بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، وصلواته على نبيه محمد وآله أجمعين . قال الشيخ أبو القاسم الحسين ابن محمد بن الفضل الراغب رحمه الله : أسأل الله أن يجعل لنا من أنواره نورا يرينا الخير والشر بصورتيهما . ويعرفنا الحق والباطل بحقيقتهما ، حتى نكون ممن يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ، ومن الموصوفين بقوله تعالى ( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ) وبقوله : ( أولئك كتب في قلوبه الإيمان وأيدهم بروح منه ) . كنت قد ذكرت في الرسالة المنبهة على فوائد القرآن أن الله تعالى كما جعل النبوة بنبينا مختتمة ، وجعل شرائعهم بشريعته من وجه منتسخة ومن وجه مكملة متممة كما قال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) جعل كتابه المنزل عليه متضمنا ثمرة كتبه التي أولاها أوائل الأمم كما نبه عليه بقوله تعالى : ( يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة ) وجعل من معجزة هذا الكتاب أنه مع قلة الحجم متضمن للمعنى الجم ، وبحيث تقصر الألباب البشرية عن إحصائه ، والآلات الدنيوية عن استيفائه كما نبه عليه بقوله تعالى : ( ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ) وأشرت في كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة أن القرآن وإن كان لا يخلو الناظر فيه من نور ما يريه ، ونفع ما يوليه ، فإنه : ( كالبدر من حيث التفت رأيته ** يهدى إلى عينيك نورا ثاقبا ) ( كالشمس في كبد السماء وضوءها ** يغشى البلاد مشارقا ومغاربا ) لكن محاسن أنواره لا يثقفها إلا البصائر الجليلة وأطايب ثمره ولا يقطفها إلا الأيدي الزكية ، ومنافع شفائه لا يناله إلا النفوس النقية كما صرح تعالى به فقال في وصف متناوليه ( إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون ) وقال في وصف سامعيه ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ) . وذكرت أنه كما لا تدخل الملائكة الحاملة للبركات بيتا فيه صورة أو كلب كذلك لا تدخل السكينات الجالبة للبينات قلبا فيه كبر وحرص ، فالخبيثات للخبيثين ، والخبيثون للخبيثات ، والطيبات للطيبين ، والطيبون للطيبات ، ودللت في تلك الرسالة على كيفية اكتساب الزاد الذي يرقى كاسبه في درجات المعارف حتى يبلغ من معرفته أقصى
____________________
(1/5)
ما في قوة البشر أن يدركه من الأحكام والحكم فيطلع من كتاب الله على ملكوت السموات والأرض ويتحقق أن كلامه كما وصفه بقوله : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) جعلنا الله ممن تولى هدايته حتى يبلغه هذه المنزلة ويخوله هذه المكرمة ، فلن يهديه البشر من لم يهده الله كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) . وذكرت أن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية ، ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة ، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المعاون لمن يريد أن يدرك معانيه ، كتحصيل اللبن في كونه من أول المعاون في بناء ما يريد أن يبنيه وليس ذلك نافعا في علم القرآن فقط بل هو نافع في كل علم من علوم الشرع ، فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته ، وواسطته وكرائمه ، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم ، وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم . وما عداها وعدا الألفاظ المتفرعات عنها والمشتقات منها هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة ، وكالحثالة والتبن بالإضافة إلى لبوب الحنطة . وقد استخرت الله تعالى في إملاء كتاب مستوفى فيه مفردات ألفاظ القرآن على حروف التهجي ، فنقدم ما أوله الألف ثم الباء على ترتيب حروف المعجم معتبرا فيه أوائل حروفه الأصلية دون الزوائد ، والإشارة فيه إلى المناسبات التي بين الألفاظ المستعارات منها والمشتقات حسبما يحتمل التوسع في هذا الكتاب ، وأحيل بالقوانين الدالة على تحقيق مناسبات الألفاظ على الرسالة التي عملتها مختصة بهذا الباب . ففي اعتماد ما حررته من هذا النحو استغناء في بابه من المثبطات عن المسارعة في سبيل الخيرات ، وعن المسابقة إلى ما حثنا عليه بقوله تعالى : ( سابقوا إلى مغرفة من ربكم ) سهل الله علينا الطريق إليها . وأتبع هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ونسأ في الأجل ، بكتاب ينبئ عن تحقيق الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد وما بينها من الفروق الغامضة ، فبذلك يعرف اختصاص كل خبر بلفظ من الألفاظ المترادفة دون غيره من أخواته ، نحو ذكره القلب مرة والفؤاد مرة والصدر مرة . ونحون ذكره تعالى في عقب قصة : ( إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) وفي أخرى : ( لقوم يتفكرون ) وفي أخرى : ( لقوم يعلمون ) وفي أخرى : ( لقوم يفقهون ) وفي أخرى : ( لأولي الأبصار ) وفي أخرى : ( لذي حجر ) وفي أخرى : ( لأولي النهى ) ونحو ذلك مما يعده من لا يحق الحق ويبطل الباطل أنه باب واحد ، فيقدر أنه إذا فسر الحمد لله بقوله الشكر لله ، ولا ريب فيه بلا شك فيه فقد فسر القرآن ووفاه التبيان ، جعل الله لنا التوفيق رائدا ، والتقوى سائقا . ونفعنا بما أولانا وجعله لنا من معاون تحصيل الزاد المأمور به في قوله تعالى : ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى )
____________________
(1/6)
المفردات في غريب القرآن
____________________
(1/1)
= كتاب الألف =
أبا : الأب : الوالد ، ويسمى كل من كان سببا في إيجاد شيء أو إصلاحه أو ظهوره أبا ، ولذلك يسمى النبي صلى الله عليه وسلم أبا المؤمنين ، قال الله تعالى : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } وفي بعض القراءات : وهو أب لهم ، وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي أنا وأنت أبوا هذه الأمة وإلى هذا أشار بقوله : كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سبى ونسبي . وقيل أبو الأضياف لتفقده إياهم ، وأبو الحرب لمهيجها ، وأبو عذرتها لمفتضها . ويسمى العم مع الأب أبوين ، وكذلك الأم مع الأب وكذلك الجد مع الأب ، قال تعالى في قصة يعقوب : { ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا } وإسماعيل لم يكن من آبائهم وإنما كان عمهم . وسمي معلم الإنسان أباه لما تقدم من ذكره ، وقد حمل قوله تعالى : { وجدنا آباءنا على أمة } على ذلك أي علماءنا الذين ربونا بالعلم بدلالة قوله تعالى : { ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا } . وقيل في قوله : { أن اشكر لي ولوالديك } إنه عنى الأب الذي ولده ، والمعلم الذي علمه . وقوله تعالى : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } إنما هو نفي الولادة وتنبيه أن التبني لا يجري مجرى البنوة الحقيقية . وجمع الأب : آباء وأبوة ، نحو بعولة وخؤولة . وأصل أب فعل وقد أجري مجرى قفا في قول الشاعر :
( إن أباها وأبا أباها ** )
ويقال أبوت القوم كنت لهم أبا أبوهم ، وفلان يأبو بهمه أي يتفقدها تفقد الأب . وزادوا في النداء فيه تاء فقالوا يا أبت . وقولهم : بأبأ الصبي فهو حكاية صوت الصبي إذا قال بابا .
أبى : الإباء : شدة الامتناع ، فكل إباء امتناع وليس كل امتناع إباء . قوله تعالى : { ويأبى الله إلا أن يتم نوره } وقال : { وتأبى قلوبهم } وقوله : { أبى واستكبر } وقوله : { إلا إبليس أبى } وروي ( كلكم في الجنة إلا من أبى ) . ومنه رجل أبي ممتنع من تحمل الضيم ، وأبيت الضير تأبى ، تيس آبى ، وعنز أبواء ، إذا أخذه من شرب ماء فيه بول الأروى . داء يمنعه من شرب الماء .
أب : قوله تعالى : { وفاكهة وأبا }
____________________
(1/7)
الأب المرعى المتهيئ للرعي والجز ، من قولهم أب لكذا ، أي تهيأ أبا وإبابة وإبابا . وأب إلى وطنه إذا نزع إلى وطنه نزوعا تهيأ لقصده ، وكذا أب لسيفه إذا تهيأ لسله . وإبان ذلك فعلان منه وهو الزمان المهيأ لفعله ومجيئه .
أبد : قال تعالى : { خالدين فيها أبدا } الأبد عبارة عن مدة الزمان الممتد الذي لا يتجزأ كما يتجزأ الزمان ، وذلك أنه يقال : زمان كذا ، ولا يقال أبد كذا . وكان حقه أن لا يثنى ولا يجمع إذ لا يتصور حصول أبد آخر يضم إليه فيثنى به ، لكن قيل آباد ، وذلك على حسب تخصيصه في بعض ما يتناوله كتخصيص اسم الجنس في بعضه ثم يثنى ويجمع . على أنه ذكر بعض الناس أن آبادا مولد وليس من كلام العرب العرباء وقيل : أبد ، أبد ، وأبيد أي دائم وذلك على التأكيد وتأبد الشيء بقي أبدا ، ويعبر به عما يبقى مدة طويلة . والآبدة البقرة الوحشية ، والأوابد الوحشيات ، وتأبد البعير توحش فصار كالأوابد ، وتأبد وجه فلان توحش ، وأبد كذلك ، وقد فسر بغضب .
أبق : قال الله تعالى : { إذ أبق إلى الفلك المشحون } يقال : أبق العبد يأبق إباقا وأبق يأبق إذا هرب . وعبد آبق وجمعه أباق ، وتأبق الرجل تشبه به في الاستتار ، وقول الشاعر :
( قد أحكمت حكمات القد والإبقا ** )
قيل : هو القنب .
إبل : قال الله تعالى : { ومن الإبل اثنين } الإبل يقع على البعران الكثيرة ولا واحد له من لفظه . وقوله تعالى : { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } قيل أريد بها السحاب ، فإن يكن ذلك صحيحا فعلى تشبيه السحاب بالإبل وأحواله بأحوالها . وأبل الوحشي يأبل أبولا وأبل أبلا اجتزأ عن الماء تشبها بالإبل في صبرها عن الماء . وكذلك تأبل الرجل عن امرأته إذا ترك مقاربتها ، وأبل الرجل كثرت إبله . وفلان لا يأبل ، أي لا يثبت على الإبل إذا ركبها . ورجل آبل وأبل حسن القيام على إبله . وإبل مؤبلة مجموعة ، والإبالة الحزمة من الحطب تشبيها به . وقوله تعالى : { وأرسل عليهم طيرا أبابيل } أي متفرقة كقطعات إبل ، الواحد أبيل .
أتى : الإتيان مجئ بسهولة ومنه قيل للسيل المار على وجهه أتي وأتاوي ، وبه شبه الغريب فقيل أتاوي . والإتيان يقال للمجيء بالذات وبالأمر وبالتدبير . ويقال في الخير وفي الشر وفي الأعيان والأعراض نحو قوله تعالى : { إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة } وقوله تعالى : { أتى أمر الله } وقوله : { فأتى الله بنيانهم من القواعد } أي بالأمر والتدبير ، نحو : { وجاء ربك } وعلى هذا النحو قول الشاعر :
( أتيت المروءة من بابها ** )
____________________
(1/8)
{ فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها } وقوله : { ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى } أي لا يتعاطون . وقوله : { يأتين الفاحشة } وفي قراءة عبد الله : تأتي الفاحشة ، فاستعمال الإتيان منها كاستعمال المجيء في قوله : { لقد جئت شيئا فريا } يقال : أتيته وأتوته ، ويقال للسقاء إذا مخض وجاء زبده أتوة ، وتحقيقه جاء ما من شأنه أن يأتي منه فهو مصدر في معنى الفاعل . وهذه أرض كثيرة الإتاء أي الريع ، وقوله تعالى : { مأتيا } مفعول من أتيته . قال بعضهم معناه آتيا فجعل المفعول فاعلا وليس كذلك بل يقال أتيت الأمر وأتاني الأمر ، ويقال أتيته بكذا وآتيته بكذا ، قال تعالى { وأتوا به متشابها } وقال : { فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها } وقال { وآتيناهم ملكا عظيما } وكل موضع ذكر في وصف الكتاب آتينا فهو أبلغ من كل موضع ذكر فيه أوتوا ، لأن أوتوا قد يقال إذا أولي من لم يكن منه قبول ، وآتيناهم يقال فيمن كان منه قبول ، وقوله : { آتوني زبر الحديد } وقرأه حمزة موصولة أي جيئوني ، والإيتاء الإعطاء وخص دفع الصدقة في القرآن بالإيتاء نحو : { أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة } - { وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة } - { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا } - { ولم يؤت سعة من المال } .
أث : الأثاث متاع البيت الكثير ، وأصله من أث أي كثر وتكاثف . وقيل للمال كله إذا كثر أثاث ، ولا واحد له كالمتاع ، وجمعه أثاث . ونساء أثائث كثيرات اللحم كأن عليهن أثاث ، وتأثث فلان أصاب أثاثا .
أثر : أثر الشيء حصول ما يدل على وجوده ، يقال أثر وأثر ، والجمع الآثار ، قال تعالى : { وقفينا على آثارهم بعيسى } - { وآثارا في الأرض } وقوله : { فانظر إلى آثار رحمة الله } ومن هذا يقال للطريق المستدل به على من تقدم آثار ، نحو قوله تعالى : { فهم على آثارهم يهرعون } وقوله { هم أولاء على أثري } . ومنه سمنت الإبل أي على أثارة أثر من شحم ، وأثرت البعير جعلت على خفه أثرة أي علامة تؤثر في الأرض ليستدل بها على أثره ، وتسمى الحديدة التي يعمل بها ذلك المئثرة . وأثر السيف أثر جودته وهو الفرند ، وسيف مأثور ، وأثرت العلم رويته ، آثره أثرا وإثارة وأثرة ، وأصله تتبعت أثره . وأثارة من علم ، وقرئ أثرة وهو ما يروى أو يكتب فيبقى له أثر ، والمآثر ما يروى من مكارم الإنسان . ويستعار الأثر للفضل والإيثار للتفضل ومنه آثرته ، وقوله تعالى : { ويؤثرون على أنفسهم } وقال : { تالله لقد آثرك الله علينا } - { بل تؤثرون الحياة الدنيا } وفي الحديث : سيكون بعدي أثرة أي يستأثر بعضكم على بعض . والاستئثار
____________________
(1/9)
التفرد بالشيء من دون غيره ، وقولهم : استأثر انه بفلان كناية عن موته ، تنبيه أنه ممن اصطفاه وتفرد تعالى به من دون الورى تشريفا له ، ورجل أثر يستأثر على أصحابه ، وحكى اللحياني : خذه آثرا ما ، وأثرا ما ، وآثر ذي أثير .
أثل : قال تعالى : { ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل } أثل : شجر ثابت الأصل وشجر متأثل ثابت ثبوته وتأثل كذا ثبت ثبوته . وقوله صلى الله عليه وسلم في الوصي غير متأثل مالا أي غير مقتن له ومدخر ، فاستعار التأثل له وعنه استعير : نحت أثلته ، إذا اغتبته .
إثم : الإثم والأثام اسم للأفعال المبطئة عن الثواب ، وجمعه آثام ، ولتضمنه لمعنى البطء قال الشاعر :
( جمالية تغتلي بالروادف ** إذا كذب الآثمات الهجيرا )
وقوله تعالى : { فيهما إثم كبير ومنافع للناس } أي في تناولهما إبطاء عن الخيرات . وقد أثم إثما وأثاما فهو آثم وأثم وأثيم ، وتأثم خرج من إثمه كقولهم تحوب خرج من حوبه وحرجه أي ضيقه . وتسمية الكذب إثما لكون الكذب من جملة الإثم ، وذلك كتسمية الإنسان حيوانا لكونه من جملته . وقوله تعالى : { أخذته العزة بالإثم } أي حملته عزته على فعل ما يؤثمه { ومن يفعل ذلك يلق أثاما } أي عذابا فسماه أثاما لما كان منه وذلك كتسمية النبات والشحم ندى لما كانا منه في قول الشاعر
( تعلى الندى في متنه وتحدرا ** )
وقيل معنى يلق أثاما أي يحمله ذلك على ارتكاب آثام وذلك لاستدعاء الأمور الصغيرة إلى الكبيرة وعلى الوجهين حمل قوله تعالى { فسوف يلقون غيا } والآثم المتحمل الإثم قال تعالى { آثم قلبه } وقوبل الإثم بالبر فقال صلى الله عليه وسلم البر ما اطمأنت إليه النفس والإثم ما حاك في صدرك وهذا القول منه حكم البر والإثم لا تفسيرهما وقوله تعالى { معتد أثيم } أي آثم وقوله { يسارعون في الإثم والعدوان } قيل أشار بالإثم إلى نحو قوله { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } وبالعدوان إلى قوله { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } فالإثم أعم من العدوان
أج : قال تعالى { هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج } شديد الملوحة والحرارة من قولهم أجيج النار وأجتها وقد أجت وائتج النهار ويأجوج ومأجوج منه شبهوا بالنار المضطرمة والمياه المتموجة لكثرة اضطرابهم وأج الظليم إذا عد أجيجا تشبيها بأجيج النار
أجر : الأجر والأجرة ما يعود من ثواب
____________________
(1/10)
العمل دنيويا كان أو أخرويا نحو قوله تعالى : { إن أجري إلا على الله } - { وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين } - { ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا } والأجرة في الثواب الدنيوي ، وجمع الأجر أجور . وقوله : { فآتوهن أجورهن } كناية عن المهور ، والأجر والأجرة يقال فيما كان عن عقد وما يجري مجرى العقد ولا يقال إلا في النفع دون الضر نحو قوله : { لهم أجرهم عند ربهم } وقوله تعالى : { فأجره على الله } والجزاء يقال فيما كان عن عقد وغير عقد ويقال في النافع والضار نحو قوله : { وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا } وقوله : { فجزاؤه جهنم } يقال أجر زيد عمرا يأجره أجرا أعطاه الشيء بأجرة وأجر عمر وزيدا أعطاه الأجرة ، قال تعالى : { على أن تأجرني ثماني حجج } وآجر كذلك والفرق بينهما أن أجرته يقال إذا اعتبر فعل أحدهما ، وآجرته يقال إذا اعتبر فعلاهما وكلاهما يرجعان إلى معنى واحد ويقال آجره الله وأجره الله ، والأجير فعيل بمعنى فاعل أو مفاعل ، والاستئجار طلب الشيء بالأجرة ، ثم يعبر به عن تناوله بالأجرة نحو الاستيجاب في استعارته الإيجاب ، وعلى هذا قوله : ( استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين )
أجل : الأجل : المدة المضروبة للشيء ، قال تعالى : { ولولا أجل مسمى } - { أيما الأجلين قضيت } ويقال دينه مؤجل وقد أجلته جعلت له أجلا ، ويقال للمدة المضروبة لحياة الإنسان أجل فيقال دنا أجله عبارة عن دنو الموت ، وأصله استيفاء الأجل أي مدة الحياة ، وقوله تعالى : { وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا } أي حد الموت ، وقيل حد الهرم وهما واحد في التحقيق . وقوله : { ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده } فالأول هو البقاء في الدنيا ، والثاني البقاء في الآخرة ، وقيل الأول هو البقاء في الدنيا ، والثاني مدة ما بين الموت إلى النشور ، عن الحسن . وقيل الأول للنوم والثاني للموت ، إشارة إلى قوله : { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها } عن ابن عباس . وقيل الأجلان جميعا للموت ، فمنهم من أجله بعارض كالسيف والحرق والغرق وكل شيء غير موافق وغير ذلك من الأسباب المؤدية إلى قطع الحياة ، ومنهم من يوقى ويعافى حتى يأتيه الموت حتف أنفه ، وهذان هما المشار إليهما بقوله : من أخطأته سهم الرزية لم تخطه سهم المنية . وقيل للناس أجلان ، منهم من يموت عبطة ، ومنهم من يبلغ حدا لم يجعل الله في طبيعة الدنيا أن يبقى أحد أكثر منه فيها ، وإليها أشار بقوله تعالى : { ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر } وقصدهما الشاعر بقوله :
( رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ** تمته . . . )
____________________
(1/11)
وقول الآخر :
( من لم يمت عبطة يمت هرما ** )
والآجل ضد العاجل ، والأجل الجناية التي يخاف منها آجلا ، فكل أجل جناية وليس كل جناية أجلا ، يقال فعلت كذا من أجله ، قال تعالى : { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل } أي من جراء ، وقرئ من إجل ذلك بالكسر أي من جناية ذلك ، ويقال أجل في تحقيق خبر سمعته ، وبلوغ الأجل في قوله تعالى : { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن } هو المدة المضروبة بين الطلاق وبين انقضاء العدة . وقوله : ( فإذا بلغن أجلهن فلا تعضلوهن ) إشارة إلى حين انقضاء العدة ، وحينئذ { فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن } .
أحد : أحد يستعمل على ضربين ، أحدهما في النفي فقط ، والثاني في الإثبات . فأما المختص بالنفي فلاستغراق جنس الناطقين ، ويتناول القليل والكثير على طريق الاجتماع والافتراق نحو : ما في الدار أحد أي واحد ، ولا اثنان فصاعدا ، لا مجتمعين ولا مفترقين . ولهذا المعنى لم يصح استعماله في الإثبات لأن نفي المتضادين يصح ولا يصح إثباتهما ، فلو قيل في الدار واحد لكان فيه إثبات واحد منفرد مع إثبات ما فوق الواحد مجتمعين ومفترقين ، وذلك ظاهر لا محالة ، ولتناول ذلك ما فوق الواحد يصح أن يقال ما من أحد فاضلين كقوله تعالى : { فما منكم من أحد عنه حاجزين } وأما المستعمل في الإثبات فعلى ثلاثة أوجه : الأول في الواحد المضموم إلى العشرات نحو : أحد عشر وأحد وعشرين . والثاني أن يستعمل مضافا أو مضافا إليه بمعنى الأول كقوله تعالى : { أما أحدكما فيسقي ربه خمرا } وقولهم يوم الأحد أي يوم الأول ويوم الاثنين . والثالث أن يستعمل مطلقا وصفا وليس ذلك إلا في وصف الله تعالى بقوله : { قل هو الله أحد } وأصله وحد ولكن وحد يستعمل في غيره نحو قول النابغة :
( كأن رجلي وقد زال النهار بنا ** بذي الجليل على مستأنس وحد )
أخذ : الأخذ حوز الشيء وتحصيله ، وذلك تارة بالتناول نحو : { معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده } وتارة بالقهر نحو قوله : { لا تأخذه سنة ولا نوم له } ويقال : أخذته الحمى . وقال تعالى : { وأخذ الذين ظلموا الصيحة } - فأخذه الله نكال الآخرة والأولى { وقال } { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى } ويعبر عن الأسير بالمأخوذ والأخيذ . والاتخاذ افتعال منه ويعدى إلى مفعولين ، ويجري مجرى الجعل نحو قوله : { لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } - و { اتخذوا من دونه أولياء } - { فاتخذتموهم سخريا } - { أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } وقوله تعالى : { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم }
____________________
(1/12)
) فتخصيص لفظ المؤاخذة تنبيه على معنى المجازاة والمقابلة لما أخذوه من النعم فلم يقابلوه بالشكر . ويقال فلان مأخوذ ، وبه أخذة من الجن . وفلان يأخذ مأخذ فلان ، أي يفعل فعله ويسلك مسلكه . ورجل أخذ ، وبه أخذ ، كناية عن الرمد . والإخاذة والإخاذ أرض يأخذها الرجل لنفسه ، وذهبوا ومن أخذ أخذهم وإخذهم .
أخ : الأصل أخو وهو المشارك آخر في الولادة من الطرفين أو من أحدهما أو من الرضاع . ويستعار في كل مشارك لغيره في القبيلة أو في الدين أو في صنعة أو في معاملة أو في مودة وفي غير ذلك من المناسبات ، قوله تعالى : { لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم } أي لمشاركيهم في الكفر ، وقال : { إنما المؤمنون إخوة } - { أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا } وقوله : { فإن كان له إخوة } أي إخوان وأخوات ، وقوله تعالى : { إخوانا على سرر متقابلين } تنبيه على انتفاء المخالفة من بينهم . والأخت تأنيث الأخ . وجعل التاء فيه كالعوض من المحذوف منه . وقوله : { يا أخت هارون } يعني أخته في الصلاح لا في النسبة ، وذلك كقولهم : يا أخا تميم ، وقوله : { أخا عاد } سماه أخا تنبيها على إشفاقه عليهم شفقة الأخ على أخيه ، وعلى هذا قوله : { وإلى ثمود أخاهم } - { وإلى عاد أخاهم } - { وإلى مدين أخاهم } وقوله : { وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها } أي من الآية التي تقدمتها ، وسماها أختا لها لاشتراكهما في الصحة والإبانة والصدق . وقوله تعالى : { كلما دخلت أمة لعنت أختها } فإشارة إلى أوليائهم المذكورين في نحو قوله : { أولياؤهم الطاغوت } وتأخيت أي تحريت تحري الأخ للأخ . واعتبر من الإخوة معنى الملازمة ، فقيل أخية الدابة .
آخر : يقابل به الأول ، وآخر يقابل به الواحد . ويعبر بالدار الآخرة عن النشأة الثانية كما يعبر بالدار الدنيا عن النشأة الأولى نحو : { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان } وربما ترك ذكر الدار نحو قوله : { أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار } وقد توصف الدار بالآخرة تارة وتضاف إليها تارة نحو : { وللدار الآخرة خير للذين يتقون } - { ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون } وتقدير الإضافة دار الحياة الآخرة . وأخر معدول عن تقدير ما فيه الألف واللام وليس له نظير في كلامهم ، فإن أفعل من كذا إما أن يذكر معه من لفظا أو تقديرا فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث ، وإما أن يحذف منه من فيدخل عليه الألف واللام فيثنى ويجمع . وهذه اللفظة من بين أخواتها جوز فيها ذلك من غير الألف واللام ، والتأخير مقابل للتقديم ، قال تعالى : { بما قدم وأخر } - { ما تقدم من ذنبك وما تأخر }
____________________
(1/13)
- { إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار } - { ربنا أخرنا إلى أجل قريب } ) وبعته بأخرة أي بتأخير أجل كقوله : { فنظرة } . وقولهم : أبعد الله الأخر أي المتأخر عن الفضيلة وعن تحدي الحق .
إد : قال تعالى : { لقد جئتم شيئا إدا } أي أمرا منكرا يقع فيه جلبة ، من قولهم : أدت الناقة تئد أي رجعت حنينها ترجيعا شديدا . والأديد الجلبة ، وأد قيل من الود أو من أدت الناقة .
أداء : الأداء دفع الحق دفعة وتوفيته كأداء الخراج والجزية ورد الأمانة قال تعالى : { فليؤد الذي اؤتمن أمانته } - { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } وقال { وأداء إليه بإحسان } وأصل ذلك من الأداة ، يقال أدوت تفعل كذا أي احتلت وأصله تناولت الأداة التي بها يتوصل إليه ، واستأديت على فلان نحو استعديت .
آدم : أبو البشر ، قيل سمي بذلك لكون جسده من أديم الأرض ، وقيل لسمرة في لونه ، يقال رجل آدم نحو أسمر ، وقيل سمي بذلك لكونه من عناصر مختلفة وقوى متفرقة ، كما قال تعالى : { أمشاج نبتليه } ويقال جعلت فلانا أدمة أهلي أي خلطته بهم ، وقيل سمي بذلك لما طيب به من الروح المنفوخ فيه المذكور في قوله : { ونفخت فيه من روحي } وجعل له به العقل والفهم والروية التي فضل بها على غيره كما قال تعالى : { وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا } وذلك من قولهم الإدام وهو ما يطيب به الطعام . وفي الحديث : لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما أي يؤلف ويطيب .
أذن : الأذن الجارحة وشبه به من حيث الحلقة أذن القدر وغيرها ، ويستعار لمن كثر استماعه وقوله لما يسمع قال تعالى : { ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم } أي استماعه لما يعود بخيركم ، وقوله : { وفي آذانهم وقرا } إشارة إلى جهلهم لا إلى عدم سمعهم . وأذن استمع نحو قوله : { وأذنت لربها وحقت } ويستعمل ذلك في العلم الذي يتوصل إليه بالسماع نحو قوله : { فأذنوا بحرب من الله ورسوله } والإذن والأذان لما يسمع ويعبر بذلك عن العلم إذ هو مبدأ كثير من العلم فينا ، قال تعالى { ائذن لي ولا تفتني } وقال : { وإذ تأذن ربك } وأذنته بكذا وآذنته بمعنى . والمؤذن كل من يعلم بشيء نداء ، قال : { ثم أذن مؤذن أيتها العير } - { فأذن مؤذن بينهم } - { وأذن في الناس بالحج } والأذين المكان الذي يأتيه الأذان ، والإذن في الشيء إعلام بإجازته والرخصة فيه نحو : ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ) أي بإرادته وأمره . وقوله : { وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله } وقوله : { وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله }
____________________
(1/14)
- وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله ) قيل معناه بعلمه لكن بين العلم والإذن فرق فإن الإذن أخص ولا يكاد يستعمل إلا فيما فيه مشيئة به راضيا منه الفعل أم لم يرض به ، فإن قوله : { وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله } فمعلوم أن فيه مشيئته وأمره . وقوله : { وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } ففيه مشيئته من وجه وهو أنه لا خلاف أن الله تعالى أوجد في الإنسان قوة فيها إمكان قبول الضرب من جهة من يظلمه فيضره ولم يجعله كالحجر الذي لا يوجعه الضرب ، ولا خلاف أن إيجاد هذا الإمكان من فعل الله ، فمن هذا الوجه يصح أن يقال إنه بإذن الله ومشيئته يلحق الضرر من جهة الظالم ، ولبسط هذا الكلام كتاب غير هذا . والاستئذان طلب الإذن ، قال تعالى : { إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله } - { فإذا استأذنوك } وإذن جواب وجزاء ومعنى ذلك أنه يقتضي جوابا أو تقدير جواب ويتضمن ما يصحبه من الكلام جزاء ومتى صدر به الكلام وتعقبه فعل مضارع ينصبه لا محالة نحو : إذن أخرج ، ومتى تقدمه كلام ثم تبعه فعل مضارع يجوز نصبه ورفعه نحو : أنا إذن أخرج وأخرج ، ومتى تأخر عن الفعل أو لم يكن معه الفعل المضارع لم يعمل نحو : أنا أخرج إذن ، قال تعالى : { إنكم إذا مثلهم } .
أذى : الأذى ما يصل إلى الحيوان من الضرر إما في نفسه أو جسمه أو تبعاته دنيويا كان أو أخرويا ، قال تعالى : ( لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ) قوله تعالى : ( فآذوهما ) إشارة إلى الضرب ، ونحو ذلك في سورة التوبة : { ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن } - { والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم } - { لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا } وقال { لم تؤذونني } وقوله : { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى } فسمي ذلك أذى باعتبار الشرع وباعتبار الطب على حسب ما يذكره أصحاب هذه الصناعة . يقال : آذيته أوذيه إيذاء وأذية وأذى ، ومنه الآذي وهو الموج المؤذي لركاب البحر .
إذا : يعبر به عن كل زمان مستقبل ، وقد يضمن معنى الشرط فيجزم به ، وذلك في الشعر أكثر . وإذ يعبر به عن الزمان الماضي ولا يجازى به إلا إذا ضم إليه ما نحو :
( إذ ما أتيت على الرسول فقل له ** )
أرب : الأرب فرط الحاجة المقتضي للاحتيال في دفعه ، فكل أرب حاجة وليس كل حاجة أربا . ثم يستعمل تارة في الحاجة المفردة وتارة في الاحتيال وإن لم يكن حاجة كقولهم : فلان ذو أرب وأريب أي ذو احتيال ، وقد أرب إلى كذا أي احتاج إليه حاجة شديدة ، وقد أرب إلى كذا أربا وأوبة
____________________
(1/15)
وإربة ومأربة ، قال تعالى : { ولي فيها مآرب أخرى } ولا أرب لي في كذا ، أي ليس بي شدة حاجة إليه . وقوله : { أولي الإربة من الرجال } كناية عن الحاجة إلى النكاح ، وهي الأربى للداهية المقتضية للاحتيال ، وتسمى الأعضاء التي تشتد الحاجة إليها آرابا ، الواحد أرب ، وذلك أن الأعضاء ضربان ، ضرب أوجد لحاجة الحيوان إليه كاليد والرجل والعين ، وضرب للزينة كالحاجب واللحية . ثم التي للحاجة ضربان : ضرب لا تشتد إليه الحاجة ، وضرب تشتد إليه الحاجة حتى لو توهم مرتفعا لاختل البدن به اختلالا عظيما ، وهي التي تسمى آرابا . وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال : إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب : وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه ويقال أرب نصيبه أي عظمه ، وذلك إذا جعله قدرا يكون له فيه أرب ، ومنه أرب ماله أي كثر ، وأربت العقدة أحكمتها .
أرض : الأرض الجرم المقابل للسماء وجمعه أرضون ولا تجيء مجموعة في القرآن ، ويعبر بها عن أسفل الشيء كما يعبر بالسماء عن أعلاه ، قال الشاعر في صفة فرس :
( وأحمر كالديباح أما سماؤها ** فريا وأما أرضها فمحول )
وقوله تعالى : { اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها } عبارة عن كل تكوين بعد إفساد ، وعود بعد بدء ، ولذلك قال بعض المفسرين يعني به تليين القلوب بعد قساوتها . ويقال أرض أريضة أي حسنة النبت وتأرض النبت تمكن على الأرض فكثر ، وتأرض الجدي إذا تناول نبت الأرض ، والأرضة الدودة التي تقع في الخشب من الأرض ، يقال أرضت الخشبة فهي مأروضة .
أريك : الأريكة حجلة على سرير جمعها أرائك وتسميتها بذلك إما لكونها في الأرض متخذة من أراك وهو شجرة أو لكونها مكانا للإقامة من قولهم : أرك بالمكان أروكا ، وأصل الأروك الإقامة على رعي الأراك ثم تجوز به في غيره من الإقامات .
أرم : الإرم علم يبنى من الحجارة وجمعه آرام ، وقيل للحجارة أرم ، ومنه قيل للمتغيظ يحرق الأرم ، وقوله تعالى : { إرم ذات العماد } إشارة إلى أعمدة مرفوعة مزخرفة ، وما بها أرم وأريم أي أحد وأصله اللازم للازم وخص به النفي كقولهم : ما بها ديار وأصله للمقيم في الدار .
أز : قال تعالى : { تؤزهم أزا } أي ترجعهم إرجاع القدر إذا أزت أي اشتد غليانها . وروى أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل ، وأزه أبلغ من هزه .
أزر : أصل الأزر الإزار الذي هو اللباس ، يقال إزار وإزارة ومئزر . ويكنى بالإزار عن المرأة ، قال الشاعر :
____________________
(1/16)
( ألا بلغ أبا حفص رسولا ** فدى لك من أخي ثقة إزاري )
وتسميتها بذلك لما قال تعالى : { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } وقوله تعالى : { اشدد به أزري } أي أتقوى به . والأزر القوة الشديدة ، وآزره أعانه وقواه وأصله من شد الإزار ، قال تعالى : { كزرع أخرج شطأه فآزره } يقال آزرته فتأزر أي شددت إزاره ، وهو حسن الأزرة ، وأزرت البناء وآزرته قويت أسافله ، وتأزر النبات طال وقوي ، وآزرته ووازرته صرت وزيره وأصله الواو . وفرس آزر انتهى بياض قوائمه إلى موضع شد الإزار . قال تعالى : { وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر } قيل كان اسم أبيه تارخ فعرب فجعل آزر وقيل آزر معناه الضال في كلامهم .
أزف : قال تعالى : { أزفت الآزفة } أي دنت القيامة وأزف وأفد يتقاربان لكن أزف يقال اعتبارا بضيق وقتها ، ويقال أزف الشخوص والأزف ضيق الوقت وسميت به لقرب كونها وعلى ذلك عبر عنها بساعة ، وقيل : { أتى أمر الله } فعبر عنها بلفظ الماضي لقربها وضيق وقتها ، قال تعالى : { وأنذرهم يوم الآزفة } .
أس : أسس بنيانه جعل له أسا وهو قاعدته التي يبتنى عليها ، يقال أس وأساس ، وجمع الأس إساس وجمع الإساس أسس ، يقال كان ذلك على أس الدهر كقولهم على وجه الدهر .
أسف : الأسف الحزن والغضب معا . وقد يقال لكل واحد منهما على الانفراد وحقيقته ثوران دم القلب شهوة الانتقام ، فمتى كان ذلك على من دونه انتشر فصار غضبا ، ومتى كان على من فوقه انقبض فصار حزنا ، ولذلك سئل ابن عباس عن الحزن والغضب فقال مخرجهما واحد واللفظ مختلف ، فمن نازع من يقوى عليه أظهره غيظا وغضبا ، ومن نازع من لا يقوى عليه أظهره حزنا وجزعا ، وبهذا النظر قال الشاعر :
( فحزن كل أخي حزن أخو الغضب ** ) وقوله تعالى : { فلما آسفونا انتقمنا منهم } أي أغضبونا ، قال أبو عبد الله الرضا : إن الله لا يأسف كأسفنا ولكن له أولياء يأسفون ويرضون فجعل رضاهم رضاه وغضبهم غضبه ، قال : وعلى ذلك قال : من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وقال تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } وقوله : { غضبان أسفا } والأسف الغضبان ، ويستعار للمستخدم المسخر ولمن لا يكاد يسمى فيقال هو أسف .
أسر : الأسر الشد بالقيد من قولهم : أسرت القتب وسمي الأسير بذلك ثم قيل لكل مأخوذ ومقيد وإن لم يكن مشدودا ذلك ، وقيل في جمعه أسارى وأسارى وأسرى . وقال { ويتيما وأسيرا } ويتجوز به فيقال أنا أسير
____________________
(1/17)
نعمتك وأسرة الرجل من يتقوى به . قال تعالى : { وشددنا أسرهم } إشارة إلى حكمته تعالى في تراكيب الإنسان المأمور بتأملها وتدبرها في قوله تعالى : { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } والأسر احتباس البول ورجل مأسور أصابه أسر كأنه سد منفذ بوله ، والأسر في البول كالحصر في الغائط .
أسن : يقال أسن الماء يأسن وأسن يأسن إذا تغير ريحه تغيرا منكرا وماء آسن قال تعالى : { من ماء غير آسن } وأسن الرجل مرض من أسن الماء إذا غشي عليه ، قال الشاعر :
( يميد في الرمح ميد المائح الأسن ** )
وقيل تأسن الرجل إذا اعتل تشبيها به .
أسا : الأسوة والإسوة كالقدوة والقدوة وهي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره إن حسنا وإن قبيحا وإن سارا وإن ضارا ، ولهذا قال تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } فوصفها بالحسنة ، ويقال تأسيت به . والأسى الحزن وحقيقته إتباع الفائت بالغم يقال أسيت عليه أسى وأسيت له ، قال تعالى : { فلا تأس على القوم الكافرين } وقال الشاعر :
( أسيت لأخوالي ربيعة ** )
وأصله من الواو لقولهم رجل أسوان أي حزين ، والأسو إصلاح الجرح وأصله إزالة الأسى نحو : كربت النخل أزلت الكرب عنه وقد أسوته أسوءه أسوا ، والآسي طبيب الجرح جمعه إساء وأساة ، والمجروح مأسي وأسي معا ، ويقال أسيت بين القوم أي أصلحت وآسيته ،
قال الشاعر :
( آسى أخاه بنفسه ** ) وقال آخر :
( فآسى وآذاه فكان كمن جنى ** )
وآسي هو فاعل من قولهم يواسي ، وقول الشاعر :
( يكفون أثقال ثأي المستأسي ** )
فهو مستفعل من ذلك . فأما الإساءة فليست من هذا الباب وإنما هي منقولة عن ساء .
أشر : الأشر شدة البطر وقد أشر يأشر أشرا ، قال تعالى { سيعلمون غدا من الكذاب الأشر } فالأشر أبلغ من البطر ، والبطر أبلغ من الفرح فإن الفرح وإن كان في أغلب أحواله مذموما لقوله تعالى : { إن الله لا يحب الفرحين } فقد يحمد تارة إذا كان على قدر ما يجب وفي الموضع الذي يجب كما قال تعالى : { فبذلك فليفرحوا } وذلك أن الفرح قد يكون من سرور بحسب قضية العقل والأشر لا يكون إلا فرحا بحسب قضية الهوى . ويقال ناقة مئشير أي نشيطة على طريق التشبيه أو ضامر من قولهم أشرت الخشبة .
أصر : الأصر عقد الشيء وحبسه بقهره
____________________
(1/18)
يقال أصرته فهو مصور والمأصر والمأصر محبس السفينة قال تعالى : { ويضع عنهم إصرهم } أي الأمور التي تثبطهم وتقيدهم عن الخيرات وعن الوصول إلى الثوابات ، وعلى ذلك { ولا تحمل علينا إصرا } وقيل ثقلا وتحقيقه ما ذكرت والإصر العهد المؤكد الذي يثبط ناقضه عن الثواب والخيرات ، قال تعالى : { أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري } الإصار الطنب والأوتاد التي بها يعمد البيت وما يأصرني عنك شيء أي ما يحبسني . والأيصر كساء يشد فيه الحشيش فيثنى على السنام ليمكن ركوبه .
أصبع : الإصبع اسم يقع على السلامى والظفر والأنملة والأطرة والبرجمة معا ، ويستعار للأثر الحسي فيقال لك على فلان أصبع كقولك لك عليه بد .
أصل : بالغدو والآصال أي العشايا ، يقال للعشية أصيل وأصيلة فجمع الأصيل أصل وآصال وجمع الأصيلة أصائل وقال تعالى { بكرة وأصيلا } واصل الشيء قاعدته التي لو توهمت مرتفعة لارتفع بارتفاعه سائره لذلك قال تعالى { أصلها ثابت وفرعها في السماء } وقد تأصل كذا ، ومجد أصيل ، وفلان لا أصل له ، ولا فصل .
أف : أصل الأف كل مستقذر من وسخ وقلامة ظفر وما يجري مجراهما ويقال ذلك لكل مستخف استقذارا له نحو ( أف لكم ولما تعبدون من دون الله ) وقد أففت لكذا إذا قلت ذلك استقذارا له ومنه قيل للضجر من استقذار شيء أفف فلان .
أفق : قال تعالى : { سنريهم آياتنا في الآفاق } أي في النواحي ، الواحد أفق وأفق ويقال في النسبة إليه أفقي ، وقد أفق فلان إذا ذهب في الآفاق ، وقيل الآفق الذي يبلغ النهاية في الكرم تشبيها بالأفق الذاهب في الآفاق .
أفك : الإفك كل مصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه ومنه قيل للرياح العادلة عن المهاب مؤتفكة قال تعالى : { والمؤتفكات بالخاطئة } وقال تعالى : { والمؤتفكة أهوى } وقوله تعالى : { قاتلهم الله أنى يؤفكون } . أي يصرفون عن الحق في الاعتقاد إلى الباطل ومن الصدق في المقال إلى الكذب ومن الجميل في الفعل إلى القبيح ، ومنه قوله تعالى : { يؤفك عنه من أفك } - { أنى يؤفكون } وقوله { أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا } فاستعملوا الإفك في ذلك لما اعتقدوا أن ذلك صرف من الحق إلى الباطل فاستعمل ذلك في الكذب لما قلنا . وقال تعالى : { إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم } وقال { لكل أفاك أثيم } وقوله : { أئفكا آلهة دون الله تريدون } فيصح أن يجعل تقديره أتريدون آلهة من الإفك ، ويصح أن يجعل إفكا مفعول تريدون ويجعل آلهة بدلا منه ويكون قد سماهم إفكا ، ورجل مأفوك مصروف
____________________
(1/19)
عن الحق إلى الباطل ، قال الشاعر :
( فإن تك عن أحسن المروءة مأفوكا ** ففي آخرين قد افكوا )
وأفك يؤفك صرف عقله ورجل مأفوك العقل .
أفل : الأفول غيبوبة النيرات كالقمر والنجوم ، قال تعالى : { فلما أفل قال لا أحب الآفلين } وقال : { فلما أفلت } والأفال صغار الغنم ، والأفيل : الفصيل الضئيل .
أكل : الأكل تناول المطعم وعلى طريق التشبيه قيل أكلت النار الحطب ، والأكل لما يؤكل بضم الكاف وسكونه قال تعالى : { أكلها دائم } والأكلة للمرة والأكلة كاللقمة وأكيلة الأسد فريسته التي يأكلها والأكولة من الغنم ما يؤكل والأكيل المؤاكل وفلان مؤكل ومطعم استعارة للمرزوق ، وثوب ذو أكل كثير الغزل كذلك والتمر مأكلة للفم ، قال تعالى : { ذواتي أكل خمط } ويعبر به عن النصيب فيقال فلان ذو أكل من الدنيا وفلان استوفى أكله كناية عن انقضاء الأجل ، وأكل فلان فلانا اغتابه وكذا أكل لحمه قال تعالى : { أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا } وقال الشاعر :
( فإن كنت مأكولا فكن أنت آكلي ** ) وما ذقت أكلا أي شيئا يؤكل وعبر بالأكل عن إنفاق المال لما كان الأكل أعظم ما يحتاج فيه إلى المال نحو : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } - وقال { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } فأكل المال بالباطل صرفه إلى ما ينافيه الحق وقوله تعالى : { إنما يأكلون في بطونهم نارا } تنبيها على أن تناولهم لذلك يؤدي بهم إلى النار والأكول والأكال الكثير الأكل قال تعالى { أكالون للسحت } والأكلة جمع آكل وقولهم هم أكلة رأس عبارة عن ناس من قلتهم يشبعهم رأس وقد يعبر بالأكل عن الفساد نحو : كعصف مأكول وتأكل كذا فسد وأصابه إكال في رأسه وفي أسنانه أي تأكل وأكلني رأسي وميكائيل ليس بعربي .
الإل : كل حالة ظاهرة من عهد حلف وقرابة تئل تلمع فلا يمكن إنكاره قال تعالى : { لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة } وأل الفرس أي أسرع حقيقته لمع وذلك استعارة في باب الإسراع نحو برق وطار ، والألة الحربة اللامعة وأل بها ضرب وقيل إل وإيل اسم الله تعالى وليس ذلك بصحيح ، وأذن مؤللة والإلال صفحتا السكين .
ألف : الألف من حروف التهجي والإلف اجتماع مع التئام يقال ألفت بينهم ومنه الألفة ويقال للمألوف إلف وآلف قال تعالى : { إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم } وقال : { لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم }
____________________
(1/20)
) والمؤلف ما جمع من أجزاء مختلفة ورتب ترتيبا قدم فيه ما حقه أن يقدم وأخر فيه ما حقه أن يؤخر ، و { لإيلاف قريش } مصدر من ألف والمؤلفة قلوبهم هم الذين يتحرى فيهم بتفقدهم أن يصيروا من جملة من وصفهم الله . { لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم } وأوالف الطير ما ألفت الدار والألف العدد المخصوص وسمي بذلك لكون الأعداد فيه مؤتلفة ، فإن الأعداد أربعة آحاد وعشرات ، ومئون ، وألوف ، فإذا بلغت الألف فقد ائتلفت وما بعده يكون مكررا قال بعضهم الألف من ذلك لأنه مبدأ النظام وقيل آلفت الدراهم أي بلغت بها الألف نحو ماءيت وآلفت هي نحو آمأت .
ألك : الملائكة وملك أصله مألك وقيل هو مقلوب عن ملأك والمألك والمألكة والألوك الرسالة ومنه ألكني أي أبلغه رسالتي والملائكة تقع على الواحد والجمع قال تعالى : { الله يصطفي من الملائكة رسلا } قال الخليل : المألكة الرسالة لأنها تؤلك في الفم من قولهم فرس يألك اللجام ويعلك .
الألم : الوجع الشديد ، يقال ألم يألم ألما فهو آلم قال تعالى : { فإنهم يألمون كما تألمون } وقد آلمت فلانا وعذاب أليم أي مؤلم وقوله : { ألم يأتكم } فهو ألف الاستفهام وقد دخل على لم .
اله : الله قيل أصله إله فحذفت همزته وادخل عليه الألف واللام فخص بالباري تعالى ولتخصصه به قال تعالى : { هل تعلم له سميا } وإله جعلوه اسما لكل معبود لهم وكذا الذات وسموا الشمس إلاهة لاتخاذهم إياها معبودا ، وأله فلان يا له عبد وقيل تأله فالإله على هذا هو المعبود ، وقيل هو من أله أي تحير وتسميته بذلك إشارة إلى ما قال أمير المؤمنين : كل دون صفاته تحبير الصفات وضل هناك تصاريف اللغات . وذلك أن العبد إذا تفكر في صفاته تحير فيها ولهذا روي تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله وقيل أصله ولاه فأبدل من الواو همزة وتسميته بذلك لكون كل مخلوق والها نحوه إما بالتسخير فقط كالجمادات والحيوانات وإما بالتسخير والإرادة معا كبعض الناس ومن هذا الوجه قال بعض الحكماء : الله محبوب الأشياء كلها وعليه دل قوله تعالى : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } وقيل أصله من لاه يلوه لياها أي احتجب قالوا وذلك إشارة إلى ما قال تعالى : { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } والمشار إليه بالباطن في قوله : { والظاهر والباطن } وإله حقه أن لا يجمع إذ لا معبود سواه لكن العرب لاعتقادهم أن ههنا معبودات جمعوه فقالوا الآلهة قال تعالى : { أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا } وقال : { ويذرك وآلهتك } وقرئ وإلاهتك
____________________
(1/21)
أي عبادتك . ولاه أنت أي لله وحذف إحدى اللامين . اللهم قيل معناه يا ألله فأبدل من الياء في أوله الميمان في آخره وخص بدعاء الله ، وقيل تقديره يا ألله أمنا بخير ، مركب تركيب حيهلا .
إلى : إلى حرف يحد به النهاية من الجوانب الست ، وألوت في الأمر قصرت فيه ، هو منه كأنه رأى فيه الانتهاء والوت فلانا أي أوليته تقصيرا نحو كسبته أي أوليته كسبا ، وما ألوته جهدا أي ما أوليته تقصيرا بحسب الجهد فقولك جهدا تمييز ، وكذلك ما ألوته نصحا وقوله تعالى : { لا يألونكم خبالا } منه : أي لا يقصرون في جلب الخبال وقال تعالى : { ولا يأتل أولوا الفضل منكم } قيل هو يفتعل من ألوت وقيل هو من آليت حلفت ، وقيل نزل ذلك في أبي بكر وكان قد حلف على مسطح أن يزوي عنه فضله ورد هذا بعضهم بأن افتعل قلما يبنى من أفعل إنما يبنى من فعل وذلك مثل كسبت واكتسبت وصنعت واصطنعت ورأيت وارتأيت . وروي لا دريت ولا ائتليت وذلك افتعلت من قولك ما ألوته شيئا كأنه قيل ولا استطعت وحقيقة الإيلاء والألية الحلف المقتضي لتقصير في الأمر الذي يحلف عليه وجعل الإيلاء في الشرع للحلف المانع من جماع المرأة وكيفيته وأحكامه مختصة يكتب الفقه { فاذكروا آلاء الله } أي نعمه ، الواحد ألا وإلى نحو أنا وإنى لواحد الآناء .
وقال بعضهم في قوله تعالى : { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } إن معناه إلى نعمة ربها منتظرة وفي هذا تعسف من حيث البلاغة ، وألا للاستفتاح ، وإلا للاستثناء ، وأولاء في قوله تعالى : { ها أنتم أولاء تحبونهم } وقوله أولئك اسم مبهم موضوع للإشارة إلى جمع المذكر والمؤنث ولا واحد له من لفظه ، وقد يقصر نحو قول الأعشى :
( هؤلا ثم هؤلا كلا أعطيت ** نوالا محذوة بمثال )
أم : الأم بإزاء الأب وهي الوالدة القريبة التي ولدته والبعيدة التي ولدت من ولدته . ولهذا قيل لحواء هي أمنا وإن كان بيننا وبينها وسائط . ويقال لكل ما كان أصلا لوجود شيء أو تربيته أو إصلاحه أو مبدئه أم ، قال الخليل : كل شيء ضم إليه سائر ما يليه يسمى أما ، قال تعالى : { وإنه في أم الكتاب } أي اللوح المحفوظ وذلك لكون العلوم كلها منسوبة إليه ومتولدة منه . وقيل لمكة أم القرى وذلك لما روي أن الدنيا دحيت من تحتها ، وقال تعالى : { لتنذر أم القرى ومن حولها } وأم النجوم المجرة قال :
( حيث اهتدت أم النجوم الشوابك ** )
وقيل أم الأضياف وأم المساكين ، كقولهم أبو الأضياف ويقال للرئيس أم الجيش
____________________
(1/22)
كقول الشاعر :
( وأم عيال قد شهدت نفوسهم ** )
وقيل لفاتحة الكتاب أم الكتاب لكونها مبدأ الكتاب ، وقوله تعالى : { فأمه هاوية } أي مثواه النار فجعلها أما له ، قال وهو نحو : { مأواكم النار } وسمى الله تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين فقال : { وأزواجه أمهاتهم } لما تقدم في الأب وقال : ( يا ابن أم ) وكذا قوله ويل أمه وكذا هوت أمه . والأم قيل أصله أمهة لقولهم جمعا أمهات وأميهة وقيل أصله من المضاعف لقولهم أمات وأميمة . قال بعضهم أكثر ما يقال أمات في البهائم ونحوها وأمهات في الإنسان . والأمة كل جماعة يجمعهم أمر ما إما دين واحد أو زمان واحد أو مكان واحد ، سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيرا أو اختيارا وجمعها أمم . وقوله تعالى { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم } أي كل نوع منها على طريقة قد سخرها الله عليها بالطبع فهي من بين ناسجة كالعنكبوت وبانية كالسرفة ومدخرة كالنمل ومعتمدة على قوت وقته ، كالعصفور والحمام إلى غير ذلك من الطبائع التي تخصص بها كل نوع ، وقوله تعالى : { كان الناس أمة واحدة } أي صنفا واحدا وعلى طريقة واحدة في الضلال والكفر وقوله : ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ) أي في الإيمان وقوله { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير } أي جماعة يتخيرون العلم والعمل الصالح يكونون أسوة لغيرهم ، وقوله : { إنا وجدنا آباءنا على أمة } أي على دين مجتمع قال :
( وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع ** )
وقوله تعالى { وادكر بعد أمة } أي حين وقرئ بعد أمه أي بعد نسيان ، وحقيقة ذلك بعد انقضاء أهل عصر أو أهل دين . وقوله : { إن إبراهيم كان أمة قانتا لله } أي قائما مقام جماعة في عبادة الله نحو قولهم فلان في نفسه قبيلة . وروي أنه يحشر زبد بن عمرو ابن نفيل أمة وحده وقوله تعالى : { ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة } أي جماعة وجعلها الزجاح ههنا للاستقامة وقال تقديره ذو طريقة واحدة فترك الإضمار ، والأمي هو الذي لا يكتب ولا يقرأ من كتاب وعليه حمل { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم } قال قطرب الأمية الغفلة والجهالة فالأمي منه وذلك هو قلة المعرفة ومنه قوله تعالى { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني } أي إلا أن يتلى عليهم
قال الفراء : هم العرب الذين لم يكن لهم كتاب و { النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل } قيل منسوب إلى الأمة الذين لم يكتبوا لكونه على عادتهم كقولك عامي لكونه على عادة العامة ، وقيل سمي بذلك لأنه لم يكن يكتب ولا يقرأ من كتاب وذلك
____________________
(1/23)
فضيلة له لاستغنائه بحفظه واعتماده على ضمان الله منه بقوله : { سنقرئك فلا تنسى } وقيل سمي بذلك لنسبته إلى أم القرى . والإمام المؤتم به إنسانا كأن يقتدي بقوله أو فعله ، أو كتابا أو غير ذلك محقا كان أو مبطلا وجمعه أئمة . وقوله تعالى : { يوم ندعوا كل أناس بإمامهم } أي بالذي يقتدون به وقيل بكتابهم وقوله { واجعلنا للمتقين إماما } قال أبو الحسن جمع إمام وقال غيره هو من باب درع دلاص ودروع دلاص ، وقوله { ونجعلهم أئمة } وقال { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار } جمع إمام وقوله { وكل شيء أحصيناه في إمام مبين } فقد قيل إشارة إلى اللوح المحفوظ ، والأم القصد المستقيم وهو التوجه نحو مقصود وعلى ذلك { آمين البيت الحرام } وقولهم أمة شجه فحقيقته إنما هو أن يصيب أم دماغه وذلك على حد ما يبنون من إصابة الجارحة لفظ فعلت منه وذلك نحو رأسته ورجلته وكبدته وبطنته إذا أصيب هذه الجوارح . وأم إذا قوبل به ألف الاستفهام فمعناه أي نحو : أزيد في الدار أم عمرو أي أيهما وإذا جرد من ألف الاستفهام فمعناه بل نحو { أم زاغت عنهم الأبصار } أي بل زاغت . وأما حرف تقتضي معنى أحد الشيئين ويكرر نحو : ( أما أحد كما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب ) ويبتدأ بها الكلام نحو أما بعد فإنه كذا .
أمد : قال تعالى : { تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا } الأمد والأبد يتقاربان ، لكن الأبد عبارة عن مدة الزمان التي ليس لها حد محدود ولا يتقيد لا يقال أبد كذا ، والأمد مدة لها حد مجهول إذأ أطلق ، وقد ينحصر نحو أن يقال أمد كذا كما يقال زمان كذا ، والفرق بين الزمان والأمد أن الأمد يقال باعتبار الغاية والزمان عام في المبدإ والغاية ، ولذلك قال بعضهم المدى والأمد يتقاربان .
أمر : الأمر الشأن وجمعه أمور ومصدر أمرته إذا كلفته أن يفعل شيئا وهو لفظ عام للأفعال والأقوال كلها ، وعلى ذلك قوله تعالى : { وإليه يرجع الأمر كله } وقال : { قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء } - { وأمره إلى الله } ويقال للإبداع أمر نحو : { ألا له الخلق والأمر } ويختص ذلك بالله تعالى دون الخلائق ، وقد حمل على ذلك قوله : { وأوحى في كل سماء أمرها } وعلى ذلك حمل الحكماء قوله : { قل الروح من أمر ربي } أي من إبداعه وقوله : { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } فإشارة إلى إبداعه وعبر عنه بأقصر لفظة وأبلغ ما يتقدم فيه فيما بيننا بفعل الشيء ، وعلى ذلك قوله : { وما أمرنا إلا واحدة } فعبر عن سرعة إيجاده بأسرع ما يدركه وهمنا . والأمر التقدم بالشيء سواء
____________________
(1/24)
كان ذلك بقولهم افعل وليفعل أو كان ذلك بلفظ خبر نحو : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن } أو كان بإشارة أو غير ذلك . ألا ترى أنه قد سمى ما رأى إبراهيم في المنام من ذبح ابنه أمرا حيث قال : { إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر } فسمى ما رآه في المنام من تعاطي الذبح أمرا . وقوله : { وما أمر فرعون برشيد } فعام في أقواله وأفعاله ، وقوله : { أتى أمر الله } إشارة إلى القيامة فذكره بأعم الألفاظ . وقوله { بل سولت لكم أنفسكم أمرا } أي ما تأمر النفس الأمارة بالسوء . وقيل أمر القوم كثروا وذلك لأن القوم إذا كثروا صاروا ذا أمير من حيث إنهم لا بد لهم من سائس يسوسهم ، ولذلك قال الشاعر :
( لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ** )
وقوله تعالى : { أمرنا مترفيها } أي أمرناهم بالطاعة ، وقيل معناه كثرناهم ، وقال أبو عمرو : لا يقال أمرت بالتخفيف في معنى كثرت ، وإنما يقال أمرت وآمرت . وقال أبو عبيدة : قد يقال أمرت بالتخفيف نحو : خير المال مهرة مأمورة وسكة مأبورة ، وفعله أمرت . وقرئ أمرنا : أي جعلناهم أمراء ، وعلى هذا حمل قوله تعالى : { وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها } وقرئ أمرنا بمعنى أكثرنا والائتمار قبول الأمر ويقال للتشاور ائتمار لقبول بعضهم أمر بعض فيما أشار به ، قال تعالى : { إن الملأ يأتمرون بك } قال الشاعر :
( وأمرت نفسي أي أمر أفعل ** )
وقوله تعالى : { لقد جئت شيئا إمرا } أي منكرا من قولهم أمر الأمر أي كبر وكثر كقولهم استفحل الأمر ، وقوله : { وأولي الأمر } قيل عنى الامراء في زمن النبي عليه الصلاة والسلام ، وقيل الأئمة من أهل البيت ، وقيل الآمرون بالمعروف . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : هم الفقهاء وأهل الدين المطيعون لله ، وكل هذه الأقوال صحيحة . ووجه ذلك أن أولي الأمر الذين بهم يرتدع الناس أربعة : الأنبياء وحكمهم على ظاهر العامة والخاصة وعلى بواطنهم ، والولاة وحكمهم على ظاهر الكافة دون باطنهم ، والحكماء وحكمهم على باطن الخاصة دون الظاهر ، والوعظة وحكمهم على بواطن العامة دون ظواهرهم .
أمن : أصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف والأمن والأمانة والأمان في الأصل مصادر ويجعل الأمان تارة اسما للحالة التي يكون عليها الإنسان في الأمن ، وتارة اسما لما يؤمن عليه الإنسان نحو قوله : { وتخونوا أماناتكم } أي ما ائتمنتم عليه ، وقوله : { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض } قيل هي كلمة التوحيد وقيل العدالة ، وقيل حروف التهجي ، وقيل العقل وهو صحيح فإن العقل هو الذي لحصوله يتحصل معرفة التوحيد وتجري العدالة وتعلم حروف التهجي بل لحصوله تعلم كل ما في طوق
____________________
(1/25)
البشر تعلمه وفعل ما في طوقهم من الجميل فعله وبه فضل على كثير ممن خلقه . وقوله : { ومن دخله كان آمنا } أي آمنا من النار ، وقيل من بلايا الدنيا التي تصيب من قال فيهم : { إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا } ومنهم من قال لفظه خبر ، ومعناه أمر ، وقيل يأمن الاصطلام وقيل آمن في حكم الله ، وذلك كقولك : ( هذا حلال وهذا حرام ) أي في حكم الله ، والمعنى لا يجب أن يقتص منه ولا يقتل فيه إلا أن يخرج وعلى هذه الوجوه : { أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا } وقال : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا } وقوله : { أمنة نعاسا } ، أي أمنا وقيل هي جمع كالكتبة . وفي حديث نزول المسيح : وتقع الأمنة في الأرض ، وقوله : { ثم أبلغه مأمنه } أي منزله الذي فيه أمنه . وآمن إنما يقال على وجهين أحدهما متعديا بنفسه يقال آمنته أي جعلت له الأمن ومنه قيل لله مؤمن ، والثاني غير متعد ومعناه صار ذا أمن . والإيمان يستعمل تارة اسما للشريعة التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام وعلى ذلك : { الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون } ويوصف به كل من دخل في شريعته مقرا بالله وبنبوته ، قيل وعلى هذا قال تعالى : { وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون } وتارة يستعمل على سبيل المدح ويراد به إذعان النفس للحق على سبيل التصديقوذلك باجتماع ثلاثة أشياء تحقيق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بحسب ذلك بالجوارح وعلى هذا قوله { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون }
ويقال لكل واحد من الاعتقاد والقول الصدق والعمل الصالح إيمان قال تعالى { وما كان الله ليضيع إيمانكم } أي صلاتكم وجعل الحياء وإماطة الأذى من الإيمان قال تعالى { وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين } قيل معناه بمصدق لنا إلا أن الإيمان هو التصديق الذي معه أمن وقوله تعالى { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت } فذلك مذكور على سبيل الذم لهم وأنه قد حصل لهم الأمن بما لا يقع به الأمن إذ ليس من شأن القلب ما لم يكن مطبوعا عليه أن يطمئن إلى الباطل وإنما ذلك كقوله { من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم } وهذا كما يقال إيمانه الكفر وتحيته الضرب ونحو ذلك وجعل النبي عليه الصلاة والسلام أصل الإيمان ستة أشياء في خبر جبريل حيث سأله فقال ما الإيمان والخبر معروف ويقال رجل أمنة وأمنة يثق بكل أحد وأمين وأمان يؤمن به والأمون الناقة يؤمن فتورها وعثورها
آمين : يقال بالمد والقصر وهو اسم للفعل نحو صه ومه قال الحسن معناه استجب وأمن فلان إذا قال آمين وقيل آمين اسم من أسماء
____________________
(1/26)
الله تعالى ، قال أبو على الفسوي : أراد هذا القائل أن في آمين ضميرا لله تعالى لأن معناه استجب وقوله تعالى : { أم من هو قانت آناء الليل } تقديره أم من ، وقرئ أمن وليسا من هذا الباب .
إن وأن : ينصبان الاسم ويرفعان الخبر والفرق بينهما أن إن يكون ما بعده جملة مستقلة وأن يكون ما بعده في حكم مفرد يقع موقع مرفوع ومنصوب ومجرور ونحو أعجبني أنك تخرج وعلمت أنك تخرج وتعجبت من أنك تخرج ، وإذا أدخل عليه ما يبطل عمله ويقتضي إثبات الحكم للمذكور وصرفه عما عداه نحو : { إنما المشركون نجس } تنبيها على أن النجاسة التامة هي حاصلة للمختص بالشرك ، وقوله عز وجل : { إنما حرم عليكم الميتة والدم } أي ما حرم إلا ذلك تنبيها على أن أعظم المحرمات من المطعومات في أصل الشرع هو هذه المذكورات .
وأن : على أربعة أوجه الداخلة على المعدومين من الفعل الماضي أو المستقبل ويكون ما بعده في تقدير مصدر وينصب المستقبل نحو أعجبني أن تخرج وأن خرجت . والمخففة من الثقيلة نحو أعجبني أن زيدا منطلق . والمؤكدة للما نحو : { فلما أن جاء البشير } والمفسرة لما يكون بمعنى القول نحو { وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا } أي قالوا امشوا .
كذلك إن على أربعة أوجه : للشرط نحو : { إن تعذبهم فإنهم عبادك } والمخففة من الثقيلة ويلزمها اللام نحو : { إن كاد ليضلنا } والنافية . وأكثر ما يجيء يتعقبه إلا نحو : { إن نظن إلا ظنا } - { إن هذا إلا قول البشر } - { إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء } والمؤكدة للنافية نحو ما إن يخرج زيد .
أنث : الأنثى خلاف الذكر ويقالان في الأصل اعتبارا بالفرجين ، قال عز وجل : { ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى } ولما كان الأنثى في جميع الحيوان تضعف عن الذكر اعتبر فيها الضعف فقيل لما يضعف عمله أنثى ومنه قيل حديد أنيث قال الشاعر :
( وعندي جراز لا أفل ولا أنث ** )
وقيل أرض أنيث سهل اعتبارا بالسهولة التي في الأنثى أو يقال ذلك اعتبارا بجودة إنباتها تشبيها بالأنثى ، ولذا قال أرض حرة وولودة ، ولما شبه في حكم اللفظ بعض الأشياء بالذكر فذكر أحكامه وبعضها بالأنثى فأنث أحكامها نحو اليد والأذن والخصية سميت الخصية لتأنيث لفظ الأنثيين ، وكذلك الأذن ، قال الشاعر :
( وما ذكر وإن يسمن فأنثى ** )
يعني القراد فإنه يقال له إذا كبر حلمة فيؤنث ، وقوله تعالى : { إن يدعون من دونه إلا إناثا } فمن المفسرين من اعتبر حكم اللفظ فقال : لما كانت أسماء معبوداتهم مؤنثة
____________________
(1/27)
نحو { اللات والعزى ومناة الثالثة } قال ذلك . ومنهم وهو أصح من اعتبر حكم المعني وقال المنفعل يقال له أنيث ومنه قيل للحديد اللين أنيث فقال : ولما كانت الموجودات بإضافة بعضها إلى بعض ثلاثة أضرب : فاعلا غير منفعل وذلك هو الباري عز وجل فقط ، ومنفعلا غير فاعل وذلك هو الجمادات ، ومنفعلا من وجه كالملائكة والإنس والجن وهم بالإضافة إلى الله تعالى منفعلة وبالإضافة إلى مصنوعاتهم فاعلة . ولما كانت معبوداتهم من جملة الجمادات التي هي منفعلة غير فاعلة سماها الله تعالى أنثى وبكتهم بها ونبههم على جهلهم في اعتقاداتهم فيها أنها آلهة مع أنها لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر بل لا تفعل فعلا بوجه . وعلى هذا قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام : { يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا } وأما قوله عز وجل { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا } فلزعم الذين قالوا إن الملائكة بنات الله .
إنس : الإنس خلاف الجن ، والإنس خلاف النفور ، والإنسي منسوب إلى الإنس ، يقال ذلك لمن كثر أنسه ولكل ما يؤنس به ولهذا قيل إنسي الدابة للجانب الذي يلي الراكب وإنسي القوس للجانب الذي يقبل على الرامي . والإنسي من كل شيء ما يلي الإنسان والوحشي ما يلي الجانب الآخر له ، وجمع الإنس أناسي قال الله تعالى { وأناسي كثيرا } وقيل ابن إنسك للنفس ، وقوله عز وجل : { فإن آنستم منهم رشدا } أي أبصرتم أنسا به ، وآنست نارا . وقوله { حتى تستأنسوا } أي تجدوا إيناسا . والإنسان قيل سمي بذلك لأنه خلق خلقة لا قوام له إلا بإنس بعضهم ببعض ولهذا قيل الإنسان مدني بالطبع من حيث لا قوام لبعضهم إلا ببعض ولا يمكنه أن يقوم بجميع أسبابه ، وقيل سمي بذلك لأنه يأنس بكل ما يألفه ، وقيل هو إفعلان وأصله إنسيان سمي بذلك لأنه عهد إليه فنسي
أنف : أصل الأنف الجارحة ثم يسمى به طرف الشيء وأشرفه فيقال أنف الجبل وانف اللحية ونسب الحمية والغضب والعزة والذلة إلى الأنف حتى قال الشاعر :
( إذا غضبت تلك الأنوف لم أرضها ** ولم أطلب العتبى ولكن أزيدها )
وقيل شمخ فلان بأنفه للمتكبر ، وترب أنفه للذليل ، وأنف فلان من كذا بمعنى استنكف وأنفته أصبت أنفه ، وحتى قيل الأنفة الحمية واستأنفت الشيء أخذت أنفه أي مبدأه . ومنه قوله عز وجل : { ماذا قال آنفا } أي مبتدأ .
أنمل : قال الله تعالى : { عضوا عليكم الأنامل من الغيظ } الأنامل جمع الأنملة وهي المفصل الأعلى من الأصابع التي فيها الظفر ، وفلان
____________________
(1/28)
مؤنمل الأصابع أي غليظ أطرافها في قصر والهمزة فيها زائدة بدليل قولهم هو نمل الأصابع وذكر ههنا للفظه .
أنى : للبحث عن الحال والمكان ولذلك قيل هو بمعنى أين وكيف لتضمنه معناهما قال الله عز وجل : { أنى لك هذا } أي من أين وكيف .
وأنا : ضمير المخبر عن نفسه وتحذف ألفه في الوصل في لغة وتثبت في لغة ، وقوله عز وجل { لكن هو الله ربي } فقد قيل تقديره لكن أنا هو الله ربي فحذف الهمزة من أوله وأدغم النون في النون وقرئ لكن هو الله ربي ، فحذف الألف أيضا من آخره . ويقال أنية الشيء وأنيته كما يقال ذاته وذلك إشارة إلى وجود الشيء وهو لفظ محدث ليس من كلام العرب ، وآناء الليل ساعاته الواحد إنى وأنى وأنا ، قال عز وجل { يتلون آيات الله آناء الليل } وقال تعالى : { ومن آناء الليل فسبح } وقوله تعالى : { غير ناظرين إناه } أي وقته والإنا إذا كسر أوله قصر وإذا فتح مد نحو قول الحطيئة .
( وآنيت العشاء إلى سهيل ** أو الشعرى فطال بي الإناء )
أنى : وآن الشيء قرب إناه و { حميم آن } بلغ إناه في شدة الحر ومنه قوله تعالى : { من عين آنية } وقوله تعالى : { ألم يأن للذين آمنوا } أي ألم يقرب إناه ويقال آنيت الشيء إيناء أي أخرته عن أوانه وتأنيت تأخرت والأناة التؤدة وتأنى فلان تأنيا وأنى يأني فهو آن أي وقور واستأنيته انتظرت أوانه ويجوز في معنى استبطأته واستأنيت الطعام كذلك . والإناء ما يوضع فيه الشيء وجمعه آنية نحو كساء وأكسية ، والأواني جمع الجمع .
أهل : أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أو دين أو ما يجري مجراهما من صناعة وبيت وبلد ، فأهل الرجل في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد ثم تجوز به فقيل أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب ، وتعورف في أسرة النبي عليه الصلاة والسلام مطلقا إذا قيل أهل البيت لقوله عز وجل : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } وعبر بأهل الرجل عن امرأته . وأهل الإسلام الذين يجمعهم ولما كانت الشريعة حكمت برفع حكم النسب في كثير من الأحكام بين المسلم والكافر قال تعالى : { إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح } وقال تعالى : { وأهلك إلا من سبق عليه القول } وقيل أهل الرجل يأهل أهولا ، وقيل مكان مأهول فيه أهله ، وأهل به إذا صار ذا ناس وأهل ، وكل دابة ألف مكانا يقال أهل وأهلي . وتأهل إذا تزوج ومنه قيل أهلك الله في الجنة أي زوجك فيها وجعل لك فيها أهلا يجمعك وإياهم . ويقال فلان أهل لكذا
____________________
(1/29)
أي خليق به . ومرحبا وأهلا في التحية للنازل بالإنسان ، أي وجدت سعة مكان عندنا ومن هو أهل بيت لك في الشفقة . وجمع الأهل أهلون وأهال وأهلات .
أوب : الأوب ضرب من الرجوع وذلك أن الأوب لا يقال إلا في الحيوان الذي له إرادة والرجوع يقال فيه وفي غيره ، يقال آب أوبا وإيابا ومآبا . قال الله تعالى : { إن إلينا إيابهم } وقال : { فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا } والمآب مصدر منه واسم الزمان والمكان قال الله تعالى : { والله عنده حسن المآب } والأواب كالتواب وهو الراجع إلى الله تعالى بترك المعاصي وفعل الطاعات قال تعالى : { أواب حفيظ } وقال : { إنه أواب } ومنه قيل للتوبة أوبة والتأويب يقال في سير النهار وقيل :
( آبت يد الرامي إلى السهم ** )
وذلك فعل الرامي في الحقيقة وإن كان منسوبا إلى اليد ولا ينقض ما قدمناه من أن ذلك رجوع بإرادة واختيار ، وكذا ناقة أووب سريعة رجع اليدين .
أيد : قال الله عز وجل { أيدتك بروح القدس } فعلت من الأيد أي القوة الشديدة ، وقال تعالى : { والله يؤيد بنصره من يشاء } أي يكثر تأييده ويقال إدته أئيده أيدا نحو : بعته أبيعه بيعا وأيدته على التكثير ، قال عز وجل { والسماء بنيناها بأيد } ويقال له آد ومنه قيل بالأمر العظيم مؤيد . وإياد الشيء ما يقيه وقرئ أيدتك وهو أفعلت من ذلك قال الزجاج رحمه الله : يجوز أن يكون فاعلت نحو عاونت ، وقوله عز وجل { ولا يؤوده حفظهما } أي لا يثقله وأصله من الأود آد يئود أودا وإيادا إذا أثقله نحو قال يقول قولا ، وفي الحكاية عن نفسك أدت مثل قلت ، فتحقيق آده عوجه من ثقله في ممره .
أيك : الأيك شجر ملتف ، وأصحاب الأيكة قيل نسبوا إلى غيضة كانوا يسكنونها ، وقيل هي اسم بلد .
آل : الآل مقلوب عن الأهل ويصغر على أهيل إلا أنه خص بالإضافة إلى أعلام الناطقين دون النكرات ودون الأزمنة والأمكنة ، يقال آل فلان ولا يقال آل رجل ولا آل زمان كذا أو موضع كذا ولا يقال آل الخياط بل يضاف إلى الأشرف الأفضل يقال آل الله ، وآل السلطان . والأهل يضاف إلى الكل ، يقال أهل الله وأهل الخياط كما يقال أهل زمن كذا وبلد كذا . وقيل هو في الأصل اسم الشخص ويصغر أويلا ويستعمل فيمن يختص بالإنسان اختصاصا ذاتيا إما بقرابة قريبة أو بموالاة ، قال عز وجل { وآل إبراهيم وآل عمران } وقال : { أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } قيل وآل النبي عليه الصلاة والسلام أقاربه ، وقيل المختصون به من حيث العلم وذلك أن
____________________
(1/30)
أهل الدين ضربان . ضرب متخصص بالعلم المتقن والعمل المحكم فيقال لهم آل النبي وأمته وضرب يختصون بالعلم على سبيل التقليد ويقال لهم أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، ولا يقال لهم آله ، فكل آل للنبي أمة له وليس كل أمة له آله . وقيل لجعفر الصادق رضي الله عنه : الناس يقولون المسلمون كلهم آل النبي عليه الصلاة والسلام ، فقال : كذبوا وصدقوا ، فقيل له ما معنى ذلك فقال : كذبوا في أن الأمة كافتهم آله وصدقوا في أنهم إذا قاموا بشرائط شريعته آله . وقوله تعالى : { رجل مؤمن من آل فرعون } أي من المختصين به وبشريعته وجعله منهم من حيث النسب أو المسكن ، لا من حيث تقدير القوم أنه على شريعتهم وقيل في جبرائيل وميكائيل إن إبل اسم الله تعالى وهذا لا يصح بحسب كلام العرب ، لأنه كان يقتضي أن يضاف إليه فيجر إيل فيقال جبرإيل . وآل الشيء شخصه المتردد قال الشاعر :
( ولم يبق إلا آل خيم منضد ** )
والآل أيضا الحال التي يئول إليها أمره ، قال الشاعر :
( سأحمل نفسي على آلة ** فإما عليها وإما لها )
وقيل لما يبدو من السراب آل ، وذلك لشخص يبدو من حيث المنظر وإن كان كاذبا ، أو لتردد هواء وتموج فيكون من آل يئول ، وآل اللبن يئول ذا خثر كأنه رجوع إلى نقصان كقولهم في الشيء الناقص راجع .
أول : التأويل من الأول أي الرجوع إلى الأصل ومنه الموئل للموضع الذي يرجع إليه وذلك هو رد الشيء إلى الغاية المرادة منه علما كان أو فعلا ، ففي العلم نحو : { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } وفي الفعل كقول الشاعر :
( وللنوى قبل يوم البين تأويل ** )
وقوله تعالى : { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله } أي بيانه الذي هو غايته المقصودة منه . وقوله تعالى : { ذلك خير وأحسن تأويلا } قيل أحسن معنى وترجمة ، وقيل أحسن ثوابا في الآخرة . والأول : السياسة التي تراعي مآلها ، يقال أول لنا وأيل علينا . وأول ، قال الخليل تأسيسه من همزة وواو ولام فيكون فعل ، وقد قيل من واوين ولام فيكون أفعل والأول أفصح لقلة وجود ما فاؤه وعينه حرف واحد كددن ، فعلى الأول يكون من آل يئول وأصله آول فأدغمت المدة لكثرة الكلمة وهو في الأصل صفة لقولهم في مؤنثه أولى نحو أخرى . فالأول هو الذي يترتب عليه غيره ويستعمل على أوجه : أحدها : المتقدم بالزمان كقولك عبد الملك أولا ثم منصور .
الثاني : المتقدم بالرياسة في الشيء وكون غيره محتذيا به نحو الأمير أولا ثم الوزير .
الثالث : المتقدم بالوضع والنسبة كقولك للخارج من العراق .
____________________
(1/31)
القادسية أولا ثم فيد ، وتقول للخارج من مكة : فيد أولا ثم القادسية .
الرابع : المتقدم بالنظام الصناعي نحو أن يقال الأساس أولا ثم البناء . وإذا قيل في صفة الله هو الأول فمعناه أنه الذي لم يسبقه في الوجود شيء وإلى هذا يرجع قول من قال : هو الذي لا يحتاج إلى غيره ، ومن قال هو المستغني بنفسه ، وقوله تعالى : { وأنا أول المسلمين } - { وأنا أول المؤمنين } فمعناه أنا المقتدى بي في الإسلام والإيمان ، وقال تعالى : { ولا تكونوا أول كافر به } أي لا تكونوا ممن يقتدى بكم في الكفر . ويستعمل أول ظرفا فيبنى على الضم نحو : جئتك أول ويقال بمعنى قديم نحو جئتك أولا وآخرا أي قديما وحديثا ، وقوله تعالى : { أولى لك فأولى } كلمة تهديد وتخويف يخاطب به من أشرف على هلاك فيحث به على التحرز ، أو يخاطب به من نجا ذليلا منه فينهى عن مثله ثانيا . وأكثر ما يستعمل مكررا وكأنه حث على تأمل ما يئول إليه أمره ليتنبه للتحرز منه .
أيم : الأيامى جمع الأيم وهي المرأة التي لا بعل لها ، وقد قيل للرجل الذي لا زوج له ، وذلك على طريق التشبيه بالمرة فيمن لا غناء عنه لا على التحقيق ، والمصدر الأيمة ، وقد آم الرجل وآمت المرأة وتأيم وتأيمت وامرأة أيمة ورجل أيم والحرب مأيمة أي يفرق بين الزوج والزوجة ، والأيم الحية .
أين : لفظ يبحث به عن المكان ، كما أن متى يبحث به عن الزمان ، والآن كل زمان مقدر بين زمانين ماض ومستقبل نحو : أنا الآن أفعل كذا ، وخص الآن بالألف واللام المعرف بهما ولزماه ، وافعل كذا آونة أي وقتا بعد وقت وهو من قولهم الآن ، وقولهم هذا أوان ذلك أي زمانه المختص به وبفعله ، قال سيبويه رحمه الله تعالى : يقال الآن آنك أي هذا الوقت وقتك ، وآن يئون ، قال أبو العباس رحمه الله : ليس من الأول وإنما هو فعل على حدته . والأين الإعياء يقال آن يئين أينا ، وكذلك أنى يأنى أنيا إذا حان . وأما { ناظرين إناه } فقد قيل هو مقلوب من أنى وقد تقدم ، قال أبو العباس : قال قوم آن يئين أينا ، الهمزة مقلوبة فيه عن الحاء وأصله حان يحين حينا ، قال وأصل الكلمة من الحين .
أوه : الأواه الذي يكثر التأوه وهو أن يقول أوه ، وكل كلام يدل على حزن يقال له التأوه ، ويعبر بالأواه عمن يظهر خشبة الله تعالى ، وقيل في قوله تعالى : { أواه منيب } أي المؤمن الداعي وأصله راجع إلى ما تقدم ، قال أبو العباس رحمه الله : يقال إيها إذا كففته ، وويها إذا أغريته ، وواها إذا تعجبت منه .
أي : أي في الاستخبار موضوع للبحث عن بعض الجنس والنوع وعن تعيينه ويستعمل ذلك في الخبر والجزاء نحو : { أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى }
____________________
(1/32)
و { أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي } ) والآية هي العلامة الظاهرة وحقيقته لكل شيء ظاهر هو ملازم لشيء لا يظهر ظهوره . فمتى أدرك مدرك الظاهر منهما علم أنه أدرك الآخر الذي لم يدركه بذاته إذ كان حكمهما سواء ، وذلك ظاهر في المحسوسات والمعقولات فمن علم ملازمة العلم للطريق المنهج ثم وجد العلم علم أنه وجد الطريق وكذا إذا علم شيئا مصنوعا علم أنه لا بد له من صانع . واشتقاق الآية إما من أي فإنها هي التي تبين أيا من أي . والصحيح أنها مشتقة من التأيي الذي هو التثبت والإقامة على الشيء . يقال تأي أي ارفق . أو من قولهم أوي إليه . وقيل للبناء العالي آية نحو أتبنون بكل ريع آية تعبثون . ولكل جملة من القرآن دالة على حكم آية سورة كانت أو فصولا أو فصلا من سورة وقد يقال لكل كلام منه منفصل بفصل لفظي آية . وعلى هذا اعتبار آيات السور التي تعد بها السورة . وقوله تعالى : { إن في ذلك لآية للمؤمنين } فهي من الآيات المعقولة التي تتفاوت بها المعرفة بحسب تفاوت منازل الناس في العلم . وكذلك قوله : { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون } وكذا قوله تعالى : { وكأين من آية في السماوات والأرض } وذكر في مواضع آية وفي مواضع آيات وذلك لمعنى مخصوص ليس هذا الكتاب موضع ذكره وإنما قال : { وجعلنا ابن مريم وأمه آية } ولم يقل آيتين لأن كل واحد صار آية بالآخر . وقوله عز وجل : { وما نرسل بالآيات إلا تخويفا } فالآيات ههنا قيل إشارة إلى الجراد والقمل والضفادع ونحوها من الآيات التي أرسلت إلى الأمم المتقدمة فنبه أن ذلك إنما يفعل بمن يفعله تخويفا وذلك أخس المنازل للمأمورين ، فإن الإنسان يتحرى فعل الخير لأحد ثلاثة أشياء : إما أن يتحراه لرغبة أو رهبة وهو أدنى منزلة ، وإما أن يتحراه لطلب محمدة وإما أن يتحراه للفضيلة وهو أن يكون ذلك الشيء في نفسه فاضلا وذلك أشرف المنازل . فلما كانت هذه الأمة خير أمة كما قال { كنتم خير أمة أخرجت للناس } رفعهم عن هذه المنزلة ونبه أنه لا يعمهم بالعذاب وإن كانت الجهلة منهم كانوا يقولون : { فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } وقيل الآيات إشارة إلى الأدلة ونبه أنه يقتصر معهم على الأدلة ويصانون عن العذاب الذي يستعجلون به في قوله عز وجل { يستعجلونك بالعذاب } وفي بناء آية ثلاثة أقوال ، قيل هي فعلة وحق مثلها أن يكون لامه معتلا دون عينه نحو حياة ونواة لكن صحح لامه لوقوع الياء قبلها نحو راية . وقيل هي فعلة إلا أنها قلبت كراهة التضعيف كطائي في طييء . وقيل هي فاعلة وأصلها آيية فخففت فصار آية
____________________
(1/33)
وذلك ضعيف لقولهم في تصغيرها أيية ولو كانت فاعلة لقيل أوية .
وأيان : عبارة عن وقت الشيء ويقارب معنى متى ، قال تعالى { أيان مرساها } . { وما يشعرون أيان يبعثون } . { أيان يوم الدين } من قولهم أي ، وقيل أصله أي أوان أي أي وقت فحذف الألف ثم جعل الواو ياء فأدغم فصار أيان . وإيا لفظ موضوع ليتوصل به إلى ضمير المنصوب إذا انقطع عما يتصل به وذلك يستعمل إذا تقدم الضمير نحو { إياك نعبد } أو فصل بينهما بمعطوف عليه أو بإلا نحو : { نرزقهم وإياكم } ونحو { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } وأي كلمة موضوعة لتحقيق كلام متقدم نحو : إي وربي إنه لحق وأي ، وآ وأيا من حروف النداء ، تقول : أي زيد ، وأيا زيد ، وآزيد . وأي كلمة ينبه بها أن ما يذكر بعدها شرح وتفسير لما قبلها .
أوى : المأوى مصدر أوى يأوى أويا ومأوى ، تقول أوى إلى كذا انضم إليه يأوي أويا ومأوى ، وآواه غيره يؤويه إيواء . قال عز وجل { إذ أوى الفتية إلى الكهف } وقال تعالى { سآوي إلى جبل } وقال تعالى { آوى إليه أخاه } وقال : { وتؤوي إليك من تشاء } . { وفصيلته التي تؤويه } وقوله تعالى : { جنة المأوى } كقوله : { دار الخلد } في كون الدار مضافة إلى المصدر ، وقوله تعالى : { مأواهم جهنم } اسم للمكان الذي يأوي إليه . وأويت له رحمته أويا وإية ومأوية ومأواة ، وتحقيقه رجعت إليه بقلبي { آوى إليه أخاه } أي ضمه إلى نفسه ، يقال آواه وأواه . والماوية في قول حاتم طيء .
( أماوي إن المال غاد ورائح ** )
المرأة فقد قيل هي من هذا الباب فكأنها سميت بذلك لكونها مأوي الصورة ، وقيل هي منسوبة للماء وأصلها مائية فجعلت الهمزة واوا . والألفات التي تدخل لمعنى على ثلاثة أنواع نوع في صدر الكلام . ونوع في وسطه . ونوع في آخره . فالذي في صدر الكلام أضرب :
الأول : ألف الاستخبار وتفسيره بالاستخبار أولى من تفسيره بالاستفهام إذ كان ذلك يعمه وغيره نحو الإنكار والتبكيت والنفي والتسوية . فالاستفهام نحو قوله تعالى : { أتجعل فيها من يفسد فيها } والتبكيت إما للمخاطب أو لغيره نحو : { أذهبتم طيباتكم } - { أتخذتم عند الله عهدا } - { آلآن وقد عصيت قبل } - { أفإن مات أو قتل } - { أفإن مت فهم الخالدون } - { أكان للناس عجبا } - { آلذكرين حرم أم الأنثيين } والتسوية نحو ( سواء علينا أجزعنا أم صبرنا - سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) وهذه الألف متى دخلت على الإثبات تجعله نفيا نحو
____________________
(1/34)
أخرج هذا اللفظ ينفى الخروج فلهذا سأل عن إثباته نحو ما تقدم . وإذا دخلت على نفي تجعله إثباتا لأنه يصير معها نفيا يحصل منهما إثبات نحو : { ألست بربكم } - { أليس الله بأحكم الحاكمين } - { أو لم يروا أنا نأتي الأرض } - { أو لم تأتهم بينة } - { أو لا يرون } - { أولم نعمركم } .
الثاني : ألف المخبر عن نفسه نحو : أسمع وأبصر .
الثالث : ألف الأمر قطعا كان أو وصلا نحو { أنزل علينا مائدة من السماء } - { ابن لي عندك بيتا في الجنة } ونحوهما .
الرابع : الألف مع لام التعريف نحو العالمين .
الخامس : ألف النداء نحو أزيد أي يا زيد . والنوع الذي في الوسط : الألف التي للتثنية والألف في بعض الجموع في نحو مسلمات ونحو مساكين . والنوع الذي في آخره ألف التأنيث في حبلى وفي بيضاء . وألف الضمير في التثنية نحو : اذهبا . والذي في أواخر الآيات الجارية مجرى أواخر الأبيات نحو ( وتظنون بالله الظنونا - وأضلونا السبيلا ) لكن هذه الألف لا تثبت معنى وإنما ذلك لإصلاح اللفظ .
____________________
(1/35)
= كتاب الباء =
بتك : البتك يقارب البت لكن البتك يستعمل في قطع الأعضاء والشعر ، يقال بتك شعره وأذنه ، قال الله تعالى { فليبتكن آذان الأنعام } ومنه سيف باتك : قاطع للأعضاء ، وبتكت الشعر تناولت قطعة منه ، والبتكة القطعة المنجذبة جمعها بتك ، قال الشاعر :
( طارت وفي يدها من رشها بتك ** )
وأما البت فيقال في قطع الحبل والوصل ، ويقال طلقت المرأة بتة وبتلة ، وبتت الحكم بينهما وروى : لا صيام لمن لم يبت الصوم من الليل . والبشك مثله يقال في قطع الثوب ويستعمل في الناقة السريعة ، ناقة بشكى وذلك لتشبيه يدها في السرعة بيد الناسجة في نحو قول الشاعر :
( فعل السريعة بادرت حدادها ** قبل المساء تهم بالإسراع )
بتر : البتر يقارب ما تقدم لكن يستعمل في قطع الذنب ثم أجري قطع العقب مجراه فقيل فلان أبتر إذا لم يكن له عقب يخلفه ، ورجل أبتر وأباتر انقطع ذكره عن الخير ، ورجل أباتر يقطع رحمه ، وقيل على طريق التشبيه خطبة بتراء لما لم يذكر فيها اسم الله تعالى ، وذلك لقوله عليه السلام : كل أمر لا يبدأ فيه بذكر الله فهو أبتر وقوله تعالى : { إن شانئك هو الأبتر } أي المقطوع الذكر ، وذلك انهم زعموا أن محمدا صلى الله عليه وسلم ينقطع ذكره إذا انقطع عمره لفقدان نسله ، فنبه تعالى أن الذي ينقطع ذكره هو الذي يشنؤه ، فأما هو فكما وصفه الله تعالى بقوله : { ورفعنا لك ذكرك } وذلك لجعله أبا للمؤمنين وتقييض من يراعيه ويراعي دينه الحق ، وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين رضي الله عنه بقوله : العلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وآثارهم في القلوب موجودة هذا في العلماء الذين هم تباع النبي عليه الصلاة والسلام ، فكيف هو وقد رفع الله عز وجل ذكره وجعله خاتم الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام
بتل : قال تعالى : { وتبتل إليه تبتيلا } أي انقطع في العبادة وإخلاص النية انقطاعا يختص به ، وإلى هذا المعنى أشار بقوله عز وجل : { قل الله ثم ذرهم } وليس هذا منافيا لقوله
____________________
(1/36)
عليه الصلاة والسلام : لا رهبانية ولا تبتل في الإسلام فإن التبتل ههنا هو الانقطاع وعن النكاح ، ومنه قيل لمريم العذراء البتول ، أي المنقطعة عن الرجال ، والانقطاع عن النكاح والرغبة عنه محظور لقوله عز وجل : { وأنكحوا الأيامى منكم } وقوله عليه الصلاة والسلام : تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة ونخلة مبتل إذا انفرد عنها صغيرة معها .
بت : أصل البث التفريق وإثارة الشيء كبث الريح التراب ، وبث النفس ما انطوت عليه من الغم والسر ، يقال بثثته فانبث ، ومنه قوله عز وجل : { فكانت هباء منبثا } وقوله عز وجل : { وبث فيها من كل دابة } إشارة إلى إيجاده تعالى ما لم يكن موجودا وإظهاره إياه . وقوله عز وجل : { كالفراش المبثوث } أي المهيج بعد سكونه وخفائه ، وقوله عز وجل : { إنما أشكو بثي وحزني } أي غمي الذي يبثه عن كتمان فهو مصدر في تقدير مفعول أو بمعنى غمي الذي بث فكري نحو : توزعني الفكر ، فيكون في معنى الفاعل .
بجس يقال بجس الماء وانبجس انفجر ، لكن الانبجاس أكثر ما يقال فيما يخرج من شيء ضيق ، والانفجار يستعمل فيه وفيما يخرج من شيء واسع ، ولذلك قال عز وجل : { فانبجست منه اثنتا عشرة عينا } وقال في موضع آخر : { فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا } فاستعمل حيث ضاق المخرج اللفظان ، قال تعالى : { وفجرنا خلالهما نهرا } وقال : { وفجرنا الأرض عيونا } ولم يقل بجسنا .
بحث : البحث الكشف والطلب ، يقال بحثت عن الأمر وبحثت كذا ، قال الله تعالى : { فبعث الله غرابا يبحث في الأرض } وقيل : بحثت الناقة الأرض برجلها في السير إذا شددت الوطء تشبيها بذلك .
بحر : أصل البحر كل مكان واسع جامع للماء الكثير ، هذا هو الأصل ، ثم اعتبر تارة سعته المعاينة ، فيقال بحرت كذا أوسعته سعة البحر تشبيها به ، ومنه بحرت البعير شققت أذنه شقا واسعا ، ومنه سميت البحيرة . قال تعالى : { ما جعل الله من بحيرة } وذلك ما كانوا يجعلونه بالناقة إذا ولدت عشرة أبطن شقوا أذنها فيسيبوها فلا تركب ولا يحمل عليها . وسموا كل متوسع في شيء بحرا حتى قالوا فرس بحر باعتبار سعة جريه . وقال عليه الصلاة والسلام في فرس ركبه : وجدته بحرا ، وللمتوسع في علمه بحر ، وقد تبحر أي توسع في كذا ، والتبحر في العلم التوسع ، واعتبر من البحر تارة ملوحته ، فقيل ماء بحراني أي ملح وقد أبحر الماء ، قال الشاعر :
( وقد عاد ماء الأرض بحرا فزادني ** إلى مرضي أن أبحر المشرب العذب )
____________________
(1/37)
وقال بعضهم : البحر يقال في الأصل للماء الملح دون العذب ، وقوله تعالى : { البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج } إنما سمي العذب بحرا لكونه مع الملح كما يقال للشمس والقمر قمران ، وقيل للسحاب الذي كثر ماؤه بنات بحر ، وقوله تعالى : { ظهر الفساد في البر والبحر } قيل أراد في البوادي والأرياف لا فيما بين الماء وقولهم : لقيته صحرة بحرة أي ظاهرا حيث لا بناء يستره .
بخل : البخل إمساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه ويقابله الجود ، يقال بخل فهو باخل ، وأما البخيل فالذي يكثر منه البخل كالرحيم من الراحم . والبخل ضربان : بخل بقنيات نفسه ، وبخل بقنيات غيره ، وهو أكثرهما ذما ، دليلنا على ذلك قوله تعالى : { الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل } .
بخس : البخس نقص الشي على سبيل الظلم ، قال تعالى : { وهم فيها لا يبخسون } وقال تعالى : { ولا تبخسوا الناس أشياءهم } والبخس والباخس الشيء الطفيف الناقص ، وقوله تعالى : { وشروه بثمن بخس } قيل معناه باخس أي ناقص ، وقيل مبخوس أي منقوص ويقال تباخسوا أي تناقصوا وتغابنوا فبخس بعضهم بعضا . بخع : البخع قتل النفس غما ، قال تعالى : { فلعلك باخع نفسك } حث على ترك التأسف نحو : { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } قال الشاعر :
( ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه ** )
وبخع فلان بالطاعة وبما عليه من الحق إذا أقر به وأذعن مع كراهة شديدة تجري مجرى بخع نفسه في شدته .
بدر : قال تعالى : { ولا تأكلوها إسرافا وبدارا } أي مسارعة ، يقال بدرت إليه وبادرت ويعبر عن الخطإ الذي يقع عن حدة بادرة ، يقال كانت من فلان بوادر في هذا الأمر . والبدر قيل سمي بذلك لمبادرته الشمس بالطلوع ، وقيل لامتلائه تشيبها بالبدرة فعلى ما قيل يكون مصدرا في معنى الفاعل والأقرب عندي أن يجعل البدر أصلا في الباب ثم تعتبر معانيه التي تظهر منه ، فيقال تارة بدر كذا أي طلع طلوع البدر ، ويعتبر امتلاؤه تارة فشبه البدرة به ، والبيدر المكان المرشح لجمع الغلة فيه وملئه منه لامتلائه من الطعام قال تعالى : { ولقد نصركم الله ببدر } وهو موضع مخصوص بين مكة والمدينة .
بدع : الإبداع إنشاء صنعة بلا احتذاء واقتداء ومنه قيل ركية بديع أي جديدة الحفر ، وإذا استعمل في الله تعالى فهو إيجاد الشيء بغير آلة ولا مادة ولا زمان ولا مكان وليس ذلك إلا لله ، والبديع يقال للمبدع نحو قوله : { بديع السماوات والأرض } ويقال للمبدع
____________________
(1/38)
نحو ركية بديع ، وكذلك البدع يقال لهما جميعا بمعنى الفاعل والمفعول وقوله تعالى : { قل ما كنت بدعا من الرسل } قيل معناه ، مبدعا لم يتقدمني رسول ، وقيل مبدعا فيما أقوله . والبدعة في المذهب إيراد قول لم يستن قائلها وفاعلها فيه بصاحب الشريعة وأماثلها المتقدمة وأصولها المتقنة . وروي كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار والإبداع بالرجل الانقطاع به لما ظهر من كلال راحلته وهزالها .
بدل : الإبدال والتبديل والتبدل والاستبدال جعل شيء مكان آخر وهو أعم من العوض فإن العوض هو أن يصير لك الثاني بإعطاء الأول . والتبديل قد يقال للتغيير مطلقا وإن لم يأت ببدله ، قال تعالى : { فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم } - { وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا } وقال تعالى : { فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } قيل هو أن يعملوا أعمالا صالحة تبطل ما قدموه من الإساءة ، وقيل هو أن يعفو تعالى عن سيئاتهم ويحتسب بحسناتهم . وقال تعالى : { فمن بدله بعد ما سمعه } - { وإذا بدلنا آية مكان آية } - { وبدلناهم بجنتيهم جنتين } - { ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة } - { يوم تبدل الأرض غير الأرض } أي تغير عن حالها { أن يبدل دينكم } - { ومن يتبدل الكفر بالإيمان } - { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم } وقوله : { ما يبدل القول لدي } أي لا يغير ما سبق في اللوح المحفوظ تنبيها على أن ما علمه أن سيكون يكون على ما قد علمه لا يتغير عن حاله . وقيل لا يقع في قوله خلف ، وعلى الوجهين قوله : { لا تبديل لكلمات الله } - { لا تبديل لخلق الله } قيل معناه أمر وهو نهي عن الخصاء . والأبدال قوم صالحون يجعلهم الله مكان آخرين مثلهم ماضين وحقيقته هم الذين بدلوا أحوالهم الذميمة بأحوالهم الحميدة وهم المشار إليهم بقوله تعالى : { فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } والبادلة ما بين العنق إلى لترقوة والجمع البآدل ، قال الشاعر :
( ولا رهل لباته وبآدله ** )
بدن : البدن الجسد لكن البدن يقال اعتبارا بعظم الجثة ، والجسد يقال اعتبارا باللون ومنه قيل ثوب مجسد ، ومنه قيل امرأة بادن وبدين عظيمة البدن ، وسميت البدنة بذلك لسمنها ، يقال بدن إذا سمن ، وبدن كذلك . وقيل بل بدن إذا أسن ، وأنشد :
( وكنت خلت الشيب والتبدين )
وعلى ذلك ما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام لا تبادروني بالركوع والسجود فإني قد بدنت أي كبرت وأسننت ، وقوله : { فاليوم ننجيك ببدنك } أي بجسدك وقيل يعني بدرعك فقد يسمى الدرع بدنة لكونها على البدن كما يسمى موضع اليد من القميص يدا ، وموضع الظهر والبطن ظهرا وبطنا ، وقوله تعالى : { والبدن جعلناها لكم من شعائر الله }
____________________
(1/39)
) هو جمع البدنة التي تهدى .
بدا : بدا الشيء بدوا وبداء أي ظهر ظهورا بينا ، قال الله تعالى : { وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون } - { وبدا لهم سيئات ما كسبوا } - { فبدت لهما سوآتهما } والبدو خلاف الحضر قال تعالى : { وجاء بكم من البدو } أي البادية وهي كل مكان يبدو ما يعن فيه أي يعرض ، ويقال للمقيم بالبادية باد كقوله : { سواء العاكف فيه والباد } - { لو أنهم بادون في الأعراب } .
بدأ : يقال بدأت بكذا وأبدأت وابتدأت أي قدمت ، والبدء والإبداء تقديم الشيء على غيره ضربا من التقديم قال تعالى : { وبدأ خلق الإنسان من طين } وقال تعالى : { كيف بدأ الخلق } - { الله يبدأ الخلق } - { كما بدأكم تعودون } ومبدأ الشيء هو الذي منه يتركب أو منه يكون ، فالحروف مبدأ الكلام والخشب مبدا الباب والسرير ، والنواة مبدأ النخل ، يقال للسيد الذي يبدأ به إذا عد السادات بدء ، والله هو المبدئ المعيد أي هو السبب في المبدإ والنهاية ، ويقال رجع عوده على بدئه وفعل ذلك عائدا وبادئا ومعيدا ومبدئا وأبدأت من أرض كذا أي ابتدأت منها بالخروج . وقوله بادئ الرأي أي ما يبدأ من الرأي وهو الرأي الفطير ، وقرئ بادئ بغير همزة أي الذي يظهر من الرأي ولم يرو فيه ، وشيء بدئ لم يعهد من قبل كالبديع في كونه غير معمول قبل ، والبدأة النصيب المبدأ به في القسمة ومنه قيل لكل قطعة من اللحم عظيمة بدء .
بذر : التبذير التفريق وأصله إلقاء البذر وطرحه فاستعير لكل مضيع لماله ، فتبذير البذر تضييع في الظاهر لمن لم يعرف مآل ما يلقيه . قال الله تعالى : { إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين } : وقال تعالى : { ولا تبذر تبذيرا } .
بر : البر خلاف البحر وتصور منه التوسع فاشتق منه البر : أي التوسع في فعل الخير ، وينسب ذلك إلى الله تعالى تارة نحو : { إنه هو البر الرحيم } وإلى العبد تارة فيقال بر العبد ربه أي توسع في طاعته فمن الله تعالى الثواب ومن العبد الطاعة وذلك ضربان : ضرب في الاعتقاد وضرب في الأعمال وقد اشتمل عليه قوله تعالى : { ليس البر أن تولوا وجوهكم } الآية وعلى هذا ما روي أنه سئل عليه الصلاة والسلام عن البر فتلا هذه الآية فإن الآية متضمنة للاعتقاد ، الأعمال الفرائض والنوافل . وبر الوالدين التوسع في الإحسان إليهما وضده العقوق قال تعالى : { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم } ويستعمل البر في الصدق لكونه بعض الخير المتوسع فيه ، يقال بر
____________________
(1/40)
في قوله وبر في يمينه وقول الشاعر :
( أكون مكان البر منه ** )
قيل أراد به الفؤاد وليس كذلك بل أراد ما تقدم أي يحبني محبة البر ، ويقال بر أباه فهو بار وبر مثل صائف وصيف وطائف وطيف ، وعلى ذلك قوله تعالى : { وبرا بوالديه } - { وبرا بوالدتي } وبر في يمينه فهو بار وأبررته وبرت يميني وحج مبرور أي مقبول ، وجمع البار أبرار وبررة قال تعالى : { إن الأبرار لفي نعيم } وقال : { كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين } وقال في صفة الملائكة { كرام بررة } فبررة خص بها الملائكة في القرآن من حيث إنه أبلغ من أبرار فإنه جمع بر ، وأبرار جمع بار ، وبر أبلغ من بار كما أن عدلا أبلغ من عادل . والبر معروف وتسميته بذلك لكونه أوسع ما يحتاج إليه في الغذاء ، والبرير خص بثمر الأراك ونحوه وقولهم لا يعرف الهر من البر ، من هذا وقيل هما حكايتا الصوت والصحيح أن معناه لا يعرف من يبره ومن يسئ إليه . والبربرة : كثرة الكلام ، وذلك حكاية صوته .
برج : البروج القصور الواحد برج وبه سمي بروج النجوم لمنازلها المختصة بها ، قال تعالى : { والسماء ذات البروج } وقال تعالى : { الذي جعل في السماء بروجا } وقوله تعالى : { ولو كنتم في بروج مشيدة } يصح أن يراد بها بروج في الأرض وأن يراد بها بروج النجم ويكون استعمال لفظ المشيدة فيها على سبيل الاستعارة وتكون الإشارة بالمعنى إلى نحو ما قال زهير :
( ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ** ولو نال سباب السماء بسلم )
وأن يكون البروج في الأرض وتكون الإشارة إلى ما قال الآخر :
( ولو كنت في غمدان يحرس بابه ** أراجيل أحبوش وأسود آلف
( إذا لأتتني حيث كنت منيتي ** يحث بها هاد لإثري قائف )
وثوب مترج صورت عليه بروج فاعتبر حسنه فقيل تبرجت المرأة أي تشهت به في إظهار المحاسن ، وقيل ظهرت من برجها أي قصرها ويدل على ذلك قوله تعالى : { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } وقوله : { غير متبرجات } والبرج سعة العين وحسنها تشبيها بالبرج في الأمرين .
برح : البراح المكان المتسع الظاهر الذي لا بناء فيه ولا شجر فيعتبر تارة ظهوره فيقال فعل كذا براحا أي صراحا لا يستره شيء ، وبرح الخفاء ظهر كأنه حصل في براح يرى ، ومنه براح الدار وبرح ذهب في البراح ومنه البارح للريح الشديدة ، والبارح من الظباء والطير لكن خص البارح بما ينحرف
____________________
(1/41)
عن الرامي إلى جهة لا يمكنه فيها الرمي فيتشاءم به وجمعه بوارح ، وخص السانح بالمقبل من جهة يمكن رميه ويتيمن به والبارحة الليلة الماضية وبرح ثبت في البراح ومنه قوله عز وجل { لا أبرح } وخص بالإثبات كقولهم لا أزال لأن برح وزال اقتضيا معنى النفي ولا للنفي والنفيان يحصل من اجتماعهما إثبات ، وعلى ذلك قوله عز وجل { لن نبرح عليه عاكفين } وقال تعالى : { لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين } ولما تصور من البارح معنى التشاؤم شتق منه التبريح والتباريح فقيل برح بي الأمر وبرح بي فلان في التقاضي ، وضربه ضربا مبرحا ، وجاء فلان بالبرح وأبرحت ربا وأبرحت جارا أي أكرمت ، وقيل للرامي إذا أخطأ برحى : دعاء عليه وإذا أصاب مرحى دعاء له ، ولقيت منه البرحين والبرحاء أي الشدائد ، وبرحاء الحمى شدتها .
برد : أصل البرد خلاف الحر فتارة يعتبر ذاته فيقال برد كذا أي اكتسب بردا وبرد الماء كذا أي كسبه بردا نحو
( ستبرد أكبادا وتبكي بواكيا ** )
ويقال برده أيضا وقيل قد جاء أبرد وليس بصحيح ومنه البرادة لما يبرد الماء ، ويقال برد كذا إذا ثبت ثبوت البرد واختصاص الثبوت بالبرد كاختصاص الحركة بالحر فيقال برد كذا أي ثبت كما يقال برد عليه دين قال الشاعر :
( اليوم يوم بارد سمومه ** )
وقال آخر :
( قد برد الموت على مصطلاه ** )
أي برود أي ثبت ، يقال لم يبرد بيدي شيء أي لم يثبت . وبرد الإنسان مات وبرده قتله ومنه السيوف البوارد وذلك لما يعرض للميت من عدم الحرارة بفقدان الروح أو لما يعرض له من السكون ، وقولهم للنوم برد إما لما يعرض من البرد في ظاهر جلده أو لما يعرض له من السكون وقد علم أن النوم من جنس الموت لقوله عز وجل { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها } وقال { لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا } أي نوما . وعيش بارد أي طيب اعتبارا بما يجد الإنسان من اللذة في الحر من البرد أو بما يجد فيه من السكون . والأبردان الغداة والعشي لكونهما أبرد الأوقات في النهار . والبرد ما يبرد من المطر في الهواء فيصلب وبرد السحاب اختص بالبرد وسحاب أبرد وبرد ذو برد ، قال الله تعالى : { وينزل من السماء من جبال فيها من برد } والبردي نبت ينسب إلى البرد لكونه نابتا به . وقيل أصل كل داء البردة أي التخمة ، وسميت بذلك لكونها عارضة من البرودة الطبيعية التي تعجز عن الضم . والبرود يقال لما يبرد به ولما يبرد فتارة يكون فعولا
____________________
(1/42)
في معنى فاعل وتارة في معنى مفعول نحو ماء برود وثغر برود وكقولهم للكحل برود وبردت الحديد سحلته من قولهم بردته أي قتلته والبرادة ما يسقط ، والمبرد الآلة التي يبرد بها . والبرد في الطرق جمع البريد وهم الذين يلزم كل واحد منهم موضعا منه معلوما ثم اعتبر فعله في تصرفه في المكان المخصوص به فقيل لكل سريع هو يبرد وقيل لجناحي الطائر بريداه اعتبارا بأن ذلك منه يجري مجرى البريد من الناس في كونه متصرفا في طريقه ، وذلك فرع على فرع على حسب ما يبين في أصول الاشتقاق .
برز : البراز الفضاء وبرز حصل في براز ، وذلك إما أن يظهر بذاته نحو : { وترى الأرض بارزة } تنبيها أنه تبطل فيها الأبنية وسكاتها ومنه المبارزة للقتال وهي الظهور من الصف ، قال تعالى : { لبرز الذين كتب عليهم القتل } وقال عز وجل : { ولما برزوا لجالوت وجنوده } وإما أن يظهر بفضله وهو أن يسبق في فعل محمود وإما أن ينكشف عنه ما كان مستورا منه ، ومنه قوله تعالى : { وبرزوا لله الواحد القهار } - { وبرزوا لله جميعا } وقال تعالى : { يوم هم بارزون } وقوله عز وجل : { وبرزت الجحيم للغاوين } تنبيها أنهم يعرضون عليها . ويقال تبرز فلان كناية عن التغوط ، وامرأة برزة عفيفة لأن رفعتها بالعفة لا أن اللفظة افتضت ذلك .
برزخ : البرزخ الحاجز والحد بين الشيئين وقيل أصله برزه فعرب ، وقوله تعالى : { بينهما برزخ لا يبغيان } والبرزخ في القيامة الحائل بين الإنسان وبين بلوغ المنازل الرفيعة في الآخرة وذلك إشارة إلى العقبة المذكورة في قوله عز وجل : { فلا اقتحم العقبة } قال تعالى : { ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون } وتلك العقبة موانع من أحوال لا يصل إليها إلا الصالحون وقيل البرزخ ما بين الموت إلى القيامة .
برص : البرص معروف وقيل للقمر أبرص للنكتة التي عليه وسام أبرص سمي بذلك تشبيها بالبرص والبريص الذي يلمع لمعان الأبرص ويقارب البصيص ، بص يبص إذا برق .
برق : البرق لمعان السحاب ، قال تعالى : { فيه ظلمات ورعد وبرق } يقال برق وأبرق وبرق ، يقال في كل ما يلمع نحو سيف بارق وبرق وبرق ، يقال في العين إذا اضطربت وجالت من خوف ، قال عز وجل : { فإذا برق البصر } وقرئ وبرق ، وتصور منه تارة اختلاف اللون فقيل البرقة الأرض ذات حجارة مختلفة الألوان ، والأبرق الجبل فيه سواد وبياض وسموا العين برقاء لذلك وناقة بروق تلمع بذنبها ، والبروقة شجرة تخضر إذا رأت السحاب وهي التي يقال فيها أشكر من بروقة
____________________
(1/43)
وبرق طعامه بزيته إذا جعل فيه قليلا يلمع منه . والبارقة والأبيرق السيف للمعانه . والبراق قيل هو دابة ركبها النبي صلى الله عليه وسلم لما عرج به ، والله أعلم بكيفيته . والإبريق معروف وتصور من البرق ما يظهر من تجويفه فقيل برق فلان ورعد وأبرق وأرعد إذا تهدد .
برك : أصل البرك صدر البعير وإن استعمل في غيره ، ويقال له بركة وبرك البعير ألقى ركبه واعتبر منه معنى الملزوم فقيل ابتركوا في الحرب أي ثبتوا ولازموا موضع الحرب وبركاء الحرب وبروكاؤها للمكان الذي يلزمه الأبطال ، وابتركت الدابة وقفت وقوفا كالبروك ، وسمي محبس الماء بركة والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء ، قال تعالى : { لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض } وسمي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة ، والمبارك ما فيه ذلك الخير ، على ذلك { وهذا ذكر مبارك أنزلناه } تنبيها على ما يفيض عليه من الخيرات الإلهية . وقال { كتاب أنزلناه إليك مبارك } وقوله تعالى : { وجعلني مباركا } أي موضع الخيرات الإلهية ، وقوله تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } - { رب أنزلني منزلا مباركا } أي حيث يوجد الخير الإلهي ، وقوله تعالى : { ونزلنا من السماء ماء مباركا } فبركة ماء السماء هي ما نبه عليه بقوله : { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه } . وبقوله تعالى : { وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض } ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس وعلى وجه لا يحصى ولا يحصر قيل لكل ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة هو مبارك وفيه بركة ، وإلى هذه الزيادة أشير بما روي انه لا ينقص مال من صدقة لا إلى النقصان المحسوس حسب ما قال بعض الخاسرين حيث قيل له ذلك فقال بيني وبينك الميزان وقوله تعالى : { تبارك الذي جعل في السماء بروجا } فتنبيه على ما يفيضه علينا من نعمه بواسطة هذه البروج والنيرات المذكورة في هذه الآية . وقوله تعالى : { فتبارك الله أحسن الخالقين } - { تبارك الذي نزل الفرقان } - { تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات } - { فتبارك الله رب العالمين } - { تبارك الذي بيده الملك } كل ذلك تنبيه على اختصاصه تعالى بالخيرات المذكورة مع ذكر تبارك .
برم : الإبرام إحكام الأمر ، قال تعالى : { أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون } وأصله من إبرام الحبل وهو ترديد فتله قال الشاعر :
( على كل حال من سحيل ومبرم ** )
والبريم المبرم أي المفتول فتلا محكما ، يقال أبرمته فبرم ولهذا قيل للبخيل الذي لا يدخل في الميسر برم كما يقال للبخيل مغلول اليد
____________________
(1/44)
والمبرم الذي يلح ويشدد في الأمر تشبيها بمبرم الحبل ، والبرم كذلك ، ويقال لمن يأكل تمرتين برم لشدة ما يتناوله بعضه على بعض ولما كان البريم من الحبل قد يكون ذا لونين سمي كل ذي لونين به من جيش مختلط أسود وأبيض ، ولغنم مختلط وغير ذلك . والبرمة في الأصل هي القدر المبرمة وجمعها برام نحو حضرة وحضار ، وجعل على بناء المفعول ، نحو : ضحكة وهزأة .
بره : البرهان بيان للحجة وهو فعلان مثل الرجحان والثنيان . وقال بعضهم : هو مصدر بره يبره إذا ابيض ورجل أبره وامرأة برهاء وقوم بره وبرهرهة شابة بيضاء . والبرهة مدة من الزمان ، فالبرهان أوكد الأدلة وهو الذي تقتضي الصدق أبدا ودلالة تقتضي الكذب أبدا . ودلالة إلى الصدق أقرب ، ودلالة إلى الكذب أقرب ، ودلالة هي إليهما سواء ، قال تعالى : { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } - { قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي } - { قد جاءكم برهان من ربكم } .
برأ : أصل البرء والبراء والتبري التغصي مما يكره مجاورته ، ولذلك قيل برأت من المرض وبرأت من فلان وتبرأت وأبرأته من كذا وبرأته ورجل برئ وقوم برآء وبريئون قال عز وجل { براءة من الله ورسوله } وقال { أن الله بريء من المشركين ورسوله } وقال : { أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون } - { إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله } - { وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون } - { فبرأه الله مما قالوا } وقال { إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا } ، والبارئ خص بوصف الله تعالى نحو قوله { البارئ المصور } وقوله تعالى : { فتوبوا إلى بارئكم } والبرية الخلق ، قيل أصله الهمز فترك وقيل ذلك من قولهم بريت العود ، وسميت برية لكونها مبرية عن البري أي التراب بدلالة قوله تعالى : { خلقكم من تراب } وقوله تعالى : { أولئك هم خير البرية } وقال : { شر البرية } .
بزغ : قال الله تعالى : { فلما رأى الشمس بازغة } - { فلما رأى القمر بازغا } أي طالعا منتشر الضوء ، وبزغ الناب تشبيها به وأصله من بزغ البيطار الدابة أسال دمها فبزغ هو أي سال .
بس : قال الله تعالى : { وبست الجبال بسا } أي فتتت من قولهم بسست الحنطة والسويق بالماء فتته به وهي البسيسة وقيل معناه سقت سوقا سريعا من قولهم انبست الحيات انسابت انسيابا سريعا فيكون كقوله عز وجل : { ويوم نسير الجبال } وكقوله : { وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب }
____________________
(1/45)
) .
وبسست الإبل زجرتها عند السوق ، وأبسست بها عند الحلب أي رققت لها كلاما تسكن إليه ، وناقة بسوس لا تدر إلا على الإبساس . وفي الحديث : جاء أهل اليمن يبسون عيالهم أي كانوا يسوقونهم .
بسر : البسر الاستعجال بالشيء قبل أوانه نحو بسر الرجل الحاجة طلبها في غير أوانها وبسر الفحل الناقة ضربها قبل الضبعة ، وماء بسر متناول من غيره قبل سكونه . وقيل للقرح الذي ينكأ قبل النضج بسر ومنه قيل لما لم يدرك من التمر بسر وقوله عز وجل { ثم عبس وبسر } أي أظهر العبوس قبل أوانه وفي غير وقته فإن قيل فقوله { ووجوه يومئذ باسرة } ليس يفعلون ذلك قبل الوقت وقد قلت إن ذلك يقال فيما كان قبل الوقت ، قيل إن ذلك إشارة إلى حالهم قبل الانتهاء بهم لى النار فخص لفظ البسر تنبيها أن ذلك مع ما ينالهم من بعد يجري مجرى التكلف ومجرى ما يفعل قبل وقته ويدل على ذلك قوله عز وجل { تظن أن يفعل بها فاقرة } .
بسط : بسط الشيء نشره وتوسعه فتارة يتصور منه الأمران وتارة يتصور منه أحدهما ويقال بسط الثوب نشره ومنه البساط وذلك اسم لكل مبسوط ، قال الله تعالى : { والله جعل لكم الأرض بساطا } والبساط الأرض المتسعة ، وبسيط الأرض مبسوطه واستعار قوم البسط لكل شيء لا يتصور فيه تركيب وتأليف ونظم ، قال الله تعالى : { والله يقبض ويبسط } وقال تعالى : { ولو بسط الله الرزق لعباده } أي لو وسعه { وزاده بسطة في العلم والجسم } أي سعة ، قال بعضهم : بسطته في العلم هو أن انتفع هو به ونفع غيره فصار له به بسطة أي جود . وبسط اليد مدها . قال عز وجل : { وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد } وبسط الكف يستعمل تارة للطلب نحو { إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه } وتارة الأخذ نحو { والملائكة باسطوا أيديهم } وتارة للصولة والضرب قال تعالى : { ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء } وتارة للبذل والإعطاء نحو { بل يداه مبسوطتان } والبسط الناقة التي تترك مع ولدها كأنها المبسوط نحو النكث والنقض في معنى المنكوث والمنقوض وقد أبسط ناقته : أي تركها مع ولدها .
بسق : قال الله عز وجل { والنخل باسقات لها طلع نضيد } أي طويلات والباسق هو الذاهب طولا من جهة الارتفاع ومنه بسق فلان على أصحابه علاهم . وبسق وبصق أصله بزق ، وبسقت الناقة وقع في ضرعها لبن قليل كالبساق وليس من الإبل .
بسل : البسل ضم الشيء ومنعه ولتضمنه لمعنى الضم استعير لتقطيب الوجه فقيل هو
____________________
(1/46)
باسل ومبتسل الوجه ، ولتضمنه لمعنى المنع قيل للمحرم والمرتهن بسل وقوله تعالى : { وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت } أي تحرم الثواب . والفرق بين الحرام والبسل أن الحرام عام فيما كان ممنوعا منه بالحكم والقهر والبسل هو الممنوع منه بالقهر ، قال عز وجل { أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا } أي حرموا الثواب وفسر بالارتهان لقوله : { كل نفس بما كسبت رهينة } . قال الشاعر :
( وإبسالي بني بغير جرم ** )
وقال آخر :
( فإن تقويا منهم فإنهم بسل ** )
أقوى المكان إذا خلا وقيل للشجاعة البسالة إما لما يوصف به الشجاع من عبوس وجهه أو لكون نفسه محرما على أقرانه لشجاعته أو لمنعه لما تحت يده عن أعدائه وأبسلت المكان حفظته وجعلته بسلا على من يريده والبسلة أجرة الراقي ، وذلك لفظ مشتق من قول الراقي أبسلت فلانا : أي جعلته بسلا أي شجاعا قويا على مدافعة الشيطان أو الحيات والهوام أو جعلته مبسلا أي محرما عليها وسمي ما يعطى الراقي بسلة ، وحكي بسلت الحنظل طيبته فإن يكن ذلك صحيحا فمعناه أزلت بسالته أي شدته أو بسله أي تحريمه وهو ما فيه من المرارة الجارية مجرى كونه محرما . وبسل في معنى أجل وبس .
بشر : البشرة ظاهر الجلد والأدمة باطنه ، كذا قال عامة الأدباء ، وقال أبو زيد بعكس ذلك وغلط أبو العباس وغيره . وجمعها بشر وابشار وعبر عن الإنسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده من الشعر بخلاف الحيوانات التي عليها الصوف أو الشعر أو الوبر واستوى في لفظ البشر الواحد والجمع وثني فقال تعالى : { أنؤمن لبشرين } وخص في القرآن كل موضع اعتبر من الإنسان جثته وظاهره بلفظ البشر نحو : { وهو الذي خلق من الماء بشرا } وقال عز وجل { إني خالق بشرا من طين } ولما أراد الكفار الغض من الأنبياء اعتبروا ذلك فقالوا { إن هذا إلا قول البشر } وقال تعالى : { أبشرا منا واحدا نتبعه } - { ما أنتم إلا بشر مثلنا } - { أنؤمن لبشرين مثلنا } - { فقالوا أبشر يهدوننا } وعلى هذا قال { إنما أنا بشر مثلكم } تنبيها أن الناس يتساوون في البشرية وإنما يتفاضلون بما يختصون به من المعارف الجليلة والأعمال الجميلة ولذلك قال بعده { يوحى إلي } تنبيها أني بذلك تميزت عنكم . وقال تعالى : { ولم يمسسني بشر } فخص لفظ البشر . وقوله { فتمثل لها بشرا سويا } فعبارة عن الملائكة ونبه أنه تشبح لها وتراءى لها بصورة بشر ، وقوله تعالى : { ما هذا بشرا } فإعظام له وإجلال وأنه أشرف وأكرم من أن يكون جوهره
____________________
(1/47)
جوهر البشر . وبشرت الأديم أصبت بشرته نحو أنفت ورجلت ، ومنه بشر الجراد الأرض إذا أكلته . والمباشرة الإفضاء بالبشرتين ، وكني بها عن الجماع في قوله : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون } وقال تعالى : { فالآن باشروهن } وفلان مؤدم مبشر أصله من قولهم أشره الله وآدمه ، أي جعل له بشرة وأدمة محمودة ثم عبر بذلك عن الكامل الذي يجمع بين الفضيلتين : الظاهرة والباطنة ، وقيل معناه جمع لين الأدمة وخشونة البشرة ، وأبشرت الرجل وبشرته وبشرته أخبرته بسار بسط بشرة وجهه ، وذلك أن النفس إذا سرت انتشر الدم فيها انتشار الماء في الشجر وبين هذه الألفاظ فروق فإن بشرته عام وأبشرته نحو أحمدته وبشرته على التكثير . وأبشر يكون لازما ومتعديا ، يقال بشرته فأبشر أي استبشر وأبشرته ، وقرئ يبشرك ويبشرك ويبشرك ، قال عز وجل : { قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون قالوا بشرناك بالحق } واستبشر إذا وجد ما يبشره من الفرج ، قال تعالى : { ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم } - { يستبشرون بنعمة من الله وفضل } وقال تعالى : { وجاء أهل المدينة يستبشرون } ويقال للخبر السار البشارة والبشرى ، قال تعالى : { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } وقال تعالى : { لا بشرى يومئذ للمجرمين } - { ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى } - { يا بشرى هذا غلام } - { وما جعله الله إلا بشرى لكم } والبشير المبشر ، قال تعالى : { فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا } - { فبشر عبادي } - { وهو الذي يرسل الرياح بشرا } أي تبشر بالمطر . وقال صلى الله عليه وسلم : انقطع الوحي ولم يبق إلا المبشرات وهي الرؤيا الصالحة التي يراها المؤمن أو ترى له وقال تعالى : { فبشره بمغفرة } وقال : { فبشرهم بعذاب أليم } - { بشر المنافقين بأن لهم } - { وبشر الذين كفروا بعذاب أليم } فاستعارة ذلك تنبيه أن أسر ما يسمعونه الخبر بما ينالهم من العذاب ، وذلك نحو قول الشاعر :
( تحية بينهم ضرب وجيع ** )
ويصح أن يكون على ذلك قوله تعالى : { قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار } وقال عز وجل : { وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم } ويقال أبشر أي وجد بشارة نحو ابقل وأمحل { وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } وأبشرت الأرض حسن طلوع نبتها ومنه قول ابن مسعود رضي الله عنه من أحب القرآن فليبشر أي فليسر . قال الفراء : إذا ثقل فمن البشرى وإذا خفف فمن السرور ، يقال
____________________
(1/48)
بشرته فبشر نحو جبرته فجبر ، وقال سيبويه فأبشر ، قال ابن قتيبة : هو من بشرت الأديم إذا رققت وجهه ، قال ومعناه فليضمر نفسه كما روي إن وراءنا عقبة لا يقطعها إلا الضمر من الرجال وعلى الأول قول الشاعر :
( فأعنهم وابشر بما بشروا به ** وإذا هم نزلوا بضنك فانزل )
وتباشير الوجه وبشره ما يبدو من سروره ، وتباشير الصبح ما يبدو من أوائله ، وتباشير النخل ما يبدو من رطبه ، ويسمى ما يعطى المبشر بشرى وبشارة .
بصر : البصر يقال للجارحة الناظرة نحو قوله تعالى : { كلمح البصر } - { وإذ زاغت الأبصار } وللقوة التي فيها ويقال لقوة القلب المدركة بصيرة وبصر نحو قوله تعالى : { فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد } وقال : { ما زاغ البصر وما طغى } وجمع البصر أبصار ، وجمع البصيرة بصائر قال تعالى : { فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم } ولا يكاد يقال للجارحة بصيرة ويقال من الأول أبصرت ومن الثاني أبصرته وبصرت به وقلما يقال بصرت في الحاسة إذا لم تضامة رؤية القلب . وقال تعالى في الأبصار : { لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر } - { ربنا أبصرنا وسمعنا } - { ولو كانوا لا يبصرون } - { وأبصر فسوف يبصرون } - { بصرت بما لم يبصروا به } ومنه { أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني } أي على معرفة وتحقق . وقوله : { بل الإنسان على نفسه بصيرة } أي تبصره فتشهد له ، وعليه من جوارحه بصيرة تبصره فتشهد له وعليه يوم القيامة كما قال : { تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم } ، والضرير يقال له بصير على سبيل العكس والأولى أن ذلك يقال لما له من قوة بصيرة القلب لا لما قالوه ولهذا لا يقال له مبصر وباصر وقوله عز وجل { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } حمله كثير من المسلمين على الجارحة ، وقيل ذلك إشارة إلى ذلك وإلى الأوهام والأفهام كما قال أمير المؤمنين رضي الله عنه : التوحيد أن لا تتوهمه ، وقال كل ما أدركته فهو غيره . والباصرة عبارة عن الجارحة الناظرة ، يقال رأيته لمحا باصرا أي ناظرا بتحديق ، قال عز وجل : { فلما جاءتهم آياتنا مبصرة } - { وجعلنا آية النهار مبصرة } أي مضيئة للأبصار وكذلك قوله عز وجل { وآتينا ثمود الناقة مبصرة } وقيل معناه صار أهله بصراء نحو قولهم رجل مخبث ومضعف أي أهله خبثاء وضعفاء { ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس } أي جعلناها عبرة لهم . وقوله { وأبصر فسوف يبصرون } أي انتظر حتى ترى ويرون ، وقوله عز وجل : { وكانوا مستبصرين } أي طالبين للبصيرة ويصح أن يستعار الاستبصار للأبصار نحو :
____________________
(1/49)
استعارة الاستجابة للإجابة وقوله عز وجل : { وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة } أي تبصيرا وتبيانا يقال بصرته تبصيرا وتبصرة كما يقال قدمته تقديما وتقدمة وذكرته تذكيرا وتذكرة ، قال تعالى : { ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم } أي يجعلون بصراء بآثارهم ، ويقال بصر الجرو تعرض للإبصار بفتحة العين ، والبصرة حجارة رخوة تلمع كأنها تبصر أو سميت بذلك لأن لها ضوأ تبصر به من بعد ويقال له بصر والبصيرة قطعة من الدم تلمع والترس اللامع والبصر الناحية ، والبصيرة ما بين شقتي الثوب والمزادة ونحوها التي يبصر منها ثم يقال بصرت الثوب والأديم إذا خطت ذلك الموضع منه .
بصل : البصل معروف في قوله عز وجل : { وعدسها وبصلها } وبيضة الحديد بصل تشبيها به لقول الشاعر :
( وتر كالبصل ** )
بضع : البضاعة قطعة وافرة من المال تقتنى للتجارة يقال أبضع بضاعة وابتضعها قال تعالى : { هذه بضاعتنا ردت إلينا } وقال تعالى : { ببضاعة مزجاة } والأصل في هذه الكلمة البضع وهو جملة من اللحم تبضع أي تقطع يقال بضعته وبضعته فابتضع وتبضع كقولك قطعته وقطعته فانقطع وتقطع ، والمبضع ما يبضع به نحو : المقطع وكني بالبضع عن الفرج فقيل ملكت بضعها أي تزوجتها ، وباضعها بضاعا أي باشرها وفلان حسن البضع والبضيع والبضعة والبضاعة عبارة عن السمن . وقيل للجزيرة المنقطعة عن البر بضيع وفلان بضعة مني أي جار مجرى بعض جسدي لقربه مني والباضعة الشجة التي تبضع اللحم والبضع بالكسر المنقطع من العشرة ويقال ذلك لما بين الثلاث إلى العشرة وقيل بل هو فوق الخمس ودون العشرة قال تعالى : { بضع سنين } .
بطر : البطر دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها وصرفها إلى غير وجهها قال عز وجل : { بطرا ورئاء الناس } وقال : { بطرت معيشتها } أصله بطرت معيشته فصرف عنه الفعل ونصب ، ويقارب البطر الطرب وهو خفة أكثر ما يعتري من الفرح وقد يقال ذلك في الترح ، والبيطرة معالجة الدابة .
بطش : البطش تناول الشيء بصولة ، قال تعالى : { وإذا بطشتم بطشتم جبارين } - { يوم نبطش البطشة الكبرى } - { ولقد أنذرهم بطشتنا } - { إن بطش ربك لشديد } يقال يد باطشة .
بطل : الباطل نقيص الحق وهو ما لا ثبات له عند الفحص عنه قال تعالى : { ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل } وقد يقال ذلك في الاعتبار إلى المقال والفعال يقال
____________________
(1/50)
بطل بطولا وبطلا وبطلانا وأبطله غيره قال عز وجل { وبطل ما كانوا يعملون } وقال تعالى : { لم تلبسون الحق بالباطل } ويقال للمستقل عما يعود بنفع دنيوي أو أخروي بطال وهو ذو بطالة بالكسر وبطل دمه إذا قتل ولم يحصل له ثأر ولا دية وقيل للشجاع المتعرض للموت بطل تصورا لبطلان دمه كما قال الشاعر :
( فقلت لها لا تنكحيه فإنه ** لأول بطل أن يلاقي مجمعا )
فيكون فعلا بمعنى مفعول أو لأنه يبطل دم المتعرض له بسوء والأول أقرب . وقد بطل الرجل بطولة صار بطلا وبطالا نسب إلى البطالة ويقال ذهب دمه بطلا أي هدرا والإبطال يقال في إفساد الشيء وإزالته حقا كان ذلك الشيء أو باطلا قال الله تعال : { ليحق الحق ويبطل الباطل } . وقد يقال فيمن يقول شيئا لا حقيقة له نحو : { ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون } وقوله تعالى : { وخسر هنالك المبطلون } أي الذين يبطلون الحق .
بطن : أصل البطن الجارحة وجمعه بطون قال تعالى : { وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم } وقد بطنته أصبت بطنه والبطن خلاف الظهر في كل شيء ، ويقال للجهة السفلى بطن وللجهة العليا ظهر وبه شبه بطن الأمر وبطن البوادي والبطن من العرب اعتبارا بأنهم كشخص واحد وأن كل قبيلة منهم كعضو بطن وفخذ وكاهل وعلى هذا الاعتبار قال الشاعر :
( الناس جسم وإمام الهدى ** رأس وأنت العين في الراس )
ويقال لكل غامض بطن ولكل ظاهر ظهر ومنه بطنان القدر وظهرانها ، ويقال لما تدركه الحاسة ظاهر ولما يخفى عنها باطن قال عز وجل : { وذروا ظاهر الإثم وباطنه } - { ما ظهر منها وما بطن } والبطين العظيم البطن ، والبطن الكثير الأكل ، والمبطان الذي يكثر الأكل حتى يعظم بطنه ، والبطنة كثرة الأكل ، وقيل البطنة تذهب الفطنة وقد بطن الرجل بطنا إذا أشر من الشبع ومن كثرة الأكل ، وقد بطن الرجل عظم بطنه ومبطن خميص البطن وبطن الإنسان أصيب بطنه ومنه رجل مبطون عليل البطن . والبطانة خلاف الظهارة وبطنت ثوبي بآخر جعلته تحته وقد بطن فلان بفلان بطونا وتستعار البطانة لمن تختصه بالاطلاع على باطن أمرك ، قال عز وجل : { لا تتخذوا بطانة من دونكم } أي مختصا بكم يستبطن أموركم وذلك استعارة من بطانة الثوب بدلالة قولهم لبست فلانا إذا اختصصته وفلان شعاري ودثاري . وروي
____________________
(1/51)
عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان ، بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه ، وبطانة تأمره بالشر وتحثه عليه والبطان حزام يشد على البطن وجمعه أبطنة وبطن . والأبطنان عرقان يمران على البطن ، والبطين نجم هو بطن الحمل ، والتبطن دخول في باطن الأمر . والظاهر والباطن في صفات الله تعالى لا يقال إلا مزدوجين كالأول والآخر ، فالظاهر قيل إشارة إلى معرفتنا البديهية ، فإن الفطرة تقضي في كل ما نظر إليه الإنسان أنه تعالى موجود كما قال : { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } ولذلك قال بعض الحكماء : مثل طالب معرفته مثل من طوف في الآفاق في طلب ما هو معه . والباطن إشارة إلى معرفته الحقيقية وهي التي أشار إليها أبو بكر رضي الله عنه بقوله : يا من غابة معرفته القصور عن معرفته ، وقيل ظهر بآياته باطن بذاته ، وقيل ظاهر بأنه محيط بالأشياء مدرك لها باطن من أن يحاط به كما قال عز وجل : { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } وقد روي عن أمير المؤمنين رضي الله عنه ما دل على تفسير اللفظتين حيث قال : تجلى لعباده من غير أن رأوه ، وأراهم نفسه من غير أن تجلى لهم . ومعرفة ذلك تحتاج إلى فهم ثاقب وعقل وافر ، وقوله تعالى : { وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة } قيل الظاهرة بالنبوة والباطنة بالعقل ، وقيل الظاهرة لمحسوسات والباطنة المعقولات ، وقيل الظاهرة النصرة على الأعداء بالناس ، والباطنة النصرة بالملائكة ، وكل ذلك يدخل في عموم الآية .
بطؤ : البطء تأخر الانبعاث في السير يقال بطؤ وتباطأ واستبطأ وأبطأ فبطؤ إذا تخصص بالبطء وتباطأ تحرى وتكلف ذلك واستبطأ طلبه وأبطأ صار ذا بطء ويقال بطأه وأبطأه وقوله تعالى : { وإن منكم لمن ليبطئن } أي يثبط غيره وقيل يكثر هو التثبط في نفسه ، والمقصد من ذلك أن منكم من يتأخر ويؤخر غيره .
بظر : قرئ في بعض القراءات : / < والله أخرجكم من بظور أمهاتكم > / وذلك جمع البظارة وهي اللحمة المتدلية من ضرع الشاة والهنة الناتئة من الشفة العليا فعبر بها عن الهن كما عبر عنه بالبضع .
بعث : أصل البعث إثارة الشيء وتوجيهه يقال بعثته فانبعث ، ويختلف البعث بحسب اختلاف ما علق به فبعثت البعير أثرته وسيرته ، وقوله عز وجل : { والموتى يبعثهم الله } أي يخرجهم ويسيرهم إلى القيامة { يوم يبعثهم الله جميعا } - { زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن } - { ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة } فالبعث ضربان : بشري
____________________
(1/52)
كبعث البعير وبعث الإنسان في حاجة ، وإلهي وذلك ضربان : أحدهما إيجاد الأعيان والأجناس والأنواع عن ليس وذلك يختص به الباري تعالى ولم يقدر عليه أحدا . والثاني إحياء الموتى ، وقد خص بذلك بعض أوليائه كعيسى صلى الله عليه وسلم وأمثاله ، ومنه قوله عز وجل : { فهذا يوم البعث } يعني يوم الحشر ، وقوله عز وجل : { فبعث الله غرابا يبحث في الأرض } أي قيضه { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا } نحو : { أرسلنا رسلنا } وقوله تعالى : { ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا } وذلك إثارة بلا توجيه إلى مكان { ويوم نبعث من كل أمة شهيدا } - { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم } وقال عز وجل : { فأماته الله مائة عام ثم بعثه } وعلى هذا قوله عز وجل : { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه } والنوم من جنس الموت فجعل التوفي فيهما والبعث منهما سواء ، وقوله عز وجل : { ولكن كره الله انبعاثهم } أي توجههم ومضيهم .
بعثر : قال الله تعالى : { وإذا القبور بعثرت } أي قلب ترابها وأثير ما فيها ، ومن رأى تركيب الرباعي والخماسي من ثلاثيين نحو تهلل وبسمل إذا قال لا إله إلا الله وبسم الله يقول إن بعثر مركب من بعث وأثير وهذا لا يبعد في هذا الحرف فإن البعثرة تتضمن معنى بعث وأثير .
بعد : البعد ضد القرب وليس لهما حد محدود وإنما ذلك بحسب اعتبار المكان بغيره يقال ذلك في المحسوس وهو الأكثر وفي المعقول نحو قوله تعالى : { ضلوا ضلالا بعيدا } وقوله عز وجل : { أولئك ينادون من مكان بعيد } يقال بعد إذا تباعد وهو بعيد { وما هي من الظالمين ببعيد } وبعد مات والبعد أكثر ما يقال في الهلاك نحو : { بعدت ثمود } وقد قال النابغة :
( في الأدنى وفي البعد ** )
والبعد والبعد يقال فيه وفي ضد القرب قال تعالى : { فبعدا للقوم الظالمين } - { فبعدا لقوم لا يؤمنون } وقوله تعالى : { بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد } أي الضلال الذي يصعب الرجوع منه إلى الهدى تشبيها بمن ضل عن محجة الطريق بعدا متناهيا فلا يكاد يرجى له العود إليها وقوله عز وجل : { وما قوم لوط منكم ببعيد } أي تقاربونهم في الضلال فلا يبعد أن يأتيكم ما أتاهم من العذاب .
بعد : يقال في مقابلة قبل ونستوفي أنواعه في باب قبل إن شاء الله تعالى .
بعر : قال تعالى : { ولمن جاء به حمل بعير } البعير معروف ويقع على الذكر والأنثى
____________________
(1/53)
كالإنسان في وقوعه عليهما وجمعه أبعرة وأباعر وبعران والبعر لما يسقط منه والبعر موضع البعر والمبعار من البعير الكثير البعر .
بعض : بعض الشيء جزء منه ويقال ذلك بمراعاة كل ولذلك يقابل به كل فيقال بعضه وكله وجمعه أبعاض . قال عز وجل { بعضكم لبعض عدو } - { وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا } - { ويلعن بعضكم بعضا } وقد بعضت كذا جعلته أبعاضا نحو جزأته قال أبو عبيدة : { ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه } أي كل الذي كقول الشاعر :
( أو يرتبط بعض النفوس حمامها ** )
وفي قوله هذا قصور نظر منه وذلك أن الأشياء على أربعة أضرب : ضرب في بيانه مفسدة فلا يجوز لصاحب الشريعة أن يبينه كوقت القيامة ووقت الموت ، وضرب معقول يمكن للناس إدراكه من غير نبي كمعرفة الله ومعرفته في خلق السموات والأرض فلا يلزم صاحب الشرع أن يبينه ، ألا ترى أنه كيف أحال معرفته على العقول في نحو قوله : { قل انظروا ماذا في السماوات والأرض } وبقوله : { أولم يتفكروا } وغير ذلك من الآيات . وضرب يجب عليه بيانه كأصول الشرعيات المختصة بشرعه . وضرب يمكن الوقوف عليه بما بينه صاحب الشرع كفروع الأحكام وإذا اختلف الناس في أمر غير الذي يختص بالنبي بيانه فهو مخير بين أن يبين وبين أن لا يبين حسب ما يقتضي اجتهاده وحكمته فإذا قوله تعالى : { ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه } لم يرد به كل ذلك وهذا ظاهر لمن ألقي العصبية عن نفسه وأما قول الشاعر :
( أو يرتبط بعض النفوس حمامها )
فإنه يعني به نفسه والمعنى إلا أن يتداركني الموت لكن عرض ولم يصرح حسب ما بنيت عليه جملة الإنسان في الابتعاد من ذكر موته . قال الخليل يقال رأيت غربانا تبتعض أي يتناول بعضها بعضا ، والبعوض بني لفظه من بعض وذلك لصغر جسمها بالإضافة إلى سائر الحيوانات .
بعل : البعل هو الذكر من الزوجين ، قال الله عز وجل : { وهذا بعلي شيخا } وجمعه بعولة نحو فحل وفحولة قال تعالى : { وبعولتهن أحق بردهن } ولما تصور من الرجل الاستعلاء على المرأة فجعل سائسها والقائم عليها كما قال تعالى : { الرجال قوامون على النساء } سمي باسمه كل مستعل على غيره فسمى العرب معبودهم الذي يتقربون به إلى الله بعلا لاعتقادهم ذلك فيه في نحو قوله تعالى : { أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين } ويقال أتانا بعل هذه الدابة أي المستعلي عليها ، وقيل للأرض المستعلية على غيرها بعل ولفحل النخل بعل تشبيها بالبعل من الرجال . ولما
____________________
(1/54)
عظم حتى يشرب بعروقه بعل لاستعلائه ، قال صلى الله عليه وسلم فيما سقي بعلا العشر . ولما كانت وطأة العالي على المستولي عليه مستثقلة في النفس قيل أصبح فلان بعلا على أهله أي ثقيلا لعلوه عليهم ، وبني من لفظ البعل المباعلة والبعال كناية عن الجماع وبعل الرجل يبعل بعولة واستبعل فهو بعل ومستبعل إذا صار بعلا ، واستبعل النخل عظم وتصور من البعل الذي هو النخل قيامه في مكانه فقيل بعل فلان بأمره إذا أدهش وثبت مكانه ثبوت النخل في مقره وذلك كقولهم ما هو إلا شجر فيمن لا يبرح .
بغت : البغت مفاجأة الشيء من حيث لا يحتسب . قال تعالى : { لا تأتيكم إلا بغتة } وقال : { بل تأتيهم بغتة } وقال : { تأتيهم الساعة بغتة } ويقال بغت كذا فهو باغت . قال الشاعر :
( إذا بعثت أشياء قد كان مثلها ** قديما فلا تعتدها بغتات )
بغض : البغض نفار النفس عن الشيء الذي ترغب عنه وهو ضد الحب فإن الحب انجذاب النفس إلى الشيء الذي ترغب فيه . يقال بغض الشيء بغضا وبغضته بغضاء . قال الله عز وجل : { وألقينا بينهم العداوة والبغضاء } وقال : { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء } . وقوله عليه السلام : إن الله تعالى يبغض الفاحش المتفحش فذكر بغضه له تنبيه على فيضه وتوفيق إحسانه منه .
بغل : قال الله تعالى : { والخيل والبغال والحمير } البغل المتولد من بين الحمار والفرس وتبغل البعير تشبه به في سعة مشيه وتصور منه عرامته وخبثه فقيل في صفة النذل هو بغل .
بغى : البغي طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى تجاوزه أو لم يتجاوزه ، فتارة يعتبر في القدر الذي هو الكمية ، وتارة يعتبر في الوصف الذي هو الكيفية يقال بغيت الشي إذا طلبت أكثر ما يجب وابتغيت كذلك ، قال عز وجل { لقد ابتغوا الفتنة من قبل } ، وقال تعالى : { يبغونكم الفتنة } والبغي على حزبين : أحدهما محمود وهو تجاوز العدل إلى الإحسان والفرض إلى التطوع . والثاني مذموم وهو تجاوز الحق إلى الباطل أو تجاوزه إلى الشبه كما قال عليه الصلاة والسلام : الحق بين والباطل بين وبين ذلك أمور مشتبهات ، ومن رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه . ولأن البغي قد يكون محمودا ومذموما قال تعالى : { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق } فخص العقوبة ببغيه بغير الحق . وأبغيتك أعنتك على طلبه ، وبغى الجرح تجاوز الحد في فساده ، وبغت المرأة
____________________
(1/55)
بغاء إذا فجرت وذلك لتجاوزها إلى ما ليس لها . قال عز وجل : { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا } وبغت السماء تجاوزت في المطر حد المحتاج إليه . وبغى تكبر وذلك لتجاوزه منزلته إلى ما ليس له ويستعمل ذلك في أي أمر كان . قال تعالى : { يبغون في الأرض بغير الحق } وقال تعالى : { إنما بغيكم على أنفسكم } - { بغي عليه لينصرنه الله } - { إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم } وقال { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي } فالبغي في أكثر المواضع مذموم وقوله { غير باغ ولا عاد } أي غير طالب ما ليس له طلبه ولا متجاوز لما رسم له . قال الحسن غير متناول للذة ولا متجاوز سد الجوعة . وقال مجاهد رحمه الله : غير باغ على إمام ولا عاد في المعصية طريق الحق . وأما الابتغاء فقد خص بالاجتهاد في الطلب فمتى كان الطلب لشيء محمود فالابتغاء فيه محمود نحو { ابتغاء رحمة من ربك } - و { ابتغاء وجه ربه الأعلى } ، وقولهم ينبغي مطاوع بغى ، فإذا قيل ينبغي أن يكون كذا فيقال على وجهين : أحدهما ما يكون مسخرا للفعل نحو : البار ينبغي أن تحرق الثوب . والثاني على معنى الاستئهال نحو فلان ينبغي أن يعطي لكرمه . وقوله تعالى : { وما علمناه الشعر وما ينبغي له } على الأول فإن معناه لا يتسخر ولا يتسهل له ، ألا ترى أن لسانه لم يكن يجري به وقوله تعالى : { وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي } .
بقر : البقر واحدته بقرة قال الله تعالى : { إن البقر تشابه علينا } وقال { بقرة لا فارض ولا بكر } - { بقرة صفراء فاقع لونها } ويقال في جمعه باقر كحامل وبقير كحكيم ، وقيل بيقور ، وقيل للذكر ثور وذلك نحو جمل وناقة ورجل وامرأة واشتق من لفظه لفظ لفعله فقيل بقر الأرض أي شق . ولما كان شقه واسعا استعمل في كل شق واسع يقال بقرت بطنه إذا شققته شقا واسعا ، وسمي محمد بن علي رضي الله عنه باقرا لتوسعه في دقائق العلوم وبقره بواطنها . وبيقر الرجل في المال وفي غيره اتسع فيه ، وبيقر في سفره إذا شق أرضا إلى أرض متوسعا في سيره قال الشاعر :
( ألا هل أتاها والحوادث جمة ** بأن امرأ القيس يهلك بيقرا )
وبقر الصبيان إذا لعبوا البقيرى وذلك إذا بقروا حولهم حفائر والبيقران نبت قيل إنه يشق الأرض لخروجه ويشقه بعروقه .
بقل قوله تعالى : { بقلها وقثائها } البقل ما لا ينبت أصله وفرعه في الشتاء وقد اشتق من لفظه لفظ الفعل فقيل بقل أي نبت وبقل وجه الصبي تشبيها به وكذا بقل ناب البعير ، قاله ابن السكيت ، وأبقل المكان صار ذا بقل
____________________
(1/56)
فهو مبقل وبقلت البقل جززته ، والمبقلة موضعه .
بقي : البقاء ثبات الشيء على حاله الأولى وهو يضاد الفناء وقد بقي يبقى بقاء وقيل بقي في الماضي موضع بقي وفي الحديث : بقينا رسول صلى الله عليه وسلم أي انتظرناه وترصدنا له مدة كثيرة . والباقي ضربان : باق بنفسه لا إلى مدة وهو الباري تعالى ولا يصح عليه الفناء . وباق بغيره وهو ما عداه ويصح عليه الفناء والباقي بالله ضربان : باق بشخصه إلى أن شاء الله أن يفنيه كبقاء الأجرام السماوية . وباق بنوعه وجنسه دون شخصه وجزئه كالإنسان والحيوان . وكذا في الآخرة باق بشخصه كأهل الجنة فإنهم يبقون على التأبيد لا إلى مدة كما قال عز وجل { خالدين فيها } والآخر بنوعه وجنسه كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن أثمار أهل الجنة يقطفها أهلها ويأكلونها ثم تخلف مكانها مثلها ، ولكون ما في الآخرة دائما قال عز وجل { وما عند الله خير وأبقى } وقوله تعالى : { والباقيات الصالحات } أي ما يبقى ثوابه للإنسان من الأعمال وقد فسر بأنها الصلوات الخمس وقيل هي سبحان الله والحمد لله والصحيح أنها كل عبادة يقصد بها وجه الله تعالى وعلى هذا قوله { بقية الله خير لكم } وأضافها إلى الله تعالى ، وقوله تعالى : { فهل ترى لهم من باقية } أي جماعة باقية أو فعلة لهم باقية ، وقيل معناه بقية قال وقد جاء من المصادر ما هو على فاعل وما هو على بناء مفعول والأول أصح .
بكت : بكة هي مكة عن مجاهد وجعله نحو سبد رأسه وسمده ، وضربه لازب ولازم في كون الباء بدلا من الميم ، قال عز وجل : { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا } وقيل بطن مكة وقيل هي اسم المسجد وقيل هي البيت وقيل هي حيث الطواف وسمي بذلك من التباك أي الازدحام لأن الناس يزدحمون فيه للطواف ، وقيل سميت مكة بكة لأنها تبك أعناق الجبابرة إذا ألحدوا فيها بظلم .
بكر : أصل الكلمة هي البكرة التي هي أول النهار فاشتق من لفظه لفظ الفعل فقيل بكر فلان بكورا إذا خرج بكرة والبكور المبالغ في البكور وبكر في حاجة وابتكر وباكر مباكرة ، وتصور منها معنى التعجيل لتقدمها على سائر أوقات النهار فقيل لكل متعجل في أمر بكر ، قال الشاعر :
( بكرت تلومك بعدوهن في الندى ** بسل عليك ملامتي وعتاب )
وسمي أول الولد بكرا وكذلك أبواه في ولادته إياه تعظيما له نحو بيت الله وقيل أشار إلى ثوابه وما أعد لصالحي عباده مما لا يلحقه الفناء وهو المشار إليه بقوله تعالى : { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان }
____________________
(1/57)
) قال الشاعر :
( يا بكر بكرين ويا خلب الكبد ** )
فبكر في قوله تعالى : { لا فارض ولا بكر } هي التي لم تلد ، وسميت التي لم تفتض بكرا اعتبارا بالثيب لتقدمها عليها فيما يراد له النساء وجمع البكر أبكار قال تعالى : { إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا } والبكرة المحالة الصغيرة لتصور السرعة فيها .
بكم : قال عز وجل : { صم بكم } جمع أبكم وهو الذي يولد أخرس فكل أبكم أخرس وليس كل أخرس أبكم ، قال تعالى : { وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء } ويقال بكم عن الكلام إذا ضعف عنه لضعف عقله ، فصار كالأبكم .
بكى : بكى يبكي بكا وبكاء فالبكاء بالمد سيلان الدمع عن حزن وعويل ، يقال إذا كان الصوت أغلب كالرغاء والثغاء وسائر هذه الأبنية الموضوعة للصوت ، وبالقصر يقال إذا كان الحزن أغلب وجمع الباكي باكون وبكي ، قال الله تعالى : { خروا سجدا وبكيا } وأصل بكي فعول كقولهم ساجد وسجود وراكع وركوع وقاعد وقعود لكن قلب الواو ياء فأدغم نحو جاث وجثي وعات وعتي . وبكى يقال في الحزن وإسالة الدمع معا ويقال في كل واحد منهما منفردا عن الآخر وقوله عز وجل { فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا } إشارة إلى الفرح والترح وإن لم تكن مع الضحك قهقهة ولا مع البكاء إسالة دمع . وكذلك قوله تعالى : { فما بكت عليهم السماء والأرض } وقد قيل إن ذلك على الحقيقة وذلك قول من يجعل لهما حياة وعلما وقيل ذلك على المجاز ، وتقديره فما بكت عليهم أهل السماء .
بل : للتدارك وهو ضربان : ضرب يناقض ما بعده ما قبله لكن ربما يقصد به لتصحيح الحكم الذي بعده إبطال ما قبله وربما قصد لتصحيح الذي قبله وإبطال الثاني . فمما قصد به تصحيح الثاني وإبطال الأول قوله تعالى : { إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } أي ليس الأمر كما قالوا بل جهلوا فنبه بقوله ران على قلوبهم على جهلهم وعلى هذا قوله في قصة إبراهيم { قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون } ومما قصد به تصحيح الأول وإبطال الثاني قوله تعالى : { فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا بل لا تكرمون اليتيم } أي ليس إعطاؤهم المال من الإكرام ولا منعهم من الإهانة لكن جهلوا ذلك لوضعهم المال في غير
____________________
(1/58)
موضعه ، وعلى ذلك قوله تعالى : { ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق } فإنه دل بقوله : { والقرآن ذي الذكر } أن القرآن مقر للتذكر وأن ليس امتناع الكفار من الإصغاء إليه أن ليس موضعا للذكر بل لتعرزهم ومشاقتهم . وعلى هذا { ق والقرآن المجيد بل عجبوا } أي ليس امتناعهم من الإيمان بالقرآن أن لا مجد للقرآن ولكن لجهلهم ونبه بقوله { بل عجبوا } على جهلهم لأن التعجب من الشيء يقتضي الجهل بسببه وعلى هذا قوله عز وجل : { ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك كلا بل تكذبون بالدين } كأنه قيل ليس ههنا ما يقتضي أن يغرهم به تعالى ولكن تكذيبهم هو الذي حملهم على ما ارتكبوه . والضرب الثاني من بل هو أن يكون مبينا للحكم الأول وزائدا عليه بما بعد بل نحو قوله تعالى : { بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر } فإنه نبه أنهم يقولون أضغاث أحلام بل افتراه يزيدون على ذلك بأن الذي أتى به مفترى افتراه بل يزيدون فيدعون أنه كذاب فإن الشاعر في القرآن عبارة عن الكاذب بالطبع وعلى هذا قوله تعالى : { لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون بل تأتيهم بغتة فتبهتهم } أي لو يعلمون ما هو زائد عن الأول وأعظم منه وهو أن تأتيهم بغتة ، وجميع ما في القرآن من لفظ بل لا يخرج من أحد هذين الوجهين وإن دق الكلام في بعضه .
بلد : البلد المكان المختط المحدود المتأنس باجتماع قطانه وإقامتهم فيه وجمعه بلاد وبلدان قال عز وجل : { لا أقسم بهذا البلد } قيل يعني به مكة . وقال تعالى : { رب اجعل هذا البلد آمنا } وقال : { بلدة طيبة } - { فأنشرنا به بلدة ميتا } - { سقناه لبلد ميت فأنزلنا } وقال عز وجل : { رب اجعل هذا بلدا آمنا } يعني مكة وتخصيص ذلك في أحد الموضعين وتنكيره في الموضع الآخر له موضع غير هذا الكتاب . وسميت المفازة بلدا لكونها موطن الوحشيات والمقبرة بلدا لكونها موطنا للأموات والبلدة منزل من منازل القمر . والبلدة البلجة ما بين الحاجبين تشبيها بالبلد لتحدده وسميت الكركرة بلدة لذلك وربما استعير ذلك لصدر الإنسان . ولاعتبار الأثر قيل بجلده بلد أي أثر وجمعه أبلاد ، قال الشاعر :
( وفي النجوم كلوم ذات أبلاد **
وأبلد الرجل صار ذا بلد نحو أنجد وأتهم ، وبلد لزم البلد ولما كان اللازم لموطنه كثيرا ما يتحير إذا حصل في غير موطنه قيل للمتحير بلد في أمره وأبلد وتبلد ، قال الشاعر :
( لا بد للمحزون أن يتبلدا ** )
____________________
(1/59)
ولكثرة وجود البلادة فيمن كان جلف البدن قيل رجل أبلد عبارة عن العظيم الخلق وقوله تعالى : { والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا } كنايتان عن النفوس الطاهرة والنجسة فيما قيل .
بلس : الإبلاس الحزن المعترض من شدة البأس ، يقال أبلس . ومنه اشتق إبليس فيما قيل قال عز وجل : { ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون } وقال تعالى : { أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون } وقال تعالى : { وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين } ولما كان المبلس كثيرا ما يلزم السكوت وينسى ما يعنيه قيل أبلس فلان إذا سكت وإذا انقطعت حجته ، وأبلست الناقة فهي مبلاس إذا لم ترع من شدة الضبعة ، وأما البلاس للمسح ففارسي معرب .
بلع : قال عز وجل : { يا أرض ابلعي ماءك } من قولهم بلعت الشيء وابتلعته ، ومنه البلوعة وسعد بلع نجم ، وبلع الشيب في رأسه أول ما يظهر .
بلغ : البلوغ والبلاغ الانتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى مكانا كان أو زمانا أو أمرا من الأمور المقدرة ، وربما يعبر به عن المشارفة عليه وإن لم ينته إليه فمن الانتهاء بلغ أشده وبلغ أربعين سنة ، وقوله عز وجل : { فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن } - { ما هم ببالغيه } - { فلما بلغ معه السعي } - { لعلي أبلغ الأسباب } - { أيمان علينا بالغة } أي منتهية في التوكيد . والبلاغ التبليغ نحو قوله عز وجل : { هذا بلاغ للناس } وقوله عز وجل : { بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون } - { وما علينا إلا البلاغ المبين } - { فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب } والبلاغ الكفاية نحو قوله عز وجل : { إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين } وقوله عز وجل : { وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } أي إن لم تبلغ هذا أو شيئا مما حملت تكن في حكم من لم يبلغ شيئا من رسالته وذلك أن حكم الأنبياء وتكليفاتهم أشد وليس حكمهم كحكم سائر الناس الذين يتجافى عنهم إذا خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا وأما قوله عز وجل : { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف } فللمشارفة فإنها إذا انتهت إلى أقصى الأجل لا يصح للزوج مراجعتها وإمساكها . ويقال بلغته الخبر وأبلغته مثله وبلغته أكثر ، قال تعالى : { أبلغكم رسالات ربي } وقال : { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك } وقال عز وجل : { فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم } وقال تعالى : { بلغني الكبر وامرأتي عاقر } وفي موضع : { وقد بلغت من الكبر عتيا } وذلك نحو : أدركني الجهد وأدركت الجهد ولا يصح بلغني المكان وأدركني ، والبلاغة تقال على وجهين : أحدهما أن يكون بذاته
____________________
(1/60)
بليغا وذلك بأن يجمع ثلاثة أوصاف صوابا في موضوع لغته وطبقا للمعنى المقصود به وصدقا في نفسه ومتى اخترم وصف من ذلك كان ناقصا في البلاغة . والثاني أن يكون بليغا باعتبار القائل والمقول له وهو أن يقصد القائل أمرا فيرده على وجه حقيق أن يقبله المقول له ، وقوله تعالى : { وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا } يصح حمله على المعنيين وقول من قال معناه قل لهم إن أظهرتم ما في أنفسكم قتلتم ، وقول من قال خوفهم بمكاره تنزل بهم ، فإشارة إلى بعض ما يقتضيه عموم اللفظ والبلغة ما يتبلغ به من العيش .
