أخرى ، يقال ناب نوبا ونوبة ، وسمي النحل نوبا لرجوعها إلى مقارها ، ونابته نائبة أي حادثة من شأنها أن تنوب دائبا ، والإنابة إلى الله تعالى الرجوع إليه بالتوبة وإخلاص العمل ، قال : { وخر راكعا وأناب } - { وإليك أنبنا } - { وأنيبوا إلى ربكم } - { منيبين إليه } وفلان ينتاب فلانا أي يقصده مرة بعد أخرى .
نوح : نوح اسم نبي ، والنوح مصدر ناح أي صاح بعويل ، يقال ناحت الحمامة نوحا وأصل النوح اجتماع النساء في المناحة ، وهو من التناوح أي التقابل ، يقال جبلان يتناوحان ، وريحان يتناوحان وهذه الريح نيحة تلك أي مقابلتها ، والنوائح النساء ، والمنوح المجلس .
نور : النور الضوء المنتشر الذي يعين على الإبصار ، وذلك ضربان دنيوي وأخروي ، فالدنيوي ضربان : ضرب معقول بعين البصيرة وهو ما انتشر من الأمور الإلهية كنور العقل ونور القرآن . ومحسوس بعين البصر ، وهو ما انتشر من الأجسام النيرة كالقمرين والنجوم والنيرات . فمن النور الإلهي قوله تعالى { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين } وقال { وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } وقال : { ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا } وقال { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه } وقال : { نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء } ومن المحسوس الذي بعين البصر نحو قوله { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا } وتخصيص الشمس بالضوء والقمر بالنور من حيث إن الضوء أخص من النور ، قال : { وقمرا منيرا } أي ذا نور . ومما هو عام فيهما قوله : { وجعل الظلمات والنور } وقوله : { ويجعل لكم نورا تمشون به } - { وأشرقت الأرض بنور ربها } ومن النور الأخروي قوله : { يسعى نورهم بين أيديهم } - { والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم } - { وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا } - { انظرونا نقتبس من نوركم } - { فالتمسوا نورا } ويقال أنار الله كذا ونوره وسمي الله تعالى نفسه نورا من حيث إنه هو المنور ، قال : { الله نور السماوات والأرض } وتسميته تعالى بذلك لمبالغة فعله . والنار تقال للهيب الذي يبدو للحاسة ، قال : { أفرأيتم النار التي تورون } وقال { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا } وللحرارة المجردة ولنار جهنم المذكورة في قوله : { النار وعدها الله الذين كفروا } - { وقودها الناس والحجارة } - { نار الله الموقدة } وقد ذكر ذلك في غير موضع . ولنار الحرب المذكورة في قوله : { كلما أوقدوا نارا للحرب } وقال بعضهم : النار والنور من أصل واحد وكثيرا ما يتلازمان لسكن النار متاع للمقوين في الدنيا والنور متاع لهم في الآخرة ، ولأجل ذلك استعمل في النور الاقتباس فقال : { نقتبس من نوركم }
____________________
(1/508)
) وتنورت نارا أبصرتهأ ، والمنارة مفعلة من النور أو من النار كمنارة السراج أو ما يؤذن عليه ، ومنار الأرض أعلامها ، والنوار النفور من الريبة وقد نارت المرأة تنور نورا ونوارا ، ونور الشجر ونواره تشبيها بالنور ، والنور ما يتخذ للوشم يقال نورت المرأة يدها وتسميته بذلك لكونه مظهرا لنور العضو .
نوس : الناس قيل أصله أناس فحذف فاؤه لما أدخل عليه الألف واللام ، وقيل قلب من نسي وأصله إنسيان على إفعلان ، وقيل أصله من ناس ينوس إذا اضطرب ، ونست الإبل سقتها ، وقيل ذونواس ملك كان ينوس على ظهره ذؤابة فسمي بذلك وتصغيره على هذا نويس ، قال : { قل أعوذ برب الناس } والناس قد يذكر ويراد به الفضلاء دون من يتناوله اسم الناس تجوزا وذلك إذا اعتبر معنى الإنسانية وهو وجود الفضل والذكر وسائر الأخلاق الحميدة والمعاني المختصة به ، فإن كل شيء عدم فعله المختص به لا يكاد يستحق اسمه كاليد فإنها إذا عدمت فعلها الخاص بها فإطلاق اليد عليها كإطلاقها على ي السرير ورجله ، فقوله : { آمنوا كما آمن الناس } أي كما يفعل من وجد فيه معنى الإنسانية ولم يقصد بالإنسان عينا واحدا بل قصد المعنى وكذا قوله : { أم يحسدون الناس } أي من وجد فيه معنى الإنسانية أي إنسان كان ، وربما بما قصد به النوع كما هو وعلى هذا قوله : { أم يحسدون الناس } .
نوش : النوش التناول ، قال الشاعر
( تنوش البرير حيث طاب اهتصارها ** ) البرير ثمر الطلح والاهتصار الإمالة ، يقال هصرت الغصن إذا أملته ، وتناوش القوم كذا تناولوه ، قال : { وأنى لهم التناوش } أي كيف يتناولون الإيمان من مكان بعيد ولم يكونوا يتناولونه عن قريب في حين الاختيار والانتفاع بالإيمان إشارة إلى قوله : { لا ينفع نفسا إيمانها } الآية ومن همز فإما أنه أبدل من الواو همزة نحو ، أقتت في وقتت ، وأدؤر في أدور ، وإما أن يكون من النأش وهو الطلب .
نوص : ناص إلى كذا التجأ إليه ، وناص عنه ارتد ينوص نوصا والمناص الملجأ ، قال : { ولات حين مناص } .
نيل : النيل ما يناله الإنسان بيده ، نلته أناله نيلا ، قال : { لن تنالوا البر } - { لم ينالوا خيرا } والنول التناول يقال نلت كذا أنول نولا وأنلته أوليته وذلك مثل عطوت كذا تناولت وأعطيته أنلته . ونلت أصله نولت على فعلت ، ثم نقل إلى فلت . ويقال ما كان نولك أن
____________________
(1/509)
تفعل كذا أي ما فيه نوال صلاحك ، قال الشاعر :
( جزعت وليس ذلك بالنوال ** ) قيل معناه بصواب . وحقيقة النوال ما يناله الإنسان من الصلة وتحقيقه ليس ذلك مما تنال منه مرادا ، وقال تعالى : _ { لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم } .
نوم : النوم فسر على أوجه كلها صحيح بنظرات مختلفة ، قيل هو استرخاء أعصاب الدماغ برطوبات البخار الصاعد إليه ، وقيل هو أن يتوفى الله النفس من غير موت قال الله يتوفى الأنفس ) الآية ، وقيل النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل ، ورجل نؤوم ونومة كثير النوم ، والمنام النوم ، قال : { ومن آياته منامكم بالليل } - { وجعلنا نومكم سباتا } - { لا تأخذه سنة ولا نوم } والنومة أيضا خامل الذكر ، واستنام فلان إلى كذا اطمأن إليه ، والمنامة الثوب الذي ينام فيه ، ونامت السوق كسدت ، ونام الثوب أخلق أو خلق معا ، واستعمال النوم فيهما على التشبيه .
نون : النون الحرف المعروف ، قال تعالى : ( ن والقلم ) والنون الحوت العظيم وسمي يونس ذا النون في قوله { وذا النون } لأن النون كان قد التقمه ، وسمي سيف الحارث ابن ظالم ذا النون .
ناء : يقال ناء بجانبه ينوء ويناء ، قال أبو عبيدة : ناء مثل ناع أي نهض ، وأنأته أنهضته . قال { لتنوء بالعصبة } وقرئ / < ناء > / مثل ناع أي نهض به عبارة عن التكبر كقولك شمخ بأنفه وازور جانبه .
نأى : قال أبو عمرو : نأى مثل نعى أعرض ، وقال أبو عبيدة : تباعد ، ينأى وانتأى افتعل منه والمنتأى الموضع البعيد ، ومنه النؤى لحفيرة حول الخباء تباعد الماء عنه وقرئ / < ناء بجانبه > / أي تباعد به . والنية تكون مصدرا واسما من نويت وهي توجه القلب نحو العمل وليس من ذلك بشيء .
____________________
(1/510)
= كتاب الواو =
وبل : الوبل والوابل المطر الثقيل القطار ، قال تعالى : { فأصابه وابل } - { كمثل جنة بربوة أصابها وابل } ولمراعاة الثقل قيل للأمر الذي يخاف ضرره وبال ، قال تعالى : { فذاقوا وبال أمرهم } ، ويقال طعام وبيل ، وكلأ وبيل يخاف وباله ، قال { فأخذناه أخذا وبيلا } .
وبر : الوبر معروف وجمعه أوبار ، قال { ومن أصوافها وأوبارها } وقيل سكان الوبر لمن بيوتهم من الوبر ، وبنات أوبر للكمء الصغار التي عليها مثل الوبر ، ووبرت الأرنب غطت بالوبر الذي على زمعاتها أثرها ، ووبر الرجل في منزله أقام فيه تشبيها بالوبر الملقى ، نحو تلبد بمكان كذا ثبت فيه ثبوت اللبد ووبار قيل أرض كانت لعاد .
وبق : وبق إذا تثبط فهلك ، وبقا وموبقا ، قال { وجعلنا بينهم موبقا } وأوبقه كذا ، { قال } - { أو يوبقهن بما كسبوا } .
وتن : الوتين عرق يسقي الكبد وإذا انقطع مات صاحبه ، قال { ثم لقطعنا منه الوتين } والموتون المطوع الوتين ، والمواتنة أن يقرب منه قربا كقرب الوتين وكأنه أشار إلى نحو ما دل عليه وقوله تعالى { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } واستوتن الإبل إذا غلظ وتينها من السمن .
وتد : الوتد والوتد وقد وتدته أتده وتدا ، قال { والجبال أوتادا } وكيفية كون الجبال أوتادا يختص بما بعد هذا الباب وقد يسكن التاء ويدغم في الدال فيصير ودا ، والوتدان من الأذن تشبيها بالوتد للنتو فيهما .
وتر : الوتر في العدد خلاف الشفع وقد تقدم الكلام فيه في قوله : { والشفع والوتر } وأوتر في الصلاة . والوتر والوتر ، والترة : الذحل ، وقد وترته إذا أصبته بمكروه ، قال : { ولن يتركم أعمالكم } والتواتر تتابع الشيء وترا وفرادى : { وجاؤوا تترا } - { ثم أرسلنا رسلنا تترا } ولا وتيرة في كذا ولا غميزة ولا غير ، والوتيرة السجية من التواتر ، وقيل للحلقة التي يتعلم عليها الري الوتيرة وكذلك للأرض المنقادة ، والوتيرة الحاجز بين المنخرين .
وثق وثقت به أثق ثقة : سكنت إليه
____________________
(1/511)
واعتمدت عليه ، وأوثقته شددته ، والوثاق والوثاق اسمان لما يوثق به الشيء ، والوثقى تأنيث الأوثق . قال تعالى : { ولا يوثق وثاقه أحد } - { حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق } والميثاق عقد مؤكد بيمين وعهد ، قال : { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين } - { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم } - { وأخذنا منهم ميثاقا غليظا } والموثق الاسم منه قال : { حتى تؤتون موثقا من الله } إلى قوله : { موثقهم } والوثقى قريبة من الموثق ، قال : { فقد استمسك بالعروة الوثقى } وقالوا رجل ثقة وقوم ثقة ويستعار للموثوق به ، وناقة موثقة الخلق محكمته .
وثن : الوثن واحد الأوثان وهو حجارة كانت تعبد ، قال : { إنما اتخذتم من دون الله أوثانا } وقيل أوثنت فلانا أجزلت عطيته ، وأوثنت من كذا أكثرت منه .
وجب : الوجوب الثبوت . والواجب يقال على أوجه : الأول في مقابلة الممكن وهو الحاصل الذي إذا قدر كونه مرتفعا حصل مه محال نحو وجود الواحد مع وجود الاثنين فإنه محال أن يرتفع الواحد مع حصول الاثنين . الثاني : يقال في الذي إذا لم يفعل يستحق به اللوم ، وذلك ضربان : واجب من جهة العقل كوجوب معرفة الوحدانية ومعرفة النبوة ، وواجب من جهة الشرع كوجوب العبادات الموظفة . ووجبت الشمس إذا غابت كقولهم سقطت ووقعت ، ومنه قوله تعالى { فإذا وجبت جنوبها } ووجب القلب وجيبا كل ذلك اعتبار بتصور الوقوع فيه ، ويقال في كله أوجب . وعبر بالموجبات عن الكبائر التي أوجب الله عليها النار . وقال بعضهم الواجب يقال على وجهين ، أحدهما : أن يراد به اللازم الوجوب فإنه لا يصح أن لا يكون موجودا كقولنا في الله جل جلاله واجب وجوده . والثاني : الواجب بمعنى أن حقه أن يوجد . وقول الفقهاء الواجب ما إذا لم يفعله يستحق العقاب وذلك وصف له بشيء عارض له لا بصفة لازمة له ويجري مجرى من يقول الإنسان الذي إذا مشى مشى برجلين منتصب القامة .
وجد : الوجود أضرب : وجود بإحدى الحواس الخمس نحو : وجدت زبدا ، ووجدت طعمه . ووجدت صوته ، ووجد ت خشونته . ووجود بقوة الشهوة نحو : وجدت الشبع . ووجود بقوة الغضب كوجود الحزن والسخط . ووجود بالعقل أو بواسطة العقل كمعرفة الله تعالى ومعرفة النبوة ، وما ينسب إلى الله تعالى من الوجود فبمعنى العلم المجرد إذ كان الله منزها عن الوصف بالجوارح والآلات نحو { وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين } وكذلك المعدوم يقال على هذه الأوجه . فأما وجود الله تعالى
____________________
(1/512)
للأشياء فبوجه أعلى من كل هذا . ويعبر عن التمكن من الشيء بالوجود نحو { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } أي حيث رأيتموهم ، وقوله : { فوجد فيها رجلين } أي تمكن منهما وكانا يقتتلان ، وقوله : { وجدت امرأة } إلى قوله { يسجدون للشمس } فوجود بالبصر والبصيرة فقد كان منه مشاهدة بالبصر واعتبار لحالها بالبصيرة ، ولولا ذلك لم يكن له أن يحكم بقوله : { وجدتها وقومها } الآية ، وقوله { فلم تجدوا ماء } فمعناه فلم تقدروا على الماء ، وقوله : { من وجدكم } أي تمكنكم وقدر غناكم ، ويعبر عن الغنى بالوجدان والجدة ، وقد حكي فيه الوجد والوجد والوجد ، ويعبر عن الحزن والحب بالوجد ، وعن الغضب بالموجدة ، وعن الضالة بالوجود ، وقال بعضهم الموجودات ثلاثة أضرب : موجود لا مبدأ له ولا منتهى ، وليس ذلك إلا الباري تعالى ، وموجود له مبدأ ومنتهى كالناس في النشأة الأولى وكالجواهر الدنيوية ، وموجود له مبدا وليس له منتهى ، كالناس في النشأة الآخرة .
وجس : الوجس الصوت الخفي والتوجس التسمع والإيجاس وجود ذلك في النفس ، قال : { فأوجس منهم خيفة } فالوجس قالوا هو حالة تحصل من النفس بعد الهاجس لأن الهاجس مبتدأ التفكير ، ثم يكون الواجس الخاطر .
وجل : الوجل استشعار الخوف ، يقال ، وجل يوجل وجلا فهو وجل ، قال : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } - { إنا منكم وجلون } - { قالوا لا توجل } - { وقلوبهم وجلة } .
