه المشاهدة في اليقين والوثاقة بالوحي أو الإستدلال ) أن الله يسبح له من في السماوات والأرض ( ينزه ذاته عن كل نقص وآفة أهل السموات والأرض و ) من ( لتغليب العقلاء أو الملائكة والثقلان بما يدل عليه من مقال أو دلالة حال ) والطير ( على الأول تخصيص لما فيها من الصنع الظاهر والدليل الباهر ولذلك(4/193)
" صفحة رقم 194 "
قيدها بقوله ) صافات ( فإن إعطاء الجرام الثقيلة ما به تقوى على الوقوف في الجو باسطة أجنحتها بما فيها من القبض والبسط حجة قاطعة على كمال قدرة الصانع تعالى ولطف تدبيره ) كل ( كل واحد مما ذكر أو من الطير ) قد علم صلاته وتسبيحه ( اي قد علم الله دعاءه وتنزيهه أختيارا أو طبعا لقوله ) والله عليم بما يفعلون ( أو علم كل على تشبيه حاله في الدلالة على الحق والميل إلى النفع على وجه يخصه بحال من علم ذلك مع أنه لا يبعد أن يلهم الله تعالى الطير دعاء وتسبيحا كما ألهمها علوما دقيقة في أسباب تعيشها لا تكاد تهتدي إليها العقلاء
النور : ( 42 ) ولله ملك السماوات . . . . .
) ولله ملك السماوات والأرض ( فإنه الخالق لهما وما فيهما من الذوات والصفات والأفعال من حيث إنها ممكنة واجبة الإنتهاء إلى الواجب ) وإلي المصير ( مرجع الجميع
النور : ( 43 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر أن الله يزجي سحابا ( يسوقه ومنه البضاعة المزجاة فإنه يزجيها كل أحد ) ثم يؤلف بينه ( بأن يكون قزعا فيضم بعضه إلى بعض وبهذا الإعتبار صح بينه إذ المعنى بي أجزائه وقرأ نافع برواية ورش / يولف / غير مهموز ) ثم يجعله ركاما ( متراكما بعضه فوق بعض ) فترى الودق ( المطر ) يخرج من خلاله ( من فتوقه جمع خلل كجبال في جبل وقرىء م ن / خلله / ) وينزل من السماء ( من الغمام وكل ما علاك فهو سماء ) من جبال فيها ( من قطع عظام تشبه الجبال فيعظمها أو جمودها ) من برد ( بيان للجبال والمفعول محذوف أي ينزل مبتدأ ) من السماء من جبال فيها من برد ( بردا ويجوز أن تكون من الثانية أو الثالثة للتبغيض واقعة موقع المفعول وقيل المراد بالسماء المظلة وفيها جبال من برد كما في الأرض جبال من حجر وليس في العقل قاطع يمنعه والمشهور أن الأبخرة إذا تصاعدت ولم تحللها حرارة فبلغت الطبقة الباردة من الهواء وقوي البرد هناك اجتمع وصار سحابا فإن لم يشتد البرد تقاطر مطرا وإن اشتد فإن وصل إلى الأجزاء البخارية قبل اجتماعها نزل ثلجا والإنزال بردا ووقد يبرد الهواء بردا مفرطا فيقبض وينعقد سحابا ونزل منه المطر أو الثلج وكل ذلك لا بد أن يستند إلى إرادة الواجب الحكيم لقيام الدليل على أنها الموجبة لا ختصاص الحوادث بمحالها وأوقاتها وإليها أشار بقوله(4/194)
" صفحة رقم 195 "
) فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء ( والضمير لل ) برد ( ) يكاد سنا برقه ( ضوء برقه وقرىء بالمد بمعنى العلو وبإدغام الدال في السين ) برقه ( بضم الباء وفتح الراء وهو جمع برقة وهي المقدار من البرق كالغرقة وبضمها للاتباع ) يذهب بالأبصار ( بأبصار الناظرين إليه من فرط الإضاءة وذلك أقوى دليل على كمال قدرته من حيث إنه توليد للضد من الضد وقرىء ) يذهب ( على زيادة الباء
النور : ( 44 ) يقلب الله الليل . . . . .
) يقلب الله الليل والنهار ( بالمعاقبة بينهما أبو بنقص أحدهما وزيادة الآخر أو بتغيير أحوالهما بالحر والبرد والظلمة والنور أو بما يعم ذلك ) إن في ذلك ( فيما تتقدم ذكره ) لعبرة لأولي الأبصار ( لدلالة على وجود الصانع القديم وكمال قدرته وإحاطة علمه ونفاذ مشيئته وتنزهه عن الحاجة وما يفضي إليها لمن يرجع إلى بصيرة
النور : ( 45 ) والله خلق كل . . . . .
) والله خلق كل دابة ( حيوان يدب على الأرض وقرأ حمزة والكسائي / خالق كل دابة / بالإضافة ) من ماء ( هو جزء مادته أو ماء مخصوص هو النطفة فيكون تنزيلا للغالب منزلة الكل إذ من الحيوانات ما يتولد عن النطفة وقيل ) من ماء ( متعلق ب ) دابة ( وليس بصلة ل ) خلق ( ) فمنهم من يمشي على بطنه ( كالحية وإنما سمي الزحف مشيا على الإستعارة أو المشاكلة ) ومنهم من يمشي على رجلين ( كالإنس والطير ) ومنهم من يمشي على أربع ( كالنعم والوحش ويندرج فيه ما له أكثر من أربع كالعناكب فإن اعتمادها إذا مشت على أربع وتذكير الضمير لتغليب العقلاء والتعبير عن الأصناف ليوافق التفصيل الجملة والترتيب لتقديم ما هو أعرف في القدرة ) يخلق الله ما يشاء ( مما ذكر ومما لم يذكر بسيطا ومركبا على إختلاف الصور والأعضاء والهيئات والحركات والطبائع والقوى والأفعال مع اتحاد العنصر بمقتضى مشيئته ) إن الله على كل شيء قدير ( فيفعل ما يشاء
النور : ( 46 ) لقد أنزلنا آيات . . . . .
) لقد أنزلنا آيات مبينات ( للحقائق بأنواع الدلائل ) والله يهدي من يشاء ( بالتوفيق للنظر فيها والتدبر لمعانيها ) إلى صراط مستقيم ( هو دين الإسلام الموصل إلى درك الحق والفوز بالجنة(4/195)
" صفحة رقم 196 "
النور : ( 47 ) ويقولون آمنا بالله . . . . .
) ويقولون آمنا بالله وبالرسول ( نزلت في بشر المنافق خاصم يهوديا فدعاه إلى كعب بن الأشرف وهو يدعوه إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل في مغيرة بن وائل خاصم عليا رضي الله عنه في أرض فأبى أن يحاكمه إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وأطعنا ( أي وأطعناهما ) ثم يتولى ( با إمتناع عن قبول حكمه ) فريق منهم من بعد ذلك ( بعد قولهم هذا ) وما أولئك بالمؤمنين ( إشارة إلى القائلين بأسرهم فيكون إعلاما من الله تعالى بأن جميعهم وإن آمنوا بلسانهم لم تؤمن قلوبهم أو إلى الفريق منهم وسلب الإيمان عنهم لتوليهم والتعريف فيه للدلالة على أنهم ليسوا بالمؤمنين الذين عرفتهم وهم المخلصون في الإيمان والثابتون عليه
النور : ( 48 ) وإذا دعوا إلى . . . . .
) وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ( أي ليحكم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإنه الحاكم ظاهر والمدعوا إليه وذكر الله لتعظيمه والدلالة على أن حكمه ( صلى الله عليه وسلم ) في الحقيقة حكم الله تعالى ) إذا فريق منهم معرضون ( فاجأ فريق منهم الإعراض إذا كان الحق عليهم لعلمهم بأنك لا تحكم لهم وهو شرح للتولي ومبالغة فيه
النور : ( 49 ) وإن يكن لهم . . . . .
) وإن يكن لهم الحق ( أي الحكم لا عليهم ) يأتوا إليه مذعنين ( منقادين لعلمهم بأنه يحكم لهم و ) إليه ( صلة ل ) يأتوا ( أو ل ) مذعنين ( وتقديمه للاختصاص
النور : ( 50 ) أفي قلوبهم مرض . . . . .
) أفي قلوبهم مرض ( كفر أو ميل إلى الظلم ) أم ارتابوا ( بأن رأوا منك تهمه فزال يقينهم وثقتهم بك ) أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله ( في الحكومة ) بل أولئك هم الظالمون ( إضراب عن القسمين الأخيرين لتحقيق القسم فتعين الأول ووجه التقسيم أن أمتناعهم إما لخلل فيهم أو في الحاكم والثاني إما أي يكون محققا عندهم أو متوقعا وكلاهما باطل لأن منصب نبوته وفرط أمانته ( صلى الله عليه وسلم ) يمنعه فتعين الأول وظلمهم يعم خلل عقيدتهم وميل نفوسهم إلى الحيف والفصل لنفي ذلك عن غيرهم سيما المدعوا إلى حكمه
النور : ( 51 ) إنما كان قول . . . . .
) إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ( على عادته تعالى في اتباع ذكر المحق المبطل والتنبيه على ما ينبغي بعد إنكاره لما لا ينبغي وقرىء ) قول ( بالرفع و ) ليحكم ( على البناء للمفعول وإسناده إلى ضمير مصدره على معنى ليفعل الحكم(4/196)
" صفحة رقم 197 "
النور : ( 52 ) ومن يطع الله . . . . .