بلى : يقال بلى الثوب بلى وبلاء أي خلق ومنه لمن قيل سافر بلاه سفر أي أبلاه السفر وبلوته اختبرته كأني أخلقته من كثرة اختباري له ، وقرئ : { هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت } أي نعرف حقيقة ما عملت ، ولذلك قيل ابليت فلانا إذا اختبرته ، وسمي الغم بلاء من حيث إنه يبلي الجسم ، قال تعالى : { وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم } - { ولنبلونكم بشيء من الخوف } الآية ، وقال عز وجل : { إن هذا لهو البلاء المبين } وسمي التكليف بلاء من أوجه : أحدها أن التكاليف كلها مشاق على الأبدان فصارت من هذا الوجه بلاء . والثاني أنها اختبارات ولهذا قال الله عز وجل : { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين } والثالث أن اختبار الله تعالى للعباد تارة بالمسار ليشكروا وتارة بالمضار ليصبروا فصارت المحنة والمنحة جميعا بلاء ، فالمحنة مقتضية للصبر والمنحة مقتضية للشكر ، والقيام بحقوق الصبر أيسر من القيام بحقوق الشكر ، فصارت المنحة أعظم البلاءين وبهذا النظر قال عمر : بلينا بالضراء فصبرنا وبلينا بالسراء فلم نصبر ، ولهذا قال أمير المؤمنين : من وسع عليه دنياه فلم يعلم أنه قد مكر به فهو مخدوع عن عقله ، وقال تعالى : { ونبلوكم بالشر والخير فتنة } - { وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا } وقوله عز وجل : { وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم } راجع إلى الأمرين إلى المحنة التي في قوله عز وجل { يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم } وإلى المنحة التي أنجاهم وكذلك قوله تعالى : { وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين } راجع إلى الأمرين كما وصف كتابه بقوله : { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء } وإذا قيل ابتلى فلان كذا وأبلاه فذلك يتضمن أمرين : أحدهما تعرف حاله والوقوف على ما يجهل من أمره . والثاني ظهور جودته ورداءته . وربما قصد به الأمران وربما يقصد به أحدهما ، فإذا قيل في الله تعالى بلا كذا أو أبلاه فليس المراد منه إلا ظهور جودته ورداءته دون التعرف لحاله والوقوف على ما يجهل من
____________________
(1/61)
أمره إذ كان الله علام الغيوب وعلى هذا قوله عز وجل { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } ويقال أبليت فلانا يمينا إذا عرضت عليه اليمين لتبلوه بها .
بلى : بلى رد للنفي نحو قوله تعالى : { وقالوا لن تمسنا النار } الآية { بلى من كسب سيئة } أو جواب لاستفهام مقترن بنفي نحو { ألست بربكم قالوا بلى } ونعم يقال في الاستفهام المجرد نحو { فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم } ولا يقال ههنا بلى . فإذا قيل ما عندي شيء فقلت بلى فهو رد لكلامه وإذا قلت نعم فإقرار منك ، قال تعالى : { فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون } - { وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم } - { وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى } - { العذاب قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى } .
بن : البنان الأصابع ، قيل سميت بذلك لأن بها صلاح الأحوال التي يمكن للإنسان أن يبن بها يريد أن يقيم به ويقال أبن بالمكان يبن ولذلك خص في قوله تعالى : { بلى قادرين على أن نسوي بنانه } ، وقوله تعالى : { واضربوا منهم كل بنان } ، خصه لأجل أنهم بها تقاتل وتدافع ، والبنة الرائحة التي تبن بما تعلق به .
بنى : يقال بنيت أبنى بناء وبنية وبنيا ، قال عز وجل : { وبنينا فوقكم سبعا شدادا } والبناء اسم لما يبنى بناء ، قال تعالى : { لهم غرف من فوقها غرف مبنية } والبنية يعبر بها عن بيت الله قال تعالى : { والسماء بنيناها بأيد } - { والسماء وما بناها } والبنيان واحد لا جمع لقوله : { لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم } وقال : { كأنهم بنيان مرصوص } - { قالوا ابنوا له بنيانا } وقال بعضهم : بنيان جمع بنيانة فهو مثل شعير وشعيرة وتمر وتمرة ونخل ونخلة ، وهذا النحو من الجمع يصح تذكيره وتأنيثه . وابن أصله بنو لقولهم الجمع أبناء وفي التصغير بني ، قال تعالى : { يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك } - { يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك } - { يا بني لا تشرك بالله } - ( يا بني لا تعبد الشيطان ) وسمي بذلك لكونه بناء للأب فإن الأب هو الذي بناه وجعله الله بناء في إيجاده ويقال لكل ما يحصل من جهة شيء أو من تربيته أو بتفقده أو كثرة خدمته له أو قيامه بأمره هو ابنه نحو فلان ابن حرب وابن السبيل للمسافر وابن الليل وابن العلم . قال الشاعر :
( أولاك بنو خير وشر كليهما ** )
وفلان ابن بطنه وابن فرجه إذا كان
____________________
(1/62)
همه مصروفا إليهما وابن يومه إذا لم يتفكر في غده ، قال تعالى : { وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله } وقال تعالى : { إن ابني من أهلي } - { إن ابنك سرق } وجمع ابن أبناء وبنون قال عز وجل : { وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } ، وقال عز وجل { يا بني لا تدخلوا من باب واحد } - { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } - { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان } ويقال في مؤنث ابن ابنة وبنت والجمع بنات ، وقوله تعالى : { هؤلاء بناتي هن أطهر لكم } وقوله : { لقد علمت ما لنا في بناتك من حق } فقد قيل خاطب بذلك أكابر القوم وعرض عليهم بناته لا أهل قريته كلهم فإنه محال أن يعرض بنات له قليلة على الجم الغفير وقيل بل أشار بالبنات إلى نساء أمته وسماهن بنات له لكون كل نبي بمنزلة الأب لأمته بل لكونه أكبر وأجل الأبوين لهم كما تقدم في ذكر الأب ، وقوله تعالى : { ويجعلون لله البنات } هو قولهم عن الله إن الملائكة بنات الله تعالى .
بهت : قال الله عز وجل : { فبهت الذي كفر } أي دهش وتحير ، وقد بهته . قال عز وجل : { هذا بهتان عظيم } أي كذب يبهت سامعه لفظاعته . قال الله تعالى : { يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن } كناية عن الزنا قيل بل ذلك لكل فعل شنيع يتعاطينه باليد والرجل من تناول ما لا يجوز والمشي إلى ما يقبح ويقال جاء بالبهيتة أي الكذب .
بهج : البهجة حسن اللون وظهور السرور وفيه قال عز وجل : { حدائق ذات بهجة } وقد بهج فهو بهيج ، قال : { وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج } . ويقال بهج كقول الشاعر :
( ذات خلق بهج ** )
ولا يجيء منه بهوج وقد ابتهج بكذا أي سر به سرورا بان أثره على وجهه وأبهجه كذا .
بهل : أصل البهل كون الشيء غير مراعى والباهل البعير المخلى عن قيده أو عن سمه أو المخلى ضرعها عن صرار . قالت امرأة أتيتك باهلا غير ذات صرار أي أبحت لك جميع ما كنت أملكه لم أستأثر بشيء دونه وأبهلت فلانا خليته وإرادته تشبيها بالبعير الباهل . والبهل والابتهال في الدعاء الاسترسال فيه والتضرع نحو قوله عز وجل : { ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين } ومن فسر الابتهال باللعن فلأجل أن الاسترسال في هذا المكان لأجل اللعن قال الشاعر :
( نظر الدهر إليهم فابتهل ** )
أي استرسل فيهم فأفناهم
بهم : البهمة الحجر الصلب وقيل للشجاع
____________________
(1/63)
بهمة تشبيها به وقيل لكل ما يصعب على الحاسة إدراكه إن كان محسوسا وعلى الفهم إن كان معقولا مبهم ، ويقال أبهمت كذا فاستبهم وأبهمت الباب أغلقته إغلاقا لا يهتدى لفتحه والبهيمة ما لا نطق له وذلك لما في صوته من الإبهام لكن خص في التعارف بما عدا السباع والطير فقال تعالى : { أحلت لكم بهيمة الأنعام } وليل بهيم فعيل بمعنى مفعل قد أبهم أمره للظلمة أو في معنى مفعل لأنه يبهم ما يعن فيه فلا يدرك ، وفرس بهيم إذا كان على لون واحد لا يكاد تميزه العين غاية التمييز ومنه ما روي أنه يحشر الناس يوم القيامة بهما أي عراة وقيل معرون مما يتوسمون به في الدنيا ويتزينون به والله أعلم ، والبهم صغار الغنم والبهمى نبات يستبهم منبته لشركه وقد أبهمت الأرض كثر بهمها نحو أعشبت وأبقلت أي كثر عشبها وبقلها .
باب : الباب يقال لمدخل الشيء واصل ذلك مداخل الأمكنة كباب المدينة والدار والبيت وجمعه أبواب قال تعالى : { واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب } وقال تعالى : { لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة } ومنه يقال في العلم باب كذا وهذا العلم باب إلى علم كذا أي به يتوصل إليه وقال صلى الله عليه وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها أي به يتوصل قال الشاعر :
( أتيت المرؤءة من بابها ** )
قال تعالى : { فتحنا عليهم أبواب كل شيء } وقال عز وجل { باب باطنه فيه الرحمة } وقد يقال أبواب الجنة وأبواب جهنم للأشياء التي بها يتوصل إليهما ، قال تعالى : { ادخلوا أبواب جهنم } وقال تعالى : { حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم } وربما قيل هذا من باب كذا أي مما يصلح له وجمعه بابات وقال الخليل بابة في الحدود وبوبت بابا ، أي عملت وأبواب مبوبة ، والبواب حافظ البيت وتبوبت بابا اتخذته ، وأصل باب بوب .
بيت : أصل البيت مأوى الإنسان بالليل لأنه يقال بات أقام بالليل كما يقال ظل بالنهار ثم قد يقال للمسكن بيت من غير اعتبار الليل فيه وجمعه أبيات وبيوت لكن البيوت بالمسكن أخص والأبيات بالشعر قال عز وجل { فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا } وقال تعالى : { واجعلوا بيوتكم قبلة } - { لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم } ويقع ذلك على المتخذ من حجر ومدر وصوف ووبر وبه شبه بيت الشعر ، وعبر عن مكان الشيء بأنه بيته وصار أهل البيت متعارفا في آل النبي عليه الصلاة السلام ونبه النبي بقوله : سلمان منا أهل البيت أن مولى القوم يصح نسبته إليهم ، كما قال : مولى القوم منهم وابنه
____________________
(1/64)
من أنفسهم . وبيت الله والبيت العتيق مكة قال الله عز وجل : { وليطوفوا بالبيت العتيق } - { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة } - { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت } يعني بيت الله وقوله عز وجل : { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى } إنما نزل في قوم كانوا يتحاشون أن يستقبلوا بيوتهم بعد إحرامهم فنبه تعالى أن ذلك مناف للبر . وقوله عز وجل : { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام } معناه بكل نوع من المسار ، وقوله تعالى : { في بيوت أذن الله أن ترفع } قيل بيوت النبي نحو : { لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم } وقيل أشير بقوله في بيوت إلى أهل بيته وقومه ، وقيل أشير به إلى القلب . وقال بعض الحكماء في قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة ) إنه أريد به القلب وعني بالكلب الحرص بدلالة أنه يقال كلب فلان إذا أفرط في الحرص وقولهم هو أحرص من كلب . وقوله تعالى : { وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت } يعني مكة ، و { قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة } أي سهل لي فيها مقرا { وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة } يعني المسجد الأقصى ، وقوله عز وجل : { فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } فقد قيل إشارة إلى جماعة البيت فسماهم بيتا كتسمية نازل القرية قرية . والبيات والتبييت قصد العدو ليلا ، قال تعالى : { أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون } - { بياتا أو هم قائلون } والبيوت ما يفعل بالليل ، قال تعالى : { بيت طائفة منهم } يقال لكل فعل دبر فيه بالليل بيت قال عز وجل : { إذ يبيتون ما لا يرضى من القول } وعلى ذلك قوله عليه السلام : لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل وبات فلان يفعل كذا عبارة موضوعة لما يفعل بالليل كظل لما يفعل بالنهار وهما من باب العبادات .
بيد : قال عز وجل : { ما أظن أن تبيد هذه أبدا } يقال باد الشيء يبيد بيادا إذا تفرق وتوزع في البيداء أي المفازة وجمع البيداء بيد ، وأتان بيدانة تسكن البيداء .
بور : البوار فرط الكساد ولما كان فرط الكساد يؤدي إلى الفساد كما قيل كسد حتى فسد عبر بالبوار عن الهلاك ، يقال بار الشيء يبور بورا وبؤرا ، قال عز وجل : ( تجارة لن تبور - ومكر أولئك هو يبور ) وروي نعوذ بالله من بوار الأيم ، وقال عز وجل : { وأحلوا قومهم دار البوار } ويقال رجل حائر بائر وقوم حور بور ، وقوله تعالى : { حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا } أي هلكى جمع بائر ، وقيل بل هو مصدر يوصف به الواحد
____________________
(1/65)
والجمع فيقال رجل بور وقوم بور ، وقال الشاعر :
( يا رسول المليك إن لساني ** راتق ما فتقت إذ أنا بور )
وبار الفحل الناقة إذا تشممها ألا قح هي أم لا ، ثم يستعار ذلك للاختبار فيقال برت كذا اختبرته .
بئر : قال عز وجل : { وبئر معطلة وقصر مشيد } وأصله الهمز يقال بأرت بئرا وبأرت بؤرة أي حفيرة ، ومنه اشتق المئبر وهو في الأصل حفيرة يستر رأسها ليقع فيها من مر عليها ويقال لها المغواة وعبر بها عن النميمة الموقعة في البلية والجمع المآبر .
بؤس : البؤس والبأس والبأساء الشدة والمكروه إلا أن البؤس في الفقر والحرب أكثر والبأس والبأساء في النكاية نحو : { والله أشد بأسا وأشد تنكيلا } - { فأخذناهم بالبأساء والضراء } - { والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس } وقال تعالى : { بأسهم بينهم شديد } وقد بؤس يبؤس ، وعذاب بئيس فعيل من البأس أو من البؤس ، فلا تبتئس أي لا تلتزم البؤس ولا تحزن ، وفي الخبر أنه عليه السلام كان يكره البؤس والتباؤس والتبؤس : أي الضراعة للفقراء أو أن يجعل نفسه ذليلا ويتكلف ذلك جميعا . وبئس كلمة تستعمل في جميع المذام ، كما أن نعم تستعمل في جميع الممادح ويرفعان ما فيه الألف واللام أو مضافا إلى ما فيه الألف واللام نحو بئس الرجل زيد وبئس غلام الرجل زيد ، وينصبان النكرة نحو بئس رجلا وبئس ما كانوا يفعلون أي شيئا يفعلونه ، قال تعالى : { وبئس القرار } - { فلبئس مثوى المتكبرين } - { بئس للظالمين بدلا } - { لبئس ما كانوا يصنعون } وأصل بئيس بئس وهو من البؤس .
بيض : البياض في الألوان ضد السواد ، يقال أبيض ابيضاضا وبياضا فهو مبيض وأبيض قال عز وجل : { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم } والأبيض عرق سمي به لكونه أبيض ، ولما كان البياض أفصل لون عندهم كما قيل البياض افضل والسواد أهول والحمرة أجمل والصفرة أشكل عبر عن الفضل والكرم بالبياض حتى قيل لمن لم يتدنس بمعاب هو أبيض الوجه ، وقوله تعالى : { يوم تبيض وجوه } فابيضاض الوجوه عبارة عن المسرة واسودادها عن الغم وعلى ذلك : { وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا } وعلى نحو الابيضاض قوله تعالى : { وجوه يومئذ ناضرة } وقوله : { وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة } وقيل أمك بيضاء من قضاعة ، وعلى ذلك قوله تعالى : { بيضاء لذة للشاربين } وسمي البيض لبياضه الواحدة بيضة ، وكني
____________________
(1/66)
عن المرأة بالبيضة تشبيها بها في اللون وكونها مصونة تحت الجناح ، وبيضة البلد لما يقال في المدح والذم ، أما المدح فلمن كان مصونا من بين أهل البلد ورئيسا فيهم ، وعلى ذلك قول الشاعر :
( كانت قريش بيضة فتفلقت ** فالمح خالصه لعبد مناف )
وأما الذم فلمن كان ذليلا معرضا لمن يتناوله كبيضة متروكة بالبلد أي العراء والمفازة . وبيضتا الرجل سميتا بذلك تشبيها بها في الهيئة والبياض ، يقال باضت الدجاجة وباض كذا أي تمكن ، قال الشاعر :
( بدا من ذوات الضغن يأوي ** صدورهم فعشش ثم باض )
وباض الحر تمكن وباضت يد المرأة إذا ورمت ورما على هيئة البيض ، ويقال دجاجة بيوض ودجاج بيض .
بيع : البيع إعطاء المثمن وأخذ الثمن ، والشراء إعطاء الثمن وأخذ المثمن ، ويقال للبيع الشراء وللشراء البيع وذلك بحسب ما يتصور من الثمن والمثمن وعلى ذلك قوله عز وجل : { وشروه بثمن بخس } وقال عليه السلام : لا يبيعن أحدكم على بيع أخيه أي لا يشتري على شراه ، وأبعت الشيء عرضته للبيع نحو قول الشاعر :
( فرسا فليس جواده بمباع ** )
والمبايعة والمشارة تقالان فيهما ، قال الله تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } وقال { وذروا البيع } وقال عز وجل : { لا بيع فيه ولا خلال } - { لا بيع فيه ولا خلة } وبايع السلطان إذا تضمن بذل الطاعة له بما رضخ له ويقال لذلك بيعة ومبايعة وقوله عز وجل { فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به } إشارة إلى بيعة الرضوان المذكورة في قوله تعالى : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } وإلى ما ذكر في قوله تعالى : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم } الآية . وأما الباع فمن الواو بدلالة قولهم : باع في السر يبوع إذا مد باعه .
بال : البال الحال التي يكترث بها ولذلك يقال ما باليت بكذا بالة أي ما اكترثت به ، قال : { كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم } وقال : { فما بال القرون الأولى } أي حالهم وخبرهم ، ويعبر بالبال عن الحال الذي ينطوي عليه الإنسان فيقال خطر كذا ببالي .
بين : موضوع للخلالة بين الشيئين ووسطهما قال تعالى : { وجعلنا بينهما زرعا } يقال بان كذا أي انفصل وظهر ما كان مستترا منه ، ولما اعتبر فيه معنى الانفصال والظهور استعمل في كل واحد منفردا فقيل للبئر البعيدة القعر بيون لبعد ما بين الشفير والقعر لانفصال
____________________
(1/67)
حبلها من يد صاحبها . وبان الصبح ظهر ، وقوله تعالى : { لقد تقطع بينكم } أي الوصل ، وتحقيقه أنه ضاع عنكم الأموال والعشيرة والأعمال التي كنتم تعتمدونها إشارة إلى قوله سبحانه { يوم لا ينفع مال ولا بنون } وعلى ذلك قوله { ولقد جئتمونا فرادى } الآية وبين يستعمل تارة اسما وتارة ظرفا ، فمن قرأ بينكم جعله اسما ومن قرأ بينكم جعله ظرفا غير متمكن وتركه مفتوحا ، فمن الظرف قوله : { لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } وقوله : { فقدموا بين يدي نجواكم صدقة } - { فاحكم بيننا بالحق } وقوله تعالى : { فلما بلغا مجمع بينهما } فيجوز أن يكون مصدرا أي موضع المفترق { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق } ولا يستعمل بين إلا فيما كان له مسافة نحو بين البلدين أو له عدد ما اثنان فصاعدا نحو الرجلين وبين القوم ولا يضاف إلى ما يقتضي معنى الوحدة إلا إذا كرر نحو : { ومن بيننا وبينك حجاب } - { فاجعل بيننا وبينك موعدا } ويقال هذا الشيء بين يديك أي قريبا منك وعلى هذا قوله { ثم لآتينهم من بين أيديهم } - { له ما بين أيدينا وما خلفنا } - { وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا } - { ومصدقا لما بين يدي من التوراة } - { أأنزل عليه الذكر من بيننا } أي من جملتنا وقوله : { وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه } أي متقدما له من الإنجيل ونحوه وقوله { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } أي راعوا الأحوال التي تجمعكم من القرابة والوصلة والمودة ، ويزاد فيه ما أو الألف فيجعل بمنزلة حين نحو بينما زيد يفعل كذا وبينا يفعل كذا قال الشاعر :
( بينا يعنفه الكماة وروعة ** يوما أتيح له جرئ سلفع )
بان : يقال بان واستبان وتبين وقد بينته قال الله سبحانه { وقد تبين لكم من مساكنهم } - { وتبين لكم كيف فعلنا بهم } - { ولتستبين سبيل المجرمين } - { قد تبين الرشد من الغي } - { قد بينا لكم الآيات } - { ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه } - { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } - { ليبين لهم الذي يختلفون فيه } - { فيه آيات بينات } وقال { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات } ويقال آية مبينة اعتبارا بمن بينها وآية مبينة وآيات مبينات ومبينات ، والبينة الدلالة الواضحة عقلية كانت أو محسوسة وسمي الشاهدان بينة لقوله عليه السلام : البينة على المدعي واليمين على من أنكر وقال سبحانه { أفمن كان على بينة من ربه } وقال : { ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة } -
____________________
(1/68)
{ جاءتهم رسلهم بالبينات } ) والبيان الكشف عن الشيء وهو أعم من النطق مختص بالإنسان ويسمى ما بين به بيانا . قال بعضهم : البيان يكون على ضربين : أحدهما بالتنجيز وهو الأشياء التي تدل على حال من الأحوال من آثار صنعه . والثاني بالاختبار وذلك إما أن يكون نطقا أو كتابة أو إشارة ، فمما هو بيان بالحال قوله : { ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين } أي كونه عدوا بين في الحال { تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين } .
وما هو بيان بالاختبار { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } وسمي الكلام بيانا لكشفه عن المعنى المقصود إظهاره نحو { هذا بيان للناس } وسمي ما يشرح به المجمل والمبهم من الكلام بيانا نحو قوله { ثم إن علينا بيانه } ويقال بينته وأبنته إذا جعلت له بيانا تكشفه نحو : { لتبين للناس ما نزل إليهم } وقال : { نذير مبين } - { إن هذا لهو البلاء المبين } - { ولا يكاد يبين } أي يبين { وهو في الخصام غير مبين } .
بواء : أصل البواء مساواة الأجزاء في المكان خلاف النبوة الذي هو منافاة الأجزاء ، يقال مكان بواء إذا لم يكن نابيا بنازله ، وبوأت له مكانا سويته فتبوأ ، وباء فلان بدم فلان يبوء به أي ساواه ، قال : { وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا } - { ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق } - { تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال } - { يتبوأ منها حيث يشاء } وروى أنه كان عليه السلام يتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله . وبوأت الرمح هيأت له مكانا ثم قصدت الطعن به . وقال عليه السلام : من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ، قال الراعي في صفة إبل :
( لها أمرها حتى إذا ما تبوأت ** بأخفافها مأوى تبوأ مضجعا )
أي يتركها الراعي حتى إذا وجدت مكانا موافقا للرعي طلب الراعي لنفسه متبوأ لمضجعه ، ويقال تبوأ فلان كناية عن التزوج كما يعبر عنه بالبناء فيقال بنى بأهله . ويستعمل البواء في مكافأة المصاهرة والقصاص فيقال فلان بواء لفلان إذا ساواه ، وباء بغضب من الله أي حل مبوأ ومعه غضب الله أي عقوبته ، وبغضب في موضع حال كخرج بسيفه أي رجع وجاء له أنه مغضوب وليس مفعولا نحو مر بزيد واستعمال باء تنبيها على أن مكانه الموافق يلزمه فيه غضب الله فكيف غيره من الأمكنة وذلك على حد ما ذكر في
____________________
(1/69)
قوله : { فبشرهم بعذاب } وقوله : { إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك } أي تقيم بهذه الحالة ، قال :
( أنكرت باطلها وبؤت بحقها ** )
وقول من قال أقررت بحقها فليس تفسيره بحسب مقتضى اللفظ . والباءة كناية عن الجماع وحكي عن خلف الأحمر أنه قال في قولهم حياك الله وبياك أن أصله بوأك منزلا فغير لازدواج الكلمة كما غير في قولهم أتيته الغدايا والعشايا .
الباء : يجئ إما متعلقا بفعل ظاهر معه أو متعلقا بمضمر ، فالمتعلق بفعل معه ضربان : أحدهما لتعدية الفعل وهو جار مجرى الألف الداخل للتعدية نحو ذهبت به وأذهبته قال : { وإذا مروا باللغو مروا كراما } والثاني للآلة نحو قطعه بالسكين . والمتعلق بمضمر يكون في موضع الحال نحو خرج بسلاحه أي وعليه السلاح أي ومعه سلاحه وربما قالوا تكون زائدة نحو : { وما أنت بمؤمن لنا } فبينه وبين قولك ما أنت مؤمنا لنا فرق ، فالمتصور من الكلام إذا نصب ذات واحد كقولك زيد خارج ، والمتصور منه إذا قيل ما أنت بمؤمن لنا ذانان كقولك لقيت بزيد رجلا فاضلا فإن قوله رجلا فاضلا وإن أريد به زيد فقد أخرج في معرض يتصور منه إنسان آخر فكأنه قال رأيت برؤيتي لك آخر هو رجل فاضل ، وعلى هذا رأيت بك حاتما في السخاء ، وعلى هذا { وما أنا بطارد المؤمنين } وقوله : { أليس الله بكاف عبده } قال الشيخ وهذا فيه نظر ، وقوله : { تنبت بالدهن } قيل معناه تنبت الدهن وليس ذلك بالمقصود بل المقصود أنها تنبت النبات ومعه الدهن أي والدهن فيه موجود بالقوة ونبه بلفظة بالدهن على ما أنعم به على عباده وهداهم على استنباطه . وقيل الباء ها هنا للحال أي حاله أن فيه الدهن والسبب فيه أن الهمزة والباء اللتين للتعدية لا يجتمعان وقوله : { وكفى بالله } فقيل كفى الله شهيدا نحو : { وكفى الله المؤمنين القتال } الباء زائدة ولو كان ذلك كما قيل لصح أن يقال كفى بالله المؤمنين القتال وذلك غير سائغ وإنما يجيء ذلك حيث يذكر بعده منصوب في موضع الحال كما تقدم ذكره ، والصحيح أن كفي ههنا موضوع موضع اكتف ، كما أن قولهم : أحسن بزيد موضوع موضع ما أحسن ، ومعناه اكتف بالله شهيدا وعلى هذا { وكفى بربك هاديا ونصيرا } - { وكفى بالله وليا } وقوله : { أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد } وعلى هذا قوله حب إلي بفلان أي أحبب إلي به . ومما ادعي فيه الزيادة الباء في قوله : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } قيل تقديره لا تلقوا أيديكم والصحيح أن معناه لا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة إلا أنه حذف المفعول استغناء عنه وقصدا إلى
____________________
(1/70)
العموم فإنه لا يجوز إلقاء أنفسهم ولا إلقاء غيرهم بأيديهم إلى التهلكة . وقال بعضهم الباء بمعنى من في قوله تعالى : { عينا يشرب بها المقربون } - { عينا يشرب بها عباد الله } أي منها وقيل عينا يشربها والوجه أن لا يصرف ذلك عما عليه وأن العين ههنا إشارة إلى المكان الذي ينبع منه الماء لا إلى الماء بعينه نحو نزلت بعين فصار كقولك مكانا يشرب به وعلى هذا قوله : { فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب } أي بموضع الفوز .
____________________
(1/71)
= كتاب التاء =
التب ، والتباب : الاستبرار في الخسران ، يقال تبا له وتب له وتببته إذا قلت له ذلك ولتضمن الاستمرار قيل استتب لفلان كذا أي استمر ، وتبت يدا أبى لهب أي استمرت في خسرانه نحو : { ذلك هو الخسران المبين } - { وما زادوهم غير تتبيب } أي تخسير { وما كيد فرعون إلا في تباب } .
تابوت : التابوت فيما بيننا معروف . { أن يأتيكم التابوت } قيل كان شيئا منحوتا من الخشب فيه حكمة وقيل عبارة عن القلب والسكينة وعما فيه من العلم ، وسمي القلب سفط العلم وبيت الحكمة وتابوته ووعاءه وصندوقه وعلى هذا قيل اجعل سرك في وعاء غير سرب ، وعلى تسميته بالتابوت قال عمر لابن مسعود رضي الله عنهما : كنيف ملئ علما .
تبع : يقال تبعه واتبعه قفا أثره وذلك تارة بالارتسام والائتمار وعلى ذلك قوله { فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } - { قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا } - { فمن اتبع هداي } - { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم } - { واتبعك الأرذلون } - { واتبعت ملة آبائي } - { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } - { واتبعوا ما تتلوا الشياطين } - { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } - { ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله } - { هل أتبعك على أن تعلمن } - { واتبع سبيل من أناب } ويقال أتبعه إذا لحقه قال { فأتبعوهم مشرقين } - { ثم أتبع سببا } - { وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة } - { فأتبعه الشيطان } - { فأتبعنا بعضهم بعضا } يقال أتبعت عليه أي أحلت عليه ويقال أتبع فلان بمال أي أحيل عليه ، والتبيع خص بولد البقر إذا تبع أمه والتبع رجل الدابة وتسميته بذلك كما قال :
( كأنما الرجلان واليدان ** طالبتا وتروهما ربتان )
والمتبع من البهائم التي يتبعها ولدها ، وتبع كانوا رؤساء ، سموا بذلك لاتباع بعضهم بعضا في الرياسة والسياسة وقيل تبع ملك يتبعه قومه والجمع التبابعة قال : { أهم خير أم قوم تبع } والتبع الظل .
تبر : التبر الكبير والإهلاك يقال تبره وتبره قال تعالى : { إن هؤلاء متبر ما هم فيه }
____________________
(1/72)
وقال : { وكلا تبرنا تتبيرا } - { وليتبروا ما علوا تتبيرا } وقوله تعالى : { ولا تزد الظالمين إلا تبارا } .
تترى : تترى على فعلى من المواترة أي المتابعة وترا وترا وأصلها واو فأبدلت نحو تراث وتجاه فمن صرفه جعل الألف زائدة لا للتأنيث ومن لم يصرفه جعل ألفه للتأنيث قال : { ثم أرسلنا رسلنا تترا } أي متواترين قال الفراء يقال تتري في الرفع وتترى في الجر وتترى في النصب والألف فيه بدل من التنوين . وقال ثعلب هي تفعل ، قال أبو علي الغبور : ذلك غلط لأنه ليس في الصفات تفعل .
تجارة : التجارة التصرف في رأس المال طلبا للربح يقال تجر يتجر وتاجر وتجر كصاحب وصحب . قال وليس في كلامهم تاء بعدها جيم غير هذا اللفظ فأما تجاه فأصله وجاه وتجوب التاء للمضارعة وقوله : { هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم } فقد فسر هذه التجارة بقوله : { تؤمنون بالله } إلى آخر الآية وقال : { اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم } _ { إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } - { تجارة حاضرة تديرونها بينكم } قال ابن الأعرابي فلان تاجر بكذا أي حاذق به عارف الوجه المكتسب منه .
تحت : تحت مقابل لفوق قال { لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم } وقوله : { جنات تجري من تحتها الأنهار } { فناداها من تحتها } وتحت يستعمل في المنفصل وأسفل في المتصل يقال المال تحته ، وأسفله أغلظ من أعلاه ، وفي الحديث : لا تقوم الساعة حتى يظهر التحوت أي الأرذال من الناس وقيل بل ذلك إشارة إلى ما قال سبحانه { وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت } .
تخذ : تخذ بمعنى أخذ قال :
( وقد اتخذت رجلي إلى جنب غرزها ** فحوص القطاة المطوق )
واتخذ افتعل منه { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني } - { قل أتخذتم عند الله عهدا } - { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } - { لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } - { لو شئت لاتخذت عليه أجرا }
تراث : { وتأكلون التراث } أصله وراث وهو من باب الواو .
تفث : { ثم ليقضوا تفثهم } أي أزالوا وسخهم يقال قضى الشيء يقضي إذا قطعه وأزاله ، واصل التفث وسخ الظفر وغير ذلك مما شأنه أن يزال عن البدن ، قال أعرابي ما أتفثك وأدرنك .
تراب : قال { خلقكم من تراب } - { يا ليتني كنت ترابا } وترب افتقر كأنه لصق بالتراب قال { أو مسكينا ذا متربة } أي ذا لصوق بالتراب لفقره ، وأترب استغنى
____________________
(1/73)
كأنه صار له المال بقدر التراب والتراب الأرض نفسها ، والتيرب واحد التيارب ، والتورب والتوراب ، وريح تربة تأتي بالتراب ومنه قوله عليه السلام عليك بذات الدين تربت يداك تنبيها على أنه لا يفوتنك ذات الدين فلا يحصل لك ما ترومه فتفتقر من حيث لا تشعر . وبارح ترب ريح فيها تراب ، والترائب ضلوع الصدر الواحدة تريبة ، قال { يخرج من بين الصلب والترائب } وقوله { أبكارا عربا أترابا } - { وكواعب أترابا } - { وعندهم قاصرات الطرف أتراب } أي لدات تنشأن معا تشبيها في التساوي والتماثل بالترائب التي هي ضلوع الصدر أو لوقوعهن معا على الأرض ، وقيل لأنهن في حال الصبا يلعبن بالتراب معا .
ترفه : الترفه التوسع في النعمة ، يقال أترف فلان فهو مترف { وأترفناهم في الحياة الدنيا } - { واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه } وقال { وارجعوا إلى ما أترفتم فيه } - { إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب } - { أمرنا مترفيها } وهم الموصوفون بقوله سبحانه : { فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه } .
ترقوة : { كلا إذا بلغت التراقي } جمع ترقوة وهي عظم وصل ما بين ثغرة النحر والعاتق .
ترك : ترك الشيء رفضه قصدا واختيارا أو قهرا واضطرارا فمن الأول : { وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض } وقوله : { واترك البحر رهوا } ومن الثاني : { كم تركوا من جنات } ومنه تركة فلان لما يخلفه بعد موته وقد يقال في كل فعل ينتهي به إلى حاله ما تركته كذا أو يجري مجرى كذا جعلته كذا نحو تركت فلانا وحيدا ، والتريكة أصله البيض المتروك في مفازته ويسمى بيضة الحديد بها كتسميتهم إياها بالبيض .
تسعة : التسعة في العدد معروفة وكذا التسعون قال : { تسعة رهط } - { تسع وتسعون نعجة } - { عليها تسعة عشر } - { ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا } والتسع من أظماء الإبل ، والتسع جزء من تسع والتسع ثلاث ليال من الشهر آخرها التاسعة ، وتسعت القوم أخذت تسع أموالهم ، أو كنت لهم تاسعا .
تعس : التعس أن لا ينتعش من العثرة وأن ينكسر في سفال ، وتعس تعسا وتعسة . قال الله تعالى : { فتعسا لهم } .
تقوى : تاء التقوى مقلوب من الواو وذلك مذكور في بابه .
متكأ : المتكأ المكان الذي يتكأ عليه والمخدة المتكأ عليها ، وقوله : { وأعتدت لهن متكأ } أي أترجا ، وقيل طعاما متناولا من قولك اتكأ على كذا فأكله { قال هي عصاي أتوكأ عليها } - { متكئين على سرر مصفوفة } -
____________________
(1/74)
{ على الأرائك متكئون } - { متكئين عليها متقابلين } ) .
تل : أصل التل المكان المرتفع والتليل العتيق ( وتله للجبين ) أسقطه على التل كقولك تربه أسقطه على التراب ، وقيل أسقطه على قليله ، والمتل الرمح الذي يتل به .
تلى : تبعه متابعة ليس بينهم ما ليس منها وذلك يكون تارة بالجسم وتارة بالاقتداء في الحكم ومصدره تلو وتلو ، وتارة بالقراءة أو تدبر المعنى ومصدره تلاوة ( والقمر إذا تلاها ) أراد به ها هنا الاتباع على سبيل الاقتداء والمرتبة وذلك أنه يقال إن القمر هو يقتبس النور من الشمس وهو لها بمنزلة الخليفة وقيل وعلى هذا نبه قوله : { جعل الشمس ضياء والقمر نورا } والضياء أعلى مرتبة من النور ، إذ كان كل ضياء نورا وليس كل نور ضياء { ويتلوه شاهد منه } أي يقتدي به ويعمل بموجب قوله { يتلون آيات الله } والتلاوة تختص باتباع كتب الله المنزلة تارة بالقراءة وتارة بالارتسام لما فيها من أمر ونهي وترغيب وترهيب ، أو ما يتوهم فيه ذلك وهو أخص من القراءة ، فكل تلاوة قراءة وليس كل قراءة تلاوة ، لا يقال تلوت رقعتك وإنما يقال في القرآن في شيء إذا قرأته وجب عليك اتباعه { هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت } - { وإذا تتلى عليهم آياتنا } - { أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم } - { قل لو شاء الله ما تلوته عليكم } { وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا } فهذا بالقراءة وكذلك { واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك } - { واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق } - { فالتاليات ذكرا } وأما قوله { يتلونه حق تلاوته } فاتباع له بالعلم والعمل { ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم } أي ننزله { واتبعوا ما تتلوا الشياطين } ، واستعمل فيه لفظ التلاوة لما كان يزعم الشيطان أن ما يتلونه من كتب الله ، والتلاوة والتلية بقية مما يتلى أي يتتبع ، وأتليته أي أبقيت منه تلاوة أي تركته قادرا على أن يتلوه وأتليت فلانا على فلان بحق أي أحلته عليه ، ويقال فلان يتلو على فلان ، ويقول عليه أي يكذب عليه قال : { ويقولون على الله الكذب } ويقال لا أدري ولا أتلي ولا دريت ولا تليت وأصله ولا تلوت فقيل للمزاوجة كما قيل : مأزورات غير مأجورات وإنما هو موزورات .
تمام : تمام الشيء انتهاؤه إلى حد لا يحتاج إلى شيء خارج عنه والناقص ما يحتاج إلى شيء خارج عنه ويقال ذلك للمعدود والممسوح ،
____________________
(1/75)
تقول عدد تام وليل تام قال : { وتمت كلمة ربك } - { والله متم نوره } - { وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه } .
توارة : التوراة التاء فيه مقلوب وأصله من الورى وبناؤها عند الكوفيين ووراة تفعلة ، وقال بعضهم : هي تفعل نحو : تتفل وليس في كلامهم تفعل اسما وعند البصريين وورى هي فوعل نحو حوقل قال تعالى : { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور } - { ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل } .
تارة : نخرجكم تارة أي مرة وكرة أخرى هو فيما قيل تار الجرح التأم .
تين : { والتين والزيتون } قيل هما جبلان وقيل هما المأكولان وتحقيق موردهما واختصاصهما يتعلق بما بعد هذا الكتاب .
توب : التوب ترك الذنب على أجمل الوجوه وهو أبلغ وجوه الاعتذار ، فإن الاعتذار على ثلاثة أوجه : إما أن يقول المعتذر لم أفعل أو يقول فعلت لأجل كذا أو فعلت وأسأت وقد أقلعت ولا رابع لذلك ، وهذا الأخير هو التوبة ، والتوبة في الشرع ترك الذنب لقبحه والندم على ما فرط منه والعزيمة على ترك المعاودة وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة فمتى اجتمعت هذه الأربع فقد كمل شرائط التوبة . وتاب إلى الله تذكر ما يقتضي الإنابة : نحو : { وتوبوا إلى الله جميعا } - { أفلا يتوبون إلى الله } - { وتاب الله عليكم } أي قبل توبته منه { لقد تاب الله على النبي والمهاجرين } - { ثم تاب عليهم ليتوبوا } - { فتاب عليكم وعفا عنكم } والتائب يقال لباذل التوبة ولقابل التوبة فلعبد تائب إلى الله والله تائب على عبده والتواب العبد الكثير التوبة وذلك بتركه كل وقت بعض الذنوب على الترتيب حتى يصير تاركا لجميعه ، وقد يقال لله ذلك لكثرة قبوله توبة العباد حالا بعد حال وقوله : { ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا } أي التوبة التامة وهو الجمع بين ترك القبيح وتحري الجميل : { عليه توكلت وإليه متاب } - { إنه هو التواب الرحيم } .
التيه : يقال تاه يتيه إذا تحير وتاه يتوه لغة في تاه يتيه ، وفي قصة بني إسرائيل أربعين سنة يتيهون في الأرض ، وتوهه وتيهه إذا حيره وطرحه ، ووقع في التيه والتوه أي في مواضع الحيرة ، ومفازة تيهاء تحير سالكوها .
التاءات : التاء في أول الكلمة للقسم نحو : { وتالله لأكيدن أصنامكم } وللمخاطب في الفعل المستقبل نحو : { تكره الناس }
____________________
(1/76)
وللتأنيث نحو : { تتنزل عليهم الملائكة } وفي آخر الكلمة تكون إما زائدة للتأنيث فتصير في الوقف هاء نحو قائمة ، أو تكون ثابتة في الوقف والوصل وذلك في أخت وبنت ، أو تكون في الجمع مع الألف نحو مسلمات ومؤمنات وفي آخر الفعل الماضي لضمير المتكلم مضموما نحو قوله تعالى : { وجعلت له مالا ممدودا } وللمخاطب مفتوحا نحو : { أنعمت عليهم } ولضمير المخاطبة مكسورا نحو : { لقد جئت شيئا فريا } والله أعلم .
____________________
(1/77)
= كتاب الثاء =
ثبت : الثبات ضد الزوال يقال ثبت يثبت ثباتا قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا } ورجل ثبت وثبيت في الحرب وأثبت السهم ، ويقال ذلك للموجود بالبصر أو البصيرة ، فيقال فلان ثابت عندي ، ونبوة النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة والإثبات والتثبيت تارة يقال بالفعل فيقال لما يخرج من العدم إلى الوجود نحو أثبت الله كذا وتارة لما يثبت بالحكم فيقال أثبت الحاكم على فلان كذا وثبته ، وتارة لما يكون بالقول سواء كان ذلك صدقا أو كذبا فيقال أثبت التوحيد وصدق النبوة وفلان أثبت مع الله إلها آخر ، وقوله تعالى : { ليثبتوك أو يقتلوك } أي يثبطوك ويحيروك ، وقوله تعالى : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا } أي يقويهم بالحجج القوية . وقوله تعالى : { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا } أي أشد لتحصيل علمهم وقيل أثبت لأعمالهم واجتناء ثمرة أفعالهم وأن يكونوا بخلاف من قال فيهم : { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا } يقال ثبته أي قويته ، قال الله تعالى : { ولولا أن ثبتناك } وقال : { فثبتوا الذين آمنوا } وقال : { وتثبيتا من أنفسهم } وقال : { وثبت أقدامنا } .
ثبر : الثبور الهلاك والفساد المثابر على الإتيان أي المواظب من قولهم ثابرت ، قال تعالى : { دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا } وقوله تعالى : { وإني لأظنك يا فرعون مثبورا } قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه : يعني ناقص العقل . ونقصان العقل أعظم هلك ، وثبير جبل بمكة .
ثبط : قال الله تعالى : { فثبطهم } حبسهم وشغلهم ، يقال ثبطه المرض وأثبطه إذا حبسه ومنعه ولم يكد يفارقه .
ثبات : قال تعالى : { فانفروا ثبات أو انفروا جميعا } هي جمع ثبة أي جماعة منفردة ، قال الشاعر :
( وقد أغدو على ثبة كرام ** )
ومنه ثبت على فلان أي ذكرت متفرق محاسنه . ويصغر ثبية ويجمع على ثبات وثبين ، والمحذوف منه الياء . وأما ثبة الحوض فوسطه الذي يثوب
____________________
(1/78)
إليه الماء والمحذوف منه عينه لا لامه .
ثج : يقال ثج الماء وأتى الوادي بثجيجه ، قال الله تعالى : { وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا } وفي الحديث : أفضل الحج العج والثج أي رفع الصوت بالتلبية وإسالة دم الحج .
ثخن : يقال ثخن الشيء فهو ثخين إذا غلظ فلم يسل ولم يستمر في ذهابه ، ومنه استعير قولهم اثخنته ضربا واستخفافا قال الله تعالى : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } - { حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق } .
ثرب : التثريب التقريع والتقهير بالذنب قال تعالى : { لا تثريب عليكم اليوم } وروي إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يثربها ولا يعرف من لفظه إلا قولهم الثرب وهو شحمة رقيقة وقوله تعالى : { يا أهل يثرب } أي أهل المدينة يصح أن يكون أصله من هذا الباب والياء تكون فيه زائدة .
ثعب : قال عز وجل { فإذا هي ثعبان مبين } يجوز أن يكون سمي بذلك من قولهم ثعبت الماء فانثعب أي فجرته وأسلته فسال ، ومنه ثعب المطر . والثعبة ضرب من الوزغ وجمعها ثعب كأنه شبه بالثعبان في هيئته فاختصر لفظه من لفظه لكونه مختصرا منه في الهيئة .
ثقب : الثاقب المعنى الذي يثقب بنوره وإصابته ما يقع عليه قال الله تعالى : { فأتبعه شهاب ثاقب } وقال تعالى : { والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب } واصله من الثقبة . والمثقب الطريق في الجبل الذي كأنه قد ثقب ، وقال أبو عمرو : والصحيح المثقب . وقالوا ثقبت النار أي ذكيتها .
ثقف : الثقف الحذق في إدراك الشيء وفعله ومنه استعير المثاقفة ، ورمح مثقف أي مقوم وما يثقف به الثقاف ، ويقال ثقفت كذا إذا أدركته ببصرك لحذق في النظر ثم يتجوز به فيستعمل في الإدراك وإن لم تكن معه ثقافة قال الله تعالى : { واقتلوهم حيث ثقفتموهم } وقال عز وجل : { فإما تثقفنهم في الحرب } ، وقال عز وجل : { ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا } .
ثقل : الثقل والخفة متقابلان فكل ما يترجح على ما يوزن به أو يقدر به يقال هو ثقيل وأصله في الأجسام ثم يقال في المعاني نحو : أثقله الغرم والوزر قال الله تعالى : { أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون } والثقيل في الإنسان يستعمل تارة في الذم وهو أكثر في التعارف وتارة في المدح نحو قول الشاعر :
( تخف الأرض إذ ما زلت عنها ** وتبقى ما بقيت بها ثقيلا )
____________________
(1/79)
( حللت بمستقر العز منها ** فتمنع جانبيها أن تمبلا )
ويقال في أذنه ثقل إذا لم يجد سمعه كما يقال في أذنه خفة إذا جاد سمعه كأنه يثقل عن قبول ما يلقى إليه ، وقد يقال ثقل القول إذا لم يطب سماعه ولذلك قال في صفة يوم القيامة { ثقلت في السماوات والأرض } وقوله تعالى : { وأخرجت الأرض أثقالها } قيل كنوزها وقيل ما تضمنته من أجساد البشر عند الحشر والبعث وقال تعالى : { وتحمل أثقالكم إلى بلد } أي أحمالكم الثقيلة وقال عز وجل : { وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم } أي آثامهم التي تثقلهم وتثبطهم عن الثواب كقوله { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون } وقوله عز وجل : { انفروا خفافا وثقالا } قيل شبانا وشيوخا وقيل فقراء وأغنياء ، وقيل غرباء ومستوطنين ، وقيل نشاطا وكسالى وكل ذلك يدخل في عمومها ، فإن القصد بالآية الحث على النفر على كل حال تصعب أو تسهل . والمثقال ما يوزن به وهو من الثقل وذلك اسم لكل سنج قال تعالى : { وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين } ، وقال تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } وقوله تعالى : { فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية } فإشارة إلى كثرة الخيرات وقوله تعالى : { وأما من خفت موازينه } فإشارة إلى قلة الخيرات . والثقيل والخفيف يستعملان على وجهين : أحدهما على سبيل المضايفة ، وهو أن لا يقال لشيء ثقيل أو خفيف إلا باعتباره بغيره ولهذا يصح للشيء الواحد أن يقال خفيف إذا اعتبرته بما هو أثقل منه وثقيل إذا اعتبرته بما هو أخف منه وعلى هذه الآية المتقدمة آنفا . والثاني أن يستعمل الثقيل في الأجسام المرجحة إلى أسفل كالحجر والمدر والخفيف يقال في الأجسام المائلة إلى الصعود كالنار والدخان ومن هذا الثقل قوله تعالى : { اثاقلتم إلى الأرض } .
ثلث : الثلاثة والثلاثون والثلاث والثلثمائة وثلاثة آلاف والثلث والثلثان ، وقال عز وجل : { فلأمه الثلث } اي أحد أجزائه الثلاثة والجمع أثلاث ، قال تعالى : { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة } وقال عز وجل : { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } وقال تعالى : { ثلاث عورات لكم } أي ثلاثة أوقات العورة ، وقال عز وجل : { ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين } وقال تعالى : { بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين } وقال تعالى : { إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه } وقال عز وجل : { مثنى وثلاث ورباع } أي اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة . وثلثت الشيء جزأته أثلاثا ، وثلثت القوم أخذت ثلث أموالهم ، وأثلثتهم صرت ثالثهم
____________________
(1/80)
أو ثلثهم ، وأثلثت الدراهم فأثلثت هي وأثلث القوم صاروا ثلاثة ، وحبل مثلوث مفتول على ثلاثة قوى ، ورجل مثلوث أخذ ثلث ماله ، وثلث الفرس وربع جاء ثالثا ورابعا في السباق . ويقال أثلاثة وثلاثون عندك أو ثلاث وثلاثون كناية عن الرجال والنساء . وجاءوا ثلاث ومثلث أي ثلاثة ثلاثة ، وناقة ثلوث تحلب من ثلاثة أخلاف ، والثلاثاء والأربعاء في الأيام جعل الألف فيهما بدلا من الهاء نحو حسنة وحسناء فخص اللفظ باليوم وحكى ثلثت الشيء تثليثا جعلته على ثلاثة أجزاء وثلث البسر إذا بلغ الرطب ثلثيه أو ثلث العنب أدرك ثلثاه وثوب ثلاثي طوله ثلاثة أذرع .
ثل : الثلة قطعة مجتمعة من الصوف ولذلك قيل للمقيم ثلة ولاعتبار الاجتماع قيل : { ثلة من الأولين وثلة من الآخرين } أي جماعة ، وثللت كذا تناولت ثلة منه ، وثل عرشه أسقط ثلة منه ، والثلل قصر الأسنان لسقوط لثته ومنه أثل فمه سقطت أسنانه وتثللت الركية أي تهدمت .
ثمد : ثمود قيل هو عجمي وقيل هو عربي وترك صرفه لكونه اسم قبيلة وهو فعول من الثمد وهو الماء القليل الذي لا مادة له ، ومنه قيل فلان مثمود ثمدته النساء أي قطعت مادة مائه لكثرة غشيانه لهن ، ومثمود إذا كثر عليه السؤال حتى فقد مادة ماله .
ثمر : الثمر اسم لكل ما يتطعم من أعمال الشجر ، الواحدة ثمرة والجمع ثمار وثمرات كقوله تعالى : { وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم } وقوله تعالى : { ومن ثمرات النخيل والأعناب } وقوله تعالى : { انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه } وقوله تعالى : { ومن كل الثمرات } والثمر قيل هو الثمار ، وقيل هو جمعه ويكنى به عن المال المستفاد ، وعلى ذلك حمل ابن عباس { وكان له ثمر } ويقال ثمر الله ماله ، ويقال لكل نفع يصدر عن شيء ثمرته كقولك ثمرة العلم العمل الصالح ، وثمرة العمل الصالح الجنة ، وثمرة السوط عقدة أطرافها تشبيها بالثمر في الهيئة والتدلي عنه كتدلي الثمر عن الشجر ، والثميرة من اللبن ما تحبب من الزبد تشبيها بالثمر في الهيئة وفي التحصيل عن اللبن .
ثم : حرف عطف يقتضي تأخر ما بعده عما قبله إما تأخيرا بالذات أو بالمرتبة أو بالوضع حسبما ذكر في قبل وفي أول ، قال الله تعالى : { أثم إذا ما وقع آمنتم به آلآن وقد كنتم به تستعجلون } { ثم قيل للذين ظلموا } وقال عز وجل : { ثم عفونا عنكم من بعد ذلك } وأشباهه . وثمامة شجر وثمت الشاة إذا رعتها نحو شجرت إذا رعت الشجرة ثم يقال في غيرها من النبات . وثممت الشيء جمعته ومنه قيل كنا أهل ثمة ورمة ، والثمة جمعة
____________________
(1/81)
من حشيش ، وثم إشارة إلى المتبعد عن المكان وهنالك للتقرب وهما ظرفان في الأصل ، وقوله تعالى : { وإذا رأيت ثم رأيت نعيما } فهو في موضع المفعول .
ثمن : قوله تعالى : { وشروه بثمن بخس دراهم } الثمن اسم لما يأخذه البائع في مقابلة المبيع عينا كان أو سلعة وكل ما يحصل عوضا عن شيء فهو ثمنه قال تعالى : { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } وقال تعالى { ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا } وقال : { ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا } وأثمنت الرجل بمتاعه وأثمنت له أكثرت له الثمن ، وشيء ثمين كثير الثمن ، والثمانية والثمانون والثمن في العدد معروف ويقال ثمنته كنت له ثامنا أو أخذت ثمن ماله وقال عز وجل { ثمانية أزواج } . وقال تعالى : { سبعة وثامنهم كلبهم }
وقال تعالى : { على أن تأجرني ثماني حجج } والثمين الثمن قال الشاعر :
( فما صار لي في القسم إلا ثمينها ** ) وقوله تعالى : { فلهن الثمن مما تركتم } .
ثنى : الثني والاثنان أصل لمتصرفات هذه الكلمة ويقال ذلك باعتبار العدد أو باعتبار التكرير الموجود فيه أو باعتبارهما معا ، قال الله تعالى : { ثاني اثنين } - { اثنتا عشرة عينا } وقال { مثنى وثلاث ورباع } فيقال ثنيته تثنية كنت له ثانيا أو أخذت نصف ماله أو ضممت إليه ما صار به اثنين . الثنى ما يعاد مرتين ، قال عليه السلام : لا ثني في الصدقة ، أي لا تؤخذ في السنة مرتين ، قال الشاعر :
( لقد كانت ملامتها ثنى )
وامرأة ثني ولدت اثنين والولد يقال له ثني وحلف يمينا فيها ثني وثنوي وثنية ومثنوية ويقال للاوي الشيء قد ثناه نحو قوله تعالى : { ألا إنهم يثنون صدورهم } . وقراءة ابن عباس يثنوني صدورهم من اثنونيت ، وقوله عز وجل : { ثاني عطفه } وذلك عبارة عن التنكر والإعراض نحو لوى شدقه ونأي بجانبه . والثني من الشاة ما دخل في السنة الثانية وما سقطت ثنيته من البعير ، وقد أثنى وثنيت الشيء أثنيه عقدته بثنايين غير مهموز ، قيل وإنما لم يهمز لأنه بنى الكلمة على التثنية ولم يبن عليه لفظ الواحد . والمثناة ما ثني من طرف الزمان ، والثنيان الذي يثنى به إذا عد السادات ، وفلان ثنية كذا كناية عن قصور منزلته فيهم ، والثنية من الجبل ما يحتاج في قطعه وسلوكه إلى صعود وصدود فكأنه يثنى السير ، والثنية من السن تشبيها بالثنية من الجبل في الهيئة والصلابة ، والثنيا من الجزور ما يثنيه جازره إلى ثنيه من الرأس والصلب وقيل الثنوى . والثناء ما يذكر في محامد الناس فيثنى حالا فحالا ذكره ، يقال أثنى عليه ، وتثنى في مشيته نحو
____________________
(1/82)
تبختر ، وسميت سور القرآن مثاني في قوله عز وجل : { ولقد آتيناك سبعا من المثاني } لأنها تثنى على مرور الأوقات وتكرر فلا تدرس ولا تنقطع دروس سائر الأشياء التي تضمحل وتبطل على مرور الأيام . وعلى ذلك قوله تعالى : { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني } ويصح أنه قيل للقرآن مثاني لما يثنى ويتجدد حالا فحالا من فوائده كما روي في الخبر في صفته : لا يعوج فيقوم ولا يزيغ فيستعتب ولا تنقضي عجائبه . ويصح أن يكون ذلك من الثناء تنبيها على أنه أبدا يظهر منه ما يدعوا إلى الثناء عليه وعلى من يتلوه ويعلمه ويعمل به وعلى هذا الوجه وصفه بالكرم في قوله تعالى : { إنه لقرآن كريم } وبالمجد في قوله : { بل هو قرآن مجيد } . والاستثناء إيراد لفظ يقتضي رفع بعض ما يوجبه عموم لفظ متقدم أو يقتضي رفع حكم اللفظ فمما يقتضي رفع بعض ما يوجبه عموم اللفظ ، قوله عز وجل : { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة } الآية وما يقتضي رفع ما يوجبه اللفظ فنحو قوله : والله لأفعلن كذا إن شاء الله ، وامرأته طالق إن شاء الله ، وعبده عتيق إن شاء الله ، وعلى هذا قوله تعالى : { إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون } .
ثوب : أصل الثوب رجوع الشيء إلى حالته الأولى التي كان عليها ، أو إلى الحالة المقدرة المقصودة بالفكرة وهي الحالة المشار إليها بقولهم أول الفكرة آخر العمل فمن الرجوع إلى الحالة الأولى قولهم ثاب فلان إلى داره وثابت إلي نفسي ، وسمي مكان المستسقي على فم البئر مثابة ومن الرجوع إلى الحالة المقدرة المقصودة بالفكرة ، الثوب سمي بذلك لرجوع الغزل إلى الحالة التي قدرت له ، وكذا ثواب العمل ، وجمع الثوب أثواب وثياب وقوله تعالى : { وثيابك فطهر } يحمل على تطهير الثوب وقيل الثياب كناية عن النفس لقول الشاعر :
( ثياب بني عوف طهارى نقية ** )
وذلك أمر بما ذكره الله تعالى في قوله : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } والثواب ما يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله فيسمى الجزاء ثوابا تصورا أنه هو هو ألا ترى كيف جعل الله تعالى الجزاء نفس الفعل في قوله : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } ولم يقل جزاءه ، والثواب يقال في الخير والشر لكن الأكثر المتعارف في الخير وعلى هذا قوله عز وجل : { ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب } ، { فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة } وكذلك المثوبة في قوله تعالى : { هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله } فإن ذلك استعارة في الشر كاستعارة البشارة فيه . قال تعالى : { ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله }
____________________
(1/83)
) والإثابة تستعمل في المحبوب قال تعالى : { فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار } وقد قيل ذلك في المكروه نحو { فأثابكم غما بغم } على الاستعارة كما تقدم ، والتثويب في القرآن لم يجئ إلا في المكروه نحو { هل ثوب الكفار } وقوله عز وجل { وإذ جعلنا البيت مثابة } قيل معناه مكانا يكتب فيه الثواب . والثيب التي تثوب عن الزوج قال تعالى : { ثيبات وأبكارا } وقال عليه السلام : الثيب أحق بنفسها والتثويب تكرار النداء ومنه التثويب في الأذان ، والثوباء التي تعتري الإنسان سميت بذلك لتكررها ، والثبة الجماعة الثائب بعضهم إلى بعض في الظاهر قال عز وجل : { فانفروا ثبات أو انفروا جميعا } قال الشاعر :
( وقد أغدو على ثبة كرام ** )
وثبة الحوض ما يثوب إليه الماء وقد تقدم .
ثور : ثار الغبار والسحاب ونحوهما يثور ثورا وثورانا انتشر ساطعا وقد أثرته ، قال تعالى : { فتثير سحابا } يقال أثرت ومنه قوله تعالى : { وأثاروا الأرض وعمروها } وثارت الحصبة ثورا تشبيها بانتشار الغبار ، وثور شرا كذلك ، وثار ثائره كناية عن انتشار غضبه ، وثاوره واثبه ، والثور البقر الذي يثار به الأرض فكأنه في الأصل مصدر جعل في موضع الفاعل نحو ضيف وطيف في معنى ضائف وطائف . وقولهم سقط ثور الثقف أي الثائر المنتثر ، والثار هو طلب الدم أصله الهمز وليس من هذا الباب .
ثوى : الثواء الإقامة مع الاستقرار يقال ثوى يثوي ثواء قال عز وجل : { وما كنت ثاويا في أهل مدين } وقال : { أليس في جهنم مثوى للمتكبرين } قال الله تعالى : { والنار مثوى لهم } - { ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين } وقال { النار مثواكم } وقيل من أم مثواك كناية عمن نزل به ضيف ، والثوية مأوى الغنم ، والله أعلم بالصواب .
____________________
(1/84)
= كتاب الجيم = جب : قال الله تعالى : { وألقوه في غيابة الجب } أي بئر لم تطو وتسميته بذلك إما لكونه محفورا في جبوب أي في أرض غليظة وإما لأنه قد جب والجب قطع الشيء من أصله كجب النخل ، وقيل زمن الجباب نحو زمن الصرام ، وبعير أجب مقطوع السنام ، وناقة جباء وذلك نحو أقطع وقطعاء للمقطوع اليد ، ومعنى مجبوب مقطوع الذكر من أصله ، والجبة التي هي اللباس منه وبه شبه ما دخل فيه الرمح من السنان . والجباب شيء يعلو ألبان الإبل وجبت المرأة النساء حسنا إذا غلبتهن استعارة من الجب الذي هو القطع ، وذلك كقولهم قطعته في المناظرة والمنازعة . وأما الجبجبة فليست من ذلك بل سميت به لصوتها المسموع منها .
جبت : قال الله تعالى : { يؤمنون بالجبت والطاغوت } الجبت والجبس الغسل الذي لا خير فيه ، وقيل التاء بدل من السين تنبيها على مبالغته في الغسولة كقول الشاعر :
( عمرو بن يربوع شرار الناس ** )
أي خسار الناس ، ويقال لكل ما عبد من دون الله جبت وسمي الساحر والكاهن جبتا .
جبر : أصل الجبر إصلاح الشيء بضرب من القهر يقال جبرته فانجبر واجتبر وقد قيل جبرته فجبر كقول الشاعر :
( قد جبر الدين الإله فجبر ** )
هذا قول أكثر أهل اللغة وقال بعضهم ليس قوله فجبر مذكورا على سبيل الانفعال بل ذلك على سبيل الفعل وكرره ونبه بالأول على الابتداء بإصلاحه وبالثاني على تتميمه فكأنه قال قصد جبر الدين وابتدأه فتمم جبره ، وذلك أن فعل تارة يقال لمن ابتدأ بفعل وتارة لمن فرغ منه . وتجبر يقال إما لتصور معنى الاجتهاد والمبالغة أو لمعنى التكلف كقول الشاعر :
( تجبر بعد الأكل فهو غيص ** )
وقد يقال الجبر تارة في الإصلاح المجرد نحو قول علي رضي الله عنه : يا جابر كل كسير ، ويا مسهل كل عسير . ومنه قولهم للخبز جابر ابن حبة . وتارة في القهر المجرد نحو قوله عليه السلام : لا جبر ولا تفويض . والجبر في الحساب إلحاق شيء به إصلاحا لما يريد إصلاحه وسمي السلطان جبرا كقول الشاعر :
____________________
(1/85)
( وأنعم صباحا أيها الجبر ** )
لقهره الناس على ما يريده أو لإصلاح أمورهم ، والإجبار في الأصل حمل الغير على أ ن يجبر الآخر لكن تعورف في الإكراه المجرد فقيل أجبرنه على كذا كقولك أكرهته ، وسمي الذين يدعون أن الله تعالى يكره العباد على المعاصي في تعارف المتكلمين مجبرة وفي قول المتقدمين جبرية وجبرية . والجبار في صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها وهذا لا يقال إلا على طريق الذم كقوله عز وجل : { وخاب كل جبار عنيد } وقوله تعالى : { ولم يجعلني جبارا شقيا } وقوله عز وجل : { إن فيها قوما جبارين } وقوله عز وجل : { كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار } أي متعال عن قبول الحق والإيمان له . ويقال للقاهر غيره جبار نحو : { وما أنت عليهم بجبار } ولتصور القهر بالعلو على الأقران قيل نخلة جبارة وناقة جبارة . وما روي في الخبر : ضرس الكافر في النار مثل أحد وكثافة جلده أربعون ذراعا بذراع الجبار ، فقد قال ابن قتيبة هو الذراع المنسوب إلى الملك الذي يقال له ذراع الشاة . فأما في وصفه تعالى نحو : { العزيز الجبار المتكبر } فقد قيل سمي بذلك من قولهم جبرت الفقير لأنه هو الذي يجبر الناس بفائض نعمه وقيل لأنه يجبر الناس أي يقهرهم على ما يريده ودفع بعض أهل اللغة ذلك من حيث اللفظ فقال لا يقال من أفعلت فعال فجبار لا يبنى من أجبرت ، فأجيب عنه بأن ذلك من لفظ جبر المروي في قوله لا جبر ولا تفويض ، ، لا من لفظ الإجبار . وأنكر جماعة من المعتزلة ذلك من حيث المعنى فقالوا يتعالى الله عن ذلك ، وليس ذلك بمنكر فإن الله تعالى قد أجبر الناس على أشياء لا انفكاك لهم منها حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية لا على ما تتوهمه الغواة الجهلة وذلك كإكراههم على المرض والموت والبعث ، وسخر كلا منهم لصناعة يتعاطاها وطريقة من الأخلاق والأعمال يتحراها وجعله مجبرا في صورة مخير فإما راض بصنعته لا يريد عنها حولا ، وإما كاره لها يكابدها مع كراهيته لها كأنه لا يجد عنها بدلا ولذلك قال تعالى : { فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون } وقال عز وجل : { نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا } وعلى هذا الحد وصف بالقاهر وهو لا يقهر إلا على ما تقتضي الحكمة أن يقهر عليه . وقد روي عن أمير المؤمنين رضي الله عنه : يا بارئ المسموكات وجبار القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها . فإنه جبر القلوب على فطرتها من المعرفة فذكر لبعض ما دخل في عموم ما تقدم . وجبروت فعلوت من التجبر ، واستجبرت حاله تعاهدت أن أجبرها ، وأصابته مصيبة لا يجتبرها أي لا يتحرى لجبرها من
____________________
(1/86)
عظمها ، واشتق من لفظ جبر العظم الجبيرة الخرقة التي تشد على المجبور ، والجبارة للخشبة التي تشد عليه وجمعها جبائر . وسمي الدملوج جبارة تشبيها بها في الهيئة . والجبار لما يسقط من الأرض .
جبل : الجبل جمعه أجبال وجبال قال عز وجل : { ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا } وقال تعالى : { والجبال أرساها } وقال تعالى : { وينزل من السماء من جبال فيها من برد } وقال تعالى : { ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها } - { ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا } - { والجبال أرساها } - { وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين } واعتبر معانيه فاستعير واشتق منه بحسبه فقيل فلان جبل لا يتزحزح تصورا لمعنى الثبات فيه ، وجبله الله على كذا إشارة إلى ما ركب فيه من الطبع الذي يأبى على الناقل نقله ، وفلان ذو جبلة أي غليظ الجسم ، وثوب جيد الجبلة ، وتصور منه معنى العظم فقيل للجماعة العظيمة جبل قال الله تعالى : { ولقد أضل منكم جبلا كثيرا } أي جماعة تشبيها بالجبل في العظم وقرئ جبلا مثقلا ، قال التوذي : جبلا وجبلا وجبلا وجبلا . وقال غيره جبلا جمع جبلة ومنه قوله عز وجل : { واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين } أي المجبولين على أحوالهم التي بنوا عليها وسبلهم التي قيضوا لسلوكها المشار إليها بقوله تعالى : { قل كل يعمل على شاكلته } وجبل صار كالجبل في الغلظ .
جبن : قال تعالى : { وتله للجبين } فالجبينان جانبا الجبهة . والجبن ضعف القلب عما يحق أن يقوى عليه ورجل جبان وامرأة جبان وأجبنته وجدته جبانا وحكمت بجبنه ، والجبن ما يؤكل وتجبن اللبن صار كالجبن .
جبه : الجبهة موضع السجود من الرأس قال الله تعالى : { فتكوى بها جباههم وجنوبهم } والنجم يقال له جبهة تصورا أنه كالجبهة للمسمى بالأسد ، ويقال لأعيان الناس جبهة وتسميتهم بذلك كتسميتهم بالوجوه ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ليس في الجبهة صدقة أي الخيل .
جبى : يقال جبيت الماء في الحوض جمعته والحوض الجامع له جابية وجمعها جواب ، قال الله تعالى : { وجفان كالجواب } ومنه استعير جبيت الخراج جباية ومنه قوله تعالى : { يجبى إليه ثمرات كل شيء } والاجتباء الجمع على طريق الاصطفاء قال عز وجل : { فاجتباه ربه } وقال تعالى : { وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها } أي يقولون هلا جمعتها تعريضا منهم بأنك تخترع هذه الآيات وليست من الله . واجتباء الله العبد تخصيصه إياه بفيض إلهي يتحصل له منه أنواع من النعم بلا سعي من العبد وذلك للأنبياء وبعض من يقاربهم من
____________________
(1/87)
الصديقين والشهداء كما قال تعالى : { وكذلك يجتبيك ربك } - { فاجتباه ربه فجعله من الصالحين } - { واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم } وقوله تعالى : { ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى } وقال عز وجل : { يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب } وذلك نحو قوله تعالى : { إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار } .
جث : يقال جثثته فايجث وجسسته فاجتس قال الله عز وجل : { اجتثت من فوق الأرض } أي اقتلعت جثته والمجثة ما يجث به وجثة الشيء شخصه الناتئ والجث ما ارتفع من الأرض كالأكمة والجثيثة سميت به لما يأتى جثته بعد طحنه ، والجثحاث نبت .
جثم : { فأصبحوا في ديارهم جاثمين } استعارة للمقيمين من قولهم جثم الطائر إذا قعد ولطئ بالأرض ، والجثمان شخص الإنسان قاعدا ، ورجل جثمة وجثامة كناية عن النئوم والكسلان .
جثا : جثى على ركبتيه جثوا وجثيا فهو جاث نحو عتا يعتو عتوا وعتيا وجمعه جثي نحو باك وبكي وقوله عز وجل : { ونذر الظالمين فيها جثيا } يصح أن يكون جمعا نحو بكي وأن يكون مصدرا موصوفا به . والجاثية في قوله عز وجل : { وترى كل أمة جاثية } فموضوع موضع الجمع ، كقولك جماعة قائمة وقاعدة .
جحد : الجحود نفي ما في القلب إثباته وإثبات ما في القلب نفيه ، يقال جحد جحودا وجحدا قال عز وجل : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم } وقال عز وجل : { بآياتنا يجحدون } ويجحد يختص بفعل ذلك يقال رجل جحد شحيح قليل الخير يظهر الفقر ، وأرض جحدة قليلة النبت ، يقال جحدا له ونكدا وأجحد صار ذا جحد .
جحم : الجحمة شدة تأجج النار ومنه الجحيم ، وجحم وجهه من شدة الغضب استعارة من جحمة النار وذلك من ثوران حرارة القلب ، وجحمت الأسد عيناه لتوقدهما .
جد : الجد قطع الأرض المستوية ومنه جد في سيره يجد جدات وكذلك جد في أمره وأجد صار ذا جد ، وتصور من جددت الأرض القطع المجرد فقيل جددت الأرض إذا قطعته على وجه الإصلاح ، وثوب جديد أصله المقطوع ثم جعل لكل ما أحدث إنشاؤه ، قال { بل هم في لبس من خلق جديد } إشارة إلى النشأة الثانية وذلك قولهم : { أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد } وقوبل الجديد بالخلق لما كان المقصود بالجديد القريب العهد بالقطع من الثوب ، ومنه قيل الليل والنهار الجديدان
____________________
(1/88)
والأجدان ، قال تعالى : { ومن الجبال جدد بيض } جمع جدة أي طريقة ظاهرة من قولهم طريق مجدود أي مسلوك مقطوع . ومنه جادة الطريق ، والجدود والجداء من الضأن التي انقطع لبنها ، وجد ثدي أمه على طريق الشتم ، وسمي الفيض الإلهي جدا قال تعالى : { وأنه تعالى جد ربنا } أي فيضه وقيل عظمته وهو يرجع إلى الأول ، وإضافته إليه على سبيل اختصاصه بملكه ، وسمي ما جعل الله تعالى للإنسان من الحظوظ الدنيوية جدا وهو البخت فقيل جددت وحظظت ، وقوله عليه السلام : لا ينفع دا الجد منك الجد أي لا يتوصل إلى ثواب الله تعالى في الآخرة وإنما ذلك بالجد في الطاعة وهذا هو الذي أنبأ عنه قوله تعالى : { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد } الآية { ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا } وإلى ذلك أشار بقوله : { يوم لا ينفع مال ولا بنون } والجد أبو الأب وأبو الأم . وقيل معنى لا ينفع ذا الجد لا ينفع أحدا نسبه وأبوته فكما نفى نفع البنين في قوله : { يوم لا ينفع مال ولا بنون } ، كذلك نفى نفع الأبوة في هذه الآية والحديث .
جدث : قال الله تعالى : { يوم يخرجون من الأجداث سراعا } جمع الجدث يقال جدث وجدف وفي سورة يس : { فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } .
جدر : الجدار الحائط إلا أن الحائط يقال اعتبارا بالإحاطة بالمكان والجدار يقال اعتبارا بالنتو والارتفاع وجمعه جدر قال تعالى : { وأما الجدار فكان لغلامين } وقال : { جدارا يريد أن ينقض فأقامه } وقال تعالى : { أو من وراء جدر } وفي الحديث : حتى يبلغ الماء الجدر وجدرت الجدار رفعته واعتبر منه معنى النتو فقيل جدر الشجر إذا خرج ورقه كأنه جمص وسمي النبات الناتئ من الأرض جدرا الواحد جدرة وأجدرت الأرض أخرجت ذلك ، وجدر الصبي وجدر إذا خرج جدريه تشبيها بجدر الشجر ، وقيل الجدري والجدرة سلعة تظهر في الجسد وجمعها أجدار ، وشاة جدراء . والجيدر القصير اشتق ذلك من الجدار وزيد فيه حرف على سبيل التهكم حسبما بيناه في اصول الاشتقاق ، والجدير المنتهى لانتهاء الأمر إليه انتهاء الشيء إلى الجدار وقد جدر بكذا فهو جدير وما أجدره بكذا وأجدر به .
جدل : الجدال المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة وأصله من جدلت الحبل أي أحكمت فتله ومنه الجديل ، وجدلت البناء أحكمته ودرع مجدولة . والأجدل الصقر المحكم البنية ، والمجدل القصر المحكم البناء ، ومنه الجدال فكأن المتجادلين يفتل
____________________
(1/89)
كل واحد الآخر عن رأيه ، وقيل الأصل في الجدال الصراع وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة وهي الأرض الصلبة ، قال الله تعالى : { وجادلهم بالتي هي أحسن } - { الذين يجادلون في آيات الله } - { وإن جادلوك فقل الله أعلم } - { قد جادلتنا فأكثرت جدالنا } - وقرئ - / < جدلنا > / - { ما ضربوه لك إلا جدلا } - { وكان الإنسان أكثر شيء جدلا } وقال تعالى : { وهم يجادلون في الله } - { يجادلنا في قوم لوط } - { وجادلوا بالباطل } - { ومن الناس من يجادل في الله } - { ولا جدال في الحج } - { يا نوح قد جادلتنا } .
جذ : الجذ : كسر الشيء وتفتيته ويقال . لحجارة الذهب المكسورة ولفتات الذهب جذاذ ومنه قوله تعالى : { فجعلهم جذاذا } - { عطاء غير مجذوذ } أي غير مقطوع عنهم ولا مخترع ، وقيل ما عليه جذة أي متقطع من الثياب .
جذع : الجذع جمعه جذوع { في جذوع النخل } جذعته قطعته قطع الجذع ، والجذع من الإبل ما أتت لها خمس سنين ومن الشاة ما تمت له سنة ويقال للدهر الجذع تشبيها بالجذع من الحيوانات .
جذو : الجذوة والجذوة الذي يبقى من الحطب بعد الالتهاب والجمع جذى وجذى قال عز وجل : { أو جذوة من النار } قال الخليل : يقال جذا يجذوا نحو جثا يجثوا إلا أن جذا أدل على اللزوم ، يقال جذا القراد في جنب البعير إذا شد التزاقه به ، وأجذت الشجرة صارت ذات جذوة وفي الحديث : كمثل الأرزة المجذية ورجل جاذ : مجموع الباع كأن يديه جذوة وامرأة جاذية .
جرح : الجرح أثر داء في الجلد يقال جرحه جرحا فهو جريح ومجروح ، قال تعالى : { والجروح قصاص } وسمي القدح في الشاهد جرحا تشبيها به ، وتسمى الصائدة من الكلاب والفهود والطيور جارحة وجمعها جوارح إما لأنها تجرح وإما لأنها تكسب ، قال عز وجل : { وما علمتم من الجوارح مكلبين } وسميت الأعضاء الكاسبة جوارح تشبيها بها لأحد هذين ، والاجتراح اكتساب الإثم وأصله من الجراحة كما أن الاقتراف من قرف القرحة ، قال تعالى : { أم حسب الذين اجترحوا السيئات } .
جرد : الجراد معروف قال تعالى : { فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل } وقال : { كأنهم جراد منتشر } فيجوز أن يجعل أصلا فيشتق من فعله جرد الأرض ويصح أن يقال سمي ذلك لجرده الأرض من النبات ، يقال أرض مجرودة أي أكل ما عليها حتى تجردت ، وفرس أجرد منحسر الشعر ، وثوب جرد خلق وذلك لزوال وبره وقوته . وتجرد عن الثوب وجردته عنه وامرأة حسنة المتجرد ، وروي جرد والقرآن أي لا تلبسوه شيئا آخر ينافيه ، وانجرد بنا السير وجرد الإنسان شرى جلده من أكل الجراد .
____________________
(1/90)
جرز : قال عز وجل : { صعيدا جرزا } أي منقطع النبات من أصله ، وأرض مجروزة أكل ما عليها والجروز الذي ياكل على الخوان وفي مثل : لا ترضى شانية إلا بجرزه أي باستئصال ، والجارز الشديد من السعال تصور منه معنى الجرز ، والجراز قطع بالسيف وسيف جراز .
جرع : جرع الماء يجرع وقيل جرع وتجرعه إذا تكلف جرعه قال عز وجل : { يتجرعه ولا يكاد يسيغه } والجرعة قدر ما يتجرع وأفلت بجريعة الذقن بقدر جرعة من النفس ، ونوق مجاريع لم يبق في ضروعها من اللبن إلا جرع ، والجرع والجرعاء رمل لا ينبت شيئا كأنه يتجرع البذر .
جرف : قال عز وجل : { على شفا جرف هار } يقال للمكان الذي يأكله السيل فيجرفه أي يذهب به جرف ، وقد جرف الدهر ماله أي اجتاحه تشبيها به ، ورجل دجراف نكحة كأنه يجرف في ذلك العمل .
جرم : أصل الجرم قطع الثمرة عن الشجر ورجل جارم وقوم جرام وثمر جريم والجرامة رديء التمر المجروم وجعل بناؤه بناء النفاية ، وأجرم صار ذا جرم نحو أثمر واتمر وألبن ، واستعير ذلك لكل اكتساب مكروه ولا يكاد يقال في عامة كلامهم للكيس المحمود ومصدره جرم ، وقول الشاعر في صفة عقاب .
( جريمة نامض في راس نيق ** )
فإنه سمى اكتسابها لأولادها جرما من حيث إنها تقتل الطيور أو لأنه تصورها بصورة مرتكب الجرائم لأجل أولادها كما قال بعضهم ما ذو ولد وإن كان بهيمة إلا ويذنب لأجل أولاده ، فمن الإجرام قوله عز وجل : { إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون } وقال تعالى : { فعلي إجرامي } وقال تعالى : { كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون } وقال تعالى : { إن المجرمين في ضلال وسعر } وقال عز وجل : { إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون } ومن جرم قال تعالى : { لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم } فمن قرأ بالفتح فنحو بغيته مالا ومن ضم فنحو أبغيته مالا أي أغثته قال عز وجل : { ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا } وقوله عز وجل . { فعلي إجرامي } فمن كسر فمصدر ومن فتح فجمع جرم ، واستعير من الجرم أي القطع جرمت صوف الشاة وتجرم الليل . والجرم في الأصل المجروم نحو نقض ونفض للمنقوض والمنفوض وجعل اسما للجسم المجروم وقولهم فلان حسن الجرم أي اللون فحقيقته كقولك حسن السخاء . وأما قولهم حسن الجرم أي الصوت فالجرم في الحقيقة إشارة إلى موضع الصوت لا إلى ذات الصوت ولكن لما كان المقصود بوصفه بالحسن هو الصوت فسر به كقولك
____________________
(1/91)
فلان طيب الحلق وإنما ذلك إشارة إلى الصوت لا إلى الحلق نفسه ، وقوله عز وجل : { لا جرم } قيل إن لا يتناول محذوفا نحو لا في قوله : { لا أقسم } وفي قول الشاعر :
( لا وأبيك ابنة العامري ** )
ومعنى جرم كسب أو جنى { أن لهم النار } في موضع المفعول كأنه قال كسب لنفسه النار ، وقيل جرم وجرم بمعنى لكن خص بهذا الموضع جرم كما خص عمر بالقسم وإن كان عمر وعمر بمعنى ومعناه ليس بجرم أن لهم النار تنبيها أنهم اكتسبوها بما ارتكبوه إشارة إلى نحو قوله { ومن أساء فعليها } وقد قيل في ذلك أقوال أكثرها ليس بمرتضى عند التحقيق وعلى ذلك قوله عز وجل : { فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون } وقال تعالى : { لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون } .
جرى : الجري المر السريع وأصله كمر الماء ولما يجري بجريه ، يقال جرى يجري جرية وجريا وجريانا قال عز وجل : { وهذه الأنهار تجري من تحتي } وقال تعالى : { جنات عدن تجري من تحتها الأنهار } قال : { ولتجري الفلك } وقال تعالى : { فيها عين جارية } وقال : { إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية } أي في السفينة التي تجري في البحر وجمعها جوار قال عز وجل { الجوار المنشآت } وقال تعالى : { ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام } ويقال للحوصلة جرية إما الانتهاء الطعام إليها في جريه أو لأنها مجرى للطعام . والإجريا العادة التي يجري عليها الإنسان والجري الوكيل والرسول الجاري في الأمر وهو أخص من لفظ الرسول والوكيل وقد جريت جريا وقوله عليه السلام لا يستجرينكم الشيطان يصح أن يدعى فيه معنى الأصل أي لا يحملنكم أن تجروا في ائتماره وطاعته ويصح أن تجعله من الجري أي الرسول والوكيل ومعناه لا تتولوا وكالة الشيطان ورسالته وذلك إشارة إلى نحو قوله عز وجل : { فقاتلوا أولياء الشيطان } وقال عز وجل { إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه } .
جزع : قال تعالى : { سواء علينا أجزعنا أم صبرنا } الجزع أبلغ من الحزن فإن الحزن عام والجزع هو حزن يصرف الإنسان عما هو بصدده ويقطعه عنه ، وأصل الجزع قطع الحبل من نصفه يقال جزعته فانجزع ولتصور الانقطاع منه قيل جزع الوادي لمنقطعه . والانقطاع اللون بتغيره قيل للخرز المتلون جزع وعنه استعير قولهم لحم مجزع إذا كان ذا لونين ، وقيل للبسرة إذا بلغ الإرطاب نصفها مجزعة ، والجازع خشبة تجعل في وسط البيت فتلقى عليها رؤوس الخشب من الجانبين وكأنما سمي
____________________
(1/92)
بذلك إما لتصور الجزعة لما حمل من العبء وإما لقطعه بطوله وسط البيت .
جزء : جزء الشيء ما يتقوم به جملته كأجزاء السفينة وأجزاء البيت وأجزاء الجملة من الحساب ، قال الله تعالى : { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } وقال عز وجل : { لكل باب منهم جزء مقسوم } أي نصيب وذلك جزء من الشيء وقال تعالى : { وجعلوا له من عباده جزءا } وقيل ذلك عبارة عن الإناث من قولهم أجزأت المرأة أتت بأنثى ، وجزأ الإبل مجزأ وجزءا اكتفى بالبقل عن شرب الماء . وقيل اللحم السمين أجزأ من المهزول ، وجزأة السكين العود الذي فيه السيلان تصورا أنه جزء منه .
جزاء : الجزاء الغناء والكفاية قال الله تعالى : { تجزي نفس عن نفس شيئا } وقال تعالى : { لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا } والجزاء ما فيه الكفاية من المقابلة إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، يقال جزيته كذا وبكذا قال الله تعالى : { وذلك جزاء من تزكى } وقال : { فله جزاء الحسنى } - { وجزاء سيئة سيئة مثلها } وقال تعالى : { وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا } وقال عز وجل : { جزاؤكم جزاء موفورا } - { أولئك يجزون الغرفة بما صبروا } - { وما تجزون إلا ما كنتم تعملون } والجزية ما يؤخذ من أهل الذمة وتسميتها بذلك للاجتزاء بها في حقن دمهم قال الله تعالى : { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } ويقال جازيك فلان أي كافيك ويقال جزيته بكذا وجازيته ولم يجئ في القرآن إلا جزى دون جازى وذاك أن المجازاة هي المكافأة وهي المقابلة من كل واحد من الرجلين والمكافأة هي مقابلة نعمة بنعمة هي كفؤها ونعمة الله تعالى ليست من ذلك ولهذا لا يستعمل لفظ المكافأة في الله عز وجل وهذا ظاهر .
جس : قال الله تعالى : { ولا تجسسوا } أصل الجس مس العرق وتعرف نبضه للحكم به على الصحة والسقم وهو أخص من الحس فإن الحس تعرف ما يدركه الحس ، والجس تعرف حال ما من ذلك ومن لفظ الجس اشتق الجاسوس .
جسد : الجسد كالجسم لكنه أخص قال الخليل رحمه الله : لا يقال الجسد لغير الإنسان من خلق الأرض ونحوه وأيضا فإن الجسد ماله لون والجسم يقال لما لا يبين له لون كالماء والهواء وقوله عز وجل : { وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام } يشهد لما قال الخليل وقال : { عجلا جسدا له خوار } وقال تعالى : { وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب } وباعتبار اللون قيل للزعفران جساد وثوب مجسد مصبوغ بالجساد ، والمجسد الثوب الذي بلى الجسد والجسد والجاسد ، والجسد من الدم ما قد يبس .
____________________
(1/93)
جسم : الجسم ماله طول وعرض وعمق ولا تخرج أجزاء الجسم عن كونها أجساما وإن قطع ما قطع وجزئ ما قد جزئ ، قال الله تعالى : { وزاده بسطة في العلم والجسم } - { وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم } تنبيها أن لا وراء الأشباح معنى معتد به ، والجسمان قيل هو الشخص والشخص قد يخرج من كونه شخصا بتقطيعه وتجزئته بخلاف الجسم .
جعل : جعل لفظ عام في الأفعال كلها وهو أعم من فعل وصنع وسائر أخواتها ويتصرف على خمسة أوجه ، الأول : يجري مجرى صار وطفق فلا يتعدى نحو جعل زبد يقول كذا ، قال الشاعر :
( فقد جعلت قلوص بني سهيل ** من الأكوار مرتعها قريب )
والثاني : يجري مجرى أوجد فيتعدى لى مفعول واحد نحو قوله عز وجل : { وجعل الظلمات والنور } - { وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة } والثالث : في إيجاد شيء من شيء وتكوينه منه نحو : { جعل لكم من أنفسكم أزواجا } - { وجعل لكم من الجبال أكنانا } - { وجعل لكم فيها سبلا } والرابع : في تصيير الشيء على حالة دون حالة نحو : { الذي جعل لكم الأرض فراشا } وقوله : { جعل لكم مما خلق ظلالا } - { وجعل القمر فيهن نورا } وقوله تعالى : { إنا جعلناه قرآنا عربيا } والخامس . الحكم بالشيء على الشيء حقا كان أو باطلا فأما الحق فنحو قوله تعالى : { إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين } وأما الباطل فنحو قوله عز وجل : { وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا } - { ويجعلون لله البنات } - { الذين جعلوا القرآن عضين } والجعالة خرقة ينزل بها القدر ، والجعل والجعالة والجعيلة ما يجعل للإنسان بفعله فهو أعم من الأجرة والثواب ، وكلب يجعل كناية عن طلب السفاد والجعل دويبة .
جفن : الجفنة خصت بوعاء الأطعمة وجمعها جفان قال عز وجل : { وجفان كالجواب } وفي حديث : وائت الجفنة الغراء أي الطعام ، وقيل للبئر الصغيرة جفنة تشبيها بها ، والجفن خص بوعاء السيف والعين وجمعه أجفان وسمي الكرم جفنا تصورا أنه وعاء العنب .
جفا : قال الله تعالى : { فأما الزبد فيذهب جفاء } وهو ما يرمي به الوادي أو القدر من الغثاء إلى جوانبه يقال أجفأت القدر زبدها ألقته إجفاء ، وأجفأت الأرض صارت كالجفاء في ذهاب خيرها وقيل أصل ذلك الواو لا الهمز ، ويقال جفت القدر وأجفت ومنه الجفاء وقد جفوته أجفوه جفوة وجفاء ، ومن أصله أخذ جفا السرج عن ظهر الدابة رفعه عنه .
جل : الجلالة عظم القدر والجلال بغير الهاء التناهي في ذلك وخص بوصف الله تعالى فقيل { ذو الجلال والإكرام } ولم يستعمل
____________________
(1/94)
في غيره ، والجليل العظيم القدر ووصفه تعالى بذلك إما لخلقه الأشياء العظيمة المستدل بها عليه أو لأنه يجل عن الإحاطة به أو لأنه يجل أن يدرك بالحواس وموضوعه للجسم العظيم الغليظ ولمراعاة معنى الغلظ فيه قوبل بالدقيق ، وقوبل العظيم بالصغير فقيل جليل ودقيق وعظيم وصغير . وقيل للبعير جليل وللشاة دقيق اعتبارا لأحدهما بالآخر فقيل ماله جليل ولا دقيق وما أجلني ولا أدقني أي ما أعطاني بعيرا ولا شاة ، ثم صار مثلا في كل كبير وصغير ، وخص الجلالة بالناقة الجسيمة والجلة بالمسان منها ، والجلل كل شيء عظيم ، وجللت كذا تناولت وتجللت البقر تناولت جلاله والجلل المتناول من البقر وعبر به عن الشيء الحقير وعلى ذلك قوله كل مصيبة بعده جلل ، والجلل ما يغطى به الصحف ثم سميت الصحف مجلة . وأما الجلجلة فحكاية الصوت وليس من ذلك الأصل في شيء ، ومنه سحاب مجلجل أي مصوت ، فأما سحاب مجلل فمن الأول كأنه يجلل الأرض بالماء والنبات .
جلب : أصل الجلب سوق الشيء يقال جلبت جلبا ، قال الشاعر :
( وقد يجلب الشيء البعيد الجواب ** )
وأجلبت عليه صحت عليه بقهر قال الله عز وجل : { وأجلب عليهم بخيلك ورجلك } والجلب المنهي عنه في قوله : ( لا جلب ) قيل هو أن يجلب المصدق أغنام القوم عن مرعاها فيعدها ، وقيل هو أن يأتي أحد المتسابقين بمن يجلب على فرسه وهو أن يزجره ويصيح به ليكون هو السابق . والجلبة قشرة تعلو الجرح وأجلب فيه والجلب سحابة رقيقة تشبه الجلبة ، والجلابيب القمص والخمر الواحد جلباب .
جلت : قال تعالى : { ولما برزوا لجالوت وجنوده } وذلك أعجمي لا أصل له في العربية .
جلد : الجلد قشر البدن وجمعه جلود ، قال الله تعالى : { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها } وقوله تعالى : { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } والجلود عبارة عن الأبدان ، والقلوب عن النفوس . وقوله عز وجل : { حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون } - { وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا } فقد قيل الجلود ههنا كناية عن الفروج . وجلده ضرب جلده نحو بطنه وظهره وضربه بالجلد نحو عصاه إذا ضربه بالعصا ، وقال تعالى : { فاجلدوهم ثمانين جلدة } والجلد الجلد المنزوع عن الحوار وقد جلد جلدا فهو جلد وجليد أي قوي وأصله لاكتساب الجلد قوة ، ويقال ماله معقول ولا مجلود أي عقل وجلد ، وأرض جلدة تشبيها بذلك وكذا ناقة جلدة وجلدت كذا
____________________
(1/95)
أي جعلت له جلدا وفرس مجلد لا يفزع من الضرب وإنما هو تشبيه بالمجلد الذي لا يلحقه من الضرب ألم والجليد الصقيع تشبيها بالجلد في الصلابة .
جلس : اصل الجلس الغليظ من الأرض وسمي النجد جلسا لذلك ، وروي أنه عليه السلام أعطاهم المعادن القبلية غوريها وجلسها ، وجلس أصله أن يقصد بمقعده جلسا من الأرض ثم جعل الجلوس لكل قعود والمجلس لكل موضع يقعد فيه الإنسان ، قال الله تعالى : { إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم } .
جلو : أصل الجلو الكشف الظاهر يقال أجليت القوم عن منازلهم فجلوا عنها أي أبرزتهم عنها ويقال جلاه نحو قول الشاعر :
( فلما جلاها بالأيام تحيرت ** ثبات عليها ذلها واكتئابها )
وقال الله عز وجل : { ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا } ومنه جلالي خبر وخبر جلي وقياس جلي ولم يسمع فيه جال ، وجلوت العروس جلوة وجلوت السيف جلاء والسماء جلواء أي مصحية ورجل أجلى انكشف بعض رأسه عن الشعر . والتجلي قد يكون بالذات نحو : { والنهار إذا تجلى } وقد يكون بالأمر والفعل نحو : { فلما تجلى ربه للجبل } وقيل فلان ابن جلا أي مشهور وأجلوا عن قتيل إجلاء .
جم : قال الله تعالى : { وتحبون المال حبا جما } أي كثيرا من جمة الماء أي معظمه ومجتمعه الذي جم فيه الماء عن السيلان ، وأصل الكلمة من الجمام أي الراحة للإقامة وترك تحمل التعب ، وجمام المكوك دقيقا إذا امتلأ حتى عجز عن تحمل الزيادة ولاعتبار معنى الكثرة قيل الجمة لقوم يجتمعون في تحمل مكروه ولما اجتمع من شعو الناصية ، وجمة البئر مكان يجتمع فيه الماء كأنه أجم أياما ، وقيل للفرس جموم الشد تشبيها به ، والجماء الغفير والجم الغفير الجماعة من الناس وشاة جماء لا قرن لها اعتبارا بجمة الناصية .
جمح : قال تعالى : { وهم يجمحون } أصله في الفرس إذا غلب فارسه بنشاطه في مروره وجريانه وذلك أبلغ من النشاط والمرح ، والجماح سهم يجعل على رأسه كالبندقة يرمي به الصبيان .
جمع : الجمع ضم الشيء بتقريب بعضه من بعض ، يقال جمعته فاجتمع ، وقال عز وجل : { وجمع الشمس والقمر } - { وجمع فأوعى } - { جمع مالا وعدده } وقال تعالى : { يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق } وقال تعالى : { لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون } - { قل لئن اجتمعت الإنس والجن } وقال تعالى : { فجمعناهم جمعا } وقال تعالى : { إن الله جامع المنافقين }
____________________
(1/96)
- { وإذا كانوا معه على أمر جامع } ) أي أمر له خطر يجتمع لأجله الناس فكأن الأمر نفسه جمعهم وقوله تعالى : { ذلك يوم مجموع له الناس } أي جمعوا فيه نحو { يوم الجمع } وقال تعالى : { يوم يجمعكم ليوم الجمع } ويقال للمجموع جمع وجميع وجماعة وقال تعالى : { وما أصابكم يوم التقى الجمعان } وقال عز وجل : { وإن كل لما جميع لدينا محضرون } والجماع يقال في أقوام متفاوتة اجتمعوا قال الشاعر :
( بجمع غير جماع ** )
وأجمعت كذا أكثر ما يقال فيما يكون جمعا يتوصل إليه بالفكرة نحو { فأجمعوا أمركم وشركاءكم } قال الشاعر :
( هل أغزون يوما وأمري مجمع ** )
وقال تعالى : { فأجمعوا كيدكم } ويقال أجمع المسلمون على كذا اجتمعت آراؤهم عليه ونهب مجمع ما توصل إليه بالتدبير والفكرة وقوله عز وجل : { إن الناس قد جمعوا لكم } قيل جمعوا آراءهم في التدبير عليكم وقيل جمعوا جنودهم . وجميع وأجمع وأجمعون يستعمل لتأكيد الاجتماع على الأمر ، فأما أجمعون فتوصف به المعرفة ولا يصح نصبه على الحال نحو قوله تعالى : { فسجد الملائكة كلهم أجمعون } - { وأتوني بأهلكم أجمعين } فأما جميع فإنه قد ينصب على الحال فيؤكد به من حيث المعنى نحو : { اهبطوا منها جميعا } وقال { فكيدوني جميعا } وقولهم يوم الجمعة لاجتماع الناس للصلاة ، قال تعالى : { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } ومسجد الجامع أي الأمر الجامع أو الوقت الجامع وليس الجامع وصفا للمسجد ، وجمعوا شهدوا الجمعة أو الجامع أو الجماعة . وأتان جامع إذا حملت وقدر جماع جامع عظيمة واستجمع الفرس جريا بالغ فمعنى الجمع ظاهر ، وقولهم ماتت المرأة بجمع إذا كان ولدها في بطنها فلتصور اجتماعهما ، وقولهم هي منه بجمع إذا لم تفتض فلاجتماع ذلك العضو منها وعدم التشقق فيه . وضربه بجمع كفه إذا جمع أصابعه فضربه بها وأعطاه من الدراهم جمع الكف أي ما جمعته كفه ، والجوامع الأغلال لجمعها الأطراف .
جمل : الجمال الحسن الكثير وذلك ضربان أحدهما جمال يختص الإنسان به في نفسه أو بدنه أو فعله ، والثاني ما يوصل منه إلى غيره . وعلى هذا الوجه ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الله جميل يحب الجمال تنبيها أنه منه تفيض الخيرات الكثيرة فيحب من يختص بذلك . وقال تعالى : { ولكم فيها جمال حين تريحون } ويقال جميل وجمال وجمال على التكثير قال الله : { فصبر جميل } - { فاصبر صبرا جميلا } وقد جاملت فلانا وأجملت في كذا ، وجمالك أي أجمل واعتبر منه معنى الكثرة فقيل لكل
____________________
(1/97)
جماعة غير منفصلة جملة ومنه قيل للحساب الذي لم يفصل والكلام الذي لم يبين تفصيله مجمل وقد أجملت الحساب وأجملت في الكلام قال تعالى : { وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة } أي مجتمعا لا كما أنزل نجوما مفترقة ، وقول الفقهاء المجمل ما يحتاج إلى بيان فليس بحد له ولا تفسير وإنما هو ذكر أحد أحوال بعض الناس معه ، والشيء يجب أن تبين صفته في نفسه التي بها يتميز ، وحقيقة المجمل هو المشتمل على جملة أشياء كثيرة غير ملخصة . والجمل يقال للبعير إذا بزل وجمعه جمال وأجمال وجمالة ، قال الله تعالى : { حتى يلج الجمل في سم الخياط } وقوله : { جمالة صفر } جمع جمالة ، والجمالة جمع جمل وقرئ جمالات بالضم وقيل هي القلوص ، والجامل قطعة من الإبل معها راعيها كالباقر ، وقولهم اتخذ الليل جملا فاستعارة كقولهم ركب الليل وتسمية الجمل بذلك يكون لما قد أشار إليه بقوله { ولكم فيها جمال } لأنهم كانوا يعدون ذلك جمالا لهم . وجملت الشحم أذبته والجميل الشحم المذاب والاجتمال الادهان به . وقالت امرأة لبنتها تجملي وتعففي أي كلي الجميل واشربي العفافة .
جن : أصل الجن ستر الشيء عن الحاسة ، يقال جنة الليل وأجنه وجن عليه فجنه ستره وأجنه جعل له ما يجنه كقولك قبرته وأقبرته وسقيته وأسقيته . وجن عليه كذا ستر عليه قال عز وجل { فلما جن عليه الليل رأى كوكبا } والجنان القلب لكونه مستورا عن الحاسة والمجن والمجنة الترس الذي يجن صاحبه قال عز وجل : { اتخذوا أيمانهم جنة } وفي الحديث : الصوم جنة والجنة كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض ، قال عز وجل : { لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال } - { وبدلناهم بجنتيهم جنتين } - { ولولا إذ دخلت جنتك } قيل وقد تسمى الأشجار الساترة جنة ، وعلى ذلك حمل قول الشاعر :
( من النواضح تسقي جنة سحقا ** )
وسميت الجنة إما تشبيها بالجنة في الأرض وإن كان بينهما بون ، وإما لستره نعمها عنا المشار إليها بقوله تعالى : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } قال ابن عباس رضي الله عنه : إنما قال جنات بلفظ الجمع لكون الجنان سبعا جنة الفردوس وعدن وجنة النعيم ودار الخلد وجنة المأوى ودار السلام وعليين . والجنين الولد ما دام في بطن أمه وجمعه أجنة قال تعالى : { وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم } وذلك فعيل في معنى مفعول ، والجنين القبر ، وذلك فعيل في معنى فاعل ، والجن يقال على وجهين : أحدهما للروحانيين المستترة عن الحواس كلها بإزاء الإنس فعلى هذا تدخل فيه
____________________
(1/98)
الملائكة والشياطين فكل ملائكة جن وليس كل جن ملائكة ، وعلى هذا قال أبو صالح : الملائكة كلها جن ، وقيل بل الجن بعض الروحانيين ، وذلك أن الروحانيين ثلاثة : أخيار وهم الملائكة ، وأشرار وهم الشياطين ، وأوساط فيهم أخيار وأشرار ، وهم الجن ويدل على ذلك قوله تعالى : { قل أوحي إلي } إلى قوله عز وجل { وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون } والجنة جماعة الجن قال تعالى : { من الجنة والناس } وقال تعالى : { وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا } والجنة الجنون . وقال تعالى : { ما بصاحبكم من جنة } أي جنون والجنون حائل بين النفس والعقل وجن فلان قيل أصابه الجن وبني فعله على فعل كبناء الأدواء نحو : زكم ولقي وحم ، وقيل أصيب جنانه وقيل حيل بين نفسه وعقله فجن عقله بذلك وقوله تعالى : { معلم مجنون } أي ضامه من يعلمه من الجن وكذلك قوله تعالى { أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون } وقيل جن التلاع والآفاق أي كثر عشبها حتى صارت كأنها مجنونة وقوله تعالى : { والجان خلقناه من قبل من نار السموم } فنوع من الجن وقوله تعالى : { كأنها جان } قيل ضرب من الحيات .
جنب : أصل الجنب الجارحة وجمعه جنوب ، قال الله عز وجل : { فتكوى بها جباههم وجنوبهم } وقال تعالى : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } وقال عز وجل : { قياما وقعودا وعلى جنوبهم } ثم يستعار في الناحية التي تليها كعادتهم في استعارة سائر الجوارح لذلك نحو اليمين والشمال كقول الشاعر :
( من عن يميني مرة وأمامي ** )
وقيل جنب الحائط وجانبه { والصاحب بالجنب } أي القريب وقال تعالى { يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله } أي في أمره وحده الذي حده لنا وسار جنيبه وجنيبته وجنابيه وجنابيته وجنبته أصبت جنبه نحو : كبدته وفأدته وجنب شكا جنبه نحو كبد وفئد وبنى من الجنب الفعل على وجهين أحدهما الذهاب على ناحيته والثاني الذهاب إليه فالأول نحو جنبته وأجنبته ومنه { والجار الجنب } أي البعيد قال الشاعر
( فلا تحرمني نائلا عن جنابة ** )
أي عن بعد ، ورجل جنب وجانب قال عز وجل { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } - { الذين يجتنبون كبائر الإثم } وقال عز وجل : { واجتنبوا قول الزور } - { واجتنبوا الطاغوت } عبارة عن تركهم إياها { فاجتنبوه لعلكم تفلحون } وذلك أبلغ من قولهم اتركوه ، وجنب بنو فلان إذا لم يكن في إبلهم اللبن ، وجنب فلان خيرا وجنب شرا قال تعالى في النار : { وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى } وذا أطلق فقيل جنب فلان فمعناه أبعد عن
____________________
(1/99)
الخير وكذلك يقال في الدعاء في الخير وقوله عز وجل : { واجنبني وبني أن نعبد الأصنام } من جنبته عن كذا أي أبعدته وقيل هو من جنبت الفرس كأنما سأله أن يقوده عن جانب الشرك بألطاف منه وأسباب خفية . والجنب الروح في الرجلين وذلك إبعاد إحدى الرجلين عن الأخرى خلقة وقوله تعالى : { وإن كنتم جنبا فاطهروا } أي إن أصابتكم الجنابة وذلك بإنزال الماء أو بالتقاء الختانين . وقد جنب وأجنب واجتنب وتجنب وسميت الجنابة بذلك لكونها سببا لتجنب الصلاة في حكم الشرع ، والجنوب يصح أن يعتبر فيها معنى المجيء من جانب الكعبة وأن يعتبر فيها معنى الذهاب عنه لأن المعنيين فيها موجودان ، واشتق من الجنوب جنبت الريح هبت جنوبا فأجنبنا دخلنا فيها وجنبنا أصابتنا وسحابة مجنوبة هبت عليها .
جنح : الجناح جناح الطائر يقال جنح الطائر أي كسر جناحه قال تعالى : { ولا طائر يطير بجناحيه } وسمي جانبا الشيء جناحيه فقيل جناحا السفينة وجناحا العسكر وجناحا الوادي وجناحا الإنسان لجانبيه ، قال عز وجل : { واضمم يدك إلى جناحك } أي جانبك ، واضمم إليك جناحك عبارة عن اليد لكون الجناح كاليد ، ولذلك قيل لجناحي الطائر يداه وقوله عز وجل : { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } فاستعارة ، وذلك أنه لما كان الذل ضربين : ضرب يضع الإنسان ، وضرب يرفعه ، وقصد في هذا المكان إلى ما يرفعه لا إلى ما يضعه استعار لفظ الجناح فكأنه قيل استعمل الذل الذي يرفعك عند الله تعالى من أجل اكتسابك الرحمة أو من أجل رحمتك لهما { واضمم إليك جناحك من الرهب } وجنحت العير في سيرها أسرعت كأنها استعانت بجناح ، وجنح الليل أظل بظلامه والجنح قطعة من الليل مظلمة ، قال تعالى : { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها } أي مالوا من قولهم جنحت السفينة أي مالت إلى أحد جانبيها وسمي الإثم المائل بالإنسان عن الحق جناحا ثم سمي كل إثم جناحا نحو قوله تعالى : { لا جناح عليكم } في غير موضع ، وجوانح الصدر الأضلاع المتصلة رءوسها في وسط الزور ، الواحدة جانحة وذلك لما فيها من الميل .
جند : يقال للعسكر الجند اعتبارا بالغلظة من الجند أي الأرض الغليظة التي فيها حجارة ثم يقال لكل مجتمع جند نحو الأرواح جنود مجندة قال تعالى : { وإن جندنا لهم الغالبون } - { إنهم جند مغرقون } وجمع الجند أجناد وجنود قال تعالى : { وجنود إبليس أجمعون } - { وما يعلم جنود ربك إلا هو } - { اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها }
____________________
(1/100)
فالجنود الأولى من الكفار والجنود الثانية التي لم تروها الملائكة .
جنف : أصل الجنف ميل في الحكم فقوله { فمن خاف من موص جنفا } أي ميلا ظاهرا وعلى هذا غير متجانف لإثم : أي مائل إليه .
جنى : جنيت الثمرة واجتنيتها والجني والجنى المجتنى من الثمر والعسل وأكثر ما يستعمل الجني فيما كان غضا ، قال تعالى : { تساقط عليك رطبا جنيا } وقال تعالى : { وجنى الجنتين دان } وأجنى الشجر أدرك ثمره والأرض كثر جناها واستعير من ذلك جنى فلان جناية كما استعير اجترم .
جهد : الجهد والجهد الطاقة والمشقة وقيل الجهد بالفتح المشقة والجهد الواسع وقيل الجهد للإنسان ، وقال تعالى : { والذين لا يجدون إلا جهدهم } وقال تعالى : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } أي حلفوا واجتهدوا في الحلف أن يأتوا به على أبلغ ما في وسعهم . والاجتهاد أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمل المشقة ، يقال جهدت رأيي وأجهدته أتعبته بالفكر ، والجهاد والمجاهدة استفراغ الوسع في مدافعة العدو ، والجهاد ثلاثة أضرب : مجاهدة العدو الظاهر ، ومجاهدة الشيطان ، ومجاهدة النفس ، وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى : { وجاهدوا في الله حق جهاده } - { وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله } - { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } وقال صلى الله عليه وسلم : جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم والمجاهدة تكون باليد واللسان ، قال صلى الله عليه وسلم : جاهدوا الكفار بأيديكم وألسنتكم .
جهر : يقال لظهور الشيء بإفراط حاسة البصر أو حاسة السمع ، أما البصر فنحو : رأيته جهارا ، قال الله تعالى : { لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } - { أرنا الله جهرة } ومنه جهر البئر واجتهرها إذا أظهر ماءها ، وقيل ما في القوم أحد يجهر عيني ، والجوهر فوعل منه وهو ما إذا بطل بطل محموله ، وسمي بذلك لظهوره للحاسة . وأما السمع فمنه قوله تعالى : { سواء منكم من أسر القول ومن جهر به } وقال عز وجل : { وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى } - { إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون } - { وأسروا قولكم أو اجهروا به } - { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } وقال { ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض } وقيل كلام جوهري وجهير يقال لرفيع الصوت ولمن يجهر بحسنه .
جهز : قال تعالى : { فلما جهزهم بجهازهم } الجهاز ما يعد من متاع وغيره والتجهيز حمل ذلك أو بعثه ، وضرب البعير بجهازه إذا ألقى متاعه في رجله فنفر ، وجهيزة امرأة محمقة
____________________
(1/101)
وقيل للذئبة التي ترضع ولد غيرها جهيزة .
جهل : الجهل على ثلاثة أضرب : الأول : وهو خلو النفس من العلم ، هذا هو الأصل ، وقد جعل ذلك بعض المتكلمين معنى مقتضيا للأفعال الجارية على غير النظام . والثاني : اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه . والثالث : فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل سواء اعتقد فيه اعتقادا صحيحا أو فاسدا كمن يترك الصلاة متعمدا ، وعلى ذلك قوله تعالى : { قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين } فجعل فعل الهزو جهلا ، وقال عز وجل { فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة } والجاهل تارة يذكر على سبيل الذم وهو الأكثر وتارة لا على سبيل الذم نحو : { يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف } أي من لا يعرف حالهم وليس يعني المتخصص بالجهل المذموم . والمجهل الأمر والأرض والخصلة التي تحمل الإنسان على الاعتقاد بالشيء خلاف ما هو عليه واستجهلت الريح الغصن حركته كأنها حملته على تعاطي الجهل وذلك استعارة حسنة .
جهنم : اسم لنار الله الموقدة ، قيل وأصلها فارسي معرب ، وهو جهنام ، والله أعلم .
جيب : قال الله تعالى : { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } جمع جيب ) .
جوب : الجوب قطع الجوبة وهي كالغائط من الأرض ثم يستعمل في قطع كل أرض ، قال تعالى : { وثمود الذين جابوا الصخر بالواد } ويقال هل عندك جائبة خبر وجواب الكلام هو ما يقطع الجوب فيصل من فم القائل إلى سمع المستمع ، لكن خص بما يعود من الكلام دون المبتدأ من الخطاب ، قال تعالى : { فما كان جواب قومه إلا أن قالوا } والجواب يقال في مقابلة السؤال ، والسؤال على ضربين : طلب المقال وجوابه المقال ، وطلب النوال وجوابه النوال ، فعلى الأول : { أجيبوا داعي الله } وقال : { ومن لا يجب داعي الله } وعلى الثاني قوله : { قد أجيبت دعوتكما فاستقيما } أي أعطيتما ما سألتما ، والاستجابة قيل هي الإجابة وحقيقتها هي التحري للجواب والتهيؤ له ، لكن عبر به عن الإجابة لقلة انفكاكها منها قال تعالى : { استجيبوا لله وللرسول } وقال : { ادعوني أستجب لكم > { فليستجيبوا لي } - { فاستجاب لهم ربهم } - { ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات } - { والذين استجابوا لربهم } وقال تعالى : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } - { فليستجيبوا لي } - { الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح } .
جود : قال تعالى : { واستوت على الجودي } قيل هو اسم جبل بين الموصل والجزيرة وهو في الأصل منسوب إلى الجود ، والجود بذل
____________________
(1/102)
المقتنيات مالا كان أو علما ، ويقال رجل جواد وفرس جواد يجود بمدخر عدوه ، والجمع الجياد ، قال الله تعالى : { بالعشي الصافنات الجياد } ويقال في المطر الكثير جود وفي الفرس جودة ، وفي المال جود ، وجاد الشيء جودة فهو جيد لما نبه عليه قوله تعالى : { أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } .
جأر : قال الله تعالى : { فإليه تجأرون } وقال تعالى : { إذا هم يجأرون لا تجأروا اليوم } جأر إذا أفرط في الدعاء والتضرع تشبيها بجؤار الوحشيات كالظباء ونحوها .
جار : الجار من يقرب مسكنه منك وهو من الأسماء المتضايفة فإن الجار لا يكون جارا لغيره إلا وذلك الغير جار له كالأخ والصديق ، ولما استعظم حق الجار عقلا وشرعا عبر عن كل من يعظم حقه أو يستعظم حق غيره بالجار ، قال تعالى : { والجار ذي القربى والجار الجنب } ويقال استجرته فأجارني ، وعلى هذا قوله تعالى : { وإني جار لكم } وقال عز وجل : { وهو يجير ولا يجار عليه } وقد تصور من الجار معنى القرب فقيل لمن يقرب من غيره جاره وجاوره وتجاور ، قال تعالى : { لا يجاورونك فيها إلا قليلا } وقال تعالى : { وفي الأرض قطع متجاورات } وباعتبار القرب قيل جار عن الطريق ثم جعل ذلك أصلا في العدول عن كل حق فبني منه الجور ، قال تعالى : { ومنها جائر } أي عادل عن المحجة ، وقال بعضهم الجائر من الناس هو الذي يمنع من التزام ما يأمر به الشرع .
جوز : قال تعالى : { فلما جاوزه هو } أي تجاوز جوزه ، وقال { وجاوزنا ببني إسرائيل البحر } وجوز الطريق وسطه وجاز الشيء كأنه لزم جوز الطريق وذلك عبارة عما يسوغ وجوز السماء وسطها ، والجوزاء قيل سميت بذلك لاعتراضها في جوز السماء ، وشاة جوزاء أي ابيض وسطها ، وجزت المكان ذهبت فيه وأجزته أنفذته وخلفته . وقيل استجزت فلانا فأجازني إذا استسقيته فسقاك ، وذلك استعارة . والحقيقة مالم يتجاوز ذلك .
جاس : قال الله تعالى : { فجاسوا خلال الديار } أي توسطوها وترددوا بينها ويقارب ذلك جاسوا وداسوا ، وقيل الجوس طلب ذلك الشيء باستقصاء والمجوس معروف . جوع : الجوع الألم الذي ينال الحيوان من خلو المعدة من الطعام ، والمجاعة عبارة عن زمان الجدب ، ويقال رجل جائع وجوعان إذا كثر جوعه .
جاء : جاء يجيء جيئة ومجيئا والمجيء كالإتيان لكن المجيء أعم لأن الإتيان مجيء بسهولة والإتيان قد يقال باعتبار القصد وإن لم يكن منه الحصول ، والمجيء يقال اعتبارا بالحصول ، ويقال جاء في الأعيان والمعاني ولما
____________________
(1/103)
يكون مجيئه بذاته وبأمره ولمن قصد مكانا أو عملا أو زمانا ، قال الله عز وجل : { وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى } - { ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات } - { ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم } - { فإذا جاء الخوف } - { إذا جاء أجلهم } - { بلى قد جاءتك آياتي } - { فقد جاؤوا ظلما وزورا } أي قصدوا الكلام وتعدوه فاستعمل فيه المجيء كما استعمل فيه القصد ، قال تعالى : { إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم } - { وجاء ربك والملك صفا صفا } فهذا بالأمر لا بالذات وهو قول ابن عباس رضي الله عنه ، وكذا قوله : { فلما جاءهم الحق } يقال جاءه بكذا وأجاءه ، قال الله تعالى : { فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة } قيل ألجأها وإنما هو معدى عن جاء وعلى هذا قولهم : شر ما أجاءك إلى مخة عرقوب ، وقول الشاعر :
( أجاءته المخافة والرحاء **
وجاء بكذا استحضره نحو : { لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء } - { وجئتك من سبإ بنبإ يقين } وجاء بكذا يختلف معناه بحسب اختلاف المجيء به .
جال : جالوت اسم ملك طاغ رماه داود عليه السلام فقتله ، وهو المذكور في قوله تعالى : { وقتل داود جالوت } .
جو : الجو الهواء ، قال الله تعالى : { في جو السماء ما يمسكهن إلا الله } واسم اليمامة جو ، والله أعلم .
____________________
(1/104)
= كتاب الحاء =
حب : الحب والحبة يقال في الحنطة والشعير ونحوهما من المطعومات ، والحب والحبة في بزور الرياحين ، قال الله تعالى : { كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة } وقال : { ولا حبة في ظلمات الأرض } وقال تعالى : { إن الله فالق الحب والنوى } وقوله تعالى : { فأنبتنا به جنات وحب الحصيد } أي الحنطة وما يجري مجراها مما يحصد ، وفي الحديث : كما تنبت الحبة في حميل السيل والحب من فرط حبه ، والحبب تنضد الأسنان تشبيها بالحب . والحباب من الماء النفاخات تشبيها به ، وحبة القلب تشبيها بالحبة في الهيئة ، وحببت فلانا يقال في الأصل بمعنى أصبت حبة قلبه نحو شغفته وكبدته وفأدته . وأحببت فلانا جعلت قلبي معرضا لحبه لكن في التعارف وضع محبوب موضع محب . واستعمل حببت أيضا في موضع أحببت ، والمحبة إرادة ما تراه أو تظنه خيرا وهي على ثلاثة أوجه : محبة للذة كمحبة الرجل المرأة ومنه : { ويطعمون الطعام على حبه مسكينا } ومحبة للنفع كمحبة شيء ينتفع به ، ومنه : { وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب } ومحبة للفضل كمحبة أهل العلم بعضهم لبعض لأجل العلم . وربما فسرت المحبة بالإرادة في نحو قوله تعالى : { فيه رجال يحبون أن يتطهروا } وليس كذلك فإن المحبة أبلغ من الإرادة كما تقدم آنفا فكل محبة إرادة ، وليس كل إرادة محبة ، وقوله عز وجل : { إن استحبوا الكفر على الإيمان } أي إن آثروه عليه ، وحقيقة الاستحباب أن يتحرى الإنسان في الشيء أن يحبه واقتضى تعديته بعلى معنى الإيثار ، وعلى هذا قوله تعالى : { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا } الآية ، وقوله تعالى : { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } فمحبة الله تعالى للعبد إنعامه عليه ، ومحبة العبد له طلب الزلفى لديه . وقوله تعالى : { إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي } فمعناه أحببت الخيل حبي للخير ، وقوله تعالى : { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } أي يثيبهم وينعم عليهم وقال : { لا يحب كل كفار أثيم } وقوله تعالى : { إن الله لا يحب كل مختال فخور } تنبيها أنه بارتكاب الآثام يصير بحيث لا يتوب لتماديه في ذلك وإذا لم يتب لم يحبه
____________________
(1/105)
الله المحبة التي وعد بها التوابين والمتطهرين ، وحبب الله إلى كذا ، قال الله تعالى : { ولكن الله حبب إليكم الإيمان } وأحب البعير إذا حرن ولزم مكانه كأنه أحب المكان الذي وقف فيه ، وحبابك أن تفعل كذا أي غاية محبتك ذلك .
حبر : الحبر الأثر المستحسن ومنه ما روي يخرج من النار رجل قد ذهب حبره وسبره أي جماله وبهاؤه ومنه سمي الحبر ، وشاعر محبر وشعر محبر وثوب حبير محسن ، ومنه أرض محبار ، والحبير من السحاب ، وحبر فلان بقي بجلده أثر من قرح . والحبر العالم وجمعه أحبار لما يبقى من أثر علومهم في قلوب الناس ومن آثار أفعالهم الحسنة المقتدى بها ، قال تعالى : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين رضي الله عنه بقوله : العلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة . وقوله عز وجل : { في روضة يحبرون } أي يفرحون حتى يظهر عليهم حبار نعيمهم .
حبس : الحبس المنع من الانبعاث ، قال عز وجل : { تحبسونهما من بعد الصلاة } والحبس مصنع الماء الذي يحبسه والأحباس جمع والتحبيس جعل الشيء موقوفا على التأبيد ، يقال هذا حبيس في سبيل الله .
حبط : قال الله تعالى : { حبطت أعمالهم } - { ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } - { وسيحبط أعمالهم } - { ليحبطن عملك } وقال تعالى : { فأحبط الله أعمالهم } وحبط العمل على أضرب : أحدها أن تكون الأعمال دنيوية فلا تغني في القيامة غناءا كما أشار إليه بقوله : { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا } والثاني أن تكون أعمالا أخروية لكن لم يقصد بها صاحبها وجه الله تعالى كما روي أنه يؤتى يوم القيامة برجل فيقال له بم كان اشتغالك قال : بقراءة القرآن ، فيقال له قد كنت تقرا ليقال هو قارئ وقد قيل ذلك ، فيؤمر به إلى النار . والثالث أن تكون أعمالا صالحة ولكن بإزائها سيئات توفى عليها وذلك هو المشار إليه بخفة الميزان ، وأصل الحبط من الحبط وهو أن تكثر الدابة أكلا حتى ينتفخ بطنها . وقال عليه السلام : إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم ، وسمي الحارث الحبط لأنه أصابه ذلك ثم سمي أولاده حبطات .
حبك : قال تعالى : { والسماء ذات الحبك } هي ذات الطرائق فمن الناس من تصور منها الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرة ، ومنهم من اعتبر ذلك بما فيه من الطرائق المعقولة المدركة بالبصيرة ، وإلى ذلك أشار بقوله تعالى : { الذين يذكرون الله قياما } الآية ، وأصله من قولهم : بعير محبوك القرى ، أي محكمه ، والاحتباك شد الإزار .
____________________
(1/106)
حبل : الحبل معروف ، قال عز وجل : { في جيدها حبل من مسد } وشبه به من حيث الهيئة حبل الوريد وحبل العاتق والحبل المستطيل من الرمل ، واستعير للوصل ولكل ما يتوصل به إلى شيء ، قال عز وجل : { واعتصموا بحبل الله جميعا } فحبله هو الذي معه التوصل به إليه من القرآن والعقل وغير ذلك مما إذا اعتصمت به أداك إلى جواره . ويقال للعهد حبل ، وقوله تعالى : { ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس } ففيه تنبيه أن الكافر يحتاج إلى عهدين : عهد من الله وهو أن يكون من أهل كتاب أنزله الله تعالى وإلا لم يقر على دينه ولم يجعل في ذمة . وإلى عهد من الناس يبذلونه له . والحبالة خصت بحبل الصائد جمعها حبائل ، وروي : النساء حبائل الشيطان والمحتبل والحابل صاحب الحبالة . وقيل وقع حابلهم على نابلهم ، والحبلة اسم لما يجعل في القلادة .
حتم : الحتم القضاء المقدر ، والحاتم الغراب الذي يحتم بالفراق فيما زعموا .
حتى : حتى حرف يجر به تارة كإلى ، لكن يدخل الحد المذكور بعده في حكم ما قبله ويعطف به تارة ويستأنف به تارة نحو : أكلت السمكة حتى رأسها ورأسها ورأسها ، قال تعالى : { ليسجننه حتى حين } - و { حتى مطلع الفجر } ويدخل على الفعل المضارع فينصب ويرفع ، وفي كل واحد وجهان : فأحد وجهي النصب إلى أن ، والثاني كي . وأحد وجهي الرفع أن يكون الفعل قبله ماضيا نحو : مشيت حتى أدخل البصرة ، أي مشيت فدخلت البصرة . والثاني يكون ما بعده حالا نحو : مرض حتى لا يرجون ، وقد قرئ : { حتى يقول الرسول } بالنصب والرفع وحمل في كل واحدة من القراءتين على الوجهين . وقيل إن ما بعد حتى يقتضي أن يكون بخلاف ما قبله نحو قوله تعالى : { ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } وقد يجيء ولا يكون كذلك نحو ما روي : إن الله تعالى لا يمل حتى تملوا لم يقصد أن يثبت ملالا لله تعالى بعد ملالهم .
حج : أصل الحج القصد للزيارة ، قال الشاعر :
( يحجون بيت الزبرقان المعصفرا ** )
خص في تعارف الشرع بقصد بيت الله تعالى إقامة للنسك فقيل الحج والحج ، فالحج مصدر والحج اسم ، ويوم الحج الأكبر يوم النحر ، ويوم عرفة ، وروي العمرة الحج الأصغر . والحجة الدلالة المبينة للمحجة أي المقصد المستقيم والذي يقتضي صحة أحد النقيضين ، قال تعالى : { قل فلله الحجة البالغة } وقال : { لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا } فجعل ما يحتج بها الذين ظلموا مستثنى من
____________________
(1/107)
الحجة وإن لم يكن حجة ، وذلك كقول الشاعر :
( ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ** بهن فلول من قراع الكتائب )
ويجوز أنه سمي ما يحتجون به حجة كقوله : { والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم } فسمى الداحضة حجة ، وقوله تعالى : { لا حجة بيننا وبينكم } أي لا احتجاج لظهور البيان ، والمحاجة أن يطلب كل واحد أن يرد الآخر عن حجته ومحجته ، قال تعالى : { وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله } - { فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك } وقال تعالى : { لم تحاجون في إبراهيم } وقال تعالى : { ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم } وقال تعالى : { وإذ يتحاجون في النار } وسمي سبر الجراحة حجا . قال الشاعر :
( يحج مأمومة في قعرها لجف ** )
حجب : الحجب والحجاب المنع من الوصول ، يقال حجبه حجبا وحجابا . وحجاب الجوف ما يحجب عن الفؤاد ، وقوله تعالى : { وبينهما حجاب } ليس يعني به ما يحجب البصر ، وإنما يعني ما يمنع من وصول لذة أهل الجنة إلى أهل النار وأذية أهل النار إلى أهل الجنة كقوله عز وجل : { فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب } وقال عز وجل : { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب } أي من حيث ما لا يراه مكلمه ومبلغه وقوله تعالى : { حتى توارت بالحجاب } يعني الشمس إذا استترت بالمغيب . والحاجب المانع عن السلطان والحاجبان في الرأس لكونهما كالحاجبين للعين في الذب عنهما . وحاجب الشمس سمي لتقدمه عليها تقدم الحاجب للسلطان . وقوله عز وجل : { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } إشارة إلى منع النور عنهم المشار إليه بقوله : { فضرب بينهم بسور } .
حجر : الحجر الجوهر الصلب المعروف وجمعه أحجار وحجارة وقوله تعالى : { وقودها الناس والحجارة } قيل هي حجارة الكبريت وقيل بل الحجارة بعينها ونبه بذلك على عظم حال تلك النار وأنها مما توقد بالناس والحجارة خلاف نار الدنيا إذ هي لا يمكن أن توقد بالحجارة وإن كانت بعد الإيقاد قد تؤثر فيها . وقيل أراد بالحجارة الذين هم في صلابتهم عن قبول الحق كالحجارة كمن وصفهم بقوله : { فهي كالحجارة أو أشد قسوة } والحجر والتحجير أن يجعل حول المكان حجارة يقال حجرته حجرا فهو محجور ، وحجرته تحجيرا فهو محجر ، وسمي ما أحيط به الحجارة حجرا وبه سمي حجر الكعبة وديار ثمود قال تعالى : { كذب أصحاب الحجر المرسلين } وتصور
____________________
(1/108)
من الحجر معنى المنع لما يحصل فيه فقيل للعقل حجر لكون الإنسان في منع منه مما تدعو إليه نفسه . وقال تعالى : { هل في ذلك قسم لذي حجر } قال المبرد : يقال للأنثى من الفرس حجر لكونها مشتملة على ما في بطنها من الولد ، والحجر الممنوع منه بتحريمه قال تعالى : { وقالوا هذه أنعام وحرث حجر } - { ويقولون حجرا محجورا } كان الرجل إذا لقى من يخاف يقول ذلك فذكر تعالى أن الكفار إذا رأوا الملائكة قالوا ذلك ظنا أن ذلك ينفعهم ، قال تعالى : { وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا } أي منعا لا سبيل إلى رفعه ودفعه ، وفلان في حجر فلان أي في منع منه عن التصرف في ماله وكثير من أحواله وجمعه حجور ، قال تعالى : { وربائبكم اللاتي في حجوركم } وحجر القميص أيضا اسم لما يجعل فيه الشيء فيمنع ، وتصور من الحجر دورانه فقيل حجرت عين الفرس إذا وسمت حولها بميسم وحجر القمر صار حوله دائرة والحجورة لعبة للصبيان يخطون خطا مستديرا ، ومحجر العين منه . وتحجر كذا تصلب وصار كالأحجار . والأحجار بطون من بني تميم سمو بذلك لقوم منهم اسماؤهم جندل وحجر وصخر .
حجز : الحجز المنع بين الشيئين بفاصل بينهما ، يقال حجز بينهما قال عز وجل : { وجعل بين البحرين حاجزا } والحجاز سمي بذلك لكونه حاجزا بين الشام والبادية ، قال تعالى : { فما منكم من أحد عنه حاجزين } فقوله : حاجزين صفة لأحد في موضع الجمع ، والحجاز حبل يشد من حقو البعير إلى رسغه وتصور منه معنى الجمع فقيل احتجز فلان عن كذا واحتجز بإزاره ومنه حجزة السراويل ، وقيل إن أردتم المحاجزة فقبل المناجزة أي الممانعة قبل المحاربة ، وقيل حجازيك أي احجز بينهم .
حد : الحد الحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر ، يقال حددت كذا جعلت له حدا يميز وحد الدار ما تتميز به عن غيرها وحد الشيء الوصف المحيط بمعناه المميز له عن غيره ، وحد الزنا والخمر سمي به لكونه مانعا لمتعاطيه عن معاودة مثله ومانعا لغيره أن يسلك مسلكه ، قال الله تعالى : { وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله } ، وقال تعالى : { تلك حدود الله فلا تعتدوها } ، وقال : { الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله } أي أحكامه وقيل حقائق معانيه وجميع حدود الله على أربعة أوجه : إما شيء لا يجوز أن يتعدى بالزيادة عليه ولا القصور عنه كأعداد ركعات صلاة الفرض ، وإما شيء تجوز الزيادة عليه ولا يجوز النقصان عنه ، وإما شيء يجوز النقصان عنه ولا تجوز الزيادة عليه ، وقوله تعالى : { إن الذين يحادون الله ورسوله }
____________________
(1/109)
أي يمانعون فذلك إما اعتبارا بالممانعة وإما باستعمال الحديد والحديد معروف قال عز وجل : { وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد } وحددت السكين رققت حده وأحددته جعلت له حدا ثم يقال لكل ما دق في نفسه من حيث الخلقة أو من حيث المعنى كالبصر والبصيرة حديد ، فيقال هو حديد النظر وحديد الفهم ، قال عز وجل : { فبصرك اليوم حديد } ويقال لسان حديد نحو لسان صارم وماض وذلك إذا كان يؤثر تأثير الحديد . قال تعالى : { سلقوكم بألسنة حداد } ولتصور المنع سمي البواب حدادا وقيل رجل محدود ممنوع الرزق والحظ .
حدب : يجوز أن يكون الأصل في الحدب حدب الظهر ، يقال حدب الرجل حدبا فهو أحدب واحدودب وناقة حدباء تشبيها به ثم شبه به ما ارتفع من ظهر الأرض فسمي حدبا ، قال تعالى : { وهم من كل حدب ينسلون } .
حدث : الحدوث كون الشيء بعد أن لم يكن عرضا كان ذلك أو جوهرا وإحداثه إيجاده ، وإحداث الجواهر ليس إلا لله تعالى والمحدث ما أوجد بعد أن لم يكن وذلك إما في ذاته أو إحداثه عند من حصل عنده نحو : أحدثت ملكا ، قال تعالى : { ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث } ، ويقال لكل ما قرب عهده محدث فعلا كان أو مقالا ، قال تعالى : { حتى أحدث لك منه ذكرا } وقال : { لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } ، وكل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي في يقظته أو منامه ، يقال له حديث ، قال عز وجل : { وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا } قال تعالى : { هل أتاك حديث الغاشية } وقال عز وجل : { وعلمتني من تأويل الأحاديث } أي ما يحدث به الإنسان في نومه ، وسمى تعالى كتابه حديثا فقال : { فليأتوا بحديث مثله } وقال تعالى : { أفمن هذا الحديث تعجبون } وقال : { فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا } وقال تعالى : { حتى يخوضوا في حديث غيره } - { فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون } وقال تعالى : { ومن أصدق من الله حديثا } وقال عليه السلام : إن يكن في هذه الأمة محدث فهو عمر وإنما يعني من يلقى في روعه من جهة الملأ الأعلى شيء ، وقوله عز وجل : { فجعلناهم أحاديث } أي أخبارا يتمثل بهم . والحديث : الطري من الثمار ، ورجل حدوث حسن الحديث وهو حدث النساء أي محادثهن ، وحادثته وحدثته وتحادثوا وصار أحدوثة ، ورجل حدث وحديث السن بمعنى ، والحادثة النازلة العارضة وجمعها حوادث .
حدق : حدائق ذات بهجة جمع حديقة
____________________
(1/110)
وهي قطعة من الأرض ذات ماء سميت تشبيها بحدقة العين في الهيئة وحصول الماء فيها وجمع الحدقة حداق وأحداق ، وحدق تحديقا شدد النظر ، وحدقوا به ، وأحدقوا أحاطوا به تشبيها بإدارة الحدقة .
حذر : الحذر احتراز عن مخيف ، يقال حذر حذرا وحذرته ، قال عز وجل : { يحذر الآخرة } - وقرئ - / < وإنا لجميع حذرون > / - و { حاذرون } وقال تعالى : { ويحذركم الله نفسه } وقال عز وجل : { خذوا حذركم } أي ما فيه الحذر من السلاح وغيره وقوله تعالى : { هم العدو فاحذرهم } وقال تعالى : { إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم } وحذار أي احذر نحو مناع أي امنع . حر : الحرارة ضد البرودة وذلك ضربان : حرارة عارضة في الهواء من الأجسام المحمية كحرارة الشمس والنار ، وحرارة عارضة في البدن من الطبيعة كحرارة المحموم ، يقال حر يومنا والريح يحر حرا وحرارة وحر يومنا فهو محرور وكذا حر الرجل قال تعالى : { لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا } والحرور الريح الحارة : قال تعالى : { ولا الظل ولا الحرور } واستحر القيظ اشتد حره ، والحرر يبس عارض في الكبد من العطش ، والحرة الواحدة من الحر ، يقال حرة تحت قرة ، والحرة أيضا حجارة تسود من حرارة تعرض فيها وعن ذلك استعير استحر القتل اشتد ، وحر العمل شدته . وقيل إنما يتولى حارها من تولى قارها ، والحر خلاف العبد يقال حر بين الحرورية والحرورة . والحرية ضربان : الأول من لم يجر عليه حكم الشيء نحو ( الحر بالحر ) والثاني من لم تتملكه الصفات الذميمة من الحرص والشره على المقتنيات الدنيوية ، وإلى العبودية التي تضاد ذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الدينار وقول الشاعر :
( ورق ذوي الأطماع رق مخلد ** )
وقيل عبد الشهوة أذل من عبد الرق . والتحرير جعل الإنسان حرا ، فمن الأول : { فتحرير رقبة مؤمنة } ومن الثاني : { نذرت لك ما في بطني محررا } قيل هو أنه جعل ولده بحيث لا ينتفع به الانتفاع الدنيوي المذكور في قوله عز وجل : { بنين وحفدة } بل جعله مخلصا للعبادة ، ولهذا قال الشعبي معناه مخلصا . وقال مجاهد : خادما للبيعة ، وقال جعفر : معتقا من أمر الدنيا ، وكل ذلك إشارة إلى معنى واحد وحررت القوم أطلقتهم وأعتقتهم عن أسر الحبس ، وحر الوجه ما لم تسترقه الحاجة ، وحر الدار وسطها ، وأحرار البقل معروف ، وقول الشاعر :
( جادت عليه كل بكر حرة ** )
وباتت المرأة بليلة حرة كل ذلك استعارة
____________________
(1/111)
والحرير من الثياب ما رق : قال الله تعالى : { ولباسهم فيها حرير } .
حرب : الحرب معروف والحرب السلب في الحرب ثم قد يسمى كل سلب حربا ، قال والحرب مشتقة المعنى من الحرب وقد حرب فهو حريب أي سليب والتحريب إثارة الحرب ورجل محرب كأنه آلة في الحرب ، والحربة آلة للحرب معروفة وأصله الفعلة من الحرب أو من الحراب ، ومحراب المسجد قيل سمي بذلك لأنه موضع محاربة الشيطان والهوى وقيل سمي بذلك لكون حق الإنسان فيه أن يكون حريبا من أشغال الدنيا ومن توزع الخواطر ، وقيل الأصل فيه أن محراب البيت صدر المجلس ثم اتخذت المساجد فسمي صدره به . وقيل بل المحراب أصله في المسجد وهو اسم خص به صدر المجلس ، فسمي صدر البيت محرابا تشبيها بمحراب المسجد وكأن هذا أصح قال عز وجل : { يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل } والحرباء دويبة تتلقى الشمس كأنها تحاربها ، والحرباء مسمار تشبيها بالحرباء التي هي دويبة في الهيئة كقولهم في مثلها ضبة وكلب تشبيها بالضب والكلب .
حرث : الحرث إلقاء البذر في الأرض وتهيؤها للزرع ويسمى المحروث حرثا ، قال الله تعالى : { أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين } وتصور منه العمارة التي تحصل عنه في قوله تعالى : { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب } ، وقد ذكرت في مكارم الشريعة كون الدنيا محرثا للناس وكونهم حراثا فيها وكيفية حرثهم وروي أصدق الأسماء الحارث وذلك لتصور معنى الكسب منه ، وروي احرث في دنياك لآخرتك ، وتصور معنى التهيج من حرث الأرض فقيل حرثت النار ولما تهيج به النار محرث ، ويقال احرث القرآن أي أكثر تلاوته وحرث ناقته إذا استعملها . وقال معاوية للأنصار : ما فعلت نواضحكم قالوا حرثناها يوم بدر . وقال عز وجل : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } وذلك على سبيل التشبيه فبالنساء زرع ما فيه بقاء نوع الإنسان كما أن بالأرض زرع ما به بقاء أشخاصهم ، وقوله عز وجل : { ويهلك الحرث والنسل } يتناول الحرثين .
حرج : أصل الحرج والحراج مجتمع الشيء وتصور منه ضيق ما بينهما فقيل للضيق حرج وللإثم حرج ، قال تعالى : { ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا } ، وقال عز وجل : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } وقد حرج صدره ، قال تعالى : { يجعل صدره ضيقا حرجا } وقرئ حرجا أي ضيقا بكفره لأن
____________________
(1/112)
الكفر لا يكاد تسكن إليه النفس لكونه اعتقادا عن ظن ، وقيل ضيق بالإسلام كما قال تعالى : { ختم الله على قلوبهم } وقوله تعالى : { فلا يكن في صدرك حرج منه } قيل هو نهي ، وقيل هو دعاء ، وقيل هو حكم منه ، نحو : { ألم نشرح لك صدرك } والمنحرج والمنحوب المتجنب من الحرج والحوب .
حرد : الحرد المنع عن حدة وغضب قال عز وجل : { وغدوا على حرد قادرين } أي على امتناع من أن يتناولوه قادرين على ذلك ، ونزل فلان حريدا أي متمنعا عن مخالطة القوم ، وهو حريد المحل . وحاردت السنة منعت قطرها والناقة منعت درها وحرد غضب وحرده كذا وبعير أحرد في إحدى يديه حرد والحردية حظيرة من قصب .
حرس : قال الله تعالى : { فوجدناها ملئت حرسا شديدا } الحرس والحراس جمع حارس وهو حافظ المكان والحرز والحرس يتقاربان معنى تقاربهما لفظا لكن الحرز يستعمل في الناض والأمتعة أكثر ، والحرس يستعمل في الأمكنة أكثر وقول الشاعر :
( فبقيت حرسا قبل مجرى داحس ** لو كان للنفس اللجوج خلود )
قيل معناه دهرا ، فإن كان الحرس دلالته على الدهر من هذا البيت فقط فلا يدل فإن هذا يحتمل أن يكون مصدرا موضوعا موضع الحال أي بقيت حارسا ويدل على معنى الدهر والمدة لا من لفظ الحرس بل من مقتضى الكلام . وأحرس معناه صار ذا حراسة كسائر هذا البناء المقتضي لهذا المعنى ، وحريسة الجبل ما يحرس في الجبل بالليل . قال أبو عبيدة : الحريسة هي المحروسة ، وقال الحريسة المسروقة يقال حرس يحرس حرسا وقدر أن ذلك لفظ قد تصور من لفظ الحريسة لأنه جاء عن العرب في معنى السرقة .
حرص : الحرص فرط الشره وفرط الإرادة قال عز وجل : { إن تحرص على هداهم } أي إن تفرط إرادتك في هدايتهم وقال تعالى : { ولتجدنهم أحرص الناس على حياة } وقال تعالى : { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } وأصل ذلك من حرص القصار الثوب أي قشره بدقه والحارصة شجة تقشر الجلد ، والحارصة والحريصة سحابة تقشر الأرض بمطرها .
حرض : الحرض ما لا يعتد به ولا خير فيه ولذلك يقال لما أشرف على الهلاك حرض ، قال عز وجل : { حتى تكون حرضا } وقد أحرضه كذا قال الشاعر :
( إنى امرؤ نابني هم فأحرضني ** )
والحرضة من لا يأكل إلا لحم الميسر لنذالته ، والتحريض الحث على الشيء بكثرة التزيين وتسهيل الخطب فيه كأنه في الأصل إزالة الحرض نحو مرضته وقذيته أي أزلت
____________________
(1/113)
عنه ارض والقذى وأحرضته أفسدته نحو : أقذيته إذا جعلت فيه القذى .
حرف : حرف الشيء طرفه وجمعه أحرف وحروف ، يقال حرف السيف وحرف السفينة وحرف الجبل ، وحروف الهجاء أطراف الكلمة والحروف العوامل في النحو أطراف الكلمات الرابطة بعضها ببعض ، وناقة حرف تشبيها بحرف الجبل أو تشبيها في الدقة بحرف من حروف الكلمة ، قال عز وجل : { ومن الناس من يعبد الله على حرف } قد فسر ذلك بقوله بعده { فإن أصابه خير } الآية ، وفي معناه : { مذبذبين بين ذلك } وانحرف عن كذا وتحرف واحترف ، والاحتراف طلب حرفة للمكسب ، والحرفة حالته التي يلزمها في ذلك نحو القعدة والجلسة ، والمحارف المحروم الذي خلا به الخير ، وتحريف الشيء إمالته كتحريف القلم ، وتحريف الكلام أن تجعله على حرف من الاحتمال يمكن حمله على الوجهين ، قال عز وجل : { يحرفون الكلم عن مواضعه } - { من بعد مواضعه } - { وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه } ، والحرف ما فيه حرارة ولذع كأنه محرف عن الحلاوة والحرارة ، وطعام حريف . وروي عنه صلى الله عليه وسلم : نزل القرآن على سبعة أحرف وذلك مذكور على التحقيق في الرسالة المنبهة على فوائد القرآن .
حرق : يقال أحرق كذا فاحترق والحريق النار قال تعالى : { وذوقوا عذاب الحريق } وقال تعالى : { فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت } - { قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم } - { لنحرقنه } ولنحرقنه قرئا معا ، فحرق الشيء إيقاع حرارة في الشيء من غير لهيب كحرق الثوب بالدق ، وحرق الشيء إذا برده بالمبرد وعنه استعير حرق الناب ، وقولهم يحرق على الأرم ، وحرق الشعر إذا انتشر وماء حراق يحرق بملوحته ، والإحراق إيقاع نار ذات لهيب في الشيء ، ومنه استعير أحرقني بلومه إذا بالغ في أذيته بلوم .
حرك : قال تعالى : { لا تحرك به لسانك } الحركة ضد السكون ولا تكون إلا للجسم وهو انتقال الجسم من مكان إلى مكان وربما قيل تحرك كذا إذا استحال وإذا زاد في أجزائه وإذا نقص من أجزائه .
حرم : الحرام الممنوع منه إما بتسخير إلهي وإما بمنع قهري وإما بمنع من جهة العقل أو من جهة الشرع أو من جهة من يرتسم أمره . فقوله تعالى : { وحرمنا عليه المراضع } فذلك تحريم بتسخير وقد حمل على ذلك : { وحرام على قرية أهلكناها } وقوله تعالى : { فإنها محرمة عليهم أربعين سنة } وقيل بل كان حراما عليهم من جهة القهر لا بالتسخير الإلهي ، وقوله تعالى : { إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة }
____________________
(1/114)
) فهذا من جهة القهر بالمنع وكذلك قوله تعالى { إن الله حرمهما على الكافرين } والمحرم بالشرع كتحريم بيع الطعام بالطعام متفاضلا ، وقوله عز وجل { وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم } فهذا كان محرما عليهم بحكم شرعهم ونحو قوله تعالى : { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } الآية { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } وسوط محرم لم يدبغ جلده كأنه لم يحل بالدباغ الذي اقتضاه قول النبي صلى الله عليه وسلم : أيما إهاب دبغ فقد طهر وقيل بل المحرم الذي لم يلين . والحرم سمي بذلك لتحريم الله تعالى فيه كثيرا مما ليس بمحرم في غيره من المواضع ، وكذلك الشهر الحرام وقيل رجل حرام وحلال ومحل ومحرم ، قال الله تعالى : { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي } أي لم تحكم بتحريم ذلك وكل تحريم ليس من قبل الله تعالى فليس بشيء نحو : { وأنعام حرمت ظهورها } وقوله تعالى : { بل نحن محرومون } أي ممنوعون من جهة الجد ، وقوله تعالى { للسائل والمحروم } أي الذي لم يوسع عليه الرزق كما وسع على غيره ومن قال أراد به الكلب فلم يعن أن ذلك اسم الكلب كما ظنه بعض من رد عليه وإنما ذلك منه ضرب مثال بشيء لأن الكلب كثيرا ما يحرمه الناس أي يمنعونه ، والمحرمة والمحرمة الحرمة ، واستحرمت الماعز أرادت الفحل .
حرى : حرى الشيء يحري أي قصد حراه أي جانبه وتحراه كذلك قال تعالى : { فأولئك تحروا رشدا } وحرى الشيء يحري نقص كأنه لزم الحرى ولم يمتد ، قال الشاعر :
( والمرء بعد تمامه يحري ** )
ورماه الله بأفعى حارية .
حزب : الحزب جماعة فيها غلظ ، قال عز وجل : { أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا } وحزب الشيطان وقوله تعالى : { ولما رأى المؤمنون الأحزاب } عبارة عن المجتمعين لمحاربة النبي صلى الله عليه وسلم : { فإن حزب الله هم الغالبون } يعني أنصار الله وقال تعالى : { يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب } وبعيده ( ولما رأى المؤمنون الأحزاب ) .
حزن : الحزن والحزن خشونة في الأرض وخشونة في النفس لما يحصل فيه من الغم ويضاده الفرح ولاعتبار الخشونة بالغم قيل خشنت بصدره إذا حزنته يقال حزن يحزن وحزنته وأحزنته ، قال عز وجل : { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم } - { الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن } - { تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا } - { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله } وقوله تعالى : { ولا تحزنوا } - { ولا تحزن } فليس ذلك
____________________
(1/115)
بنهي عن تحصيل الحزن فالحزن ليس يحصل بالاختيار ولكن النهي في الحقيقة إنما هو عن تعاطي ما يورث الحزن واكتسابه وإلى معنى ذلك أشار الشاعر بقوله :
( من سره أن لا يرى ما يسوءه ** فلا يتخذ شيئا يبالي له فقدا )
وأيضا يجب للإنسان أن يتصور ما عليه جبلت الدنيا حتى إذا ما بغتته نائبة لم يكترث بها لمعرفته إياها ، ويجب عليه أن يروض نفسه على تحمل صغار النوب حتى يتوصل بها إلى تحمل كبارها .
حس : الحاسة القوة التي بها تدرك الأعراض الحسية ، والحواس المشاعر الخمس يقال حسست وحسيت وأحسست فأحسست يقال على وجهين : أحدهما : يقال أصبته بحسي نحو عنته ورعته . والثاني أصبت حاسته نحو كبدته وفأدته ، ولما كان ذلك قد يتولد منه القتل عبر به عن القتل فقيل حسسته أي قتلته قال تعالى : { إذ تحسونهم بإذنه } والحسيس القتيل ومنه جراد محسوس إذا طبخ ، وقولهم البرد للنبت وانحست أسنانه انفعال منه ، فأما حسست فنحو علمت وفهمت ، لكن لا يقال ذلك إلا فيما كان من جهة الحاسة . فأما حسيت فبقلب إحدى السينين ياء . وأما أحسسته فحقيقته أدركته بحاستي وأحست مثله لكن حذفت إحدى السينين تخفيفا نحو ظلت وقوله تعالى { فلما أحس عيسى منهم الكفر } فتنبيه أنه قد ظهر منهم الكفر ظهورا بان للحس فضلا عن الفهم ، وكذا قوله تعالى : { فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون } وقوله تعالى { هل تحس منهم من أحد } أي هل تجد بحاستك أحدا منهم وعبر عن الحركة بالحسيس والحس ، قال تعالى : { لا يسمعون حسيسها } والحساس عبارة عن سوء الخلق وجعل على بناء زكام وسعال .
حسب : الحساب استعمال العدد ، يقال حسبت أحسب حسابا وحسبانا قال تعالى : { لتعلموا عدد السنين والحساب } وقال تعالى : { وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا } وقيل لا يعلم حسبانه إلا الله . وقال عز وجل : { ويرسل عليها حسبانا من السماء } قيل نارا وعذابا وإنما هو في الحقيقة ما يحاسب عليه فيجازى بحسبه وفي الحديث أنه قال صلى الله عليه وسلم في الريح اللهم لا تجعلها عذابا ولا حسبانا وقال : { فحاسبناها حسابا شديدا } إشارة إلى نحو ما روي : من نوقش في الحساب معذب ، وقال : { اقترب للناس حسابهم } نحو { وكفى بنا حاسبين } وقوله عز وجل : { ولم أدر ما حسابيه } - { إني ظننت أني ملاق حسابيه } فالهاء منها للوقف نحو : ماليه وسلطانيه وقوله تعالى : { إن الله سريع الحساب } وقوله عز وجل : { جزاء من ربك عطاء حسابا } فقد
____________________
(1/116)
قيل كافيا وقيل ذلك إشارة إلى ما قال : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } وقوله : { يرزق من يشاء بغير حساب } ففيه أوجه . الأول : يعطيه أكثر مما يستحقه . والثاني : يعطيه ولا يأخذه منه . والثالث يعطيه عطاء لا يمكن للبشر إحصاؤه كقول الشاعر :
( عطاياه يحصى قبل إحصائها القطر ** )
والرابع : يعطيه بلا مضايقة من قولهم حاسسته إذا ضايقته . والخامس : يعطيه أكثر مما يحسبه . والسادس : أن يعطيه بحسب ما يعرفه من مصلحته لا على حسب حسابهم وذلك نحو ما نبه عليه بقوله تعالى : { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن } الآية . والسابع : يعطي المؤمن ولا يحاسبه عليه ، ووجه ذلك أن المؤمن لا يأخذ من الدنيا إلا قدر ما يجب وكما يجب وفي وقت ما يجب ولا ينفق إلا كذلك ويحاسب نفسه فلا يحاسبه الله حسابا يضره كما روي من حاسب نفسه في الدنيا لم يحاسبه الله يوم القيامة والثامن : يقابل الله المؤمنين في القيامة لا بقدر استحقاقهم بل بأكثر منه كما قال عز وجل : { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة } وعلى نحو هذه الأوجه قوله تعالى : { فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب } وقوله تعالى : { هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب } وقد قيل : تصرف فيه تصرف من لا يحاسب أي تناول كما يجب وفي وقت ما يجب وعلى ما يجب وأنفقه كذلك . والحسيب والمحاسب من يحاسبك ، ثم يعبر به عن المكافي بالحساب ، وحسب يستعمل في معنى الكفاية { حسبنا الله } أي كافينا هو و { حسبهم جهنم } - { وكفى بالله حسيبا } أي رقيبا يحاسبهم عليه . وقوله : { ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء } فنحو قوله { عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } ونحوه { وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي } وقيل معناه ما من كفايتهم عليك بل الله يكفيهم وإياك من قوله { عطاء حسابا } أي كافيا من قولهم حسبي كذا ، وقيل أراد منهم عملهم فسماه بالحساب الذي هو منتهى الاعمال . وقيل احتسب ابنا له : أي اعتد به عند الله والحسبة فعل ما يحتسب به عند الله تعالى { الم أحسب الناس } - { أم حسب الذين يعملون السيئات } - { ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون } - { فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله } - { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة } فكل ذلك مصدره الحسبان والحسبان ، أن يحكم لأحد النقيضين من غير أن يخطر الآخر بباله فيحسبه ويعقد عليه الأصبع ، ويكون بعرض أن يعتريه فيه شك ، ويقارب
____________________
(1/117)
ذلك الظن لكن الظن أن يخطر النقيضين بباله فيغلب أحدهما على الآخر .
حسد : الحسد تمنى زوال نعمة من مستحق لها وربما كان مع ذلك سعي في إزالتها . وروي المؤمن يغبط والمنافق يحسد قال تعالى : { حسدا من عند أنفسهم } - { ومن شر حاسد إذا حسد } .
حسر : الحسر كشف الملبس عما عليه ، يقال حسرت عن الذراع والحاسر من لا درع عليه ولا مغفر ، والمحسرة المكنسة وفلان كريم المحسر كناية عن المختبر ، وناقة حسير انحسر عنها اللحم والقوة ، ونوق حسرى والحاسر المعيا لانكشاف قواه ، ويقال للمعيا حاسر ومحسور ، أما الحاسر فتصور أنه قد حسر بنفسه قواه ، وأما المحسور فتصور أن التعب قد حسره وقوله عز وجل : { ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير } يصح أن يكون بمعنى حاسر وأن يكون بمعنى محسور : قال تعالى : { فتقعد ملوما محسورا } والحسرة الغم على ما فاته والندم عليه كأنه انحسر عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكبه أو انحسر قواه من فرط غم أو أدركه إعياء عن تدارك ما فرط منه ، قال تعالى : { ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم } - { وإنه لحسرة على الكافرين } وقال تعالى : { يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله } وقال تعالى : { كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم } وقوله تعالى : { يا حسرة على العباد } وقوله تعالى في وصف الملائكة { لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون } وذلك أبلغ من قولك لا يحسرون .
حسم : الحسم إزالة أثر الشيء ، يقال قطعه فحسمه أي أزال مادته وبه سمي السيف حساما وحسم الداء إزالة أثره بالكي وقيل للشؤم المزيل الأثر منه ناله حسوم ، قال تعالى : { وثمانية أيام حسوما } قيل حاسما أثرهم وقيل حاسما خبرهم وقيل قاطعا لعمرهم وكل ذلك داخل في عمومه .
حسن : الحسن عبارة عن كل مبهج مرغوب فيه وذلك ثلاثة أضرب : مستحسن من جهة العقل ، ومستحسن من جهة الهوى ، ومستحسن من جهة الحس . والحسنة يعبر بها عن كل ما يسر من نعمة تنال الإنسان في نفسه وبدنه وأحواله ، والسيئة تضادها ، وهما من الألفاظ المشتركة كالحيوان الواقع على أنواع مختلفة كالفرس والإنسان وغيرهما فقوله تعالى : { وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله } أي خصب وسعة وظفر { وإن تصبهم سيئة } أي جدب وضيق وخيبة وقال تعالى : { فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه } وقوله تعالى : { ما أصابك من حسنة فمن الله } أي من ثواب { وما أصابك من سيئة } أي من عتاب ، والفرق
____________________
(1/118)
بين الحسن والحسنة والحسنى أن الحسن يقال في الأعيان والأحداث ، وكذلك الحسنة إذا كانت وصفا وإذا كانت اسما فمتعارف في الأحداث ، والحسنى لا يقال إلا في الأحداث دون الأعيان ، والحسن أكثر ما يقال في تعارف العامة في المستحسن بالبصر ، يقال رجل حسن وحسان وامرأة حسناء وحسانة وأكثر ما جاء في القرآن من الحسن فللمستحسن من جهة البصيرة ، وقوله تعالى : { الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } أي الأبعد عن الشبهة كما قال صلى الله عليه وسلم : إذا شككت في شيء فدع وقولوا للناس حسنا أي كلمة حسنة وقال تعالى : { ووصينا الإنسان بوالديه حسنا } وقوله عز وجل : { قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين } وقوله تعالى : { ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون } إن قيل حكمه حسن لمن يوقن ولمن لا يوقن فلم خص قيل القصد إلى ظهور حسنه والاطلاع عليه وذلك يظهر لمن تزكى واطلع على حكمة الله تعالى دون الجهلة . والإحسان يقال على وجهين أحدهما الإنعام على الغير يقال أحسن إلى فلان ، والثاني إحسان في فعله وذلك إذا علم علما حسنا أو عمل عملا حسنا وعلى هذا قول أمير المؤمنين رضي الله عنه : الناس أبناء ما يحسنون أي منسوبون إلى ما يعلمون وما يعملونه من الأفعال الحسنة . قوله تعالى : { الذي أحسن كل شيء خلقه } والإحسان أعم من الإنعام ، قال تعالى : { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم } ، وقوله تعالى : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } فالإحسان فوق العدل وذاك أن العدل هو أن يعطي ما عليه ويأخذ ماله والإحسان أن يعطي أكثر مما عليه ويأخذ أقل مما له ، فالإحسان زائد على العدل فتحرى العدل واجب وتحرى الإحسان ندب وتطوع ، وعلى هذا قوله تعالى : { ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن } وقوله عز وجل : { وأداء إليه بإحسان } ولذلك عظم الله تعالى ثواب المحسنين فقال تعالى : { وإن الله لمع المحسنين } وقال : { إن الله يحب المحسنين } وقال تعالى : { ما على المحسنين من سبيل } - { للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة } .
حشر : الحشر إخراج الجماعة عن مقرهم وإزعاجهم عنه إلى الحرب ونحوها ، وروي النساء لا يحشرن أي لا يخرجن إلى الغزو ، ويقال ذلك في الإنسان وفي غيره ، يقال حشرت السنة مال بني فلان أي أزالته عنهم ولا يقال الحشر إلا في الجماعة قال الله تعالى : { وابعث في المدائن حاشرين } وقال تعالى : { والطير محشورة } وقال عز وجل : { وإذا الوحوش حشرت } وقال { لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا } - { وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون } وقال في صفة
____________________
(1/119)
القيامة : { وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء } - { فسيحشرهم إليه جميعا } - { وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا } وسمي يوم القيامة يوم الحشر كما سمي يوم البعث ويوم النشر ، ورجل حشر الأذنين أي في أذنه انتشار وحدة .
حص : حصحص الحق أي وضح وذلك بانكشاف ما يقهره وحص وحصحص نحو : كف وكفكف وكب وكبكب ، وحصه قطع منه إما بالمباشرة وإما بالحكم فمن الأول قول الشاعر :
( قد حصت البيضة رأسي ** )
ومنه قيل رجل أحص انقطع بعض شعره ، وامراة حصاء ، وقالوا رجل أحص يقطع بشؤمه الخيرات عن الخلق ، والحصة القطعة من الجملة ، وتستعمل استعمال النصيب .
حصد : أصل الحصد قطع الزرع ، وزمن الحصاد والحصاد كقولك زمن الجداد والجداد وقال تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } فهو الحصاد المحمود في إبانه وقوله عز وجل : { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس } فهو الحصاد في غير إبانه على سبيل الإفساد . ومنه استعير حصدهم السيف . وقوله عز وجل : { منها قائم وحصيد } فحصيد إشارة إلى نحو ما قال : { فقطع دابر القوم الذين ظلموا } - { وحب الحصيد } أي ما يحصد مما منه القوت . وقال صلى الله عليه وسلم : وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم فاستعارة ، وحبل محصد ، ودرع حصداء ، وشجرة حصداء ، كل ذلك منه ، وتحصد القوم تقوى بعضهم ببعض .
حصر : الحصر التضييق ، قال عز وجل : { واحصروهم } أي ضيقوا عليهم وقال عز وجل { وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا } أي حابسا ، قال الحسن معناه مهادا كأنه جعله الحصير المرمول ، فإن الحصير سمي بذلك لحصر بعض طاقاته على بعض ، وقال لبيد :
( ومعالم غلب الرقاب كأنهم ** جن لدى باب الحصير قيام )
أي لدى سلطان وتسميته بذلك إما لكونه محصورا نحو محجب وإما لكونه حاصرا أي مانعا لمن أراد أن يمنعه من الوصول إليه ، وقوله عز وجل : { وسيدا وحصورا } فالحصور الذي لا يأتي النساء إما من العنة وإما من العفة والاجتهاد في إزالة الشهوة . والثاني أظهر في الآية ، لأن بذلك يستحق المحمدة ، والحصر والإحصار المنع من طريق البيت ، فالإحصار يقال في المنع الظاهر كالعدو والمنع الباطن كالمرض ، والحصر لا يقال إلا في المنع الباطن فقوله تعالى : { فإن أحصرتم } فمحمول على
____________________
(1/120)
الأمرين وكذلك قوله { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله } وقوله عز وجل : { أو جاؤوكم حصرت صدورهم } أي ضاقت بالبخل والجبن وعبر عنه بذلك كما عبر عنه بضيق الصدر ، وعن ضده بالبر والسعة .
حصن : الحصن جمعه حصون قال الله تعالى : { مانعتهم حصونهم من الله } وقوله عز وجل : { لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة } أي مجعولة بالإحكام كالحصون ، وتحصن إذا اتخذ الحصن مسكنا ثم يتجوز به في كل تحرز ومنه درع حصينة لكونها حصنا للبدن ، وفرس حصان لكونه حصنا لراكبه وبهذا النظر قال الشاعر :
( إن الحصون الخيل لا مدن القرى ** )
وقوله تعالى : { إلا قليلا مما تحصنون } أي تحرزون في المواضع الحصينة الجارية مجرى الحصن . وامرأة حصان وحاصن وجمع الحصان حصن وجمع الحاصن حواصن ، ويقال حصان للعفيفة ولذات حرمة وقال تعالى : { ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها } وأحصنت وحصنت قال الله تعالى : { فإذا أحصن } أي تزوجن وأحصن زوجن والحصان في الجملة المحصنة إما بعفتها أو تزوجها أو بمانع من شرفها وحريتها . ويقال امرأة محصن ومحصن فالمحصن يقال إذا تصور حصنها من نفسها والمحصن يقال إذا تصور حصنها من غيرها . وقوله عز وجل : { وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات } وبعده { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } ولهذا قيل المحصنات المزوجات تصورا أن زوجها هو الذي أحصنها والمحصنات بعد قوله حرمت بالفتح لا غير وفي سائر المواضع بالفتح والكسر لأن اللواتي حرم التزوج بهن المزوجات دون العفيفات ، وفي سائر المواضع يحتمل الوجهين .
حصل : التحصيل إخراج اللب من القشور كإخراج الذهب من حجر المعدن والبر من التبن ، قال الله تعالى : { وحصل ما في الصدور } أي أظهر ما فيها وجمع كإظهار اللب من القشر وجمعه ، أو كإظهار الحاصل من الحساب . وقيل للحثالة الحصيل . وحصل الفرس إذا اشتكى بطنه عن أكله ، وحوصلة الطير ما يحصل فيه من الغذاء .