وجه : صل الوجه الجارحة ، قال { فاغسلوا وجوهكم وأيديكم } - { وتغشى وجوههم النار } ولما كان الوجه أول ما يستقبلك ، وأشرف ما في ظاهر البدن استعمل في مستقبل كل شيء وفي أشرفه ومبدئه فقيل وجه كذا ووجه النهار وربما عبر عن الذات بالوجه في قول الله : { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } قيل ذاته وقيل أراد بالوجه ههنا التوجه إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة وقال : { فأينما تولوا فثم وجه الله } - { كل شيء هالك إلا وجهه } - { يريدون وجه الله } - { إنما نطعمكم لوجه الله } قيل إن الوجه في كل هذا ذاته ويعنى بذلك كل شيء هالك إلا هو ، وكذا في أخواته . وروي أنه قيل ذلك لأبي عبد الله ابن الرضا . فقال سبحان الله لقد قالوا قولا عظيما إنما عني الوجه الذي يؤتى منه ، ومعناه كل شيء من أعمال العباد هالك وباطل إلا ما أريد به الله ، وعلى هذا الآيات الأخر ، وعلى هذا قوله : { يريدون وجهه } - { يريدون وجه الله } وقوله { وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد }
____________________
(1/513)
) فقد قيل أراد به الجارحة واستعارها كقولك فعلت كذا بيدي وقيل أراد بالإقامة تحري الاستقامة ، وبالوجه التوجه ، والمعنى أخلصوا العبادة لله في الصلاة . وعلى هذا النحو قوله { فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله } وقوله : { ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى } - { ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله } وقوله : { فأقم وجهك للدين حنيفا } فالوجه في كل هذا كما تقدم ، أو على الاستعارة للمذهب والطريق . وفلان وجه القوم كقولهم عينهم ورأسهم ونحو ذلك . وقال : { وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى } وقوله : { آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار } أي صدر النهار . ويقال واجهت فلانا جعلت وجهي تلقاء وجهه ويقال للقصد وجه ، وللمقصد جهة ووجهة وهي حيثما نتوجه للشيء ، قال : { ولكل وجهة هو موليها } إشارة إلى الشريعة كقوله شرعة ، وقال بعضهم : الجاه مقلوب عن الوجه لكن الوجه يقال في العضو والحظوة ، والجاه لا يقال إلا في الحظوة . ووجهت الشيء أرسلته في جهة واحدة فتوجه وفلان وجيه ذو جاه ، قال : { وجيها في الدنيا والآخرة } وأحمق ما يتوجه به : كناية عن الجهل بالتفرط ، وأحمق ما يتوجه ، بفتح الياء وحذف به عنه ، أي لا يستقيم في أمر م الأمور لحمقه والتوجيه في الشعر الحرف الذي بين ألف التأسيس وحرف الروي .
وجف : الوجيف سرعة السير ، وأوجفت البعير أسرعته ، قال { فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } وقيل أدل فأمل ، وأوجف فأعجف أي حمل الفرس على الإسراع فهزله بذلك ، قال { قلوب يومئذ واجفة } أي مضطربة كقولك طائرة وخافقة ، ونحو ذلك من الاستعارات لها .
وحد : الوحدة الانفراد والواحد في الحقيقة هو الشيء الذي لا جزء له ألبتة ، ثم يطلق على كل موجود حتى أنه ما من عدد إلا ويصح أن يوصف به فيقال عشرة واحدة ومائة واحدة وألف واحد ، فالواحد لفظ مشترك يستعمل على ستة أوجه : الأول ما كان واحدا في الجنس أو في النوع كقولنا الإنسان والفرس واحد في الجنس ، وزيد وعمرو واحد في النوع . الثاني : ما كان واحدا بالاتصال إما من حيث الخلقة كقولك شخص واحد وإما من حيث الصناعة كقولك حرفة واحدة . الثالث : ما كان واحدا لعدم نظيره إما في الخلقة كقولك الشمس واحدة وإما في دعوى الفضيلة كقولك فلان واحد دهره ، وكقولك نسيج وحده . الرابع : ما كان واحدا لامتناع التجزي فيه إما لصغره كالهباء ، وإما لصلابته كالألماس . الخامس : للمبدإ ، إما لمبدإ العدد كقولك
____________________
(1/514)
واحد اثنان ، وإما لمبدإ الخط كقولك النقطة الواحدة . والوحدة في كلها عارضة ، وإذا وصف الله تعالى بالواحد فمعناه هو الذي لا يصح عليه التجزي ولا التكثر ، ولصعوبة هذه الوحدة قال تعالى : { وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة } ، والوحد المفرد ويوصف به غير الله تعالى ، كقول الشاعر :
( على مستأنس وحد ** ) وأحد مطلقا لا يوصف به غير الله تعالى وقد تقدم فيما مضى ، ويقال فلان لا واحد له ، كقولك هو نسيج وحده ، وفي الذم يقال هو عيير وحده وجحيش وحده ، وإذا أريد ذم أقل من ذلك قيل رجيل وحده .
وحش : الوحش خلاف الإنس وتسمى الحيوانات التي لا أنس لها بالإنس وحشا وجمعه وحوش ، قال { وإذا الوحوش حشرت } ، والمكان الذي لا أنس فيه وحش ، يقال لقيته بوحش إصمت أي ببلد قفر ، وبات فلان وحشا إذا لم يكن في وجوفه طعام وجمعه أوحاش وأرض موحشة من الوحش ، ويسمى المنسوب إلى المكان الوحش وحشيا ، وعبر بالوحشي عن الجانب الذي يضاد الإنسي ، والإنسي هو ما يقبل منهما على الإنسان ، وعلى هذا وحشي القوس وإنسيه .
وحى : أصل الوحي الإشارة السريعة ولتضمن السرعة قيل أمر وحي وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض ، وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب وبإشارة ببعض الجوارح ، وبالكتابة ، وقد حمل على ذلك قوله تعالى عن زكريا { فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا } فقد قيل رمز وقيل اعتبار وقيل كتب ، وعلى هذه الوجوه قوله { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا } وقوله { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم } فذلك بالوسواس المشار إليه بقوله { من شر الوسواس الخناس } وبقوله عليه الصلاة والسلام وإن للشيطان لمة الخير ويقال للكلمة الإلهية التي تلقى إلى أنبيائه وأوليائه وحى وذلك أضرب حسبما دل عليه قوله { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا } - إلى قوله - { بإذنه ما يشاء } وذلك إما برسول مشاهد ترى ذاته ويسمع كلامه كتبليغ جبريل عليه السلام للنبي في صورة معينة ، وإما بسماع كلام من غير معاينة كسماع موسى كلام الله ، وإما بالقاء في الروع كما ذكر عليه الصلاة والسلام إن روح القدس نفث في روعي ، وإما بإلهام نحو { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه } وإما بتسخير نحو قوله { وأوحى ربك إلى النحل } أو بمنام كما قال عليه الصلاة والسلام
____________________
(1/515)
انقطع الوحي وبقيت المبشرات رؤيا المؤمن فالإلهام والتسخير والمنام دل عليه قوله { إلا وحيا } وسماع الكلام معاينة دل عليه قوله { أو من وراء حجاب } وتبليغ جبريل في صورة معينة دل عليه قوله { أو يرسل رسولا فيوحي } وقوله { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء } فذلك لمن يدعي شيئا من أنواع ما ذكرناه من الوحي أي نوع ادعاه من غير أن حصل له ، وقوله { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه } الآية فهذا الوحي هو عام في جميع أنواعه وذلك أن معرفة وحدانية لله تعالى معرفة وجوب عبادته ليست مقصورة على الوحي المختص بأولي العزم من الرسل بل يعرف ذلك بالعقل والإلهام كما يعرف بالسمع . فإذا القصد من الآية تنبيه أنه من المحال أن يكون رسول لا يعرف وحدانية الله ووجوب عبادته ، وقوله تعالى : { وإذ أوحيت إلى الحواريين } فذلك وحي بوساطة عيسى عليه السلام ، وقوله : { وأوحينا إليهم فعل الخيرات } فذلك وحي إلى الأمم بوساطة الأنبياء . ومن الوحي المختص بالنبي عليه الصلاة والسلام : { اتبع ما أوحي إليك من ربك } - { إن أتبع إلا ما يوحى إلي } - { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي } وقوله : { وأوحينا إلى موسى وأخيه } فوحيه إلى موسى بوساطة جبريل ، ووحيه تعالى إلى هرون بوساطة جبريل وموسى ، وقوله : { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم } فذلك وحي إليهم بوساطة اللوح والقلم فيما قيل ، وقوله : { وأوحى في كل سماء أمرها } فإن كان الوحي إلى أهل السماء فقط فالموحى إليهم محذوف ذكره كأنه قال أوحى إلى الملائكة لأن أهل السماء هم الملائكة ، ويكون كقوله : { إذ يوحي ربك إلى الملائكة } وإن كان الموحى إليه هي السموات فذلك تسخير عند من يجعل السماء غير حي ، ونطق عند من جعله حيا ، وقوله : { بأن ربك أوحى لها } فقريب من الأول وقوله : { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه } فحث على التثبت في السماع وعلى ترك الاستعجال في تلقيه وتلقنه .
ودد : الود محبة الشيء وتمني كونه ، ويستعمل في كل واحد من المعنيين على أن التمني يتضمن معنى الود لأن التمني هو تشهي حصول ما توده ، وقوله : { وجعل بينكم مودة ورحمة } وقوله { سيجعل لهم الرحمن ودا } فإشارة إلى ما أوقع بينهم من الألفة المذكورة في قوله : { لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت } الآية . وفي المودة التي تقتضي المحبة المجردة في قوله : { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى } وقوله { وهو الغفور الودود } - { إن ربي رحيم ودود } فالودود يتضمن ما دخل في قوله : { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه }
____________________
(1/516)
) وتقدم معنى محبة الله لعباده ومحبة العباد له ، قال بعضهم : مودة الله لعباده هي مراعاته لهم . روي أن الله تعالى قال لموسى : أنا لا أغفل عن الصغير لصغره ولا عن الكبير لكبره ، وأنا الودود الشكور فيصح أن يكون معنى : { سيجعل لهم الرحمن ودا } معنى قوله : { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } ومن المودة التي تقتضي معنى التمني : { ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم } وقال : { ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين } وقال : { ودوا ما عنتم } - { ود كثير من أهل الكتاب } - { وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم } - { ودوا لو تكفرون كما كفروا } - { يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه } وقوله : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } بمنهي عن موالاة الكفار وعن مظاهرتهم كقوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم } إلى قوله : { بالمودة } أي بأسباب المحبة من النصيحة ونحوها : { كأن لم تكن بينكم وبينه مودة } وفلان وديد فلان : مواده ، والود صنم سمي بذلك إما لمودتهم له أو لاعتقادهم أن بينه وبين الباري مودة تعالى الله عن القبائح . والود الوتد وأصله يصح أن يكون وتد فأدغم وأن يكون لتعلق ما يشد به أو لثبوته في مكانه فتصور منه معنى المودة والملازمة .
ودع : الدعة الخفض يقال ودعت كذا أدعه ودعا نحو تركته وادعا وقال بعض العلماء ، لا يستعمل ماضيه واسم فاعله وإنما يقال يدع ودع ، وقد قرئ : { ما ودعك ربك } وقال الشاعر :
( ليت شعري عن خليلي ما الذي ** غاله في الحب حتى ودعه ) والتودع ترك النفس عن المجاهدة ، وفلان متدع ومتودع وفي دعة إذا كان في خفص عيش وأصله من الترك أي بحيث ترك السعي لطلب معاشه لعناء ، والتوديع أصله من الدعة وهو أن تدعو للمسافر بأن يتحمل الله عنه كآبة السفر وأن يبلغه الدعة ، كما أن التسليم دعاء له بالسلامة فصار ذلك متعارفا في تشييع المسافر وتركه ، وعبر عن الترك به في قوله : { ما ودعك ربك } كقولك ودعت فلانا نحو خليته ، ويكنى بالمودع عن الميت ومنه قيل استودعتك غير مودع ، ومنه قول الشاعر :
( ودعت نفسي ساعة التوديع ** )
ودق : الودق قيل ما يكون من خلال المطر كأنه غبار وقد يعبر به عن لمطر ، قال : { فترى الودق يخرج من خلاله } ويقال لما يبدو في الهواء عند شدة الحر وديقة ، وقيل ودقت
____________________
(1/517)
الدابة واستودقت ، وأتان وديق وودوق إذ أظهرت رطوبة عند إرادة الفحل ، والمودق المكان الذي يحصل فيه لودق وقول الشاعر :
( تعفي بذيل المرط إذ جئت مودقي ** ) تعفي أي تزيل الأثر ، والمرط لباس النساء فاستعارة وتشبيه لأثر موطئ القدم بأثر موطئ المطر .
وادي : قال ، { إنك بالواد المقدس } أصل الوادي الموضع الذي يسيل فيه الماء ، ومنه سمي المفرج بين الجبلين واديا ، وجمعه أودية ، نحو ناد وأندية وناج وأنجية ، ويستعار الوادي للطريقة كالمذهب والأسلوب فيقال فلان في واد غير واديك ، قال { ألم تر أنهم في كل واد يهيمون } فإنه يعني أساليب الكلام من المدح والهجاء والجدل والغزل وغير ذلك من الأنواع قال الشاعر :
( إذا ما قطعنا واديا من حديثنا ** إلى غيره زدنا الأحاديث واديا ) وقال عليه الصلاة والسلام : لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثا ، وقال تعالى : { فسالت أودية بقدرها } أي بقدر مياهها . ويقال ودي يدي وكني بالودي عن ماء الفحل عند الملاعبة وبعد البول فيقال فيه أودى نحو أمذى وأمنى . ويقال ودى وأودى ومنى وامنى ، والودي صغار الفسيل اعتبارا بسيلانه في الطول ، وأوداه أهلكه كأنه أسال دمه ، ووديت القتيل أعطيت ديته ، ويقال لما يعطى في الدم دية ، قال تعالى : { فدية مسلمة إلى أهله } .
وذر : يقال فلان يذلا الشيء أي يقذفه لقلة اعتداده به ولم يستعمل ماضيه ، قال تعالى : { قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا } - { ويذرك وآلهتك } - { فذرهم وما يفترون } - { وذروا ما بقي من الربا } إلى أمثاله وتخصيصه في قوله { ويذرون أزواجا } ولم يقل يتركون ويخلفون فإنه يذكر فيما بعد هذا الكتاب إن شاء الله . والوذرة قطعة من اللحم وتسميتها بذلك لقلة الاعتداد بها نحو قولهم فيما لا يعتد به هو لحم على وضم .
ورث : الوراثة والإرث انتقال قنية إليك عن غيرك من غير عقد ولا ما يجري مجرى العقد ، وسمي بذلك المنتقل عن الميت فيقال للقنية الموروثة ميراث وإرث . وتراث أصله وراث فقلبت الواو ألفا وتاء ، قال { وتأكلون التراث } وقال عليه الصلاة والسلام اثبتوا على مشاعركم فإنكم على إرث أبيكم أي أصله وبقيته ، قال الشاعر :
( فينظر في صحف كالربا ** طفيهن إرث كتاب محي ) ويقال ورثت مالا عن زيد ، وورثت زيدا ، قال { وورث سليمان داود } - { وورثه أبواه } - { وعلى الوارث مثل ذلك }
____________________
(1/518)
) ويقال أورثني الميت كذا ، وقال { وإن كان رجل يورث كلالة } وأورثني الله كذا ، قال : { وأورثناها بني إسرائيل } - { وأورثناها قوما آخرين } - { وأورثكم أرضهم } - { وأورثنا القوم } الآية وقال { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها } ويقال لكل من حصل له شيء من غير تعب قد ورث كذا ، ويقال لمن خول شيئا مهنئا أورث ، قال تعالى : { وتلك الجنة التي أورثتموها } - { أولئك هم الوارثون الذين يرثون } وقوله : { ويرث من آل يعقوب } فإنه يعني وراثة النبوة والعلم والفضيلة دون المال ، فالمال لا قدر له عند الأنبياء حتى يتنافسوا فيه ، بل قلما يقتنون المال ويملكونه ، ألا ترى أنه قال عليه الصلاة والسلام إنا معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة نصب على الاختصاص فقد قيل ما تركناه هو العلم وهو صدقة تشترك فيها الأمة ، وما روي عنه عليه الصلاة والسلام من قوله العلماء ورثة الأنبياء فإشارة إلى ما ورثوه من العلم . واستعمل لفظ الورثة لكون ذلك بغير ثمن ولا منة ، وقال لعلي رضي الله عنه : أنت أخي ووارثي ، قال : وما أرثك قال : ما ورثت الأنبياء قبلي ، كتاب الله وسنني ووصف الله تعالى نفسه بأنه الوارث من حيث إن الأشياء كلها صائرة إلى الله تعالى ، قال الله تعالى { ولله ميراث السماوات والأرض } وقال : { ونحن الوارثون } وكونه تعالى وارثا لما روي أنه ينادي لمن الملك اليوم فيقال لله الواحد القهار ويقال ورثت علما من فلان أي استفدت منه ، قال تعالى : { ورثوا الكتاب } - { أورثوا الكتاب من بعدهم } - { ثم أورثنا الكتاب } - { يرثها عبادي الصالحون } فإن الوراثة الحقيقية هي أن يحصل للإنسان شيء لا يكون عليه فيه تبعة ولا عليه محاسبة ، وعباد الله الصالحون لا يتناولون شيئا من الدنيا إلا بقدر ما يجب وفي وقت ما يجب وعلى الوجه الذي يجب ومن تناول الدنيا على هذا الوجه لا يحاسب عليها ولا يعاقب بل يكون ذلك له عفوا صفوا كما روي أنه من حاسب نفسه في الدنيا لم يحاسبه الله في الآخرة .