) ومن يطع الله ورسوله ( فيما يأمرانه أو في الفرائض والسنن ) ويخش الله ( على ما صدر عنه من الذنوب ) ويتقه ( فيما بقي من عمره وقرأ يعقوب وقالون عن نافع بلا ياء وأبو بكر وأبو عمرو بسكون الهاء وحفص بسكون القاف فشبه تقه بكتف وخفف والهاء ساكنة في الوقف بالإتفاق ) فأولئك هم الفائزون ( بالنعيم المقيم
النور : ( 53 ) وأقسموا بالله جهد . . . . .
) وأقسموا بالله جهد أيمانهم ( إنكار للإمتناع عن حكمه ) لئن أمرتهم ( الخروج عن ديارهم وأموالهم ) ليخرجن ( جواب ل ) أقسموا ( على الحكاية ) قل لا تقسموا ( على الكذب ) طاعة معروفة ( أي المطلوب منكم طاعة معروفة لا اليمين على الطاعة النفاقية المنكرة أو ) طاعة معروفة ( أمثل منها أولتكن طاعة وقرئت بالنصب على أطيعوا طاعة ) إن الله خبير بما تعملون ( فلا يخفى عليه سرائركم
النور : ( 54 ) قل أطيعوا الله . . . . .
) قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ( أمر بتبليغ ما خاطبهم الله به على الحكاية مبالغة في تبكيتهم ) فإن تولوا فإنما عليه ( أي على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ما حمل ( من التبليغ ) وعليكم ما حملتم ( من الإمتثال ) وإن تطيعوه ( في حكمه ) تهتدوا ( إلى الحق ) وما على الرسول إلا البلاغ المبين ( التبليغ الموضح لما كلفتم به وقد أدى وإنما بقي ) ما حملتم ( فإن اديتم فلكم وإن توليتم فعليكم
النور : ( 55 ) وعد الله الذين . . . . .
) وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ( خطاب للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وللأمة أوله ولمن معه ومن للبيان ) ليستخلفنهم في الأرض ( ليجعلنهم خلفاء متصرفي في الأرض تصرف الملوك في مماليكهم وهو جواب قسم مضمر تقديره وعدهم الله وأقسم ليستخلفنهم أو الوعد في تحقيقه منزل منزلة القسم ) كما استخلف الذين من قبلهم ( يعني بني إسرائيل استخلفهم في مصر والشام ببعد الجبابرة وقرأ أبو بكر بضم التاء وكسر اللام وإذا ابتدأ ضم الألف والباقون بفتحهما وإذا ابتدؤوا كسروا الألف ) وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ((4/197)
" صفحة رقم 198 "
وهو الإسلام بالتقوية والتثبيت ) وليبدلنهم من بعد خوفهم ( العداد وقرأ ابن كثير وأبو بكر بالتخفيف ) آمنا ( منهم وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه مكثوا بمكة عشر سنين خائفين ثم هاجروا إلى المدينة وكان يصبحون في السلاح ويمسون فيه حتى أنجز الله وعده فأظهرهم على العرب كلهم وفتح لهم بلاد الشرق والغرب وفيه دليل على صحة النبوة للإخبار عن الغيب على ما هو به وخلافه الخلفاء الراشدين إذ لم يجتمع الوعود والوعود عليه لغيرهم بالإجماع وقيل الخوف من العذاب والأمن منه في الآخرة ) يعبدونني ( حال من الذين لتقيد الوعد بالثبات على التوحيد أو استئناف ببيان المقتضي للإستخلاف والأمن ) لا يشركون بي شيئا ( حال من الواو أي يعبدونني غير مشركين ) من كفر ( ومن ارتد أو كفر هذه النعمة ) بعد ذلك ( بعد الوعد أو حصول الخلافة ) فأولئك هم الفاسقون ( الكاملون في فسقهم حيث ارتداوا بعد وضوح مصل هذه الآيات أو كفروا تلك النعمة العظيمة
النور : ( 56 ) وأقيموا الصلاة وآتوا . . . . .
) وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول ( في سائر ما أمركم به ولا يبعد عطف ذلك على أطيعوا الله فإن الفاصل وعد على المأمور به فيكون تكرير الأمر بطاعة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لتأكيد وتعليق الرحمة بها أو بالمندرجة هي فيه بقوله ) لعلكم ترحمون ( كما علق به الهدى
النور : ( 57 ) لا تحسبن الذين . . . . .
) لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ( لا تحسبن يا محمد الكفار معجزين لله إن إدراكهم وإهلاكهم و ) في الأرض ( صلة ) معجزين ( وقرأ ابن عامر وحمزة بالياء على أن الضمير فيه لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى كما هو في القراءة بالتاء أو ) الذين كفروا ( فاعل والمعنى ولا يحسبن الكفار في الأرض أحدا معجزا لله فيكون ) معجزين في الأرض ((4/198)
" صفحة رقم 199 "
مفعولية أو لا يحسبونهم ) معجزين ( فحذف المفعول الأول لأن الفاعل والمفعولين الشيء واحد فاكتفى بذكر اثنين عن الثالث ) ومأواهم النار ( عطف عليه من حيث المعنى كأنه قيل الذين كفروا ليسوا بمعجزين ومأواهم النار لأن المقصود من النهي عن الحسبان تحقيق نفي الإعجاز ) ولبئس المصير ( المأوى الذي يصيرون إليه
النور : ( 58 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ( رجوع إلى تتمة الأحكام السالفة بعد الفراغ من الإلهيات الدالة على وجوب الطاعة فيما سلف ممن الحكام وغيرها والوعد عليها والوعيد عل الإعراض عنها والمراد به خطاب الرجال والنساء غلب فيه الرجال لما روي أن غلام اسماء بن تأبي مرثد دخل عليها في وقت كرهته فنزلت وقيل أرسل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مدلج بن عمرو الأنصاري وكان غلاما وقت الظهيرة ليدعو عمر فدخل وهو نائم وقد انكشف عنه ثوبه فقال عمر رضي اله تعالى عنه لوددت أن الله عز وجل نهى آباءنا وأبناءنا وخدمنا أن لا يدخلوا هذه الساعات علينا إلا بأذن ثم انطلق معه إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فوجده وقد أنزلت هذه الآية ) والذين لم يبلغوا الحلم منكم ( والصبيان الذين لم يبلغوا من الأحرار فعبر عن البلوغ بالإحتلام لأنه أقوى دلائله ) ثلاث مرات ( في اليوم والليلة مرة ) من قبل صلاة الفجر ( لأنه وقت القيام من المضاجع وطرح ثياب النوم(4/199)
" صفحة رقم 200 "
ولبس ثياب اليقظة ومحله النصب بلا من ثلاث مرات أو الرفع خبرا لمحذوف أي هي من قبل صلاة الفجر ) وحين تضعون ثيابكم ( أي ثيابكم لليقظة للقيلولة ) من الظهيرة ( بيان للحين ) ومن بعد صلاة العشاء ( لأنه وقت التجرد عن اللباس والإلتحاف باللحاف ) ثلاث عورات لكم ( أي هوي ثلاث أوقات يختل فيها تستركم ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره ما بعده واصل العورة الخلل ومنها أعور المكان ورجل أعور وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي ) ثلاث ( بالنصب بدلا من ) ثلاث مرات ( ) ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن ( بعد هذه الأوقات في ترك الإستئذان وليس فيه ما ينافي آية الإستئذان فينسخها لأنه في الصبيان ومماليك المدخول عليه وتلك في الأحرار البالغين ) طوافون عليكم ( أي هم طوافون استئناف ببيان العذر المرخص فيترك الإستئذان وهو المخالطة وكثرة المداخلة وفيه دليل على تعليل الألحكام وكذا في الفرق بين الأوقات الثلاثة وغيرها بأنها عورات ) بعضكم على بعض ( بعضكم طائف على بعض أو يطوف بعضكم على بعض ) كذلك ( ممثل ذلك التبيين ) يبين الله لكم الآيات ( أي الحكام ) والله عليم ( باحوالكم ) حكيم ( فيما شرع لكم
النور : ( 59 ) وإذا بلغ الأطفال . . . . .
) وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم ( الذين بلغوا من قبلهم في الأوقات كلها واستدل به من أوجب استئذان العبد البالغ على سيدته وجوابه أن المراد بهم المعهودين الذين جعلوا قسيما للمماليك فلا يندرجون فيهم ) كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم ( كرره تاكيدا ومبالغة في الأمر بالإستئذان
النور : ( 60 ) والقواعد من النساء . . . . .
) والقواعد من النساء ( العجائز اللاتي قعدن عن الحيض والحمل ) اللاتي لا يرجون نكاحا ( لا يطمعن فيه لكبرهن ) فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن ( أي الثياب الظاهرة كالجلباب والفاء فيه لأن اللام في القواعد بمعنى اللاتي أو لوصفها بها ) غير متبرجات بزينة ( غير مظهرات زينة مما أمرن بإخفائه في قوله تعالى ) ولا يبدين زينتهن ((4/200)
" صفحة رقم 201 "
واصل التبرج التكلف في إظهار ما يخفى من قولهم سفينة بارجة لا طاء عليها والبرج سعة العين بحيث يرى بياضها محيطا بسوادها كله لا يغيب منه شيء إلا أنه خص بتكشف المرأة زينتها ومحاسنها للرجال ) وأن يستعففن خير لهن ( من الوضع لأنه أبعد من التهمة ) والله سميع ( لمقالتهن للرجال ) عليم ( بمقصودهن
النور : ( 61 ) ليس على الأعمى . . . . .
) ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ( نفي لما كانوا يتحرجون من مؤاكدة الأصحاء حذرا من استقذارهم أو أكلهم من بيت من يدفع لغيهم المفتاح ويبيح لهم التبسط فيه إذا خرج إلى الغزو وخلفهم على المنازل مخافة أن لا يكون ذلك من طيب قلب أو من إجابة من يدعوهم إلى بيوت آبائهم وأولادهم وأقاربهم فيطعمونهم كراهة أن يكونوا كلا عليهم وهذا إنما يكون إذا علم رضا صاحب البيت بإذن أو قرينة أو كان في أول الإسلام ثم نسخ بنحو قوله ) لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام ( وقيل نفي للحرج عنهم في القعود عن الجهاد وهو ل ايلائم ما قبله ولا ما بعده ) ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم ( من البيوت التي فيها أزواجكم وعيالكم فيدخل فيها بيوت الولاد لأن بيت الولد كبيته لقوله عليها الصلاة والسلام " أنت ومالك لأبيك " وقوله عليه الصلاة والسلام " إن أطيب ما يأكل المؤمن من كسبه وإن ولده من كسبه " ) أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه ((4/201)
" صفحة رقم 202 "
وهو ما يكون تحت أيديكم وتصرفكم من ضيعة أو ماشية وكالة أو حفظا وقيل بيوت المماليك والمفاتيح جمع مفتح وهو ما يفتح به وقرىء / مفتاحه / ) أو صديقكم ( أو بيوت صديقكم فإنهم أرضى بالتبسط في أموالهم وأسر به وهو يقع على الواحد والجمع كالخليط هذا كله إنما يكون إذا علم رضا صاحب البيت بإذن أو قرينة ولذلك خصص هؤلاء فإنه يعتاد التبسط بينهم أو كان ذلك في أول الإسلام فنسخ فلا احتجاج للحنفية به على أن لا قطع بسرقة مال المحرم ) ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا ( مجتمعين أو متفرقين نزلت في بني ليث بن عمرو من كنانة كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده أو في قوم من الأنصار إذا نزل بهم ضيف لا يأكلون إلى معه أو في قوم تحرجوا عن الاجتماع على الطعام لاختلاف الطبائع في القذارة والنهمة ) فإذا دخلتم بيوتا ( من هذه البيوت ) فسلموا على أنفسكم ( على أهلها الذين هم منكم دينا وقرابة ) تحية من عند الله ( ثابتة بأمره مشروعة من لدنه ويجوز أن تكون من صلة للتحية فإنه طلب الحياة وهي من عنده تعالى وانتصابها بالمصدر لأنها بمعنى التسليم ) مباركة ( لأنها يرجى بها زيادة الخير والثواب ) طيبة ( تطيب بها نفس المستمع وعن أنس رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال لي " متى لقيت أحدا من أمتي فسلم عليه يطل عمرك وإذا دخلت بيتك فسلم عليهم يكثر خير بيتك وصل صلاة الضحى فإنها صلاة الأبرار الأوابين " ) كذلك يبين الله لكم الآيات ( كرره ثلاثا لمزيد التأكيد وتفخيم الأحكام المختتمة به وفصل الأولين بما هو المقتضى لذلك وهذا بما هو بما هو المقصود منه فقال ) لعلكم تعقلون ( أي الحق والخير في الأمور(4/202)
" صفحة رقم 203 "
النور : ( 62 ) إنما المؤمنون الذين . . . . .
) إنما المؤمنون ( أي الكاملون في الإيمان ) الذين آمنوا بالله ورسوله ( من صميم قلوبهم ) وإذا كانوا معه على أمر جامع ( كالجمعة والأعياد والحروب والمشاورة في الأمور ووصف الأمر بالجمع للمبالغة وقرئ / أمر جميع / ) لم يذهبوا حتى يستأذنوه ( يستأذنوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيأذن لهم واعتباره في كمال الإيمان لأنه كالمصداق لصحته والمميز للمخلص فيه عن المنافق فإنه ديدنه التسلل والفرار ولتعظم الجرم في الذهاب عن مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بغير إذنه ولذلك أعاده مؤكدا على أسلوب أبلغ فقال ) إن الذين يستأذنونك أولئك ( ) الذين يؤمنون بالله ورسوله ( فإنه يفيد أن المستأذن مؤمن لا محالة وأن الذهاب بغير إذن ليس كذلك ) فإذا استأذنوك لبعض شأنهم ( ما يعرض لهم من المهام وفيه أيضا مبالغة وتضييق الأمر ) فأذن لمن شئت منهم ( تفويض للأمر إلى رأي الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) واستدل به على أن بعض الأحكام مفوضة إلى رأيه ومن منع ذلك قيد المشيئة بأن تكون تابعة لعلمه بصدقه فكأن المعنى فائذن لمن علمت أن له عذرا ) واستغفر لهم الله ( بعد الإذن فإن الاستئذان ولو لعذر قصور لأنه تقديم لأمر الدنيا على أمر الدين ) إن الله غفور ( لفرطات العباد ) رحيم ( بالتيسير عليهم
النور : ( 63 ) لا تجعلوا دعاء . . . . .
) لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ( لا تقيسوا دعاءه إياكم على دعاء بعضكم بعضا في جواز الإعراض والمساهلة في الإجابة والرجوع بغير إذن فإن المبادرة إلى إجابته عليه الصلاة والسلام واجبة والمراجعة بغير إذنه محرمة وقيل لا تجعلوا نداءه وتسميته كنداء بعضكم بعضا باسمه ورفع الصوت به والنداء من وراء الحجرات ولكن بلقبه المظم مثل يا نبي الله ويا رسول الله مع التوقير والتواضع وخفض الصوت أو لا تجعلوا دعاءه عليكم كدعاء بعضكم على بعض فلا تبالوا بسخطه فإن دعاءه موجب أو لا تجعلوا دعائه ربه كدعاء صغيركم كبيركم يجيبه مرة ويرده أخرى فإن دعاءه مستجاب ) قد يعلم الله الذين يتسللون منكم ( ينسلون قليلا قليلا من الجماعة ونظير تسلل تدرج وتدخل ) لواذا ( ملاوذة بأن يستتر بعضكم ببعض حتى يخرج أو يلوذ بمن يؤذن له(4/203)
" صفحة رقم 204 "
فينطلق معه كأنه تابعه وانتصابه على الحال وقرئ بالفتح ) فليحذر الذين يخالفون عن أمره ( يخالفون أمره بترك مقتضاه ويذهبون سمتا خلاف سمته و ) عن ( لتضمنه معنى الإعراض أو يصدون عن أمره دون المؤمنين من خالفه عن الأمر إذا صد عنه دونه وحذف المفعول لأن المقصود بيان المخالف والمخالف عنه والضمير لله تعالى فإن الأمر له والضمير لله تعالى فإن الأمر له في الحقيقة أو للرسول فإنه المقصود بالذكر ) أن تصيبهم فتنة ( محنة في الدنيا ) أو يصيبهم عذاب أليم ( في الآخرة واستدل به على أن لأمر للوجوب فإنه يدل على أن ترك مقتضى الأمر مقتض لأحد العذابين فإن الأمر بالحذر عنه يدل على خشية المشروط بقيام المقتضي له وذلك يستلزم الوجوب
النور : ( 64 ) ألا إن لله . . . . .
) ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ( أيها المكلفون من المخالفة والموافقة والنفاق والإخلاص وإنما أكد علمه ب ) قد ( لتأكيد الوعيد ) ويوم يرجعون إليه ( يوم يرجع المنافقون إليه للجزاء ويجوز أن يكون الخطاب أيضا مخصوصا بهم على طريق الالتفات وقرأ يعقوب بفتح الياء وكسر الجيم ) فينبئهم بما عملوا ( من سوء الأعمال بالتوبيخ والمجازاة عليه ) والله بكل شيء عليم ( لايخفى عليه خافية عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة النور أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كل مؤمن ومؤمنة فيما مضى وفيما بقي(4/204)
" صفحة رقم 205 "
سورة الفرقان
مكية وآيها سبع وسبعون آية
الفرقان : ( 1 ) تبارك الذي نزل . . . . .
)
بسم الله الرحمن الرحيم
( ) تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ( تكاثر خيره من البركة وهي كثرة الخير أو تزايد على كل شيء وتعالى عنه في صفاته وأفعاله فإن البركة تتضمن معنى الزيادة وترتيبه عن إنزاله ) الفرقان ( لما فيه من كثرة الخير أو لدلالته على تعاليه وقيل دام من بروك الطير على الماء ومنه البكة لدوام الماء فيها وهو لا يتصرف فيه ولا يستعمل إلا لله تعالى و ) والفرقان ( مصدر فرق بين الشيءين إذا فصل بينهما سمي به القرآن لفصله بين الحق والباطل بتقريره أو المحق والمبطل بإعجازه أو لكونه مفصولا بعضه عن بعض في الإنزال وقرئ ) على عباده ( وهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأمته كقوله تعالى ) ولقد أنزلنا إليكم آيات ( أو الأنبياء على أن ) الفرقان ( اسم جنس للكتب السماوية ) ليكون ( العبد أو الفرقان ) للعالمين ( للجن والإنس ) نذيرا ( منذرا أو إنذارا كالنكير بمعنى الإنكار هذه الجملة وإن لم تكن معلومة لكنها لقوة دليلها أجريت مجرى العلوم وجعلت صلة
الفرقان : ( 2 ) الذي له ملك . . . . .