حصا : الإحصاء التحصيل بالعدد ، يقال أحصيت كذا وذلك من لفظ الحصا واستعمال ذلك فيه من حيث إنهم كانوا يعتمدونه بالعد كاعتمادنا فيه على الأصابع ، قال الله تعالى : { وأحصى كل شيء عددا } أي حصله وأحاط به ، وقال صلى الله عليه وسلم : من أحصاها دخل الجنة وقال نفس تنجيها خير لك من إمارة لا تحصيها وقال تعالى { علم أن لن تحصوه } وروي استقيموا ولن تحصوا أي لن تحصلوا
____________________
(1/121)
ذلك ، ووجه تعذر إحصائه وتحصيله هو أن الحق واحد والباطل كثير بل الحق بالإضافة إلى الباطل كالنقطة بالإضافة إلى سائر أجزاء الدائرة وكالمرمى من الهدف ، فإصابة ذلك شديدة ، وإلى هذا أشار ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال شيبتني هود وأخواتها ، فسئل ما الذي شيبك منها فقال قوله تعالى : { فاستقم كما أمرت } وقال أهل اللغة : لن تحصوا أي لا تحصوا ثوابه .
حض : الحض التحريض كالحث إلا أن الحث يكون بسوق وسير والحض لا يكون بذلك ، وأصله من الحث على الحضيض وهو قرار الأرض ، قال الله تعالى : { ولا يحض على طعام المسكين } .
حضب : الحضب الوقود ويقال لما تسعر به النار محضب وقرئ / < حضب جهنم > / .
حضر : الحضر خلاف البدو والحضارة والحضارة السكون بالحضر كالبداوة والبداوة ثم جعل ذلك اسما لشهادة مكان أو إنسان . أو غيره فقال تعالى : { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت } - { وإذا حضر القسمة } وقال تعالى : { وأحضرت الأنفس الشح } - { علمت نفس ما أحضرت } وقال { وأعوذ بك رب أن يحضرون } وذلك من باب الكناية أي أن يحضرني الجن ، وكني عن المجنون بالمحتضر وعمن حضره الموت بذلك ، وذلك لما نبه عليه قوله عز وجل : { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } ، وقوله تعالى : { يوم يأتي بعض آيات ربك } ، وقال تعالى : { ما عملت من خير محضرا } أي مشاهدا معاينا في حكم الحاضر عنده وقوله عز وجل { واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر } أي قربه وقوله : { تجارة حاضرة } أي نقدا ، وقوله تعالى : { وإن كل لما جميع لدينا محضرون } - { في العذاب محضرون } - { شرب محتضر } أي يحضره أصحابه . والحضر خص بما يحضر به الفرس إذا طلب جريه يقال أحضر الفرس ، واستحضرته طلبت ما عنده من الحضر ، وحاضرته محاضرة وحضارا إذا حاججته من الحضور كأنه يحضر كل واحد حجته ، أو من الحضر كقولك جاريته . والحضيرة جماعة من الناس يحضر بهم الغزو وعبر به عن حضور الماء ، والمحضر يكون مصدر حضرت وموضع الحضور :
حط : الحط إنزال الشيء من علو وقد حططت الرحل ، وجارية محطوطة المتنين ، وقوله تعالى : { وقولوا حطة } كلمة أمر بها بني إسرائيل ومعناه حط عنا ذنوبنا وقيل معناه قولوا صوابا
حطب : { فكانوا لجهنم حطبا } أي ما يعد للإبقاد وقد حطب حطبا واحتطبت وقيل للمخلط في كلامه حاطب ليل لأنه ما يبصر
____________________
(1/122)
ما يجعله في حبله ، وحطبت لفلان حطبا عملته له ومكان حطيب كثير الحطب ، وناقة محاطبة تأكل الحطب ، وقوله تعالى : { حمالة الحطب } كناية عنها بالنميمة وحطب فلان بفلان سعى به وفلان يوقد بالحطب الجزل كناية عن ذلك .
حطم : الحطم كسر الشيء مثل الهشم ونحوه ، ثم استعمل لكل كسر متناه ، قال الله تعالى : { لا يحطمنكم سليمان وجنوده } وحطمته فانحطم حطما وسائق حطم يحطم الإبل لفرط سوقه وسميت الجحيم حطمة ، قال الله تعالى في الحطمة { وما أدراك ما الحطمة } وقيل للأكول حطمة تشبيها بالجحيم تصورا لقول الشاعر :
( كأنما في جوفه تنور ** )
ودرع حطمية منسوبة إلى ناسجها أو مستعملها ، وحطيم وزمزم مكانان ، والحطام ما يتكسر من اليبس ، قال عز وجل : { ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما } .
حظ : الحظ النصيب المقدر وقد حظظ وأحظ فهو محظوظ وقيل في جمعه أحاظ وأحظ قال الله تعالى : { فنسوا حظا مما ذكروا به } ، وقال تعالى : { للذكر مثل حظ الأنثيين } .
حظر : الحظر جمع الشيء في حظيرة ، والمحظور الممنوع والمحتظر الذي يعمل الحظيرة ، قال تعالى : { فكانوا كهشيم المحتظر } ، وقد جاء فلان بالحظر الرطب أي الكذب المستبشع .
حف : قال عز وجل : { وترى الملائكة حافين من حول العرش } أي مطيفين بحافتيه أي جانبيه ، ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام : تحفه الملائكة بأجنحتها قال الشاعر :
( له لحظات في حفافي سريره ** )
وجمعه أحفة وقال عز وجل : { وحففناهما بنخل } وفلان في حفف من العيش أي في ضيق كأنه حصل في حفف منه أي جانب بخلاف من قيل فيه هو في واسطة من العيش . ومنه قيل من حفنا أو رفنا فليقتصد ، أي من تفقد حفف عيشنا . وحفيف الشجر والجناح صوته فذلك حكاية صوته ، والحف آلة النساج سمي بذلك لما يسمع من حفه وهو صوت حركته .
حفد : قال الله تعالى : { وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } جمع حافد وهو المتحرك المتبرع بالخدمة أقارب كانوا أو أجانب ، قال المفسرون : هم الأسباط ونحوهم ، وذلك أن خدمتهم أصدق ، قال الشاعر :
( حفد الولائد بينهن ** ) وفلان محفود أي مخدوم وهم الأختان
____________________
(1/123)
والأصهار ، وفي الدعاء إليك نسعى ونحفد ، وسيف محتفد سريع القطع ، قال الأصمعي : أصل الحفد مداركة الخطو .
حفر : قال الله تعالى : { وكنتم على شفا حفرة من النار } أي مكان محفور ويقال لها حفيرة ، والحفر التراب الذي يخرج من الحفرة نحو نقض لما ينقض والمحفار والمحفر ، والمحفرة ما يحفر به ، وسمي حافر الفرس تشبيها لحفره في عدوه وقوله عز وجل : { أئنا لمردودون في الحافرة } مثل لمن يرد من حيث جاء أي أنحيا بعد أن نموت وقيل الحافرة الأرض التي جعلت قبورهم ومعناه أئنا لمردودون ونحن في الحافرة أي في القبور ، وقوله في الحافرة على هذا في موضع الحال . وقيل رجع على حافرته ورجع الشيخ إلى حافرته أي هرم نحو قوله : { ومنكم من يرد إلى أرذل العمر } وقولهم النقد عند الحافرة لما يباع نقدا وأصله في الفرس إذا بيع فيقال لا يزول حافره أو ينقد ثمنه . والحفر تأكل الأسنان وقد حفر فوه حفرا وأحفر المهر للأثناء والأرباع .
حفظ : الحفظ يقال تارة لهيئة النفس التي بها يثبت ما يؤدي إليه الفهم وتارة لضبط في النفس ويضاده النسيان وتارة لاستعمال تلك القوة فيقال حفظت كذا حفظا ثم يستعمل في كل تفقد وتعهد ورعاية ، قال الله تعالى : { وإنا له لحافظون } - { حافظوا على الصلوات } - { والذين هم لفروجهم حافظون } - { والحافظين فروجهم والحافظات } كناية عن العفة حافظات للغيب بما حفظ الله أي يحفظن عهد الأزواج عند غيبتهم بسبب أن الله تعالى يحفظهن أن يطلع عليهن وقرئ { بما حفظ الله } بالنصب أي بسبب رعايتهن حق الله تعالى لا لرياء وتصنع منهن ، { فما أرسلناك عليهم حفيظا } أي حافظا كقوله : { وما أنت عليهم بجبار } - { وما أنت عليهم بوكيل } - { فالله خير حافظا } وقرئ حفظا أي حفظه خير من حفظ غيره . وعندنا كتاب حفيظ أي حافظ لأعمالهم فيكون حفيظ بمعنى حافظ نحو الله حفيظ عليهم أو معناه محفوظ لا يضيع كقوله تعالى : { علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى } والحفاظ المحافظة وهي أن يحفظ كل واحد الآخر ، وقوله عز وجل { والذين هم على صلاتهم يحافظون } فيه تنبيه أنهم يحفظون الصلاة بمراعاة أوقاتها ومراعاة أركانها والقيام بها في غاية ما يكون من الطوق وأن الصلاة تحفظهم الحفظ الذي نبه عليه في قوله { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } ، والتحفظ قيل هو قلة العقل ، وحقيقته إنما هو تكلف الحفظ لضعف القوة الحافظة ولما كانت تلك القوة من أسباب العقل توسعوا في تفسيرها كما ترى . والحفيظة الغضب الذي تحمل عليه المحافظة ثم استعمل في الغضب المجرد فقيل أحفظني فلان أي أغضبني .
____________________
(1/124)
حفى : الإحفاء في السؤال التنزع في الإلحاح في المطالبة أو في البحث عن تعرف الحال وعلى الوجه الأول يقال أحفيت السؤال وأحفيت فلانا في السؤال قال الله تعالى { إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا } وأصل ذلك من أحفيت الدابة جعلتها حافيا أي منسجح الحافر ، والبعير جعلته منسجح الخف من المشي حتى يرق وقد حفي حفا وحفوة ومنه أحفيت الشارب أخذته أخذا متناهيا ، والحفي البر اللطيف ، قوله عز وجل : { إنه كان بي حفيا } ويقال أحفيت بفلان وتحفيت به إذا عنيت بإكرامه ، والحفي العالم بالشيء .
حق : اصل الحق المطابقة والموافقة كمطابقة رجل الباب في حقه لدورانه على استقامة والحق يقال على أوجه : الأول : يقال لموجد الشيء بسبب ما تقتضيه الحكمة ولهذا قيل في الله تعالى هو الحق ، قال الله تعالى : { ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق } وقيل بعيد ذلك : { فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون } .
والثاني : يقال للموجد بحسب مقتضى الحكمة ولهذا يقال فعل الله تعالى كله حق ، وقال تعالى : { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا } إلى قوله تعالى : { ما خلق الله ذلك إلا بالحق } وقال في القيامة { ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق } { ليكتمون الحق } وقوله عز وجل { الحق من ربك } - { وإنه للحق من ربك } .
والثالث : في الاعتقاد للشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه كقولنا اعتقاد فلان في البعث والثواب والعقاب والجنة والنار حق ، قال الله تعالى : { فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق } .
والرابع : للفعل والقول الواقع بحسب ما يجب وبقدر ما يجب وفي الوقت الذي يجب كقولنا فعلك حق وقولك حق ، قال الله تعالى { كذلك حقت كلمة ربك } - { حق القول مني لأملأن جهنم } وقوله عز وجل : { ولو اتبع الحق أهواءهم } يصح أن يكون المراد به الله تعالى ويصح أن يراد به الحكم الذي هو بحسب مقتضى الحكمة . ويقال أحققت كذا أي أثبته حقا أو حكمت بكونه حقا ، وقوله تعالى : { ليحق الحق } فإحقاق الحق على ضربين : أحدهما بإظهار الأدلة والآيات كما قال تعالى : { وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا } أي حجة قوية . والثاني بإكمال الشريعة وبثها في الكافة كقوله تعالى : { والله متم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله } وقوله : { الحاقة ما الحاقة } إشارة إلى القيامة كما فسره بقوله : { يوم يقوم الناس } لأنه يحق فيه الجزاء ، ويقال
____________________
(1/125)
حاققته فحققته أي خاصمته في الحق فغلبته . وقال عمر رضي الله عنه : إذا النساء بلغن نص الحقاق فالعصبة أولى في ذلك وفلان نزق الحقاق إذا خاصم في صغار الأمور ، ويستعمل استعمال الواجب واللازم والجائز ، نحو { وكان حقا علينا نصر المؤمنين } - { كذلك حقا علينا ننج المؤمنين } وقوله تعالى : { حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق } قيل معناه جدير ، وقرئ حقيق علي قيل واجب ، وقوله تعالى : { وبعولتهن أحق بردهن } والحقيقة تستعمل تارة في الشيء الذي له ثبات ووجود كقوله صلى الله عليه وسلم لحارثة : لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك أي ما الذي ينبئ عن كون ما تدعيه حقا ، وفلان يحمي حقيقته أي ما يحق عليه أن يحمى . وتارة تستعمل في الاعتقاد كما تقدم وتارة في العمل وفي القول فيقال فلان لفعله حقيقة إذا لم يكن مرائيا فيه ، ولقوله حقيقة إذا لم يكن فيه مترخصا ومستزيدا ويستعمل في ضده المتجوز والمتوسع والمتفسح ، وقيل الدنيا باطل والآخرة حقيقة تنبيها على زوال هذه وبقاء تلك . وأما في تعارف الفقهاء والمتكلمين فهي اللفظ المستعمل فيما وضع له في أصل اللغة ، والحق من الإبل ما استحق أن يحمل عليه والأنثى حقة والجمع حقاق وأنت الناقة على حقها أي على الوقت الذي ضربت فيه من العام الماضي .
حقب : قوله تعالى : { لابثين فيها أحقابا } قيل جمع الحقب أي الدهر قيل والحقبة ثمانون عاما وجمعها حقب ، والصحيح أن الحقبة مدة من الزمان مبهمة . والاحتقاب شد الحقيبة من خلف الراكب وقيل احتقبه واستحقبه وحقب البعير تعسر عليه البول لوقوع حقبه في ثيله والأحقب من حمر الوحش وقيل هو الدقيق الحقوين
وقيل هو الأبيض الحقوين والأنثى حقباء .
حقف : قوله تعالى : { إذ أنذر قومه بالأحقاف } جمع الحقف أي الرمل المائل وظبي حاقف ساكن للحقف واحقوقف مال حتى صار كحقف قال :
( سماوة الهلال حتى احقوقفا ** )
حكم : حكم أصله منع منعا لإصلاح ومنه سميت اللجام حكمة الدابة فقيل حكمته وحكمت الدابة منعتها بالحكمة وأحكمتها جعلت لها حكمة وكذلك حكمت السفينة وأحكمتها ، قال الشاعر :
( أبنى حنيفة أحكموا سفهاءكم ** )
وقوله : { أحسن كل شيء خلقه } - { فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم } ، والحكم بالشيء أن تقضي بأنه كذا أو ليس بكذا سواء ألزمت ذلك غيرك أو لم تلزمه ، قال تعالى : { وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل }
____________________
(1/126)
- { يحكم به ذوا عدل منكم } ) وقال :
( فاحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت ** إلى حمام سراع وارد الثمد )
الثمد الماء القليل . وقيل معناه كن حكيما ، وقال عز وجل : { أفحكم الجاهلية يبغون } وقال تعالى : { ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون } ويقال حاكم وحكام لمن يحكم بين الناس ، قال الله تعالى : { وتدلوا بها إلى الحكام } والحكم المتخصص بذلك فهو أبلغ قال الله تعالى : { أفغير الله أبتغي حكما } وقال عز وجل : { فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } ، وإنما قال حكما ولم يقل حاكما تنبيها أن من شرط الحكمين أن يتوليا الحكم عليهم ولهم حسب ما يستصوبانه من غير مراجعة إليهم في تفصيل ذلك ، ويقال الحكم للواحد والجمع وتحاكمنا إلى الحاكم ، قال تعالى : { يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت } وحكمت فلانا ، قال تعالى : { حتى يحكموك فيما شجر بينهم } فإذا قيل حكم بالباطل فمعناه أجرى الباطل مجرى الحكم والحكمة إصابة الحق بالعلم والعقل ، فالحكمة من الله تعالى معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام ، ومن الإنسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات وهذا هو الذي وصف به لقمان في قوله عز وجل { ولقد آتينا لقمان الحكمة } ونبه على جملتها بما وصفه بها . فإذا قيل في الله تعالى هو حكيم فمعناه بخلاف معناه إذا وصف به غيره ، ومن هذا الوجه قال الله تعالى : { أليس الله بأحكم الحاكمين } وإذا وصف به القرآن فلتضمنه الحكمة نحو : { الر تلك آيات الكتاب الحكيم } وعلى ذلك قال { ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة } وقيل معنى الحكيم المحكم نحو : { أحكمت آياته } وكلاهما صحيح فإنه محكم ومفيد للحكم ففيه المعنيان جميعا . والحكم أعم من الحكمة فكل حكمة حكم وليس كل حكم حكمة ، فإن الحكم أن يقضى بشيء على شيء فيقول هو كذا أو ليس بكذا ، قال صلى الله عليه وسلم : إن من الشعر لحكمة أي قضية صادقة وذلك نحو قول لبيد
( إن تقوى ربنا خير نفل ** )
قال الله تعالى { وآتيناه الحكم صبيا }
وقال صلى الله عليه وسلم الصمت حكم ، وقليل فاعله : أي حكمة ، { ويعلمهم الكتاب والحكمة } ، وقال تعالى : { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة } ، قيل تفسير القرآن ويعني ما نبه عليه القرآن من ذلك { إن الله يحكم ما يريد } أي ما يريده يجعله حكمة وذلك حث للعباد على الرضي بما يقضيه . قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله { من آيات الله والحكمة }
____________________
(1/127)
) هي علم القرآن ناسخه ومنسوخه ، محكمه ومتشابهه وقال ابن زيد : هي علم آياته وحكمه . وقال السدي هي النبوة ، وقيل فهم حقائق القرآن وذلك إشارة إلى أبعاضها التي تختص بأولي العزم من الرسل ويكون سائر الأنبياء تبعا لهم في ذلك . وقوله عز وجل : { يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا } فمن الحكمة المختصة بالأنبياء أو من الحكم قوله عز وجل { آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } فالمحكم ما لا يعرض فيه شبهة من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى . والمتشابه على أضرب تذكر في بابه إن شاء الله ، وفي الحديث : إن الجنة للمحكمين قيل هم قوم خيروا بين أن يقتلوا مسلمين وبين أن يرتدوا فاختاروا القتل ، وقيل عن المخصصين بالحكمة .
حل : اصل الحل حل العقدة ومنه قوله عز وجل : { واحلل عقدة من لساني } وحللت نزلت ، أصله من حل الأحمال عند النزول ثم جرد استعماله للنزول فقيل حل حلولا ، وأحله غيره ، قال عز وجل { أو تحل قريبا من دارهم } - { وأحلوا قومهم دار البوار } ويقال حل الدين وجب أداؤه ، والحلة القوم النازلون وحي حلال مثله والمحلة مكان النزول وعن حل العقدة استعير قولهم حل الشيء حلا . قال الله تعالى : { وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا } وقال تعالى : { هذا حلال وهذا حرام } ومن الحلول أحلت الشاة نزل اللبن في ضرعها وقال تعالى : { حتى يبلغ الهدي محله } وأحل الله كذا ، قال تعالى : { أحلت لكم بهيمة الأنعام } وقال تعالى : { يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك } الآية ، فإحلال الأزواج هو في الوقت لكونهن تحته ، وإحلال بنات العم وما بعدهن إحلال التزوج بهن ، وبلغ الأجل محله ، ورجل حلال ومحل إذا خرج من الإحرام أو خرج من الحرم ، قال عز وجل : { وإذا حللتم فاصطادوا } وقال تعالى : { وأنت حل بهذا البلد } أي حلال ، وقوله عز وجل : { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } أي بين ما ننحل به عقدة أيمانكم من الكفارة . وروي لا يموت للرجل ثلاثة من الأولاد فتمسه النار إلا قدر تحلة القسم أي قدر ما يقول إن شاء الله تعالى ، وعلى هذا قول الشاعر :
( وقعهن الأرض تحليل ** )
والحليل الزوج إما لحل كل واحد منهما إزاره للآخر ، وإما لنزوله معه ، وإما لكونه حلالا له ولهذا يقال لمن يحالك حليل والحليلة الزوجة وجمعها حلائل ، قال الله تعالى { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم }
____________________
(1/128)
والحلة إزار ورداء ، والإحليل محرج البول لكونه محلول العقدة .
حلف : الحلف العهد بين القوم والمحالفة المعاهدة ، وجعلت للملازمة التي تكون بمعاهدة ، وفلان حلف كرم وحلف كرم . والأحلاف جمع حليف ، قال الشاعر :
( تداركتما الأحلاف قد ثل عرشها ** )
والحلف أصله اليمين الذي يأخذ بعضهم من بعض بها العهد ثم عبر به عن كل يمين ، قال الله تعالى : { ولا تطع كل حلاف مهين } أي مكثار للحلف وقال تعالى : { يحلفون بالله ما قالوا } - { ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم } - { يحلفون بالله لكم ليرضوكم } وشيء محلف يحمل الإنسان على الحلف ، وكميت محلف إذا كان يشك في كميتته وشقرته فيحلف واحد أنه كميت وآخر أنه أشقر . والمحالفة أن يحلف كل للآخر ثم جعلت عبارة عن الملازمة مجردا فقيل حلف فلان وحليفه ، وقال صلى الله عليه وسلم : لا حلف في الإسلام وفلان حليف اللسان أي حديده كأنه يحالف الكلام فلا يتباطأ عنه وحليف الفصاحة .
حلق : الحلق العضو المعروف ، وحلقه قطع حلقه ثم جعل الحلق لقطع الشعر وجزه فقيل حلق شعره ، قال الله تعالى : { ولا تحلقوا رؤوسكم } وقال تعالى : ( محلقين رؤسكم ومقصرين ) ورأس حليق ولحية حليق . وعقرى حلقى في الدعاء على الإنسان أي أصابته مصيبة تحلق النساء شعورهن ، وقيل معناه قطع الله حلقها . وقيل للأكسية الخشنة التي تحلق الشعر بخشونتها محالق ، والحلقة سميت تشبيها بالحلق في الهيئة وقيل حلقة وقال بعضهم : لا أعرف الحلقة إلا في الذين يحلقون الشعر . وإبل محلقة سمتها حلق واعتبر في الحلقة معنى الدوران فقيل حلقة القوم وقيل حلق الطائر إذا ارتفع ودار في طيرانه .
حلم : الحلم ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب وجمعه أحلام ، قال الله تعالى : { أم تأمرهم أحلامهم } قيل معناه عقولهم وليس الحلم في الحقيقة هو العقل لكن فسروه بذلك لكونه من مسببات العقل ، وقد حلم وحلمه العقل وتحلم وأحلمت المرأة ولدت أولادا حلماء ، قال الله تعالى : { إن إبراهيم لحليم أواه منيب } وقوله تعالى : { فبشرناه بغلام حليم } أي وجدت فيه قوة الحلم ، وقوله عز وجل : { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم } أي زمان البلوغ وسمي الحلم بكون صاحبه جديرا بالحلم ، ويقال حلم في نومه يحلم حلما وحلما وقيل حلما نحو ربع وتحلم واحتلم وحلمت به في نومي أي رأيته في المنام ، قال تعالى : { قالوا أضغاث أحلام } والحلمة القراد الكبير ، قيل سميت بذلك لتصورها بصورة ذي الحلم لكثرة
____________________
(1/129)
هدوها ، فأما حلمة الثدي فتشبيها بالحلمة من القراد في الهيئة بدلالة تسميتها بالقرد في قول الشاعر :
( كأن قرادي زوره طبعتهما ** بطين من الحولان كتاب أعجمي )
وحلم الجلد وقعت فيه الحلمة ، وحلمت البعير نزعت عنه الحلمة ، ثم يقال حلمت فلانا إذا داريته ليسكن وتتمكن منه تمكنك من البعير إذا سكنته بنزع القراد عنه .
حلى : الحلي جمع الحلي نحو ثدي وثدي ، قال الله تعالى : { من حليهم عجلا جسدا له خوار } يقال حلي يحلى ، قال الله تعالى : { يحلون فيها من أساور من ذهب } وقال تعالى : { وحلوا أساور من فضة } وقيل الحلية قال تعالى : { أو من ينشأ في الحلية } .
حم : الحميم الماء الشديد الحرارة ، قال تعالى : { وسقوا ماء حميما } - { إلا حميما وغساقا } وقال تعالى : { والذين كفروا لهم شراب من حميم } وقال عز وجل : { يصب من فوق رؤوسهم الحميم } - { ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم } - { هذا فليذوقوه حميم وغساق } وقيل للماء الحار في خروجه من منبعه حمة ، وروي العالم كالحمة يأتيها البعداء ويزهد فيها القرباء ، وسمي العرق حميما على التشبيه واستحم الفرس عرق . وسمي الحمام حماما إما لأنه يعرق ، وإما لما فيه من الماء الحار ، واستحم فلان دخل الحمام ، وقوله عز وجل : { فما لنا من شافعين ولا صديق حميم } وقوله تعالى : { ولا يسأل حميم حميما } فهو القريب المشفق فكأنه الذي يحتد حماية لذويه ، وقيل لخاصة الرجل حامته فقيل الحامة والعامة ، وذلك لما قلنا ، ويدل على ذلك أنه قيل للمشفقين من أقارب الإنسان حزانته أي الذين يحزنون له واحتم فلان لفلان احتد وذلك أبلغ من اهتم لما فيه من معنى الاحتمام . واحم الشحم أذابه وصار كالحميم وقوله عز وجل : { وظل من يحموم } للحميم فهو يفعول من ذلك وقيل أصله الدخان الشديد السواد وتسميته إما لما فيه من فرط الحرارة كما فسره في قوله : { لا بارد ولا كريم } أو لما تصور فيه من الحممة فقد قيل للأسود يحموم وهو من لفظ الحممة وإليه أشير بقوله : { لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل } وعبر عن الموت بالحمام كقولهم : حم كدا أي قدر ، والحمى سميت بذلك إما لما فيها من الحرارة المفرطة ، وعلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : الحمى من فيح جهنم وإما لما يعرض فيها من الحميم أي العرق ، وإما لكونها من أمارات الحمام لقولهم : الحمى بريد الموت ، وقيل باب الموت ، وسمي حمى البعير حماما فجعل لفظه من لفظ الحمام لما قيل إنه قلما يبرأ البعير من الحمى ، وقيل حمم الفرخ إذا اسود جلده من الريش وحمم وجهه
____________________
(1/130)
اسود بالشعر فهما من لفظ الحممة . وأما حمحمت الفرس فحكاية لصوته وليس من الأول في شيء .
حمد : الحمد لله تعالى الثناء عليه بالفضيلة وهو أخص من المدح وأعم من الشكر ، فإن المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره ، ومما يقال منه وفيه بالتسخير فقد يمدح الإنسان بطول قامته وصباحة وجهه كما يمدح ببذل ماله وسخائه وعلمه ، والحمد يكون في الثاني دون الأول . والشكر لا يقال إلا في مقابلة نعمة فكل شكر حمد وليس كل حمد شكرا ، وكل حمد مدح وليس كل مدح حمدا . ويقال فلان محمود إذا حمد ، ومحمد إذا كثرت خصاله المحمودة ، ومحمد إذا وجد محمودا ، وقوله عز وجل : { إنه حميد مجيد } يصح أن يكون في معنى المحمود وأن يكون في معنى الحامد . وحماداك أن تفعل كذا أي غايتك المحمودة ، وقوله عز وجل : { ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } فأحمد إشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم باسمه وفعله تنبيها أنه كما وجد اسمه أحمد يوجد وهو محمود في أخلاقه وأحواله ، وخص لفظة أحمد فيما بشر به عيسى صلى الله عليه وسلم تنبيها أنه أحمد منه ومن الذين قبله ، وقوله تعالى : { محمد رسول الله } فمحمد ههنا وإن كان من وجه اسما له علما ، ففيه إشارة إلى وصفه بذلك وتخصيصه بمعناه كما مضى ذلك في قوله تعالى : { إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى } أنه على معنى الحياة كما بين في بابه .
حمر : الحمار الحيوان المعروف وجمعه حمير وأحمرة وحمر ، قال تعالى : { والخيل والبغال والحمير } ويعبر عن الجاهل بذلك كقوله تعالى : { كمثل الحمار يحمل أسفارا } وقال : { كأنهم حمر مستنفرة } وحمار قبان : دويبة . والحماران حجران يجفف عليهما الأقط شبه بالحمار في الهيئة والمحمر الفرس الهجين المشبه بلادته ببلادة الحمار ، والحمرة في الألوان . وقيل الأحمر والأسود للعجم والعرب اعتبارا بغالب ألوانهم ، وربما قيل حمراء العجان . والأحمران اللحم والحمر اعتبارا بلونيهما ، والموت الأحمر أصله فيما يراق فيه الدم ، وسنة حمراء جدبة للحمرة العارضة في الجو منها . وكذلك حمرة القيظ لشدة حرها . وقيل وطاءة حمراء إذا كانت جديدة ووطاءة دهماء دارسة .
حمل : الحمل معنى واحد اعتبر في أشياء كثيرة فسوي بين لفظه في فعل وفرق بين كثير منها في مصادرها فقيل في الأثقال المحمولة في الظاهر كالشيء المحمول على الظهر حمل ، وفي الأثقال المحمولة في الباطن حمل كالولد في البطن والماء في السحاب والثمرة في الشجرة تشبيها بحمل المرأة قال تعالى : { وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء } يقال حملت الثقل والرسالة
____________________
(1/131)
والوزر حملا قال الله تعالى : { وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم } ، وقال تعالى : { وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء } وقال تعالى : { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه } وقال عز وجل : { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة } وقوله عز وجل : { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار } أي كلفوا أن يتحملوها أي يقوموا بحقها فلم يحملوها ويقال حملته كذا فتحمله وحملت عليه كذا فتحمله واحتمله وحمله ، وقال تعالى : { فاحتمل السيل زبدا رابيا } - { حملناكم في الجارية } ، وقوله : { فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم } وقال تعالى : { ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به }
وقال عز وجل { وحملناه } على ذات ألواح ودسر - ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا - وحملت الأرض والجبال ) وحملت المرأة حبلت وكذا حملت الشجرة ، يقال حمل وأحمال ، قال عز وجل { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } - { وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه } - { حملت حملا خفيفا فمرت به } - { حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } والأصل في ذلك الحمل على الظهر . فاستعير للحبل بدلالة قولهم وسقت الناقة إذا حملت وأصل الوسق الحمل المحمول على ظهر البعير ، وقيل المحمولة لما يحمل عليه كالقتوبة والركوبة ، والحمولة لما يحمل والحمل للمحمول وخص الضأن الصغير بذلك لكونه محمولا لعجزه أو لقربه من حمل أمه إياه ، وجمعه أحمال وحملان وبها شبه السحاب فقال عز وجل { فالحاملات وقرا } والحميل السحاب الكثير الماء لكونه حاملا للماء ، والحميل ما يحمله السيل والغريب تشيبها بالسيل والولد في البطن ، والحميل الكفيل لكونه حاملا للحق مع من عليه الحق ، وميراث الحميل لمن لا يتحقق نسبه وحمالة الحطب كناية عن النمام ، وقيل فلان يحمل الحطب الرطب أي ينم .
حمى : الحمي الحرارة المتولدة من الجواهر المحمية كالنار والشمس ومن القوة الحارة في البدن قال تعالى : / < في عين حامية > / أي حارة وقرئ حمئة وقال عز وجل { يوم يحمى عليها في نار جهنم } وحمى النهار وأحميت الحديدة إحماء . وحميا الكأس سورتها وحرارتها وعبر عن القوة الغضبية إذا ثارت وكثرت بالحمية فقيل حميت على فلان أي غضبت عليه ، قال تعالى : { حمية الجاهلية } وعن ذلك استعير قولهم حميت المكان حمى وروى لا حمى إلا لله ورسوله وحميت أنفى محمية وحميت المريض حميا ، وقوله عز وجل { ولا حام }
____________________
(1/132)
قيل هو الفحل إذا ضرب عشرة أبطن كان يقال حمي ظهره فلا يركب ، وأحماء المرأة كل من كان من قبل زوجها وذلك لكونهم حماة لها ، وقيل حماها وحموها وحميها وقد همز في بعض اللغات فقيل حمء نحو كمء ، والحمأة والحمأ : طين أسود منتن قال تعالى : { من حمإ مسنون } ويقال حمأت البئر أخرجت حمأتها وأحمأتها جعلت فيها حمأ وقد قريء { في عين حمئة } ذات حمإ .
حن : الحنين النزاع المتضمن للإشفاق ، يقال حنت المرأة والناقة لولدها وقد يكون مع ذلك صوت وذلك يعبر بالحنين عن الصوت الدال على النزاع والشفقة ، أو متصور بصورته وعلى ذلك حنين الجذع ، وريح حنون وقوس حنانة إذا رنت عند الإنباض وقيل ماله حانة ولا آنة أي لا ناقة ولا شاة سمينة ووصفتا بذلك اعتبارا بصوتهما . ولما كان الحنين متضمنا للإشفاق والإشفاق لا ينفك من الرحمة عبر عن الرحمة به في نحو قوله تعالى : { وحنانا من لدنا } ومنه قيل الحنان المنان ، وحنانيك إشفاقا بعد إشفاق ، وتثنيته كتثنية لبيك وسعديك ، { ويوم حنين } منسوب إلى مكان معروف .
حنث : قال الله تعالى : { وكانوا يصرون على الحنث العظيم } أي الذنب المؤثم ، وسمي اليمين الغموس حنثا لذلك ، وقيل حنث في يمينه إذا لم يف بها وعبر بالحنث عن البلوغ لما كان الإنسان عنده يؤخذ بما يرتكبه خلافا لما كان قبله فقيل بلغ فلان الحنث . والمتحنث النافض عن نفسه الحنث نحو المتحرج والمتأثم .
حنجر : قال تعالى : { لدى الحناجر كاظمين } وقال عز وجل : { وبلغت القلوب الحناجر } جمع حنجرة وهي رأس الغلصمة من خارج .
حنذ : قال تعالى : { جاء بعجل حنيذ } أي مشوي بين حجرين وإنما يفعل ذلك لتتصبب عنه اللزوجة التي فيه وهو من قولهم حنذت الفرس استحضرته شوطا أو شوطين ثم ظاهرت عليه الجلال ليعرق وهو محنوذ وحنيذ وقد حنذتنا الشمس ولما كان ذلك خروج ماء قليل قيل إذا سقيت الخمر أحنذ أي قلل الماء فيها كالماء الذي يخرج من العرق والحنيذ .
حنف : الحنف هو ميل عن الصلال إلى الاستقامة ، والجنف ميل عن الاستقامة إلى الضلال ، والحنيف هو المائل إلى ذلك قال عز وجل { قانتا لله حنيفا } وقال { حنيفا مسلما } وجمعه حنفاء ، قال عز وجل : { واجتنبوا قول الزور حنفاء لله } وتحنف فلان أي تحرى طريق الاستقامة ، وسمت العرب كل من حج أو اختتن حنيفا تنبيها أنه على دين إبراهيم
____________________
(1/133)
صلى الله عليه وسلم ، والأحنف من في رجله ميل قيل سمي بذلك على التفاؤل وقيل بل استعير للميل المجرد .
حنك : الحنك حنك الإنسان والدابة ، وقيل لمنقار الغراب ، حنك لكونه كالحنك من الإنسان وقيل أسود مثل حنك الغراب وحلك الغراب فحنكه منقاره وحلكه سواد ريشه ، وقوله تعالى : { لأحتنكن ذريته إلا قليلا } يجوز أن يكون من قولهم حنكت الدابة أصبت حنكها باللجام والرسن فيكون نحو قولك لألجمن فلانا ولأرسننه ، ويجوز أن يكون من قولهم احتنك الجراد الأرض أي استولى بحنكه عليها فأكلها واستأصلها فيكون معناه لأستولين عليهم استيلاءه على ذلك ، وفلان حنكه الدهر كقولهم نجره وفرع سنه وافتره ونحو ذلك من الاستعارات في التجربة .
حوب : الحوب الإثم قال عز وجل { إنه كان حوبا كبيرا } والحوب المصدر منه وروي طلاق أم أيوب حوب وتسميته بذلك لكونه مزجورا عنه من قولهم حاب حوبا وحوبا وحيابة والأصل فيه حوب لزجر الإبل وفلان يتحوب من كذا أي يتأثم ، وقولهم ألحق الله به الحوبة أي المسكنة والحاجة وحقيقتها هي الحاجة التي تحمل صاحبها على ارتكاب الإثم ، وقيل بات فلان بحيبة سوء . والحوباء قيل هي النفس وحقيقتها هي النفس المرتكبة للحوب وهي الموصوفة بقوله تعالى { إن النفس لأمارة بالسوء }
حوت : قال الله تعالى : { نسيا حوتهما } وقال تعالى : { فالتقمه الحوت } وهو السمك العظيم { إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا } وقيل حاوتني فلان أي راوغني مراوغة الحوت .
حيد : قال عز وجل : { ذلك ما كنت منه تحيد } أي تعدل عنه وتنفر منه .
حيث : عبارة عن مكان مبهم يشرح بالجملة التي بعده نحو قوله تعالى { وحيث ما كنتم } - { ومن حيث خرجت } .
حوذ : الحوذ أن يتبع السائق حاذيي البعير أي أدبار فخذيه فيعنف في سوقه ، يقال حاذ الإبل يحوذها أي ساقها سوقا عنيفا ، وقوله { استحوذ عليهم الشيطان } استاقهم مستوليا عليهم أو من قولهم استحوذ العير على الأتان أي استولى على حاذيها أي جانبي ظهرها ، ويقال استحاذ وهو القياس واستعارة ذلك كقولهم : اقتعده الشيطان وارتكبه ، والأحوذي الخفيف الحاذق بالشيء من الحوذ ، أي السوق .
حور : الحور التردد إما بالذات وإما بالفكر ، وقوله عز وجل : { إنه ظن أن لن يحور } أي لن يبعث وذلك نحو قوله : ( زعم
____________________
(1/134)
الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن )
وحار الماء في الغدير تردد فيه وحار في أمره تحير ومنه المحور للعود الذي تجري عليه البكرة لتردده وبهذا النظر قيل سير السواني أبدا لا ينقطع ومحارة الأذن لظاهره المنقعر تشبيها بمحارة الماء لتردد الهواء بالصوت فيه كتردد الماء في المحارة والقوم في حوار في تردد إلى نقصان وقوله نعوذ بالله من الحور بعد الكور أي من التردد في الأمر بعد المضي فيه أو من نقصان وتردد في الحال بعد الزيادة فيها وقيل حار بعد ما كان
والمحاورة والحوار المرادة في الكلام ومنه التحاور قال الله تعالى { والله يسمع تحاوركما } وكلمته فما رجع إلى حوار أو حوير أو محورة وما يعيش بأحور أي بعقل يحور إليه وقوله تعالى { حور مقصورات في الخيام } - { وحور عين } جمع أحور وحوراء والحور قيل ظهور قليل من البياض في العين من بين السواد وأحورت عينه وذلك نهاية الحسن من العين وقيل حورت الشيء بيضته ودورته ومنه الخبز الحوار والحواريون أنصار عيسى صلى الله عليه وسلم قيل كانوا قصارين وقيل كانوا صيادين وقال بعض العلماء إنما سموا حواريين لأنهم كانوا يطهرون نفوس الناس بإفادتهم الدين والعلم المشار إليه بقوله تعالى { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا }
قال وإنما قيل كانوا قصارين على التمثيل والتشبيه وتصور منه من لم يتخصص بمعرفته الحقائق المهنة المتداولة بين العامة قال وإنماكانوا صيادين لاصطيادهم نفوس الناس من الحيرة وقودهم إلى الحق قال صلى الله عليه وسلم الزبير ابن عمتي وحواري وقوله صلى الله عليه وسلم لكل نبي حواري وحواري الزبير فتشبيه بهم في النصرة حيث قال { من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله }
حاج : الحاجة إلى الشيء الفقر إليه مع محبته وجمعها حاجات وحوائج وحاج يحوج احتاج قال تعالى { إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها } وقال { حاجة مما أوتوا } والحوجاء الحاجة وقيل الحاج ضرب من الشوك
حير : يقال حار يحار حيرة فهو حائر وحيران وتحير واستحار إذا تبلد في الأمر وتردد فيه قال تعالى { كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران } والحائر الموضع الذي يتحير به الماء قال الشاعر
( واستحار شبابها ** )
وهو أن يمتليء حتى يرى في ذاته حيرة والحيرة موضع قيل سمي بذلك لاجتماع ماء كان فيه
حيز : قال الله تعالى { أو متحيزا إلى فئة } أي صائرا إلى حيز وأصله من الواو وذلك
____________________
(1/135)
كل جمع منضم بعضه إلى بعص ، وحزت الشيء أحوزه حوزا ، وحمى حوزته أي جمعه وتحوزت الحية وتحيزت أي تلوت ، والأحوزي الذي جمع حوزه متشمرا وعبر به عن الخفيف السريع .
حاشى : قال الله تعالى : { وقلن حاش لله } أي بعدا منه . قال أبو عبيدة : هي تنزيه واستثناء ، وقال أبو علي الفسوي رحمه الله : حاش ليس باسم لأن حرف الجر لا يدخل على مثله ، وليس بحرف لأن الحرف لا يحذف منه مالم يكن مضعفا ، تقول حاش وحاشى ، فمنهم من جعل حاش أصلا في بابه وجعله من لفظة الحوش أي الوحش ومنه حوشي الكلام . وقيل الحوش فحول جن نسبت إليها وحشة الصيد . وأحشته إذا جئته من حواليه لتصرفه إلى الحبالة ، واحتوشوه وتحوشوه : أتوه من جوانبه والحوش أن يأكل الإنسان من جانب الطعام ومنهم من حمل ذلك مقلوبا من حشى ومنه الحاشية وقال :
( وما أحاشي من الأقوام من أحد ** )
كأنه قال لا أجعل أحدا في حشا واحد فأستثنيه من تفضيلك عليه ، قال الشاعر :
( ولا يتحشى الفحل إن أعرضت به ** ولا يمنع المرباع منه فصيلها )
حاص : قال تعالى : { هل من محيص } وقوله تعالى : { ما لنا من محيص } أصله من حيص بيص أي شدة ، وحاص عن الحق يحيص أي حاد عنه إلى شدة ومكروه . وأما الحوص فخياطة الجلد ومنه حصيت عين الصقر .
حيض : الحيض الدم الخارج من الرحم على وصف مخصوص في وقت مخصوص ، والمحيض الحيض ورقت الحيض وموضعه على أن المصدر في هذا النحو من الفعل يجئ على مفعل نحو معاش ومعاد وقول الشاعر :
( لا يستطيع بها القراد مقيلا ** )
أي مكانا للقيلولة وإن كان قد قيل هو مصدر ويقال ما في برك مكيل ومكال .
حائط : الحائط الجدار الذي يحوط بالمكان والإحاطة تقال على وجهين أحدهما في الأجسام نحو أحطت بمكان كذا أو تستعمل في الحفظ نحو : { وكان الله بكل شيء محيطا } أي حافظ له من جميع جهاته وتستعمل في المنع نحو : { إلا أن يحاط بكم } أي إلا أن تمنعوا وقوله : { وأحاطت به خطيئته } فذلك أبلغ استعارة وذاك أن الإنسان إذا ارتكب ذنبا واستمر عليه استجره إلى معاودة ما هو أعظم منه فلا يزال يرتقي حتى يطبع على قلبه فلا يمكنه أن يخرج عن تعاطيه ، والاحتياط استعمال ما فيه الحياطة أي الحفظ . والثاني في العلم نحو قوله : { أحاط بكل شيء علما } وقوله عز وجل : { إن الله بما يعملون محيط } وقوله : { إن ربي بما تعملون محيط } والإحاطة بالشيء علما هي أن
____________________
(1/136)
تعلم وجوده وجنسه وكيفيته وغرضه المقصود به وبإيجاده وما يكون به ومنه ، وذلك ليس إلا لله تعالى ، وقال عز وجل : { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه } فنفى ذلك عنهم . وقال صاحب موسى : { وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا } تنبيها أن الصبر التام إنما يقع بعد إحاطة العلم بالشيء وذلك صعب إلا بفيض إلهي . وقوله عز وجل : { وظنوا أنهم أحيط بهم } فذلك إحاطة بالقدرة ، وكذلك قوله عز وجل { وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها } وعلى ذلك قوله : { وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط } .
حيف : الحيف الميل في الحكم والجنوح إلى أحد الجانبين ، قال الله تعالى : { أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون } أي يخافون أن يجور في حكمه . ويقال تحيفت الشيء أخذته من جوانبه .
حاق : قوله تعالى : { وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون } قال عز وجل : { ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله } أي لا ينزل ولا يصيب ، قيل وأصله حق فقلب نحو زل وزال وقد قرئ : { فأزلهما الشيطان } وأزالهما ، وعلى هذا : ذمه وذامه .
حول : أصل الحول تغير الشيء وانفصاله عن غيره وباعتبار التغير قيل حال الشيء يحول حؤولا واستحال تهيأ لأن يحول ، وباعتبار الانفصال قيل حال بيني وبينك كذا ، وقوله تعالى { واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه } فإشارة إلى ما قيل في وصفه يقلب القلوب وهو أن يلقي في قلب الإنسان ما يصرفه عن مراده لحكمة تقتضي ذلك ، وقيل على ذلك { وحيل بينهم وبين ما يشتهون } وقال بعضهم في قوله { يحول بين المرء وقلبه } هو ن يهمله ويرده إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ، وحولت الشيء فتحول : غيرته إما بالذات وإما بالحكم والقول ، ومنه أحلت على فلان بالدين . وقولك حولت الكتاب هو أن تنقل صورة ما فيه إلى غيره من غير إزالة الصورة الأولى وفي مثل لو كان ذا حيلة لتحول ، وقوله عز وجل : { لا يبغون عنها حولا } أي تحولا والحول السنة اعتبارا بانقلابها ودوران الشمس في مطالعها ومغاربها ، قال الله تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } وقوله عز وجل : { متاعا إلى الحول غير إخراج } ومنه حالت السنة تحول وحالت الدار تغيرت ، وأحالت وأحولت أتى عليها الحول نحو أعامت وأشهرت ، وأحال فلان بمكان كذا أقام به حولا ، وحالت الناقة تحول حيالا إذا لم تحمل وذلك لتغير ما جرت به عادتها والحال لما يختص به الإنسان وغيره من أموره المتغيرة في نفسه وجسمه وقنيته ، والحول ما له من القوة في أحد هذه الأصول الثلاثة ومنه قيل لا حول ولا قوة إلا بالله ، وحول الشيء جانبه الذي يمكنه أن يحول
____________________
(1/137)
إليه ، قال عز وجل : { الذين يحملون العرش ومن حوله } والحيلة والحويلة ما يتوصل به إلى حالة ما في خفية وأكثر استعمالها فيما في تعاطيه خبث ، وقد تستعمل فيما فيه حكمة ولهذا قيل في وصف الله عز وجل { وهو شديد المحال } أي الوصول في خفية من الناس إلى ما فيه حكمة ، وعلى هذا النحو وصف بالمكر والكيد لا على الوجه المذموم ، تعالى الله عن القبيح . والحيلة من الحول ولكن قلبت واوها ياء لانكسار ما قبلها ، ومنه قيل رجل حول ، وأما المحال فهو ما جمع فيه بين المتناقضين وذلك يوجد في المقال نحو أن يقال جسم واحد في مكانين في حالة واحدة ، واستحال الشيء صار محالا فهو مستحيل أي أخذ في أن يصير محالا ، والحولاء لما يخرج مع الولد . ولا أفعل كذا ما أرزمت أم حائل وهي الأنثى من أولاد الناقة إذا تحولت عن حال الاشتباه فبان أنها أنثى ، ويقال للذكر بإزائها سقب . والحال تستعمل في اللغة للصفة التي عليها الموصوف وفي تعارف أهل المنطق لكيفية سريعة الزوال نحو حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة عارضة .
حين : الحين وقت بلوغ الشيء وحصوله وهو مبهم المعنى ويتخصص بالمضاف إليه نحو قوله تعالى : { ولات حين مناص } ومن قال حين فيأتي على أوجه للأجل نحو : { ومتعناهم إلى حين } ، وللسنة نحو قوله تعالى : { تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها } وللساعة نحو : { حين تمسون وحين تصبحون } وللزمان المطلق نحو : { هل أتى على الإنسان حين من الدهر } - { ولتعلمن نبأه بعد حين } وإنما فسر ذلك بحسب ما وجد قد علق به ، ويقال عاملته : محاينة حينا وحينا ، وأحينت بالمكان أقمت به حينا ، وحان حين كذا أي قرب أوانه ، وحينت الشيء جعلت له حينا ، والحين عبر به عن حين الموت .
حيي : الحياة تستعمل على أوجه : الأول : للقوة النامية الموجودة في النبات والحيوان ومنه قيل نبات حي ، قال عز جل : { اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها } وقال تعالى : { وأحيينا به بلدة ميتا } - { وجعلنا من الماء كل شيء حي } .
الثانية : للقوة الحساسة وبه سمي الحيوان حيوانا ، قال عز وجل . { وما يستوي الأحياء ولا الأموات } ، وقوله تعالى : { ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا } وقوله تعالى : { إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير } فقوله إن الذي أحياها إشارة إلى القوة النامية ، وقوله لمحيي الموتى إشارة إلى القوة الحساسة .
الثالثة : للقوة العاملة العاقلة كقوله تعالى :
____________________
(1/138)
{ أو من كان ميتا فأحييناه } ، وقول الشاعر :
( وقد ناديت لو أسمعت حيا ** ولكن لا حياة لمن تنادي )
والرابعة : عبارة عن ارتفاع الغم وبهذا النظر قال الشاعر :
( ليس من مات فاستراح بميت ** إنما الميت ميت الأحياء )
وعلى هذا قوله عز وجل : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم } أي هم متلذذون لما روي في الأخبار الكثيرة في أرواح الشهداء .
والخامسة : الحياة الأخروية الأبدية وذلك يتوصل إليه بالحياة التي هي العقل والعلم قال الله تعالى : { استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم } ، وقوله : { يا ليتني قدمت لحياتي } يعني بها الحياة الأخروية الدائمة .
والسادسة : الحياة التي يوصف بها الباري فإنه إذا قيل فيه تعالى هو حي فمعناه لا يصح عليه الموت وليس ذلك إلا لله عز وجل . والحياة باعتبار الدنيا والآخرة ضربان الحياة الدنيا والحياة الآخرة ، قال عز وجل { فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا } وقال عز وجل : { اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة } وقال تعالى : { وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع } أي الأعراض الدنيوية وقال : { ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها } وقوله تعالى : { ولتجدنهم أحرص الناس على حياة } أي حياة الدنيا ، وقوله عز وجل : { وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى } كان يطلب أن يريه الحياة الأخروية المعراة عن شوائب الآفات الدنيوية . وقوله عز وجل : { ولكم في القصاص حياة } أي يرتدع بالقصاص من يريد الإقدام على القتل فيكون في ذلك حياة الناس . وقال عز وجل : { ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } أي من نجاها من الهلاك وعلى هذا قوله مخبرا عن إبراهيم : { ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت } أي أعفو فيكون إحياء . والحيوان مقر الحياة ويقال على ضربين ، أحدهما : ما له الحاسة ، والثاني : ما له البقاء الأبدي وهو المذكور في قوله عز وجل : { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون } وقد نبه بقوله : { لهي الحيوان } أن الحيوان الحقيقي السرمدي الذي لا يفنى لا ما يبقى مدة ثم يفنى ، وقال بعض أهل اللغة : الحيوان والحياة واحد ، وقيل الحيوان ما فيه الحياة والموتان ما ليس فيه الحياة . والحيا المطر لأنه يحيي الأرض بعد موتها ، وإلى هذا أشار بقوله تعالى : { وجعلنا من الماء كل شيء حي } وقوله تعالى : { إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى } فقد نبه أنه سماه بذلك من حيث إنه لم تمته الذنوب كما أماتت
____________________
(1/139)
كثيرا من ولد آدم صلى الله عليه وسلم ، لا أنه كان يعرف بذلك فقط فإن هذا قليل الفائدة . وقوله عز وجل : { يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي } أي يخرج الإنسان من النطفة ، والدجاجة من البيضة ، ويخرج النبات من الأرض ويخرج النطفة من الإنسان . وقوله عز وجل : { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها } وقوله تعالى : { فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله } فالتحية أن يقال حياك الله أي جعل لك حياة وذلك إخبار ، ثم يجعل دعاء . ويقال حيا فلان فلانا تحية إذا قال له ذلك ، وأصل التحية من الحياة ثم جعل ذلك دعاء تحية لكون جميعه غير خارج عن حصول الحياة ، أو سبب حياة إما في الدنيا وإما في الآخرة ، ومنه التحيات لله . وقوله عز وجل : { ويستحيون نساءكم } أي يستبقونهن ، والحياء انقباض النفس عن القبائح وتركه لذلك يقال حيى فهو حي ، واستحيا فهو مستحي ، وقيل استحى فهو مستح ، قال الله تعالى : { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها } وقال عز وجل : { والله لا يستحيي من الحق } وروي : إن الله تعالى يستحي من ذي الشيبة المسلم أن يعذبه فليس يراد به انقباض النفس إذ هو تعالى منزه عن الوصف بذلك وإنما المراد به ترك تعذيبه ، وعلى هذا ما روي : إن الله حيي أي تارك للقبائح فاعل للمحاسن .
حوايا : الحوايا جمع حوية وهي الأمعاء ويقال للكساء الذي يلف به السنام حوية وأصله من حويت كذا حيا وحواية ، قال الله تعالى : { أو الحوايا أو ما اختلط بعظم } .
حوا : قوله عز وجل : { فجعله غثاء أحوى } أي شديد السواد وذلك إشارة إلى الدرين نحو :
( وطال حبس بالدرين الأسود ** )
وقيل تقديره { والذي أخرج المرعى } أحوى فجعله غثاء والحوة شدة الخضرة وقد احووى يحووي احوواء نحو ارعوى ، وقيل ليس لهما نظير ، وحوى حوة ومنه أحوى وحوي .
____________________
(1/140)
كتاب الخاء خبت : الخبت المطمئن من الأرض وأخبت الرجل قصد الخبت أو نزله نحو أسهل وأنجد ، ثم استعمل الإخبات استعمال اللين والتواضع ، قال الله تعالى : { وأخبتوا إلى ربهم } وقال تعالى { وبشر المخبتين } أي المتواضعين ، نحو : { لا يستكبرون عن عبادته } وقوله تعالى : { فتخبت له قلوبهم } أي تلين وتخشع والإخبات ههنا قريب من الهبوط في قوله تعالى : { وإن منها لما يهبط من خشية الله } .
خبث : المخبث والخبيث ما يكره رداءة وخساسة محسوسا كان أو معقولا ، وأصله الردئ الدخلة الجاري مجرى خبث الحديد كما قال الشاعر :
( سبكناه ونحسبه لجينا ** فأبدى الكير عن خبث الحديد )
وذلك يتناول الباطل في الاعتقاد والكذب في المقال والقبيح في الفعال ، قال عز وجل : { ويحرم عليهم الخبائث } أي ما لا يوافق النفس من المحظورات وقوله تعالى : { ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث } فكناية عن إتيان الرجال . وقال تعالى : { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب } أي الأعمال الخبيثة من الأعمال الصالحة ، والنفوس الخبيثة من النفوس الزكية . وقال تعالى : { ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب } أي الحرام بالحلال ، وقال تعالى : { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات } أي الأفعال الردية والاختيارات المبهرجة لأمثالها وكذا { والخبيثون للخبيثات } وقال تعالى : { قل لا يستوي الخبيث والطيب } أي الكافر والمؤمن والأعمال الفاسدة والأعمال الصالحة ، وقوله تعالى : { ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة } فإشارة إلى كل كلمة قبيحة من كفر وكذب ونميمة وغير ذلك ، وقال صلى الله عليه وسلم : المؤمن أطيب من عمله ، والكافر أخبث من عمله ويقال حبيث مخبث أي فاعل الخبث .
خبر : الخبر العلم بالأشياء المعلومة من جهة الخبر ، وخبرته خبرا وخبرة وأخبرت أعلمت بما حصل لي من الخبر ، وقيل الخبرة المعرفة ببواطن الأمر والخبار والخبراء الأرض اللينة ، وقد يقال ذلك لما فيها من الشجر ،
____________________
(1/141)
والمخابرة مزارعة الخبار بشيء معلوم ، والخبير الأكار فيه ، والخبر المزادة الصغيرة وشبهت بها الناقة فسميت خبرا وقوله تعالى { والله خبير بما تعملون } أي عالم بأخبار أعمالكم وقيل أي عالم ببواطن أموركم ، وقيل خبير بمعنى مخبر كقوله { فينبئكم بما كنتم تعملون } وقال تعالى : { ونبلو أخباركم } - { قد نبأنا الله من أخباركم } أي من أحوالكم التي نخبر عنها .
خبز : الخبز معروف قال الله تعالى { أحمل فوق رأسي خبزا } والخبزة ما يجعل في الملة والخبز اتخاذه واختبزت إذا أمرت بخبزه والخبازة صنعته واستعير الخبز للسوق الشديد لتشبيه هيئة السائق بالخابز .
خبط : الخبط الضرب على غير استواء كخبط البعير الأرض بيده والرجل الشجر بعصاه ، ويقال للمخبوط خبط كما يقال للمضروب ضرب ، واستعير لعسف السلطان فقيل سلطان خبوط ، واختباط المعروف طلبه بعسف تشبيها بخبط الورق وقوله تعالى { يتخبطه الشيطان من المس } فيصح أن يكون من خبط الشجر وأن يكون من الاختباط الذي هو طلب المعروف ، يروى عنه صلى الله عليه وسلم اللهم إني أعوذ بك أن يتخبطني الشيطان من المس .
خبل : الخبال الفساد الذي يلحق الحيوان فيورثه اضطرابا كالجنون والمرض المؤثر في العقل والفكر ، ويقال خبل وخبل وخبال ويقال خبله وخبله فهو خابل والجمع الخبل ، ورجل مخبل ، قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا } وقال عز وجل : { ما زادوكم إلا خبالا } وفي الحديث : من شرب الخمر ثلاثا كان حقا على الله تعالى أن يسقيه من طينة الخبال قال زهير :
( هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا ** )
أي إن طلب منهم إفساد شيء من إبلهم أفسدوه .
خبو : خبت النار تخبو سكن لهبها وصار عليها خباء من رماد أي غشاء ، وأصل الخباء الغطاء الذي يتغطى به وقيل لغشاء السنبلة خباء قال عز وجل { كلما خبت زدناهم سعيرا } .
خبء : يخرج الخبء يقال ذلك لكل مدخر مستور ومنه قيل جارية خبأة وهي الجارية التي تظهر مرة وتخبأ أخرى ، والخباء سمة في موضع خفي .
ختر : الختر غدر يختر فيه الإنسان أي يضعف ويكسر لاجتهاده فيه ، قال الله تعالى : { كل ختار كفور } .
ختم : الختم والطبع يقال على وجهين مصدر ختمت وطبعت وهو تأثير الشيء كنقش الخاتم والطابع . والثاني الأثر الحاصل عن
____________________
(1/142)
النقش ويتجوز بذلك تارة في الاستيثاق من الشيء والمنع منه اعتبارا بما يحصل من المنع بالختم على الكتب والأبواب نحو : { ختم الله على قلوبهم } - { وختم على سمعه وقلبه } وتارة في تحصيل أثر عن شيء اعتبارا بالنقش الحاصل ، وتارة يعتبر منه بلوغ الآخر ومنه قيل ختمت القرآن أي انتهيت إلى آخره فقوله : { ختم الله على قلوبهم } وقوله تعالى : { قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم } إشارة إلى ما أجرى الله به العادة أن الإنسان إذا تناهى في اعتقاد باطل أو ارتكاب محظور ولا يكون منه تلفت بوجه إلى الحق يورثه ذلك هيئة تمرنه على استحسان المعاصي وكأنما يختم بذلك على قلبه وعلى ذلك : { أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم } وعلى هذا النحو استعارة الإغفال في قوله عز وجل { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا } واستعارة الكن في قوله تعالى : { وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه } واستعارة القساوة في قوله تعالى : { وجعلنا قلوبهم قاسية } قال الجبائي : يجعل الله ختما على قلوب الكفار ليكون دلالة للملائكة على كفرهم فلا يدعون لهم ، وليس ذلك بشيء فإن هذه الكتابة إن كانت محسوسة فمن حقها أن يدركها أصحاب التشريح ، وإن كانت معقولة غير محسوسة فالملائكة باطلاعهم على اعتقاداتهم مستغنية عن الاستدلال . وقال بعضهم : ختمه شهادته تعالى عليه أنه لا يؤمن ، وقوله تعالى : { اليوم نختم على أفواههم } أي نمنعهم من الكلام { وخاتم النبيين } لأنه ختم النبوة أي تممها بمجيئه . وقوله عز وجل : { ختامه مسك } قيل ما يختم به أي يطبع ، وإنما معناه منقطعه ، وخاتمة شربه : أي سؤره في الطيب مسك ، وقول من قال يختم بالمسك أي يطبع فليس بشيء لأن الشراب يجب أن يطيب في نفسه فأما ختمه بالطيب فليس مما يفيده ولا ينفعه طيب خاتمه ما لم يطب في نفسه .
خد : قال الله تعالى : { قتل أصحاب الأخدود } الخد والأخدود شق في الأرض مستطيل غائص ، وجمع الأخدود أخاديد وأصل ذلك من خدي الإنسان وهما ما اكتنفا الأنف عن اليمين والشمال . والخد يستعار للأرض ولغيرها كاستعارة الوجز ، وتخدد اللحم زواله عن وجه الجسم ، يقال خددته فتخدد .
خدع : الخداع إنزال الغير عما هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه ، قال تعالى : { يخادعون الله } أي يخادعون رسوله وأولياءه ونسب ذلك إلى الله تعالى من حيث إن معاملة الرسول كمعاملته ولذلك قال تعالى { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله } وجعل ذلك خداعا تفظيعا لفعلهم وتنبيها على عظم الرسول وعظم أوليائه ، وقول أهل اللغة إن هذا على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه فيجب أن يعلم أن المقصود بمثله في الحذف لا يحصل لو
____________________
(1/143)
أتي بالمضاف المحذوف لما ذكرنا من التنبيه على أمرين ، أحدهما : فظاعة فعلهم فيما تحروه من الخديعة وأنهم بمخادعتهم إياه يخادعون الله ، والثاني التنبيه على عظم المقصود بالخداع وأن معاملته كمعاملة الله كما نبه عليه بقوله تعالى { إن الذين يبايعونك } الآية وقوله تعالى : { وهو خادعهم } قيل معناه مجازيهم بالخداع وقيل على وجه آخر مذكور في قوله تعالى { ومكروا ومكر الله } وقيل خدع الضب أي استتر في جحره واستعمال ذلك في الضب أنه يعد عقربا تلدغ من يدخل يديه في جحره حتى قيل العقرب بواب الضب وحاجبه ولاعتقاد الخديعة فيه قيل أخدع من ضب ، وطريق خادع وخيدع مضل كأنه يخدع سالكه . والمخدع بيت في بيت كأن بانيه جعله خادعا لمن رام تناول ما فيه ، وخدع الريق إذا قل متصورا منه هذا المعنى ، والأخدعان تصور منهما الخداع لاستتارهما تارة وظهورهما تارة ، يقال خدعته : قطعت أخدعه ، وفي الحديث : بين يدي الساعة سنون خداعة اي محتالة لتلونها بالجدب مرة وبالخصب مرة .
خدن : قال الله تعالى : { ولا متخذات أخدان } جمع خدن أي المصاحب وأكثر ذلك يستعمل فيمن يصاحب شهوة ، يقال خدن المرأة وخدينها ، وقول الشاعر :
( خدين العلى ** ) فاستعارة كقولهم يعشق العلى ويشبب بالندى وينسب بالمكارم .
خذل : قال تعالى : { وكان الشيطان للإنسان خذولا } أي كثير الخذلان ، والخذلان ترك من يظن به أن ينصر نصرته ، ولذلك قيل خذلت الوحشية ولدها وتخاذلت رجلا فلان ومنه قول الأعشى :
( بين مغلوب تليل خده ** وخذول الرجل من غير كسح )
ورجل خذلة كثيرا ما يخذل .
خذ : قال الله تعالى : { فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين } وخذوه أصله من أخذ وقد تقدم .
خر : { فكأنما خر من السماء } وقال تعالى : { فلما خر تبينت الجن } وقال تعالى : { فخر عليهم السقف من فوقهم } فمعنى خر سقط سقوطا يسمع منه خرير ، والخرير يقال لصوت الماء والريح وغير ذلك مما يسقط من علو . وقوله تعالى : { وخروا له سجدا } فاستعمال الخر تنبيه على اجتماع أمرين : السقوط وحصول الصوت منهم بالتسبيح ، وقوله من بعده { وسبحوا بحمد ربهم } ، فتنبيه أن ذلك الخرير كان تسبيحا بحمد الله لا بشيء آخر .
خرب : يقال خرب المكان خرابا وهو ضد العمارة ، قال الله تعالى : { وسعى في خرابها } وقد أخربه ، وخربه قال الله تعالى { يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين }
____________________
(1/144)
) فتخريبهم بأيديهم إنما كان لئلا تبقى للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقيل كان بإجلائهم عنها . والخربة شق واسع في الأذن تصورا أنه قد خرب أذنه ، ويقال رجل أخرب وامرأة خرباء نحو أقطع وقطعاء ثم شبه به الخرق في أذن المزادة فقيل خربة المزادة ، واستعارة ذلك كاستعارة الأذن له ، وجعل الخارب مختصا بسارق الإبل ، والخرب ذكر الحبارى وجمعه خربان قال الشاعر :
( أبصر خربان فضاء فانكدر ** )
خرج : خرج خروجا : برز من مقره أو حاله سواء كان مقره دارا أو بلدا أو ثوبا ، وسواء كان حاله حالة في نفسه أو في أسبابه الخارجة ، قال تعالى : { فخرج منها خائفا يترقب } وقال تعالى : { فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها } وقال : { وما تخرج من ثمرات من أكمامها } - { فهل إلى خروج من سبيل } - { يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها } والإخراج أكثر ما يقال في الأعيان نحو { أنكم مخرجون } وقال عز وجل : { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } - { ونخرج له يوم القيامة كتابا } وقال تعالى : { أخرجوا أنفسكم } وقال : { أخرجوا آل لوط من قريتكم } ويقال في التكوين الذي هو من فعل الله تعالى { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم } - { فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى } وقال تعالى : { يخرج به زرعا مختلفا ألوانه } والتخريج أكثر ما يقال في العلوم والصناعات ، وقيل لما يخرج من الأرض ومن وكر الحيوان ونحو ذلك خرج وخراج ، قال الله تعالى : { أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير } فإضافته إلى الله تعالى تنبيه أنه هو الذي ألزمه وأوجبه ، والخرج أعم من الخراج ، وجعل الخرج بإزاء الدخل ، وقال تعالى : { فهل نجعل لك خرجا } والخراج مختص في الغالب بالضريبة على الأرض ، وقيل العبد يؤدي خرجه أي غلته والرعية تؤدي إلى الأمير الخراج ، والخرج أيضا من السحاب وجمعه خروج وقيل الخراج بالضمان أي ما يخرج من مال البائع فهو بإزاء ما سقط عنه من ضمان المبيع ، والخارجي الذي يخرج بذاته عن أحوال أقرانه ويقال ذلك تارة على سبيل المدح إذا خرج إلى منزلة من هو أعلى منه ، وتارة يقال على سبيل الذم إذا خرج إلى منزلة من هو أدنى منه ، وعلى هذا يقال فلان ليس بإنسان تارة على المدح كما قال الشاعر :
( فلست بإنسي ولكن كملاك ** تنزل من جو السماء يصوب )
وتارة على الذم نحو { إن هم إلا كالأنعام } ، والخرج لونان من بياض وسواد ، ويقال ظليم أخرج ونعامة خرجاء وأرض مخترجة ذات لونين لكون النبات منها في مكان دون
____________________
(1/145)
مكان ، والخوارج لكونهم خارجين عن طاعة الإمام .
خرص : الخرص حرز الثمرة ، والخرص المحروز كالنقض للمنقوض ، وقيل الخرص الكذب في قوله تعالى { إن هم إلا يخرصون } قيل معناه يكذبون . وقوله تعالى : { قتل الخراصون } قيل لعن الكذابون وحقيقة ذلك أن كل قول مقول عن ظن وتخمين يقال خرص سواء كان مطابقا للشيء أو مخالفا له من حيث إن صاحبه لم يقله عن علم ولا غلبة ظن ولا سماع بل اعتمد فيه على الظن والتخمين كفعل الخارص في خرصه ، وكل من قال قولا على هذا النحو قد يسمى كاذبا وإن كان قوله مطابقا للمقول المخبر عنه كما حكي عن المنافقين في قوله عز وجل : { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } . خرط : قال تعالى : { سنسمه على الخرطوم } أي لزمه عار لا ينمحي عنه كقولهم جدعت أنفه ، والخرطوم أنف الفيل فسمي أنفه خرطوما استقباحا له .
خرق : الخرق قطع الشيء على سبيل الفساد من غير تدبر ولا تفكر ، قال تعالى : { أخرقتها لتغرق أهلها } وهو ضد الخلق وإن الخلق هو فعل الشيء بتقدير رفق ، والخرق بغير تقدير ، قال تعالى : { وخرقوا له بنين وبنات بغير علم } أي حكموا بذلك على سبيل الخرق ، وباعتبار القطع قيل خرق الثوب وخرقه وخرق المفاوز واخترق الريح . وخص الخرق والخريق بالمفاوز الواسعة إما لاختراق الريح فيها وإما لتخرقها في الفلاة ، وخص الخرق بمن ينخرق في السحاب . وقيل لثقب الأذن إذا توسع خرق ، وصبي أخرق وامرأة خرقاء مثقوبة الأذن ثقبا واسعا ، وقوله تعالى : { إنك لن تخرق الأرض } فيه قولان : أحدهما لن تقطع والآخر لن تثقب الأرض إلى الجانب الآخر اعتبارا بالخرق في الأذن ، وباعتبار ترك التقدير قيل رجل أخرق وخرق وامرأة خرقاء ، وشبه بها الريح في تعسف مرورها فقيل ريح خرقاء . وروي ما دخل الخرق في شيء إلا شانه ومن الخرق استعيرت المخرقة وهو إظهار الخرق توصلا إلى حيلة ، والمخراق شيء يلعب به كأنه يخرق لإظهار الشيء بخلافه ، وخرق الغزال إذا لم يحسن أن يعدو لخرقه .
حزن : الخزن حفظ الشيء في الخزانة ثم يعبر به عن كل حفظ كحفظ السر ونحوه وقوله تعالى : { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه } - { ولله خزائن السماوات والأرض } فإشارة منه إلى قدرته تعالى على ما يريد إيجاده أو إلى الحالة التي أشار إليها بقوله عليه السلام : فرغ
____________________
(1/146)
ربكم من خلق الخلق والرزق والأجل وقوله تعالى : { فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين } قيل معناه حافظين له بالشكر ، وقيل هو إشارة إلى ما أنبأ عنه قوله { أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه } الآية والخزنة الجمع الخازن { وقال لهم خزنتها } في صفة النار وصفة الجنة وقوله : { ولا أقول لكم عندي خزائن الله } أي مقدوراته التي منعها الناس لأن الخزن ضرب من المنع ، وقيل جوده الواسع وقدرته ، وقيل هو قوله كن . والخزن في اللحم أصله الادخار فكنى به عن نتنه ، يقال خزن اللحم إذا أنتن وخنز بتقدم النون .
خزى : خزي الرجل لحقه انكسار إما من نفسه وإما من غيره . فالذي يلحقه من نفسه هو الحياء المفرط ومصدره الخزاية ورجل خزيان وامرأة خزيى وجمعه خزايا . وفي الحديث اللهم احشرنا غير خزايا ولا نادمين والذي يلحقه من غيره يقال هو ضرب من الاستخفاف ، ومصدره الخزي ورجل خزي . قال تعالى : { ذلك لهم خزي في الدنيا } وقال تعالى : { إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين } - { فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا } - { لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا } وقال { من قبل أن نذل ونخزى } وأخزى من الخزاية والخزي جميعا وقوله { يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا } فهو من الخزي أقرب وإن جاز أن يكون منهما جميعا وقوله تعالى : { ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته } فمن الخزاية ويجوز أن يكون من الخزي وكذا قوله { من يأتيه عذاب يخزيه } وقوله : { ولا تخزنا يوم القيامة } - { وليخزي الفاسقين } وقال { ولا تخزون في ضيفي } وعلى نحو ما قلنا في خزي قولهم ذل وهان فإن ذلك متى كان من الإنسان نفسه يقال له الهون والذل ويكون محمودا ، ومتى كان من غيره يقال له : الهون ، والهوان ، والذل ، ويكون مذموما .
خسر : الخسر والخسران انتقاص رأس المال وينسب ذلك إلى الإنسان فيقال خسر فلان ، وإلى الفعل فيقال خسرت تجارته ، قال تعالى : { تلك إذا كرة خاسرة } ويستعمل ذلك في المقتنيات الخارجة كالمال والجاه في الدنيا وهو الأكثر ، وفي المقتنيات النفسية كالصحة والسلامة والعقل والإيمان والثواب ، وهو الذي جعله الله تعالى الخسران المبين ، وقال : { الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين } وقوله : { ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون } وقوله : { الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه } - إلى - { أولئك هم الخاسرون } وقوله :
____________________
(1/147)
{ فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين } وقوله : { وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان } يجوز أن يكون إشارة إلى تحري العدالة في الوزن وترك الحيف فيما يتعاطاه في الوزن ، ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى تعاطي ما لا يكون به ميزانه في القيامة خاسرا فيكون ممن قال فيه : { ومن خفت موازينه } وكلا المعنيين يتلازمان ، وكل خسران ذكره الله تعالى في القرآن فهو على هذا المعنى الأخير دون الخسران المتعلق بالمقتنيات الدنيوية والتجارات البشرية .
خسف : الخسوف للقمر والكسوف للشمس ، وقيل الكسوف فيهما إذا زال بعض ضوئهما ، والخسوف إذا ذهب كله . ويقال خسفه الله وخسف هو ، قال تعالى : { فخسفنا به وبداره الأرض } وقال : { لولا أن من الله علينا لخسف بنا } وفي الحديث : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته وعين خاسفة إذا غابت حدقتها فمنقول من خسف القمر ، وبئر مخسوفة إذا غاب ماؤها ونزف ، منقول من خسف الله القمر . وتصور من خسف القمر مهانة تلحقه فاستعير الخسف للذل فقيل تحمل فلان خسفا .
خسأ : خسأت الكلب فخسأ أي زجرته مستهينا به فانزجر وذلك إذا قلت له اخسأ ، قال تعالى في صفة الكفار : { اخسؤوا فيها ولا تكلمون } وقال تعالى : { قلنا لهم كونوا قردة خاسئين } ومنه خسأ البصر أي انقبض عن مهانة قال { خاسئا وهو حسير } .
خشب : قال تعالى : { كأنهم خشب مسندة } شبهوا بذلك لقلة غنائهم وهو جمع الخشب ومن لفظ الخشب قيل خشبت السيف إذا صقلته بالخشب الذي هو المصقل ، وسيف خشيب قريب العهد بالصقل ، وجمل خشيب أي جديد لم يرض ، تشبيها بالسيف الخشيب ، وتخشبت الإبل أكلت الخشب ، وجبهة خشباء يابسة كالخشب ، ويعبر بها عمن لا يستحي وذلك كما يشبه بالصخر في نحو قول الشاعر :
( والصخر هش عند وجهك في الصلابه ** ) والمخشوب المخلوط به الخشب وذلك عبارة عن الشيء الردئ .
خشع : الخشوع الضراعة وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح . والضراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب ولذلك قيل فيما روي : إذا ضرع القلب خشعت الجوارح ، قال تعالى : { ويزيدهم خشوعا } وقال : { الذين هم في صلاتهم خاشعون } - { وكانوا لنا خاشعين } - { وخشعت الأصوات } - { خاشعة أبصارهم } - { أبصارها خاشعة } كناية عنها وتنبيها على تزعزعها كقوله { إذا رجت الأرض رجا } - و - { إذا زلزلت الأرض زلزالها } - { يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا } .
____________________
(1/148)
خشى : الخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه ، ولذلك خص العلماء بها في قوله : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } وقال : { وأما من جاءك يسعى وهو يخشى } - { من خشي الرحمن } - { فخشينا أن يرهقهما } - { فلا تخشوهم واخشوني } - { يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية } { مقدورا الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله } - { وليخش الذين } الآية ، أي ليستشعروا خوفا من معرته ، وقال تعالى : { خشية إملاق } أي لا تقتلوهم معتقدين لمخافة أن يلحقهم إملاق ( لمن خشي الرحمن بالغيب ) أي لمن خاف خوفا اقتضاه معرفته بذلك من نفسه .
خص : التخصيص والاختصاص والخصوصية والتخصص تفرد بعض الشيء بما لا يشاركه فيه الجملة ، وذلك خلاف العموم والتعمم والتعميم ، وخصان الرجل من يختصه بضرب من الكرامة ، والخاصة ضد العامة ، قال تعالى : { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } أي بل تعمكم وقد خصه بكذا يخصه واختصه يختصه ، قال { يختص برحمته من يشاء } وخصاص البيت فرجة وعبر عن الفقر الذي لم يسد بالخصاصة كما عبر عنه بالخلة ، قال : { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } وإن شئت قلت من الخصاص ، والخص بيت من قصب أو شجر وذلك لما يرى فيه من الخصاصة .
خصف : قال تعالى : { وطفقا يخصفان عليهما } أي يجعلان عليهما خصفة وهي أوراق ومنه قيل لجلة التمر خصفة وللثياب الغليظة ، جمعه خصف ، ولما يطرق به الخف خصفة وخصفت النعل بالمخصف . وروي كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصف نعله وخصفت الخصفة نسجتها والأخصف والخصيف قيل الأبرق من الطعام وهو لونان من الطعام وحقيقته ما جعل من اللبن ونحوه في خصفة فيتلون بلونها .
خصم : الخصم مصدر خصمته أي نازعته خصما ، يقال خاصمته وخصمته مخاصمة وخصاما ، قال تعالى { وهو ألد الخصام } - { وهو في الخصام غير مبين } ثم سمي المخاصم خصما ، واستعمل للواحد والجمع وربما ثني ، وأصل المخاصمة أن يتعلق كل واحد بخصم الآخر أي جانبه وأن يجذب كل واحد خصم الجوالق من جانب ، وروي نسيته في خصم فراشي ، والجمع خصوم وأخصام وقوله { خصمان اختصموا } أي فريقان ولذلك قال اختصموا وقال { لا تختصموا } وقال { وهم فيها يختصمون } والخصيم الكثير المخاصمة ، قال { هو خصيم مبين } والخصم المختص بالخصومة ، قال { قوم خصمون } .
خضد : قال الله { في سدر مخضود } أي مكسور الشوك ، يقال خضدته فانخضد فهو
____________________
(1/149)
مخضود وخضيد والخضد المخضود كالنقض في المنقوض ومنه استعير خضد عنق البعير أي كسر .
خضر : قال تعالى : { فتصبح الأرض مخضرة } - { ثيابا خضرا } خضرة جمع أخضر والخضرة أحد الألوان بين البياض والسواد وهو إلى السواد أقرب ولهذا سمي الأسود أخضر والأخضر أسود قال الشاعر :
( قد أعسف النازح المجهود معسفة ** في ظل أخضر يدعو هامه البوم )
وقيل سواد العراق للموضع الذي يكثر فيه الخضرة ، وسميت الخضرة بالدهمة في قوله سبحانه { مدهامتان } أي خضراوان وقوله عليه السلام إياكم وخضراء الدمن فقد فسره عليه السلام حيث قال المرأة الحسناء في منبت السوء والمخاضرة المبايعة على الخضر والثمار قبل بلوغها ، والخضيرة نخلة ينتثر بسرها أخضر .
خضع : قال الله { فلا تخضعن بالقول } الخضوع الخشوع وقد تقدم ، ورجل خضعة كثير الخضوع ويقال خضعت اللحم أي قطعته ، وظليم أخضع في عنقه تطامن .
خط : الخط كالمد ، ويقال لما له طول ، والخطوط أضرب فيما يذكره أهل الهندسة من مسطوح ومستدير ومقوس وممال ، ويعبر عن كل أرض فيها طول بالخط كخط اليمن وإليه ينسب الرمح الخطي ، وكل مكان يخطه الإنسان لنفسه ويحفره يقال له خط وخطة . والخطيطة أرض لم يصبها مطر بين أرضين ممطورتين كالخط المنحرف عنه ، ويعبر عن الكتابة بالخط قال تعالى : { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك } .
خطب : الحطب والمخاطبة والتخاطب المراجعة في الكلام ، ومنه الخطبة والخطبة لكن الخطبة تختص بالموعظة والخطبة بطلب المرأة ، قال تعالى : { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء } وأصل الخطبة الحالة التي عليها الإنسان إذا خطب نحو الجلسة والقعدة ، ويقال من الخطبة خاطب وخطيب ، ومن الخطبة خاطب لا غير والفعل منهما خطب . والخطب الأمر العظيم الذي يكثر فيه التخاطب قال تعالى { فما خطبك يا سامري } - { فما خطبكم أيها المرسلون } وفصل الخطاب : ما ينفصل به الأمر من الخطاب .
خطف : الخطف والاختطاف الاختلاس بالسرعة ، يقال خطف يخطف وخطف يخطف وقرئ بهما جميعا قال { إلا من خطف الخطفة } وذلك وصف للشياطين المسترقة للسمع قال تعالى : { فتخطفه الطير أو تهوي به الريح } - { يكاد البرق يخطف أبصارهم } وقال { ويتخطف الناس من حولهم } أي يقتلون ويسلبون ،
____________________
(1/150)
والخطاف للطائر الذي كأنه يخطف شيئا في طيرانه ، ولما يخرج به الدلو كأنه يختطفه وجمعه خطاطيف وللحديدة التي تدور عليها البكرة ، وباز مخطف يختطف ما يصيده ، والخطيف سرعة انجذاب السير وأحطف الحشا ، ومختطفه كأنه اختطف حشاه لضموره .
خطأ : الخطأ العدول عن الجهة وذلك أضرب ، أحدها : أن يريد غير ما تحسن إرادته فيفعله وهذا هو الخطأ التام المأخوذ به الإنسان ، يقال خطئ يخطأ خطأ وخطأة قال تعالى { إن قتلهم كان خطأ كبيرا } وقال : { وإن كنا لخاطئين } والثاني أن يريد ما يحسن فعله ولكن يقع منه خلاف ما يريد فيقال أخطأ إخطاء فهو مخطئ ، وهذا قد أصاب في الإرادة وأخطأ في الفعل وهذا المعني بقوله عليه السلام : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وبقوله من اجتهد فأخطأ فله أجر { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة } والثالث أن يريد ما لا يحسن فعله ويتفق منه خلافه ، فهذا مخطئ في الإرادة ومصيب في الفعل فهو مذموم بقصده وغير محمود على فعله ، وهذا المعنى هو الذي أراده في قوله :
( أردت مساءتي فأجرت مسرتي ** وقد يحسن الإنسان من حيث لا يدري )
وجملة الأمر أن من أراد شيئا فاتفق منه غيره يقال أخطأ ، وإن وقع منه كما أراده يقال أصاب ، وقد يقال لمن فعل فعلا لا يحسن أو أراد إرادة لا تجمل إنه أخطأ ولهذا يقال أصاب الخطأ وأخطأ الصواب ، وأصاب الصواب وأخطأ الخطأ ، وهذه اللفظة مشتركة كما ترى مترددة بين معان يجب لمن يتحرى الحقائق أن يتأملها . وقوله تعالى { وأحاطت به خطيئته } والخطيئة والسيئة يتقاربان لكن الخطيئة أكثر ما تقال فيما لا يكون مقصودا إليه في نفسه بل يكون القصد سببا لتولد ذلك الفعل منه كمن يرمي صيدا فأصاب إنسانا أو شرب مسكرا فجنى جناية في سكره . والسبب سببان : سبب محظور فعله كشرب المسكر وما يتولد عنه من الخطأ غير متجاف عنه ، وسبب غير محظور كرمي الصيد ، قال تعالى : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } ، وقال تعالى : { ومن يكسب خطيئة أو إثما } فالخطيئة ههنا هي التي لا تكون عن قصد إلى فعله ، قال تعالى { ولا تزد الظالمين إلا ضلالا } - { مما خطيئاتهم } - { إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا } - { ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء } وقال تعالى : { والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين } والجمع الخطيئات والخطايا وقوله تعالى : { نغفر لكم خطاياكم } فهي المقصود إليها والخاطئ هو القاصد للذنب ، وعلى
____________________
(1/151)
ذلك قوله { ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون } وقد يسمى الذنب خاطئة في قوله تعالى : { والمؤتفكات بالخاطئة } أي الذنب العظيم وذلك نحو قولهم شعر شاعر . فأما ما لم يكن مقصودا فقد ذكر عليه السلام أنه متجاف عنه ، وقوله تعالى : { نغفر لكم خطاياكم } ، فالمعنى ما تقدم . خطو : خطوت أخطو خطوة أي مرة والخطوة ما بين القدمين ، قال تعالى : { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } أي لا تتبعوه وذلك نحو قوله { ولا تتبع الهوى } .
خف : الخفيف بإزاء الثقيل ويقال ذلك تارة باعتبار المضايفة بالوزن وقياس شيئين أحدهما بالآخر نحو درهم خفيف ، ودرهم ثقيل . والثاني يقال باعتبار مضايفة الزمان نحو فرس خفيف وفرس ثقيل إذا عدا أحدهما أكثر من الآخر في زمان واحد . الثالث يقال خفيف فيما يستحليه الناس وثقيل فيما يستوخمه فيكون الخفيف مدحا والثقيل ذما ومنه قوله تعالى : { الآن خفف الله عنكم } - { فلا يخفف عنهم } وأرى أن من هذا قوله { حملت حملا خفيفا } الرابع يقال خفيف فيمن يطيش وثقيل فيما فيه وقار فيكون الخفيف ذما والثقيل مدحا الخامس ، يقال خفيف في الأجسام التي من شأنها أن ترجحن إلى أسفل كالأرض والماء ، يقال خف يخف خفا وخفة وخففه تخفيفا وتخفف تخففا واستخففته وخف المتاع الخفيف ومنه كلام خفيف على اللسان ، قال تعالى : { فاستخف قومه فأطاعوه } أي حملهم أن يخفوا معه أو وجدهم خفافا في أبدانهم وعزائمهم ، وقيل معناه وجدهم طائشين ، وقوله تعالى : { ومن خفت موازينه } فإشارة إلى كثرة الأعمال الصالحة وقلتها { ولا يستخفنك } أي لا يزعجنك ويزيلنك عن اعتقادك بما يوقعون من الشبه ، وخفوا عن منازلهم ارتحلوا منها في خفة ، والخف الملبوس ، وخف النعامة ، والبعير تشبيها بخف الإنسان .
خفت : قال تعالى : { يتخافتون بينهم } - { ولا تخافت بها } المخافتة والخفت إسرار المنطق قال :
( وشتان بين الجهر والمنطق الخفت ** )
خفض : الخفض ضد الرفع ، والخفض الدعة والسير اللين { واخفض لهما جناح الذل } فهو حث على تليين الجانب والانقياد كأنه ضد قوله { ألا تعلوا علي } وفي صفة القيامة { خافضة رافعة } أي تضع قوما وترفع آخرين فخافضة إشارة إلى قوله : { ثم رددناه أسفل سافلين } .
خفى : خفي الشيء خفية استتر ، قال تعالى { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } والخفاء
____________________
(1/152)
ما يستر به كالغطاء ، وخفيته أزلت خفاه وذلك إذا أظهرته ، وأخفيته أوليته خفاء وذلك إذا سترته ويقابل به الإبداء والإعلان ، قال تعالى : { إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم } وقال تعالى { وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم } - { بل بدا لهم ما كانوا يخفون } والاستخفاء طلب الإخفاء ، ومنه قوله تعالى { ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه } والخوافي جمع خافية ، وهي ما دون القوادم من الريش .
خل : الخلل فرجة بين الشيئين وجمعه خلال كخلل الدار والسحاب والرماد وغيرها ، قال تعالى في صفة السحاب : { فترى الودق يخرج من خلاله } - { فجاسوا خلال الديار } قال الشاعر :
( أرى خلل الرماد وميض جمر ** )
{ ولأوضعوا خلالكم } أي سعوا وسطكم بالنميمة والفساد . والخلال لما تخلل به الأسنان وغيرها ، يقال خل سنه وخل ثوبه بالخلال يخله ، ولسان الفصيل بالخلال ليمنعه من الرضاع والرمية بالسهم ، وفي الحديث . خللوا أصابعكم والخلل في الأمر كالوهن فيه تشبيها بالفرجة الواقعة بين الشيئين ، وخل لحمه يخل خلا وخلالا صار فيه خلل وذلك بالهزال ، قال :
( إن جسمي بعد خالي لخل ** )
والخلة الطريق في الرمل لتخلل الوعورة أي الصعوبة إياه أو لكون الطريق متخللا وسطه ، والخلة أيضا الخمر الحامضة لتخلل الحموضة إياها . والخلة ما يغطى به جفن السيف لكونه في خلالها ، والخلة الاختلال العارض للنفس إما لشهوتها لشيء أو لحاجتها إليه ، ولهذا فسر الخلة بالحاجة والخصلة ، والخلة المودة إما لأنها تتخلل النفس أي تتوسطها ، وإما لأنها تخل النفس فتؤثر فيه تأثير السهم في الرمية ، وإما لفرط الحاجة إليها ، يقال منه خاللته محالة وحلالا فهو خليل ، وقوله تعالى : { واتخذ الله إبراهيم خليلا } قيل سماه بذلك لافتقاره إليه سبحانه في كل حال ، الافتقار المعني بقوله : { إني لما أنزلت إلي من خير فقير } وعلى هذا الوجه قيل : اللهم أغنني بالافتقار إليك ولا تفقرني بالاستغناء عنك . وقيل بل من الخلة واستعمالها فيه كاستعمال المحبة فيه ، قال أبو القاسم البلخي : هو من الخلة لا من الخلة ، قال : ومن قاسه بالحبيب فقد أخطأ لأن الله يجوز أن يحب عبده فإن المحبة منه الثناء ولا يجوز أن يخاله ، وهذا منه اشتباه فإن الخلة من تخلل الود نفسه ومخالطته كقوله :
( قد تخللت مسلك الروح مني ** وبه سمي الخليل خليلا )
ولهذا يقال تمازج روحانا . والمحبة البلوغ بالود
____________________
(1/153)
إلى حبة القلب من قولهم حببته إذا أصبت حبة قلبه ، لكن إذا استعملت المحبة في الله فالمراد بها مجرد الإحسان وكذا الخلة ، فإن جاز في أحد اللفظين جاز في الآخر فأما أن يراد بالحب حبة القلب ، والخلة التخلل فحاشا له سبحانه أن يراد فيه ذلك . وقوله تعالى : { لا بيع فيه ولا خلة } أي لا يمكن في القيامة ابتياع حسنة ولا استجلابها بمودة وذلك إشارة إلى قوله سبحانه : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } وقوله { لا بيع فيه ولا خلال } فقد قيل هو مصدر من خاللت وقيل هو جمع ، يقال خليل وأخلة وحلال والمعنى كالأول .
خلد : الخلود هو تبرى الشيء من اعتراض الفساد وبقاؤه على الحالة التي هو عليها ، وكل ما يتباطأ عنه التغيير والفساد تصفه العرب بالخلود كقولهم للأثافي خوالد ، وذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها . يقال خلد يخلد خلودا ، قال تعالى : { لعلكم تخلدون } والخلد اسم للجزء الذي يبقى من الإنسان على حالته فلا يستحيل ما دام الإنسان حيا استحالة سائر أجزائه ، وأصل المخلد الذي يبقى مدة طويلة ومنه قيل رجل مخلد لمن أبطأ عنه الشيب ، ودابة مخلدة هي التي تبقى ثناياها حتى تخرج رباعيتها ، ثم استعير للمبقي دائما . والخلود في الجنة بقاء الأشياء على الحالة التي عليها من غير اعتراض الفساد عليها ، قال تعالى : { أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } - { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } - { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها } وقوله تعالى : { يطوف عليهم ولدان مخلدون } قيل مبقون بحالتهم لا يعتريهم استحالة ، وقيل مقرطون بخلدة ، والخلدة ضرب من القرطة ، وإخلاد الشيء جعله مبقى والحكم عليه بكونه مبقى ، وعلى هذا قوله سبحانه : { ولكنه أخلد إلى الأرض } أي ركن إليها ظانا أنه يخلد فيها .
خلص : الخالص كالصافي إلا أن الخالص هو ما زال عنه شوبه بعد أن كان فيه ، والصافي قد يقال لما لا شوب فيه ، ويقال خلصته فخلص ، ولذلك قال الشاعر :
( خلاص الخمر من نسج الفدام ** )
قال تعالى : { وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا } ويقال هذا خالص وخالصة نحو داهية وراوية ، وقوله تعالى : { فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا } أي انفردوا خالصين عن غيرهم . وقوله : { ونحن له مخلصون } - { إنه من عبادنا المخلصين } فإخلاص المسلمين أنهم قد تبرءوا مما يدعيه اليهود من التشبيه والنصارى من التثليث ، قال تعالى : { مخلصين له الدين } وقال : { لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة } وقال { وأخلصوا دينهم لله } وهو كالأول وقال { إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا }
____________________
(1/154)
) فحقيقة الإخلاص التبري عن كل ما دون الله تعالى .
خلط : الخلط هو الجمع بين أجزاء الشيئين فصاعدا سواء كانا مائعين أو جامدين أو أحدهما مائعا والآخر جامدا وهو أعم من المزج ، ويقال اختلط الشيء ، قال تعالى : { فاختلط به نبات الأرض } ويقال للصديق والمجاور والشريك خليط ، والخليطان في الفقه من ذلك قال تعالى : { وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض } ويقال الخليط للواحد والجمع ، قال الشاعر :
( بان الخليط ولم يأووا لمن تركوا ** )
وقال { خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا } أي يتعاطون هذا مرة وذاك مرة ، ويقال أخلط فلان في كلامه إذا صار ذا تخليط ، وأخلط الفرس في جريه كذلك وهو كناية عن تقصيره فيه .
خلع : الخلع خلع الإنسان ثوبه والفرس جله وعذاره ، قال تعالى : { فاخلع نعليك } قيل هو على الظاهر وأمره نخلع ذلك عن رجله لكونه من جلد حمار ميت ، وقال بعض الصوفية : هذا مثل وهو أمر بالإقامة والتمكن كقولك لمن رمت أن يتمكن انزع ثوبك وخفك ونحو ذلك ، وإذا قيل خلع فلان على فلان فمعناه أعطاه ثوبا ، واستفيد معنى العطاء من هذه اللفظة بأن وصل به على فلان بمجرد الخلع .
خلف : خلف ضد القدام ، وقال تعالى { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم } وقال تعالى : { له معقبات من بين يديه ومن خلفه } وقال تعالى { فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية } وخلف ضد تقدم وسلف ، والمتأخر لقصور منزلته يقال له خلف ولهذا قيل الخلف الرديء والمتأخر لا لقصور منزلته يقال له خلف ، قال تعالى { فخلف من بعدهم خلف } وقيل : سكت ألفا ونطق خلفا : أي رديئا من الكلام ، وقيل للاست إذا ظهر منه حبقة خلفة ، ولمن فسد كلامه أو كان فاسدا في نفسه يقال تخلف فلان فلانا إذا تأخر عنه وإذا جاء خلف آخر وإذا قام مقامه ومصدره الخلافة ، وخلف خلافة بفتح الخاء فسد فهو خالف أي ردئ أحمق ، ويعبر عن الردئ بخلف نحو : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة } ، ويقال لمن خلف آخر فسد مسده خلف والخلفة يقال في أن يخلف كل واحد الآخر ، قال تعالى { وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة } وقيل أمرهم خلفة : أي يأتي بعضه خلف بعض قال الشاعر :
( بها العين والآرام يمشين خلفة **
وأصابته خلفة كناية عن البطنة وكثرة المشي وخلف فلان فلانا قام بالأمر عنه إما معه وإما
____________________
(1/155)
بعده ، قال تعالى { ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون } والخلافة النيابة عن الغير إما لغيبة المنوب عنه وإما لموته وإما لعجزه وإما لتشريف المستخلف وعلى هذا الوجه الأخير استخلف الله أولياءه في الأرض ، قال تعالى : { هو الذي جعلكم خلائف في الأرض } - { وهو الذي جعلكم خلائف الأرض } وقال { ويستخلف ربي قوما غيركم } والخلائف جمع خليفة ، وخلفاء جمع خليف ، قال تعالى { يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض } - { وجعلناهم خلائف } - { إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح } والاختلاف والمخالفة أن يأخذ كل واحد طريقا غير طريق الآخر في حاله أو قوله ، والخلاف أعم من الضد لأن كل ضدين مختلفان وليس كل مختلفين ضدين ، ولما كان الاختلاف بين الناس في القول قد يقتضي التنازع استعير ذلك للمنازعة والمجادلة ، قال { فاختلف الأحزاب } - { ولا يزالون مختلفين } - { واختلاف ألسنتكم وألوانكم } - { عم يتساءلون عن النبإ العظيم الذي هم فيه مختلفون } - { إنكم لفي قول مختلف } وقال { مختلفا ألوانه } وقال { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات } وقال { فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه } - { وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا } - { ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } وقال في القيامة { وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون } وقال { ليبين لهم الذي يختلفون فيه } وقوله تعالى : { وإن الذين اختلفوا في الكتاب } قيل معناه خلفوا نحو : كسب واكتسب ، وقيل أتوأ فيه بشيء خلاف ما أنزل الله ، وقوله تعالى { لاختلفتم في الميعاد } فمن الخلاف أو من الخلف وقوله تعالى : { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله } وقوله تعالى { يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون } وقوله تعالى { إن في اختلاف الليل والنهار } أي في مجيء كل واحد منهما خلف الآخر وتعاقبهما ، والخلف المخالفة في الوعد ، يقال وعدني فأخلفني أي خالف في الميعاد ( بما أخلفوا الله ما وعدوه ) وقال { إن الله لا يخلف الميعاد } وقال { فأخلفتم موعدي قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا } وأخلفت فلانا وجدته مخلفا ، والإخلاف أن يسقي واحد بعد آخر ، وأخلف الشجر إذا اخضر بعد سقوط ورقه ، وأخلف الله عليك يقال لمن ذهب ماله أي أعطاك خلفا وخلف الله عليك أي كان لك منه خليفة ، وقوله { لا يلبثون خلافك } بعدك ، وقرئ خلافك أي مخالفة لك ، وقوله : { أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف } أي إحداهما
____________________
(1/156)
من جانب والأخرى من جانب آخر . وخلفته تركته خلفي ، قال { فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله } أي مخالفين { وعلى الثلاثة الذين خلفوا } - { قل للمخلفين } والخالف المتأخر لنقصان أو قصور كالمتخلف قال { فاقعدوا مع الخالفين } والخالفة عمود الخيمة المتأخر ، ويكنى بها عن المرأة لتخلفها عن المرتحلين وجمعها خوالف ، قال { رضوا بأن يكونوا مع الخوالف } ووجدت الحي خلوفا أي تخلفت نساؤهم عن رجالهم ، والخلف حد الفأس الذي يكون إلى جهة الخلف وما تخلف من الأضلاع إلى ما يلي البطن ، والخلاف شجر كأنه سمي بذلك لأنه يخلف فيما يظن به أو لأنه يخلف مخبره منظره ، ويقال للجمل بعد بزوله مخلف عام ومخلف عامين . وقال عمر رضي الله عنه : لولا الخليفي لأذنت أي الخلافة وهو مصدر خلف .
خلق : الخلق أصله التقدير المستقيم ويستعمل في إبداع الشيء من غير أصل ولا احتذاء قال : { خلق السماوات والأرض } أي أبدعهما بدلالة قوله : { بديع السماوات والأرض } ويستعمل في إيجاد الشيء من الشيء نحو : { خلقكم من نفس واحدة } - { خلق الإنسان من نطفة } - { خلقنا الإنسان من سلالة } - { ولقد خلقناكم } - { وخلق الجان من مارج } وليس الخلق الذي هو الإبداع إلا لله تعالى ولهذا قال في الفصل بينه تعالى وبين غيره { أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون } وأما الذي يكون بالاستحالة فقد جعله الله تعالى لغيره في بعض الأحوال كعيسى حيث قال : { وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني } والخلق لا يستعمل في كافة الناس إلا على وجهين : أحدهما في معنى التقدير كقول الشاعر :
( فلأنت تفري ما خلقت وبعض ** القوم يخلق ثم لا يفرى )
والثاني في الكذب نحو قوله : { وتخلقون إفكا } إن قيل قوله تعالى : { فتبارك الله أحسن الخالقين } يدل على أنه يصح أن يوصف غيره بالخلق ، قيل إن ذلك معناه أحسن المقدرين ، أو يكون على تقدير ما كانوا يعتقدون ويزعمون أن غير الله يبدع ، فكأنه قيل فاحسب أن ههنا مبدعين وموجدين فالله أحسنهم إيجادا على ما يعتقدون كما قال : { خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم } - { ولآمرنهم فليغيرن خلق الله } فقد قيل إشارة إلى ما يشوهونه من الخلقة بالخصاء ونتف اللحية وما يجري مجراه ، وقيل معناه يغيرون حكمه وقوله : { لا تبديل لخلق الله } فإشارة إلى ما قدره وقضاه وقيل معنى { لا تبديل لخلق الله } نهي أي لا تغيروا خلقة الله وقوله : { وتذرون ما خلق لكم ربكم }
____________________
(1/157)
فكناية عن فروج النساء . وكل موضع استعمل الخلق في وصف الكلام فالمراد به الكذب ومن هذا الوجه امتنع كثير من الناس من إطلاق لفظ الخلق على القرآن وعلى هذا قوله تعالى { إن هذا إلا خلق الأولين } وقوله { ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق } والخلق يقال في معنى المخلوق والخلق والخلق في الأصل واحد كالشرب والشرب والصرم والصرم لكن خص الخلق بالهيئات والأشكال والصور المدركة بالبصر ، وخص الخلق بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة . قال تعالى : { وإنك لعلى خلق عظيم } وقرئ { إن هذا إلا خلق الأولين } والخلاق ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه قال تعالى : { وما له في الآخرة من خلاق } وفلان خليق بكذا : أي كأنه مخلوق فيه ذلك كقولك مجبول على كذا أو مدعو إليه من جهة الخلق . وخلق الثوب وأخلق وثوب خلق ومخلق وأخلاق نحو حبل أرمام وأرمات ، وتصور من خلوقة الثوب الملامسة فقيل جبل أخلق وصخرة خلقاء وخلقت الثوب ملسته ، واخلولق السحاب منه أو من قولهم هو خليق بكذا ، والخلوق ضرب من الطيب .
خلا : الخلاء المكان الذي لا ساتر فيه من بناء ومساكن وغيرهما ، والخلو يستعمل في الزمان والمكان لكن لما تصور في الزمان المضي فسر أهل اللغة خلا الزمان بقولهم مضى الزمان وذهب ، قال تعالى : { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } - { وقد خلت من قبلهم المثلات } - { تلك أمة قد خلت } - { قد خلت من قبلكم سنن } - { إلا خلا فيها نذير } - { مثل الذين خلوا من قبلكم } - { وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ } وقوله : { يخل لكم وجه أبيكم } أي تحصل لكم مودة أبيكم وإقباله عليكم . وخلا الإنسان صار خاليا ، وخلا فلان بفلان صار معه في خلاء ، وخلا إليه انتهى إليه في خلوة ، قال تعالى : { وإذا خلوا إلى شياطينهم } ، وخليت فلانا تركته في خلاء ثم يقال لكل ترك تخلية نحو { فخلوا سبيلهم } وناقة خلية مخلاة عن الحلب وامرأة خلية مخلاة عن الزوج وقيل للسفينة المتروكة بلا ربان خلية والخلي من خلاه الهم نحو المطلقة في قول الشاعر :
( مطلقة طورا وطورا تراجع ** )
والخلاء الحشيش المتروك حتى ييبس ويقال حليت الخلاء جززته وخليت الدابة جززت لها ومنه استعير سيف يختلي أي يقطع ما يضرب به قطعه للخلا .
خمد : قوله تعالى { جعلناهم حصيدا خامدين } كناية عن موتهم من قولهم خمدت
____________________
(1/158)
النار خمودا طفئ لهبها وعنه استعير خمدت الحمى ، سكنت ، وقوله تعالى : { فإذا هم خامدون }
خمر : أصل الخمر ستر الشيء ويقال لما يستر به خمار لكن الخمار صار في التعارف اسما لما تغطي به المرأة رأسها ، وجمعه خمر ، قال تعالى : { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } ، واختمرت المرأة وتخمرت وخمرت الإناء غطيته ، وروى خمروا آنيتكم ، وأخمرت العجين جعلت فيه الخمير ، والخميرة سميت لكونها مخمورة من قبل . ودخل في خمار الناس أي في جماعتهم الساترة لهم ، والخمر سميت لكونها خامرة لمقر العقل ، وهو عند بعض الناس اسم لكل مسكر . وعند بعضهم اسم للمتخذ من العنب التمر لما روي عنه صلى الله عليه وسلم : الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة ومنهم من جعلها اسما لغير المطبوخ ، ثم كمية الطبخ التي تسقط عنه اسم الخمر مختلف فيها ، والخمار الداء العارض من الخمر وجعل بناؤه بناء الأدواء كالزكام والسعال ، وخمرة الطيب ريحه وخامره وخمره خالطه ولزمه ، وعنه استعير :
( خامري أم عامر ** )
خمس : أصل الخمس في العدد ، قال تعالى : { ويقولون خمسة سادسهم كلبهم } وقال { فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما } والخميس ثوب طوله خمس أذرع ، ورمح مخموس كذلك . والخمس من أظماء الإبل ، وخمست القوم أخمسهم أخذت خمس أموالهم ، وخمستهم أخمسهم كنت لهم خامسا ، والخميس في الأيام معلوم .
خمص : قوله تعالى : { في مخمصة } أي مجاعة تورث خمس البطن أي ضموره ، يقال رجل خامص أي ضامر ، وأخمص القدم باطنها وذلك لضمورها .
خمط : الخمط شجر لا شوك له ، قيل هو شجر الأراك ، والخمطة الخمر إذا حمضت ، وتخمط إذا غضب يقال تخمط الفحل هدر .
خنزير : قوله تعالى : { وجعل منهم القردة والخنازير } قيل عنى الحيوان المخصوص ، وقيل عنى من أخلاقه وأفعاله مشابهة لأخلاقها لا من خلقته خلقتها والأمران مرادان بالآية ، فقد روي أن قوما مسخوا خلقة وكذا أيضا في الناس قوم إذا اعتبرت أخلاقهم وجدوا كالقردة والخنازير وإن كانت صورهم صور الناس .
خنس : قوله تعالى : { من شر الوسواس الخناس } أي الشيطان الذي يخنس أي ينقبض إذا ذكر الله تعالى ، وقوله تعالى : { فلا أقسم بالخنس } اي بالكواكب التي تخنس بالنهار وقيل الخنس هي زحل والمشتري والمريخ لأنها تخنس في مجراها أي ترجع ، وأخنست عنه حقه أخرته .
____________________
(1/159)
خنق : قوله تعالى : { والمنخنقة } أي التي خنقت حتى ماتت ، والمخنقة القلادة .
خاب : الخيبة فوت الطلب قال : { وخاب كل جبار عنيد } - { وقد خاب من افترى } - { وقد خاب من دساها } .
خير : الخير ما يرغب فيه الكل كالعقل مثلا والعدل والفضل والشيء النافع ، وضده الشر . قيل والخير ضربان : خير مطلق وهو أن يكون مرغوبا فيه بكل حال وعند كل أحد كما وصف عليه السلام به الجنة فقال : لا خير بخير بعده النار ، ولا شر بشر بعده الجنة وخير وشر مقيدان وهو أن يكون خيرا لواحد شرا لآخر كالمال الذي ربما يكون خيرا لزيد وشرا لعمرو ، ولذلك وصفه الله تعالى بالأمرين فقال في موضع { إن ترك خيرا } وقال في موضع آخر { أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات } وقوله تعالى : { إن ترك خيرا } أي مالا . وقال بعض العلماء لا يقال للمال خير حتى يكون كثيرا ومن مكان طيب كما روي أن عليا رضي الله عنه دخل على مولى له فقال : ألا أوصي يا أمير المؤمنين قال : لا ، لأن الله تعالى قال : { إن ترك خيرا } وليس لك مال كثير وعلى هذا قوله : { وإنه لحب الخير لشديد } أي المال الكثير . وقال بعض العلماء : إنما سمي المال ها هنا خيرا تنبيها على معنى لطيف وهو أن الذي يحسن الوصية به ما كان مجموعا من المال من وجه محمود وعلى هذا قوله : { قل ما أنفقتم من خير فللوالدين } وقال : { وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم } وقوله : { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } قيل عنى به مالا من جهتهم ، وقيل إن علمتم أن عتقهم يعود عليكم وعليهم بنفع أي ثواب . والخير والشر يقالان على وجهين ، أحدهما : أن يكونا اسمين كما تقدم وهو قوله : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير } والثاني : أن يكونا وصفين وتقديرهما تقدير أفعل منه نحو هذا خير من ذاك وأفضل وقوله : { نأت بخير منها } وقوله : { وأن تصوموا خير لكم } فخير ها هنا يصح أن يكون اسما وأن يكون بمعنى أفعل ومنه قوله : { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى } تقديره تقدير أفعل منه . فالخير يقابل به الشر مرة والضر مرة نحو قوله تعالى : { وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير } وقوله : { فيهن خيرات حسان } قيل أصله خيرات فخفف ، فالخيرات من النساء الخيرات ، يقال رجل خير وامرأة خيرة وهذا خير الرجال وهذه خيرة النساء ، والمراد بذلك المختارات أي فيهن مختارات لا رذل فيهن . والخير الفاضل المختص بالخير ، يقال ناقة خيار وجمل خيار ، واستخار الله العبد فخار له أي طلب منه الخير فأولاه ، وخايرت فلانا كذا فخرته ، والخيرة الحالة التي تحصل
____________________
(1/160)
للمستخير والمختار نحو القعدة والجلسة لحال القاعد والجالس . والاختيار طلب ما هو خير وفعله ، وقد يقال لما يراه الإنسان خيرا وإن لم يكن خيرا ، وقوله : { ولقد اخترناهم على علم على العالمين } يصح أن يكون إشارة إلى إيجاده تعالى إياهم خيرا ، وأن يكون إشارة إلى تقديمهم على غيرهم . والمختار في عرف المتكلمين يقال لكل فعل يفعله الإنسان لا على سبيل الإكراه ، فقولهم هو مختار في كذا ، فليس يريدون به ما يراد بقولهم فلان له اختيار فإن الاختيار أخذ ما يراه خيرا ، والمختار قد يقال للفاعل والمفعول .
خوار : قوله تعالى : { عجلا جسدا له خوار } الخوار مختص بالبقر وقد يستعار للبعير ، ويقال أرض خوارة ورمح خوار أي فيه خور . والخوران يقال لمجرى الروث وصوت البهائم .
خوض : الخوض هو الشروع في الماء والمرور فيه ، ويستعار في الأمور وأكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذم الشروع فيه نحو قوله تعالى : { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب } وقوله : { وخضتم كالذي خاضوا } - { ذرهم في خوضهم يلعبون } - { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث } وتقول أخضت دابتي في الماء ، وتخاوضوا في الحديث : تفاوضوا .
خيط : الخيط معروف وجمعه خيوط وقد خطت الثوب أخيطه خياطة ، وخيطته تخييطا . والخياط الإبرة التي يخاط بها ، قال تعالى : { حتى يلج الجمل في سم الخياط } - { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } أي بياض النهار من سواد الليل ، والخيطة في قول الشاعر :
( تدلى عليها بين سب وخيطة ** )
فهي مستعارة للحبل أو الوتد . وروي أن عدي بن حاتم عمد إلى عقالين ابيض وأسود فجعل ينظر إليهما ويأكل إلى أن يتبين أحدهما من الآخر ، فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام بذلك فقال : إنك لعريض القفا ، إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل وخيط الشيب في رأسه : بدا كالخيط ، والخيط النعام ، وجمعه خيطان ، ونعامة خيطاء : طويلة العنق ، كأنما عنقها خيط .
خوف : الخوف توقع مكروه عن أمارة مظنونة او معلومة ، كما أن الرجاء والطمع توقع محبوب عن أمارة مظنونة أو معلومة ، ويضاد الخوف : الأمن ويستعمل ذلك في الأمور الدنيوية والأخروية . قال تعالى : { ويرجون رحمته ويخافون عذابه } وقال : { وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله }
____________________
(1/161)
) وقال تعالى : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا } وقال : { وإن خفتم ألا تقسطوا } ، وقوله { وإن خفتم شقاق بينهما } فقد فسر ذلك بعرفتم ، وحقيقته وإن وقع لكم خوف من ذلك لمعرفتكم . والخوف من الله لا يراد به ما يخطر بالبال من الرعب كاستشعار الخوف من الأسد ، بل إنما يراد به الكف عن المعاصي واختيار الطاعات ، ولذلك قيل لا يعد خائفا من لم يكن للذنوب تاركا والتخويف من الله تعالى هو الحث على التحرز وعلى ذلك قوله تعالى : { ذلك يخوف الله به عباده } ونهى الله تعالى عن مخافة الشيطان والمبالاة بتخويفه فقال : { إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } أي فلا تأتمروا لشيطان وإئتمروا لله ويقال تخوفناهم أي تنقصناهم تنقصا اقتضاه الخوف منه . وقوله تعالى { وإني خفت الموالي من ورائي } فخوفه منهم أن لا يراعوا الشريعة ولا يحفظوا نظام الدين ، لا أن يرثوا ما له كما ظنه بعض الجهلة قالقنيات الدنيوية أخس عند الأنبياء عليهم السلام من أن يشفقوا عليها . والخيفة الحالة التي عليها الإنسان من الخوف ، قال تعالى : { فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف } واستعمل استعمال الخوف في قوله : { والملائكة من خيفته } وقوله : { تخافونهم كخيفتكم أنفسكم } أي كخوفكم وتخصيص لفظ الخيفة تنبيها أن الخوف منهم حالة لازمة لا تفارقهم التخوف ظهور الخوف من الإنسان ، قال : { أو يأخذهم على تخوف } .
خيل : الخيال أصله الصورة المجردة كالصورة المتصورة في المنام وفي المرآة وفي القلب بعيد غيبوبة المرئي ، ثم تستعمل في صورة كل أمر متصور وفي كل شخص دقيق يجري مجرى الخيال ، والتخييل تصوير خيال الشيء في النفس والتخيل تصور ذلك ، وخلت بمعنى ظننت يقال اعتبارا بتصور خيال المظنون . ويقال خيلت السماء : أبدت خيالا للمطر ، وفلان مخيل بكذا أي خليق وحقيقته أنه مظهر خيال ذلك . والخيلاء التكبر عن تخيل فضيلة تراءت للإنسان من نفسه ومنها يتأول لفظ الخيل لما قيل إنه لا يركب أحد فرسا إلا وجد في نفسه نخوة ، والخيل في الأصل اسم للأفراس والفرسان جميعا وعلى ذلك قوله تعالى : { ومن رباط الخيل } ويستعمل في كل واحد منهما منفردا نحو ما روي : يا خيل الله اركبي ، فهذا للفرسان ، وقوله عليه السلام : عفوت لكم عن صدقة الخيل يعني الأفراس . والأخيل : الشقراق لكونه متلونا فيختال في كل وقت أن له لونا غير اللون الأول ولذلك قيل :
( كادت براقش كل لون لونه يتخيل ** )
____________________
(1/162)
خول : قوله تعالى : { وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم } أي ما أعطيناكم ، والتخويل في الأصل إعطاء الخول ، وقيل إعطاء ما يصير له خولا ، وقيل إعطاء ما يحتاج أن يتعهده ، من قولهم فلان خال مال وخايل مال أي حسن القيام به . والخال ثوب يعلق فيخيل للوحوش ، والخال في الجسد شامة فيه .
خون : الخيانة والنفاق واحد إلا أن الخيانة تقال اعتبارا بالعهد والأمانة ، والنفاق يقال اعتبارا بالدين ، ثم يتداخلان ، فالخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السر . ونقيض الخيانة : الأمانة ، يقال خنت فلانا وخنت أمانة فلان وعلى ذلك قوله : { لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم } وقوله تعالى : { ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما } وقوله : { ولا تزال تطلع على خائنة منهم } أي على جماعة خائنة منهم . وقيل على رجل خائن ، يقال رجل خائن وخائنة نحو راوية وداهية وقيل خائنة موضوعة موضع المصدر نحو قم قائما وقوله : { يعلم خائنة الأعين } على ما تقدم وقال تعالى : { وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم } وقوله : { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم } والاختيان مراودة الخيانة ولم يقل تخونون أنفسكم لأنه لم تكن منهم الخيانة بل كان منهم الاختيان ، فإن الاختيان تحرك شهوة الإنسان لتحري الخيانة وذلك هو المشار إليه بقوله تعالى : { إن النفس لأمارة بالسوء } . خوى : أصل الخواء الخلا ، يقال خوى بطنه من الطعام يخوى خوى ، وخوى الجوز خوى تشبيها به ، وخوت الدار تخوي خواء ، وخوى النجم وأخوى إذا لم يكن منه عند سقوطه مطر ، تشبيها بذلك ، وأخوى أبلغ من خوى ، كما أن أسقى أبلغ من سقى . والتخوية : ترك ما بين الشيئين خاليا .
____________________
(1/163)
= كتاب الدال =
دب : الدب والدبيب مشي خفيف ويستعمل ذلك في الحيوان وفي الحشرات أكثر ، ويستعمل في الشراب والبلى ونحو ذلك مما لا تدرك حركته الحاسة ، ويستعمل في كل حيوان وإن اختصت في التعارف بالفرس ، قال تعالى : { والله خلق كل دابة من ماء } الآية وقال : { وبث فيها من كل دابة } - { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } وقال تعالى : { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه } وقوله تعالى { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة } قال أبو عبيدة : عنى الإنسان خاصة ، والأولى إجراؤها على العموم . وقوله { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم } فقد قيل إنها حيوان بخلاف ما نعرفه يختص خروجها بحين القيامة ، وقيل عنى بها الأشرار الذين هم في الجهل بمنزلة الدواب فتكون الدابة جمعا اسما لكل شيء يدب ، نحو خائنة جمع خائن ، وقوله { إن شر الدواب عند الله } فإنها عام في جميع الحيوانات ، ويقال ناقة دبوب : تدب في مشيها لبطئها ، وما بالدار دبي أي من يدب ، وأرض مدبوبة : كثيرة ذوات الدبيب فيها .
دبر : دبر الشيء خلاف القبل ، وكنى بهما عن العضوين المخصوصين ، ويقال ، دبر ودبر وجمعه أدبار ، قال تعالى : { ومن يولهم يومئذ دبره } وقال : { يضربون وجوههم وأدبارهم } أي قدامهم وخلفهم ، وقال { فلا تولوهم الأدبار } وذلك نهي عن الانهزام وقوله : { وأدبار السجود } أواخر الصلوات ، وقرئ وأدبار النجوم وإدبار النجوم ، فإدبار مصدر مجعول ظرفا نحو مقدم الحاج وخفوق النجم ، ومن قرأ أدبار فجمع . ويشتق منه تارة باعتبار دبر : الفاعل وتارة باعتبار دبر : المفعول ، فمن الأول قولهم دبر فلان وأمس الدابر { والليل إذ أدبر } وباعتبار المفعول قولهم دبر السهم الهدف : سقط خلفه ودبر فلان القوم : صار خلفهم ، قال تعالى : { أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين } وقال تعالى : { فقطع دابر القوم الذين ظلموا } والدابر يقال للمتأخر وللتابع ، إما باعتبار المكان أو باعتبار الزمان ، أو باعتبار المرتبة . وأدير : أعرض وولى دبره قال : { ثم أدبر واستكبر } وقال
____________________
(1/164)
{ تدعو من أدبر وتولى } وقال عليه السلام : لا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا وقيل لا يذكر أحدكم صاحبه من خلفه . والاستدبار طلب دبر الشيء ، وتدابر القوم إذا ولى بعضهم عن بعض ، والدبار مصدر دابرته أي عاديته من خلفه ، والتدبير التفكير في دبر الأمور ، قال تعالى : { فالمدبرات أمرا } يعني ملائكة موكلة بتدبير أمور ، والتدبير عتق العبد عن دبر أو بعد موته . والدبار الهلاك الذي يقطع دابرتهم وسمي يوم الأربعاء في الجاهلية دبارا ، قيل وذلك لتشاؤمهم به ، والدبير من الفتل المدبور أي المفتول إلى خلف ، والقبيل بخلافه . ورجل مقابل مدابر أي شريف من جانبيه . وشاة مقابلة مدابرة : مقطوعة الأذن من قبلها ودبرها . ودابرة الطائر أصبعه المتأخرة ، ودابرة الحافر ما حول الرسغ ، والدبور من الرياح معروف ، والدبرة من المزرعة جمعها دبار ، قال الشاعر :
( على جرية تعلو الدبار غروبها ** )
والدبر النحل والزنابير ونحوهما مما سلاحها في أدبارها ، الواحدة دبرة . والدبر المال الكثير الذي يبقى بعد صاحبه ولا يثنى ولا يجمع . ودبر البعير دبرا ، فهو أدبر ودبر : صار بقرحه دبرا ، أي متأخرا ، والدبرة : الإدبار .
دثر : قال تعالى : { يا أيها المدثر } اصله المتدثر فأدغم وهو المتدرع دثاره ، يقال دثرته فتدثر ، والدثار ما يتدثر به ، وقد تدثر الفحل الناقة تسنمها والرجل الفرس وثب عليه فركبه ، ورجل دثور خامل مستتر ، وسيف داثر بعيد العهد بالصقال ، ومنه قيل للمنزل الدارس داثر لزوال أعلامه ، وفلان دثر مال أي حسن القيام به .
دحر : الدحر الطرد والإبعاد ، يقال دحره دحورا قال تعالى { اخرج منها مذؤوما مدحورا } وقال : { فتلقى في جهنم ملوما مدحورا } وقال { ويقذفون من كل جانب دحورا } .
دحض : قال تعالى : { حجتهم داحضة عند ربهم } أي باطلة زائلة ، يقال أدحضت فلانا في حجته فدحض قال تعالى : { ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق } وأدحضت حجته فدحضت وأصله من دحض الرجل وعلى نحوه في وصف المناظرة :
( نظرا يزيل مواقع الأقدام ** )
ودحضت الشمس مستعار من ذلك .
دحا : قال تعالى : { والأرض بعد ذلك دحاها } أي أزالها عن مقرها كقوله : { يوم ترجف الأرض والجبال } وهو من قولهم دحا المطر الحصى من وجه الأرض أي جرفها ، ومر الفرس يدحوا دحوا إذا جر يده على وجه الأرض فيدحو ترابها ، ومنه أدحي النعام وهو
____________________
(1/165)
أفعول من دحوت . ودحتة اسم رجل .
دخر : قال تعالى : { وهم داخرون } أي أذلاء ، يقال أدخرته فدخر أي أذللته فذل وعلى ذلك قوله : { إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } وقوله يدخر أصله يدتخر وليس من هذا الباب .
دخل : الدخول نقيض الخروج ويستعمل ذلك في المكان والزمان والأعمال ، يقال دخل مكان كذا ، قال تعالى : { ادخلوا هذه القرية } - { ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون } - { ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها } - { ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار } وقال { يدخل من يشاء في رحمته } { وقل رب أدخلني مدخل صدق } فمدخل من دخل ، يدخل ، ومدخل من أدخل { ليدخلنهم مدخلا يرضونه } وقوله { مدخلا كريما } قرئ بالوجهين وقال أبو علي الفسوي : من قرأ مدخلا بالفتح فكأنه إشارة إلى أنهم يقصدونه ولم يكونوا كمن ذكرهم في قوله : { الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم } وقوله : { إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل } ومن قرأ مدخلا فكقوله : { ليدخلنهم مدخلا يرضونه } وادخل اجتهد في دخوله قال تعالى : { لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا } والدخل كناية عن الفساد والعداوة المستبطنة كالدغل وعن الدعوة في النسب ، يقال دخل دخلا ، قال تعالى { تتخذون أيمانكم دخلا بينكم } فيقال دخل فلان فهو مدخول كناية عن بله في عقله وفساد في أصله ، ومنه قيل شجرة مدخولة . والدخال في الإبل أن يدخل إبل في أثناء ما لم تشرب لتشرب معها ثانيا . والدخل طائر سمي بذلك لدخوله فيما بين الأشجار الملتفة ، والدوخلة معروفة ، ودخل بامرأته كناية عن الإفضاء إليها ، قال تعالى : { من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } .
دخن : الدخان كالعثان المستصحب للهيب ، قال : { ثم استوى إلى السماء وهي دخان } ، أي هي مثل الدخان إشارة إلى أنه لا تماسك لها ، ودخنت النار تدخن كثر دخانها ، والدخنة منه لكن تعورف فيما يتبخر به من الطيب . ودخن الطبيخ أفسده الدخان . وتصور من الدخان اللون فقيل شاة دخناء وذات دخنة ، وليلة دخنانة ، وتصور منه التأذى به فقيل هو دخن الخلق ، وروي هدنة على دخن ، أي على فساد دخلة .
در : قال تعالى : { وأرسلنا السماء عليهم مدرارا } - { يرسل السماء عليكم مدرارا } واصله من الدر والدرة أي اللبن ، ويستعار ذلك للمطر استعارة أسماء البعير وأوصافه ، فقيل لله دره ، ودر درك . ومنه استعير قولهم للسوق درة أي نفاق ، وفي المثل سبقت درته
____________________
(1/166)
غراره نحو سبق سيله مطره . ومنه اشتق استدرت المعزى أي طلبت الفحل وذلك أنها إذا طلبت الفحل حملت وإذا حملت ولدت فإذا ولدت درت فكني عن طلبها الفحل بالاستدرار .
درج : الدرجة نحو المنزلة لكن يقال للمنزلة درجة إذا اعتبرت بالصعود دون الامتداد على البسيط كدرجة السطح والسلم ويعبر بها عن المنزلة الرفيعة قال تعالى : { وللرجال عليهن درجة } تنبيها لرفعة منزلة الرجال عليهن في العقل والسياسة ونحو ذلك من المشار إليه بقوله : { الرجال قوامون على النساء } الآية ، وقال { لهم درجات عند ربهم } وقال : { هم درجات عند الله } أي هم ذوو درجات عند الله ودرجات النجوم تشبيها بما تقدم . ويقال لقارعة الطريق مدرجة و يقال فلان يتدرج في كذا أي يتصعد فيه درجة درجة . ودرج الشيخ والصبي درجانا مشى مشية الصاعد في درجه . والدرج طي الكتاب والثوب ، ويقال للمطوي درج . واستعير الدرج للموت كما استعير الطي له في قولهم طوته المنية ، وقولهم من دب ودرج أي من كان حيا فمشى ومن مات فطوى أحواله ، وقوله : { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } قيل معناه سنطويهم طي الكتاب عبارة عن إغفالهم نحو : { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا } والدرج سفط يجعل فيه الشيء ، والدرجة خرقة تلف فتدخل في حياء الناقة ، وقيل سنستدرجهم معناه فأخذهم درجة فدرجة ، وذلك إدناؤهم من الشيء شيئا فشيئا كالمراقي والمنازل في ارتقائها ونزولها . والدراج طائر يدرج في مشيته .
درس : درس الدار معناه بقي أثرها وبقاء الأثر يقتضي انمحاءه في نفسه فلذلك فسر الدروس بالانمحاء ، وكذا درس الكتاب ودرست العلم تناولت أثره بالحفظ . ولما كان تناول ذلك بمداومة القراءة عبر عن إدامة القراءة بالدرس ، قال تعالى : { ودرسوا ما فيه } وقال ( بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون - وما آتيناهم من كتب يدرسونها ) وقوله تعالى { وليقولوا درست } وقرئ دارست أي جاريت أهل الكتاب ، وقيل ودرسوا ما فيه تركوا العمل به من قولهم درس القوم المكان أي أبلوا أثره ، ودرست المرأة كناية عن حاضت ، ودرس البعير صار فيه أثر جرب .
درك : الدرك كالدرج لكن الدرج يقال اعتبارا بالصعود والدرك اعتبارا بالحدور ، ولهذا قيل درجات الجنة ودركات النار ، ولتصور الحدور في النار سميت هاوية ، وقال تعالى : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } والدرك أقصى قعر البحر . ويقال للحبل الذي يوصل به حبل آخر ليدرك الماء
____________________
(1/167)
درك ولما يلحق الإنسان من تبعة درك كالدرك في البيع قال تعالى : { لا تخاف دركا ولا تخشى } أي تبعة . وأدرك بلغ أقصى الشيء ، وأدرك الصبي بلغ غاية الصبا وذلك حين البلوغ ، قال { حتى إذا أدركه الغرق } وقوله : { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } فمنهم من حمل ذلك على البصر الذي هو الجارحة ومنهم من حمله على البصيرة وذكر أنه قد نبه به على ما روي عن أبي بكر رضي الله عنه في قوله : يا من غاية معرفته القصور عن معرفته إذ كان غاية معرفته تعالى أن تعرف الأشياء فتعلم أنه ليس بشيء منها ولا بمثلها بل هو موجد كل ما أدركته . والتدارك في الإغاثة والنعمة أكثر نحو قوله تعالى { لولا أن تداركه نعمة من ربه } وقوله { حتى إذا اداركوا فيها جميعا } أي لحق كل بالآخر . وقال : { بل ادارك علمهم في الآخرة } أي تدارك فأدغمت التاء في الدال وتوصل إلى السكون بألف الوصل وعلى ذلك قوله تعالى : { حتى إذا اداركوا فيها } ونحوه { اثاقلتم إلى الأرض } { اطيرنا بك } وقرئ / < بل أدرك علمهم في الآخرة > / وقال الحسن : معناه جهلوا أمر الآخرة وحقيقته انتهى علمهم في لحوق الآخرة فجهلوها . وقيل معناه بل يدرك علمهم ذلك في الآخرة أي إذا حصلوا في الآخرة لأن ما يكون ظنونا في الدنيا ، فهو في الآخرة ، يقين .
درهم : قال تعالى : { وشروه بثمن بخس دراهم معدودة } الدرهم : الفضة المطبوعة المتعامل بها .
درى : الدراية المعرفة المدركة بضرب من الختل ، يقال دريته ودريت به درية نحو : فطنت ، وشعرت ، وادريت قال الشاعر :
( وماذا يدري الشعراء مني ** وقد جاوزت رأس الأربعين ) والدرية لما يتعلم عليه الطعن وللناقة التي ينصبها الصائد ليأنس بها الصيد فيستتر من ورائها فيرميه ، والمدرى لقرن الشاة لكونها دافعة به عن نفسها ، وعنه استعير المدرى لما يصلح به الشعر ، قال تعالى : { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } وقال : { وإن أدري لعله فتنة لكم } وقال { ما كنت تدري ما الكتاب } وكل موضع ذكر في القرآن . وما أدراك ، فقد عقب ببيانه نحو { وما أدراك ما هيه نار حامية } - { وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر } - { وما أدراك ما الحاقة } - { ثم ما أدراك ما يوم الدين } وقوله { قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به } من قولهم دريت ولو كان من درأت لقيل : ولا أدرأتكموه . وكل موضع ذكر فيه { وما يدريك } لم يعقبه
____________________
(1/168)
بذلك نحو : { وما يدريك لعله يزكى } - { وما يدريك لعل الساعة قريب } ، والدراية لا تستعمل في الله تعالى ، وقول الشاعر :
( لا هم لا أدري وأنت الداري ** )
فمن تعجرف أجلاف العرب .
درأ : الدرء الميل إلى أحد الجانبين ، يقال قومت درأه ودرأت عنه دفعت عن جانبه ، وفلان ذو تدرئ أي قوي على دفع أعدائه ، ودارأته دافعته . قال تعالى : { ويدرؤون بالحسنة السيئة } وقال : { ويدرأ عنها العذاب } وفي الحديث : ادرءوا الحدود بالشبهات تنبيها على تطلب حيلة يدفع بها الحد ، قال تعالى { قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت } ، وقوله : { فادارأتم فيها } هو تفاعلتم أصله تدارأتم فأريد منه الإدغام تخفيفا وابدل من التاء دال فسكن للإدغام فاجتلب لها ألف الوصل فحصل على افاعلتم . قال بعض الأدباء : ادارأتم افتعلتم وغلط من أوجه أولا أن ادارأتمعلى ثمانية أحرف وافتعلتم على سبعة أحرف . والثاني : أن الذي يلي ألف الوصل تاء فجعلها دالا . والثالث : أن الذي يلي الثاني دال فجعلها تاء . والرابع : أن الفعل الصحيح العين لا يكون ما بعد تاء الافتعال منه إلا متحركا وقد جعله ها هنا ساكنا . الخامس : أن ها هنا قد دخل بين التاء والدال زائد . وفي افتعلت لا يدخل ذلك . السادس : أنه أنزل الألف منزل العين ، وليست بعين . السابع : أن افتعل قبله حرفان ، وبعده حرفان ، وادارأتم بعده ثلاثة أحرف .
دس : الدس إدخال الشيء في الشيء بضرب من الإكراه يقال دسسته فدس وقد دس البعير بالهناء ، وقيل ليس الهناء بالدس ، قال الله تعالى : { أم يدسه في التراب } .
دسر : قال تعالى : { وحملناه على ذات ألواح ودسر } أي مسامير ، الواحد دسار ، وأصل الدسر الدفع الشديد بقهر ، يقال دسره بالرمح ورجل مدسر كقولك مطعن ، وروي ليس في العنبر زكاة ، إنما هو شيء دسره البحر .
دسى : قال تعالى : { وقد خاب من دساها } ، أي دسسها في المعاصي فأبدل من إحدى السينات ياء نحو : تظنيت ، وأصله تظننت .
دع : الدع الدفع الشديد وأصله أن يقال للعاثر دع دع كما يقال له لعا ، قال تعالى : { يوم يدعون إلى نار جهنم دعا } . وقوله : { فذلك الذي يدع اليتيم } قال الشاعر :
( دع الوصي على قفاء يتيمه ** )
دعا : الدعاء كالنداء إلا أن النداء قد يقال
____________________
(1/169)
بيا أو أيا ونحو ذلك من غير أن يضم إليه الاسم ، والدعاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الاسم نحو يا فلان ، وقد يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر قال تعالى : { كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء } ويستعمل استعمال التسمية نحو دعوت ابني زيدا أي سميته ، قال تعالى : { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } حثا على تعظيمه وذلك مخاطبة من كان يقول يا محمد . ودعوته إذا سألته وإذا استغثته ، قال تعالى { قالوا ادع لنا ربك } أي سله وقال : { قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون } تنبيها أنكم إذا أصابتكم شدة لم تفزعوا إلا إليه { وادعوه خوفا وطمعا } - { وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين } - { وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه } - { وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه } - { ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك } وقوله { لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا } هو أن يقول يا لهفاه ويا حسرتاه ونحو ذلك من ألفاظ التأسف ، والمعنى يحصل لكم غموم كثيرة . وقوله : { ادع لنا ربك } أي سله والدعاء إلى الشيء الحث على قصده { قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه } وقال : { والله يدعو إلى دار السلام } وقال { ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار تدعونني لأكفر بالله وأشرك به } وقوله { لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة } أي رفعة وتنويه . والدعوة مختصة بادعاء النسبة واصلها للحالة التي عليها الإنسان نحو القعدة والجلسة . وقولهم دع داعي اللبن أي غيرة تجلب منها اللبن . والادعاء أن يدعي شيئا أنه له ، وفي الحرب الاعتزاء ، قال تعالى : { ولكم فيها ما تدعون نزلا } ، أي ما تطلبون ، والدعوى الادعاء ، قال : { فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا } ، والدعوى الدعاء ، قال : { وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين } .
دفع : الدفع إذا عدي بإلى اقتضى معنى الإنالة نحو قوله تعالى : { فادفعوا إليهم أموالهم } وإذا عدى بعن اقتضى معنى الحماية نحو { إن الله يدافع عن الذين آمنوا } وقال : { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض } وقوله : { ليس له دافع من الله ذي المعارج } أي حام ، والمدفع الذي يدفعه كل أحد والدفعة من المطر والدفاع من السيل .
دفق : قال تعالى : { ماء دافق } سائل بسرعة . ومنه استعير جاءوا دفقة ، وبعير أدفق : سريع ، ومشى الدفقي أي يتصبب في عدوه كتصبب الماء المتدفق ، ومشوا دفقا .
دفئ : الدفء خلاف البرد ، قال تعالى : { لكم فيها دفء ومنافع } وهو لما يدفئ
____________________
(1/170)
ورجل دفآن ، وامرأة دفأى ، وبيت ، دفيء .
دك : الدك الأرض اللينة السهلة وقد دكه دكا ، قال تعالى : { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة } وقال { دكت الأرض دكا } أي جعلت بمنزلة الأرض اللينة . وقال الله تعالى : { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا } ومنه الدكان . والدكداك رمل لينة وأرض دكاء مسواة والجمع الدك ، وناقة دكاء لا سنام لها تشبيها بالأرض الدكاء .
دل : الدلالة ما يتوصل به إلى معرفة الشيء كدلالة الألفاظ على المعنى ودلالة الإشارات والرموز والكتابة والعقود في الحساب ، وسواء كان ذلك بقصد ممن يجعله دلالة أو لم يكن بقصد كمن يرى حركة إنسان فيعلم أنه حي ، قال تعالى : { ما دلهم على موته إلا دابة الأرض } أصل الدلالة مصدر كالكناية والأمارة ، والدال من حصل منه ذلك ، والدليل في المبالغة كعالم ، وعليم ، وقادر ، وقدير ، ثم يسمى الدال والدليل دلالة كتسمية الشيء بمصدره .
دلو : دلوت الدلو إذا أرسلتها ، وأدليتها أي أخرجتها ، وقيل يكون بمعنى أرسلتها ، قاله أبو منصور في الشامل . قال تعالى : { فأدلى دلوه } ، واستعير للتوصل إلى الشيء ، قال الشاعر :
( وليس الرزق عن طلب حثيث ** ولكن ألق دلوك في الدلاء )
وبهذا النحو : سمي الوسيلة المائح قال الشاعر :
( ولي مائح لم يورد الناس قبله ** معل وأشطان الطوي كثير )
قال تعالى : { وتدلوا بها إلى الحكام } ، والتدلى الدنو والاسترسال ، قال تعالى : { ثم دنا فتدلى } .
دلك : دلوك الشمس ميلها للغروب . قال تعالى : { أقم الصلاة لدلوك الشمس } هو من قولهم دلكت الشمس دفعتها بالراح ومنه دلكت الشيء في الراحة . ودالكت الرجل إذا ماطلته . والدلوك ما دلكته من طيب ، والدليك طعام يتخذ من الزبد والتمر .
دمدم : { فدمدم عليهم ربهم } ، أي أهلكهم وأزعجهم ، وقيل الدمدمة حكاية صوت الهرة ومنه دمدم فلان في كلامه ، ودممت الثوب طليته بصبغ ما ، والدمام يطلى به ، وبعير مدموم بالشحم ، والداماء ، والدممة جحر اليربوع . والداماء بالتخفيف ، والديمومة المفازة .
دم : اصل الدم دمي وهو معروف ، قال الله تعالى : { حرمت عليكم الميتة والدم }
____________________
(1/171)
وجمعه دماء . وقال { لا تسفكون دماءكم } وقد دميت الجراحة ، وفرس مدمي شديد الشقرة كالدم في اللون ، والدمية صورة حسنة ، وشجة دامية .
دمر : قال { فدمرناهم تدميرا } وقال { ثم دمرنا الآخرين } - { ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون } ، والتدمير إدخال الهلاك على الشيء ، ويقال ما بالدار تدمري ، وقوله تعالى : { دمر الله عليهم } فإن مفعول دمر محذوف .
دمع : قال تعالى : { تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا } . فالدمع يكون اسما للسائل من العين ومصدر دمعت العين دمعا ودمعانا .
دمغ : قال تعالى : { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه } أي يكسر دماغه ، وحجة دامغة كذلك . ويقال للطلعة تخرج من أصل النخلة فتفسده إذا لم تقطع : دامغة ، وللحديدة التي تشد على آخر الرحل دامغة ، وكل ذلك استعارة من الدمغ الذي هو كسر الدماغ .
دنر : قال تعالى : { من إن تأمنه بدينار } أصله دنار فأبدل من إحدى النونين ياء ، وقيل أصله بالفارسية دين آر ، أي الشريعة جاءت به .
دنا : الدنو القرب بالذات أو بالحكم ، ويستعمل في المكان والزمان والمنزلة . قال تعالى : { ومن النخل من طلعها قنوان دانية } وقال تعالى : { ثم دنا فتدلى } هذا بالحكم . ويعبر بالأدنى تارة عن الأصغر فيقابل بالأكبر نحو : { ولا أدنى من ذلك ولا أكثر } وتارة عن الأرذل فيقابل بالخير نحو { أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير } وعن الأول فيقابل بالآخر نحو { خسر الدنيا والآخرة } وقوله { وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين } وتارة عن الأقرب فيقابل بالأقصى نحو : { إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى } وجمع الدنيا الدنى نحو الكبرى ، والكبر ، والصغرى والصغر . وقوله تعالى : { ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة } أي أقرب لنفوسهم أن تتحرى العدالة في إقامة الشهادة وعلى ذلك قوله تعالى : { ذلك أدنى أن تقر أعينهن } وقوله تعالى : { لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة } متناول للأحوال التي في النشأة الأولى وما يكون في النشأة الآخرة ، ويقال دانيت بين الأمرين وأدنيت أحدهما من الآخر . قال تعالى : { يدنين عليهن من جلابيبهن } ، وأدنت الفرس دنا نتاجها . وخص الدنيء بالحقير القدر ويقابل به السييء ، يقال دنيء بين الدناءة . وما روي إذا أكلتم فدنوا من الدون أي كلوا مما يليكم .
____________________
(1/172)
دهر : الدهر في الأصل اسم لمدة العالم من مبدإ وجوده إلى انقضائه ، وعلى ذلك قوله تعالى : { هل أتى على الإنسان حين من الدهر } ثم يعبر به عن كل مدة كثيرة وهو خلاف الزمان فإن الزمان يقع على المدة القليلة والكثيرة ، ودهر فلان مدة حياته واستعير للعادة الباقية مدة الحياة فقيل ما دهري بكذا ، ويقال دهر فلانا نائبة دهرا أي نزلت به ، حكاه الخليل ، فالدهر ها هنا مصدر ، وقيل دهدره دهدرة ، ودهر داهر ودهير . وقوله عليه الصلاة والسلام : لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر قد قيل معناه إن الله فاعل ما يضاف إلى الدهر من الخير والشر والمسرة والمساءة ، فإذا سببتم الذي تعتقدون أنه فاعل ذلك فقد سببتموه تعالى عن ذلك . وقال بعضهم : الدهر الثاني في الخبر غير الدهر الأول وإنما هو مصدر بمعنى الفاعل ، ومعناه أن الله هو الداهر أي المصرف المدبر المفيض لما يحدث ، والأول أظهر . وقوله تعالى إخبارا عن مشركي العرب : { ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر } قيل عني به الزمان .
دهق : قال تعالى : { وكأسا دهاقا } أي مفعمة ، ويقال أدهقت الكأس فدهق ودهق لي من المال دهقة كقولك قبض قبضة .
دهم : الدهمة سواد الليل ، ويعبر بها عن سواد الفرس ، وقد يعبر بها عن الخضرة الكاملة اللون كما يعبر عن الدهمة بالخضرة إذا لم تكن كاملة اللون وذلك لتقارنهما باللون . قال الله تعالى : { مدهامتان } وبناؤهما من الفعل مفعال ، يقال ادهام ادهيماما ، قال الشاعر في وصف الليل :
( في ظل أخضر يدعو هامه البوم ** )
دهن : قال تعالى : { تنبت بالدهن } ، وجمع الدهن أدهان . وقوله تعالى : { فكانت وردة كالدهان } قيل هو دردي الزيت ، والمدهن ما يجعل فيه الدهن وهو أحد ما جاء على مفعل من الآلة ، وقيل للمكان الذي يستقر فيه ماء قليل مدهن تشبيها بذلك ، ومن لفظ الدهن استعير الدهين للناقة القليلة اللبن وهي فعيل في معنى فاعل أي تعطي بقدر ما تدهن به . وقيل بمعنى مفعول كأنه مدهون باللبن أي كأنها دهنت باللبن لقلته والثاني أقرب من حيث لم يدخل فيه الهاء ، ودهن المطر الأرض بلها بللا يسيرا كالدهن الذي يدهن به الرأس ، ودهنه بالعصا كناية عن الضرب على سبيل التهكم كقولهم مسحته بالسيف وحييته بالرمح . والإدهان في الأصل مثل التدهين لكن جعل عبارة عن المداراة والملاينة ، وترك الجد ، كما جعل التقريد وهو نزع القراد
____________________
(1/173)
عن البعير عبارة عن ذلك قال { أفبهذا الحديث أنتم مدهنون } قال الشاعر :
( الحزم والقوة خير من الإدهان ** والقلة والهاع )
وداهنت فلانا مداهنة قال : { ودوا لو تدهن فيدهنون } .
دأب : الدأب إدامة السير ، دأب في السير دأبا . قال تعالى : { وسخر لكم الشمس والقمر دائبين } ، والدأب العادة المستمرة دائما على حالة ، قال تعالى : { كدأب آل فرعون } ، أي كعادتهم التي يستمرون عليها .
داود : داود اسم أعجمي .
دار : الدار المنزل اعتبارا بدورانها الذي لها بالحائط ، وقيل دارة وجمعها ديار ، ثم تسمى البلدة دارا والصقع دارا والدنيا كما هي دارا ، والدار الدنيا ، والدار الآخرة ، إشارة إلى المقرين في النشأة الأولى والنشأة الأخرى . وقيل دار الدنيا ودار الآخرة ، قال تعالى : { لهم دار السلام عند ربهم } أي الجنة ، ودار البوار . أي الجحيم . قال تعالى : { قل إن كانت لكم الدار الآخرة } وقال { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم } - { وقد أخرجنا من ديارنا } وقال { سأريكم دار الفاسقين } أي الجحيم ، وقولهم ما بها ديار أي ساكن وهو فيعال ، ولو كان فعالا لقيل دوار كقولهم قوال وجواز . والدائرة عبارة عن الخط المحيط ، يقال دار يدور دورانا ، تم عبر بها عن المحادثة . والدواري الدهر الدائر بالإنسان من حيث إنه يدور بالإنسان ولذلك قال الشاعر :
( والدهر بالإنسان دواري ** ) والدورة والدائرة في المكروه كما يقال دولة في المحبوب ، وقوله تعالى : { نخشى أن تصيبنا دائرة } والدوار صنم كانوا يطوفون حوله . والداري المنسوب إلى الدار وخصص بالعطار تخصيص الهالكي بالقين ، قال صلى الله عليه وسلم مثل الجليس الصالح كمثل الداري ويقال للازم الدار داري . وقوله تعالى : { ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء } أي يحيط بهم السوء إحاطة الدائرة بمن فيها فلا سبيل لهم إلى الانفكاك منه بوجه . وقوله تعالى : { إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم } أي تتداولونها وتتعاطونها من غير تأجيل .
دول : الدولة والدولة واحدة ، وقيل الدولة في المال والدولة في الحرب والجاه . وقيل الدولة اسم الشيء الذي يتداول بعينه ، والدولة المصدر . قال تعالى : { كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم } وتداول القوم كذا أي تناولوه من حيث الدولة ، وداول الله كذا بينهم . قال تعالى : { وتلك الأيام نداولها بين الناس }
____________________
(1/174)
) ، والدؤلول الداهية والجمع الدآليل والدؤلات .
دوم : أصل الدوام السكون ، يقال دام الماء أي سكن ، ونهي أن يبول الإنسان في الماء الدائم . وأدمت القدر ودومتها سكنت غليانها بالماء ، ومنه دام الشيء إذا امتد عليه الزمان ، قال تعالى : { وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم } - { إلا ما دمت عليه قائما } - { لن ندخلها أبدا ما داموا فيها } ويقال دمت تدام ، وقيل دمت تدوم ، نحو : مت تموت ودومت الشمس في كبد السماء ، قال الشاعر :
( والشمس حيرى لها في الجو تدويم ** )
ودوم الطير في الهواء حلق ، واستدمت الأمر تأنيت فيه ، وللظل الدوم الدائم ، والديمة مطر تدوم أياما .
دين : يقال دنت الرجل أخذت منه دينا وأدنته جعلته دائنا وذلك بأن تعطيه دينا . قال أبو عبيدة : دنته أقرضته ، ورجل مدين ، ومديون ، ودنته استقرضت منه قال الشاعر :
( ندين ويقضي الله عنا وقد نرى ** مصارع قوم لا يدينون ضيعا )
وأدنت مثل دنت ، وأدنت أي أقرضت ، والتداين والمداينة دفع الدين ، قال تعالى : { إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى } وقال : { من بعد وصية يوصي بها أو دين } والدين يقال للطاعة والجزاء واستعير للشريعة ، والدين كالملة لكنه يقال اعتبارا بالطاعة والانقياد للشريعة ، قال : { إن الدين عند الله الإسلام } وقال : { ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن } أي طاعة { وأخلصوا دينهم لله } وقوله تعالى : { يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم } وذلك حث على اتباع دين النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أوسط الأديان كما قال : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } وقوله : { لا إكراه في الدين } قيل يعني الطاعة فإن ذلك لا يكون في الحقيقة إلا بالإخلاص والإخلاص لا يتأتى فيه الإكراه ، وقيل إن ذلك مختص بأهل الكتاب الباذلين للجزية . وقوله : { أفغير دين الله يبغون } يعني الإسلام لقوله : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } وعلى هذا قوله تعالى : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق } وقوله : { ولا يدينون دين الحق } وقوله : { ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن } - { فلولا إن كنتم غير مدينين } أي غير مجزيين . والمدين والمدينة العبد والأمة ، قال أبو زيد : هو من قولهم دين فلان يدان إذا حمل على مكروه ، وقيل هو من دنته إذا جازيته بطاعته ، وجعل بعضهم المدينة من هذا الباب .
دون : يقال للقاصر عن الشيء دون ، قال بعضهم : هو مقلوب من الدنو ، والأدون الدنيء
____________________
(1/175)
وقوله تعالى : { لا تتخذوا بطانة من دونكم } أي ممن لم يبلغ منزلته منزلتكم في الديانة ، وقيل في القرابة . وقوله : { ويغفر ما دون ذلك } أي ما كان أقل من ذلك وقيل ما سوى ذلك والمعنيان يتلازمان . وقوله تعالى : { أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } أي غير الله ، وقيل معناه إلهين متوصلا بهما إلى الله . وقوله : { ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع } - { وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير } أي ليس لهم من يواليهم من دون أمر الله . وقوله : { قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا } مثله . وقد يقرا بلفظ دون فيقال دونك كذا أي تناوله ، قال القتيبي يقال : دان يدون دونا : ضعف .
____________________
(1/176)
= كتاب الذال =
ذب : الذباب يقع على المعروف من الحشرات الطائرة وعلى النحل والزنابير ونحوهما . قال الشاعر :
( فهذا أوان العرض حي ذبابه ** زنابيره والأزرق المتلمس )
وقوله تعالى : { وإن يسلبهم الذباب شيئا } فهو المعروف ، وذباب العين إنسانها سمي به لتصوره بهيئته أو لطيران شعاعه طيران الذباب . وذباب السيف تشبيها به في إيذائه ، وفلان ذباب إذا كثر التأذي به . وذببت عن فلان طردت عنه الذباب ، والمذبة ما يطرد به ثم استعير الذب لمجرد الدفع فقيل ذببت عن فلآن ، وذب البعير إذا دخل ذباب في أنفه . وجعل بناؤه بناء الأدواء نحو ذكم . وبعير مذبوب وذب جسمه هزل فصار كذباب ، أو كذباب السيف ، والذبذبة حكاية صوت الحركة للشيء المعلق ، ثم استعير لكل اضطراب وحركة قال تعالى : { مذبذبين بين ذلك } أي مضطربين مائلين تارة إلى المؤمنين وتارة إلى الكافرين ، قال الشاعر :
( ترى كل ملك دونها يتذبذب ** )
وذببنا إبلنا سقناها سوقا شديدا بتذبذب ، قال الشاعر :
( يذبب ورد على إثره ** )
ذبح اصل الذبح شق حلق الحيوانات والذبح المذبوح ، قال تعالى : { وفديناه بذبح عظيم } وقال { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } وذبحت الفارة شققتها تشبيها بذبح الحيوان ، وكذلك ذبح الدن ، وقوله : { يذبحون أبناءكم } على التكثير أي يذبح بعضهم أثر بعض . وسعد الذابح اسم نجم ، وتسمى الأخاديد من السيل مذابح .
ذخر : اصل الادخار اذتخار ، يقال ذخرته ، وادخرته إذا أعددته للعقبى . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدخر شيئا لغد . والمذاخر : الجوف والعروق المدخرة للطعام ، قال الشاعر :
( فلما سقيناها العكيس تملأت ** مذاخرها وامتد رشحا وريدها )
والإذخر حشيشة طيبة الريح .
ذر : الذرية ، قال تعالى : { ومن ذريتي }
____________________
(1/177)
وقال : { ومن ذريتنا أمة مسلمة لك } وقال : { إن الله لا يظلم مثقال ذرة } وقد قيل : أصله الهمز ، وقد تذكر بعد في بابه .
ذرع : الذراع العضو المعروف ويعبر به عن المذروع : أي الممسوح بالذراع . قال تعالى : { في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه } يقال ذراع من الثوب والأرض وذراع الأسد نجم تشبيها بذراع الحيوان ، وذراع العامل صدر القناة ، ويقال هذا على حبل ذراعك كقولك هو في كفك ، وضاق بكذا ذرعي نحو ضاقتء به يدي ، وذرعته ضربت ذراعه ، وذرعت مددت الذراع ، ومنه ذرع البعير في سيره أي مد ذراعه وفرس ذريع وذروع واسع الخطو ، ومذرع : أبيض الذراع ، وزق ذراع قيل هو العظيم وقيل هو الصغير ، فعلى الأول هو الذي بقي ذراعه وعلى الثاني هو الذي فصل ذراعه عنه . وذرعه القئ : سبقه . وقولهم ذرع الفرس وتذرعت المرأة الخوص وتذرع في كلامه تشبيها بذلك ، كقولهم سفسف في كلامه وأصله من سفيف الخوص .
ذرأ : الذرء إظهار الله تعالى ما أبداه ، يقال ذرأ الله الخلق أي أوجد أشخاصهم . قال تعالى : { ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس } وقال { وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا } وقال { ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه } وقرئ / < تذرؤه الرياح > / والذرأة بياض الشيب والملح . فيقال ملح ذرآني ، ورجل أذرا ، وامرأة ذرآء ، وقد ذرئ شعره .
ذرو : ذروة السنام وذراه أعلاه ، ومنه قيل أنا في ذراك أي في أعلى مكان من جنابك . والمذروان طرفا الأليتين ، وذرته الريح تذروه وتذريه . قال تعالى : { والذاريات ذروا } وقال { تذروه الرياح } والذرية أصلها الصغار من الأولاد وإن كان قد يقع على الصغار والكبار معا في التعارف ويستعمل للواحد والجمع وأصله الجمع ، قال تعالى : { ذرية بعضها من بعض } وقال { ذرية من حملنا مع نوح } وقال { وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون } وقال { إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي } وفي الذرية ثلاثة أقوال : قيل هو من ذرأ الله الخلق فترك همزه نحو روية وبرية . وقيل اصله ذروية . وقيل هو فعلية من الذر نحو قمرية . وقال أبو القاسم البلخي : قوله تعالى : { ولقد ذرأنا لجهنم } من قولهم : ذريت الحنطة ولم يعتبر أن الأول مهموز .
ذعن : مذعنين أي منقادين ، يقال ناقة مذعان أي منقادة .
____________________
(1/178)
ذقن : قوله تعالى : { ويخرون للأذقان يبكون } الواحد ذقن وقد ذقنته ضربت ذقنه ، وناقة ذقون تستعين بذقنها في سيرها ، ودلو ذقون ضخمة مائلة تشبيها بذلك .
ذكر : الذكر تارة يقال ويراد به هيئة للنفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة وهو كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتبارا بإحرازه ، والذكر يقال اعتبارا باستحضاره ، وتارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول ، ولذلك قيل الذكر ذكران : ذكر بالقلب وذكر باللسان ، وكل واحد منهما ضربان ، ذكر عن نسيان وذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ . وكل قول يقال له ذكر ، فمن الذكر باللسان قوله تعالى : { لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم } وقوله تعالى : { وهذا ذكر مبارك أنزلناه } وقوله { هذا ذكر من معي وذكر من قبلي } وقوله { أأنزل عليه الذكر من بيننا } أي القرآن ، وقوله تعالى { ص والقرآن ذي الذكر } وقوله { وإنه لذكر لك ولقومك } أي شرف لك ولقومك ، وقوله { فاسألوا أهل الذكر } أي الكتب المتقدمة . وقوله { قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا } فقد قيل الذكر ها هنا وصف للنبي صلى الله عليه وسلم كما أن الكلمة وصف لعيسى عليه السلام من حيث إنه بشر به في الكتب المتقدمة ، فيكون قوله رسولا بدلا منه . وقيل رسولا منتصب بقوله ذكرا كأنه قال قد أنزلنا إليكم كتابا ذكرا رسولا يتلو نحو قوله { أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما } فيتيما نصب بقوله إطعام . ومن الذكر عن النسيان قوله { فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره } ومن الذكر بالقلب واللسان معا قوله تعالى : { فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } وقوله { فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم } وقوله { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر } أي من بعد الكتاب المتقدم . وقوله { هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا } أي لم يكن شيئا موجودا بذاته وإن كان موجودا في علم الله تعالى . وقوله : { أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل } أي أولا يذكر الجاحد للبعث أول خلقه فيستدل بذلك على إعادته ، وكذلك قوله تعالى : { قل يحييها الذي أنشأها أول مرة } وقوله : { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده } وقوله { ولذكر الله أكبر } أي ذكر الله لعبده أكبر من ذكر العبد له ، وذلك حث على الإكثار من ذكره . والذكرى كثرة الذكر وهو أبلغ من الذكر ، قال تعالى : { رحمة منا وذكرى لأولي الألباب } - { وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين }
____________________
(1/179)
) في آي كثيرة والتذكرة ما يتذكر به الشيء وهو أعم من الدلالة والأمارة ، قال تعالى : { فما لهم عن التذكرة معرضين } - { كلا إنها تذكرة } أي القرآن . وذكرته كذا قال تعالى { وذكرهم بأيام الله } وقوله { فتذكر إحداهما الأخرى } قيل معناه تعيد ذكره ، وقد قيل تجعلها ذكرا في الحكم . قال بعض العلماء في الفرق بين قوله { فاذكروني أذكركم } وبين قوله { اذكروا نعمتي } أن قوله اذكروني مخاطبة لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين حصل لهم فضل قوة بمعرفته تعالى فأمرهم بأن يذكروه بغير واسطة ، وقوله تعالى { اذكروا نعمتي } مخاطبة لبني إسرائيل الذين لم يعرفوا الله إلا بآلائه فأمرهم أن يتبصروا نعمته فيتوصلوا بها إلى معرفته والذكر ضد الأنثى ، قال تعالى : { وليس الذكر كالأنثى } وقال : { آلذكرين حرم أم الأنثيين } وجمعه ذكور وذكران ، قال تعالى { ذكرانا وإناثا } وجعل الذكر كناية عن العضو المخصوص . والمذكر المرأة التي ولدت ذكرا ، والمذكار التي عادتها أن تذكر ، وناقد مذكرة تشبه الذكر في عظم خلقها ، وسيف ذو ذكر ، ومذكر صارم تشبيها بالذكر ، وذكور البل ، ما غلظ منه .
ذكا : ذكت النار تذكو اتقدت وأضاءت ، وذكيتها تذكية . وذكاء اسم للشمس وابن ذكاء للصبح ، وذلك أنه تارة يتصور الصبح ابنا للشمس وتارة حاجبا لها فقيل حاجب الشمس . وعبر عن سرعة الإدراك وحدة الفهم بالذكاء كقولهم فلان هو شعلة نار . وذكيت الشاة ذبحتها . وحقيقة التذكية إخراج الحرارة الغريزية لكن خص في الشرع بإبطال الحياة على وجه دون وجه ، ويدل على هذا الاشتقاق قولهم في الميت خامد وهامد وفي النار الهامدة ميتة . وذكى الرجل إذا أسن وحظي بالذكاء لكثرة رياضته وتجاربه ، وبحسب هذا الاشتقاق لا يسمى الشيخ مذكيا إلا إذا كان ذا تجارب ورياضات . ولما كانت التجارب والرياضات قلما توجد إلا في الشيوخ لطول عمرهم استعمل الذكاء فيهم ، واستعمل في العتاق ، من الخيل المسان وعلى هذا قولهم : جري المذكيات غلاب .
ذل : الذل ما كان عن قهر ، يقال ذل يذل ذلا ، والذل ما كان بعد تصعب ، وشماس من غير قهر ، يقال ذل يذل ذلا . وقوله تعالى : { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } أي كن كالمقهور لهما ، وقرئ { جناح الذل } أي لن وانقد لهما ، يقال الذل والقل ، والذلة والقلة قال تعالى : { ترهقهم ذلة }
____________________
(1/180)
وقال { وضربت عليهم الذلة والمسكنة } وقال { سينالهم غضب من ربهم وذلة } وذلت الدابة بعد شماس ذلا وهي ذلول أي ليست بصعبة ، قال تعالى : { لا ذلول تثير الأرض } والذل متى كان من جهة الإنسان نفسه لنفسه فمحمود نحو قوله تعالى : { أذلة على المؤمنين } وقال { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة } وقال { فاسلكي سبل ربك ذللا } أي منقادة غير متصعبة ، قال تعالى : { وذللت قطوفها تذليلا } أي : سهلت ، وقيل الأمور تجري على إذلالها ، أي : مسالكها وطرقها .
ذم : يقال ذممته أذمه ذما فهو مذموم وذميم ، قال تعالى : { مذموما مدحورا } وقيل ذمته أذمه على قلب إحدى الميمين تاء . والذمام ما يذم الرجل على إضاعته من عهد ، وكذلك الذمة والمذمة . وقيل : لي مذمة فلا تهتكها ، وأذهب مذمتهم بشيء . أي : أعطهم شيئا لما لهم من الذمام . وأذم بكذا أضاع ذمامه ورجل مذم لا حراك به وبئر ذمة قليلة الماء ، قال الشاعر :
( وترى الذميم على مراسهم ** يوم الهياج كمازن النمل )
الذميم : شبه بثور صغار .
ذنب : ذنب الدابة وغيرها معروف ويعبر به عن المتأخر والرذل ، يقال هم أذناب القوم وعنه استعير مذانب التلاع لمسايل مياهها والمذنب ما أرطب من قبل ذنبه والذنوب الفرس الطويل الذنب والدلو التي لها ذنب ، واستعير للنصيب كما استعير له السجل . قال تعالى : { فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم } والذنب في الأصل الأخذ بذنب الشيء ، يقال ذنبته أصبت ذنبه ، ويستعمل في كل فعل يستوخم عقباه اعتبارا بذنب الشيء ولهذا يسمى الذنب تبعة اعتبارا لما يحصل من عاقبته ، وجمع الذنب ذنوب ، قال تعالى : { فأخذهم الله بذنوبهم } وقال { فكلا أخذنا بذنبه } وقال { ومن يغفر الذنوب إلا الله } إلى غير ذلك من الآي .