ورد : الورود أصله قصد الماء ثم يستعمل في غيره يقال وردت الماء أرد ورودا ، فأنا وارد والماء مورود وقد أوردت الإبل الماء ، قال { ولما ورد ماء مدين } والورد الماء المرشح للورود ، والورد خلاف الصدر ، والورد يوم الحمى إذا وردت واستعمل في النار على سبيل الفظاعة ، قال : { فأوردهم النار وبئس الورد المورود } - { إلى جهنم وردا } - { أنتم لها واردون } - { ما وردوها } والوارد الذي يتقدم القوم فيسقي لهم ، قال : { فأرسلوا واردهم } أي ساقيهم من الماء المورود ، ويقال لكل
____________________
(1/519)
من يرد الماء وارد ، وقوله { وإن منكم إلا واردها } فقد قيل منه وردت ماء كذا إذا حضرته وإن لم تشرع فيه ، وقيل بل يقتضي ذلك الشروع ولكن من كان من أولياء الله والصالحين لا يؤثر فيهم بل يكون حاله فيها كحال إبراهيم عليه السلام حيث قال { قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم } والكلام في هذا الفصل إنما هو لغير هذا النحو الذي نحن بصدده الآن . ويعبر عن المحموم بالمورود ، وعن إتيان الحمى بالورد ، وشعر وارد قد ورد العجز أو المتن ، والوريد عرق يتصل بالكبد والقلب وفيه مجاري الدم والروح ، قال { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } أي من روحه . والورد قيل هو من الوارد وهو الذي يتقدم إلى الماء وتسميته بذلك لكونه أول ما يرد من ثمار السنة ، ويقال لنور كل شجر ورد ، ويقال ورد الشجر خرج نوره ، وشبه به لون الفرس فقيل فرس ورد وقيل في صفة السماء إذا احمرت احمرارا كالورد أمارة للقيامة ، قال { فكانت وردة كالدهان }
ورق : ورق الشجر جمعه أوراق الواحدة ورقة ، قال تعالى : { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها } ، وورقت الشجرة ، أخذت ورقها ، والوارقة الشجرة الخضراء الورق الحسنة ، وعام أورق لا مطر له ، وأورق فلان إذا أخفق ولم ينل الحاجة كأنه صار ذا ورق بلا ثمر ، ألا ترى أنه عبر عن المال بالثمر في قوله { وكان له ثمر } قال ابن عباس رضي الله عنه : هو المال وباعتبار لونه في حال نضارته قيل بعير أورق إذا صار على لونه ، وبعير أورق : لونه لون الرماد ، وحمامة ورقاء . وعبر به عن المال الكثير تشبيها في الكثرة بالورق كما عبر عنه بالثرى وكما شبه بالتراب وبالسيل كما يقال : له مال كالتراب والسيل والثرى ، قال الشاعر :
( واغفر خطاياي وثمر ورقي ** ) والورق بالكسر الدراهم ، قال : { فابعثوا أحدكم بورقكم هذه } وقرئ / < بورقكم وبورقكم > / ، ويقال ورق وورق ، نحو كبد وكبد .
ورى : يقال واريت كذا إذا سترته ، قال تعالى : { قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم } وتوارى استتر ، قال : { حتى توارت بالحجاب } وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد غزوا ورى بغيره ، وذلك إذا ستر خبرا وأظهر غيره . والورى ، قال الخليل : الورى الأنام الذين على وجه الأرض في الوقت ، ليس من مضى ولا من يتناسل بعدهم ، فكأنهم الذين يسترون الأرض بأشخاصهم ، ووراء إذا قيل وراء زيد كذا فإنه يقال لمن خلفه نحو قوله { ومن وراء إسحاق يعقوب } - { ارجعوا وراءكم } - { فليكونوا من ورائكم } ويقال لما كان قدامه نحو { وكان وراءهم ملك } وقوله { أو من وراء جدر }
____________________
(1/520)
فإن ذلك يقال في أي جانب من الجدار ، فهو وراءه باعتبار الذي في الجانب الآخر . وقوله : { وراء ظهوركم } أي خلفتموه بعد موتكم وذلك تبكيت لهم في أن لم يتوصلوا بما لهم إلى اكتساب ثواب الله تعالى به وقوله : { فنبذوه وراء ظهورهم } فتبكيت لهم أي لم يعملوا به ولم يتدبروا آياته ، وقوله : { فمن ابتغى وراء ذلك } أي من ابتغى أكثر مما بيناه وشرعناه من تعرض لمن يحرم التعرض له فقد تعدى طوره وخرق ستره : { ويكفرون بما وراءه } اقتضى معنى ما بعده ، ويقال وري الزند يري وريا إذا خرجت ناره وأصله أن يخرج النار من وراء المقدح كأنما تصور كمونها فيه كما قال :
( ككمون النار في حجره ** ) يقال وري يري مثل ولي يلي ، قال : { أفرأيتم النار التي تورون } ويقال فلان واري الزند إذا كان منججا ، وكابي الزند إذا كان مخفقا ، واللحم الواري السمين . والوراء ولد الولد وقولهم وراءك للإغراء ومعناه تأخر ، يقال وراءك أوسع لك ، نصب بفعل مضمر أي ائت وقيل تقديره يكن أوسع لك أي تنح ، وائت مكانا أوسع لك . والتوراة الكتاب الذي ورثوه عن موسى وقد قيل هو فوعلة ولم يجعل تفعلة لقلة وجود ذلك والتاء بدل من الواو نحو تيقور لأن أصله ويقور ، التاء بدل عن الواو من الوقار وقد تقدم .
وزر : الوزر الملجأ الذي يلتجأ إليه من الجبل ، قال : { كلا لا وزر إلى ربك } والوزر الثقل تشبيها بوزر الجبل ويعبر بذلك عن الإثم كما يعبر عنه بالثقل ، قال : { ليحملوا أوزارهم كاملة } الآية ، كقوله : { وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم } وحمل وزر الغير في الحقيقة هو على نحو ما أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله : من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجره شيء ، ومن سن سنة سيئة كضان له وزرها ووزر من عمل بها أي مثل وزر من عمل بها . وقوله : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } أي لا يحمل وزره من حيث يتعرى المحمول عنه ، وقوله : { ووضعنا عنك وزرك } أي ما كنت فيه من أمر الجاهلية فأعفيت بما خصصت به عن تعاطي ما كان عليه قومك ، والوزير المتحمل ثقل أميره وشغله ، والوزارة على بناء الصناعة . وأوزار الحرب واحدها وزر : آلتها من السلاح ، والموازرة المعاونة ، يقال وازرت فلانا موازرة أعنته على أمره ، قال : { واجعل لي وزيرا من أهلي } - { ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم } .
وزع : يقال وزعته عن كذا كففته عنه ، قال : { وحشر لسليمان } إلى قوله { فهم يوزعون }
____________________
(1/521)
فقوله { يوزعون } إشارة إلى أنهم مع كثرتهم وتفاوتهم لم يكونوا مهملين ومبعدين كما يكون الجيش الكثير المتأذى بمعرتهم بل كانوا مسوسين ومقموعين . وقيل في قوله { يوزعون } أي حبس أولهم على أخرهم وقوله : { ويوم يحشر } إلى قوله { فهم يوزعون } فهذا وزع على سبيل العقوبة كقوله { ولهم مقامع من حديد } وقيل لابد للسلطان من وزعة ، وقيل الوزوع الولوع بالشيء ، يقال أوزع الله فلانا إذا ألهمه الشكر وقيل هو من أوزع بالشيء إذا أولع به كأن الله تعالى يوزعه بشكره ، ورجل وزوع وقوله { رب أوزعني أن أشكر نعمتك } قيل معناه ألهمني وتحقيقه أولعني ذلك واجعلني بحيث أزع نفسي عن الكفران .
وزن : الوزن معرفة قدر الشيء ، يقال وزنته وزنا وزنة ، والمتعارف في الوزن عند العامة ما يقدر بالقسط والقبان . وقوله { وزنوا بالقسطاس المستقيم } - { وأقيموا الوزن بالقسط } إشارة إلى مراعاة المعدلة في جميع ما يتحراه الإنسان من الأفعال والأقوال . وقوله { وأنبتنا فيها من كل شيء موزون } فقد قيل هو المعادن كالفضة والذهب ، وقيل بل ذلك إشارة إلى كل ما أوجده الله تعالى وأنه خلقه باعتدال كما قال { إنا كل شيء خلقناه بقدر } وقوله { والوزن يومئذ الحق } فإشارة إلى العدل في محاسبة الناس كما قال { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة } وذكر في مواضع الميزان بلفظ الواحد اعتبارا بالمحاسب وفي مواضع بالجمع اعتبارا بالمحاسبين ويقال وزنت لفلان ووزنته كذا ، قال : { وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون } ويقال قام ميزان النهار إذا انتصف .
وسوس : الوسوسة الخطرة الرديئة وأصله من الوسواس وهو صوت الحلي والهمس الخفي ، قال { فوسوس إليه الشيطان } وقال { من شر الوسواس } ويقال لهمس الصائد وسواس .
وسط : وسط الشيء ماله طرفان متساويا القدر ويقال ذلك في الكمية المتصلة كالجسم الواحد إذا قلت وسطه صلب وضربت وسط رأسه بفتح السين . ووسط بالسكون . يقال في الكمية المنفصلة كشيء يفصل بين جسمين نحو وسط القوم كذا . والوسط تارة يقال فيما له طرفان مذمومان يقال هذا أوسطهم حسبا إذا كان في واسطة قومه ، وأرفعهم محلا وكالجود الذي هو بين البخل والسرف فيستعمل استعمال القصد المصون عن الإفراط والتفريط ، فيمدح به نحو السواء والعدل والنصفة ، نحو { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } وعلى ذلك { قال أوسطهم } وتارة يقال فيما له طرف محمود وطرف مذموم كالخير والشر ويكنى به عن الرذل نحو قولهم فلان وسط من الرجال
____________________
(1/522)
تنبيها أنه قد خرج من حد الخير . وقوله { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } فمن قال الظهر فاعتبار بالنهار ومن قال المغرب فلكونها بين الركعتين وبين الأربع اللتين بني عليهما عدد الركعات ، ومن قال الصبح فلكونها بين صلاة الليل والنهار ، قال ولهذا قال { أقم الصلاة لدلوك الشمس } الآية أي صلاته وتخصيصها بالذكر لكثرة الكسل عنها إذ قد يحتاج إلى القيام إليها من لذيذ النوم ولهذا زيد في أذانه : الصلاة خير من النوم ، ومن قال صلاة العصر فقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فلكون وقتها في أثناء الأشغال لعامة الناس بخلاف سائر الصلوات التي لها فراغ إما قبلها وإما بعدها ولذلك توعد النبي صلى الله عليه وسلم عليها فقال من فاته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله .
وسع : السعة تقال في الأمكنة وفي الحال وفي الفعل كالقدرة والجود ونحو لك ، ففي المكان نحو قوله { إن أرضي واسعة } - { ألم تكن أرض الله واسعة } وفي الحال قوله تعالى { لينفق ذو سعة من سعته } وقوله : { على الموسع قدره } والوسع من القدرة ما يفضل عن قدر المكلف ، قال { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } تنبيها أنه يكلف عبده دوين ما ينوء به قدرته ، وقيل معناه يكلفه ما يثمر له السعة أي جنة عرضها السموات والأرض كما قال { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } وقوله { وسع كل شيء علما } فوصف له نحو { أحاط بكل شيء علما } وقوله { والله واسع عليم } - { وكان الله واسعا حكيما } فعبارة عن سعة قدرته وعلمه ورحمته وإفضاله كقوله { وسع ربي كل شيء علما } - { ورحمتي وسعت كل شيء } وقوله { وإنا لموسعون } فإشارة إلى نحو قوله : { الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } ووسع الشيء اتسع والوسع الجدة والطاقة ، ويقال ينفق على قدر وسعه . وأوسع فلان إذا كان له الغنى ، وصار ذا سعة ، وفرس وساع الخطو شديد العدو .
وسق : الوسق جمع المتفرق ، يقال وسقت الشيء إذا جمعته ، وسمي قدر معلوم من الحمل كحمل البعير وسقا ، وقيل هو ستون صاعا ، وأوسقت البعير حملته حمله ، وناقة واسق ونوق مواسيق إذا حملت . ووسقت الحنطة جعلتها وسقا ووسقت العين الماء حملته ، ويقولون لا أفعله ما وسقت عيني الماء . وقوله : { والليل وما وسق } قيل وما جمع من الظلام ، وقيل عبارة عن طوارق الليل ، ووسقت الشيء جمعته ، والوسيقة الإبل المجموعة كالرفقة من الناس ، والاتساق الاجتماع والاطراد ، قال الله تعالى : { والقمر إذا اتسق } .
وسل : الوسيلة التوصل إلى الشيء برغبة
____________________
(1/523)
وهي أخص من الوصيلة لتضمنها لمعنى الرغبة ، قال تعالى : { وابتغوا إليه الوسيلة } وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى مراعاة سبيله بالعلم والعبادة وتحري مكارم الشريعة وهي كالقربة ، والواسل الراغب إلى الله تعالى ، ويقال إن التوسل في غير هذا : السرقة ، يقال أخذ فلان إبل فلان توسلا أي سرقة .
وسم : الوسم التأثير والسمة الأثر ، يقال وسمت الشيء وسما إذا أثرت فيه بسمة ، قال تعالى : { سيماهم في وجوههم من أثر السجود } وقال : { تعرفهم بسيماهم } وقوله { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } أي للمعتبرين العارفين المتعظين ، وهذا التوسم هو الذي سماه قوم الزكانة وقوم الفراسة وقوم الفطنة ، قال عليه الصلاة والسلام : اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله وقال : { سنسمه على الخرطوم } أي نعلمه بعلامة يعرف بها كقوله : { تعرف في وجوههم نضرة النعيم } والوسمي ما يسم من المطر الأول بالنبات وتوسمت تعرفت بالسمة ، ويقال ذلك إذا طلبت الوسمي ، وفلان وسيم الوجه حسنه ، وهو ذو وسامة عبارة عن الجمال ، وفلانة ذات ميسم إذا كان عليها أثر الجمال ، وفلان موسوم بالخير ، وقوم وسام ، وموسم الحاج معلمهم الذي يجتمعون فيه ، والجمع المواسم ، ووسموا شهدوا الموسم كقولهم عرفوا وحصبوا وعيدوا : إذا شهدوا عرفة ، والمحصب وهو الموضع الذي يرمى فيه الحصباء .