) الذي له ملك السماوات والأرض ( بدل من الأول أو مدح مرفوع أو منصوب ) ولم يتخذ ولدا ( كزعم النصارى ) ولم يكن له شريك في الملك ( كقول الثنوية أثبت له الملك مطلقا ونفى ما يقوم مقامه وما يقاومه فيه ثم نبه على ما يدل عليه فقال ) وخلق كل شيء ((4/205)
" صفحة رقم 206 "
أحدثه إحداثا مراعى فيه التقدير حسب إرادته كخلقه الإنسان من مواد مخصوصة وصور وأشكال معينة ) فقدره تقديرا ( فقدره وهيأه لما أراد منه من الخصائص والأفعال كتهيئة الإنسان للإدراك والفهم والنظر والتدبير واستنباط الصنائع المتنوعة ومزاولة الأعمال المختلفة إلى غير ذلك أو ) فقدره ( للبقاء إلى أجل مسمى وقد يطلق الخلق لمجرد الإيجاد من غير نظر إلى وجه الاشتقاق فيكون المعنى وأوجد كل شيء فقدره في إيجاده حتى لا يكون متفاوتا
الفرقان : ( 3 ) واتخذوا من دونه . . . . .
) واتخذوا من دونه آلهة ( لما تضمن الكلام إثبات التوحيد والنبوة أخذ في الرد على المخالفين فيهما ) لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ( لأن عبدتهم ينحتونهم ويصورونهم ) ولا يملكون ( ولا يستطيوعون ) لأنفسهم ضرا ( دفع ضر ) ولا نفعا ( ولا جلب نفع ) ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ( ولا يملكون إماتة أحد وإحياءه أولا وبعثه ثانيا ومن كان كذلك فبمعزل عن الألوهية لعرائه عن لوازمها واتصافه بما ينافيها وفيه تنبيه على أن الإله يجب أن يكون قادرا على البعث والجزاء
الفرقان : ( 4 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك ( كذب مصروف عن وجهه ) افتراه ( اختلقه ) وأعانه عليه قوم آخرون ( أي اليهود فإنهم يلقون إليه أخبار الأمم وهو يعبر عنها بعابرته وقيل جبر ويسار وعداس وقد سبق في قوله ) إنما يعلمه بشر ( ) فقد جاؤوا ظلما ( يجعل الكلام المعجز ) إفك ( مختلفا متلقفا من اليهود ) وزورا ( بنسبة ما هو بريء منه إليه وأتى وجاء يطلقان بمعنى فعل فيعديان تعديته
الفرقان : ( 5 ) وقالوا أساطير الأولين . . . . .
) وقالوا أساطير الأولين ( ما سطره المتقدمون ) اكتتبها ( كتبها لنفسه أو استكتبها وقرىء على البناء للمفعول لأنه أمي وأصله اكتتبها كاتب له فحذف اللام وأفضى الفعل إلى الضمير فصار اكتتبها إياه كاتب ثم حذف الفاعل وبني الفعل للضمير فاستتر فيه ) فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ( ليحفظها فإنه أمي لا يقدر أن يكرر من الكتاب أو لتكتب(4/206)
" صفحة رقم 207 "
الفرقان : ( 6 ) قل أنزله الذي . . . . .
) قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض ( لأنه أعجزكم عن آخركم بفصاحته وتضمنه أخبارا عن مغيبات مستقبلة واشياء مكنونة لا يعلمها إلى عالم الأسرار فكيف تجعلونه ) أساطير الأولين ( ) إنه كان غفورا رحيما ( فلذلك لا يعجل في عقوبتكم على ما تقولون مع كمال قدرته عليها واستحقاقكم أن يصب عليكم العذاب صبا
الفرقان : ( 7 ) وقالوا ما لهذا . . . . .
) وقالوا ما لهذا الرسول ( ما لهذا الذي يزعم الرسالة وفيه استهانة وتهكم ) يأكل الطعام ( كما نأكل ) ويمشي في الأسواق ( لطلب المعاش ما نمشي والمعنى إن صح دعواه فما باله لم يخالف حاله حالنا وذلك لعمههم وقصور نظرهم على المحسوسات فإن تميز الرسل عمن عداهم ليس بأمور جسمانية وإنما هو بأحوال نفسانية كما أشار غليه تعالى بقوله ) قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ( ) لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ( لنعلم صدقة بتصديق الملك
الفرقان : ( 8 ) أو يلقى إليه . . . . .
) أو يلقى إليه كنز ( فيستظهر به ويستغني عن تحصيل المعاش ) أو تكون له جنة يأكل منها ( هذا على سبيل التنزل أي إن لم يلق غليه كنز فلا أقل من أن يكون له بستان كما للدهاقين والمياسير فيتعيش بريعه وقرأ حمزة والكسائي بالنون والضمير للكفار ) وقال الظالمون ( وضع ) الظالمون ( موضع ضميرهم تسجيلا عليهم بالظلم فيما قالوه ) إن تتبعون ( ما تتبعون ) إلا رجلا مسحورا ( سحر فغلب على عقله وقيل ذا سحر وهو الرئة أي بشرا لا ملكا
الفرقان : ( 9 ) انظر كيف ضربوا . . . . .
) انظر كيف ضربوا لك الأمثال ( أي قالوا فيك الأقوال الشاذة واخترعوا لك الأحوال النادرة ) فضلوا ( عن الطريق الموصل إلى معرفة خواص النبي والمميز وبينه وبين المتنبي فخبطوا خبط عشواء ) فلا يستطيعون سبيلا ( إلى القدح في نبوتك أو إلى الرشد والهدى(4/207)
" صفحة رقم 208 "
الفرقان : ( 10 ) تبارك الذي إن . . . . .
) تبارك الذي إن شاء جعل لك ( في الدنيا ) خيرا من ذلك ( مما قالوا لكن أخره إلى الآخرة لأنه خير وأبقى ) جنات تجري من تحتها الأنهار ( بدل من ) خيرا ( ) ويجعل لك قصورا ( عطف على محل الجزاء وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر بالرفع لأن الشرط إذا كان ماضيا جاز في جزائه الجزم والرفع كقوله " وإن أتاه خليل يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم " ويجوز أن يكون استئنافا بوعد ما يكون له في الآخرة وقرئ بالنصب على أن جواب بالواو
الفرقان : ( 11 ) بل كذبوا بالساعة . . . . .
) بل كذبوا بالساعة ( فقصرت أنظارهم على الحطام الدنيوية وظنوا أن الكرامة إنما هي بالمال فطعنوا فيك لفقرك أو فلذلك كذبوك لا لما تمحلوا من المطاعن الفاسدة أو فكيف يلتفتون إلى هذا الجواب ويصدقونك بما وعد الله لك في الآخرة أو فلا تعجب من تكذيبهم إياكفإنه أعجب منه ) وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ( نارا شديدة الاستعار وقيل هو اسم لجهنم فيكون صرفه باعتبار المكان
الفرقان : ( 12 ) إذا رأتهم من . . . . .
) إذا رأتهم ( إذا كانت بمرأى منهم كقوله عليه السلام لا تتراءى ناراهما أي لا تتقاربان بحيث تكون إحداهما بمرأى من الأخرى على المجاز والتأنيث لأنه بمعنى النار أو جهنم ) من مكان بعيد ( هو أقصى ما يمكن أن يرى منه ) سمعوا لها تغيظا وزفيرا ( صوت تغيظ شبه صوت غليانها بصوت المغتاظ وزفيره وهو صوت يسمع من جوفه هذا وإن الحياة لما لم تكن مشروطة عندنا بالبنية أمكن أن يخلق الله فيها حياة فترى وتتغيظ وتزفر وقيل إن ذلك لزبانيتها فنسب إليها على حذف المضاف(4/208)
" صفحة رقم 209 "
الفرقان : ( 13 ) وإذا ألقوا منها . . . . .
) وإذا ألقوا منها مكانا ( في مكان ومنها بيان تقدم فصار حالا ) ضيقا ( لزيادة العذاب فإن الكرب مع الضيق والروح مع السعة ولذلك وصف الله الجنة بأن عرضها كعرض السموات والأرض ) مقرنين ( قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالسلاسل ) دعوا هنالك ( في ذلك المكان ) ثبورا ( هلاكا أي يتمنون الهلاك وينادونه فيقولون تعال يا ثبوراه فهذا حينك
الفرقان : ( 14 ) لا تدعوا اليوم . . . . .
) لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا ( أي يقال لهم ذلك ) وادعوا ثبورا كثيرا ( لأن عذابكم أنواع كثيرة كل نوع منها ثبور لشدته أو لأنه يتجدد لقوله تعالى ) كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ( أو لأنه لا ينقطع فهو في كل وقت ثبور
الفرقان : ( 15 ) قل أذلك خير . . . . .
) قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون ( الإشارة إلى العذاب والاستفهام والتفضيل والترديد للتقريع مع التهكم أو إلى ال ) كنز ( أو ال ) جنة ( والراجع إلى الموصول محذوف وإضافة ال ) جنة ( إلى الخلد للمدح أو لدلالة على خلودها أو التمييز على جنات الدنيا ) كانت لهم ( في علم الله أو اللوح أو لأن ما وعده الله تعالى في تحققه كالواقع ) جزاء ( على أعمالهم بالوعد ) ومصيرا ( ينقلبون إليه ولا يمنع كونها جزاء لهم أن يتفضل بها على غيرهم برضاهم مع جواز أن يراد بالمتقين من يتقي الكفر والتكذيب لأنهم في مقابلتهم(4/209)
" صفحة رقم 210 "
الفرقان : ( 16 ) لهم فيها ما . . . . .
) لهم فيها ما يشاؤون ( ما يشاؤونه من النعيم ولعله تقصر همم كل طائفة على ما يليق برتبته إذ الظاهر أن الناقص لا يدرك شأو الكامل بالتشهي وفيه تنبيه على أن كل المرادات لا تحصل إلا في الجنة ) خالدين ( حال من أحد ضمائرهم ) كان على ربك وعدا مسؤولا ( الضمير في ) كان ( ل ) ما يشاؤون ( والوعد الموعود أي كان ذلك موعدا حقيقيا بأن يسأل ويطلب أو مسئولا سأله الناس في دعائهم ) ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ( أو الملائكة بقولهم ) ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ( وما في ) على ( من معنى الوجوب لامتناع الخلف في وعده تعالى ولا يلزم منه الإلجاء إلى الإنجاز فإن تعلق الإرادة بالوعود مقدم على الوعد الموجب للإنجاز
الفرقان : ( 17 ) ويوم يحشرهم وما . . . . .
) ويوم نحشرهم ( للجزاء وقرئ بكسر الشين وقرأ ابن كثير ويعقوب وحفص بالياء ) وما يعبدون من دون الله ( يعم كل معبود سواه تعالى واستعمال ) ما ( إما لأن وضعه أعم ولذلك يطلق لكل شبح يرى ولا يعرف أو لأنه أريد به الوصف كأنه قيل ومعبودهم أو لتغليب الأصنام تحقيرا أو اعتبار لغلبة عبادها أو يخص الملائكة وعزيرا والمسيح بقرينة السؤال والجواب أو الأصنام ينطقها الله أو تتكلم بلسان الحال كما قل في كلام الأيدي والأرجل ) فيقول ( أي للمعبودين وهو على تلوين الخطاب وقرأ ابن عامر بالنون ) أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل ( لإخلالهم بالنظر الصحيح وإعراضهم عن المرشد النصيح وهو استفهام تقريع وتبكيت للعبدة وأصله أأضللتم أو ) ضلوا ( فغير النظم ليلي حرف الاستفهام المقصود بالسؤال وهو المتوالي للفعل دونه لأنه لا شبهة فيه وإلا لما توجع التاب وحذف صلة الضل مبالغة(4/210)
" صفحة رقم 211 "
الفرقان : ( 18 ) قالوا سبحانك ما . . . . .
) قالوا سبحانك ( تعجبا مما قيل لهم لأنهم إما ملائكة أو أنبياء معصومون أو جمادات لا تقدر على شيء أو إشعارا بأنهم الموسومون بتسبيحه وتوحيده فكيف يليق بهم إضلاله عبيده أو تنزيها لله تعالى عن الأنداد ) ما كان ينبغي لنا ( ما يصح لنا ) أن نتخذ من دونك من أولياء ( للعصمة أو لعدم القدرة فكيف يصح لنا أن ندعو غيرنا أن يتولى أحدا دونك وقرئ ) نتخذ ( على البناء للمفعول من اتخذ الذي له مفعولان كقوله تعالى ) واتخذ الله إبراهيم خليلا ( ومفعوله الثاني ) من أولياء ( و ) من ( للتبعيض وعلى الأول مزيدة لتأكيد النفي ) ولكن متعتهم وآباءهم ( بأنواع النعم فاستغرقوا في الشهوات ) حتى نسوا الذكر ( حتى غفلوا عن ذكرك أو التذكر لآلائك والتدبر في آياتك وهو نسبة للضلال إليهم من حيث إنه بكسبهم وإسناد له إلى ما فعل الله بهم فحملهم عليه وهو عين ما ذهبنا إليه فلا ينتهض حجة علينا للمعتزلة ) وكانوا ( في قضائك ) قوما بورا ( هالكين مصدر وصف به ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع أو جمع بائر كعائذ وعوذ
الفرقان : ( 19 ) فقد كذبوكم بما . . . . .
) فقد كذبوكم ( التفات إلى العبدة بالاحتجاج والإلزام على حذف القول والمعنى فقد كذبكم المعبودون ) بما تقولون ( في قولكم إنهم آلهة أو هؤلاء أضلونا والباء بمعنى في أو مع المجرور بدل من الضمير وعن ابن كثير بالياء أي ) كذبوكم ( بقولهم ) سبحانك ما كان ينبغي لنا ( ) فما تستطيعون ( أي المعبودون وقرأ حفص بالتاء على خطاب العابدين ) صرفا ( دفعا للعذاب عنكم وقيل حيلة من قولهم إنه ليتصرف أي(4/211)
" صفحة رقم 212 "
يحتال ) ولا نصرا ( يعينكم عليه ) ومن يظلم منكم ( أيها المكلفون ) نذقه عذابا كبيرا ( هو النار والشرط وإن عم كل من كفر أو فسق لكنه في اقتضاء الجزاء مقيد بعدم المزاحم وفاقا وهو التوبة والإحباط بالطاعة إجماعا وبالعفو عندنا
الفرقان : ( 20 ) وما أرسلنا قبلك . . . . .
) وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ( أي إلا رسلا إنهم فحذف الموصوف لدلالة المرسلين عليه وأقيمت الصفة مقامه كقوله تعالى ) وما منا إلا له مقام معلوم ( ويجوز أن تكون حالا اكتفى فيها بالضمير وهو جواب لقومهم ) ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ( وقرىء ) يمشون ( أي لقولهم ) ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ( وقرىء ) يمشون ( أي تمشيهم حوائجهم أو الناس ) وجعلنا بعضكم ( أيها الناس ) لبعض فتنة ( ابتلاء ومن ذلك ابتلاء الفقراء بالأغنياء والمرسلين بالمرسل لغيهم ومناصبتهم لهم العداوة وإيذائهم لهم وهو تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على ما قالوه بعد نقضه وفيه دليل على القضاء والقدر ) أتصبرون ( علة للجعل والمعنى ) وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ( لنعلم أيكم يصبر ونظيره قوله تعالى ) ليبلوكم أيكم أحسن عملا ( أو حث على الصبر على ما افتتنوا به ) وكان ربك بصيرا ( بمن يصبر أبو بالصواب فيما يبتلى به وغيره
الفرقان : ( 21 ) وقال الذين لا . . . . .
) وقال الذين لا يرجون ( لا يأملون ) لقاءنا ( بالخير لكفرهم بالبعث أولا يخافون ) لقاءنا ( بالشر على لغة تهامة واصل اللقاء الوصول إلى الشيء ومنه الرؤية فإنه وصول إلى المرئي والمراد به الوصول إلى جزائه ويمكن أن يراد به الرؤية على الأول ) لولا ( هلا ) أنزل علينا الملائكة ( فتخبرنا بصدق محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل فيكونوا رسلا إلينا ) أو نرى ربنا ( فيأمرنا بتصدقيه واتباعه ) لقد استكبروا في أنفسهم ( أي في شأنها حتى أرادوا لها ما يتفق لأفراد من الأنبياء الذين هم أكمل خلق الله في أكمل أوقاتها وما هو أعظم من ذلك ) وعتوا ( وتجاوزوا الحد في الظلم ) عتوا كبيرا ( بالغا أقصى مراتبه حيث عاينوا المعجزات القاهرة فأعرضوا عنها واقترحوا لأنفسهم الخبيثة ماسدت دونه مطامح النفوس القدسية واللام جواب قسم محذوف وفي الإستئناف بالجملة حسن وإشعار بالتعجب من استكبارهم وعتوهم كقوله(4/212)
" صفحة رقم 213 "
وجارة جساس بنابها كليبا علت ناب كليب بواؤها
الفرقان : ( 22 ) يوم يرون الملائكة . . . . .
) يوم يرون الملائكة ( ملائكة الموت أو العذاب و ) يوم ( نصب باذكر أو بما دل عليه ) لا بشرى يومئذ للمجرمين ( فإنه بمعنى يمنعون البشرى أو يعدمونها و ) يومئذ ( تكرير أو خبر و ) للمجرمين ( تبيين أو خبر ثان أو ظرف لما يتعلق به اللام أول ) بشرى ( إن قدرت منونة غير مبينة مع ) لا ( فإنها لا تعلم ولل ) مجرمين ( إما عام يتناول حكمه حكمهم من طريق البرهان ولا يلزم عن نفي البشرى لعامة المجرمين حينئذ نفي البشرى بالعفو والشفاعة في وقت آخر وإما خاص وضع موضع ضميرهم تسجيلا على جرمهم وإشعارا بما و المانع للبشرى والموجب لما يقابها و ) ويقولون حجرا محجورا ( عطف على المدلول أي ويقول الكفرة حينئذ هذه الكلمة استعاذة وطلبا من الله تعالى أن يمنع لقاءهم وهي مما كانوا يقولون عند لقاء عدو أو هجوم مكروه أو تقولها الملائكة بمعنى حراما عليكم الجنة أو البشرى وقرىء ) حجرا ( باللضم واصله الفتح غير أنه لما اختص بموضع مخصوص غير كقعدك وعمرك ولذلك لا يتصرف فيه ولا يظهر ناصبه ووصفه بمحجور للتأكيد كقولهم موت مائت
الفرقان : ( 23 ) وقدمنا إلى ما . . . . .
) وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ( أي وعمدنا إلى ما عملوا في كفرهم من المكارم كقري الضيف وصلة الرحم وإغاثة الملهوف فأحبطناه لفقد ما هو شرط(4/213)
" صفحة رقم 214 "
اعتباره وهو تشبيه حالهم وأعمالهم بحال قوم استعصوا على سلكانهم فقدم إلى أشيائهم فمزقها وأبطلها ولم يبق لها أثرا وال ) هباء ( غبار يرى في شعاع يطلع من الكوة من الهبوة وهي الغبار و ) منثورا ( صفته شبه عملهم المحبط بالهباء في حقارته وعدم نفعه ثم بالمنثور منه في انتشاره بحيث لا يمكن نظمه أو تفرقه نحو أغراضهم التي كانوا يتوجهون به نحوها أو مفعول ثالث من حيث إنه كالخبر بعد الخبر كقوله تعالى ) كونوا قردة خاسئين )
الفرقان : ( 24 ) أصحاب الجنة يومئذ . . . . .
) أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا ( مكانا يستقر فيه أكثر الأوقات للتجانلس والتحادث ) وأحسن مقيلا ( مكانا يؤوي إليه للاسترواح بالأزواج والتمتع بهن تجوزا له من مكان القيلولة على التشبيه أو لأنه لا يخلوا من ذلك غالبا إذ لا نوم في الجنة وفي أحسن رمز إلى ما يتميز به مقيلهم من حسن الصور وغيره من التحاسين ويحتمل أن يراد بأحدهما المصدر أو الزمان إشارة إلى أن مكانهم وزمانهم أطيب ما يتخيل من الأمكنة والأزمنة والتفضيل إما لإرادة الزيادة مطلقا أو بالإضافة إلى ما للمترفين في الدنيا روي أنه يفرغ من الحساب في نصف ذلك اليوم فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار
الفرقان : ( 25 ) ويوم تشقق السماء . . . . .
) ويوم تشقق السماء ( أصله تتشقق فحذفت التاء وأدغمها ابن كثير ونافع وابن عامر ويعقوب ) بالغمام ( بسبب طلوع الغمام منها وهو الغمام المذكور في قوله ) هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ( ) ونزل الملائكة تنزيلا ( في ذلك الغمام بصحائف أعمال العباد وقرأ ابن كثير ) وننزل ( وقرئ ) وأنزل ( ) ونزل الملائكة ( بحذف نون الكلمة(4/214)
" صفحة رقم 215 "
الفرقان : ( 26 ) الملك يومئذ الحق . . . . .
) الملك يومئذ الحق للرحمن ( الثابت له لأن كل ملك يبطل يومئذ ولا يبقى إلا ملكه فهو الخبر و ) للرحمن ( صلته أو تبين و ) يومئذ ( أو ) للرحمن ( ) وكان يوما على الكافرين عسيرا ( شديدا
الفرقان : ( 27 ) ويوم يعض الظالم . . . . .
) ويوم يعض الظالم على يديه ( من فرط الحسرة وعض اليدين وأكل البنان وحرق الأسنان ونحوها كنايات عن الغيظ والحسرة لأنها من روادفهما والمراد ب ) الظالم ( الجنس وقيل عقبة بن أبي معيط كان يكثر مجالسة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فدعاه إلى ضيافته فأبى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادة ففعل وكان أبي بن خلف صديقه فعاتبه وقال صبأت فقال لا ولكن آلى أن لا يأكل من طعامي وهو في بيتي فاستحيت منه فشهدت له فقال لا أرى منك إلا أن تأتيه فتطأ قفاه وتبزق في وجهه فوجده ساجدا في دار الندوة ففعل ذلك فقال عليه الصلاة والسلام لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف فأسر يوم بدر فأمر عليا فقتله وطعن أبيا بأحد في المبارزة فرجع إلى مكة ومات ) يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ( طريقا إلى النجاة أو طريقا واحدا وهو طريق الحق ولم تتشعب بي طرق الضلالة
الفرقان : ( 28 ) يا ويلتى ليتني . . . . .
) يا ويلتى ( وقرئ بالياء على الأصل ) ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ( يعني من أضله وفلان كناية عن الأعلام كما أن هنا كناية عن الأجناس
الفرقان : ( 29 ) لقد أضلني عن . . . . .
) لقد أضلني عن الذكر ( عن ذكر الله أو كتابه أو موعظة الرسول أو كلمة الشهادة ) بعد إذ جاءني ( وتمكنت منه ) وكان الشيطان ( يعني الخليل المضل أو إبليس لأنه حمله على مخالته ومخالفة الرسول أو كل من تشيطن من جن وإنس ) للإنسان خذولا ( يواليه حتى يؤديه إلى الهلاك ثم يتركه ولا ينفعه فعول من الخذلان
الفرقان : ( 30 ) وقال الرسول يا . . . . .
) وقال الرسول ( محمد يومئذ أو في الدنيا بثا إلى الله تعالى ) يا رب إن قومي ( قريشا ) اتخذوا هذا القرآن مهجورا ( بأن تركوه وصدوا عنه وعنه عليه الصلاة والسلام من تعلم القرآن وعلق مصحفه ولم يتعاهده ولم ينظر فيه جاء يوم القيامة متعلقا به يقول يا(4/215)
" صفحة رقم 216 "
رب عبدك هذا اتخذني مهجورا اقض بيني وبينه أو هجروا ولغوا فيه إذا سمعوه أو زعموا أنه هجر وأساطير الأولين فيكون أصله ) مهجورا ( فيه فحذف الجار ويجوز أن يكون بمعنى الهجر كالمجلود والمعقول وفيه تخويف لقومه فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا شكوا إلى الله تعالى قومهم عجل لهم العذاب
الفرقان : ( 31 ) وكذلك جعلنا لكل . . . . .
) وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين ( كما جعلناه لك فاصبر كما صبروا وفيه دليل على أنه خالق الشر والعدو يحتمل الواحد والجمع ) وكفى بربك هاديا ( إلى طريق قهرهم ) ونصيرا ( لك عليهم
الفرقان : ( 32 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن ( أي أنزل عليه كخبر بمعنى أخبر لئلا يناقض قوله ) جملة واحدة ( دفعة واحدة كالكتب الثلاثة وهو اعتراض لا طائل تحته لأن الإعجاز لا يختلف بنزوله جملة أو مفرقا مع أن للتفريق فوائد منها ما أشار إليه بقوله ) كذلك لنثبت به فؤادك ( أي كذلك أنزلناه مفرقا لنقوى بتفريقه فؤادك على حفظه وفهمه لأن حاله يخالف حال موسى وداود وعيسى حيث كان عليه الصلاة والسلام أميا وكانوا يكتبون فلو ألقي عليه جملة لعيل بحفظه ولعله لم يستتب له فإن التلقف لا يتأتى إلا شيئا فشيئا ولأن نزوله بحسب الوقائع يوجب مزيد بصيرة وغوص في المعنى ولأنه إذا نزل منجما وهو يتحدى بكل نجم فيعجزون عن معارضته زاد ذلك قوة قلبه ولأنه إذا نزل به جبريل حالا بعد حال يثبت به فؤاده ومنها معرفة الناسخ والمنسوخ ومنها انضمام القرائن الحالية إلى الدلالات اللفظية فإنه يعين على البلاغة وكذلك صفة مصدر محذوف والإشارة إلى إنزاله مفرقا فإنه مدلول عليه بقوله ) لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ((4/216)
" صفحة رقم 217 "
ويحتمل أن يكون من تمام كلام الكفرة ولذلك وقف عليه فيكون حالا والإشارة إلى الكتب السابقة واللام على الوجهين متعلق بمحذوف ) ورتلناه ترتيلا ( وقرأناه عليك شيئا بعد شيء على تؤدة وتمهل في عشرين سنة أو ثلاث وعشرين وأصل الترتيل في الأسنان وهو تفليحها
الفرقان : ( 33 ) ولا يأتونك بمثل . . . . .
) ولا يأتونك بمثل ( سؤال عجيب كأنه مثل في البطلان يريدون به القدح في نبوتك ) إلا جئناك بالحق ( الدامغ له في جوابه ) وأحسن تفسيرا ( وبما هو أحسن بيانا أو معنى من سؤالهم أو ) ولا يأتونك ( بحال عجيبة يقولون هلا كانت هذه حاله إلا أعطيناك من الأحوال ما يحق لك في حكمتنا وما هو أحسن كشفا لما بعثت له
الفرقان : ( 34 ) الذين يحشرون على . . . . .
) الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم ( أي مقلوبين أو مسحوبين عليها أو متعلقة قلوبهم بالسلفيات متوجهة وجوههم غليها وعنه عليه الصلاة والسلام يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف صنف على الدواب وصنف على الأقدام وصنف على الوجوه وهو ذم منصوب أو مرفوع أو مبدأ خبره ) أولئك شر مكانا وأضل سبيلا ( والمفضل عليه هو الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) على طريقة قوله تعالى ) قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه ( كأنه قيل إن حاملهم على هذه الأسئلة تحقير مكانه وتضليل سبيله ولا يعلمون حالهم ليعلموا أنهم شر مكانا وأضل سبيلا وقيل إنه متصل بقوله ) أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا ( ووصف السبيل بالضلال من الإسناد المجازي للمبالغة
الفرقان : ( 35 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
) ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا ( يوازره في الدعوة وإعلاء الكلمة ولا ينافي ذلك مشاركته في النبوة لأن المتشاركين في الأمر متوازرون عليه(4/217)
" صفحة رقم 218 "
الفرقان : ( 36 ) فقلنا اذهبا إلى . . . . .
) فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا ( يعني فرعون وقومه ) بآياتنا فدمرناهم تدميرا ( أي فذهبنا إليهم فكذبوهما فدمرناهم فاقتصر على حاشيتي القصة اكتفاء بما هو المقصود منها وهو إلزام الحجة ببعثة الرسل واستحقا التدمير بتكذيبهم والتعقيب باعتبار الحكم لا الوقوع وقرىء ) فدمرناهم تدميرا ( على التأكيد بالنون الثقيلة
الفرقان : ( 37 ) وقوم نوح لما . . . . .
) وقوم نوح لما كذبوا الرسل ( كذبوا نوحا ومن قبله أو نوحا وحده ولكن تكذيب واحد من الرسل كتكذيب الكل أو بعثة الرسل مطلقا كالبراهمة ) أغرقناهم ( بالطوفان ) وجعلناهم ( وجعلنا إغراقهم أو قصتهم ) للناس آية ( عبرة ) وأعتدنا للظالمين عذابا أليما ( يحتمل التعميم والتخصيص فيكون وضعا للظاهر موضع المضر تظليما لهم
الفرقان : ( 38 ) وعادا وثمود وأصحاب . . . . .
) وعادا وثمود ( عطف على خم في ) جعلناهم ( أو على ) الظالمين ( لأن المعنى ووعدنا الظالمين وقرأ حمزة وحفص ) وثمود ( على تأويل القبيلة ) وأصحاب الرس ( قوم كان يعبدون الأصنام فبعث الله تعالى إليهم شعيبا فكذبوه فبينما هم حول الرس وهي البئر الغير المطوية فانهارت فخسف بهم وبديارهم وقيل ) الرس ( قرية بفلج اليمامة كان فيها بقايا ثمود فبعث إليهم نبي فقتلوه فهلكوا وقيل الأخدود وقيل بئر بأنطاكية قتلوا فيها حبيبا النجار وقيل هم أصحاب حنظلة بن صفوان النبي ابتلاهم الله تعالى بطير عظيم كان فيها من كل لون وسموها عنقاء لطول عنقها وكانت تسكن جبلهم الذي يقال له فتخ أو دمخ وتنقض على صبيانهم فتخطفهم إذا أعوزها الصيد ولذلك سميت مغربا فدعا عليها حنظلة فأصبتها الصاعقة ثم أنهم قتلوه فأهلكوا وقيل هم قوم كذبوا نبيهم ورسوه أي دسه في بئر ) وقرونا ( وأهل أعصار قيل القرن أربعون سنة وقيل سبعون وقيل مائة وعشرون ) بين ذلك ( إشارة إلى ما ذكر ) كثيرا ( لا يعلمها إلا الله
الفرقان : ( 39 ) وكلا ضربنا له . . . . .
) وكلا ضربنا له الأمثال ( بينا له القصص العجيبة من قصص الأولين إنذارا وإعذارا فلما أصروا أهلكوا كما قال ) وكلا تبرنا تتبيرا ( فتتناه تفتيتا ومنه التبر لفتات الذهب(4/218)
" صفحة رقم 219 "
والفضة ) وكلا ( الأول منصوب بما دل عليه ) ضربنا ( كأنذرنا والثاني ب ) تبرنا ( لأنه فارغ
الفرقان : ( 40 ) ولقد أتوا على . . . . .
) ولقد أتوا ( يعني قريشا مروا مرارا في متاجرهم إلى الشام ) على القرية التي أمطرت مطر السوء ( يعني سدوم عظمى قرى قوم لوط أمطرت لعيها الحجارة ) أفلم يكونوا يرونها ( في مرار مرورهم فيتعظوا بما يرون فيها من آثار عذاب الله ) بل كانوا لا يرجون نشورا ( بل كانوا كفرة لا يتوقعون نشورا ولا عاقبة فلذلك لم ينظروا ولم يتعظوا فمروا بها كما مرت ركابهم أو لا يأملون نشورا كما يأمله المؤمنون طمعا في الثواب أو لا يخافونه على اللغة التهامية
الفرقان : ( 41 ) وإذا رأوك إن . . . . .
) وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا ( ما يتخذونك إلا موضع هزء أو مهزوء به ) أهذا الذي بعث الله رسولا ( محكي بعد قول مضمر والإشارة للاستحقار وإخراج بعث الله رسولا في معرض التسليم يجعله صلة وهم على غاية الإنكار واستهزاء ولولاه لقالوا أهذا الذي زعم أنه بعثه الله رسولا
الفرقان : ( 42 ) إن كاد ليضلنا . . . . .
) إن ( إنه ) كاد ليضلنا عن آلهتنا ( ليصرفنا عن عبادتها بفرط اجتهاده في الدعاء إلى التوحيد وكثرة ما يوردها مما يسبق إلى الذهن بأنها حجج ومعجزات ) لولا أن صبرنا عليها ( ثبتنا عليها واستمسكنا بعبادتها و ) لولا ( في مثله تقيد الحكم المطلق من حيث المعنى دون اللفظ ) وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا ( كالجواب لقولهم ) إن كاد ليضلنا ( فإنه يفيد نفي ما يلزمه ويكون الموجب له وفيه وعيد ودلالة على أنه لا يمهلهم وإن أمهلهم
الفرقان : ( 43 ) أرأيت من اتخذ . . . . .
) أرأيت من اتخذ إلهه هواه ( بأن أطاعه وبنى عليه دينه لا يسمع حجة ولا يبصر دليلا وإنما قدم المفعول الثاني للعناية به ) أفأنت تكون عليه وكيلا ( حفيظا تمنعه عن الشرك والمعاصي وحاله هذا فالاستفهام الأول للتقرير والتعجيب والثاني للإنكار(4/219)
" صفحة رقم 220 "
الفرقان : ( 44 ) أم تحسب أن . . . . .
) أم تحسب ( بل أتحسب ) أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ( فتجدي لهم الآيات أو الحجج فتهتم بشأنهم وتطمع في إيمانهم وهو أشد مذمة مما قبله حتى حق بالإضراب منه إليه وتخصيص الأكثر لأنه كان منهم من آمن ومنهم من عقل الحق وكابر استكبارا وخوفا على الرئاسة ) إن هم إلا كالأنعام ( في عدم انتفاعهم بقرع الآيات آذانهم وعدم تدبرهم فيما شاهدوا من الدلائل والمعجزات ) بل هم أضل سبيلا ( من الأنعام لأنها تنقاد لمن يتعهدها وتميز من يحسن إليها ممن يسيء إليها وتطلب ما ينفعها وتتجنب ما يضرها وهؤلاء لا ينقادون لربهم ولا يعرفون إحسانه من إساءة الشيطان ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار ولأنها إن لم تعتقد حقا ولم تكتسب خيرا لم تعتقد باطلا ولم تكتسب شرا بخلاف هؤلاء ولأن جهالتها لا تضر بأحد وجهالة هؤلاء تؤدي إلى هيج الفتن وصد الناس عن الحق ولأنها غير متمكنة من طلب الكمال فلا تقصير منها ولا ذم وهؤلاء مقصرون ومستحقون أعظم العقاب على تقصيرهم
الفرقان : ( 45 ) ألم تر إلى . . . . .
) ألم تر إلى ربك ( ألم تنظر إلى صنعه ) كيف مد الظل ( كيف بسطه أو ألم تنظر إلى الظل كيف مده ربك فغير النظم إشعارا بأنه المعقول من هذا الكلام لوضوح برهانه وهو دلالة حدوثه وتصرفه على الوجه النافع بأسباب ممكنة على أن ذلك فعل الصانع الحكيم كالمشاهد المرئي فكيف بالمحسوس منه أو ألم ينته علمك إلى أن ربك كيف مد الظل وهو فيما بين طلوع الفجر والشمس وهو أطيب الأحوال فإن الظلمة الخالصة تنفر الطبع وتسد النظر وشعاع الشمس يسخن الجو ويبهر البصر ولذلك وصف به الجنة فقال ) وظل ممدود ( و ) ولو شاء لجعله ساكنا ( ثابتا من السكنى أو غير متقلص من السكون(4/220)
" صفحة رقم 221 "
بأن يجعل الشمس مقيمة على وضع واحد ) ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ( فإنه لا يظهر للحس حتى تطلع فيقع ضوؤها على بعض الأجرام أو لا يوجد ولا يتفاوت إلا بسبب حركتها
الفرقان : ( 46 ) ثم قبضناه إلينا . . . . .