ذهب : الذهب معروف وربما قيل ذهبة ورجل ذهب : رأى معدن الذهب فدهش ، وشيء مذهب جعل عليه الذهب ، وكميت مذهب علت حمرته صفرة كأن عليها ذهبا ، والذهاب المضي يقال ذهب الشيء وأذهبه ويستعمل ذلك في الأعيان والمعاني ، قال الله تعالى : { وقال إني ذاهب إلى ربي } - { فلما ذهب عن إبراهيم الروع } - { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } كناية عن الموت وقال { إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد } وقال { وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن } وقال { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } وقوله تعالى { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن }
____________________
(1/181)
أي لتفوزوا بشيء من المهر أو غير ذلك مما أعطيتموهن وقوله { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم } وقال { ذهب الله بنورهم } - { ولو شاء الله لذهب بسمعهم } - { ليقولن ذهب السيئات عني } .
ذهل : قال تعالى : { يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت } الذهول شغل يورث حزنا ونسيانا ، يقال ذهل عن كذا وأذهله كذا .
ذوق : الذرق وجود الطعم بالفم وأصله فيما يقل تناوله دون ما يكثر ، فإن ما يكثر منه يقال له الأكل واختير في القرآن لفظ الذوق في العذاب لأن ذلك وإن كان في التعارف للقليل فهو مستصلح للكثير . فخصه بالذكر ليعم الأمرين وكثر استعماله في العذاب نحو { ليذوقوا العذاب } - { وقيل لهم ذوقوا عذاب النار } - { فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون } - { ذق إنك أنت العزيز الكريم } - { إنكم لذائقوا العذاب الأليم } - { ذلكم فذوقوه } - { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر } وقد جاء في الرحمة نحو { ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة } - { ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته } ويعبر به عن الاختبار فيقال أذقته كذا فذاق ، ويقال فلان ذاق كذا وأنا أكلته أي خبرته فوق ما خبر ، وقوله : { فأذاقها الله لباس الجوع والخوف } فاستعمال الذوق مع اللباس من أجل أنه أريد به التجربة والاختبار ، أي فجعلها بحيث تمارس الجوع والخوف ، وقيل إن ذلك على تقدير كلامين كأنه قيل أذاقها طعم الجوع والخوف وألبسها لباسهما . وقوله { إذا أذقنا الإنسان منا رحمة } فإنه استعمل في الرحمة الإذاقة وفي مقابلتها الإصابة فقال { وإن تصبهم سيئة } تنبيها على أن الإنسان بأدنى ما يعطى من النعمة يأشر ويبطر إشارة إلى قوله { كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى } .
ذو : ذو على وجهين أحدهما يتوصل به إلى الوصف بأسماء الأجناس والأنواع ويضاف إلى الظاهر دون المضمر ويثنى ويجمع ، ويقال في المؤنث ذات وفي التثنية ذواتا وفي الجمع ذوات ، ولا يستعمل شيء منها إلا مضافا ، قال { ولكن الله ذو فضل } وقال { ذو مرة فاستوى } - { وذي القربى } - { ويؤت كل ذي فضل فضله } - { ذوي القربى واليتامى } - { إنه عليم بذات الصدور } - { ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال } - { وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم } وقال { ذواتا أفنان } وقد استعار أصحاب المعاني الذات فجعلوها عبارة عن عين الشيء جوهرا كان أو عرضا واستعملوها مفردة ومضافة إلى المضمر بالألف واللام وأجروها مجرى النفس والخاصة فقالوا ذاته ونفسه وخاصته ، وليس ذلك من كلام العرب .
____________________
(1/182)
والثاني : في لفظ ذو لغة لطييء يستعملونه استعمال الذي ، ويجعل في الرفع ، والنصب والجر ، والجمع ، والتأنيث على لفظ واحد نحو :
( وبئري ذو حفرت وذو طويت ** )
أي التي حفرت والتي طويت ، وأما ذا في هذا فإشارة إلى شيء محسوس أو معقول ، ويقال في المؤنث ذه وذي وتا فيقال هذه وهذي ، وهاتا ولا تثنى منهن إلا هاتا فيقال هاتان . قال تعالى : { أرأيتك هذا الذي كرمت علي } { هذا ما توعدون } - { هذا الذي كنتم به تستعجلون } - { إن هذان لساحران } إلى غير ذلك { هذه النار التي كنتم بها تكذبون } - { هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون } ويقال بإزاء هذا في المستبعد بالشخص أو بالمنزلة ذاك وذلك ، قال تعالى : { الم ذلك الكتاب } - { ذلك من آيات الله } - { ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى } إلى غير ذلك . وقولهم ماذا يستعمل على وجهين : أحدهما : أن يكون ما مع ذا بمنزلة اسم واحد ، والآخر أن يكون ذا بمنزلة الذي ، فالأول نحو قولهم : عما ذا تسأل فلم تحذف الألف منه لما لم يكن ما بنفسه للاستفهام بل كان مع ذا اسما واحدا وعلى هذا قول الشاعر :
( دعي ماذا علمت سأتقيه ** )
أي دعي شيئا علمته . وقوله تعالى : { ويسألونك ماذا ينفقون } فإن منء قرأ { قل العفو } بالنصب فإنه جعل الاسمين بمنزلة اسم واحد كأنه قال أي شيء ينفقون ومن قرأ { قل العفو } بالرفع فإن ذا بمنزلة الذي وما للاستفهام أي ما الذي ينفقون وعلى هذا قوله تعالى : { ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين } وأساطير بالرفع والنصب .
ذيب : الذيب الحيوان المعروف وأصله الهمز ، قال تعالى : { فأكله الذئب } وأرض مذأبة كثيرة الذئاب وذئب فلان وقع في غنمه الذئب وذئب صار كذئب في خبثه ، وتذاءبت الريح أتت من كل جانب مجيء الذئب وتذاءبت للناقة على تفاعلت إذا تشبهت لها بالذئب في الهيئة لتظأر على ولدها ، والذئبة من القتب ما تحت ملتقى الحنوين تشبيها بالذئب في الهيئة .
ذود : ذدته عن كذا أذوده . قال تعالى : { ووجد من دونهم امرأتين تذودان } أي تطردان ، ذودا ، والذود من الإبل العشرة .
ذأم : قال تعالى : { اخرج منها مذؤوما } أي مذموما يقال : ذمته أذيمه ذيما ، وذممته أذمه ذما ، وذأمته ذأما .
____________________
(1/183)
= كتاب الراء =
رب : الرب في الأصل التربية وهو إنشاء الشيء حالا فحالا إلى حد التمام ، يقال ربه ورباه ورببه . وقيل لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن فالرب مصدر مستعار للفاعل ولا يقال الرب مطلقا إلا لله تعالى المتكفل بمصلحة الموجودات نحو قوله : { بلدة طيبة ورب غفور } . وعلى هذا قوله تعالى : { ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا } أي آلهة وتزعمون أنهم الباري مسبب الأسباب ، والمتولى لمصالح العباد وبالإضافة يقال له ولغيره نحو قوله { رب العالمين } - و - { ربكم ورب آبائكم الأولين } ويقال رب الدار ورب الفرس لصاحبهما وعلى ذلك قول الله تعالى : { اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه } وقوله تعالى : { ارجع إلى ربك } وقوله : { قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي } قيل عنى به الله تعالى : وقيل عنى به الملك الذي رباه والأول أليق بقوله . والرباني قيل منسوب إلى الربان ، ولفظ فعلان من فعل يبنى نحو عطشان وسكران وقلما يبنى من فعل وقد جاء نعسان . وقيل هو منسوب إلى الرب الذي هو المصدر وهو الذي يرب العلم كالحكيم ، وقيل منسوب إليه ومعناه يرب نفسه بالعلم وكلاهما في التحقيق متلازمان لأن من رب نفسه بالعلم فقد رب العلم ، ومن رب العلم فقد رب نفسه به . وقيل هو منسوب إلى الرب أي الله تعالى فالرباني كقولهم إلهي وزيادة النون فيه كزيادته في قولهم : لحياني وجسماني . قال علي رضي الله عنه : أنا رباني هذه الأمة والجمع ربانيون . قال تعالى : { لولا ينهاهم الربانيون والأحبار } - { كونوا ربانيين } ، وقيل رباني لفظ في الأصل سرياني وأخلق بذلك فقلما يوجد في كلامهم ، وقوله تعالى : { ربيون كثير } فالربي كالرباني . والربوبية مصدر يقال في الله عز وجل والرباية تقال في غيره وجمع الرب أرباب قال تعالى : { أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار } ولم يكن من حق الرب أن يجمع إذ كان إطلاقه لا يتناول إلا الله تعالى لكن أتى بلفظ الجمع
____________________
(1/184)
فيه على حسب اعتقاداتهم لا على ما عليه ذات الشيء في نفسه ، والرب لا يقال في التعارف إلا في الله ، وجمعه أربة ، وربوب ، قال الشاعر :
( كانت أربتهم حفرا وغرهم ** عقد الجوار وكانوا معشرا غدرا )
وقال آخر :
( وكنت امرا أفضت إليك ربابتي ** وقبلك ربني فضعت ربوب )
ويقال للعقد في موالاة الغير الربابة ولما يجمع فيه القدح ربابة واختص الراب والرابة بأحد الزوجين إذا تولى تربية الولد من زوج كان قبله ، والربيب والربيبة بذلك الولد ، قال تعالى : { وربائبكم اللاتي في حجوركم } وربيت الأديم بالسمن والدواء بالعسل ، وسقاء مربوب ، قال الشاعر :
( فكوني له كالسمن ربت له الأدم ** )
والرباب السحاب سمي بذلك لأنه يرب النبات وبهذا النظر سمي المطر درا ، وشبه السحاب باللقوح . وأربت السحابة دامت وحقيقته أنها صارت ذات تربية ، وتصور فيه معنى الإقامة فقيل أرب فلان بمكان كذا تشبيها بإقامة الرباب ، ورب لاستقلال الشيء ولما يكون وقتا بعد وقت ، نحو : { ربما يود الذين كفروا } .
ربح : الربح الزيادة الحاصلة في المبايعة ، ثم يتجوز به في كل ما يعود من ثمرة عمل ، وينسب الربح تارة إلى صاحب السلعة وتارة إلى السلعة نفسها نحو قوله تعالى : { فما ربحت تجارتهم } وقول الشاعر :
( قروا أضيافهم ربحا ببح )
فقد قيل الربح الطائر ، وقيل هو الشجر وعندي أن الربح ههنا اسم لما يحصل من الربح نحو النقص ، وبح اسم للقداح التي كانوا يستقسمون بها ، والمعنى قروا أضيافهم ما حصلوا منه الحمد الذي هو أعظم الربح وذلك كقول الآخر :
( فأوسعني حمدا وأوسعته قرى ** وأرخص بحمد كان كاسبه الأكل )
ربص : التربص الانتظار بالشيء سلعة كانت يقصد بها غلاء أو رخصا . أو أمرا ينتظر زواله أو حصوله ، يقال تربصت لكذا ولى ربصة بكذا وتربص ، قال تعالى : { والمطلقات يتربصن } - { قل تربصوا فإني معكم من المتربصين } - { قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم } .
ربط : ربط الفرس شده بالمكان للحفظ ومنه رباط الجيش ، وسمي المكان الذي يخص بإقامة حفظة فيه رباطا ، والرباط مصدر ربطت ورابطت ، والمرابطة كالمحافظة ، قال الله تعالى : { ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم }
____________________
(1/185)
) وقال { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا } فالمرابطة ضربان : مرابطة في ثغور المسلمين وهي كمرابطة النفس البدن فإنها كمن أقيم في ثغر وفوض إليه مراعاته فيحتاج أن يراعيه غير مخل به وذلك كالمجاهدة وقد قال عليه السلام من الرباط انتظار الصلاة بعد الصلاة وفلان رابط الجأش إذا قوي قلبه وقوله تعالى : { وربطنا على قلوبهم } وقوله { لولا أن ربطنا على قلبها } - و { وليربط على قلوبكم } فلذلك إشارة إلى نحو قوله { هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين } { وأيدهم بروح منه } فإنه لم تكن أفئدتهم كما قال : { وأفئدتهم هواء } وبنحو هذا النظر قيل فلان رابط الجأش .
ربع : أربعة وأربعون ، وربع ورباع كلها من أصل واحد ، قال الله تعالى : { ثلاثة رابعهم كلبهم } - و - { أربعين سنة يتيهون في الأرض } وقال { أربعين ليلة } وقال { ولهن الربع مما تركتم } وقال { مثنى وثلاث ورباع } وربعت القوم أربعهم : كنت لهم رابعا ، وأخذت ربع أموالهم ، وربعت الحبل جعلته على أربع قوى ، والربع من أظماء الإبل والحمى ، وأربع إبله أوردها ربعا ، ورجل مربوع ، ومربع أخذته حمى الربع . والأربعاء في الأيام رابع الأيام من الأحد ، والربيع رابع الفصول الأربعة . ومنه قولهم ربع فلان وارتبع أقام في الربيع ، ثم يتجوز به في كل إقامة وكل وقت حتى سمي كل منزل ربعا وإن كان ذلك في الأصل مختصا بالربيع . والربع والربعي ما نتج في الربيع ولما كان الربيع أولى وقت الولادة وأحمده استعير لكل ولد يولد في الشباب فقيل أفلح من كان له ربعيون ، والمرباع ما نتج في الربيع ، وغيث مربع يأتي في الربيع . وربع الحجر والحمل تناول جوانبه الأربع ، والمربع خشب يربع به أي يؤخذ الشيء به ، وسمي الحجر المتناول ربيعة . وقولهم أربع على ظلعك يجوز أن يكون من الإقامة أي أقم على ظلعك ، ويجوز أن يكون من ربع الحجر أي تناوله على ظلعك . والمرباع الربع الذي يأخذه الرئيس من الغنم ، من قولهم ربعت القوم ، واستعيرت الرباعة للرئاسة اعتبارا بأخذ المرباع فقيل لا يقيم رباعة القوم غير فلان . والربيعة الجونة لكونها في الأصل ذات أربع طبقات أو لكونها ذات أربع أرجل . والرباعيتان قيل سميتا لكون أربع أسنان بينهما ، واليربوع فأرة لجحرها أربعة أبواب . وأرض مربعة فيها يرابيع كما تقول مضبة في موضع الضب .
ربو : ربوة وربوة وربوة ورباوة ورباوة ، قال تعالى : { إلى ربوة ذات قرار ومعين } قال أبو الحسن : الربوة أجود لقولهم ربى
____________________
(1/186)
وربا فلان حصل في ربوة ، وسميت الربوة رابية كأنها ربت بنفسها في مكان ومنه ربا إذا زاد وعلا ، قال تعالى : { فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت } أي زادت زيادة المتربي { فاحتمل السيل زبدا رابيا } - { فأخذهم أخذة رابية } . وأربى عليه أشرف عليه ، وربيت الولد فربا من هذا وقيل أصله من المضاعف فقلب تخفيفا نحو تظنيت في تظننت . والربا الزيادة على رأس المال لكن خص في الشرع بالزيادة على وجه دون وجه ، وباعتبار الزيادة قال تعالى : { وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله } ونبه بقوله { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } أن الزيادة المعقولة المعبر عنها بالبركة مرتفعة عن الربا ولذلك قال في مقابلته { وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون } والأربيتان لحمتان ناتئتان في أصول الفخذين من باطن ، والربو الانبهار سمي بذلك تصورا لتصعده ولذلك قيل هو يتنفس الصعداء ، وأما الربيئة للطليعة فبالهمز وليس من هذا الباب .
رتع : الرتع أصله أكل البهائم ، يقال رتع يرتع رتوعا ورتاعا ورتعا ، قال تعالى : { يرتع ويلعب } ويستعار للإنسان إذا أريد به الأكل الكثير ، وعلى طريق التشبيه قال الشاعر :
( وإذا يخلو له لحمي رتع ** )
ويقال راتع ورتاع في البهائم وراتعون في الإنسان .
رتق : الرتق الضم والالتحام خلقة كان أم صنعة قال تعالى : { كانتا رتقا ففتقناهما } أي منضمتين ، والرتقاء : الجارية المنضمة الشفرتين ، وفلان راتق وفاتق في كذا أي هو عاقد وحال .
رتل : الرتل اتساق الشيء وانتظامه على استقامة ، يقال رجل رتل الأسنان . والترتيل إرسال الكلمة من الفم بسهولة واستقامة . قال تعالى : { ورتل القرآن ترتيلا } - { ورتلناه ترتيلا } .
رج : الرج تحريك الشيء وإزعاجه ، يقال رجه فارتج قال تعالى : { إذا رجت الأرض رجا } نحو : { إذا زلزلت الأرض زلزالها } والرجرجة الاضطراب ، وكتيبة رجراجة ، وجارية رجراجة ، وارتج كلامه اضطرب والرجرجة ماء قليل في مقره يضطرب فيتكدر .
رجز : اصل الرجز الاضطراب ومنه قيل رجز البعير رجزا فهو أرجز وناقة رجزاء إذا تقارب خطوها واضطرب لضعف فيها وشبه الرجز به لتقارب أجزائه وتصور رجز في اللسان عند إنشاده ، ويقال لنحوه من الشعر أرجوزة وأراجيز ، ورجز فلان وارتجز
____________________
(1/187)
إذا عمل ذلك أو أنشد وهو راجز ورجاز ورجازة وقوله : { عذاب من رجز أليم } فالرجز ههنا كالزلزلة ، وقال تعالى : { إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء } وقوله : { والرجز فاهجر } قيل هو صنم ، وقيل هو كناية عن الذنب فسماه بالمآل كتسمية الندى شحما . وقوله : { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان } والشيطان عبارة عن الشهوة على ما بين في بابه . وقيل بل أراد برجز الشيطان ما يدعو إليه من الكفر والبهتان والفساد . والرجازة كساء يجعل فيه أحجار فيعلق على أحد جانبي الهودج إذا مال ، وذلك لما يتصور فيه من حركته ، واضطرابه .
رجس : الرجس الشيء القذر ، يقال رجل رجس ورجال أرجاس . قال تعالى : { رجس من عمل الشيطان } والرجس يكون على أربعة أوجه : إما من حيث الطبع ، وإما من جهة العقل ، وإما من جهة الشرع ، وإما من كل ذلك كالميتة ، فإنما الميتة تعاف طبعا وعقلا وشرعا ، والرجس من جهة الشرع الخمر والميسر ، وقيل فإن ذلك رجس من جهة العقل وعلى ذلك نبه بقوله تعالى : { وإثمهما أكبر من نفعهما } لأن كل ما يوفي إثمه على نفعه فالعقل يقتضي تجنبه ، وجعل الكافرين رجسا من حيث إن الشرك بالعقل أقبح الأشياء ، قال تعالى : { وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم } وقوله تعالى : { ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون } قيل الرجس النتن ، وقيل العذاب وذلك كقوله { إنما المشركون نجس } وقال { أو لحم خنزير فإنه رجس } وذلك من حيث الشرع وقيل رجس ورجز للصوت الشديد وبعير رجاس شديد الهدير وغمام راجس ورجاس شديد الرعد .
رجع : الرجوع العود إلى ما كان منه البدء أو تقدير البدء مكانا كان أو فعلا ، أو قولا وبذاته كان رجوعه أو بجزء من أجزائه أو بفعل من أفعاله . فالرجوع العود ، والرجع الإعادة ، والرجعة في الطلاق ، وفي العود إلى الدنيا بعد الممات ، ويقال فلان يؤمن بالرجعة . والرجاع مختص برجوع الطير بعد قطاعها . فمن الرجوع قوله تعالى : { لئن رجعنا إلى المدينة } - { فلما رجعوا إلى أبيهم } - { ولما رجع موسى إلى قومه } - { وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا } ويقال رجعت عن كذا رجعا ورجعت الجواب نحو قوله { فإن رجعك الله إلى طائفة منهم } وقوله { إلى الله مرجعكم } وقوله : { إن إلى ربك الرجعى } وقوله تعالى : { ثم إليه مرجعكم } يصح أن يكون من الرجوع كقوله { ثم إليه ترجعون } ويصح أن يكون من الرجع كقوله { ثم إليه ترجعون } وقد قرئ { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله } بفتح التاء وضمها ، وقوله :
____________________
(1/188)
{ لعلهم يرجعون } أي يرجعون عن الذنب وقوله : { وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون } أي حرمنا عليهم أن يتوبوا ويرجعوا عن الذنب تنبيها أنه لا توبة بعد الموت كما قال { قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا } وقوله { بم يرجع المرسلون } فمن الرجوع أو من رجع الجواب كقوله : { يرجع بعضهم إلى بعض القول } وقوله : { ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون } فمن رجع الجواب لا غير ، وكذا قوله { فناظرة بم يرجع المرسلون } وقوله : { والسماء ذات الرجع } أي المطر ، وسمي رجعا لرد الهواء ما تناوله من الماء ، وسمي الغدير رجعا إما لتسميته بالمطر الذي فيه وإما لتراجع أمواجه وتردده في مكانه . ويقال ليس لكلامه مرجوع أي جواب . ودابة لها مرجوع يمكن بيعها بعد الاستعمال ، وناقة راجع ترد ماء الفحل فلا تقبله ، وأرجع يده إلى سيفه ليستله والارتجاع الاسترداد ، وارتجع إبلا إذا باع الذكور واشترى إناثا فاعتبر فيه معنى الرجع تقديرا وإن لم يحصل فيه ذلك عينا ، واسترجع فلان إذا قال : إنا لله وإنا إليه راجعون والترجيع ترديد الصوت باللحن في القراءة وفي الغناء وتكرير قول مرتين فصاعدا ومنه الترجيع في الأذان . والرجيع كناية عن أذى البطن للإنسان والدابة وهو من الرجوع ، ويكون بمعنى الفاعل أو من الرجع ويكون بمعنى المفعول ، وجبة رجيع أعيدت بعد نقضها ومن الدابة ما رجعته من سفر إلى سفر ، والأنثى رجيعة . وقد يقال دابة رجيع . ورجع سفر كناية عن النضو ، والرجيع من الكلام المردود إلى صاحبه ، أو المكرر .
رجف : الرجف الاضطراب الشديد ، يقال رجفت الأرض والبحر ، وبحر رجاف . قال تعالى : { يوم ترجف الراجفة } - { يوم ترجف الأرض والجبال } - { فأخذتهم الرجفة } والإرجاف إيقاع الرجفة إما بالفعل وإما بالقول ، قال تعالى : { والمرجفون في المدينة } ويقال الأراجيف ملاقيح الفتن .
رجل : الرجل مختص بالذكر من الناس ولذلك قال تعالى : { ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا } ، ويقال رجلة للمرأة إذا كانت متشبهة بالرجل في بعض أحوالها ، قال الشاعر :
( لم ينالوا حرمة الرجلة ** )
ورجل بين الرجولة والرجولية ، وقوله : { وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى } وقوله { وقال رجل مؤمن من آل فرعون } ، فالأولى به الرجولية والجلادة ، وقوله : { أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله } وفلان أرجل الرجلين . والرجل العضو المخصوص
____________________
(1/189)
بأكثر الحذيوان ، قال تعالى : { وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم } واشتق من الرجل رجل وراجل للماشي بالرجل ، ورجل بين الرجلة ، فجمع الراجل رجالة ورجل نحو ركب ورجال نحو ركاب لجمع الراكب . ويقال رجل راجل أي قوي على المشي ، جمعه رجال نحو قوله تعالى : { فرجالا أو ركبانا } وكذا رجيل ورجلة وحرة رجلاء ضابطة للأرجل بصعوبتها والأرجل الأبيض الرجل من الفرس ، والعظيم الرجل ورجلت الشاة علقتها بالرجل واستعير الرجل للقطعة من الجراد ولزمان الإنسان ، يقال كان ذلك على رجل فلان كقولك على رأس فلان ، ولمسيل الماء ، الواحدة رجلة وتسميته بذلك كتسميته بالمذانب . والرجلة البقلة الحمقاء لكونها نابتة في موضع القدم . وارتجل الكلام أورده قائما من غير تدبر وارتجل الفرس في عدوه ، وترجل الرجل نزل عن دابته وترجل في البئر تشبيها بذلك ، وترجل النهار انحطت الشمس عن الحيطان كأنها ترجلت ، ورجل شعره كأنه أنزله إلى حيث الرجل والمرجل القدر المنصوبة ، وأرجلت الفصيل أرسلته مع أمه ، كأنما جعلت له بذلك رجلا .
رجم : الرجام الحجارة ، والرجم الرمي بالرجام ، يقال رجم فهو مرجوم ، قال تعالى : { لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين } أي المقتولين أقبح قتلة وقال : { ولولا رهطك لرجمناك } - { إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم } ويستعار الرجم للرمي بالظن والتوهم وللشتم والطرد نحو قوله تعالى : { رجما بالغيب } ، قال الشاعر :
( وما هو عنها بالحديث المرجم ** )
وقوله تعالى : { لأرجمنك واهجرني مليا } ، أي لأقولن فيك ما تكره . والشيطان الرجيم المطرود عن الخيرات وعن منازل الملإ الأعلى . قال تعالى : { فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } وقال تعالى : { فاخرج منها فإنك رجيم } وقال في الشهب : { رجوما للشياطين } والرجمة والرجمة أحجار القبر ثم يعبر بها عن القبر وجمعها رجام ورجم وقد رجمت القبر وضعت عليه رجاما . وفي الحديث لا ترجموا قبري ، والمراجمة المسابة الشديدة ، استعارة كالمقاذفة . والترجمان تفعلان من ذلك .
رجا : رجا البئر والسماء وغيرهما : جانبها والجمع أرجاء ، قال تعالى : { والملك على أرجائها } والرجاء ظن يقتضي حصول ما فيه مسرة ، وقوله تعالى : { ما لكم لا ترجون لله وقارا } قيل ما لكم لا تخافون وأنشد :
( إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ** وحالفها في بيت نوب عوامل ) ووجه ذلك أن الرجاء والخوف يتلازمان ،
____________________
(1/190)
قال تعالى : { وترجون من الله ما لا يرجون } - { وآخرون مرجون لأمر الله } وأرجت الناقة دنا نتاجها ، وحقيقته جعلت لصاحبها رجاء في نفسها بقرب نتاجها . والأرجوان لون أحمر يفرح تفريح الرجاء .
رحب : الرحب سعة المكان ومنه رحبة المسجد ، ورحبت الدار اتسعت واستعير للواسع الجوف فقيل رحب البطن ، ولواسع الصدر ، كما استعير الضيق لضده قال تعالى : { وضاقت عليكم الأرض بما رحبت } وفلان رحيب الفناء لمن كثرت غاشيته . وقولهم مرحبا وأهلا أي وجدت مكانا رحبا . قال تعالى : { لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم } .
رحق : قال الله تعالى : { يسقون من رحيق مختوم } أي خمر .
رحل : الرحل ما يوضع على البعير للركوب ثم يعبر به تارة عن البعير وتارة عما يجلس عليه في المنزل وجمعه رحال . { وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم } والرحلة الارتحال قال تعالى : { رحلة الشتاء والصيف } وأرحلت البعير وضعت عليه الرحل ، وارحل البعير سمن كأنه صار على ظهره رحل لسمنه وسنامه ، ورحلته أظعنته أي أزلته عن مكانه . والراحلة : البعير الذي يصلح للارتحال . وراحله : عاونه على رحلته ، والمرحل برد عليه صورة الرحال .
رحم : الرحم رحم المرأة ، وامرأة رحوم تشتكي رحمها . ومنه استعير الرحم للقرابة لكونهم خارجين من رحم واحدة ، يقال رحم ورحم . قال تعالى : { وأقرب رحما } ، والرحمة رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم ، وقد تستعمل تارة في الرقة المجردة وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة نحو : رحم الله فلانا . وإذا وصف به الباري فليس يراد به إلا الإحسان المجرد دون الرقة ، وعلى هذا روي أن الرحمة من الله إنعام وإفضال ، ومن الآدميين رقة وتعطف . وعلى هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم ذاكرا عن ربه انه لما خلق الرحم قال له أنا الرحمن وأنت الرحم ، شققت اسمك من اسمي فمن وصلك وصلته ومن قطعك بتته فذلك إشارة إلى ما تقدم وهو أن الرحمة منطوية على معنيين : الرقة والإحسان فركز تعالى في طبائع الناس الرقة وتفرد بالإحسان فصار كما أن لفظ الرحم من الرحمة ، فمعناه الموجود في الناس من المعنى الموجود لله تعالى فتناسب معناهما تناسب لفظيهما . والرحمن والرحيم نحو ندمان ونديم ولا يطلق الرحمن إلا على الله تعالى من حيث إن معناه لا يصح إلا له إذ هو الذي وسع كل شيء رحمة ، والرحيم يستعمل في غيره
____________________
(1/191)
وهو الذي كثرت رحمته . قال تعالى : { إن الله غفور رحيم } وقال في صفة النبي صلى الله عليه وسلم { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } وقيل إن الله تعالى : هو رحمن الدنيا ورحيم الآخرة ، وذلك أن إحسانه في الدنيا يعم المؤمنين والكافرين وفي الآخرة يختص بالمؤمنين وعلى هذا قال : { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون } ، تنبيها أنها في الدنيا عامة للمؤمنين والكافرين ، وفي الآخرة مختصة بالمؤمنين .
رخا : الرخاء اللينة من قولهم شيء رخو وقد رخي يرخى ، قال تعالى : { فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب } ، ومنه أرخيت الستر وعن إرخاء الستر استعير إرخاء سرحان . وقول أبي ذؤيب :
( وهي رخو تمزع ** )
أي رخو السير كريح الرخاء ، وقيل فرس مرخاء أي واسع الجري من خيل مراخ ، وقد أرخيته خليته رخوا .
رد : الرد صرف الشيء بذاته أو بحالة من أحواله ، يقال رددته فارتد ، قال تعالى : { ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين } فمن الرد بالذات قوله : { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } - { ثم رددنا لكم الكرة } وقال { ردوها علي } وقال { فرددناه إلى أمه } - { يا ليتنا نرد ولا نكذب } ومن الرد إلى حالة كان عليها قوله { يردوكم على أعقابكم } وقوله { وإن يردك بخير فلا راد لفضله } أي لا دافع ولا مانع له وعلى ذلك { عذاب غير مردود } ومن هذا الرد إلى الله تعالى نحو قوله { ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا } - { ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة } - { ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق } فالرد كالرجع { ثم إليه ترجعون } ومنهم من قال في الرد قولان : أحدهما ردهم إلى ما أشار إليه بقوله { منها خلقناكم وفيها نعيدكم } والثاني ردهم إلى الحياة المشار إليها بقوله : { ومنها نخرجكم تارة أخرى } فذلك نظر إلى حالتين كلتاهما داخلة في عموم اللفظ . وقوله تعالى : { فردوا أيديهم في أفواههم } قيل عضوا الأنامل غيظا وقيل أومئوا إلى السكوت وأشاروا باليد إلى الفم ، وقيل ردوا أيديهم في أفواه الأنبياء فأسكتوهم ، واستعمال الرد في ذلك تنبيها أنهم فعلوا ذلك مرة بعد أخرى . وقوله تعالى : { لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا } أي يرجعونكم إلى حال الكفر بعد أن فارقتموه ، وعلى ذلك قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين } والارتداد والردة الرجوع
____________________
(1/192)
في الطريق الذي جاء منه لكن الردة تختص بالكفر والارتداد يستعمل فيه وفي غيره ، قال : { إن الذين ارتدوا على أدبارهم } ، وقال { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه } وهو الرجوع من الإسلام إلى الكفر ، وكذلك { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر } وقال عز وجل { فارتدا على آثارهما قصصا } - { إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى } ، وقال تعالى : { ونرد على أعقابنا } وقوله تعالى : { ولا ترتدوا على أدباركم } اي إذا تحققتم أمرا وعرفتم خيرا فلا ترجعوا عنه . وقوله عز جل : { فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا } أي عاد إليه البصر ، ويقال رددت الحكم في كذا إلى فلان : فوضته إليه ، قال تعالى : { ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر } وقال { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } ويقال راده في كلامه . وقيل في الخبر : البيعان يترادان . أي يرد كل واحد منهما ما أخذ ، وردة الإبل أن تتردد إلى الماء ، وقد أردت الناقة واسترد المتاع استرجعه .
ردف : الردف التابع ، وردف المرأة عجيزتها ، والترادف التتابع ، والرادف المتأخر ، والمردف المتقدم الذي أردف غيره قال تعالى : { فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين } ، قال أبو عبيدة : مردفين : جائين بعد ، فجعل ردف وأردف بمعنى واحد ، وأنشد :
( إذا الجوزاء اردفت الثريا ** ) وقال غيره معناه مردفين ملائكة أخرى ، فعلى هذا يكونون ممدين بألفين من الملائكة . وقيل عنى بالمردفين المتقدمين للعسكر يلقون في قلوب العدى الرعب . وقرئ مردفين أي أردف كل إنسان ملكا ، ومردفين يعني مرتدفين فأدغم التاء في الدال وطرح حركة التاء على الدال . وقد قال في سورة آل عمران { ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين } وأردفته حملته على ردف الفرس ، والرداف مركب الردف ، ودابة لا ترادف ولا تردف ، وجاء واحد فأردفه آخر . وأرداف الملوك : الذي يخلفونهم .
ردم : الردم سد الثلمة بالحجر ، قال تعالى { أجعل بينكم وبينهم ردما } والردم المردوم ، وقيل المردم ، قال الشاعر :
( هل غادر الشعراء من متردم ** )
وأردمت عليه الحمى ، وسحاب مردم .
ردأ : الردء الذي يتبع غيره معينا له ، قال تعالى : { فأرسله معي ردءا يصدقني } وقد
____________________
(1/193)
أردأه ، والردعاء في الأصل مثله لكن تعورف في المتأخر المذموم يقال ردأ الشيء رداءة فهو ردئ ، والردى الهلاك والتردي التعرض للهلاك ، قال تعالى : { وما يغني عنه ماله إذا تردى } وقال : { واتبع هواه فتردى } وقال : { تالله إن كدت لتردين } والمرادة حجر تكسر بها الحجارة فترديها .
رذل : الرذل والرذال المرغوب عنه لرداءته قال تعالى : { ومنكم من يرد إلى أرذل العمر } وقال : { إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي } وقال تعالى { قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون } جمع الأرذل .
رزق : الرزق يقال للعطاء الجاري تارة دنيويا كان أم أخرويا ، وللنصيب تارة ، ولما يصل إلى الجوف ويتغذى به تارة يقال أعطى السلطان رزق الجند ، ورزقت علما ، قال : { وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت } أي من المال والجاه والعلم وكذلك قوله : { ومما رزقناهم ينفقون } - { كلوا من طيبات ما رزقناكم } وقوله : { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } أي وتجعلون نصيبكم من النعمة تحري الكذب . وقوله : { وفي السماء رزقكم } قيل عني به المطر الذي به حياة الحيوان . وقيل هو كقوله : { وأنزلنا من السماء ماء } وقل تنبيه أن الحظوظ بالمقادير وقوله تعالى { فليأتكم برزق منه } أي بطعام يتغذى به وقوله تعالى : { والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد } قيل عني به الأغذية ويمكن أن يحمل على العموم فيما يؤكل ويلبس ويستعمل وكل ذلك مما يخرج من الأرضين وقد قيضه الله بما ينزله من السماء من الماء ، وقال في العطاء الأخروي { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } أي يفيض الله عليهم النعم الأخروية . وكذلك قوله : { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا } وقوله : { إن الله هو الرزاق ذو القوة } فهذا محمول على العموم . والرازق يقال لخالق الرزق ومعطيه والمسبب له وهو الله تعالى . ويقال ذلك للإنسان الذي يصير سببا في وصول الرزق . والرزاق لا يقال إلا لله تعالى ، وقوله : { وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين } أي بسبب في رزقه ولا مدخل لكم فيه ، وقوله : { ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون } أي ليسوا بسبب في رزق بوجه من الوجوه وسبب من الأسباب . ويقال ارتزق الجند : أخذوا أرزاقهم ، والرزقة ما يعطونه دفعة واحدة .
رس : أصحاب الرس ، قيل هو واد ، قال الشاعر :
( وهن لوادي الرس كاليد للفم ** )
وأصل الرس الأثر القليل الموجود في الشيء ،
____________________
(1/194)
يقال سمعت رسا من خبر ، ورس الحديث في نفسي ، ووجد رسا من حمى ، ورس الميت دفن وجعل أثرا بعد عين .
رسخ : رسوخ الشيء ثباته ثباتا متمكنا ورسخ الغدير نضب ماؤه ورسخ تحت الأرض والراسخ في العلم المتحقق به الذي لا يعرضه شبهة . فالراسخون في العلم هم الموصوفون بقوله تعالى : { الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا } وكذا قوله تعالى : { لكن الراسخون في العلم منهم } .
رسل : اصل الرسل الانبعاث على التؤدة ويقال ناقة رسلة سهلة السير وإبل مراسيل منبعثة انبعاثا سهلا ، ومنه الرسول المنبعث . وتصور منه تارة الرفق فقيل على رسلك إذا أمرته بالرفق ، وتارة الانبعاث فاشتق منه الرسول ، والرسول يقال تارة للقول المتحمل كقول الشاعر :
( ألا أبلغ أبا حفص رسولا ** )
وتارة لمتحمل القول والرسالة . والرسول يقال للواحد والجمع قال تعالى : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } - { فقال إني رسول رب العالمين } وقال الشاعر :
( ألكنى وخير الرسول ** أعلمهم بنواحي الخبر ) وجمع الرسول رسل ، ورسل الله تارة يراد بها الملائكة وتارة يراد بها الأنبياء . فمن الملائكة قوله تعالى : { إنه لقول رسول كريم } ، وقوله { إنا رسل ربك لن يصلوا إليك } ، وقوله { ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم } وقال { ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى } وقال { والمرسلات عرفا } - { بلى ورسلنا لديهم يكتبون } ومن الأنبياء قوله { وما محمد إلا رسول } - { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك } وقوله { وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين } فمحمول على رسله من الملائكة والإنس . وقوله { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا } قيل عني به الرسول وصفوة أصحابه فسماهم رسلا لضمهم إليه كتسميتهم المهلب وأولاده المهالبة . والإرسال يقال في الإنسان وفي الأشياء المحبوبة والمكروهة وقد يكون ذلك بالتسخير كإرسال الريح والمطر نحو : { وأرسلنا السماء عليهم مدرارا } وقد يكون ببعث من له اختيار نحو إرسال الرسل ، قال تعالى : { ويرسل عليكم حفظة } - { فأرسل فرعون في المدائن حاشرين } وقد يكون ذلك بالتخلية وترك المنع نحو قوله : { ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا } ، والإرسال يقابل الإمساك . قال تعالى : { ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده } والرسل من الإبل والغنم ما يسترسل في السير ، يقال جاءوا أرسالا أي متتابعين .
____________________
(1/195)
والرسل اللبن الكثير المتتابع الدر .
رسا : يقال رسا الشيء يرسو ثبت وأرساه غيره ، قال تعالى : { وقدور راسيات } وقال : { رواسي شامخات } أي جبالا ثابتات { والجبال أرساها } وذلك إشارة إلى نحو قوله تعالى : { والجبال أوتادا } ، قال الشاعر :
( ولا جبال إذا لم ترس أوتاد ** )
وألقت السحابة مراسيها نحو : ألقت طنبها وقال تعالى : { اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها } من أجريت وأرسيت ، فالمرسى يقال للمصدر والمكان والزمان والمفعول وقرئ / < مجريها ومرسيها > / وقوله { يسألونك عن الساعة أيان مرساها } أي زمان ثبوتها ، ورسوت بين القوم ، أي : أثبت بينهم إيقاع الصلح .
رشد : الرشد والرشد خلاف الغي ، يستعمل استعمال الهداية ، يقال رشد يرشد ، ورشد يرشد قال : { لعلهم يرشدون } وقال { قد تبين الرشد من الغي } وقال تعالى : { فإن آنستم منهم رشدا } - { ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل } وبين الرشدين أعنى الرشد المؤنس من اليتيم والرشد الذي أوتي إبراهيم عليه السلام بون بعيد . وقال { هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا } وقال { لأقرب من هذا رشدا } وقال بعضهم : الرشد أخص من الرشد ، فإن الرشد يقال في الأمور الدنيوية والأخروية ، والرشد يقال في الأمور الأخروية لا غير . والراشد والرشيد يقال فيهما جميعا ، قال تعالى : { أولئك هم الراشدون } - { وما أمر فرعون برشيد } .
رص : قال تعالى : { كأنهم بنيان مرصوص } أي محكم كأنما بنى بالرصاص ، ويقال رصصته ورصصته وتراصوا في الصلاة أي تضايقوا فيها . وترصيص المرأة : أن تشدد التنقب ، وذلك أبلغ من الترصص . رصد : الرصد الاستعداد للترقب ، يقال رصد له وترصد وأرصدته له . قال عز وجل : { وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل } وقوله عز وجل { إن ربك لبالمرصاد } تنبيها أنه لا ملجأ ولا مهرب . والرصد يقال للراصد الواحد وللجماعة الراصدين وللمرصود واحدا كان أو جمعا . وقوله تعالى : { يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا } يحتمل كل ذلك . والمرصد موضع الرصد ، قال تعالى : { واقعدوا لهم كل مرصد } والمرصاد نحوه لكن يقال للمكان الذي اختص بالترصد ، قال تعالى : { إن جهنم كانت مرصادا } تنبيها أن عليها مجاز الناس وعلى هذا قوله تعالى : { وإن منكم إلا واردها } .
رضع : يقال رضع المولود يرضع ، ورضع يرضع رضاعا ورضاعة ، وعنه استعير لئيم راضع
____________________
(1/196)
لمن تناهي لؤمه وإن كان في الأصل لمن يرضع غنمه ليلا لئلا يسمع صوت شخبه فلما تعورف في ذلك قيل رضع فلان نحو : لؤم ، وسمي الثنيتان من الأسنان الراضعتين لاستعانة الصبي بهما في الرضع ، قال تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } ، ويقال فلان أخو فلان من الرضاعة وقال صلى الله عليه وسلم : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) ، وقال تعالى : { وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم } أي تسومونهن إرضاع أولادكم .
رضى : يقال رضي يرضى رضا فهو مرضي ومرضو . ورضا العبد عن الله أن لا يكره ما يجري به قضاؤه ، ورضا الله عن العبد هو أن يراه مؤتمرا لأمره ومنتهيا عن نهيه ، قال الله تعالى : { رضي الله عنهم ورضوا عنه } وقال تعالى : { لقد رضي الله عن المؤمنين } وقال تعالى : { ورضيت لكم الإسلام دينا } وقال تعالى : { أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة } وقال تعالى : { يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم } وقال عز وجل : { ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن } والرضوان الرضا الكثير ، ولما كان أعظم الرضا رضا الله تعالى خص لفظ الرضوان في القرآن بما كان من الله تعالى قال عز وجل { ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله } وقال تعالى : { يبتغون فضلا من الله ورضوانا } وقال : { يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان } وقوله تعالى : { إذا تراضوا بينهم بالمعروف } أي أظهر كل واحد منهم الرضا بصاحبه ورضيه .
رطب : الرطب خلاف اليابس ، قال تعالى : { ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } رخص الرطب بالرطب من التمر ، قال تعالى : { وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا } وأرطب النخل نحو أتمر وأجنى . ورطبت الفرس ورطبته أطعمته الرطب ، فرطب الفرس أكله . ورطب الرجل رطبا إذا تكلم بما عن له من خطإ وصواب تشبيها برطب الفرس ، والرطيب عبارة عن الناعم .
رعب : الرعب الانقطاع من امتلاء الخوف ، يقال رعبته فرعب رعبا وهو رعب والترعابة الفروق . قال تعالى : { وقذف في قلوبهم الرعب } وقال : { سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب } - ( { ولملئت منهم رعبا } ولتصور الامتلاء منه ، قيل رعبت الحوض ملأته ، وسيل راعب يملأ الوادي ، وباعتبار القطع قيل رعبت السنام قطعته . وجارية رعبوبة شابة شطبة تارة ، والجمع الرعابيب .
رعد : الرعد صوت السحاب ، وروي أنه ملك يسوق السحاب . وقيل رعدت السماء وبرقت
____________________
(1/197)
وأرعدت وأبرقت ويكنى بهما عن التهدد . ويقال صلف تحت راعدة لمن يقول ولا يحقق . والرعديد المضطرب جبنا وقيل أرعدت فرائصه خوفا .
رعى : الرعي في الأصل حفظ الحيوان إما بغذائه الحافظ لحياته ، وإما بذب العدو عنه . يقال رعيته أي حفظته وأرعيته جعلت له ما يرعى . والرعي ما يرعاه والمرعى موضع الرعي ، قال تعالى : { كلوا وارعوا أنعامكم } - { أخرج منها ماءها ومرعاها } { والذي أخرج المرعى } وجعل الرعي والرعاء للحفظ والسياسة . قال تعالى : { فما رعوها حق رعايتها } أي ما حافظوا عليها حق المحافظة . ويسمى كل سائس لنفسه أو لغيره راعيا ، وروي : كلكم راع ، وكلكم مسئول عن رعيته قال الشاعر :
( ولا المرعي في الأقوام كالراعي ** ) وجمع الراعي رعاء ورعاة . ومراعاة الإنسان للأمر مراقبته إلى ماذا يصير وماذا منه يكون ، ومنه راعيت النجوم ، قال تعالى : { لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا } وأرعيته سمعي جعلته راعيا لكلامه ، وقيل أرعني سمعك ويقال أرع على كذا فيعدى بعلى أي أبق عليه ، وحقيقته أرعه مطلعا عليه .
رعن : قال تعالى : { لا تقولوا راعنا } - { وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين } كان ذلك قولا يقولونه للنبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التهكم يقصدون به رميه بالرعونة ويوهمون أنهم يقولون راعنا أي احفظنا ، من قولهم رعن الرجل يرعن رعنا فهو رعن وأرعن وامرأة رعناء ، وتسميته بذلك لميل فيه تشبيها بالرعن أي أنف الجبل لما فيه من الميل ، قال الشاعر :
( لولا ابن عتبة عمرو والرجاء له ** ما كانت البصرة الرعناء لي وطنا )
فوصفها بذلك إما لما فيها من الخفض بالإضافة إلى البدو تشبيها بالمرأة الرعناء ، وإما لما فيها من تكسر وتغير في هوائها .
رغب : أصل الرغبة السعة في الشيء ، يقال رغب الشيء اتسع وحوض رغيب ، وفلان رغيب الجوف وفرس رغيب العدو . والرغبة والرغب والرغبى السعة في الإرادة قال تعالى : { ويدعوننا رغبا ورهبا } فإذا قيل رغب فيه وإليه يقتضي الحرص عليه ، قال تعالى : { إنا إلى الله راغبون } وإذا قيل رغب عنه اقتضى صرف الرغبة عنه والزهد فيه نحو قوله تعالى : { ومن يرغب عن ملة إبراهيم } - { أراغب أنت عن آلهتي } والرغيبة العطاء الكثير إما لكونه مرغوبا فيه فتكون مشتقة من الرغبة ، وإما لسعته فتكون مشتقة من الرغبة بالأصل ، قال الشاعر :
( يعطي الرغائب من يشاء ويمنع ** )
رغد : عيش رغد ورغيد : طيب واسع ، قال تعالى : { وكلا منها رغدا } - { يأتيها رزقها رغدا من كل مكان }
____________________
(1/198)
) وأرغد القوم حصلوا في رغد من العيش ، وأرغد ماشيته . فالأول من باب جدب وأجدب ، والثاني من باب دخل وأدخل غيره ، والمرغاد من اللبن المختلط الدال بكثرته على رغد العيش .
رغم : الرغام التراب الرقيق ، ورغم أنف فلان رغما وقع في الرغام وأرغمه غيره ، ويعبر بذلك عن السخط كقول الشاعر :
( إذا رغمت تلك الأنوف لم ارضها ** ولم أطلب العتبى ولكن أزيدها )
فمقابلته بالإرضاء مما ينبه دلالته على الإسخاط . وعلى هذا قيل أرغم الله أنفه وأرغمه أسخطه وراغمه ساخطه وتجاهدا على أن يرغم أحدهما الآخر ، ثم تستعار المراغمة للمنازعة . قال الله تعالى : { يجد في الأرض مراغما كثيرا } أي مذهبا يذهب إليه إذا رأى منكرا يلزمه أن يغضب منه كقولك غضبت إلى فلان من كذا ورغمت إليه .
رف : رفيف الشجر انتشار أغصانه ، ورف الطير نشر جناحيه ، يقال رف الطائر يرق ورف فرخه يرفه إذا نشر جناحيه متفقدا له . واستعير الرف للمتفقد فقيل ما لفلان حاف ولا راف أي من يحفه أو يرفه ، وقيل :
( من حفنا أو رفنا فليقتصد ** )
والرفرف المنتشر من الأوراق ، وقوله تعالى : { على رفرف خضر } فضرب من الثياب مشبه بالرياض ، وقيل الرفرف طرف الفسطاط والخباء الواقع على الأرض دون الأطناب والأوتاد ، وذكر عن الحسن أنها المخاد .
رفت : رفت الشيء أرفته رفتا فتته ، والرفات والفتات ما تكسر وتفرق من التبن ونحوه ، قال تعالى : { وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا } واستعير الرفات للحبل المنقطع قطعة قطعة .
رفث : الرفث كلام متضمن لما يستقبح ذكره من ذكر الجماع ودواعيه وجعل كناية عن الجماع في قوله تعالى : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } تنبيها على جواز دعائهن إلى ذلك ومكالمتهن فيه ، وعدي بإلى لتضمنه معنى الإفضاء وقوله : { فلا رفث ولا فسوق } يحتمل أن يكون نهيا عن تعاطي الجماع وأن يكون نهيا عن الحديث في ذلك إذ هو من دواعيه والأول أصح لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن أنشد في الطواف :
( فهن يمشين بنا هميسا ** إن تصدق الطير ننك لميسا )
يقال رفث وأرفث فرفث فعل وأرفث صار ذا رفث وهما كالمتلازمين ولهذا يستعمل أحدهما موضع الآخر .
رفد : الرفد المعونة والعطية ، والرفد مصدر والمرفد ما يجعل فيه الرفد من الطعام ولهذا فسر بالقدح . وقد رفدته أنلته بالرفد ،
____________________
(1/199)
قال تعالى : { بئس الرفد المرفود } وأرفدته جعلت له رفدا يتناوله شيئا فشيئا فرفده وأرفده نحو سقاه وأسقاه ، ورفد فلان فهو مرفد استعير لمن أعطي الرئاسة ، والرفود الناقة التي تملأ المرفد لبنا من كثرة لبنها فهي رفود في معنى فاعل . وقيل المرافيد من النوق والشاء ما لا ينقطع لبنه صيفا وشتاء ، وقول الشاعر :
( فأطعمت العراق ورافديه ** فزاريا أحذ يد القميص )
اي دجلة والفرات . وترافدوا تعاونوا ومنه الرفادة وهي معاونة للحاج كانت من قريش بشيء ، كانوا يخرجونه لفقراء الحاج .
رفع : الرفع يقال تارة في الأجسام الموضوعة إذا أعليتها عن مقرها نحو { ورفعنا فوقكم الطور } قال تعالى : { الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها } وتارة في البناء إذا طولته نحو قوله { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت } وتارة في الذكر إذا نوهته نحو قوله { ورفعنا لك ذكرك } وتارة في المنزلة إذا شرفتها نحو قوله { ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات } - { نرفع درجات من نشاء } - { رفيع الدرجات ذو العرش } وقوله تعالى { بل رفعه الله إليه } يحتمل رفعه إلى السماء ورفعه من حيث التشريف . وقال تعالى : { خافضة رافعة } وقوله { وإلى السماء كيف رفعت } فإشارة إلى المعنيين : إلى إعلاء مكانه ، وإلى ما خص به من الفضيلة وشرف المنزلة . وقوله عز وجل { وفرش مرفوعة } أي شريفة كذا قوله { في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة } وقوله { في بيوت أذن الله أن ترفع } أي تشرف وذلك نحو قوله { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } ويقال رفع البعير في سيره ورفعته أنا ومرفوع السير شديده ، ورفع فلان على فلان كذا أذاع خبر ما احتجبه ، والرفاعة ما ترفع به المرأة عجيزتها ، نحو المرفد .
رق : الرقة كالدقة ، لكن الدقة تقال اعتبارا بمراعاة جوانبه ، والرقة اعتبارا بعمقه . فمتى كانت الرقة في جسم تضادها الصفاقة نحو ثوب رقيق وصفيق ، ومتى كانت في نفس تضادها الجفوة والقسوة ، يقال فلان رقيق القلب وقاسي القلب . والرق ما يكتب فيه شبه الكاغد ، قال تعالى . { في رق منشور } وقيل لذكر السلاحف رق والرق : ملك العبيد والرقيق المملوك منهم وجمعه أرقاء ، واسترق فلان فلانا جعله رقيقا . والرقراق ترقرق الشراب ، والرقراقة الصافية اللون . والرقة كل أرض إلى جانبها ماء لما فيها من الرقة بالرطوبة الواصلة إليها . وقولهم : أعن صبوح ترقق أي تلين القول .
____________________
(1/200)
رقب : الرقبة اسم للعضو المعروف ثم يعبر بها عن الجملة وجعل في التعارف اسما للمماليك كما عبر بالرأس وبالظهر عن المركوب فقيل فلان يربط كذا رأسا وكذا ظهرا قال تعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة } وقال { وفي الرقاب } أي المكاتبين منهم فهم الذين تصرف إليهم الزكاة . ورقبته أصبت رقبته ، ورقبته حفظته . والرقيب الحافظ وذلك إما لمراعاته رقبة المحفوظ ، وإما لرفعه رقبته قال تعالى : { وارتقبوا إني معكم رقيب } وقال تعالى : { إلا لديه رقيب عتيد } وقال { لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة } والمرقب المكان العالي الذي يشرف عليه الرقيب وقيل لحافظ أصحاب الميسر الذين يشربون بالقداح رقيب وللقدح الثالث رقيب وترقب احترز راقبا نحو قوله : { فخرج منها خائفا يترقب } والرقوب المرأة التي ترقب موت ولدها لكثرة من لها من الأولاد ، والناقة التي ترقب أن يشرب صواحبها ثم تشرب ، وأرقبت فلانا هذه الدار هو أن تعطيه إياها لينتفع بها مدة حياته فكأنه يرقب موته ، وقيل لتلك الهبة الرقبى والعمرى .
رقد : الرقاد المستطاب من النوم القليل يقال رقد رقودا فهو راقد والجمع الرقود ، قال تعالى : { وهم رقود } وإنما وصفهم بالرقود مع كثرة منامهم اعتبارا بحال الموت وذاك أنه اعتقد فيهم أنهم أموات فكان ذلك النوم قليلا في جنب الموت . وقال تعالى : { يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا } وأرقد الظليم أسرع كأنه رفض رفاده .
رقم : الرقم الخط الغليظ وقيل هو تعجيم الكتاب . وقوله تعالى : { كتاب مرقوم } حمل على الوجهين وفلان يرقم في الماء يضرب مثلا للحذق في الأمور ، وأصحاب الرقيم ، قيل اسم مكان وقيل نسبوا إلى حجر رقم فيه أسماؤهم ورقمتا الحمار للأثر الذي على عضديه وارض مرقومة بها أثر نبات تشبيها بما عليه أثر الكتاب والرقميات سهام منسوبة إلى موضع بالمدينة .
رقى : رقيت في الدرج والسلم أرقى رقيا ارتقيت أيضا . قال تعالى : { فليرتقوا في الأسباب } وقيل ارق على ظلعك أي اصعد وإن كنت ظالعا . ورقيت من الرقية . وقيل كيف رقيك ورقيتك فالأول المصدر والثاني الاسم قال تعالى { ولن نؤمن لرقيك } أي لرقيتك وقوله تعالى { وقيل من راق } أي من يرقيه تنبيها أنه لا راقي يرقيه فيحميه وذلك إشارة إلى نحو ما قال الشاعر :
( وإذا المنية أنشبت أظفارها ** الفيت كل تميمة لا تنفع )
وقال ابن عباس : معناه من يرقى بروحه : أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب
____________________
(1/201)
والترقوة مقدم الحلق في أعلى الصدر حيث ما يترقى فيه النفس { كلا إذا بلغت التراقي } .
ركب : الركوب في الأصل كون الإنسان على ظهر حيوان وقد يستعمل في السفينة والراكب اختص في التعارف بممتطي البعير وجمعه ركب وركبان وركوب ، واختص الركاب بالمركوب قال تعالى : { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } - { فإذا ركبوا في الفلك } - { والركب أسفل منكم } - { فرجالا أو ركبانا } وأركب المهر : حان أن يركب ، والمركب اختص بمن يركب فرس غيره وبمن يضعف عن الركوب أو لا يحسن أن يركب والمتراكب ما ركب بعضه بعضا . قال تعالى : { فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا } والركبة معروفة وركبته أصبت ركبته نحو فأدته ورأسته ، وركبته أيضا أصبته بركبتي نحو يديته وعنته أي أصبته بيدي وعيني والركب كناية عن فرج المرأة كما يكنى عنها بالمطية والقعيدة لكونها مقتعدة .
ركد : ركد الماء والريح أي سكن وكذلك السفينة ، قال تعالى : { ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره } وجفنة ركود عبارة عن الامتلاء .
ركز : الركز الصوت الخفي ، قال تعالى : { هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا } وركزت كذا أي دفنته دفنا خفيا ومنه الركاز للمال المدفون إما بفعل آدمي كالكنز وإما بفعل إلهي كالمعدن ويتناول الركاز الأمرين ، وفسر قوله صلى الله عليه وسلم : ( وفي الركاز الخمس ) بالأمرين جميعا ويقال ركز رمحه ومركز الجند محطهم الذي فيه ركزوا الرماح .
ركس : الركس قلب الشيء على رأسه ورد أوله إلى آخره ، يقال أركسته فركس وارتكس في أمره ، قال تعالى : { والله أركسهم بما كسبوا } أي ردهم إلى كفرهم .
ركض : الركض الضرب بالرجل ، فمتى نسب إلى الراكب فهو إعداء مركوب نحو ركضت الفرس ، ومتى نسب إلى الماشي فوطء الأرض نحو قوله تعالى : { اركض برجلك } وقوله { لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه } فنهي عن الانهزام .
ركع : الركوع الانحناء فتارة يستعمل في الهيئة المخصوصة في الصلاة كما هي وتارة في التواضع والتذلل إما في العبادة وإما في غيرها نحو { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا } - { واركعوا مع الراكعين } - { والعاكفين والركع السجود } - { الراكعون الساجدون } قال الشاعر :
( أخبر أخبار القرون التي مضت ** أدب كأني كلما قمت راكع )
____________________
(1/202)
ركم : يقال سحاب مركوم أي متراكم ، والركام ما يلقى بعضه على بعض ، قال تعالى { ثم يجعله ركاما } والركام يوصف به الرمل والجيش ، ومرتكم الطريق جادته التي فيها ركمة أي أثر متراكم .
ركن : ركن الشيء جانبه الذي يسكن إليه ويستعار للقوة ، قال تعالى : { لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد } وركنت إلى فلان أركن بالفتح ، والصحيح أن يقال ركن يركن وركن يركن ، قال تعالى : { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا } وناقة مركنة الضرع له أركان تعظمه ، والمركن الإجانة ، وأركان العبادات جوانبها التي عليها مبناها وبتركها بطلانها .
رم : الرم إصلاح الشيء البالي والرمة تختص بالعظم البالي ، قال تعالى : { من يحيي العظام وهي رميم } وقال : { ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم } والرمة تختص بالحبل البالي ، والرم الفتات من الخشب والتبن . ورممت المنزل رعيت رمه كقولك تفقدت وقولهم : ادفعه إليه برمته معروف ، والإرمام السكوت ، وأرمت عظامه إذا سحقت حتى إذا نفخ فيها لم يسمع لها دوي ، وترمرم القوم إذا حركوا أفواههم بالكلام ولم يصرحوا ، والرمان فعلان وهو معروف .
رمح : قال تعالى : { تناله أيديكم ورماحكم } وقد رمحه أصابه به ورمحته الدابة تشبيها بذلك والسماك الرامح سمي به لتصور كوكب يقدمه بصورة رمح له . وقيل أخذت الإبل رماحها إذا امتنعت عن نحرها بحسنها وأخذت البهمى رمحها إذا امتنعت بشوكتها عن راعيها .
رمد : يقال رماد ورمدد وأرمد وأرمداء قال تعالى : { كرماد اشتدت به الريح } ورمدت النار صارت رمادا وعبر بالرمد عن الهلاك كما عبر عنه بالهمود ، ورمد الماء صار كأنه فيه رماد لأجونه ، والأرمد ما كان على لون الرماد . وقيل للبعوض رمد ، والرمادة سنة المحل .
رمز : الرمز إشارة بالشفة ، والصوت الخفي والغمز بالحاجب وعبر عن كل كلام كإشارة بالرمز كما عبر عن الشكاية بالغمز ، قال تعالى : { قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا } وما ارماز أي لم يتكلم رمزا وكتيبة رمازة لا يسمع منها رمز من كثرتها .
رمض : شهر رمضان هو من الرمض أي شدة وقع الشمس يقال أرمضته فرمض أي أحرقته الرمضاء وهي شدة حر الشمس ، وارض رمضة ورمضت الغنم رعت في الرمضاء فقرحت أكبادها وفلان يترمض الظباء أي يتبعها في الرمضاء .
رمى : الرمي يقال في الأعيان كالسهم والحجر نحو : { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى }
____________________
(1/203)
) ويقال في المقال كناية عن الشتم كالقذف ، نحو : { والذين يرمون أزواجهم } - { يرمون المحصنات } وأرمى فلان على مائة استعارة للزيادة ، وخرج يترمى إذا رمى في الغرض .
رهب : الرهبة والرهب مخافة مع تحرز واضطراب ، قال : { لأنتم أشد رهبة } وقال : { جناحك من الرهب } وقرئ من الرهب ، أي الفزع . قال مقاتل : خرجت ألتمس تفسير الرهب فلقيت أعرابية وأنا آكل فقالت : يا عبد الله ، تصدق علي ، فملأت كفي لأدفع إليها فقالت ههنا في رهبي أي كمي . والأول أصح . قال : { رغبا ورهبا } وقال : { ترهبون به عدو الله } وقوله ( واسترهبوهم ) أي حملوهم على أن يرهبوا { وإياي فارهبون } أى فخافون والترهب التعبد وهو استعمال الرهبة ، والرهبانية غلو في تحمل التعبد من فرط الرهبة قال : { ورهبانية ابتدعوها } والرهبان يكون واحدا وجمعا ، فمن جعله واحدا جمعه على رهابين ورهابنة بالجمع أليق . والإرهاب فزع الإبل وإنما هو من أرهبت . ومنه الرهب من الإبل ، وقالت العرب رهبوت خير من رحموت .
رهط : الرهط العصابة دون العشرة وقيل يقال إلى الأربعين ، قال : { تسعة رهط يفسدون } وقال : { ولولا رهطك لرجمناك } - { يا قوم أرهطي } والرهطاء جحر من جحر اليربوع ويقال لها رهطة ، وقول الشاعر :
( أجعلك رهطا على حيض ** )
فقد قيل أديم تلبسه الحيض من النساء ، وقيل الرهط خرقة تحشو بها الحائض متاعها عند الحيض ، ويقال هو أذل من الرهط .
رهق : رهقه الأمر غشيه بقهر ، يقال رهقته وأرهقته نحو ردفته وأردفته وبعثته وابتعثته قال : { وترهقهم ذلة } وقال : { سأرهقه صعودا } ومنه أرهقت الصلاة إذا أخرتها حتى غشي وقت الأخرى .
رهن : الرهن ما يوضع وثيقة للدين ، والرهان مثله لكن يختص بما يوضع في الخطار واصلهما مصدر ، يقال رهنت الرهن وراهنته رهانا فهو رهين ومرهون . ويقال في جمع الرهن رهان ورهن ورهون ، وقرئ : / < فرهن مقبوضة > / فرهان وقيل في قوله : { كل نفس بما كسبت رهينة } أنه فعيل بمعنى فاعل أي ثابتة مقيمة . وقيل بمعنى مفعول أي كل نفس مقامة في جزاء ما قدم من عمله . ولما كان الرهن يتصور منه حبسه استعير ذلك لحبس أي شيء كان ، قال : { بما كسبت رهينة } ورهنت فلانا ورهنت عنده وارتهنت أخذت الرهن وأرهنت في السلعة قيل غاليت بها وحقيقة ذلك أن يدفع سلعة تقدمة في ثمنه فتجعلها رهينة لإتمام ثمنها .
رهو : { واترك البحر رهوا } أي ساكنا
____________________
(1/204)
وقيل سعة من الطريق وهو الصحيح ، ومنه الرهاء للمفازة المستوية ، ويقال لكل حومة مستوية يجتمع فيها الماء رهو ، ومنه قيل لا شفعة في رهو ، ونظر أعرابي إلى بعير فالج فقال رهو بين سنامين .
ريب : يقال رابني كذا وأرابني ، فالريب أن تتوهم بالشيء أمرا ما فينكشف عما تتوهمه ، قال الله تعالى : { يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث } - { في ريب مما نزلنا على عبدنا } تنبيها أن لا ريب فيه ، وقوله : ( ريب المنون ) سماه ريبا لا أنه مشكك في كونه بل من حيث تشكك في وقت حصوله ، فالإنسان أبدا في ريب المنون من جهة وقته لا من جهة كونه ، وعلى هذا قال الشاعر :
( الناس قد علموا أن لا بقاء لهم ** لو أنهم علموا مقدار ما علموا )
ومثله :
( أمن المنون وريبها تتوجع ** )
وقال تعالى : { لفي شك منه مريب } - { معتد مريب } والارتياب يجري مجرى الإرابة ، قال : { أم ارتابوا أم يخافون } - { وتربصتم وارتبتم } ونفى من المؤمنين الارتياب فقال : { ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون } وقال : { ثم لم يرتابوا } وقيل : دع ما يريبك إلى مالا يريبك وريب الدهر صروفه ، وإنما قيل ريب لما يتوهم فيه من المكر ، والريبة اسم من الريب قال : { بنوا ريبة في قلوبهم } أي تدل على دغل وقلة يقين .
روح : الروح والروح في الأصل واحد ، وجعل الروح اسما للنفس ، قال الشاعر في صفة النار :
( فقلت له ارفعها إليك وأحيها ** بروحك واجعلها لها فيئة قدرا )
وذلك لكون النفس بعض الروح كتسمية النوع باسم الجنس نحو تسمية الإنسان بالحيوان ، وجعل اسما للجزء الذي به تحصل الحياة والتحرك واستجلاب المنافع واستدفاع المضار وهو المذكور في قوله : { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } - { ونفخت فيه من روحي } وإضافته إلى نفسه إضافة ملك وتخصيصه بالإضافة تشريفا له وتعظيما كقوله : { وطهر بيتي } - { يا عبادي } وسمي أشراف الملائكة أرواحا نحو : { يوم يقوم الروح والملائكة صفا } - { تعرج الملائكة والروح } - { نزل به الروح الأمين } سمي به جبريل وسماه بروح القدس في قوله : { قل نزله روح القدس } - { وأيدناه بروح القدس } وسمي عيسى عليه السلام روحا في قوله : { وروح منه } وذلك لما كان له من إحياء الأموات ، وسمي القرآن روحا في قوله : { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا } وذلك لكون القرآن سببا للحياة الأخروية الموصوفة في قوله : { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان } والروح التنفس
____________________
(1/205)
وقد أراح الإنسان إذا تنفس . وقوله : { فروح وريحان } فالريحان ما له رائحة وقيل رزق ، ثم يقال للحب المأكول ريحان في قوله : { والحب ذو العصف والريحان } وقيل لأعرابي : إلى أين فقال : أطلب من ريحان الله ، أي من رزقه والأصل ما ذكرنا . وروي : الولد من ريحان الله ، وذلك كنحو ما قال الشاعر :
( يا حبذا ريح الولد ** ريح الخزامى في البلد )
أو لأن الولد من رزق الله تعالى . والريح معروف وهي فيما قيل الهواء المتحرك . وعامة المواضع التي ذكر الله تعالى فيها إرسال الريح بلفظ الواحد فعبارة عن العذاب وكل موضع ذكر فيه بلفظ الجمع فعبارة عن الرحمة ، فمن الريح : { إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا } - { فأرسلنا عليهم ريحا } - { كمثل ريح فيها صر } - { اشتدت به الريح } وقال في الجمع : { وأرسلنا الرياح لواقح } - { أن يرسل الرياح مبشرات } - { يرسل الرياح بشرا } وأما قوله : { يرسل الرياح فتثير سحابا } فالأظهر فيه الرحمة وقرئ بلفظ الجمع وهو أصح . وقد يستعار الريح للغلبة في قوله : { وتذهب ريحكم } وقيل أروح الماء تغيرت ريحه ، واختص ذلك بالنتن . وريح الغدير يراح أصابته الريح ، وأراحوا دخلوا في الرواح ، ودهن مروح مطيب الريح . وروي : لم يرح رائحة الجنة أي لم يجد ريحها والمروحة مهب الريح والمروحة الآلة التي بها تستجلب الريح ، والرائحة تروح هواء . وراح فلان إلى أهله ، أي أنه أتاهم في السرعة كالريح أو أنه استفاد برجوعه إليهم روحا من المسرة . والراحة من الروح ، ويقال افعل ذلك في سراح ورواح أي سهولة . والمراوحة في العمل أن يعمل هذا مرة وذلك مرة ، واستعير الرواح للوقت الذي يراح الإنسان فيه من نصف النهار ، ومنه قيل أرحنا إبلنا ، وأرحت إليه حقه مستعار من أرحت الإبل ، والمراح حيث تراح الإبل ، وتروح الشجر وراح يراح تفطر . وتصور من الروح السعة فقيل قصعة روحاء ، وقوله : { ولا تيأسوا من روح الله } أي من فرجه ورحمته وذلك بعض الروح .
رود : الرود التردد في طلب الشيء برفق ، يقال راد وارتاد ومنه الرائد لطالب الكلإ وراد الإبل في طلب الكلإ وباعتبار الرفق قيل رادت الإبل في مشيها ترود رودانا ، ومنه بني المرود . وأرود يرود إذا رفق ومنه بني رويد نحو رويدك الشعر بغب . والإرادة منقولة من راد يرود إذا سعى في طلب شيء والإرادة في الأصل قوة مركبة من شهوة وحاجة وأمل وجعل اسما لنزوع النفس إلى الشيء مع الحكم فيه بأنه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل ثم يستعمل مرة في المبدإ وهو نزوع
____________________
(1/206)
النفس إلى الشيء وتارة في المنتهى وهو الحكم فيه بأنه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل ، فإذا استعمل في الله فإنه يراد به المنتهى دون المبدإ فإنه يتعالى عن معنى النزوع ، فمتى قيل أراد الله كذا فمعناه حكم فيه أنه كذا وليس بكذا نحو { إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة } وقد تذكر الإرادة ويراد بها معنى الأمر كقولك أريد منك كذا أي آمرك بكذا نحو { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } وقد يذكر ويراد به القصد نحو { لا يريدون علوا في الأرض } أي يقصدونه ويطلبونه . والإرادة قد تكون بحسب القوة التسخيرية والحسية كما تكون بحسب القوة الاختيارية . ولذلك تستعمل في الجماد ، وفي الحيوانات نحو : { جدارا يريد أن ينقض } ويقال فرسي تريد التبن . والمراودة أن تنازع غيرك في الإرادة فتريد غير ما يريد أو ترود غير ما يرود ، وراودت فلانا عن كذا . قال : { هي راودتني عن نفسي } وقال { تراود فتاها عن نفسه } أي تصرفه عن رأيه وعلى ذلك قوله : { ولقد راودته عن نفسه } - { سنراود عنه أباه } .
رأس : الرأس معروف وجمعه رءوس قال : { واشتعل الرأس شيبا } - { ولا تحلقوا رؤوسكم } ويعبر بالرأس عن الرئيس والأرأس العظيم الرأس ، وشاة رأساء اسود رأسها . ورياس السيف مقبضه .
ريش : ريش الطائر معروف وقد يخص الجناح من بين سائره ولكون الريش للطائر كالثياب للإنسان استعير للثياب . قال تعالى : { وريشا ولباس التقوى } وقيل أعطاه إبلا بريشها أي ما عليها من الثياب والآلات ، ورشت السهم أريشه ريشا فهو مريش : جعلت عليه الريش ، واستعير لإصلاح الأمر فقيل رشت فلانا فارتاش أي حسن حاله ، قال الشاعر :
( فرشني بحال طالما قد بريتني ** فخير الموالي من يريش ولا يبري )
ورمح راش خوار ، تصور منه خور الريش .
روض : الروض مستنقع الماء ، والخضرة قال { في روضة يحبرون } باعتبار الماء قيل أراض الوادي واستراض أي كثر ماؤه وأراضهم أرواهم . والرياضة كثرة استعمال النفس ليسلس ويمهر ، ومنه رضت الدابة . وقولهم افعل كذا ما دامت النفس مستراضة أي قابلة للرياضة أو معناه متسعة ، ويكون من الروض والإراضة . وقوله : { في روضة يحبرون } فعبارة عن رياض الجنة وهي محاسنها وملاذها . وقوله : { في روضات الجنات } فإشارة إلى ما أعد لهم في العقبى من حيث
____________________
(1/207)
الظاهر ، وقيل إشارة إلى ما أهلهم له من العلوم والأخلاق التي من تخصص بها ، طاب قلبه .
ريع : الريع المكان المرتفع الذي يبدو من بعيد ، الواحدة ريعة . قال { أتبنون بكل ريع آية } أي بكل مكان مرتفع ، وللارتفاع قيل ريع البئر للجثوة المرتفعة حواليها . وريعان كل شيء أوائله التي تبدو منه ، ومنه استعير الريع للزيادة والارتفاع الحاصل ومنه تريع السحاب .
روع : الروع الخلد وفي الحديث : إن روح القدس نفث في روعي والروع إصابة الروع واستعمل فيما ألقي فيه من الفزع ، قال : { فلما ذهب عن إبراهيم الروع } ، يقال رعته وروعته وريع فلان وناقة روعاء فزعة . والأروع الذي يروع بحسنه كأنه يفزع كما قال الشاعر :
( يهولك أن تلقاه في الصدر محفلا ** )
روغ : الروغ الميل على سبيل الاحتيال ومنه راغ الثعلب يروغ روغانا ، وطريق رائغ إذا لم يكن مستقيما كأنه يراوغ ، وراوغ فلان فلانا وراغ فلان إلى فلان مال نحوه لأمر يريده منه بالاحتيال ، قال : { فراغ إلى أهله } - { فراغ عليهم ضربا باليمين } أي مال ، وحقيقته طلب بضرب من الروغان ، ونبه بقوله : على ، معنى الاستيلاء .
رأف : الرأفة الرحمة وقد رؤف فهو رؤف ، ورؤوف ، نحو يقظ ، وحذر ، قال تعالى : { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } .
روم : { الم غلبت الروم } ، يقال مرة للجيل المعروف ، وتارة لجمع رومي كالعجم .
رين : الرين صدأ يعلو الشيء الجليل ، قال : { بل ران على قلوبهم } أي صار ذلك كصدإ على جلاء قلوبهم فعمي عليهم معرفة الخير من الشر ، قال الشاعر :
( إذا ران النعاس بهم ** )
وقد رين على قلبه .
رأى : رأى : عينه همزة ولامه ياء لقولهم رؤية وقد قلبه الشاعر فقال :
( وكل خليل راءني فهو قائل ** من اجلك هذا هامة اليوم أو غد ) وتحذف الهمزة من مستقبله فيقال ترى ويرى ونرى ، قال : { فإما ترين من البشر أحدا } وقال { أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس } وقرئ أرنا والرؤية إدراك المرئي ، وذلك أضرب بحسب قوى النفس ، والأول : بالحاسة وما يجري مجراها نحو : { لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين } - { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله }
____________________
(1/208)
) وقوله { فسيرى الله عملكم } فإنه مما أجري مجرى الرؤية الحاسة فإن الحاسة لا تصح على الله تعالى عن ذلك ، وقوله : { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } .
والثاني : بالوهم والتخيل نحو أرى أن زيدا منطلق ونحو قوله : { ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا } .
والثالث : بالتفكر نحو { إني أرى ما لا ترون } .
والرابع : بالعقل وعلى ذلك قوله ( ما كذب الفؤاد ما رأى ) وعلى ذلك حمل قوله : { ولقد رآه نزلة أخرى } .
ورأى إذا عدي إلى مفعولين اقتضى معنى العلم نحو { ويرى الذين أوتوا العلم } وقال : { إن ترن أنا أقل منك } ويجري أرأيت مجرى أخبرني فيدخل عليه الكاف ويترك التاء على حالته في التثنية والجمع والتأنيث ويسلط التغيير على الكاف دون التاء ، قال { أرأيتك هذا الذي } - { قل أرأيتكم } وقوله : { أرأيت الذي ينهى } - { قل أرأيتم ما تدعون } - { قل أرأيتم إن جعل الله } - { قل أرأيتم إن كان } - { أرأيت إذ أوينا } كل ذلك فيه معنى التنبيه .
والرأي اعتقاد النفس أحد النقيضين عن غلبة الظن وعلى هذا قوله : { يرونهم مثليهم رأي العين } أي يظنونهم بحسب مقتضى مشاهدة العين مثليهم ، تقول فعل ذلك رأي عيني وقيل راءة عيني . والروية والتروية التفكر في الشيء والإمالة بين خواطر النفس في تحصيل الرأي والمرتئي والمروي المتفكر ، وإذا عدي رأيت بإلى اقتضى معنى النظر المؤدي إلى الاعتبار نحو : { ألم تر إلى ربك } وقوله { بما أراك الله } أي بما علمك . والراية العلامة المنصوبة للرؤية . ومع فلان رئي من الجن ، وأرأت الناقة فهي مرء إذا أظهرت الحمل حتى يرى صدق حملها . والرؤيا ما يرى في المنام وهو فعلى وقد يخفف فيه الهمزة فيقال بالواو وروي لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا قال : { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق } - { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك } وقوله : { فلما تراءى الجمعان } أي تقاربا وتقابلا حتى صار كل واحد منهما بحيث يتمكن من رؤية الآخر ويتمكن الآخر من رؤيته . ومنه قوله لا يتراءى نارهما ، ومنازلهم رئاء أي متقابلة . وفعل ذلك رئاء الناس أي مراءاة وتشيعا . والمرآة ما يرى فيه صورة الأشياء وهي مفعلة من رأيت نحو المصحف من صحفت وجمعها مرائي والرئة العضو المنتشر عن القلب وجمعه من لفظه رؤون وأنشد أبو زيد :
( حفظناهمو حتى أتى الغيظ منهمو ** قلوبا وأكبادا لهم ورئينا )
ورئته إذا ضربت رئته .
____________________
(1/209)
روى : تقول ماء رواء وروى أي كثير مرو . فروى على بناء عدى ومكانا سوى ، قال الشاعر :
( من شك في فلج فهذا فلج ** ماء رواء وطريق نهج )
وقوله : { هم أحسن أثاثا ورئيا } فمن لم يهمز جعله من روي كأنه ريان من الحسن ، ومن همز فللذي يرمق من الحسن به ، وقيل هو منه على ترك الهمز ، والري اسم لما يظهر منه والرواء منه وقيل هو مقلوب من رأيت . قال أبو علي الفسوي : المروءة هو من قولهم حسن في مرآة العين كذا قال وهذا غلط لأن الميم في مرآة زائدة ومروءة فعولة . وتقول أنت بمرأى ومسمع أي قريب ، وقيل أنت مني مرأى ومسمع ، بطرح الباء ، ومرأى مفعل من رأيت .
____________________
(1/210)
= كتاب الزاي =
زبد : الزبد زبد الماء وقد أزبد أي صار ذا زبد ، قال { فأما الزبد فيذهب جفاء } والزبد اشتق منه لمشابهته إياه في اللون ، وزبدته زبدا أعطيته مالا كالزبد كثرة وأطعمته الزبد ، والزباد نور يشبهه بياضا .
زبر : الزبرة قطعة عظيمة من الحديد جمعه زبر ، قال : { آتوني زبر الحديد } وقد يقال الزبرة من الشعر جمعه زبر واستعير للمجزإ ، قال : { فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا } أي صاروا فيه أحزابا . وزبرت الكتاب كتبته كتابة عظيمة وكل كتاب غليظ الكتابة يقال له زبور وخص الزبور بالكتاب المنزل على داود عليه السلام قال : { وآتينا داود زبورا } - { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر } وقرئ زبورا بضم الزاي وذلك جمع زبور كقولهم في جمع ظريف ظروف ، أو يكون جمع زبر ، وزبر مصدر سمي به كالكتاب ثم جمع على زبر كما جمع كتاب على كتب ، وقيل بل الزبور كل كتاب صعب الوقوف عليه من الكتب الإلهية ، قال { وإنه لفي زبر الأولين } قال : { والزبر والكتاب المنير } - { أم لكم براءة في الزبر } وقال بعضهم : الزبور اسم للكتاب المقصور على الحكم العقلية دون الأحكام الشرعية ، والكتاب لما يتضمن الأحكام والحكم ويدل على ذلك أن زبور داود عليه السلام لا يتضمن شيئا من الأحكام وزئبر الثوب معروف ، والأزبر ما ضخم زبرة كاهله ، ومنه قيل هاج زبرؤه لمن يغضب .
زج : الزجاج حجر شفاف ، الواحدة زجاجة ، قال : { في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري } والزج حديدة أسفل الرمح جمعه زجاج ، وزججت الرجل طعنته بالزج ، وأزججت الرمح جعلت له زجا ، وأزججته نزعت زجه . والزجج دقة في الحاجبين مشبه بالزج ، وظليم أزج ونعامة زجاء للطويلة الرجل .
زجر : الزجر طرد بصوت ، يقال زجرته فانزجر ، قال : { فإنما هي زجرة واحدة } ثم يستعمل في الطرد تارة وفي الصوت أخرى . وقوله : { فالزاجرات زجرا } أي الملائكة التي
____________________
(1/211)
تزجر السحاب ، وقوله : { ما فيه مزدجر } أي طرد ومنع عن ارتكاب المآثم . وقال { وازدجر } أي طرد ، واستعمال الزجر فيه لصياحهم بالمطرود نحو أن يقال اعزب وتنح ووراءك .
زجا : التزجية دفع الشيء لينساق كتزجية رديف البعير وتزجية الريح السحاب قال : { يزجي سحابا } وقال : { يزجي لكم الفلك } ومنه رجل مزجا ، وأزجيت ردئ التمر فزجا ، ومنه استعير زجا الخراج يزجو وخراج زاج ، وقول الشاعر :
( وحاجة غير مزجاة عن الحاج ** )
أي غير يسيرة يمكن دفعها وسوقها لقلة الاعتداد بها .
زحح : { فمن زحزح عن النار } أي أزيل عن مقره فيها .
زحف : أصل الزحف انبعاث مع جر الرجل كانبعاث الصبي قبل أن يمشي وكالبعير إذا أعيا فجر فرسنه ، وكالعسكر إذا كثر فيعثر انبعاثه . قال : { إذا لقيتم الذين كفروا زحفا } والزاحف السهم يقع دون الغرض .
زخرف : الزخرف الزينة المزوقة ، ومنه قيل للذهب زخرف ، وقال : { أخذت الأرض زخرفها } وقال : { بيت من زخرف } أي ذهب مزوق ، وقال : { وزخرفا } وقال : { زخرف القول غرورا } أي المزوقات من الكلام .
زرب : الزرابي جمع زرب وهو ضرب من الثياب محبر منسوب إلى موضع وعلى طريق التشبيه والاستعارة . قال : { وزرابي مبثوثة } والزرب والزريبة موضع الغنم وفترة الرامي .
زرع : الزرع الإنبات وحقيقة ذلك تكون بالأمور الإلهية دون البشرية . قال { أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون } فنسب الحرث إليهم ونفى عنهم الزرع ونسبه إلى نفسه وإذا نسب إلى العبد فلكونه فاعلا للأسباب التي هي سبب الزرع كما تقول أنبت كذا إذا كنت من أسباب نباته ، والزرع في الأصل مصدر وعبر به عن المزروع نحو قوله : { فنخرج به زرعا } وقال { وزروع ومقام كريم } ويقال زرع الله ولدك تشبيها كما تقول أنبته الله ، والمزرع الزراع ، وازدرع النبات صار ذا زرع .
زرق : الزرقة بعض الألوان بين البياض والسواد ، يقال زرقت عينه زرقة وزرقانا ، وقوله تعالى : { زرقا يتخافتون } أي عميا عيونهم لا نور لها . والزرق طائر ، وقيل زرق الطائر يزرق ، وزرقه بالمزراق رماه به .
زرى : زريت عليه عبته وأزريت به قصدت به وكذلك ازدريت وأصله افتعلت قال { تزدري أعينكم } أي تستقلهم ، تقديره
____________________
(1/212)
تزدريهم أعينكم : أي تستقلهم وتستهين بهم .
زعق : الزعاق الماء الملح الشديد الملوحة ، وطعام مزعوق كثر ملحه حتى صار زاعاقا وزعق به أفزعه بصياحه فانزعق أي فزع والزعق الكثير الزعق : أي الصوت ، والزعاق النعار .
زعم : الزعم حكاية قول يكون مظنة للكذب ولهذا جاء في القرآن في كل موضع ذم القائلون به نحو : { زعم الذين كفروا } - { بل زعمتم } - { كنتم تزعمون } - { زعمتم من دونه } وقيل للضمان بالقول والرئاسة زعامة فقيل للمتكفل والرئيس زعيم للاعتقاد في قوليهما إنهما مظنة للكذب . قال { وأنا به زعيم } - { أيهم بذلك زعيم } إما من الزعامة أي الكفالة أو من الزعم بالقول .
زف : زف الإبل يزف زفا وزفيفا وأزفها سائقها وقرئ { إليه يزفون } أي يسرعون . ويزفون اي يحملون أصحابهم على الزفيف ، وأصل الزفيف في هبوب الريح وسرعة النعام التي تخلط الطيران بالمشي . وزفزف النعام أسرع ومنه استعير زف العروس واستعارة ما يقتضي السرعة لا لأجل مشيتها ولكن للذهاب بها على خفة من السرور .
زفر : قال : { لهم فيها زفير } فالزفير تردد النفس حتى تنتفخ الضلوع منه ، وازدفر فلان كذا إذا تحمله بمشقة فتردد فيه نفسه ، وقيل للإماء الحاملات للماء زوافر .
زقم : { إن شجرة الزقوم } عبارة عن أطعمة كريهة في النار ومنه استعير زقم فلآن وتزقم إذا ابتلع شيئا كريها .
زكا : أصل الزكاة النمو الحاصل عن بركة الله تعالى ويعتبر ذلك بالأمور الدنيوية والأخروية ، يقال زكا الزرع يزكو إذا حصل منه نمو وبركة . وقوله : { أيها أزكى طعاما } إشارة إلى ما يكون حلالا لا يستوخم عقباه ومنه الزكاة لما يخرج الإنسان من حق الله تعالى إلى الفقراء وتسميته بذلك لما يكون فيها من رجاء البركة أو لتزكية النفس اي تنميتها بالخيرات والبركات أولهما جميعا فإن الخيرين موجودان فيها . وقرن الله تعالى الزكاة بالصلاة في القرآن بقوله : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } وبزكاء النفس وطهارتها يصير الإنسان بحيث يستحق في الدنيا الأوصاف المحمودة ، وفي الآخرة الأجر والمثوبة . وهو أن يتحرى الإنسان ما فيه تطهيره وذلك ينسب تارة إلى العبد لكونه مكتسبا لذلك نحو { قد أفلح من زكاها } وتارة ينسب إلى الله تعالى لكونه فاعلا لذلك في الحقيقة نحو { بل الله يزكي من يشاء }
____________________
(1/213)
) وتارة إلى النبي لكونه واسطة في وصول ذلك إليهم نحو { تطهرهم وتزكيهم بها } - { يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم } وتارة إلى العبادة التي هي آلة في ذلك نحو { وحنانا من لدنا وزكاة } - { لأهب لك غلاما زكيا } أي مزكى بالخلقة وذلك على طريق ما ذكرنا من الاجتباء وهو أن يجعل بعض عباده عالما وطاهر الخلق لا بالتعلم والممارسة بل بتوفيق إلهي كما يكون حل الأنبياء والرسل . ويجوز أن يكون تسميته بالمزكى لما يكون عليه في الاستقبال لا في الحال والمعنى سيتزكى { والذين هم للزكاة فاعلون } أي يفعلون ما يفعلون من العبادة ليزكيهم الله أو ليزكوا أنفسهم ، والمعنيان واحد . وليس قوله للزكاة مفعولا لقوله فاعلون بل اللام فيه للعلة والقصد . وتزكية الإنسان نفسه ضربان : أحدهما بالفعل وهو محمود وإليه قصد بقوله { قد أفلح من زكاها } وقوله { قد أفلح من تزكى } والثاني : بالقول كتزكية العدل غيره وذلك مذموم أن يفعل الإنسان بنفسه وقد نهى الله تعالى عنه فقال : { فلا تزكوا أنفسكم } ونهيه عن ذلك تأديب لقبح مدح الإنسان نفسه عقلا وشرعا ولهذا قيل لحكيم : ما الذي لا يحسن وإن كان حقا فقال : مدح الرجل نفسه .
زل : الزلة في الأصل استرسال الرجل من غير قصد ، يقال زلت رجل تزل ، والزلة المكان الزلق ، وقيل للذنب من غير قصد زلة تشبيها بزلة الرجل . قال تعالى : { فإن زللتم } - { فأزلهما الشيطان } - و استزله إذا تحرى زلته وقوله : { إنما استزلهم الشيطان } أي استجرهم الشيطان حتى زلوا فإن الخطيئة الصغيرة إذا ترخص الإنسان فيها تصير مسهلة لسبيل الشيطان على نفسه . وقوله عليه السلام من أزلت إليه نعمة فليشكرها أي من أوصل إليه نعمة بلا قصد من مسديها تنبيها أنه إذا كان الشكر في ذلك لازما فكيف فيما يكون عن قصده . والتزلزل الاضطراب ، وتكرير حروف لفظه تنبيه على تكرير معنى الزلل فيه ، قال : { إذا زلزلت الأرض زلزالها } وقال { إن زلزلة الساعة شيء عظيم } - { وزلزلوا زلزالا شديدا } أي زعزعوا من الرعب .
زلف : الزلفة المنزلة والحظوة ، وقوله : { فلما رأوه زلفة } قيل معناه لما رأوأ زلفة المؤمنين وقد حرموها . وقيل استعمال الزلفة في منزلة العذاب كاستعمال البشارة ونحوها من الألفاظ . وقيل لمنازل الليل زلف قال : { وزلفا من الليل } قال الشاعر :
( طي الليالي زلفا فزلفا ** )
والزلفى الحظوة ، قال الله تعالى : { إلا ليقربونا إلى الله زلفى } والمزالف المراقي وأزلفته جعلت له زلفى ، قال : { وأزلفنا ثم الآخرين } { وأزلفت الجنة للمتقين }
____________________
(1/214)
) وليلة المزدلفة خصت بذلك لقربهم من منى بعد الإفاضة . وفي الحديث ازدلفوا إلى الله بركعتين .
زلق : الزلق والزلل متقاربان قال { صعيدا زلقا } أي دحضا لا نبات فيه نحو قوله : { فتركه صلدا } والمزلق المكان الدحض قال : { ليزلقونك بأبصارهم } وذلك كقول الشاعر :
( نظرا يزيل مواضع الأقدام ** )
ويقال زلقه وأزلقه فزلق ، قال يونس : لم يسمع الزلق والإزلاق إلا في القرآن ، وروي أن أبي بن كعب قرا / < وأزلقنا ثم الآخرين > / أي أهلكنا .
زمر : قال : { وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا } جمع زمرة وهي الجماعة القليلة ، ومنه قيل شاة زمرة قليلة الشعر ورجل زمر قليل المروءة ، وزمرت النعامة تزمر زمارا وعنه اشتق الزمر ، والزمارة كناية عن الفاجرة .
زمل : { يا أيها المزمل } أي المتزمل في ثوبه وذلك على سبيل الاستعارة كناية عن المقصر والمتهاون بالأمر وتعريضا به ، والزميل الضعيف ، قالت أم تأبط شرا : ليس بزميل شروب للغيل .
زنم : الزنيم والمزنم الزائد في القوم وليس منهم تشبيها بالزنمتين من الشاة وهما المتدليتان من أذنها ومن الحلق ، قال تعالى : { عتل بعد ذلك زنيم } وهو العبد زلمة وزنمة أي المنتسب إلى قوم هو معلق بهم لا منهم وقال الشاعر :
( فأنت زنيم نيط في آل هاشم ** كما نيط خلف الراكب القدح الفرد )
زنا الزنا وطء المراة من غير عقد شرعي ، وقد يقصر وإذا مد يصح أن يكون مصدر المفاعلة والنسبة إليه زنوي ، وفلآن لزنية وزنية ، قال الله تعالى { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان } - { الزانية والزاني } وزنأ في الجبل بالهمز زنأ وزنوءا والزناء الحاقن بوله ، ونهي الرجل أن يصلي وهو زناء .
زهد : الزهيد الشيء القليل والزاهد في الشيء الراغب عنه والراضي منه بالزهيد أي القليل { وكانوا فيه من الزاهدين } .
زهق : زهقت نفسه خرجت من الأسف على الشيء قال { وتزهق أنفسهم } .
زيت : زيتون وزيتونة نحو : شجر وشجرة ، قال تعالى : { زيتونة لا شرقية ولا غربية } والزيت عصارة الزيتون ، قال : { يكاد زيتها يضيء } وقد زات طعامه نحو سنه وزات رأسه نحو دهنه به ، وازدات ادهن .
زوج : يقال لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى في الحيوانات المتزاوجة
____________________
(1/215)
زوج ولكل قرينين فيها وفي غيرها زوج ، كالخف والنعل ، ولكل ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضاد زوج . قال تعالى : { فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى } قال : { وزوجك الجنة } وزوجة لغة رديئة وجمعها زوجات قال الشاعر :
( فبكا بناتي شجوهن وزوجتي ** ) وجمع الزوج أزواج . وقوله { هم وأزواجهم } - { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم } أي أقرانهم المقتدين بهم في أفعالهم { إلى ما متعنا به أزواجا منهم } أي أشباها وأقرانا . وقوله : { سبحان الذي خلق الأزواج } - { ومن كل شيء خلقنا زوجين } فتنبيه أن الأشياء كلها مركبة من جوهر وعرض ومادة وصورة ، وأن لا شيء يتعرى من تركيب يقتضي كونه مصنوعا وأنه لا بد له من صانع تنبيها أنه تعالى هو الفرد ، وقوله { خلقنا زوجين } فبين أن كل ما في العالم زوج من حيث أن له ضدا أو مثلا ما أو تركيبا ما بل لا ينفك بوجه من تركيب ، وإنما ذكر ههنا زوجين تنبيها أن الشيء وإن لم يكن له ضد ولا مثل فإنه لا ينفك من تركيب جوهر وعرض وذلك زوجان . وقوله : { أزواجا من نبات شتى } أي أنواعا متشابهة . وكذلك قوله : { من كل زوج كريم } - { ثمانية أزواج } أي أصناف . وقوله { وكنتم أزواجا ثلاثة } أي قرناء ثلاثا وهم الذين فسرهم بما بعد . وقوله : { وإذا النفوس زوجت } فقد قيل معناه قرن كل شيعة بمن شايعهم في الجنة والنار نحو : { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم } وقيل قرنت الأرواح بأجسادها حسبما نبه عليه قوله في أحد التفسيرين : { يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية } أي صاحبك . وقيل قرنت النفوس بأعمالها حسبما نبه قوله { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء } وقوله : { وزوجناهم بحور عين } أي قرناهم بهن ، ولم يجئ في القرآن زوجناهم حورا كما يقال زوجته امرأة تنبيها أن ذلك لا يكون على حسب المتعارف فيما بيننا من المناكحة .
زاد : الزيادة أن ينضم إلى ما عليه الشيء في نفسه شيء آخر ، يقال زدته فازداد وقوله { ونزداد كيل بعير } نحو ازددت فضلا أي ازداد فضلي وهو من باب { سفه نفسه } وذلك قد يكون زيادة مذمومة كالزيادة على الكفاية مثل زيادة الأصابع والزوائد في قوائم الدابة وزيادة الكبد وهي قطعة معلقة بها يتصور أن لا حاجة إليها لكونها غير مأكولة ، وقد تكون زيادة محمودة نحو قوله : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } وروي من طرق مختلفة أن هذه الزيادة النظر إلى وجه الله إشارة إلى إنعام وأحوال لا يمكن تصورها
____________________
(1/216)
في الدنيا { وزاده بسطة في العلم والجسم } أي أعطاه من العلم والجسم قدرا يزيد على ما أعطى أهل زمانه ، وقوله { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى } ومن الزيادة المكروهة قوله : { ما زادهم إلا نفورا } وقوله { زدناهم عذابا فوق العذاب } - { فما تزيدونني غير تخسير } وقوله { فزادهم الله مرضا } فإن هذه الزيادة هو ما بني عليه جبلة الإنسان أن من تعاطى فعلا إن خيرا وإن شرا تقوى فيما يتعاطاه فيزداد حالا فحالا . وقوله : { هل من مزيد } يجوز أن يكون ذلك استدعاء للزيادة ويجوز أن يكون تنبيها أنها قد امتلأت وحصل فيها ما ذكر تعالى في قوله { لأملأن جهنم من الجنة والناس } يقال زدته وزاد هو وازداد ، قال { وازدادوا تسعا } وقال { ثم ازدادوا كفرا } - { وما تغيض الأرحام وما تزداد } وشر زائد وزيد . قال الشاعر :
( وأنتمو معشر زيد على مائة ** فأجمعوا أمركم كيدا فكيدوني )
والزاد : المدخر الزائد على ما يحتاج إليه في الوقت ، والتزود أخذ الزاد ، قال : { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى } والمزود ما يجعل فيه الزاد من الطعام والمزادة ما يجعل فيه الزاد من الماء .
زور : الزور أعلى الصدر وزرت فلانا تلقيته بزورى أو قصدت زوره وجهته ورجل زائر وقوم زور نحو سافر وسفر ، وقد يقال رجل زور فيكون مصدرا موصوفا به نحو ضيف ، والزور ميل في الزور والأزور المائل الزور وقوله { تزاور عن كهفهم } أي تميل ، قرئ بتخفيف الزاي وتشديده وقرئ تزور . قال أبو الحسن لا معنى لتزورههنا لأن الأزورار الانقباض ، يقال تزاور عنه وازور عنه ورجل أزور وقوم زور وبئر زوراء مائلة الحفر وقيل للكذب زور لكونه مائلا عن جهته ، قال : { ظلما وزورا } وقول الزور من القول وزورا لا يشهدون الزور ، ويسمى الصنم زورا في قول الشاعر :
( جاءوا بزور بينهم وجئنا بالأمم ** )
لكون ذلك كذبا وميلا عن الحق .
زيغ : الزيغ الميل عن الاستقامة والتزايغ التمايل ورجل زائغ وقوم زاغة وزائغون وزاغت الشمس وزاغ البصر { وإذ زاغت الأبصار } يصح أن يكون إشارة إلى ما يداخلهم من الخوف حتى اظلمت أبصارهم ويصح أن يكون إشارة إلى ما قال { يرونهم مثليهم رأي العين } وقال { ما زاغ البصر وما طغى } - { من بعد ما كاد يزيغ } - { فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم } لما فارقوا الاستقامة عاملهم بذلك .
زال : زال الشيء يزول زوالا : فارق طريقته جانحا عنه وقيل أزلته وزولته ، قال : { أن تزولا } - { ولئن زالتا } - { لتزول منه الجبال } والزوال يقال في شيء قد كان ثابتا قبل فإن قيل
____________________
(1/217)
قد قالوا زوال الشمس ومعلوم أن لا ثبات للشمس بوجه ، قيل إن ذلك قالوه لاعتقادهم في الظهيرة أن لها ثباتا في كبد السماء ولهذا قالوا قام قائم الظهيرة وسار النهار ، وقيل زاله يزيله زيلا قال الشاعر :
( زال زوالها ** )
أي أذهب الله حركتها ، والزوال التصرف وقيل هو نحو قولهم اسكت الله نامته ، وقال الشاعر :
( إذا ما رأتنا زال منها زويلها ** )
ومن قال زال لا يتعدى قال زوالها نصب على المصدر ، وتزبلوا تفرقوا ، قيل { فزيلنا بينهم } وذلك على التكثير فيمن قال زلت متعد نحو مزته وميزته ، وقولهم ما زال ولا يزال خصا بالعبارة وأجري مجرى كان في رفع الاسم ونصب الخبر وأصله من الياء لقولهم زيلت ومعناه معنى ما برحت وعلى ذلك { ولا يزالون مختلفين } وقوله { لا يزال بنيانهم } - { ولا يزال الذين كفروا } - { فما زلتم في شك } ولا يصح أن يقال ما زال زيد إلا منطلقا كما يقال ما كان زيد إلا منطلقا وذلك أن زال يقتضي معنى النفي إذ هو ضد الثبات وما ولا : يقتضيان النفي ، والنفيان إذا اجتمعا اقتضيا الإثبات فصار قولهم ما زال يجري مجرى كان في كونه إثباتا فكما لا يقال كان زيد إلا منطلقا ، لا يقال ما زال زيد إلا منطلقا .
زين : الزينة الحقيقية ما لا يشين الإنسان في شيء من أحواله لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فأما ما يزينه في حالة دون حالة فهو من وجه شين ، والزينة بالقول المجمل ثلاث : زينة نفسية كالعلم والاعتقادات الحسنة ، وزينة بدنية كالقوة وطول القامة ، وزينة خارجية كالمال والجاه . فقوله { حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم } فهو من الزينة النفسية . وقوله { من حرم زينة الله } فقد حمل على الزينة الخارجية وذلك أنه قد روي أن قوما كانوا يطوفون بالبيت عراة فنهوا عن ذلك بهذه الآية ، وقال بعضهم : بل الزينة المذكورة في هذه الآية هي الكرم المذكور في قوله : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } وعلى هذا قال الشاعر :
( وزينة المرء حسن الأدب ** )
وقوله : { فخرج على قومه في زينته } هي الزينة الدنيوية من المال والأثاث والجاه ، يقال زانه كذا وزينه إذا أظهر حسنه إما بالفعل أو بالقول وقد نسب الله تعالى التزيين في مواضع إلى نفسه وفي مواضع إلى الشيطان وفي مواضع ذكره غير مسمى فاعله ، فمما نسبه إلى نفسه قوله في الإيمان { وزينه في قلوبكم } وفي الكفر قوله : { زينا لهم أعمالهم } - { زينا لكل أمة عملهم } ومما نسبه إلى الشيطان قوله : { وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم } وقوله تعالى : { لأزينن لهم في الأرض } ولم يذكر المفعول لأن المعنى
____________________
(1/218)
مفهوم . ومما لم يسم فاعله قوله عز وجل : { زين للناس حب الشهوات } - { زين لهم سوء أعمالهم } وقال { زين للذين كفروا الحياة الدنيا } وقوله { زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم } تقديره زينه شركاؤهم وقوله { زينا السماء الدنيا بمصابيح } وقوله : { إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب } - { وزيناها للناظرين } فإشارة إلى الزينة التي تدرك بالبصر التي يعرفها الخاصة والعامة وإلى الزينة المعقولة التي يختص بمعرفتها الخاصة وذلك أحكامها وسيرها . وتتزيين الله للأشياء قد يكون بإبداعها مزينة وإيجادها كذلك ، وتزيين الناس للشيء بتزويقهم أو بقولهم وهو أن يمدحوه ويذكروه بما يرفع منه .
____________________
(1/219)
= كتاب السين =
سبب : السبب الحبل الذي يصعد به النخل وجمعه أسباب قال { فليرتقوا في الأسباب } والإشارة بالمعنى إلى نحو قوله : { أم لهم سلم يستمعون فيه } وسمي كل ما يتوصل به إلى شيء سببا ، قال تعالى { وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا } ومعناه أن الله تعالى أتاه من كل شيء معرفة وذريعة يتوصل بها فأتبع واحدا من تلك الأسباب وعلى ذلك قوله تعالى : { لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات } أي لعلي أعرف الذرائع والأسباب الحادثة في السماء فأتوصل بها إلى معرفة ما يدعيه موسى ، وسمي العمامة والخمار والثوب الطويل سببا تشبيها بالحبل في الطول . وكذا منهج الطريق وصف بالسبب كتشبيهه بالخيط مرة وبالثوب المحدود مرة . والسب الشتم الوجيع قال { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم } وسبهم لله ليس على أنهم يسبونه صريحا ولكن يخوضون في ذكره فيذكرونه بما لا يليق به ويتمادون في ذلك بالمجادلة فيزدادون في ذكره با تنزه تعالى عنه وقول الشاعر :
( فما كان ذنب بني مالك ** بأن سب منهم غلاما فسب
( بأبيض ذي شطب قاطع ** يقد العظام ويبري القصب )
فإنه نبه على ما قال الآخر :
( ونشتم بالأفعال لا بالتكلم ** )
والسب المسابب ، قال الشاعر :
( لا تسبنني فلست بسبي ** إن سبي من الرجال الكريم )
والسبة ما يسب وكني بها عن الدبر ، وتسميته بذلك كتسميته بالسوأة . والسبابة سميت للإشارة بها عند السب ، وتسميتها بذلك كتسميتها بالمسبحة لتحريكها بالتسبيح .
سبت : اصل السبت القطع ومنه سبت السير قطعه وسبت شعره حلقه وأنفه اصطلمه ، وقيل سمي يوم السبت لأن الله تعالى ابتدأ بخلق السموات والأرض يوم الأحد فخلقها في ستة أيام كما ذكره فقطع عمله يوم السبت
____________________
(1/220)
فسمى بذلك وسبت فلان صار فى السبت وقوله { يوم سبتهم شرعا } قيل يوم قطعهم للعمل { ويوم لا يسبتون } قيل معناه لا يقطعون العمل وقيل يوم لا يكونون فى السبت وكلاهما إشارة إلى حالة واحدة وقوله { إنما جعل السبت } أى ترك العمل فيه { وجعلنا نومكم سباتا } أى قطعا للعمل وذلك إشارة إلى ما قال فى صفة الليل { لتسكنوا فيه }
سبح : السبح المر السريع في الماء وفي الهواء يقال سبح سبحا وسباحة واستعير لمر النجوم فى الفلك نحو { وكل في فلك يسبحون } ولجري الفرس نحو { والسابحات سبحا } ولسرعة الذهاب فى العمل نحو { إن لك في النهار سبحا طويلا } والتسبيح تنزيه الله تعالى وأصله المر السريع فى عبادة الله تعالى وجعل ذلك فى فعل الخير كما جعل الإبعاد فى الشر فقيل أبعده الله وجعل التسبيح عاما فى العبادات قولا كان أو فعلا أو نية قال { فلولا أنه كان من المسبحين } قيل من المصلين والأولى أن يحمل على ثلاثتها قال : { ونحن نسبح بحمدك } - { وسبح بالعشي } - { فسبحه وأدبار السجود } - { لولا تسبحون } أى هلا تعبدونه وتشكرونه وحمل ذلك على الاستثناء وهو أن يقول إن شاء الله ويدل على ذلك قوله { إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون } وقال { تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } فذلك نحو قوله : { ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها } - { ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض } فذلك يقتضي أن يكون تسبيحا على الحقيقة وسجودا له على وجه لا نفقهه بدلالة قوله : { ولكن لا تفقهون تسبيحهم } ودلالة قوله { ومن فيهن } بعد ذكر السموات والأرض ولا يصح أن يكون تقديره : يسبح له من في السموات ، ويسجد له من الأرض ، لأن هذا مما نفقهه ولأنه محال أن يكون ذلك تقديره ثم يعطف عليه بقوله { ومن فيهن } والأشياء كلها تسبح له وتسجد بعضها بالتسخير ، وبعضها بالاختيار ولا خلاف أن السموات والأرض والدواب مسبحات بالتسخير من حيث إن أحوالها تدل على حكمة الله تعالى ، وإنما الخلاف في السموات والأرض هل تسبح باختيار والآية تقتضي ذلك بما ذكرت من الدلالة ، وسبحان أصله مصدر نحو غفران قبل { فسبحان الله حين تمسون } - { سبحانك لا علم لنا } وقول الشاعر :
( سبحان من علقمة الفاجر ** )
قيل تقديره سبحان علقمة على طريق التهكم فزاد فيه من ردا إلى أصله ~ ، وقيل أراد سبحان الله من أجل علقمة فحذف المضاف إليه . والسبوح القدوس من أسماء الله تعالى وليس في
____________________
(1/221)
كلامهم فعول سواهما وقد يفتحان نحو كلوب وسمور ، والسبحة التسبيح وقد يقال للخرزات التي بها يسبح سبحة .
سبخ : قرئ / < إن لك في النهار سبخا > / أي سعة في التصرف ، وقد سبخ الله عنه الحمى فتسبح أي تغشى والتسبيخ ريش الطائر والقطن المندوف ونحو ذلك مما ليس فيه اكتناز وثقل .
سبط : أصل السبط انبساط في سهولة يقال شعر سبط وسبط وقد سبط سبوطا وسباطة وسباطا وامرأة سبطة الخلقة ورجل سبط الكفين ممتدهما ويعبر به عن الجود ، والسبط ولد الولد كأنه امتداد الفروع ، قال { ويعقوب والأسباط } أي قبائل كل قبيلة من نسل رجل أسباطا أمما . والساباط المنبسط بين دارين . وأخذت فلانا سباط أي حمى تمطه ، والسباطة خير من قمامة ، وسبطت الناقة ولدها : أي ألقته .
سبع : أصل السبع العدد قال : { سبع سماوات } - { سبعا شدادا } يعني السموات السبع و { وسبع سنبلات } - { سبع ليال } - { سبعة وثامنهم كلبهم } - { سبعون ذراعا } - { سبعين مرة } - { سبعا من المثاني } قيل سورة الحمد لكونها سبع آيات ، السبع الطوال من البقرة إلى الأعراف وسمي سور القرآن المثاني لأنه يثنى فيها القصص ومنه السبع والسبيع والسبع في الورود . والأسبوع جمعه أسابيع ويقال طفت بالبيت أسبوعا وأسابيع وسبعت القوم كنت سابعهم ، وأخذت سبع أموالهم ، والسبع معروف وقيل سمي بذلك لتمام قوته وذلك أن السبع من الأعداد التامة وقول الهذلي :
( كأنه عبد لآل أبي ربيعة مسبع ** )
أي قد وقع السبع في غنمه وقيل معناه المهمل مع السباع ، ويروى مسبع بفتح الباء وكني بالمسبع عن الدعي الذي لا يعرف أبوه ، وسبع فلان فلانا اغتابه وأكل لحمه أكل السباع ، والمسبع موضع السبع .
سبغ : درع سابغ تام واسع . قال الله تعالى : { أن اعمل سابغات } وعنه استعير إسباغ الوضوء وإسباغ النعم قال : { وأسبغ عليكم نعمه } .
سبق : أصل السبق التقدم في السير نحو : { فالسابقات سبقا } والاستباق التسابق قال { إنا ذهبنا نستبق } - { واستبقا الباب } ثم يتجوز به في غيره من التقدم قال { ما سبقونا إليه } - { سبقت من ربك } أي نفدت وتقدمت ، ويستعار السبق لإحراز الفضل والتبريز وعلى ذلك { والسابقون السابقون } أي المتقدمون إلى ثواب الله وجنته بالأعمال الصالحة نحو قوله { ويسارعون في الخيرات } وكذا قوله { وهم لها سابقون } وقوله { وما نحن بمسبوقين }
____________________
(1/222)
) أي لا يفوتوننا وقال : { ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا } وقال { وما كانوا سابقين } تنبيه أنهم لا يفوتونه .
سبل : السبيل الطريق الذي فيه سهولة وجمعه سبل قال { وأنهارا وسبلا } - { وجعل لكم فيها سبلا } - { ليصدونهم عن السبيل } يعني به طريق الحق لأن اسم الجنس إذا أطلق يختص بما هو الحق وعلى ذلك { ثم السبيل يسره } وقيل لسالكه سابل وجمعه سابلة وسبيل سابل نحو شعر شاعر ، وابن السبيل المسافر البعيد عن منزله ، نسب إلى السبيل لممارسته إياه ، ويستعمل السبيل لكل ما يتوصل به إلى شيء خيرا كان أو شرا ، قال { ادع إلى سبيل ربك } - { قل هذه سبيلي } وكلاهما واحد لكن أضاف الأول إلى المبلغ ، والثاني إلى السالك بهم ، قال { قتلوا في سبيل الله } - { إلا سبيل الرشاد } - { ولتستبين سبيل المجرمين } - { فاسلكي سبل ربك } ويعبر به عن المحجة ، قال { قل هذه سبيلي } - { سبل السلام } أي طريق الجنة { ما على المحسنين من سبيل } - { فأولئك ما عليهم من سبيل } - { إنما السبيل على الذين } - { إلى ذي العرش سبيلا } وقيل أسبل الستر والذيل وفرس مسبل الذنب وسبل المطر وأسبل وقيل للمطر سبل ما دام سابلا أي سائلا في الهواء وخص السبلة بشعر الشفة العليا لما فيها من التحدر ، والسنبلة جمعها سنابل وهي ما على الزرع ، قال { سبع سنابل في كل سنبلة } وقال { وسبع سنبلات خضر } وأسبل الزرع صار ذا سنبلة نحو أحصد وأجنى ، والمسبل اسم القدح الخامس .
سبأ : { وجئتك من سبإ بنبإ يقين } سبأ اسم بلد تفرق أهله ولهذا يقال ذهبوا أيادي سبأ أي تفرقوا تفرق أهل هذا المكان من كل جانب ، وسبأت الخمر اشتريتها ، والسابياء خلد فيه الولد .
ست : قال { في ستة أيام } وقال { ستين مسكينا } فأصل ذلك سدس ويذكر في بابه إن شاء الله .
ستر : يستر تغطية الشيء ، والستر والسترة ما يستتر به قال : { لم نجعل لهم من دونها سترا } - { حجابا مستورا } والاستتار الاختفاء ، قال { وما كنتم تستترون } .
سجد : السجود أصله التطامن والتذلل وجعل ذلك عبارة عن التذلل لله وعبادته وهو عام في الإنسان والحيوانات والجمادات وذلك ضربان سجود باختيار وليس ذلك إلا للإنسان وبه يستحق الثواب نحو قوله { فاسجدوا لله واعبدوا } أي تذللوا له وسجود تسخير وهو للإنسان والحيوانات والنبات وعلى ذلك قوله { ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال } وقوله { يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله }
____________________
(1/223)
فهذا سجود تسخير وهو الدلالة الصامتة الناطقة المنبهة على كونها مخلوقة وأنها خلق فاعل حكيم ، وقوله { ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون } ينطوي على النوعين من السجود والتسخير والاختيار ، وقوله { والنجم والشجر يسجدان } فذلك على سبيل التسخير وقوله { اسجدوا لآدم } قيل أمروا بأن يتخذوه قبلة ، وقيل أمروا بالتذلل له والقيام بمصالحه ومصالح أولاده فائتمروا إلا إبليس ، وقوله : { ادخلوا الباب سجدا } أي متذللين منقادين ، وخص السجود في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة وما يجري مجرى ذلك من سجود القرآن وسجود الشكر ، وقد يعبر به عن الصلاة بقوله : { وأدبار السجود } أي أدبار الصلاة ويسمون صلاة الضحى سبحة الضحى وسجود الضحى { وسبح بحمد ربك } قيل أريد به الصلاة والمسجد موضع الصلاة اعتبارا بالسجود وقوله { وأن المساجد لله } قيل عني به الأرض إذ قد جعلت الأرض كلها مسجدا وطهورا كما روي في الخبر ، وقيل المساجد مواضع السجود الجبهة والأنف واليدان والركبتان والرجلان وقوله { ألا يسجدوا لله } أي يا قوم اسجدوا وقوله { وخروا له سجدا } أي متذللين وقيل كان السجود على سبيل الخدمة في ذلك الوقت سائغا وقول الشاعر :
( وافى بها كدراهم الأسجاد ** )
عنى بها دراهم عليها صورة ملك سجدوا له .
سجر : السجر تهييج النار ، يقال : سجرت التنور ، ومنه { والبحر المسجور } قال الشاعر :
( إذا ساء طالع مسجورة ** ترى حولها النبع والسمسما )
وقوله { وإذا البحار سجرت } اي أضرمت نارا عن الحسن ، وقيل غيضت مياهها وإنما يكون كذلك لتسجير النار فيه ، { ثم في النار يسجرون } نحو { وقودها الناس والحجارة } وسجرت الناقة استعارة لالتهابها في العدو نحو اشتعلت الناقة ، والسجير الخليل الذي يسجر في مودة خليله كقولهم فلان محرق في مودة فلان ، قال الشاعر :
( سجراء نفسي غير جمع إشابة ** )
سجل : السجل الدلو العظيمة ، وسجلت الماء فانسجل أي صببته فانصب ، وأسجلته أعطيته سجلا ، واستعير للعطية الكثيرة والمساجلة المساقاة بالسجل وجعلت عبارة عن المباراة والمناضلة ، قال :
( من يساجلني يساجل ماجدا ** )
والسجيل حجر وطين مختلط واصله فيما قيل فارسي معرب ، والسجل قيل حجر
____________________
(1/224)
كان يكتب فيه ثم سمي كل ما يكتب فيه سجلا ، قال تعالى : { كطي السجل للكتب } : أي كطيه لما كتب فيه حفظا له .
سجن : السجن الحبس في السجن ، وقرئ { رب السجن أحب إلي } بفتح السين وكسرها . قال { ليسجننه حتى حين ودخل معه السجن فتيان } والسجين اسم لجهنم بإزاء عليين وزيد لفظه تنبيها على زيادة معناه وقيل هو اسم للأرض السابعة ، قال { لفي سجين وما أدراك ما سجين } وقد قيل إن كل شيء ذكره الله تعالى بقوله { وما أدراك } فسره وكل ما ذكر بقوله { وما يدريك } تركه مبهما ، وفي هذا الموضع ذكر { وما أدراك } وكذا في قوله { وما أدراك ما عليون } ثم فسر الكتاب لا السجين والعليين وفي هذه لطيفة موضعها الكتب التي تتبع هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ، لا هذا .
سجى : قال تعالى : { والليل إذا سجى } أي سكن وهذا إشارة إلى ما قيل هدأت الأرجل ، وعين ساجية فاترة الطرف وسجى البحر سجوا سكنت أمواجه ومنه استعير تسجية الميت أي تغطيته بالثوب .
سحب : أصل السحب الجر كسحب الذيل والإنسان على الوجه ومنه السحاب إما لجر الريح له أو لجره الماء أو لانجراره في مره ، قال تعالى : { يوم يسحبون في النار على وجوههم } قال تعالى { يسحبون في الحميم } وقيل فلان يتسحب على فلان كقولك ينجر وذلك إذا تجرأ عليه والسحاب الغيم فيها ماء أو لم يكن ولهذا يقال سحاب جهام ، قال تعالى : { ألم تر أن الله يزجي سحابا } - { حتى إذا أقلت سحابا } وقال { وينشئ السحاب الثقال } وقد يذكر لفظه ويراد به الظل والظلمة على طريق التشبيه ، قال تعالى : { أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض } .
سحت : السحت القشر الذي يستأصل ، قال تعالى : { فيسحتكم بعذاب } وقرئ { فيسحتكم } يقال سحته وأسحته ومنه السحت للمحظور الذي يلزم صاحبه العار أنه يسحت دينه ومروءته ، قال تعالى : { أكالون للسحت } أي لما يسحت دينهم . وقال عليه السلام كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به وسمي الرشوة سحتا وروي كسب الحجام سحت فهذا لكونه ساحتا للمروءة لا للدين ، ألا ترى أنه أذن عليه السلام في إعلافه الناضح وإطعامه المماليك .
سحر : السحر طرف الحلقوم ، والرئة وقيل انتفخ سحره وبعير سحر عظيم السحر والسحارة ما ينزع من السحر عند الذبح فيرمى به وجعل بناؤه بناء النفاية والسقاطه
____________________
(1/225)
وقيل منه اشتق السحر وهو إصابة السحر . والسحر يقال على معان : الأول الخداع وتخييلات لا حقيقة لها نحو ما يفعله المشعبذ بصرف الأبصار عما يفعله لخفة يد وما يفعله النمام بقول مزخرف عائق للأسماع وعلى ذلك قوله تعالى : { سحروا أعين الناس واسترهبوهم } ، وقال : { يخيل إليه من سحرهم } ، وبهذا النظر سموا موسى عليه السلام ساحرا فقالوا { يا أيها الساحر } { ادع لنا ربك } ، والثاني استجلاب معاونة الشيطان بضرب من التقرب إليه كقوله تعالى { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم } وعلى ذلك قوله تعالى : { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } والثالث ما يذهب إليه الأغتام وهو اسم لفعل يزعمون أنه من قوته يغير الصور والطبائع فيجعل الإنسان حمارا ولا حقيقة لذلك عند المحصلين . وقد تصور من السحر تارة حسنه فقيل : إن من البيان لسحرا وتارة دقة فعله حتى قالت الأطباء الطبيعية ساحرة وسموا الغذاء سحرا من حيث إنه يدق ويلطف تأثيره ، قال تعالى : { بل نحن قوم مسحورون } أي مصروفون عن معرفتنا بالسحر . وعلى ذلك قوله تعالى : { إنما أنت من المسحرين } قيل ممن جعل له سحر تنبيها أنه محتاج إلى الغذاء كقوله تعالى { ما لهذا الرسول يأكل الطعام } ونبه أنه بشر كما قال : { ما أنت إلا بشر مثلنا } وقيل معناه ممن جعل له سحر يتوصل بلطفه ودقته إلى ما يأتي به ويدعيه ، وعلى الوجهين حمل قوله تعالى { إن تتبعون إلا رجلا مسحورا } وقال تعالى : { فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا } وعلى المعنى الثاني دل قوله تعالى : { إن هذا إلا سحر مبين } قال تعالى { وجاؤوا بسحر عظيم } وقال { أسحر هذا ولا يفلح الساحرون } وقال { فجمع السحرة لميقات يوم معلوم } - { فألقي السحرة } والسحر والسحرة اختلاط ظلام آخر الليل بضياء النهار وجعل اسما لذلك الوقت ويقال لقيته بأعلى السحرين والمسحر الخارج سحرا ، والسحور اسم للطعام المأكول سحرا والتسحر أكله .
سحق : السحق تفتيت الشيء ويستعمل في الدواء إذا فتت يقال سحقته فانسحق ، وفي الثوب إذا أخلق يقال أسحق والسحق الثوب البالي ومنه قيل أسحق الضرع أي صار سحقا لذهاب لبنه ويصح أن يجعل إسحق منه فيكون حينئذ منصرفا ، وقيل : أبعده الله وأسحقه أي جعله سحيقا وقيل سحقه أي جعله باليا ، قال تعالى { فسحقا لأصحاب السعير } وقال تعالى : { أو تهوي به الريح في مكان سحيق } ودم منسحق وسحوق مستعار كقولهم مزرور .
____________________
(1/226)
سحل : قال { فليلقه اليم بالساحل } أي شاطئ البحر أصله من سحل الحديد أي برده وقشره وقيل اصله أن يكون مسحولا لكن جاء على لفظ الفاعل كقولهم هم ناصب وقيل بل تصور منه أنه يسحل الماء أي يفرقه ويضيقه والسحالة البرادة ، والسحيل والسحال نهيق الحمار كأنه شبه صوته بصوت سحل الحديد ، والمسحل اللسان الجهير الصوت كأنه تصور منه سحيل الحمار من حيث رفع صوته لا من حيث نكرة صوته كما قال تعالى : { إن أنكر الأصوات لصوت الحمير } والمسحلتان : حلقتان على طرفي شكيم اللجام .
سخر : التسخير سياقة إلى الغرض المختص قهرا ، قال تعالى : { وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض } - { وسخر لكم الشمس والقمر دائبين } - { وسخر لكم الليل والنهار } - { وسخر لكم الفلك } كقوله { سخرناها لكم لعلكم تشكرون } - { سبحان الذي سخر لنا هذا } فالمسخر هو المقيض للفعل والسخري هو الذي يقهر فيتسخر بإرادته ، قال { ليتخذ بعضهم بعضا سخريا } ، وسخرت منه واستسخرته للهزء منه ، قال تعالى { إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون } - { بل عجبت ويسخرون } وقيل رجل سخرة لمن سخر وسخرة لمن يسخر منه . والسخرية والسخرية لفعل الساخر . وقوله تعالى : { فاتخذتموهم سخريا } وسخريا ، فقد حمل على الوجهين على التسخير وعلى السخرية قوله تعالى { وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا } . ويدل على الوجه الثاني قوله : بعد { وكنتم منهم تضحكون } .
سخط : السخط والسخط الغضب الشديد المقتضي للعقوبة ، قال { إذا هم يسخطون } وهو من الله تعالى إنزال العقوبة ، قال تعالى : { ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله } - { أن سخط الله عليهم } - { كمن باء بسخط من الله } .
سد : السد والسد قيل هما واحد وقيل السد ما كان خلقة والسد ما كان صنعة ، وأصل السد مصدر سددته ، قال تعالى : { بيننا وبينهم سدا } وشبه به الموانع نحو { وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا } وقرئ سدا . السدة كالظلة على الباب تقيه من المطر وقد يعبر بها عن الباب كما قيل الفقير الذي لا يفتح له سدد السلطان ، والسداد والسدد الاستقامة ، والسداد ما يسد به الثلمة والثغر ، واستعير لما يسد به الفقر .
سدر : السدر شجر قليل الغناء عند الأكل ولذلك قال تعالى : { وأثل وشيء من سدر قليل } وقد يخضد ويستظل به فجعل
____________________
(1/227)
ذلك مثلا لظل الجنة ونعيمها في قوله تعالى : { في سدر مخضود } لكثرة غنائه في الاستظلال وقوله تعالى : { إذ يغشى السدرة ما يغشى } فإشارة إلى مكان اختص النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالإفاضة الإلهية والآلاء الجسيمة ، وقد قيل إنها الشجرة التي بويع النبي صلى الله عليه وسلم تحتها فأنزل الله تعالى السكينة فيها على المؤمنين : والسدر تحير البصر ، والسادر المتحير ، وسدر شعره ، قيل : هو مقلوب عن دسر .
سدس : السدس جزء من ستة ، قال تعالى : { فلأمه السدس } والسدس في الإظماء وست اصله سدس وسدست القوم صرت سادسهم وأخذت سدس أموالهم وجاء سادسا وساتا وساديا بمعنى ، قال تعالى { ولا خمسة إلا هو سادسهم } وقال تعالى : { ويقولون خمسة سادسهم } ويقال لا أفعل كذا سديس عجيس أي أبدا والسدوس الطيلسان ، والسندس الرقيق من الديباج ، والإستبرق الغليظ منه .
سرر : الإسرار خلاف الإعلان ، قال تعالى { سرا وعلانية } وقال تعالى { يعلم ما يسرون وما يعلنون } وقال تعالى { وأسروا قولكم أو اجهروا به } ويستعمل في الأعيان والمعاني ، والسر هو الحديث المكتم في النفس . قال تعالى : { يعلم السر وأخفى } وقال تعالى : { أن الله يعلم سرهم ونجواهم } وساره إذا أوصاه بأن يسره وتسار القوم وقوله { وأسروا الندامة } أي كتموها وقيل معناه أظهروها بدلالة قوله تعالى { يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا } وليس كذلك لأن الندامة التي كتموها ليست بإشارة إلى ما أظهروه من قوله { يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا } وأسررت إلى فلان حديثا أفضيت إليه في خفية ، قال تعالى : { وإذ أسر النبي } وقوله { تسرون إليهم بالمودة } أي يطلعونهم على ما يسرون من مودتهم وقد فسر بأن معناه يظهرون وهذا صحيح فإن الإسرار إلى الغير يقتضي إظهار ذلك لمن يفضى إليه بالسر وإن كان يقتضي إخفاءه عن غيره ، فإذا قولهم أسررت إلى فلان يقتضي من وجه الإظهار ومن وجه الإخفاء وعلى هذا قوله { وأسررت لهم إسرارا } وكني عن النكاح بالسر من حيث إنه يخفى واستعير للخالص فقيل هو من سر قومه ومنه سر الوادي وسرارته ، وسرة البطن ما يبقى بعد القطع وذلك لاستتارها بعكن البطن ، والسر والسرر يقال لما يقطع منها . وأسرة الراحة وأسارير الجبهة لغضونها ، والسرار اليوم الذي يستتر فيه القمر آخر الشهر . والسرور ما ينكتم من الفرح ، قال تعالى : { ولقاهم نضرة وسرورا } وقال : { تسر الناظرين } وقوله تعالى في أهل الجنة { وينقلب إلى أهله مسرورا }
____________________
(1/228)
) وقوله في أهل النار : { إنه كان في أهله مسرورا } تنبيه على أن سرور الآخرة يضاد سرور الدنيا ، والسرير الذي يجلس عليه من السرور إذ كان ذلك لأولى النعمة وجمعه أسرة وسرر ، قال تعالى { متكئين على سرر مصفوفة } - { فيها سرر مرفوعة } ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون ) وسرير الميت تشبيها به في الصورة وللتفاؤل بالسرور الذي يلحق الميت برجوعه إلى جوار الله تعالى وخلاصه من سجنه المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم الدنيا سجن المؤمن .
سرب : السرب الذهاب في حدور والسرب المكان المنحدر ، قال تعالى : { فاتخذ سبيله في البحر سربا } يقال سرب سربا وسروبا نحو مر مرا ومرورا وانسرب انسرابا كذلك لكن سرب يقال على تصور الفعل من فاعله وانسرب على تصور الانفعال منه . وسرب الدمع سال وانسربت الحية إلى جحرها وسرب الماء من السقاء وماء سرب وسرب متقطر من سقائه ، والسارب الذاهب في سربه اي طريق كان ، قال تعالى : { ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار } والسرب جمع سارب نحو ركب وراكب وتعورف في الإبل حتى قيل زعرت سربه أي إبله . وهو آمن في سربه أي في نفسه وقيل في أهله ونسائه فجعل السرب كناية وقيل اذهبي فلا أنده سربك في الكناية عن الطلاق ومعناه لا أرد إبلك الذاهبة في سربها والسربة قطعة من الخيل نحو العشرة إلى العشرين . والمسربة الشعر المتدلي من الصدر ، والسراب اللامع في المفازة كالماء وذلك لانسرابه في مرأى العين وكان السراب فيما لا حقيقة له كالشراب فيما له حقيقة ، قال تعالى { كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء } وقال تعالى : { وسيرت الجبال فكانت سرابا } .
سربل : السربال القميص من أي جنس كان ، قال : { سرابيلهم من قطران } - { سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم } أي تقي بعضكم من بأس بعض .
سرج : السراج الزاهر بفتيلة ودهن ويعبر به عن كل مضىء ، قال : { وجعل الشمس سراجا } - { سراجا وهاجا } يعني الشمس يقال أسرجت السراج وسرجت كذا جعلته في الحسن كالسراج ، قال الشاعر :
( وفاحما ومرسنا مسرجا ** )
والسرج رحالة الدابة والسراج صانعه .
سرح : السرح شجر له ثمر ، الواحدة سرحة وسرحت الإبل أصله أن ترعيه السرح ثم جعل لكل إرسال في الرعي ، قال تعالى : { ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون } والسارح الراعي والسرح جمع كالشرب ، والتسريح في الطلاق نحو قوله تعالى { أو تسريح بإحسان }
____________________
(1/229)
وقوله { وسرحوهن سراحا جميلا } مستعار من تسريح الإبل كالطلاق في كونه مستعارا من إطلاق الإبل ، واعتبر من السرح المضي فقيل ناقة سرح تسرح في سيرها ومضى سرحا سهلا . والمنسرح ضرب من الشعر استعير لفظه من ذلك .
سرد : السرد خرز ما يخشن ويغلظ كنسج الدرع وخرز الجلد واستعير لنظم الحديد قال { وقدر في السرد } ويقال سرد وزود والسراد والزراد نحو سراط وصراط وزراط والمسرد المثقب .
سردق : السرادق فارسي معرب وليس في كلامهم اسم مفرد ثالثه ألف وبعده حرفان ، قال تعالى : { أحاط بهم سرادقها } وقيل : بيت مسردق ، مجعول على هيئة سرادق .
سرط : السراط الطريق المستسهل ، أصله من سرطت الطعام وزردته ابتلعته فقيل سراط ، تصورا أنه يبتلعه سالكه ، أو يبتلع سالكه ، ألا ترى أنه قيل : قتل أرضا عالمها ، وقتلت أرض جاهلها ، وعلى النظرين قال أبو تمام :
( دعته الفيافي بعد ما كان حقبة ** دعاها إذا ما المزن ينهل ساكبه )
وكذا سمي الطريق اللقم والملتقم اعتبارا بأن سالكه يلتقمه .
سرع : السرعة ضد البطء ويستعمل في الأجسام والأفعال يقال سرع فهو سريع واسرع فهو مسرع وأسرعوا صارت إبلهم سراعا نحو : أبلدوا وسارعوا وتسارعوا . قال تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } - { ويسارعون في الخيرات } - { يوم تشقق الأرض عنهم سراعا } وقال { يوم يخرجون من الأجداث سراعا } ، وسرعان القوم أوائلهم السراع وقيل سرعان ذا إهالة ، وذلك مبني من سرع كوشكان من وشك وعجلان منء عجل ، وقوله تعالى : { إن الله سريع الحساب } - { سريع العقاب } فتنبيه على ما قال { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } .
سرف : السرف تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر . قال تعالى : { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا } - { ولا تأكلوها إسرافا وبدارا } ويقال تارة اعتبارا بالقدر وتارة بالكيفية ولهذا قال سفيان ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سرف ، وإن كان قليلا ، قال الله تعالى : { ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } - { وأن المسرفين هم أصحاب النار } . أي المتجاوزين الحد في أمورهم وقال { إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب } وسمي قوم لوط مسرفين من حيث إنهم تعدوا في وضع البذر في الحرث المخصوص له المعني
____________________
(1/230)
بقوله : { نساؤكم حرث لكم } وقوله : { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } فتناول الإسراف في المال وفي غيره . وقوله في القصاص { فلا يسرف في القتل } فسرفه أن يقتل غير قاتله إما بالعدول عنه إلى من هو أشرف منه أو بتجاوز قتل القاتل إلى غيره حسبما كانت الجاهلية تفعله ، وقولهم مررت بكم فسرفتكم أي جهلتكم من هذا وذاك أنه تجاوز ما لم يكن حقه أن يتجاوز فجهل فلذلك فسر به ، والسرفة دويبة تأكل الورق وسمي بذلك لتصور معنى الإسراف منه ، يقال سرفت الشجرة فهي مسروفة .
سرق : السرقة أخذ ما ليس له أخذه في خفاء وصار ذلك في الشرع لتناول الشيء من موضع مخصوص وقدر مخصوص ، قال تعالى : { والسارق والسارقة } وقال تعالى : { قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل } وقال : { أيتها العير إنكم لسارقون } - { إن ابنك سرق } واسترق السمع إذا تسمع مستخفيا قال تعالى : { إلا من استرق السمع } والسرق والسرقة واحد وهو الحرير .
سرمد : السرمد الدائم ، قال تعالى : { قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا } وبعده النهار سرمدا .
سرى : السرى سير الليل ، يقال سرى وأسرى . قال تعالى : { فأسر بأهلك } . وقال تعالى : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا } وقيل إن أسرى ليست من لفظة سرى يسرى وإنما هي من السراة وهي أرض واسعة وأصله من الواو ومنه قول الشاعر :
( بسرو حمير أبوال البغال به ** )
فأسرى نحو أجبل وأتهم وقوله تعالى { سبحان الذي أسرى بعبده } أي ذهب به في سراة من الأرض وسراة كل شيء أعلاه ومنه سراة النهار أي ارتفاعه وقوله تعالى { قد جعل ربك تحتك سريا } أي نهرا يسري وقيل بل ذلك من السرو أي الرفعة يقال رجل سرو قال وأشار بذلك إلى عيسى عليه السلام وما خصه به من سروه ، يقال سروت الثوب عني أي نزعته وسروت الجل عن الفرس وقيل ومنه رجل سري كأنه سرى ثوبه بخلاف المتدثر والمتزمل والزميل وقوله { وأسروه بضاعة } أي خمنوا في أنفسهم أن يحصلوا من بيعه بضاعة والسارية يقال للقوم الذين يسرون بالليل وللسحابة التي تسري وللاسطوانة .
سطح : السطح أعلى البيت يقال سطحت البيت جعلت له سطحا وسطحت المكان جعلته في التسوية كسطح قال : { وإلى الأرض كيف سطحت } وانسطح الرجل امتد على قفاه ، قيل وسمي سطيح الكاهن لكونه منسطحا لزمانة والمسطح عمود الخيمة الذي يجعل به لها سطحا وسطحت الثريدة في القصعة بسطتها .
____________________
(1/231)
سطر : السطر والسطر الصف من الكتابة ومن الشجر المغروس ومن القوم الوقوف ، وسطر فلان كذا كتب سطرا سطرا ، قال تعالى : { ن والقلم وما يسطرون } وقال تعالى : { والطور وكتاب مسطور } وقال : { كان ذلك في الكتاب مسطورا } أي مثبتا محفوظا وجمع السطر أسطر وسطور وأسطار ، قال الشاعر : ( إني وأسطار سطرن لنا سطرا ** )
وأما قوله { أساطير الأولين } فقد قال المبرد هي جمع أسطورة نحو أرجوحة وأراجيح وأثفية وأثافي وأحدوثة وأحاديث . وقوله تعالى : { وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين } أي شيء كتبوه كذبا ومينا فيما زعموا نحو قوله تعالى : { أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا } وقوله تعالى : { فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر } وقوله : { أم هم المصيطرون } فإنه يقال تسيطر فلآن على كذا ، وسيطر عليه إذا أقام عليه قيام سطر ، يقول لست عليهم بقائم واستعمال المسيطر ههنا كاستعمال القائم في قوله { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } وحفيظ في قوله { وما أنا عليكم بحفيظ } وقيل معناه لست عليهم بحفيظ فيكون المسيطر كالكاتب في قوله { ورسلنا لديهم يكتبون } وهذه الكتابة هي المذكورة في قوله { ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير } .
سطا : السطوة البطش برفع اليد يقال سطا به . قال تعالى { يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا } وأصله من سطا الفرس على الرمكة يسطوا إذا أقام على رجليه رافعا يديه إما مرحا وإما نزوا على الأنثى ، وسطا الراعي أخرج الولد ميتا من بطن أمه وتستعار السطوة للماء كالطغو ، يقال سطا الماء وطغى .
سعد : السعد والسعادة معاونة الأمور الإلهية للإنسان على نيل الخير ويضاده الشقاوة ، يقال سعد وأسعده الله ورجل سعيد وقوم سعداء وأعظم السعادات الجنة فلذلك قال تعالى { وأما الذين سعدوا ففي الجنة } وقال : { فمنهم شقي وسعيد } والمساعدة المعاونة فيما يظن به سعادة . وقوله لبيك وسعديك معناه أسعدك الله إسعادا بعد إسعاد أو ساعدكم مساعدة بعد مساعدة ، والأول أولى والإسعاد في البكاء خاصة وقد استسعدته فأسعدني . والساعد العضو تصورا لمساعدتها وسمي جناحا الطائر ساعدين كما سميا يدين والسعدان نبت يغزر اللبن ولذلك قيل : مرعى ولا كالسعدان ، والسعدانة الحمامة وعقدة الشسع وكركرة البعير وسعود الكواكب معروفة .
____________________
(1/232)
سعر : السعر التهاب النار وقد سعرتها وسعرتها وأسعرتها ، والمسعر الخشب الذي يسعر به ، واستعر الحرب واللصوص نحو اشتعل وناقة مسعورة نحو موقدة ومهيجة والسعار حر النار ، وسعر الرجل أصابه حر ، قال تعالى { وسيصلون سعيرا } وقال تعالى : { وإذا الجحيم سعرت } وقرئ بالتخفيف وقوله { عذاب السعير } أي حميم فهو فعيل في معنى مفعول وقال تعالى : { إن المجرمين في ضلال وسعر } والسعر في السوق تشبيها باستعار النار .
سعى : السعي المشي السريع وهو دون العدو ويستعمل للجد في الأمر خيرا كان أو شرا ، قال تعالى : { وسعى في خرابها } وقال { نورهم يسعى بين أيديهم } وقال { ويسعون في الأرض فسادا } - { وإذا تولى سعى في الأرض } - { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى } - { إن سعيكم لشتى } وقال تعالى : { وسعى لها سعيها } - { كان سعيهم مشكورا } وقال تعالى : { فلا كفران لسعيه } وأكثر ما يستعمل السعي في الأفعال المحمودة ، قال الشاعر :
( إن أجز علقمة بن سعد سعيه ** لا أجزه ببلاء يوم واحد )
وقال تعالى : { فلما بلغ معه السعي } أي أدرك ما سعى في طلبه ، وخص السعي فيما بين الصفا والمروة من المشي . والسعاية بالنميمة وبأخذ الصدقة وبكسب المكاتب لعتق رقبته . والمساعاة بالفجور ، والمسعاة بطلب المكرمة ، قال تعالى : { والذين سعوا في آياتنا معاجزين } أي اجتهدوا في أن يظهروا لنا عجزا فيما أنزلناه من الآيات .
سغب : قال تعالى : { أو إطعام في يوم ذي مسغبة } من السغب وهو الجوع مع التعب وقد قيل في العطش مع التعب ، يقال سغب سغبا وسغوبا وهو ساغب وسغيان نحو عطشان .
سفر : السفر كشف الغطاء ويختص ذلك بالأعيان نحو سفر العمامة عن الرأس والخمار عن الوجه ، وسفر البيت كنسه بالمسفر أي المكنس وذلك إزالة السفير عنه وهو التراب الذي يكنس منه والإسفار يختص باللون نحو { والصبح إذا أسفر } أي أشرق لونه ، قال تعالى : { وجوه يومئذ مسفرة } و ( أسفروا بالصبح تؤجروا ) من قولهم أسفرت أي دخلت فيه نحو أصبحت وسفر الرجل فهو سافر ، والجمع السفر نحو ركب وسافر خص بالمفاعلة اعتبارا بأن الإنسان قد سفر عن المكان ، والمكان سفر عنه ومن لفظ السفر اشتق السفرة لطعام السفر ولما يوضع فيه قال تعالى : { وإن كنتم مرضى أو على سفر } والسفر الكتاب الذي يسفر عن الحقائق وجمعه أسفار ، قال تعالى : { كمثل الحمار يحمل أسفارا } وخص لفظ الأسفار في هذا
____________________
(1/233)
المكان تنبيها أن التوراة وإن كانت تحقق ما فيها فالجاهل لا يكاد يستبينها كالحمار الحامل لها ، وقوله تعالى : { بأيدي سفرة كرام بررة } فهم الملائكة الموصوفون بقوله { كراما كاتبين } والسفرة جمع سافر ككاتب وكتبة والسفير الرسول بين القوم يكشف ويزيل ما بينهم من الوحشة فهو فعيل في معنى فاعل ، والسفارة الرسالة فالرسول والملائكة والكتب مشتركة في كونها سافرة عن القوم ما استبهم عليهم ، والسفير فيما يكنس في معنى المفعول ، والسفار في قول الشاعر :
( وما السفار قبح السفار ** )
فقيل هو حديدة تجعل في أنف البعير ، فإن لم يكن في ذلك حجة غير هذا البيت فالبيت يحتمل أن يكون مصدر سافرت .
سفع : السفع الأخذ بسفعة الفرس ، أي سواد ناصيته ، قال الله تعالى : { لنسفعا بالناصية } وباعتبار السواد قيل للأثافي سفع وبه سفعة غضب اعتبارا بما يعلو من اللون الدخاني وجه من اشتد به الغضب ، وقيل للصقر اسفع لما به من لمع السواد وامرأة سفعاء اللون .
سفك : السفك في الدم صبه ، قال تعالى : { ويسفك الدماء } وكذا في الجوهر المذاب وفي الدمع .
سفل : السفل ضد العلو وسفل فهو سافل قال تعالى : { فجعلنا عاليها سافلها } وأسفل ضد أعلى قال تعالى : { والركب أسفل منكم } وسفل صار في سفل ، وقال تعالى : { ثم رددناه أسفل سافلين } وقال { وجعل كلمة الذين كفروا السفلى } وقد قوبل بفوق في قوله { إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم } وسفالة الريح حيث تمر الريح والعلاوة ضده والسفلة من الناس النذل نحو الدون ، وأمرهم في سفال .
سفن : السفن نحت ظاهر الشيء كسفن العود والجلد وسفن الريح التراب عن الأرض ، قال الشاعر :
( فجاء خفيا يسفن الأرض صدره ** )
والسفن نحو النقض لما يسفن وخص السفن بجلدة قائم السيف وبالحديدة التي يسفن بها وباعتبار السفن سميت السفينة . قال الله تعالى : { أما السفينة } ثم تجوز بالسفينة فشبه بها كل مركوب سهل .
سفه : السفه خفة في البدن ومنه قيل زمام سفيه كثير الاضطراب وثوب سفيه ردئ النسج واستعمل في خفة النفس لنقصان العقل وفي الأمور الدنيوية والأخروية فقيل سفه نفسه وأصله سفه نفسه فصرف عنه الفعل نحو بطر معيشته . قال في السفه الدنيوي { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } ، وقال في الأخروي
____________________
(1/234)
{ وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا } فهذا من السفه في الدين وقال { أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء } فنبه أنهم هم السفهاء في تسمية المؤمنين سفهاء وعلى ذلك قوله { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } .
سقر : من سقرته الشمس وقيل صقرته أي لوحته وأذابته وجعل سقر اسم علم لجهنم قال تعالى : { ما سلككم في سقر } وقال تعالى { ذوقوا مس سقر } ولما كان السقر يقتضي التلويح في الأصل نبه بقوله { وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر } أن ذلك مخالف لما نعرفه من أحوال السقر في الشاهد .
سقط : السقوط طرح الشيء إما من مكان عال إلى مكان منخفص كسقوط الإنسان من السطح قال تعالى : { ألا في الفتنة سقطوا } وسقوط منتصب القامة وهو إذا شاخ وكبر ، قال تعالى : { وإن يروا كسفا من السماء ساقطا } وقال { فأسقط علينا كسفا من السماء } والسقط والسقاط لما يقل الاعتداد به ومنه قيل رجل ساقط لئيم في حسبه وقد أسقطه كذا وأسقطت المرأة اعتبر فيه الأمران : السقوط من عال والرداءة جميعا فإنه لا يقال أسقطت المرأة إلا في الولد الذي تلقيه قبل التمام ، ومنه قيل لذلك الولد سقط وبه شبه سقط الزند بدلالة أنه قد يسمى الولد وقوله تعالى : { ولما سقط في أيديهم } فإنه يعني الندم ، وقرئ { تساقط عليك رطبا جنيا } أي تساقط النخلة وقرئ { تساقط } بالتخفيف أي تتساقط فحذف إحدى التاءين وإذا قرئ تساقط فإن تفاعل مطاوع فاعل وقد عداه كما عدي تفعل في نحو تجرعه ، وقرئ / < يساقط عليك > / أي يساقط الجذع .
سقف : سقف البيت جمعه سقف وجعل السماء سقفا في قوله : { والسقف المرفوع } وقال تعالى : { وجعلنا السماء سقفا محفوظا } وقال : { لبيوتهم سقفا من فضة } والسقيفة كل مكان له سقف كالصفة والبيت ، والسقف طول في انحناء تشبيها بالسقف .
سقم : السقم والسقم المرض المختص بالبدن والمرض قد يكون في البدن وفي النفس نحو : { في قلوبهم مرض } وقوله تعالى : { إني سقيم } فمن التعريض أو الإشارة إلى ماض وإما إلى مستقبل ، وإما إلى قليل مما هو موجود في الحال إذ كان الإنسان لا ينفك من خلل يعتريه وإن كان لا يحس به ، ويقال مكان سقيم إذا كان فيه خوف .
سقى : السقي والسقيا أن يعطيه ما يشرب ، والإسقاء أن يجعل له ذلك حتى يتناوله كيف شاء ، فالإسقاء أبلغ من السقي لأن الإسقاء هو أن تجعل له ما يسقى منه ويشرب ، تقول أسقيته
____________________
(1/235)
نهرا ، قال تعالى : { وسقاهم ربهم شرابا طهورا } وقال : { وسقوا ماء حميما } - { والذي هو يطعمني ويسقين } وقال في الاسقاء { وأسقيناكم ماء فراتا } وقال : { فأسقيناكموه } أي جعلناه سقيا لكم وقال : { نسقيكم مما في بطونها } بالفتح والضم ويقال للنصيب من السقي سقي وللأرض التي تسقى سقي لكونهما مفعولين كالنقض والاستسقاء طلب السقي أو الاسقاء قال تعالى { وإذ استسقى موسى } والسقاء ، ما يجعل فيه ما يسقى وأسقيتك جلدا أعطيتكه لتجعله سقاء ، وقوله تعالى : { جعل السقاية في رحل أخيه } فهو المسمى صواع الملك فتسميته السقاية تنبيها أنه يسقى به وتسميته صواعا أنه يكال به .
سكب : ماء مسكوب مصبوب وفرس سكب الجري وسكبته فانسكب ودمع ساكب متصور بصورة الفاعل ، وقد يقال منسكب وثوب سكب تشبيها بالمنصب لدقته ورقته كأنه ماء مسكوب .
سكت : السكوت مختص بترك الكلام ورجل سكيت وساكوت كثير السكوت والسكتة والسكات ما يعتري من مرض ، والسكت يختص بسكون النفس في الغناء والسكتات في الصلاة السكوت في حال الافتتاح وبعد الفراغ ، والسكيت الذي يجئ آخر الحلبة ، ولما كان السكوت ضربا من السكون استعير له في قوله : { ولما سكت عن موسى الغضب } .
سكر : السكر حالة تعرض بين المرء وعقله ، وأكثر ما يستعمل ذلك في الشراب ، وقد يعتري من الغضب والعشق ، ولذلك قال الشاعر :
( سكران سكر هوى وسكر مدام ** )
ومنه سكرات الموت ، قال تعالى : { وجاءت سكرة الموت } والسكر اسم لما يكون منه السكر ، قال تعالى : { تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا } والسكر حبس الماء ، وذلك باعتبار ما يعرض من السد بين المرء وعقله ، والسكر الموضع المسدود ، وقوله تعالى : { إنما سكرت أبصارنا } قيل هو من السكر ، وقيل هو من السكر ، وليلة ساكرة أي ساكنة اعتبارا بالسكون العارض من السكر .
سكن : السكون ثبوت الشيء بعد تحرك ، ويستعمل في الاستيطان نحو : سكن فلان مكان كذا أي استوطنه ، واسم المكان مسكن والجمع مساكن ، قال تعالى : { لا يرى إلا مساكنهم } وقال تعالى : { وله ما سكن في الليل والنهار } - { لتسكنوا فيه } فمن الأول يقال سكنته ، ومن الثاني يقال أسكنته نحو قوله تعالى : { ربنا إني أسكنت من ذريتي } وقال تعالى : { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } وقوله تعالى : { وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض }
____________________
(1/236)
) فتنبيه منه على إيجاده وقدرته على إفنائه والسكن السكون وما يسكن إليه قال تعالى { والله جعل لكم من بيوتكم سكنا } وقال تعالى { إن صلاتك سكن لهم } { وجعل الليل سكنا } والسكن النار التى يسكن بها والسكنى أن يجعل له السكون فى دار بغير أجرة والسكن سكان الدار نحو سفر فى جمع سافر وقيل فى جمع ساكن سكان وسكان السفينة ما يسكن به والسكين سمى لإزالته حركة المذبوح وقوله تعالى { أنزل السكينة في قلوب المؤمنين } فقد قيل هو ملك يسكن قلب المؤمن ويؤمنه كما روى أن أمير المؤمنين عليه السلام قال إن السكينة لتنطق على لسان عمر وقيل هو العقل وقيل له سكنية إذا سكن عن الميل إلى الشهوات وعلى ذلك دل قوله تعالى { وتطمئن قلوبهم بذكر الله } وقيل السكينة والسكن واحد وهو زوال الرعب وعلى هذا قوله تعالى { أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم } وما ذكر أنه شىء رأسه كرأس الهر فما أراه قولا يصح والمسكين قيل هو الذي لا شىء له وهو أبلغ من القير وقوله تعالى { أما السفينة فكانت لمساكين } فإنه جعلهم مساكين بعد ذهاب السفينة أو لأن سفينتهم غير معتد بها فى جنب ما كان لهم من المسكنة وقوله { وضربت عليهم الذلة والمسكنة } فالميم فى ذلك زائدة فى أصح القولين
سل : سل الشىء من الشىء نزعه كسل السيف من الغمد وسل الشىء من البيت على سبيل السرقة وسل الولد من الأب ومنه قيل للولد سليل قال تعالى { يتسللون منكم لواذا } وقوله تعالى { من سلالة من طين } أى من الصفو الذى يسل من الأرض وقيل السلالة كناية عن النطفة تصور دونه صفو ما يحصل منه والسل مرض ينزع به اللحم والقوة وقد أسله الله وقوله عليه السلام ( لا إسلال ولا إغلال وتسلسل السىء اضطرب كأنه تصور منه تسلل متردد فردد لفظة تنبيها على تردد معناه ومنه السلسلة قال تعالى { في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا } وقال تعالى { سلاسل وأغلالا وسعيرا } وقال { والسلاسل يسحبون } وروى يا عجبا لقوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل وماء سلسل متردد فى مقره حتى صفا قال الشاعر
( أشهى إلى من الرحيق السلسل ** ) وقوله { سلسبيلا } أى سهلا لذيدا سلسا حديد الجرية وقيل هو اسم عين فى الجنة وذكر بعضهم أن ذلك مركب سل سبيلا نحو الحوقلة والبسملة ونحوهما من الألفاظ المركبة وقيل بل هو اسم لكل
____________________
(1/237)
عين سريع الجرية ، وأسلة اللسان الطرف الرقيق .
سلب : السلب نزع الشيء من الغير على القهر قال تعالى : { وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه } والسليب الرجل المسلوب والناقة التي سلب ولدها والسلب المسلوب ويقال للحاء الشجر المنزوع منه سلب والسلب في قول الشاعر :
( في السلب السود وفي الأمساح ** )
فقد قيل هي الثياب السود التي يلبسها المصاب وكأنها سميت سلبا لنزعه ما كان يلبسه قبل وقيل تسلبت المرأة مثل أحدت والأساليب الفنون المختلفة .
سلح : السلاح كل ما يقاتل به وجمعه أسلحة ، قال تعالى : { وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم } أي أمتعتهم ، والإسليح نبت إذا أكلته الإبل غزرت وسمنت وكأنما سمي بذلك لأنها إذا أكلته أخذت السلاح أي منعت أن تنحر إشارة إلى ما قال الشاعر :
( أزمان لم تأخذ علي سلاحها ** إبلي بجلتها ولا ابكارها )
والسلاح ما يقذف به البعير من أكل الإسليح وجعل كناية عن كل عذرة حتى قيل في الحبارى سلاحه سلاحه .
سلخ : السلخ نزع جلد الحيوان ، يقال سلخته فانسلخ وعنه استعير سلخت درعه نزعتها وسلخ الشهر وانسلخ ، قال تعالى : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم } وقال تعالى : { نسلخ منه النهار } أي تنزع وأسود سالخ سلخ جلده أي نزعه ونخلة مسلاخ ينتثر بسره الأخضر .
سلط : السلاطة التمكن من القهر ، يقال سلطته فتسلط ، قال تعالى : { ولو شاء الله لسلطهم } وقال تعالى : { ولكن الله يسلط رسله على من يشاء } ومنه سمي السلطان والسلطان يقال في السلاطة نحو : { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } - { إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون } - { إنما سلطانه على الذين يتولونه } - { لا تنفذون إلا بسلطان } وقد يقال لذي السلاطة وهو الأكثر وسمي الحجة سلطانا وذلك لما يلحق من الهجوم على القلوب لكن أكثر تسلطه على أهل العلم والحكمة من المؤمنين ، قال تعالى : { الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان } وقال : { فأتونا بسلطان مبين } وقال تعالى : { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين } وقال : { أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا } - { هلك عني سلطانيه } يحتمل السلطانين . والسليط الزيت بلغة أهل اليمن ، وسلاطة اللسان القوة على المقال وذلك في الذم أكثر استعمالا يقال امرأة سليطة وسنابك سلطان لما تسلط بقوتها وطولها .
____________________
(1/238)
سلف : السلف المتقدم ، قال تعالى : { فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين } أي معتبرا متقدما وقال تعالى : { فله ما سلف } أي يتجافى عما تقدم من ذنبه وكذا قوله { إلا ما قد سلف } أي ما تقدم من فعلكم فذلك متجافى عنه ، فالاستثناء عن الإثم لا عن جواز الفعل ، ولفلان سلف كريم أي آباء متقدمون جمعه أسلاف وسلوف . والسالفة صفحة العنق ، والسلف ما قدم من الثمن على المبيع والسالفة والسلاف المتقدمون في حرب أو سفر وسلافة الخمر ما بقي من العصير والسلفة ما تقدم من الطعام على القرى ، يقال سلفوا ضيفكم ولهنوه .
سلق : السلق بسط بقهر إما باليد أو باللسان ، والتسلق على الحائط منه قال { سلقوكم بألسنة حداد } يقال سلق امرأته إذا بسطها فجامعها ، قال مسيلمة إن شئت سلقناك وإن شئت على أربع . والسلق أن تدخل إحدى عروتي الجوالق في الأخرى ، والسليقة خبز مرقق وجمعها سلائق ، والسليقة أيضا الطبيعة المتباينة ، والسلق المطمئن من الأرض .
سلك : السلوك النفاذ في الطريق ، يقال سلكت الطريق وسلكت كذا في طريقه ، قال تعالى : { لتسلكوا منها سبلا فجاجا } وقال : { فاسلكي سبل ربك ذللا } - { يسلك من بين يديه } - { وسلك لكم فيها سبلا } ومن الثاني قوله : { ما سلككم في سقر } وقوله : { كذلك نسلكه في قلوب المجرمين } - { كذلك سلكناه } - { فاسلك فيها } - { يسلكه عذابا } قال بعضهم : سلكت فلانا طريقا فجعل عذابا مفعولا ثانيا ، وقيل عذابا هو مصدر لفعل محذوف كأنه قيل نعذبه به عذابا ، والطعنة السلكة تلقاء وجهك ، والسلكة الأنثى من ولد الحجل والذكر السلك .
سلم : السلم : والسلامة التعري من الآفات الظاهرة والباطنة ، قال : { بقلب سليم } أي متعر من الدغل فهذا في الباطن ، وقال تعالى : { مسلمة لا شية فيها } فهذا في الظاهر وقد سلم يسلم سلامة وسلاما وسلمه الله ، قال تعالى : { ولكن الله سلم } وقال : { ادخلوها بسلام آمنين } أي سلامة ، وكذا قوله : { اهبط بسلام منا } والسلامة الحقيقية ليست إلا في الجنة ، إذ فيها بقاء بلا فناء وغنى بلا فقر ، وعز بلا ذل ، وصحة بلا سقم ، كما قال تعالى : { لهم دار السلام عند ربهم } أي السلامة ، قال : { والله يدعو إلى دار السلام } وقال تعالى : { يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام } يجوز أن يكون كل ذلك من السلامة . وقيل السلام اسم من أسماء الله تعالى ، وكذا قيل في قوله : { لهم دار السلام } - و { السلام المؤمن المهيمن } قيل وصف بذلك من حيث لا يلحقه العيوب والآفات التي تلحق الخلق ، وقوله :
____________________
(1/239)
{ سلام قولا من رب رحيم } - { سلام عليكم بما صبرتم } - { سلام على إل ياسين } كل ذلك من الناس بالقول ، ومن الله تعالى بالفعل وهو إعطاء ما تقدم ذكره مما يكون في الجنة من السلامة ، وقوله : { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } أي نطلب منكم السلامة فيكون قوله سلاما نصبا بإضمار فعل وقيل معناه قالوا سلاما أي سدادا من القول فعلى هذا يكون صفة لمصدر محذوف . وقوله تعالى : { إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام } فإنما رفع الثاني لأن الرفع في باب الدعاء أبلغ فكأنه تحرى في باب الأدب المأمور به في قوله : { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها } ومن قرأ سلم فلأن السلام لما كان يقتضي السلم ، وكان إبراهيم عليه السلام قد أوجس منهم خيفة فلما رآهم مسلمين تصور من تسليمهم أنهم قد بذلوا له سلما قال في جوابهم سلم تنبيها أن ذلك من جهتي لكم كما حصل من جهتكم لي . وقوله تعالى : { لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما } فهذا لا يكون لهم بالقول فقط بل ذلك بالقول والفعل جميعا . وعلى ذلك قوله تعالى : { فسلام لك من أصحاب اليمين } وقوله : { وقل سلام } فهذا في الظاهر أن تسلم عليهم ، وفي الحقيقة سؤال الله السلامة منهم ، وقوله تعالى : { سلام على نوح في العالمين } - { سلام على موسى وهارون } - { سلام على إبراهيم } كل هذا تنبيه من الله تعالى أنه جعلهم بحيث يثنى عليهم ويدعى لهم . وقال تعالى : { فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم } أي ليسلم بعضكم على بعض . والسلام والسلم والسلم الصلح قال : { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا } وقيل نزلت فيمن قتل بعد إقراره بالإسلام ومطالبته بالصلح . وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة } - { وإن جنحوا للسلم } وقرئ للسلم بالفتح ، وقرئ : { وألقوا إلى الله يومئذ السلم } وقال : { يدعون إلى السجود وهم سالمون } أي مستسلمون ، وقوله : / < ورجلا سالما لرجل > / وقرئ سلما وسلما وهما مصدران وليسا بوصفين كحسن ونكد يقول سلم سلما وسلما وربح ربحا وربحا . وقيل السلم اسم بإزاء حرب ، والإسلام الدخول في السلم وهو أن يسلم كل واحد منهما أن يناله من ألم صاحبه ، ومصدر أسلمت الشيء إلى فلان إذا أخرجته إليه ومنه السلم في البيع . والإسلام في الشرع على ضربين أحدهما دون الإيمان وهو الاعتراف باللسان وبه يحقن الدم حصل معه الاعتقاد أو لم يحصل وإياه قصد بقوله : { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } والثاني فوق الإيمان وهو أن يكون مع الاعتراف اعتقاد بالقلب ووفاء بالفعل واستسلام لله في جميع ما قضى وقدر ، كما ذكر عن
____________________
(1/240)
إبراهيم عليه السلام في قوله : { إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين } وقوله تعالى : { إن الدين عند الله الإسلام } وقوله : { توفني مسلما } أي اجعلني ممن استسلم لرضاك ويجوز أن يكون معناه اجعلني سالما عن أسر الشيطان حيث قال : { لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين } وقوله : { إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون } أي منقادون للحق مذعنون له . وقوله : { يحكم بها النبيون الذين أسلموا } أي الذين انقادوا من الأنبياء الذين ليسوا من أولي العزم لأولي العزم الذين يهتدون بأمر الله ويأتون بالشرائع . والسلم ما يتوصل به إلى الأمكنة العالية فيرجى به السلامة ، ثم جعل اسما لكل ما يتوصل به إلى شيء رفيع كالسبب ، قال تعالى : { أم لهم سلم يستمعون فيه } وقال { أو سلما في السماء } وقال الشاعر :
( ولو نال أسباب السماء بسلم ** )
والسلم والسلام شجر عظيم ، كأنه سمي لاعتقادهم أنه سليم من الآفات ، والسلام الحجارة الصلبة .
سلا : قال تعالى : { وأنزلنا عليكم المن والسلوى } أصلها ما يسلى الإنسان ومنه السلوان والتسلي وقيل السلوى طائر كالسماني . قال ابن عباس : المن الذي يسقط من السماء والسلوى طائر ، قال بعضهم : أشار ابن عباس بذلك إلى ما رزق الله تعالى عباده من اللحوم والنبات وأورد بذلك مثالا ، وأصل السلوى من التسلى ، يقال سليت عن كذا وسلوت عنه وتسليت إذا زال عنك محبته . قيل والسلوان ما يسلي وكانوا يتداوون من العشق بخرزة يحكونها ويشربونها ، ويسمونها السلوان .