وسن : الوسن والسنة الغفلة والغفوة ، قال : { لا تأخذه سنة ولا نوم } ورجل وسنان ، وتوسنها غشيها نائمة ، وقيل وسن وأسن إذا غشي عليه من ريح البئر ، وأرى أن وسن يقال لتصور النوم منه لا لتصور الغشيان .
وسى : موسى من جعله عربيا فمنقول عن موسى الحديد ، يقال أوسيت رأسه حلقته .
وشى وشيت الشيء وشما جعلت فيه أثرا يخالف معظم لونه ، واستعمل الوشي في الكلام تشبيها بالمنسوج ، والشية فعلة من الوشي ، قال : { مسلمة لا شية فيها } وثور موشى القوائم . والواشي يكنى به عن النمام ، ووشى فلان كلامه عبارة عن الكذب نحو موهه وزخرفه .
وصب : الوصب السقم اللازم ، وقد وصب فلان فهو وصب وأوصبه كذا فهو يتوصب نحو يتوجع ، قال : { ولهم عذاب واصب } - { وله الدين واصبا } فتوعد لمن اتخذ إلهين ، وتنبيه أن جزاء من فعل ذلك عذاب لازم شديد ، ويكون الدين ههنا الطاعة ، ومعنى الواصب الدائم أي حق الإنسان أن يطيعه دائما في جميع أحواله كما وصف به الملائكة حيث قال : { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } ويقال وصب وصوبا دام ،
____________________
(1/524)
ووصب الدين وجب ، ومفازة واصبة بعيدة لا غاية لها .
وصد : الوصيدة حجرة تجعل للمال في الجبل ، يقال أوصدت الباب وآصدته أي أطبقته وأحكمته ، وقال : / < عليهم نار موصدة > / وقرئ بالهمز مطبقة ، والوصيد المتقارب الأصول .
وصف : الوصف ذكر الشيء بحليته ونعته ، والصفة الحالة التي عليها الشيء من حليته ونعته كالزنة التي هي قدر الشيء ، والوصف قد يكون حقا وباطلا ، قال : { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب } تنبيها على كون ما يذكرونه كذبا ، وقوله عز وجل : { رب العزة عما يصفون } تنبيه على أن أكثر صفاته ليس على حسب ما يعتقده كثير من الناس لم يتصور عنه تمثيل وتشبيه وأنه يتعالى عما يقول الكفار ، ولهذا قال عز وجل : { وله المثل الأعلى } ويقال اتصف الشيء في عين الناظر إذا احتمل الوصف ، ووصف البعير وصوفا إذا أجاد السير ، والوصيف الخادم ، والوصيفة الخادمة ، ويقال وصف الجارية .
وصل : الاتصال اتحاد الأشياء بعضها ببعض كاتحاد طرفي الدائرة ، ويضاد الانفصال ويستعمل الوصل في الأعيان وفي المعاني ، يقال وصلت فلانا ، قال الله تعالى { ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل } فقوله { إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق } أي ينسبون ، يقال فلان متصل بفلان إذا كان بينهما نسبة أو مصاهرة ، وقوله عز وجل { ولقد وصلنا لهم القول } أي أكثرنا لهم القول موصولا بعضه ببعض ، وموصل البعير كل موضعين حصل بينهما وصلة نحو ما بين العجز الفخذ ، وقوله { ولا وصيلة } وهو أن أحدهم كان إذا ولدت له شاته ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلا يذبحون أخاها من أجلها ، وقيل الوصيلة العمارة والخصب والوصيلة الأرض الواسعة ، ويقال هذا وصل هذا أي صلته .
وصى : الوصية التقدم إلي الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ من قولهم أرض واصية متصلة النبات ، ويقال أوصاه ووصاه ، قال : { ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب } وقرئ / < وأوصى > / قال الله عز وجل : { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب } - { ووصينا الإنسان } - { من بعد وصية يوصي بها } - { حين الوصية اثنان } ووصى أنشأ فضله وتواصى القوم إذا أوصى بعضهم إلى بعض ، قال : { وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } - { أتواصوا به بل هم قوم طاغون }
وضع : الوضع أعم من الحط ومنه الموضع ، قال : { يحرفون الكلم عن مواضعه } ويقال ذلك في الحمل والحمل ويقال وضعت الحمل فهو موضوع ، قال : { وأكواب موضوعة } - { والأرض وضعها للأنام }
____________________
(1/525)
) فهذا الوضع عبارة عن الإيجاد والخلق ، ووضعت المرأة الحمل وضعا ، قال : { فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت } فأما الوضع والتضع فأن تحمل في آخر طهرها في مقبل الحيض . ووضع البيت بناؤه ، قال الله تعالى : { إن أول بيت وضع للناس } - { ووضع الكتاب } هو إبراز أعمال العباد نحو قوله { ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا } ووضعت الدابة تضع في سيرها أسرعت ودابة حسنة الموضوع وأوضعتها حملتها على الإسراع ، قال الله عز وجل : { ولأوضعوا خلالكم } والوضع في السير استعارة كقولهم ألقى باعه وثقله ونحو ذلك ، والوضيعة الحطيطة من رأس المال ، وقد وضع الرجل في تجارته يوضع إذا خسر ، ورجل وضيع بين الضعة في مقابلة رفيع بين الرفعة .
وضن : الوضن نسج الدرع ، ويستعار لكل نسج محكم ، قال : { على سرر موضونة } ومنه الوضين وهو حزام الرحل وجمعه وضن .
وطر : الوطر النهمة والحاجة المهمة ، قال الله عز وجل : { فلما قضى زيد منها وطرا } .
وطأ : وطؤ الشيء فهو وطئ بين الوطاءة والطاة والطئة ، والوطاء ما توطأت به ، ووطأت له بفراشه . ووطأته برجلي أطؤه وطأ ووطاءة ووطأة وتوطأته ، قال الله تعالى : { إن ناشئة الليل هي أشد وطأ } وقرئ وطاء وفي الحديث : اللهم اشدد وطأتك على مضر أي ذللهم . ووطئ امرأته كناية عن الجماع ، صار كالتصريح للعرف فيه ، والمواطأة الموافقة وأصله أن يطأ الرجل برجله موطئ صاحبه ، قال الله عز وجل : { إنما النسيء } إلى قوله : { ليواطئوا عدة ما حرم الله } .
وعد : الوعد يكون في الخير والشر ، يقال وعدته بنفع وضر وعدا وموعدا وميعادا ، والوعيد في الشر خاصة يقال منه أوعدته ويقال واعدته وتواعدنا ، قال الله عز وجل : { إن الله وعدكم وعد الحق } - { أفمن وعدناه وعدا حسنا } - { وعدكم الله مغانم } - { وعد الله الذين آمنوا } إلى غير ذلك . ومن الوعد بالشر { ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده } وكانوا إنما يستعجلونه بالعذاب ، وذلك وعيد ، قال : { قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا } - { إن موعدهم الصبح } - { فأتنا بما تعدنا } - { وإما نرينك بعض الذي نعدهم } - { فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله } - { الشيطان يعدكم الفقر } ومما يتضمن الأمرين قول الله عز وجل : { ألا إن وعد الله حق } فهذا وعد بالقيامة وجزاء العباد إن خيرا فخير وإن شرا فشر . والموعد والميعاد يكونان
____________________
(1/526)
مصدرا واسما ، قال : { فاجعل بيننا وبينك موعدا } - { بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا } - { موعدكم يوم الزينة } - { بل لهم موعد } - { قل لكم ميعاد يوم } - { ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد } - { إن وعد الله حق } أي البعث { إن ما توعدون لآت } - { بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا } ومن المواعدة قوله : { ولكن لا تواعدوهن سرا } - { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة } - { وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة } وأربعين وثلاثين مفعول لا ظرف أي انقضاء ثلاثين وأربعين ، وعلى هذا قوله : { وواعدناكم جانب الطور الأيمن } - { واليوم الموعود } وإشارة إلى القيامة كقوله عز وجل { ميقات يوم معلوم } ومن الإيعاد قوله : { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله } وقال : { ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد } - { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } - { لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد } ورأيت أرضهم واعدة إذا رجي خيرها من النبت ، ويوم واعد حر أو برد ، وعيد الفحل هديره ، وقوله عز وجل : { وعد الله الذين آمنوا } إلى قوله : { ليستخلفنهم } وقوله ليستخلفنهم تفسير لوعد كما أن قوله عز وجل : { للذكر مثل حظ الأنثيين } تفسير الوصية . وقوله : { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم } فقوله أنها لكم بدل من قوله إحدى الطائفتين تقديره وعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم ، إما طائفة العير وإما طائفة النفير . والعدة من الوعد ويجمع على عدات ، والوعد صدر لا يجمع . ووعدت يقتضي مفعولين الثاني منهما مكان أو زمان أو أمر من الأمور نحو وعدت زيدا يوم الجمعة ، ومكان كذا ، وأن أفعل كذا ، فقوله أربعين ليلة لا يجوز أن يكون المفعول الثاني من : { واعدنا موسى أربعين } لأن الوعد لم يقع في الأربعين بل انقضاء الأربعين وتمامها لا يصح الكلام إلا بهنا .
وعظ : الوعظ زجر مقترن بتخويف . قال الخليل هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب والعظة والموعظة الاسم ، قال تعالى : { يعظكم لعلكم تذكرون } - { قل إنما أعظكم } - { ذلكم توعظون } - { قد جاءتكم موعظة من ربكم } - { وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى } - { وهدى وموعظة للمتقين } - { وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا } - { فأعرض عنهم وعظهم } .
وعى : الوعي حفظ الحديث ونحوه ، يقال وعيته في نفسه ، قال تعالى : { لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية } والإيعاء حفظ الأمتعة في الوعاء ، قال : { وجمع فأوعى } ، قال الشاعر :
( والشر أخبث ما أوعيت من زاد ** { وقال }
____________________
(1/527)
وقال { فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه } ولا وعي عن كذا أي لا تماسك للنفس دونه ومنه مالي عنه وعي أي بد ، ووعى الجرح يعي وعيا جمع المدة ، ووعى العظم اشتد وجمع القوة ، والواعية الصارخة ، وسمعت وعي لقوم أي صراخهم .
وفد : يقال وفد القوم تفد وفادة وهم وفد ووفود وهم الذين يقدمون على الملوك مستنجزين الحوائج ومنه الوافد من الإبل وهو السابق لغيره ، قال { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا } .
وفر : الوفر المال التام ، يقال وفرت كذا تممته وكملته ، أفره وفرا ووفورا وفرة ووفرته على التكثير ، قال { فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا } ووفرت عرضه إذا لم تنتقصه ، وأرض في نبتها وفرة إذا كان تاما ، ورأيت فلانا ذا وفارة أي تام المروءة والعقل ، والوافر ضرب من الشعر .
وفض : الإيفاض الإسراع ، واصله أن يعدو من عليه الوفضة وهي الكنانة تتخشخش عليه وجمعها الوفاض ، قال : { كأنهم إلى نصب يوفضون } أي يسرعون ، وقيل الأوفاض الفرق من الناس المستعجلة ، يقال لقيته على أوفاض أي على عجلة ، الواحد وفض .
وفق : الوفق المطابقة بين الشيئين ، قال { جزاء وفاقا } يقال وافقت فلانا ووافقت الأمر صادفته ، والاتفاق مطابقة فعل الإنسان القدر ويقال ذلك في الخير والشر ، يقال اتفق لفلان خير ، واتفق له شر . والتوفيق نحوه لكنه يختص في التعارف بالخير دون الشر ، قال تعالى { وما توفيقي إلا بالله } ، ويقال أتانا لتيفاق الهلال وميفاقه أي حين اتفق إهلاله .
وفى : الوافي الذي بلغ التمام يقال درهم واف وكيل واف وأوفيت الكيل والوزن ، قال تعالى : { وأوفوا الكيل إذا كلتم } وفى بعهده يفي وفاء وأوفى إذا تمم العهد ولم ينقض حفظه ، واشتقاق ضده وهو الغدر يدل على ذلك وهو الترك والقرآن جاء بأوفى ، قال تعالى { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم } - { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } - { بلى من أوفى بعهده واتقى } - { والموفون بعهدهم إذا عاهدوا } - { يوفون بالنذر } - { ومن أوفى بعهده من الله } وقوله { وإبراهيم الذي وفى } فتوفيته أنه بذل المجهود في جميع ما طولب به مما أشار إليه في قوله { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم } من بذل ماله بالإنفاق في طاعته ، وبذل ولده الذي هو أعز من نفسه للقربان ، وإلى ما نبه عليه بقوله { وفي } أشار بقوله تعالى { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } وتوفية الشيء بذله واستيفاؤه تناوله وافيا ، قال تعالى { ووفيت كل نفس ما كسبت } وقال { وإنما توفون أجوركم } - { ثم توفى كل نفس } -
____________________
(1/528)
{ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } - { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها } - { وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم } - { فوفاه حسابه } ) وقد عبر عن الموت والنوم بالتوفي ، قال تعالى : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها - وهو الذي يتوفاكم بالليل - قل يتوفاكم ملك الموت - الله الذي خلقكم ثم يتوفاكم - الذين تتوفاهم الملائكة - توفته رسلنا - أو نتوفينك - وتوفنا مع الأبرار - وتوفنا مسلمين - توفني مسلما - يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ) وقد قيل توفي رفعة واختصاص لا توفي موت . قال ابن عباس : توفي موت لأنه أماته ثم أحياه .
وقب : الوقب كالنقرة في الشيء ووقب إذا دخل في وقب ومنه وقبت الشمس غابت ، قال : { ومن شر غاسق إذا وقب } تغييبه ، والوقيب صوت قنب الدابة وقببه وقبه .
وقت : الوقت نهاية الزمان المفروض للعمل ولهذا ل يكاد يقال إلا مقدرا نحو قولهم وقت كذا جعلت له وقتا ، قال : { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } - { وإذا الرسل أقتت } والميقات الوقت المضروب للشيء والوعد الذي جعل له وقت قال عز وجل { إن يوم الفصل ميقاتهم } - { إن يوم الفصل كان ميقاتا } - { إلى ميقات يوم معلوم } وقد يقال الميقات للمكان الذي يجعل وقتا للشيء كميقات الحج .
وقد : يقال وقدت النار تقد وقودا ووقدا ، والوقود ، يقال للحطب المجعول للوقود ولما حصل من اللهب ، قال : { وقودها الناس والحجارة } - { وأولئك هم وقود النار } - { النار ذات الوقود } واستوقدت النار إذا ترشحت لإيقادها ، وأوقدتها ، قال : { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا } - { ومما يوقدون عليه في النار } - { فأوقد لي يا هامان } - { نار الله الموقدة } ومنه وقدة الصيف أشد حرا ، واتقد فلان غضبا . ويستعار وقد واتقد للحرب كاستعارة النار والاشتعال ونحو ذلك لها ، قال تعالى : { كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله } وقد يستعار ذلك للتلألو ، فيقال اتقد الجوهر والذهب .
وقذ : قال : { والموقوذة } أي المقتولة بالضرب .
وقر : الوقر الثقل في الأذن ، يقال وقرت أذنه تقر وتوقر ، قال أبو زيد : وقرت توقر فهي موقورة ، قال : { وفي آذاننا وقر } - { وفي آذانهم وقرا } والوقر الحمل للحمار وللبغل كالوسق للبعير ، وقد أوقرته ونخلة موقرة وموقرة ، والوقار السكون والحلم ، يقال هو وقور ووقار ومتوقر ، قال : { ما لكم لا ترجون لله وقارا } وفلان ذو وقرة ، وقوله : { وقرن في بيوتكن }
____________________
(1/529)
) قيل هو من الوقار . وقال بعضهم هو من قولهم وقرت أقر وقرا أي جلست والوقير القطيع العظيم من الضأن كأن فيها وقارا لكثرتها وبطء سيرها .