) ثم قبضناه إلينا ( أي أزلناه بإيقاع الشمس موقعه لما عبر عن أحداثه بالمد بمعنى التسيير عبر عن إزالته بالقبض إلى نفسه الذي هو في معنى الكف ) قبضا يسيرا ( قليلا قليلا حسبما ترتفع الشمس لينتظم بذلك مصالح الكون ويتحصل به ما لا يحصى من منافع الخلق و ) ثم ( في الموضعين لتفاضل الأمور أو لتفاضل مبادئ أوقات ظهورها وقيل ) مد الظل ( لما بنى السماء بلا نير ودحا الأرض تحتها فألقت عليها ظلها ولو شاء لجعله ثابتا على تلك الحالة ثم خلق الشمس عليها دليلا أي مسلطا عليه مستتبعا إياه كما يستتبع إياه كما يستتبع الدليل المدلول أو دليل الطريق من يهديه فإنه يتفاوت بحركتها ويتحول بتحولها ) ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ( شيئا فشيئا إلى أن تنتهي غاية نقصانه أو ) قبضا ( سهلا عند قيام الساعة يقبض أسبابه من الأجرام المظلة والمظل عليها
الفرقان : ( 47 ) وهو الذي جعل . . . . .
) وهو الذي جعل لكم الليل لباسا ( شبه ظلامه باللباس في ستره ) والنوم سباتا ( راحة للأبدان بقطع المشاغل وأصل السبت القطع أو موتا كقوله ) وهو الذي يتوفاكم بالليل ( لأنه قطع الحياة ومنه المسبوت للميت ) وجعل النهار نشورا ( ذا نشور أي انتشار ينتشر فيه الناس للمعاش أو بعث من النوم بعث الأموات فيكون إشارة إلى أن النوم(4/221)
" صفحة رقم 222 "
واليقظة أنموذج للموت والنشور وعن لقمان عليه السلام يا بني كما تنام فتوقظ كذلك تموت فتنتشر
الفرقان : ( 48 ) وهو الذي أرسل . . . . .
) وهو الذي أرسل الرياح ( وقرأ ابن كثير على التوحيد إرادة للجنس ) نشرا ( ناشرات للحساب جمع نشور وقرأ ابن عامر بالسكون على التخفيف وحمزة والكسائي به وبفتح النون على أنه مصدر وصف به وعاصم ) بشرا ( تخفيف بشر جمع بشور بمعنى مبشر ) بين يدي رحمته ( يعني قدام المطر ) وأنزلنا من السماء ماء طهورا ( مطهرا لقوله ) ليطهركم به ( وهو اسم لما يتطهر به كالوضوء والوقود لما يتوضأ به ويوقد به قال عليه الصلاة والسلام التراب طهور المؤمن طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسل سبعا إحداهن بالتراب وقيل بليغا في الطهارة وفعول وإن غلب في المعنيين لكنه قد جاء للمفعول كالضبوث وللمصدر كالقبول وللاسم كالذنوب وتوصيف الماء به إشعارا بالنعمة فيه وتميم للمنة فيما بعده فإن الماء الطهور أهنأ وأنفع مما خالطه ما يزيل طهورته وتنبيه على أن ظواهرهم لما كانت مما ينبغي أن يطهروها فبواطنهم بذلك أولى
الفرقان : ( 49 ) لنحيي به بلدة . . . . .
) لنحيي به بلدة ميتا ( بالنبات وتذكير ) ميتا ( لأن البلدة في معنى البلد ولأنه غير جار على الفعل كسائر أبنية المبالغة فأجرى مجرى الجامد ) ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ( يعني أهل البوادي الذين يعيشون بالحيا ولذلك نكر الأنعام والأناسي وتخصيصهم لأن أهل المدن والقرى يقيمون بقرب الأنهار والمنافع فيهم وبما حولهم من الأنعام غنية عن سقيا السماء وسائر الحيوانات تبعد في طلب الماء فلا يعوزها الشرب غالبا مع أن مساق هذه الآيات كما هو للدلالة على عظم القدرة فهو لتعداد أنواع النعمة والأنعام قنية الإنسان وعامة منافعهم وعلية معايشهم منوطة بها ولذلك قدم سقيها على سقيهم كما(4/222)
" صفحة رقم 223 "
قدم عليها إحياء الأرض فإنه سبب لحياتها وتعيشها وقرئ / نسقيه / بالفتح وسقى وأسقى لغتان وقيل أسقاه جعل الله له سقيا ) وأناسي ( بحذف ياء وهو جمع إنسي أو إنسان كظرابي فظربان على أن أصله أناسين فقلبت النون ياء
الفرقان : ( 50 ) ولقد صرفناه بينهم . . . . .
) ولقد صرفناه بينهم ( صرفنا هذا القول بين الناس في القرآن الكريم وسائر الكتب أو لامطر بينهم في البلدان المختلفة والأوقات المتغايرة وعلى الصفات المتفاوتة من وابل وطل وغيرهما وعن ابن عباس رضي الله عنه ما عام أمطر من عام ولكن الله قسم ذلك بين عباده على ما شاء وتلا هذه الآية أو في الأنهار والمنافع ) ليذكروا ( ليتفكروا ويعرفوا كمال القدرة وحق النعمة في ذلك ويقوموابشكره أو ليعتبروا بالصرف عنهم وإليهم ) فأبى أكثر الناس إلا كفورا ( إلا كفران النعمة وقلة الاكتراث لها أو جحودها بأن يقولوا مطرنا بنوء كذا ومن لا يرى الأمطار إلا من الأنواء كان كافرا بخلاف من يرى أنها من خلق الله والأنواء وسائط وأمارات بجعله تعالى
الفرقان : ( 51 ) ولو شئنا لبعثنا . . . . .
) ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا ( نبيا ينذر أهلها فيخف عليك أعباء النبوة لكن قصرنا الأمر عليك إجلالالك وتعظيما لشأنك وتفضيلا لك على سائر الرسل فقابل ذلك بالثبات والاجتهاد في الدعوة وإظهار الحق(4/223)
" صفحة رقم 224 "
الفرقان : ( 52 ) فلا تطع الكافرين . . . . .
) فلا تطع الكافرين ( فيما يريدونك عليه وهو تهييج له عليه الصلاة والسلام وللمؤمنين ) وجاهدهم به ( بالقرآن أو بترك طاعتهم الذي يدل عليه فلا تطع والمعنى إنهم يجتهدون في إبطال حقك فقابلهم بالاجتهاد في مخالفتهم وإزاحة باطلهم ) جهادا كبيرا ( لأن مجاهدة السفهاء بالحجج أكبر من مجاهدة الأعداء بالسيف أو لأن مخالفتهم ومعاداتهم فيما بين أظهرهم مع عتوهم وظهورهم أو لأنه جهاد مع كل الكفرة لأنه مبعوث إلى كافة القرى
الفرقان : ( 53 ) وهو الذي مرج . . . . .
) وهو الذي مرج البحرين ( خلاهما متجاورين متلاصقين بحيث لا يتمازجان من مرج ذابته إذا خلاها ) هذا عذب فرات ( قامع للعطش من فرط عذوبته ) وهذا ملح أجاج ( بليغ الملوحة وقرىء ) ملح ( على فعل ولعل أصله مالح فخفف كبرد في بارد ) وجعل بينهما برزخا ( حاجزا من قدرته ) وحجرا محجورا ( وتنافرا بليغا كان كلا منهما يقول للآخر ما يقوله المعتوذ عنه وقيل حدا محدودا وذلك كدجلة تدخل البحر فتشقه فتتتجري في خلاله فراسخ لا يتغير طعمها وقيل المراد بالبحر العذب النهر العظيم مصل النيل وبالبحر الملح البرح الككبير وبالبرزخ ما يحول بينهما من الأرض فتكون القدرة في الفصل واختلاف الصفة مع أن مقتضى ظبيعة أجزاء كل عنصر أن تضامت وتلاصقت وتشابهت في الكيفية
الفرقان : ( 54 ) وهو الذي خلق . . . . .
) وهو الذي خلق من الماء بشرا ( يعني الذي خمر به ظينة آدم أو جعله جزاءا من مادة البشر لتجتمع لتبشر وتسلس وتقبل الأشكال والهيئات بسهولة أو النطفة ) فجعله نسبا وصهرا ( أ ] قسمه قسمين ذوي نسب أي ذكورا ينسب إليهم وذوات صهر أي إناثا يصاهر بهن كقوله تعالى ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ( ) وكان ربك قديرا ( حيث خلق من مادة واحدة بشرا ذا أعضاء مختلفة وطباع متباعدة وجعله قسمين متقابلين وربما يخلق من نظفة واحدة توأمين ذكرا وأنثى
الفرقان : ( 55 ) ويعبدون من دون . . . . .
) ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم ( يعني الأصنام أو كل ما عبد من دون الله إذ ما من مخلوق يستقل بالنفع والضر ) وكان الكافر على ربه ظهيرا ( يظاهر الشيطان بالعداوة والشرك والمراد ب ) الكافر ( الجنس أو أبو جهل وقيل هينا مهينا لا وقع له عنده(4/224)