سمم : السم والسم كل ثقب ضيق كخرق الإبرة وثقب الأنف والأذن وجمعه سموم . قال تعالى : { حتى يلج الجمل في سم الخياط } وقد سمه أي دخل فيه ومنه السامة للخاصة الذين يقال لهم الدخلل الذين يتداخلون في بواطن الأمر ، والسم القاتل وهو مصدر في معنى الفاعل فإنه بلطف تأثيره يدخل بواطن البدن ، والسموم الريح الحارة التي تؤثر تأثير السم قال تعالى : { ووقانا عذاب السموم } وقال { في سموم وحميم } - { والجان خلقناه من قبل من نار السموم } .
سمد : السامد اللاهي الرافع رأسه من قولهم سمد البعير في سيره . قال : { وأنتم سامدون } وقولهم سمد رأسه وسبد أي استأصل شعره .
سمر : السمرة أحد الألوان المركبة بين البياض والسواد والسمراء كنى بها عن الحنطة والسمار اللبن الرقيق المتغير اللون والسمرة شجرة تشبه أن تكون للونها سميت بذلك
____________________
(1/241)
والسمر سواد الليل ومنه قيل لا آتيك السمر والقمر ، وقيل للحديث بالليل السمر وسمر فلان إذا تحدث ليلا ومنه قيل لا آتيك ما سمر ابنا سمير وقوله تعالى : { مستكبرين به سامرا تهجرون } قيل معناه سمارا فوضع الواحد موضع الجمع وقيل بل السامر الليل المظلم يقال سامر وسمار وسمرة وسامرون وسمرت الشيء وإبل مسمرة مهملة والسامري منسوب إلى رجل .
سمع : السمع قوة في الأذن به يدرك الأصوات وفعله يقال له السمع أيضا ، وقد سمع سمعا . ويعبر تارة بالسمع عن الأذن نحو : { ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم } وتارة عن فعله كالسماع نحو { إنهم عن السمع لمعزولون } وقال تعالى : { أو ألقى السمع وهو شهيد } وتارة عن الفهم وتارة عن الطاعة تقول اسمع ما أقول لك ولم تسمع ما قلت وتعني لم تفهم ، قال تعالى : { وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا } وقوله { سمعنا وعصينا } أي فهمنا قولك ولم نأتمر لك وكذلك قوله { سمعنا وأطعنا } أي فهمنا وارتسمنا . وقوله { ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون } يجوز أن يكون معناه فهمنا وهم لا يفهمون وأن يكون معناه فهمنا وهم لا يعلمون بموجبه وإذا لم يعمل بموجبه فهو في حكم من لم يسمع . ثم قال تعالى : { ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا } أي أفهمهم بأن جعل لهم قوة يفهمون بها وقوله { واسمع غير مسمع } يقال على وجهين أحدهما دعاء على الإنسان بالصمم والثاني دعاء له ، فالأول نحو أسمعك الله أي جعلك الله أصم والثاني أن يقال أسمعت فلانا إذا سببته . وذلك متعارف في السب ، وروي أن أهل الكتاب كانوا يقولون ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم يوهمون أنهم يعظمونه ويدعون له وهم يدعون عليه بذلك وكل موضع أثبت الله السمع للمؤمنين أو نفى عن الكافرين أو حث على تحريه فالقصد به إلى تصور المعنى والتفكر فيه نحو { أم لهم آذان يسمعون بها } ونحو { صم بكم } ونحو { وفي آذانهم وقرا } وإذا وصفت الله تعالى بالسمع فالمراد به علمه بالمسموعات وتحريه بالمجازاة بها نحو : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها } - { لقد سمع الله قول الذين قالوا } وقوله : { إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء } أي لا تفهمهم لكونهم كالموتى في افتقادهم بسوء فعلهم القوة العاقلة التي هي الحياة المختصة بالإنسانية ، وقوله { أبصر به وأسمع } أي يقول فيه تعالى ذلك من وقف على عجائب حكمته ولا يقال فيه ما أبصره وما أسمعه لما تقدم ذكره أن الله تعالى لا يوصف إلا بما ورد به السمع ، وقوله في صفة الكفار
____________________
(1/242)
{ أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا } معناه أنهم يسمعون ويبصرون في ذلك اليوم ما خفى عليهم وضلوا عنه اليوم لظلمهم أنفسهم وتركهم النظر ، وقال { خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا } - { سماعون للكذب } أي يسمعون منك لأجل أن يكذبوا { سماعون لقوم آخرين } أي يسمعون لمكانهم ، والاستماع الإصغاء نحو { نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك } - { ومنهم من يستمع إليك } - { ومنهم من يستمعون إليك } - { واستمع يوم يناد المناد } وقوله { أم من يملك السمع والأبصار } أي من الموجد لأسماعهم وأبصارهم والمتولى لحفظها . والمسمع والمسمع خرق الأذن وبه شبه حلقة مسمع الغرب .
سمك : السمك سمك البيت وقد سمكه أي رفعه قال { رفع سمكها فسواها } وقال الشاعر :
( إن الذي سمك السماء مكانها ** )
وفي بعض الأدعية يا بارئ السموات المسموكات وسنام سامك عال . والسماك ما سمكت به البيت ، والسماك نجم ، والسمك معروف .
سمن : السمن ضد الهزال ، يقال سمين وسمان قال : { أفتنا في سبع بقرات سمان } وأسمنته وسمنته جعلته سمينا ، قال { لا يسمن ولا يغني من جوع } وأسمنته اشتريته سمينا أو أعطيته كذا واستسمنته وجدته سمينا . والسمنة دواء يستجلب به السمن والسمن سمي به لكونه من جنس السمن وتولده عنه والسماني طائر .
سما : سماء كل شيء أعلاه ، قال الشاعر في وصف فرس :
( وأحمر كالديباج أما سماؤه ** فريا وأما أرضه فمحول )
قال بعضهم كل سماء بالإضافة إلى ما دونها فسماء وبالإضافة إلى ما فوقها فأرض إلا السماء العليا فإنها سماء بلا أرض ، وحمل على هذا قوله { الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن } وسمي المطر سماء لخروجه منها ، قال بعضهم : إنما سمي سماء ما لم يقع بالأرض اعتبارا بما تقدم وسمي النبات سماء إما لكونه من المطر الذي هو سماء وإما لارتفاعه عن الأرض . والسماء المقابل للأرض مؤنث وقد يذكر ويستعمل للواحد والجمع لقوله { ثم استوى إلى السماء فسواهن } وقد يقال في جمعها سموات . قال { خلق السماوات } - { قل من رب السماوات } وقال { السماء منفطر به } فذكر وقال { إذا السماء انشقت } - { إذا السماء انفطرت } فأنث ووجه ذلك أنها كالنخل في الشجر وما يجري مجراه من أسماء الجنس الذي يذكر ويونث ويخبر عنه بلفظ الواحد والجمع ، والسماء الذي هو المطر يذكر ويجمع على أسمية . والسماوة الشخص العالي ، قال الشاعر :
____________________
(1/243)
( سماوة الهلال حتى احقوقفا ** )
وسمالي : شخص ، وسما الفحل على الشول سماوة لتخلله إياها ، والاسم ما يعرف به ذات الشيء وأصله سمو بدلالة قولهم أسماء وسمي وأصله من السمو وهو الذي به رفع ذكر المسمى فيعرف به قال { بسم الله } وقال { بسم الله الرحمن الرحيم } - { بسم الله الرحمن الرحيم } - { وعلم آدم الأسماء } أي الألفاظ والمعاني مفرداتها ومركباتها . وبيان ذلك أن الاسم يستعمل على ضربين ، أحدهما : بحسب الوضع الاصطلاحي وذلك هو في المخبر عنه نحو رجل وفرس ، والثاني : بحسب الوضع الأولي ويقال ذلك للأنواع الثلاثة المخبر عنه والخبر عنه ، والرابط بينهما المسمى بالحرف وهذا هو المراد بالآية لأن آدم عليه السلام كما علم الاسم علم الفعل والحرف ولا يعرف الإنسان الاسم فيكون عارفا لمسماه إذا عرض عليه المسمى ، إلا إذا عرف ذاته . ألا ترى أنا لو علمنا أسامي أشياء بالهندية أو بالرومية ولم نعرف صورة ما له تلك الأسماء لم نعرف المسميات إذا شاهدناها بمعرفتنا الأسماء المجردة بل كنا عارفين بأصوات مجردة فثبت أن معرفة الأسماء لا تحصل إلا بمعرفة المسمى وحصول صورته في الضمير ، فإذا المراد بقوله { وعلم آدم الأسماء كلها } الأنواع الثلاثة من الكلام وصور المسميات في ذواتها وقوله { ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها } فمعناه أن الأسماء التي تذكرونها ليس لها مسميات وإنما هي أسماء على غير مسمى إذ كان حقيقة ما يعتقدون في الأصنام بحسب تلك الأسماء غير موجود فيها ، وقوله { وجعلوا لله شركاء قل سموهم } فليس المراد أن يذكروا أساميها نحو اللات والعزى وإنما المعنى إظهار تحقيق ما تدعونه إلها وأنه هل يوجد معاني تلك الأسماء فيها ولهذا قال بعده { أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول } وقوله { تبارك اسم ربك } أي البركة والنعمة الفائضة في صفاته إذا اعتبرت وذلك نحو الكريم والعليم والباري والرحمن الرحيم وقال { سبح اسم ربك الأعلى } - { ولله الأسماء الحسنى } وقوله { اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا } - { ليسمون الملائكة تسمية الأنثى } أي يقولون للملائكة بنات الله وقوله { هل تعلم له سميا } أي نظيرا له يستحق اسمه ، وموصوفا يستحق صفته على التحقيق وليس المعنى هل تجد من يتسمى باسمه إذ كان كثير من أسمائه قد يطلق على غيره لكن ليس معناه إذا استعمل فيه كما كان معناه إذا استعمل في غيره .
سنن : السن معروف وجمعه أسنان قال { والسن بالسن } وسان البعير الناقة عاضها حتى أبركها ، والسنون دواء يعالج به الأسنان ، وسن الحديد إسالته وتحديده ، والمسن
____________________
(1/244)
ما يسن به أي يحدد به ، والسنان يختص بما يركب في رأس الرمح وسننت البعير صقلته وضمرته تشبيها بسن الحديد وباعتبار الإسالة قيل سننت الماء أي أسلته ، وتنح عن سنن الطريق وسننه وسننه ، فالسنن جمع سنة ، وسنة الوجه طريقته ، وسنة النبي طريقته التي كان يتحراها وسنة الله تعالى قد تقال لطريقة حكمته وطريقة طاعته نحو { سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا } - { ولن تجد لسنة الله تحويلا } فتنبيه أن فروع الشرائع وإن اختلفت صورها فالغرض المقصود منها لا يختلف ولا يتبدل وهو تطهير النفس وترشيحها للوصول إلى ثواب الله تعالى وجواره ، وقوله { من حمإ مسنون } قيل متغير وقوله : { لم يتسنه } معناه لم يتغير والهاء للاستراحة .
سم : قال : { ومزاجه من تسنيم } قيل هو عين في الجنة رفيعة القدر وفسر بقوله { عينا يشرب بها المقربون } . سنا : السنا الضوء الساطع والسناء الرفعة والسانية التي يسقى بها سميت لرفعتها ، قال : { يكاد سنا برقه } وسنت الناقة تسنو أي سقت الأرض وهي السانية .
سنة : السنة في أصلها طريقان أحدهما أن أصلها سنهة لقولهم سانهت فلانا أي عاملته سنة فسنة ، وقولهم سنيهة قيل ومنه { لم يتسنه } أي لم يتغير بمر السنين عليه ولم تذهب طراوته وقيل أصله من الواو لقولهم سنوات ومنه سانيت والهاء للوقف نحو كتابيه وحسابيه وقال : { أربعين سنة } - { سبع سنين دأبا } - { ثلاث مائة سنين } - { ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين } فعبارة عن الجدب وأكثر ما تستعمل السنة في الحول الذي فيه الجدب ، يقال أسنت القوم أصابتهم السنة ، قال الشاعر :
( لها أرج ما حولها غير مسنت ** ) وقال آخر :
( فليست بسنهاء ولا رجبية ** )
فمن الهاء كما ترى ، وقول الآخر :
( ما كان أزمان الهزال والسنى ** )
فليس بمرخم وإنما جمع فعلة على فعول كمائة ومئين ومؤن وكسر الفاء كما كسر في عصي وخففه للقافية ، وقوله : { لا تأخذه سنة ولا نوم } فهو من الوسن لا من هذا الباب .
سهر : الساهرة قيل وجه الأرض ، وقيل هي أرض القيامة ، وحقيقتها التي يكثر الوطء بها ، فكأنها سهرت بذلك إشارة إلى قول الشاعر :
( تحرك يقظان التراب ونائمه ** )
والأسهران عرقان في الأنف .
سهل : السهل ضد الحزن وجمعه سهول ، قال : { من سهولها قصورا } وأسهل حصل في السهل ورجل سهلي منسوب إلى السهل ، ونهر
____________________
(1/245)
سهل ، ورجل سهل الخلق وحزن الخلق ، وسهيل نجم .
سهم : السهم ما يرمى به وما يضرب به من القداح ونحوه قال : { فساهم فكان من المدحضين } واستهموا اقترعوا وبرد مسهم عليه صورة سهم ، وسهم وجهه تغير والسهام داء يتغير منه الوجه .
سها : السهو خطأ عن غفلة وذلك ضربان أحدهما ، أن لا يكون من الإنسان جوالبه ومولداته كمجنون سب إنسانا ، والثاني أن يكون منه مولداته كمن شرب خمرا ثم ظهر منه منكر لا عن قصد إلى فعله . والأول معفو عنه والثاني مأخوذ به ، وعلى نحو الثاني ذم الله تعالى فقال : { في غمرة ساهون } - { عن صلاتهم ساهون } .
سيب : السائبة التي تسيب في المرعى فلا ترد عن حوض ولا علف وذلك إذا ولدت خمسة أبطن ، وانسابت الحية انسيابا ، والسائبة العبد يعتق ويكون ولاؤه لمعتقه ويضع ماله حيث شاء وهو الذي ورد النهي عنه ، والسيب العطاء ، والسيب مجرى الماء واصله من سيبته فساب .
ساح : الساحة المكان الواسع ومنه ساحة الدار ، قال : { فإذا نزل بساحتهم } والسائح الماء الدائم الجرية في ساحة ، وساح فلان في الأرض مر مر السائح ، قال : { فسيحوا في الأرض أربعة أشهر } ورجل سائح في الأرض وسياح ، وقوله : { السائحون } أي الصائمون ، وقال : { سائحات } أي صائمات ، قال بعضهم : الصوم ضربان : حقيقي وهو ترك المطعم والمنكح ، وصوم حكمي وهو حفظ الجوارح عن المعاصي كالسمع والبصر واللسان ، فالسائح هو الذي يصوم هذا الصوم دون الصوم الأول ، وقيل السائحون هم الذين يتحرون ما اقتضاه قوله : { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها } .
سود : السواد اللون المضاد للبياض ، يقال اسود واسواد ، قال : { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } فابيضاض الوجوه عبارة عن المسرة واسودادها عبارة عن المساءة ، ونحوه : { وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم } وحمل بعضهم الابيضاض والاسوداد على المحسوس ، والأول أولى لأن ذلك حاصل لهم سودا كانوا في الدنيا أو بيضا ، وعلى ذلك وقوله في البياض { وجوه يومئذ ناضرة } ، قوله { ووجوه يومئذ باسرة } - { ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة } وقال { وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم } - { كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما } وعلى هذا النحو ما روي أن المؤمنين يحشرون غرا محجلين من آثار الوضوء ويعبر بالسواد عن الشخص المرئي من بعيد وعن سواد العين
____________________
(1/246)
قال بعضهم : لا يفارق سوادي سواده أي عيني شخصه ، ويعبر به عن الجماعة الكثيرة نحو قولهم عليكم بالسواد الأعظم ، والسيد المتولى للسواد أي الجماعة الكثيرة وينسب إلى ذلك فيقال سيد القوم ولا يقال سيد الثوب وسيد الفرس ، ويقال ساد القوم يسودهم ، ولما كان من شرط المتولى للجماعة أن يكون مهذب النفس قيل لكل من كان فاضلا في نفسه سيد . وعلى ذلك قوله { وسيدا وحصورا } وقوله { وألفيا سيدها } فسمي الزوج سيدا لسياسة زوجته وقوله { ربنا إنا أطعنا سادتنا } أي ولاتنا وسائسينا .
سار : السير المضي في الأرض ورجل سائر وسيار والسيارة الجماعة ، قال تعالى : { وجاءت سيارة } يقال سرت وسرت بفلان وسرته أيضا وسيرته على التكثير ، فمن الأول قوله { أفلم يسيروا } - { قل سيروا } - { سيروا فيها ليالي } ومن الثاني قوله { وسار بأهله } ولم يجئ في القرآن القسم الثالث وهو سرته . والرابع قوله { وسيرت الجبال } - { هو الذي يسيركم في البر والبحر } وأما قوله { سيروا في الأرض } فقد قيل حث على السياحة في الأرض بالجسم ، وقيل حث على إجالة الفكر ومراعاة أحواله كما روي في الخبر أنه قيل في وصف الأولياء : أبدانهم في الأرض سائرة وقلوبهم في الملكوت جائلة ، ومنهم من حمل ذلك على الجد في العبادة المتوصل بها إلى الثواب وعلى ذلك حمل قوله عليه السلام سافروا تغنموا ، والتسيير ضربان ، أحدهما بالأمر والاختيار والإرادة من السائر نحوك { هو الذي يسيركم } والثاني بالقهر والتسخير كتسخير الجبال . { وإذا الجبال سيرت } وقوله { وسيرت الجبال } والسيرة الحالة التي يكون عليها الإنسان وغيره غريزيا كان أو مكتسبا ، يقال فلان له سيرة حسنة وسيرة قبيحة ، وقوله { سنعيدها سيرتها الأولى } أي الحالة التي كانت عليها من كونها عودا .
سور : السور وثوب مع علو ، ويستعمل في الغضب وفي الشراب ، يقال سورة الغضب وسورة الشراب ، وسرت إليك وساورني فلان وفلان سوار وثاب . والأسوار من أساورة الفرس أكثر ما يستعمل في الرماة ويقال هو فارسي معرب . وسوار المرأة معرب واصله دستوار وكيفما كان فقد استعملته العرب واشتق منه سورت الجارية وجارية مسورة ومخلخلة ، قال { أسورة من ذهب } - { أساور من فضة } واستعمال الأسورة في الذهب وتخصيصها بقوله ألقي واستعمال أساور في الفضة وتخصيصه بقوله { وحلوا } فائدة ذلك تختص بغير هذا الكتاب . والسورة المنزلة الرفيعة ، قال الشاعر :
( ألم تر أن الله أعطاك سورة ** ترى كل ملك دونها يتذبذب )
____________________
(1/247)
وسور المدينة حائطها المشتمل عليها وسورة القرآن تشبيها بها لكونه محاطا بها إحاطة السور بالمدينة أو لكونها منزلة كمنازل القمر ، ومن قال سؤرة فمن أسارت أي أبقيت منها بقية كأنها قطعة مفردة من جملة القرآن وقوله : { سورة أنزلناها } أي جملة من الأحكام والحكم ، وقيل اسأرت في القدح أي أبقيت فيه سؤرا ، أي بقية ، قال الشاعر :
( لا بالحصور ولا فيها بسأر ** )
ويروى بسوار ، من السورة أي الغضب .
سوط : السوط الجلد المضفور الذي يضرب به وأصل السوط خلط الشيء بعضه ببعض ، يقال سطته وسوطته ، فالسوط يسمى به لكونه مخلوط الطاقات بعضها ببعض ، وقوله { فصب عليهم ربك سوط عذاب } تشبيها بما يكون في الدنيا من العذاب بالسوط ، وقيل إشارة إلى ما خلط لهم من أنواع العذاب المشار إليه بقوله { حميما وغساقا } .
ساعة : الساعة جزء من أجزاء الزمان ، ويعبر به عن القيامة ، قال { اقتربت الساعة } - { يسألونك عن الساعة } - { وعنده علم الساعة } تشبيها بذلك لسرعة حسابه كما قال { وهو أسرع الحاسبين } أو لما نبه عليه بقوله { كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها } - { لم يلبثوا إلا ساعة من نهار } - { ويوم تقوم الساعة } فالأولى هي القيامة والثانية الوقت القليل من الزمان . وقيل الساعات التي هي القيامة ثلاثة : الساعة الكبرى وهي بعث الناس للمحاسبة وهي التي أشار إليها بقوله عليه السلام : لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفحش وحتى يعبد الدرهم والدينار إلى غير ذلك . وذكر أمورا لم تحدث في زمانه ولا بعده . والساعة الوسطى وهي موت أهل القرن الواحد وذلك نحو ما روي أنه رأى عبد الله بن أنيس فقال إن يطل عمر هذا الغلام لم يمت حتى تقوم الساعة فقيل إنه آخر من مات من الصحابة والساعة الصغرى وهي موت الإنسان ، فساعة كل إنسان موته وهي المشار إليها بقوله { قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة } ، ومعلوم أن هذه الحسرة تنال الإنسان عند موته لقوله { وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول } الآية وعلى هذا قوله { قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة } وروي أنه كان إذا هبت ريح شديدة تغير لونه عليه السلام فقال : تخوفت الساعة وقال ما أمد طرفي ولا أغضها إلا وأظن أن الساعة قد قامت يعني موته . ويقال عاملته مساوعة نحو معاومة ومشاهرة ، وجاءنا بعد سوع من الليل وسواع أي بعد هدء ، وتصور من الساعة
____________________
(1/248)
الإهمال فقيل أسعت الإبل أسيعها وهو ضائع سائع ، وسواع اسم صنم . قال : { ودا ولا سواعا } .
ساغ : ساغ الشراب في الحلق سهل انحداره ، وأساغه كذا . قال : { سائغا للشاربين } - { ولا يكاد يسيغه } وسوغته مالا مستعار منه ، وفلان سوغ أخيه إذا ولد إثره عاجلا تشبيها بذلك .
سوف : سوف حرف يخصص أفعال المضارعة بالاستقبال ويجردها عن معنى الحال نحو { سوف أستغفر لكم ربي } وقوله { فسوف تعلمون } تنبيه أن ما يطلبونه وإن لم يكن في الوقت حاصلا فهو مما يكون بعد لا محالة ويقتضي معنى المماطلة والتأخير ، واشتق منه التسويف اعتبارا بقول الواعد سوف أفعل كذا والسوف شم التراب والبول ، ومنه قيل للمفازة التي يسوف الدليل ترابها مسافة ، قال الشاعر :
( إذا الدليل اسناف أخلاق الطرق ** )
والسواف مرض الإبل يشارف بها الهلاك وذلك لأنها تشم الموت أو يشمها الموت وإما لأنه مما سوف تموت منه .
ساق : سوق الإبل جلبها وطردها ، يقال سقته فانساق ، والسيقة ما يساق من الدواب وسقت المهر إلى المرأة وذلك أن مهورهم كانت الإبل وقوله { إلى ربك يومئذ المساق } نحو قوله { وأن إلى ربك المنتهى } وقوله { سائق وشهيد } أي ملك يسوقه وآخر يشهد عليه وله ، وقيل هو كقوله { كأنما يساقون إلى الموت } وقوله { والتفت الساق بالساق } قيل عني التفاف الساقين عند خروج الروح وقيل التفافهما عند ما يلفان في الكفن ، وقيل هو أن يموت فلا تحملانه بعد أن كانتا تقلانه ، وقيل أراد التفاف البلية بالبلية { يوم يكشف عن ساق } من قولهم كشفت الحرب عن ساقها ، وقال بعضهم في قوله { يوم يكشف عن ساق } إنه إشارة إلى شدة وهو أن يموت الولد في بطن الناقة فيدخل المذمر يده في رحمها فيأخذ بساقه فيخرجه ميتا ، قال فهذا هو الكشف عن الساق فجعل لكل أمر فظيع . وقوله { فاستوى على سوقه } قيل هو جمع ساق نحو لابة ولوب وقارة وقور ، وعلى هذا { فطفق مسحا بالسوق والأعناق } ورجل اسوق وامرأة سوقاء بينة السوق أي عظيمة الساق ، والسوق الموضع الذي يجلب إليه المتاع للبيع ، قال { وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق } والسويق سمي لانسواقه في الحلق من غير مضغ .
سول : السؤل الحاجة التي تحرص النفس عليها ، قال { قد أوتيت سؤلك يا موسى } وذلك ما سأله بقوله { رب اشرح لي صدري } الآية والتسويل تزيين النفس لما تحرص عليه وتصوير القبيح منه بصورة الحسن ، قال { بل سولت لكم أنفسكم أمرا }
____________________
(1/249)
- { الشيطان سول لهم } ) وقال بعض الأدباء :
( سالت هذيل رسول الله فاحشة ** )
أي طلبت منه سؤلا . قال وليس من سأل كما قال كثير من الأدباء . والسؤل يقارب الأمنية لكن الأمنية تقال فيما قدره الإنسان والسؤل فيما طلب فكأن السؤل يكون بعد الأمنية .
سال : سال الشيء يسيل واسلته أنا ، قال { وأسلنا له عين القطر } أي أذبنا له والإسالة في الحقيقة حالة في القطر تحصل بعد الإذابة ، والسيل أصله مصدر وجعل اسما للماء الذي يأتيك ولم يصبك مطره ، قال { فاحتمل السيل زبدا رابيا } - { سيل العرم } والسيلان الممتد من الحديد ، الداخل من النصاب في المقبض .
سأل : السؤال استدعاء معرفة أو ما يؤدي إلى المعرفة واستدعاء مال أو ما يؤدي إلى المال ، فاستدعاء المعرفة جوابه على اللسان واليد خليفة له بالكتابة أو الإشارة ، واستدعاء المال جوابه على اليد واللسان خليفة لها إما بوعد أو برد . إن قيل كيف يصح أن يقال السؤال يكون للمعرفة ومعلوم أن الله تعالى يسأل عباده نحو { وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم } قيل إن ذلك سؤال لتعريف القوم وتبكيتهم لا لتعريف الله تعالى فإنه علام الغيوب ، فليس يخرج عن كونه سؤالا عن المعرفة ، والسؤال للمعرفة يكون تارة للاستعلام وتارة للتبكيت كقوله تعالى : { وإذا الموؤودة سئلت } ولتعرف المسئول . والسؤال إذا كان للتعريف تعدى إلى المفعول الثاني تارة بنفسه وتارة بالجار ، تقول سألته كذا وسألته عن كذا وبكذا وبعن أكثر { ويسألونك عن الروح } - { ويسألونك عن ذي القرنين } وقال تعالى : { وإذا سألك عبادي عني } ، وقال { سأل سائل بعذاب واقع } وإذا كان السؤال لاستدعاء مال فإنه يتعدى بنفسه أو بمن نحو { وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب } - { واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا } وقال { واسألوا الله من فضله } ويعبر عن الفقير إذا كان مستدعيا لشيء بالسائل نحو { وأما السائل فلا تنهر } وقوله { للسائل والمحروم } .
سام : السوم أصله الذهاب في ابتغاء الشيء ، فهو لفظ لمعنى مركب من الذهاب والابتغاء وأجري مجرى الذهاب في قولهم سامت الإبل فهي سائمة ومجرى الابتغاء في قولهم سمت كذا قال : { يسومونكم سوء العذاب } ومنه قيل سيم فلان الخسف فهو يسام الخسف ومنه السوم في البيع فقيل صاحب السلعة أحق بالسوم ، ويقال سمت الإبل في المرعى وأسمتها وسومتها
____________________
(1/250)
قال : { ومنه شجر فيه تسيمون } والسيماء والسيمياء العلامة ، قال الشاعر :
( له سيمياء لا تشق على البصر ** )
وقال تعالى : { سيماهم في وجوههم } وقد سومته أي أعلمته ومسومين أي معلمين ومسومين معلمين لأنفسهم أو لخيولهم أو مرسلين لها وروي عنه عليه السلام أنه قال : تسوموا فإن الملائكة قد تسومت .
سأم : السآمة الملالة مما يكثر لبثه فعلا كان أو انفعالا قال : { وهم لا يسأمون } وقال : { لا يسأم الإنسان من دعاء الخير } وقال الشاعر :
( سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ** ثمانين حولا لا ابا لك يسأم )
سين : طور سيناء جبل معروف ، قال { تخرج من طور سيناء } قرئ بالفتح والكسر والألف في سيناء بالفتح ليس إلا للتأنيث لأنه ليس في كلامهم فعلال إلا مضاعفا كالقلقال والزلزال ، وفي سيناء يصح أن تكون الألف فيه كالألف في علباء وحرباء ، وأن تكون الألف للإلحاق بسرواح ، وقيل أيضا طور سينين والسين من حروف المعجم .
سوا : المساواة المعادلة المعتبرة بالذرع والوزن والكيل ، يقال هذا ثوب مساو لذاك الثوب ، وهذا الدرهم مساو لذلك الدرهم ، وقد يعتبر بالكيفية نحو هذا السواد مساو لذلك السواد وإن كان تحقيقه راجعا إلى اعتبار مكانه دون ذاته ولاعتبار المعادلة التي فيه استعمل استعمال العدل ، قال الشاعر :
( أبينا فلا نعطي السواء عدونا ** )
واستوى يقال على وجهين ، أحدهما : يسند إليه فاعلان فصاعدا نحو استوى زيد وعمرو في كذا أي تساويا ، وقال : { لا يستوون عند الله } والثاني أن يقال لاعتدال الشيء في ذاته نحو { ذو مرة فاستوى } وقال : { فإذا استويت أنت } - { لتستووا على ظهوره } - { فاستوى على سوقه } واستوى فلان على عمالته واستوى أمر فلان ، ومتى عدي بعلى اقتضى معنى الاستيلاء كقوله { الرحمن على العرش استوى } وقيل معناه استوى له ما في السموات وما في الأرض أي استقام الكل على مراده بتسوية الله تعالى إياه كقوله : { ثم استوى إلى السماء فسواهن } وقيل معناه استوى كل شيء في النسبة إليه فلا شيء أقرب إليه من شيء إذ كان تعالى ليس كالأجسام الحالة في مكان دون مكان ، وإذا عدي بإلى اقتضى معنى الانتهاء إليه إما بالذات أو بالتدبير ، وعلى الثاني قوله : { ثم استوى إلى السماء وهي دخان } وتسوية الشيء جعله سواء إما في الرفعة أو في الضعة ، وقوله : { الذي خلقك فسواك } أي جعل خلقتك على ما اقتضت الحكمة وقوله : { ونفس وما سواها } فإشارة إلى القوى التي جعلها مقومة للنفس فنسب الفعل إليها وقد ذكر
____________________
(1/251)
في غير هذا الموضع أن الفعل كما يصح أن ينسب إلى الفاعل يصح أن ينسب إلى الآلة وسائر ما يفتقر الفعل إليه نحو سيف قاطع ، وهذا الوجه أولى من قول من قال أراد { ونفس وما سواها } يعني الله تعالى ، فإن ما لا يعبر به عن الله تعالى إذ هو موضوع للجنس ولم يرد به سمع يصح ، وأما قوله : { سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى } فالفعل منسوب إليه تعالى وكذا قوله : { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي } وقوله : { رفع سمكها فسواها } فتسويتها يتضمن بناءها وتزيينها المذكور في قوله { إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب } والسوي يقال فيما يصان عن الإفراط والتفريط من حيث القدر والكيفية ، قال تعالى : { ثلاث ليال سويا } وقال تعالى : { من أصحاب الصراط السوي } ورجل سوي استوت أخلاقه وخلقته عن الإفراط والتفريط ، وقوله تعالى : { على أن نسوي بنانه } قيل نجعل كفه كخف الجمل لا أصابع له ، وقيل بل نجعل أصابعه كلها على قدر واحد حتى لا ينتفع بها وذاك أن الحكمة في كون الأصابع متفاوتة في القدر والهيئة ظاهرة ، إذ كان تعاونها على القبض أن تكون كذلك وقوله : { فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها } أي سوى بلادهم بالأرض نحو { خاوية على عروشها } وقيل سوى بلادهم بهم نحو : { لو تسوى بهم الأرض } وذلك إشارة إلى ما قال عن الكفار { ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا } ومكان سوى وسواء وسط ويقال سواء وسوى وسوى أي يستوي طرفاه ويستعمل ذلك وصفا وظرفا ، واصل ذلك مصدر ، وقال : { في سواء الجحيم } - { سواء السبيل } - { فانبذ إليهم على سواء } أي عدل من الحكم . وكذا قوله : { إلى كلمة سواء بيننا وبينكم } وقوله : { سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم } - { سواء عليهم أستغفرت لهم } - { سواء علينا أجزعنا أم صبرنا } أي يستوي الأمران في أنهما لا يغنيان { سواء العاكف فيه والباد } وقد يستعمل سوى وسواء بمعنى غير ، قال الشاعر :
( فلم يبق منها سوى هامد ** )
وقال آخر :
( وما قصدت من أهلها لسوائكا ** )
وعندي رجل سواك أي مكانك وبدلك والسي المساوي مثل عدل ومعادل وقتل ومقاتل ، تقول سيان زيد وعمرو ، وأسواء جمع سي نحو نقض وأنقاض يقال قوم أسواء ومستوون ، والمساواة متعارفة في المثمنات ، يقال هذا الثوب يساوي كذا واصله من ساواه في القدر ، قال : { حتى إذا ساوى بين الصدفين } .
سوأ : السوء كل ما يغم الإنسان من الأمور الدنيوية والأخروية ومن الأحوال النفسية والبدنية والخارجة من فوات مال وجاه
____________________
(1/252)
وفقد حميم ، وقوله { بيضاء من غير سوء } أي من غير آفة بها وفسر بالبرص ، وذلك بعض الآفات التي تعرض لليد . وقال : { إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين } وعبر عن كل ما يقبح بالسوأى ، ولذلك قوبل بالحسنى ، قال : { ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى } كما قال { للذين أحسنوا الحسنى } والسيئة الفعلة القبيحة وهي ضد الحسنة ، قال : { بلى من كسب سيئة } قال { لم تستعجلون بالسيئة } - { يذهبن السيئات } - { ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } - فأصابهم سيئات ما عملوا - ادفع بالتي هي أحسن السيئة ( وقال عليه الصلاة والسلام : يا أنس أتبع السيئة الحسنة تمحها ) والحسنة والسيئة ضربان : أحدهما بحسب اعتبار العقل والشرع نحو المذكور في قوله : ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها ) وحسنة وسيئة بحسب اعتبار الطبع ، وذلك ما يستخفه الطبع وما يستثقله نحو قوله : { فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه } وقوله : { ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة } وقوله تعالى : { إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين } ويقال ساءني كذا وسؤتني وأسأت إلى فلان ، قال : { سيئت وجوه الذين كفروا } وقال { ليسوؤوا وجوهكم } - { من يعمل سوءا يجز به } أي قبيحا ، وكذا قوله : { زين لهم سوء أعمالهم } - { عليهم دائرة السوء } أي ما يسوءهم في العاقبة ، وكذا قوله : { وساءت مصيرا } - { ساءت مستقرا } وأما قوله تعالى : { فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين } - { ساء ما كانوا يعملون } - { ساء مثلا } فساء ههنا تجري مجرى بئس ، وقال : { ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء } وقوله : { سيئت وجوه الذين كفروا } نسب ذلك إلى الوجه من حيث إنه يبدو في الوجه أثر السرور والغم ، وقال : { سيء بهم وضاق بهم ذرعا } وحل بهم ما يسوؤهم وقال { سوء الحساب } - { ولهم سوء الدار } وكني عن الفرج بالسوأة . قال : { كيف يواري سوأة أخيه } - { فأواري سوأة أخي } - { يواري سوآتكم } - { بدت لهما سوآتهما } - { ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما } .
____________________
(1/253)
= كتاب الشين =
شبه : الشبه والشبه والشبيه حقيقتها في المماثلة من جهة الكيفية كاللون والطعم وكالعدالة والظلم ، والشبهة هو أن لا يتميز أحد الشيئين من الآخر لما بينهما من التشابه عينا كان أو معنى ، قال : { وأتوا به متشابها } أي يشبه بعضه بعضا لونا لا طعما وحقيقة ، وميل متماثلا في الكمال والجودة ، وقرئ قوله : { مشتبها وغير متشابه } وقرئ : { متشابها } جميعا ومعناهما متقاربان . وقال : { إن البقر تشابه علينا } على لفظ الماضي فجعل لفظه مذكرا وتشابه أي تتشابه علينا على الإدغام ، وقوله : { تشابهت قلوبهم } أي في الغي والجهالة ، قال : { وأخر متشابهات } والمتشابه من القرآن ما أشكل تفسيره لمشابهته بغيره إما من حيث اللفظ أو من حيث المعنى ، فقال الفقهاء المتشابه ما لا ينبئ ظاهره عن مراده ، وحقيقة ذلك ان الآيات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أضرب : محكم على الإطلاق ، ومتشابه على الإطلاق ، ومحكم من وجه متشابه من وجه . فالمتشابه في الجملة ثلاثة أضرب : متشابه من جهة اللفظ فقط ، ومتشابه من جهة المعنى فقط ، ومتشابه من جهتهما . والمتشابه من جهة اللفظ ضربان : أحدهما يرجع إلى الألفاظ المفردة ، وذلك إما من جهة غرابته نحو الأب ويزفون ، وإما من جهة مشاركة في اللفظ كاليد والعين . والثاني يرجع إلى جملة الكلام المركب ، وذلك ثلاثة أضرب ، ضرب لاختصار الكلام نحو : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء } وضرب لبسط الكلام نحو : { ليس كمثله شيء } لأنه لو قيل ليس مثله شيء كان أظهر للسامع . وضرب لنظم الكلام نحو : { أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما } تقديره الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا وقوله { ولولا رجال مؤمنون } إلى قوله : { لو تزيلوا } والمتشابه من جهة المعنى أوصاف الله تعالى وأوصاف يوم القيامة فإن تلك الصفات لا تتصور لنا إذ كان لا يحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسه أو لم يكن من جنس ما نحسه . والمتشابه من
____________________
(1/254)
جهة المعنى واللفظ جميعا خمسة أضرب ، الأول : من جهة الكمية كالعموم والخصوص نحو : { فاقتلوا المشركين } والثاني : من جهة الكيفية كالوجوب والندب نحو { فانكحوا ما طاب لكم } والثالث : من جهة الزمان كالناسخ والمنسوخ نحو { اتقوا الله حق تقاته } والرابع : من جهة المكان والأمور التي نزلت فيها نحو : { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها } وقوله { إنما النسيء زيادة في الكفر } فإن من لا يعرف عادتهم في الجاهلية يتعذر عليه معرفة تفسير هذه الآية . والخامس : من جهة الشروط التي بها يصح الفعل أو يفسد كشروط الصلاة والنكاح . وهذه الجملة إذا تصورت علم أن كل ما ذكره المفسرون في تفسير المتشابه لا يخرج عن هذه التقاسيم نحو قول من قال المتشابه ( الم ) وقول قتادة المحكم الناسخ والمتشابه المنسوخ ، وقول الأصم المحكم ما اجمع على تأويله ، والمتشابه ما اختلف فيه . ثم جميع المتشابه على ثلاثة أضرب : ضرب لا سبيل للوقوف عليه كوقت الساعة وخروج دابة الأرض وكيفية الدابة ونحو ذلك . وضرب للإنسان سبيل إلى معرفته كالألفاظ الغريبة والأحكام الغلقة . وضرب متردد بين الأمرين يجوز أن يخت بمعرفة حقيقته بعض الراسخين في العلم ويخفى على من دونهم ، وهو الضرب المشار إليه بقوله عليه السلام في علي رضي الله عنه : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل . وقوله لابن عباس مثل ذلك . وإذ عرفت هذه الجملة علم أن الوقف على قوله { وما يعلم تأويله إلا الله } ووصله بقوله : { والراسخون في العلم } جائز وأن لكل واحد منهما وجها حسبما دل عليه التفصيل المتقدم وقوله { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها } فإنه يعني ما يشبه بعضه بعضا في الأحكام والحكمة واستقامة النظم . وقوله { ولكن شبه لهم } أي مثل لهم من حسبوه إياه ، والشبه من الجواهر ما يشبه لونه لون الذهب .
شتت : الشت تفريق الشعب ، يقال شت جمعهم شتا وشتاتا ، وجاءوا أشتاتا أي متفرقي النظام ، قال : { يومئذ يصدر الناس أشتاتا } وقال { من نبات شتى } أي مختلفة الأنواع { وقلوبهم شتى } أي هم بخلاف من وصفهم بقوله { ولكن الله ألف بينهم } وشتان اسم فعل نحو وشكان يقال شتان ما هما وشتان ما بينهما إذا أخبرت عن ارتفاع الالتئام بينهما .
شتا : { رحلة الشتاء والصيف } يقال شتى وأشتى وصاف وأصاف والمشتى والمشيتاة للوقت والموضع والمصدر ، قال الشاعر :
( نحن في المشتاة ندعو الجفلى ** )
شجر : الشجر من النبات ما له ساق ، يقال
____________________
(1/255)
شجرة وشجر نحو ثمرة وثمر { إذ يبايعونك تحت الشجرة } وقال { أأنتم أنشأتم شجرتها } - { والنجم والشجر } - { من شجر من زقوم } - { إن شجرة الزقوم } وواد شجير كثير الشجر ، وهذا الوادي أشجر من ذلك ، والشجار والمشاجرة والتشاجر المنازعة . قال : { فيما شجر بينهم } وشجرني عنه صرفني عنه بالشجار وفي الحديث : فان اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له والشجار خشب الهودج ، والمشجر ما يلقى عليه الثوب وشجره بالرمح أي طعنه بالرمح وذلك أن يطعنه به فيتركه فيه .
شح : الشح بخل مع حرص وذلك فيما كان عادة قال { وأحضرت الأنفس الشح } وقال : { ومن يوق شح نفسه } يقال رجل شحيح وقوم أشحة قال { أشحة على الخير } - { أشحة عليكم } وخطيب شحشح ماض في خطبته من قولهم : شحشح البعير في هديره .
شحم : { حرمنا عليهم شحومهما } وشحمة الأذن معلق القرط لتصوره بصورة الشحم وشحمة الأرض لدودة بيضاء ، ورجل مشحم كثر عنده الشحم ، وشحم محب للشحم وشاخم يطعمه أصحابه وشحيم كثر على بدنه .
شحن : قال : { في الفلك المشحون } أي المملوء والشحناء عداوة امتلأت منها النفس يقال عدو مشاحن وأشحن للبكاء امتلأت نفسه لتهيئه له .
شخص : الشخص سواد الإنسان القائم المرئي من بعيد ، وقد شخص من بلده نفذ وشخص سهمه وبصره وأشخصه صاحبه قال : { تشخص فيه الأبصار } - { شاخصة أبصار الذين كفروا } أي أجفانهم لا تطرف .
شد : الشد العقد القوي يقال : شددت الشيء قويت عقده قال { وشددنا أسرهم } - { فشدوا الوثاق } والشدة تستعمل في العقد وفي البدن وفي قوى النفس وفي العذاب قال : { وكانوا أشد منهم قوة } - { علمه شديد القوى } يعنى جبريل عليه السلام { غلاظ شداد } - { بأسهم بينهم شديد } - { في العذاب الشديد } والشديد والمتشدد البخيل قال : { وإنه لحب الخير لشديد } فالشديد يجوز أن يكون بمعنى مفعول كأنه شد كما يقال غل عن الانفصال ، وإلى نحو هذا : { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم } ويجوز أن يكون بمعنى فاعل ، فالمتشدد كأنه شد صرته ، وقوله : { حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة } ففيه تنبيه أن الإنسان إذا بلغ هذا القدر يتقوى خلقه الذي هو عليه فلا يكاد يزايله بعد ذلك ، وما أحسن ما نبه له الشاعر حيث يقول :
( إذا المرء وافى الأربعين ولم يكن ** له دون ما يهوى حياء ولا ستر )
____________________
(1/256)
( فدعه ولا تنفس عليه الذي مضى ** وإن جر أسباب الحياة له العمر )
وشد فلان واشتد إذا أسرع ، يجوز أن يكون من قولهم شد حزامه للعدو ، كما يقال ألقى ثيابه إذا طرحه للعدو ، وأن يكون من قولهم اشتدت الريح ، قال : { اشتدت به الريح } .
شر : الشر الذي يرغب عنه الكل ، كما أن الخير هو الذي يرغب فيه الكل ، قال { شر مكانا } - { إن شر الدواب عند الله الصم } وقد تقدم تحقيق الشر مع ذكر الخير وذكر أنواعه ، ورجل شرير وشرير متعاط للشر وقوم أشرار وقد أشررته نسبته إلى الشر ، وقيل أشررت كذا أظهرته واحتج بقول الشاعر :
( إذا قيل أي الناس شر قبيلة ** أشرت كليب بالأكف الأصابعا )
فإن لم يكن في هذا إلا هذا البيت فإنه يحتمل أنها نسبت الأصابع إلى الشر بالإشارة إليه ، فيكون من اشررته إذا نسبته إلى الشر ، والشر بالضم خص بالمكروه ، وشرار النار ما تطاير منها وسميت بذلك لاعتقاد الشر فيه ، قال : { ترمي بشرر كالقصر } .
شرب : الشرب تناول كل مائع ماء كان أو غيره ، قال تعالى في صفة أهل الجنة : { وسقاهم ربهم شرابا طهورا } وقال في صفة أهل النار : { لهم شراب من حميم } وجمع الشراب أشربة يقال شربته شربا وشربا ، قال { فمن شرب منه فليس مني } - إلى قوله - { فشربوا منه } وقال { فشاربون شرب الهيم } والرب النصيب منه قال : { هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم } - { كل شرب محتضر } والمشرب المصدر واسم زمان الشرب ومكانه { قد علم كل أناس مشربهم } والشريب المشارب والشراب وسمي الشعر على الشفة العليا والعرق الذي في باطن الحلق شاربا وجمعه شوارب لتصورهما بصورة الشاربين ، قال الهذلي في صفة عير :
( صخب الشوارب لا يزال كأنه ** )
وقوله : { وأشربوا في قلوبهم العجل } قيل هو من قولهم أشربت البعير شددت حبلا في عنقه قال الشاعر :
( فأشربتها الأقران حتى وقصتها ** بقرح وقد ألقين كل جنين )
فكأنما شد في قلوبهم العجل لشغفهم ، وقال بعضهم معناه أشرب في قلوبهم حب العجل ، وذلك أن من عادتهم إذا أرادوا العبارة عن مخامرة حب أو بغض استعاروا له اسم الشراب إذ هو أبلغ إنجاع في البدن ولذلك قال الشاعر :
( تغلغل حيث لم يبلغ شراب ** ولا حزن ولم يبلغ سرور )
ولو قيل حب العجل لم تكن هذه المبالغة فإن في ذكر العجل تنبيها أن لفرط شغفهم به صارت صورة العجل في قلوبهم لا تنمحي ، وفي مثل
____________________
(1/257)
أشربتني ما لم أشرب أي ادعيت علي ما لم أفعل
شرح : أصل الشرح بسط اللحم ونحوه ، يقال شرحت اللحم وشرحته ومنه شرح الصدر أي بسطه بنور إلهي وسكينة من جهة الله وروح منه ، قال : { رب اشرح لي صدري } - { ألم نشرح لك صدرك } - { أفمن شرح الله صدره } وشرح المشكل من الكلام بسطه وإظهار ما يخفى من معانيه .
شرد : شرد البعير ند وشردت فلانا في البلاد وشردت به أي فعلت به فعلة تشرد غيره أن يفعل فعله كقولك نكلت به أي جعلت ما فعلت به نكالا لغيره ، قال { فشرد بهم من خلفهم } أي اجعلهم نكالا لمن يعرض لك بعدهم ، وقيل فلان طريد شريد .
شرذم : الشرذمة جماعة منقطعة ، قال : { لشرذمة قليلون } وهو من قولهم ثوب شراذم أي متقطع .
شرط : الشرط كل حكم معلوم يتعلق بأمر يقع بوقوعه ، وذلك الأمر كالعلامة له وشريط وشرائط وقد اشترطت كذا ومنه قيل للعلامة الشرط واشراط الساعة علاماتها ( فقد جاء أشراطها ) والشرط قيل سموا بذلك لكونهم ذوي علامة يعرفون بها وقيل لكونهم أرذال الناس فأشراط الإبل أرذالها . وأشرط نفسه للهلكة إذا عمل عملا يكون علامة للهلاك أو يكون فيه شرط الهلاك .
شرع : الشرع نهج الطريق الواضح ، يقال شرعت له طريقا والشرع مصدر ثم جعل اسما للطريق النهج فقيل له شرع وشرع وشريعة واستعير ذلك للطريقة الإلهية ، قال { شرعة ومنهاجا } فذلك إشارة إلى أمرين :
أحدهما : ما سخر الله تعالى عليه كل إنسان من طريق يتحراه مما يعود إلى مصالح العباد وعمارة البلاد ، وذلك المشار إليه بقوله { ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا } .
الثاني : ما قيض له من الدين وأمره به ليتحراه اختيارا مما تختلف فيه الشرائع ويعترضه النسخ ودل عليه قوله { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها } قال ابن عباس : الشرعة ما ورد به القرآن ، والمنهاج ما ورد به السنة ، وقوله { شرع لكم من الدين } فإشارة إلى الأصول التي تتساوى فيها الملل فلا يصح عليها النسخ كمعرفة الله تعالى ونحو ذلك من نحو ما دل عليه قوله : { ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر } قال بعضهم : سميت الشريعة شريعة تشبيها بشريعة الماء من حيث إن من شرع فيها على الحقيقة المصدوقة روي وتطهر ، قال وأعني بالري ما قال بعض الحكماء : كنت أشرب فلا أروى فلما عرفت الله تعالى رويت بلا شرب . وبالتطهر ما قال تعالى : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا }
____________________
(1/258)
) وقوله تعالى : { إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا } جمع شارع . وشارعة الطريق جمعها شوارع ، وأشرعت الرمح قبله وقيل شرعته فهو مشروع وشرعت السفينة جعلت لها شراعا ينقذها وهم في هذا الأمر شرع أي سواء أي يشرعون فيه شروعا واحدا . وشرعك من رجل زيد كقولك حسبك أي هو الذي تشرع في أمره ، أو تشرع به في أمرك ، والشرع خص بما يشرع من الأوتار على العود .
شرق : شرقت الشمس شروقا طلعت وقيل لا أفعل ذلك ما ذر شارق وأشرقت أضاءت ، قال { بالعشي والإشراق } أي وقت الإشراق والمشرق والمغرب إذا قيلا بالإفراد فإشارة إلى ناحيتي الشرق والغرب وإذا قيلا بلفظ التثنية فإشارة إلى مطلعي ومغربي الشتاء والصيف ، وإذا قيلا بلفظ الجمع فاعتبار بمطلع كل يوم ومغربه أو بمطلع كل فصل ومغربه ، قال { رب المشرق والمغرب } - { رب المشرقين ورب المغربين } - { برب المشارق والمغارب } - { مكانا شرقيا } من ناحية الشرق والمشرقة المكان الذي يظهر للشرق وشرقت اللحم ألقيته في المشرقة والمشرق مصلى العيد لقيام الصلاة فيه عند شروق الشمس ، وشرقت الشمس اصفرت للغروب ومنه أحمر شارق شديد الحمرة ، وأشرق الثوب بالصبغ ، ولحم شرق أحمر لا دسم فيه .
شرك : الشركة والمشاركة خلط الملكين وقيل هو أن يوجد شيء لاثنين فصاعدا عينا كان ذلك الشيء أو معنى كمشاركة الإنسان والفرس في الحيوانية ، ومشاركة فرس وفرس في الكمتة والدهمة ، يقال شركته وشاركته وتشاركوا واشتركوا وأشركته في كذا ، قال { وأشركه في أمري } وفي الحديث اللهم أشركنا في دعاء الصالحين وروي أن الله تعالى قال لنبيه عليه السلام إني شرفتك وفضلتك على جميع خلقي وأشركتك في أمري أي جعلتك بحيث تذكر معي ، وأمرت بطاعتك مع طاعتي في نحو { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول } وقال : { في العذاب مشتركون } وجمع الشريك شركاء { ولم يكن له شريك في الملك } - { شركاء متشاكسون } - { شركاء شرعوا لهم } - { أين شركائي } ، وشرك الإنسان في الدين ضربان .
أحدهما : الشرك العظيم وهو إثبات شريك لله تعالى ، يقال أشرك فلان بالله وذلك أعظم كفر ، قال { إن الله لا يغفر أن يشرك به } وقال { ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا } - { من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة } - { يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا } وقال
____________________
(1/259)
وقال { سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا } .
والثاني : الشرك الصغير وهو مراعاة غير الله معه في بعض الأمور وهو الرياء والنفاق المشار إليه بقوله { شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون } - { وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون } وقال بعضهم معنى قوله _ { إلا وهم مشركون } أي واقعون في شرك الدنيا أي حبالتها ، قال : ومن هذا ما قال عليه السلام الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على الصفا قال : ولفظ الشرك من الألفاظ المشتركة وقوله { ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } محمول على الشركين وقوله { فاقتلوا المشركين } فأكثر الفقهاء يحملونه على الكفار جميعا لقوله { وقالت اليهود عزير ابن الله } الآية ، وقيل هم من عدا أهل الكتاب لقوله { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا } أفرد المشركين عن اليهود والنصارى .
شرى : الشراء والبيع يتلازمان فالمشتري دافع الثمن وآخذ المثمن ، والبائع دافع المثمن وآخذ الثمن ، هذا إذا كانت المبايعة والمشاراة بناض وسلعة . فأما إذا كانت بيع سلعة بسلعة صح أن يتصور كل واحد منهما مشتريا وبائعا ومن هذا الوجه صار لفظ البيع والشراء يستعمل كل واحد منهما في موضع الآخر . وشريت بمعنى بعت أكثر وابتعت بمعنى اشتريت أكثر قال الله تعالى : { وشروه بثمن بخس } أي باعوه وكذلك قوله { يشرون الحياة الدنيا بالآخرة } ويجوز الشراء والاشتراء في كل ما يحصل به شيء نحو : { إن الذين يشترون بعهد الله } - { لا يشترون بآيات الله } - { اشتروا الحياة الدنيا } - { اشتروا الضلالة } وقوله : { إن الله اشترى من المؤمنين } فقد ذكر ما اشتري به وهو قوله : { يقاتلون في سبيل الله فيقتلون } ويسمى الخوارج بالشراة متأولين فيه قوله : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } فمعنى يشري يبيع فصار ذلك كقوله : { إن الله اشترى } الآية
شطط : الشطط الإفراط في البعد ، يقال شطت الدار وأشط يقال في المكان وفي الحكم وفي السوم ، قال :
( شط المزار بجذوى وانتهى الأمل ** )
وعبر بالشطط عن الجور ، قال : { لقد قلنا إذا شططا } أي قولا بعيدا عن الحق وشط النهر حيث يبعد عن الماء من حافته .
شطر : شطر الشيء نصفه ووسطه قال : { فول وجهك شطر المسجد الحرام } أي جهته ونحوه وقال : { فولوا وجوهكم شطره } ويقال شاطرته شطارا أي ناصفته ، وقيل شطر بصره أي نصفه وذلك إذا أخذ ينظر إليك
____________________
(1/260)
وإلى آخر ، وحلب فلان الدهر أشطره وأصله في الناقة أن يحلب خلفين ويترك خلفين وناقة شطور يبس خلفان من أخلافها ، وشاة شطور أحد ضرعيها أكبر من الآخر وشطر إذا أخذ شطرا أي ناحية ، وصار يعبر بالشاطر عن البعيد وجمعه شطر نحو :
( أشاقك بين الخليط الشطر ** ) والشاطر أيضا لمن يتباعد عن الحق وجمعه شطار .
شطن : الشيطان النون فيه أصلية وهو من شطن أي تباعد ومنه بئر شطون وشطنت الدار وغربة شطون ، وقيل بل النون فيه زائدة من شاط يشيط احترق غضبا فالشيطان مخلوق من النار كما دل عليه : { وخلق الجان من مارج من نار } ولكونه من ذلك اختص بفرط القوة الغضبية والحمية الذميمة وامتنع من السجود لآدم . قال أبو عبيدة : الشيطان اسم لكل عارم من الجن والإنس والحيوانات ، قال : { شياطين الإنس والجن } والحيوانات وقال : { وإن الشياطين ليوحون } - { وإذا خلوا إلى شياطينهم } أي أصحابهم من الجن والإنس وقوله : { كأنه رؤوس الشياطين } قيل هي حية خفيفة الجسم وقيل أراد به عارم الجن فتشبه به لقبح تصورها وقوله : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين } فهم مردة الجن ويصح أن يكونوا هم مردة الإنس أيضا ، وقال الشاعر :
( لو أن شيطان الذئاب العسل ** )
جمع العاسل وهو الذي يضطرب في عدوه واختص به عسلان الذئب .
وقال آخر :
( ما ليلة الفقير إلا شيطان ** )
وسمي كل خلق ذميم للإنسان شيطانا ، فقال عليه السلام : الحسد شيطان والغضب شيطان .
شطا : شاطئ الوادي جانبه ، قال : { نودي من شاطئ الوادي } ويقال شاطأت فلانا ما شيته في شاطئ الوادي ، وشطء الزرع فروخ الزرع وهو ما خرج منه وتفرغ في شاطئيه أي في جانبيه وجمعه أشطاء ، قال : { كزرع أخرج شطأه } أي فراخه وقرئ شطأه وذلك نحو الشمع والشمع والنهر والنهر .
شعب : الشعب القبيلة المتشعبة من حي واحد وجمعه شعوب ، قال : { شعوبا وقبائل } والشعب من الوادي ما اجتمع منه طرف وتفرق طرف فإذا نظرت إليه من الجانب الذي تفرق أخذت في وهمك واحدا يتفرق وإذا نظرت من جانب الاجتماع أخذت في وهمك اثنين اجتمعا فلذلك قيل شعبت إذا جمعت وشعبت إذا فرقت ، وشعيب تصغير شعب الذي هو مصدر أو الذي هو اسم أو تصغير شعب ، والشعيب المزادة الخلق التي قد أصلحت وجمعت . وقوله :
____________________
(1/261)
{ إلى ظل ذي ثلاث شعب } يختص بما بعد هذا الكتاب .
شعر : الشعر معروف وجمعه أشعار ، قال : { ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها } وشعرت أصبت الشعر ومنه استعير شعرت كذا أي علمت علما في الدقة كإصابة الشعر ، وسمي الشاعر شاعرا لفطنته ودقة معرفته ، فالشعر في الأصل اسم للعلم الدقيق في قولهم ليت شعري وصار في التعارف اسما للموزون المقفى من الكلام ، والشاعر للمختص بصناعته ، وقوله تعالى حكاية عن الكفار : { بل افتراه بل هو شاعر } وقوله : { لشاعر مجنون } - { شاعر نتربص به } وكثير من المفسرين حملوه على أنهم رموه بكونه آتيا بشعر منظوم مقفى حتى تأولوا ما جاء في القرآن من كل لفظ يشبه الموزون من نحو : { وجفان كالجواب وقدور راسيات } وقوله : { تبت يدا أبي لهب } . وقال بعض المحصلين : لم يقصدوا هذا المقصد فيما رموه به وذلك أنه ظاهر من الكلام أنه ليس على أساليب الشعر ولا يخفي ذلك على الأغتام من العجم فضلا عن بلغاء العرب ، وإنما رموه بالكذب فإن الشعر يعبر به عن الكذب والشاعر الكاذب حتى سمى قوم الأدلة الكاذبة الشعرية ، ولهذا قال تعالى في وصف عامة الشعراء : { والشعراء يتبعهم الغاوون } إلى آخر السورة ، ولكون الشعر مقر الكذب قيل احسن الشعر أكذبه . وقال بعض الحكماء : لم ير متدين صادق اللهجة مغلقا في شعره . والمشاعر الحواس وقوله { وأنتم لا تشعرون } ونحو ذلك معناه : لا تدكونه بالحواس ولو قال في كثير مما جاء فيه لا يشعرون لا يعقلون لم يكن يجوز إذ كان كثير مما لا يكون محسوسا قد يكون معقولا . ومشاعر الحج معالمه الظاهرة للحواس والواحد مشعر ويقال شعائر الحج الواحد شعيرة { ذلك ومن يعظم شعائر الله } قال : { عند المشعر الحرام } - { لا تحلوا شعائر الله } أي ما يهدي إلى بيت الله ، وسمي بذلك لأنها تشعر أي تعلم بأن تدمى بشعيرة أي حديدة يشعر بها . والشعار الثوب الذي يلي الجسد لمماسته الشعر ، والشعار أيضا ما يشعر به الإنسان نفسه في الحرب أي يعلم . وأشعره الحب نحو ألبسه والأشعر الطويل الشعر وما استدار بالحافر من الشعر وداهية شعراء كقولهم داهية وبراء ، والشعراء ذباب الكلب لملازمته شعره ، والشعير الحب المعروف والشعرى نجم وتخصيصه في قوله : { وأنه هو رب الشعرى } لكونها معبودة لقوم منهم .
شعف : قرئ / < شعفها > / وهي من شعفة القلب وهي رأسه معلق النياط وشعفة الجبل أعلاه ، ومنه قيل فلان مشعوف بكذا كأنما أصيب شعفة قلبه .
شعل : الشعل التهاب النار ، يقال شعلة من
____________________
(1/262)
النار وقد أشعلتها وأجاز أبو زبد شعلتها والشعيلة الفتيلة إذا كانت مشتعلة ، وقيل بياض يشتعل { واشتعل الرأس شيبا } تشبيها بالاشتعال من حيث اللون ، واشتعل فلان غضبا تشبيها به من حيث الحركة ، ومنه أشعلت الخيل في الغارة نحو أوقدتها وهيجتها وأضرمتها .
شغف : { شغفها حبا } أي أصاب شغاف قلبها أي باطنه عن الحسن وقيل وسطه عن أبي علي وهما يتقاربان .
شغل : الشغل والشغل العارض الذي يذهل الإنسان ، قال : { في شغل فاكهون } وقرئ : { شغل } وقد شغل فهو مشغول ولا يقال أشغل وشغل شاغل .
شفع : الشفع ضم الشيء إلى مثله ويقال للمشفوع شفع والشفع والوتر قيل الشفع المخلوقات من حيث إنها مركبات ، كما قال : { ومن كل شيء خلقنا زوجين } والوتر هو الله من حيث إن له الوحدة من كل وجه . وقيل الشفع يوم النحر من حيث إن له نظيرا يليه ، والوتر يوم عرفة وقيل الشفع ولد آدم والوتر آدم لأنه لا عن والد والشفاعة الانضمام إلى آخر ناصرا له وسائلا عنه وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى من هو أدنى . ومنه الشفاعة في القيامة قال { لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا } - { لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن } - { لا تغني شفاعتهم شيئا } - { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } - { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } أي لا يشفع لهم { ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة } - { من حميم ولا شفيع } - { من يشفع شفاعة حسنة } - { ومن يشفع شفاعة سيئة } أي من انضم إلى غيره وعاونه وصار شفعا له أو شفيعا في فعل الخير والشر فعاونه وقواه وشاركه في نفعه وضره . وقيل الشفاعة ههنا أن يشرع الإنسان للآخر طريق خير أو طريق شر فيقتدي به فصار كأنه شفع له وذلك كما قال عليه السلام : من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها أي إثمها وإثم من عمل بها ، وقوله : { ما من شفيع إلا من بعد إذنه } أي يدبر الأمر وحده لا ثاني له في فصل الأمر إلا أن يأذن للمدبرات والمقسمات من الملائكة فيفعلون ما يفعلونه بعد إذنه . واستشفعت بفلان على فلان فتشفع لي وشفعه أجاب شفاعته ، ومنه قوله عليه السلام : القرآن شافع مشفع والشفعة هو طلب مبيع في شركته بما بيع به ليضمه إلى ملكه وهو من الشفع ، وقال عليه السلام إذا وقعت الحدود فلا شفعة .
شفق : الشفق اختلاط ضوء النهار بسواد الليل عند غروب الشمس ، قال { فلا أقسم بالشفق } والإشفاق عناية مختلطة بخوف
____________________
(1/263)
لأن المشفق يحب المشفق عليه ويخاف ما يلحقه ، قال { وهم من الساعة مشفقون } فإذا عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر ، وإذا عدي بفي فمعنى العناية فيه أظهر قال { إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين } - { مشفقون منها } - { مشفقين مما كسبوا } - { أأشفقتم أن تقدموا } .
شفا : شفا البئر وغيرها حرفه ويضرب به المثل في القرب من الهلاك قال { على شفا جرف } - { على شفا حفرة } وأشفى فلان على الهلاك أي حصل على شفاه ومنه استعير : ما بقي من كذا إلا شفي : أي قليل كشفا البئر . وتثنية شفا شفوان وجمعه أشفاه ، والشفاء من المرض موافاة شفاء السلامة وصار اسما للبرء ، قال في صفة العسل : { فيه شفاء للناس } - { هدى وشفاء } - { وشفاء لما في الصدور } - { ويشف صدور قوم مؤمنين } .
شق : الشق الخرم الواقع في الشيء ، يقال شققته بنصفين ، قال : { ثم شققنا الأرض شقا } - { يوم تشقق الأرض } - { وانشقت السماء } - { إذا السماء انشقت } - { وانشق القمر } وقيل انشقاقه في زمن النبي عليه الصلاة والسلام ، وقيل هو انشقاق يعرض فيه حين تقرب القيامة ، وقيل معناه وضح الأمر : والشقة القطعة المنشقة كالنصف ومنه قيل طار فلان من الغضب شقاقا وطارت منهم شقة كقولك قطع غضبا ، والشق المشقة والانكسار الذي يلحق النفس والبدن ، وذلك كاستعارة الانكسار لها ، قال : { إلا بشق الأنفس } والشقة الناحية التي تلحقك المشقة في الوصول إليها ، وقال : { بعدت عليهم الشقة } والشقاق المخالفة وكونك في شق غير شق صاحبك أو من شق العصا بينك وبينه قال : { وإن خفتم شقاق بينهما } - { فإنما هم في شقاق } أي مخالفة : { ولا يجرمنكم شنآن } - { لفي شقاق بعيد } - { ومن يشاقق الله ورسوله } أي صار في شق غير شق أوليائه نحو { من يحادد الله } ونحوه : { ومن يشاقق الرسول } ويقال المال بينهما شق الشعرة وشق الإبلمة ، أي مقسوم كقسمتهما ، وفلان شق نفسي وشقيق نفسي أي كأنه شق مني لمشابهة بعضنا بعضا ، وشقائق النعمان نبت معروف . وشقيقة الرمل ما يشقق ، والشعشقة لهاة البعير لما فيه من الشق ، وبيده شقوق وبحافر الدابة شقاق ، وفرس اشق إذا مال إلى أحد شقيه ، والشقة في الأصل نصف ثوب وإن كان قد يسمى الثوب كما هو شقة .
شقا : الشقاوة خلاف السعادة وقد شقي يشقى شقوة وشقاوة وشقاء وقرئ / < شقوتنا - وشقاوتنا > / فالشقوة كالردة والشقاوة كالسعادة من حيث الإضافة ، فكما أن السعادة في الأصل ضربان سعادة أخروية وسعادة دنيوية ، ثم السعادة الدنيوية ثلاثة أضرب : سعادة نفسية وبدنية وخارجية ، كذلك الشقاوة على هذه الأضرب
____________________
(1/264)
وفي الشقاوة الأخروية قال { فلا يضل ولا يشقى } وقال { غلبت علينا شقوتنا } وقرئ / < شقاوتنا > / وفي الدنيوية { فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى } قال بعضهم : قد يوضع الشقاء موضع التعب نحو شقيت في كذا وكل شقاوة تعب وليس كل تعب شقاوة فالتعب أعم من الشقاوة .
شكك : الشك اعتدال النقيضين عند الإنسان وتساويهما وذلك قد يكون لوجود أمارتين متساويتين عند النقيضين أو لعدم الأمارة فيهما ، والشك ربما كان في الشيء هل هو موجود أو غير موجود وربما كان في جنسه ، من أي جنس هو وربما كان في بعض صفاته وربما كان في الغرض الذي لأجله أوجد . والشك ضرب من الجهل وهو أخص منه لأن الجهل قد يكون عدم العلم بالنقيضين رأسا فكل شك جهل وليس كل جهل شكا ، قال { في شك مريب } - { بل هم في شك يلعبون } - { فإن كنت في شك } . واشتقاقه إما من شككت الشيء أي خرقته قال :
( وشككت بالرمح الأصم ثيابه ** ليس الكريم على القنا بمحرم )
فكأن الشك الخرق في الشيء وكونه بحيث لا يجد الرأي مستقرا يثبت فيه ويعتمد عليه . ويصح أن يكون مستعارا من الشك وهو لصوق العضد بالجنب ، وذلك أن يتلاصق النقيضان فلا مدخل للفهم والرأي لتخلل ما بينهما ويشهد لهذا قولهم التبس الأمر واختلط وأشكل ونحو ذلك من الاستعارات . والشكة السلاح الذي به يشك : أي يفصل .
شكر : الشكر تصور النعمة وإظهارها ، قيل وهو مقلوب عن الكشر أي الكشف ، ويضاده الكفر وهو نسيان النعمة وسترها ، ودابة شكور مظهرة بسمنها إسداء صاحبها إليها ، وقيل أصله من عين شكرى أي ممتلئة ، فالشكر على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه . والشكر ثلاثة أضرب : شكر القلب ، وهو تصور النعمة . وشكر اللسان ، وهو الثناء على المنعم وشكر سائر الجوارح ، وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقه { اعملوا آل داود شكرا } فقد قيل شكرا انتصب على التمييز . ومعناه اعملوا ما تعملونه شكرا لله . وقيل شكرا مفعول لقوله اعملوا وذكر اعملوا ولم يقل اشكروا لينبه على التزام الأنواع الثلاثة من الشكر بالقلب واللسان وسائر الجوارح . قال : { اشكر لي ولوالديك } - { وسنجزي الشاكرين } - { ومن شكر فإنما يشكر لنفسه } وقوله : { وقليل من عبادي الشكور } ، ففيه تنبيه أن توفية شكر الله صعب ولذلك لم يثن بالشكر من أوليائه إلا على اثنين ، قال في إبراهيم عليه السلام : { شاكرا لأنعمه } وقال في نوح : { إنه كان عبدا شكورا } وإذا وصف الله بالشكر
____________________
(1/265)
في قوله : { والله شكور حليم } فإنما يعنى به إنعامه على عباده وجزاؤه بما أقاموه من العبادة . ويقال ناقة شكرة ممتلئة الضرع من اللبن ، وقيل هو أشكر من بروق وهو نبت يخضر ويتربى بأدنى مطر ، والشكر يكنى به عن فرج المرأة وعن النكاح . قال بعضهم :
( إن سألتك ثمن شكرها ** وشبرك أنشأت تظلها )
والشكير نبت في أصل الشجرة غض ، وقد شكرت الشجرة كثر غصنها .
شكس : الشكس السيئ الخلق ، وقوله : { شركاء متشاكسون } أي متشاجرون لشكاسة خلقهم .
شكل : المشاكلة في الهيئة والصورة والند في الجنسية والشبه في الكيفية ، قال : { وآخر من شكله أزواج } أي مثله في الهيئة وتعاطي الفعل ، والشكل قيل هو الدل وهو في الحقيقة الأنس الذي بين المتماثلين في الطريقة ، ومن هذا قيل الناس أشكال وألاف وأصل المشاكلة من الشكل أي تقييد الدابة ، يقال شكلت الدابة والشكال ما يقيد به ، ومنه استعير شكلت الكتاب كقوله قيدته ، ودابة بها شكال إذا كان تحجيلها بإحدى رجليها وإحدى يديها كهيئة الشكال ، وقوله : { قل كل يعمل على شاكلته } أي على سجيته التي قيدته وذلك أن سلطان السجية على الإنسان قاهر حسبما بينت في الذريعة إلى مكارم الشريعة ، وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم : كل ميسر لما خلق له والأشكلة الحاجة التي تقيد الإنسان والإشكال في الأمر استعارة كالاشتباه من الشبه .
شكا : الشكو والشكاية والشكاة والشكوى إظهار البث ، يقال شكوت وأشكيت ، قال : { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله } وقال { وتشتكي إلى الله } وأشكاه أي يجعل له شكوى نحو أمرضه ويقال أشكاه أي أزال شكايته ، وروي : شكونا إلى رسول صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا وأصل السكو فتح الشكوة وإظهار ما فيه وهي سقاء صغير يجعل فيه الماء وكأنه في الأصل استعارة كقولهم : بثثت له ما في وعائي ونفضت ما في جرابي إذا أظهرت ما في قلبك . والمشكاة كوة غير نافذة قال : { كمشكاة فيها مصباح } وذلك مثل القلب والمصباح مثل نور الله فيه .
شمت : الشماتة الفرح ببلية من تعاديه ويعاديك يقال شمت به فهو شامت وأشمت الله به العدو ، قال : { فلا تشمت بي الأعداء } والتشميت الدعاء للعاطس كأنه إزالة الشماتة عنه بالدعاء له فهو كالتمريض في إزالة المرض ، وقول الشاعر :
( فبات له طوع الشوامت ** )
____________________
(1/266)
أي على حسب ما تهواه اللاتي تشمت به ، وقيل أراد بالشوامت القوائم وفي ذلك نظر إذ لا حجة له في هذا البيت .
شمخ : { رواسي شامخات } أي عاليات ، ومنه شمخ بأنفه عبارة عن الكبر .
شمأز : قال { اشمأزت قلوب الذين } أي نفرت .
شمس : الشمس يقال للقرصة وللضوء المنتشر عنها وتجمع على شموس ، قال { والشمس تجري لمستقر لها } وقال { الشمس والقمر بحسبان } وشمس يومنا وأشمس صار ذا شمس وشمس فلان شماسا إذا ند ولم يستقر تشبيها بالشمس في عدم استقرارها .
شمل : الشمال المقابل لليمين ، قال : { عن اليمين وعن الشمال قعيد } ويقال للثوب الذي يغطى به الشمال وذلك كتسمية كثير من الثياب باسم العضو الذي يستره نحو تسمية كم القميص يدا وصدره وظهره صدرا وظهرا ورجل السراويل رجلا ونحو ذلك ، والاشتمال بالثوب أن يلتف به الإنسان فيطرحه على الشمال وفي الحديث نهي عن اشتمال الصماء والشملة والمشمل كساء يشتمل به مستعار منه ، ومنه شملهم الأمر ثم تجوز بالشمال فقيل شملت الشاة علقت عليها شمالا وقيل للخليقة شمال لكونه مشتملا على الإنسان اشتمال الشمال على البدن ، والشمول الخمر لأنها تشتمل على العقل فتغطيه وتسميتها بذلك كتسميتها بالخمر لكونها خامرة له . والشمال الريح الهابة من شمال الكعبة وقيل في لغة شمأل وشامل ، واشمل الرجل من الشمال كقولهم أجنب من الجنوب وكني بالمشمل عن السيف كما كني عنه بالرداء ، وجاء مشتملا بسيفه نحو مرتديا به ومتدرعا له ، وناقة شملة وشملال سريعة كالشمال وقول الشاعر :
( ولتعرفن خلائقا مشمولة ** ولتندمن ولات ساعة مندم ) قيل أراد خلائق طيبة كأنها هبت عليها شمال فبردت وطابت .
شنا : شنئته تقذرته بغضا له . ومنه اشتق أزد شنوءة وقوله : { شنآن قوم } أي بغضهم وقرئ شنان فمن خفف أراد بغيض قوم ومن ثقل جعله مصدرا ومنه { إن شانئك هو الأبتر } .
شهب : الشهاب الشعلة الساطعة من النار الموقدة ، ومن العارض في الجو نحو { فأتبعه شهاب ثاقب } - والشهبة البياض المختلط بالسواد تشبيها بالشهاب المختلط بالدخان ، ومنه قيل كتيبة شهباء ، اعتبارا بسواد القوم وبياض الحديد .
شهد : الشهود والشهادة الحضور مع المشاهدة إما بالبصر أو بالبصيرة وقد يقال
____________________
(1/267)
للحضور مفردا قال { عالم الغيب والشهادة } لكن الشهود بالحضور المجرد أولى والشهادة مع المشاهدة أولى ويقال للمحضر مشهد وللمرأة التي يحضرها زوجها مشهد . وجمع مشهد مشاهد ومنه مشاهد الحج وهي مواطنه الشريفة التي يحضرها الملائكة والأبرار من الناس . وقيل مشاهد الحج مواضع المناسك . قال { ليشهدوا منافع لهم } - { وليشهد عذابهما } - { ما شهدنا مهلك أهله } أي ما حضرنا { والذين لا يشهدون الزور } أي لا يحضرونه بنفوسهم ولا بهمهم وإرادتهم . والشهادة قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصيرة أو بصر . وقوله { أشهدوا خلقهم } يعني مشاهدة البصر ثم قال { ستكتب شهادتهم } تنبيها أن الشهادة تكون عن شهود وقوله { وأنتم تشهدون } أي تعلمون وقوله { ما أشهدتهم خلق السماوات } أي ما جعلتهم ممن اطلعوا ببصيرتهم على خلقها وقوله { عالم الغيب والشهادة } أي ما يغيب عن حواس الناس وبصائرهم وما يشهدونه بهما . وشهدت يقال على ضربين : أحدهما جار مجرى العلم وبلفظه تقام الشهادة ويقال أشهد بكذا ولا يرضى من الشاهد أن يقول أعلم بل يحتاج أن يقول أشهد . والثاني يجري مجرى القسم فيقول أشهد بالله أن زيدا منطلق فيكون قسما ، ومنهم من يقول إن قال أشهد ولم يقل بالله يكون قسما ويجري علمت مجراه في القسم فيجاب بجواب القسم نحو قول الشاعر :
( ولقد علمت لتأتين منيتي ** )
ويقال شاهد وشهيد وشهداء قال { ولا يأب الشهداء } قال { واستشهدوا شهيدين } ويقال شهدت كذا : أي حضرته وشهدت على كذا ، قال { شهد عليهم سمعهم } وقد يعبر بالشهادة عن الحكم نحو { وشهد شاهد من أهلها } وعن الإقرار نحو { ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله } أن كان ذلك شهادة لنفسه . وقوله { وما شهدنا إلا بما علمنا } أي ما أخبرنا وقال تعالى : { شاهدين على أنفسهم بالكفر } أي مقرين { لم شهدتم علينا } وقوله { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم } فشهادة الله تعالى بوحدانيته هي إيجاد ما يدل على وحدانيته في العالم ، وفي نفوسنا كما قال الشاعر :
( ففي كل شيء له آية ** تدل على أنه واحد )
قال بعض الحكماء إن الله تعالى لما شهد لنفسه كان شهادته أن أنطق كل شيء كما نطق بالشهادة له ، وشهادة الملائكة بذلك هو إظهارهم أفعالا يؤمرون بها وهي المدلول عليها بقوله { فالمدبرات أمرا } وشهادة أولى العلم اطلاعهم على تلك الحكم وإقرارهم بذلك وهذه الشهادة تختص بأهل العلم فأما الجهال فمبعدون منها ولذلك قال في الكفار { ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم }
____________________
(1/268)
) وعلى هذا نبه بقوله { إنما يخشى الله من عباده العلماء } وهؤلاء هم المعنيون بقوله { والصديقين والشهداء والصالحين } وأما الشهيد فقد يقال للشاهد والمشاهد للشيء وقوله { سائق وشهيد } أي من شهد له وعليه وكذا قوله { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } وقوله { أو ألقى السمع وهو شهيد } أي يشهدون ما يسمعونه بقلوبهم على ضد من قيل فيهم { أولئك ينادون من مكان بعيد } وقوله { أقم الصلاة } إلى قوله { مشهودا } أي يشهد صاحبه الشفاء والرحمة والتوفيق والسكينات والأرواح المذكورة في قوله { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين } وقوله { وادعوا شهداءكم } فقد فسر بكل ما يقتضيه معنى الشهادة ، قال ابن عباس : معناه أعوانكم ، وقال مجاهد : الذين يشهدون لكم ، وقال بعضهم الذين يعتد بحضورهم ولم يكونوا كمن قيل فيهم شعر :
( مخلفون ويقضي الله أمرهمو ** وهم بغيب وفي عمياء ما شعروا )
وقد حمل على هذه الوجوه قوله { ونزعنا من كل أمة شهيدا } وقوله { وإنه على ذلك لشهيد } - { أنه على كل شيء شهيد } - { وكفى بالله شهيدا } فإشارة إلى قوله { لا يخفى على الله منهم شيء } وقوله : { يعلم السر وأخفى } ونحو ذلك مما نبه على هذا النحو ، والشهيد هو المحتضر فتسميته بذلك لحضور الملائكة إياه إشارة إلى ما قال : { تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا } الآية قال : { والشهداء عند ربهم لهم أجرهم } أو لأنهم يشهدون في تلك الحالة ما أعد لهم من النعيم ، أو لأنهم تشهد أرواحهم عند الله كما قال : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا } الآية ، وعلى هذا دل قوله : { والشهداء عند ربهم } وقوله : { وشاهد ومشهود } قيل المشهود يوم الجمعة وقيل يوم عرفة ويوم القيامة وشاهد كل من شهده وقوله يوم مشهود أي مشاهد تنبيها أن لا بد من وقوعه ، والتشهد هو أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، وصار في التعارف اسما للتحيات المقروءة في الصلاة وللذكر الذي يقرأ ذلك فيه .
شهر : الشهر مدة مشهورة بإهلال الهلال أو باعتبار جزء من اثني عشر جزءا من دوران الشمس من نقطة إلى تلك النقطة ، قال : { شهر رمضان } - { فمن شهد منكم الشهر } - { الحج أشهر معلومات } - { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا } - { فسيحوا في الأرض أربعة أشهر } والمشاهرة المعاملة بالشهور كالمسانهة والمياومة ، وأشهرت بالمكان أقمت به شهرا ، وشهر فلان
____________________
(1/269)
واشتهر يقال في الخير والشر .
شهق : الشهيق طول الزفير وهو رد النفس والزفير مده قال : { لهم فيها زفير وشهيق } - { سمعوا لها تغيظا وزفيرا } وقال تعالى : { سمعوا لها شهيقا } وأصله من جبل شاهق أي متناهي الطول .
شها : أصل الشهوة نزوع النفس إلى ما تريده وذلك في الدنيا ضربان صادقة وكاذبة فالصادقة ما يختل البدن من دونه كشهوة الطعام عند الجوع ، والكاذبة ما لا يختل من دونه ، وقد يسمى المشتهى شهوة وقد يقال للقوة التي تشتهي الشيء شهوة وقوله : { زين للناس حب الشهوات } يحتمل الشهوتين وقوله : { واتبعوا الشهوات } فهذا من الشهوات الكاذبة ومن المشتهيات المستغنى عنها وقوله في صفة الجنة : { ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم } وقوله : { في ما اشتهت أنفسهم } وقيل رجل شهوان وشهواني وشيء شهي .
شوب : الشوب الخلط قال : { لشوبا من حميم } وسمي العسل شوبا إما لكونه مزاجا للأشربة وإما لما يختلط به من الشمع وقيل ما عنده شوب ولا روب أي عسل ولبن .
شيب : الشيب والمشيب بياض الشعر قال : { واشتعل الرأس شيبا } وباتت المرأة بليلة شيباء إذا افتضت وبليلة حرة إذا لم تفتض .
شيخ : يقال لمن طعن في السن الشيخ وقد يعبر به فيما بيننا عمن يكثر علمه لما كان من شأن الشيخ أن يكثر تجاربه ومعارفه ويقال شيخ بين الشيخوخة والشيخ والتشييخ ، قال { وهذا بعلي شيخا } - { وأبونا شيخ كبير } .
شيد : { وقصر مشيد } أي مبني بالشيد وقيل مطول وهو يرجع إلى الأول ويقال شيد قواعده أحكمها كأنه بناها بالشيد ، والإشادة عبارة عن رفع الصوت .
شور : الشوار ما يبدو من المتاع ويكنى به عن الفرج كما يكنى به عن المتاع ، وشورت به فعلت به ما خجلته كأنك أظهرت شوره أي فرجه ، وشرت العسل وأشرته أخرجته ، قال الشاعر :
( وحديث مثل ما ذي مشار ** )
وشرت الدابة استخرجت عدوه تشبيها بذلك ، وقيل للخطب مشوار كثير العثار ، والتشاور والمشاورة والمشورة استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض من قولهم شرت العسل إذا اتخذته من موضعه واستخرجته منه ، قال : { وشاورهم في الأمر } والشورى الأمر الذي يتشاور فيه ، قال : { وأمرهم شورى بينهم } .
شيط : الشيطان قد تقدم ذكره .
شوظ : الشواظ اللهب الذي لا دخان فيه قال : { شواظ من نار ونحاس } .
شيع : الشياع الانتشار والتقوية ، يقال شاع الخبر أي كثر وقوي وشاع القوم انتشروا
____________________
(1/270)
وكثروا ، وشيعت النار بالحطب قويتها والشيعة من يتقوى بهم الإنسان وينتشرون عنه ومنه قيل للشجاع مشيع ، يقال شيعة وشيع وأشياع قال : { وإن من شيعته لإبراهيم } - { هذا من شيعته وهذا من عدوه } - { وجعل أهلها شيعا } - { في شيع الأولين } وقال تعالى : { ولقد أهلكنا أشياعكم } .
شوك : الشوك ما يدق ويصلب رأسه من النبات ويعبر بالشوك والشكة عن السلاح والشدة ، قال : { غير ذات الشوكة } وسميت إبرة العقرب شوكا تشبيها به ، وشجرة شاكة وشائكة ، وشاكني الشوك أصابني وشوك الفرخ نبت عليه مثل الشوك وشوك ثدي المرأة إذا انتهد وشوك البعير طال أنيابه كالشوك .
شأن : الشأن الحال والأمر الذي يتفق ويصلح ولا يقال إلا فيما يعظم من الأحوال والأمور ، قال : { كل يوم هو في شأن } وشأن الرأس جمعه شؤون وهو الوصلة بين متقابلاته التي بها قوام الإنسان .
شوى : شويت اللحم واشتويته ، قال : { يشوي الوجوه } وقال الشاعر :
( فاشتوى ليلة ريح واجتمل ** )
والشوى الأطراف كاليد والرجل يقال رماه فأشواه أي أصاب شواه ، قال { نزاعة للشوى } ومنه قيل للأمر الهين شوى من حيث إن الشوى ليس بمقتل . والشاة قيل أصلها شايهة بدلالة قولهم شياه وشويهة .
شيء : الشيء قيل هو الذي يصح أن يعلم ويخبر عنه وعند كثير من المتكلمين هو اسم مشترك المعنى إذ استعمل في الله وفي غيره ويقع على الموجود والمعدوم . وعند بعضهم الشيء عبارة عن الموجود وأصله مصدر شاء وإذا وصف به تعالى فمعناه شاء وإذا وصف به غيره فمعناه المشيء وعلى الثاني قوله { قل الله خالق كل شيء } فهذا على العموم بلا مثنوية إذ كان الشيء ههنا مصدرا في معنى المفعول . وقوله { قل أي شيء أكبر شهادة } فهو بمعنى الفاعل كقوله { فتبارك الله أحسن الخالقين } والمشيئة عند أكثر المتكلمين كالإرادة سواء وعند بعضهم المشيئة في الأصل إيجاد الشيء وإصابته وإن كان قد يستعمل في التعارف موضع الإرادة فالمشيئة من الله تعالى هي الإيجاد ، ومن الناس هي الإصابة ، قال والمشيئة من الله تقتضي وجود الشيء ولذلك قيل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، والإرادة منه لا تقتضي وجود المراد لا محالة ، ألا ترى أنه قال { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } - { وما الله يريد ظلما للعباد } ومعلوم أنه قد يحصل العسر والتظالم فيما بين الناس ، قالوا : ومن الفرق بينهما أن إرادة الإنسان قد تحصل من غير أن تتقدمها إرادة الله فإن الإنسان قد يريد
____________________
(1/271)
أن لا يموت ويأبى الله ذلك ومشيئته لا تكون إلا بعد مشيئته لقوله { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله } روي أنه لما نزل قوله { لمن شاء منكم أن يستقيم } قال الكفار الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم ، فأنزل الله تعالى { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله } وقال بعضهم : لولا أن الأمور كلها موقوة على مشيئة الله تعالى وأن أفعالنا معلقة بها موقوفة عليها لما أجمع الناس على تعليق الاستثناء به في جميع أفعالنا نحو { ستجدني إن شاء الله من الصابرين } - { ستجدني إن شاء الله صابرا } - { يأتيكم به الله إن شاء } - { ادخلوا مصر إن شاء الله } - { قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله } - { وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا } - { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } .
شيه : شية : أصلها وشية ، وذلك من باب الواو .
____________________
(1/272)
= كتاب الصاد =
صبب : صب الماء إراقته من أعلى ، يقال صبه فانصب وصببته فتصبب . قال تعالى : { أنا صببنا الماء صبا } - { فصب عليهم ربك سوط عذاب } - { يصب من فوق رؤوسهم الحميم } وصبا إلى كذا صبابة مالت نفسه نحوه محبة له ، وخص اسم الفاعل منه بالصب فقيل فلان صب بكذا ، والصبة كالصرمة ، والصبيب المصبوب من المطر ومن عصارة الشيء ومن الدم ، والصبابة والصبة البقية التي من شأنها أن تصب ، وتصاببت الإناء شربت صبابته ، وتصبصب ذهبت صبابته . صبح : الصبح والصباح أول النهار وهو وقت ما احمر الأفق بحاجب الشمس ، قال { أليس الصبح بقريب } - { فساء صباح المنذرين } والتصبح النوم بالغداة ، والصبوح شرب الصباح يقال صبحته سقيته صبوحا والصبحان المصطبح والمصباح ما يسقى منه ومن الإبل ما يبرك فلا ينهض حتى يصبح وما يجعل فيه المصباح ، قال { مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة } ويقال للسراج مصباح والصباح نفس السراج والمصابيح أعلام الكواكب ، قال { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح } وصبحتهم ماء كذا أتيتهم به صباحا ، والصبح شدة حمرة في الشعر تشبيها بالصبح والصباح ، وقيل صبح فلان أي وضؤ
صبر : الصبر الإمساك في ضيق ، يقال صبرت الدابة حبستها بلا علف وصبرت فلانا خلفته خلقة لا خروج له منها والصبر حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع أو عما يقتضيان حبسها عنه ، فالصبر لفظ عام وربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه فإن كان حبس النفس لمصيبة سمي صبرا لا غير ويضاده الجزع ، وإن كان في محاربة سمي شجاعة ويضاده الجبن ، وإن كان في نائبة مضجرة سمي رحب الصدر ويضاده الضجر ، وإن كان في إمساك الكلام سمي كتمانا ويضاده المذل ، وقد سمى الله تعالى كل ذلك صبرا ونبه عليه بقوله { والصابرين في البأساء والضراء } - { والصابرين على ما أصابهم }
____________________
(1/273)
{ والصابرين والصابرات } ) وسمي الصوم صبرا لكونه كالنوع له وقال عليه السلام صيام شهر الصبر وثلاثة أيام في كل شهر يذهب وحر الصدر وقوله { فما أصبرهم على النار } قال أبو عبيدة : إن ذلك لغة بمعنى الجرأة واحتج بقول أعرابي قال لخصمه ما أصبرك على الله ، وهذا تصور مجاز بصورة حقيقة لأن ذلك معناه ما أصبرك على عذاب الله في تقديرك إذا اجترأت على ارتكاب ذلك ، وإلى هذا يعود قول من قال : ما أبقاهم على النار ، وقول من قال ما أعملهم بعمل أهل النار ، وذلك أنه قد يوصف بالصبر من لا صبر له في الحقيقة اعتبارا بحال الناظر إليه ، واستعمال التعجب في مثله اعتبار بالخلق لا بالخالق ، وقوله تعالى : { اصبروا وصابروا } أي احبسوا أنفسكم على العبادة وجاهدوا أهواءكم وقوله : { واصطبر لعبادته } أي تحمل الصبر بجهدك ، وقوله { أولئك يجزون الغرفة بما صبروا } أي بما تحملوا من الصبر في الوصول إلى مرضاة الله ، وقوله { فصبر جميل } معناه الأمر والحث على ذلك ، والصبور القادر على الصبر والصبار يقال إذا كان فيه ضرب من التكلف والمجاهدة ، قال { إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } ويعبر عن الانتظار بالصبر لما كان حق الانتظار أن لا ينفك عن الصبر بل هو نوع من الصبر ، قال { فاصبر لحكم ربك } أي انتظر حكمه لك على الكافرين .
صبغ : الصبغ مصدر صبغت والصبغ المصبوغ وقوله { صبغة الله } إشارة إلى ما أوجده الله تعالى في الناس من العقل المتميز به عن البهائم كالفطرة وكانت النصارى إذا ولد لهم ولد غمسوه بعد السابع في ماء عمودية يزعمون أن ذلك صبغة فقال تعالى له لك وقال { ومن أحسن من الله صبغة } وقال { وصبغ للآكلين } أي أدم لهم ، وذلك من قولهم : أصبغت بالخل .
صبا : الصبي من لم يبلغ الحلم ، ورجل مصب ذو صبيان ، قال تعالى { قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا } وصبا فلان يصبو صبوا وصبوة إذا نزع واشتاق وفعل فعل الصبيان ، قال { أصب إليهن وأكن من الجاهلين } وأصباني فصبوت ، والصبا الريح المستقبل للقبلة . وصابيت السيف أغمدته مقلوبا ، وصابيت الرمح أملت وهيأته للطعن . والصابئون قوم كانوا على دين نوح وقيل لكل خارج من الدين إلى دين آخر صابي من قولهم صبأ ناب البعير إذا طلع ، ومن قرأ صابين فقد قيل على تخفيف الهمز كقوله / < لا يأكل إلا الخاطون > / وقد قيل بل هو من قولهم صبا يصبو ، قال / < والصابين والنصارى > / . وقال أيضا : / < والنصارى والصابين > / .
____________________
(1/274)
صحب : الصاحب الملازم إنسانا كان أو حيوانا أو مكانا أو زمانا ولا فرق بين أن تكون مصاحبته بالبدن وهو الأصل والأكثر أو بالعناية والهمة وعلى هذا قال :
( لئن غبت عن عيني ** لما غبت عن قلبي )
ولا يقال في العرف إلا لمن كثرت ملازمته ، ويقال للمالك للشيء هو صاحبه وكذلك لمن يملك التصرف فيه ، قال { إذ يقول لصاحبه لا تحزن } - { قال له صاحبه وهو يحاوره } - { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم } - { وأصحاب مدين } - { أصحاب الجنة هم فيها خالدون } - { أصحاب النار هم فيها خالدون } - { من أصحاب السعير } وما قوله { وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة } أي الموكلين بها لا المعذبين بها كما تقدم . وقد يضاف الصاحب إلى مسوسه نحو صاحب الجيش وإلى سائسه نحو صاحب الأمير . والمصاحبة والاصطحاب أبلغ من الاجتماع لأجل أن المصاحبة تقتضي طول لبثه فكل اصطحاب اجتماع وليس كل اجتماع اصطحابا ، وقوله { ولا تكن كصاحب الحوت } وقوله { ما بصاحبكم من جنة } وقد سمي النبي عليه السلام صاحبهم تنبيها أنكم صحبتموه وجربتموه وعرفتموه ظاهره وباطنه ولم تجدوا به خبلا وجنة ، وكذلك قوله : { وما صاحبكم بمجنون } والإصحاب للشيء الانقياد له وأصله أن يصير له صاحبا ، ويقال أصحب فلان إذا كبر ابنه فصار صاحبه ، وأصحب فلان فلانا جعل صاحبا له ، قال { ولا هم منا يصحبون } أي لا يكون لهم من جهتنا ما يصحبهم من سكينة وروح ترفيق ونحو ذلك مما يصحبه أولياءه ، وأديم مصحب أصحب الشعر الذي عليه ولم يجز عنه .
صحف : الصحيفة المبسوط من الشيء كصحيفة الوجه والصحيفة التي يكتب فيها وجمعها صحائف وصحف ، قال { صحف إبراهيم وموسى } - { يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة } قيل أريد بها القرآن وجعله صحفا فيها كتب من أجل تضمنه لزيادة ما في كتب الله المتقدمة . والمصحف ما جعل جامعا للصحف المكتوبة وجمعه مصاحف ، والتصحيف قراءة المصحف وروايته على غير ما هو لاشتباه حروفه ، والصحفة مثل قصعة عريضة .
صخ : الصاخة شدة صوت ذي المنطق ، يقال صخ يصخ صخا فهو صاخ ، قال { فإذا جاءت الصاخة } وهي عبارة عن القيامة حسب المشار إليه بقوله { يوم ينفخ في الصور } وقد قلب عنه أصاخ يصيخ .
صخر : الصخر الحجر الصلب ، قال : { فتكن في صخرة } وقال { وثمود الذين جابوا الصخر بالواد } .
صدد : الصدود والصد قد يكون انصرافا عن الشيء وامتناعا نحو : { يصدون عنك صدودا }
____________________
(1/275)
) وقد يكون صرفا ومنعا نحو : { وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل } - { الذين كفروا وصدوا عن سبيل } - { ويصدون عن سبيل الله } - { قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله } - { ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك } إلى غير ذلك من الآيات . وقيل صد يصد صدودا وصد يصد صدا ، والصد من الجبل ما يحول ، والصديد ما حال بين اللحم والجلد من القيح وضرب مثلا لمطعم أهل النار ، قال : { ويسقى من ماء صديد } .
صدر : الصدر الجارحة ، قال : { رب اشرح لي صدري } وجمعه صدور ، قال { وحصل ما في الصدور } - { ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } ثم استعير لمقدم الشيء كصدر القناة وصدر المجلس والكتاب والكلام ، وصدره أصاب صدره أو قصد قصده نحو ظهره وكتفه ، ومنه قيل رجل مصدرو يشكو صدره ، وإذا عدي صدر بعن اقتضى الانصراف تقول صدرت الإبل عن الماء صدرا ، وقيل الصدر ، قال { يومئذ يصدر الناس أشتاتا } والمصدر في الحقيقة صدر عن الماء ولموضع المصدر ولزمانه ، وقد يقال في تعارف النحويين للفظ الذي روعي فيه صدور الفعل الماضي والمستقبل عنه . والصدار ثوب يغطى به الصدر على بناء دثار ولباس ويقال له الصدرة ، ويقال ذلك لسمة على صدر البعير . وصدر الفرس جاء سابقا بصدره ، قال بعض الحكماء : حيثما ذكر الله تعالى القلب ، فإشارة إلى العقل والعلم نحو : { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب } وحيثما ذكر الصدر فإشارة إلى ذلك وإلى سائر القوى من الشهوة والهوى والغضب ونحوها وقوله : { رب اشرح لي صدري } فسؤال لإصلاح قواه ، وكذلك قوله : { ويشف صدور قوم مؤمنين } إشارة إلى اشتفائهم ، وقوله : { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } أي العقول التي هي مندرسة فيما بين سائر القوى وليست بمهتدية ، والله أعلم بذلك .
صدع : الصدع الشق في الأجسام الصلبة كالزجاج والحديد ونحوهما ، يقال صدعته فانصدع وصدعته فتصدع ، قال : { يومئذ يصدعون } وعنه استعير صدع الأمر أي فصله ، قال { فاصدع بما تؤمر } وكذا استعير منه الصداع وهو شبه الاشتقاق في الرأس من الوجع ، قال : { لا يصدعون عنها ولا ينزفون } ومنه الصديع للفجر وصدعت الفلاة قطعتها ، وتصدع القوم أي تفرقوا .
صدف : صدف عنه أعرض إعراضا شديدا يجري مجرى الصدف أي الميل في أرجل البعير أو في الصلابة كصدف الجبل أي جانبه ، أو الصدف الذي يخرج من البحر ، قال : { فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها }
____________________
(1/276)
- { سنجزي الذين يصدفون } - الآية إلى - { بما كانوا يصدفون } ) .
صدق : الصدق والكذب أصلهما في القول ماضيا كان أو مستقبلا وعدا كان أو غيره ، ولا يكونان بالقصد الأول إلا في القول ، ولا يكونان في القول إلا في الخبر دون غيره من أصناف الكلام ، ولذلك قال : { ومن أصدق من الله قيلا } - { ومن أصدق من الله حديثا } - { إنه كان صادق الوعد } وقد يكونان بالعرض في غيره من أنواع الكلام كالاستفهام والأمر والدعاء ، وذلك نحو قول القائل أزيد في الدار فإن في ضمنه إخبارا بكونه جاهلا بحال زيد ، وكذا إذا قال واسني في ضمنه أنه محتاج إلى المواساة ، وإذا قال لا تؤذ ففي ضمنه أنه يؤذيه والصدق مطابقة القول الضمير والمخبر عنه مما ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقا تاما بل إما أن لا يوصف بالصدق وإما أن يوصف تارة بالصدق وتارة بالكذب على نظرين مختلفين كقول كافر إذا قال من غير اعتقاد : محمد رسول الله ، فإن هذا يصح أن يقال صدق لكون المخبر عنه كذلك ، ويصح أن يقال كذب لمخالفة قوله ضميره ، وبالوجه الثاني إكذاب الله تعالى المنافقين حيث قالوا : { نشهد إنك لرسول الله } الآية ، والصديق من كثر منه الصدق ، وقيل بل يقال لمن لا يكذب قط ، وقيل بل لمن لا يتأتى منه الكذب لتعوده الصدق ، وقيل بل لمن صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بفعله ، قال : { واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا } وقال { وأمه صديقة } وقال { من النبيين والصديقين والشهداء } فالصديقون هم قوم دوين الأنبياء في الفضيلة على ما بينت في الذريعة إلى مكارم الشريعة . وقد يستعمل الصدق والكذب في كل ما يحق ويحصل في الاعتقاد نحو صدق ظني وكذب ، ويستعملان في أفعال الجوارح ، فيقال صدق في القتال إذا وفى حقه وفعل ما يجب وكما يجب ، وكذب في القتال إذا كان بخلاف ذلك ، قال : { رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } أي حققوا العهد بما أظهروه من أفعالهم ، وقوله : { ليسأل الصادقين عن صدقهم } أي يسئل من صدق بلسانه عن صدق فعله تنبيها أنه لا يكفي الاعتراف بالحق دون تحريه بالفعل ، وقوله تعالى { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق } فهذا صدق بالفعل وهو التحقق أي حقق رؤيته ، وعلى ذلك قوله : { والذي جاء بالصدق وصدق به } أي حقق ما أورده قولا بما تحراه فعلا ويعبر عن كل فعل فاضل ظاهرا وباطنا بالصدق فيضاف إليه ذلك الفعل الذي يوصف به نحو قوله : { في مقعد صدق عند مليك مقتدر } وعلى هذا { أن لهم قدم صدق عند ربهم }
____________________
(1/277)
وقوله { أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق } - { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } فإن ذلك سؤال أن يجعله الله تعالى صالحا بحيث إذا أثنى عليه من بعده لم يكن ذلك الثناء كذبا بل يكون كما قال الشاعر :
( إذا نحن أثنينا عليك بصالح ** فأنت الذي نثني وفوق الذي نثنى )
وصدق قد يتعدى إلى مفعولين نحو { ولقد صدقكم الله وعده } وصدقت فلانا نسبته إلى الصدق وأصدقته وجدته صادقا ، وقيل هما واحد ويقالان فيهما جميعا قال { ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم } - { وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه } ويستعمل التصديق في كل ما فيه تحقيق ، يقال صدقني فعله وكتابه ، قال { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم } - { نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه } - { وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا } أي مصدق ما تقدم وقوله : لسانا منتصب على الحال وفي المثل : صدقني سن بكره . والصداقة صدق الاعتقاد في المودة وذلك مختص بالإنسان دون غيره قال { فما لنا من شافعين ولا صديق حميم } وذلك إشارة إلى نحو قوله { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } ، والصدقة ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة كالزكاة لكن الصدقة في الأصل تقال للمتطوع به والزكاة للواجب ، وقد يسمى الواجب صدقة إذا تحرى صاحبها الصدق في فعله قال { خذ من أموالهم صدقة } وقال { إنما الصدقات للفقراء } يقال صدق وتصدق قال { فلا صدق ولا صلى } - { إن الله يجزي المتصدقين } - { إن المصدقين والمصدقات } في آي كثيرة . ويقال لما تجافى عنه الإنسان من حقه تصدق به نحو قوله { والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له } أي من تجافى عنه ، وقوله { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم } فإنه أجرى ما يسامح به المعسر مجرى الصدقة وعلى هذا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما تأكله العافية فهو صدقة وعلى هذا قوله { فدية مسلمة إلى أهله } { إلا أن يصدقوا } فسمي إعفاءه صدقة ، وقوله { فقدموا بين يدي نجواكم صدقة } أأشفقتم أن تقدموا بين يدى نجواكم صدقات فإنهم كانوا قد أمروا بأن يتصدق من يناجي الرسول بصدقة ما غير مقدرة . وقوله { رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين } فمن الصدق أو من الصدقة . وصداق المرأة وصداقها وصدقتها ما تعطى من مهرها ، وقد أصدقتها ، قال { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } .
صدى : الصدى صوت يرجع إليك من كل مكان صقيل ، والتصدية كل صوت
____________________
(1/278)
يجري مجرى الصدى في أن لا غباء فيه ، وقوله { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } أي غناء ما يوردونه غناء الصدى ، ومكاء الطير . والتصدي أن يقابل الشيء مقابلة الصدى أي الصوت الراجع من الجبل ، قال { أما من استغنى فأنت له تصدى } والصدى يقال لذكر البوم وللدماغ لكون الدماغ متصورا بصورة الصدى ولهذا يسمى هامة وقولهم أصم الله صداه فدعاء عليه بالخرس ، والمعنى لا جعل الله له صوتا حتى لا يكون له صدى يرجع إليه بصوته ، وقد يقال للعطش صدى يقال رجل صديان وامرأة صدياء وصادية .
صر : الإصرار التعقد في الذنب والتشدد فيه والامتناع من الإقلاع عنه وأصله من الصر أي الشد ، والصرة ما تعقد فيه الدراهم ، والصرار خرقة تشد على أطباء الناقة لئلا ترضع ، قال : { ولم يصروا على ما فعلوا } - { ثم يصر مستكبرا } - { وأصروا واستكبروا استكبارا } - { وكانوا يصرون على الحنث العظيم } والإصرار كل عزم شددت عليه ، يقال هذا مني صري وأصري وصرى وأصرى وصري وصرى أي جد وعزيمة ، والصرورة من الرجال والنساء الذي لم يحج ، والذي لا يريد التزوج ، وقوله : { ريحا صرصرا } لفظه من الصر ، وذلك يرجع إلى الشد لما في البرودة من التعقد ، والصرة الجماعة المنضم بعضهم إلى بعض كأنهم صروا أي جمعوا في وعاء ، قال : { فأقبلت امرأته في صرة } وقيل : الصرة الصيحة .
صرح : الصرح بيت عال مزوق سمي بذلك اعتبارا بكونه صرحا عن الشوب أي خالصا ، قال { صرح ممرد من قوارير } - { قيل لها ادخلي الصرح } ولبن صريح بين الصراحة والصروحة وصريح الحق خلص عن محضه ، وصرح فلان بما في نفسه ، وقيل عاد تعريضك تصريحا وجاء صراحا جهارا .
صرف : الصرف رد الشيء من حالة إلى حالة أو إبداله بغيره ، يقال صرفته فانصرف قال : { ثم صرفكم عنهم } - { ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم } وقوله : { ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم } فيجوز أن يكون دعاء عليهم ، وأن يكون ذلك إشارة إلى ما فعله بهم وقوله : { فما تستطيعون صرفا ولا نصرا } أي لا يقدرون أن يصرفوا عن أنفسهم العذاب ، أو أن يصرفوا أنفسهم عن النار . وقيل أن يصرفوا الأمر من حالة إلى حالة في التغيير ، ومنه قول العرب : لا يقبل منه صرف ولا عدل ، وقوله : { وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن } أي أقبلنا بهم إليك وإلى الاستماع منك ، والتصريف كالصرف إلا في التكثير وأكثر ما يقال في صرف الشيء من حالة إلى حالة ، ومن أمر إلى أمر . وتصريف الرياح هو صرفها
____________________
(1/279)
من حال إلى حال ، قال : { وصرفنا الآيات } - { وصرفنا فيه من الوعيد } ومنه تصريف الكلام وتصريف الدراهم وتصريف الناب ، يقال لنا به صريف ، والصريف اللبن إذا سكنت رغوته كأنه صرف عن الرغوة أو صرفت عنه الرغوة ، ورجل صيرف وصيرفي وصراف وعنز صارف كأنها تصرف الفحل إلى نفسها . والصرف صبغ أحمر خالص ، وقيل لكل خالص عن غيره صرف كأنه صرف عنه ما يشوبه . والصرفان الرصاص كأنه صرف عن أن يبلغ منزلة الفضة .
صرم : الصرم القطيعة ، والصريمة إحكام الأمر وإبرامه ، والصريم قطعة منصرمة عن الرمل ، قال : { فأصبحت كالصريم } قيل أصبحت كالأشجار الصريمة أي المصروم حملها ، وقيل كالليل لأن الليل يقال له الصريم أي صارت سوداء كالليل لاحتراقها ، قال : { إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين } أي يجتنونها ويتناولونها { فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين } والصارم الماضي وناقة مصرومة كأنها قطع ثديها فلا يخرج لبنها حتى يقوى . وتصرمت السنة ، وانصرم الشيء انقطع وأصرم ساءت حاله .
صرط : الصراط الطريق المستقيم ، قال : { وأن هذا صراطي مستقيما } ويقال له سراط وقد تقدم .
صطر : صطر وسطر واحد ، قال : { أم هم المصيطرون } وهو مفعيل من السطر ، والتسطير أي الكتابة أي هم الذين تولوا كتابة ما قدر لهم قبل أن خلق إشارة إلى قوله : { إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير } وقوله : { في إمام مبين } وقوله { لست عليهم بمصيطر } أي متول أن تكتب عليهم وتثبت ما يتولونه ، وسيطرت وبيطرت لا ثالث لهما في الأبنية ، وقد تقدم ذلك في السين .
صرع : الصرع الطرح ، يقال صرعته صرعا والصرعة حالة المصروع والصراعة حرفة المصارع ، ورجل صريع أي مصروع وقوم صرعى قال : { فترى القوم فيها صرعى } وهما صرعان كقولهم قرنان . والمصراعان من الأبواب وبه شبه المصراعان في الشعر . صعد : الصعود الذهاب في المكان العالي ، والصعود والحدور لمكان الصعود والانحدار وهما بالذات واحد وإنما يختلفان بحسب الاعتبار بمن يمر فيهما ، فمتى كان المار صاعدا يقال لمكانه صعود ، وإذا كان منحدرا يقال لمكانه حدور ، والصعد والصعيد والصعود في الأصل واحد لكن الصعود والصعد يقال للعقبة ويستعار لكل شاق ، قال : { ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا } أي شاقا وقال { سأرهقه صعودا } أي عقبة شاقة ، والصعيد يقال لوجه الأرض قال : { فتيمموا صعيدا طيبا } وقال
____________________
(1/280)
بعضهم الصعيد يقال للغبار الذي يصعد من الصعود ، ولهذا لا بد للمتيمم أن يعلق بيده غبار ، وقوله : { كأنما يصعد في السماء } أي يتصعد . وأما الإصعاد فقد قيل هو الإبعاد في الأرض سواء كان ذلك في صعود أو حدور وأصله من الصعود وهو الذهاب إلى الأمكنة المرتفعة كالخروج من البصرة إلى نجد وإلى الحجاز ، ثم استعمل في الإبعاد وإن لم يكن فيه اعتبار الصعود كقولهم تعال فإنه في الأصل دعاء إلى العلو صار أمرا بالمجئ سواء كان إلى أعلى أو إلى أسفل ، قال : { إذ تصعدون ولا تلوون على أحد } وقيل لم يقصد بقوله { إذ تصعدون } إلى الإبعاد في الأرض وإنما أشار به إلى علوهم فيما تحروه وأتوه كقولك أبعدت في كذا وارتقيت فيه كل مبرتقى ، وكأنه قال إذ بعدتم في استشعار الخوف والاستمرار على الهزيمة . واستعير الصعود لما يصل من العبد إلى الله كما استعير النزول لما يصل من الله إلى العبد فقال سبحانه : { إليه يصعد الكلم الطيب } وقوله : { يسلكه عذابا صعدا } أي شاقا ، يقال تصعدني كذا أي شق علي ، قال عمر : ما تصعدني أمر ما تصعدني خطبة النكاح .
صعر : الصعر ميل في العنق والتصعير إمالته عن النظر كبرا ، قال : { ولا تصعر خدك للناس } وكل صعب يقال له مصعر والظليم أصعر خلقة .
صعق : الصاعقة والصاقعة يتقاربان وهما الهدة الكبيرة ، إلا أن الصقع يقال في الأجسام الأرضية ، والصعق في الأجسام العلوية . قال بعض أهل اللغة : الصاعقة على ثلاثة أوجه : الموت كقوله : { فصعق من في السماوات ومن في الأرض } وقوله : { فأخذتهم الصاعقة } والعذاب كقوله : { أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } والنار كقوله : { ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء } وما ذكره فهو أشياء حاصلة من الصاعقة فإن الصاعقة هي الصوت الشديد من الجو ، ثم يكون منه نار فقط أو عذاب أو موت ، وهي في ذاتها شيء واحد وهذه الأشياء تأثيرات منها .
صغر : الصغر والكبر من الأسماء المتضادة التي تقال عند اعتبار بعضها ببعض ، فالشيء قد يكون صغيرا في جنب الشيء وكبيرا في جنب آخر . وقد تقال تارة باعتبار الزمان فيقال فلان صغير وفلان كبير إذا كان ما له من السنين أقل مما للآخر ، وتارة تقال باعتبار الجثة ، وتارة باعتبار القدر والمنزلة ، وقوله : { وكل صغير وكبير مستطر } وقوله : { لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } وقوله : { ولا أصغر من ذلك ولا أكبر } كل ذلك بالقدر والمنزلة من الخير والشر باعتبار بعضها ببعض ، يقال
____________________
(1/281)
صغر صغرا في ضد الكبير ، وصغر صغرا وصغارا في الذلة ، والصاغر الراضي بالمنزلة الدنية : { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون }
صغا : الصغو الميل ، يقال صغت النجوم والشمس صفوا مالت للغروب ، وصغيت الإناء وأصغيته وأصغيت إلى فلان ملت بسمعي نحوه قال : { ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة } وحكي صغوت إليه أصغو وأصغى صغوا وصغيا ، وقيل صغيت أصغى وأصغيت أصغي . وصاغية الرجل الذين يميلون إليه وفلان مصغي إناؤه أي منقوص حظه وقد يكنى به عن الهلاك . وعينه صغواء إلى كذا والصغي ميل في الحنك والعين .
صف : الصف أن تجعل الشيء على خط مستو كالناس والأشجار ونحو ذلك وقد يجعل فيما قاله أبو عبيدة بمعنى الصاف ، قال تعالى : { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا } - { ثم ائتوا صفا } يحتمل أن يكون مصدرا وأن يكون بمعنى الصافين : { وإنا لنحن الصافون } - { والصافات صفا } يعني به الملائكة { وجاء ربك والملك صفا صفا } - { والطير صافات } - { فاذكروا اسم الله عليها صواف } أي مصطفة ، وصففت كذا جعلته على صف ، قال : { على سرر مصفوفة } وصففت اللحم قددته ولقيته صفا صفا ، والصفيف اللحم المصفوف ، والصفصف المستوي من الأرض كأنه على صف واحد ، قال : { فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا } والصفة من البنيان وصفة السرج تشبيها بها في الهيئة ، والصفوف ناقة تصف بين محلبين فصاعدا لغزارتها والتي تصف رجليها ، والصفصاف شجر الخلاف .
صفح : صفح الشيء عرضه وجانبه كصفحة الوجه وصفحة السيف وصفحة الحجر . والصفح ترك التثريب وهو أبلغ من العفو ولذلك قال : { فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره } وقد يعفوا الإنسان ولا يصفح قال : { فاصفح عنهم وقل سلام } - { فاصفح الصفح الجميل } - { أفنضرب عنكم الذكر صفحا } وصفحت عنه أوليته منى صفحة جميلة معرضا عن ذنبه ، أو لقيت صفحته متجافيا عنه أو تجاوزت الصفحة التي أثبت فيها ذنبه من الكتاب إلى غيرها من قولك تصفحت الكتاب ، وقوله : { وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل } فأمر له عليه السلام أن يخفف كفر من كفر كما قال : { ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون } والمصافحة الإفضاء بصفحة اليد .
صفد : الصفد والصفاد الغل وجمعه أصفاد والأصفاد الأغلال ، قال تعالى : { مقرنين في الأصفاد } والصفد العطية اعتبارا بما قيل أنا مغلول أياديك وأسير نعمتك ونحو ذلك من الألفاظ الواردة عنهم في ذلك .
صفر : الصفرة لون من الألوان التي بين
____________________
(1/282)
السواد والبياض وهي إلى السواد أقرب ولذلك قد يعبر بها عن السواد ، قال الحسن في قوله : { بقرة صفراء فاقع لونها } أي سوداء وقال بعضهم لا يقال في السواد فاقع وإنما يقال فيها حالكة ، قال : { ثم يهيج فتراه مصفرا } - { كأنه جمالة صفر } قيل هي جمع أصفر وقيل بل أراد به الصفر المخرج من المعادن ، ومنه قيل للنحاس صفر وليبيس البهمى صفار ، وقد يقال الصفير للصوت حكاية لما يسمع ومن هذا صفر الإناء إذا خلا حتى يسمع منه صفير لخلوه ثم صار متعارفا في كل حال من الآنية وغيرها . وسمي خلو الجوف والعروق من الغذاء صفرا ، ولما كانت تلك العروق الممتدة من الكبد إلى المعدة إذا لم تجد غذاء امتصت أجزاء المعدة اعتقدت جهلة العرب أن ذلك حية في البطن تعض بعض الشراسف حتى نفى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا صفر أي ليس في البطن ما يعتقدون أنه فيه من الحية وعلى هذا قول الشاعر :
( ولا يعض على شرسوفه الصفر ** )
والشهر يسمى صفرا لخلو بيوتهم فيه من الزاد ، والصفري من النتاج ، ما يكون في ذلك الوقت .
صفن : الصفن الجمع بين الشيئين ضاما بعضهما إلى بعض ، يقال صفن الفرس قوائمه قال { الصافنات الجياد } وقرئ { فاذكروا اسم الله عليها صواف } والصافن عرق في باطن الصلب يجمع نياط القلب . والصفن وعاء يجمع الخصية والصفن دلو مجموع بحلقة .
صفو : أصل الصفاء خلوص الشيء من الشوب ومنه الصفا للحجارة الصافية قال : { إن الصفا والمروة من شعائر الله } وذلك اسم لموضع مخصوص ، والإصطفاء تناول صفو الشيء كما أن الاختيار تناول خيره والاجتباء تناول جبايته . واصطفاء الله بعض عباده قد يكون بإيجاده تعالى إياه صافيا عن الشوب الموجود في غيره وقد يكون باختياره وبحكمه وإن لم يتعر ذلك من الأول ، قال تعالى : { الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس } - { إن الله اصطفى آدم ونوحا } - { اصطفاك وطهرك واصطفاك } - { اصطفيتك على الناس } - { وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار } واصطفيت كذا على كذا أي اخترت { أصطفى البنات على البنين } - { وسلام على عباده الذين اصطفى } - { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا } والصفي والصفية ما يصطفيه الرئيس لنفسه ، قال الشاعر :
( لك المرباع منها والصفايا ** )
وقد يقالان للناقة الكثيرة اللبن والنخلة الكثيرة الحمل ، وأصفت الدجاجة إذا انقطع بيضها كأنها صفت منه ، وأصفى الشاعر إذا انقطع شعره تشبيها بذلك من قولهم أصفى
____________________
(1/283)
الحافر إذا بلغ صفا أي صخرا منعه من الحفر كقولهم أكدى وأحجر ، والصفوان كالصفا الواحدة صفوانة ، قال { صفوان عليه تراب } ويقال يوم صفوان صافي الشمس ، شديد البرد .
صلل : أصل الصلصال تردد الصوت من الشيء اليابس ومنه قيل صل المسمار ، وسمي الطين الجاف صلصالا ، قال { من صلصال كالفخار } - { من صلصال من حمإ مسنون } والصلصلة بقية ماء سميت بذلك لحكاية صوت تحركه في المزادة ، وقيل الصلصال المنتن من الطين من قولهم صل اللحم ، قال وكان أصله صلال فقلبت إحدى اللامين وقرئ / < أئذا صللنا > / أي أنتنا وتغيرنا من قولهم صل اللحم وأصل .
صلب : الصلب الشديد وباعتبار الصلابة والشدة سمي الظهر صلبا ، قال { يخرج من بين الصلب والترائب } وقوله : { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } تنبيه أن الولد جزء من الأب ، وعلى نحوه نبه قول الشاعر :
( وإنما أولادنا بيننا ** أكبادنا تمشي على الأرض )
وقال الشاعر :
( في صلب مثل العنان المؤدم ** )
والصلب والاصطلاب استخراج الودك من العظم ، والصلب الذي هو تعليق الإنسان للقتل ، قيل هو شد صلبه على خشب ، وقيل إنما هو من صلب الودك ، قال { وما قتلوه وما صلبوه } - { ولأصلبنكم أجمعين } - { ولأصلبنكم في جذوع النخل } - { أن يقتلوا أو يصلبوا } والصليب أصله الخشب الذي يصلب عليه ، والصليب الذي يتقرب به النصارى هو لكونه على هيئة الخشب الذي زعموا أنه صلب عليه عيسى عليه السلام ، وثوب مصلب أي عليه آثار الصليب ، والصالب من الحمى ما يكسر الصلب أو ما يخرج الودك بالعرق ، وصلبت السنان حددته ، والصلبية حجارة المسن .
صلح : الصلاح ضد الفساد وهما مختصان في أكثر الاستعمال بالأفعال وقوبل في القرآن تارة بالفساد وتارة بالسيئة ، قال { خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا } - { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } - { والذين آمنوا وعملوا الصالحات } في مواضع كثيرة . والصلح يختص بإزالة النفار بين الناس يقال منه اصطلحوا وتصالحوا ، قال { أن يصلحا بينهما صلحا } - { والصلح خير } - { وإن تصلحوا وتتقوا } - { فأصلحوا بينهما } - { فأصلحوا بين أخويكم } وإصلاح الله تعالى الإنسان يكون تارة بخلقه إياه صالحا وتارة بإزالة ما فيه من فساد بعد وجوده ، وتارة يكون بالحكم له بالصلاح ، قال { وأصلح بالهم } - يصلح لكم أعمالكم - { وأصلح لي في ذريتي }
____________________
(1/284)
- { إن الله لا يصلح عمل المفسدين } ) أي المفسد يضاد الله في فعله فإنه يفسد والله تعالى يتحرى في جميع أفعاله الصلاح فهو إذا لا يصلح عمله ، وصالح اسم للنبي عليه السلام قال : { يا صالح قد كنت فينا مرجوا } .
صلد : قال تعالى : { فتركه صلدا } أي حجر صلبا وهو لا ينبت ومنه قيل رأس صلد لا ينبت شعرا وناقة صلود ومصلاد قليلة اللبن وفرس صلود لا يعرق ، وصلد الزند لا يخرج ناره .
صلا : أصل الصلي لإيقاد النار ، ويقال صلى بالنار وبكذا أي بلي بها واصطلى بها وصليت الشاة ، شويتها وهي مصلية ، قال : { اصلوها اليوم } وقال : { يصلى النار الكبرى } - { تصلى نارا حامية } - { ويصلى سعيرا } - { وسيصلون سعيرا } قرئ سيصلون بضم الياء وفتحها { حسبهم جهنم يصلونها } - { سأصليه سقر } - { وتصلية جحيم } وقوله { لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى } فقد قيل معناه لا يصطلي بها إلا الأشقى الذي ، قال الخليل : صلى الكافر النار قاسى حرها { يصلونها فبئس المصير } وقيل صلى النار دخل فيها وأصلاها غيره قال { فسوف نصليه نارا } - { ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا } قيل جمع صال ، والصلاء يقال للوقود وللشواء . والصلاة قال كثير من أهل اللغة : هي الدعاء والتبريك والتمجيد ، يقال صليت عليه أي دعوت له وزكيت ، وقال عليه السلام : إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، وإن كان صائما فليصل أي ليدع لأهله { وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم } - { يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه } وصلوات الرسول وصلاة الله للمسلمين هو في التحقيق تزكيته إياهم . وقال { أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة } ومن الملائكة هي الدعاء والاستغفار كما هي من الناس ، قال : { إن الله وملائكته يصلون على النبي } والصلاة التي هي العبادة المخصوصة أصلها الدعاء وسميت هذه العبادة بها كتسمية الشيء باسم بعض ما يتضمنه ، والصلاة من العبادات التي لم تنفك شريعة منها وإن اختلفت صورها بحسب شرع فشرع . ولذلك قال : { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } وقال بعضهم : أصل الصلاة من الصلاء ، قال ومعنى صلى الرجل أي أنه أزال عن نفسه بهذه العبادة الصلاء الذي هو نار الله الموقدة . وبناء صلى كبناء مرض لإزالة المرض ، ويسمى موضع العبادة الصلاة ، لذلك سميت الكنائس صلوات كقوله { لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد } وكل موضع مدح الله تعالى بفعل الصلاة أو حث عليه ذكر بلفظ الإقامة نحو { والمقيمين الصلاة } - { وأقيموا الصلاة } -
____________________
(1/285)
{ وأقاموا الصلاة } ) ولم يقل المصلين إلا في المنافقين نحو قوله : { فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون } - { ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى } وإنما خص لفظ الإقامة تنبيها أن المقصود من فعلها توفية حقوقها وشرائطها ، لا الإتيان بهيئتها فقط ، ولهذا روي أن المصلين كثير والمقيمين لها قليل وقوله { لم نك من المصلين } أي من أتباع النبيين ، وقوله { فلا صدق ولا صلى } تنبيها أنه لم يكن ممن يصلي أي يأتي بهيئتها فضلا عمن يقيمها . وقوله : { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } فتسمية صلاتهم مكاء وتصدية تنبيه على إبطال صلاتهم وأن فعلهم ذلك لا اعتداد به بل هم في ذلك كطيور تمكو وتصدي : وفائدة تكرار الصلاة في قوله : { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } إلى أخر القصة حيث قال : { والذين هم على صلاتهم يحافظون } فإنا نذكره فيما بعد هذا الكتاب إن شاء الله .
صمم : الصمم فقدان حاسة السمع ، وبه يوصف من لا يصغى إلى الحق ولا يقبله ، قال : { صم بكم عمي } وقال { صما وعميانا } - { والأصم والبصير والسميع هل يستويان } وقال { وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا } وشبه ما لا صوت له به ، ولذلك قيل صمت حصاة بدم ، أي كثر الدم حتى لو ألقي فيه حصاة لم تسمع لها حركة ، وضربة صماء . ومنه الصمة للشجاع الذي يصم بالضربة ، وصممت القارورة شددت فاها تشبيها بالأصم الذي شد أذنه ، وصمم في الأمر مضى فيه غير مصغ إلى من يردعه كأنه أصم ، والصمان أرض غليظة ، واشتمال الصماء ما لا يبدو منه شيء .
صمد : الصمد السيد الذي يصمد إليه في الأمر ، وصمد صمده قصد معتمدا عليه قصده ، وقيل الصمد الذي ليس بأجوف ، والذي ليس بأجوف شيئان : أحدهما لكونه أدون من الإنسان كالجمادات ، والثاني أعلى منه وهو الباري والملائكة ، والقصد بقوله : { الله الصمد } تنبيها أنه بخلاف من أثبتوا له الإلهية ، وإلى نحو هذا أشار بقوله : { وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام } .
صمع : الصومعة كل بناء متصمع الرأس أي متلاصقه ، جمعها صوامع . قال : { لهدمت صوامع وبيع } والأصمع اللاصق أذنه برأسه وقلب أصمع جرىء كأنه بخلاف من قال الله فيه : { وأفئدتهم هواء } والصمعاء البهمى قبل أن تتفقأ ، وكلاب صمع الكعوب ليسوا بأجوفها .
صنع : الصنع إجادة الفعل ، فكل صنع فعل وليس كل فعل صنعا ، ولا ينسب إلى الحيوانات والجمادات كما ينسب إليها الفعل ، قال
____________________
(1/286)
{ صنع الله الذي أتقن كل شيء } - { ويصنع الفلك } - { واصنع الفلك } - { أنهم يحسنون صنعا } - { صنعة لبوس لكم } - { وتتخذون مصانع } - { ما كانوا يصنعون } - { وحبط ما صنعوا فيها } - { تلقف ما صنعوا إنما صنعوا } - { والله يعلم ما تصنعون } وللإجادة يقال للحاذق المجيد صنع وللحاذقة المجيدة صناع ، والصنيعة ما اصطنعته من خير ، وفرس صنيع أحسن القيام عليه . وعبر عن الأمكنة الشريفة بالمصانع ، قال : { وتتخذون مصانع } وكني بالرشوة عن المصانعة والاصطناع المبالغة في إصلاح الشيء وقوله { واصطنعتك لنفسي } - { ولتصنع على عيني } إشارة إلى نحو ما قال بعض الحكماء : إن الله تعالى إذا أحب عبدا تفقده كما يتفقد الصديق صديقه .
صنم : الصنم جثة متخذة من فضة أو نحاس أو خشب كانوا يعبدونها متقربين به إلى الله تعالى ، وجمعه أصنام . قال الله تعالى : { أتتخذ أصناما آلهة } - { لأكيدن أصنامكم } قال بعض الحكماء : كل ما عبد من دون الله بل كل ما يشغل عن الله تعالى يقال له صنم ، وعلى هذا الوجه قال إبراهيم صلوات الله عليه : { واجنبني وبني أن نعبد الأصنام } فمعلوم أن إبراهيم مع تحققه بمعرفة الله تعالى واطلاعه على حكمته لم يكن ممن يخاف أن يعود إلى عبادة تلك الجثث التي كانوا يعبدونها فكأنه قال اجنبني عن الاشتغال بما يصرفني عنك .
صنو : الصنو الغصن الخارج عن أصل الشجرة ، يقال هما صنوا نخلة وفلان صنو أبيه ، والتثنية صنوان وجمعه صنوان قال : { صنوان وغير صنوان } .
صهر : الصهر الختن وأهل بيت المرأة يقال لهم الأصهار كذا قال الخليل . قال ابن الأعرابي : الإصهار التحرم بجوار أو نسب أو تزوج ، يقال رجل مصهر إذا كان له تحرم من ذلك قال : { فجعله نسبا وصهرا } والصهر إذابة الشحم قال : { يصهر به ما في بطونهم } والصهارة ما ذاب منه وقال أعرابي : لأصهرنك بيميني مرة ، أي لأذيبنك .
صوب : الصواب يقال على وجهين ، أحدهما : باعتبار الشيء في نفسه فيقال هذا صواب إذا كان في نفسه محمودا ومرضيا بحسب مقتضى العقل والشرع نحو قولك : تحري العدل صواب والكرم صواب . والثاني : يقال باعتبار القاصد إذا أدرك المقصود بحسب ما يقصده فيقال أصاب كذا أي وحد ما طلب كقولك أصابه السهم وذلك على أضرب ، الأول : أن يقصد ما يحسن قصده فيفعله وذلك هو الصواب التام المحمود به الإنسان . والثاني أن يقصد ما يحسن فعله فيتأتي منه غيره لتقديره
____________________
(1/287)
بعد اجتهاده أنه صواب وذلك هو المراد بقوله عليه السلام : كل مجتهد مصيب وروي المجتهد مصيب وإن أخطأ فهذا له أجر كما روي من اجتهد فأصاب فله أجران ، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر والثالث : أن يقصد صوابا فيتأتى منه خطأ لعارض من خارج نحو من يقصد رمي صيد فأصاب إنسانا فهذا معذور . والرابع : أن يقصد ما يقبح فعله ولكن يقع منه خلاف ما يقصده فيقال أخطأ في قصده وأصاب الذي قصده أي وجده ، والصوب الإصابة يقال صابه وأصابه ، وجعل الصوب لنزول المطر إذا كان بقدر ما ينقع وإلى هذا القدر من المطر أشار بقوله : { نزل من السماء ماء بقدر } قال الشاعر :
( فسقى ديارك غير مفسدها ** صوب الربيع وديمة تهمي )
والصيب السحاب المختص بالصوب وهو فيعل من صاب يصوب قال الشاعر :
( فكأنما صابت عليه سحابة ** ) وقوله : { أو كصيب } قيل هو السحاب وقيل هو المطر وتسميته به كتسميته بالسحاب ، وأصاب السهم إذا وصل إلى المرمى بالصواب ، والمصيبة أصلها في الرمية ثم اختصت بالنائبة نحو : { أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها } - { فكيف إذا أصابتهم مصيبة } - { وما أصابكم يوم التقى الجمعان } - { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } وأصاب جاء في الخير والشر قال : { إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة } - { ولئن أصابكم فضل من الله } - { فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء } - { فإذا أصاب به من يشاء من عباده } قال بعضهم : الإصابة في الخير اعتبارا بالصوب أي بالمطر ، وفي الشر اعتبارا بإصابة السهم ، وكلاهما يرجعان إلى أصل .
صوت : الصوت هو الهواء المنضغط عن قرع جسمين وذلك ضربان : صوت مجرد عن تنفس بشيء كالصوت الممتد ، وتنفس بصوت ما والمتنفس ضربان : غير اختياري كما يكون من الجمادات ومن الحيوانات ، واختياري كما يكون من الإنسان وذلك ضربان : ضرب باليد كصوت العود وما يجري مجراه ، وضرب بالفم . والذي بالفم ضربان : نطق وغير نطق ، وغير النطق كصوت الناي ، والنطق منه إما مفرد من الكلام وإما مركب كأحد الأنواع من الكلام ، قال : { وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا } وقال : { إن أنكر الأصوات لصوت الحمير } - { لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } وتخصيص الصوت بالنهي لكونه أعم من النطق والكلام ، ويجوز أنه خصه لأن المكروه رفع الصوت فوقه لا رفع الكلام ، ورجل صيت شديد الصوت وصائت صائح ، والصيت خص بالذكر
____________________
(1/288)
الحسن وإن كان في الأصل انتشار الصوت والإنصات هو الاستماع إليه مع ترك الكلام قال { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } وقال بعضهم : يقال للإجابة إنصات وليس ذلك بشيء فإن الإجابة تكون بعد الإنصات وإن استعمل فيه فذلك حث على الاستماع لتمكن الإجابة .
صاح : الصيحة رفع الصوت قال { إن كانت إلا صيحة واحدة } - { يوم يسمعون الصيحة بالحق } أي النفخ في الصور وأصله تشقيق الصوت من قولهم انصاح الخشب أو الثوب إذا انشق فسمع منه صوت وصيح الثوب كذلك ، ويقال بأرض فلان شجر قد صاح إذا طال فتبين للناظر لطوله ودل على نفسه دلالة الصائح على نفسه بصوته ، ولما كانت الصيحة قد تفزع عبر بها عن الفزع في قوله { فأخذتهم الصيحة مشرقين } والصائحة صيحة المناحة ويقال ما ينتظر إلا مثل صيحة الحبلى أي شر يعاجلهم ، والصيحاني ضرب من التمر .
صيد : الصيد مصدر صاد وهو تناول ما يظفر به مما كان ممتنعا ، وفي الشرع تناول الحيوانات الممتنعة ما لم يكن مملوكا والمتناول منه ما كان حلالا وقد يسمى الصيد صيدا بقوله { أحل لكم صيد البحر } أي اصطياد ما في البحر ، وأما قوله { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } وقوله { وإذا حللتم فاصطادوا } وقوله { غير محلي الصيد وأنتم حرم } فإن الصيد في هذه المواضع مختص بما يؤكل لحمه فيما قال الفقهاء بدلالة ما روي خمسة يقتلهن المحرم في الحل والحرم : الحية والعقرب والفأرة والذئب والكلب العقور والأصيد من في عنقه قيل ، وجعل مثلا للمتكبر . والصيدان برام الأحجار ، قال :
( وسود من الصيدان فيها مذانب ** وقيل له صاد ، قال :
( رأيت قدور الصاد حول بيوتنا ** )
وقيل في قوله تعالى : ( ص والقرآن ) هو الحروف وقيل تلقه بالقبول من صاديت كذا والله أعلم .
صور : الصورة ما ينتقش به الأعيان ويتميز بها غيرها وذلك ضربان ، أحدهما محسوس يدركه الخاصة والعامة بل يدركه الإنسان وكثير من الحيوان كصورة الإنسان والفرس والحمار بالمعاينة ، والثاني معقول يدركه الخاصة دون العامة كالصورة التي اختص الإنسان بها من العقل والروية والمعاني التي خص بها شيء بشيء ، وإلى الصورتين أشار بقوله تعالى : { ثم صورناكم } - { وصوركم فأحسن صوركم } وقال ( في أي صورة ما شاء ركبك - يصوركم في الأرحام ) وقال عليه السلام : إن الله خلق آدم على صورته فالصورة أراد بها ما خص الإنسان بها من الهيئة
____________________
(1/289)
المدركة بالبصر والبصيرة وبها فضله على كثير من خلقه ، وإضافته إلى الله سبحانه على سبيل الملك لا على سبيل البعضية والتشبيه ، تعالى عن ذلك ، وذلك على سبيل التشريف له كقوله : بيت الله وناقة الله ونحو ذلك { ونفخت فيه من روحي } - { ويوم ينفخ في الصور } فقد قيل هو مثل قرن ينفخ فيه فيجعل الله سبحانه ذلك سببا لعود الصور والأرواح إلى أجسامها وروي في الخبر أن الصور فيه صورة الناس كلهم وقوله تعالى { فخذ أربعة من الطير فصرهن } أي أملهن من الصور أي الميل ، وقيل قطعهن صورة صورة ، وقرئ صرهن وقيل ذلك لغتان يقال صرته وصرته ، وقال بعضهم صرهن أي صح بهن ، وذكر الخليل أنه يقال عصفور صوار وهو المجيب إذا دعي وذكر أبو بكر النقاش أنه قرئ { فصرهن } بضم الصاد وتشديد الراء وفتحها من الصر أي الشد ، وقرئ ، { فصرهن } من الصرير أي الصوت ومعناه صح بهن . والصوار القطيع من الغنم اعتبارا بالقطع نحو الصرمة والقطيع والفرقة وسائر الجماعة المعتبر فيها معنى القطع .
صير : الصير الشق وهو المصدر ومنه قرئ { فصرهن } وصار إلى كذا انتهى إليه ومنه صير الباب لمصيره الذي ينتهي إليه في تنقله وتحركه قال { وإليه المصير } وصار عبارة عن التنقل من حال إلى حال .
صاع : صواع الملك كان إناء يشرب به ويكال به ويقال له الصاع ويذكر ويؤنث قال تعالى : { نفقد صواع الملك } ثم قال { ثم استخرجها } ويعبر عن المكيل باسم ما يكال به في قوله صاع من بر أو صاع من شعير وقيل الصاع بطن الأرض ، قال :
( ذكروا بكفي لاعب في صاع ** ) وقيل بل الصاع هنا هو الصاع يلعب به مع كرة . وتصوع النبت والشعر هاج وتفرق ، والكمي يصوع أقرانه أي يفرقهم .
صوغ : قرئ / < صوغ الملك > / يذهب به إلى أنه كان مصوغا من الذهب .
صوف : قال تعالى : { ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين } وأخذ بصوفة قفاه ، أي بشعره النابت ، وكبش صاف وأصوف وصائف كثير الصوف . والصوفة قوم كانوا يخدمون الكعبة ، فقيل سموا بذلك لأنهم تشبكوا بها كتشبك الصوف بما نبت عليه ، والصوفان نبت أزغب . والصوفي قيل منسوب إلى لبسه الصوف وقيل منسوب إلى الصوفة الذين كانوا يخدمون الكعبة لاشتغالهم بالعبادة ، وقيل منسوب إلى الصوفان الذي هو نبت لاقتصادهم واقتصارهم .
____________________
(1/290)
في الطعم على ما يجري مجرى الصوفان في قلة الغناء في الغذاء .
صيف : الصيف الفصل المقابل للشتاء ، قال { رحلة الشتاء والصيف } وسمي المطر الآتي في الصيف صيفا كما سمي المطر الآتي في الربيع ربيعا . وصافوا حصلوا في الصيف ، وأصافوا دخلوا فيه .
صوم : الصوم في الأصل الإمساك عن الفعل مطعما كان أو كلاما أو مشيا ، ولذلك قيل للفرس الممسك عن السير أو العلف صائم قال الشاعر :
( خيل صيام وأخرى غير صائمة ** )
وقيل للريح الراكدة صوم ولاستواء النهار صوم تصورا لوقوف الشمس في كبد السماء ، ولذلك قيل قام قائم الظهيرة . ومصام الفرس ومصامته موقفه . والصوم في الشرع إمساك المكلف بالنية من الخيط الأبيض إلى الخيط الأسود عن تناول الأطيبين والاستمناء والاستقاء وقوله { إني نذرت للرحمن صوما } فقد قيل عني به الإمساك عن الكلام بدلالة قوله تعالى { فلن أكلم اليوم إنسيا } . صيص : { من صياصيهم } أي حصونهم وكل ما يتحصن به يقال له صيصة وبهذا النظر قيل لقرن البقر صيصة وللشوكة التي يقاتل بها الديك صيصة ، والله أعلم .
____________________
(1/291)
= كتاب الضاد =
ضبح : { والعاديات ضبحا } قيل الضبح صوت أنفاس الفرس تشبيها بالضباح وهو صوت الثعلب ، وقيل هو حفيف العدو وقد يقال ذلك للعدو ، وقيل الضبح كالضبع وهو مد الضبع في العدو ، وقيل أصله إحراق العود وشبه عدوه به كتشبيهه بالنار في كثرة حركتها . ضحك : الضحك انبساط الوجه وتكشر الأسنان من سرور النفس ولظهور الأسنان عنده سميت مقدمات الأسنان الضواحك . واستعير الضحك للسخرية وقيل ضحكت منه ورجل ضحكة يضحك من الناس وضحكة لمن يضحك منه ، قال : { وكنتم منهم تضحكون } - { إذا هم منها يضحكون } - { تعجبون وتضحكون } ويستعمل في السرور المجرد نحو { مسفرة ضاحكة } - { فليضحكوا قليلا } - { فتبسم ضاحكا } قال الشاعر :
( يضحك الضبع لقتلى هذيل ** وترى الذئب لها تستهل )
واستعمل للتعجب المجرد تارة ومن هذا المعنى قصد من قال الضحك يختص بالإنسان وليس يوجد في غيره من الحيوان ، قال : ولهذا المعنى قال { وأنه هو أضحك وأبكى } - { وامرأته قائمة فضحكت } وضحكها كان للتعجب بدلالة قوله { أتعجبين من أمر الله } ويدل على ذلك أيضا قوله { أألد وأنا عجوز } إلى قوله : { عجيب } وقول من قال حاضت فليس ذلك تفسيرا لقوله { فضحكت } كما تصوره بعض المفسرين فقال ضحكت بمعنى حاضت وإنما ذكر ذلك تنصيصا لحالها وأن الله تعالى جعل ذلك أمارة لما بشرت به فحاضت في الوقت ليعلم أن حملها ليس بمنكر إذ كانت المرأة ما دامت تحيض فإنها تحبل ، وقول الشاعر في صفة روضة :
( يضاحك الشمس منها كوكب شرق ** )
فإنه شبه تلألؤها بالضحك ولذلك سمي البرق العارض ضاحكا ، والحجر يبرق ضاحكا وسمي البلح حين يتفتق ضاحكا ، وطريق ضحوك واضح ، وضحك الغدير تلألأ من امتلائه وقد أضحكته .
ضحى : الضحى انبساط الشمس وامتداد
____________________
(1/292)
النهار وسمي الوقت به قال { والشمس وضحاها } - { إلا عشية أو ضحاها } - { والضحى والليل } - { وأخرج ضحاها } - { وأن يحشر الناس ضحى } وضحى يضحى تعرض للشمس . قال { وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى } أي لك أن تتصون من حر الشمس وتضحى أكل ضحى كقولك تغدى والضحاء والغداء لطعامهما ، وضاحية كل شيء ناحيته البارزة ، وقيل للسماء الضواحي وليلة إضحيانة وضحياء مضيئة إضاءة الضحى . والأضحية جمعها أضاحي وقيل ضحية وضحايا وأضحاة وأضحى وتسميتها بذلك في الشرع لقوله عليه السلام : من ذبح قبل صلاتنا هذه فليعد .
ضد : قال قوم الضدان الشيئان اللذان تحت جنس واحد ، وينافي كل واحد منهما الآخر في أوصافه الخاصة ، وبينهما ابعد البعد كالسواد والبياض والشر والخير ، وما لم يكونا تحت جنس واحد لا يقال لهما ضدان كالحلاوة والحركة . قالوا والضد هو أحد المتقابلات فإن المتقابلين هما الشيئان المختلفان للذات وكل واحد قبالة الآخر ولا يجتمعان في شيء واحد في وقت واحد وذلك أربعة أشياء : الضدان كالبياض والسواد ، والمتناقضان : كالضعف والنصف ، والوجود والعدم كالبصر والعمى والموجبة والسالبة في الأخبار نحو كل إنسان ههنا ، وليس كل إنسان ههنا . وكثير من المتكلمين وأهل اللغة يجعلون كل ذلك من المتضادات ويقول الضدان ما لا يصح اجتماعهما في محل واحد . وقيل : الله تعالى لا ند له ولا ضد ، لآن الند هو الاشتراك في الجوهر والضد هو أن يعتقب الشيئان المتنافيان على جنس واحد والله تعالى منزه عن أن يكون جوهرا فإذا لا ضد له ولا ند ، وقوله : { ويكونون عليهم ضدا } أي منافين لهم . ضر : الضر سوء الحال إما في نفسه لقلة العلم والفضل والغفة ، وإما في بدنه لعدم جارحة ونقص ، وإما في حالة ظاهرة من قلة مال وجاه ، وقوله { فكشفنا ما به من ضر } فهو محتمل لثلاثتها ، وقوله { وإذا مس الإنسان الضر } وقوله { فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه } يقال ضره ضرا جلب إليه ضرا وقوله : { لن يضروكم إلا أذى } ينبههم على قلة ما ينالهم من جهتهم ويؤمنهم من ضرر يلحقهم نحو { لا يضركم كيدهم شيئا } - { وليس بضارهم شيئا } - { وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } وقال تعالى : { ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم } وقال : { يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه } وقوله { يدعو لمن ضره أقرب من نفعه } فالأول يعنى به الضر والنفع اللذان بالقصد والإرادة تنبيها أنه لا يقصد في ذلك ضرا ولا نفعا لكونه جمادا . وفي الثاني يريد ما يتولد
____________________
(1/293)
من الاستعانة به ومن عبادته ، لا ما يكون منه بقصده ، والضراء يقابل بالسراء والنعماء ، والضر بالنفع ، قال { ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء } - { ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا } ورجل ضرير كناية عن فقد بصره وضرير الوادي شاطئه الذي ضره الماء ، والضرر المضار وقد ضاررته ، قال { ولا تضاروهن } وقال { ولا يضار كاتب ولا شهيد } يجوز أن يكون مسندا إلى الفاعل كأنه قال لا يضارر ، وأن يكون مفعولا أي لا يضارر ، بأن يشغل عن صنعته ومعاشه باستدعاء شهادته { لا تضار والدة بولدها } فإذا قرئ بالرفع فلفظه خبر ومعناه أمر ، وإذا فتح فأمر ، قال { ضرارا لتعتدوا } والضرة أصلها الفعلة التي تضر وسمي المرأتان تحت رجل واحد كل واحدة منهما ضرة لاعتقادهم أنها تضر بالمرأة الأخرى ولأجل هذا النظر منهم قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفي ما في صحفتها والضراء التزويج بضرة ، ورجل مضر ذو زوجين فصاعدا ، وامرأة مضر لها ضرة . والإضرار حمل الإنسان على ما يضره وهو في التعارف حمله على أمر يكرهه وذلك على ضربين : أحدهما : إضرار بسبب خارج كمن يضرب أو يهدد ، حتى يفعل منقادا ، ويؤخذ قهرا فيحمل على ذلك كما قال { ثم أضطره إلى عذاب النار } - { ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ } .
والثاني : بسبب داخل وذلك إما بقهر قوة له لا يناله بدفعها هلاك كمن غلب عليه شهوة خمر أو قمار ، وإما بقهر قوة يناله بدفعها الهلاك كمن اشتد به الجوع فاضطر إلى أكل ميتة وعلى هذا قوله { فمن اضطر غير باغ ولا عاد } - { فمن اضطر في مخمصة } وقال { أم من يجيب المضطر إذا دعاه } فهو عام في كل ذلك والضروري يقال على ثلاثة أضرب : أحدها : إما يكون على طريق القهر والقسر لا على الاختيار كالشجر إذا حركته الريح الشديدة .
والثاني : ما لا يحصل وجوده إلا به نحو الغذاء الضروري للإنسان في حفظ البدن .
والثالث : يقال فيما لا يمكن أن يكون على خلافه نحو أن يقال الجسم الواحد لا يصح حصوله في مكانين في حالة واحدة بالضرورة .
وقيل الضرة أصل الأنملة وأصل الضرع والشحمة المتدلية من الألية .
ضرب : الضرب إيقاع شيء على شيء ، ولتصور اختلاف الضرب خولف بين تفاسيرها كضرب الشيء باليد والعصا والسيف ونحوها قال { فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان } - { فضرب الرقاب } - { فقلنا اضربوه ببعضها }
____________________
(1/294)
- { أن اضرب بعصاك الحجر } - { فراغ عليهم ضربا باليمين } - { يضربون وجوههم } ) وضرب الأرض بالمطر وضرب الدراهم اعتبارا بضرب المطرقة وقيل له الطبع اعتبارا بتأثير السكة فيه ، وبذلك شبه السجية وقيل لها الضريبة والطبيعة . والضرب في الأرض الذهاب فيها هو ضربها بالأرجل ، قال { وإذا ضربتم في الأرض } - { وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض } وقال { لا يستطيعون ضربا في الأرض } ومنه { فاضرب لهم طريقا في البحر } وضرب الفحل الناقة تشبيها بالضرب بالمطرقة ، كقولك طرقها تشبيها بالطرق بالمطرقة ، وضرب الخيمة بضرب أوتادها بالمطرقة وتشبيها بالخيمة ، قال : { ضربت عليهم الذلة } أي التحفتهم الذلة التحاف الخيمة بم ضربت عليهم وعلى هذا : { وضربت عليهم المسكنة } ومنه استعير { فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا } وقوله : { فضرب بينهم بسور } وضرب العود وناى والبوق يكون بالأنفاس وضرب اللبن بعضه على بعض بالخلط وضرب المثل هو من ضرب الدراهم وهو ذكر شيء أثره يظهر في غيره ، قال : { ضرب الله مثلا } - { واضرب لهم مثلا } - { ضرب لكم مثلا من أنفسكم } - { ولقد ضربنا للناس } - { ولما ضرب ابن مريم مثلا } - { ما ضربوه لك إلا جدلا } - { واضرب لهم مثل الحياة الدنيا } - { أفنضرب عنكم الذكر صفحا } والضاربة ضرب من الشركة . والمضربة ما أكثر ضربه بالخياطة . والتضريب التحريض كأنه حث على الضرب الذي هو بعد في الأرض ، والاضطراب كثرة الذهاب في الجهات من الضرب في الأرض ، واستضراب الناقة : استدعاء ضرب الفحل إياها .
ضرع : الضرع ضرع الناقة والشاة وغيرهما ، وأضرعت الشاة نزل اللبن في ضرعها لقرب نتاجها وذلك نحو أتمر وألبن إذا كثر تمره ولبنه وشاة ضريع عظيمة الضرع ، وأما قوله : { ليس لهم طعام إلا من ضريع } فقيل هو يبيس الشبرق ، وقيل نبات أحمر منتن الريح يرمي به البحر وكيفما كان فإشارة إلى شيء منكر . وضرع إليهم تناول ضرع أمه وقيل منه ضرع الرجل ضراعة ضعف وذل فهو ضارع وضرع وتضرع أظهر الضراعة . قال { تضرعا وخفية } - { لعلهم يتضرعون } - { لعلهم يضرعون } أي يتضرعون فأدغم { فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا } والمضارعة أصلها التشارك في الضراعة ثم جرد للمشاركة ومنه استعار النحويون لفظ الفعل المضارع .
ضعف : الضعف خلاف القوة وقد ضعف فهو ضعيف ، قال { ضعف الطالب والمطلوب } والضعف قد يكون في النفس وفي البدن وفي
____________________
(1/295)
الحال وقيل الضعف والضعف لغتان . قال : { وعلم أن فيكم ضعفا } قال { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا } قال الخليل رحمه الله : الضعف بالضم في البدن ، والضعف في العقل والرأي ، ومنه قوله تعالى { فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا } وجمع الضعيف ضعاف وضعفاء . قال تعالى : { ليس على الضعفاء } واستضعفته وجدته ضعيفا ، قال { والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان } - { قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض } - { إن القوم استضعفوني } وقوبل بالاستكبار في قوله { وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا } وقوله { الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا } والثاني غير الأول وكذا الثالث فإن قوله { خلقكم من ضعف } أي من نطفة أو من تراب والثاني هو الضعف الموجود في الجنين والطفل . الثالث الذي بعد الشيخوخة وهو المشار إليه بأرذل العمر . والقوتان الأولى هي التي تجعل للطفل من التحرك وهدايته واستدعاء اللبن ودفع الأذى عن نفسه بالبكاء ، والقوة الثانية هي التي بعد البلوغ ويدل على أن كل واحد من قوله ضعف إشارة إلى حالة غير الحالة الأولى ذكره منكرا والمنكر متى أعيد ذكره وأريد به ما تقدم عرف كقولك : رأيت رجلا فقال لي الرجل كذا . ومتى ذكر ثانيا منكرا أريد به غير الأول ، ولذلك قال ابن عباس في قوله : { فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا } لن يغلب عسر يسرين وقوله : { وخلق الإنسان ضعيفا } فضعفه كثرة حاجاته التي يستغنى عنها الملأ الأعلى ، وقوله : { إن كيد الشيطان كان ضعيفا } فضعف كيده إنما هو مع من صار من عباد الله المذكورين في قوله : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } والضعف هو من الألفاظ المتضايفة التي يقتضي وجود أحدهما وجود الآخر كالنصف والزوج ، وهو تركب قدرين متساويين ويختص بالعدد ، فإذا قيل أضعفت الشيء وضعفته وضاعفته ضممت إليه مثله فصاعدا . قال بعضهم : ضاعفت أبلغ من ضعفت ، ولهذا قرأ أكثرهم { يضاعف لها العذاب ضعفين } - { وإن تك حسنة يضاعفها } وقال { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } والمضاعفة على قضية هذا القول تقتضي أن يكون عشر أمثالها ، وقيل ضعفته بالتخفيف ضعفا فهو مضعوف ، فالضعف مصدر والضعف اسم كالشيء والشيء ، فضعف الشيء هو الذي يثنيه ومتى أضيف إلى عدد اقتضى ذلك العدد ومثله نحو أن يقال ضعف العشرة وضعف المائة فذلك عشرون ومائتان بلا خلاف ، وعلى هذا قول الشاعر :
( جزيتك ضعف الود لما اشتكيته ** وما إن جزاك الضعف من أحد قبلي )
____________________
(1/296)
وإذا قيل أعطه ضعفي واحد فإن ذلك اقتضى الواحد ومثليه وذلك ثلاثة لأن معناه الواحد واللذان يزاوجانه وذلك ثلاثة ، هذا إذا كان الضعف مضافا ، فأما إذا لم يكن مضافا فقلت الضعفين فإن ذلك يجري مجرى الزوجين في ان كل واحد منهما يزاوج الآخر فيقتضي ذلك اثنين لأن كل واحد منهما يضاعف الآخر فلا يخرجان عن الاثنين بخلاف ما إذا أضيف الضعفان إلى واحد فيثلثهما نحو ضعفي الواحد ، وقوله { فأولئك لهم جزاء الضعف } وقوله { لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة } فقد قيل أنى باللفظين على التأكيد وقيل بل المضاعفة من الضعف لا من الضعف ، والمعنى ما يعدونه ضعفا فهو ضعف أي نقص كقوله { وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله } وكقوله { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } ، وهذا المعنى أخذه الشاعر فقال :
( زيادة شيب وهي نقص زيادتي ** ) وقوله { فآتهم عذابا ضعفا من النار } فإنهم سألوه أن يعذبهم عذابا بضلالهم ، وعذابا بإضلالهم كما أشار إليه بقوله { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم } وقوله { لكل ضعف ولكن لا تعلمون } أي لكل منهم ضعف ما لكم من العذاب وقيل أي لكل منهم ومنكم ضعف ما يرى الآخر فإن من العذاب ظاهرا وباطنا وكل يدرك من الآخر الظاهر دون الباطن فيقدر أن ليس له العذاب الباطن .
ضغث : الضغث قبضة ريحان أو حشيش أو قضبان وجمعه أضغاث . قال { وخذ بيدك ضغثا } وبه شبه الأحلام المختلطة التي لا يتبين حقائقها ، { قالوا أضغاث أحلام } حزم أخلاط من الأحلام .
ضغن : الضغن والضغن الحقد الشديد ، وجمعه أضغان ، قال { أن لن يخرج الله أضغانهم } وبه شبه الناقة فقالوا ذات ضغن ، وقناة ضغنة عوجاء والاضغان الاشتمال بالثوب وبالسلاح ونحوهما .
ضل : الضلال العدول عن الطريق المستقيم ويضاده الهداية ، قال تعالى : { فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها } ويقال الضلال لكل عدول عن المنهج عمدا كان أو سهوا ، يسيرا كان أو كثيرا ، فإن الطريق المستقيم الذي هو المرتضى صعب جدا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم استقيموا ولن تحصوا وقال بعض الحكماء : كوننا مصيبين من وجه وكوننا ضالين من وجوه كثيرة ، فإن الاستقامة والصواب يجري مجرى المقرطس من المرمي وما عداه من الجوانب كلها ضلال . ولما قلنا روي عن بعض الصالحين أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه فقال : يا رسول الله
____________________
(1/297)
يروى لنا أنك قلت شيبتني سورة هود وأخواتها فما الذي شيبك منها فقال : قوله { فاستقم كما أمرت } وإذا كان الضلال ترك الطريق المستقيم عمدا كان أو سهوا ، قليلا كان أو كثيرا ، صح أن يستعمل لفظ الضلال ممن يكون منه خطأ ما ولذلك نسب الضلال إلى الأنبياء وإلى الكفار ، وإن كان بين الضلالين بون بعيد ، ألا ترى أنه قال في النبي صلى الله عليه وسلم { ووجدك ضالا فهدى } أي غير مهتد لما سيق إليك من النبوة . وقال في يعقوب { إنك لفي ضلالك القديم } وقال أولاده : { إن أبانا لفي ضلال مبين } إشارة إلى شغفه بيوسف وشوقه إليه وكذلك { قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين } وقال عن موسى عليه السلام { وأنا من الضالين } تنبيه أن ذلك منه سهو ، وقوله { أن تضل إحداهما } أي تنسى وذلك من النسيان الموضوع عن الإنسان . والضلال من وجه آخر ضربان : ضلال في العلوم النظرية كالضلال في معرفة الله ووحدانيته ومعرفة النبوة ونحوهما المشار إليهما بقوله { ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا } وضلال في العلوم العملية كمعرفة الأحكام الشرعية التي هي العبادات ، والضلال البعيد إشارة إلى ما هو كفر كقوله على ما تقدم من قوله { ومن يكفر بالله } وقوله { إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا } وكقوله { في العذاب والضلال البعيد } أي في عقوبة الضلال البعيد ، وعلى ذلك قوله { إن أنتم إلا في ضلال كبير } - { قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل } وقوله { أئذا ضللنا في الأرض } كناية عن الموت واستحالة البدن . وقوله { ولا الضالين } فقد قيل عني بالضالين النصارى وقوله { في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى } أي لا يضل عن ربي ولا يضل ربي عنه أي لا يغفله ، وقوله { كيدهم في تضليل } أي في باطل وإضلال لأنفسهم . والإضلال ضربان ، أحدهما : أن يكون سببه الضلال وذلك على وجهين : إما بأن يضل عنك الشيء كقولك أضللت البعير أي ضل عني ، وإما أن تحكم بضلاله ، والضلال في هذين سبب الإضلال .
والضرب الثاني : أن يكون الإضلال سببا للضلال وهو أن يزين للإنسان الباطل ليضل كقوله : { لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم } أي يتحرون أفعالا يقصدون بها أن تضل فلا يحصل من فعلهم ذلك إلا ما فيه ضلال أنفسهم وقال عن الشيطان { ولأضلنهم ولأمنينهم } وقال في الشيطان : { ولقد أضل منكم جبلا كثيرا } - { ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا } - { ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله }
____________________
(1/298)
) وإضلال الله تعالى للإنسان على أحد وجهين : أحدهما أن يكون سببه الضلال وهو أن يضل الإنسان فيحكم الله عليه بذلك في الدنيا ويعدل به عن طريق الجنة إلى النار في الآخرة وذلك إضلال هو حق وعدل ، فالحكم على الضال بضلاله والعدول به عن طريق الجنة إلى النار عدل وحق . والثاني من إضلال الله هو أن الله تعالى وضع جبلة الإنسان على هيئة إذا راعى طريقا محمودا كان أو مذموما ألفه واستطابه ولزمه وتعذر صرفه وانصرافه عنه ويصير ذلك كالطبع الذي يأبى على الناقل ، ولذلك قيل العادة طبع ثان . وهذه القوة في الإنسان فعل إلهي ، وإذا كان كذلك وقد ذكر في غير هذا الموضع أن كل شيء يكون سببا في وقوع فعل صح نسبة ذلك الفعل إليه فصح أن ينسب ضلال العبد إلى الله من هذا الوجه فيقال أضله الله لا على الوجه الذي يتصوره الجهلة ولما قلناه جعل الإضلال المنسوب إلى نفسه للكافر والفاسق دون المؤمن بل نفى عن نفسه إضلال المؤمن فقال : { وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم } - { فلن يضل أعمالهم سيهديهم } وقال في الكافر والفاسق { فتعسا لهم وأضل أعمالهم } - { وما يضل به إلا الفاسقين } - { كذلك يضل الله الكافرين } - { ويضل الله الظالمين } وعلى هذا النحو تقليب الأفئدة في قوله { ونقلب أفئدتهم } والختم على القلب في قوله { ختم الله على قلوبهم } وزيادة المرض في قوله : { في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا } .
ضم : الضم الجمع بين الشيئين فصاعدا . قال { واضمم يدك إلى جناحك } - { واضمم إليك جناحك } والإضمامة جماعة من الناس أو من الكتب أو الريحان أو نحو ذلك ، وأسد ضمضم وضماضم يضم الشيء إلى نفسه . وقيل بل هو المجتمع الخلق ، وفرس سباق الأضاميم إذا سبق جماعة من الأفراس دفعة واحدة .
ضمر : الضامر من الفرس الخفيف اللحم من الأعمال لا من الهزال ، قال { وعلى كل ضامر } يقال ضمر ضمورا واضطمر فهو مضطمر ، وضمرته أنا ، والمضمار الوضع الذي يضمر فيه . والضمير ما ينطوي عليه القلب ويدق على الوقوف عليه ، وقد تسمى القوة الحافظة لذلك ضميرا .
ضن : قال { وما هو على الغيب بضنين } أي ما هو ببخيل ، والضنة هو البخل بالشيء النفيس ولهذا قيل : علق مضنة ومضنة ، وفلان ضني بين أصحابي أي هو النفيس الذي أضن به ، يقال : ضننت بالشيء ضنا وضنانة ، وقيل : ضننت .
ضنك : { معيشة ضنكا } أي ضيقا وقد ضنك عيشه ، وامرأة ضناك ، مكتنزة والضناك الزكام والمضنوك المزكوم .
____________________
(1/299)
ضاهي : { يضاهئون قول الذين كفروا } أي يشاكلون ، وقيل أصله الهمز ، وقد قرئ به ، والضهياء المرأة التي لا تحيض وجمعه ضهى .
ضير : الضير المضرة يقال ضاره وضره ، قال { لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون } ، وقوله : { لا يضركم كيدهم شيئا } .