وقع : الوقوع ثبوت الشيء وسقوطه ، يقال وقع الطائر وقوعا ، والواقعة لا تقال إلا في الشدة والمكروه ، وأكثر ما جاء في القرآن من لفظ وقع جاء في العذاب والشدائد نحو : { إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة } وقال { سأل سائل بعذاب واقع } - { فيومئذ وقعت الواقعة } ووقوع القول حصول متضمنه ، قال تعالى : { ووقع القول عليهم بما ظلموا } أي وجب العذاب الذي وعدوا لظلمهم ، فقال عز وجل : { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض } أي إذا ظهرت أمارات القيامة التي تقدم القول فيها . قال تعالى : { قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب } وقال : { أثم إذا ما وقع آمنتم به } وقال { فقد وقع أجره على الله } واستعمال لفظة الوقوع ههنا تأكيد للوجوب كاستعمال قوله تعالى { وكان حقا علينا نصر المؤمنين } - { كذلك حقا علينا ننج المؤمنين } وقوله عز وجل { فقعوا له ساجدين } فعبارة عن مبادرتهم إلى السجود ، ووقع المطر نحو سقط ، ومواقع الغيث مساقطه ، والمواقعة في الحرب ويكنى بالمواقعة عن الجماع ، والإيقاع يقال في الإسقاط وفي شن الحرب بالوقعة ووقع الحديد صوته ، يقال وقعت الحديدة أقعها وقعا إذا حددتها بالميقعة ، وكل سقوط شديد يعبر عنه بذلك وعنه استعير الوقيعة في الإنسان . والحافر الوقع الشديد الأثر ، ويقال للمكان الذي يستقر الماء فيه الوقيعة ، والجمع الوقائع ، والموضع الذي يستقر فيه الطير موقع ، والتوقيع أثر الدبر بظهر البعير ، وأثر الكتابة في الكتاب ، ومنه استعير التوقيع في القصص .
وقف : يقال وقفت القوم أقفهم وقفا وواقفوهم وقوفا ، قال { وقفوهم إنهم مسؤولون } ومنه استعير وقفت الدار إذا سبلتها ، والوقف سوار من عاج وحمار موقف بأرساغه مثل الوقف من البياض كقولهم فرس محجل إذا كان به مثل الحجل ، وموقف الإنسان حيث يقف ، والمواقفة أن يقف كل واحد أمره على ما يقفه عليه صاحبه ، والوقيفة الوحشية التي يلجئها الصائد إلى أن تقف حتى تصاد .
وقى : الوقاية حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره ، يقال وقيت الشيء أقيه وقاية ووقاء ، قال : { فوقاهم الله } - { ووقاهم عذاب الجحيم } - { وما لهم من الله من واق } - { ما لك من الله من ولي ولا واق } - { قوا أنفسكم وأهليكم نارا } والتقوى جعل النفس في وقاية مما يخاف ، هذا تحقيقه ، ثم يسمى الخوف تارة تقوى ، والتقوى خوفا حسب تسمية مقتضى الشيء بمقتضيه والمقتضي بمقتضاه ، وصار التقوى في تعارف
____________________
(1/530)
الشرع حفظ النفس عما يؤثم ، وذلك بترك المحظور ، ويتم ذلك بترك بعض المباحات لما روي : الحلال بين ، والحرام بين ، ومن رتع حول الحمى فحقيق أن يقع فيه قال الله تعالى : { فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } - { إن الله مع الذين اتقوا } - { وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا } ولجعل التقوى منازل قال : { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله } - و - { اتقوا ربكم } - { ويخش الله ويتقه } - { واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام } - { اتقوا الله حق تقاته } وتخصيص كل واحد من هذه الألفاظ له ما بعد هذا الكتاب ، ويقال اتقى فلان بكذا إذا جعله وقاية لنفسه ، وقوله { أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة } تنبيه على شدة ما ينالهم ، وإن أجدر شيء يتقون به من العذاب يوم القيامة هو وجوههم ، فصار ذلك كقوله : { وتغشى وجوههم النار } - { يوم يسحبون في النار على وجوههم } .
وكد : وكدت القول والفعل وأكدته أحكمته ، قال تعالى : { ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } والسير الذي يشد به القربوس يسمى التأكيد ، ويقال توكيد ، والوكاد حبل يشد به البقر عند الحلب ، قال الخليل : أكدت في عند الإيمان أجود ، ووكدت في القول أجود ، تقول إذا عقدت : أكدت ، وإذا حلفت وكدت ووكد وكده إذا قصد قصده وتخلق بخلقه .
وكز : الوكز الطعن والدفع والضرب بجميع الكف ، قال تعالى : { فوكزه موسى } .
وكل : التوكيل أن تعتمد على غيرك وتجعله نائبا عنك ، والوكيل فعيل بمعنى المفعول ، قال تعالى : { وكفى بالله وكيلا } أي اكتف به أن يتولى أمرك ويتوكل لك وعلى هذا : { حسبنا الله ونعم الوكيل } - { وما أنت عليهم بوكيل } أي بموكل عليهم وحافظ لهم كقوله : { لست عليهم بمصيطر إلا من تولى } فعلى هذا قوله تعالى : { قل لست عليكم بوكيل } وقوله : { أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا } - { أم من يكون عليهم وكيلا } أي من يتوكل عنهم والتوكل يقال على وجهين ، يقال توكلت لفلان بمعنى توليت له ، ويقال وكلته فتوكل لي : وتوكلت عليه بمعنى اعتمدته ، قال عز وجل : { فليتوكل المؤمنون } - { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } - { ربنا عليك توكلنا } - { وعلى الله فتوكلوا } - { وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا } - { وتوكل عليه } - { وتوكل على الحي الذي لا يموت } وواكل فلان إذا ضيع أمره متكلا على غيره ، وتواكل القوم إذا اتكل كل على الآخر ، ورجل وكلة تكلة
____________________
(1/531)
إذا اعتمد غيره في أمره ، والوكال في الدابة أن لا يمشي إلا بمشي غيره ، وربما فسر الوكيل بالكفيل ، الوكيل أعم لأن كل كفيل وكيل ، وليس كل وكيل كفيلا .
ولج : الولوج الدخول في مضيق ، قال : { حتى يلج الجمل في سم الخياط } وقوله : { يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل } فتنبيه على ما ركب الله عز وجل عليه العالم من زيادة الليل في النهار وزيادة النهار في الليل وذلك بحسب مطالع الشمس ومغاربها . والوليجة كل ما يتخذه الإنسان معتمدا عليه وليس من أهله ، من قولهم فلان وليجة في القوم إذا لحق بهم وليس منهم إنسانا كان أو غيره ، قال : { ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة } وذلك مثل قوله { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } ورجل خرجة ولجة : كثير الخروج والولوج .
وكأ : الوكاء رباط الشيء وقد يجعل الوكاء اسما لما يجعل فيه الشيء فيشد به ومنه أوكأت فلانا جعلت له متكأ ، وتوكأ على العصا اعتمد بها وتشدد بها ، قال تعالى : { هي عصاي أتوكأ عليها } ، وفي الحديث : كان يوكي بين الصفا والمروة قال معناه يملأ ما بينهما سعيا كما يوكى السقاء بعد الملء ، ويقال أوكيت السقاء ولا يقال أوكأت .
ولد : الولد المولود يقال للواحد والجمع والصغير والكبير ، قال الله تعالى : { فإن لم يكن له ولد } - { أنى يكون له ولد } ويقال للمتبنى ولد ، قال : { أو نتخذه ولدا } وقال : { ووالد وما ولد } قال أبو الحسن : الولد الابن والابنة والولد هم الأهل والولد . ويقال ولد فلان . قال تعالى : { والسلام علي يوم ولدت } - { وسلام عليه يوم ولد } والأب يقال له والد والأم والدة ويقال لهما والدان ، قال : { رب اغفر لي ولوالدي } والوليد يقال لمن قرب عهده بالولادة وإن كان في الأصل يصح لمن قرب عهده أو بعد كما يقال لمن قرب عهده بالاجتناء جني فإذا كبر الولد سقط عنه هذا الاسم وجمعه ولدان ، قال { يوما يجعل الولدان شيبا } والوليدة مختصة بالإماء في عامة كلامهم ، واللدة مختصة بالنرب ، يقال فلان لدة فلان ، وتربه ، ونقصانه الواو لأن أصله ولدة . وتولد الشيء من الشيء حصوله عنه بسبب من الأسباب وجمع الولد أولاد قال { أنما أموالكم وأولادكم فتنة } - { إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم } فجعل كلهم فتنة وبعضهم عدوا . وقيل الولد جمع ولد نحو أسد وأسد ، ويجوز أن يكون واحدا نحو بخل وبخل وعرب وعرب ، وروي ولدك من دمى عقبيك وقرئ : { من لم يزده ماله وولده } .
ولق : الولق الإسراع ، ويقال ولق الرجل
____________________
(1/532)
يلق كذب ، وقرئ { إذ تلقونه بألسنتكم } أي تسرعون الكذب من قولهم جاءت الإبل تلق ، والأولق من فيه جنون وهوج ورجل مالوق ومؤلق وناقة ولقى سريعة ، والوليقة طعام يتخذ من السمن ، والولق أخف الطعن .
وهب : الهبة أن تجعل ملكك لغيرك بغير عوض ، يقال وهبته هبة وموهبة وموهبا ، قال تعالى : { ووهبنا له إسحاق } - { الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق } - { إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا } فنسب الملك إلى نفسه الهبة لما كان سببا في إيصاله إليها ، وقد قرئ / < ليهب لك > / فنسب إلى الله تعالى فهذا على الحقيقة والأول على التوسع . وقال تعالى : { فوهب لي ربي حكما } - { ووهبنا لداود سليمان } - { ووهبنا له أهله } - { ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا } - { فهب لي من لدنك وليا يرثني } - { ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين } - { وهب لنا من لدنك رحمة } - { وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد } ويوصف الله تعالى وبالواهب والوهاب بمعنى أنه يعطى كلا على استحقاقه ، وقوله { إن وهبت نفسها } والاتهاب قبول الهبة ، وفي الحديث لقد هممت أن لا أتهب إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي .
وهج : الوهج حصول الضوء والحر من النار ، والوهجان كذلك وقوله { وجعلنا سراجا وهاجا } أي مضيئا وقد وهجت النار توهج ووهج يهج ، ويوهج وتوهج الجوهر تلألأ .
ولى : الولاء والتوالي أن يحصل شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما ، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان ومن حيث النسبة ومن حيث الدين ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد ، والولاية النصرة ، والولاية تولي الأمر ، وقيل الولاية والولاية نحو الدلالة والدلالة ، وحقيقته تولي الأمر . والولي والمولى يستعملان في ذلك كل واحد منهما يقال في معنى الفاعل أي الموالى ، وفي معنى المفعول أي الموالي ، يقال للمؤمن هو ولي الله عز وجل ولم يرد مولاه ، وقد يقال : الله تعالى ولي المؤمنين ومولاهمء ، فمن الأول قال الله تعالى : { الله ولي الذين آمنوا } - { إن وليي الله } - { والله ولي المؤمنين } - { ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا } - { نعم المولى ونعم النصير } - { واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى } قال عز وجل : { قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس } - { وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه } - { ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق } والوالي الذي في قوله { وما لهم من دونه من وال } بمعنى الولي ونفى الله تعالى الولاية بين المؤمنين والكافرين
____________________
(1/533)
في غير آية ، فقال : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود } { ولا تتبعوا من دونه أولياء } - { ما لكم من ولايتهم من شيء } - { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } - { ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا } - إلى قوله - { ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء } وجعل بين الكافرين والشياطين موالاة في الدنيا ونفى بينهم المولاة في الآخرة ، قال الله تعالى في الموالاة بينهم في الدنيا { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } وقال { إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله } - { إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون } - { فقاتلوا أولياء الشيطان } فكما جعل بينهم وبين الشيطان موالاة جعل للشيطان في الدنيا عليهم سلطانا فقال : { إنما سلطانه على الذين يتولونه } ونفى الموالاة بينهم في الآخرة فقال في موالاة الكفار بعضهم بعضا : { يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا } - { يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض } - { قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا } الآية ، وقولهم تولى إذا عدي بنفسه اقتضى معنى الولاية وحصوله في أقرب المواضع منه يقال وليت سمعي كذا ووليت عيني كذا ووليت وجهي كذا أقبلت به عليه ، قال الله عز وجل { فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } وإذا عدي بعن لفظا أو تقديرا اقتضى معنى الإعراض وترك قربه ، فمن الأول قوله { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } - { ومن يتول الله ورسوله } ومن الثاني قوله { فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين } - { إلا من تولى وكفر } - { فإن تولوا فقولوا اشهدوا } - { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم } - { فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين } - { وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم } - { فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } والتولي قد يكون بالجسم وقد يكون بترك الإصغاء والائتمار ، قال الله عز وجل : { ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون } أي لا تفعلوا ما فعل الموصوفون بقوله { واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا } ولا ترتسموا قول من ذكر عنهم { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه } ويقال ولاه دبره إذا انهزم . وقال تعالى : { وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار } - { ومن يولهم يومئذ دبره } وقوله { فهب لي من لدنك وليا } أي ابنا يكون من أوليائك ، وقوله { خفت الموالي من ورائي } قيل ابن العم وقيل مواليه . وقوله { ولم يكن له ولي من الذل } فيه نفي الولي بقوله عز وجل { من الذل } إذ كان صالحو عباده هم أولياء الله كما
____________________
(1/534)
تقدم لكن موالاتهم ليستولي هو تعالى بهم وقوله { ومن يضلل فلن تجد له وليا } والولي المطر الذي يلي الوسمي ، والمولى يقال للمعتق والمعتق والحليف وابن العم والجار وكل من ولي أمر الآخر فهو وليه ويقال فلان ولى بكذا أي أحرى ، قال تعالى : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } - { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه } - { فالله أولى بهما } - { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض } وقيل : { أولى لك فأولى } من هذا ، معناه العقاب أولى لك وبك ، وقيل هذا فعل المتعدي بمعنى القرب ، وقيل معناه انزجر . ويقال ولي الشيء الشيء وأوليت الشيء شيئا آخر أي جعلته يليه ، والولاء في العتق هو ما يورث به ونهي عن بيع الولاء وعن هبته ، والموالاة بين الشيئين المتابعة .
وهن : الوهن ضعف من حيث الخلق أو الخلق { قال رب إني وهن العظم مني } - { فما وهنوا لما أصابهم } - { وهنا على وهن } أي كلما عظم في بطنها زادها ضعفا على ضعف : { ولا تهنوا في ابتغاء القوم } - { ولا تهنوا ولا تحزنوا } - { ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين } .
وهى : الوهي شق في الأديم والثوب ونحوهما ومنه يقال وهت عزالى السحاب بمائها ، قال : { وانشقت السماء فهي يومئذ واهية } وكل شيء استرخى رباطه فقد وهي .
وى : وي كلمة تذكر للتحسر والتندم والتعجب ، تقول وي لعبد الله ، قال تعالى : { ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء } - { ويكأنه لا يفلح الكافرون } وقيل وي لزيد ، وقيل ويك كان ويلك فحذف منه اللام .
ويل : قال الأصمعي : ويل قبح ، وقد يستعمل على التحسر ، وويس استصغار ، وويح ترحم . ومن قال ويل واد في جهنم فإنه لم يرد أن ويلا في اللغة هو موضوع لهذا ، وإنما أراد من قال الله تعالى ذلك فيه فقد استحق مقرا من النار وثبت ذلك له : { فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون } - { وويل للكافرين } - { ويل لكل أفاك أثيم } - { فويل للذين كفروا } - { فويل للذين ظلموا } - { ويل للمطففين } - { ويل لكل همزة } - { يا ويلنا من بعثنا } - { يا ويلنا إنا كنا ظالمين } - { يا ويلنا إنا كنا طاغين } .