ضيز : { تلك إذا قسمة ضيزى } أي ناقصة أصله فعلى فكسرت الضاد للياء ، وقيل ليس في كلامهم فعلى .
ضيع : ضاع الشيء يضيع ضياعا ، وأضعته وضيعته ، قال { لا أضيع عمل عامل منكم } - { إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا } - { وما كان الله ليضيع إيمانكم } - { لا يضيع أجر المحسنين } وضيعة الرجل عقاره الذي يضيع ما لم يفتقد وجمعه ضياع ، وتضيع الريح إذا هبت هبوبا يضيع ما هبت عليه .
ضيف : أصل الضيف الميل ، يقال ضفت إلى كذا وأضفت كذا إلى كذا ، وضافت الشمس للغروب وتضيفت وضاف السهم عن الهدف وتضيف ، والضيف من مال إليك نازلا بك ، وصارت الضيافة متعارفة في القرى وأصل الضيف مصدر ، ولذلك استوى فيه الواحد ، والجمع في عامة كلامهم وقد يجمع فيقال أضياف وضيوف وضيفان ، قال : { ضيف إبراهيم } - { ولا تخزون في ضيفي } - { إن هؤلاء ضيفي } ويقال استضفت فلانا فأضافني وقد ضفته ضيفا فأنا ضائف وضيف . وتستعمل الإضافة في كلام النحويين في اسم مجرور يضم إليه اسم قبله ، وفي كلام بعضهم في كل شيء يثبت بثبوته آخر كالأب والابن والأخ والصديق فإن كل ذلك يقتضي وجوده وجود آخر ، فيقال لهذه الأسماء المتضايفة .
ضيق : الضيق ضد السعة ، ويقال الضيق أيضا : والضيقة يستعمل في الفقر والبخل والغم ونحو ذلك ، قال : { وضاق بهم ذرعا } أي عجز عنهم وقال { وضائق به صدرك } - { ويضيق صدري } - { ضيقا حرجا } - { وضاقت عليكم الأرض بما رحبت } - { وضاقت عليهم أنفسهم } - { ولا تك في ضيق مما يمكرون } كل ذلك عبارة عن الحزن وقوله : { ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن } ينطوي على تضييق النفقة وتضييق الصدر ، ويقال في الفقر ضاق وأضاق فهو مضيق واستعمال ذلك فيه كاستعمال الوسع في ضده .
ضأن : الضأن معروف ، قال : { من الضأن اثنين } وأضأن الرجل إذا كثر ضأنه ، وقيل الضائنة واحد الضأن .
ضوأ : الضوء ما انتشر من الأجسام النيرة ويقال ضاءت النار وأضاءت وأضاءها غيرها قال : { فلما أضاءت ما حوله } - { كلما أضاء لهم مشوا فيه } - { يكاد زيتها يضيء } - { يأتيكم بضياء } وسمى كتبه المهتدى بها ضياء في نحو قوله : { ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا } .
____________________
(1/300)
= كتاب الطاء =
طبع : الطبع أن تصور الشيء بصورة ما كطبع السكة وطبع الدراهم وهو أعم من الختم وأخص من النقش ، والطابع والخاتم ما يطبع به ويختم . والطابع فاعل ذلك وقيل للطابع طابع وذلك كتسمية الفعل إلى الآلة نحو سيف قاطع ، قال : { فطبع على قلوبهم } - { كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون } - { كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون } - { كذلك نطبع على قلوب المعتدين } وقد تقدم الكلام في قوله : { ختم الله على قلوبهم } وبه اعتبر الطبع والطبيعة التي هي السجية فإن ذلك هو نقش النفس بصورة ما إما من حيث الخلقة وإما من حيث العادة وهو فيما ينقش به من حيث الخلقة أغلب ، ولهذا قيل :
( وتأبى الطباع على الناقل ** ) وطبيعة النار وطبيعة الدواء ما سخر الله له من مزاده . وطبع السيف صدؤه ودنسه وقيل رجل طبع وقد حمل بعضهم { طبع الله على قلوبهم } و { كذلك نطبع على قلوب المعتدين } على ذلك ومعناه دنسه كقوله : { بل ران على قلوبهم } وقوله : { أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم } وقيل طبعت المكيال إذا ملأته وذلك لكون الملء كالعلامة المانعة من تناول بعض ما فيهن والطبع المطبوع أي المملوء قال الشار :
( كزوايا الطبع همت بالوجل ** )
طبق : المطابقة من الأسماء المتضايفة وهو أن تجعل الشيء فوق آخر بقدره ، ومنه طابقت النعل ، قال الشاعر :
( إذا لاوذ الظل القصير بخفه ** وكان طباق الخف أو قل زائدا ) ثم يستعمل الطباق في الشيء الذي يكون فوق الآخر تارة وفيما يوافق غيره تارة كسائر الأشياء الموضوعة لمعنيين ، ثم يستعمل في أحدهما دون الآخر كالكأس والراوية ونحوهما قال : { الذي خلق سبع سماوات طباقا } أي بعضها فوق بعض وقوله : { لتركبن طبقا عن طبق } أي يترقى منزلا عن منزل وذلك إشارة إلى أحوال الإنسان من ترقيه في أحوال شتى في الدنيا نحو ما أشار إليه بقوله : { خلقكم من تراب ثم من نطفة } وأحوال شتى في الآخرة
____________________
(1/301)
من النشور والبعث والحساب وجواز الصراط إلى حين المستقر في إحدى الدارين . وقيل لكل جماعة متطابقة هم في أم طبق ، وقيل الناس طبقات ، وطابقته على كذا وتطابقوا وأطبقوا عليه ومنه جواب يطابق السؤال . والمطابقة في المشي كمشي المقيد ، ويقال لما يوضع عليه الفواكه ولما يوضع على رأس الشيء طبق ولشكل فقرة من فقار الظهر طبق لتطابقها ، وطبقته بالسيف اعتبارا بمطابقة النعل ، وطبق الليل والنهار ساعاته المطابقة ، وأطبقت عليه الباب ، ورجل عياياء طباقاء لمن انغلق عليه الكلام من قوهم أطبقت الباب ، وفحل طباقاء انطبق عليه الضراب فعجز عنه وعبر عن الداهية ببنت الطبق ، وقولهم : وافق شن طبقة وهما قبيلتان :
طحا : الطحو كالدحو وهو بسط الشيء والذهاب به ، قال : { والأرض وما طحاها } قال الشاعر :
( طحا بك قلب في الحسان طروب ** ) أي ذهب .
طرح : الطرح إلقاء الشيء وإبعاده والطروح المكان البعيد ، ورأيته من طرح أي بعد ، والطرح المطروح لقلة الاعتداد به ، قال : { اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا } .
طرد : الطرد هو الإزعاج والإبعاد على سبيل الاستخفاف ، يقال طردته ، قال تعالى : { ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم } - { ولا تطرد الذين } - { وما أنا بطارد المؤمنين } - فتطرده إذا أخرجه عن بلده وأضمر أن تطرد من مكان حله وسمي ما يثار من الصيد طردا وطريدة . ومطاردة الأقران مدافعة بعضهم بعضا ، والمطرد ما يطرد به ، واطراد الشيء متابعة بعضه بعضا .
طرف : طرف الشيء جانبه ويستعمل في الأجسام والأوقات وغيرهما ، قال : { فسبح وأطراف النهار } - { وأقم الصلاة طرفي النهار } ومنه استعير : هو كريم الطرفين أي الأب والأم وقيل الذكر واللسان إشارة إلى العفة ، وطرف العين جفنه ، والرف تحريك الجفن وعبر به عن النظر إذ كان تحريك الجفن لازمه النظر ، وقوله : { قبل أن يرتد إليك طرفك } - { فيهن قاصرات الطرف } عبارة عن إغضائهن لعفتهن ، وطرف فلان أصيب طرفه ، وقوله : { ليقطع طرفا } فتخصيص قطع الطرف من حيث إن تنقيص طرف الشيء يتوصل به إلى توهينه وإزالته ، ولذلك قال : { ننقصها من أطرافها } والطراف بيت أدم يؤخذ طرفه ومطرف الخز ومطرف ما يجعل له طرف ، وقد أطرفت مالا ، وناقة طرفة ومستطرفة ترعى أطراف المرعى كالبعير ، والطريف ما يتناوله ، ومنه قيل مال طريف ورجل طريف لا يثبت على امرأة ،
____________________
(1/302)
والطرف الفرس الكريم وهو الذي يطرف من حسنه ، فالطرف في الأصل هو المطروف أي المنظور إليه كالنقض في معنى المنقوض ، وبهذا النظر قيل هو قيد النواظر فيما يحسن حتى يثبت عليه النظر .
طرق : الطريق السبيل الذي يطرق بالأرجل أي يضرب ، قال { طريقا في البحر } وعنه استعير كل مسلك يسلكه الإنسان في فعل محمودا كان أو مذموما ، قال : { ويذهبا بطريقتكم المثلى } وقيل طريقة من النخل تشبيها بالطريق في الامتداد والطرق في الأصل كالضرب إلا أنه أخص لأنه ضرب توقح كطرق الحديد بالمطرقة ، ويتوسع فيه توسعهم في الضرب ، وعنه استعير طرق الحصى للتكهن ، وطرق الدواب الماء بالأرجل حتى تكدره حتى سمي الماء الدنق طرقا ، وطارقت النعل وطرقتها وتشبيها بطرق النعل في الهيئة ، قيل طارق بين الدرعين ، وطرق الخوافي أن يركب بعضها بعضا ، والطارق السالك للطريق ، لكن خص في التعارف بالآتي ليلا فقيل : طرق أهله طروقا ، وعبر عن النجم بالطارق لاختصاص ظهوره بالليل ، قال : { والسماء والطارق } قال الشاعر :
نحن بنات طارق ** )
وعن الحوادث التي تأتي ليلا بالطوارق ، وطرق فلان قصد ليلا ، قال الشاعر :
( كأني أنا المطروق دونك بالذي ** طرقت به دوني وعيني تهمل )
وباعتبار الضرب قيل طرق الفحل الناقة وأطرقتها واستطرقت فلانا فحلا ، كقولك ضربها الفحل وأضربتها واستضربته فحلا ، ويقال للناقة طروقة ، وكني بالطروقة عن المرأة . وأطرق فلان أغضى كأنه صار عينه طارقا للأرض أي ضاربا له كالضرب بالمطرقة وباعتبار الطريق ، قيل جاءت الإبل مطاريق أي جاءت على طريق واحد ، وتطرق إلى كذا نحو توسل وطرقت له جعلت له طريقا ، وجمع الطريق طرق ، وجمع طريقة طرائق ، قال : { كنا طرائق قددا } إشارة إلى اختلافهم في درجاتهم كقوله : { هم درجات عند الله } وأطباق السماء يقال لها طرائق ، قال الله تعالى : { ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق } ورجل مطرق فيه لين ، واسترخاء من قولهم هو مطروق أي أصابته حادثة لينته أو لأنه مضروب كقولك مقروع أو مدوخ أو لقولهم ناقة مطروقة تشبيها بها في الذلة .
طرى : قال : { لحما طريا } أي غضا جديدا من الطراء والطراوة ، يقال طريت كذا فطرى ، ومنه المطراة من الثياب ، والإطراء مدح يجدد ذكره وطرأ بالهمز طلع .
طس : هما حرفان وليس من قولهم طس وطسوس في شيء .
____________________
(1/303)
طعم : الطعم تناول الغذاء ويسمى ما يتناول منه طعم وطعام ، قال : { وطعامه متاعا لكم } قال وقد اختص بالبر فيما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصدقة الفطر صاغا من طعام أو صاعا من شعير قال : { ولا طعام إلا من غسلين } - { وطعاما ذا غصة } - { طعام الأثيم } - { ولا يحض على طعام المسكين } أي إطعامه الطعام { فإذا طعمتم فانتشروا } وقال تعالى : { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } قيل وقد يستعمل طعمت في الشراب كقوله : { فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني } وقال بعضهم : إنما قال { ومن لم يطعمه } تنبيها أنه محظور أن يتناول إلا غرفة مع طعام كما أنه محظور عليه أن يشربه إلا غرفة فإن الماء قد يطعم إذا كان مع شيء يمضغ ، ولو قال ومن لم يشربه لكان يقتضي أن يجوز تناوله إذا كان في طعام ، فلما قال : { ومن لم يطعمه } بين أنه لا يجوز تناوله على كل حال إلا قدر المستثنى وهو الغرفة باليد ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في زمزم إنه طعام طعم وشفاء سقم فتنبيه منه أنه يغذي بخلاف سائر المياه ، واستطعمه فأطعمه ، قال : { استطعما أهلها } - { وأطعموا القانع والمعتر } - { ويطعمون الطعام } - { أنطعم من لو يشاء الله أطعمه } - { الذي أطعمهم من جوع } - { وهو يطعم ولا يطعم } - { وما أريد أن يطعمون } وقال عليه الصلاة والسلام : إذا استطعمكم الإمام فاطعموه أي إذا استخلفكم عند الارتياح فلقنوه ، ورجل طاعم حسن الحال ، ومطعم مرزوق ، ومطعام كثير الإطعام ، ومطعم كثير الطعم ، والطعمة ما يطعم .
طعن : الطعن الضرب بالرمح وبالقرن وما يجري مجراهما ، وتطاعنوا واطعنوا واستعير للوقيعة ، قال : { وطعنا في الدين } - { وطعنوا في دينكم } .
طغى : طغوت وطغيت طغوانا وطغيانا وأطغاه كذا حمله على الطغيان ، وذلك تجاوز الحد في العصيان ، قال { إنه طغى } - { إن الإنسان ليطغى } وقال { قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى } - { ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي } وقال تعالى : { فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا } - { في طغيانهم يعمهون } - { إلا طغيانا كبيرا } - { وإن للطاغين لشر مآب } - { قال قرينه ربنا ما أطغيته } والطغوى الاسم منه ، قال { كذبت ثمود بطغواها } تنبيها أنهم لم يصدقوا إذا خوفوا بعقوبة طغيانهم . وقوله { هم أظلم وأطغى } تنبيها أن الطغيان لا يخلص الإنسان فقد كان قوم نوح أطغى منهم فأهلكوا . وقوله { إنا لما طغى الماء } فاستعير الطغيان فيه لتجاوز الماء الحد وقوله { فأهلكوا بالطاغية } فإشارة إلى الطوفان المعبر عنه بقوله { إنا لما طغى الماء } والطاغوت عبارة
____________________
(1/304)
عن كل متعد وكل معبود من دون الله ويستعمل في الواحد والجمع ، قال { فمن يكفر بالطاغوت } - { والذين اجتنبوا الطاغوت } - { أولياؤهم الطاغوت } - { يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت } فعبارة عن كل متعد ، ولما تقدم سمي الساحر والكاهن والمارد من الجن والصارف عن طريق الخير طاغوتا ووزنه فيما قيل فعلوت نحو جبروت وملكوت ، وقيل أصله طغووت ولكن قلب لام الفعل نحو صاعقة وصاقعة ثم قلب الواو ألفا لتحركه وانفتاح ما قبله .
طف : الطفيف الشيء النزر ومنه الطفافة لما لا يعتد به ، وطفف الكيل قلل نصيب المكيل له في إيفائه واستيفائه . قال : { ويل للمطففين } .
طفق : يقال طفق يفعل كذا كقولك أخذ يفعل كذا ويستعمل في الإيجاب دون النفي ، لا يقال ما طفق . قال : { فطفق مسحا بالسوق والأعناق } - { وطفقا يخصفان } .
طفل : الطفل الولد ما دام ناعما ، وقد يقع على الجمع ، قال { ثم يخرجكم طفلا } - { أو الطفل الذين لم يظهروا } وقد يجمع على أطفال . قال : { وإذا بلغ الأطفال } وباعتبار النعومة قيل امرأة طفلة وقد طفلت طفولة وطفالة ، والمطفل من الظبية التي معها طفلها ، وطفلت الشمس إذا همت بالدور ولما يستمكن الضح من الأرض قال :
( وعلى الأرض غيابات الطفل ** )
وأما طفل إذا أتى طعاما لم يدع إليه فقيل إنما هو من طفل النهار وهو إتيانه وهو إتيانه في ذلك الوقت ، وقيل هو أن يفعل فعل طفيل العرائس وكان رجلا معروفا بحضور الدعوات يسمى طفيلا .
طلل : الطل أضعف المطر وهو ما له أثر قليل . قال : { فإن لم يصبها وابل فطل } وطل الأرض فهي مطلولة ومنه طل دم فلان إذا قل الاعتداد به ، ويصير أثره كأنه طل ، ولما بينهما من المناسبة قيل لأثر الدار طلل ولشخص الرجل المترائي طلل ، وأطل فلان أشرف طلله .
طفئ : طفئت النار وأطفأتها ، قال { يريدون أن يطفئوا نور الله } - { يريدون ليطفئوا نور الله } والفرق بين الموضعين أن في قوله { يريدون أن يطفئوا } يقصدون إطفاء نور الله وفي قوله { ليطفئوا } يقصدون أمرا يتوصلون به إلى إطفاء نور الله .
طلب : الطلب الفحص عن وجود الشيء عينا كان أو معنى . قال { فلن تستطيع له طلبا } . وقال : { ضعف الطالب والمطلوب } وأطلبت فلانا إذا أسعفته لما طلب وإذا
____________________
(1/305)
أحوجته إلى الطلب ، وأطلب الكلأ إذا تباعد حتى احتاج أن يطلب .
طلت : طالوت اسم عجمي .
طلح : الطلح شجر ، الواحدة طلحة . قال { وطلح منضود } وإبل طلاحي منسوب إليه وطلحة مشتكية من أكله . والطلح والطليح المهزول المجهود ومنه ناقة طليح أسفار ، والطلاح منه ، وقد يقابل به الصلاح . طلع : طلع الشمس طلوعا ومطلعا ، قال : { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس } { حتى مطلع الفجر } والمطلع موضع الطوع { حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم } وعنه استعير طلع علينا فلان واطلع ، قال { هل أنتم مطلعون } - قال { فأطلع إلى إله موسى } وقال { أطلع الغيب } - { لعلي أطلع إلى إله موسى } ، واستطلعت رأيه وأطلعتك على كذا ، وطلعت عنه غبت والطلاع ما طلعت عليه الشمس والإنسان ، وطليعة الجيش أول من يطلع ، وامرأة طلعة قبعة تظهر رأسها مرة وتستر أخرى ، وتشبيها بالطلوع قيل طلع النخل { لها طلع نضيد } - { طلعها كأنه رؤوس الشياطين } أي ما طلع منها { ونخل طلعها هضيم } وقد أطلعت النخل وقوس طلاع الكف ملء الكف .
طلق : أصل الطلاق التخلية من الوثاق ، يقال أطلقت البعير من عقاله وطلقته وهو طالق وطلق بلا قيد ، ومنه استعير طلقت المرأة نحو خليتها فهي طالق أي مخلاة عن حبالة النكاح ، قال : { فطلقوهن لعدتهن } - { الطلاق مرتان } - { والمطلقات يتربصن بأنفسهن } فهذا عام في الرجعية وغير الرجعية ، وقوله : { وبعولتهن أحق بردهن } خاص في الرجعية وقوله : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد } أي بعد البين { فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا } يعني الزوج الثاني . وانطلق فلان إذا مر متخلف ، وقال تعالى : { فانطلقوا وهم يتخافتون } - { انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون } وقيل للحلال طلق أي مطلق لا حظر عليه ، وعدا الفرس طلقا أو طلقين اعتبارا بتخلية سبيله . والمطلق في الأحكام ما لا يقع منه استثناء ، وطلق يده وأطلقها عبارة عن الجود ، وطلق الوجه وطليق الوجه إذا لم يكن كالحا ، وطلق السليم خلاه الوجع ، قال الشاعر :
( تطلقه طورا وطورا تراجع ** )
وليلة طلقة لتخلية الإبل للماء وقد أطلقها
طم : الطم البحر المطموم يقال له الطم والرم وطم على كذا وسميت القيامة طامة لذلك ، قال : { فإذا جاءت الطامة الكبرى } .
طمث : الطمث دم الحيض والافتضاض
____________________
(1/306)
والطامث الحائض وطمث المرأة إذا افتضها ، قال : { لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان } ومنه استعير ما طمث هذه الروضة أحد قبلنا أي ما افتضها ، وما طمث الناقة جمل .
طمس : الطمس إزالة الأثر بالمحو ، قال : { فإذا النجوم طمست } - { ربنا اطمس على أموالهم } أي أزل صورتها { ولو نشاء لطمسنا على أعينهم } أي أزلنا ضوأها وصورتها كما يطمس الأثر ، قوله : { من قبل أن نطمس وجوها } منهم من قال عنى ذلك في الدنيا وهو أن يصير على وجوههم الشعر فتصير صورهم كصورة القردة والكلاب ، ومنهم من قال ذلك هو في الآخرة إشارة إلى ما قال : { وأما من أوتي كتابه وراء ظهره } وهو أن تصير عيونهم في قفاهم ، وقيل معناه يردهم عن الهداية إلى الضلالة كقوله : { وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه } وقيل عنى بالوجوه الأعيان والرؤساء ومعناه نجعل رؤساءهم أذنابا وذلك أعظم سبب البوار .
طمع : الطمع نزوع النفس إلى الشيء شهوة له ، طمعت أطمع طمعا وطماعية فهو طمع وطامع ، قال : { إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا } - { أفتطمعون أن يؤمنوا لكم } - { خوفا وطمعا } ولما كان أكثر الطمع من أجل الهوى قيل الطمع طبع والطمع يدنس الإهاب .
طمن : الطمأنينة والاطمئنان السكون بعد الانزعاج ، قال : { ولتطمئن به قلوبكم } - { ولكن ليطمئن قلبي } - { يا أيتها النفس المطمئنة } وهي أن لا تصير أمارة بالسوء ، وقال تعالى : { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } تنبيها أن بمعرفته تعالى والإكثار من عبادته يكتسب اطمئنان النفس المسئول بقوله : { ولكن ليطمئن قلبي } وقوله : { وقلبه مطمئن بالإيمان } وقال : { فإذا اطمأننتم } - { ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها } واطمأن وتطامن يتقاربان لفظا ومعنى .
طهر : يقال طهرت المرأة طهرا وطهارة وطهرت والفتح أقيس لأنها خلاف طمثت ، ولأنه يقال طاهرة وطاهر مثل قائمة وقائم وقاعدة وقاعد . والطهارة ضربان طهارة جسم وطهارة نفس وحمل عليهما عامة الآيات ، يقال طهرته فطهر وتطهر واطهر فهو طاهر ومتطهر ، قال : { وإن كنتم جنبا فاطهروا } أي استعملوا الماء أو ما يقوم مقامه ، قال : { ولا تقربوهن حتى يطهرن } - { فإذا تطهرن } فدل باللفظين على أنه لا يجوز وطؤهن إلا بعد الطهارة والتطهير ويؤكد ذلك قراءة من قرأ { حتى يطهرن } أي يفعلن الطهارة التي هي الغسل ، قال { ويحب المتطهرين } أي التاركين للذنب والعاملين للصلاح ، وقال فيه { رجال يحبون أن يتطهروا } - { أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون } -
____________________
(1/307)
{ والله يحب المطهرين } ) فإنه يعني تطهير النفس : { ومطهرك من الذين كفروا } أي مخرجك من جملتهم ومنزهك أن تفعل فعلهم وعلى هذا : { ويطهركم تطهيرا } - { وطهرك واصطفاك } - { ذلكم أزكى لكم وأطهر } - { أطهر لقلوبكم } - { لا يمسه إلا المطهرون } أي إنه لا يبلغ حقائق معرفته إلا من طهر نفسه وتنقى من درن الفساد . وقوله : { إنهم أناس يتطهرون } فإنهم قالوا ذلك على سبيل التهكم حيث قال لهم : { هن أطهر لكم } وقوله تعالى : { لهم فيها أزواج مطهرة } أي مطهرات من درن الدنيا وأنجاسها ، وقيل من الأخلاق السيئة بدلالة قوله : { عربا أترابا } وقوله في صفة القرآن : { مرفوعة مطهرة } وقوله { وثيابك فطهر } قيل معناه نفسك فنقها من المعايب وقوله : { وطهر بيتي } ، وقوله : { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي } فحث على تطهير الكعبة من نجاسة أوثان . وقال بعضهم في ذلك حث على تطهير القلب لدخول السكينة فيه المذكورة في قوله : { هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين } والطهور قد يكون مصدرا فيما حكى سيبويه في قولهم : تطهرت طهورا وتوضأت وضوءا فهذا مصدر على فعول ومثله وقدت وقودا ، ويكون اسما غير مصدر كالفطور في كونه اسما لما يفطر به ونحو ذلك الوجور والسعوط والذرور ، ويكون صفة كالرسول ونحو ذلك من الصفات وعلى هذا { وسقاهم ربهم شرابا طهورا } تنبيها أنه بخلاف ما ذكره في قوله : { ويسقى من ماء صديد } - { وأنزلنا من السماء ماء طهورا } قال أصحاب الشافعي رضي الله عنه : الطهور بمعنى المطهر ، وذلك لا يصح من حيث اللفظ لأنض فعولا لا يبنى من أفعل وفعل وإنما يبنى ذلك من فعل . وقيل إن ذلك اقتضى التطهير من حيث المعنى ، وذلك أن الطاهر ضربان : ضرب لا يتعداه الطهارة كطهارة الثوب فإنه طاهر غير مطهر به ، وضرب يتعداه فيجع غيره طاهرا به ، فوصف الله تعالى الماء بأنه طهور تنبيها على هذا المعنى .
طيب : يقال طاب الشيء يطيب طيبا فهو طيب ، قال { فانكحوا ما طاب لكم } - { فإن طبن لكم } وأصل الطيب ما تستلذه الحواس وما تستلذه النفس ، والطعام الطيب في الشرع ما كان متناولا من حيث ما يجوز ، وبقدر ما يجوز ، ومن المكان الذي يجوز فإنه متى كان كذلك كان طيبا عاجلا وآجلا لا يستوخم ، وإلا فإنه وإن كان طيبا عاجلا لم يطب آجلا وعلى ذلك قوله { كلوا من طيبات ما رزقناكم } - { فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا } - { لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } - { كلوا من الطيبات واعملوا صالحا } وهذا هو المراد بقوله { والطيبات من الرزق } وقوله : { اليوم أحل لكم الطيبات }
____________________
(1/308)
) قيل عنى بها الذبائح ، وقوله { ورزقكم من الطيبات } إشارة إلى الغنيمة . والطيب من الإنسان من تعرى من نجاسة الجهل والفسق وقبائح الأعمال وتحلى بالعلم والإيمان ومحاسن الأعمال وإياهم قصد بقوله : { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين } وقال : { طبتم فادخلوها خالدين } وقال تعالى : { هب لي من لدنك ذرية طيبة } وقال تعالى { ليميز الله الخبيث من الطيب } وقوله : { والطيبات للطيبين } تنبيه أن الأعمال الطيبة تكون من الطيبين كما روي : المؤمن أطيب من عمله ، والكافر أخبث من عمله . { ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب } أي الأعمال السيئة بالأعمال الصالحة وعلى هذا قوله تعالى : { مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة } وقوله : { إليه يصعد الكلم الطيب } - { ومساكن طيبة } أي طاهرة ذكية مستلذة وقوله : { بلدة طيبة ورب غفور } وقيل أشار إلى الجنة وإلى جوار رب العزة ، وأما قوله { والبلد الطيب } إشارة إلى الأرض الزكية ، وقوله { صعيدا طيبا } أي ترابا لا نجاسة به ، وسمي الاستنجاء استطابة لما فيه من التطيب والتطهر . وقيل الأطيبان الأكل والنكاح ، وطعام مطيبة للنفس إذا طابت به النفس ، ويقال للطيب طاب وبالمدينة تمر يقال له طاب وسميت المدينة طيبة ، وقوله : { طوبى لهم } قيل هو اسم شجرة في الجنة ، وقيل بل إشارة إلى كل مستطاب في الجنة من بقاء بلا فناء وعز بلا زوال وغنى بلا فقر .
طود : { كالطود العظيم } الطود هو الجبل العظيم ووصفه بالعظم لكونه فيما بين الأطواد عظيما لا لكونه عظيما فيما بين سائر الجبال .
طور : طوار الدار وطواره ما امتد منها من البناء ، يقال عدا فلان طوره أي تجاوز حده ، ولا أطور به أي لا أقرب فناءه ، يقال فعل كذا طورا بعد طور أي تارة بعد تارة ، وقوله { وقد خلقكم أطوارا } قيل هو إشارة إلى نحو قوله تعالى { خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة } وقيل إشارة إلى نحو قوله { واختلاف ألسنتكم وألوانكم } أي مختلفين في الخلق والخلق . والطور اسم جبل مخصوص وقيل اسم لكل جبل وقيل هو جبل محيط بالأرض ، قال : { والطور وكتاب مسطور } - { وما كنت بجانب الطور } - { وطور سينين } - { وناديناه من جانب الطور الأيمن } - { ورفعنا فوقهم الطور } .
طير : الطائر كل ذي جناح يسبح في الهواء ، يقال طار يطير طيرانا وجمع الطائر طير كراكب وركب ، قال { ولا طائر يطير بجناحيه } - { والطير محشورة } - { والطير صافات } - { وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير } - { وتفقد الطير } وتطير فلآن ، واطير أصله
____________________
(1/309)
التفاؤل بالطير ثم يستعمل في كل ما يتفاءل به ويتشاءم ، قالوا { إنا تطيرنا بكم } ولذلك قيل لا طير إلا طيرك وقال { وإن تصبهم سيئة يطيروا } أي يتشاءموا به { ألا إنما طائرهم عند الله } أي شؤمهم ما قد أعد الله لهم بسوء أعمالهم . وعلى ذلك قوله { قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله } - { قالوا طائركم معكم } - { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } أي عمله الذي طار عنه من خير وشر ، ويقال تطايروا إذا أسرعوا ويقال إذا تفرقوا ، قال الشاعر :
( طاروا إليه زرافات ووحدانا ** ) وفجر مستطير أي فاش ، قال { ويخافون يوما كان شره مستطيرا } وغبار مستطار خولف بين بنائهما فتصور الفجر بصورة الفاعل فقيل مستطير ، والغبار بصورة المفعول فقيل مستطار وفرس مطار للسريع ولحديد الفؤاد وخذ ما طار من شعر رأسك أي ما انتشر حتى كأنه طار .
طوع : الطوع الانقياد ويضاده الكره قال { ائتيا طوعا أو كرها } - { وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها } والطاعة مثله لكن أكثر ما تقال في الائتمار لما أمر والارتسام فيما رسم ، قال { ويقولون طاعة } - { طاعة وقول معروف } أي أطيعوا وقد طاع له يطوع وأطاعه يطيعه ، قال { وأطيعوا الرسول } - { من يطع الرسول فقد أطاع الله } - { ولا تطع الكافرين } وقوله في صفة جبريل عليه السلام : { مطاع ثم أمين } والتطوع في الأصل تكلف الطاعة وهو في التعارف التبرع بما لا يلزم كالتنفل ، قال { فمن تطوع خيرا فهو خير له } وقرئ / < ومن يطوع خيرا > / والاستطاعة استفالة من الطوع وذلك وجود ما يصير به الفعل متأتيا وهي عند المحققين اسم للمعاني التي بها يتمكن الإنسان مما يريده من إحداث الفعل وهي أربعة أشياء : بنية مخصوصة للفاعل . وتصور للفعل ، ومادة قابلة لتأثيره ، وآلة إن كان الفعل آليا كالكتابة فإن الكاتب يحتاج إلى هذه الأربعة في إيجاده للكتابة ، وكذلك يقال فلان غير مستطيع للكتابة إذا فقد واحدا من هذه الأربعة فصاعدا ويضاده العجز وهو أن لا يجد أحد هذه الأربعة فصاعدا ، ومتى وجد هذه الأربعة كلها فمستطيع مطلقا ومتى فقدها فعاجز مطلقا ، ومتى وجد بعضها دون بعض فمستطيع من وجه عاجز من وجه ، ولأن يوصف بالعجز أولى . والاستطاعة أخص من القدرة ، قال { لا يستطيعون نصر أنفسهم } - { فما استطاعوا من قيام } - { من استطاع إليه سبيلا } فإنه يحتاج إلى هذه الأربعة ، وقوله عليه السلام الاستطاعة الزاد والراحلة فإنه بيان ما يحتاج إليه من الآلة وخصه بالذكر دون الآخر إذ كان معلوما من حيث العقل ومقتضى
____________________
(1/310)
الشرع أن التكليف من دون تلك الأخر لا يصح ، وقوله { لو استطعنا لخرجنا معكم } فإشارة بالاستطاعة ههنا إلى عدم الآلة من المال والظهر والنحو وكذلك قوله : { ومن لم يستطع منكم طولا } وقوله { لا يستطيعون حيلة } وقد يقال فلان لا يستطيع كذا لما يصعب عليه فعله لعدم الرياضة وذلك يرجع إلى افتقاد الآلة أو عدم التصور ، وقد يصح معه التكليف ولا يصير الإنسان به معذورا ، وعلى هذا الوجه قال : { لن تستطيع معي صبرا } - { ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون } وقال { وكانوا لا يستطيعون سمعا } وقد حمل على ذلك قوله { ولن تستطيعوا أن تعدلوا } وقوله تعالى ( 6 هل يستطيع ربك أن ينزل علينا ) فقيل إنهم قالوا ذلك قبل أن قويت معرفتهم بالله وقيل إنهم لم يقصدوا قصد القدرة وإنما قصدوا أنه هل تقتضي الحكمة أن يفعل ذلك وقيل يستطيع ويطيع بمعنى واحد ومعناه هل يجيب كقوله { ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع } أي يجاب ، وقرئ / < هل تستطيع ربك > / أي سؤال ربك كقولك هل تستطيع الأمير أن يفعل كذا ، وقوله : { فطوعت له نفسه } نحو أسمحت له قرينته وانقادت له وسولت وطوعت أبلغ من أطاعت ، وطوعت له نفسه بإزاء قولهم تأبت عن كذا نفسه ، وتطوع كذا تحمله طوعا ، قال { ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم } - { الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين } وقيل طاعت وتطوعت بمعنى ويقال استطاع واسطاع بمعنى قال : { فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا } .
طوف : الطوف المشي حول الشيء ومنه الطائف لمن يدور حول البيوت حافظا ، يقال طاف به يطوف ، قال { يطوف عليهم ولدان } قال { فلا جناح عليه أن يطوف بهما } ومنه استعير الطائف من الجن والخيال والحادثة وغيرها قال { إذا مسهم طائف من الشيطان } وهو الذي يدور على الإنسان من الشيطان يريد اقتناصه ، وقد قرئ طيف وهو خيال الشيء وصورته المترائي له في المنام أو اليقظة ، ومنه قيل للخيال طيف ، قال { فطاف عليها طائف } تعريضا بما نالهم من النائبة ، وقوله { أن طهرا بيتي للطائفين } أي لقصاده الذين يطوفون به ، والطوافون في قوله { طوافون عليكم بعضكم على بعض } عبارة عن الخدم ، وعلى هذا الوجه قال عليه السلام في الهرة إنها من الطوافين عليكم والطوافات والطائفة من الناس جماعة منهم ، ومن الشيء القطعة منه وقوله تعالى { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين } قال بعضهم قد يقع ذلك على واحد فصاعدا ، وعلى ذلك قوله { وإن طائفتان من المؤمنين } - { إذ همت طائفتان منكم }
____________________
(1/311)
) والطائفة إذا أريد بها الجمع فجمع طائف ، وإذا أريد بها الواحد فيصح أن يكون جمعا ، ويكنى به عن الواحد ويصح أن يجعل كراوية وعلامة ونحو ذلك والطوفان كل حادثة تحيط بالإنسان وعلى ذلك قوله { فأرسلنا عليهم الطوفان } وصار متعارفا في الماء المتناهي في الكثرة لأجل أن الحادثة التي نالت قوم نوح كانت ماء . قال تعالى : { فأخذهم الطوفان } وطائف القوس ما يلي أبهرها ، والطوف كني به عن العذرة .
طوق : أصل الطوق ما يجعل في العنق خلقة كطوق الحمام أو صنعة كطوق الذهب والفضة ، ويتوسع فيه فيقال طوقته كذا كقولك قلدته . قال { سيطوقون ما بخلوا به } وذلك على التشبيه كما روي في الخبر يأتي أحدكم يوم القيامة شجاع أقرع له زبيبتان فيتطوق به فيقول أنا الزكاة التي منعتني ، والطاقة اسم لمقدار ما يمكن للإنسان أن يفعله بمشقة وذلك تشبيه بالطوق المحيط بالشيء فقوله { ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } أي ما يصعب علينا مزاولته وليس معناه لا تحملنا ما لا قدرة لنا به ، وذلك لأنه تعالى قد يحمل الإنسان ما يصعب عليه كما قال { ويضع عنهم إصرهم } - { ووضعنا عنك وزرك } أي خففنا عنك العبادات الصعبة التي في تركها الوزر ، وعلى هذا الوجه { قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده } ، وقد يعبر بنفي الطاقة عن نفي القدرة . وقوله { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } ظاهره يقتضي أن المطيق له يلزمه فدية أفطر أو لم يفطر لكن أجمعوا أنه لا يلزمه إلا مع شرط آخر . وروي { وعلى الذين يطيقونه } أي يحملون أن يتطوقوا .
طول : الطول والقصر من الأسماء المتضايفة كما تقدم ، ويستعمل في الأعيان والأعراض كالزمان وغيره قال { فطال عليهم الأمد } - { سبحا طويلا } ويقال طويل وطوال وعريض وعراض وللجمع طوال وقيل طيال وباعتبار الطول قيل للحبل المرخي على الدابة طول ، وطول فرسك أي أرخ طوله ، وقيل طوال الدهر لمدته الطويلة ، وتطاول فلان إذا أظهر الطول أو الطول ، قال { فتطاول عليهم العمر } والطول خص به الفضل والمن ، قال { شديد العقاب ذي الطول } وقوله تعالى : { استأذنك أولوا الطول منهم } - { ومن لم يستطع منكم طولا } كناية عما يصرف إلى المهر والنفقة ، وطالوت اسم علم وهو أعجمي .
طين : الطين التراب والماء المختلط وقد يسمى بذلك وإن زال عنه قوة الماء ، قال : { من طين لازب } يقال طنت كذا وطينته قال : { وخلقته من طين } ، وقوله تعالى : { فأوقد لي يا هامان على الطين } .
طوى : طويت الشيء طيا وذلك كطي
____________________
(1/312)
الدرج وعلى ذلك قوله { يوم نطوي السماء كطي السجل } ومنه طويت الفلاة ، ويعبر بالطي عن مضي العمر ، يقال طوى الله عمره ، قال الشاعر :
( طوتك خطوب دهرك بعد نشر ** ) وقيل { والسماوات مطويات بيمينه } يصح أن يكون من الأول وأن يكون من الثاني والمعنى مهلكات . وقوله { إنك بالواد المقدس طوى } قيل هو اسم الوادى الذي حصل فيه ، وقيل إن ذلك جعل إشارة إلى حالة حصلت له على طريق الاجتباء فكأنه طوى عليه مسافة لو احتاج أن ينالها في الاجتهاد لبعد عليه ، وقوله { إنك بالواد المقدس طوى } قيل هو اسم أرض فمنهم من يصرفه ومنهم من لا يصرفه ، وقيل هو مصدر طويت فيصرف ويفتح أوله ويكسر نحو ثنى وثنى ومعناه ناديته مرتين .
____________________
(1/313)
= كتاب الظاء =
ظعن : يقال ظعن يظعن ظعنا إذا شخص قال { يوم ظعنكم } والظعينة الهودج إذا كان فيه المرأة وقد يكنى به عن المرأة وإن لم تكن في الهودج .
ظفر : الظفر يقال في الإنسان وفي غيره قال { كل ذي ظفر } أي ذي مخالب ويعبر عن السلاح به تشبيها بظفر الطائر إذ هو له بمنزلة السلاح ، ويقال فلان كليل الظفر وظفره فلان نشب ظفره فيه ، وهو أظفر طويل الظفر ، والظفرة جليدة يغشى البصر بها تشبيها بالظفر في الصلابة ، يقال ظفرت عينه والظفر الفوز وأصله من ظفره عليه . أي نشب ظفره فيه . قال : { من بعد أن أظفركم عليهم } .
ظلل : الظل ضد الضح وهو أعم من الفئ فإنه يقال ظل الليل وظل الجنة ، ويقال لكل موضع لم تصل إليه الشمس ظل ولا يقال الفيء إلا لما زال عنه الشمس ، ويعبر بالظل عن العزة والمنعة وعن الرفاهة ، قال { إن المتقين في ظلال } أي فيه عزة ومناع ، قال { أكلها دائم وظلها } - { هم وأزواجهم في ظلال } يقال ظللني الشجر وأظلني قال { وظللنا عليكم الغمام } وأظلني فلان حرسني وجعلني في ظله وعزه ومناعته . وقوله { يتفيأ ظلاله } أي إنشاؤه يدل على وحدانية الله وينبئ عن حكمته . وقوله { ولله يسجد } إلى قوله { وظلالهم } قال الحسن : أما ظلك فيسجد لله ، وأما أنت فتكفر به ، وظل ظليل فائض ، وقوله : { وندخلهم ظلا ظليلا } كناية عن غضارة العيش ، والظلة سحابة تظل وأكثر ما يقال فيما يستوخم ويكره ، قال : { كأنه ظلة } - { عذاب يوم الظلة } - { أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام } أي عذابه يأتيهم ، والظلل جمع ظلة كغرفة وغرف وقربة وقرب ، وقرئ في ظلال وذلك إما جمع ظلة نحو غلبة وغلاب وحفرة وحفار ، وإما جمع ظل نحو : { يتفيأ ظلاله } وقال بعض أهل اللغة : يقال للشاخص ظل ، قال ويدل على ذلك قول الشاعر :
( لما نزلنا رفعنا ظل أخبية ** وقال : ليس ينصبون الظل الذي هو الفيء إنما
____________________
(1/314)
ينصبون الأخبية ، وقال آخر :
( يتبع أفياء الظلال عشية ** ) أي أفياء الشخوص وليس في هذا دلالة فإن قوله : رفعنا ظل أخبية ، معناه رفعنا الأخبية فرفعنا به ظلها فكأنه رفع الظل . وقوله أفياء الظلال فالظلال عام والفيء خاص ، وقوله أفياء الظلال هو من إضافة الشيء إلى جنسه . والظلة أيضا شيء كهيئة الصفة وعليه حمل قوله تعالى : { وإذا غشيهم موج كالظلل } أي كقطع السحاب . وقوله تعالى : { لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل } وقد يقال ظل لكل ساتر محمودا كان أو مذموما ، فمن المحمود قوله : { ولا الظل ولا الحرور } وقوله { ودانية عليهم ظلالها } ومن المذموم قوله { وظل من يحموم } وقوله : { إلى ظل ذي ثلاث شعب } الظل ههنا كالظلة لقوله : { ظلل من النار } ، وقوله : { لا ظليل } لا يفيد فائدة الظل في كونه واقيا عن الحر ، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا مشى لم يكن له ظل ولهذا تأويل يختص بغير هذا الموضع . وظلت وظللت بحذف إحدى اللامين يعبر به عما يفعل بالنهار ويجري مجرى صرت : { فظلتم تفكهون } - { لظلوا من بعده يكفرون } - { ظلت عليه عاكفا } .
ظلم : الظلمة عدم النور وجمعها ظلمات ، قال { أو كظلمات في بحر لجي } - { ظلمات بعضها فوق بعض } وقال تعالى : { أم من يهديكم في ظلمات البر والبحر } - { وجعل الظلمات والنور } ويعبر بها عن الجهل والشرك والفسق كما يعبر بالنور عن أضدادها ، قال الله تعالى : { يخرجهم من الظلمات إلى النور } - { أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور } - { فنادى في الظلمات } - { كمن مثله في الظلمات } هو كقوله : { كمن هو أعمى } وقوله في سورة الأنعام : { والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات } فقوله : { في الظلمات } ههنا موضوع موضع العمى في قوله { صم بكم عمي } وقوله في : { ظلمات ثلاث } أي البطن والرحم والمشيمة ، وأظلم فلان حصل في ظلمة ، قال : { فإذا هم مظلمون } والظلم عند أهل اللغة وكثير من العلماء وضع الشيء في غير موضعه المختص به إما بنقصان أو بزيادة ، وإما بعدول عن وقته أو مكانه ، ومن هذا يقال ظلمت السقاء إذا تناولته في غير وقته ، ويسمى ذلك اللبن الظليم . وظلمت الأرض حفرتها ولم تكن موضعا للحفر وتلك الأرض يقال لها المظلومة والتراب الذي يخرج منها ظليم . والظلم يقال في مجاوزة الحق الذي يجري مجرى نقطة الدائرة ، ويقال فيما يكثر وفيما يقل من التجاوز ولهذا يستعمل في الذنب الكبير وفي الذنب الصغير ولذلك قيل لآدم في تعديه ظالم وفي إبليس ظالم وإن كان بين الظلمين بون بعيد . قال بعض الحكماء : الظلم ثلاثة :
____________________
(1/315)
الأول : ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى وأعظمه الكفر والشرك والنفاق ، ولذلك قال : { إن الشرك لظلم عظيم } وإياه قصد بقوله : { ألا لعنة الله على الظالمين } - { والظالمين أعد لهم عذابا أليما } في آي كثيرة وقال : { فمن أظلم ممن كذب على الله } { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا } .
والثاني : ظلم بينه وبين الناس وإياه قصد بقوله : { وجزاء سيئة سيئة } إلى قوله : { إنه لا يحب الظالمين } وبقوله : { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس } وبقوله : { ومن قتل مظلوما } .
والثالث : ظلم بينه وبين نفسه وإياه قصد بقوله : { فمنهم ظالم لنفسه } وقوله : { ظلمت نفسي } - { إذ ظلموا أنفسهم } - { فتكونا من الظالمين } أي من الظالمين أنفسهم : { ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه } وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس فإن الإنسان في أول ما يهم بالظلم فقد ظلم نفسه ، فإذا الظالم أبدا مبتدئ في الظلم ولهذا قال تعالى في غير موضع : { وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } - { وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } وقوله : { ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } فقد قيل هو الشرك بدلالة أنه لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب النبي عليه السلام وقال لهم ألم تروا إلى قوله : { إن الشرك لظلم عظيم } وقوله : { ولم تظلم منه شيئا } أي لم تنقص وقوله : { ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا } فإنه يتناول الأنواع الثلاثة من الظلم ، فما أحد كان منه ظلم ما في الدنيا إلا ولو حصل له ما في الأرض ومثله معه لكان يفتدي ب ، وقوله : { هم أظلم وأطغى } تنبيها أن الظلم لا يغني ولا يجدي ولا يخلص بل يردي بدلالة قوم نوح . وقوله { وما الله يريد ظلما للعباد } وفي موضع . { وما أنا بظلام للعبيد } وتخصيص أحدهما بالإرادة مع لفظ العباد والآخر بلفظ الظلام للعبيد يختص بما بعد هذا الكتاب . والظليم ذكر النعام ، وقيل إنما سمي بذلك لاعتقادهم أنه مظلوم للمعنى الذي أشار إليه الشاعر :
( فصرت كالهيق عدا يبتغي ** قرنا فلم يرجع بأذنين ) والظلم ماء الأسنان ، قال الخليل : لقيته أدنى ظلم أو ذي ظلمة ، ي أول شيء سد بصرك ، قال : ولا يشتق منه فعل ، ولقيته أدنى ظلم كذلك .
ظمأ : الظمء ما بين الشربتين والظمأ العطش الذي يعرض من ذلك ، يقال ظمئ يظمأ فهو ظمآن ، قال { لا تظمأ فيها ولا تضحى } وقال : { يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا } .
____________________
(1/316)
ظن : الظن اسم لما يحصل عن أمارة ومتى قويت أدت إلى العلم ، ومتى ضعفت جدا لم يتجاوز حد التوهم ، ومتى قوي أو تصور تصور القوي استعمل معه أن المشددة وأن المخففة منها . ومتى ضعف استعمل أن وأن المختصة بالمعدومين من القول والفعل ، فقوله { الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم } - وكذا { يظنون أنهم ملاقوا الله } فمن اليقين { وظن أنه الفراق } وقوله : { ألا يظن أولئك } وهو نهاية في ذمهم . ومعناه ألا يكون منهم ظن لذلك تنبيها أن أمارات البعث ظاهرة . وقوله { وظن أهلها أنهم قادرون عليها } تنبيها أنهم صاروا في حكم العالمين لفرط طمعهم وأملهم وقوله { وظن داود أنما فتناه } أي علم والفتنة ههنا ، كقوله : { وفتناك فتونا } ، وقوله : { وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه } فقد قيل الأولى أن يكون من الظن الذي هو التوهم ، أي ظن أن لن نضيق عليه وقوله : { واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون } فإنه استعمل فيه أن المستعمل مع الظن الذي هو للعلم تنبيها أنهم اعتقدوا ذلك اعتقادهم للشيء المتيقن وإن لم يكن ذلك متيقنا ، وقوله : { يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية } أي يظنون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصدقهم فيما أخبرهم به كما ظن الجاهلية تنبيها أن هؤلاء المنافقين هم في حيز الكفار ، وقوله { وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم } أي اعتقدوا اعتقادا كانوا منه في حكم المتيقنين ، وعلى هذا قوله { ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم } وقوله { الظانين بالله ظن السوء } هو مفسر بما بعده وهو قوله : { بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول } - { إن نظن إلا ظنا } والظن في كثير من الأمور مذموم ولذلك { وما يتبع أكثرهم إلا ظنا } - { إن الظن } - { وأنهم ظنوا كما ظننتم } وقرئ / < وما هو على الغيب بظنين > / أي بمتهم .
ظهر : الظهر الجارحة وجمعه ظهور ، قال : { وأما من أوتي كتابه وراء ظهره } - { من ظهورهم ذريتهم } - { أنقض ظهرك } والظهر ههنا استعارة تشبيها للذنوب بالحمل الذي ينوء بحامله واستعير لظاهر الأرض فقيل ظهر الأرض وبطنها ، قال تعالى { ما ترك على ظهرها من دابة } ورجل مظهر شديد الظهر ، وظهر يشتكي ظهره . ويعبر عن المركوب بالظهر ، ويستعار لمن يتقوى به ، وبعير ظهير قوي بين الظهارة وظهري معد للركوب ، والظهري أيضا ما تجعله بظهرك فتنساه ، قال { وراءكم ظهريا } وظهر عليه غلبه وقال { إنهم إن يظهروا عليكم } وظاهرته عاونته ، قال { وظاهروا على إخراجكم } - { وإن تظاهرا عليه } أي تعاونا { تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان }
____________________
(1/317)
) وقرئ / < تظاهرا > / { الذين ظاهروهم } - { وما له منهم من ظهير } أي معين { فلا تكونن ظهيرا للكافرين } - { والملائكة بعد ذلك ظهير } - { وكان الكافر على ربه ظهيرا } أي معينا للشيطان على الرحمن . وقال أبو عبيدة : الظهير هو المظهور به ، أي هينا على ربه كالشيء الذي خلفته من قولك : ظهرت بكذا أي خلفته ولم ألتفت إليه . والظهار أن يقول الرجل لامرأته : أنت علي كظهر أمي ، يقال ظاهر من امرأته ، قال تعالى { والذين يظاهرون من نسائهم } وقرئ يظاهرون أي يتظاهرون ، فأدغم ويظهرون ، وظهر الشيء أصله أن يحصل شيء على ظهر الأرض فلا يخفى وبطن إذا حصل في بطنان الأرض فيخفى ثم صار مستعملا في كل بارز مبصر بالبصر والبصيرة ، قال { أو أن يظهر في الأرض الفساد } - { ما ظهر منها وما بطن } - { إلا مراء ظاهرا } - { يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا } أي يعلمون الأمور الدنيوية دون الأخروية ، والعلم الظاهر والباطن تارة يشار بهما إلى المعارف الجلية والمعارف الخفية وتارة إلى العلوم الدنيوية ، والعلوم الأخروية ، وقوله : { باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب } وقوله : { ظهر الفساد في البر والبحر } أي كثر وشاع ، وقوله : { نعمه ظاهرة وباطنة } يعني بالظاهرة ما نقف عليها وبالباطنة ما لا نعرفها ، وإليه أشار بقوله { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } وقوله { قرى ظاهرة } فقد حمل ذلك على ظاهره ، وقيل هو مثل لأحوال تختص بما بعد هذا الكتاب إن شاء الله ، وقوله { فلا يظهر على غيبه أحدا } أي لا يطلع عليه وقوله { ليظهره على الدين كله } يصح أن يكون من البروز وأن يكون من المعاونة والغلبة أي ليغلبه على الدين كله . وعلى هذا قوله { إن يظهروا عليكم يرجموكم } وقوله تعالى : { يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض } - { فما اسطاعوا أن يظهروه } وصلاة الظهر معروفة والظهيرة وقت الظهر ، وأظهر فلان حصل في ذلك الوقت على بناء أصبح وأمسى . قال تعالى : { وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون } .
____________________
(1/318)
= كتاب العين =
عبد : العبودية إظهار التذلل ، والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلل ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال وهو الله تعالى ولهذا قال { ألا تعبدوا إلا إياه } والعبادة ضربان : عبادة بالتسخير وهو كما ذكرناه في السجود ، وعبادة بالاختيار وهي لذوي النطق وهي المأمور بها في نحو قوله { اعبدوا ربكم } - { واعبدوا الله } والعبد يقال على أربعة أضرب : الأول : عبد بحكم الشرع وهو الإنسان الذي يصح بيعه وابتياعه نحو { والعبد بالعبد } - { عبدا مملوكا لا يقدر على شيء } . الثاني : عبد بالإيجاد وذلك ليس إلا لله وإياه قصد بقوله { إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا } . والثالث : عبد بالعبادة والخدمة والناس في هذا ضربان : عبد لله مخلصا وهو المقصود بقوله : { واذكر عبدنا أيوب } { إنه كان عبدا شكورا } - { نزل الفرقان على عبده } - { على عبده الكتاب } - { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } - { كونوا عبادا لي } - { إلا عبادك منهم المخلصين } - { وعد الرحمن عباده بالغيب } - { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا } - { أن أسر بعبادي إنكم متبعون } - { فوجدا عبدا من عبادنا } . وعبد للدنيا وأعراضها وهو المعتكف على خدمتها ومراعاتها وإياه قصد النبي عليه الصلاة والسلام بقوله تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الدينار وعلى هذا النحو يصح أن يقال ليس كل إنسان عبدا لله فإن العبد على هذا بمعنى العابد ، لكن العبد أبلغ من العابد والناس كلهم عباد الله بل الأشياء كلها كذلك لكن بعضها بالتسخير وبعضها بالاختيار وجمع العبد الذي هو مسترق عبيد وقيل عبدا ، وجمع العبد الذي هو العابد عباد ، فالعبيد إذا أضيف إلى الله أعم من العباد . ولهذا قال { وما أنا بظلام للعبيد } فنبه أنه لا يظلم من يختص بعبادته ومن انتسب إلى غيره من الذين تسموا بعبد الشمس وعبد الللات ونحو ذلك . ويقال طريق معبد أي مذلل بالوطء ، وبعير معبد مذلل بالقطران
____________________
(1/319)
وعبدت فلانا إذا ذللته وإذا اتخذته عبدا ، قال تعالى : { أن عبدت بني إسرائيل } .
عبث : العبث أن يخلط بعمله لعبا من قولهم عبثت الأقط ، والعبث طعام مخلوط بشيء ومنه قيل العوبثاني لتمر وسمن وسويق مختلط ، قال { أتبنون بكل ريع آية تعبثون } ويقال لما ليس له غرض صحيح عبث ، قال : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا } .
عبر : أصل العبر تجاوز من حال إلى حال ، فأما العبور فيختص بتجاوز الماء إما بسباحة أو في سفينة أو على بعير أو قنطرة ، ومنه عبر النهر لجانبه حيث يعبر إليه أو منه ، واشتق منه عبر العين للدمع والعبرة كالدمعة وقيل عابر سبيل ، قال تعالى : { إلا عابري سبيل } وناقة عبر أسفار ، وعبر القوم إذا ماتوا كأنهم عبروا قنطرة الدنيا ، وأما العبارة فهي مختصة بالكلام العابر الهواء من لسان المتكلم إلى السامع السامع ، والاعتبار والعبرة بالحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد ، قال : { إن في ذلك لعبرة } - { فاعتبروا يا أولي الأبصار } والتعبير مختص بتعبير الرؤيا وهو العابر من ظاهرها إلى باطنها نحو : { إن كنتم للرؤيا تعبرون } وهو أخص من التأويل فإن التأويل يقال فيه وفي غيره . والشعرى العبور سميت بذلك لكونها عابرة والعبري ما ينبت على عبر النهر ، وشط معبر ترك عليه العبري .
عبس : العبوس قطوب الوجه من ضيق الصدر قال : { عبس وتولى } - { ثم عبس وبسر } ومنه قيل يوم عبوس ، قال : { يوما عبوسا قمطريرا } وباعتبار ذلك قيل العبس لما يبس على هلب الذنب من البعر والبول وعبس الوسخ على وجهه .
عبقر : عبقر قيل هو موضع للجن ينسب إليه كل نادر من إنسان وحيوان وثوب ، ولهذا قيل في عمر : لم أر عبقريا مثله ، قال : { وعبقري حسان } وهو ضرب من الفرش فيما قيل جعله الله تعالى مثلا لفرش الجنة .
عبأ : ما عبأت به أي لم أبال به ، وأصله من العبء أي الثقل كأنه قال ما أرى له وزنا وقدرا قال : { قل ما يعبأ بكم ربي } وقيل اصله من عبأت الطيب كأنه قيل ما يبقيكم لولا دعاؤكم ، وقيل عبأت الجيش وعبأته هيئته ، وعبأة الجاهلية ما هي مدخرة في أنفسهم من حميتهم المذكورة في قوله : { في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية } .
عتب : العتب كل مكان ناب بنازله ، ومنه قيل للمرقاة ولأسكفة الباب عتبة ، وكني بها عن المرأة فيما روي أن إبراهيم عليه السلام قال لامرأة إسماعيل قولي لزوجك غير عتبة بابك . واستعير العتب والمعتبة
____________________
(1/320)
لغلظة يجدها الإنسان في نفسه على غيره وأصله من العتب وبحسبه قيل خشنت بصدر فلان ووجدت في صدره غلظة ، ومنه قيل حمل فلان على عتبة صعبة أي حالة شاقة كقول الشاعر :
( وحملناهم على صعبة زو ** زاء يعلونها بغير وطاء ) وقولهم أعتبت فلانا أي أبرزت له الغلظة التي وجدت له في الصدر ، وأعتبت فلانا حملته على العتب . ويقال أعتبته أي أزلت عتبه عنه نحو أشكيته ، قال { فما هم من المعتبين } والاستعتاب أن يطلب من الإنسان أن يذكر عتبه ليعتب ، يقال استعتب فلان ، قال { ولا هم يستعتبون } يقال لك العتبى وهو إزالة ما لأجله يعتب وبينهم أعتوبة أي ما يتعاتبون به ويقال عتب عتبا إذا مشى على رجل مشي المرتقي في درجة .
عتد : العتاد ادخار الشيء قبل الحاجة إليه كالإعداد والعتيد المعد والمعد ، قال { هذا ما لدي عتيد } - { رقيب عتيد } أي معتد أعمال العباد وقوله { أعتدنا لهم عذابا أليما } قيل هو أفعلنا من العتاد وقيل أصله أعددنا فأبدل من إحدى الدالين تاء . وفرس عتيد وعتد حاضر العدو ، والعتود من أولاد المعز جمعه أعتدة وعدان على الإدغام .
عتق : العتيق المتقدم في الزمان أو المكان أو الرتبة ولذلك قيل للقديم عتيق وللكريم عتيق ولمن خلا عن الرق عتيق ، قال تعالى : { وليطوفوا بالبيت العتيق } قيل وصفه بذلك لأنه لم يزل معتقا أن تسومه الجبابرة صغارا . والعاتقان ما بين المنكبين وذلك لكونه مرتفعا عن سائر الجسد ، والعاتق الجارية التي عتقت عن الزوج لأن المتزوجة مملوكة . وعتق الفرس تقدم بسبقه ، وعتق مني يمين : تقدمت ، قال الشاعر : ( علي ألية عتقت قديما ** وليس لها وإن طلبت مرام )
عتل : العتل الأخذ بمجامع الشيء وجره بقهر كعتل البعير ، قال { فاعتلوه إلى سواء الجحيم } والعتل الأكول المنوع الذي يعتل الشيء عتلا ، قال : { عتل بعد ذلك زنيم } .
عتا : العتو النبو عن الطاعة ، يقال عتا يعتو عتوا وعتيا ، قال { وعتوا عتوا كبيرا } - { فعتوا عن أمر ربهم } - { عتت عن أمر ربها } - { بل لجوا في عتو ونفور } - { من الكبر عتيا } أي حالة لا سبيل إلى إصلاحها ومداواتها ، وقيل إلى رياضة وهي الحالة المشار إليها بقول الشاعر :
( ومن العناء رياضة الهرم ** ) وقوله تعالى : { أيهم أشد على الرحمن عتيا }
____________________
(1/321)
قيل العتي ههنا مصدر ، وقيل هو جمع عات ، وقيل العاتي الجاسي .
عثر : عثر الرجل يعثر عثارا وعثورا إذا سقط ، ويتجوز به فيمن يطلع على أمر من غير طلبه ، قال تعالى : { فإن عثر على أنهما استحقا إثما } يقال عثرت على كذا ، قال : { وكذلك أعثرنا عليهم } أي وقفناهم عليهم من غير أن طلبوا .
عثى : العيث والعثي يتقاربان نحو جذب وجبذ إلا أن العيث أكثر ما يقال في الفساد الذي يدرك حسا ، والعثي فيما يدرك حكما . يقال عثي يعثى عثيا وعلى هذا { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } وعثا يعثوا عثوا ، والأعثى لون إلى السواد وقيل للأحمق الثقيل أعثى .
عجب : العجب والتعجب حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء ولهذا قال بعض الحكماء : العجب ما لا يعرف سببه ولهذا قيل لا يصح على الله التعجب إذ هو علام الغيوب لا تخفى عليه خافية . يقال عجبت عجبا ويقال للشيء الذي يتعجب منه عجب ، ولما لم يعهد مثله عجيب ، قال { أكان للناس عجبا أن أوحينا } تنبيها أنهم قد عهدوا مثل ذلك قبله ، وقوله { بل عجبوا أن جاءهم } - { وإن تعجب فعجب قولهم } - { كانوا من آياتنا عجبا } أي ليس ذلك في نهاية العجب بل في أمورنا ما هو أعظم وأعجب منه { قرآنا عجبا } أي لم يعهد مثله ولم يعرف سببه ويستعار مرة للمونق فيقال أعجبني كذا أي راقني ، قال { ومن الناس من يعجبك قوله } - { ولا تعجبك أموالهم } - { ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم } - { أعجب الكفار نباته } وقال { بل عجبت ويسخرون } أي عجبت من إنكارهم للبعث لشدة تحققك معرفته ويسخرون لجهلهم ، وقيل عجبت من إنكارهم الوحي وقرأ بعضهم { بل عجبت } بضم التاء وليس ذلك إضافة المتعجب إلى نفسه في الحقيقة بل معناه أنه مما يقال عنده عجبت ، أو يكون عجبت مستعارا بمعنى أنكرت نحو { أتعجبين من أمر الله } - { إن هذا لشيء عجاب } ، ويقال لمن يروقه نفسه فلان معجب بنفسه ، والعجب من كل دابة : ما ضمر وركه .
عجز : عجز الإنسان مؤخره وبه شبه مؤخر غيره ، قال : { كأنهم أعجاز نخل منقعر } والعجز أصله التأخر عن الشيء وحصوله عند عجز الأمر أي مؤخره كما ذكر في الدبر ، وصار في التعارف اسما للقصور عن فعل الشيء وهو ضد القدرة ، قال { أعجزت أن أكون } وأعجزت فلانا وعجزته وعاجزته جعلته عاجزا ، قال { واعلموا أنكم غير معجزي الله } - { وما أنتم بمعجزين في الأرض } - { والذين سعوا في آياتنا معاجزين } وقرئ معجزين ، فمعاجزين قيل معناه ظانين
____________________
(1/322)
ومقدرين أنهم يعجزوننا لأنهم حسبوا أن لا بعث ولا نشور فيكون ثواب وعقاب ، وهذا في المعنى كقوله : { أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا } ومعجزين ينسبون إلى العجز من تبع النبي صلى الله عليه وسلم وذلك نحو جهلته وفسقته أي نسبته إلى ذلك . وقيل معناه مثبطين أي يثبطون الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم كقوله { الذين يصدون عن سبيل الله } والعجوز سميت لعجزها في كثير من الأمور ، قال { إلا عجوزا في الغابرين } وقال { أألد وأنا عجوز } .
عجف : قال { سبع عجاف } جمع أعجف وعجفاء أي الدقيق من الهزال من قولهم نصل أعجف دقيق ، وأعجف الرجل صارت مواشيه عجافا ، وعجفت نفسي عن الطعام وعن فلان أي نبت عنهما .
عجل : العجلة طلب الشيء وتحريه قبل أوانه وهو من مقتضى الشهوة فلذلك صارت مذمومة في عامة القرآن حتى قيل العجلة من الشيطان ، قال { سأريكم آياتي فلا تستعجلون } - { ولا تعجل بالقرآن } - { وما أعجلك عن قومك } - { وعجلت إليك } فذكر أن عجلته وإن كانت مذمومة فالذي دعا إليها أمر محمود وهو طلب رضا الله تعالى ، قال : { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } - { ويستعجلونك بالسيئة } - { لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة } - { ويستعجلونك بالعذاب } - { ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير } - { خلق الإنسان من عجل } قال بعضهم من حمإ وليس بشيء بل تنبيه على أنه لا يتعرى من ذلك وأن ذلك أحد الأخلاق التي ركب عليها وعلى ذلك قال { وكان الإنسان عجولا } ، وقوله : { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد } أي الأعراض الدنيوية ، وهبنا ما نشاء لمن نريد أن نعطيه ذلك { عجل لنا قطنا } - { فعجل لكم هذه } والعجالة ما يعجل أكله كاللهنة ، وقد عجلتهم ولهنتهم ، والعجلة الإداوة الصغيرة . التي يعجل بها عند الحاجة ، والعجلة خشبة معترضة على نعامة البئر وما يحمل على الثيران وذلك لسرعة مرها . والعجل ولد البقرة لتصور عجلتها التي تعدم منه إذا صار ثورا ، قال { عجلا جسدا } وبقرة معجل لها عجل .
عجم : العجمة خلاف الإبانة ، والإعجام الإبهام ، واستعجمت الدار إذا بان أهلها ولم يبق فيها عريب أي من تبين جوابا ، ولذلك قال بعض العرب : خرجت عن بلاد تنطق ، كناية عن عمارتها وكون السكان فيها . والعجم خلاف العرب ، والعجمي منسوب إليهم ، والأعجم من في لسانه عجمة عربيا كان أو غير عربي اعتبارا بقلة فهمهم عن العجم . ومنه قيل للبهيمة عجماء والأعجمي منسوب إليه ، قال : { ولو نزلناه على بعض الأعجمين } على حذف
____________________
(1/323)
اليا آت ، قال : { ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته } - { أأعجمي وعربي } - { يلحدون إليه أعجمي } وسميت البهيمة عجماء من حيث إنها لا تبين عن نفسها بالعبارة إبانة الناطق . وقيل صلاة النهار عجماء أي لا يجهر فيها بالقراءة ، وجرح العجماء جبار ، وأعجمت الكلام ضد أعربت ، وأعجمت الكتابة أزلت عجمتها نحو أشكيته إذا أزلت شكايته . وحروف المعجم روي عن الخليل أنها هي الحروف المقطعة لأنها أعجمية ، قال بعضهم : معنى قوله : أعجمية أن الحروف المتجردة لا تدل على ما تدل عليه الحروف الموصولة . وباب معجم مبهم ، والعجم النوى الواحدة عجمة إما لاستتارها في ثني ما فيه ، وإما بما أخفي من أجزائه بضغط المضغ ، أو لأنه أدخل في الفم في حال ما عض عليه فأخفي ، والعجم العض عليه ، وفلان صلب المعجم أي شديد عند المختبر .
عد : العدد آحاد مركبة وقيل تركيب الآحاد وهما واحد قال { عدد السنين والحساب } وقوله تعالى : { فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا } فذكره للعدد تنبيه على كثرتها والعد ضم الأعداد بعضها إلى بعض ، قال تعالى : { لقد أحصاهم وعدهم عدا } - { فاسأل العادين } أي أصحاب العدد والحساب . وقال تعالى : { كم لبثتم في الأرض عدد سنين } - { وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون } ويتجوز بالعد على أوجه يقال شيء معدود ومحصور للقليل مقابلة لما لا يحصى كثرة نحو المشار إليه بقوله بغير حساب ، وعلى ذلك { إلا أياما معدودة } أي قليلة لأنهم قالوا نعذب الأيام التي فيها عبدنا العجل ، ويقال على الضد من ذلك نحو : جيش عديد : كثير ، وإنهم لذو عدد ، أي هم بحيث يجب أن يعدوا كثرة ، فيقال في القليل هو شيء غير معدود ، وقوله : { في الكهف سنين عددا } يحتمل الأمرين ، ومنه قولهم : هذا غير معتد به ، وله عدة أي شيء كثير يعد من مال وسلاح وغيرهما ، قال { لأعدوا له عدة } وماء عد ، والعدة هي الشيء المعدود ، قال { وما جعلنا عدتهم } أي عددهم وقوله : { فعدة من أيام أخر } أي عليه أيام بعدد ما فاته من زمان آخر غير زمان شهر رمضان { إن عدة الشهور } والعدة عدة المرأة وهي الأيام التي بانقضائها يحل لها التزوج ، قال : { فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } - { فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة } والإعداد من العد كالإسقاء من السقي فإذا قيل أعددت هذا لك أي جعلته بحيث تعده وتناوله بحسب حاجتك إليه ، قال : { وأعدوا لهم ما استطعتم } وقوله { أعدت للكافرين } - { وأعد لهم جنات } - { أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما } - { وأعتدنا لمن كذب } وقوله { وأعتدت لهن متكأ } قيل هو منه ، وقوله { فعدة من أيام أخر }
____________________
(1/324)
) أي عدد ما قد فاته ، قوله : { ولتكملوا العدة } أي عدة الشهر وقوله { أياما معدودات } فإشارة إلى شهر رمضان . وقوله : { واذكروا الله في أيام معدودات } فهي ثلاثة أيام بعد النحر ، والمعلومات عشر ذي الحجة . وعند بعض الفقهاء : المعدودات يوم النحر ويومان بعده ، فعلى هذا يوم النحر يكون من المعدودات والمعلومات والعداد الوقت الذي يعد لمعاودة الوجع ، وقال عليه الصلاة والسلام : ما زالت أكلة خيبر تعاودني وعدان الشيء زمانه .
عدس : العدس الحب المعروف ، قال : { وعدسها وبصلها } والعدسة بثرة على هيئته ، وعدس زجر للبغل ونحوه ، ومنه عدس في الأرض وهي عدوس .
عدل : العدالة والمعادلة لفظ يقتضي معنى المساواة ويستعمل باعتبار المضايفة والعدل والعدل يتقاربان ، لكن العدل يستعمل فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام ، وعلى ذلك قوله { أو عدل ذلك صياما } والعدل والعديل فيما يدرك بالحاسة كالموزونات والمعدودات والمكيلات ، فالعدل هو التقسيط على سواء ، وعلى هذا روي بالعدل قامت السموات والأرض تنبيها أنه لو كان ركن من الأركان الأربعة في العالم زائدا على الآخر أو ناقصا عنه على مقتضى الحكمة لم يكن العالم منتظما . والعدل ضربان : مطلق يقتضي العقل حسنه ولا يكون في شيء من الأزمنة منسوخا ولا يوصف بالاعتداء بوجه نحو الإحسان إلى من أحسن إليك وكف الأذية عمن كف أذاه عنك . وعدل يعرف كونه عدلا بالشرع ، ويمكن أن يكون منسوخا في بعض الأزمنة كالقصاص وأروش الجنايات ، وأصل مال المرتد . ولذلك قال : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه } وقال { وجزاء سيئة سيئة مثلها } فسمي اعتداء وسيئة ، وهذا النحو هو المعني بقوله : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } فإن العدل هو المساواة في المكافأة إن خيرا فخير وإن شرا فشر والإحسان أن يقابل الخير بأكثر منه والشر بأقل منه ، ورجل عدل عادل ورجال عدل ، يقال في الواحد والجمع ، قال الشاعر :
( فهم رضا وهم عدل ** وأصله مصدر كقوله : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } أي عدالة ، قال : { وأمرت لأعدل بينكم } وقوله : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء } فإشارة إلى ما عليه جبلة الناس من الميل ، فالإنسان لا يقدر على أن يسوي بينهن في المحبة ، وقوله : { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } فإشارة إلى العدل الذي هو القسم والنفقة ، وقال { ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو } وقوله { أو عدل ذلك صياما } أي ما يعادل من الصيام الطعام ، فيقال
____________________
(1/325)
للغذاء عدل إذا اعتبر فيه معنى المساواة . وقولهم لا يقبل منه صرف ولا عدل فالعدل قيل هو كناية عن الفريضة وحقيقته ما تقدم ، والصرف النافلة وهو الزيادة على ذلك فهما كالعدل والإحسان . ومعنى أنه لا يقبل منه أنه لا يكون له خير يقبل منه ، وقوله { بربهم يعدلون } أي يجعلون له عديلا فصار كقوله : ( هم به مشركون ) وقيل يعدلون بأفعاله عنه وينسبونها إلى غيره ، وقيل يعدلون بعبادتهم عنه تعالى ، وقوله { بل هم قوم يعدلون } يصح أن يكون على هذا كأنه قال يعدلون به ، ويصح أن يكون من قولهم عدل عن الحق إذا جار عدولا ، وأيام معتدلات طيبات لاعتدالها ، وعادل بين الأمرين إذا نظر أيهما أرجح ، وعادل الأمر ارتبك فيه فلا يميل برأيه إلى أحد طرفيه ، وقولهم : وضع على يدي عدل فمثل مشهور .
عدن : { جنات عدن } أي استقرار وثبات ، وعدن بمكان كذا استقر ومنه المعدن لمستقر الجواهر ، وقال عليه الصلاة والسلام المعدن جبار .
عدا : العدو التجاوز ومنافاة الالتئام فتارة يعتبر بالقلب فيقال له العداوة والمعاداة ، وتارة بالمشي فيقال له العدو ، وتارة في الإخلال بالعدالة في المعاملة فيقال له العدوان والعدو ، قال : { فيسبوا الله عدوا بغير علم } وتارة بأجزاء المقر فيقال له العدواء ، يقال مكان ذو عدواء أي غير متلائم الأجزاء . فمن المعاداة يقال رجل عدو وقوم عدو ، قال : { بعضكم لبعض عدو } وقد يجمع على عدى وأعداء ، قال : { ويوم يحشر أعداء الله } والعدو ضربان ، أحدهما : بقصد من المعادي نحو : { فإن كان من قوم عدو لكم } - { جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين } وفي أخرى { عدوا شياطين الإنس والجن } . والثاني : لا بقصده بل تعرض له حالة يتأذى بها كما يتأذى مما يكون من العدى نحو قوله : { فإنهم عدو لي إلا رب العالمين } وقوله في الأولاد : { عدوا لكم فاحذروهم } ومن العدو يقال :
( فعادى عداء بين ثور ونعجة ** ) أي أعدى أحدهما إثر الآخر ، وتعادت المواشي بعضها في إثر بعض ، ورأيت عداء القوم الذين يعدون من الرجالة . والاعتداء مجاوزة الحق ، قال : { ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا } وقال : { ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده } { اعتدوا منكم في السبت } فذلك بأخذهم الحيتان على جهة الاستحلال ، قال : { تلك حدود الله فلا تعتدوها } وقال : { فأولئك هم العادون } - { فمن اعتدى بعد ذلك } - { بل أنتم قوم عادون } أي معتدون أو معادون أو متجاوزون الطور من قولهم عدا طوره : { ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين }
____________________
(1/326)
) فهذا هو الاعتداء على سبيل الابتداء لا على سبيل المجازاة لأنه قال : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } أي قابلوه بحسب اعتدائه وتجاوزوا إليه بحسب تجاوزه . ومن العدوان المحظور ابتداء قوله : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } ومن العدوان الذي هو على سبيل المجازاة ويصح أن يتعاطى مع من ابتدأ قوله : { فلا عدوان إلا على الظالمين } - { ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا } وقوله تعالى : { فمن اضطر غير باغ ولا عاد } أي غير باغ لتناول لذة ولا عاد أي متجاوز سد الجوعة ، وقيل غير باع على الإمام ولا عاد في المعصية طريق المخبتين . وقد عدا طوره تجاوزه وتعدى إلى غيره ومنه التعدي في الفعل . وتعدية الفعل في النحو هو تجاوز معنى الفعل من الفاعل إلى المفعول . وما عدا كذا يستعمل في الاستثناء ، وقوله : { إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى } أي الجانب المتجاوز للقرب .
عذب : ماء عذب طيب بارد ، قال : { هذا عذب فرات } وأعذب القوم صار لهم ماء عذب والعذاب هو الإيجاع الشديد وقد عذبه تعذيبا أكثر حبسه في العذاب ، قال : { لأعذبنه عذابا شديدا } - { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } أي ما كان يعذبهم عذاب الاستئصال ، وقوله : { وما لهم ألا يعذبهم الله } لا يعذبهم بالسيف وقال : { وما كنا معذبين } - { وما نحن بمعذبين } - { ولهم عذاب واصب } - { ولهم عذاب أليم } - { وأن عذابي هو العذاب الأليم } واختلف في أصله فقال بعضهم هو من قولهم عذب الرجل إذا ترك المأكل والنوم فهو عاذب وعذوب ، فالتعذيب في الأصل هو حمل الإنسان أن يعذب أي يجوع ويسهر ، وقيل أصله من العذب فعذبته أي أزلت عذب حياته على بناء مرضته وقذيته ، وقيل اصل التعذيب إكثار الضرب بعذبة السوط أي طرفها ، وقد قال بعض أهل اللغة : التعذيب هو الضرب ، وقيل هو من قولهم ماء عذب إذا كان فيه قذى وكدر فيكون عذبته كقولك كدرت عيشه وزلقت حياته ، وعذبة السوط واللسان والشجر أطرافها .
عذر : العذر تحري الإنسان ما يمحو به ذنوبه . ويقال عذر وعذر وذلك على ثلاثة أضرب : إما أن يقول لم أفعل أو يقول فعلت لأجل كذا فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنبا ، أو يقول فعلت ولا أعود ونحو ذلك من المقال . وهذا الثالث هو التوبة فكل توبة عذر وليس كل عذر توبة ، واعتذرت إليه أتيت بعذر ، وعذرته قبلت عذره ، قال { يعتذرون إليكم } { قل لا تعتذروا } والمعذر من يرى أن له عذرا
____________________
(1/327)
ولا عذر له ، قال : { وجاء المعذرون } وقرئ المعذرون أي الذين يأتون بالعذر . قال ابن عباس : لعن الله المعذرين ورحم المعذرين ، وقوله { قالوا معذرة إلى ربكم } فهو مصدر عذرت كأنه قيل أطلب منه أن يعذرني ، وأعذر : أتى بما صار به معذورا ، وقيل أعذر من أنذر : أتى بما صار به معذورا ، قال بعضهم : اصل العذر من العذرة وهو الشيء النجس ومنه سمي القلفة العذرة فقيل عذرت الصبي إذا طهرته وأزلت عذرته ، وكذا عذرت فلانا أزلت نجاسة ذنبه بالعفو عنه كقولك غفرت له أي سترت ذنبه ، وسمي جلدة البكارة عذرة تشبيها بعذرتها التي هي القلفة ، فقيل عذرتها أي افتضضتها ، وقيل للعارض في حلق الصبي عذرة فقيل عذر الصبي إذا أصابه ذلك ، قال الشاعر :
( غمز الطبيب نغانغ المعذور ** ) ويقال اعتذرت المياه انقطعت ، واعتذرت المنازل درست على طريق التشبيه بالمعتذر الذي يندرس ذنبه لوضوح عذره ، والعاذرة قيل المستحاضة ، والعذور السيئ الخلق اعتبارا بالعذرة أي النجاسة ، وأصل العذرة فناء الدار وسمي ما يلقى فيه باسمها .
عر : قال { وأطعموا القانع والمعتر } وهو المعترض للسؤال ، يقال عره يعره واعتررت بك حاجتي ، والعر والعر الجرب الذي يعر البدن أي يعترضه ، ومنه قيل للمضرة معرة تشبيها بالعر الذي هو الجرب ، قال { فتصيبكم منهم معرة بغير علم } والعرار حكاية حفيف الريح ومنه العرار لصوت الظليم حكاية لصوتها وقد عار الظليم ، والعرعر شجر سمي به لحكاية صوت حفيفها وعرعار لعبة لهم حكاية لصوتها .
عرب : العرب ولد إسماعيل والأعراب جمعه في الأصل وصار ذلك اسما لسكان البادية { قالت الأعراب آمنا } - { الأعراب أشد كفرا ونفاقا } - { ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر } وقيل في جمع الأعراب أعاريب ، قال الشاعر :
( أعاريب ذو فخر بإفك وألسنة لطاف في المقال
والأعرابي في التعارف صار اسما للمنسوبين إلى سكان البادية ، والعربي المفصح ، والإعراب البيان يقال : أعرب عن نفسه . وفي الحديث : الثيب تعرب عن نفسها أي تبين وإعراب الكلام إيضاح فصاحته ، وخص الإعراب في تعارف لنحويين بالحركات والسكنات المتعاقبة على أواخر الكلم ، والعربي الفصيح البين من الكلام ، قال { قرآنا عربيا } وقوله { بلسان عربي مبين } - { فصلت آياته قرآنا عربيا } حكما عربيا . وما بالدار عريب أي أحد يعرب عن نفسه ، وامرأة عروبة معربة بحالها عن عفتها ومحبة زوجها ، وجمعها
____________________
(1/328)
عرب ، قال : { عربا أترابا } وعربت عليه إذا رددت من حيث الإعراب . وفي الحديث : عربوا على الإمام والمعرب صاحب الفرس العربي ، كقولك المجرب لصاحب الجرب . وقوله { حكما عربيا } قيل معناه مفصحا يحق الحق ويبطل الباطل ، وقيل معناه شريفا كريما من قولهم عرب أتراب أو وصفه بذلك كوصفه بكريم في قوله { كتاب كريم } وقيل معناه معربا من قولهم : عربوا على الإمام ، ومعناه ناسخا لما فيه من الأحكام ، وقيل منسوب إلى النبي العربي ، والعربي إذا نسب إليه قيل عربي فيكون لفظه كلفظ المنسوب إليه ، ويعرب قيل هو أول من نقل السريانية إلى العربية فسمي باسم فعله .
عرج : العروج ذهاب في صعود قال { تعرج الملائكة والروح } - { فظلوا فيه يعرجون } والمعارج المصاعد قال : { ذي المعارج } وليلة المعراج سميت لصعود الدعاء فيها إشارة إلى قوله : { إليه يصعد الكلم الطيب } وعرج عروجا وعرجانا مشى مشي العارج أي الذاهب في صعود كما يقال درج إذا مشى مشي الصاعد في درجه ، وعرج صار ذلك خلقة له ، وقيل للضبع عرجاء لكونها في خلقتها ذات عرج وتعارج نحو تضالع ومنه استعير .
( عرج قليلا عن مدى غلوائكا ** ) أي احبسه عن التصعد . والعرج قطيع ضخم من الإبل ، كأنه قد عرج كثرة ، أي صعد .
عرجن : { حتى عاد كالعرجون القديم } أي ألفافه من أغصانه .
عرش : العرش في الأصل شيء مسقف ، وجمعه عروش ، قال { وهي خاوية على عروشها } ومنه قيل عرشت الكرم وعرشته إذا جعلت له كهيئة سقف وقد يقال لذلك المعرش ، قال : { معروشات وغير معروشات } - { ومن الشجر ومما يعرشون } - { وما كانوا يعرشون } قال أبو عبيدة : يبنون ، واعترش العنب ركب عرشه ، والعرش شبه هودج للمرأة شبيها في لهيئة بعرش الكرم ، وعرشت البئر جعلت له عريشا . وسمي مجلس السلطان عرشا اعتبارا بعلوه . قال { ورفع أبويه على العرش } - { أيكم يأتيني بعرشها } - { نكروا لها عرشها } - { أهكذا عرشك } وكني به عن العز والسلطان والمملكة ، قيل فلان ثل عرشه . وروي أن عمر رضي الله عنه رؤى في المنام فقيل ما فعل بك ربك فقال لولا أن تداركني برحمته لثل عرشي . وعرش الله مالا يعلمه البشر على الحقيقة إلا بالاسم ، وليس كما تذهب إليه أوهام العامة فإنه لو كان كذلك لكان حاملا له تعالى عن ذلك لا محمولا ، والله تعالى يقول : { إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده } وقال قوم هو الفلك إلا على
____________________
(1/329)
والكرسي فلك الكواكب ، واستدل بما روي عن رسول صلى الله عليه وسلم : ما السموات السبع والأرضون السبع في جنب الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة والكرسي عند العرش كذلك وقوله { وكان عرشه على الماء } تنبيه أن العرش لم يزل منذ أوجد مستعليا على الماء . وقوله { ذو العرش المجيد } - { رفيع الدرجات ذو العرش } وما يجري مجراه قيل هو إشارة إلى مملكته وسلطانه لا إلى مقر له يتعالى عن ذلك .
عرض : العرض خلاف الطول وأصله أن يقال في الأجسام ثم يستعمل في غيرها كما قال { فذو دعاء عريض } والعرض خص بالجانب وعرض الشيء بدا عرضه وعرضت العود على الإناء واعترض الشيء في حلقه وقف فيه بالعرض واعترض الفرس في مشيه وفيه عرضية أي اعتراض في مشيه من الصعوبة ، وعرضت الشيء على البيع وعلى فلان ولفلان نحو { ثم عرضهم على الملائكة } - { وعرضوا على ربك صفا } - { إنا عرضنا الأمانة } - { وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا } - { ويوم يعرض الذين كفروا على النار } وعرضت الجند ، والعارض البادي عرضه فتارة يخص بالسحاب نحو { هذا عارض ممطرنا } وبما يعرض من السقم فيقال به عارض من سقم ، وتارة بالخد نحو أخذ من عارضيه وتارة بالسن ومنه قيل العوارض للثنايا التي تظهر عند الضحك ، وقيل فلان شديد العارضة كناية عن جودة البيان ، وبعير عروض يأكل الشوك بعارضيه ، والعرضة ما يجعل معرضا للشيء ، قال { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } وبعير عرضة للسفر أي يجعل معرضا له ، وأعرض أظهر عرضه أي ناحيته فإذا قيل أعرض لي كذا أي بدا عرضه فأمكن تناوله ، وإذا قيل أعرض عني فمعناه ولى مبديا عرضه قال { ثم أعرض عنها } - { فأعرض عنهم وعظهم } - { وأعرض عن الجاهلين } - { ومن أعرض عن ذكري } - { وهم عن آياتها معرضون } وربما حذف عنه استغناء عنه نحو { إذا فريق منهم معرضون } - { ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون } - { فأعرضوا فأرسلنا عليهم } وقوله { وجنة عرضها السماوات والأرض } فقد قيل هوا لعرض الذي خلاف الطول ، وتصور ذلك على أحد وجوه : إما أن يريد به أن يكون عرضها في النشأة الآخرة كعرض السموات والأرض في النشأة الأولى وذلك أنه قد قال { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات } ولا يمتنع أن تكون السموات والأرض في النشأة الآخرة أكبر مما هي الآن . وروي أن يهوديا سأل عمر رضي الله عنه عن هذه الآية فقال : فأين النار فقال عمر إذا جاء الليل فأين النهار وقيل يعني بعرضها سعتها لا من حيث المساحة ولكن من حيث المسرة كما يقال في ضده : الدنيا على فلان
____________________
(1/330)
حلقة خاتم وكفة حابل ، وسعة هذه الدار كسعة الأرض ، وقيل العرض ههنا من عرض البيع من قولهم : بيع كذا بعرض إذا بيع بسلعة فمعنى عرضها أي بدلها وعوضها كقولك عرض هذا الثوب كذا وكذا . والعرض مالا يكون له ثبات ومنه استعار المتكلمون العرض لما لا ثبات له إلا بالجوهر كاللون والطعم ، وقيل الدنيا عرض حاضر تنبيها أن لا ثبات لها ، قال تعالى : { تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة } وقال : { يأخذون عرض هذا الأدنى } - { وإن يأتهم عرض مثله } وقوله { لو كان عرضا قريبا } أي مطلبا سهلا . والتعريض كلام له وجهان من صدق وكذب أو ظاهر وباطن . قال : { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء } قيل هو أن يقول لها أنت جميلة ومرغوب فيك ونحو ذلك .
عرف : المعرفة والعرفان إدراك الشيء بتفكر وتدبر لأثره وهو أخص من العلم ويضاده الإنكار ، ويقال فلان يعرف الله ولا يقال يعلم الله متعديا إلى مفعول واحد لما كان معرفة البشر لله هي بتدبر آثاره دون إدراك ذاته ، ويقال الله يعلم كذا ولا يقال يعرف كذا ، لما كانت المعرفة تستعمل في العلم القاصر المتوصل به بتفكر ، وأصله من عرفت أي أصبت عرفه أي رائحته ، أو من أصبت عرفه أي خده ، يقال عرفت كذا ، قال تعالى : { فلما جاءهم ما عرفوا } - { فعرفهم وهم له منكرون } - { فلعرفتهم بسيماهم } - { يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } ويضاد المعرفة الإنكار والعلم والجهل قال { يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها } والعارف في تعارف قوم هو المختص بمعرفة الله ومعرفة ملكوته وحسن معاملته تعالى ، يقال عرفه كذا ، قال { عرف بعضه وأعرض عن بعض } وتعارفوا عرف بعضهم بعضا قال { لتعارفوا } وقال { يتعارفون بينهم } وعرفه جعل له عرف أي ريحا طيبا ، قال في الجنة : { عرفها لهم } أي طيبها وزينها لهم : وقيل عرفها لهم بأن وصفها لهم وشوقهم إليها وهداهم . وقوله { فإذا أفضتم من عرفات } فاسم لبقعة مخصوصة ، وقيل سميت بذلك لوقوع المعرفة فيها بين آدم وحواء ، وقيل بل لتعرف العباد إلى الله تعالى بالعبادات والأدعية . والمعروف اسم لكل فعل يعرف بالعقل أو الشرع حسنه ، والمنكر ما ينكر بهما ، قال { يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } وقال تعالى : { وأمر بالمعروف وانه عن المنكر } - { وقلن قولا معروفا } ولهذا قيل للاقتصاد في الجود معروف لما كان ذلك مستحسنا في العقول وبالشرع نحو : { ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } - { إلا من أمر بصدقة أو معروف } - { وللمطلقات متاع بالمعروف }
____________________
(1/331)
أي بالاقتصاد والإحسان ، وقوله : { فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } وقوله : { قول معروف ومغفرة خير من صدقة } أي رد بالجميل ودعاء خير من صدقة كذلك ، والعرف المعروف من الإحسان وقال : { وأمر بالعرف } وعرف الفرس والديك معروف ، وجاء القطا عرفا أي متتابعة ، قال : { والمرسلات عرفا } والعراف كالكاهن إلا أن العراف يختص بمن يخبر بالأحوال المستقبلة ، والكاهن بمن يخبر عن الأحوال الماضية ، والعريف بمن يعرف الناس ويعرفهم ، قال الشاعر :
( بعثوا إلي عريفهم يتوسم ** ) وقد عرف فلان عرافة إذا صار مختصا ، بذلك ، فالعريف السيد المعروف ، قال الشاعر :
( بل كل قوم وإن عزوا وإن كثروا ** عريفهم بأثافي الشر مرجوم ) ويوم عرفة يوم الوقوف بها ، وقوله : { وعلى الأعراف رجال } فإنه سور بين الجنة والنار ، والاعتراف الإفرار واصله إظهار معرفة الذنب وذلك ضد الجحود ، قال : { فاعترفوا بذنبهم } - { فاعترفنا بذنوبنا } .
عرم : العرامة شراسة وصعوبة في الخلق وتظهر بالفعل ، يقال عرم فلان فهو عارم وعرم تخلق بذلك ومنه عرام الجيش ، وقوله : { سيل العرم } قيل أراد سيل الأمر العرم ، وقيل العرم المسناة وقيل العرم الجرذ الذكر ونسب إليه السيل من حيث إنه نقب المسناة .
عرى : يقال عري من ثوبه يعرى فهو عار وعريان ، قال : { إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى } وهو عرو من الذنب أي عار وأخذه عرواء أي رعدة تعرض من العري ومعارى الإنسان الأعضاء التي من شأنها أن تعرى كالوجه واليد والرجل ، وفلان حسن المعرى كقولك حسن المحسر والمجرد ، والعراء مكان لا سترة به ، قال : { فنبذناه بالعراء وهو سقيم } والعرا مقصور : الناحية وعراه واعتراه قصد عراه ، قال : { إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء } والعروة ما يتعلق به من عراه أي ناحيته ، قال تعالى : { فقد استمسك بالعروة الوثقى } وذلك على سبيل التمثيل . والعروة أيضا شجرة يتعلق بها الإبل ويقال لها عروة وعلقة . والعري والعرية ما يعرو من الريح الباردة ، والنخلة العرية ما يعرى عن البيع ويعزل ، وقيل هي التي يعريها صاحبها محتاجا فجعل ثمرتها له ورخص أن يبتاع بتمر لموضع الحاجة ، وقيل هي النخلة للرجل وسط نخيل كثيرة لغيره فيتأذى به صاحب الكثير فرخص له أن يبتاع ثمرته بتمر ، والجميع العرايا . ورخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيع العرايا .
عز : العزة حالة مانعة للإنسان من أن
____________________
(1/332)
يغلب من قولهم أرض عزاز أي صلبة ، قال : { أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا } وتعزز اللحم اشتد وعز كأنه حصل في عزاز يصعب الوصول إليه كقولهم تظلف أي حصل في ظلف من الأرض ، والعزيز الذي يقهر ولا يقهر ، قال { إنه هو العزيز الحكيم } - { يا أيها العزيز مسنا } قال { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } - { سبحان ربك رب العزة } فقد يمدح بالعزة تارة كما ترى ويذم بها تارة كعزة الكفار قال { بل الذين كفروا في عزة وشقاق } ووجه ذلك أن العزة التي لله ولرسوله وللمؤمنين هي الدائمة الباقية التي هي العزة الحقيقية ، والعزة التي هي للكافرين هي التعزز وهو في الحقيقة ذل كما قال عليه الصلاة والسلام : كل عز ليس بالله فهو ذل وعلى هذا قوله : { واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا } أي ليتمنعوا به من العذاب ، وقوله : ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ) معناه من كان يريد أن يعز يحتاج أن يكتسب منه تعالى العزة فإنها له ، وقد تستعار العزة للحمية والأنفة المذمومة وذلك في قوله { أخذته العزة بالإثم } وقال { وتعز من تشاء وتذل من تشاء } يقال عز علي كذا صعب ، قال : { عزيز عليه ما عنتم } أي صعب ، وعزه كذا غلبه ، وقيل من عز بز أي من غلب سلب قال تعالى : { وعزني في الخطاب } أي غلبني ، وقيل معناه صار أعز منى في المخاطبة والمخاصمة ، وعز المطر الأرض غلبها وشاة عزوز قل درها ، وعز الشيء قل اعتبارا بما قيل كل موجود مملول وكل مفقود مطلوب ، وقوله : { وإنه لكتاب عزيز } أي يصعب مناله ووجود مثله ، والعزى صم ، قال : { أفرأيتم اللات والعزى } واستعز بفلان إذا غلب بمرض أو بموت .
عزب : العازب المتباعد في طلب الكلإ عن أهله ، يقال عزب يعزب ويعزب ، قال : { وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة } - { لا يعزب عنه مثقال ذرة } يقال رجل عزب ، وامرأة عزبة وعزب عنه حلمه وعزب طهرها إذا غاب عنها زوجها ، وقوم معزبون عزبت إبلهم . وروي من قرأ القرآن في أربعين يوما فقد عزب : أي بعد عهده بالختمة .
عزر : التعزير النصرة مع التعظيم ، قال { وتعزروه } - { وعزرتموهم } والتعزير ضرب دون الحد وذلك يرجع إلى الأول فإن ذلك تأديب والتأديب نصرة ما لكن الأول نصرة بقمع ما يضره عنه والثاني نصرة بقمعه عما يضره . فمن قمعته عما يضره فقد نصرته . وعلى هذا الوجه قال صلى الله عليه وسلم : انصر أخاك ظالما أو مظلوما ، قال : أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما فقال : كفه عن الظلم وعزير في قوله { وقالت اليهود عزير ابن الله } اسم نبي .
____________________
(1/333)
عزل : الاعتزال تجنب الشيء عمالة كانت أو براءة أو غيرهما بالبدن كان ذلك أو بالقلب ، يقال عزلته واعتزلته وتعزلته فاعتزل ، قال : { وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله } - { فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم } - { وأعتزلكم وما تدعون من دون الله } - { فاعتزلوا النساء } وقال الشاعر :
( يا بنت عاتكة التي أتعزل ** ) وقوله : { إنهم عن السمع لمعزولون } أي ممنوعون بعد أن كانوا يمكنون ، والأعزل الذي لا رمح معه . ومن الدواب ما يميل ذنبه ومن السحاب ما لا مطر فيه ، والسماك الأعزل نجم سمي به لتصوره بخلاف السماك الرامح الذي معه نجم لتصوره بصورة رمحه .
عزم : العزم والعزيمة عقد القلب على إمضاء الأمر ، يقال عزمت الأمر وعزمت عليه واعتزمت ، قال { فإذا عزمت فتوكل على الله } - { ولا تعزموا عقدة النكاح } - { وإن عزموا الطلاق } - { إن ذلك لمن عزم الأمور } - { ولم نجد له عزما } أي محافظة على ما أمر به وعزيمة على القيام . والعزيمة تعويذ كأنه تصور أنك قد عقدت بها على الشيطان أن يمضي إرادته فيك وجمعها العزائم .
عزا : عزين أي جماعات في تفرقة ، واحدتها عزة وصله من عزوته فاعتزى أي نسبته فانتسب فكأنهم الجماعة المنتسب بعضهم إلى بعض إما في الولادة أو في المظاهرة ، ومنه الاعتزاء في الحرب وهو أن يقول أنا ابن فلان وصاحب فلان . وروي من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه وقيل عزين من عزا عزاء فهو عز إذا تصبر وتعزى أي تصبر وتأسى فكأنها اسم للجماعة التي يتأسى بعضهم ببعض .
عسعس : { والليل إذا عسعس } أي أقبل وأدبر وذلك في مبدإ الليل ومنتهاه ، فالعسعسة والعساس رقة الظلام وذلك في طرفي الليل ، والعس والعسس نفض الليل عن أهل الريبة ورجل عاس وعساس والجميع العسس . وقيل كلب عس خير من أسد ربض ، أي طلب الصيد بالليل ، والعسوس من النساء المتعاطية للريبة بالليل . والعس القدح الضخم والجمع عساس .
عسر العسر نقيض اليسر ، قال تعالى : { فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا } والعسرة تعسر وجود المال ، قال : { في ساعة العسرة } وقال : { وإن كان ذو عسرة } ، وأعسر فلان ، نحو أضاق ، وتعاسر القوم طلبوا تعسير الأمر { وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى } ويوم عسير يتصعب فيه الأمر ، قال : { وكان يوما على الكافرين عسيرا } - { يوم عسير على الكافرين غير يسير } وعسرني الرجل طالبني بشيء حين العسرة .
____________________
(1/334)
عسل : العسل لعاب النحل ، قال { من عسل مصفى } وكني عن الجماع بالعسيلة . قال عليه السلام : حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك والعسلان اهتزاز الرمح واهتزاز الأعضاء في العدو وأكثر ما يستعمل في الذئب يقال مر يعسل وينسل .
عسى : عسى طمع وترجى ، وكثير من المفسرين فسروا لعل وعسى في القرآن باللازم وقالوا إن الطمع والرجاء لا يصح من الله ، وفي هذا منهم قصور نظر ، وذاك أن الله تعالى إذا ذكر ذلك يذكره ليكون الإنسان منه راجيا لا لأن يكون هو تعالى يرجو ، فقوله : { عسى ربكم أن يهلك عدوكم } أي كونوا راجين في ذلك { فعسى الله أن يأتي بالفتح } - { عسى ربه إن طلقكن } - { وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم } - { فهل عسيتم إن توليتم } - { هل عسيتم إن كتب عليكم القتال } - { فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا } والمعسيان من الإبل ما انقطع لبنه فيرجى أن يعود لبنها ، فيقال وعسي الشيء يعسو إذا صلب ، وعسي الليل يعسوا أي أظلم .
عشر : العشرة والعشر والعشرون والعشير والعشر معروفة ، قال تعالى : { تلك عشرة كاملة } - { عشرون صابرون } - { تسعة عشر } وعشرتهم أعشرهم صرت عاشرهم ، وعشرهم أخذ عشر مالهم ، وعشرتهم صيرت ما لهم عشرة وذلك أن تجعل التسع عشرة ، ومعشار الشيء عشره ، قال تعالى : { وما بلغوا معشار ما آتيناهم } وناقة عشراء مرت من حملها عشرة أشهر وجمعها عشار ، قال تعالى : { وإذا العشار عطلت } وجاءوا عشارى عشرة عشرة والعشاري ما طوله عشرة أذرع ، والعشر في الإظماء وإبل عواشر وقدح أعشار منكسر وأصله أن يكون على عشرة أقطاع وعنه استعير قول الشاعر :
( بسهميك في أعشار قلب مقتل ** ) والعشور في المصاحف علامة العشر الآيات ، والتعشير نهاق الحمير لكونه عشرة أصوات ، والعشيرة أهل الرجل الذين يتكثر بهم أي يصيرون له بمنزلة العدد الكامل وذلك أن العشرة هو العدد الكامل ، قال تعالى : { وأزواجكم وعشيرتكم } فصار العشيرة اسما لكل جماعة من أقارب الرجل الذين يتكثر بهم وعاشرته صرت له كعشرة في المصاهرة : { وعاشروهن بالمعروف } والعشير المعاشر قريبا كان أو معارف .
عشا : العشي من زوال الشمس إلى الصباح قال : { إلا عشية أو ضحاها } والعشاء من صلاة المغرب إلى العتمة ، والعشا آن المغرب والعتمة . والعشا ظلمة تعترض في العين ، يقال رجل أعشى وامرأة عشواء . وقيل يخبط خبط عشواء . وعشوت النار قصدتها ليلا وسمي النار التي
____________________
(1/335)
تبدو بالليل عشوة وعشوة كالشعلة ، عشي عن كذا نحو عمي عنه . قال : { ومن يعش عن ذكر الرحمن } والعواشي الإبل التي ترعى ليلا الواحدة عاشية ومنه قيل العاشية تهيج الآبية ، والعشاء طعام العشاء وبالكسر صلاة العشاء ، وقد عشيت وعشيته وقيل عش ولا تغتر .
عصب : العصب أطناب المفاصل ، ولحم عصب كثير العصب والمعصوب المشدود بالعصب المنزوع من الحيوان ثم يقال لكل شد عصب نحو قولهم لأعصبنكم عصب السلمة ، وفلان شديد العصب ومعصوب الخلق أي مدمج الخلقة ، ويوم عصيب شديد يصح أن يكون بمعنى فاعل وأن يكون بمعنى مفعول أي يوم مجموع الأطراف كقولهم يوم ككفة حابل وحلقة خاتم ، والعصبة جماعة متعصبة متعاضدة ، قال تعالى : { لتنوء بالعصبة } - { ونحن عصبة } أي مجتمعة الكلام متعاضدة ، واعصوصب القوم صاروا عصبا ، وعصبوا به أمرا وعصب الريق بفمه يبس حتى صار كالعصب أو كالمعصوب به . والعصب ضرب من برود اليمن قد عصب به نقوش ، والعصابة ما يعصب به الرأس والعمامة وقد اعتصب فلان نحو تعمم والمعصوب الناقة التي لا تدر حتى تعصب ، والعصيب في بطن الحيوان لكونه معصوبا أي مطويا .
عصر : العصر مصدر عصرت والمعصور الشيء العصير والعصارة نفاية ما يعصر ، قال { إني أراني أعصر خمرا } وقال : { وفيه يعصرون } أي يستنبطون منه الخير وقرئ يعصرون أي يمطرون ، واعتصرت من كذا أخذت ما يجري مجرى العصارة ، قال الشاعر :
( وإنما العيش بربانه ** وأنت من أفنانه معتصر ) { وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا } أي السحائب التي تعتصر بالمطر أي تصب ، وقيل التي تأتي بالإعصار ، والإعصار ريح تثير الغبار ، قال { فأصابها إعصار } والاعتصار أن يعض فيعتصر بالماء ومنه العصر ، والعصر الملجأ ، والعصر والعصر الدهر والجميع العصور ، قال : { والعصر إن الإنسان لفي خسر } والعصر العشي ومنه صلاة العصر وإذا قيل العصران فقيل الغداة والعشي ، وقيل اليل والنهار وذلك كالقمرين للشمس والقمر . والمعصر المرة التي حاضت ودخلت في عصر شبابها .
عصف : العصف والعصيفة الذي يعصف من الزرع ويقال لحطام النبت المتكسر عصف ، قال : { والحب ذو العصف } - { كعصف مأكول } - { ريح عاصف } وعاصفة ومعصفة تكسر الشيء فتجعله كعصف ، وعصفت بهم الريح تشبيها بذلك .
عصم : العصم الإمساك ، والاعتصام
____________________
(1/336)
الاستمساك ، قال : { لا عاصم اليوم من أمر الله } أي لا شيء يعصم منه ، ومن قال معناه لا معصوم فليس يعني أن العاصم بمعنى المعصوم وإنما ذلك تنبيه منه على المعنى المقصود بذلك وذلك أن العاصم والمعصوم يتلازمان فأيهما حصل حصل معه الآخر ، قال : { ما لهم من الله من عاصم } والاعتصام التمسك بالشيء ، قال { واعتصموا بحبل الله جميعا } - { ومن يعتصم بالله } واستعصم استمسك كأنه طلب ما يعتصم به من ركوب الفاحشة ، قال { فاستعصم } أي تحرى ما يعصمه وقوله { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } والعصام ما يعصم به أي يشد وعصمة الأنبياء حفظه إياهم أولا بما خصهم به من صفاء الجوهر ، ثم بما أولاهم من الفضائل الجسمية والنفسية ثم بالنصرة وبتثبت أقدامهم ، ثم بإنزال السكينة عليهم وبحفظ قلوبهم وبالتوفيق ، قال تعالى : { والله يعصمك من الناس } والعصمة شبه السوار ، والمعصم موضعها من اليد ، وقيل للبياض بالرسغ عصمة تشبيها بالسوار وذلك كتسمية البياض بالرجل تحجيلا ، وعلى هذا قيل غراب أعصم .
عصا : العصا أصله من الواو لقولهم في تثنيته عصوان ، ويقال في جمعه عصي وعصوته ضربته بالعصا وعصيت بالسيف ، قال { وألق عصاك } - { فألقى عصاه } - { قال هي عصاي } - { فألقوا حبالهم وعصيهم } ويقال ألقى فلان عصاه إذا نزل تصورا بحال من عاد من سفره ، قال الشاعر :
( فألقت عصاها واستقرت بها النوى ** )
وعصى عصيانا إذا خرج عن الطاعة ، وأصله أن يتمنع بعصاه ، قال : { وعصى آدم ربه } - { ومن يعص الله ورسوله } - { آلآن وقد عصيت قبل } ويقال فيمن فارق الجماعة فلان شق العصا .
عض : العض أزم بالأسنان قال : { عضوا عليكم الأنامل } - { ويوم يعض الظالم } وذلك عبارة عن الندم لما جرى به عادة الناس أن يفعلوه عند ذلك ، والعض للنوى والذي يعض عليه الإبل ، والعضاض معاضة الدواب بعضها بعضا ، ورجل معض مبالغ في أمره كأنه يعض عليه ويقال ذلك في المدح تارة وفي الذم تارة بحسب ما يبالغ فيه ، يقال هو عض سفر وعض في الخصومة ، وزمن عضوض فيه جدب ، والتعضوض ضرب من التمر يصعب مضغه .
عضد : العضد ما بين المرفق إلى الكتف وعضدته أصبت عضده ، وعنه استعير عضدت الشجر بالمعضد ، وجمل عاضد يأخذ عضد الناقة فيتنوخها ويقال عضدته أخذت عضده وقويته ويستعار العضد للمعين كاليد { وما كنت متخذ المضلين عضدا } ورجل أعضد دقيق العضد ، وعضد يشتكي من العضد ، وهو داء يناله في عضده ، ومعضد موسوم في عضده ويقال لسمته
____________________
(1/337)
عضاد ، والمعضد دملجة ، وأعضاد الحوض جوانبه تشبيها بالعضد .
عضل : العضلة كل لحم صلب في عصب ورجل عضل مكتنز اللحم وعضلته شددته بالعضل المتناول من الحيوان نحو عصبته وتجوز به في كل منع شديد ، قال { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } قيل خطاب للأزواج وقيل للأولياء : وعضلت الدجاجة ببيضها ، والمرأة بولدها إذا تعسر خروجهما تشبيها بها . قال الشاعر :
( ترى الأرض منا بالفضاء مريضة ** معضلة منا بجمع عرمرم ) وداء عضال صعب البرء ، والعضلة الداهية المنكرة .
عضه : { جعلوا القرآن عضين } أي مفرقا فقالوا كهانة وقالوا أساطير الأولين إلى غير ذلك مما وصفوه به . وقيل معنى عضين ما قال تعالى : { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } خلاف من قال فيه : { وتؤمنون بالكتاب كله } وعضون جمع كقولهم ثبون وظبون في جمع ثبة وظبة ومن هذا الأصل العضو والعضو ، والتعضية تجزئة الأعضاء ، وقد عضيته . قال الكسائي : هو من العضو أو من العضه وهي شجر وأصل عضة في لغة عضهة ، لقولهم عضيهة ، وعضوة في لغة لقولهم عضوان وروي لا تعضية في الميراث : أي لا يفرق ما يكون تفريقه ضررا على الورثة كسيف يكسر بنصفين ونحو ذلك .
عطف : العطف يقال في الشيء إذا ثني أحد طرفيه إلى الآخر كعطف الغصن والوسادة والحبل ومنه قيل للرداء المثني عطاف ، وعطفا الإنسان جانباه من لدن رأسه إلى وركه وهو الذي يمكنه أن يلقيه من بدنه . ويقال ثنى عطفه إذا أعرض وجفا نحو { ونأى بجانبه } وصعر بخده ونحو ذلك من الألفاظ ، ويستعار للميل والشفقة إذا عدي بعلى ، يقال عطف عليه وثناه عاطفة رحم ، وظبية عاطفة على ولدها ، وناقة عطوف على بوها ، وإذا عدي بعن يكون على الضد نحو عطفت عن فلان .
عطل : العطل فقدان الزينة والشغل ، يقال عطلت المرأة فهي عطل وعاطل ، ومنه قوس عطل لا وتر عليه ، وعطلته من الحلي ومن العمل فتعطل ، قال { وبئر معطلة } ويقال لمن يجعل العالم بزعمه فارغا عن صانع أتقنه وزينه : معطل ، وعطل الدار عن ساكنها ، والإبل عن راعيها .
عطا : العطو التناول والمعاطاة المناولة ، والإعطاء الإنالة { حتى يعطوا الجزية } واختص العطية والعطاء بالصلة ، قال { هذا عطاؤنا } يعطي من يشاء { فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها } وأعطى البعير انقاد وأصله أن يعطي رأسه
____________________
(1/338)
فلا يتأبى وظبي عطو وعاط رفع رأسه لتناول الأوراق .
عظم : العظم جمعه عظام ، قال { عظاما فكسونا العظام لحما } وقرئ عظما فيهما ، ومنه قيل عظمة الذراع لمستغلظها ، وعظم الرحل خشبة بلا أنساع ، وعظم الشيء أصله كبر عظمه ثم استعير لكل كبير فأجري مجراه محسوسا كان أو معقولا ، عينا كان أو معنى ، قال { عذاب يوم عظيم } - { قل هو نبأ عظيم } - { عم يتساءلون عن النبإ العظيم } - { من القريتين عظيم } والعظيم إذا استعمل في الأعيان فأصله أن يقال في الأجزاء المتصلة ، والكثير يقال في المنفصلة ، ثم قد يقال في المنفصل عظيم نحو جيش عظيم ومال عظيم ، وذلك في معنى الكثير ، والعظيمة النازلة ، والإعظامة والعظامة شبه وسادة تعظم بها المرأة عجيزتها .
عف : العفة حصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة ، والمتعفف المتعاطى لذلك بضرب من الممارسة والقهر ، واصله الاقتصار على تناول الشيء القليل الجاري مجرى العفافة ، والعفة أي البقية من الشيء ، أو مجرى العفعف وهو ثمر الأراك ، والاستعفاف طلب العفة ، قال { ومن كان غنيا فليستعفف } وقال { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا } .
عفر : { قال عفريت من الجن } العفريت من الجن هو العارم الخبيث ، ويستعار ذلك للإنسان استعارة الشيطان له ، يقال عفريت نفريت ، قال ابن قتيبة : العفريت الموثق الخلق ، وأصله من العفر أي التراب ، وعافره صارعه فألقاه في العفر ، ورجل عفر نحو شر وشمر ، وليث عفرين : دابة تشبه الحرباء تتعرض للراكب ، وقيل عفرية الديك والحبارى للشعر الذي على رأسهما .
عفا : العفو القصد لتناول الشيء ، يقال عفاه واعتفاه أي قصده متناولا ما عنده ، وعفت الريح الدار قصدتها متناولة آثارها ، وبهذا النظر قال الشاعر :
( أخذ البلى آياتها ** )
وعفت الدار كأنها قصدت هي البلى ، وعفا النبت والشجر قصد تناول الزيادة كقولك أخذ النبت في الزيادة ، وعفوت عنه قصدت إزالة ذنبه صارفا عنه ، فالمفعول في الحقيقة متروك ، وعن متعلق بمضمر ، فالعفو هو التجافى عن الذنب ، قال { فمن عفا وأصلح } وأن تعفوا أقرب للتقوى - ثم عفونا عنكم - إن نعف عن طائفة منكم - واعف عنهم ) وقوله { خذ العفو } أي ما يسهل قصده وتناوله ، وقيل معناه تعاطي العفو عن الناس ، وقوله { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو } أي ما يسهل إنفاقه . وقولهم : أعطى عفوا ، فعفوا مصدر في موضع الحال أي أعطى وحاله حال العافي أي القاصد
____________________
(1/339)
للتناول إشارة إلى المعنى الذي عد بديعا ، وهو قول الشاعر :
( كأنك تعطيه الذي أنت سائله ** ) وقولهم في الدعاء أسألك العفو والعافية أي ترك العقوبة والسلامة ، وقال في وصفه تعالى { إن الله كان عفوا غفورا } وقوله وما أكلت العافية فصدقة أي طلاب الرزق من طير ووحش وإنسان ، وأعفيت كذا أي تركته يعفو ويكثر ، ومنه قيل أعفوا اللحى والعفاء ما كثر من الوبر والريش ، والعافي ما يرد مستعير القدر من المرق في قدره
عقب : العقب مؤخر الرجل ، وقيل عقب وجمعه أعقاب ، وروي : ويل للأعقاب من النار واستعير العقب للولد وولد لولد ، قال تعالى { وجعلها كلمة باقية في عقبه } وعقب الشهر من قولهم جاء في عقب الشهر أي آخره ، وجاء في عقبه إذا بقيت منه بقية ، ورجع على عقبه إذا انثنى راجعا ، وانقلب على عقبيه نحو رجع على حافرته ، ونحو : { فارتدا على آثارهما قصصا } وقولهم رجع عوده على بدئه ، قال : { ونرد على أعقابنا } - { انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه } - { نكص على عقبيه } - { فكنتم على أعقابكم تنكصون } وعقبه إذا تلاه عقبا نحو دبره وقفاه ، والعقب والعقبى يختصان بالثواب نحو { خير ثوابا وخير عقبا } وقال تعالى : { أولئك لهم عقبى الدار } والعاقبة إطلاقها يختص بالثواب نحو : { والعاقبة للمتقين } وبالإضافة قد تستعمل في العقوبة نحو : { ثم كان عاقبة الذين أساؤوا } وقوله تعالى : { فكان عاقبتهما أنهما في النار } يصح أن يكون ذلك استعارة من ضده كقوله : { فبشرهم بعذاب أليم } والعقوبة والمعاقبة والعقاب يختص بالعذاب ، قال { فحق عقاب } - { شديد العقاب } - { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } - { ومن عاقب بمثل ما عوقب به } والتعقيب أن يأتي بشيء بعد آخر ، يقال عقب الفرس في عدوه قال : { له معقبات من بين يديه ومن خلفه } أي ملائكة يتعاقبون عليه حافظين له . وقوله { لا معقب لحكمه } أي لا أحد يتعقبه ويبحث عن فعله من قولهم عقب الحاكم على حكم من قبله إذا تتبعه . قال الشاعر : ( وما بعد حكم الله تعقيب ** )
ويجوز أن يكون ذلك نهيا للناس أن لا يخوضوا في البحث عن حكمه وحكمته إذا خفيت عليهم ويكون ذلك من نحو النهي عن الخوض في سر القدر . وقوله تعالى : { ولى مدبرا ولم يعقب } أي لم يلتفت وراءه . والاعتقاب أن يتعاقب شيء بعد آخر كاعتقاب الليل والنهار ، ومنه العقبة أن يتعاقب اثنان على ركوب ظهر ، وعقبة الطائر صعوده وانحداره ، وأعقبه كذا إذا أورثه ذلك ، قال { فأعقبهم نفاقا } قال الشاعر :
____________________
(1/340)
( له طائف من جنة غير معقب ** ) أي لا يعقب الإفاقة ، وفلان لم يعقب أي لم يترك ولدا ، وأعقاب الرجل أولاده . قال أهل اللغة لا يدخل فيه أولاد البنت لأنهم لم يعقبوه بالنسب ، قال : وإذا كان له ذرية فإنهم يدخلون فيها ، وامرأة معقاب تلد مرة ذكرا ومرة أنثى ، وعقبت الرمح شددته بالعقب نحو عصبته شددته بالعصب ، والعقبة طريق وعر في الجبل ، والجمع عقب وعقاب ، والعقاب سمي لتعاقب جريه في الصيد ، وبه شبه في الهيئة الراية ، والحجر الذي على حافتي البئر ، والخيط الذي في القرط ، واليعقوب ذكر الحجل لما له من عقب الجري .
عقد : العقد الجمع بين أطراف الشيء ويستعمل ذلك في الأجسام الصلبة كعقد الحبل وعقد البناء ثم يستعار ذلك للمعاني نحو عقد البيع والعهد وغيرهما فيقال عاقدته وعقدته وتعاقدنا وعقدت يمينه ، قال / < عاقدت أيمانكم > / وقرئ { عقدت أيمانكم } وقال : { بما عقدتم الأيمان } وقرئ : { بما عقدتم الأيمان } ومنه قيل لفلان عقيدة ، وقيل للقلادة عقد . والعقد مصدر استعمل اسما فجمع نحو { أوفوا بالعقود } والعقدة اسم لما يعقد من نكاح أو يمين أو غيرهما ، قال : { ولا تعزموا عقدة النكاح } وعقد لسانه احتبس وبلسانه عقدة أي في كلامه حبسة ، قال { واحلل عقدة من لساني } - { النفاثات في العقد } جمع عقدة وهي ما تعقده الساحرة وأصله من العزيمة ولذلك يقال لها عزيمة كما يقال لها عقدة ، ومنه قيل للساحر معقد ، وله عقدة ملك ، وقيل ناقة عاقدة وعاقد عقدت بذنبها للقاحها ، وتيس وكلب أعقد ملتوي الذنب ، وتعاقدت الكلاب تعاظلت .
عقر : عقر الحوض والدار وغيرهما أصلها ويقال له عقر ، وقيل : ما غزي قوم في عقر دارهم قط إلا ذلوا ، وقيل للقصر عقرة . وعقرته أصبت عقره أي أصله نحو رأسته ومنه عقرت النخل قطعته من أصله وعقرت البعير نحرته وعقرت ظهر البعير فانعقر ، قال : { فعقروها فقال تمتعوا في داركم } وقال تعالى : { فتعاطى فعقر } ومنه استعير سرج معقر وكلب عقور ورجل عاقر وامرأة عاقر لا تلد كأنها تعقر ماء الفحل ، قال : { وكانت امرأتي عاقرا } - { وامرأتي عاقر } وقد عقرت والعقر آخر الولد وبيضة العقر كذلك ، والعقار الخمر لكونه كالعاقر للعقل والمعاقرة إدمان شربه ، وقولهم للقطعة من الغنم عقر فتشبيه بالقصر ، فقولهم رفع فلان عقيرته أي صوته فذلك لما روي أن رجلا عقر رجله فرفع صوته فصار ذلك مستعارا للصوت ، والعقاقير ، أخلاط الأدوية ، الواحد عقار .
عقل : العقل يقال للقوة المتهيئة لقبول العلم ويقال للعلم الذي يستفيده الإنسان بتلك
____________________
(1/341)
القوة عقل ولهذا قال أمير المؤمنين رضي الله عنه
( العقل عقلان ** مطبوع ومسموع )
( ولا ينفع مسموع ** إذا لم يك مطبوع )
( كما لا ينفع ضوء الشمس ** وضوء العين ممنوع ) وإلى الأول أشار صلى الله عليه وسلم بقوله : ما خلق الله خلقا أكرم عليه من العقل وإلى الثاني أشار بقوله : ما كسب أحد شيئا أفضل من عقل يهديه إلى هدى أو يرده عن ردى وهذا العقل هو المعني بقوله { وما يعقلها إلا العالمون } وكل موضع ذم الله فيه الكفار بعدم العقل فإشارة إلى الثاني دون الأول نحو : { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق } إلى قوله : { صم بكم عمي فهم لا يعقلون } ونحو ذلك من الآيات ، وكل موضع رفع التكليف عن العبد لعدم العقل فإشارة إلى الأول . وأصل العقل الإمساك والاستمساك كعقل البعير بالعقال وعقل الدواء البطن وعقلت المرأة شعرها وعقل لسانه كفه ومنه قيل للحصن معقل وجمعه معاقل . وباعتبار عقل البعير قيل عقلت المقتول أعطت ديته ، وقيل أصله أن تعقل الإبل بفناء ولي الدم وقيل بل بعقل الدم أن يسفك ثم سميت الدية بأي شيء كان عقلا وسمي الملتزمون له عاقلة ، وعقلت عنه نبت عنه في إعطاء الدية ودية معقلة على قومه إذا صاروا بدونه واعتقله بالشغزبية إذا صرعه ، واعتقل رمحه بين ركابه وساقه ، وقيل العقال صدقة عام لقول أبي بكر رضي الله عنه لو منعوني عقالا لقاتلتهم ولقولهم أخذ النقد ولم يأخذ العقال ، وذلك كناية عن الإبل بما يشد به أو بالمصدر فإنه يقال علته عقلا وعقالا كما يقال كتبت كتابا ، ويسمى المكتوب كتابا كذلك يسمى المعقول عقالا ، والعقيلة من النساء والدر وغيرهما التي تعقل أي تحرس وتمنع كقولهم علق مضنة لما يتعلق به ، والمعقل جبل أو حصن يعتقل به ، والعقال داء يعرض في قوائم الخيل ، والعقل اصطكاك فيها .
عقم : أصل العقم اليبس المانع من قبول الأثر يقال عقمت مفاصله وداء عقام لا يقبل البرء والعقيم من النساء التي لا تقبل ماء الفحل يقال عقمت المرأة والرحم ، قال : { فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم } وريح عقيم يصح أن يكون بمعنى الفاعل وهي التي لا تلقح سحابا ولا شجرا ، ويصح أن يكون بمعنى المفعول كالعجوز العقيم وهي التي لا تقبل أثر الخير ، وإذا لم تقبل ولم تتأثر لم تعط ولم تؤثر ، قال تعالى : { إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } ويوم عقيم لا فرح فيه .
عكف : العكوف الإقبال على الشيء
____________________
(1/342)
وملازمته على سبيل التعظيم له والاعتكاف في الشرع هو الاحتباس في المسجد على سبيل القربة ويقال عكفته على كذا أي حبسته عليه لذلك قال : { سواء العاكف فيه والباد } - { والعاكفين } - { فنظل لها عاكفين } - { يعكفون على أصنام لهم } - { ظلت عليه عاكفا } - { وأنتم عاكفون في المساجد } - { والهدي معكوفا } أي محبوسا ممنوعا .
علق : العلق التشبث بالشيء ، يقال علق الصيد في الحبالة وأعلق الصائد إذا علق الصيد في حبالته ، والمعلق والمعلاق ما يعلق به وعلاقة السوط كذلك ، وعلق القربة كذلك ، وعلق البكرة آلاتها التي تتعلق بها ومنه العلقة لما يتمسك به وعلق دم فلان بزيد إذا كان زيد قاتله ، والعلق دود يتعلق بالحلق ، والعلق الدم الجامد ومنه العلقة التي يكون منها الولد ، قال : { خلق الإنسان من علق } وقال : { ولقد خلقنا الإنسان } إلى قوله { فخلقنا العلقة مضغة } والعلق الشيء النفيس الذي يتعلق به صاحبه فلا يفرج عنه والعليق ما علق على الدابة من القضيم والعليقة مركوب يبعثها الإنسان مع غيره فيغلق أمره ، قال الشاعر :
( أرسلها عليقة وقد علم ** أن العليقات يلاقين الرقم ) والعلوق الناقة التي ترأم ولدها فتعلق به ، وقيل للمنية علوق ، والعلقى شجر يتعلق به ، وعلقت المرأة حبلت ، ورجل معلاق يتعلق بخصمه .
علم : العلم إدراك الشيء بحقيقته وذلك ضربان : أحدهما إدراك ذات الشيء . والثاني الحكم على الشيء بوجود شيء هو موجود له أو نفي شيء هو منفي عنه . فالأول هو المتعدي إلى مفعول واحد نحو { لا تعلمونهم الله يعلمهم } والثاني المتعدي إلى مفعولين نحو قوله : { فإن علمتموهن مؤمنات } وقوله : { يوم يجمع الله الرسل } إلى قوله : { لا علم لنا } فإشارة إلى أن عقولهم طاشت . والعلم من وجه ضربان : نظري وعملي ، فالنظري ما إذا علم فقد كمل نحو العلم بموجودات العالم ، والعملي مالا يتم إلا بأن يعمل كالعلم بالعبادات . ومن وجه آخر ضربان : عقلي وسمعي ، وأعلمته وعلمته في الأصل واحد إلا أن الإعلام اختص بما كان بإخبار سريع والتعليم اختص بما يكون بتكرير وتكثير حتى يحصل منه أثر في نفس المتعلم . قال بعضهم : التعليم تنبيه النفس لتصور المعاني ، والتعلم تنبه النفس لتصور ذلك وربما استعمل في معنى الإعلام إذا كان فيه تكرير نحو : { أتعلمون الله بدينكم } فمن التعليم قوله : { الرحمن علم القرآن } - { علم بالقلم } - { وعلمتم ما لم تعلموا } - { علمنا منطق الطير } - { ويعلمهم الكتاب والحكمة } ونحو ذلك . وقوله { وعلم آدم الأسماء كلها } فتعليمه
____________________
(1/343)
الأسماء هو أن جعل له قوة بها نطق ووضع أسماء الأشياء وذلك بإلقائه في روحه ، وكتعليمه الحيوانات كل واحد منها فعلا يتعاطاه وصوتا يتحراه ، قال : { وعلمناه من لدنا علما } قال له موسى { هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا } قيل عنى به العلم الخاص الخفي على البشر الذي يرونه ما لم يعرفهم الله منكرا بدلالة ما رآه موسى منه لما تبعه فأنكره حتى عرفه سببه ، قيل وعلى هذا العلم في قوله : { قال الذي عنده علم من الكتاب } وقوله تعالى : { والذين أوتوا العلم درجات } فتنبيه منه تعالى على تفاوت منازل العلوم وتفاوت أربابها . وأما قوله : { وفوق كل ذي علم عليم } فعليم يصح أن يكون إشارة إلى الإنسان الذي فوق آخر ويكون تخصيص لفظ العليم الذي هو للمبالغة تنبيها أنه بالإضافة إلى الأول عليم وإن لم يكن بالإضافة إلى من فوقه كذلك ، ويجوز أن يكون قوله عليم عبارة عن الله تعالى وإن جاء لفظه منكرا إذ كان الموصوف في الحقيقة بالعليم هو تبارك وتعالى ، فيكون قوله : { وفوق كل ذي علم عليم } إشارة إلى الجماعة بأسرهم لا إلى كل واحد بانفراده ، وعلى الأول يكون إشارة إلى كل واحد بانفراده . وقوله { علام الغيوب } فيه إشارة إلى أنه لا يخفى عليه خافية . وقوله { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول } فيه إشارة أن لله تعالى علما يخص به أولياءه ، والعالم في وصف الله هو الذي لا يخفي عليه شيء كما قال : { لا تخفى منكم خافية } وذلك لا يصح إلا في وصفه تعالى . والعلم الأثر الذي يعلم به الشيء كعلم الطريق وعلم الجيش ، وسمي الجبل علما لذلك وجمعه أعلام ، وقرئ { وإنه لعلم للساعة } وقال { ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام } وفي أخرى { وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام } والشق في الشفة العليا علم وعلم الثوب ، ويقال فلان علم أي مشهور يشبه بعلم الجيش . وأعلمت كذا جعلت له علما ، ومعالم الطريق والدين الواحد معلم ، وفلان معلم للخير ، والعلام الحناء وهو منه ، والعالم اسم للفلك وما يحويه من الجواهر والأعراض ، وهو في الأصل اسم لما يعلم به كالطابع والخاتم لما يطبع به ويختم به وجعل بناؤه على هذه الصيغة لكونه كالآلة والعالم آلة في الدلالة على صانعه ، ولهذا أحالنا تعالى عليه في معرفة وحدانيته فقال : { أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض } وأما جمعه فلأن من كل نوع من هذه قد يسمى عالما ، فيقال عالم الإنسان وعالم الماء وعالم النار ، وأيضا قد روي : إن لله بضعة عشر ألف عالم وأما جمعه جمع السلامة فلكون الناس في جملتهم ، والإنسان ذا شارك غيره في اللفظ غلب حكمه ، وقيل إنما جمع هذا الجمع لأنه عني به أصناف
____________________
(1/344)
الخلائق من الملائكة والجن والإنس دون غيرها . وقد روي هذا عن ابن عباس . وقال جعفر بن محمد : عني به الناس وجعل كل واحد منهم عالما ، وقال : العالم عالمان الكبير وهو الفلك بما فيه ، والصغير وهو الإنسان لأنه مخلوق على هيئة العالم وقد أوجد الله تعالى فيه كل ما هو موجود في العالم الكبير ، قال تعالى : { الحمد لله رب العالمين } وقوله تعالى : { وأني فضلتكم على العالمين } قيل أراد عالمي زمانهم وقيل أراد فضلاء زمانهم الذين يجري كل واحد منهم مجرى كل عالم لما أعطاهم ومكنهم منه وتسميتهم بذلك كتسمية إبراهيم عليه السلام بأمة في قوله { إن إبراهيم كان أمة } وقوله { أو لم ننهك عن العالمين } .
علن : العلانية ضد السر وأكثر ما يقال ذلك في المعاني دون الأعيان ، يقال علن كذا وأعلنته أنا ، قال { أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا } أي سرا وعلانية . وقال : { ما تكن صدورهم وما يعلنون } وعلوان الكتاب يصح أن يكون من علن اعتبارا بظهور المعنى الذي فيه لا بظهور ذاته .
علا : العلو ضد السفل ، والعلوي والسفلي المنسوب إليهما ، والعلو الارتفاع وقد علا يعلو علوا وهو عال ، وعلى يعلى علا فهو علي ، فعلا بالفتح في الأمكنة والأجسام أكثر . قال : { عاليهم ثياب سندس } وقيل إن علا يقال في المحمود والمذموم ، وعلي لا يقال إلا في المحمود ، قال : { إن فرعون علا في الأرض } - { لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين } وقال تعالى : { فاستكبروا وكانوا قوما عالين } وقال لإبليس { أستكبرت أم كنت من العالين } - { لا يريدون علوا في الأرض } - { ولعلا بعضهم على بعض } - { ولتعلن علوا كبيرا } - { واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا } والعلي هو الرفيع القدر من علي ، وإذا وصف الله تعالى به في قوله : { وهو العلي الكبير } - { إن الله كان عليا كبيرا } فمعناه يعلوا أن يحيط به وصف الواصفين بل علم العارفين . وعلى ذلك يقال تعالى نحو { تعالى الله عما يشركون } وتخصيص لفظ التفاعل لمبالغة ذلك منه لا على سبيل التكلف كما يكون من البشر ، وقال عز وجل : { وتعالى عما يقولون علوا كبيرا } فقوله علوا ليس بمصدر تعالى . كما أن قوله نباتا في قوله { أنبتكم من الأرض نباتا } ( وتبتيلا في قوله { وتبتل إليه تبتيلا } كذلك . والأعلى الأشرف ، قال : { أنا ربكم الأعلى } والاستعلاء قد يكون طلب العلو المذموم ، وقد يكون طلب العلاء أي الرفعة ، وقوله { وقد أفلح اليوم من استعلى } يحتمل الأمرين جميعا . وأما قوله : { سبح اسم ربك الأعلى } فمعناه أعلى من أن يقاس به أو يعتبر بغيره وقوله { والسماوات العلى } فجمع تأنيث الأعلى والمعنى هي الأشرف والأفضل بالإضافة إلى
____________________
(1/345)
هذا العالم ، كما قال { أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها } وقوله { لفي عليين } فقد قيل هو اسم اشرف الجنان كما أن سجينا اسم شر النيران ، وقيل بل ذلك في الحقيقة اسم سكانها وهذا أقرب في العربية ، إذ كان هذا الجمع يختص بالناطقين ، قال : والواحد علي نحو بطيخ . ومعناه إن الأبرار في جملة هؤلاء فيكون ذلك كقوله { فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين } الآية وباعتبار العلو قيل للمكان المشرف وللشرف العلياء والعلية تصغير عالية فصار في التعارف اسما للغرفة ، وتعالى النهار ارتفع ، وعالية الرمح ما دون السنان جمعها عوال ، وعالية المدينة ، ومنه قيل بعث إلى أهل العوالي ، نسب إلى العالية فقيل علوي . والعلاة السندان حديدا كان أو حجرا . ويقال العلية للغرفة وجمعها علالي وهو فعاليل ، والعليان البعير الضخم ، وعلاوة الشيء أعلاه . ولذلك قيل للرأس والعنق علاوة ولما يحمل فوق الأحمال علاوة . وقيل علاوة الريح وسفالته ، والمعلى أشرف القداح وهو السابع واعل عني أي ارتفع ، وتعال قيل أصله أن يدعى الإنسان إلى مكان مرتفع ثم جعل للدعاء إلى كل مكان ، قال بعضهم أصله من العلو وهو ارتفاع المنزلة فكأنه دعا إلى ما فيه رفعة كقولك افعل كذا غير صاغر تشريفا للمقول له . وعلى ذلك قال : { فقل تعالوا ندع أبناءنا } - { تعالوا إلى كلمة } - { تعالوا إلى ما أنزل الله } - { ألا تعلوا علي } - { تعالوا أتل } وتعلى ذهب صعد ا . يقال عليته فتعلى وعلى حرف جر ، وقد يوضع موضع الاسم في قولهم غدت من عليه .
عم : العم أخو الأب والعمة أخته ، قال { أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم } ورجل معم مخول واستعم عما وتعممه أي اتخذه عما وأصل ذلك من العموم وهو الشمول وذلك باعتبار الكثرة . ويقال عمهم كذا وعمهم بكذا عما وعموما والعامة سموا بذلك لكثرتهم وعمومهم في البلد ، وباعتبار الشمول سمي المشور العمامة فقيل تعمم نحو تقنع وتقمص وعممته ، وكني بذلك عن السيادة . وشاة معممة مبيضة الرأس كأن عليها عمامة نحو مقنعة ومخمرة ، قال الشاعر :
( يا عامر بن مالك يا عما ** أفنيت عما وجبرت عما )
أي يا عماه سلبت قوما وأعطيت قوما . وقوله : { عم يتساءلون } أي عن ما وليس من هذا الباب .
عمد : العمد قصد الشيء والاستناد إليه ، والعماد ما يعتمد قال : { إرم ذات العماد } أي الذي كانوا يعتمدونه ، يقال عمدت الشيء إذا أسندته ، وعمدت الحائط مثله . والعمود خشب تعتمد عليه الخيمة وجمعه عمد وعمد ، قال : { في عمد ممددة }
____________________
(1/346)
) وقرئ { في عمد } وقال : { بغير عمد ترونها } وكذلك ما يأخذه الإنسان بيده معتمدا عليه من حديد أو خشب . وعمود الصبح ابتداء ضوئه تشبيها بالعمود في الهيئة ، والعمد والتعمد في التعارف خلاف السهو وهو المقصود بالنية ، قال : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا } - { ولكن ما تعمدت قلوبكم } وقيل فلان رفيع العماد أي هو رفيع عند الاعتماد عليه ، والعمدة كل ما يعتمد عليه من مال وغيره وجمعها عمد . وقرئ { في عمد } والعميد السيد الذي يعمده الناس ، والقلب الذي يعمده الحزن ، والسقيم الذي يعمده السقم ، وقد عمد توجع من حزن أو غضب أو سقم ، وعمد البعير توجع من عقر ظهره .
عمر : العمارة نقيض الخراب ، يقال عمر أرضه يعمرها عمارة ، قال : { وعمارة المسجد الحرام } يقال عمرته فعمر فهو معمور قال : { وعمروها أكثر مما عمروها } - { والبيت المعمور } وأعمرته الأرض واستعمرته إذا فوضت إليه العمارة ، قال { واستعمركم فيها } والعمر والعمر اسم لمدة عمارة البدن بالحياة فهو دون البقاء فإذا قيل طال عمره فمعناه عمارة بدنه بروحه وإذا قيل بقاؤه فليس يقتضي ذلك فإن البقاء ضد الفناء ، ولفضل البقاء على العمر وصف الله به وقلما وصف بالعمر . والتعمير إعطاء العمر بالفعل أو بالقول على سبيل الدعاء قال : { أولم نعمركم ما يتذكر فيه } - { وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره } - { وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر } وقوله تعالى : { ومن نعمره ننكسه في الخلق } قال تعالى : { فتطاول عليهم العمر } - { ولبثت فينا من عمرك سنين } والعمر والعمر واحد لكن خص القسم بالعمر دون العمر نحو : { لعمرك إنهم لفي سكرتهم } وعمرك الله أي سألت الله عمرك وخص ههنا لفظ عمر لما قصد به قصد القسم ، والاعتمار والعمرة الزيارة التي فيها عمارة الود ، وجعل في الشريعة للقصد المخصوص . وقوله { إنما يعمر مساجد الله } إما من العمارة التي هي حفظ البناء أو من العمرة التي هي الزيارة . أو من قولهم : عمرت بمكان كذا أي أقمت به لأنه يقال : عمرت المكان وعمرت بالمكان والعمارة أخص من القبيلة وهي اسم لجماعة بهم عمارة المكان ، قال الشاعر :
( لكل أناس من معد عمارة ** ) والعمار ما يضعه الرئيس على رأسه عمارة لرئاسته وحفظا له ريحانا كان أو عمامة . وإذا سمي الريحان من دون ذلك عمارا فاستعارة منه واعتبار به . والمعمر المسكن ما دام عامرا بسكانه . والعرمرمة صحب يدل على عمارة الموضع بأربابه . والعمرى في العطية أن تجعل له شيئا مدة عمرك أو عمره كالرقبى ، وفي تخصيص لفظه تنبيه أن ذلك شيء معار .
____________________
(1/347)
والعمر اللحم الذي يعمر به ما بين الأسنان ، وجمعه عمور . ويقال للضبع أم عامر وللإفلاس أبو عمرة .
عمق : { من كل فج عميق } أي بعيد وأصل العمق البعد سفلا ، يقال بئر عميق ومعيق إذا كانت بعيدة القعر .
عمل : العمل كل فعل يكون من الحيوان بقصد فهو أخص من الفعل لأن الفعل قد ينسب إلى الحيوانات التي يقع منها فعل بغير قصد ، وقد ينسب إلى الجمادات ، والعمل قلما ينسب إلى ذلك ، ولم يستعمل العمل في الحيوانات إلا في قولهم البقر العوامل ، والعمل يستعمل في الأعمال الصالحة والسيئة ، قال { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات } - { ومن يعمل من الصالحات } - { من يعمل سوءا يجز به } - { ونجني من فرعون وعمله } وأشباه ذلك - { إنه عمل غير صالح } - { الذين يعملون السيئات } وقوله تعالى { والعاملين عليها } هم المتولون على الصدقة والعمالة أجرته ، وعامل الرمح ما يلي السنان ، واليعملة مشتقة من العمل .
عمه : العمه التردد في الأمر من التحير ، يقال عمه فهو عمه وعامه ، وجمعه عمه ، قال : { في طغيانهم يعمهون } - { فهم يعمهون } وقال تعالى : { زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون } .
عمى : العمى يقال في افتقاد البصر والبصيرة ويقال في الأول أعمى وفي الثاني أعمى وعم ، وعلى الأول قوله : { أن جاءه الأعمى } وعلى الثاني ما ورد من ذم العمى في القرآن نحو قوله : { صم بكم عمي } وقوله : { فعموا وصموا } بل لم يعد افتقاد البصر في جنب افتقاد البصيرة عمى حتى قال { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } وعلى هذا قوله { الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري } وقال { ليس على الأعمى حرج } وجمع أعمى عمي وعميان ، قال : { بكم عمي } - { صما وعميانا } وقوله { ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا } فالأول اسم الفاعل والثاني قيل هو مثله وقيل هو أفعل من كذا الذي للتفضيل لأن ذلك من فقدان البصيرة ، ويصح أن يقال فيه ما أفعله وهو أفعل من كذا ومنهم من حمل قوله تعالى : { ومن كان في هذه أعمى } على عمى البصيرة . والثاني على عمى البصر وإلى هذا ذهب أبو عمرو ، فأمال الأولى لما كان من عمى القلب وترك الإمالة في الثاني لما كان اسما والاسم أبعد من الإمالة . قال تعالى : { والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر } - { وهو عليهم عمى } - { إنهم كانوا قوما عمين } وقوله : فيحتمل لعمى البصر والبصيرة جميعا . وعمي عليه أي اشتبه حتى صار بالإضافة إليه كالأعمى
____________________
(1/348)
قال { فعميت عليهم الأنباء يومئذ } - { وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم } والعماء السحاب والعماء الجهالة ، وعلى الثاني حمل بعضهم ما روي أنه قيل : أين كان ربنا قبل أن خلق السماء والأرض قال : في عماء تحته عماء وفوقه عماء ، قال : إن ذلك إشارة إلى أن تلك حالة تجهل ولا يمكن الوقوف عليها ، والعمية الجهل ، والمعامي الأغفال من الأرض التي لا أثر بها .
عن : عن : يقتضي مجاوزة ما أضيف إليه ، تقول حدثتك عن فلان وأطعمته عن جوع ، قال أبو محمد البصري : عن يستعمل أعم من على لأنه يستعمل في الجهات الست ولذلك وقع موقع على في قول الشاعر :
( إذا رضيت علي بنو قشير ** ) قال : ولو قلت أطعمته على جوع وكسوته على عري لصح .
عنب : العنب يقال لثمرة الكرم ، وللكرم نفسه ، الواحدة عنبة وجمعه أعناب ، قال : { ومن ثمرات النخيل والأعناب } وقال تعالى : { جنة من نخيل وعنب } - { وجنات من أعناب } - { حدائق وأعنابا } - { وعنبا وقضبا وزيتونا } - { جنتين من أعناب } والعنبة بثرة على هيئته .
عنت : المعانتة كالمعاندة لكن المعانتة أبلغ لأنها معاندة فيها خوف وهلاك ولهذا يقال عنت فلان إذا وقع في أمر يخاف منه التلف يعنت عنتا ، قال { لمن خشي العنت منكم } - { عزيز عليه ما عنتم } - { وعنت الوجوه للحي القيوم } أي ذلت وخضعت ويقال أعنته غيره { ولو شاء الله لأعنتكم } ويقال للعظم المجبور إذا أصابه ألم فهاضه قد أعنته .
عند : عند : لفظ موضوع للقرب فتارة يستعمل في المكان وتارة في الاعتقاد نحو أن يقال عندي كذا ، وتارة في الزلفى والمنزلة ، وعلى ذلك قوله { بل أحياء عند ربهم } - { إن الذين عند ربك لا يستكبرون } - { فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار } - وقال - { رب ابن لي عندك بيتا في الجنة } وعلى هذا النحو قيل : الملائكة المقربون عند الله ، قال { وما عند الله خير وأبقى } وقوله { وعنده علم الساعة } - { ومن عنده علم الكتاب } أي في حكمه وقوله { فأولئك عند الله هم الكاذبون } - { وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم } وقوله تعالى { إن كان هذا هو الحق من عندك } فمعناه في حكمه ، والعنيد المعجب بما عنده ، والمعاند المباهي بما عنده . قال { كل كفار عنيد } - { إنه كان لآياتنا عنيدا } ، والعنود قيل مثله ، قال : لكن بينهما فرق لأن العنيد الذي يعاند ويخالف والعنود الذي يعند عن القصد ، قال : ويقال بعير عنود ولا يقال عنيد . وأما العند فجمع عاند ، وجمع
____________________
(1/349)
العنود عندة وجمع العنيد عند . وقال بعضهم : العنود هو العدول عن الطريق لكن العنود خص بالعادل عن الطريق المحسوس ، والعنيد بالعادل عن الطريق في الحكم ، وعند عن الطريق عدل عنه ، وقيل عاند لازم وعاند فارق وكلاهما من عند لكن باعتبارين مختلفين كقولهم البين في الوصل والهجر باعتبارين مختلفين .
عنق : العنق الجارحة وجمعه أعناق ، قال { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } - { مسحا بالسوق والأعناق } - { إذ الأغلال في أعناقهم } وقوله تعالى { فاضربوا فوق الأعناق } أي رؤوسهم ومنه رحل أعنق طويل العنق ، وامرأة عنقاء وكلب أعنق في عنقه بياض ، وأعنقته كذا جعلته في عنقه ومنه استعير اعتنق الأمر ، وقيل لأشراف القوم أعناق . وعلى هذا قوله { فظلت أعناقهم لها خاضعين } وتعنق الأرنب رفع عنقه ، والعناق الأنثى من المعز ، وعنقاء مغرب قيل هو طائر متوهم لا وجود له في العالم .
عنا : { وعنت الوجوه للحي القيوم } أي خضعت مستأسرة بعناء ، يقال عنيته بكذا أي أنصبته ، وعني نصب واستأسر ومنه العاني للأسير ، وقال عليه الصلاة والسلام : استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان وعني بحاجته فهو معني بها وقيل عني فهو عان ، وقرئ { لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه } والعنية شيء يطلى به البعير الأجرب وفي الأمثال : عنية تشفى الجرب . والمعنى إظهار ما تضمنه اللفظ من قولهم عنت الأرض بالنبات أنبتته حسنا ، وعنت القربة أظهرت ماءها ومنه عنوان الكتاب في قول من يجعله من عني . والمعنى يقارن التفسير وإن كان بينهما فرق .
عهد : العهد حفظ الشيء ومراعاته حالا بعد حال وسمي الموثق الذي يلزم مراعاته عهدا ، قال { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا } أي أوفوا بحفظ الأيمان ، قال { لا ينال عهدي الظالمين } أي لا أجعل عهدي لمن كان ظالما ، قال { ومن أوفى بعهده من الله } وعهد فلان إلى فلان يعهد أي ألقى إليه العهد وأوصاه بحفظه ، قال { ولقد عهدنا إلى آدم } - { ألم أعهد إليكم } { الذين قالوا إن الله عهد إلينا } - { وعهدنا إلى إبراهيم } وعهد الله تارة يكون بما ركزه في عقولنا ، وتارة يكون بما أمرنا به بالكتاب وبالسنة رسله ، وتارة بما نلتزمه وليس بلازم في أصل الشرع كالنذور وما يجري مجراها وعلى هذا قوله { ومنهم من عاهد الله } - { أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم } - { ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل } والمعاهد في عرف الشرع يختص بمن يدخل من الكفار في عهد المسلمين وكذلك ذو العهد ، قال صلى الله عليه وسلم : لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهد وباعتبار الحفظ قيل للوثيقة بين المتعاقدين عهدة ، وقولهم في هذا الأمر عهدة
____________________
(1/350)
لما أمر به أن يستوثق منه ، وللتفقد قيل للمطر عهد ، وعهاد ، وروضة معهودة : أصابها العهاد .
عهن : العهن الصوف المصبوغ ، قال : { كالعهن المنفوش } وتخصيص العهن لما فيه من اللون كما ذكر في قوله { فكانت وردة كالدهان } ، ورمى بالكلام على عواهنه أي أورده من غير فكر وروية وذلك كقولهم أورد كلامه غير مفسر .
عاب : العيب والعاب الأمر الذي يصير به الشيء عيبة أي مقرا للنقص وعبته جعلته معيب إما بالفعل كما قال : { فأردت أن أعيبها } ، وإما بالقول ، وذلك إذا ذممته نحو قولك عبت فلانا ، والعيبة ما يستر فيه الشيء ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : الأنصار كرشي وعيبتي أي موضع سري .
عوج : العوج العطف عن حال الانتصاب ، يقال عجت البعير بزمامه وفلان ما يعوج عن شيء يهم به أي ما يرجع ، والعوج يقال فيما يدرك بالبصر سهلا كالخشب المنتصب ونحوه . والعوج يقال فيما يدرك بالفكر والبصيرة كما يكون في أرض بسنيط يعرف تفاوته بالبصيرة وكالدين والمعاش ، قال تعالى { قرآنا عربيا غير ذي عوج } { ولم يجعل له عوجا } - { الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا } والأعوج يكنى به عن سيء الخلق ، والأعوجية منسوبة إلى أعوج ، وهو فحل معروف .
عود : العود الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه إما انصرافا بالذات أو بالقول والعزيمة ، قال تعالى : { ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون } - { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } - { ومن عاد فينتقم الله منه } - { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده } - { ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } - { وإن عدتم عدنا } - { وإن تعودوا نعد } - { أو لتعودن في ملتنا } - { فإن عدنا فإنا ظالمون } - { إن عدنا في ملتكم } - { وما يكون لنا أن نعود فيها } وقوله : { والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا } فعند أهل الظاهر هو أن يقول للمرأة ذلك ثانيا فحينئذ يلزمه الكفارة . وقوله { ثم يعودون } كقوله : { فإن فاؤوا } وعند أبي حنيفة العود في الظهار هو أن يجامعها بعد أن يظاهر منها . وعند الشافعي هو إمساكها بعد وقوع الظهار عليها مدة يمكنه أن يطلق فيها فلم يفعل . وقال بعض المتأخرين : المظاهرة هي يمين نحو أن يقال امرأتي علي كظهر أمي إن فعلت كذا . فمتى فعل ذلك وحنث يلزمه من الكفارة ما بينه تعالى في هذا المكان . وقوله { ثم يعودون لما قالوا } يحمل على فعل ما حلف له أن لا يفعل وذلك كقولك فلان حلف ثم عاد إذا فعل ما حلف عليه . قال الأخفش : قوله { لما قالوا }
____________________
(1/351)
) متعلق بقوله { فتحرير رقبة } وهذا يقوي القول الأخير . قال : ولزوم هذه الكفارة إذا حنث كلزوم الكفارة المبينة في الحلف بالله والحنث في قوله { فكفارته إطعام عشرة مساكين } وإعادة الشيء كالحديث وغيره تكريره ، قال { سنعيدها سيرتها الأولى } - { أو يعيدوكم في ملتهم } والعادة اسم لتكرير الفعل والانفعال حتى يصير ذلك سهلا تعاطيه كالطبع ولذلك قيل العادة طبيعة ثانية . والعيد ما يعاود مرة بعد أخرى وخص في الشريعة بيوم الفطر ويوم النحر ، ولما كان ذلك اليوم مجعولا للسرور في الشريعة كما نبه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله أيام أكل وشرب وبعال صار يستعمل العيد في كل يوم فيه مسرة وعلى ذلك قوله تعالى : { أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا } والعيد كل حالة تعاود الإنسان ، والعائدة كل نفع يرجع إلى الإنسان من شيء ما ، والمعاد يقال للعود وللزمان الذي يعود فيه ، وقد يكون للمكان الذي يعود إليه ، قال تعالى : { إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } قيل أراد به مكة والصحيح ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام وذكره ابن عباس إن ذلك إشارة إلى الجنة التي خلقه فيها بالقوة في ظهر آدم وأظهر منه حيث قال { وإذ أخذ ربك من بني آدم } الآية والعود البعير المسن اعتبارا بمعاودته السير والعمل أو بمعاودة السنين إياه وعود سنة بعد سنة فعلى الأول يكون بمعنى الفاعل ، وعلى الثاني بمعنى المفعول . والعود الطريق القديم الذي يعود إليه السفر ومن العود عيادة المريض ، والعيدية إبل منسوبة إلى فحل يقال له عيد ، والعود قيل هو في الأصل الخشب الذي من شأنه أن يعود إذا قطع وقد خص بالمزهر المعروف وبالذي يتبخر به .
عوذ : العوذ الالتجاء إلى الغير والتعلق به يقال عاذ فلان بفلان ومنه قوله تعالى : { أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين } - { وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون } - { قل أعوذ برب } - { إني أعوذ بالرحمن } وأعذته بالله أعيذه . قال { وإني أعيذها بك } وقوله { معاذ الله } أي نلتجئ إليه ونستنصر به أن نفعل ذلك فإن ذلك سوء نتحاشى من تعاطيه . والعوذة ما يعاذ به من الشيء ومنه قيل للتميمة والرقية عوذة ، وعوذه إذا وقاه ، وكل أنثى وضعت فهي عائذ إلى سبعة أيام .
عور : العورة سوأة الإنسان وذلك كناية وأصلها من العار وذلك لما يلحق في ظهوره من العار أي المذمة ولذلك سمي النساء عورة ومن ذلك العوراء للكلمة القبيحة وعورت عينه عورا وعارت عينه عورا ، وعورتها ، وعنه استعير عورت البئر ، وقيل
____________________
(1/352)
للغراب الأعور لحدة نظره وذلك على عكس المعنى ولذلك قال الشاعر :
( وصحاح العيون يدعون عورا ** ) والعوار والعورة شق في الشيء كالثوب والبيت ونحوه ، قال تعالى : { إن بيوتنا عورة وما هي بعورة } أي متخرقة ممكنة لمن أرادها ، ومنه قيل فلان يحفظ عورته أي خلله وقوله { ثلاث عورات لكم } أي نصف النهار وآخر الليل وبعد العشاء الآخرة ، وقوله { الذين لم يظهروا على عورات النساء } أي لم يبلغوا الحلم . وسهم عائر لا يدرى من أين جاء ، ولفلان عائرة عين من المال أي ما يعور العين ويحيرها لكثرته ، والمعاورة قيل في معنى الاستعارة . والعارية فعلية من ذلك ولهذا يقال تعاوره العواري وقال بعضهم هو من العار لأن دفعها يورث المذمة والعار كما قيل في المثل إنه قيل للعارية أين تذهبين فقالت أجلب إلى أهلي مذمة وعارا ، وقيل هذا لا يصح من حيث الاشتقاق فإن العارية من الواو بدلالة تعاورنا ، والعار من الياء لقولهم عيرته بكذا .
عير : العير القوم الذين معهم أحمال الميرة ، وذلك اسم للرجال والجمال الحاملة للميرة وإن كان قد يستعمل في كل واحد من دون الآخر ، قال { ولما فصلت العير } - { أيتها العير إنكم لسارقون } - { والعير التي أقبلنا فيها } والعير يقال للحمار الوحشي وللناشز على ظهر القدم ، ولإنسان العين ولما تحت غضروف الأذن ولما يعلوا الماء من الغثاء وللوتد ولحرف النصل في وسطه ، فإن يكن استعماله في كل ذلك صحيحا ففي مناسبة بعضها لبعض منه تعسف . والعيار تقدير المكيال والميزان ، ومنه قيل عيرت الدنانير وعيرته ذممته من العار وقولهم تعاير بنو فلان قيل معناه تذاكروا العار ، وقيل تعاطوا العيارة أي فعل العير في الانفلات والتخلية ، ومنه عارت الدابة تعير إذا انفلتت ، وقيل فلان عيار .
عيس : عيسى اسم علم وإذا جعل عربيا أمكن أن يكون من قولهم بعير أعيس وناقة عيساء وجمعها عيس وهي إبل بيض يعتري بياضها ظلمة ، أو من العيس وهو ماء الفحل يقال عاسها يعيسها .
عيش : العيش الحياة المختصة بالحيوان وهو أخص من الحياة لأن الحياة تقال في الحيوان وفي الباري تعالى وفي الملك ويشتق منه المعيشة لما يتعيش منه ، قال { نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا } - { معيشة ضنكا } - { لكم فيها معايش } - { وجعلنا لكم فيها معايش } وقال في أهل الجنة { فهو في عيشة راضية } وقال عليه السلام : لا عيش إلا عيش الآخرة .
عوق : العائق الصارف عما يراد من خير ومنه عوائق الدهر ، يقال عاقه وعوقه واعتاقه ، قال : { قد يعلم الله المعوقين } أي المثبطين
____________________
(1/353)
الصارفين عن طريق الخير ، ورجل عوق وعوقة يعوق الناس عن الخير ، ويعوق اسم صنم .
عول : عاله وغاله يتقاربان . العول يقال فيما يهلك ، والعول فيما يثقل ، يقال ما عالك فهو عائل لي ومنه العول وهو ترك النصفة بأخذ الزيادة ، قال { ذلك أدنى ألا تعولوا } ومنه عالت الفريضة إذا زادت في القسمة المسماة لأصحابها بالنص ، والتعويل الاعتماد على الغير فيما يثقل ومنه العول وهو ما يثقل من المصيبة ، فيقال ويله وعوله ، ومنه العيال الواحد عيل لما فيه من الثقل ، وعاله تحمل ثقل مؤنته ، ومنه قوله عليه السلام ابدأ بنفسك ثم بمن تعول وأعال إذا كثر عياله .
عيل : { وإن خفتم عيلة } التي فقرا يقال عال الرجل إذا افتقر يعيل عيلة فهو عائل ، وأما أعال إذا كثر عياله فمن بنات الواو ، وقوله { ووجدك عائلا فأغنى } أي أزال عنك فقر النفس وجعل لك الغنى الأكبر المعنى بقوله عليه السلام : الغنى غنى النفس وقيل : ما عال مقتصد ، وقيل ووجدك فقيرا إلى رحمة الله وعفوه فأغناك بمغفرته لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر .
عوم : العام كالسنة ، لكن كثيرا ما تستعمل السنة في الحول الذي يكون فيه الشدة أو الجدب . ولهذا يعبر عن الجدب بالسنة والعام بما فيه الرخاء والخصب ، قال { عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون } وقوله : { فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما } ففي كون المستثنى منه بالسنة والمستثنى بالعام لطيفة موضعها فيما بعد هذا الكتاب إن شاء الله ، والعوم السباحة ، وقيل سمي السنة عاما لعوم الشمس في جميع بروجها ، ويدل على معنى العوم قوله : { وكل في فلك يسبحون } .
عون : العون المعاونة والمظاهرة ، يقال فلان عوني أي معيني وقد أعنته ، قال { فأعينوني بقوة } - { وأعانه عليه قوم آخرون } والتعاون التظاهر ، قال : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } والاستعانة طلب العون قال : { استعينوا بالصبر والصلاة } والعوان المتوسط بين السنين ، وجعل كناية عن المسنة من النساء اعتبارا بنحو قول الشاعر :
( فإن أتوك فقالوا إنها نصف ** فإن أمثل نصفيها الذي ذهبا ) قال { عوان بين ذلك } واستعير للحرب التي قد تكررت وقدمت . وقيل العوانة للنخلة القديمة ، والعانة قطيع من حمر الوحش وجمع
____________________
(1/354)
على عانات وعون ، وعانة الرجل شعره النابت على فرجه وتصغيره عوينة .
عين : العين الجارحة ، قال { والعين بالعين } - { لطمسنا على أعينهم } - { وأعينهم تفيض من الدمع } - { قرة عين لي ولك } - { كي تقر عينها } ويقال لذي العين عين ، وللمراعى للشيء عين ، وفلان بعيني أي أحفظه وأراعيه كقولك هو بمرأى منى ومسمع ، قال { فإنك بأعيننا } وقال { تجري بأعيننا } - { واصنع الفلك بأعيننا } أي بحيث نرى ونحفظ { ولتصنع على عيني } أي بكلاءتي وحفظي ومنه عين الله عليك : أي كنت في حفظ الله ورعايته ، وقيل جعل ذلك حفظته وجنوده الذين يحفظونه وجمعه أعين وعيون ، قال { ولا أقول للذين تزدري أعينكم } - { ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين } ويستعار العين لمعان هي موجودة في الجارحة بنظرات مختلفة ، واستعير للثقب في المزادة تشبيها بها في الهيئة وفي سيلان الماء منها فاشتق منها سقاء عين ومعين إذا سال منها الماء ، وقولهم عين قربتك أي صب فيها ما ينسد بسيلانه آثار خرزه ، وقيل للمتجسس عين تشبيها بها في نظرها وذلك كما تسمى المرأة فرجا والمركوب ظهرا ، فيقال فلان يملك كذا فرجا وكذا ظهرا لما كان المقصود منهما العضوين ، وقيل للذهب عين تشبيها بها في كونها أفضل الجواهر كما أن هذه الجارحة أفضل الجوارح ومنه قيل أعيان القوم لأفاضلهم ، وأعيان الإخوة لبني أب وأم ، قال بعضهم : العين إذا استعمل في معنى ذات الشيء فيقال كل ماله عين فكاستعمال الرقبة في المماليك وتسمية النساء بالفرج من حيث إنه هو المقصود منهن ويقال لمنبع الماء عين تشبيها بها لما فيها من الماء ، ومن عين الماء اشتق ماء معين أي ظاهر للعيون ، وعين أي سائل ، قال { عينا فيها تسمى سلسبيلا } - { وفجرنا الأرض عيونا } - { فيهما عينان تجريان } - { عينان نضاختان } - { وأسلنا له عين القطر } - { في جنات وعيون } - { من جنات وعيون } - { جنات وعيون وزروع } وعنت الرجل أصبت عينه نحو رأسته وفأدته ، وعنته أصبته بعيني نحو سفته أصبته بسيفي ، وذلك أنه يجعل تارة من الجارحة المضروبة نحو رأسته وفأدته وتارة من الجارحة التي هي آلة في الضرب فيجري مجرى سفته ورمحته ، وعلى نحوه في المعنيين قولهم يديت فإنه يقال إذا أصبت يده وإذا أصبته بيدك ، وتقول عنت البئر أثرت عين مائها ، قال { إلى ربوة ذات قرار ومعين } - { فمن يأتيكم بماء معين } وقيل الميم فيه أصلية وإنما و هو من معنت . وتستعار العين للميل في الميزان ويقال لبقر الوحش أعين وعيناء لحسن عينه ، وجمعها عين ، وبها
____________________
(1/355)
شبه النساء ، قال : { قاصرات الطرف عين } - { وحور عين }
عيى : الإعياء عجز يلحق البدن من المشي ، والعي عجز يلحق من تولى الأمر والكلام قال : { أفعيينا بالخلق الأول } - { ولم يعي بخلقهن } ومنه عي في منطقه عيا فهو عيي ، ورجل عياياء طباقاء إذا عيى بالكلام والأمر ، وداء عياء لا دواء له ، والله أعلم .
____________________
(1/356)
= كتاب الغين =
غبر : الغابر الماكث بعد مضي ما هو معه قال { إلا عجوزا في الغابرين } يعني فيمن طال أعمارهم ، وقيل فيمن بقي ولم يسر مع لوط وقيل فيمن بقي بعد في العذاب وفي آخر : { إلا امرأتك كانت من الغابرين } وفي آخر { قدرنا إنها لمن الغابرين } ومنه الغبرة البقية في الضرع من اللبن وجمعه أغبار وغبر الحيض وغبر الليل ، والغبار ما يبقى من التراب المثار ، وجعل على بناء الدخان والعثار ونحوهما من البقايا ، وقد غبر الغبار أي ارتفع ، وقيل يقال للماضي غابر وللباقي غابر فإن يك ذلك صحيحا ، فإنما قيل للماضي غابر تصورا بمضي الغبار عن الأرض وقيل للباقي غابر تصورا بتخلف الغبار عن الذي يعدو فيخلفه ، ومن الغبار اشتق الغبرة وهو ما يعلق بالشيء من الغبار وما كان على لونه ، قال { ووجوه يومئذ عليها غبرة } كناية عن تغير الوجه للغم كقوله : { ظل وجهه مسودا } يقال غبر غبرة واغبر واغبار ، قال طرفة :
( رأيت بني غبراء لا ينكرونني ** ) أي بني المفازة المغبرة ، وذلك كقولهم بنو السبيل . وداهية غبراء إما من قولهم غبر الشيء وقع في الغبار كأنها تغبر الإنسان ، أو من الغبر أي البقية ، والمعنى داهية باقية لا تنقضي ، أو من غبرة اللون فهو كقولهم داهية زباء ، أو من غبرة اللبن فكلها الداهية التي إذا انقضت بقي لها أثر أو من قولهم عرق غبر ، أي ينتفض مرة بعد أخرى ، وقد غبر العرق ، والغبيراء نبت معروف ، وثمر على هيئته ولونه .
غبن : الغبن أن تبخس صاحبك في معاملة بينك وبينه بضرب من الإخفاء ، فإن كان ذلك في مال يقال غبن فلان ، وإن كان في رأي يقال غبن وغبنت كذا غبنا إذا غفلت عنه فعددت ذلك غبنا ، ويوم التغابن يوم القيامة لظهور الغبن في المبايعة المشار إليها بقوله { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } وبقوله { إن الله اشترى من المؤمنين } الآية وبقوله { الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } فعلموا أنهم غبنوا فيما تركوا من المبايعة وفيما تعاطوه من ذلك جميعا
____________________
(1/357)
وسئل بعضهم عن يوم التغابن فقال : تبدوا الأشياء لهم بخلاف مقاديرهم في الدنيا ، قال بعض المفسرين : أصل الغبن إخفاء الشيء والغبن بالفتح الموضع الذي يخفى فيه الشيء ، وأنشد :
( ولم أر مثل الفتيان في ** غبن الرأي ينسى عواقبها ) وسمي كل منثن من الأعضاء كأصول الفخذين والمرافق مغابن لاستتاره ، ويقال للمرأة إنها طيبة المغابن .
غثا : الغثاء غثاء السيل والقدر وهو ما يطفح ويتفرق من النبات اليابس وزبد القدر ويضرب به المثل فيما يضيع ويذهب غير معتد به ، ويقال غثا الوادي غثوا وغثت نفسه تغثي غثيانا خبثت .
غدر : الغدر الإخلال بالشيء وتركه والغدر يقال لترك العهد ومنه قيل فلان غادر وجمعه غدرة ، وغدار كثير الغدر ، والأغدر والغدير الماء الذي يغادره السيل في مستنقع ينتهي إليه وجمعه غدر وغدران ، واستغدر الغدير صار فيه الماء ، والغديرة الشعر الذي ترك حتى طال وجمعها غدائر وغادره تركه قال { لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } وقال { فلم نغادر منهم أحدا } ، وغدرت الشاة تخلفت فهي غدرة وقيل للجحرة واللخاقيق للأمكنة التي تغادر البعير والفرس عائرا ، غدر ، ومنه قيل ما أثبت غدر هذا الفرس ثم جعل مللا لمن له ثبات فقيل ما أثبت غدره .
غدق : { لأسقيناهم ماء غدقا } أي غزيرا ، ومنه غدقت عينه تغدق ، والغيداق يقال فيما يغزر من ماء وعدو ونطق .
غدا : الغدوة والغداة من أول النهار وقوبل في القرآن لغدو بالآصال نحو قوله : { بالغدو والآصال } وقوبل الغداة بالعشي ، قال { بالغداة والعشي } - { غدوها شهر ورواحها شهر } والغادية السحاب ينشأ غدوة ، والغداء طعام يتناول في ذلك الوقت وقد غدوت أغدوا ، قال { أن اغدوا على حرثكم } ، وغد يقال لليوم الذي يلي يومك الذي أنت فيه ، قال { سيعلمون غدا } ونحوه .
غرر : يقال غررت فلانا أصبت غرته ونلت منه ما أريده ، والغرة غفلة في اليقظة ، والغرار غفلة مع غفوة ، وأصل ذلك من الغر وهو الأثر الظاهر من الشيء ومنه غرة الفرس . وغرار السيف أي حده ، وغر الثوب أثر كسره ، وقيل اطوه على غره ، وغره كذا غرورا كأنما طواه على غره ، قال { ما غرك بربك الكريم } - { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد } وقال { وما يعدهم الشيطان إلا غرورا } وقال { بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا } وقال
____________________
(1/358)
وقال { يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا } وقال { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } - { وغرتهم الحياة الدنيا } - { ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا } - { ولا يغرنكم بالله الغرور } فالغرور كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان وقد فسر بالشيطان إذ هو أخبث الغارين وبالدنيا لما قيل الدنيا تغر وتضر وتمر ، والغرر الخطر وهو من الغر ، ونهي عن بيع الغرر . والغرير الخلق الحسن اعتبارا بأنه يغر وقيل فلان أدبر غريره وأقبل هريره فباعتبار غرة الفرس وشهرته بها قيل فلان أغر إذا كان مشهورا كريما ، وقيل الغرر لثلاث ليال من أول الشهر لكون ذلك منه كالغرة من الفرس ، وغرار السيف حده ، والغرار لبن قليل ، وغارت الناقة قل لبنها بعد أن ظن أن لا يقل فكأنها غرت صاحبها .
غرب : الغرب غيبوبة الشمس ، يقال غربت تغرب غربا وغروبا ومغرب الشمس ومغيربانها ، قال { رب المشرق والمغرب } - { رب المشرقين ورب المغربين } - { برب المشارق والمغارب } وقد تقدم الكلام في ذكرهما مثنيين ومجموعين وقال { لا شرقية ولا غربية } وقال { حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب } وقيل لكل متباعد غريب ولكل شيء فيما بين جنسه عديم النظير غريب ، وعلى هذا قوله عليه الصلاة والسلام : بدا الإسلام غريبا وسيعود كما بدا وقيل العلماء غرباء لقلتهم فيما بين الجهال ، والغراب سمي لكونه مبعدا في الذهاب ، قال : { فبعث الله غرابا يبحث } ، وغارب السنام لبعده عن المنال ، وغرب السيف لغروبه في الضريبة وهو مصدر في معنى الفاعل ، وشبه به حد اللسان كتشبيه اللسان بالسيف فقيل فلان غرب اللسان ، وسمي الدلو غربا لتصور بعدها في البئر ، وأغرب الساقي تناول الغرب والغرب الذهب لكونه غريبا فيما بين الجواهر الأرضية ، ومنه سهم غرب لا يدرى من رماه . ومنه نظر غرب ليس بقاصد ، والغرب شجر لا يثمر لتباعده من الثمرات ، وعنقاء مغرب وصف بذلك لأنه يقال كان طيرا تناول جارية فأغرب بها يقال عنقاء مغرب وعنقاء مغرب بالإضافة . والغرابان نقرتان عند صلوى العجز تشبيها بالغراب في الهيئة ، والمغرب الأبيض الأشفار كأنما أغربت عينه في ذلك البياض . وغرابيب سود قيل جمع غربيب وهو المشبه للغراب في السواد كقولك أسود كحلك الغراب .
غرض : الغرض الهدف المقصود بالرمي ثم جعل اسما لكل غاية يتحرى إدراكها ، وجمعه أغراض ، فالغرض ضربان : غرض ناقص وهو الذي يتشوق بعده شيء آخر كاليسار
____________________
(1/359)
والرئاسة ونحو ذلك مما يكون من أغراض الناس ، وتام وهو الذي لا يتشوق بعده شيء آخر كالجنة .
غرف : الغرف رفع الشيء وتناوله ، يقال غرفت الماء والمرق ، والغرفة ما يغترف ، والغرفة للمرة ، والمغرفة لما يتناول به ، قال { إلا من اغترف غرفة بيده } ومنه استعير غرفت عرف الفرس إذا جررته وغرفت الشجرة ، والغرف شجر معروف ، وغرفت الإبل اشتكت من أكله ، والغرفة علية من البناء وسمي منازل الجنة غرفا قال { أولئك يجزون الغرفة بما صبروا } وقال : { لنبوئنهم من الجنة غرفا } - { وهم في الغرفات آمنون } .
غرق : الغرق الرسوب في الماء وفي البلاء ، وغرق فلان يغرق غرقا وأغرقه ، قال { حتى إذا أدركه الغرق } وفلان غرق في نعمة فلان تشبيها بذلك ، قال { وأغرقنا آل فرعون } - { فأغرقناه ومن معه جميعا } - { ثم أغرقنا الآخرين } - { ثم أغرقنا بعد الباقين } - { وإن نشأ نغرقهم } - { أغرقوا فأدخلوا نارا } - { فكان من المغرقين } .
غرم : الغرم ما ينوب الإنسان في ماله من ضرر لغير جناية منه أو خيانة ، يقال غرم كذا غرما ومغرما وأغرم فلان غرامة ، قال : { إنا لمغرمون } - { فهم من مغرم مثقلون } - { يتخذ ما ينفق مغرما } والغريم يقال لمن له الدين ولمن عليه الدين ، قال { والغارمين وفي سبيل الله } والغرام ما ينوب الإنسان من شدة ومصيبة ، قال : { إن عذابها كان غراما } من قولهم هو مغرم بالنساء أي يلازمهن ملازمة الغريم . قال الحسن : كل غريم مفارق غريمة إلا النار ، وقيل معناه مشغوفا بإهلاكه .
غرا : غري بكذا أي لهج به ولصق وأصل ذلك من الغراء وهو ما يلصق به ، وقد أغريت فلانا بكذا نحو ألهجت به ، قال { فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء } - { لنغرينك بهم } .
غزل : قال { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها } وقد غزلت غزلها ، والغزال ولد الظبية ، والغزالة قرصة الشمس وكني بالغزل والمغازلة عن مشافنة المرأة التي كأنها غزال ، وغزل الكلب غزلا إذا أدرك الغزال فلهي عنه بعد إدراكه .
غزا : الغزو الخروج إلى محاربة العدو ، وقد غزا يغزو غزوا فهو غاز وجمعه غزاة وغز ، قال { أو كانوا غزى } .
غسق : غسق الليل شدة ، ظلمته قال { إلى غسق الليل } والغاسق الليل المظلم ، قال : { ومن شر غاسق إذا وقب } وذلك عبارة عن النائبة بالليل كالطارق ، وقيل القمر إذا كسف فاسود . والغساق ما يقطر من جلود أهل النار ، قال : { إلا حميما وغساقا } .
غسل : غسلت الشيء غسلا أسلت عليه
____________________
(1/360)
الماء فأزلت درنه ، والغسل الاسم ، والغسل ما يغسل به ، قال { فاغسلوا وجوهكم وأيديكم } الآية . والاغتسال غسل البدن ، قال : { حتى تغتسلوا } والمغتسل الموضع الذي يغتسل منه والماء الذي يغتسل به ، قال { هذا مغتسل بارد وشراب } والغسلين غسالة أبدان الكفار في النار ، قال { ولا طعام إلا من غسلين } .
غشى : غشيه عشاوة وغشاء أتاه إتيان ما قد غشيه أي ستره والغشاوة ما يغطى به الشيء ، قال { وجعل على بصره غشاوة } - { وعلى أبصارهم غشاوة } يقال غشيه وتغشاه وغشيته كذا قال { وإذا غشيهم موج } - { فغشيهم من اليم ما غشيهم } - { وتغشى وجوههم النار } - { إذ يغشى السدرة ما يغشى } - { والليل إذا يغشى } - { إذ يغشيكم النعاس } وغشيت موضع كذا أتيته وكني بذلك عن الجماع يقال غشاها وتغشاها { فلما تغشاها حملت } وكذا الغشيان والغاشية كل ما يغطى الشيء كغاشية السرج وقوله { أن تأتيهم غاشية } أي نائبة تغشاهم وتجلهم وقيل الغاشية في الأصل محمودة وإنما استعير لفظها ههنا على نحو قوله { لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش } وقوله { هل أتاك حديث الغاشية } كناية عن القيامة وجمعها غواش ، وغشي على فلان إذا نابه ما غشي فهمه ، قال { كالذي يغشى عليه من الموت } - { نظر المغشي عليه من الموت } - { فأغشيناهم فهم لا يبصرون } - { وعلى أبصارهم غشاوة } - { كأنما أغشيت وجوههم } - { واستغشوا ثيابهم } أي جعلوها غشاوة على أسماعهم وذلك عبارة عن الامتناع من الإصغاء ، وقيل استغشوا ثيابهم كناية عن العدو كقولهم شمر ذيلا وألقى ثوبه ، ويقال غشيته سوطا أو سيفا ككسوته وعممته
غص : الغصة الشجاة التي يغص بها الحلق ، قال { وطعاما ذا غصة }
غض : الغض النقصان من الطرف والصوت وما في الإناء يقال غض وأغض ، قال { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } - { وقل للمؤمنات يغضضن } - { واغضض من صوتك } وقول الشاعر :
( فغض الطرف إنك من نمير ** ) فعلى سبيل التهكم ، وغضضت السقاء نقصت مما فيه ، والغض الطري الذي لم يطل مكثه .
غضب : الغضب ثوران دم القلب إرادة الانتقام ، ولذلك قال عليه السلام : اتقوا الغضب فإنه جمرة توقد في قلب ابن آدم ، ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه وإذا وصف الله تعالى به فالمراد به الانتقام دون غيره ، قال { فباؤوا بغضب على غضب } - { وباؤوا بغضب من الله } وقال { ومن يحلل عليه غضبي } - { غضب الله عليهم } وقوله { غير المغضوب عليهم } قيل
____________________
(1/361)
هم اليهود . والغضبة كالضجرة ، والغضوب الكثير الغضب . وتوصف به الحية والناقة الضجور وقيل فلان غضبة : سريع الغضب ، وحكي أنه يقال غضبت لفلان إذا كان حيا وغضبت به إذا كان ميتا .
غطش : { وأغطش ليلها } أي جعله مظلما وأصله من الأغطش وهو الذي في عينه شبه عمش ومنه قيل فلاة غطشى لا يهتدى فيها والتغاطش التعامي عن الشيء .
غطا : الغطاء ما يجعل فوق الشيء من طبق ونحوه كما أن الغشاء ما يجعل فوق الشيء من لباس ونحوه وقد استعير للجهالة ، قال { فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد } .
غفر : الغفر إلباس ما يصونه عن الدنس ومنه قيل اغفر ثوبك في الوعاء واصبغ ثوبك فإنه أغفر للوسخ ، والغفران والمغفرة من الله هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب . قال { غفرانك ربنا } - { ومغفرة من ربهم } - { ومن يغفر الذنوب إلا الله } وقد يقال غفر له إذا تجافى عنه في الظاهر وإن لم يتجاف عنه في الباطن نحو { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله } والاستغفار طلب ذلك بالمقال والفعال وقوله { استغفروا ربكم إنه كان غفارا } لم يؤمروا بأن يسألوه ذلك باللسان فقط بل باللسان وبالفعال ، فقد قيل الاستغفار باللسان من دون ذلك بالفعال فعل الكذابين وهذا معنى { ادعوني أستجب لكم } وقال : { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم } - { ويستغفرون للذين آمنوا } والغافر والغفور في وصف الله نحو { غافر الذنب } - { إنه غفور شكور } - { هو الغفور الرحيم } والغفيرة الغفران ومنه قوله { اغفر لي ولوالدي } - { أن يغفر لي خطيئتي } - { واغفر لنا } وقيل اغفروا هذا الأمر بغفرته أي استروه بما يجب أن يستر به ، والمغفر بيضة الحديد ، والغفارة خرقة تستر الخمار أن يمسه دهن الرأس ، ورقعة يغشى بها محز الوتر ، وسحابة فوق سحابة .
غفل : الغفلة سهوق يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ ، يقال غفل فهو غافل ، قال { لقد كنت في غفلة من هذا } - { وهم في غفلة معرضون } - { ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها } - { وهم عن دعائهم غافلون } - { لمن الغافلين } - { هم غافلون } - { بغافل عما يعملون } - { لو تغفلون عن أسلحتكم } - { فهم غافلون } - { عنها غافلين } وأرض غفل لا منار بها ورجل غفل لم تسمه التجارب وإغفال الكتاب تركه غير معجم وقوله { من أغفلنا قلبه عن ذكرنا } أي تركناه غير مكتوب فيه الإيمان كما قال { أولئك كتب في قلوبهم الإيمان } وقيل معناه من جعلناه غافلا عن الحقائق .
____________________
(1/362)
غل : الغلل أصله تدرع الشيء وتوسطه ومنه الغلل للماء الجاري بين الشجر ، وقد يقال له الغيل وانغل فيما بين الشجر دخل فيه ، فالغل مختص بما يقيد به فيجعل الأعضاء وسطه وجمعه أغلال ، وغل فلان قيد به ، قال { خذوه فغلوه } وقال { إذ الأغلال في أعناقهم } وقيل للبخيل هو مغلول اليد ، قال : { ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } - { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } - { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم } أي ذموه بالبخل وقيل إنهم لما سمعوا أن الله قد قضى كل شيء قالوا إذا يد الله مغلولة أي في حكم المقيد لكونها فارغة ، فقال الله تعالى ذلك . وقوله { إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا } أي منعهم فعل الخير وذلك نحو وصفهم بالطبع والختم على قلوبهم وعلى سمعهم وأبصارهم ، وقيل بل ذلك وإن كان لفظه ماضيا فهو إشارة إلى ما يفعل بهم في الآخرة كقوله { وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا } والغلالة ما يلبس بين الثوبين ، فالشعار لما يلبس تحت الثوب والدثار لما يلبس فوقه ، والغلالة لما يلبس بينهما . وقد تستعار الغلالة للدرع كما يستعار الدرع لها ، والغلول تدرع الخيانة ، والغل العداوة ، قال { ونزعنا ما في صدورهم من غل } - { ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم } وغل يغل إذا صار ذا غل أي ضغن ، وأغل أي صار ذا إغلال أي خيانة وغل يغل إذا خان ، وأغللت فلانا نسبته إلى الغلول ، قال { وما كان لنبي أن يغل } وقرئ { أن يغل } أي ينسب إلى الخيانة من أغللته ، قال { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة } وروي لا إغلال ولا إسلال أي لا خيانة ولا سرقة . وقوله عليه الصلاة والسلام ثلاث لا يغل عليهن قلب المؤمن أي لا يضطغن . وروي لا يغل أي لا يصير ذا خيانة ، وأغل الجازر والسالخ إذا ترك في الإهاب من اللحم شيئا وهو من الإغلال أي الخيانة فكأنه خان في اللحم وتركه في الجلد الذي يحمله . والغلة والغليل ما يتدرعه الإنسان في داخله من العطش ومن شدة الوجد والغيظ ، يقال شفا فلان غليله أي غيظه . والغلة ما يتناوله الإنسان من دخل أرضه ، وقد أغلت ضيعته . والمغلغلة : الرسالة التي تتغلغل بين القوم الذين تتغلغل نفوسهم ، كما قال الشاعر :
( تغلغل حيث لم يبلغ شراب ** ولا حزن ولم يبلغ سرور )
غلب : الغلبة القهر يقال غلبته غلبا وغلبة وغلبا فأنا غالب ، قال تعالى : { الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون } - كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة { يغلبوا مائتين } - { يغلبوا ألفا }
____________________
(1/363)
{ لأغلبن أنا ورسلي } - { لا غالب لكم اليوم } - { إن كنا نحن الغالبين } - { إنا لنحن الغالبون } - { فغلبوا هنالك } - { أفهم الغالبون } - { ستغلبون وتحشرون } - { ثم يغلبون } ) وغلب عليه كذا أي استولى { غلبت علينا شقوتنا } قيل وأصل غلبت أن تناول وتصيب غلب رقبته ، والأغلب الغليظ الرقبة ، يقال رجل أغلب وامرأة غلباء وهضبة غلباء كقولك هضبة عنقاء ورقباء أي عظيمة العنق والرقبة والجمع غلب ، قال { وحدائق غلبا } .
غلظ : الغلظة ضد الرقة ، ويقال غلظة وغلظة وأصله أن يستعمل في الأجسام لكن قد يستعار للمعاني كالكبير والكثير ، قال { وليجدوا فيكم غلظة } أي خشونة وقال { ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ } - { من عذاب غليظ } - { جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم } واستغلظ تهيأ لذلك ، وقد يقال إذا غلظ ، قال { فاستغلظ فاستوى على سوقه } .
غلف : { قلوبنا غلف } قيل هو جمع أغلف كقولهم سيف أغلف أي هو في غلاف ويكون ذلك كقوله { وقالوا قلوبنا في أكنة } - { في غفلة من هذا } وقيل معناه قلوبنا أوعية للعلم وقيل مناه قلوبنا مغطاة ، و غلام أغلف كناية عن الأقلف ، والغلفة كالقلفة ، وغلفت السيف والقارورة والرحل والسرج جعلت لها غلافا ، وغلفت لحيته بالحناء وتغلف نحو تخضب ، وقيل { قلوبنا غلف } هي جمع غلاف والأصل غلف بضم اللام ، وقد قرئ به نحو : كتب ، أي هي أوعية للعلم تنبيها أنا لا نحتاج أن نتعلم منك ، فلنا غنية بما عندنا .
غلق : الغلق والمغلاق ما يغلق به وقيل ما يفتح به لكن إذا اعتبر بالإغلاق يقال له مغلق ومغلاق ، وإذا اعتبر بالفتح يقال له مفتح ومفتاح ، وأغلقت الباب وغلقته على التكثير وذلك إذا أغلقت أبوابا كثيرة أو أغلقت بابا واحدا مرارا أو أحكمت إغلاق باب وعلى هذا { وغلقت الأبواب } وللتشبيه به قيل غلق الرهن غلوقا وغلق ظهره دبرا ، والمغلق السهم السابع لاستغلاقه ما بقي من أجزاء الميسر ونخلة غلقة ذويت أصولها أغلقت عن الإثمار والغلقة شجرة مرة كالسم .
غلم : الغلام الطار الشارب ، يقال غلام بين الغلومة الغلومية . قال تعالى : { أنى يكون لي غلام } - { وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين } وقال { وأما الجدار فكان لغلامين } وقال في قصة يوسف { هذا غلام } والجمع غلمة وغلمان ، واغتلم الغلام إذا بلغ حد الغلومة ولما كان من بلغ هذا الحد كثيرا ما يغلب عليه الشبق قيل للشبق غلمة واغتلم الفحل .
غلا : الغلو تجاوز الحد ، يقال ذلك إذا كان
____________________
(1/364)
في السعر غلاء ، وإذا كان في القدر والمنزلة غلو وفي السهم : غلو ، وأفعالها جميعا غلا يغلو قال { لا تغلوا في دينكم } والغلي والغليان يقال في القدر إذا طفحت ومنه استعير قوله { طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم } وبه شبه غليان الغضب والحرب ، وتغالي النبت يصح أن يكون من الغلي وأن يكون من الغلو . والغلواء : تجاوز الحد في الجماح ، وبه شبه غلواء الشباب .
غم : الغم ستر الشيء ومنه الغمام لكونه ساترا لضوء الشمس . قال تعالى : { يأتيهم الله في ظلل من الغمام } والغمى مثله . ومنه غم الهلال ويوم غم وليلة غمة وغمى ، قال :
( ليلة غمى طامس هالها ** ) وغمة الأمر قال { ثم لا يكن أمركم عليكم غمة } أي كربة يقال غم وغمة أي كرب وكربة ، والغمامة خرقة تشد على أنف الناقة وعينها ، وناصية غماء تستر الوجه .
غمر : أصل الغمر إزالة أثر الشيء ومنه قيل للماء الكثير الذي يزيل أثر سيله غمر وغامر ، قال الشاعر :
( والماء غامر خدادها ** ) وبه شبه الرجل السخي والفرس الشديد العدو فقيل لهما غمر كما شها بالبحر ، والغمرة معظم الماء الساترة لمقرها وجعل مثلا للجهالة التي تغمر صاحبها وإلى نحوه أشار بقوله { فأغشيناهم } ونحو ذلك من الألفاظ قال { فذرهم في غمرتهم } - { الذين هم في غمرة ساهون } وقيل للشدائد غمرات ، قال { في غمرات الموت } ورجل غمر وجمعه أغمار . والغمر الحقد المكنون وجمعه غمور والغمر ما يغمر من رائحة الدسم سائر الروائح ، وغمرت يده وغمر عرضه دنس ، ودخل في غمار الناس وخمارهم أي الذين يغمرون . والغمرة ما يطلى به من الزعفران ، وقد تغمرت بالطيب وباعتبار الماء قيل للقدح الذي يتناول به الماء غمر ومنه اشتق تغمرت إذا شربت ماء قليلا ، وقولهم فلان مغامر إذا رمى بنفسه في الحرب إما لتوغله وخوضه فيه كقولهم يخوض الحرب ، وإما لتصور الغمارة منه فيكون وصفه بذلك ، كوصفه بالهودج ونحوه .
غمز : أصل الغمز الإشارة بالجفن أو اليد طلبا إلى ما فيه معاب ومنه قيل ما في فلان غميزة أي نقيصة يشار بها إليه وجمعها غمائز ، قال : { وإذا مروا بهم يتغامزون } ، وأصله من غمزت الكبش إذا لمسته هل به طرق نحو عبطته .
غمض : الغمض النوم العارض ، تقول ما ذقت غمضا ولا غماضا وباعتباره قيل أرض غامضة وغمضة ودار غامضة ، وغمض عينه وأغمضها وضع إحدى جفنتيه على الأخرى
____________________
(1/365)
ثم يستعار للتغافل والتساهل ، قال { ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } .
غنم : الغنم معروف قال { ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما } والغنم إصابته والظفر به ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العدى وغيرهم ، قال { واعلموا أنما غنمتم من شيء } - { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } والمغنم ما يغنم وجمعه مغانم ، قال : { فعند الله مغانم كثيرة } .
غنى : الغنى يقال على ضروب ، أحدها عدم الحاجات وليس ذلك إلا لله تعالى وهو المذكور في قوله { وإن الله لهو الغني الحميد } - { أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد } الثاني : قلة الحاجات وهو المشار إليه بقوله { ووجدك عائلا فأغنى } وذلك هو المذكور في قوله عليه السلام الغنى غنى النفس والثالث : كثرة القنيات بحسب ضروب الناس كقوله { ومن كان غنيا فليستعفف } - { الذين يستأذنونك وهم أغنياء } - { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } قالوا ذلك حيث سمعوا { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } وقوله { يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف } أي لهم غنى النفس ويحسبهم الجاهل أن لهم القنيات لما يرون فيهم من التعفف والتلطف ، وعلى هذا قوله عليه السلام لمعاذ : خذ من أغنيائهم ورد في فقرائهم ، وهذا المعنى هو المعني بقول الشاعر :
( قد يكثر المال والإنسان مفتقر ** ) يقال غنيت بكذا غنيانا وغناء واستغنيت وتغنيت وتغانيت ، قال تعالى : { واستغنى الله والله غني حميد } ويقال أغناني كذا وأغنى عنه كذا إذا كفاه ، قال { ما أغنى عني ماليه } - { ما أغنى عنه ماله } - { لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا } - { ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون } - { لا تغن عني شفاعتهم } - { ولا يغني من اللهب } والغانية المستغنية بزوجها عن الزينة ، وقيل المستغنية بحسنها عن التزين . وغني في مكان كذا إذا طال مقامه فيه مسغنيا به عن غيره بغنى ، قال { كأن لم يغنوا فيها } والمغنى يقال للمصدر وللمكان وغنى أغنية وغناء ، وقيل تغنى بمعنى استغنى وحمل قوله عليه السلام من لم يتغن بالقرآن على ذلك .
غيب : الغيب مصدر غابت الشمس وغيرها إذا استترت عن العين ، يقال غاب عني كذا ، قال تعالى : { أم كان من الغائبين } واستعمل في كل غائب عن الحاسة وعما يغيب عن علم الإنسان بمعنى الغائب ، قال { وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين } ويقال للشيء غيب وغائب باعتباره بالناس لا بالله تعالى فإنه لا يغيب عنه شيء كما لا يعزب عنه مثقال
____________________
(1/366)
ذرة في السموات ولا في الأرض ) . وقوله { عالم الغيب والشهادة } أي ما يغيب عنكم وما تشهدونه ، والغيب في قوله { يؤمنون بالغيب } مالا يقع تحت الحواس ولا تقتضيه بداية العقول وإنما يعلم بخبر الأنبياء عليهم السلام وبدفعه يقع على الإنسان اسم الإلحاد ، ومن قال الغيب هو القرآن ، ومن قال هو القدر فإشارة منهم إلى بعض ما يقتضيه لفظه . وقال بعضهم : معناه يؤمنون إذا غابوا عنكم وليسوا كالمنافقين الذين قيل فيهم { وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون } وعلى هذا قوله { الذين يخشون ربهم بالغيب } - { من خشي الرحمن بالغيب } - { ولله غيب السماوات والأرض } { أطلع الغيب } - { فلا يظهر على غيبه أحدا } - { لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله } - { ذلك من أنباء الغيب } - { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } - { إنك أنت علام الغيوب } - { إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب } وأغابت المرأة غاب زوجها . وقوله في صفة النساء : { حافظات للغيب بما حفظ الله } أي لا يفعلن في غيبة الزوج ما يكرهه الزوج . والغيبة أن يذكر الإنسان غيره بما فيه من عيب من غير أن أحوج إلى ذكره ، قال تعالى : { ولا يغتب بعضكم بعضا } والغيابة منهبط من الأرض ومنه الغابة للأجمة ، قال { في غيابة الجب } ويقال هم يشهدون أحيانا ويتغايبون أحيانا وقوله { ويقذفون بالغيب من مكان بعيد } أي من حيث لا يدركونه ببصرهم وبصيرتهم .
غوث : الغوث يقال في النصرة والغيث في المطر ، واستغثته طلبت الغوث أو الغيث فأغاثني من الغوث وغاثني من الغيث وغوثت من الغوث ، قال : { إذ تستغيثون ربكم } وقال { فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه } وقوله { وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل } فإنه يصح أن يكون من الغيث ويصح أن يكون من الغوث ، وكذا يغاثوا يصح فيه المعنيان . والغيث المطر في قوله { كمثل غيث أعجب الكفار نباته } قال الشاعر :
( سمعت الناس ينتجعون غيثا ** فقلت لصيدح انتجعي بلالا )
غور : الغور المنهبط من الأرض ، يقال غار الرجل وأغار وغارت عينه غورا وغؤرا ، وقوله تعالى { ماؤكم غورا } أي غائرا . وقال { أو يصبح ماؤها غورا } والغار في الجبل . قال { إذ هما في الغار } وكني عن الفرج والبطن بالغارين ، والمغار من المكان كالغور ، قال : { لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا } ، وغارت الشمس غيارا ، قال الشاعر :
____________________
(1/367)
( هل الدهر إلا ليلة ونهارها ** وإلا طلوع الشمس ثم غيارها ) وغور نزل غورا ، وأغار على العدو إغارة وغارة ، قال : { فالمغيرات صبحا } عبارة عن الخيل .
غير : غير يقال على أوجه : الأول : أن تكون للنفي المجرد من غير إثبات معنى به نحو مررت برجل غير قائم أي لا قائم ، قال { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله } - { وهو في الخصام غير مبين } الثاني : بمعنى إلا فيستثنى به . وتوصف به النكرة نحو مررت بقوم غير زيد أي إلا زبدا ، وقال { ما علمت لكم من إله غيري } وقال { ما لكم من إله غيره } - { هل من خالق غير الله } . الثالث : لنفي صورة من غير مادتها نحو : الماء إذا كان حارا غيره إذا كان باردا وقوله { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها } الرابع : أن يكون ذلك متناولا لذات نحو { اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق } أي الباطل وقوله { واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق } - { أغير الله أبغي ربا } - { ويستخلف ربي قوما غيركم } - { ائت بقرآن غير هذا } . والتغيير يقال على وجهين أحدهما : لتغيير صورة الشيء دون ذاته ، يقال غيرت داري إذا بنيتها بناء غير الذي كان . والثاني : لتبديله بغيره نحو غيرت غلامي ودابتي إذا أبدلتهما بغيرهما نحو { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } والفرق بين غيرين ومختلفين أن الغيرين أعم ، فإن الغيرين قد يكونان متفقين في الجوهر بخلاف المختلفين ، فالجوهران المتحيزان هما غيران وليسا مختلفين ، فكل خلافين غيران وليس كل غيرين خلافين .
غوص : الغوص الدخول تحت الماء ، وإخراج شيء منه ، ويقال لكل من انهجم على غامض فأخرجه له غائص عينا كان أو علما والغواص الذي يكثر منه ذلك ، قال { والشياطين كل بناء وغواص } - { ومن الشياطين من يغوصون له } أي يستخرجون له الأعمال الغريبة والأفعال البديعة وليس يعنى استنباط الدر من الماء فقط .
غيض : غاض الشيء وغاضه غيره نحو نقص ونقصه غيره ، قال : { وغيض الماء } - { وما تغيض الأرحام } أي تفسده الأرحام ، فتجعله كالماء الذي تبتلعه الأرض ، والغيضة المكان الذي يقف فيه الماء فيبتلعه ، وليلة غائضة أي مظلمة .
غيظ : الغيظ أشد غضب وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من فوران دم قلبه ، قال : { قل موتوا بغيظكم } - { ليغيظ بهم الكفار } وقد دعا الله الناس إلى إمساك النفس عند اعتراء
____________________
(1/368)
الغيظ قال : { والكاظمين الغيظ } قال : وإذا وصف الله سبحانه به فإنه يراد به الانتقام قال { وإنهم لنا لغائظون } أي داعون بفعلهم إلى الانتقام منهم ، والتغيظ هو إظهار الغيظ وقد يكون ذلك مع صوت مسموع كما قال : { سمعوا لها تغيظا وزفيرا } .
غول : الغول إهلاك الشيء من حيث لا يحس به ، يقال . غال يغول غولا ، واغتاله اغتيالا ، ومنه سمي السعلاة غولا . قال في صفة خمر الجنة { لا فيها غول } نفيا لكل ما نبه عليه بقوله : { وإثمهما أكبر من نفعهما } ، وبقوله : { رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } .
غوى : الغي جهل من اعتقاد فاسد ، وذلك أن الجهل قد يكون من كون الإنسان غير معتقد اعتقادا لا صالحا ولا فاسدا ، وقد يكون من اعتقاد شيء فاسد وهذا النحو الثاني يقال له غي . قال تعالى : { ما ضل صاحبكم وما غوى } - { وإخوانهم يمدونهم في الغي } . وقوله : { فسوف يلقون غيا } أي عذابا ، فسماه الغي لما كان الغي هو سببه وذلك كتسمية الشيء بما هو سببه كقولهم للنبات ندى . وقيل معناه فسوف يلقون أثر الغي وثمرته قال { وبرزت الجحيم للغاوين } - { والشعراء يتبعهم الغاوون } - { إنك لغوي مبين } ، وقوله : { وعصى آدم ربه فغوى } أي جهل ، وقيل معناه خاب نحو قول الشاعر :
( ومن يغو لا يعدم على الغي لائما ** ) وقيل معنى غوى فسد عيشه من قولهم غوي الفصيل وغوى نحو هوي وهوى ، وقوله : { إن كان الله يريد أن يغويكم } فقد قيل معناه أن يعاقبكم على غيكم ، وقيل معناه يحكم عليكم بغيكم . وقوله تعالى : { قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا } تبرأنا إليك إعلاما منهم أنا قد فعلنا بهم غاية ما كان في وسع الإنسان أن يفعل بصديقه ، فإن حق الإنسان أن يريد بصديقه ما يريد بنفسه ، فيقول قد أفدناهم ما كان لنا وجعلناهم أسوة أنفسنا ، وعلى هذا قوله تعالى : { فأغويناكم } - { إنا كنا غاوين } - { فبما أغويتني } - { لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم } .
____________________
(1/369)
= كتاب الفاء =
فتح : الفتح إزالة الإغلاق والإشكال ، وذلك ضربان ، أحدهما : يدرك بالبصر كفتح الباب ونحوه وكفتح القفل ، والغلق والمتاع نحو قوله : { ولما فتحوا متاعهم } - { ولو فتحنا عليهم بابا من السماء } . والثاني : يدرك بالبصيرة كفتح الهم وهو إزالة الغم ، وذلك ضروب أحدها : في الأمور الدنيوية كغم يفرج وفقر يزال بإعطاء المال ونحوه ، نحو { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء } أي وسعنا ، وقال { لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض } أي أقبل عليهم الخيرات . والثاني : فتح المستغلق من العلوم ، نحو قولك فلان فتح من العلم بابا مغلقا وقوله : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } قيل عنى فتح مكة ، وقيل بل عنى ما فتح على النبي من العلوم والهدايات التي هي ذريعة إلى الثواب والمقامات المحمودة التي صارت سببا لغفران ذنوبه . وفاتحة كل شيء مبدؤه الذي يفتح به ما بعده وبه سمي فاتحة الكتاب ، وقيل افتتح فلان كذا إذا ابتدأ به ، وفتح عليه كذا إذا أعلمه ووقفه عليه ، قال : { أتحدثونهم بما فتح الله عليكم } - { ما يفتح الله للناس } وفتح القضية فتاحا فصل الأمر فيها وأزال الإغلاق عنها ، قال : { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين } ومنه الفتاح العليم ، قال الشاعر :
( وإني من فتاحتكم غني ** ) وقيل الفتاحة بالضم والفتح ، وقوله : { إذا جاء نصر الله والفتح } فإنه يحتمل النصرة والظفر والحكم وما يفتح الله تعالى من المعارف ، وعلى ذلك قوله { نصر من الله وفتح قريب } - { فعسى الله أن يأتي بالفتح } - { ويقولون متى هذا الفتح } - { قل يوم الفتح } أي يوم الحكم وقيل يوم إزالة الشبهة بإقامة القيامة ، وقيل ما كانوا يستفتحون من العذاب ويطلبونه ، والاستفتاح طلب الفتح أو الفتاح قال { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } أي إن طلبتم الظفر أو طلبتم الفتاح أي الحكم أضو طلبتم مبدأ الخيرات فقد جاءكم ذلك بمجئ النبي صلى الله عليه وسلم . وقوله : { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا } أي
____________________
(1/370)
يستنصرون الله ببعثة محمد عليه الصلاة والسلام وقيل يستعلمون خبره من الناس مرة ، ويستنبطونه من الكتب مرة ، وقيل يطلبون من الله بذكره الظفر ، وقيل كانوا يقولون إنا لننصر بمحمد عليه السلام على عبدة الأوثان . والمفتح والمفتاح ما يفتح به وجمعه مفاتيح ومفاتح . وقوله { وعنده مفاتح الغيب } يعني ما يتوصل به إلى غيبه المذكور في قوله { فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول } وقوله { ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة } قيل عنى مفاتح خزائنه وقيل بل عني بالمفاتح الخزائن أنفسها . وباب فتح مفتوح في عامة الأحوال وغلق خلافه . وروي من وجد بابا غلقا وجد إلى جنبه بابا فتحا وقيل فتح واسع .
فتر : الفتور سكون بعد حدة ، ولين بعد شدة ، وضعف بعد قوة ، قال تعالى : { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل } أي سكون حال عن مجئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله : { لا يفترون } أي لا يسكنون عن نشاطهم في العبادة . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لكل عالم شرة ، ولكل شرة فترة فمن فتر إلى سنتي فقد نجا وإلا فقد هلك فقوله لكل شرة فترة فإشارة إلى ما قيل : للباطل جولة ثم يضمحل ، وللحق دولة لا تذل ولا تقل . وقوله من فتر إلى سنتي أي سكن إليها ، والطرف الفاتر فيه ضعف مستحسن ، والفتر ما بين طرف الإبهام وطرف السبابة ، يقال فترته بفتري وشبرته بشبري .
فتق : الفتق الفصل بين المتصلين وهو ضد الرتق ، قال { أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما } والفتق والفتيق الصبح ، وأفتق القمر صادف فتقا فطلع منه ، ونصل فتيق الشفرتين إذا كان له شعبتان كأن إحداهما فتقت من الأخرى . وجمل فتيق ، تفتق سمنا وقد فتق فتقا .
فتل : فتلت الحبل فتلا ، والفتيل المفتول وسمي ما يكون في شق النواة فتيلا لكونه على هيئته ، قال تعالى : { ولا يظلمون فتيلا } وهو ما تفتله بين أصابعك من خيط أو وسخ ويضرب به المثل في الشيء الحقير . وناقة فتلاء الذراعين محكمة .
فتن : أصل الفتن إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته ، واستعمل في إدخال الإنسان النار ، قال { يوم هم على النار يفتنون ذوقوا فتنتكم } أي عذابكم وذلك نحو قوله : { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب } وقوله { النار يعرضون عليها } الآية وتارة يسمون ما يحصل عنه العذاب
____________________
(1/371)
فيستعمل فيه نحو قوله { ألا في الفتنة سقطوا } وتارة في الاختبار نحو : { وفتناك فتونا } وجعلت الفتنة كالبلاء في أنهما يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء وهما في الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالا ، وقد قال فيهما { ونبلوكم بالشر والخير فتنة } . وقال في الشدة { إنما نحن فتنة } - { والفتنة أشد من القتل } - { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } وقال { ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا } أي يقول لا نبلني ولا تعذبني وهم بقولهم ذلك وقعوا في البلية والعذاب . وقال { فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم } أي يبتليهم ويعذبهم وقال { واحذرهم أن يفتنوك } - { وإن كادوا ليفتنونك } أي يوقعونك في بلية وشدة في صرفهم إياك عما أوحي إليك وقوله { فتنتم أنفسكم } أي أوقعتموها في بلية وعذاب ، وعلى هذا قوله { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } وقوله : { واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة } فقد سماهم ههنا فتنة اعتبارا بما ينال الإنسان من الاختبار بهم ، وسماهم عدوا في قوله { إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم } اعتبارا بما يتولد منهم وجعلهم زينة في قوله { زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين } الآية . اعتبارا بأحوال الناس في تزينهم بهم وقوله { الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } أي لا يختبرون فيميز خبيثهم من طيبهم كما قال { ليميز الله الخبيث من الطيب } وقوله { أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون } فإشارة إلى ما قال { ولنبلونكم بشيء من الخوف } الآية . وعلى هذا قوله : { وحسبوا ألا تكون فتنة } والفتنة من الأفعال التي تكون من الله تعالى ومن العبد كالبلية والمصيبة والقتل والعذاب وغير ذلك من الأفعال الكريهة ومتى كان من الله يكون على وجه الحكمة ، ومتى كان من الإنسان بغير أمر الله يكون بضد ذلك ، ولهذا يذم الله الإنسان بأنواع الفتنة في كل مكان نحو قوله : { والفتنة أشد من القتل } - { إن الذين فتنوا المؤمنين } - { ما أنتم عليه بفاتنين } أي بمضلين وقوله : { بأيكم المفتون } قال الأخفش ، المفتون الفتنة كقولك ليس له معقول ، وخذ ميسوره ودع معسوره ، فتقديره بأيكم الفتون . وقال غيره : أيكم المفتون والباء زائدة كقوله : { كفى بالله شهيدا } ، وقوله : { واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك } فقد عدي ذلك بعن تعدية خدعوك لما أشار بمعناه إليه .
فتى : الفتى الطري من الشباب والأنثى
____________________
(1/372)
فتاة والمصدر فتاء ، ويكنى بهما عن العبد والأمة ، قال : { تراود فتاها عن نفسه } والفتي من الإبل كالفتى من الناس وجمع الفتى فتية وفتيان وجمع الفتاة فتيات وذلك قوله : { من فتياتكم المؤمنات } أي إمائكم ، وقال { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } أي إماءكم { وقال لفتيانه } أي لمملوكيه وقال : { إذ أوى الفتية إلى الكهف } - { إنهم فتية آمنوا بربهم } والفتيا والفتوى الجواب عما يشكل من الأحكام ، ويقال : استفتيته فأفتاني بكذا . قال : { ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن } - { فاستفتهم } - { أفتوني في أمري } .
فتئ : يقال : ما فتئت أفعل كذا وما فتأت ، كقولك ما زلت قال : { تفتأ تذكر يوسف } .
فجج : الفج شقة يكتنفها جبلان ، ويستعمل في الطريق الواسع وجمعه فجاج . قال { من كل فج عميق } - { فيها فجاجا سبلا } والفجج تباعد الركبتين ، وهو أفج من الفجج ، ومنه حافر مفجج ، وجرح فج لم ينضج .
فجر : الفجر شق الشيء شقا واسعا كفجر الإنسان السكر ، يقال فجرته فانفجر وفجرته فتفجر ، قال { وفجرنا الأرض عيونا } - { وفجرنا خلالهما نهرا } - { فتفجر الأنهار } - { تفجر لنا من الأرض ينبوعا } وقرئ تفجر . وقال : { فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا } ومنه قيل للصبح فجر لكونه فجر الليل ، قال { والفجر وليال عشر } - { إن قرآن الفجر كان مشهودا } وقيل الفجر فجران : الكاذب وهو كذنب السرحان ، والصادق وبه يتعلق حكم الصوم والصلاة ، قال : { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } والفجور شق ستر الديانة ، يقال فجر فجورا فهو فاجر ، وجمعه فجار وفجرة ، قال : { كلا إن كتاب الفجار لفي سجين } - { وإن الفجار لفي جحيم } - { أولئك هم الكفرة الفجرة } وقوله : { بل يريد الإنسان ليفجر أمامه } أي يريد الحياة ليتعاطى الفجور فيها . وقيل معناه ليذنب فيها . وقيل مناه يذنب ويقول غدا أتوب ثم لا يفعل فيكون ذلك فجورا لبذله عهدا لا يفى به . وسمي الكاذب فاجرا لكون الكذب بعض الفجور . وقولهم ونخلع ونترك من يفجرك أي من يكذبك وقيل من يتباعد عنك ، وأيام الفجار وقائع اشتدت بين العرب .
فجا : قال تعالى : { وهم في فجوة } أي ساحة واسعة ، ومنه قوس فجاء وفجواء بان وتراها عن كبدها ، ورجل أفجى بين الفجا : أي متباعد ما بين العرقوبين .
فحش : الفحش والفحشاء والفاحشة ما عظم
____________________
(1/373)
قبحه من الأفعال والأقوال ، وقال { إن الله لا يأمر بالفحشاء } - { وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون } - { من يأت منكن بفاحشة مبينة } - { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة } - { إنما حرم ربي الفواحش } - { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } كناية عن الزنا ، وكذلك قوله : { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } وفحش فلان صار فاحشا . ومنه قول الشاعر :
( عقيلة مال الفاحش المتشدد ** ) يعني به العظيم القبح في البخل ، والمتفحش الذي يأتي بالفحش .
فخر : الفخر المباهاة في الأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال والجاه ، ويقال له الفخر ورجل فاخر وفخور وفخير على التكثير ، قال تعالى : { إن الله لا يحب كل مختال فخور } ، ويقال فخرت فلانا على صاحبه أفخره فخرا حكمت له بفضل عليه ، ويعبر عن كل نفيس بالفاخر يقال ثوب فاخر وناقة فخور عظيمة الضرع ، كثيرة الدر ، والفخار الجرار وذلك لصوته إذا نقر كأنما تصور بصورة من يكثر التفاخر . قال تعالى : { من صلصال كالفخار } .
فدى : الفدى والفداء حفظ الإنسان عن النائبة بما يبذله عنه ، قال تعالى : { فإما منا بعد وإما فداء } يقال فديته بمال وفديته بنفسي وفاديته بكذا ، قال تعالى : { وإن يأتوكم أسارى تفادوهم } وتفادى فلان من فلان أي تحامى من شيء بذله . وقال { وفديناه بذبح عظيم } وافتدى إذا بذل ذلك عن نفسه ، قال تعالى : { فيما افتدت به } - { وإن يأتوكم أسارى تفادوهم } والمفاداة هو أن يرد اسر العدى ويسترجع منهم من في أيديهم ، قال { ومثله معه لافتدوا به } - { لافتدت به } - { ليفتدوا به } - { ولو افتدى به } - { لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه } وما يقي به الإنسان نفسه من مال يبذله في عبادة قصر فيها يقال له فدية ككفارة اليمين وكفارة الصوم نحو قوله { ففدية من صيام أو صدقة } - { فدية طعام مسكين } .
فر : اصل الفر الكشف عن سن الدابة يقال فررت فرارا ومنه فر الدهر جدعا ومنه الافترار وهو ظهور السن من الضحك ، وفر عن الحرب فرارا . قال { ففررت منكم } - { فرت من قسورة } - { فلم يزدهم دعائي إلا فرارا } - { لن ينفعكم الفرار إن فررتم } - { ففروا إلى الله } وأفررته جعلته فارا ، ورجل فر وفار ، والمفر موضع الفرار ووقته والفرار نفسه وقوله : { أين المفر } يحتمل ثلاثتها .
فرت : الفرات الماء العذب يقال للواحد والجمع ، قال { وأسقيناكم ماء فراتا } - { هذا عذب فرات } .
فرث : قال تعالى : { من بين فرث ودم لبنا خالصا } أي ما في الكرش ، يقال فرثت
____________________
(1/374)
كبده أي فتتتها ، وأفرث فلان أصحابه أوقهعم في بلية جارية مجرى الفرث .
فرج : الفرج والفرجة الشق بين الشيئين كفرجة الحائط والفرج ما بين الرجلين وكني به عن السوأة وكثر حتى صار كالصريح فيه ، قال تعالى : { والتي أحصنت فرجها } - { لفروجهم حافظون } - { ويحفظن فروجهن } واستعير الفرج للثغر وكل موضع مخافة . وقيل الفرجان في الإسلام الترك والسودان ، وقوله { وما لها من فروج } أي شقوق وفتوق ، قال { وإذا السماء فرجت } أي انشقت والفرج انكشاف الغم ، يقال فرج الله عنك ، وقوس فرج انفرجت سيتاها ، ورجل فرج لا يكتم سره وفرج لا يزال ينكشف فرجه ، وفراريج الدجاج لانفراج البيض عنها ودجاجة مفرج ذات فراريج ، والمفرج القتيل الذي انكشف عنه القوم فلا يدرى من قتله .
فرح : الفرح انشراح الصدر بلذة عاجلة وأكثر ما يكون ذلك في اللذات البدنية فلهذا قال { ولا تفرحوا بما آتاكم } - { وفرحوا بالحياة الدنيا } - { ذلكم بما كنتم تفرحون } - { حتى إذا فرحوا بما أوتوا } - { فرحوا بما عندهم من العلم } - { إن الله لا يحب الفرحين } ولم يرخص في الفرح إلا في قوله { فبذلك فليفرحوا } - { ويومئذ يفرح المؤمنون } والمفراح الكثير الفرح ، قال الشاعر :
( ولست بمفراح إذا الخير مسني ** ولا جازع من صرفه المتقلب ) وما يسرني بهذا الأمر مفرح ومفروح به ، ورجل مفرح أثقله الدين ، وفي الحديث لا يترك في الإسلام مفرح ، فكأن الإفراح يستعمل في جلب الفرح وفي إزالة الفرح كما أن الإشكاء يستعمل في جلب الشكوى وفي إزالتها ، فالمدان قد أزيل فرحه فلهذا قيل لا غم إلا غم الدين .
فرد : الفرد الذي لا يختلط به غيره فهو أعم من الوتر وأخص من الواحد ، وجمعه فرادى ، قال { لا تذرني فردا } أي وحيدا ، ويقال في الله فرد تنبيها أنه بخلاف الأشياء كلها في الازدواج المنبه عليه بقوله { ومن كل شيء خلقنا زوجين } وقيل معناه المستغنى عما عداه كما نبه عليه بقوله غني عن العالمين وإذا قيل هو منفرد بوحدانيته ، فمعناه هو مستغن عن كل تركيب وازدواج تنبيها أنه مخالف للموجودات كلها . وفريد واحد ، وجمعه فرادى نحو أسير وأسارى . قال { ولقد جئتمونا فرادى } .
فرش : الفرش بسط الثياب ، ويقال للمفروش فرش وفراش ، قال { الذي جعل لكم الأرض فراشا } أي ذللها ولم يجعلها نائية لا يمكن الاستقرار عليها ، والفراش جمعه فرش ، قال { وفرش مرفوعة } - { فرش بطائنها من إستبرق }
____________________
(1/375)
) والفرش ما يفرش من الأنعام أي يركب ، قال تعالى : { حمولة وفرشا } وكني بالفراش عن كل واحد من الزوجين فقال النبي صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وفلان كريم المفارش أي النساء . وأفرش الرجل صاحبه أي اغتابه وأساء القول فيه ، وأفرش عنه أقلع ، والفراش طير معروف ، قال : { كالفراش المبثوث } وبه شبه فراشة القفل ، والفراشة الماء القليل في الإناء .
فرض : الفرض قطع الشيء الصلب والتأثير فيه كفرض الحديد وفرض الزند والقوس والمفراض والمفرض ما يقطع به الحديد ، وفرضة الماء مقسمه . قال تعالى : { لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا } أي معلوما وقيل مقطوعا عنهم والفرض كالإيجاب لكن الإيجاب يقال اعتبارا بوقوعه وثباته ، والفرض بقطع الحكم فيه . قال { سورة أنزلناها وفرضناها } أي أوجبنا العمل بها عليك ، وقال : { إن الذي فرض عليك القرآن } أي أوجب عليك العمل به ، ومنه يقال لما ألزم الحاكم من النفقة فرض . وكل موضع ورد فرض الله عليه ففي الإيجاب الذي أدخله الله فيه وما ورد من { فرض الله له } فهو في أن لا يحظره على نفسه نحو { ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له } وقوله { وقد فرضتم لهن فريضة } أي سميتم لهن مهرا ، وأوجبتم على أنفسكم بذلك ، وعلى هذا يقال فرض له في العطاء وبهذا النظر ، ومن هذا الغرض قيل للعطية فرض وللدين فرض ، وفرائض الله تعالى ما فرض لأربابها ، ورجل فارض وفرضي بصير بحكم الفرائض قال تعالى : { فمن فرض فيهن الحج } إلى قوله : { في الحج } أي من عين على نفسه إقامة الحج ، وإضافة فرض الحج إلى الإنسان دلالة أنه هو معين الوقت ، ويقال لما أخذ في الصدقة فريضة . قال : { إنما الصدقات للفقراء } إلى قوله : { فريضة من الله } وعلى هذا ما روي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كتب إلى بعض عماله كتابا وكتب فيه : هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين . والفارض المسن من البقر ، قال : { لا فارض ولا بكر } وقيل إنما سمي فارضا لكونه فارضا للأرض أي قاطعا أو فارضا لما يحمل من الأعمال الشاقة ، وقيل : بل لأن فريضة البقر اثنان تبيع ومسنة ، فالتبيع يجوز في حال دون حال ، والمسنة يصح بذلها في كل حال فسميت المسنة فارضة لذلك ، فعلى هذا يكون الفارض اسما إسلاميا .
فرط : فرط إذا تقدم تقدما بالقصد يفرط ، ومنه الفارط إلى الماء أي المتقدم لإصلاح الدلو ، يقال فارط وفرط ، ومنه قوله عليه السلام : أنا فرطكم على الحوض وقيل في الولد
____________________
(1/376)
الصغير إذا مات اللهم اجعله لنا فرطا ، وقوله : { أن يفرط علينا } أي يتقدم ، وفرس فرط يسبق الخيل ، والإفراط أن يسرف في التقدم ، والتفريط أن يقصر في الفرط ، يقال ما فرطت في كذا أي ما قصرت ، قال : { ما فرطنا في الكتاب } - { ما فرطت في جنب الله } - { ما فرطتم في يوسف } وأفرطت القربة ملأتها { وكان أمره فرطا } أي إسرافا وتضييعا .
فرع : فرع الشجر غصنه وجمعه فروع قال : { وفرعها في السماء } واعتبر ذلك على وجهين ، أحدهما : بالطول فقيل فرع كذا إذا طال وسمي شعر الرأس فرعا لعلوه ، وقيل رجل أفرع وامرأة فرعاء وفرعت الجبل وفرعت رأسه بالسيف وتفرعت في بني فلان تزوجت في أعاليهم وأشرافهم . والثاني : اعتبر بالعرض فقيل تفرع كذا وفروع المسألة ، وفروع الرجل أولاده ، وفرعون اسم أعجمي وقد اعتبر عرامته فقيل تفرعن فلان إذا تعاطى فعل فرعون كما يقال أبلس وتبلس ومنه قيل للطغاة الفراعنه والأبالسة .
فرغ : الفراغ خلاف الشغل وقد فرغ فراغا وفروغا وهو فارغ ، قال : { سنفرغ لكم أيها الثقلان } - { وأصبح فؤاد أم موسى فارغا } أي كأنما فرغ من لبها لما تداخلها من الخوف وذلك كما قال الشاعر :
( كأن جوجؤه هواء ** ) وقيل فارغا من ذكره أي أنسيناها ذكره حتى سكنت واحتملت أن تلقيه في اليم ، وقيل فارغا أي خاليا إلا من ذكره لأنه قال : { إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها } ومنه { فإذا فرغت فانصب } وأفرغت الدلو صببت ما فيه ومنه استعير { أفرغ علينا صبرا } وذهب دمه فرغا أي مصبوبا ومعناه باطلا لم يطلب به ، وفرس فريغ واسع العدو كأنما يفرغ العدو إفراغا ، وضربة فريغة واسعة ينصب منها الدم .
فرق : الفرق يقارب الفلق لكن الفلق يقال اعتبارا بالانشقاق والفرق يقال اعتبارا بالانفصال ، قال { وإذ فرقنا بكم البحر } والفرق القطعة المنفصلة ومنه الفرقة للجماعة المتفردة من الناس ، وقيل فرق الصبح وفلق الصبح ، قال { فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم } والفريق الجماعة المتفرقة عن آخرين ، قال : { وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب } - { ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون } - { فريق في الجنة وفريق في السعير } - { إنه كان فريق من عبادي } - { أي الفريقين } - { وتخرجون فريقا منكم من ديارهم } - { وإن فريقا منهم ليكتمون الحق } وفرقت بين الشيئين فصلت بينهما سواء كان ذلك بفصل يدركه البصر أو بفصل تدركه البصيرة ، قال : { فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين } - { فالفارقات فرقا } يعني الملائكة
____________________
(1/377)
الذين يفصلون بين الأشياء حسبما أمرهم الله وعلى هذا قوله { فيها يفرق كل أمر حكيم } وقيل عمر الفاروق رضي الله عنه لكونه فارقا بين الحق والباطل ، وقوله : { وقرآنا فرقناه } أي بينا فيه الأحكام وفصلناه وقيل فرقناه أي أنزلناه مفرقا ، والتفريق أصله للتكثير ويقال ذلك في تشتيت الشمل والكلمة نحو { يفرقون به بين المرء وزوجه } - { فرقت بين بني إسرائيل } وقوله { لا نفرق بين أحد من رسله } وقوله { لا نفرق بين أحد منهم } إنما جاز أن يجعل التفريق منسوبا إلى أحد من حيث إن لفظ أحد يفيد الجمع في النفي ، وقال { إن الذين فرقوا دينهم } وقرئ فارقوا والفراق والمفارقة تكون بالأبدان أكثر . قال { هذا فراق بيني وبينك } وقوله { وظن أنه الفراق } أي غلب على قلبه أنه حين مفارقته الدنيا بالموت ، وقوله { ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله } أي يظهرون الإيمان بالله ويكفرون بالرسل خلاف ما أمرهم الله به . وقوله { ولم يفرقوا بين أحد منهم } أي آمنوا برسل الله جميعا ، والفرقان أبلغ من الفرق لأنه يستعمل في الفرق بين الحق والباطل وتقديره كتقدير رجل قنعان يقنع به في الحكم وهو اسم لا مصدر فيما قيل ، والفرق يستعمل في ذلك وفي غيره وقوله { يوم الفرقان } أي اليوم الذي يفرق فيه بين الحق والباطل ، والحجة والشبهة ، وقوله { يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا } أي نورا وتوفيقا على قلوبكم يفرق به بين الحق والباطل ، فكان الفرقان ههنا كالسكينة والروح في غيره وقوله { وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان } قيل أريد به يوم بدر فإنه أول يوم فرق فيه بين الحق والباطل ، والفرقان كلام الله تعالى ، لفرقه بين الحق والباطل في الاعتقاد والصدق والكذب في المقال والصالح والطالح في الأعمال وذلك في القرآن والتوراة والإنجيل ، قال { وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان } - { وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان } - { ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان } - { تبارك الذي نزل الفرقان } - { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان } والفرق تفرق القلب من الخوف ، واستعمال الفرق فيه كاستعمال الصدع والشق فيه ، قال { ولكنهم قوم يفرقون } ويقال رجل فروق وفروقة وامرأة كذلك ومنه قيل للناقة التي تذهب في الأرض نادة من وجع المخاض فارق وفارقة وبها شبه السحابة المنفردة فقيل فارق ، والأفرق من الديك ما عرفه مفروق ، ومن الخيل ما أحد وركيه أرفع من الآخر ، والفريقة تمر يطبخ بحلبة ، والفروقة حم الكليتين .
فره : الفره الأشر وناقة مفرهة تنتج الفره ، وقوله { وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين }
____________________
(1/378)
أي حاذقين وجمعه فره ويقال ذلك في الإنسان وفي غيره ، وقرئ فرهين في معناه وقيل معناهما أشرين .
فرى : الفري قطع الجلد للخرز والإصلاح والإفراء للإفساد والافتراء فيهما وفي الإفساد أكثر وكذلك استعمل في القرآن في الكذب والشرك والظلم نحو { ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما } - { انظر كيف يفترون على الله الكذب } وفي الكذب نحو { افتراء على الله قد ضلوا } - { ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب } - { أم يقولون افتراه } - { وما ظن الذين يفترون على الله الكذب } - { أن يفترى من دون الله } - { إن أنتم إلا مفترون } وقوله { لقد جئت شيئا فريا } قيل معناه عظيما وقيل عجيبا وقيل مصنوعا وكل ذلك إشارة إلى معنى واحد .
فز : قال { واستفزز من استطعت منهم بصوتك } أي أزعج { فأراد أن يستفزهم من الأرض } أي يزعجهم ، وفزني فلان أي أزعجني ، والفز ولد البقرة وسمي بذلك لما تصور فيه من الخفة كما يسمى عجلا لما تصور فيه من العجلة .
فزع : الفزع انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف وهو من جنس الجزع ولا يقال فزعت من الله كما يقال خفت منه . وقوله { لا يحزنهم الفزع الأكبر } فهو الفزع من دخول النار { ففزع من في السماوات ومن في الأرض } - { وهم من فزع يومئذ آمنون } - { حتى إذا فزع عن قلوبهم } أي أزيل عنها الفزع ، ويقال فزع إليه إذا استغاث به عند الفزع ، وفزع له أغاثه . وقول الشاعر :
( كنا إذا ما أتانا صارخ فزع ** ) أي صارخ أصابه فزع ، ومن فسره بأن معناه المستغيث فإن ذلك تفسير للمقصود من الكلام لا للفظ الفزع .
فسح : الفسح والفسيح الواسع من المكان والتفسح التوسع ، يقال فسحت مجلسه فتفسح فيه ، قال { يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم } ومنه قيل فسحت لفلان أن يفعل كذا كقولك وسعت له وهو في فسحة من هذا الأمر .
فسد : الفساد خروج الشيء عن الاعتدال قليلا كان الخروج عنه أو كثيرا ويضاده الصلاح ويستعمل ذلك في النفس والبدن والأشياء الخارجة عن الاستقامة ، يقال فسد فسادا وفسودا ، وأفسده غيره ، قال { لفسدت السماوات والأرض } - { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } - { ظهر الفساد في البر والبحر } - { والله لا يحب الفساد } - { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض } - { ألا إنهم هم المفسدون } - { ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل } - { إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها }
____________________
(1/379)
- { إن الله لا يصلح عمل المفسدين } - { والله يعلم المفسد من المصلح } ) .
فسر الفسر إظهار المعنى المعقول ومنه قيل لما ينبئ عنه البول تفسرة وسمي بها قارورة الماء ، والتفسير في المبالغة كالفسر ، والتفسير قد يقال فيما يختص بمفردات الألفاظ وغريبها وفيما يختص بالتأويل ، ولهذا يقال تفسير الرؤيا وتأويلها ، قال { وأحسن تفسيرا } .
فسق : فسق فلان خرج عن حجر الشرع وذلك من قولهم فسق الرطب إذا خرج عن قشره وهو أعم من الكفر . والفسق يقع بالقليل من الذنوب وبالكثير لكن تعورف فيما كان كثيرا وأكثر ما يقال الفاسق لمن التزم حكم الشرع وأقر به ثم أخل بجميع أحكامه أو ببعضه ، وإذا قيل للكافر الأصلي فاسق فلأنه أخل بحكم ما ألزمه العقل واقتضته الفطرة ، قال { ففسق عن أمر ربه } - { ففسقوا فيها } - { وأكثرهم الفاسقون } - { وأولئك هم الفاسقون } - { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا } - { ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } أي من يستر نعمة الله فقد خرج عن طاعته { وأما الذين فسقوا فمأواهم النار } - { والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون } - { والله لا يهدي القوم الفاسقين } - { إن المنافقين هم الفاسقون } - { كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا } - { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا } فقابل به الإيمان . فالفاسق أعم من الكافر والظالم أعم من الفاسق { والذين يرمون المحصنات } إلى قوله { وأولئك هم الفاسقون } وسميت الفأرة فويسقة لما اعتقد فيها من الخبث والفسق وقيل لخروجها من بيتها مرة بعد أخرى وقال عليه الصلاة والسلام : اقتلوا الفويسقة فإنها توهي السقاء وتضرم البيت على أهله قال ابن الأعرابي : لم يسمع الفاسق في وصف الإنسان في كلام العرب وإنما قالوا فسقت الرطبة عن قشرها . فشل : الفشل ضعف مع جبن . قال : { حتى إذا فشلتم } - { فتفشلوا وتذهب ريحكم } - { لفشلتم ولتنازعتم } ، وتفشل الماء سال .
فصح : الفصح خلوص الشيء مما يشوبه واصله في اللبن ، يقال فصح اللبن وافصح فهو مفصح وفصيح إذا تعرى من الرغوة ، وقد روي :
( وتحت الرغوة اللبن الفصيح ** ) ومنه استعير فصح الرجل جادت لغته وأفصح تكلم بالعربية وقيل بالعكس والأول أصح وقيل الفصيح الذي ينطق والأعجمي الذي لا ينطق ، قال { وأخي هارون هو أفصح مني لسانا } وعن هذا استعير : أفصح الصبح إذا بدا
____________________
(1/380)
ضوؤه ، وأفصح النصارى جاء فصحهم أي عيدهم .
فصل : الفصل إبانة أحد الشيئين من الآخر حتى يكون بينهما فرجة ، ومنه قيل المفاصل ، الواحد مفصل ، وفصلت الشاة قطعت مفاصلها ، وفصل القوم عن مكان كذا ، وانفصلوا فارقوه ، قال { ولما فصلت العير قال أبوهم } ويستعمل ذلك في لأفعال والأقول نحو قوله { إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين } - { هذا يوم الفصل } أي اليوم يبين الحق من الباطل ويفصل بين الناس بالحكم وعلى ذلك { يفصل بينهم } - { وهو خير الفاصلين } وفصل الخطاب ما فيه قطع الحكم ، وحكم فيصل ولسان مفصل ، قال { وكل شيء فصلناه تفصيلا } - { الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير } إشارة إلى ما قال { تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة } وفصيلة الرجل عشيرته المنفصلة عنه . قال { وفصيلته التي تؤويه } والفصال التفريق بين الصبي والرضاع ، قال : { فإن أرادا فصالا عن تراض منهما } - { وفصاله في عامين } ومنه الفصيل لكن اختص بالحوار ، والمفصل من القرآن السبع الأخير وذلك للفصل بين القصص بالسور القصار ، والفواصل أواخر الآي وفواصل القلادة شذر يفصل به بينها ، وقيل الفصيل حائل دون سور المدينة ، وفي الحديث : من أنفق نفقة فاصلة فله من الأجر كذا أي نفقة تفصل بين الكفر والإيمان .
فض : الفض كسر الشيء والتفريق بين بعضه وبعضه كفض ختم الكتاب وعنه استعير انفض القوم . قال { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها } - { لانفضوا من حولك } والفضة اختصت بأدون المتعامل بها من الجواهر ، ودرع فضفاضة وفضفاض واسعة .
فضل : الفضل الزيادة عن الاقتصار وذلك ضربان : محمود كفضل العلم الحلم ، ومذموم كفضل الغضب على ما يجب أن يكون عليه . والفضل في المحمود أكثر استعمالا والفضول في المذموم ، الفضل إذا استعمل لزيادة أحد الشيئين على الآخر فعلى ثلاثة أضرب : فضل من حيث الجنس كفضل جنس الحيوان على جنس النبات ، وفضل من حيث النوع كفضل الإنسان على غيره من الحيوان وعلى هذا النحو قوله : { ولقد كرمنا بني آدم } إلى قوله : { تفضيلا } وفضل من حيث الذات كفضل رجل على آخر . فالأولان جوهريان لا سبيل للناقص فيهما أن يزيل نقصه وأن يستفيد الفضل كالفرس والحمار لا يمكنهما أن يكتسبا الفضيلة التي خص بها الإنسان ، والفضل الثالث قد يكون عرضيا فيوجد السبيل على اكتسابه ومن هذا النوع التفضيل المذكور في قوله : { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } -
____________________
(1/381)
- لتبتغوا فضلا من ربكم ) يعني المال وما يكتسب وقوله : { بما فضل الله بعضهم على بعض } فإنه يعني بما أخص به الرجل من الفضيلة الذاتية له والفضل الذي أعطيه من المكنة والمال والجاه والقوة ، وقال : { ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض } - { فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين } وكل عطية لا تلزم من يعطي يقال لها فضل نحو قوله : { واسألوا الله من فضله } - { ذلك فضل الله } - { ذو الفضل العظيم } وعلى هذا قوله : { قل بفضل الله } - { ولولا فضل الله } .
فضا : الفضاء المكان الواسع ومنه أفضى بيده إلى كذا وأفضى إلى امرأته في الكناية أبلغ وأقرب إلى التصريح من قولهم خلا بها قال : { وقد أفضى بعضكم إلى بعض } وقول الشاعر :
طعامهم فوضى فضا في رحالهم ** ) أي مباح كأنه موضوع في فضاء يفيض فيه من يريده .
فطر : أصل الفطر الشق طولا ، يقال فطر فلان كذا فطرا وأفطر هو فطورا وانفطر انفطارا ، قال : { هل ترى من فطور } أي اختلال ووهي فيه وذلك قد يكون على سبيل الفساد وقد يكون على سبيل الصلاح قال : { السماء منفطر به كان وعده مفعولا } وفطرت الشاة حلبتها بأصبعين وفطرت العجين إذا عجنته فخبزته من وقته ، ومنه الفطرة . وفطر الله الخلق وهو إيجاده الشيء وإبداعه على هيئة مترشحة لفعل من الأفعال فقوله : { فطرة الله التي فطر الناس عليها } فإشارة منه تعالى إلى ما فطر أي أبدع وركز في الناس من معرفته تعالى ، وفطرة الله هي ما ركز فيه من قوته على معرفة الإيمان وهو المشار إليه بقوله : { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } وقال { الحمد لله فاطر السماوات والأرض } وقال { الذي فطرهن } - { والذي فطرنا } أي أبدعنا وأوجدنا يصح أن يكون الانفطار في قوله { السماء منفطر به } إشارة إلى قبول ما أبدعها وأفاضه علينا منه . والفطر ترك الصوم يقال فطرته وأفطرته وأفطر هو ، وقيل للكمأة فطر من حيث إنها تفطر الأرض فتخرج منها .
فظ : الفظ الكريه الخلق ، مستعار من الفظ أي ماء الكرش وذلك مكروه شربه لا يتناول إلا في أشد ضرورة ، قال : { ولو كنت فظا غليظ القلب } .
فعل : الفعل التأثير من جهة مؤثر وهو عام لما كان بإجادة أو غير إجادة ولما كان بعلم أو غير علم وقصد أو غير قصد ، ولما كان من الإنسان والحيواني والجمادات والعمل مثله ، والصنع أخص منهما كما تقدم ذكرهما ، قال : { وما تفعلوا من خير يعلمه الله } - { ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما } - { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته }
____________________
(1/382)
) أي إن لم تبلغ هذا الأمر فأنت في حكم من لم يبلغ شيئا بوجه ، والذي من جهة الفاعل يقال له مفعول ومنفعل وقد فصل بعضهم بين المفعول والمنفعل فقال : المفعول يقال إذا اعتبر بفعل الفاعل ، والمنفعل إذا اعتبر قبول الفعل في نفسه ، قال : فالمفعول اعم من المنفعل لأن المنفعل يقال لما لا يقصد الفاعل إلى إيجاده وإن تولد منه كحمرة اللون من خجل يعتري من رؤية إنسان ، والطرب الحاصل عن الغناء ، وتحرك العاشق لرؤية معشوقه وقيل لكل فعل انفعال إلا للإبداع الذي هو من الله تعالى فذلك هو إيجاد عن عدم لا في عرض وفي جوهر بل ذلك هو إيجاد الجوهر .
فقد : الفقد عدم الشيء بعد وجوده فهو أخص من العدم لأن العدم يقال فيه وفيما لم يوجد بعد ، قال { ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك } والتفقد التعهد لكن حقيقة التفقد تعرف فقدان الشيء والتعهد تعرف العهد المتقدم ، قال : { وتفقد الطير } والفاقد المرأة التي تفقد ولدها أو بعلها .
فقر : الفقر يستعمل على أربعة أوجه : الأول وجود الحاجة الضرورية وذلك عام للإنسان ما دام في دار الدنيا بل عام للموجودات كلها ، وعلى هذا قوله : { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله } وإلى هذا الفقر أشار بقوله في وصف الإنسان { وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام } والثاني : عدم المقتنيات وهو المذكور في قوله : { للفقراء الذين أحصروا } إلى قوله : { من التعفف } - { إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } وقوله : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } الثالث : فقر النفس وهو الشره المعني بقوله عليه الصلاة والسلام : كاد الفقر أن يكون كفرا وهو المقابل بقوله : الغنى غنى النفس والمعني بقولهم : من عدم القناعة لم يفده المال غنى . الرابع : الفقر إلى الله المشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام : اللهم أغنني بالافتقار إليك ، ولا تفقرني بالاستغناء عنك وإياه عني بقوله تعالى : { رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير } وبهذا ألم الشاعر فقال :
( ويعجبني فقري إليك ولم يكن ** ليعجبني لولا محبتك الفقر ) ويقال افتقر فهو مفتقر وفقير ، ولا يكاد يقال فقر وإن كان القياس يقتضيه . وأصل الفقير هو المكسور الفقار ، يقال فقرته فاقرة أي داهية تكسر الفقار وأفقرك الصيد فارمه أي أمكنك من فقاره ، وقيل هو من الفقرة أي الحفرة ، ومنه قيل لكل حفيرة يجتمع فيها الماء فقير ، وفقرت للفسيل حفرت له حفيرة غرسته فيها ، قال الشاعر :
( ما ليلة الفقير إلا شيطان ** )
____________________
(1/383)
فقيل هو اسم بئر ، وفقرت الخرز ثقبته ، وأفقرت البعير ثقبت خطمه .
فقع : يقال أصفر فاقع إذا كان صادق الصفرة كقولهم أسود حالك ، قال : { صفراء فاقع } والفقع ضرب من الكمأة وبه يشبه الذليل فيقال أذل من فقع بقاع ، قال الخليل : سمي الفقاع لما يرتفع من زبده وفقاقيع الماء تشبيها به .
فقه : الفقه هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم ، قال : { فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا } - { كانوا لا يفقهون } إلى غير ذلك من الآيات ، والفقه العلم بأحكام الشريعة ، يقال فقه الرجل فقاهة إذا صار فقيها ، وفقه أي فهم فقها ، وفقهه أي فهمه ، وتفقه إذا طلبه فتخصص به ، قال : { ليتفقهوا في الدين } .
فكك : الفكك التفريج وفك الرهن تخليصه وفك الرقبة عتقها . وقوله { فك رقبة } قيل هو عتق المملوك ، وقيل بل هو عتق الإنسان نفسه من عذاب الله بالكلم الطيب والعمل الصالح وفك غيره بما يفيده من ذلك والثاني : يحصل للإنسان بعد حصول الأول فإن من لم يهتد فليس في قوته أن يهدي كما بينت في مكارم الشريعة ، والفكك انفراج المنكب عن مفصله ضعفا ، والفكان ملتقى الشدقين . وقوله : { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين } أي لم يكونوا متفرقين بل كانوا كلهم على الضلال كقوله : { كان الناس أمة واحدة } الآية ، وما انفك يفعل كذا نحو : ما زال يفعل كذا .
فكر : الفكرة قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم ، والتفكر جولان تلك القوة بحسب نظر العقل وذلك للإنسان دون الحيوان ، ولا يقال إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب ولهذا روي : تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله إذ كان له منزها أن يوصف بصورة قال : { أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات } - { أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة } - { إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } - { يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة } ورجل فكير كثير الفكرة ، قال بعض الأدباء : الفكر مقلوب عن الفرك لكن يستعمل الفكر في المعاني وهو فرك الأمور وبحثها طلبا للوصول إلى حقيقتها .
فكه : الفاكهة قيل هي الثمار كلها وقيل بل هي الثمار ما عدا العنب والرمان . وقائل هذا كأنه نظر إلى اختصاصهما بالذكر ، وعطفهما على الفاكهة ، قال : { وفاكهة مما يتخيرون } - { وفاكهة كثيرة } - { وفاكهة وأبا } - { فواكه وهم مكرمون } - { وفواكه مما يشتهون }
____________________
(1/384)
والفكاهة حديث ذوي الأنس ، وقوله { فظلتم تفكهون } قيل تتعاطون الفكاهة ، وقيل تتناولون الفاكهة . وكذلك قوله { فاكهين بما آتاهم ربهم } .
فلح : الفلح الشق ، وقيل الحديد بالحديد يفلح ، أي يشق ، والفلاح الأكار لذلك والفلاح الظفر وإدراك بغية ، وذلك ضربان : دنيوي وأخروي ، فالدنيوي الظفر بالسعادات التي تطيب بها حياة الدنيا وهو البقاء والغنى والعز وإياه قصد الشاعر بقوله :
( أفلح بما شئت فقد يدرك بالضضعف ** وقد يخدع الأريب ) وفلاح أخروي وذلك أربعة أشياء : بقاء بلا فناء ، وغنى بلا فقر ، وعز بلا دل ، وعلم بلا جهل . ولذلك قيل لا عيش إلا عيش الآخرة ذ 1 { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان } - { ألا إن حزب الله هم المفلحون } - { قد أفلح من تزكى } - { قد أفلح من زكاها } - { قد أفلح المؤمنون } - { لعلكم تفلحون } - { إنه لا يفلح الكافرون } - { فأولئك هم المفلحون } وقوله { وقد أفلح اليوم من استعلى } فيصح أنهم قصدوا به الفلاح الدنيوي وهو الأقرب ، وسمي السحور الفلاح ويقال إنه سمي بذلك لقولهم عنده حي على الفلاح وقولهم في الأذان حي على الفلاح أي على الظفر الذي جعله الله لنا بالصلاة وعلى هذا قوله حتى خفنا أن يفوتنا الفلاح أي الظفر الذي جعل لنا بصلاة العتمة .
فلق : الفلق شق الشيء وإبانة بعضه عن بعض يقال فلقته فانفلق ، قال { فالق الإصباح } - { إن الله فالق الحب والنوى } - { فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم } وقيل للمطمئن من الأرض بين ربوتين فلق ، وقوله { قل أعوذ برب الفلق } أي الصبح وقيل الأنهار المذكورة في قوله { أم من جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا } وقيل هو الكلمة التي علم الله تعالى موسى ففلق بها البحر ، والفلق المفلوق كالنفض والنكث للمنقوض والمنكوث ، وقيل الفلق العجب والفيلق كذلك ، والفليق والفالق ما بين الجبلين وما بين السنامين من ظهر البعير .
فلك : الفلك السفينة ويستعمل ذلك للواحد والجمع وتقديراهما مختلفان فإن الفلك إن كان واحدا كان كبناء قفل ، وإن كان جمعا فكبناء حمر ، قال { حتى إذا كنتم في الفلك } - { والفلك التي تجري في البحر } - { وترى الفلك فيه مواخر } - { وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون } والفلك مجرى الكواكب وتسميته بذلك لكونه كالفلك ، قال : { وكل في فلك يسبحون } وفلكة المغزل ومنه اشتق فلك ثدي المرأة ، وفلكت الجدي إذا جعلت في لسانه مثل فلكة يمنعه عن الرضاع .
____________________
(1/385)
فلن : فلان وفلانة كنايتان عن الإنسان ، والفلان والفلانة كنايتان عن الحيوانات ، قال : { ليتني لم أتخذ فلانا خليلا } تنبيها أن كل إنسان يندم على من خاله وصاحبه في تحري باطل فيقول ليتني لم أخاله وذلك إشارة إلى ما قال : { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } .
فنن : الفنن الغصن الغض الورق وجمعه أفنان ويقال ذلك للنوع من الشيء وجمعه فنون وقوله : { ذواتا أفنان } أي ذواتا غصون وقيل ذواتا ألوان مختلفة
فند : التفنيد نسبة الإنسان إلى الفند وهو ضعف الرأي ، قال : { لولا أن تفندون } قيل أن تلوموني وحقيقته ما ذكرت والإفناد أن يظهر من الإنسان ذلك ، والفند شمراخ الجبل وبه سمي الرجل فندا .
فهم : الفهم هيئة للإنسان بها يتحقق معاني ما يحسن ، يقال فهمت كذا وقوله : { ففهمناها سليمان } وذلك إما بأن جعل الله له من فضل قوة الفهم ما أدرك به ذلك . وإما بأن ألقى ذلك في روعه أو بان أوحى إليه وخصه به ، وأفهمته إذا قلت له حتى تصوره ، والاستفهام أن يطلب من غيره أن يفهمه .
فوت : الفوت بعد الشيء عن الإنسان بحيث يتعذر إدراكه ، قال { وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار } وقال { لكي لا تأسوا على ما فاتكم } - { ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت } أي لا يفوتون ما فزعوا منه ، ويقال هو مني فوت الرمح أي حيث لا يدركه الرمح ، وجعل الله رزقه فوت فمه أي حيث يراه ولا يصل إليه فمه ، والافتيات افتعال منه وهو أن يفعل الإنسان الشيء من دون ائتمار من حقه أن يؤتمر فيه ، والتفاوت الاختلاف في الأوصاف كأنه يفوت وصف أحدهما الآخر أو وصف كل واحد منهما الآخر ، قال : { ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت } أي ليس فيها ما يخرج عن مقتضى الحكمة .
فوج : الفوج الجماعة المارة المسرعة وجمعه أفواج ، قال : { كلما ألقي فيها فوج } - { فوج مقتحم } - { في دين الله أفواجا } .
فأد : الفؤاد كالقلب لكن يقال له فؤاد إذا اعتبر فيه معنى التفود أي التوقد ، يقال فأدت اللحم شويته ولحم فئيد مشوي ، قال : { ما كذب الفؤاد ما رأى } - { إن السمع والبصر والفؤاد } وجمع الفؤاد أفئدة ، قال : { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم } - { وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة } - { وأفئدتهم هواء } - { نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة } وتخصيص الأفئدة تنبيه على فرط تأثير له ، وما بعد هذا الكتاب من الكتب في علم القرآن موضع ذكره .
فور : الفور شدة الغليان ويقال ذلك
____________________
(1/386)
في النار نفسها إذا هاجت وفي القدر وفي الغضب نحو : { وهي تفور } - { وفار التنور } قال الشاعر :
( ولا العرق فارا ** ) ويقال فار فلان من الحمى يفور والفوارة ما تقذف به القدر من فورانه وفوارة الماء سميت تشبيها بغليان القدر ، ويقال فعلت كذا من فوري أي في غليان الحال وقيل سكون الأمر ، قال { ويأتوكم من فورهم هذا } والفار جمعه فيران ، وفأرة المسك تشبيها بها في الهيئة ، ومكان فئر فيه الفأر .
فوز : الفوز الظفر بالخير مع حصول السلامة ، قال { ذلك الفوز الكبير } - { فاز فوزا عظيما } - { ذلك هو الفوز المبين } وفي أخرى { العظيم } - { وأولئك هم الفائزون } والمفازة قيل سميت تفاؤلا للفوز وسميت بذلك إذا وصل بها إلى الفوز فإن القفر كما يكون سببا للهلاك فقد يكون سببا للفوز فيسمى بكل واحد منهما حسبما يتصور منه ويعرض فيه ، وقال بعضهم : سميت مفازة من قولهم فوز الرجل إذا هلك ، فإن يكن فوز بمعنى هلك صحيحا فذلك راجع إلى الفوز تصورا لمن مات بأنه نجا من حبالة الدنيا ، فالموت وإن كان من وجه هلكا فمن وجه فوز ولذلك قيل ما أحد إلا والموت خير له ، هذا إذا اعتبر بحال الدنيا ، فأما إذا اعتبر بحال الآخرة فيما يصل إليه من النعيم فهو الفوز الكبير { فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز } وقوله { فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب } فهي مصدر فاز والاسم الفوز أي لا تحسبنهم يفوزون ويتخلصون من العذاب . وقوله { إن للمتقين مفازا } أي فوزا ، أي مكان فوز ثم فسر فقال { حدائق وأعنابا } الآية . وقوله { ولئن أصابكم فضل } إلى قوله { فوزا عظيما } أي يحرصون على أغراض الدنيا ويعدون ما ينالونه من الغنيمة فوزا عظيما .
فوض : قال { وأفوض أمري إلى الله } أرده إليه وأصله من قولهم ما لهم فوضى بينهم قال الشاعر :
( طعامهم فوضى فضا في رحالهم ** ) ومنه شركة المفاوضة .
فيض : فاض الماء إذا سال منصبا ، قال { ترى أعينهم تفيض من الدمع } وأفاض أن إذا ملأه حتى أساله وأفضته ، قال { أن أفيضوا علينا من الماء } ومنه فاض صدره بالسر أي سال ورجل فياض أي سخي ومنه استعير أفاضوا في الحديث إذا خاضوا فيه ، قال { لمسكم فيما أفضتم فيه } - { هو أعلم بما تفيضون فيه } - { إذ تفيضون فيه } وحديث مستفيض منتشر ، والفيض الماء الكثير ، يقال إنه أعطاه غيضا من فيض أي قليلا من كثير وقوله : { فإذا أفضتم من عرفات } وقوله :
____________________
(1/387)
{ ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } أي دفعتم منها بكثرة تشبيها بفيض الماء ، وأفاض بالقداح ضرب بها ، وأفاض البعير بجرته رمى بها ودرع مفاضة أفيضت على لابسها كقولهم درع مسنونة من سننت أي صببت .
فوق : فوق يستعمل في المكان والزمان والجسم والعدد والمنزلة وذلك أضرب ، الأول : باعتبار العلو نحو : { ورفعنا فوقكم الطور } - { من فوقهم ظلل من النار } - { وجعل فيها رواسي من فوقها } ويقابله تحت قال ، { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم } الثاني : باعتبار الصعود والحدور نحو قوله { إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم } الثالث : يقال في العدد نحو قوله { فإن كن نساء فوق اثنتين } الرابع : في الكبر والصغر { مثلا ما بعوضة فما فوقها } قيل أشار بقوله { فما فوقها } إلى العنكبوت المذكور في الآية وقيل معناه ما فوقها في الصغر ومن قال أراد ما دونها فإنما قصد هذا المعنى ، وتصور بعض أهل اللغة أنه يعني أن فوق يستعمل بمعنى دون فأخرج ذلك في جملة ما صنفه من الأضداد ، وهذا توهم منه . الخامس : باعتبار الفضيلة الدنيوية نحو : { ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات } أو الأخروية : { والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة } - { فوق الذين كفروا } السادس : باعتبار القهر والغلبة نحو قوله : { وهو القاهر فوق عباده } وقوله عن فرعون : { وإنا فوقهم قاهرون } ومن فوق ، قيل فاق فلان غيره يفوق إذا علاه وذلك من فوق ، المستعمل في الفضيلة ، ومن فوق يشتق فوق السهم وسهم أفوق انكسر فوقه ، والإفاقة رجوع الفهم إلى الإنسان بعد السكر أو الجنون والقوة بعد المرض ، والإفاقة في الحلب رجوع الدر وكل درة بعد الرجوع يقال لها فيقة ، والفواق ما بين الحلبتين . وقوله : { ما لها من فواق } أي من راحة ترجع إليها ، وقيل ما لها من رجوع إلى الدنيا . قال أبو عبيدة : من قرأ { من فواق } بالضم فهو من فواق الناقة أي ما بين ، الحلبتين ، وقيل هما واحد نحو جمام وجمام ، وقيل استفق ناقتك أي اتركها حتى يفوق لبنها ، وفوق فصيلك أي اسقه ساعة بعد ساعة ، وظل يتفوق المخض ، قال الشاعر :
( حتى إذا فيقة في ضرعها اجتمعت ** )
فيل : الفيل معروف جمعه فيلة وفيول قال : { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } ورجل فيل الرأي وفال الرأي أي ضعيفه ، والمفايلة لعبة يخبئون شيئا في التراب ويقسمونه ويقولون في أيها هو ، والفائل عرق في خربة الورك أو لحم عليها .
فوم : الفوم الحنطة وقيل هي الثوم ، يقال ثوم وفوم كقولهم جدث وجدف ، قال : { وفومها وعدسها } .
____________________
(1/388)
فوه : أفواه جمع فم وأصل فم فوه وكل موضع علق الله تعالى حكم القول بالفم فإشارة إلى الكذب وتنبيه أن الاعتقاد لا يطابقه نحو { ذلكم قولكم بأفواهكم } وقوله { كلمة تخرج من أفواههم } - { يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم } - { فردوا أيديهم في أفواههم } - { من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم } - { يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم } ومن ذلك فوهة النهر كقولهم : فم النهر ، وأفواه الطيب الواحد فوه .
فيأ : الفيء والفيئة الرجوع إلى حالة محمودة ، قال { حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت } وقال : { فإن فاؤوا } ومنه فاء الظل ، والفيء لا يقال إلا للراجع منه ، قال : { يتفيأ ظلاله } . وقيل للغنيمة التي لا يلحق فيها مشقة فيء ، قال : { ما أفاء الله على رسوله } - { مما أفاء الله عليك } قال بعضهم : سمي ذلك بالفيء الذي هو الظل تنبيها أن أشرف أعراض الدنيا يجري مجرى ظل زائل ، قال الشاعر :
( أرى المال أفياء الظلال عشية ** ) وكما قال
( إنما الدنيا كظل زائل ** ) والفئة الجماعة المتظاهرة التي يرجع بعضهم إلى بعض في التعاضد ، قال : { إذا لقيتم فئة } - { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة } - { في فئتين التقتا } - { في المنافقين فئتين } - { من فئة ينصرونه } - { فلما تراءت الفئتان }
____________________
(1/389)
= كتاب القاف =
قبح : القبيح ما ينبو عنه البصر من الأعيان وما تنبو عنه النفس من الأعمال والأحوال وقد قبح قباحة فهو قبيح ، وقوله { من المقبوحين } أي من الموسومين بحالة منكرة ، وذلك إشارة إلى ما وصف الله تعالى به الكفار من الرجاسة والنجاسة إلى غير ذلك من الصفات ، وما وصفهم به يوم القيامة من سواد الوجوه وزرقة العيون وسحبهم بالأغلال والسلاسل ونحو ذلك ، يقال : قبحه الله عن الخير أي نحاه ، ويقال لعظم الساعد ، مما يلي النصف منه إلى المرفق قبيح .
قبر : القبر مقر الميت ومصدر قبرته جعلته في القبر وأقبرته جعلت له مكانا يقبر فيه نحو أسقيته جعلت له ما يسقى منه ، قال { ثم أماته فأقبره } قيل معناه ألهم كيف يدفن ، والمقبرة والمقبرة موضع القبور وجمعها مقابر ، قال : { حتى زرتم المقابر } كناية عن الموت . وقوله { إذا بعثر ما في القبور } إشارة إلى حال البعث وقيل إشارة إلى حين كشف السرائر فإن أحوال الإنسان ما دام في الدنيا مستورة كأنها مقبورة فتكون القبور على طريق الاستعارة ، وقيل معناه إذا زالت الجهالة بالموت فكأن الكافر والجاهل ما دام في الدنيا فهو مقبور فإذا مات فقد أنشر وأخرج من قبره أي من جهالته وذلك حسبما روي ( الإنسان نائم فإذا مات أنتبه ) وإلى هذا المعنى أشار بقوله { وما أنت بمسمع من في القبور } أي الذين هم في حكم الأموات .
قبس : القبس المتناول من الشعلة ، قال : { أو آتيكم بشهاب قبس } والقبس والاقتباس طلب ذلك ثم يستعار لطلب العلم والهداية . قال { انظرونا نقتبس من نوركم } وأقبسته نارا أو علما أعطيته ، والقبيس فحل سريع الإلقاح تشبيها بالنار في السرعة .
قبص : القبص التناول بأطراف الأصابع والمتناول بها يقال له القبص والقبيصة ، ويعبر عن القليل بالقبيص وقرئ / < فقبصت قبصة > / والقبوص الفرس الذي لا يمس في عدوه الأرض إلا بسنابكه وذلك استعارة كاستعارة القبض له في العدو .
____________________
(1/390)
قبض : القبض تناول الشيء بجميع الكف نحو قبض السيف وغيره ، قال { فقبضت قبضة } فقبض اليد على الشيء جمعها بعد تناوله ، وقبضها عن الشيء جمعها قبل تناوله وذلك إمساك عنه ومنه قيل لإمساك اليد عن البذل قبض . قال { ويقبضون أيديهم } أي يمتنعون من الإنفاق ويستعار القبض لتحصيل الشيء وإن لم يكن فيه مراعاة الكف كقولك قبضت الدار من فلان ، أي حزتها . قال تعالى : { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة } أي في حوزه حيث لا تمليك لأحد . وقوله : { ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا } فإشارة إلى نسخ الظل الشمس . ويستعار القبض ، للعدو لتصور الذي يعدو بصورة المتناول من الأرض شيئا وقوله : { يقبض ويبسط } أي يسلب تارة ويعطي تارة ، أو يسلب قوما ويعطي قوما أو يجمع مرة ويفرق أخرى ، أو يميت ويحيي ، وقد يكنى بالقبض عن الموت فيقال قبضه الله وعلى هذا النحو قوله عليه الصلاة والسلام : ( ما من آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن ) أي الله قادر على تصريف أشرف جزء منه فكيف ما دونه ، وقيل راعي قبضة : يجمع الإبل ، والإنقباض جمع الأطراف ويستعمل في ترك التبسط .
قبل : قبل يستعمل في التقدم المتصل والمنفصل ويضاده بعد ، وقيل يستعملان في التقدم المتصل ويضادهما دبر ودبر هذا في الأصل وإن كان قد يتجوز في كل واحد منهما . فقبل يستعمل عل أوجه ، الأول ، : في المكان بحسب الإضافة فيقول الخارج من أصبهان إلى مكة : بغداد قبل الكوفة ، ويقول الخارج من مكة إلى أصبهان : الكوفة قبل بغداد . الثاني : في الزمان نحو : وزمان عبد الملك قبل المنصور ، قال : { فلم تقتلون أنبياء الله من قبل } . الثالث : في المنزلة نحو : عبد الملك قبل الحجاج . الرابع : في الترتيب الصناعي نحو تعلم الهجاء قبل تعلم الخط ، وقوله : { ما آمنت قبلهم من قرية } وقوله : { قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } - { قبل أن تقوم من مقامك } - { أوتوا الكتاب من قبل } فكل إشارة إلى التقدم الزماني . والقبل والدبر يكنى بهما عن السوأتين ، والإقبال التوجه نحو القبل ، كالاستقبال ، قال { فأقبل بعضهم } - { وأقبلوا عليهم } - { فأقبلت امرأته } والقابل الذي يستقبل الدلو من البئر فيأخذه ، والقابلة التي تقبل الولد عند الولادة ، وقبلت عذره وتوبته وغيره وتقبلته كذلك ، قال { ولا يقبل منها عدل } - { وقابل التوب } - { وهو الذي يقبل التوبة } - { إنما يتقبل الله } والتقبل قبول الشيء على وجه يقتضي ثوابا كالهدية ونحوها ، قال : { أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا } وقوله : { إنما يتقبل الله من المتقين }
____________________
(1/391)
) تنبيه أن ليس كل عبادة متقبلة بل إنما يتقبل إذا كان على وجه مخصوص ، قال : { فتقبل مني } وقيل للكفالة قبالة فإن الكفالة هي أو كد تقبل ، وقوله { فتقبل مني } فباعتبار معنى الكفالة ، وسمي العهد المكتوب قبالة ، وقوله { فتقبلها } قيل معناه قبلها وقيل معناه تكفل بها ويقول الله تعالى كلفتني أعظم كفالة في الحقيقة وإنما قيل : { فتقبلها ربها بقبول } ولم يقل بتقبل للجمع بين الأمرين : التقبل الذي هو الترقي في القبول ، والقبول الذي يقتضي الرضا والإثابة . وقيل القبول هو من قولهم فلان عليه قبول إذا أحبه من رآه ، وقوله : { كل شيء قبلا } قيل هو جمع قابل ومعناه مقابل لحواسهم ، وكذلك قال مجاهد : جماعة جماعة ، فيكون جمع قبيل ، وكذلك قوله : { أو يأتيهم العذاب قبلا } ومن قرأ قبلا فمعناه عيانا . والقبيل جمع قبيلة وهي الجماعة المجتمعة التي يقبل بعضها على بعض ، قال { وجعلناكم شعوبا وقبائل } - { والملائكة قبيلا } أي جماعة جماعة وقيل معناه كفيلا من قولهم قبلت فلانا وتقبلت به أي تكفلت به ، وقيل مقبلة أي معاينة ، ويقال فلان لا يعرف قبيلا أي ما أقبلت به المرأة من غزلها وما به . والمقابلة والتقابل أنء يقبل بعضهم على بعض إما بالذات وإما بالعناية والتوفر والمودة ، قال : { متكئين عليها متقابلين } - { إخوانا على سرر متقابلين } ولي قبل فلان كذا كقولك عنده ، قال { وجاء فرعون ومن قبله } - { فمال الذين كفروا قبلك مهطعين } ويستعار ذلك للقوة والقدرة على المقابلة أي المجازاة فيقال لا قبل لي بكذا أي لا يمكنني أن أقابله ، قال : { فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها } أي لا طاقة لهم على استقبالها ودفاعها . والقبلة في الأصل اسم للحالة التي عليها المقابل نحو الجلسة والقعدة ، وفي التعارف صار اسما للمكان المقابل المتوجه إليه للصلاة نحو { فلنولينك قبلة ترضاها } والقبول ريح الصبا وتسميتها بذلك لاستقبالها القبلة . وقبيلة الرأسموصل الشؤن وشاة مقابلة قطع من قبل أذنها ، وقبال النعل زمامها ، وقد قابلتها جعلت لها قبالا ، والقبل الفحج ، والقبلة خرزة يزعم الساحر أنه يقبل بالإنسان على وجه الآخر ، ومنه القبلة وجمعها قبل وقبلته تقبيلا .
قتر : القتر تقليل النفقة وهو بإزاء الإسراف وكلاهما مذمومان ، قال : { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما } ورجل قتور ومقتر ، وقوله : { وكان الإنسان قتورا } تنبيه على ما جبل عليه الإنسان من البخل كقوله : { وأحضرت الأنفس الشح } وقد قترت الشيء وأقترته وقترته أي قللته ومقتر فقير ، قال : { وعلى المقتر قدره } واصل
____________________
(1/392)
ذلك من القتار ، والقتر وهو الدخان الساطع من الشواء والعود ونحوهما فكأن المقتر والمقتر يتناول من الشيء قتاره ، وقوله { ترهقها قترة } نحو { غبرة } وذلك شبه دخان يغشى الوجه من الكذب والقترة ناموس الصائد الحافظ لقتار الإنسان أي الريح لأن الصائد يجتهد أن يخف ريحه عن الصيد لئلا يند ، ورجل قاتر ضعيف كأنه قتر في الخفة كقوله هو هباء ، وابن قترة حية صغيرة خفيفة ، والقتير رؤوس مسامير الدرع .
قتل : أصل القتل إزالة الروح عن الجسد كالموت لكن إذا اعتبر بفعل المتولى لذلك يقال قتل وإذا اعتبر بفوت الحياة يقال موت قال { أفإن مات أو قتل } وقوله { فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم } - { قتل الإنسان } وقيل قوله { قتل الخراصون } لفظ قتل دعاء عليهم وهو من الله تعالى إيجاد ذلك ، وقوله : { فاقتلوا أنفسكم } قيل معناه ليقتل بعضكم بعضا وقيل عني بقتل النفس إماطة الشهوات وعنه استعير على سبيل المبالغة قتلت الخمر بالماء إذا مزجته ، وقتلت فلانا ، وقتلته إذا ذللته ، قال الشاعر :
( كأن عيني في غربي مقتلة ** ) وقتلت كذا علما : { وما قتلوه يقينا } أي ما علموا كونه مصلوبا علما يقينا . والمقاتلة المحاربة وتحري القتل ، قال { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } - { ولئن قوتلوا } - { قاتلوا الذين يلونكم } - { ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل } وقيل القتل العدو والقرن واصله المقاتل ، وقوله { قاتلهم الله } قيل معناه لعنهم الله ، وقيل معناه قتلهم والصحيح أن ذلك هو المفاعلة والمعنى صار بحيث يتصدى لمحاربة الله فإن من قاتل الله فمقتول ومن غالبه فهو مغلوب كما قال { وإن جندنا لهم الغالبون } وقوله { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق } فقد قيل إن ذلك نهي عن وأد البنات ، وقال بعضهم بل نهي عن تضييع البذر بالعزلة ووضعه في غير موضعه وقيل إن ذلك نهي عن شغل الأولاد بما يصدهم عن العلم وتحري ما يقتضي الحياة الأبدية إذ كان الجاهل والغافل عن الآخرة في حكم الأموات ، ألا ترى أنه وصفهم بذلك في قوله { أموات غير أحياء } وعلى هذا { ولا تقتلوا أنفسكم } ألا ترى أنه قال { ومن يفعل ذلك } وقوله { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } فإنه ذكر لفظ القتل دون الذبح والذكاة ، إذ كان القتل أعم هذه الألفاظ تنبيها أن تفويت روحه على جميع الوجوه محظور ، يقال أقتلت فلانا عرضته للقتل واقتتله العشق والجن ولا يقال ذلك في غيرهما ، والاقتتال كالمقاتلة ، قال : { من المؤمنين اقتتلوا } .
____________________
(1/393)
قحم : الاقتحام توسط شدة مخيفة ، قال : { فلا اقتحم العقبة } - { هذا فوج مقتحم } وقحم الفرس فارسه : توغل به ما يخاف عليه ، وقحم فلان نفسه في كذا من غير روية ، والمقاحيم الذين يقتحمون في الأمر ، قال الشاعر :
( مقاحيم في الأمر الذي يتجنب ** ) ويروى : يتهيب .
قدد : القد قطع الشيء طولا ، قال { إن كان قميصه قد من قبل } - { وإن كان قميصه قد من دبر } والقد المقدود ، ومنه قيل لقامة الإنسان قد كقولك تقطيعه ، وقددت اللحم فهو قديد ، والقدد الطرائق ، قال : { طرائق قددا } الواحدة قدة ، والقدة الفرقة من الناس والقدة كالقطعة واقتد الأمر دبره كقولك فصله وصرمه ، وقد : حرف يختص بالفعل والنحويون يقولون هو للتوقع وحقيقته أنه إذا دخل على فعل ماض فإنما يدخل على كل فعل متجدد نحو قوله { قد من الله علينا } - { قد كان لكم آية في فئتين } - { قد سمع الله } - { لقد رضي الله عن المؤمنين } - { لقد تاب الله على النبي } وغير ذلك ولما قلت لا يصح أن يستعمل في أوصاف الله تعالى الذاتية فيقال قد كان الله عليما حكيما وأما قوله قد { علم أن سيكون منكم مرضى } فإن ذلك متناول للمرض في المعنى كما أن النفي في قولك : ما علم الله زيدا يخرج ، هو للخروج وتقدير ذلك قد يمرضون فيما علم الله ، وما يخرج زيد فيما علم الله وإذا دخل قد على المستقبل من الفعل فذلك الفعل يكون في حالة دون حالة نحو { قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا } أي قد يتسللون أحيانا فيما علم الله . وقد وقط : يكونان اسما للفعل بمعنى حسب ، يقال قدني كذا وقطني كذا ، وحكي قدي . وحكى الفراء قد زبدا وجعل ذلك مقيسا على ما سمع من قولهم قدني وقدك ، والصحيح أن ذلك لا يستعمل مع الظاهر وإنما جاء عنهم في المضمر .
قدر : القدرة إذا وصف بها الإنسان فاسم لهيئة له بها يتمكن من فعل شيء ما ، وإذا وصف الله تعالى بها فهي نفي العجز عنه ومحال أن يوصف غير الله بالقدرة المطلقة معنى وإن أطلق عليه لفظا بل حقه أن يقال قادر على كذا ، ومتى قيل هو قادر فعلى سبيل معنى التقييد ولهذا لا أحد غير الله يوصف بالقدرة من وجه إلا ويصح أن يوصف بالعجز من وجه ، والله تعالى هو الذي ينتفي عنه العجز من كل وجه . والقدير هو الفاعل لما يشاء على قدر ما تقتضي الحكمة لا زائدا عليه ولا ناقصا عنه ولذلك لا يصح أن يوصف به إلا الله تعالى ، قال : { وهو على كل شيء قدير } والمقتدر يقاربه نحو { عند مليك مقتدر } لكن قد يوصف به البشر وإذا استعمل في الله
____________________
(1/394)
تعالى فمعناه معنى القدير ، وإذا استعمل في البشر فمعناه المتكلف والمكتسب للقدرة ، يقال قدرت على كذا قدرة ، قال : { لا يقدرون على شيء مما كسبوا } والقدر والتقدير تبيين كمية الشيء يقال قدرته وقدرته ، وقدره بالتشديد أعطاه القدرة يقال قدرني الله على كذا وقواني عليه فتقدير الله الأشياء على وجهين ، أحدهما : بإعطاء القدرة ، والثاني : بأن يجعلها على مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضت الحكمة ، وذلك أن فعل الله تعالى ضربان : ضرب أوجده بالفعل ، ومعنى إيجاده بالفعل أن أبدعه كاملا دفعة لا تعتريه الزيادة والنقصان إلى أن يشاء أن يفنيه أو يبدله كالسموات وما فيها . ومنها ما جعل أصوله موجودة بالفعل وأجزاءه بالقوة وقدره على وجه لا يتأتى منه غير ما قدره فيه كتقديره في النواة أن ينبت منها النخل دون التفاح والزيتون ، وتقدير مني الإنسان أن يكون منه الإنسان دون سائر الحيوانات . فتقدير الله على وجهين ، أحدهما بالحكم منه أن يكون كذا أو لا يكون كذا ، إما على سبيل الوجوب وإما على سبيل الإمكان . وعلى ذلك قوله { قد جعل الله لكل شيء قدرا } . والثاني : بإعطاء القدرة عليه . وقوله { فقدرنا فنعم القادرون } تنبيها أن كل ما يحكم به فهو محمود في حكمه أو يكون من قوله { قد جعل الله لكل شيء قدرا } وقرئ { فقدرنا } بالتشديد وذلك منه أو من إعطاء القدرة ، وقوله { نحن قدرنا بينكم الموت } فإنه تنبيه أن ذلك حكمة من حيث إنه هو المقدر وتنيبه أن ذلك ليس كما زعم المجوس أن الله يخلق وإبليس يقتل ، وقوله { إنا أنزلناه في ليلة القدر } إلى آخرها أي ليلة قيضها لأمور مخصوصة . وقوله : { إنا كل شيء خلقناه بقدر } . وقوله : { والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه } إشارة إلى ما أجري من تكوير الليل على النهار وتكوير النهار على الليل ، وأن ليس أحد يمكنه معرفة ساعتهما وتوفية حق العبادة منهما في وقت معلوم ، وقوله { من نطفة خلقه فقدره } فإشارة إلى ما أوجده فيه بالقوة فيظهر حالا فحالا إلى الوجود بالصورة ، وقوله { وكان أمر الله قدرا مقدورا } فقدر إشارة إلى ما سبق به القضاء والكتابة في اللوح المحفوظ . والمشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام : فرغ ربكم من الخلق والأجل والرزق ، والمقدور إشارة إلى ما يحدث عنه حالا فحالا مما قدر وهو المشار إليه بقوله { كل يوم هو في شأن } وعلى ذلك قوله : { وما ننزله إلا بقدر معلوم } قال أبو الحسن : خذه بقدر كذا وبقدر كذا ، فلان يخاصم بقدر وقدر ، وقوله : { على الموسع قدره وعلى المقتر قدره }
____________________
(1/395)
أي ما يليق بحاله مقدرا عليه ، وقوله { والذي قدر فهدى } أي أعطى كل شيء ما فيه مصلحته وهداه لما فيه خلاصه إما بالتسخير وإما بالتعليم كما قال { أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } والتقدير من الإنسان على وجهين أحدهما : التفكر في الأمر بحسب نظر العقل وبناء الأمر عليه وذلك محمود ، والثاني أن يكون بحسب التمني والشهوة وذلك مذموم كقوله { فكر وقدر فقتل كيف قدر } وتستعار القدرة والمقدور للحال والسعة في المال ، والقدر وقت الشيء المقدر له والمكان المقدر له ، قال : { إلى قدر معلوم } وقال : { فسالت أودية بقدرها } أي بقدر المكان المقدر لأن يسعها ، وقرئ { بقدرها } أي تقديرها . وقوله : { وغدوا على حرد قادرين } قاصدين أي معينين لوقت قدروه ، وكذلك قوله : { فالتقى الماء على أمر قد قدر } وقدرت عليه الشيء ضيقته كأنما جعلته بقدر بخلاف ما وصف بغير حساب ، قال : { ومن قدر عليه رزقه } أي ضيق عليه وقال { يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } وقال : { فظن أن لن نقدر عليه } أي لن نضيق عليه وقرئ { لن نقدر عليه } ، ومن هذا المعنى اشتق الأقدر ي القصير العنق وفرس أقدر يضع حافر رجله موضع حافر يده وقوله { وما قدروا الله حق قدره } أي ما عرفوا كنهه تنبيها أنه كيف يمكنهم أن يدركوا كنهه وهذا وصفه وهو قوله { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة } ، وقوله : { أن اعمل سابغات وقدر في السرد } أي أحكمه ، وقوله : { فإنا عليهم مقتدرون } ومقدار الشيء للشيء المقدر له وبه وقتا كان أو زمانا أو غيرهما ، قال { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } وقوله { لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله } فالكلام فيه مختص بالتأويل . والقدر اسم لما يطبخ فيه اللحم ، قال تعالى : { وقدور راسيات } وقدرت اللحم طبخته في القدر ، والقدير المطبوخ فيها ، والقدار الذي ينحر ويقدر ، قال الشاعر :
( ضرب القدار نقيعة القدام ** )
قدس : التقديس التطهير الإلهي المذكور في قوله { ويطهركم تطهيرا } دون التطهير الذي هو إزالة النجاسة المحسوسة ، وقوله : { ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } أي نطهر الأشياء ارتساما لك وقيل نقدسك أي نصفك بالتقديس . وقوله : { قل نزله روح القدس } يعني به جبريل من حيث إنه ينزل بالقدس من الله أي بما يطهر به نفوسنا من القرآن والحكمة والفيض الإلهي ، والبيت المقدس هو المطهر من النجاسة أي الشرك ، وكذلك الأرض المقدسة ، قال تعالى : { يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم } ،
____________________
(1/396)
وحظيرة القدس قيل الجنة وقيل الشريعة وكلاهما صحيح فالشريعة حظيرة منها يستفاد القدس أي الطهارة .
قدم : القدم الرجل وجمعه أقدام قدم ، قال : { ويثبت به الأقدام } وبه اعتبر التقدم والتأخر ، والتقدم على أربعة أوجه كما ذكرنا في قبل ، ويقال حديث وقديم وذلك إما باعتبار الزمانين وإما بالشرف نحو فلان متقدم على فلان أي أشرف منه ، وإما لما لا يصح وجود غيره إلا بوجوده كقولك الواحد متقدم على العدد بمعنى أنه لو توهم ارتفاعه لارتفعت الأعداد ، والقدم وجود فيما مضى والبقاء وجود فيما يستقبل ، وقد ورد في وصف الله ، يا قديم الإحسان ، ولم يرد في شيء من القرآن والآثار الصحيحة : القديم في وصف الله تعالى والمتكلمون يستعملونه ، ويصفونه به ، وأكثر ما يستعمل القديم باعتبار الزمان نحو { كالعرجون القديم } وقوله { قدم صدق عند ربهم } أي سابقة فضيلة وهو اسم مصدر وقدمت كذا ، قال { أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات } ، وقال : { لبئس ما قدمت لهم أنفسهم } وقدمت فلانا أقدمه إذا تقدمته ، قال : { يقدم قومه يوم القيامة } - { بما قدمت أيديهم } وقوله : { لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } قيل معناه لا تتقدموه وتحقيقه لا تسبقوه بالقول والحكم بل افعلوا ما يرسمه لكم كما يفعله العباد المكرمون وهم الملائكة حيث قال : { لا يسبقونه بالقول } وقوله { لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } أي لا يريدون تأخرا ولا تقدما . وقوله : { ونكتب ما قدموا وآثارهم } أي ما فعلوه ، قيل وقدمت إليه بكذا إذا أمرته قبل وقت الحاجة إلى فعله وقبل أن يدهمه الأمر والناس وقدمت به أعلمته قبل وقت الحاجة إلى أن يعمله ومنه { وقد قدمت إليكم بالوعيد } وقدام بإزاء خلف وتصغيره قديدمة ، وركب فلان مقاديمه إذا مر على وجهه ، وقادمة الرحل وقادمة الأطباء وقادمة الجناح ومقدمة الجيش والقدوم كل ذلك يعتبر فيه معنى التقدم .
قذف : القذف الرمي البعيد ولاعتبار البعد فيه قيل منزل قذف وقذيف وبلدة قذوف بعيدة ، وقوله : { فاقذفيه في اليم } أي اطرحيه فيه ، وقال : { وقذف في قلوبهم الرعب } - { بل نقذف بالحق على الباطل } - { يقذف بالحق علام الغيوب } - { ويقذفون من كل جانب دحورا } واستعير القذف للشتم والعيب كما استعير الرمي .
قر : قر في مكانه يقر قرارا إذا ثبت ثبوتا جامدا ، واصله من القر وهو البرد وهو يقتضي السكون ، والحر يقتضي الحركة ، وقرئ { وقرن في بيوتكن } قيل أصله اقررن فحذف إحدى الراءين تحقيقا نحو { فظلتم تفكهون }
____________________
(1/397)
) أي ظللتم ، قال تعالى : { جعل لكم الأرض قرارا } - { أم من جعل الأرض قرارا } أي مستقرا وقال في صفة الجنة : { ذات قرار ومعين } وفي صفة النار قال : { فبئس القرار } وقوله : { اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار } أي ثبات وقال الشاعر :
( ولا قرار على زأر من الأسد ** ) أي أمن واستقرار ، ويوم القر بعد يوم النحر لاستقرار الناس فيه بمنى ، واستقر فلان إذا تحرى القرار ، وقد يستعمل في معنى قر كاستجاب وأجاب قال في الجنة : { خير مستقرا وأحسن مقيلا } وفي النار { ساءت مستقرا } ، وقوله : { فمستقر ومستودع } قال ابن مسعود مستقر في الأرض ومستودع في القبور . وقال ابن عباس : مستقر في الأرض ومستودع في الأصلاب . وقال الحسن : مستقر في الآخرة ومستودع في الدنيا . وجملة الأمر أن كل حال ينقل عنها الإنسان فليس بالمستقر التام والإقرار إثبات الشيء ، قال : { ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل } وقد يكون ذلك إثباتا إما بالقلب وإما باللسان وإما بهما ، والإقرار بالتوحيد وما يجري مجراه لا يغنى باللسان ما لم يضامه الإقرار بالقلب ، ويضاد الإقرار الإنكار وأما الجحود فإنما يقال فيما ينكر باللسان دون القلب ، وقد تقدم ذكره ، قال : { ثم أقررتم وأنتم تشهدون } - { ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا } وقيل قرت ليلتنا تقر ويوم قرو ليلة قرة وقر فلان فهو مقرور أصابه القر ، وقيل حرة تحت قرة ، وقررت القدر أقرها صببت فيها ماء قارا أي باردا واسم ذلك الماء القرارة والقررة واقتر فلان اقترارا نحو تبرد وقرت عينه تقر سرت ، قال : { كي تقر عينها } وقيل لمن يسر به قرة عين ، قال : { قرة عين لي ولك } وقوله : { هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين } قيل أصله من القر أي البرد فقرت عينه . قيل معناه بردت فصحت وقيل بل لأن للسرور دمعة باردة قارة وللحزن دمعة حارة ، ولذلك يقال فيمن يدعى عليه : أسخن الله عينه ، وقيل هو من القرار . والمعنى أعطاه الله ما تسكن به عينه فلا يطمح إلى غيره ، وأقر بالحق اعترف به وأثبته على نفسه . وتقرر الأمر على كذا أي حصل ، والقارورة معروفة وجمعها قوارير ، قال : { قوارير من فضة } ، وقال : { صرح ممرد من قوارير } أي من زجاج .
قرب : القرب والبعد يتقابلان ، يقال قربت منه أقرب وقربته أقربه قربا وقربانا ويستعمل ذلك في المكان وفي الزمان وفي النسبة وفي الخطوة والرعاية والقدرة ، فمن الأول نحو { ولا تقربا هذه الشجرة } - { ولا تقربوا مال اليتيم }
____________________
(1/398)
- { ولا تقربوا الزنى } - { فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } ) . وقوله { ولا تقربوهن } كناية عن الجماع كقوله { فلا يقربوا المسجد الحرام } ، وقوله : { فقربه إليهم } وفي الزمان نحو { اقترب للناس حسابهم } وقوله { وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون } وفي النسبة نحو : { وإذا حضر القسمة أولوا القربى } ، وقال : { الوالدان والأقربون } وقال : { ولو كان ذا قربى } - { ولذي القربى } - { والجار ذي القربى } - { يتيما ذا مقربة } وفي الحظوة { ولا الملائكة المقربون } وقال في عيسى { وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين } - { عينا يشرب بها المقربون } - { فأما إن كان من المقربين } - { قال نعم وإنكم لمن المقربين } - { وقربناه نجيا } ويقال للحظوة القربة كقوله { قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة } - { تقربكم عندنا زلفى } وفي الرعاية نحو { إن رحمة الله قريب من المحسنين } وقوله { فإني قريب أجيب دعوة الداع } وفي القدرة نحو { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } قوله { ونحن أقرب إليه منكم } يحتمل أن يكون من حيث القدرة ، والقربان ما يتقرب به إلى الله وصار في التعارف اسما للنسيكة التي هي الذبيحة وجمعه قرابين ، قال : { إذ قربا قربانا } - { حتى يأتينا بقربان } وقوله : { قربانا آلهة } فمن قولهم قربان الملك لمن يتقرب بخدمته إلى الملك ، ويستعمل ذلك للواحد والجمع ولكونه في هذا الموضع جمعا قال آلهة والتقرب التحدي ولتضقرب التحد ] بما يقتضي حظوة وقرب الله تعالى من العبد هو بالإفضال عليه والفيض لا بالمكان ولهذا روي أن موسى عليه السلام قال إلهي أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك فقال : لو قدرت لك البعد لما انتهيت إليه ، ولو قدرت لك القرب لما اقتدرت عليه . وقال : { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } وقرب العبد من الله في الحقيقة التخصص بكثير من الصفات التي يصح أن يوصف الله تعالى بها وإن لم يكن وصف الإنسان بها على الحد الذي يوصف تعالى به نحو : الحكمة والعلم والحلم والرحمة والغنى وذلك يكون بإزالة الأوساخ من الجهل والطيش والغضب الحاجات البدنية بقدر طاقة البشر وذلك قرب روحاني لا بدني ، وعلى هذا القرب نبه عليه الصلاة والسلام فيما ذكر عن الله تعالى : من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وقوله عنه ما تقرب إلي عبد بمثل أداء ما افترضت عليه وإنه ليتقرب إلي بعد ذلك بالنوافل حتى أحبه الخبر وقوله : { ولا تقربوا مال اليتيم } هو أبلغ من النهي عن تناوله لأن النهي عن قربه أبلغ من النهي عن أخذه ، وعلى هذا قوله : { ولا تقربا هذه الشجرة } وقوله : { ولا تقربوهن حتى يطهرن } كناية عن الجماع { ولا تقربوا الزنى } والقراب المقاربة ، قال الشاعر :
____________________
(1/399)
( فإن قراب البطن يكفيك ملؤه ** ) وقدح قربان قريب من الملء ، وقربان المرأة غشيانها ، وتقريب الفرس خير يقرب من عدوه والقراب القريب ، وفرس لاحق الأقراب أي الخواصر ، والقراب وعاء السيف وقيل هو جلد فوق الغمد لا الغمد نفسه ، وجمعه قرب وقربت السيف وأقربته ورجل قارب قرب من الماء وليلة القرب ، وأقربوا إبلهم ، والمقرب الحامل التي قربت ولادتها .
قرح : القرح الأثر من الجراحة من شيء يصيبه من خارج ، والقرح أثرها من داخل كالبثرة ونحوها ، يقال قرحته نحو جرحته ، وقرح خرج به قرح وقرح قلبه وأقرحه الله وقد يقال القرح للجراحة والقرح للألم ، قال : { من بعد ما أصابهم القرح } - { إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله } وقرئ بالضم والقرحان الذي لم يصبه الجدري ، وفرس قارح إذا ظهر به أثر من طلوع نابه والأنثى قارحة ، وأقرح به أثر من الغرة ، وروضة قرحاء وسطها نور وذلك لتشبيهها بالفرس القرحاء واقترحت الجمل ابتدعت ركوبه واقترحت كذا على فلان ابتدعت التمني عليه واقترحت بئرا استخرجت منه ماء قراحا ونحوه : أرض قراح أي خالصة ، والقريحة حيث يستنقر فيه الماء المستنبط ، ومنه استعير قريحة الإنسان .
قرد : القرد جمعه قردة ، قال : { كونوا قردة خاسئين } وقال { وجعل منهم القردة } قيل جعل صورهم المشاهدة كصور القردة قيل جعل صورهم المشاهدة كصور القردة وقيل بل جعل أخلاقهم كأخلاقها وإن لم تكن صورتهم كصورتها . والقراد جمعه قردان ، والصوف القرد المتداخل بعضه في بعض ، ومنه قيل سحاب قرد أي متلبد ، وأقرد أي لصق بالأرض لصوق القراد ، وقرد سكن سكونه ، وقردت البعير أزلت قراده نحو قذيت ومرضت ويستعار ذلك للمداراة المتوصل بها إلى خديعة فيقال فلان يقرد فلانا ، وسمي حلمة الثدي قرادا كما تسمى حلمة تشبيها بها في الهيئة .
قرطس : القرطاس ما يكتب فيه ، قال : { ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس } - { قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس } .
قرض : القرض ضرب من القطع وسمي قطع المكان وتجاوزه قرضا كما سمي قطعا ، قال { وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال } أي تجوزهم وتدعهم إلى أحد الجانبين ، وسمي ما يدفع إلى الإنسان من المال بشرط رد بدله قرضا ، قال { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } وسمي المفاوضة في الشعر مقارضة ، والقريض للشعر ، مستعار استعارة النسج والحوك
____________________
(1/400)
قرع : القرع ضرب شيء على شيء ، ومنه قرعته بالمقرعة ، قال : { كذبت ثمود وعاد بالقارعة } - { القارعة ما القارعة } .
قرف : أصل القرف والاقتراف قشر اللحاء عن الشجر والجلدة عن الجرح ، وما يؤخذ منه قرف ، واستعير الاقتراف للاكتساب حسنا كان أو سوءا ، قال : { سيجزون بما كانوا يقترفون } - { وليقترفوا ما هم مقترفون } - { وأموال اقترفتموها } والاقتراف في الإساءة أكثر استعمالا ، ولهذا يقال : الاعتراف يزيل الاقتراف ، وقرفت فلانا بكذا إذا عبته به أو اتهمته ، وقد حمل على ذلك قوله { وليقترفوا ما هم مقترفون } ، وفلان قرفني ورجل مقرف هجين ، وقارف فلان أمرا إذا تعاطى ما يعاب به .
قرن : الاقتران كالازدواج في كونه اجتماع شيئين أو أشياء في معنى من المعاني ، قال : { أو جاء معه الملائكة مقترنين } يقال قرنت البعير بالبعير جمعت بينهما ، ويسمى الحبل الذي يشد به قرنا وقرنته على التكثير قال : { وآخرين مقرنين في الأصفاد } وفلان قرن فلان في الولادة وقرينه وقرنه في الجلادة وفي القوة وفي غيرها من الأحوال ، قال : { إني كان لي قرين } - { وقال قرينه هذا ما لدي } إشارة إلى شهيده { قال قرينه ربنا ما أطغيته } - { فهو له قرين } وجمعه قرناء ، قال : { وقيضنا لهم قرناء } والقرن القوم المقترنون في زمن واحد وجمعه قرون ، قال : { ولقد أهلكنا القرون من قبلكم } - { وكم أهلكنا من القرون } - { وكم أهلكنا قبلهم من قرن } وقال { وقرونا بين ذلك كثيرا } - { ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين } - { قرونا آخرين } والقرون النفس لكونها مقترنة بالجسم ، والقرون من البعير الذي يضع رجله موضع يده كأنه يقرنها بها والقرن الجعبة ولا يقال لها قرن إلا إذا قرنت بالقوس وناقة قرون إذا دنا أحد خلفيها من الآخر ، والقران والقران الحج الجمع بين الحد والعمرة ويستعمل في الجمع بين الشيئين وقرن الشاة والبقرة ، والقرن عظم القرن ، وكبش أقرن وشاة قرناء ، وسمي عفل المرأة قرنا تشبيها بالقرن في الهيئة ، وتأذي عضو الرجل عند مباضعتها به كالتاذي بالقرن ، وقرن الجبل الناتئ منه ، وقرن المرأة ذؤابتها ، وقرن المرآة حافتها ، وقرن الفلاة حرفها ، وقرن الشمس ، وقرن الشيطان كل ذلك تشبيها بالقرن . وذو القرنين معروف . وقوله عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه : إن لك بيتا في الجنة وإنك لذو قرنيها يعني ذو قرني الأمة أي أنت فيهم كذي القرنين .
قرأ : قرأت المرأة : رأت الدم ، وأقرأت : صارت ذات قر ، وقرأت الجارية استبراتها
____________________
(1/401)
بالقرء . والقرء في الحقيقة اسم للدخول في الحيض عن طهر . ولما كان اسما جامعا للأمرين الطهر والحيض المتعقب له أطلق على كل واحد منهما ، لأن كل اسم موضوع لمعنيين معا يطلق على كل واحد منهما إذا انفرد كالمائدة للخوان وللطعام ، ثم قد يسمى كل واحد منهما بانفراده به . وليس القرء اسما للطهر مجردا ولا للحيض مجردا بدلالة أن الطاهر التي لم تر أثر الدم لا يقال لها ذات قرء . وكذا الحائض التي استمر بها الدم والنفساء لا يقال لها ذلك . وقوله : { يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } أي ثلاثة دخول من الطهر في الحيض . وقوله عليه الصلاة والسلام : اقعدي عن الصلاة أيام أقرائك أي أيام حيضك فإنما هو كقول القائل افعل كذا أيام ورود فلان ، ووروده إنما يكون في ساعة وإن كان ينسب إلى الأيام . وقول أهل اللغة إن القرء . من قرأ أي جمع ، فإنهم اعتبروا الجمع بين زمن الطهر وزمن الحيض حسبما ذكرت لاجتماع الدم في الرحم ، والقراءة ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل ، وليس يقال ذلك لكل جمع لا يقال قرأت القوم إذا جمعتهم ، ويدل على ذلك أنه لا يقال للحرف الواحد إذا تفوة به قراءة ، والقرآن في الأصل مصدر نحو كفران ورجحان ، قال : { إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه } قال ابن عباس : إذا جمعناه وأثبتناه في صدرك فاعمل به ، وقد خص بالكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم . فصار له كالعلم كما أن التوراة لما أنزل على موسى والإنجيل على عيسى صلى الله عليهما وسلم قال بعض العلماء : تسمية هذا الكتاب قرآنا من بين كتب الله لكونه جامعا لثمرة كتبه بل لجمعه ثمرة جميع العلوم كما أشار تعالى إليه بقوله : { وتفصيل كل شيء } وقوله : { تبيانا لكل شيء } - { قرآنا عربيا غير ذي عوج } - { وقرآنا فرقناه لتقرأه } - { في هذا القرآن } - { وقرآن الفجر } أي قراءته { لقرآن كريم } وأقرأت فلانا كذا قال : { سنقرئك فلا تنسى } وتقرأت تفهمت وقارأته دارسته .
قرى : القرية اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس وللناس جميعا ويستعمل في كل واحد منهما ، قال تعالى : { واسأل القرية } قال كثير من المفسرين معناه أهل القرية . وقال بعضهم بل القرية ههنا القوم أنفسهم وعلى هذا قوله : { وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة } وقال : { وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك } وقوله : { وما كان ربك ليهلك القرى } فإنها اسم للمدينة وكذا قوله : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى } - { ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها } وحكي أن بعض القضاة دخل على علي
____________________
(1/402)
ابن الحسين رضي الله عنهما فقال : أخبرني عن قول الله تعالى { وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة } ما يقول فيه علماؤكم قال : يقولون إنها مكة ، فقال وهل رأيت فقلت : ما هي قال : إنما عني الرجال ، فقال : فقلت : فأين ذلك في كتاب الله فقال : ألم تسمع قوله تعالى : { وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله } الآية . وقال : { وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا } - { وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية } وقريت الماء في الحوض وقريت الضيف قرى ، وقرى الشيء في فمه جمعه وقريان الماء مجتمعه .
قسس : القس والقسيس العالم العابد من رؤوس النصارى ، قال : { ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا } واصل القس تتبع الشيء وطلبه بالليل ، يقال : تقسست أصواتهم بالليل ، أي تتبعتها ، والقسقاس والقسقس الدليل بالليل .
قسر : القسر الغلبة والقهر ، يقال : قسرته واقتسرته ومنه القسورة ، قال تعالى : { فرت من قسورة } قيل هو الأسد وقيل الرامي وقيل الصائد .
قسط : القسط هو النصيب بالعدل كالنصف والنصفة ، قال : { ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط } - { وأقيموا الوزن بالقسط } والقسط هو أن يأخذ قسط غيره وذلك جور ، والإقساط أن يعطي قسط غيره وذلك إنصاف ولذلك قيل قسط الرجل إذا جار ، وأقسط إذا عدل ، قال : { وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا } وقال : { وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } وتقسطنا بيننا أي اقتسمنا ، والقسط اعوجاج في الرجلين بخلاف الفحج ، والقسطاس الميزان ويعبر به عن العدالة كما يعبر عنها بالميزان ، قال : { وزنوا بالقسطاس المستقيم } .
قسم : القسم إفراز النصيب ، يقال قسمت كذا قسما وقسمة ، وقسمة الميراث وقسمة الغنيمة تفريقهما على أربابهما ، قال : { لكل باب منهم جزء مقسوم } - { ونبئهم أن الماء قسمة بينهم } واستقسمته : سألته أن يقسم ثم قد يستعمل في معنى قسم ، قال : { وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق } ورجل منقسم القلب أي اقتسمه الهم نحو متوزع الخاطر ومشترك اللب ، وأقسم حلف واصله من القسامة وهي أيمان تقسم على أولياء المقتول ثم صار اسما لكل حلف ، قال : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } - { أهؤلاء الذين أقسمتم } وقال { لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة } - { فلا أقسم برب المشارق والمغارب } - { إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين } - { فيقسمان بالله } وقاسمته وتقاسا ، و { وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين } - { قالوا تقاسموا بالله } وفلان مقسم الوجه وقسيم الوجه أي صبيحه ، والقسامة الحسن واصله من القسمة
____________________
(1/403)
كأنما آتى كل موضع نصيبه من الحسن فلم يتفاوت ، وقيل إنما قيل مقسم لأنه يقسم بحسنه الطرف فلا يثبت في موضع دون موضع ، وقوله : { كما أنزلنا على المقتسمين } أي الذين تقاسموا شعب مكة ليصدوا عن سبيل الله من يريد رسول الله ، وقيل الذين تحالفوا على كيده عليه الصلاة والسلام .
قسو : القسوة غلظ القلب ، واصله من حجر قاس ، والمقاساة معالجة ذلك ، قال : { ثم قست قلوبكم } - { فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله } وقال : { والقاسية قلوبهم } - { وجعلنا قلوبهم قاسية } وقرئ / < قسية > / أي ليست قلوبهم بخالصة من قولهم درهم قسي وهو جنس من الفضة المغشوشة فيه قساوة أي صلابة ، قال الشاعر :
( صاح القسيات في أيدي الصياريف ** )
قشعر : قال : { تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم } أي يعلوها قشعريرة .
قصص : القص تتبع الأثر ، يقال قصصت أثره والقصص الأثر ، قال : { فارتدا على آثارهما قصصا } - { وقالت لأخته قصيه } ومنه قيل لما يبقى من الكلإ فيتتبع أثره قصيص ، وقصصت ظفره ، والقصص الأخبار المتتبعة ، قال : { لهو القصص الحق } - { في قصصهم عبرة } - { وقص عليه القصص } - { نقص عليك أحسن القصص } - { فلنقصن عليهم بعلم } - { يقص على بني إسرائيل } - { فاقصص القصص } والقصاص تتبع الدم بالقود ، قال : { ولكم في القصاص حياة } - { والجروح قصاص } ويقال قص فلان فلانا ، وضربه ضربا فأقصه أي أدناه من الموت ، والقص الجص ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تقصيص القبور .
قصد : القصد استقامة الطريق ، يقال قصدت قصده أي نحوت نحوه ، ومنه الاقتصاد ، والاقتصاد على ضربين : أحدهما محمود على الإطلاق وذلك فيما له طرفان إفراط وتفريط كالجود فإنه بين الإسراف والبخل وكالشجاعة فإنها بين التهور والجبن ، ونحو ذلك وعلى هذا قوله { واقصد في مشيك } وإلى هذا النحو من الاقتصاد أشار بقوله { والذين إذا أنفقوا } الآية والثاني يكنى به عما يتردد بين المحمود والمذموم وهو فيما يقع بين محمود ومذموم كالواقع بين العدل والجور والقريب والبعيد وعلى ذلك قوله { فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد } وقوله : { وسفرا قاصدا } أي سفرا متوسطا غير متناهي البعد وربما فسر بقريب والحقيقة ما ذكرت ، وأقصد السهم أصاب وقتل مكانه كأنه وجد قصده قال :
( فأصاب قلبك غير أن لم يقصد ** ) وانقصد الرمح انكسر وتقصد تكسر ، وقصد الرمح كسره وناقة قصيد مكتنزة
____________________
(1/404)
ممتلئة من اللحم ، والقصيد من الشعر ما تم سبعة أبيات .
قصر : القصر خلاف الطول وهما من الأسماء المتضايفة التي تعتبر بغيرها ، وقصرت كذا جعلته قصيرا ، والتقصير اسم للتضجيع وقصرت كذا ضممت بعضه إلى بعض ومنه سمي القصر وجمعه قصور ، قال : { وقصر مشيد } - { ويجعل لك قصورا } - { إنها ترمي بشرر كالقصر } وقيل القصر أصول الشجر ، الواحدة قصرة مثل جمرة وجمر وتشبيهها بالقصر كتشبيه ذلك في قوله { كأنه جمالة صفر } ، وقصرته جعلته في قصر ، ومنه قوله تعالى : { حور مقصورات في الخيام } ، وقصر الصلاة جعلها قصيرة بترك بعض أركانها ترخيصا ، قال : { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } وقصرت اللقحة على فرسي جبست درها عليه وقصر السهم عن الهدف أي لم يبلغه وامرأة قاصرة الطرف لا تمد طرفها إلى ما لا يجوز ، قال تعالى : { فيهن قاصرات الطرف } وقصر شعره جز بعضه ، قال : { محلقين رؤوسكم ومقصرين } وقصر في كذا أي توانى ، وقصر عنه لم ينله وأقصر عنه كف مع القدرة عليه ، واقتصر على كذا اكتفى بالشيء القصير منه أي القليل ، وأقصرت الشاة أسنت حتى قصر أطراف أسنانها ، وأقصرت المرأة ولدت أولادا قصارا ، والتقصار قلادة قصيرة والقوصرة معروفة .
قصف : قال الله تعالى : { فيرسل عليكم قاصفا من الريح } وهي التي تقصف ما مرت عليه من الشجر والبناء ، ورعد قاصف في صوته تكسر ، ومنه قيل لصوت المعازف قصف ، ويتجوز به في كل لهو .
قصم : قال : { وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة } أي حطمناها وهشمناها وذلك عبارة عن الهلاك ويسمى الهلاك قاصمة الظهر وقال في آخر { وما كنا مهلكي القرى } والقصم الرجل الذي يقصم من قاومه .
قصى : القصى البعد والقصي البعيد يقال قصوت عنه وأقصيت أبعدت والمكان الأقصى والناحية القصوى ومنه قوله : { وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى } وقوله { إلى المسجد الأقصى } يعني بيت المقدس فسماه الأقصى اعتبارا بمكان المخاطبين به من النبي وأصحابه وقال : { إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى } وقصوت البعير قطعت أذنه ، وناقة قصواء وحكوا أنه يقال بعير أقصى ، والقصية م ، ض الإبل البعيدة عن الاستعمال .
قض : قضضته فانقض وانقض الحائط وقع ، قال : { يريد أن ينقض فأقامه } وأقض عليه مضجعه صار فيه قضض أي حجارة صغار .
قضب : { فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا }
____________________
(1/405)
أي رطبة ، والمقاضب الأرض التي تنبتها ، والقضيب نحو القضب لكن القضيب يستعمل في فروع الشجر والقضب يستعمل في البقل ، والقضب قطع القضب والقضيب . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى في ثوب تصليبا قضبه . وسيف قاضب وقضيب أي قاطع ، فالقضيب ههنا بمعنى الفاعل ، وفي الأول بمعنى المفعول وكذا قولهم ناقة قضيب : مقتضبة من بين الإبل ولما قرض ، ويقال لكل ما لم يهذب مقتضب ، ومنه اقتضب حديثا إذا أورده قبل أن راضه وهذبه في نفسه .
قضى : القضاء فصل الأمر قولا كان ذلك أو فعلا وكل واحد منهما على وجهين : إلهي وبشري . فمن القول الإلهي قوله : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } أي أمر بذلك وقال : { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب } فهذا قضاء بالإعلام والفصل في الحكم أي أعلمناهم وأوحينا إليهم وحيا جزما ، وعلى هذا { وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع } ومن الفعل الإلهي قوله { والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء } وقوله : { فقضاهن سبع سماوات في يومين } إشارة إلى إيجاده الإبداعي والفراغ منه نحو { بديع السماوات والأرض } وقوله 0 { إلى أجل مسمى لقضي بينهم } ) أي لفصل ، ومن القول البشري نحو قضى الحاكم بكذا فإن حكم الحاكم يكون بالقول ، ومن الفعل البشري { فإذا قضيتم مناسككم } - { ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم } ، وقال تعالى : { قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي } وقال { فلما قضى زيد منها وطرا } وقال { ثم اقضوا إلي ولا تنظرون } أي افرغوا من أمركم ، وقوله : { فاقض ما أنت قاض } - { إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } ، وقول الشاعر :
( قضيت أمورا ثم غادرت بعدها ** يحتمل القضاء بالقول والفعل جميعا ، ويعبر عن الموت بالقضاء فيقال فلان قضى نحبه كأنه فصل أمره المختص به من دنياه ، وقوله : { فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر } قيل قضى نذره لأنه كان قد ألزم نفسه أن لا ينكل عن العدى أو يقتل ، وقيل معناه منهم من مات وقال : { ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده } قيل عني بالأول أجل الحياة وبالثاني أجل البعث ، وقال { يا ليتها كانت القاضية } - { ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك } وذلك كناية عن الموت ، وقال : { فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض } وقضى الدين فصل الأمر فيه برده ، والاقتضاء المطالبة بقضائه ، ومنه قولهم هذا يقضي كذا وقوله : { لقضي إليهم أجلهم } أي فرغ من أجلهم ومدتهم المضروبة للحياة ، والقضاء من الله تعالى
____________________
(1/406)
أخص من القدر لأنه الفصل بين التقدير ، فالقدر هو التقدير والقضاء هو الفصل والقطع ، وقد ذكر بعض العلماء أن القدر بمنزلة المعد للكيل والقضاء بمنزلة الكيل ، وهذا كما قال أبو عبيدة لعمر رضي الله عنهما لما اراد الفرار من الطاعون بالشام : أتفر من القضاء قال أفر من قضاء الله إلى قدر الله تنبيها أن القدر ما لم يكن قضاء فمرجو أن يدفعه الله فإذا قضى فلا مدفع له . أمرا لذلك قوله { وكان أمرا مقضيا } وقوله { كان على ربك حتما مقضيا } - { وقضي الأمر } أي فصل تنبيها أنه صار بحيث لا يمكن تلافيه . وقوله { إذا قضى أمرا } وكل قول مقطوع به من قولك هو كذا أو ليس بكذا يقال له قضية ومن هذا يقال قضية صادقة وقضية كاذبة وإياها عنى من قال التجربة خطر والقضاء عسر ، أي الحكم بالشيء أنه كذا وليس بكذا أمر صعب ، وقال عليه الصلاة والسلام علي أقضاكم .
قط : قال { وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب } القط الصحيفة وهو اسم للمكتوب والمكتوب فيه ، ثم قد يسمى المكتوب بذلك كما يسمى الكلام كتابا وإن لم يكن مكتوبا ، وأصل القط الشيء المقطوع عرضا كما أن القد هو المقطوع طولا ، والقط النصيب المفروز كأنه قط أي أفرز وقد فسر ابن عباس رضي الله عنه الآية به ، وقط السعر أي علا ، وما رأيته قط عبارة عن مدة الزمان المقطوع به ، وقطني حسبي .
قطر : القطر الجانب وجمعه أقطار ، قال : { إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض } وقال : { ولو دخلت عليهم من أقطارها } وقطرته ألقيته على قطره وتقطر وقع على قطره ومنه قطر المطر أي سقط وسمي لذلك قطرا ، وتقاطر القوم جاءوا أرسالا كالقطر ومنه قطار الإبل ، وقيل : الإنفاض يقطر الجلب أي إذا أنفض القوم فقل زادهم قطروا الإبل وجلبوها للبيع ، والقطران ما يتقطر من الهناء ، قال : { سرابيلهم من قطران } وقرئ / < من قطر آن > / أي من نحاس مذاب قد أني حرها ، وقال : { آتوني أفرغ عليه قطرا } أي نحاسا مذابا ، وقال { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك } وقوله { وآتيتم إحداهن قنطارا } والقناطير جمع القنطرة ، والقنطرة من المال ما فيه عبور الحياة تشبيها بالقنطرة وذلك غير محدود القدر في نفسه وإنما هو بحسب الإضافة كالغنى فرب إنسان يستغني بالقليل وآخر لا يستغني بالكثير ، ولما قلنا اختلفوا في حده فقيل أربعون أوقية وقال الحسن ألف ومائتا دينار ، وقيل ملء مسك ثور ذهبا إلى غير ذلك ، وذلك كاختلافهم في حد الغنى ، وقوله : { والقناطير المقنطرة } أي المجموعة قنطارا قنطارا كقولك دراهم مدرهمة ودنانير مدنرة .
____________________
(1/407)
قطع : القطع فصل الشيء مدركا بالبصر كالأجسام أو مدركا بالبصيرة كالأشياء المعقولة فمن ذلك قلع الأعضاء نحو قوله : { لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف } وقوله { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } وقوله { وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم } وقطع الثوب وذلك قوله تعالى { فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار } وقطع الطريق يقال على وجهين : أحدهما : يراد به السير والسلوك ، والثاني : يراد به الغصب من المارة والسالكين للطريق نحو قوله { أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل } وذلك إشارة إلى قوله { الذين يصدون عن سبيل الله } وقوله { فصدهم عن السبيل } وإنما سمي ذلك قطع الطريق لأنه يؤدي إلى انقطاع الناس عن الطريق فجعل ذلك قطعا للطريق ، وقطع الماء بالسباحة عبوره ، وقطع الوصل هو الهجران ، وقطع الرحم يكون بالهجران ومنع البر ، قال : { وتقطعوا أرحامكم } وقال : { ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل } - { ثم ليقطع فلينظر } وقد قيل ليقطع حبله حتى يقع ، وقد قيل ليقطع أجله بالاختناق وهو معنى قول ابن عباس ثم ليختنق ، وقطع الأمر فصله ، ومنه قوله { ما كنت قاطعة أمرا } وقوله { ليقطع طرفا } أي يهلك جماعة منهم . وقطع دابر الإنسان هو إفناء نوعه ، قال : { فقطع دابر القوم الذين ظلموا } - { أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين } وقوله { إلا أن تقطع قلوبهم } أي إلا أن يموتوا ، وقيل إلا أن يتوبوا توبة بها تنقطع قلوبهم ندما على تفريطهم ، وقطع من الليل قطعة منه ، قال : { فأسر بأهلك بقطع من الليل } والقطيع من الغنم جمعه قطعان وذلك كالصرمة والفرقة وغير ذلك من أسماء الجماعة المشتقة من معنى القطع ، والقطيع السوط ، وأصاب بئرهم قطع أي انقطع ماؤها ، ومقاطع الأودية مآخيرها .
قطف : يقال قطفت الثمرة قطفا والقطف المقطوف منه وجمعه قطوف ، قال : { قطوفها دانية } وقطفت الدابة قطف فهي قطوف ، واستعمال ذلك فيه استعارة وتشبيه بقاطف شيء كما يوصف بالنقض على ما تقدم ذكره ، وأقطف الكرم دنا قطافه ، والقطافة ما يسقط منه كالنفاية .
قطمر : قال : { والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير } أي الأثر في ظهر النواة وذلك مثل للشيء الطفيف .
قطن : قال : { وأنبتنا عليه شجرة من يقطين } ، والقطن ، وقطن الحيوان معروفان .
قعد : القعود يقابل به القيام والقعدة للمرة والقعدة للحال التي يكون عليها القاعد ، والقعود قد يكون جمع قاعد قال : { فاذكروا الله قياما وقعودا }
____________________
(1/408)
- { الذين يذكرون الله قياما وقعودا } ) ، والمقعد مكان القعود وجمعه مقاعد ، قال : { في مقعد صدق عند مليك مقتدر } أي في مكان هدوء وقوله { مقاعد للقتال } كناية عن المعركة التي بها المستقر ويعبر عن المتكاسل في الشيء بالقاعد نحو قوله { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر } ، ومنه رجل قعدة وضجعة وقوله { وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما } وعن الترصد للشيء بالقعود له نحو قوله : { لأقعدن لهم صراطك المستقيم } وقوله : { إنا ها هنا قاعدون } يعني ما متوقعون . وقوله : { عن اليمين وعن الشمال قعيد } أي ملك يترصده ويكتب له وعليه ، ويقال ذلك للواحد والجمع ، والقعيد من الوحش خلاف النطيح . وقعيدك الله وقعدك الله أي أسأل الله الذي يلزمك حفظك ، والقاعدة لمن قعدت عن الحيض والتزوج ، والقواعد جمعها ، قال { والقواعد من النساء } والمقعد من قعد عن الديوان ولن يعجز عن النهوض لزمانة به ، وبه شبه الضفدع فقيل له قعد وجمعه مقعدات ، وثدي مقعد للكاعب ناتئ مصور بصورته ، والمقعد كناية عن اللئيم المتقاعد عن المكارم ، وقواعد البناء أساسه . قال تعالى : { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت } وقواعد الهودج خشباته الجارية مجرى قواعد البناء .
قعر : قعر الشيء نهاية أسفله . وقوله : { كأنهم أعجاز نخل منقعر } أي ذاهب في قعر الأرض . وقال بعضهم : انقعرت الشجرة انقلعت من قعرها ، وقيل معنى انقعرت ذهبت في قعر الأرض ، وإنما أراد تعالى أن هؤلاء اجتثوا كما اجتث النخل الذاهب في قعر الأرض فلم يبق لهم رسم ولا أثر ، وقصعة قعيرة لها قعر ، وقعر فلان في كلامه إذا أخرج الكلام من قعر حلقه ، وهذا كما يقال : شدق في كلامه إذا أخرجه من شدقه .
قفل : القفل جمعه أقفال ، يقال أقفلت الباب وقد جعل ذلك مثلا لكل مانع للإنسان من تعاطي فعل فيقال فلان مقفل عن كذا ، قال تعالى : { أم على قلوب أقفالها } وقيل للبخيل مقفل اليدين كما يقال مغلول اليدين ، والقفول الرجوع من السفر ، والقافلة الراجعة السفر ، والقفيل اليابس من الشيء إما لكون بعضه راجعا إلى بعض في اليبوسة ، وإما لكونه كالمقفل لصلابته ، يقال : قفل النبات وقفل الفحل وذلك إذا اشتد هياجه فيبس من ذلك وهزل .
قفا : القفا معروف يقال قفوته أصبت قفاه ، وقفوت أثره واقتفيته تبعت قفاه ، والاقتفاء اتباع القفا ، كما أن الارتداف اتباع الردف ، ويكنى بذلك عن الاغتياب وتتبع
____________________
(1/409)
المعايب ، وقوله : { ولا تقف ما ليس لك به علم } أي لا تحكم بالفيافة والظن ، والقيافة مقلوبة عن الاقتفاء فيما قيل نحو جدب وجبذ وهي صناعة ، وقفيته جعلته خلفه ، قال { وقفينا من بعده بالرسل } والقافية اسم للجزء الأخير من البيت الذي حقه أن يراعى لفظه فيكرر في كل بيت والقفاوة الطعام الذي يتفقد به من يعنى به فيتبع .
قل : القلة والكثرة يستعملان في الأعداد ، كما أن العظم والصغر يستعملان في الأجسام ، ثم يستعار كل واحد من الكثرة والعظم ومن القلة والصغر للآخر . وقوله : { ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا } أي وقتا وكذا قوله { قم الليل إلا قليلا } - { وإذا لا تمتعون إلا قليلا } وقوله : { نمتعهم قليلا } وقوله : { ما قاتلوا إلا قليلا } أي قتالا قليلا { ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا } أي جماعة قليلة . وكذلك قوله { إذ يريكهم الله في منامك قليلا } - { ويقللكم في أعينهم } ويكنى بالقلة عن الذلة اعتبارا بما قال الشاعر :
( ولست بالأكثر منه حصا ** وإنما العزة للكاثر ) وعلى ذلك قوله : { واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم } ويكنى بها تارة عن العزة اعتبارا بقوله : { وقليل من عبادي الشكور } - { وقليل ما هم } وذاك أن كل ما يعز يقل وجوده . وقوله : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } يجوز أن يكون استثناء من قوله { وما أوتيتم } أي ما أوتيتم العلم إلا قليلا منكم ، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف أي علما قليلا ، قوله : { ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا } يعني بالقليل ههنا أعراض الدنيا كائنا ما كان ، وجعلها قليلا في جنب ما أعد الله للمتقين في القيامة ، وعلى ذلك قوله : { قل متاع الدنيا قليل } وقليل يعبر به عن النفي نحو قلما يفعل فلان كذا ولهذا يصح أن يستثنى منه على حد ما يستثنى من النفي فيقال قلما يفعل كذا إلا قاعدا أو قائما وما يجري مجراه ، وعلى ذلك حمل قوله { قليلا ما تؤمنون } وقيل معناه تؤمنون إيمانا قليلا ، والإيمان القليل هو الإقرار والمعرفة العامية المشار إليها بقوله { وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون } وأقللت كذا وجدته قليل المحمل أي خفيفا إما في الحكم أو بالإضافة إلى قوته ، فالأول نحو أقللت ما أعطيتني . والثاني قوله : { أقلت سحابا ثقالا } أي احتملته فوجدته قليلا باعتبار قوتها ، واستقللته رأيته قليلا نحو استخففته رأيته خفيفا ، والقلة ما أقله الإنسان من جرة وحب ، وقلة الجبل شعفه اعتبارا بقلته إلى ما عداه من أجزائه ، فأما تقلقل الشيء إذا اضطرب وتقلقل المسمار فمشتق من القلقلة وهي حكاية صوت الحركة .
____________________
(1/410)
قلب : قلب الشيء تصريفه وصرفه عن وجه إلى وجه كقلب الثوب وقلب الإنسان أي صرفه عن طريقته ، قال { وإليه تقلبون } والانقلاب الانصراف ، قال : { انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه } ، وقال : { إنا إلى ربنا منقلبون } ، وقال : { أي منقلب ينقلبون } ، وقال : { وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين } وقلب الإنسان قيل سمي به لكثرة تقلبه ويعبر بالقلب عن المعاني التي تختص به من الروح والعلم والشجاعة وغير ذلك ، وقوله : { وبلغت القلوب الحناجر } أي الأرواح . وقال : { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب } أي علم وفهم { وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه } ، وقوله : { وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون } ، وقوله : { ولتطمئن به قلوبكم } أي تثبت به شجاعتكم ويزول خوفكم وعلى عكسه { وقذف في قلوبهم الرعب } ، وقوله : { ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } أي أجلب للعفة ، وقوله : { هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين } ، وقوله : { وقلوبهم شتى } أي متفرقة ، وقوله : { ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } قيل العقل وقيل الروح . فأما العقل فلا يصح عليه ذلك ، قال ومجازه مجاز قوله { تجري من تحتها الأنهار } والأنهار لا تجري وإنما تجري المياه التي فيها . وتقليب الشيء تغييره من حال إلى حال نحو : { يوم تقلب وجوههم في النار } وتقليب الأمور تدبيرها والنظر فيها ، قال : { وقلبوا لك الأمور } وتقليب الله القلوب والبصائر صرفها من رأي إلى رأي ، قال : { ونقلب أفئدتهم وأبصارهم } وتقليب اليد عبارة عن الندم ذكرا لحال ما يوجد عليه النادم ، قال { فأصبح يقلب كفيه } أي يصفق ندامة ، قال الشاعر :
( كمغبون يعض على يديه ** تبين غبنه بعد البياع ) والتقلب التصرف ، قال : { وتقلبك في الساجدين } وقال : { أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين } ورجل قلب حول كثير التقلب والحيلة ، والقلاب داء يصيب القلب ، وما به قلبة علة يقلب لأجلها ، والقليب البئر التي لم تطو ، والقلب المقلوب من الأسورة .
قلد : القلد الفتل ، يقال قلدت الحبل فهو قليد ومقلود والقلادة المفتولة التي تجعل في العنق من خيط وفضة وغيرهما وبها شبه كل ما يتطوق وكل ما يحيط بشيء يقال تقلد سيفه تشبيها بالقلادة ، كقوله : توشح به تشبيها بالوشاح ، وقلدته سيفا يقال تارة إذا وشحته به وتارة إذا ضربت عنقه . وقلدته عملا ألزمته وقلدته هجاء ألزمته ، وقوله : { له مقاليد السماوات والأرض } أي ما يحيط بها ، وقيل خزائنها ، وقيل مفاتحها والإشارة بكلها
____________________
(1/411)
إلى معنى واحد ، وهو قدرته تعالى عليها وحفظه لها .
قلم : أصل القلم القص من الشيء الصلب كالظفر وكعب الرمح والقصب ، ويقال للمقلوم قلم . كما يقال للمنقوض نقض . وخص ذلك بما يكتب به وبالقدح الذي يضرب به وجمعه أقلام . قال تعالى : { ن والقلم وما يسطرون } . وقال { ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام } وقال { إذ يلقون أقلامهم } أي أقداحهم وقوله تعالى : { علم بالقلم } تنبيه لنعمته على الإنسان بما أفاده من الكتابة وما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يأخذ الوحي عن جبريل وجبريل عن ميكائيل وميكائيل عن إسرافيل وإسرافيل عن اللوح المحفوظ واللوح عن القلم فإشارة إلى معنى إلهي وليس هذا موضع تحقيقه . والإقليم واحد الأقاليم السبعة ، وذلك أن الدنيا مقسومة على سبعة أسهم على تقدير أصحاب الهيئة .
قلى : القلى شدة البغض ، يقال قلاه يقليه ويقلوه ، قال : { ما ودعك ربك وما قلى } وقال : { إني لعملكم من القالين } فمن جعله من الواو فهو من القلو أي الرمي من قولهم قلت الناقة براكبها قلوا وقلوت بالقلة فكأن المقلو هو الذي يقذفه القلب من بغضه فلا يقبله ، ومن جعله من الياء فمن قليت البسر والسويق على المقلاة .
قمح : قال الخليل : القمح البر إذى جرى في السنبل من لدن الإنضاج إلى حين الاكتناز ، ويسمى السويق المتخذ منه قميحة ، والقمح رفع الرأس لسف الشيء ثم يقال لرفع الرأس كيفما كان قمح ، وقمح البعير رفع رأسه ، وأقمحت البعير شددت رأسه إلى خلف . وقوله { مقمحون } تشبيه بذلك ومثل لهم وقصد إلى وصفهم بالتأبي عن الانقياد للحق وعن الإذعان لقبول الرشد والتأبي عن الإنفاق في سبيل الله ، وقيل إشارة إلى حالهم في القيامة { إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل } .
قمر : القمر قمر السماء يقال عند الامتلاء وذلك بعد الثالثة ، قيل وسمي بذلك لأنه يقمر ضوء الكواكب ويفوز به ، قال : { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا } وقال : { والقمر قدرناه منازل } - { وانشق القمر } - { والقمر إذا تلاها } وقال : { كلا والقمر } والقمراء ضوءه ، وتقمرت فلانا أتيته في القمراء وقمرت القربة فسدت بالقمراء ، وقيل حمار أقمر إذا كان على لون القمراء ، وقمرت فلانا كذا خدعته عنه .
قمص : القميص معروف وجمعه قمص وأقمصة وقمصان ، قال : { إن كان قميصه قد من قبل } - { وإن كان قميصه قد من دبر } وتقمصه لبسه ، وقمص البعير يقمص ويقمص
____________________
(1/412)
إذا نزأ ، والقماص داء يأخذه فلا يستقر به موضعه ومنه القامصة في الحديث .
قمطر : { عبوسا قمطريرا } أي شديدا يقال قمطرير وقماطير .
قمع : قال تعالى : { ولهم مقامع من حديد } جمع مقمع وهو ما يضرب به ويذلل ولذلك يقال قمعته فانقمع أي كففته فكف ، والقمع والقمع ما يصب به الشيء فيمنع من أن يسيل وفي الحديث ويل لأقماع القول أي الذين يجعلون آذانهم كالأقماع فيتبعون أحاديث الناس ، والقمع الذباب الأزرق لكونه مقموعا ، وتقمع الحمار إذا ذب القمعة عن نفسه .
قمل : القمل صغار الذباب ، قال تعالى : { والقمل والضفادع والدم } والقمل معروف ورجل قمل وقع فيه القمل ومنه قيل رجل قمل وامرأة قملة صغيرة قبيحة كأنها قملة أو قملة .
قنت : القنوت لزوم الطاعة مع الخضوع وفسر بكل واحد منهما في قوله : { وقوموا لله قانتين } وقوله تعالى : { كل له قانتون } قيل خاضعون وقيل طائعون وقيل ساكتون ولم يعن به كل السكوت ، وإنما عني به ما قال عليه الصلاة والسلام : إن هذه الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الآدميين إنما هي قرآن وتسبيح وعلى هذا قيل : أي الصلاة أفضل فقال : طول القنوت ، أي الاشتغال بالعبادة ورفض كل ما سواه . وقال تعالى : { إن إبراهيم كان أمة قانتا } - { وكانت من القانتين } - { أم من هو قانت آناء الليل } - { ساجدا وقائما } - { اقنتي لربك } - { ومن يقنت منكن لله ورسوله } وقال : { والقانتين والقانتات } - { فالصالحات قانتات } .
قنط : القنوط اليأس من الخير يقال قنط يقنط قنوطا وقنط يقنط ، قال تعالى { فلا تكن من القانطين } قال : { ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون } وقال { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } - { وإن مسه الشر فيؤوس قنوط } - { إذا هم يقنطون } .
قنع : القناعة الاجتزاء باليسير من الأعراض المحتاج إليها ، يقال قنع يقنع قناعة وقنعانا إذا رضي ، وقنع يقنع قنوعا إذا سأل ، قال : { وأطعموا القانع والمعتر } قال بعضهم : القانع هو السائل الذي لا يلح في السؤال ويرضى بما يأتيه عفوا ، قال الشاعر :
( لمال المرء يصلحه فيغني ** مفاقره أعف من القنوع ) وأقنع رأسه رفعه ، قال تعالى : { مقنعي رؤوسهم } وقال بعضهم : أصل هذه الكلمة من القناع وهو ما يغطى به الرأس ، فقنع أي لبس القناع ساترا لفقره كقولهم خفي أي لبس الخفاء ، وقنع إذا رفع قناعه كاشفا رأسه بالسؤال نحو
____________________
(1/413)
خفى إذا رفع الخفاء ، ومن القناعة قولهم رجل مقنع يقنع به وجمعه مقانع ، قال الشاعر :
( شهودي على ليلى عدول مقانع ** ) ومن القناع قيل تقنعت المرأة وتقنع الرجل إذا لبس المغفر تشبيها بتقنع المرأة ، وقنعت رأسه بالسيف والسوط .
قنى : قوله تعالى : { أغنى وأقنى } أي أعطى ما فيه الغنى وما فيه الفنية أي المال المدحر ، وقيل أقنى أرضى وتحقيق ذلك أنه جعل له قنية من الرضا والطاعة ، وذلك أعظم الغناءين ، وجمع القنية قنيات ، وقنيت كذا واقتنيته ومنه .
( قنيت حيائي عفة وتكرما ** )
قنو : القنو العذق وتثنيته قنوان وجمعه قنوان ، قال : { قنوان دانية } والقناة تشبه القنو في كونهما غصنين ، وأما القناة لتي يجري فيها الماء فإنما قيل ذلك تشبيها بالقناة في الخط والامتداد ، وقيل اصله من قنيت الشيء ادخرته لأن القناة مدخرة للماء ، وقيل هو من قولهم قاناه أي خالطه قال الشاعر :
( كبكر المقاناة البياض بصفرة ** ) وأما القنا الذي هو الاحديداب في الأنف فتشبيه في الهيئة بالقنا يقال رجل أقنى وامرأة قنواء .
قهر : القهر الغلبة والتذليل معا ويستعمل في كل واحد منهما ، قال : { وهو القاهر فوق عباده } وقال : { وهو الواحد القهار } - { فوقهم قاهرون } - { فأما اليتيم فلا تقهر } أي لا تذلل وأقهره سلط عليه من يقهره ، والقهقرى المشي إلى خلف .