____________________
(1/535)
= كتاب الهاء =
هبط : الهبوط الانحدار على سبيل القهر كهبوط الحجر ، والهبوط بالفتح المنحدر ، يقال هبطت أنا وهبطت غيري ، يكون اللازم والمتعدي على لفظ واحد ، قال : { وإن منها لما يهبط من خشية الله } يقال هبطت وهبطته هبطا ، وإذا استعمل في الإنسان الهبوط فعلى سبيل الاستخفاف بخلاف الإنزال ، فإن الإنزال ذكره تعالى في الأشياء التي نبه على شرفها كإنزال الملائكة والقرآن والمطر وغير ذلك . والهبط ذكر حيث نبه على الغض نحو { وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو } - { فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها } { اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم } وليس في قوله { فإن لكم ما سألتم } تعظيم وتشريف ، ألا ترى أنه تعالى قال { وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله } وقال جل ذكره { قلنا اهبطوا منها جميعا } ويقال هبط المرض لحم العليل حطه عنه ، والهبيط الضامر من النوق وغيرها إذا كان ضمره من سوء غذاء وقلة تفقد .
هبا : هبا الغبار يهبو أثارا وسطع ، والهبوة كالغبرة ، والهباء دقاق التراب وما نبت في الهواء فلا يبدو إلا في أثناء ضوء الشمس في الكوة ، قال تعالى : { فجعلناه هباء منثورا } - { فكانت هباء منبثا } .
هجد : الهجود النوم والهاجد النائم ، وهجدته فتهجد أزلت هجوده نحو مرضته . ومعناه أيقظته فتيقظ ، وقوله { ومن الليل فتهجد به } أي تيقظ بالقرآن وذلك حث على إقامة الصلاة في الليل المذكور في قوله : { قم الليل إلا قليلا نصفه } والمتهجد المصلي ليلا ، وأهجد البعير ألقى جرانه على الأرض متحريا للهجود .
هجر : الهجر والهجران مفارقة الإنسان غيره إما بالبدن أو باللسان أو بالقلب ، قال تعالى { واهجروهن في المضاجع } كناية عن عدم قربهن ، وقوله تعالى : { إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا } فهذا هجر بالقلب أو بالقلب واللسان . وقوله : { واهجرهم هجرا جميلا } يحتمل الثلاثة ومدعو إلى أن يتحرى
____________________
(1/536)
أي الثلاثة إن أمكنه مع تحري المجاملة ، وكذا قوله تعالى : { واهجرني مليا } وقوله تعالى : { والرجز فاهجر } فحث على المفارقة بالوجوه كلها . والمهاجرة في الأصل مصارمة الغير ومتاركته من قوله عز وجل { والذين هاجروا وجاهدوا } وقوله : { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم } وقوله : { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله } - { فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله } فالظاهر منه الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان كمن هاجر من مكة إلى المدينة ، وقيل مقتضى ذلك هجران الشهوات والأخلاق الذميمة والخطايا وتركها ورفضها ، وقوله { إني مهاجر إلى ربي } أي تارك لقومي وذاهب إليه . وقوله { ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها } وكذا المجاهدة تقتضي مع العدى مجاهدة النفس كما روي في الخبر رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، وهو مجاهدة النفس . وروي هاجروا ولا تهجروا أي كونوا من المهاجرين ولا تتشبهوا بهم في القول دون الفعل ، والهجر الكلام القبيح المهجور لقبحه . وفي الحديث ولا تقولوا هجرا وأهجر فلان إذا أتى بهجر من الكلام عن قصد ، وهجر المريض إذا أتى ذلك من غير قصد وقرئ { مستكبرين به سامرا تهجرون } وقد يشبه المبالغ في الهجر بالمهجر فيقال أهجر إذا قصد ذلك ، قال الشاعر :
( كما جدة الأعراق قال ابن ضرة ** عليها كلاما جار فيه وأهجرا ) ورماه بها جرات كلامه أي فضائح كلامه ، وقوله فلان هجيراه كذا إذا أولع بذكره وهذي به هذيان المريض المهجر ، ولا يكاد يستعمل الهجير إلا في العادة الذميمة اللهم إلا أن يستعمله في ضده من لا يراعي مورد هذه الكلمة عن العرب . والهجير والهاجرة الساعة التي يمتنع فيها من السير كالحر كأنها هجرت الناس وهجرت لذلك ، والهجار حبل يشد به الفحل فيصير سببا لهجرانه الإبل ، وجعل على بناء العقال والزمام ، وفحل مهجور أي مشدود به ، وهجار القوس وترها وذلك تشبيه بهجار الفحل .
هجع : الهجوع : النوم ليلا ، قال { كانوا قليلا من الليل ما يهجعون } وذلك يصح أن يكون معناه كان هجوعهم قليلا من أوقات الليل ، ويجوز أن يكون معناه لم يكونوا يهجعون والقليل يعبر به عن النفي والمشارف لنفيه لقلته ، ولقيته بعد هجعة أي بعد نومة وقولهم رجل هجع كقولك نوع للمستنيم إلى كل شيء .
هدد : الهد هدم له وقع وسقوط شيء ثقيل ، والهدة صوت وقعه ، قال : { وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا }
____________________
(1/537)
) وهددت البقرة إذا أوقعتها للذبح ، والهد المهدود كالذبح للمذبوح ويعبر به عن الضعيف والجبان ، وقيل مررت برجل هدك من رجل كقولك حسبك وتحقيقه يهدك ويزعجك وجود مثله ، وهددت فلانا وتهددته إذا زعزعته بالوعيد ، والهدهدة تحريك الصبي لينام ، والهدهد طائر معروف ، قال تعالى : { ما لي لا أرى الهدهد } وجمعه هداهد ، والهداهد بالضم واحد ، قال الشاعر :
( كهداهد كسر الرماة جناحه ** يدعو بقارعة الطريق هديلا )
هدم : الهدءم إسقاط البناء ، يقال هدمته هدما . والهدم ما يهدم ومنه استعير دم هدم أي هدر ، والهدم بالكسر كذلك لكن اختص بالثوب البالي وجمعه أهدام ، وهدمت البناء على التكثير ، قال تعالى : { لهدمت صوامع } .
هدى : الهداية دلالة بلطف ومنه الهدية وهوادي الوحش أي متقدماتها الهادية لغيرها ، وخص ما كان دلالة بهديت وما كان إعطاء بأهديت نحو أهديت الهدية وهديت إلى البيت إن قيل كيف جعلت الهداية دلالة بلطف وقد قال الله تعالى : { فاهدوهم إلى صراط الجحيم } - { ويهديه إلى عذاب السعير } قيل ذلك استعمل فيه استعمال اللفظ على التهكم مبالغة في المعنى كقوله : { فبشرهم بعذاب أليم } وقول الشاعر :
( تحية بينهم ضرب وجيع ** ) وهداية الله تعالى للإنسان على أربعة أوجه ، الأول : الهداية التي عم بجنسها كل مكلف من العقل والفطنة والمعارف الضرورية التي أعم منها كل شيء بقدر فيه حسب احتماله كما قال : { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } ، الثاني : الهداية التي جعل للناس بدعائه إياهم على ألسنة الأنبياء وإنزال القرآن ونحو ذلك وهو المقصود بقوله تعالى : { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا } ، الثالث : التوفيق الذي يختص به من اهتدى وهو المعني بقوله تعالى : { والذين اهتدوا زادهم هدى } وقوله : { ومن يؤمن بالله يهد قلبه } وقوله : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم } وقوله : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } - { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى } - { فهدى الله الذين آمنوا } - { والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } ، الرابع : الهداية في الآخرة إلى الجنة المعني بقوله : { سيهديهم ويصلح بالهم } - { ونزعنا ما في صدورهم من غل } إلى قوله : { الحمد لله الذي هدانا لهذا } وهذه الهدايات الأربع مترتبة فإن من لم تحصل له الأولى لا تحصل له الثانية بل لا يصح تكليفه ، ومن لم تحصل له الثانية
____________________
(1/538)
لا تحصل له الثالثة والرابعة ، ومن حصل له الرابع فقد حصل له الثلاث التي قبلها ، ومن حصل له الثالث فقد حصل له اللذان قبله . ثم ينعكس فقد تحصل الأولى ولا يحصل له الثاني ولا يحصل الثالث ، والإنسان لا يقدر أن يهدي أحدا إلا بالدعاء وتعريف الطرق دون سائر أنواع الهدايات وإلى الأول أشار بقوله : { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } - { يهدون بأمرنا } - { ولكل قوم هاد } أي داع ، وإلى سائر الهدايات أشار بقوله تعالى : { إنك لا تهدي من أحببت } وكل هداية ذكر الله عز وجل أنه منع الظالمين والكافرين فهي الهداية الثالثة وهي التوفيق الذي يختص به المهتدون ، والرابعة التي هي الثواب في الآخرة وإدخال الجنة نحو قوله عز وجل : { كيف يهدي الله قوما } إلى قوله { والله لا يهدي القوم الظالمين } وكقوله { ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين } وكل هداية نفاها الله عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن البشر ، وذكر أنهم غير قادرين عليها فهي ما عدا المختص من الدعاء وتعريف الطريق ، وذلك كإعطاء العقل والتوفيق وإدخال الجنة ، كقوله عز ذكره : { ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء } - { ولو شاء الله لجمعهم على الهدى } - { وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم } - { إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل } - { ومن يضلل الله فما له من هاد } - { ومن يهد الله فما له من مضل } - { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } وإلى هذا المعنى أشار بقوله تعالى : { أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين } وقوله : { من يهد الله فهو المهتد } أي طالب الهدى ومتحريه هو الذي يوفقه ويهديه إلى طريق الجنة لا من ضاده فيتحرى طريق الضلال والكفر كقوله : { والله لا يهدي القوم الكافرين } وفي أخرى { الظالمين } وقوله { إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار } الكاذب الكفار هو الذي لا يقبل هدايته ، فإن ذلك راجع إلى هذا وإن لم يكن لفظه موضوعا لذلك ، ومن لم يقبل هدايته لم يهده ، كقولك من لم يقبل هديتي لم أهد له ومن لم يقبل عطيتي لم أعطه ، ومن رغب عني لم أرغب فيه ، وعلى هذا النحو { والله لا يهدي القوم الظالمين } وفي أخرى { الفاسقين } وقوله : { أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى } وقد قرئ يهدي إلا أن يهدى أي لا يهدي غيره ولكن يهدى أي لا يعلم شيئا ولا يعرف أي لا هداية له ولو هدي أيضا لم يهتد لأنها موات من حجارة ونحوها ، وظاهر اللفظ أنه إذا هدي اهتدى لإخراج الكلام أنها أمثالكم كما قال تعالى { إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم } وإنما هي أموات . وقال في موضع آخر : { ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون }
____________________
(1/539)
) وقوله عز وجل { إنا هديناه السبيل } - { وهديناه النجدين } - { وهديناهما الصراط المستقيم } فذلك إشارة إلى ما عرف من طريق الخير والشر وطريق الثواب والعقاب بالعقل والشرع وكذا قوله : { فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة } - { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } - { ومن يؤمن بالله يهد قلبه } فهو إشارة إلى التوفيق الملقى في الروع فيما يتحراه الإنسان وإياه عنى بقوله عز وجل : { والذين اهتدوا زادهم هدى } وعدي الهداية في مواضع بنفسه وفي مواضع باللام وفي مواضع بإلى ، قال تعالى : { ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم } - { واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم } وقال : { أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع } وقال : { هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى } وما عدي بنفسه نحو : { ولهديناهم صراطا مستقيما } - { وهديناهما الصراط المستقيم } - { اهدنا الصراط المستقيم } - { أتريدون أن تهدوا من أضل الله } - { ولا ليهديهم طريقا } - { أفأنت تهدي العمي } - { ويهديهم إليه صراطا مستقيما } .
ولما كانت الهداية والتعليم يقتضي شيئين : تعريفا من المعرف ، وتعرفا من المعرف ، وبهما تم الهداية والتعليم فإنه متى حصل البذل من الهادي والمعلم ولم يحصل القبول صح أن يقال لم يهد ولم يعلم اعتبارا بعدم القبول وصح أن يقال هدى وعلم اعتبارا ببذله ، فإذا كان كذلك صح أن يقال إن الله تعالى لم يهد الكافرين والفاسقين من حيث إنه لم يحصل القبول الذي هو تمام الهداية والتعليم ، وصح أن يقال هداهم وعلمهم من حيث إنه حصل البذل الذي هو مبدأ الهداية . فعلى الاعتبار بالأول يصح أن يحمل قوله تعالى : { والله لا يهدي القوم الظالمين } { والكافرين } وعلى الثاني قوله عز وجل : { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } والأولى حيث لم يحصل القبول المفيد فيقال ، هداه الله فلم يهتد كقوله : { وأما ثمود } الآية ، وقوله : { لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء } إلى قوله : { وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } فهم الذين قبلوا هداه واهتدوا به ، وقوله تعالى { اهدنا الصراط المستقيم } - ( { ولهديناهم صراطا مستقيما } فقد قيل عني به الهداية العامة التي هي العقل وسنة الأنبياء وأمرنا أن نقول ذلك بألسنتنا وإن كان قد فعل ليعطينا بذلك ثوابا كما أمرنا أن نقول اللهم صل على محمد وإن كان قد صلى عليه بقوله : { إن الله وملائكته يصلون على النبي } وقيل إن ذلك دعاء بحفظنا عن استغواء الغواة واستهواء الشهوات ، وقيل هو سؤال للتوفيق الموعود به في قوله : { والذين اهتدوا زادهم هدى }
____________________
(1/540)
) وقيل سؤال للهداية إلى الجنة في الآخرة وقوله عز وجل : { وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } فإنه يعني به من هداه بالتوفيق المذكور في قوله عز وجل { والذين اهتدوا زادهم هدى } .
والهدى والهداية في موضع اللغة واحد لكن قد خص الله عز وجل لفظة الهدى بما تولاه وأعطاه واختص هو به دون ما هو إلى الإنسان نحو { هدى للمتقين } - { أولئك على هدى من ربهم } - { وهدى للناس } - { فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي } - { قل إن هدى الله هو الهدى } - { وهدى وموعظة للمتقين } - { ولو شاء الله لجمعهم على الهدى } - { إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل } - { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى } .
والاهتداء يختص بما يتحراه الإنسان على طريق الاختيار إما في الأمور الدنيوية أو الأخروية قال تعالى : { وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها } وقال { إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا } ويقال ذلك لطلب الهداية نحو { وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون } وقال : { فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون } - { فإن أسلموا فقد اهتدوا } - { فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا } .
ويقال المهتدي لمن يقتدي بعالم نحو { أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون } تنبيها أنهم لا يعلمون بأنفسهم ولا يقتدون بعالم وقوله { فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها } فإن الاهتداء ههنا يتناول وجوه الاهتداء من طلب الهداية ومن الاقتداء ومن تحريها ، وكذا قوله { وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون } وقوله { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى } فمعناه ثم أدام طلب الهداية ولم يفتر عن تحريه ولم يرجع إلى المعصية . وقوله { الذين إذا أصابتهم مصيبة } إلى قوله { وأولئك هم المهتدون } أي الذين تحروا هدايته وقبلوها وعملوا بها ، وقال مخبرا عنهم { وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون } .
والهدي مختص بما يهدى إلى البيت . قال الأخفش والواحدة هدية ، قال : ويقال للأنثى هدي كأنه مصدر وصف به ، قال الله تعالى : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } - { هديا بالغ الكعبة } - { والهدي والقلائد } - { والهدي معكوفا } .
والهدية مختصة باللطف الذي يهدي بعضنا إلى بعض ، قال تعالى : { وإني مرسلة إليهم بهدية } - { بل أنتم بهديتكم تفرحون } والمهدى الطبق الذي يهدى عليه ، والمهداء
____________________
(1/541)
من يكثر إهداء الهدية ، قال الشاعر :
( وإنك مهداء الخنا نطف الحشا ** ) والهدي يقال في الهدي ، وفي العروس يقال هديت العروس إلى زوجها ، وما أحسن هدية فلان وهديه أي طريقته ، وفلان يهادى بين اثنين إذا مشى بينهما معتمدا عليهما ، وتهادت المرأة إذا مشت مشي الهدي .
هرع : يقال هرع وأهرع ساقه سوقا بعنف وتخويف ، قال الله تعالى : { وجاءه قومه يهرعون إليه } وهرع برمحه فتهرع إذا أشرعه سريعا ، والهرع السريع المشي والبكاء ، قيل والهريع والهرعة القملة الصغيرة .
هرت : قال تعالى : { وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت } قيل هما الملكان . وقال بعض المفسرين هما اسما شيطانين من الإنس أو الجن وجعلهما نصبا بدلا من قوله تعالى { ولكن الشياطين } بدل البعض من الكل كقولك القوم قالوا إن كذا زيد وعمرو . والهرت سعة الشدق ، يقال فرس هريت الشدق وأصله من هرت ثوبه إذا مزقه ويقال الهريت المرأة المفضاة .
هرن : هرون اسم أعجمي ولم يرد في شيء من كلام العرب .
هزز : الهز التحريك الشديد ، يقال هززت الرمح فاهتز وهززت فلانا للعطاء ، قال تعالى : { وهزي إليك بجذع النخلة } - { فلما رآها تهتز } واهتز النبات إذا تحرك لنضارته ، قال تعالى : { فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت } واهتز الكوكب في انقضاضه وسيف هزهاز وماء هزهز ورجل هزهز : خفيف .
هزل : قال { إنه لقول فصل وما هو بالهزل } الهزل كل كلام لا تحصيل له ولا ربع تشبيها بالهزال .
هزؤ : الهزء مزح في خفية وقد يقال لما هو كالمزح ، فمما قصد به المزح قوله { اتخذوها هزوا ولعبا } - { وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا } - { وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا } - { وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا } - { أتتخذنا هزوا } - { ولا تتخذوا آيات الله هزوا } ، فقد عظم تبكيتهم ونبه على خبثهم من حيث إنه وصفهم بعد العلم بها ، والوقوف على صحتها بأنهم يهزءون بها ، يقال هزئت به واستهزأت ، والاستهزاء ارتياد الهزؤ وإن كان قد يعبر به عن تعاطي الهزؤ ، كالإستجابة في كونها ارتيادا للإجابة ، وإن كان قد يجري مجرى الإجابة . قال { قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون } - { وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون } - { وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون } - { إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها } - { ولقد استهزئ برسل من قبلك } والاستهزاء من الله في الحقيقة لا يصح كما لا يصح من الله اللهو واللعب ،
____________________
(1/542)
تعالى الله عنه . وقوله : { الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون } أي يجازيهم جزاء الهزؤ . ومعناه أنه أمهلهم مدة ثم أخذهم مغافصة فسمى إمهاله إياهم استهزاء من حيث إنهم اغتروا به اغترارهم بالهزؤ ، فيكون ذلك كالاستدراج من حيث لا يعلمون ، أو لأنهم استهزءوا فعرف ذلك منهم فصار كأنه يهزأ بهم كما قيل من خدعك وفطنت له ولم تعرفه فاحترزت منه فقد خدعته . وقد روي : أن المستهزئين في الدنيا يفتح لهم باب من الجنة فيسرعون نحوه فإذا انتهوا إليه سد عليهم فذلك قوله : { فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون } وعلى هذه الوجوه قوله عز وجل { سخر الله منهم ولهم عذاب أليم } .
هزم : أصل الهزم غمز الشيء اليابس حتى ينحطم كهزم الشن ، وهزم القثاء والبطيخ ومنه الهزيمة لأنه كما يعبر عنه بذلك يعبر عنه بالحطم والكسر ، قال تعالى { فهزموهم بإذن الله } - { جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب } وأصابته هازمة الدهر أي كاسرة كقولهم : فاقرة ، وهزم الرعد تكسر صوته ، والمهزام عود يجعل الصبيان في رأسه نارا فيلعبون به كأنهم يهزمون به الصبيان . ويقولون للرجل الطبع هزم واهتزم .
هشش : الهش يقارب الهز في التحريك ويقع على الشيء اللين كهش الورق أي خبطه بالعصا . قال تعالى : { وأهش بها على غنمي } وهش الرغيف في التنور يهش وناقة هشوش لينة غزيرة اللبن ، وفرس هشوش ضد الصلود ، والصلود الذي لا يكاد يعرق . ورجل هش الوجه طلق المحيا ، وقد هششت ، وهش للمعروف يهش وفلان ذو هشاش .
هشم : الهشم كسر الشيء الرخو كالنبات قال تعالى : { فأصبح هشيما تذروه الرياح } - { فكانوا كهشيم المحتظر } يقال هشم عظمه ومنه هشمت الخبز ، قال الشاعر :
( عمرو العلا هشم الثريد لقومه ** ورجال مكة مسنتون عجاف ) والهاشمة الشجة تهشم عظم الرأس ، واهتشم كل ما في ضرع الناقة إذا احتلبه ويقال تهشم فلان على فلان تعطف .
هضم : الهضم شدخ ما فيه رخاوة ، يقال هضمته فانهضم وذلك كالقصبة المهضومة التي يزمر بها ومزمار مهضم ، قال : { ونخل طلعها هضيم } أي داخل بعضه في بعض كأنما شدخ ، والهاضوم ما يهضم الطعام وبطن هضوم وكشح مهضم وامرأة هضيمة الكشحين واستعير الهضم للظلم ، قال تعالى : { فلا يخاف ظلما ولا هضما } .
هطع : هطع الرجل ببصره إذا صوبه ، وبعير مهطع إذا صوب عنقه ، قال : { مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم }
____________________
(1/543)
- { مهطعين إلى الداع } ) .
هلل : الهلال القمر في أول ليلة والثانية ، ثم يقال له القمر ولا يقال له هلال وحمعه أهلة ، قال الله تعالى : { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } وقد كانوا سألوه عن علة تهلله وتغيره . وشبه به في الهيئة السنان الذي يصاد به وله شعبتان كرمي الهلال ، وضرب من الحيات والماء المستدير القليل في أسفل الركي وطرف الرحا ، فيقال لكل واحد منهما هلال ، وأهل الهلال رؤي ، واستهل طلب رؤيته . ثم قد يعبر عن الإهلال بالاستهلال نحو الإجابة والاستحابة ، والإهلال رفع الصوت عند رؤية الهلال ثم استعمل لكل صوت وبه شبه إهلال الصبي ، وقوله : { وما أهل به لغير الله } أي ما ذكر عليه غير اسم الله وهو ما كان يذبح لأجل الأصنام ، وقيل الإهلال والتهلل أن يقول لا إله إلا الله ، ومن هذه الجملة ركبت هذه اللفظة كقولهم التبسمل والبسملة ، والتحولق والحوقلة إذا قال بسم الله الرحمن الرحيم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ومنه الإهلال بالحج ، وتهلل السحاب ببرقه تلألأ ويشبه في ذلك بالهلال ، وثوب مهلل سخيف النسج ومنه شعر مهلهل .
هل : هل حرف استخبار ، إما على سبيل الاستفهام وذلك لا يكون من الله عز وجل قال تعالى : { قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا } وإما على التقرير تنبيها أو تبكيتا أو نفيا نحو { هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا } . وقوله { هل تعلم له سميا } - { فارجع البصر هل ترى من فطور } كل ذلك تنبيه على النفي . وقوله تعالى : { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة } - { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة } - { هل ينظرون إلا الساعة } - { هل يجزون إلا ما كانوا يعملون } - { هل هذا إلا بشر مثلكم } قيل ذلك تنبيه على قدرة الله ، وتخويف من سطوته .
هلك : الهلاك على ثلاثة أوجه : افتقاد الشيء عنك وهو عند غيرك موجود كقوله تعالى : { هلك عني سلطانيه } وهلاك الشيء باستحالة وفساد كقوله : { ويهلك الحرث والنسل } ويقال هلك الطعام . والثالث : الموت كقوله { إن امرؤ هلك } وقال تعالى مخبرا عن الكفار { وما يهلكنا إلا الدهر } ولم يذكر الله الموت بلفظ الهلاك حيث لم يقصد الذم إلا في هذا الموضع وفي قوله : { ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا } وذلك لفائدة يختص ذكرها بما بعد هذا الكتاب . والرابع : بطلان الشيء من العالم وعدمه رأسا وذلك المسمى فناء المشار إليه بقوله
____________________
(1/544)
{ كل شيء هالك إلا وجهه } ويقال للعذاب والخوف والفقر الهلاك وعلى هذا قوله { وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون } - { وكم أهلكنا قبلهم من قرن } - { وكم من قرية أهلكناها } - { فكأين من قرية أهلكناها } - { أفتهلكنا بما فعل المبطلون } - { أتهلكنا بما فعل السفهاء منا } . وقوله : { فهل يهلك إلا القوم الفاسقون } هو الهلاك الأكبر الذي دل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : لا شر كشر بعده النار ، وقوله تعالى : { ما شهدنا مهلك أهله } والهلك بالضم الإهلاك ، والتهلكة ما يؤدي إلى الهلاك ، قال تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } وامرأة هلوك كأنها تتهالك في مشيها كما قال الشاعر :
( مريضات أوبات التهادي كأنما ** تخاف على أحشائها أن تقطعا ) وكني بالهلوك عن الفاجرة لتمايلها ، والهالكي كان حدادا من قبيلة هالك فسمي كل حداد هالكيا ، والهلك الشيء الهالك .
هلم : هلم دعاء إلى الشيء وفيه قولان : أحدهما أن أصله هالم من قولهم لممت الشيء أي أصلحته فحذف ألفها فقيل هلم ، وقيل أصله هل أم كأنه قيل هل لك في كذا أمه أي قصده فركبا ، قال عز وجل : { والقائلين لإخوانهم هلم إلينا } فمنهم من تركه على حالته في التثنية والجمع وبه ورد القرآن ومنهم من قال هلما وهلموا وهلمي وهلممن .
همم : الهم الحزن الذي يذيب الإنسان ، يقال هممت الشحم فانهم والهم ما هممت به في نفسك وهو الأصل ولذا قال الشاعر :
( وهمك ما لم تمضه لك منصب ** ) قال الله تعالى : { إذ هم قوم أن يبسطوا } - { ولقد همت به وهم بها } - { إذ همت طائفتان منكم } - { لهمت طائفة منهم } - { وهموا بما لم ينالوا } - { وهموا بإخراج الرسول } - { وهمت كل أمة برسولهم } وأهمني كذا أي حملني على أن أهم به ، قال الله تعالى : { وطائفة قد أهمتهم أنفسهم } ويقال هذا رجل همك من رجل ، وهمتك من رجل كما تقول ناهيك من رجل . والهوام حشرات الأرض ، ورجل هم وامرأة همة أي كبير ، قد همه العمر أي أذابه .
همد : يقال همدت النار طفئت ومنه أرض هامدة لا نبات فيها ونبات هامد يابس ، قال تعالى : { وترى الأرض هامدة } والإهماد الإقامة بالمكان كأنه صار ذا همد ، وقيل الإهماد السرعة فإن يكن ذلك صحيحا فهو كالإشكاء في كونه تارة لإزالة الشكوى وتارة لإثبات الشكوى .
همر : الهمر صب الدمع والماء ، يقال همره فانهمر قال تعالى : { ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر } وهمر ما في الضرع حلبه كله ،
____________________
(1/545)
وهمر الرجل في الكلام ، وفلان يهامر الشيء أي يجرفثه ، ومنه همر له من ماله أعطاه ، والهميرة العجوز .
همز : الهمز كالعصر ، يقال همزت الشيء في كفي ومنه الهمز في الحرف وهمز الإنسان اغتيابه ، قال تعالى : { هماز مشاء بنميم } يقال رجل هامز وهماز وهمزة ، قال تعالى { ويل لكل همزة لمزة } وقال الشاعر :
( وإن اغتيب فأنت الهامز اللمزه ** ) وقال تعالى : { وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين } .
همس : الهمس الصوت الخفي وهمس الأقدام أخفى ما يكون من صوتها ، قال تعالى : { فلا تسمع إلا همسا } .
هنا : هنا يقع إشارة إلى الزمان والمكان القريب ، والمكان أملك به ، يقال هنا وهناك وهنالك كقولك ذا وذاك وذلك ، قال الله تعالى : { جند ما هنالك } - { إنا ها هنا قاعدون } - { هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت } - { هنالك ابتلي المؤمنون } - { هنالك الولاية لله الحق } - { فغلبوا هنالك } .
هن : هن كناية عن الفرج وغيره مما يستقبح ذكره وفى فلان هنات أي خصال سوء وعلى هذا ما روي سيكون هنات ، قال تعالى : { إنا ها هنا قاعدون } .
هنأ : الهنئ كل مالا يلحق فيه مشقة ولا يعقب وخامة وأصله في الطعام يقال هنئ الطعام فهو هنئ ، قال عز وجل { فكلوه هنيئا مريئا } - { كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم } - { كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون } ، والهناء ضرب من القطران ، يقال هنأت الإبل فهي مهنوءة .
هود : الهود الرجوع برفق ومنه التهويد وهو مشي كالدبيب وصار الهود في التعارف التوبة . قال تعالى : { إنا هدنا إليك } أي تبنا ، قال بعضهم : يهود في الأصل من قولهم هدنا إليك ، وكان اسم مدح ثم صار بعد نسخ شريعتهم لازما لهم وإن لم يكن فيه معنى المدح كما أن النصارى في الأصل من قوله { من أنصاري إلى الله } ثم صار لازما لهم بعد نسخ شريعتهم . ويقال هاد فلان إذا تحرى طريقة اليهود في الدين ، قال الله عز وجل : { إن الذين آمنوا والذين هادوا } والاسم العلم قد يتصور منه معنى ما يتعاطاه المسمى به أي المنسوب إليه ثم يشتق منه نحو قولهم تفرعن فلان وتطفل إذا فعل فعل فرعون في الجور ، وفعل طفيل في إتيان الدعوات من غير استدعاء ، وتهود في مشيه إذا مشى مشيا رفيقا تشبيها باليهود في حركتهم عند القراءة ، وكذا هود الرائض الدابة سيرها برفق ، وهود في الأصل جمع هائد أي تائب وهو اسم نبي عليه السلام .
هار : يقال هار البناء وتهور إذا سقط نحو
____________________
(1/546)
انهار ، قال { على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم } وقرئ هار يقال بئر هائر وهار هار ومهار ، ويقال انهار فلان إذا سقط من مكان عال ، ورجل هار وهائر ضعيف في أمره تشبيها بالبئر الهائر ، وتهور الليل اشتد ظلامه ، وتهور الشتاء ذهب أكثره ، وقيل تهير ، وقيل تهيره فهذا من الياء ، ولو كان من الواو لقيل تهوره .
هيت : هيت قريب من هلم وقرئ هيت لك : أي تهيأت لك ، ويقال هيت به وتهيت إذا قالت هيت لك ، قال الله تعالى : { وقالت هيت لك } .
هات : يقال هات وهاتبا وهاتوا ، قال تعالى { قل هاتوا برهانكم } قال الفراء : ليس في كلامهم هاتيت وإنما ذلك في ألسن الخبرة ، قال ولا يقال لا تهات . وقال الخليل المهاتاة والهتاء مصدر هات .
هيهات : هيهات كلمة تستعمل لتبعيد الشيء ، يقال هيهات هيهات وهيهاتا ومنه قوله عز وجل : { هيهات هيهات لما توعدون } قال الزجاج : البعد لما توعدون ، وقال غيره غلط الزجاج واستهواه اللام فإن تقديره بعد الأمر الوعد لما توعدون أي لأجله ، وفي ذلك لغات : هيهات وهيهات وهيهاتا وهيها ، وقال الفسوي : هيهات بالكسر ، وجمع هيهات بالفتح .
هاج : يقال هاج البقل يهيج اصفر وطاب ، قال عز وجل : { ثم يهيج فتراه مصفرا } وأهيجت الأرض صار فيها كذلك ، وهاج الدم والفحل هيجا وهياجا وهيجت الشر والحرب والهيجاء الحرب وقد يقصر ، وهيجت البعير / أثرته .
هيم : يقال رجل هيمان وهائم شديد العطش ، وهام على وجهه ذهب وجمعه هم ، قال { فشاربون شرب الهيم } والهيام داء يأخذ الإبل من العطش ويضرب به المثل فيمن اشتد به العشق ، قال { ألم تر أنهم في كل واد يهيمون } أي في كل نوع من الكلام يغلون في المدح والذم وسائر الأنواع المختلفات ، ومنه الهائم على وجهه المخالف للقصد الذاهب على وجهه ، وهام ذهب في الأرض واشتد عشقه وعطش ، والهيم الإبل العطاش وكذلك الرمال تبتلع الماء ، والهيام من الرمل اليابس ، كأن به عطشا .
هان : الهوان على وجهين ~ ، أحدهما تذلل الإنسان في نفسه لما لا يلحق به غضاضة فيمدح به نحو قوله : { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا } ونحو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن هين لين الثاني : أن يكون من جهة متسلط مستخف به فيذم به . وعلى الثاني قوله تعالى : { فاليوم تجزون عذاب الهون } - { فأخذتهم صاعقة العذاب الهون } - { وللكافرين عذاب مهين }
____________________
(1/547)
- { ولهم عذاب مهين } - { فأولئك لهم عذاب مهين } - { ومن يهن الله فما له من مكرم } ) ويقال هان الأمر على فلان سهل . قال الله تعالى : { هو علي هين } - { وهو أهون عليه } - { وتحسبونه هينا } والهاوون فاعول من الهون ولا يقال هاون لأنه ليس في كلامهم فاعل .
هوى : الهوى ميل النفس إلى الشهوة . ويقال ذلك للنفس المائلة إلى الشهوة ، وقيل سمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية وفي الآخرة إلى الهاوية ، والهوي سقوط من علو إلى سفل ، وقوله عز وجل : { فأمه هاوية } قيل هو مثل قولهم هوت أمه أي ثكلت وقيل معناه مقره النار ، والهاوية هي النار ، وقيل { وأفئدتهم هواء } أي خالية كقوله { وأصبح فؤاد أم موسى فارغا } وقد عظم الله تعالى ن م اتباع الهوى فقال تعالى { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه } - { ولا تتبع الهوى } - { واتبع هواه } وقوله { ولئن اتبعت أهواءهم } فإنما قاله بلفظ الجمع تنبيها على أن لكل واحد هوى غير هوى الآخر ، ثم هوى كل واحد لا يتناهى ، فإذا اتباع أهوائهم نهاية الضلال والحيرة ، وقال عز وجل : { ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } - { كالذي استهوته الشياطين } أي حملته على اتباع الهوى { ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا } - { قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت } - { ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله } - { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله } والهوي ذهاب في انحدار ، والهوي ذهاب في ارتفاع ، قال الشاعر :
( يهوي محارمها هوي الأجدل ** ) والهوء ما بين الأرض والسماء ، وقد حمل على ذلك قوله : { وأفئدتهم هواء } إذ هي بمنزلة الهواء في الخلاء . ورأيتهم يتهاوون في المهواة أي يتساقطون بعضهم في أثر بعض ، وأهواه أي رفعه في الهواء وأسقطه ، قال تعالى : { والمؤتفكة أهوى } .
هيأ : الهيئة الحالة التي يكون عليها الشيء محسوسة كانت أو معقولة لكن في المحسوس أكثر ، قال تعالى : { أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير } والمهايأة ما يتهيا القوم له فيتراضون عليه على وجه التخمين ، قال تعالى : { وهيئ لنا من أمرنا رشدا } - { ويهيئ لكم من أمركم مرفقا } وقيل هياك أن تفعل كذا بمعنى إياك ، قال الشاعر :
( هياك هياك وحنواء العنق ** )
ها : ها للتنبيه في قولهم هذا وهذه وقد ركب مع ذا وذه وأولاء حتى صار معها بمنزلة حرف منها ، وها في قوله تعالى : { ها أنتم } استفهام ، قال تعالى : { ها أنتم هؤلاء حاججتم } - { ها أنتم أولاء تحبونهم } - { هؤلاء جادلتم } - { ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم } - { لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء }
____________________
(1/548)
) وها كلمة في معنى الأخذ وهو نقيض هات أي أعط ، يقال هاؤم وهاؤما وهاؤموا وفيه لغة أخرى : هاء ، وهاآ ، وهاؤا ، وهائي ، وهأن ، ونحو خفن وقيل هاك ، ثم يثنى الكاف ويجمع ويؤنث قال تعالى : { هاؤم اقرؤوا كتابيه } وقيل هذه أسماء الأفعال ، يقال هاء يهاء نحو خاف يخاف ، وقيل هانى يهاني مثل نادى ينادي ، وقيل إهاء نحو إخال .
____________________
(1/549)
= كتاب الياء =
يبس : يبس الشيء ييبس ، واليبس يابس النبات وهو ما كان فيه رطوبة فذهبت واليبس المكان يكون فيه ماء فيذهب ، قال تعالى : { فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا } والأيبسان ما لا لحم عليه من الساقين إلى الكعبين .
يتم : اليتم انقطاع الصبي عن أبيه قبل بلوغه وفي سائر الحيوانات من قبل أمه ، قال تعالى : { ألم يجدك يتيما فآوى } - { ويتيما وأسيرا } جمعه يتامى { وآتوا اليتامى أموالهم } - { إن الذين يأكلون أموال اليتامى } - { ويسألونك عن اليتامى } وكل منفرد يتيم ، يقال درة يتيمة تنبيها على أنه انقطع مادتها التي خرجت منها وقيل بيت يتيم تشبيها بالدرة اليتيمة .
يد : اليد الجارجة ، أصله يدي لقولهم في جمعه أيد ويدي . وأفعل في جمع فعل أكثر نحو أفلس وأكلب ، وقيل يدي نحو عبد وعبيد ، وقد جاء في جمع فعل نحو أزمن وأجبل ، قال تعالى : { إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم } - { أم لهم أيد يبطشون بها } وقولهم يديان على أن أصله يدي على وزن فعل ، ويديته ضربت يده ، واستعير اليد للنعمة فقيل يديت إليه أي أسديت إليه ، وتجمع على أياد ، وقيل يدي . قال الشاعر :
( فإن له عندي يديا وأنعما ** ) وللحوز والملك مرة يقال هذا في يد فلان أي في حوزه وملكه ، قال : { إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } وقولهم وقع في يدي عدل . وللقوة مرة ، يقال لفلان يد على كذا ومالي بكذا يد ومالي به يدان . قال الشاعر :
( فاعمد لما تعلوا فمالك بالذي ** لا تستطيع من الأمور يدان ) وشبه الدهر فجعل له يد في قولهم يد الدهر ويد المسند وكذلك الريح في قول الشاعر :
( بيد الشمال زمامها ** ) لما له من القوة ، ومنه قيل أنا يدك ويقال وضع يده في كذا إذا شرع فيه . ويده مطلقة عبارة عن إيتاء النعيم ، ويد مغلولة عبارة عن إمساكها . وعلى ذلك قيل { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان }
____________________
(1/550)
) ويقال نفضت يدي عن كذا أي خليت ، وقوله عز وجل { إذ أيدتك بروح القدس } أي قويت يدك ، وقوله { فويل لهم مما كتبت أيديهم } فنسبته إلى أيديهم تنبيه على أنهم اختلقوه وذلك كنسبة القول إلى أفواههم في قوله عز وجل : { ذلك قولهم بأفواههم } تنبيها على اختلافهم . وقوله : { أم لهم أيد يبطشون بها } وقوله : { أولي الأيدي والأبصار } إشارة إلى القوة الموجودة لهم . وقوله { واذكر عبدنا داود ذا الأيد } أي القوة . قوله { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } أي يعطون ما يعطون عن مقابلة نعمة عليهم في مقارتهم . وموضع قوله { عن يد } في الإعراب حال وقيل بل اعتراف بأن أيديكم فوق أيديهم أي يلتزمون الذل . وخذ كذا أثر ذي يدين ، ويقال فلان يد فلان أي وليه وناصره ، ويقال لأولياء الله هم أيدي الله وعلى هذا الوجه قال عز وجل : { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم } فإذا يده عليه الصلاة والسلام يد الله وإذا كان يده فوق أيديهم فيد الله فوق أيديهم ، ويؤيد ذلك ما روي لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وقوله تعالى { مما عملت أيدينا } وقوله { لما خلقت بيدي } فعبارة عن توليه لخلقه باختراعه الذي ليس إلا له عز وجل . وخص لفظ اليد ليتصور لنا المعنى إذ هو أجل الجوارح التي يتولى بها الفعل فيما بيننا ليتصور لنا اختصاص المعنى لا لنتصور منه تشبيها ، وقيل معناه بنعمتي التي رشحتها لهم ، والباء فيه ليس كالباء في قولهم قطعته بالسكين بل هو كقولهم خرج بسيفه أي معه سيفه ، معناه خلقته ومعه نعمتاي الدنيوية والأخروية اللتان إذا رعاهما بلغ بهما السعادة الكبرى . وقوله { يد الله فوق أيديهم } أي نصرته ونعمته وقوته ، ويقال رجل يدي وامرأة يدية أي صناع وأما قوله تعال : { ولما سقط في أيديهم } أي ندموا ، يقال سقط في يده وأسقط عبارة عن المتحسر أو عمن يقلب كفيه كما قال عز وجل { فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها } وقوله { فردوا أيديهم في أفواههم } أي كفوا عما أمروا بقبوله من الحق ، يقال رد يده في فمه أي أمسك ولم يجب ، وقيل ردوا أيدي الأنبياء في أفواههم أي قالوا ضعوا أناملكم على أفواهكم واسكتوا ، وقيل ردوا نعم الله بأفواههم بتكذيبهم .
يسر : اليسر ضد العسر ، قال تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } - { سيجعل الله بعد عسر يسرا } - { وسنقول له من أمرنا يسرا }
____________________
(1/551)
- { فالجاريات يسرا } ) وتيسر كذا واستيسر أي تسهل ، قال { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } - { فاقرؤوا ما تيسر منه } أي تسهل وتهيا ، ومنه أيسرت المرأة وتيسرت في كذا أي سهلته وهيأته ، قال تعالى : { ولقد يسرنا القرآن للذكر } - { فإنما يسرناه بلسانك } واليسرى السهل ، وقوله { فسنيسره لليسرى } - { فسنيسره للعسرى } فهذا وإن كان قد أعاره لفظ التيسير فهو على حسب ما قال عز وجل { فبشرهم بعذاب أليم } واليسير والميسور : السهل ، قال تعالى : { فقل لهم قولا ميسورا } واليسير يقال في الشيء القليل ، فعلى الأول يحمل قوله { يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا } وقوله { إن ذلك على الله يسير } وعلى الثاني يحمل قوله { وما تلبثوا بها إلا يسيرا } والميسرة واليسار عبارة عن الغنى . قال تعالى : { فنظرة إلى ميسرة } واليسار أخت اليمين ، وقيل اليسار بالكسر ، واليسرات القوائم الخفاف ، ومن اليسر الميسر .
يأس : اليأس انتفاء الطمع ، يقال يئس واستيأس مثل عجب واستعجب وسخر واستسخر ، قال تعالى : { فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا } - { حتى إذا استيأس الرسل } - { قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار } - { إنه ليؤوس كفور } وقوله { أفلم ييأس الذين آمنوا } قيل معناه أفلم يعلموا ولم يرد أن اليأس موضوع في كلامهم للعلم وإنما قصد أن يأس الذين آمنوا من ذلك يقتضي أن يحصل بعد العلم بانتفاء ذلك فإذا ثبوت يأسهم يقتضي ثبوت حصول علمهم .
يقين : اليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدراية وأخواتها ، يقال علم يقين ولا يقال معرفة يقين ، وهو سكون الفهم مع ثبات الحكم ، وقال علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين وبينها فروق مذكورة في غير هذا الكتاب ، يقال استيقن وأيقن ، قال تعالى : { إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين } - { وفي الأرض آيات للموقنين } - { لقوم يوقنون } وقوله عز وجل { وما قتلوه يقينا } أي ما قتلوه قتلا تيقنوه بل إنما حكموا تخمينا ووهما .
اليم : اليم البحر ، قال تعالى : { فألقيه في اليم } ويممت كذا وتيممته قصدته ، قال تعالى : { فتيمموا صعيدا طيبا } وتيممته برمحي قصدته دون غيره . واليمام طير أصغر من الورشان ، ويمامة اسم امرأة وبها سميت مدينة اليمامة .
يمن : اليمين اصله الجارحة واستعماله في وصف الله تعالى في قوله { والسماوات مطويات بيمينه } على حد استعمال اليد فيه وتخصيص اليمين في هذا المكان والأرض بالقبضة حيث قال جل ذكره : { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة } يختص بما بعد هذا الكتاب . وقوله { إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين }
____________________
(1/552)
أي عن الناحية التي كان منها الحق فتصرفوننا عنها ، وقوله { لأخذنا منه باليمين } أي منعناه ودفعناه فعبر عن ذلك الأخذ باليمين كقولك خذ بيمين فلان عن تعاطي الهجاء ، وقيل معناه بأشرف جوارحه وأشرف أحواله ، وقوله جل ذكره { وأصحاب اليمين } أي أصحاب السعادات والميامن وذلك على حسب تعارف الناس في العبارة عن الميامن باليمين وعن المشائم بالشمال . واستعير اليمين للتيمن والسعادة ، وعلى ذلك { وأما إن كان من أصحاب اليمين } - { فسلام لك من أصحاب اليمين } ، وعلى هذا حمل :
( إذا ما راية رفعت لمجد ** تلقاها عرابة باليمين ) واليمين في الحلف مستعار من اليد اعتبار بما يفعله المعاهد والمحالف وغيره قال تعالى : { أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة } - { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } - { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } - { وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم } - { إنهم لا أيمان لهم } وقولهم يمين الله فإضافته إليه عز وجل هو إذا كان الحلف به . ومولى اليمين هو من بينك وبينه معاهدة ، وقولهم ملك يميني أنفذ وأبلغ من قولهم في يدي ، ولهذا قال تعالى : { مما ملكت أيمانكم } وقوله صلى الله عليه وسلم : الحجر الأسود يمين الله أي به يتوصل إلى السعادة المقربة إليه . ومن اليمين تنوول اليمن ، يقال هو ميمون النقيبة أي مبارك ، والميمنة : ناحية اليمين .
ينع : ينعت الثمرة تينع ينعا وينعا وأينعت إيناعا ، وهي يانعة ومونعة ، قال { انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه } وقرأ ابن أبي إسحق { وينعه } ، وهو جمع يانع ، وهو المدرك البالغ .
يوم : اليوم يعبر به عن وقت طلوع الشمس إلى غروبها . وقد يعبر به عن مدة من الزمان أي مدة كانت ، قال تعالى : { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان } - { وألقوا إلى الله يومئذ السلم } وقوله عز جل : { وذكرهم بأيام الله } فإضافة الأيام إلى الله تعالى تشريف لأمرها لما أفاض الله عليهم من نعمه فيها . وقوله عز وجل : { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين } الآية ، فالكلام في تحقيقه يختص بغير هذا الكتاب . ويركب يوم مع إذ فيقال يومئذ نحو قوله عز وجل { فذلك يومئذ يوم عسير } وربما يعرب ويبنى ، وإذا بني فللإضافة إلى إذ .
____________________
(1/553)
يس : يس قيل معناه يا إنسان ، والصحيح أن يس هو من حروف التهجي كسائر أوائل السور :
ياء : يا حرف النداء ، ويستعمل في البعيد وإذا استعمل في الله نحو يا رب فتنبيه للداعي أنه بعيد من عون الله وتوفيقه .
____________________
(1/554)