قاب : القاب ما بين المقبض والسية من القوس ، قال : { فكان قاب قوسين أو أدنى } .
قوت : القوت ما يمسك الرمق وجمعه أقوات ، قال تعالى : { وقدر فيها أقواتها } وقاته يقوته قوتا أطعمه قوته ، وأقاته يقيته جعل له ما يقوته ، وفي الحديث إن أكبر الكبائر أن يضيع الرجل من يقوت ، ويروى من يقيت ، قال تعالى : { وكان الله على كل شيء مقيتا } قيل مقتدرا وقيل حافظا وقيل شاهدا ، وحقيقته قائما عليه يحفظه ويقيته ، ويقال ما له قوت ليلة وقيت ليلة وقيتة ليلة نحو الطعم والطعمة ، قال الشاعر في صفة نار :
( فقلت له ارفعها إليك وأحيها ** بروحك واقتته لها قيتة قدرا )
قوس : القوس ما يرمى عنه ، قال تعالى : { فكان قاب قوسين أو أدنى } وتصور منها هيئتها فقيل للانحناء التقوس ، وقوس الشيخ وتقوس إذا انخنى ، وقوست الخط فهو مقوس والمقوس المكان الذي يجري منه القوس ،
____________________
(1/414)
وأصله الحبل الذي يمد على هيئة قوس فيرسل الخيل من خلفه .
قيض : قال : { وقيضنا لهم قرناء } وقوله { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا } أي ننح ، ليستولي عليه استيلاء القيض على البيض وهو القشر الأعلى .
قيع : قوله : { كسراب بقيعة } والقيع والقاع المستوي من الأرض جمعه قيعان وتصغيره قويع واستعير منه قاع الفحل الناقة إذا ضربها .
قول : القول والقيل واحد ، قال : { ومن أصدق من الله قيلا } والقول يستعمل على أوجه أظهرها ن يكون للمركب من الحروف المبرز بالنطق مفردا كان أو جملة ، فالمفرد كقولك زيد وخرج . والمركب زيد منطلق ، وهل خرج عمرو ، ونحو ذلك ، وقد يستعمل الجزء الواحد من الأنواع الثلاثة أعني الاسم والفعل والأداة قولا كما قد تسمى القصيدة والخطبة ونحوهما قولا . الثاني : يقال للمتصور في النفس قبل الإبراز باللفظ قول فيقال في نفسي قول لم أظهره ، قال تعلى : { ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله } فجعل ما في اعتقادهم قولا الثالث : للاعتقاد نحو فلان يقول بقول أبي حنيفة . الرابع : يقال للدلالة على الشيء نحو قول الشاعر :
( امتلأ الحوض وقال قطني ** )
الخامس : يقال للعناية الصادقة بالشيء كقولك فلان يقول بكذا . السادس : يستعمله المنطقيون دون غيرهم في معنى الحد فيقولون قول الجوهر كذا وقول العرض كذا ، أي حدهما . السابع : في الإلهام نحو { قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب } فإن ذلك لم يكن بخطاب ورد عليه فيما رثوي وذكر ، بل كان ذلك إلهاما فسماه قولا . وقيل في قوله { قالتا أتينا طائعين } إن ذلك كان بتسخير من الله تعالى لا بخطاب ظاهر ورد عليهما ، وكذا قوله تعالى : { قلنا يا نار كوني بردا وسلاما } ، وقوله : { يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم } فذكر أفواههم تنبيها على أن ذلك كذب مقول لا عن صحة اعتقاد كما ذكر في الكتابة باليد فقال تعالى { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله } وقوله { لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون } أي علم الله تعالى بهم وكلمته عليهم كما قال تعالى ) { وتمت كلمة ربك } ) وقوله { إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون } وقوله { ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون } فإنما سماه قول الحق تنبيها على ما قال : { إن مثل عيسى عند الله } إلى قوله : { ثم قال له كن فيكون } وتسميته قولا كتسميته كلمة في قوله : { وكلمته ألقاها إلى مريم } وقوله : { إنكم لفي قول مختلف } أي لفي أمر من البعث فسماه قولا فإن المقول فيه
____________________
(1/415)
يسمى قولا كما أن المذكور يسمى ذكرا وقوله : { إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون } فقد نسب القول إلى الرسول وذلك أن القول الصادر إليك عن الرسول يبلغه إليك عن مرسل له فيصح أن تنسبه تارة إلى الرسول ، وتارة إلى المرسل ، وكلاهما صحيح . فإن قيل : فهل يصح على هذا أن ينسب الشعر والخطبة إلى راويهما كما تنسبهما إلى صانعهما قيل يصح أن يقال للشعر هو قول الراوي . ولا يصح أن يقال هو شعره وخطبته لأن الشعر يقع على القول إذا كان على صورة مخصوصة وتلك الصورة ليس للراوي فيها شيء . والقول هو قول الراوي كما هو قول المروي عنه . وقوله تعالى : { إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون } لم يرد به القول المنطقي فقط بل أراد ذلك إذا كان معه اعتقاد وعمل . ويقال للسان المقول ، ورجل مقول منطيق وقوال وقوالة كذلك . والقيل الملك من ملوك حمير سموه بذلك لكونه معتمدا على قوله ومقتدى به ولكونه متقيلا لأبيه . ويقال تقيل فلان أباه . وعلى هذا النحو سموا الملك بعد الملك تبعا وأصله من الواو لقولهم في جمعه أقوال نحو م يت وأموات ، والأصل قيل نحو ميت أصله ميت فخفف . وإذا قيل إقيال فذلك نحو أعياد . وتقيل أباه نحو تعبد ، واقتال قولا . قال ما اجتر به إلى نفسه خيرا أو شرا . ويقال ذلك في معنى احتكم قال الشاعر :
( تأبى حكومة المقتال ** ) والقال والقالة ما ينشر من القول . قال الخليل : يوضع القال موضع القائل . فيقال أنا قال كذا أي قائله .
قيل : قوله : { أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا } مصدر قلت قيلولة نمت نصف النهار أو موضع القيلولة ، وقد يقال قلته في البيع قيلا وأقلته ، وتقايلا بعد ما تبايعا .
قوم : يقال نام يقوم قياما فهو قائم وجمعه قيام ، وأقامه غيره . وأقام بالمكان إقامة ، والقيام على أضرب : قيام بالشخص إما بتسخير أو اختيار ، وقيام للشيء هو المراعاة للشيء والحفظ له ، وقيام هو على العزم على الشيء ، فمن القيام بالتسخير { قائم وحصيد } وقوله : { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها } ومن القيام الذي هو بالاختيار قوله تعالى : { أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما } . وقوله : { الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم } وقوله { الرجال قوامون على النساء } وقوله : { والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما } والقيام في الآيتين جمع قائم . ومن المراعاة للشيء قوله : { كونوا قوامين لله شهداء بالقسط } - { قائما بالقسط } وقوله { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت }
____________________
(1/416)
) أي حافظ لها . وقوله تعالى : { ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة } وقوله : { إلا ما دمت عليه قائما } أي ثابتا على طلبه . ومن القيام الذي هو العزم قوله : { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة } وقوله : { يقيمون الصلاة } أي يديمون فعلها ويحافظون عليها . والقيام والقوام اسم لما يقوم به الشيء أي يثبت ، كالعماد والسناد لما يعمد ويسند به ، كقوله : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما } أي جعلها مما يمسككم . وقوله : { جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس } أي قواما لهم يقوم به معاشهم ومعادهم . قال الأصم : قائما لا ينسخ ، وقرئ قيما بمعنى قياما وليس قول من قال جمع قيمة بشيء ويقال قام كذا وثبت وركز بمعنى . وقوله { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } وقام فلان مقام فلان إذا ناب عنه . قال { فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان } . وقوله { دينا قيما } أي ثابتا مقوما لأمور معاشهم ومعادهم . وقرئ قيما مخففا من قيام وقيل هو وصف نحو قوم عدى ومكان سوى ولحم رذى وماء روى ، وعلى هذا قوله { ذلك الدين القيم } وقوله : { ولم يجعل له عوجا قيما } وقوله : { وذلك دين القيمة } فالقيمة ههنا اسم للأمة القائمة بالقسط المشار إليهم بقوله { كنتم خير أمة } وقوله : { كونوا قوامين بالقسط شهداء لله } - { يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة } فقد أشار بقوله صحفا مطهرة إلى القرآن وبقوله { كتب قيمة } إلى ما فيه من معاني كتب الله تعالى فإن القرآن مجمع ثمرة كتب الله تعالى المتقدمة . وقوله : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } أي القائم الحافظ لكل شيء والمعطي له ما به قوامه وذلك هو المعنى المذكور في قوله : { الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } وفي قوله { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } وبناء قيوم فيعول ، وقيام فيعال نحو ديون وديان ، والقيامة عبارة عن قيام الساعة المذكور في قوله { ويوم تقوم الساعة } - { يوم يقوم الناس لرب العالمين } - { وما أظن الساعة قائمة } والقيامة أصلها ما يكون من الإنسان من القيام دفعة واحدة أدخل فيها الهاء تنبيها على وقوعها دفعة ، والمقام يكون مصدرا واسم مكان القيام وزمانه نحو { إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري } - { ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد } - { ولمن خاف مقام ربه } - { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } - { فيه آيات بينات مقام إبراهيم } وقوله { وزروع ومقام كريم } - { إن المتقين في مقام أمين } - { خير مقاما وأحسن نديا } وقال { وما منا إلا له مقام معلوم } وقال { أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك } قال الأخفش : في قوله { قبل أن تقوم من مقامك }
____________________
(1/417)
) إن المقام المقعد فهذا إن أراد أن المقام والمقعد بالذات شيء واحد ، وإنما يختلفان بنسبته إلى الفاعل كالصعود والحذور فصحيح ، وإن أراد أن معنى المقام معنى المقعد فذلك بعيد فإنه يسمى المكان الواحد مرة مقاما إذا اعتبر بقيامه ومقعدا إذا اعتبر بقعوده ، وقيل المقامة الجماعة ، قال الشاعر :
( وفيهم مقامات حسان وجوههم ** ) وإنما ذلك في الحقيقة اسم للمكان وإن جعل اسما لأصحابه نحو قول الشاعر :
( واستب بعدك يا كليب المجلس ** ) فسمى المستبين المجلس . والاستقامة يقال في الطريق الذي يكون على خط مستو وبه شبه طريق المحق نحو { اهدنا الصراط المستقيم } - { وأن هذا صراطي مستقيما } - { إن ربي على صراط مستقيم } واستقامة الإنسان لزومه المنهج المستقيم نحو قوله { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } وقال { فاستقم كما أمرت } - { فاستقيموا إليه } والإقامة في المكان الثبات وإقامة الشيء توفية حقه ، وقال { قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل } أي توفون حقوقهما بالعلم والعمل وكذلك قوله { ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل } ولم يأمر تعالى بالصلاة حيثما أمر ولا مدح به حيثما مدح إلا بلفظ الإقامة تنبيها أن المقصود منها توفية شرائطها لا الإتيان بهيئاتها ، نحو { أقيموا الصلاة } في غير موضع { والمقيمين الصلاة } وقوله { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى } فإن هذا من القيام لا من الإقامة وأما قوله { رب اجعلني مقيم الصلاة } أي وفقني لتوفية شرائطها وقوله { فإن تابوا وأقاموا الصلاة } ) فقد قيل عني به إقامتها بالإقرار بوجوبها لا بأدائها ، والمقام يقال للمصدر والمكان والزمان والمفعول لكن الوارد في القرآن هو المصدر نحو قوله { إنها ساءت مستقرا ومقاما } والمقامة الإقامة ، قال { الذي أحلنا دار المقامة من فضله } نحو { دار الخلد } - { جنات عدن } وقوله { لا مقام لكم فارجعوا } من قام أي لا مستقر لكم وقد قرئ { لا مقام لكم } من أقام . ويعبر بالإقامة عن الدوام نحو { عذاب مقيم } وقرئ { إن المتقين في مقام أمين } أي في مكان تدوم إقامتهم فيه ، وتقويم الشيء تثقيفه ، قال { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } وذلك إشارة إلى ما خص به الإنسان من بين الحيوان من العقل والفهم وانتصاب القامة الدالة على استيلائه على كل ما في هذا العالم ، وتقويم السلعة بيان قيمتها . والقوم جماعة الرجال في الأصل دون النساء ، ولذلك قال : { لا يسخر قوم من قوم } الآية ، قال الشاعر :
( أقوم آل حصن أم نساء ** ) وفي عامة القرآن أريدوا به والنساء جميعا ، وحقيقته
____________________
(1/418)
للرجال لما نبه عليه قوله { الرجال قوامون على النساء } الآية .
قوى : القوة تستعمل تارة في معنى القدرة نحو قوله { خذوا ما آتيناكم بقوة } وتارة للتهيؤ الموجود في الشيء نحو أن يقال : النوى بالقوة نخل ، أي متهيئ ومترشح أن يكون منه ذلك . ويستعمل ذلك في البدن تارة وفي القلب أخرى ، وفي المعاون من خارج تارة وفي القدرة الإلهية تارة . ففي البدن نحو قوله { وقالوا من أشد منا قوة } - { فأعينوني بقوة } فالقوة ههنا قوة البدن بدلالة أنه رغب عن القوة الخارجة فقال { ما مكني فيه ربي خير } وفي القلب نحو قوله { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } أي بقوة قلب . وفي المعاون من خارج نحو قوله { لو أن لي بكم قوة } قيل معناه من أتقوى به من الجند وما أتقوى به من المال ، ونحو قوله { قالوا نحن أولوا قوة وأولو بأس شديد } وفي القدرة الإلهية نحو قوله { إن الله قوي عزيز } - { وكان الله قويا عزيزا } وقوله { إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } فعام فيما اختص الله تعالى به من القدرة وما جعله للخلق . وقوله { ويزدكم قوة إلى قوتكم } فقد ضمن تعالى أن يعطي كل واحد منهم من أنواع القوى قدر ما يستحقه وقوله : { ذي قوة عند ذي العرش مكين } يعني به جبريل عليه السلام ووصفه بالقوة عند ذي العرش وأفرد اللفظ ونكره فقال : { ذي قوة } تنبيها أنه إذا اعتبر بالملإ الأعلى فقوته إلى حد ما ، وقوله فيه : { علمه شديد القوى } فإنه وصف القوة بلفظ الجمع وعرفها تعريف الجنس تنبيها أنه إذا اعتبر بهذا العالم وبالذين يعلمهم ويفيدهم هو كثير القوى عظيم القدرة والقوة التي تستعمل للتهيؤ أكثر من يستعملها الفلاسفة ويقولونها على وجهين ، أحدهما : ان يقال لما كان موجودا ولكن ليس يستعمل فيقال فلان كاتب بالقوة أي معه المعرفة بالكتابة لكنه ليس يستعمل ، والثاني : يقال فلان كاتب بالقوة وليس يعنى به أن معه العلم بالكتابة ، ولكن معناه يمكنه أن يتعلم الكتابة وسميت المفازة قواء ، وأقوى الرجل صار في قواء أي قفر ، وتصور من حال الحاصل في القفر الفقر فقيل أقوى فلان أي افتقر كقولهم أرمل وأترب ، قال الله تعالى : { ومتاعا للمقوين } .
____________________
(1/419)
= كتاب الكاف =
كب : الكب إسقاط الشيء على وجهه ، قال { فكبت وجوههم في النار } والإكباب جعل وجهه مكبوبا على العمل ، قال : { أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى } والكبكبة تدهور الشيء في هوة ، قال : { فكبكبوا فيها هم والغاوون } يقال كب وكبكب نحو كف وكفكف وصر الريح وصرصر . والكواكب النجوم البادية ولا يقال لها كواكب إلا إذا بدت ، قال تعالى : { فلما جن عليه الليل رأى كوكبا } وقال { كأنها كوكب دري } - { إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب } - { وإذا الكواكب انتثرت } ويقال ذهبوا تحت كل كوكب إذا تفرقوا ، وكوكب العسكر ما يلمع فيها من الحديد .
كبت : الكبت الرد بعنف وتذليل ، قال { كبتوا كما كبت الذين من قبلهم } وقال : { ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين } .
كبد : الكبد معروفة ، والكبد والكباد توجعها ، والكبد إصابتها ، ويقال كبدت الرجل إذا أصبت كبده وكبد السماء وسطها تشبيها بكبد الإنسان لكونها في وسط البدن . وقيل تكبدت الشمس صارت في كبد السماء ، والكبد المشقة ، قال : { لقد خلقنا الإنسان في كبد } تنبيها أن الإنسان خلقه الله تعالى على حالة لا ينفك من المشاق ما لم يقتحم العقبة ويستقر به القرار كما قال : { لتركبن طبقا عن طبق } .
كبر : الكبير والصغير من الأسماء المتضايفة التي تقال عند اعتبار بعضها ببعض ، فالشيء قد يكون صغيرا في جنب شيء وكبيرا في جنب غيره ، ويستعملان في الكمية المتصلة كالأجسام وذلك كالكثير والقليل ، وفي الكمية المنفصلة كالعدد ، وربما يتعاقب الكثير والكبير على شيء واحد بنظرين ، مختلفين نحو : { قل فيهما إثم كبير } وكثير ، قرئ بهما وأصل ذلك أن يستعمل في الأعيان ثم استعير للمعاني نحو قوله : { لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } وقوله { ولا أصغر من ذلك ولا أكبر } وقوله { يوم الحج الأكبر } إنما وصفه بالأكبر
____________________
(1/420)
تنبيها أن العمرة هي الحجة الصغرى كما قال صلى الله عليه وسلم العمرة هي الحج الأصغر فمن ذلك ما اعتبر فيه الزمان فيقال فلان كبير أي مسن نحو قوله : { إما يبلغن عندك الكبر أحدهما } وقال : { وأصابه الكبر } - { وقد بلغني الكبر } ومنه ما اعتبر فيه المنزلة والرفعة نحو { قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم } ونحو { الكبير المتعال } وقوله : { فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم } فسماه كبيرا بحسب اعتقادهم فيه لا لقدر ورفعة له على الحقيقة ، وعلى ذلك قوله : { بل فعله كبيرهم هذا } وقوله : { وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها } أي رؤساءها وقوله : { إنه لكبيركم الذي علمكم السحر } أي رئيسكم ومن هذا النحو يقال ورثه كابرا عن كابر ، أي أبا كبير القدر عن أب مثله . والكبيرة متعارفة في كل ذنب تعظم عقوبته والجمع الكبائر ، قال { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم } وقال : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } قيل أريد به الشرك لقوله : { إن الشرك لظلم عظيم } وقيل هي الشرك وسائر المعاصي الموبقة كالزنا وقتل النفس المحرمة ولذلك قال { إن قتلهم كان خطأ كبيرا } وقال : { قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } وتستعمل الكبيرة فيما يشق ويصعب نحو { وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } ، وقال : { كبر على المشركين ما تدعوهم إليه } وقال { وإن كان كبر عليك إعراضهم } وقوله { كبرت كلمة } ففيه تنبيه على عظم ذلك من بين الذنوب وعظم عقوبته ولذلك قال { كبر مقتا عند الله } وقوله { والذي تولى كبره } إشارة إلى من أوقع حديث الإفك . وتنبيها أن كل من سن سنة قبيحة يصير مقتدى به فذنبه أكبر . وقوله : { إلا كبر ما هم ببالغيه } أي تكبر وقيل أمر كبير من السن كقوله { والذي تولى كبره } والكبر والتكبر والاستكبار تتقارب ، فالكبر الحالة التي يتخصص بها الإنسان من إعجابه بنفسه وذلك أن يرى الإنسان نفسه أكبر من غيره . وأعظم التكبر التكبر على الله بالامتناع من قبول الحق والإذعان له بالعبادة . والاستكبار يقال على وجهين ، أحدهما : أن يتحرى الإنسان ويطلب أن يصير كبير وذلك متى كان على ما يجب وفي المكان الذي يجب وفي الوقت الذي يجب فمحمود ، والثاني : أن يتشبع فيظهر من نفسه ما ليس له وهذا هو المذموم وعلى هذا ما ورد في القرآن ، وهو ما قال تعالى : { أبى واستكبر } . وقال تعالى { أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم } ، وقال { وأصروا واستكبروا استكبارا } - { استكبارا في الأرض } - { فاستكبروا في الأرض } - { يتكبرون في الأرض بغير الحق }
____________________
(1/421)
) وقال { إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء } - { قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون } وقوله { فيقول الضعفاء للذين استكبروا } قابل المستكبرين بالضعفاء تنبيها أن استكبارهم كان بما لهم من القوة من البدن والمال { قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا } فقابل المستكبرين بالمستضعفين ( فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ) نبه بقوله فاستكبروا على تكبرهم وإعجابهم بأنفسهم وتعظمهم عن الإصغاء إليه ، ونبه بقوله : { وكانوا قوما مجرمين } أن الذي حملهم على ذلك هو ما تقدم من جرمهم وأن ذلك لم يكن شيئا حدث منهم بل كان ذلك دأبهم قبل . وقال تعالى : { فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون } وقال بعده : { إنه لا يحب المستكبرين } والتكبر يقال على وجهين ، أحدهما : أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة في الحقيقة وزائدة على محاسن غيره وعلى هذا وصف الله تعالى بالتكبر . قال : { العزيز الجبار المتكبر } . والثاني : أن يكون متكلفا لذلك متشبعا وذلك في وصف عامة الناس نحو قوله { فبئس مثوى المتكبرين } ، وقوله : { كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار } ومن وصف بالتكبر على الوجه الأول فمحمود ، ومن وصف به على الوجه الثاني فمذموم ، يدل على أنه قد يصح أن يوصف الإنسان بذلك ولا يكون مذموما ، قوله : { سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق } فجعل متكبرين بغير الحق ، وقال { على كل قلب متكبر جبار } بإضافة القلب إلى المتكبر . ومن قرأ بالتنوين جعل المتكبر صفة للقلب ، والكبرياء الترفع عن الانقياد وذلك لا يستحقه غير الله فقال : { وله الكبرياء في السماوات والأرض } ولما قلنا روي عنه صلى الله عليه وسلم يقول عن الله تعالى الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحد منهما قصمته وقال تعالى : { قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض } ، وأكبرت الشيء رأيته كبيرا ، قال : { فلما رأينه أكبرنه } والتكبير يقال لذلك ولتعظيم الله تعالى بقولهم الله أكبر ولعبادته واستشعار تعظيمه وعلى ذلك { ولتكبروا الله على ما هداكم } - { وكبره تكبيرا } ، وقوله : { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون } فهي إشارة إلى ما خصهما الله تعالى به من عجائب صنعه وحكمته التي لا يعلمها إلا قليل ممن وصفهم بقوله { ويتفكرون في خلق السماوات والأرض } فأما عظم جثتهما فأكثرهم يعلمونه . وقوله
____________________
(1/422)
{ يوم نبطش البطشة الكبرى } فتنبيه أن كل ما ينال الكافر من العذاب قبل ذلك في الدنيا وفي البرزخ صغير في جنب عذاب ذلك اليوم . والكبار أبلغ من الكبير ، والكبار أبلغ من ذلك ، قال : { ومكروا مكرا كبارا } .
كتب : الكتب ضم أديم إلى أديم بالخياطة ، يقال كتبت السقاء ، وكتبت البغلة جمعت بين شفريها بحلقة ، وفي التعارف ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط وقد يقال ذلك للمضموم بعضها إلى بعض باللفظ ، فالأصل في الكتابة النظم بالخط لكن يستعار كل واحد للآخر ولهذا سمي كلام الله وإن لم يكتب كتابا كقوله { الم ذلك الكتاب } وقوله : { قال إني عبد الله آتاني الكتاب } والكتاب في الأصل مصدر ثم سمي المكتوب فيه كتابا ، والكتاب في الأصل اسم للصحيفة مع المكتوب فيه وفي قوله : { يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء } فإنه يعني صحيفة فيها كتابة ، ولهذا قال : { ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس } الآية ويعبر عن الإثبات والتقدير والإيجاب والفرض والعزم بالكتابة ، ووجه ذلك أن الشيء يراد ثم يقال ثم يكتب ، فالإرادة مبدأ والكتابة منتهى . ثم يعبر عن المراد الذي هو المبدأ إذا أريد توكيده بالكتابة التي هي المنتهى ، قال : { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي } وقال تعالى { قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا } - { لبرز الذين كتب عليهم القتل } وقال : { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } أي في حكمه ، قوله { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } أي أوحينا وفرضنا وكذلك قوله { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت } وقوله { كتب عليكم الصيام } - { لم كتبت علينا القتال } - { ما كتبناها عليهم } - { ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء } أي لولا أن أوجب الله عليهم الإخلال بديارهم ، ويعبر بالكتابة عن القضاء الممضى وما يصير في حكم الممضى وعلى هذا حمل قوله { بلى ورسلنا لديهم يكتبون } قيل ذلك مثل قوله { يمحو الله ما يشاء ويثبت } وقوله : { أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه } فإشارة منه إلى أنهم بخلاف من وصفهم بقوله { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا } لأن معنى أغفلنا من قولهم أغفلت الكتاب إذا جعلته خاليا من الكتابة ومن الإعجام ، وقوله { فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون } فإشارة إلى أن ذلك مثبت له ومجازى به . وقوله { فاكتبنا مع الشاهدين } أي اجعلنا في زمرتهم إشارة إلى قوله { فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم } الآية وقوله { ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } فقيل إشارة إلى
____________________
(1/423)
ما أثبت فيه أعمال العباد . وقوله { إلا في كتاب من قبل أن نبرأها } قيل إشارة إلى اللوح المحفوظ ، وكذا قوله { إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير } وقوله : { ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } - { في الكتاب مسطورا } - { لولا كتاب من الله سبق } يعني به ما قدره من الحكمة وذلك إشارة إلى قوله { كتب ربكم على نفسه الرحمة } وقيل إشارة إلى قوله { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } وقوله { لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا } يعني ما قدره وقضاه وذكر لنا ولم يقل علينا تنبيها أن كل ما يصيبنا نعده نعمة لنا ولا نعده نقمة علينا ، وقوله { ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم } قيل معنى ذلك وهبها الله لكم ثم حرمها عليكم بامتناعكم من دخولها وقبولها ، وقيل كتب لكم بشرط أن تدخلوها ، وقيل أوجبها عليكم وإنما قال لكم ولم يقل عليكم لأن دخولهم إياها يعود عليهم بنفس عاجل وآجل فيكون ذلك لهم لا عليهم وذلك كقولك لمن يرى تأذيا بشيء لا يعرف نفع مآله : هذا الكلام لك لا عليك ، وقوله : { وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا } جعل حكمهم وتقديرهم ساقطا مضمحلا وحكم الله عاليا لا دافع له ولا مانع ، وقال تعالى : { وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث } أي في علمه وإيجابه وحكمه وعلى ذلك قوله { لكل أجل كتاب } وقوله { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله } أي في حكمه . ويعبر بالكتاب عن الحجة الثابتة من جهة الله نحو { ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير } - { أم آتيناهم كتابا من قبله } - { فأتوا بكتابكم } - { أوتوا الكتاب } - { كتاب الله } - { أم آتيناهم كتابا } - { فهم يكتبون } فذلك إشارة إلى العلم والتحقق والاعتقاد ، وقوله { وابتغوا ما كتب الله لكم } إشارة في تحري النكاح إلى لطيفة وهي أن الله جعل لنا شهوة النكاح لنتحرى طلب النسل الذي يكون سببا لبقاء نوع الإنسان إلى غاية قدرها ، فيجب للإنسان أن يتحرى بالنكاح ما جعل الله له على حسب مقتضى العقل والديانة ، ومن تحرى بالنكاح حفظ النسل وحصانة النفس على الوجه المشروع فقد ابتغى ما كتب الله له وإلى هذا أشار من قال : عني بما كتب الله لكم الولد ويعبر عن الإيجاد بالكتابة وعن الإزالة والإفناء بالمحو . قال : { لكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت } نبه أن لكل وقت إيجادا وهو يوجد ما تقتضي الحكمة إيجاده ويزيل ما تقتضي الحكمة إزالته ، ودل قوله { لكل أجل كتاب } على نحو ما دل عليه قوله { كل يوم هو في شأن } وقوله : { وعنده أم الكتاب } وقوله :
____________________
(1/424)
{ وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب } فالكتاب الأول ما كتبوه بأيديهم المذكورة في قوله { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } والكتاب الثاني التوراة ، والثالث لجنس كتب الله أي ما هو من شيء من كتب الله سبحانه وتعالى وكلامه ، وقوله { وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان } فقد قيل هما عبارتان عن التوراة وتسميتها كتابا اعتبارا بما أثبت فيها من الأحكام ، وتسميتها فرقانا اعتبارا بما فيها من الفرق بين الحق والباطل . وقوله : { وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا } أي حكما { لولا كتاب من الله سبق لمسكم } وقوله { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله } كل ذلك حكم منه . وأما قوله : { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } فتنبيه أنهم يختلقونه ويفتعلونه ، وكما نسب الكتاب المختلق إلى أيديهم نسب المقال المختلق إلى أفواههم فقال : { ذلك قولهم بأفواههم } والاكتتاب متعارف في المختلق نحو قوله : { أساطير الأولين اكتتبها } وحيثما ذكر الله تعالى أهل الكتاب فإنما أراد بالكتاب التوراة والإنجيل وإياهما جميعا ، وقوله : { وما كان هذا القرآن أن يفترى } إلى قوله : { وتفصيل الكتاب } فإنما أراد بالكتاب ههنا ما تقدم من كتب الله دون القرآن : ألا ترى أنه جعل القرآن مصدقا له ، وقوله : { وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا } فمنهم من قال هو القرآن ومنهم من قال هو القرآن وغيره من الحجج والعلم والعقل ، وكذلك قوله : { فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به } وقوله { قال الذي عنده علم من الكتاب } فقد قيل أريد به علم الكتاب وقيل علم من العلوم التي آتاها الله سليمان في كتابه المخصوص به وبه سخر له كل شيء ، وقوله : { وتؤمنون بالكتاب كله } أي بالكتب المنزلة فوضع ذلك موضع الجمع إما لكونه جنسا كقولك كثر الدرهم في أيدي الناس ، أو لكونه في الأصل مصدرا نحو عدل وذلك كقوله : { يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } وقيل يعني أنهم ليسوا كمن قيل فيهم { ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض } وكتابة العبد ابتياع نفسه من سيده بما يؤديه من كسبه ، قال : { والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم } واشتقاقها يصح أن يكون من الكتابة التي هي الإيجاب ، وأن يكون من الكتب الذي هو النظم والإنسان يفعل ذلك .
كتم : الكتمان ستر الحديث ، يقال كتمته كتما وكتمانا ، قال : { ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله } وقال : { وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون } - { ولا تكتموا الشهادة }
____________________
(1/425)
- { وتكتمون الحق وأنتم تعلمون } ) وقوله { الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله } فكتمان الفضل هو كفران النعمة ولذلك قال بعده : { وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا } وقوله : { ولا يكتمون الله حديثا } قال ابن عباس : إن المشركين إذا رأوا أهل القيامة لا يدخل الجنة إلا من لم يكن مشركا قالوا { والله ربنا ما كنا مشركين } فتشهد عليهم جوارحهم فحينئذ يودون أن لم يكتموا الله حديثا . وقال الحسن : في الآخرة مواقف في بعضها يكتمون وفي بعضها لا يكتمون ، وعن بعضهم لا يكتمون الله حديثا هو أن تنطق جوارحهم .
كثب : قال : { وكانت الجبال كثيبا مهيلا } أي رملا متراكما وجمعه أكثبة وكثب وكثبان ، والكثيبة القليل من اللبن والقطعة من التمر سميت بذلك لاجتماعها ، وكثب إذا اجتمع ، والكاتب الجامع ، والتكثيب الصيد إذا أمكن من نفسه ، والعرب تقول أكتبك الصيد فارمه ، وهو من الكث أي القرب .
كثر : قد تقدم أن الكثرة والقلة يستعملان في الكمية المنفصلة كالأعداد ، قال : { وليزيدن كثيرا } - { وأكثرهم للحق كارهون } - { بل أكثرهم لا يعلمون الحق } قال : { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة } وقال : { وبث منهما رجالا كثيرا ونساء } - { ود كثير من أهل الكتاب } إلى آيات كثيرة وقوله { بفاكهة كثيرة } فإنه جعلها كثيرة اعتبارا بمطاعم الدنيا ، وليست الكثرة إشارة إلى العدد فقط بل إلى الفضل ، ويقال عدد كثير وكثار وكاثر : زائد ، ورجل كاثر إذا كان كثير المال ، قال الشاعر :
( ولست بالأكثر منهم خصى ** وإنما العزة للكاثر )
والمكاثرة والتكاثر التباري في كثرة المال والعز ، قال : { ألهاكم التكاثر } وفلان مكثور أي مغلوب في الكثرة ، والمكثار متعارف في كثرة الكلام ، والكثر الجمار الكثير وقد حكي بتسكين الثاء ، وروي لا قطع في ثمر ولا كثر وقوله { إنا أعطيناك الكوثر } قيل هو نهر في الجنة يتشعب عنه الأنهار ، وقيل بل هو الخير العظيم الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد يقال للرجل السخي كوثر ويقال تكوثر الشيء كثر كثرة متناهية ، قال الشاعر : ( وقد ثار نقع الموت حتى تكوثرا ** )
كدح : الكدح السعي والعناء ، قال : { إنك كادح إلى ربك كدحا } وقد يستعمل استعمال الكدم في الأسنان ، قال الخليل : الكدح دون الكدم .
كدر : الكدر ضد الصفاء ، يقال عيش
____________________
(1/426)
كدر والكدرة في اللون خاصة ، والكدورة في الماء وفي العيش ، والانكدار تغير من انتثار الشيء ، قال : { وإذا النجوم انكدرت } ، وانكدر القوم على كذا إذا قصدوا متناثرين عليه .
كدى : الكدية صلابة في الأرض ، يقال حفر فأكدى إذا وصل إلى كدية ، واستعير ذلك للطالب المخفق والمعطى المقل ، قال تعالى : { وأعطى قليلا وأكدى } .
كذب : قد تقدم القول في الكذب مع الصدق وأنه يقال في المقال والفعال ، قال : { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون } ، وقوله { والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } وقد تقدم أنه كذبهم في اعتقادهم لا في مقالهم ، ومقالهم كان صدقا ، وقوله : { ليس لوقعتها كاذبة } فقد نسب الكذب إلى نفس الفعل كقولهم فعلة صادقة وفعلة كاذبة ، قوله : { ناصية كاذبة } يقال رجل كذاب وكذوب وكذبذب وكيذبان كل ذلك للمبالغة . ويقال لا مكذوبة أي لا أكذبك وكذبتك حديثا ، قال تعالى : { الذين كذبوا الله ورسوله } ، ويتعدى إلى مفعولين نحو صدق في قوله { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق } يقال كذبه كذبا وكذابا ، وأكذبته : وجدته كاذبا ، وكذبته : نسبته إلى الكذب صادقا كان أو كاذبا ، وما جاء في القرآن ففي تكذيب الصادق نحو { كذبوا بآياتنا } - { رب انصرني بما كذبون } - { بل كذبوا بالحق } - { كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا } - { كذبت ثمود وعاد بالقارعة } - { وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح } - { وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم } وقال { فإنهم لا يكذبونك } قرئ بالتخفيف والتشديد ، ومعناه لا يجدونك كاذبا ولا يستطيعون أن يثبتوا كذبك ، وقوله { حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا } أي علموا أنهم تلقوا من جهة الذين أرسلوا إليهم بالكذب فكذبوا نحو فسقوا وزنوا وخطئوا إذا نسبوا إلى شيء من ذلك ، وذلك قوله : { فقد كذبت رسل من قبلك } وقوله { فكذبوا رسلي } وقوله { إن كل إلا كذب الرسل } وقرئ { كذبوا } بالتخفيف من قولهم كذبتك حديثا أي ظن المرسل إليهم أن المرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم به أنهم إن لم يؤمنوا بهم نزل بهم العذاب وإنما ظنوا ذلك من إمهال الله تعالى إياهم وإملائه لهم ، وقوله { لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا } الكذاب التكذيب والمعنى لا يكذبون فيكذب بعضهم بعضا ، ونفي التكذيب عن الجنة يقتضي نفي الكذب عنها وقرئ { كذابا } من المكاذبة أي لا يتكاذبون تكاذب الناس في الدنيا ، يقال حمل فلان على فرية وكذب كما يقال في ضده صدق . وكذب لبن الناقة إذا ظن أن يدوم مدة
____________________
(1/427)
فلم يدم . وقولهم كذب عليك الحج قيل معناه وجب فعليك به ، وحقيقته أنه في حكم الغائب البطئ وقته كقولك قد فات الحج فبادر أي كاد يفوت . وكذب عليك العسل بالنصب أي عليك بالعسل وذلك إغراء ، وقيل العسل ههنا العسلان وهو ضرب من العدو ، والكذابة ثوب ينقش بلون صبغ كأنه موشى وذلك لأنه يكذب بحاله .
كر : الكر العطف على الشيء بالذات و بالفعل ، ويقال للحبل المفتول كر وهو في الأصل مصدر وصار اسما وجمعه كرور ، قال { ثم رددنا لكم الكرة عليهم } - { فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين } - { وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة } - { لو أن لي كرة } والكركرة رحى زور البعير ويعبر بها عن الجماعة المجتمعة ، والكركرة تصريف الريح السحاب ، وذلك مكرر من كر .
كرب : الكرب الغم الشديد ، قال : { فنجيناه وأهله من الكرب العظيم } والكربة كالغمة وأصل ذلك من كرب الأرض وهو قلبها بالحفر فالغم يثير النفس إثارة ذلك ، وقيل في مثل : الكراب على البقر ، وليس ذلك من قولهم الكلاب على البقر في شيء ويصح أن يكون الكرب من كربت الشمس إذا دنت للمغيب وقولهم إناء كربان أي قريب نحو قربان أي قريب من الملء ، أو من الكرب وهو عقد غليظ في رشا الدلو ، وقد يوصف الغم بأنه عقدة على القلب ، يقال أكربت الدلو .
كرس : الكرسي في تعارف العامة اسم لما يقعد عليه ، قال { وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب } وهو في الأصل منسوب إلى الكرس أي المتلبد أي المجتمع . ومنه الكراسة للمتكرس من الأوراق ، وكرست البناء فتكرس ، قال العجاج :
( يا صاح هل تعرف رسما مكرسا ** قال : نعم أعرفه ، وأبلسا ) والكرس أصل الشيء ، يقال هو قديم الكرس وكل مجتمع من الشيء كرس ، والكروس المتركب بعض أجزاء رأسه إلى بعضه لكبره ، وقوله : { وسع كرسيه السماوات والأرض } فقد روي عن ابن عباس أن الكرسي العلم ، وقيل كرسيه ملكه ، وقال بعضهم : هو اسم الفلك المحيط بالأفلاك ، قال : ويشهد لذلك ما روي ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة .
كرم : الكرم إذا وصف الله تعالى به فهو اسم لإحسانه وإنعامه المتظاهر نحو قوله { فإن ربي غني كريم } وإذا وصف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة التي تظهر منه ، ولا يقال هو كريم حتى يظهر ذلك منه . قال بعض العلماء : الكرم كالحرية إلا أن الحرية قد تقال في المحاسن الصغيرة والكبيرة
____________________
(1/428)
والكرم لا يقال إلا في المحاسن الكبيرة كمن ينفق مالا في تجهيز جيش في سبيل الله وتحمل حمالة ترقي دماء قوم ، وقوله : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } فإنما كان كذلك لأن الكرم الأفعال المحمودة وأكرمها وأشرفها ما يقصد به وجه الله تعالى ، فمن قصد ذلك بمحاسن فعله فهو التقي ، فإذا أكرم الناس أتقاهم ، وكل شيء شرف في بابه فإنه يوصف بالكرم ، قال تعالى : { أنبتنا فيها من كل زوج كريم } - { وزروع ومقام كريم } - { إنه لقرآن كريم } - { وقل لهما قولا كريما } والإكرام والتكريم أن يوصل إلى الإنسان إكرام أي نفع لا يلحقه فيه غضاضة ، أو أن يجعل ما يوصل إليه شيئا كريما أي شريفا ، قال { هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين } وقوله { بل عباد مكرمون } أي جعلهم كراما ، قال { كراما كاتبين } ، وقال { بأيدي سفرة كرام بررة } - { وجعلني من المكرمين } ، وقوله : { ذو الجلال والإكرام } منطو على المعنيين .
كره : قيل الكره والكره واحد نحو : الضعف والضعف ، وقيل الكره المشقة التي تنال الإنسان من خارج فيما يحمل عليه بإكراه ، والكره ما يناله من ذاته وهو يعافه ، وذلك على ضربين ، أحدهما : ما يعاف من حيث الطبع والثاني ما يعاف من حيث العقل أو الشرع ، ولهذا يصح أن قول الإنسان في الشيء الواحد إني أريده وأكرهه بمعنى أني أريده من حيث الطبع وأكرهه من حيث العقل أو الشرع ، أو أريده من حيث العقل أو الشرع وأكرهه من حيث الطبع ، وقوله : { كتب عليكم القتال وهو كره لكم } أي تكرهونه من حيث الطبع ثم بين ذلك بقوله { وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم } أنه لا يجب للإنسان أن يعتبر كراهيته للشيء أو محبته له حتى يعلم حاله . وكرهت يقل فيهما جميعا إلا أن استعماله في الكره أكثر ، قال تعالى : { ولو كره الكافرون } - { ولو كره المشركون } - { وإن فريقا من المؤمنين لكارهون } ، وقوله : { أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه } تنبيه أن أكل لحم الأخ شيء قد جبلت النفس على كراهتها له وإن تحراه الإنسان ، وقوله : { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها } وقرئ كرها ، والإكراه يقال في حمل الإنسان على ما يكرهه وقوله : { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } فهي عن حملهن على ما فيه كره وكره ، وقوله { لا إكراه في الدين } فقد قيل كان ذلك في ابتداء الإسلام فإنه كان يعرض على الإنسان الإسلام فإن أجاب وإلا ترك . والثاني : أن ذلك في أهل الكتاب فإنهم إن أرادوا الجزية والتزموا الشرائط تركوا . والثالث أنه لا حكم لمن أكره على
____________________
(1/429)
دين باطل فاعترف به ودخل فيه كما قال : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } . الرابع : لا اعتداد في الآخرة بما يفعل الإنسان في الدنيا من الطاعة كرها فإن الله تعالى يعتبر السرائر ولا يرضى إلا الإخلاص ولهذا قال عليه الصلاة والسلام الأعمال بالنيات وقال : أخلص يكفك القليل من العمل الخامس : معناه لا يحمل الإنسان على أمر مكروه في الحقيقة مما يكلفهم الله بل يحملون على نعيم الأبد ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام عجب ربكم من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل السادس . أن الدين الجزاء ، معناه أن الله ليس بمكره على الجزاء بل يفعل ما يشاء بمن يشاء كما يشاء وقوله : { أفغير دين الله يبغون } إلى قوله : { طوعا وكرها } قيل معناه أسلم من في السموات طوعا ومن في الأرض كرها أي الحجة أكرهتهم وألجأتهم كقولك الدلالة أكرهتني على القول بهذه المسألة وليس هذا من الكره المذموم . الثاني : أسلم المؤمنون طوعا والكافرون كرها إذ لم يقدروا أن يمتنعوا عليه بما يريد بهم ويقضيه عليهم . الثالث : عن قتادة أسلم المؤمنون طوعا والكافرون كرها عند الموت حيث قال { فلم يك ينفعهم إيمانهم } ألآية . الرابع : عني بالكره من قوتل وألجئ إلى أن يؤمن . الخامس : عن أبي العالية ومجاهد أن كلا أقر بخلقه إياهم وإن أشركوا معه كقوله : { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } . السادس : عن ابن عباس : أسلموا بأحوالهم المنبئة عنهم وإن كفر بعضهم بمقالهم وذلك هو الإسلام في الذر الأول حيث قال : { ألست بربكم قالوا بلى } وذلك هو دلائلهم التي فطروا عليها من العقل المقتضي لأن يسلموا ، وإلى هذا أشار بقوله { وظلالهم بالغدو والآصال } السابع : عن بعض الصوفية أن من أسلم طوعا هو من طالع المثيب والمعاقب لا الثواب والعقاب فأسلم له ، ومن أسلم كرها و من طالع الثواب والعقاب فأسلم رغبة ورهبة ونحو هذه الآية قوله : { ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها } .
كسب : الكسب ما يتحراه الإنسان مما فيه اجتلاب نفع وتحصيل حظ ككسب المال ، وقد يستعمل فيما يظن الإنسان أنه يجلب منفعة ثم استجلب به شرة . والكسب يقال فيما أخذه لنفسه ولغيره ولهذا قد يتعدى إلى مفعولين فيقال كسبت فلانا كذا ، والاكتساب لا يقال إلا فيما استفدته لنفسك فكل اكتساب كسب وليس كل كسب اكتسابا ، وذلك نحو خبز واختبز وشوى واشتوى وطبخ واطبخ وقوله : { أنفقوا من طيبات ما كسبتم } روي أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : أي الكسب أطيب فقال عليه الصلاة والسلام ، عمل الرجل بيده ، وقال : إن أطيب ما يأكل
____________________
(1/430)
الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه وقال : { لا يقدرون على شيء مما كسبوا } وقد ورد في القرن في فعل الصالحات والسيئات فمما استعمل في الصالحات قوله : { أو كسبت في إيمانها خيرا } وقوله : { ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة } إلى قوله { مما كسبوا } : ومما يستعمل في السيئات { أن تبسل نفس بما كسبت } - { أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا } - { إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون } - { فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون } وقال : { فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون } - { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا } - { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } وقوله : { ثم توفى كل نفس ما كسبت } فمتناول لهما . والاكتساب قد ورد فيهما ، قال في الصالحات { للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن } وقوله : { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } فقد قيل خص الكسب ههنا بالصالح والاكتساب بالسيئ ، وقيل عني بالكسب ما يتحراه من المكاسب الأخروية ، وبالاكتساب ، ما يتحراه من المكاسب الدنيوية ، وقيل عني بالكسب ما يفعله الإنسان من فعل خير وجلب نفع إلى غيره من حيثما يجوز وبالاكتساب ما يحصله لنفسه من نفع يجوز تناوله ، فنبه على أن ما يفعله الإنسان لغيره من نفع يوصله إليه فله الثواب وأن ما يحصله لنفسه وإن كان متناولا من حيثما يجوز على الوجه فقلما ينفك من أن يكون عليه ، إشارة إلى ما قيل من أراد الدنيا فليوطن نفسه على المصائب ، وقوله تعالى : { أنما أموالكم وأولادكم فتنة } ونحو ذلك .
كسف : كسوف الشمس والقمر استتارهما بعارض مخصوص ، وبه شبه كسوف الوجه والحال فقيل كاسف الوجه وكاسف الحال ، والكسفة قطعة من السحاب والقطن ونحو ذلك من الأجسام المتخلخلة الحائلة وجمعها كسف ، قال : { ويجعله كسفا } - { فأسقط علينا كسفا من السماء } - { أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا } وكسفا بالسكون . فكسف جمع كسفة نحو سدرة وسدر { وإن يروا كسفا من السماء } قال أبو زيد : كسفت الثوب أكسفه كسفا إذا قطعته قطعا ، وقيل كسفت عرقوب الإبل ، قال بعضهم : هو كسحت لا غير .
كسل : الكسل التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه ولأحل ذلك صار مذموما ، يقال كسل فهو كسل وكسلان وجمعه كسالى وكسالى ، قال : { ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى } وقيل فلان لا يكسله المكاسل ، وفحل كسل يكسل عن الضراب ، وامرأة مكسال فترة عن التحرك .
____________________
(1/431)
كسا : الكساء والكسوة اللباس ، قال : { أو كسوتهم } وقد كسوته واكتسى ، قال : { وارزقوهم فيها واكسوهم } - { فكسونا العظام لحما } ، واكتست الأرض بالنبات ، وقول الشاعر :
( فبات له دون الصبا وهي قرة ** لحاف ومصقول الكساء رقيق ) فقد قيل هو كناية عن اللبن إذا علته الداوية ، وقول الآخر
( حتى أرى فارس الصيموت على ** أكساء خيل كانها الإبل ) قيل معناه على أعقابها ، وأصله أن تعدى الإبل فتثير الغبار ويعلوها فيكسوها فكأنه تولى إكساء الإبل أي ملابسها من الغبار .
كشف : كشفت الثوب عن الوجه وغيره ويقال كشف غمه ، قال تعالى : { وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو } - { فيكشف ما تدعون إليه } - { لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك } - { أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء } ، وقوله : { يوم يكشف عن ساق } قيل اصله من قامت الحرب على ساق أي ظهرت الشدة ، وقال بعضهم أصله من تذمير الناقة ، وهو أنه إذا أخرج رجل الفصيل من بطن أمه ، فيقال كشف عن الساق .
كشط : { وإذا السماء كشطت } وهو من كشط الناقة أي تنحية الجلد عنها ومنه استعير انكشط روعه أي زال .
كظم : الكظم مخرج النفس ، يقال أخذ بكظمه والكظوم احتباس النفس ويعبر به عن السكوت كقولهم فلان لا يتنفس إذا وصف بالمبالغة في السكوت ، وكظم فلان حبس نفسه ، قال تعالى : { إذ نادى وهو مكظوم } ، وكظم الغيظ حبسه ، قال : { والكاظمين الغيظ } ومنه كظم البعير إذا ترك الاجترار ، وكظم السقاء شده بعد ملئه مانعا لنفسه ، والكظامة حلقة تجمع فيها الخيوط في طرف حديدة الميزان ، والسير الذي يوصل بوتر القوس ، والكظائم خروق بين البئرين يجري فيها الماء كل ذلك تشبيه بمجرى النفس وتردده فيه .
كعب : كعب الرجل : العظم الذي عند ملتقى القدم والساق ، قال : { وأرجلكم إلى الكعبين } والكعبة كل بيت على هيئته في التربيع وبها سميت الكعبة ، قال تعالى : { جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس } وذو الكعبات بيت كان في الجاهلية لبني ربيعة ، وفلان جالس في كعبته أي غرفته وبيته على تلك الهيئة ، وامرأة كاعب تكعب ثدياها ، وقد كعبت كعابة والجمع كواعب ، قال : { وكواعب أترابا } وقد يقال كعب الثدي كعب وكعبا تكعيبا وثوب
____________________
(1/432)
مكعب مطوي شديد الإدراج ، وكل ما بين العقدتين من القصب والرمح يقال له كعب تشبيها بالكعب في الفصل بين العقدتين كفصل الكعب بين الساق والقدم .
كف : الكف : كف الإنسان وهي ما بها يقبض ويبسط ، وكففته أصبت كفه وكففته أصبته بالكف ودفعته بها . وتعورف الكف بالدفع على أي وجه كان بالكف كان أو غيرها حتى قيل رجل مكفوف لمن قبض بصره ، وقوله { وما أرسلناك إلا كافة للناس } أي كافا لهم عن المعاصي والهاء فيه للمبالغة كقولهم : راوية وعلامة ونسابة ، وقوله : { وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة } قيل معناه كافين لهم كما يقاتلونكم كافين ، وقيل معناه جماعة كما يقاتلونكم جماعة وذلك أن الجماعة يقال لهم الكافة كما يقال لهم الوازعة لقوتهم باجتماعهم وعلى هذا قوله { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة } وقوله { فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها } فإشارة إلى حال النادم وما يتعاطاه في حال ندمه . وتكفف الرجل إذا مد يده سائلا ، واستكف إذا مد كفه سائلا أو دافعا وستكف الشمس دفعها بكفه وهو أن يضع كفه على حاجبه مستظلا من الشمس ليرى ما يطلبه ، وكفة الميزان تشبيه بالكف في كفها ما يوزن بها وكذا كفة الحبالة ، وكففت الثوب إذا خطت نواحيه بعد الخياطة الأولى . كفت : الكفت القبض والجمع ، قال : { ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا } أي تجمع الناس أحياءهم وأمواتهم ، وقيل معناه تضم الأحياء التي هي الإنسان والحيوانات والنبات ، والأموات التي هي الجمادات من الأرض والماء وغير ذلك . والكفات قيل هو الطيران السريع ، وحقيقته قبض الجناح للطيران ، كما قال : { أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن } فالقبض ههنا كالكفات هناك . والكفت السوق الشديد ، واستعمال الكفت في سوق الإبل كاستعمال القبض فيه كقولهم قبض الراعي الإبل وراعي قبضة ، وكفت الله فلانا إلى نفسه كقولهم قبضه ، وفي الحديث : اكفتوا صبيانكم بالليل .
كفر الكفر في اللغة ستر الشيء : ووصف الليل بالكافر لستره الأشخاص ، والزراع لستره البذر في الأرض ، وليس ذلك باسم لهما كما قال بعض أهل اللغة لما سمع :
( ألقت ذكاء يمينها في كافر ** ) والكافور اسم أكمام الثمرة التي تكفرها ، قال الشاعر : ( كالكرم إذ نادى من الكافور ** ) وكفر النعمة وكفرانها سترها بترك أداء شكرها ، قال تعالى : { فلا كفران لسعيه } وأعظم
____________________
(1/433)
الكفر جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة ، والكفران في جحود النعمة أكثر استعمالا ، والكفر في الدين أكثر والكفور فيهما جميعا قال : { فأبى الظالمون إلا كفورا } - { فأبى أكثر الناس إلا كفورا } ويقال منهما كفر فهو كافر ، قال في الكفران : { ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم } وقال { واشكروا لي ولا تكفرون } وقوله : { وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين } أي تحريت كفران نعمتي ، وقال { لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد } ولما كان الكفران يقتضي جحود النعمة صار يستعمل في الجحود ، قال : { ولا تكونوا أول كافر به } أي جاحد له وساتر ، والكافر على الإطلاق . متعارف فيمن يجحد الوحدانية أو النبوة أو الشريعة أو ثلاثتها ، وقد يقال كفر لمن أخل بالشريعة وترك ما لزمه من شر الله عليه ، قال : { من كفر فعليه كفره } يدل على ذلك مقابلته بقوله : { ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون } وقال { وأكثرهم الكافرون } وقوله { ولا تكونوا أول كافر به } أي لا تكونوا أئمة في الكفر فيقتدى بكم ، وقوله { ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } عني بالكافر الساتر للحق فلذلك جعله فاسقا ، ومعلوم أن الكفر المطلق هو أعم من الفسق ، ومعناه من جحد حق الله فقد فسق عن أمر ربه بظلمه . ولما جعل كل فعل محمود من الإيمان جعل كل فعل مذموم من الكفر ، وقال في السحر : { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } وقوله : { الذين يأكلون الربا } - إلى قوله - { كل كفار أثيم } وقال : { ولله على الناس حج البيت } - إلى قوله - { ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } والكفور المبالغ في كفران النعمة ، وقوله : { إن الإنسان لكفور } وقال : { ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور } إن قيل كيف وصف الإنسان ههنا بالكفور ولم يرض بذلك حتى أدخل عليه إن واللام وكل ذلك تأكيد ، وقال في موضع { وكره إليكم الكفر } فقوله { إن الإنسان لكفور مبين } تنبيه على ما ينطوي عليه الإنسان من كفران النعمة وقلة ما يقوم بأداء الشكر ، وعلى هذا قوله : { قتل الإنسان ما أكفره } ولذلك قال { وقليل من عبادي الشكور } وقوله { إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا } تنبيه أنه عرفه الطريقين كما قال : { وهديناه النجدين } فمن سالك سبيل الشكر ، ومن سالك سبيل الكفر ، وقوله { وكان الشيطان لربه كفورا } فمن الكفر ونبه بقوله ( كان أنه لم يزل منذ وجد منطويا على الكفر . والكفار
____________________
(1/434)
أبلغ من الكفور لقوله { كل كفار عنيد } وقال { والله لا يحب كل كفار أثيم } - { إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار } - { إلا فاجرا كفارا } وقد أجري الكفار مجرى الكفور في قوله { إن الإنسان لظلوم كفار } والكفار في جمع الكافر المضاد للإيمان أكثر استعمالا كقوله { أشداء على الكفار } وقوله { ليغيظ بهم الكفار } والكفرة في جمع كافر النعمة أشد استعمالا وفي قوله { أولئك هم الكفرة الفجرة } ألا ترى أنه وصف الكفرة بالفجرة والفجرة قد يقال للفساق من المسلمين . وقوله { جزاء لمن كان كفر } أي من الأنبياء ومن يجري مجراهم ممن بذلوا النصح في أمر الله فلم يقبل منهم . وقوله { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا } قيل عني بقوله إنهم آمنوا بموسى ثم كفروا بمن بعده . والنصارى آمنوا بعيسى ثم كفروا بمن بعده . وقيل آمنوا بموسى ثم كفروا بموسى إذ لم يؤمنوا بغيره ، وقيل هو ما قال { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي } إلى قوله : { واكفروا آخره } ولم يرد أنهم آمنوا مرتين وكفروا مرتين ، بل ذلك إشارة إلى أحوال كثيرة . وقيل كما يصعد الإنسان في الفضائل في ثلاث درجات ينعكس في الرذائل في ثلاث درجات والآية إشارة إلى ذلك ، وقد بينته في كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة . ويقال كفر فلان إذا اعتقد الكفر ، ويقال ذلك إذا أظهر الكفر وإن لم يعتقد ولذلك قال { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } ويقال كفر فلان إذا بالشيطان ذا كفر بسببه ، وقد يقال ذلك إذا آمن وخالف الشيطان كقوله { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله } وأكفره إكفارا حكم بكفره ، وقد يعبر عن التبري بالكفر نحو { يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض } الآية وقوله تعالى : { إني كفرت بما أشركتمون من قبل } وقوله { كمثل غيث أعجب الكفار نباته } قيل عنى بالكفار الزراع لأنهم يغطون البذر في التراب ستر الكفار حق الله تعالى بدلالة قوله : { يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار } ولأن الكافر لا اختصاص له بذلك وقيل بل عنى الكفار ، وخصهم بكونهم معجبين الدنيا وزخارفها وراكنين إليها . والكفارة ما يغطي الإثم ومنه كفارة اليمين نحو قوله { ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم } وكذلك كفارة غيره من الآثام ككفارة القتل والظهار قال { فكفارته إطعام عشرة مساكين } والتكفير ستره وتغطيته حتى يصير بمنزلة ما لم يعمل ويصح أن يكون أصله إزالة الكفر والكفران نحو التمريض في كونه إزالة للمرض وتقذية العين في إزالة القذى عنه ، قال : { ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم }
____________________
(1/435)
- { نكفر عنكم سيئاتكم } ) وإلى هذا المعنى أشار بقوله { إن الحسنات يذهبن السيئات } وقيل صغار الحسنات لا تكفر كبار السيآت ، وقال : { لأكفرن عنهم سيئاتهم } - { ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا } ويقال : كفرت الشمس النجوم سترتها ويقال الكافر للسحاب الذي يغطي الشمس والليل ، قال الشاعر :
( ألقت ذكاء يمينها في كافر ** ) وتكفر في السلاح أي تغطى فيه ، والكافور أكمام الثمرة أي التي تكف الثمرة ، قال الشاعر :
( كالكرم إذ نادى من الكافور ** ) والكافور الذي هو من الطيب ، قال تعالى : { كان مزاجها كافورا } .
كفل : الكفالة الضمان ، تقول تكفلت بكذا وكفلته فلانا وقرئ { وكفلها زكريا } أي كفلها الله تعالى ، ومن خفف جعل الفعل لزكريا ، المعنى تضمنها ، قال تعالى : { وقد جعلتم الله عليكم كفيلا } ، والكفيل الحظ الذي فيه الكفاية كأنه تكفل بأمره نحو قوله تعالى : { فقال أكفلنيها } أي اجعلني كفلا لها ، والكفل الكفيل ، قال : { يؤتكم كفلين من رحمته } أي كفيلين من نعمته في الدنيا والآخرة وهما المرغوب إلى الله تعالى فيهما بقوله { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة } وقيل لم يعن بقوله كفلين أي نعمتين اثنتين بل أراد النعمة المتوالية المتكفلة بكفايته ، ويكون تثنيته على حد ما ذكرنا في قولهم لبيتك وسعديك ، وأما قوله : { من يشفع شفاعة حسنة } إلى قوله { يكن له كفل منها } فإن الكفل ههنا ليس بمعنى الأول بل هو مستعار من الكفل وهو الشيء الردئ ، واشتقاقه من الكفل وهو أن الكفل لما كان مركبا ينبو براكبه صار متعارفا في كل شدة كالسيساء وهو العظم الناتئ من ظهر الحمار فيقال لأحملك على الكفل وعلى السيساء ، ولأركبنك الحسرى الرزايا ، قال الشاعر :
( وحملناهم على صعبة زو ** راء يعلونها بغير وطاء ) ومعنى الآية من ينضم إلى غيره معينا له في فعلة حسنة يكون له منها نصيب ، ومن ينضم إلى غيره معينا له في فعلة سيئة يناله منها شدة . وقيل الكفل الكفيل . ونبه أن من تحرى شرا فله من فعله كفيل يسأله كما قيل من ظلم فقد أقام كفيلا بظلمه تنبيها أنه لا يمكنه التخلص من عقوبته .
كفؤ : الكفء في المنزلة والقدر ، ومنه الكفاء لشقة تنضح بالأخرى فيجلل بها مؤخر البيت ، يقال فلان كفء لفلان
____________________
(1/436)
في المناكحة أو في المحاربة ونحو ذلك ، قال تعالى : { ولم يكن له كفوا أحد } ومنه المكافأة أي المساواة والمقابلة في الفعل ، وفلان كفؤ لك في المضادة ، والاكفاء قلب الشيء كأنه إزالة المساواة ، ومنه الإكفاء في الشعر ، ومكفأ الوجه أي كاسد اللون وكفيؤه ، ويقال لنتاج الإبل ليست تامة كفأة ، وجعل فلان إبله كفأتين إذا لقح كل سنة قطعة منها .
كفى : الكفاية ما فيه سد الخلة وبلوغ المراد في الأمر ، قال : { وكفى الله المؤمنين القتال } - { إنا كفيناك المستهزئين } وقوله { وكفى بالله شهيدا } قيل معناه { كفى بالله شهيدا } والباء زائدة وقيل معناه اكتف بالله شهيدا ، والكفية من القوت ما فيه كفاية والجمع كفى ، ويقال كافيك فلان من رجل كقولك حسبك من رجل
كل : لفظ كل هو لضم أجزاء الشيء وذلك ضربان ، أحدهما الضام لذات الشيء وأحواله المختصة به ويفيد معنى التمام نحو قوله { ولا تبسطها كل البسط } أي بسطا تاما ، قال الشاعر :
( ليس الفتى كل الفتى ** إلا الفتي في أدبه ) أي التام الفتوة والثاني الضام للذوات وذلك يضاف تارة إلى جمع معرف بالألف واللام نحو قولك كل القوم ، وتارة إلى ضمير ذلك نحو { فسجد الملائكة كلهم أجمعون } وقوله { ليظهره على الدين كله } أو إلى نكرة مفردة نحو { وكل إنسان ألزمناه } - { وهو بكل شيء عليم } إلى غيرها من الآيات وربما عري عن الإضافة ويقدر ذلك فيه نحو { كل في فلك يسبحون } - { وكل أتوه داخرين } - { وكلهم آتيه يوم القيامة فردا } - { وكلا جعلنا صالحين } - { كل من الصابرين } - { وكلا ضربنا له الأمثال } إلى غير ذلك في القرآن مما يكثر تعداده . ولم يرد في شيء من القرآن ولا في شيء من كلام الفصحاء الكل بالألف واللام وإنما ذلك شيء يجري في كلام المتكلمين والفقهاء ومن نحوهم . والكلالة اسم لما عدا الولد والوالد من الورثة ، وقال ابن عباس : هو اسم لمن عدا الولد ، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الكلالة فقال : من مات وليس له ولد ولا والد ، فجعله اسما للميت وكلا القولين صحيح . فإن الكلالة مصدر يجمع الوارث والموروث جميعا وتسميتها بذلك إما لأن النسب كل عن اللحوق به أو لأنه قد لحق به بالعرض منء أحد طرفيه وذلك لأن الانتساب ضربان ، أحدهما : بالعمق كنسبة الأب والابن ، والثاني بالعرض كنسبة الأخ والعم ، قال قطرب : الكلالة اسم لما عدا الأبوين والأخ ، وليس بشيء ، وقال بعضهم هو اسم لكل وارث كقول الشاعر :
____________________
(1/437)
( والمرء يبخل بالحقوق ** وللكلالة ما يسيم ) من أسام الإبل إذا أخرجها للمرعى ولم يقصد الشاعر بما ظنه هذا وإنما خص الكلالة ليزهد الإنسان في جمع المال لأن ترك المال لهم أشد من تركه للأولاد ، وتنبيها أن من خلفت له المال فجار مجرى الكلالة وذلك كقولك ما تجمعه فهو للعدو ، وتقول العرب لم يرث فلان كذا كلالة لمن تخصص بشيء قد كان لأبيه ، قال الشاعر :
( ورثتم قناة الملك غير كلالة ** عن ابني مناف عبد شمس وهاشم )
والإكليل سمي بذلك لإطافته بالرأس ، يقال كل الرجل في مشيته كلالا ، والسيف عن ضريبته كلولا وكلة ، واللسان عن الكلام كذلك وأكل فلان كلت راحلته والكلكل الصدر .
كلب : الكلب الحيوان النباح والأنثى كلبة والجمع أكلب وكلاب وقد يقال للجمع كليب ، قال : { كمثل الكلب } قال { وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد } وعنه اشتق الكلب للحرص ومنه يقال هو أحرص من كلب ، ورجل كلب : شديد الحرص ، وكلب كلب أي مجنون يكلب بلحوم الناس فيأخذه شبه جنون ، ومن عقره كلب أي يأخذه داء فيقال رجل كلب وقوم كلبي ، قال الشاعر :
( دماءهم من الكلب الشفاء ** ) وقد يصيب الكلب البعير . ويقال أكلب الرجل : أصاب إبله ذلك ، وكلب الشتاء اشتد برده وحدته تشبيها بالكلب الكلب ، ودهر كلب ، ويقال أرض كلبة إذا لم ترو فتيبس تشبيها بالرجل الكلب لأنه لا يشرب فييبس والكلاب والمكلب الذي يعلم الكلب ، قال : { وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن } وأرض مكلبة كثيرة الكلاب ، والكلب المسمار في قائم السيف ، والكلبة سير يدخل تحت السير الذي تشد به المزادة فيخرز به ، وذلك لتصوره بصورة الكلب في الاصطياد به ، وقد كلبت الأديم خرزته ، بذلك قال الشاعر :
( سير صناع في أديم تكلبه ** ) والكلب نجم في السماء مشبه بالكلب لكونه تابعا لنجم يقال له الراعي والكلبتان آلة مع الحدادين سميا بذلك تشبيها بكلبين في اصطيادهما وثني اللفظ لكونهما اثنين ، والكلوب شيء يمسك به ، وكلاليب البازي مخالبه اشتق من الكلب لإمساكه ما يعلق عليه إمساك الكلب .
كلف : الكلف الإيلاع بالشيء ، يقال كلف فلان بكذا وأكلفته به جعلته كلفا ، والكلف في الوجه سمي لتصور كلفة به ، وتكلف الشيء ما يفعله الإنسان بإظهار كلف
____________________
(1/438)
مع مشقة تناله في تعاطيه ، وصارت الكلفة في التعارف اسما للمشقة ، والتكلف اسم لما يفعل بمشقة أو تصنع أو تشبع ، ولذلك صار التكلف على ضربين ، محمود : وهو ما يتحراه الإنسان ليتوصل به إلى أن يصير الفعل الذي يتعاطاه سهلا عليه ويصير كلفا به ومحبا له ، وبهذا النظر يستعمل التكليف في تكلف العبادات . والثاني : مذموم وهو ما يتحراه الإنسان مراءاة وإياه عني بقوله تعالى : { قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين } وقول النبي صلى الله عليه وسلم : أنا وأتقياء أمتي برآء من التكلف وقوله : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } أي ما يعدونه مشقة فهو سعة في المآل نحو قوله : { وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم } وقوله : { فعسى أن تكرهوا شيئا } الآية . كلم : الكلم التأثير المدرك بإحدى الحاستين ، فالكلام مدرك بحاسة السمع ، والكلم بحاسة البصر ، وكلمته جرحته جراحة بان تأثيرها ولاجتماعهما في ذلك قال الشاعر :
( والكلم الأصيل كأرعب الكلم ** ) الكلم الأول جمع كلمة ، والثاني جراحات والأرعب الأوسع ، وقال آخر :
( وجرح اللسان كجرح اليد ** ) فالكلام يقع على الألفاظ المنظومة وعلى المعاني التي تحتها مجموعة ، وعند النحويين يقع على الجزء منه اسما كان أو فعلا أو أداة . وعند كثير من المتكلمين لا يقع إلا على الجملة المركبة المفيدة وهو أخص من القول فإن القول يقع عندهم على المفردات ، والكلمة تقع عندهم على كل واحد من الأنواع الثلاثة ، وقد قيل بخلاف ذلك ، قال تعالى : { كبرت كلمة تخرج من أفواههم } وقوله : { فتلقى آدم من ربه كلمات } قيل هي قوله : { ربنا ظلمنا أنفسنا } وقال الحسن : هي قوله : ألم تخلقني بيدك ألم تسكني جنتك ألم تسجد لي ملائكتك ألم تسبق رحمتك غضبك أرأيت إن تبت أكنت معيدي إلى الجنة قال : نعم وقيل هي الأمانة المعروضة على السموات والأرض والجبال في قوله : { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال } الآية ، وقوله : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } قيل هي الأشياء التي امتحن الله إبراهيم بها من ذبح ولده والختان وغيرهما . وقوله لزكريا : { أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله } قيل هي كلمة التوحيد وقيل كتاب الله وقيل يعني به عيسى ، وتسمية عيسى بكلمة في هذه الآية ، وفي قوله { وكلمته ألقاها إلى مريم } لكونه موجدا بكن المذكور في قوله { إن مثل عيسى } الآية وقيل لاهتداء الناس به كاهتدائهم بكلام الله تعالى ، وقيل سمي به لما خصه الله تعالى به في صغره حيث قال وهو في مهده { إني عبد الله آتاني الكتاب }
____________________
(1/439)
) الآية ، وقيل سمي كلمة الله تعالى من حيث أنه صار نبيا كما سمي النبي صلى الله عليه وسلم { ذكرا رسولا } وقوله { وتمت كلمة ربك } الآية فالكلمة ههنا القضية ، فكل قضية تسمى كلمة سواء كان ذلك مقالا أو فعالا ، ووصفها بالصدق لأنه يقال قول صدق وفعل صدق ، وقوله { وتمت كلمة ربك } إشارة إلى نحو قوله { اليوم أكملت لكم دينكم } الآية ، ونبه بذلك أنه لا تنسخ الشريعة بعد هذا ، وقيل إشارة إلى ما قال عليه الصلاة والسلام أول ما خلق الله تعالى القلم فقال له اجر بما هو كائن إلى يوم القيامة وقيل الكلمة هي القرآن وتسميته بكلمة كتسميتهم القصيدة كلمة فذكر أنها تتم وتبقى بحفظ الله تعالى إياها ، فعبر عن ذلك بلفظ الماضي تنبيها أن ذلك في حكم الكائن وإلى هذا المعنى من حفظ القرآن أشار بقوله : { فإن يكفر بها هؤلاء } الآية ، وقيل عنى به ما وعد من الثواب والعقاب ، وعلى ذلك قوله تعالى : { بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين } وقوله : { كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا } الآية ، وقيل عنى بالكلمات الآيات المعجزات التي اقترحوها فنبه أن ما أرسل من الآيات تام وفيه بلاغ ، وقوله : { لا مبدل لكلماته } رد لقولهم { ائت بقرآن غير هذا } الآية ، وقيل أراد بكلمة ربك أحكامه التي حكم بها وبين أنه شرع لعباده ما فيه بلاغ ، وقوله : { وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا } وهذه الكلمة فيما قيل هي قوله تعالى : { ونريد أن نمن على الذين } الآية ، وقوله : { ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما } - { ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم } فإشارة إلى ما سبق من حكمه الذي اقتضاه حكمته وأنه لا تبديل لكلماته ، وقوله تعالى : { ويحق الله الحق بكلماته } أي بحججه التي جعلها الله تعالى لكم عليهم سلطانا مبينا ، أي حجة قوية . وقوله : { يريدون أن يبدلوا كلام الله } هو إشارة إلى ما قال : { فقل لن تخرجوا معي } الآية ، وذلك ن الله تعالى جعل قول هؤلاء المنافقين : { ذرونا نتبعكم } تبديلا لكلام الله تعالى ، فنبه أن هؤلاء لا يفعلون وكيف يفعلون وقد علم الله تعالى منهم أن لا يتأتى ذلك منهم ، وقد سبق بذلك حكمه . ومكالمة الله تعالى البعد على ضربين ، أحدهما : في الدنيا والثاني في الآخرة فما في الدنيا فعلى ما نبه عليه بقوله : { وما كان لبشر أن يكلمه الله } الآية ، وما في الآخرة ثواب للمؤمنين وكرامة لهم تخفى علينا كيفيته ، ونبه أنه يحرم ذلك على الكافرين بقوله { إن الذين يشترون بعهد الله } الآية وقوله : { يحرفون الكلم عن مواضعه }
____________________
(1/440)
جمع الكلمة ، وقيل إنهم كانوا يبدلون الألفاظ ويغيرونها ، وقيل إنه كان من جهة المعنى وهو حمله على غير ما قصد به واقتضاه وهذا أمثل القولين فإن اللفظ إذا تداولته الألسنة واشتهر يصعب تبديله ، وقوله : { وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية } أي لولا يكلمنا الله مواجهة وذلك نحو قوله { يسألك أهل الكتاب } إلى قوله : { أرنا الله جهرة } . كلا : كلا ردع وزجر وبطال لقول القائل ، وذلك نقيض إي في الإثبات ، قال : { أفرأيت الذي كفر } إلى قوله { كلا } وقال تعالى : { لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا } إلى غير ذلك من الآيات ، وقال { كلا لما يقض ما أمره } .
كلا : الكلاءة حفظ الشيء وتققيته ، يقال كلأك الله وبلغ بك أكلأ العمر ، واكتلأت بعيني كذا قال : { قل من يكلؤكم } الآية والمكلأ موضع تحفظ فيه السفن ، والكلاء موضع بالبصرة سمي بذلك لأنهم يكلأون سفنهم هناك وعبر عن النسيئة بالكالئ . وروي أنه عليه الصلاة والسلام : نهى عن الكالئ بالكالئ . والكلا العشب الذي يحفظ ومكان مكلأ وكالئ يكثر كلؤه .
كلا : كلا في التثنية ككل في الجمع وهو مفرد اللفظ مثنى المعنى عب عنه بلفظ الواحد مرة اعتبارا بلفظه ، وبلفظ الاثنين مرة اعتبارا بمعناه قال : { إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما } ويقال في المؤنث كلا . ومتى أضيف إلى اسم ظاهر بقي ألفه على حالته في النصب والجر والرفع ، وإذا أضيف إلى مضمر قلبت في النصب والجر ياء ، فيقال : رأيت كليهما ومررت بكليهما ، قال { كلتا الجنتين آتت أكلها } وتقول في الرفع جاءني كلاهما .
كم : كم عبارة عن العدد ويستعمل في باب الاستفهام وينصب بعده الاسم الذي يميز به نحو ، كم رجلا ضربت ويستعمل في باب الخبر ويجر بعده الاسم الذي يميز به نحو : كم رجل ويقتضي معنى الكثرة ، وقد يدخل من في الاسم الذي يميز بعده نحو : { وكم من قرية أهلكناها } - { وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة } والكم ما يغطي اليد من القميص ، والكم ما يغطي الثمرة وجمعه أكمام قال : { والنخل ذات الأكمام } والكمة ما يغطي الرأس كالقلنسوة .
كمل : كمال الشيء حصول ما فيه الغرض منه فإذا قيل كمل ذلك فمعناه حصل ما هو الغرض منه وقوله : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } تنبيها أن ذلك غاية ما يتعلق به صلاح الولد . وقوله : { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة } تنبيه أنه يحصل لهم كمال العقوبة . وقوله { تلك عشرة كاملة }
____________________
(1/441)
قيل إنما ذكر العشرة ووصفها بالكاملة لا ليعلمنا أن السبعة والثلاثة عشرة بل ليبين أن بحصول صيام العشرة يحصل كمال الصوم القائم مقام الهدي ، وقيل إن وصفه العشرة بالكاملة استطراد في الكلام وتنبيه على فضيلة له فيما بين علم العدد وأن العشرة أول عقد ينتهي إليه العدد فيكمل وما بعده يكون مكررا مما قبله فالعشرة هي العدد الكامل .
كمه : الأكمه هو الذي يولد مطموس العين وقد يقال لمن تذهب عينه قال :
( كمهت عيناه حتى ابيضتا ** )
كن : الكن ما يحفظ فيه الشيء ، يقال : كننت الشيء كنا جعلته في كن وخص كننت بما يستر ببيت أو ثوب وغير ذلك من الأجسام ، قال تعالى : { كأنهن بيض مكنون } - { كأنهم لؤلؤ مكنون } وأكننت بما يستر في النفس قال تعالى : { أو أكننتم في أنفسكم } وجمع الكن أكنان ، قال تعالى : { وجعل لكم من الجبال أكنانا } والكنان الغطاء الذي يكن فيه الشيء والجمع أكنة نحو غطاء وأغطية ، قال : { وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه } وقوله تعالى : { وقالوا قلوبنا في أكنة } قيل معناه في غطاء عن تفهم ما تورده علينا كما قالوا : { يا شعيب ما نفقه } الآية وقوله : { إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون } قيل عنى بالكتاب المكنون اللوح المحفوظ ، وقيل هو قلوب المؤمنين ، وقيل ذلك إشارة إلى كونه محفوظا عند الله تعالى كما قال : { وإنا له لحافظون } وسميت امرأة المتزوجة كنة لكونها في كن من حفظ زوجها كما سميت محصنة لكونها في حصن من حفظ زوجها ، والكنانة جعبة غير مشقوقة .
كند : قوله تعالى : { إن الإنسان لربه لكنود } أي كفور لنعمته كقولهم أرض كنود إذا لم تنبت شيئا .
كنز : الكنز جعل المال بعضه على بعض وحفظه وأصله من كنزت التمر في الوعاء ، وزمن الكناز وقت ما يكنز فيه التمر ، وناقة كناز مكتنزة اللحم . وقوله : { والذين يكنزون الذهب والفضة } أي يدخرونها ، وقوله : { فذوقوا ما كنتم تكنزون } وقوله : { لولا أنزل عليه كنز } أي مال عظيم { وكان تحته كنز لهما } قيل كان صحيفة علم .
كهف : الكهف الغار في الجبل وجمعه كهوف ، قال : { أن أصحاب الكهف } الآية .
كهل : الكهل من وخطه الشيب ، قال : { ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين } واكتهل النبات إذا شارف اليبوسة مشارفة الكهل الشيب ، قال :
( مؤزر بهشيم النبت مكتهل ** )
كهن : الكاهن هو الذي يخبر بالأخبار الماضية الخفية بضرب من الظن ، والعراف
____________________
(1/442)
الذي يخبر بالأخبار المستقبلة على نحو ذلك ولكون هاتين الصناعتين مبنيتين على الظن الذي يخطئ ويصيب قال عليه الصلاة والسلام : من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما قال فقد كفر بما أنزل على أبي القاسم ويقال كهن فلان كهانة إذا تعاطى ذلك وكهن إذا تخصص بذلك ، وتكهن تكلف ذلك ، قال تعالى { ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون } .
كوب : الكوب قدح لا عروة له وجمعه أكواب ، قال : { بأكواب وأباريق وكأس من معين } والكوبة الطبل الذي يلعب به
كيد : الكيد ضرب من الاحتيال وقد يكون مذموما وممدوحا وإن كان يستعمل في المذموم أكثر وكذلك الاستدراج والمكر ويكون بعض ذلك محمودا ، قال : { كذلك كدنا ليوسف } وقوله : { وأملي لهم إن كيدي متين } قال بعضهم : أراد بالكيد العذاب ، والصحيح أنه هو الإملاء والإمهال المؤدي إلى العقاب كقوله { وأن الله لا يهدي كيد الخائنين } فخص الخائنين تنبيها أنه قد يهدي كيد من لم يقصد بكيده خيانة ككيد يوسف بأخيه وقوله { لأكيدن أصنامكم } أي لأريدن بها سوءا . وقال : { فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين } وقوله { فإن كان لكم كيد فكيدون } وقال { كيد ساحر } - { فأجمعوا كيدكم } ويقال فلان يكيد بنفسه أي يجود بها وكاد الزند إذا تباطأ بإخراج ناره . ووضع كاد لمقاربة الفعل ، يقال كاد يفعل إذا لم يكن قد فعل ، وإذا كان معه حرف نفي يكون لما قد وقع ويكون قريبا من أن لا يكون نحو قوله تعالى : { لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا } - { وإن كادوا } - { تكاد السماوات } - { يكاد البرق } - { يكادون يسطون } - { إن كدت لتردين } ولا فرق بين أن يكون حرف النفي متقدما عليه أو متأخرا عنه نحو { وما كادوا يفعلون } - { لا يكادون يفقهون } وقلما يستعمل في كاد أن إلا في ضرورة الشعر ، قال :
( قد كاد من طول البلى أن يمحصا ** ) أي يمضي ويدرس .
كور : كور الشيء إدارته وضم بعضه إلى بعض ككور العمامة ، وقوله : { يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل } فإشارة إلى جريان الشمس في مطالعها وانتقاص الليل والنهار وازديادهما . وطعنه فكوره إذا ألقاه مجتمعا واكتار الفرس إذا أدار ذنبه في عدوه ، وقيل لإبل كثيرة كور ، وكوارة النخل معروفة والكور الرحل ، وقيل لكل مصر كورة وهي البقعة التي يجتمع فيها قرى ومحال .
كأس : قال { كأسا كان مزاجها زنجبيلا } والكأس الإناء بما فيه من الشراب وسمي كل واحد منهما بانفراده كأسا ، يقال
____________________
(1/443)
شربت كأسا ، وكأس طيبة يعني بها الشراب قال { وكأس من معين } وكأست الناقة وكأس إذا مشت على ثلاثة قوائم ، والكيس جودة القريحة ، تكوس وأكاس الرجل وأكيس إذا ولد أولادا أكياسا ، وسمي الغدر كيسان تصورا أنه ضرب من استعمال الكيس أو لأن كيسان كان رجلا عرف بالغدر ثم سمي كل غادر به كما أن الهالكي كان حدادا عرف بالحدادة ثم سمي كل حداد هالكيا .
كيف : كيف لفظ يسأل به عما يصح أن يقال فيه شبيه وغير شبيه كالأبيض والأسود والصحيح والسقيم ، ولهذا لا يصح أن يقال في الله عز وجل كيف ، وقد يعبر بكيف عن المسئول عنه كالأسود والأبيض فإنا نسميه كيف ، وكل ما أخبر الله تعالى بلفظة كيف عن نفسه فهو استخبار على طريق التنبيه للممخاطب أو توبيخا نحو { كيف تكفرون بالله } - { كيف يهدي الله } - { كيف يكون للمشركين عهد } - { انظر كيف ضربوا لك الأمثال } - { فانظروا كيف بدأ الخلق } - { أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده } .
كيل : الكيل كيل الطعام . يقال كلت له الطعام إذا توليت ذلك له ، وكلته الطعام إذا أعطيته كيلا ، واكتلت عليه أخذت منه كيلا ، قال الله تعالى : { ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم } وذلك إن كان مخصوصا بالكيل فحث على تحري العدل في كل ما وقع فيه أخذ ودفع وقوله { فأوف لنا الكيل } - { فأرسل معنا أخانا نكتل } - { كيل بعير } مقدار حمل بعير .
كان : كان عبارة عما مضى من الزمان وفي كثير من وصف الله تعالى تنبئ عن معنى الأزلية ، قال { وكان الله بكل شيء عليما } - { وكان الله على كل شيء قديرا } وما استعمل منه في جنس الشيء متعلقا بوصف له هو موجود فيه فتنبيه على أن ذلك الوصف لازم له ، قليل الانفكاك منه نحو قوله في الإنسان { وكان الإنسان كفورا } - { وكان الإنسان قتورا } - { وكان الإنسان أكثر شيء جدلا } فذلك تنبيه على أن ذلك الوصف لازم له قليل الانفكاك منه ، قوله في وصف الشيطان { وكان الشيطان للإنسان خذولا } - { وكان الشيطان لربه كفورا } وإذا استعمل في الزمان الماضي فقد يجوز أن يكون المستعمل فيه بقي على حالته كما تقدم ذكره آنفا ، ويجوز أن يكون قد تغير نحو كان فلان كذا ثم صار كذا ، ولا فرق بين أن يكون الزمان المستعمل فيه كان قد تقدم تقدما كثيرا نحو أن تقول : كان في أول ما أوجد الله تعالى ، وبين أن يكون في زمان قد تقدم بآن واحد عن الوقت الذي استعملت فيه كان نحو أن تقول كان آدم كذا ، وبين أن يقال كان زيد ههنا ، ويكون بينك وبين ذلك الزمان أدنى وقت ولهذا
____________________
(1/444)
صح أن يقال { كيف نكلم من كان في المهد صبيا } فأشار بكان أن عيسى وحالته التي شاهده عليها قبيل . وليس قول من قال هذا إشارة إلى الحال بشيء لأن ذلك إشارة إلى ما تقدم لكن إلى زمان يقرب من زمان قولهم هذا . وقوله : { كنتم خير أمة } فقد قيل معنى كنتم معنى الحال وليس ذلك بشيء بل إنما ذلك إشارة إلى أنكم كنتم كذلك في تقدير الله تعالى وحكمه ، وقوله : { وإن كان ذو عسرة } فقد قيل معناه حصل ووقع ، والكون يستعمله بعض الناس في استحالة جوهر إلى ما هو دونه وكثير من المتكلمين يستعملونه في معنى الإبداع . وكينونة عند بعض النحويين فعلولة وأصله كونونة وكرهوا الضمة والواو فقلبوا ، محمد سيبويه كيونونة على وزن فيعلولة ، ثم أدغم فصار كينونة ثم حذف فصار كينونة كقولهم في ميت ميت وأصل ميت ميوت ولم يقولوا كينونة على الأصل كما قالوا ميت لثقل لفظها . والمكان قيل أصله من كان يكون فلما كثر في كلامهم توهمت الميم أصلية فقيل تمكن كما قيل في المسكين تمسكن ، واستكان فلان تضرع وكأنه سكن وترك الدعة لضراعته ، قال : { فما استكانوا لربهم } .
كوى : كويت الدابة بالنار كيا ، قال : { فتكوى بها جباههم وجنوبهم } وكي علة لفعل الشيء وكيلا لانتفائه ، نحو : { كي لا يكون دولة } .
كاف : الكاف للتشبيه والتمثيل ، قال تعالى : { فمثله كمثل صفوان عليه تراب } معناه وصفهم كوصفه وقوله : { كالذي ينفق ماله } الآية فإن ذلك ليس بتشبيه وإنما هو تمثيل كما يقول النحويون مثلا فالاسم كقولك زيد أي مثاله قولك زيد والتمثيل أكثر من التشبيه لأن كل تمثيل تشبيه ، وليس كل تشيبه تمثيلا .
____________________
(1/445)
= كتاب اللام =
لب : اللب العقل الخالص من الشوائب وسمي بذلك لكونه خالص ما في الإنسان من معانيه كاللباب واللب من الشيء ، وقيل هو ما زكى من العقل فكل لب عقل وليس كل عقل لبا . ولهذا علق الله تعالى الأحكام التي لا يدركها إلا العقول الزكية بأولي الألباب نحو قوله : { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا } إلى قوله : { أولوا الألباب } ونحو ذلك من الآيات ، ولب فلان يلب صار ذالب . وقالت امرأة في ابنها اضربه كي يلب ويقود الجيش ذا اللجب . ورجل ألبب من قوم ألباء ، وملبوب معروف باللب ، وألب بالمكان أقام واصله في البعير وهو أن يلقي لبته فيه أي صدره ، وتلبب إذا تحزم وأصله أن يشد لبته ، ولببته ضربت لبته وسمي اللبة لكونه موضع اللب ، وفلان في لبب رخي أي في سعة . وقولهم لبيك قيل أصله من لب بالمكان وألب أقام به وثني لأنه أراد إجابة بعد إجابة ، وقيل أصله لبب فأبدل من أحد الباآت ياء نحو تظنيت واصله تظننت ، وقيل هو من قولهم امرأة لبة أي محبة لولدها ، وقيل معناه إخلاص لك بعد إخلاص من قولهم لب الطعام أي خالصه ومنه حسب لباب .
لبت : لبث بالمكان أقام به ملازما له ، قال : { فلبث فيهم ألف سنة } - { فلبثت سنين } قال : { كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم } - { قالوا ربكم أعلم بما لبثتم } - { لم يلبثوا إلا عشية } - { لم يلبثوا إلا ساعة } - { ما لبثوا في العذاب المهين } .
لبد : قال تعالى : { يكونون عليه لبدا } أي مجتمعة ، الواحدة لبدة كاللبد المتلبد أي المجتمع ، وقيل معناه كانوا يسقطون عليه سقوط اللبد ، وقرئ لبدا أي متلبدا ملتصقا بعضها ببعض للتزاحم عليه ، وجمع اللبد ألباد ولبود . وقد ألبدت السرج جعلت له لبدا وألبدت الفرس ألقيت عليه اللبد نحو أسرجته وألجمته وألببته ، واللبدة القطعة منها . وقيل هو أمنع من لبدة الأسد أي من صدره ، ولبد الشعر وألبد بالمكان لزمه لزوم لبده ، ولبدت الإبل لبدا أكثرت من الكلإ حتى أتعبها .
____________________
(1/446)
وقوله : { مالا لبدا } أي كثيرا متلبدا ، وقيل ماله سبد ولا لبد ، ولبد طائر من شأنه أن يلصق بالأرض وآخر نسور لقمان كان يقال له لبد ، وألبد البعير صار ذا لبد من الثلط وقد يكنى بذلك عن حسنه لدلالة ذلك منه على خصبه وسمنه ، وألبدت القربة جعلتها في لبيد أي في جوالق صغير .
لبس : لبس الثوب استتر به وألبسه غيره ومنه { ويلبسون ثيابا خضرا } واللباس واللبوس واللبس ما يلبس ، قال تعالى : { قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم } وجعل اللباس لكل ما يغطى من الإنسان عن قبيح فجعل الزوج لزوجه لباسا من حيث إنه يمنعها ويصدها عن تعاطي قبيح ، قال تعالى : { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } فسماهن لباسا كما سماها الشاعر إزارا في قوله :
( فدى لك من أخي ثقة إزاري ** ) وجعل التقوى لباسا على طريق التمثيل والتشبيه ، قال تعالى : { ولباس التقوى } وقوله : { صنعة لبوس لكم } يعني به الدرع وقوله { فأذاقها الله لباس الجوع والخوف } ، وجعل الجوع والخوف لباسا على التجسيم والتشبيه تصويرا له ، وذلك بحسب ما يقولون تدرع فلان الفقر ولبس الجوع ونحو ذلك ، قال الشاعر :
( وكسوتهم من خير برد منجم ** ) نوع من برود اليمن يعني به شعرا . وقرأ بعضهم ( ولباس التقوى ) من اللبس أي الستر وأصل اللبس ستر الشيء ويقال ذلك في المعاني ، يقال لبست عليه أمره ، قال : { وللبسنا عليهم ما يلبسون } وقال { ولا تلبسوا الحق بالباطل } - { لم تلبسون الحق بالباطل } - { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } ويقال في الأمر لبسة أي التباس ولا بست الأمر إذا زاولته ولابست فلانا خالطته وفي فلان ملبس أي مستمتع ، قال الشاعر :
( وبعد المشيب طول عمر وملبسا ** )
لبن : اللبن جمع ألبان ، قال تعالى : { وأنهار من لبن لم يتغير طعمه } وقال { من بين فرث ودم لبنا خالصا } ، ولابن كثر عنده لبن ولبنته سقيته إياه وفرس ملبون ، وألبن فلان كثر لبنه فهو ملبن . وألبنت الناقة فهي ملبن إذا كثر لبنها إما خلقة وإما أن يترك في ضرعها حتى يكثر ، والملبن ما يجعل فيه اللبن وأخوه بلبان أمه ، قيل ولا يقال بلبن أمه أي لم يسمع ذلك من العرب ، وكم لبن غنمك أي ذوات الدر منها . واللبان الصدر ، واللبانة أصلها الحاجة إلى اللبن ثم استعمل في كل حاجة ، وأما اللبن الذي يبنى به فليس من ذلك في شيء ، الواحدة لبنة ، يقال لبنه يلبنه ، واللبان ضاربه .
لج : اللجاج التمادي والعناد في تعاطي الفعل المزجور عنه وقد لج في الأمر يلج لجاجا ،
____________________
(1/447)
قال تعالى : { ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون } - { بل لجوا في عتو ونفور } ومنه لجة الصوت بفتح اللام أي تردده ولجة البحر بالضم تردد أمواجه ، ولجة الليل تردد ظلامه ، ويقال في كل واحد لج ولج ، قال { في بحر لجي } منسوب إلى لجة البحر ، وما روي وضع اللج على قفى ، أصله قفاي فقلب الألف ياء وهو لغة فعبارة عهن السيف المتموج ماؤه ، واللجلجة التردد في الكلام وفي ابتلاع الطعام ، قال الشاعر :
( يلجلج مضغة فيها أنيض ** ) أي غير منضج ورجل لجلج ولجلاج في كلامه تردد ، وقيل الحق أبلج والباطل لجلج أي لا يستقيم في قول قائله وفي فعل فاعله بل يتردد فيه .
لحد : اللحد حفرة مائلة عن الوسط وقد لحد القبر حفره كذلك وألحده وقد لحدت الميت وألحدته جعلته في اللحد ، ويسمى اللحد ملحدا وذلك اسم موضع من ألحدته ، ولحد بلسانه إلى كذا مال ، قال تعالى : { لسان الذي يلحدون إليه } من لحد وقرئ { يلحدون } من ألحد ، وألحد فلان مال عن الحق ، والإلحاد ضرلان : إلحاد إلى الشرك بالله ، وإلحاد إلى الشرك بالأسباب ، فالأول ينافى الإيمان ويبطله ، والثاني يوهن عراه ولا يبطله . ومن هذا النحو قوله { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم } وقوله { الذين يلحدون في أسمائه } ، والإلحاد في أسمائه على وجهين : أحدهما أن يوصف بما لا يصح وصفه به . والثاني : أن يتأول أوصافه على ما لا يليق به ، والتحد إلى كذا مال إليه ، قال تعالى : { ولن تجد من دونه ملتحدا } أي التجاء أو موضع التجاء . وألحد السهم الهدف : مال في أحد جانبيه .
لحف : قال { لا يسألون الناس إلحافا } ، أي إلحاحا ومنه استعير ألحف شاربه إذا بالغ في تناوله وجزه وأصله من اللحاف وهو ما يتغطى به ، يقال ألحفته فالتحف .
لحق : لحقته ولحقت به أدركته ، قال : { بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم } - { وآخرين منهم لما يلحقوا بهم } ويقال ألحقت كذا ، قال بعضهم : يقال ألحقه بمعنى لحقه وعلى هذا قوله إن عذابك بالكفار ملحق وقيل هو من ألحقت به كذا فنسب الفعل إلى العذاب تعظيما له ، وكني عن الدعي بالملحق .
لحم : الحم جمعه لحام ولحوم ولحمان ، قال { ولحم الخنزير } ولحم الرجل كثر عليه اللحم فضخم فهو لحيم ولا حم ، وشاحم صار ذا لحم وشحم نحو لابن وتامر ، ولحم : ضري باللحم ومنه باز لحم وذئب لحم أي كثير أكل اللحم وبيت لحم أي فيه لحم ، وفي الحديث إن الله يبغض قوما لحمين وألحمه أطعمه اللحم وبه شبه المرزوق من الصيد فقيل ملحم وقد يوصف
____________________
(1/448)
المرزوق من غيره به ، وبه شبه ثوب ملحم إذا تداخل سداه ويسمى ذلك الغزل لحمة تشبيها بلحمة البازي ، ومنه قيل الولاء لحمة كلحمة النسب وشجة متلاحمة اكتست اللحم ، ولحمت اللحم عن العظم قشرته ، ولحمت الشيء وألحمته ولاحمت بين الشيئين لأمتهما تشبيها بالجسم إذا صار بين عظامه لحم يلحم به ، واللحام ما يلحم به الإناء وألحمت فلانا قتلته وجعلته لحما للسباع ، وألحمت الطائر أطعمته اللحم ، وألحمتك فلانا أمكنتك من شتمه وثلبه وذلك كتسمية الاغتياب والوقيعة بأكل اللحم ، نحو قوله : { أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا } ، وفلان لحيم فعيل كأنه جعل لحما للسباع ، والملحمة المعركة ، والجمع الملاحم .
لحن : اللحن صرف الكلام عن سننه الجاري عليه إما بإزالة الإعراب أو التصحيف وهو المذموم وذلك أكثر استعمالا ، وإما بإزالته عن التصريح وصرفه بمعناه إلى تعريض وفحوى وهو محمود عند أكثر الأدباء من حيث البلاغة وإياه قصد الشاعر بقوله :
( وخير الحديث ما كان لحنا ** ) وإياه قصد بقوله تعالى : { ولتعرفنهم في لحن القول } ومنه قيل للفطن بما يقتضي فحوى الكلام : لحن ، وفي الحديث : لعل بعضكم ألحن بحجته من بعض أي ألسن وأفصح وأبين كلاما وأقدر على الحجة .
لدد : الألد الخصيم الشديد التأبي وجمعه لد ، قال تعالى : { وهو ألد الخصام } وقال { وتنذر به قوما لدا } وأصل الألد الشديد اللدد أي صفحة العنق وذلك إذا لم يمكن صرفه عما يريده ، وفلان يتلدد أي يتلفت ، واللدود ما سقي الإنسان من دواء في أحد شقي وجهه وقد التذذت ذلك .
لدن : لدن أخص من عند لأنه يدل على ابتداء نهاية نحو أقمت عنده من لدن طلوع الشمس إلى غروبها فيوضع لدن موضع نهاية الفعل . وقد يوضع موضع عند فيما حكي ، يقال أصبت عنده مالا ولدنه مالا ، قال بعضهم لدن أبلغ من عند وأخص ، قال تعالى : { فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا } - { ربنا آتنا من لدنك رحمة } - { فهب لي من لدنك وليا } - { واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا } - { وعلمناه من لدنا علما } - { لينذر بأسا شديدا من لدنه } ويقال من لدن ، ولد ، ولد ، ولدى . واللدن اللين .
لدى : لدى يقارب لدن ، قال { وألفيا سيدها لدى الباب } .
لزب : اللازب الثابت الشديد الثبوت ، قال تعالى { من طين لازب } ويعبر باللازب عن
____________________
(1/449)
الواجب فيقال ضربة لازب ، واللزبة السنة الجدبة الشديدة وجمعها اللزبات .
لزم : الزوم الشيء طول مكثه ومنه يقال لزمه يلزمه لزوما ، والإلزام ضربان : إلزام بالتسخير من الله تعالى أو من الإنسان ، وإلزام بالحكم والأمر نحو قوله { أنلزمكموها } وأنتم لها كارهون ) وقوله { وألزمهم كلمة التقوى } وقوله { فسوف يكون لزاما } أي لازما وقوله { ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى } .
لسن : اللسان الجارحة وقوتا وقوله { واحلل عقدة من لساني } يعني به من قوة لسانه فإن العقدة لم تكن في الجارحة وإنما كانت في قوته التي هي النطق به ، ويقال لكل قوم لسان ولسن بكسر اللام أي لغة ، قال { فإنما يسرناه بلسانك } وقال { بلسان عربي مبين } - { واختلاف ألسنتكم وألوانكم } فاختلاف الألسنة إشارة إلى اختلاف اللغات وإلى اختلاف النغمات ، فإن لكل إنسان نغمة مخصوصة يميزها السمع كما أن له صورة مخصوصة يميزها البصر .
لطف : اللطيف إذا وصف به الجسم فضد الجثل وهو الثقيل ، يقال شعر جثل أي كثير ، ويعبر باللطافة واللطف عن الحركة الخفيفة وعن تعاطي الأمور الدقيقة ، وقد يعبر باللطائف عما لا الحاسة تدركه ، ويصح أن يكون وصف الله تعالى به على هذا الوجه وأن يكون لمعرفته بدقائق الأمور ، وأن يكون لرفقه بالعباد في هدايتهم . قال تعالى : { الله لطيف بعباده } - { إن ربي لطيف لما يشاء } أي يحسن الاستخراج تنبيها على ما أوصل إليه يوسف حيث ألقاه إخوته في الجب ، وقد يعبر عن التحف المتوصل بها إلى المودة باللطف ، ولهذا قال تهادوا تحابوا وقد ألطف فلان أخاه بكذا .
لظى : اللظى اللهب الخالص ، وقد لظيت النار وتلظت قال تعالى : { نارا تلظى } أي تتلظى ، ولظى غير مصروفة اسم لجهنم قال تعالى { إنها لظى } .
لعب : أصل الكلمة اللعاب وهو البزاق السائل ، وقد لعب يلعب لعبا سال لعابه ، ولعب فلان إذا كان فعله غير قاصد به مقصدا صحيحا يلعب لعبا قال { وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب } - { وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا } وقال { أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون } - { قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين } - { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين } واللعبة للمرة الواحدة واللعبة الحالة التي عليها اللاعب ، ورجل تلعابة ذو تلعب ، واللعبة ما يلعب به ، والملعب موضع اللعب ، وقيل لعاب النحل للعسل ، ولعاب الشمس ما يرى في الجو
____________________
(1/450)
كنسج العنكبوت ، وملاعب ظله طائر كأنه يلعب بالظل .
لعن : اللعن الطرد والإبعاد على سبيل السخط وذلك من الله تعالى في الآخرة عقوبة وفي الدنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه ، ومن الإنسان دعاء على غيره ، قال { ألا لعنة الله على الظالمين } - { والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين } - { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل } - { ويلعنهم اللاعنون } واللعنة الذي يلتعن كثيرا . واللعنة الذي يلعن كثيرا ، والتعن فلان لعن نفسه ، والتلاعن والملاعنة أن يلعن كل واحد منهما نفسه أو صاحبه .
لعل : لعل طمع وإشفاق ، وذكر بعض المفسرين أن لعل من الله واجب وفسر في كثير من المواضع بكي ، وقالوا إن الطمع والإشفاق لا يصح على الله تعالى ولعل وإن كان طمعا فإن ذلك يقتضي في كلامهم تارة طمع المخاطب ، وتارة طمع غيرهما فقوله تعالى فيما ذكر عن قوم فرعون : { لعلنا نتبع السحرة } فذلك طمع منهم ، وقوله في فرعون : { لعله يتذكر أو يخشى } فإطماع لموسى عليه السلام مع هرون ، ومعناه فقولا له قولا لينا راجيين أن يتذكر أو يخشى . وقوله تعالى : { فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك } أي يظن بك الناس ذلك وعلى ذلك قوله : { فلعلك باخع نفسك } وقال : { واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون } أي اذكروا الله راجين الفلاح كما قال في صفة المؤمنين : { ويرجون رحمته ويخافون عذابه } .
لغب : اللغوب التعب والنصب ، يقال أتانا ساغبا لاغبا أي جائعا تعبا ، قال : { وما مسنا من لغوب } وسهم لغب إذا كان قذذه ضعيفة ، ورجل لغب ضعيف بين اللغابة . وقال أعرابي : فلان لغوب أحمق جاءته كتابي فاحتقرها ، أي ضعيف الرأي فقيل له في ذلك : لم أنثت الكتاب وهو مذكر فقال أو ليس صحيفة .
لغا : اللغو من الكلام ما لا يعتد به وهو الذي يورد لا عن روية وفكر فيجري مجرى اللغا وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور ، قال أبو عبيدة : لغو ولغا نحو عيب وعاب وأنشدهم :
( عن اللغا ورفث التكلم ** ) يقال لغيت تلغى نحو لقيت تلقى ، وقد يسمى كل كلام قبيح لغوا ، قال : { لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا } وقال : { وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه } - { لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما } وقال : { والذين هم عن اللغو معرضون } وقوله { وإذا مروا باللغو مروا كراما } أي كنوا عن القبيح لم يصرحوا ، وقيل معناه إذا صادفوا أهل اللغو لم يخوضوا معهم ويستعمل اللغو
____________________
(1/451)
فيما لا يعتد به ومنه اللغو في الأيمان أي ما لا عقد عليه وذلك ما يجري وصلا للكلام بضرب من العادة ، قال : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } ومن هذا أخذ الشاعر فقال :
( ولست بمأخوذ بلغو تقوله ** إذا لم تعمد عاقدات العزائم ) وقوله : { لا تسمع فيها لاغية } أي لغوا فجعل اسم الفاعل وصفا للكلام نحو كاذبة ، وقيل لما لا يعتد به في الدية من الإبل لغو ، وقال الشاعر :
( كما ألغيت في الدية الحوارا ** ) ولغي بكذا أي لهج به لهج العصفور بلغاه أي بصوته ، ومنه قيل للكلام الذي يلهج به فرقة فرفة لغة .
لفف : قال تعالى : { جئنا بكم لفيفا } أي منضما بعضكم إلى بعض ، يقال لففت الشيء لفا وجاءوا ومن لف لفهم أي من انضم إليهم ، وقوله : { وجنات ألفافا } أي التف بعضها ببعض لكثرة الشجر ، قال { والتفت الساق بالساق } والألف الذي يتدانى فخذاه من سمنه ، والألف أيضا السمين الثقيل البطء من الناس ، ولف رأسه في ثيابه والطائر رأسه تحت جناحه ، واللفيف من الناس المجتمعون من قبائل شتى وسمى الخليل كل كلمة اعتل منها حرفان أصليان لفيفا
لفت : يقال لفته عن كذا صرفه عنه ، قال تعالى : { قالوا أجئتنا لتلفتنا } أي تصرفنا ومنه التفت فلان إذا عدل عن قبله بوجهه ، وامرأة لفوت تلفت من زوجها إلى ولدها من غيره ، واللفيتة ما يغلظ من العصيدة .
لفح : يقال لفحته الشمس والسموم ، قال { تلفح وجوههم النار } وعنه استعير لفحته بالسيف .
لفظ : اللفظ بالكلام مستعار من لفظ الشيء من الفم ، ولفظ الرحى الدقيق ، ومنه سمي الديك اللافظة لطرحه بعض ما يلتقطه للدجاج ، قال تعالى : { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } .
لفى : ألفيت وجدت ، قال الله : { قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا } - { وألفيا سيدها } .
لقب : اللقب اسم يسمى به الإنسان سوى اسمه الأول ويراعى فيه المعنى بخلاف الإعلام ، ولمراعاة المعنى فيه قال الشاعر :
( وقلما أبصرت عيناك ذا لقب ** إلا ومعناه إن فتشت في لقبه ) واللقب ضربان : ضرب على سبيل التشريف كألقاب السلاطين ، وضرب على سبيل النبز وإياه قصد بقوله : { ولا تنابزوا بالألقاب } .
لقح : يقال لقحت الناقة تلقح لقحا ولقاحا
____________________
(1/452)
وكذلك الشجرة ، وألقح الفحل الناقة والريح السحاب ، قال : { وأرسلنا الرياح لواقح } أي ذوات لقاح وألقح فلان النخل ولقحها واستلقحت النخلة وحرب لا قح تشبيها بالناقة اللاقح ، وقيل اللقحة الناقة التي لها لبن وجمعها لقاح ولقح والملاقيح النوق التي في بطنها أولادها ، ويقال ذلك أيضا للأولاد ونهي عن والمضامين الملاقيح والمضامين . فالملاقيح هي ما في بطون الأمهات ، والمضامين ما في أصلاب الفحول . واللقاح ماء الفحل ، واللقاح الحي الذي لا يدين لأحد من الملوك كأنه يريد أن يكون حاملا لا محمولا .
لقف : لقفت الشيء ألقفه وتلقفته تناولته بالحذق سواء في ذلك تناوله بالفم أو اليد ، قال : { فإذا هي تلقف ما يأفكون } .
لقم : لقمان اسم الحكيم المعروف واشتقاقه يجوز أن يكون من لقمت الطعام ألقمه وتلقمته ورجل تلقام كثير اللقم ، واللقيم أصله الملتقم ويقال لطرف الطريق اللقم .
لقى : اللقاء مقابلة الشيء ومصادفته معا ، وقد يعبر به عن كل واحد منهما ، يقال لقيه يلقاه لقاء ولقيا ولقية ، ويقال ذلك في الإدراك بالحس وبالبصر وبالبصيرة ، قال { ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه } وقال { لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا } وملاقاة الله عز وجل عبارة عن القيامة وعن المصير إليه ، قال { واعلموا أنكم ملاقوه } و { قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله } واللقاء الملاقاة ، قال { وقال الذين لا يرجون لقاءنا } - { إلى ربك كدحا فملاقيه } - { فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا } أي نسيتم القيامة والبعث والنشور ، وقوله { يوم التلاق } أي يوم القيامة وتخصيصه بذلك لالتقاء من تقدم ومن تأخر والتقاء أهل السماء والأرض وملاقاة كل أحد بعمله الذي قدمه ، ويقال لقي فلان خيرا وشرا ، قال الشاعر :
( فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره ** ) وقال آخر :
( تلقى السماحة منه والندى خلقا ** ) ويقال لقيته بكذا إذا استقبلته به ، قال تعالى : { ويلقون فيها تحية وسلاما } - { ولقاهم نضرة وسرورا } وتلقاه كذا أي لقيه ، قال { وتتلقاهم الملائكة } - { وإنك لتلقى القرآن } والإلقاء طرح الشيء حيث تلقاه أي تراه ثم صار في التعارف اسما لكل طرح ، قال { فكذلك ألقى السامري } - { قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين } وقال تعالى : { قال ألقوا } - { قال ألقها يا موسى فألقاها } وقال { فليلقه اليم بالساحل } - { إذا ألقوا فيها } - { كلما ألقي فيها فوج } - { وألقت ما فيها وتخلت } وهو نحو قوله { وإذا القبور بعثرت } ويقال ألقيت إليك قولا وسلاما وكلاما ومودة قال { تلقون إليهم بالمودة } - { فألقوا إليهم القول } - { وألقوا إلى الله يومئذ السلم }
____________________
(1/453)
) وقوله { إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا } فإشارة إلى ما حمل من النبوة والوحي وقوله { أو ألقى السمع وهو شهيد } فعبارة عن الإصغاء إليه وقوله { فألقي السحرة سجدا } فإنما قال ألقي تنبيها على أنه دهمهم وجعلهم في حكم غير المختارين .
لم : تقول لممت الشيء جمعته وأصلحته ومنه لممت شعثه . قال { وتأكلون التراث أكلا لما } واللمم مقاربة المعصية ويعبر به عن الصغيرة ويقال فلان يفعل كذا لمما أي حينا بعد حين وكذلك قوله { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم } وهو من قولك ألممت بكذا أي نزلت به وقاربته من غير مواقعة ، ويقال زيارته إلمام أي قليلة ، ولم نفي للماضي وإن كان يدخل على الفعل المستقبل ويدخل عليه ألف الاستفهام للتقرير نحو { ألم نربك فينا وليدا } - { ألم يجدك يتيما فآوى } .
لما : يستعمل على وجهين ، أحدهما : لنفي الماضي وتقريب الفعل نحو { ولما يعلم الله الذين جاهدوا } . والثاني : علما للظرف نحو { فلما أن جاء البشير } أي في وقت مجيئه وأمثلتها تكثر .
لمحا : اللمح لمعان البرق ورأيته لمحة ابرق ، قال تعالى : { كلمح بالبصر } ويقال لأرينك لمح باصرا أي أمرا واضحا .
لمز : اللمز الاغتياب وتتبع المعاب ، يقال لمزه يلمزه ويلمزه ، قال تعالى : { ومنهم من يلمزك في الصدقات } - { الذين يلمزون المطوعين } - { ولا تلمزوا أنفسكم } أي لا تلمزوا الناس فيلمزوكم فتكونوا في حكم من لمز نفسه ، ورجل لماز ولمزة كثير اللمز ، قال تعالى : { ويل لكل همزة لمزة } .
لمس : اللمس إدراك بظاهر البشرة ، كالمس ، ويعبر به عن الطلب كقول الشاعر :
( وألمسه فلا أجده ** ) وقال تعالى : { وأنا لمسنا السماء } الآية ويكنى به وبالملامسة عن الجماع ، وقرئ { لامستم } - / < ولمستم النساء > / حملا على المس وعلى الجماع ، ونهى عليه الصلاة والسلام عن بيع الملامسة وهو أن يقول إذا لمست ثوبي أو لمست ثوبك ، فقد وجب البيع بيننا واللماسة الحاجة المقاربة .
لهب : اللهب اضطرام النار ، قال { ولا يغني من اللهب } - { سيصلى نارا ذات } - { لهب } واللهيب ما يبدوا من اشتعال النار ، ويقال للدخان وللغبار لهب ، وقوله { تبت يدا أبي لهب } فقد قال بعض المفسرين إنه لم يقصد بذلك مقصد كنيته التي اشتهر بها ، وإنا قصد إلى إثبات النار له وأنه من أهلها وسماه بذلك كما يسمى المشير للحرب والمباشر لها أبو الحرب وأخو الحرب . وفرس ملهب شديد العدو تشبيها
____________________
(1/454)
بالنار الملتهبة والألهوب من ذلك وهو العدو الشديد ، ويستعمل اللهاب في الحر الذي ينال العطشان .
لهث : لهث يلهث لهثا ، قال الله تعالى : { فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث } وهو أن يدلع لسانه من العطش . قال ابن دريد : اللهث يقال للإعياء وللعطش جميعا .
لهم : الإلهام إلقاء الشيء في الروع ويختص ذلك بما كان من جهة الله تعالى وجهة الملإ الأعلى . قال تعالى : { فألهمها فجورها وتقواها } وذلك نحو ما عبر عنه بلمة الملك وبالنفث في الروع كقوله عليه الصلاة والسلام : إن للملك لمة وللشيطان لمة وكقوله عليه الصلاة والسلام : إن روح القدس نفث في روعي وأصله من التهام الشيء وهو ابتلاعه ، والتهم الفصيل ما في الضرع وفرس لهم كأنه يلتهم الأرض لشدة عدوه .
لهى : اللهو ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه ، يقال لهوت بكذا ولهيت عن كذا اشتغلت عنه بلهو ، قال : { إنما الحياة الدنيا لعب ولهو } - { وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب } ويعبر عن كل ما به استمتاع باللهو ، قال تعالى : { لو أردنا أن نتخذ لهوا } ومن قال أراد باللهو المرأة والولد فتخصيص لبعض ما هو من زينة الحياة الدنيا التي جعل لهوا ولعبا . ويقال ألهاه كذا أي شغله عما هو أهم إليه ، قال { ألهاكم التكاثر } - { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } وليس ذلك نهيا عن التجارة وكراهية لها بل هو نهي عن التهافت فيها والاشتغال عن الصلوات والعبادات بها ، ألا ترى إلى قوله : { ليشهدوا منافع لهم } - { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } وقوله : { لاهية قلوبهم } أي ساهية مشتغلة بما لا يعنيها ، واللهوة ما يشغل به الرحى مما يطرح فيه وجمعها لهاء وسميت العطية لهوة تشبيها بها ، واللهاة اللحمة المشرفة على الحلق وقيل بل هو أقصى الفم .
لات : اللات والعزى صنمان ، وأصل اللات الله فحذفوا منه الهاء وأدخلوا التاء فيه وأنثوه تنبيها على قصوره عن الله تعالى وجعلوه مختصا بما يتقرب به إلى الله تعالى في زعمهم ، وقوله : { ولات حين مناص } قال الفراء : تقديره لا حين والتاء زائدة فيه كما زيدت في ثمت وربت . وقال بعض البصريين : معناه ليس : وقال أبو بكر العلاف : أصله ليس فقلبت الياء ألفا وأبدل من السين تاء كما قالوا نات في ناس . وقال بعضهم : أصله لا ، وزيد فيه تاء التأنيث تنبيها على الساعة أو المدة كأنه قيل ليست الساعة أو المدة حين مناص .
____________________
(1/455)
ليت : يقال لاته عن كذا يليته صرفه عنه ونقصه حقا له ليتا ، قال : { لا يلتكم } أي لا ينقصكم من أعمالكم ، لات وألات بمعنى نقص وأصله رد الليت أي صفحة العنق . وليت طمع وتمن ، قال : { ليتني لم أتخذ فلانا خليلا } - { ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا } - { يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا } ، وقول الشاعر :
( وليلة ذات دجى سريت ** ولم يلتني عن هواها ليت ) معناه لم يصرفني عنه قولي ليته كان كذا . وأعرب ليت ههنا فجعله اسما ، كقول الآخر :
( إن ليتا وإن لوا عناء 5 ) وقيل معناه لم يلتني عن هواها لائت أي صارف فوضع المصدر موضع اسم الفاعل .
لوح : اللوح واحد ألواح السفينة ، قال { وحملناه على ذات ألواح ودسر } وما يكتب فيه من الخشب وغيره ، قوله { في لوح محفوظ } فكيفيته تخفى علينا إلا بقدر ما روي لنا في الأخبار وهو المعبر عنه بالكتاب في قوله : { إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير } واللوح العطش ودابة ملواح سريع العطش واللوح أيضا بضم اللام الهواء بين السماء والأرض والأكثرون على فتح اللام إذا أريد به العطش ، وبضمه إذا كان بمعنى الهواء ولا يجوز فيه غير الضم . ولوحه الحر غيره ، ولاح الحر لوحا حصل في اللوح ، وقيل هو مثل لمح . ولاح البرق ، وألاح إذا أومض وألاح بسيفه أشار به .
لوذ : قال تعالى : { قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا } هو من قولهم لاوذ بكذا يلاوذ لواذا وملاوذة إذا استتر به أي يستترون فيلتجئون بغيرهم فيمضون واحدا بعد واحد ولو كان من لاذ يلوذ لقيل لياذا إلا أن اللواذ هو فعال من لاوذوا اللياذ من فعل ، واللوذ ما يطيف بالجبل منه .
لوط : لوط اسم علم واشتقاقه من لاط الشيء بقلبي يلوط لوطا وليطا ، وفي الحديث الولد ألوط أي ألصق بالكبد وهذا أمر لا يلتاط بصفري أي لا يلصق بقلبي ، ولطت الحوض بالطين لوطا ملطته به ، وقولهم لوط فلان إذا تعاطى فعل قوم لوط ، فمن طريق الاشتفاق فإنه اشتق من لفظ لوط الناهي عن ذلك لا من لفظ المتعاطين له .
لوم : اللوم عذل الإنسان بنسبته إلى ما فيه لوم ، يقال لمته فهو ملوم ، قال : { فلا تلوموني ولوموا أنفسكم } - { فذلكن الذي لمتنني فيه } - { ولا يخافون لومة لائم } - { فإنهم غير ملومين } فإنه ذكر اللوم تنبيها على أنه إذا لم يلاموا لم يفعل بهم ما فوق اللوم . وألام استحق
____________________
(1/456)
اللوم ، قال : { فنبذناهم في اليم وهو مليم } والتلاوم أن يلوم بعضهم بعضا ، قال : { فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون } وقوله : { ولا أقسم بالنفس اللوامة } قيل هي النفس التي اكتسبت بعض الفضيلة فتلوم صاحبها إذا ارتكب مكروها فهي دون النفس المطمئنة ، وقيل بل هي النفس التي قد اطمأنت في ذاتها وترشحت لتأديب غيرها فهي فوق النفس المطمئنة ، ويقال رجل لومة يلوم الناس ، ولومة يلومه الناس ، نحو سخرة وسخرة وهزأة وهزأة ، واللومة الملامة واللائمة الأمر الذي يلام عليه الإنسان .
ليل : يقال ليل وليلة وجمعها ليال وليائل وليلات ، وقيل ليل أليل ، وليلة ليلاء ، وقيل أصل ليلة ليلاة بدليل تصغيرها على لييلة ، وجمعها على ليال ، قال : { وسخر لكم الليل والنهار } - { والليل إذا يغشى } - { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة } - { إنا أنزلناه في ليلة القدر } - { وليال عشر } - { ثلاث ليال سويا } .
لون : اللون معروف وينطوي على الأبيض والأسود وما يركب منهما ، ويقال تلون إذا اكتسى لونا غير اللون الذي كان له ، قال { ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها } وقوله { واختلاف ألسنتكم وألوانكم } فإشارة إلى أنواع الألوان واختلاف الصور التي يختص كل واحد بهيئة غير هيئة صاحبه وسحناء غير سحنائه مع كثرة عددهم ، وذلك تنبيه على أنه قدرته . ويعبر بالألوان عن الأجناس والأنواع ، ويقال فلان أتى بالألوان من الأحاديث ، وتناول كذا ألوانا من الطعام .
لين : اللين ضد الخشونة ويستعمل ذلك في الأجسام ثم يستعار للخلق وغيره من المعاني ، فيقال فلان لين ، وفلان خشن ، وكل واحد منهما يمدح به طورا ، ويذم به طورا بحسب اختلاف المواقع ، قال تعالى { فبما رحمة من الله لنت لهم } وقوله { ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } فإشارة إلى إذعانهم للحق وقبولهم له بعد تأبيهم منه وإنكارهم إياه ، وقوله : { ما قطعتم من لينة } أي من نخلة ناعمة ، ومخرجه مخرج فعلة نحو حنطة ، ولا يختص بنوع منه دون نوع .
لؤلؤ : { يخرج منهما اللؤلؤ } وقال : { كأنهم لؤلؤ } جمعه لآلئ ، وتلألأ الشيء لمع لمعان اللؤلؤ ، وقيل لا أفعل ذلك ما لألأت الظباء بأذنابها .
لوى : اللي فتل الحبل ، يقال لويته ألويه ليا ، ولوى يده ولوى رأسه وبرأسه أماله ، { لووا رؤوسهم } أمالوها ، ولوى لسانه بكذا كناية عن الكذب وتخرص الحديث ، قال تعالى { يلوون ألسنتهم بالكتاب } وقال { ليا بألسنتهم } ويقال فلان لا يلوي على أحد إذا أمعن في الهزيمة ، قال تعالى : { إذ تصعدون ولا تلوون على أحد }
____________________
(1/457)
) وذلك كما قال الشاعر :
( ترك الأحبة أن تقاتل دونه ** ونجا برأس طمرة وثاب ) واللو سميت لالتوائها بالريح ، واللوي ما يلوى فيدخر من الطعام ، ولوى مدينه أي ماطلة ، وألوى بلغ لوى الرمل ، وهو منعطفه .
لو : لو قيل هو لامتناع الشيء لامتناع غيبه ويتضمن معنى الشرط نحو { قل لو أنتم تملكون } .
لولا : لولا يجئ على وجهين أحدهما بمعنى امتناع الشيء لوقوع غيره ويلزم خبره الحذف ويستغنى بجوابه عن الخبر نحو : { لولا أنتم لكنا مؤمنين } والثاني : بمعنى هلا ويتعقبه الفعل نحو : { لولا أرسلت إلينا رسولا } أي هلا وأمثلتهما تكثر في القرآن .
لا : لا يستعمل للعدم المحض نحو زيد لا عالم وذلك يدل على كونه جاهلا وذلك يكون للنفي ويستعمل في الأزمنة الثلاثة ومع الاسم والفعل غير أنه إذا نفي به الماضي فإما أن لا يؤتى بعده بالفعل نحو أن يقال لك هل خرجت فتقول لا ، وتقديره لا خرجت . ويكون قلما يذكر بعده الفعل لماضي إلا إذا فصل بينهما بشيء نحو لا رجلا ضربت ولا امرأة ، أو يكون عطفا نحو لا خرجت ولا ركبت ، أو عند تكريره نحو { فلا صدق ولا صلى } أو عند الدعاء نحو قولهم لا كان ولا أفلح ، ونحو ذلك . فمما نفي به المستقبل قوله { لا يعزب عنه مثقال ذرة } وقد يجئ لا داخلا على كلام مثبت ، ويكون هو نافيا لكلام محذوف نحو : { وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء } وقد حمل على ذلك قوله : { لا أقسم بيوم القيامة } - { فلا أقسم برب المشارق } - { فلا أقسم بمواقع النجوم } - { فلا وربك لا يؤمنون } وعلى ذلك قول الشاعر :
( لا وأبيك ابنة العامري ** )
وقد حمل على ذلك قول عمر رضي الله عنه وقد أفطر يوما في رمضان ، فظن أن الشمس قد غربت ثم طلعت : لا ، نقضيه ما تجانفنا الإثم فيه ، وذلك أن قائلا قال له قد أثمنا فقال لا ، نقضيه . فقوله لا رد لكلامه قد أثمنا ثم استأنف فقال نقضيه . وقد يكون لا للنهي نحو { لا يسخر قوم من قوم } - { ولا تنابزوا بالألقاب } وعلى هذا النحو { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان } وعلى ذلك { لا يحطمنكم سليمان وجنوده } وقوله { وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله } فنفي قيل تقديره إنهم لا يعبدون ، وعلى هذا { وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم } وقوله { وما لكم لا تقاتلون } يصح أن يكون لا تقاتلون في موضع الحال : ما لكم غير مقاتلين . ويجعل لا مبنيا مع النكرة بعده فيقصد به النفي نحو { فلا رفث ولا فسوق }
____________________
(1/458)
) وقد يكرر الكلام في المتضادين ويراد إثبات الأمر فيهما جميعا نحو أن يقال ليس زيد بمقيم ولا ظاعن أي يكون تارة كذا وتارة كذا وقد يقال ذلك ويراد إثبات حالة بينهما نحو أن يقال ليس بأبيض ولا أسود وإنما يراد إثبات حالة أخرى له ، وقوله { لا شرقية ولا غربية } فقد قيل معناه إنها شرقية وغربية وقيل معناه مصونة عن الإفراط والتفريط . وقد يذكر لا ويراد به سلب المعنى دون إثبات شيء ويقال له الاسم غير المحصل نحو لا إنسان إذا قصدت سلب الإنسانية ، وعلى هذا قول العامة لا حد أي لا أحد .
لام : اللام التي هي للأداة على أوجه ، الأول الجارة وذلك أضرب : ضرب لتعدية الفعل ولا يجوز حذفه نحو { وتله للجبين } وضرب للتعدية لكن قد يحذف كقوله { يريد الله ليبين لكم } - { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا } فأثبت في موضع وحذف في موضع . الثاني للملك والاستحقاق وليس نعني بالملك ملك العين بل قد يكون ملكا لبعض المنافع أو لضرب من التصرف فملك العين نحو { ولله ملك السماوات والأرض } - { ولله جنود السماوات والأرض } وملك التصرف كقولك لمن يأخذ معك خشبا خذ طرفك لآخذ طرفي وقولهم لله كذا نحو لله درك ، فقد قيل إن القصد أن هذا الشيء لشرفه لا يستحق ملكه غير الله ، وقيل القصد به أن ينسب إليه إيجاده أي هو الذي أوجده إبداعا لأن الموجودات ضربان : وضرب أوجده بسبب طبيعي أو صنعة آدمي ، ضرب أوجده إبداعا كالفلك والسماء ونحو ذلك . وهذا الضرب أشرف وأعلى فيما قيل . ولام الاستحقاق نحو قوله { ولهم اللعنة ولهم سوء الدار } - { ويل للمطففين } وهذا كالأول لكن الأول لما قد حصل في الملك وثبت وهذا لما لم يحصل بعد ولكن هو في حكم الحاصل من حيثما قد استحق . وقال بعض النحويين : اللام في قوله { ولهم اللعنة } بمعنى على أي عليهم اللعنة ، وفي قوله { لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم } وليس ذلك بشيء ، وقيل قد تكون اللام بمعنى إلى في قوله { بأن ربك أوحى لها } وليس كذلك لأن الوحي للنحل جعل ذلك له بالتسخير والإلهام وليس ذلك كالوحي الموحى إلى الأنبياء فنبه باللام على جعل ذلك الشيء له بالتسخير . وقوله { ولا تكن للخائنين خصيما } معناه لا تخاصم الناس لأجل الخائنين ، ومعناه كمعنى قوله { ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } وليست اللام ههنا كاللام في قولك لا تكن لله خصيما ، لأن اللام ههنا داخل على المفعول ومعناه لا تكن خصيم الله . الثالث لام الابتداء نحو { لمسجد أسس على التقوى }
____________________
(1/459)
- { ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا } - { لأنتم أشد رهبة } ) الرابع : الداخل في باب إن إما في اسمه إذا تأخر نحو { إن في ذلك لعبرة } أو في خبره نحو { إن ربك لبالمرصاد } - { إن إبراهيم لحليم أواه منيب } أو فيما يتصل بالخبر إذا تقدم على الخبر نحو { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون } فإن تقديره ليعمهون في سكرتم . الخامس : الداخل في إن المخففة فرقا بينه وبين إن النافية نحو { وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا } . السادس : لام القسم وذلك يدخل على الاسم نحو قوله { يدعو لمن ضره أقرب من نفعه } ويدخل على الفعل الماضي نحو { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } وفي المستقبل يلزمه إحدى النونين نحو { لتؤمنن به ولتنصرنه } وقوله { وإن كلا لما ليوفينهم } فاللام في لما جواب إن وفي ليوفينهم للقسم : السابع : اللام في خبر لو نحو { ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة } - { لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم } - { ولو أنهم قالوا } إلى قوله { لكان خيرا لهم } وربما حذفت هذه اللام نحو لو جئتني أكرمتك أي لأكرمتك الثامن : لام المدعو ويكون مفتوحا نحو يا لزيد . ولام المدعو إليه يكون مكسورا نحو يا لزيد . التاسع : لام الأمر وتكون مكسورة إذا ابتدئ به نحو { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } - { ليقض علينا ربك } ويسكن إذا دخله واو أو فاء نحو { وليتمتعوا فسوف يعلمون } و { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } وقوله { فليفرحوا } وقرئ / < فلتفرحوا > / وإذا دخله ثم ، فقد يسكن ويحرك نحو { ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق } .
____________________
(1/460)
= كتاب الميم =
متع : المتوع الامتداد والارتفاع ، يقال متع النهار ومتع النبات إذا ارتفع في أول النبات ، والمتاع انتفاع ممتد الوقت ، يقال متعه الله بكذا ، وأمتعه وتمتع به ، قال : { ومتعناهم إلى حين } - { نمتعهم قليلا } - { فأمتعه قليلا } - { سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم } وكل موضع ذكر فيه تمتعوا في الدنيا فعلى طريق التهديد وذلك لما فيه من معنى التوسع ~ ، واستمتع طلب التمتع { ربنا استمتع بعضنا ببعض } - { فاستمتعوا بخلاقهم } - { فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم } وقوله { ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين } تنبيها أن لكل إنسان في الدنيا تمتعا مدة معلومة . وقوله : { قل متاع الدنيا قليل } تنبيها أن ذلك في جنب الآخرة غير معتد به وعلى ذلك : { فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل } أي في جنب الآخرة ، وقال : { وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع } ويقال لما ينتفع به في البيت متاع ، قال : { ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله } وكل ما ينتفع به على وجه ما فهو متاع ومتعة وعلى هذا قوله : { ولما فتحوا متاعهم } أي طعامهم فسماه متاعا ، وقيل وعاءهم وكلاهما متاع وهما متلازمان فإن الطعام كان في الوعاء . وقوله : { وللمطلقات متاع بالمعروف } فالمتاع والمتعة ما يعطى المطلقة لتنتفع به مدة عدتها ، يقال أمتعتها ومتعتها ، والقرآن ورد بالثاني نحو : { فمتعوهن وسرحوهن } وقال : { ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } ومتعة النكاح هي : أن الرجل كان يشارط المرأة بمال معلوم يعطيها إلى أجل معلوم فإذا انقضى الأجل فارقها من غير طلاق ، ومتعة الحج ضم العمرة إليه ، قال تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } وشراب ماتع قيل أحمر وإنما هو الذي يمتع بجودته وليست الحمرة بخاصة للماتع وإن كانت أحد أوصاف جودته ، وجمل ماتع قوي ، قيل :
( وميزانه في سورة البر ماتع ** أي راجح زائد .
متن : المتنان مكتنفا الصلب وبه شبه
____________________
(1/461)
المتن من الأرض ، ومتنته ضربت متنه ، ومتن ، قوي متنه فصار متينا ومنه قيل حبل متين وقوله : { إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } .
متى : متى سؤال عن الوقت ، قال تعالى : { متى هذا الوعد } - { متى هذا الفتح } وحكي أن هذيلا تقول جعلته متى كمي أي وسط كمى وأنشدوا لأبي ذؤيب :
( شربن بماء البحر ثم ترفعت ** متى لجج خضر لهن نئيج )
مثل : اصل المثول الانتصاب والممثل المصور على مثال غيره ، يقال مثل الشيء أي انتصب وتصور ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : من أحب أن يمثل له الرجال فليتبؤأ مقعده من النار والتمثال الشيء المصور وتمثل كذا تصور ، قال تعالى : { فتمثل لها بشرا سويا } والمثل عبارة عن قول في شيء يشبه قولا في شيء آخر بينهما مشابهة ليبين أحدهما الآخر ويصوره نحو قولهم الصيف ضيعت اللبن ، فإن هذا القول يشبه قولك أهملت وقت الإمكان أمرك وعلى هذا الوجه ما ضرب الله تعالى من الأمثال فقال : { وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون } وفي أخرى { وما يعقلها إلا العالمون } والمثل يقال على وجهين أحدهما : بمعنى المثل نحو شبه وشبه ونقض نقض ، قال بعضهم وقد يعبر بهما عن وصف الشيء نحو قوله { مثل الجنة التي وعد المتقون } والثاني : عبارة عن المشابهة لغيره في معنى من المعاني أي معنى كان وهو أعم الألفاظ الموضوعة للمشابهة وذلك أن الند يقال فيما يشارك في الجوهر فقط ، والشبه يقال فيما يشارك في الكيفية فقط ، والمساوي يقال فيما يشارك في الكمية فقط ، والشكل يقال فيما يشاركه في القدر والمساحة فقط ، والمثل عام في جميع ذلك ولهذا لما أراد الله تعالى نفي التشبيه من كل وجه خصه بالذكر فقال : { ليس كمثله شيء } وأما الجمع بين الكاف والمثل فقد قيل ذلك لتأكيد النفي تنبيها على أنه لا يصح استعمال المثل ولا الكاف فنفى بليس الأمرين جميعا . وقيل المثل ههنا هو بمعنى الصفة ومعناه ليس كصفته صفة تنبيها على أنه وإن وصف بكثير مما يوصف به البشر فليس تلك الصفات له على حسب ما يستعمل في البشر وقوله : { للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى } أي لهم الصفات الذميمة وله الصفات العلى . وقد منع الله تعالى عن ضرب الأمثال بقوله : { فلا تضربوا لله الأمثال } ثم نبه أنه قد يضرب لنفسه المثل ولا يجوز لنا أن نقتدي به فقال : { إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون } ثم ضرب لنفسه مثلا فقال : { ضرب الله مثلا عبدا مملوكا } الآية ، وفي هذا تنبيه أنه لا يجوز أن نصفه بصفة مما يوصف به البشر إلا بما وصف به نفسه ، وقوله { مثل الذين حملوا التوراة }
____________________
(1/462)
) الآية ، أي هم في جهلهم بمضمون حقائق التوراة كالحمار في جهله بما على ظهره من الأسفار ، وقوله : { واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث } فإنه شبهه بملازمته واتباعه هواه ، وقلة مزايلته له بالكلب الذي لا يزايل اللهث على جميع الأحوال . وقوله : { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا } الآية فإنه شبه من آتاه الله تعالى ضربا من الهداية والمعاون فأضاعه ولم يتوصل به إلى ما رشح له من نعيم الأب بمن استوقد نارا في ظلمة ، فلما أضاءت له ضيعها ونكس فعاد في الظلمة ، وقوله : { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء } فإنه قصد تشبيه المدعو بالغنم فأجمل وراعى مقابلة المعنى دون مقابلة الألفاظ وبسط الكلام مثل راعي الذين كفروا ، والذين كفروا كمثل الذي ينعق بالغنم ، ومثل الغنم التي لا تسمع إلا دعاء ونداء . وعلى هذا النحو قوله { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة } ومثله قوله { مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر } وعلى هذا النحو ما جاء من أمثاله . والمثال مقابلة شيء بشيء هو نظيره أو وضع شيء ما ليحتذى به فيما يفعل ، والمثلة نقمة تنزل بالإنسان فيجعل مثالا يرتدع به غيره وذلك كالنكال . وجمعه مثلات ومثلات ، وقد قرئ { من قبلهم المثلات } والمثلات بإسكان الثاء على التخفيف نحو : عضد وعضد ، وقد أمثل السلطان فلانا إذا نكل به ، والأمثل يعبر به عن الأشبه بالأفاضل والأقرب إلى الخير ، وأماثل القوم كناية عن خيارهم ، وعلى هذا قوله { إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما } وقال { ويذهبا بطريقتكم المثلى } أي الأشبه بالفضيلة ، وهي تأنيث الأمثل .
مجد : المجد السعة في الكرم والجلال ، وقد تقدم الكلام في الكرم ، يقال مجد يمجد مجدا ومجادة ، وأصل المجد من قولهم مجدت الإبل إذا حصلت في مرعى كثير واسع ، وقد أمجدها الراعين ، وتقول العرب في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار ، وقولهم في صفة الله تعالى المجيد أي يجري السعة في بذل الفضل المختص به وقوله في صفة القرآن : ( ق والقرآن المجيد ) فوصفه بذلك لكثرة ما يتضمن من المكارم الدنيوية والأخروية ، وعلى هذا وصفه . بالكريم بقوله { إنه لقرآن كريم } وعلى نحوه { بل هو قرآن مجيد } وقوله { ذو العرش المجيد } فوصفه بذلك لسعة فيضه وكثرة جوده ، وقرئ { المجيد } بالكسر فلجلالته وعظم قدره ، وما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ما الكرسي في جنب العرش إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة وعلى
____________________
(1/463)
هذا قوله { لا إله إلا هو رب العرش العظيم } والتمجيد من العبد لله بالقول وذكر الصفات الحسنة ، ومن الله للعبد بإعطائه الفضل .
محص : أصل المحص تخليص الشيء مما فيه من عيب كالفحص لكن الفحص يقال في إبراز شيء من أثناء ما يختلط به وهو منفصل عنه ، والمحص يقال في إبرازه عما هو متصل به ، يقال : محصت الذهب ومحصته إذا أزلت عنه ما يشوبه من خبث ، قال { وليمحص الله الذين آمنوا } - { وليمحص ما في قلوبكم } فالتمحيص ههنا كالتزكية والتطهير ونحو ذلك من الألفاظ ، ويقال في الدعاء اللهم محص عنا ذنوبنا ، أي أزل ما علق بنا من الذنوب . ومحص الثوب إذا ذهب زئيره ، ومحص الحبل يمحص أخلق حتى يذهب عنه وبره ، ومحص الصبي إذا عدا .
محق : المحق النقصان ومنه المحاق لآخر الشهر إذا انمحق الهلال وامتحق وانمحق ، يقال محقه إذا نقصه وأذهب بركته ، قال : { يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله } وقال : { ويمحق الكافرين } .
محل : قوله { وهو شديد المحال } أي الأخذ بالعقوبة ، قال بعضهم : هو من قولهم محل به محلا ومحالا إذا أراده بسوء ، قال أبو زيد : محل الزمان قحط ، ومكان ماحل ومتماحل الأرض ، والمحالة فقارة الظهر والجمع المحال ، وبن ممحل قد فسد ، ويقال ما حل عنه أي جادل عنه ، ومحل به إلى السلطان إذا سمى به ، وفي الحديث : لا تجعل القرآن ماحلا بنا أي يظهر عندك معايبنا ، وقيل بل المحال من الحول والحيلة والميم فيه زائدة .
محن : المحن والامتحان نحو الابتلاء ، نحو قوله تعالى { فامتحنوهن } وقد تقدم الكلام في الابتلاء ، قال : { أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى } وذلك نحو { وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا } وذلك نحو قوله : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس } الآية .
محو : المحو إزالة الأثر ، ومنه قيل للشمال محوة ، لأنها تمحو السحاب والأثر ، قال تعالى : { يمحو الله ما يشاء ويثبت } .
مخر : مخر الماء للأرض استقبالها بالدور فيها ، يقال مخرت السفينة مخرا ومخورا إذا شقت الماء بجؤجئها مستقبلة له ، وسفينة ماخرة والجمع المواخر ، قال : { وترى الفلك مواخر فيه } ويقال استمخرت الريح وامتخرتها إذا استقبلتها بأنفك ، وفي الحديث استمخروا الريح وأعدوا النبل أي في الاستنجاء ، والماخور الموضع الذي يباع فيه الخمر ، وبنات مخر سحائب تنشأ صيفا .
مد : أصل المد الجر ، ومنه المدة للوقت الممتد ، ومدة الجرح ، ومد النهر ومده نهر آخر ، ومددت عيني إلى كذا ، قال : { ولا تمدن عينيك }
____________________
(1/464)
) الآية ومددته في غيه ومددت الإبل سقيتها المديد وهو بزر ودقيق يخلطان بماء ، وأمددت الجيش بمدد والإنسان بطعام ، قال : { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل } واكثر ما جاء الإمداد في المحبوب . والمد في المكروه نحو { وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون } - { أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين } - { ويمددكم بأموال وبنين } - { يمددكم ربكم بخمسة آلاف } الآية { أتمدونن بمال } - { ونمد له من العذاب مدا } - { ويمدهم في طغيانهم يعمهون } - { وإخوانهم يمدونهم في الغي } - { والبحر يمده من بعده سبعة أبحر } فمن قولهم مده نهر آخر ، وليس هو مما ذكرناه من الإمداد ، والمد المحبوب والمكروه ، وإنما هو من قولهم مددت الدواة أدها ، وقوله : { ولو جئنا بمثله مددا } والمد من المكاييل معروف .
مدن : المدينة فعيلة عند قوم وجمعها مدن وقد مدنت مدينة ، وناس يجعلون الميم زائدة ، قال : { ومن أهل المدينة مردوا على النفاق } قال : { وجاء من أقصى المدينة } - { ودخل المدينة } .
مرر : المرور المضي والاجتياز بالشيء قال : { وإذا مروا بهم يتغامزون } - { وإذا مروا باللغو مروا كراما } تنبيها أنهم إذا دفعوا إلى التفوه باللغو كنوا عنه ، وإذا سمعوه تصامموا عنه ، وإذا شاهدوه أعرضوا عنه ، وقوله : { فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا } فقول : { مر } ههنا كقوله : { وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه } وأمررت الحبل إذا فتلته ، والمرير والممر المفتول ، ومنه فلان ذو مرة كأنه محكم الفتل قال : { ذو مرة فاستوى } ويقال مر الشيء وأمر إذا صار مرا ومنه يقال فلان ما يمر وما يحلي ، وقوله { حملت حملا خفيفا فمرت به } قيل استمرت . وقولهم مرة ومرتين كفعلة وفعلتين وذلك لجزء من الزمان ، قال : { ينقضون عهدهم في كل مرة } - { وهم بدؤوكم أول مرة } - { إن تستغفر لهم سبعين مرة } - { إنكم رضيتم بالقعود أول مرة } - { سنعذبهم مرتين } ، وقوله : { ثلاث مرات } .
مرج : أصل المرج الخلط والمروج الاختلاط ، يقال مرج أمرهم اختلط ومرج الخاتم في أصبعي فهو مارج ، ويقال أمر مريج أي مختلط ومنه غصن مريج مختلط ، قال تعالى : { فهم في أمر مريج } والمرجان صغار اللؤلؤ ، قال : { كأنهن الياقوت والمرجان } وقوله : { مرج البحرين } من قولهم مرج ويقال للأرض التي يكثر فيها النبات فتمرح فيه الدواب مرج ، وقوله : { من مارج من نار } أي لهيب مختلط ، وأمرجت الدابة في المرعى أرسلتها فيه فمرجت .
مرح : المرح شدة الفرح والتوسع فيه ،
____________________
(1/465)
قال { ولا تمش في الأرض مرحا } وقرئ مرحا أي فرحا ومرحى كلمة تعجب .
مرد : { وحفظا من كل شيطان مارد } والمارد والمريد من شياطين الجن والإنس المتعري من الخيرات من قولهم شجر أمرد إذا تعرى من الورق ، ومنه قيل رملة مرداء لم تنبت شيئا ، ومنه الأمرد لتجرده عن الشعر . وروي أهل الجنة مرد ، فقيل حمل على ظاهره ، وقيل معناه معرون من الشوائب والقبائح ، ومنه قيل مرد فلان عن القبائح ومرد عن المحاسن وعن الطاعة ، قال : { ومن أهل المدينة مردوا على النفاق } أي ارتكسوا عن الخير وهم على النفاق ، وقوله : { ممرد من قوارير } أي مملس من قولهم شجرة مرداء إذا لم يكن عليها ورق ، وكأن الممرد إشارة إلى قول الشاعر :
( في مجدل شيد بنيانه ** يزل عنه ظفر الظافر )
ومارد حصن معروف وفي الأمثال : تمرد مارد وعز الأبلق ، قاله ملك امتنع عليه هذان الحصنان .
مرض : المرض الخروج عن الاعتدال الخاص بالإنسان وذلك ضربان ، الأول مرض جسمي وهو المذكور في قوله { ولا على المريض حرج } - { ولا على المرضى } والثاني عبارة عن الرذائل كالجهل والجبن والبخل والنفاق وغيرها من الرذائل الخلقية نحو قوله : { في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا } - { أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا } - { وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم } وذلك نحو قوله : { وليزيدن كثيرا } منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ويشبه النفاق والكفر نحوهما من الرذائل بالمرض إما لكونها مانعة عن إدراك الفضائل كالمرض المانع للبدن عن التصرف الكامل ، وإما لكونها مانعة عن تحصيل الحياة الأخروية المذكورة في قوله { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون } وإما لميل النفس بها إلى الاعتقادات الرديئة ميل البدن المريض إلى الأشياء المضرة ، ولكون هذه الأشياء متصورة بصورة المرض قيل دوي صدر فلان ونغل قلبه . وقال عليه الصلاة والسلام وأي داء أدوأ من البخل ، ويقال شمس مريضة إذا لم تكن مضيئة لعارض عرض لها ، وأمرض فلان في قوله إذا عرض ، والتمريض القيام على المريض وتحقيقه إزالة المرض عن المريض كالتقذية في إزالة القذى عن العين .
مرأ : يقال مرء ومرأة وامرؤ وامرأة ، قال تعالى { إن امرؤ هلك } - { وكانت امرأتي عاقرا } والمروة كمال المرء كما أن الرجولية كمال الرجل ، والمرئ رأس المعدة والكرش اللاصق بالحلقوم ، ومرؤ الطعام وامرأ إذا
____________________
(1/466)
تخصص بالمرئ لموافقة الطبع ، قال { فكلوه هنيئا مريئا } .
مرى : المرية التردد في الأمر وهو أخص من الشك ، قال { ولا يزال الذين كفروا في مرية منه } - { فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء } - { فلا تكن في مرية من لقائه } - { ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم } والامتراء والمماراة المحاجة فيما فيه مرية ، قال تعالى : { قول الحق الذي فيه يمترون } - { بما كانوا فيه يمترون } - { أفتمارونه على ما يرى } - { فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا } وأصله من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها للحلب .
مريم : مريم اسم أعجمي اسم أم عيسى عليه السلام .
مزن : المزن السحاب المضئ والقطعة منه مزنة ، قال { أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون } ويقال للهلال الذي يظهر من خلال السحاب ابن مزنة ، وفلان يتمزن أي يتسخى ويتشبه بالمزن ، ومزنت فلانا شبهته بالمزن ، وقيل المازن بيض النمل .
مزج : مرج الشراب خلطه والمزاج ما يمزج به ، قال تعالى : { مزاجها كافورا } - { ومزاجه من تسنيم } - { مزاجها زنجبيلا } .
مسس : المس كاللمس لكن اللمس قد يقال لطلب الشيء ، وإن لم يوجد كما قال الشاعر :
( وألمسه فلا أجده ** ) والمس يقال فيما يكون معه إدراك بحاسة اللمس وكني به عن النكاح ، فقيل مسها وماسها ، قال { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } وقال { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن } وقرئ / < ما لم تماسوهن > / وقال { أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر } والمسيس كناية عن النكاح ، وكني بالمس عن الجنون ، قال { الذي يتخبطه الشيطان من المس } والمس يقال في كل ما ينال الإنسان من أذى نحو قوله { وقالوا لن تمسنا النار } - { مستهم البأساء والضراء } - { ذوقوا مس سقر } - { مسني الضر } - { مسني الشيطان } - { مستهم إذا لهم مكر في آياتنا } - { وإذا مسكم الضر } .
مسح : المسح إمرار اليد على الشيء وإزالة الأثر عنه ، وقد يستعمل في كل واحد منهما يقال مسحت يدي بالمنديل ، وقيل للدرهم الأطلس مسيح وللمكان الأملس أمسح ، ومسح الأرض ذرعها وعبر عن السير بالمسح كما عبر عنه بالذرع ، فقيل مسح البعير المفازة وذرعها ، والمسح في تعارف الضرع إمرار الماء على الأعضاء ، يقال مسحت للصلاة وتمسحت ، قال { وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم } ومسحته بالسيف كناية عن الضرب كما يقال مسست ، قال { فطفق مسحا بالسوق } وقيل سمي الدجال مسيحا لأنه ممسوح أحد شقي وجهه وهو أنه
____________________
(1/467)
روي أنه لا عين له ولا حاجب ، وقيل سمي عيسى عليه السلام مسيحا لكونه ماسحا في الأرض أي ذاهبا فيها وذلك أنه كان في زمانه قوم يسمون المشائين والسياحين لسيرهم في الأرض ، وقيل سمي به لأنه كان يمسح ذا العاهة فيبرأ ، وقيل سمي بذلك لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن . وقال بعضهم : إنما كان مشوحا بالعبرانية فعرب فقيل المسيح وكذا موسى كان موشى . وقال بعضهم : المسيح هو الذي مسحت إحدى عينيه ، وقد روي إن الدجال ممسوح اليمنى وعيسى ممسوح اليسرى . قال : ويعني بأن الدجال قد مسحت عنه القوة المحمودة من العلم والعقل والحلم والأخلاق الجميلة ، وأن عيسى مسحت عنه القوة الذميمة من الجهل والشره والحرص وسائر الأخلاق الذميمة . وكني عن الجماع بالمسح كما كني عنه بالمس واللمس ، وسمي العرق القليل مسيحا والمسح البلاس جمعه مسوح وإمساح ، والتمساح معروف ، وبه شبه المارد من الإنسان .
مسخ : المسخ تشويه الخلق والخلق وتحويلهما من صورة إلى صورة . قال بعض الحكماء : المسخ ضربان : مسخ خاص يحصل في العينة وهو مسخ الخلق ، ومسخ قد يحصل في كل زمان وهو مسخ الخلق ، وذلك أن يصير الإنسان متخلقا بخلق ذميم من أخلاق بعض الحيوانات تحو أن يصير في شدة الحرص كالكلب ، وفي الشره كالخنزير ، وفي الغمارة كالثور ، قال وعلى هذا أحد الوجهين في قوله { وجعل منهم القردة والخنازير } ، وقوله : { لمسخناهم على مكانتهم } يتضمن الأمرين وإن كان في الأول أظهر ، والمسيخ من الطعام ما لا طعم له ، قال الشاعر :
( وأنت مسيخ كلحم الحوار ** ) ومسخت الناقة أنضيتها وأزلتها حتى أزلت خلقتها عن حالها والماسخي القواس وأصله كان قواس منسوبا إلى ماسخة وهي قبيلة فسمي كل قواس به كما سمي كل حداد بالهالكي .
مسد : المسد ليف يتخذ من جريد النخل أي من غصنه فيمسد أي يقتل ، قال تعالى : { حبل من مسد } وامرأة ممسودة مطوية الخلق كالحبل الممسود .
مسك : إمساك الشيء التعلق به وحفظه ، قال تعالى : { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وقال { ويمسك السماء أن تقع على الأرض } أي يحفظها ، واستمسكت بالشيء إذا تحريت الإمساك ، قال تعالى : { فاستمسك بالذي أوحي إليك } وقال { أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون } ويقال تمسكت به ومسكت به ، قال { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } يقال أمسكت عنه كذا
____________________
(1/468)
أي منعته ، قال { هن ممسكات رحمته } وكني عن البخل بالإمساك . والمسكة من الطعام والشراب ما يمسك الرمق ، والمسك الذبل المشدود على المعصم ، والمسك الجلد الممسك للبدن .
مشج : قال تعالى : { أمشاج نبتليه } أي أخلاط من الدم وذلك عبارة عما جعله الله تعالى بالنطفة من القوى المختلفة المشار إليها بقوله { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة } إلى قوله { خلقا آخر } .
مشى : المشي الانتقال من مكان إلى مكان بإرادة ، قال الله تعالى : { كلما أضاء لهم مشوا فيه } - { فمنهم من يمشي على بطنه } إلى آخر الآية { يمشون على الأرض هونا } - { فامشوا في مناكبها } ويكنى بالمشي عن النميمة ، قال : { هماز مشاء بنميم } ويكنى به عن شرب المسهل فقيل شربت مشيا ومشوا ، والماشية الأغنام ، وقيل امرأة ماشية كثر أولادها .
مصر : المصر اسم لكل بلد ممصور أي محدود ، يقال مصرت مصرا أي بنيته ، والمصر الحد وكان من شروط هجر اشترى فلان الدار بمصورها أي حدودها قال الشاعر :
( وجاعل الشمس مصرا لا خفاء به ** بين النهار وبين الليل قد فصلا ) وقوله : تعالى : { اهبطوا مصرا } فهو البلد المعروف وصرفه لخفته ، وقيل بل عنى بلدا من البلدان ، والماصر الحاجز بين الماءين ، ومصرت الناقة إذا جمعت أطراف الأصابع على ضرعها فحلبتها ، ومنه قيل لهم غلة يمتصرونها أي يحتلبون منها قليلا قليلا ، وثوب ممصر مشبع الصبغ ، وناقة مصور مانع للبن لا تسمح به ، وقال الحسن : لا بأس بكسب التياس ما لم يمصر ولم يبسر ، أي حتلب بأصبعيه ويبسر على الشاة قبل وقتها . والمصير المعى وجمعه مصران وقيل بل هو مفعل من صار لأنه مستقر الطعام .
مضع : المضغة القطعة من اللحم قدر ما يمضع ولم ينضج قال الشاعر :
( يلجلج مضغة فيها أنيض ** ) أي غير منضج وجعل اسما للحالة التي ينتهي إليها الجنين بعد العلقة ، قال تعالى : { فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما } وقال : { مضغة مخلقة وغير مخلقة } والمضاغة ما يبقى عن المضغ في الفم ، والماضغان الشدقان لمضغهما الطعام ، والمضائغ العقبات اللواتي على طرفي هيئة القوس الواحدة مضيغة .
مضى : المضي والمضاء النفاذ ويقال ذلك في الأعيان والأحداث ، قال تعالى : { ومضى مثل الأولين } - { فقد مضت سنة الأولين } .
مطر : المطر الماء المنسكب ويوم مطير وماطر وممطر وواد مطير أي ممطور ، يقال مطرتنا السماء وأمطرتنا ، وما مطرت منه بخير ،
____________________
(1/469)
وقيل إن مطر يقال في الخير ، وأمطر في العذاب ، قال : { وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين } - { وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين } - { وأمطرنا عليهم حجارة } - { فأمطر علينا حجارة من السماء } ومطر وتمطر ذهب في الأرض ذهاب المطر ، وفرس متمطر أي سريع كالمطر ، والمستمطر طالب المطر والمكان الظاهر للمطر ويعبر به عن طالب الخير ، قال الشاعر :
( فواد خطاء وواد مطر ** )
مطى : قال تعالى ، { ثم ذهب إلى أهله يتمطى } أي يمد مطاه أي ظهره ، والمطية ما يركب مطاه من البعير وقد امتطيته ركبت مطاه ، والمطو الصاحب المعتمد عليه وتسميته بذلك كتسميته بالظهر .
مع : مع يقتضي الاجتماع إما في المكان نحوهما معا في الدار ، أو في الزمان نحو ولدا معا ، أو في المعنى كالمتضايفين نحو الأخ والأب فإن أحدهما صار أخا للآخر في حال ا صار الآخر أخاه ، وإما في الشرف والرتبة نحو : هما معا في العلو ، ويقتضي معنى النصرة وأن المضاف إليه لفظ مع هو المنصور نحو قوله : { لا تحزن إن الله معنا } أي الذي مع يضاف إليه في قوله الله معنا هو منصور أي ناصرنا وقوله : { إن الله مع الذين اتقوا } - { وهو معكم أين ما كنتم } - { إن الله مع الصابرين } - { وأن الله مع المؤمنين } وقوله عن موسى : { إن معي ربي } ورجل إمعة من شأنه أن يقول لكل واحد أنا معك . والمعمعة صوت الحريق والشجعان في الحرب ، والمعمعان شدة الحرب .
معز : قال تعالى : { ومن المعز اثنين } والمعيز جماعة المعز كما يقال ضئين لجماعة الضأن ، ورجل ماعز معصوب الخلق والأمعز والمعزاء المكان الغليظ ، واستمعز في أمره : جد .
معن : ماء معين هو من قولهم : معن الماء جرى فهو معين ، ومجاري الماء معنان ، وأمعن الفرس تباعد في عدوه ، وأمعن بحقي ذهب ، وفلان معن في حاجته وقيل ماء معين هو من العين والميم زائدة فيه .
مقت : المقت البغض الشديد لمن تراه تعاطى القبيح . يقال مقت مقاتة فهو مقيت ومقته فهو مقيت وممقوت ، قال { إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا } وكان يسمى تزوج الرجل امرأة أبيه نكاح المقتئ ، وأما المقيت فمفعل من القوت وقد تقدم
مكك : اشتقاق مكة من تمككت العظم أخرجت مخه ، وامتك الفصيل ما في ضرع أمه وعبر عن الاستقصاء بالتمكك وروي أنه قال عليه الصلاة والسلام : لا تمكوا على غرمائكم وتسميتها بذلك لأنها كانت تمك من ظلم بها أي تدقه وتهلكه ، قال
____________________
(1/470)
الخليل : سميت بذلك لأنها وسط الأرض كالمخ الذي هو أصل ما في العظم ، والمكوك طاس يشرب به ويكال كالصواع
مكث : المكث ثبات مع انتظار ، يقال مكث مكنا ، قال : { فمكث غير بعيد } ، وقرئ مكث ، قال { إنكم ماكثون } - { قال لأهله امكثوا } .
مكر : المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة وذلك ضربان : مكر محمود وذلك أن يتحرى بذلك فعل جميل وعلى ذلك قال { والله خير الماكرين } ومذموم وهو أن يتحرى به فعل قبيح ، قال { ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله } - { وإذ يمكر بك الذين كفروا } - { فانظر كيف كان عاقبة مكرهم } وقال في الأمرين { ومكروا مكرا ومكرنا مكرا } وقال بعضهم : من مكر الله إمهال العبد وتمكينه من أعراض الدنيا ولذلك قال أمير المؤمنين رضي الله عنه : من وسع عليه دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن عقله .
مكن : المكان عند أهل اللغة الموضع الحاوي للشيء ، وعند بعض المتكلمين أنه عرض وهو اجتماع جسمين حاو ومحوي وذلك أن يكون سطح الجسم الحاوي محيطا بالمحوي ، فالمكان عندهم هو المناسبة بين هذين الجسمين ، قال { مكانا سوى } - { وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا } ويقال : مكنته ومكنت له فتمكن ، قال { ولقد مكناكم في الأرض } - { ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه } - { أو لم نمكن لهم } - { ونمكن لهم في الأرض } - { وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم } وقال { في قرار مكين } وأمكنت فلانا من فلان ، ويقال : مكان ومكانة ، قال تعالى { اعملوا على مكانتكم } وقرئ / < على مكاناتكم > / وقوله { ذي قوة عند ذي العرش مكين } أي متمكن ذي قدر ومنزلة . ومكنات الطير ومكناتها مقاره ، والمكن بيض الضب وبيض مكنون . قال الخليل : المكان مفعل من الكون ولكثرته في الكلام أجري مجرى فعال فقيل : تمكن وتمسكن نحو تمنزل .
مكا : مكا الطير يمكو مكاء صفر ، قال { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } تنبيها أن ذلك منهم جار مجرى مكاء الطير في قلة الغناء ، والمكاء طائر ، ومكت استه صوتت .
ملل : الملة كالدين وهو اسم لما شرع الله تعالى لعباده على لسان الأنبياء ليتوصلوا به إلى جوار الله ، والفرق بينها وبين الدين أن الملة لا تضاف إلا إلى النبي عليه الصلاة والسلام الذي تسند إليه نحو : { فاتبعوا ملة إبراهيم } - { واتبعت ملة آبائي } ولا تكاد توجد مضافة إلى الله ولا إلى آحاد أمة النبي صلى الله عليه وسلم ولا تستعمل إلا في حملة الشرائع دون آحادها ،
____________________
(1/471)
لا يقال ملة الله ولا يقال ملتي وملة زيد كما يقال دين الله ودين زيد ، ولا يقال الصلاة ملة الله . وأصل الملة من أمللت الكتاب ، قال تعالى : { وليملل الذي عليه الحق } - { فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه } وتقال الملة اعتبارا بالشيء الذي شرعه الله ، والدين يقال اعتبارا بمن يقيمه إذ كان معناه الطاعة . ويقال خبز ملة ومل خبزه يمله ملا ، والمليل ما طرح في النار ، والمليلة حرارة يجدها الإنسان ، ومللت الشيء أمله أعرضت عنه أي ضجرت ، وأمللته من كذا حملته على أن مل من قوله عليه الصلاة والسلام تكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا فإنه لم يثبت لله ملالا بل القصد أنكم تملون والله لا يمل .
ملح : الملح الماء الذي تغير طعمه التغير المعروف وتجمد ، ويقال له ملح إذا تغير طعمه ، وإن لم يتجمد فيقال ماء ملح . وقلما تقول العرب ماء مالح ، قال الله تعالى : { وهذا ملح أجاج } وملحت القدر ألقيت فيها الملح ، وأملحتها أفسدتها بالملح ، وسمك مليح . ثم استعير من لفظ المليح الملاحة فقيل رجل مليح وذلك راجع إلى حسن يغمض إدراكه .
ملك : الملك هو المتصرف بالأمر والنهي في الجمهور وذلك يختص بسياسة الناطقين ولهذا يقال ملك الناس ولا يقال ملك الأشياء ، وقوله { مالك يوم الدين } فتقديره الملك في يوم الدين وذلك لقوله { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } والملك ضربان : ملك هو التملك والتولي ، وملك هو القوة على ذلك تولى أو لم يتول . فمن الأول قوله { إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها } ، ومن الثاني قوله { إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا } فجعل النبوة مخصوصة والملك عاما ، فإن معنى الملك ههنا هو القوة التي بها يترشح للسياسة لا أنه جعلهم كلهم متولين للأمر فذلك مناف للحكمة كما قيل لا خير في كثرة الرؤساء . قال بعضهم : الملك اسم لكل من يملك السياسة إما في نفسه وذلك وبالتمكين من زمام قواه وصرفها عن هواها ، وإما في غيره سواء تولى ذلك أو لم يتول على ما تقدم ، وقوله { فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما } والملك الحق الدائم لله فلذلك قال { له الملك وله الحمد } وقال { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء } فالملك ضبط الشيء المتصرف فيه بالحكم ، والملك كالجنس للملك فكل ملك ملك وليس كل ملك ملكا . قال { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء } - { ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا } وقال : { أم من يملك السمع والأبصار } - { قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا }
____________________
(1/472)
) وفي غيرها من الآيات . والملكوت مختص بملك الله تعالى وهو مصدر ملك أدخلت فيه التاء نحو رحموت ورهبوت ، قال : { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض } وقال : { أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض } والمملكة سلطان الملك وبقاعه التي يتملكها ، والمملوك يختص في التعارف بالرقيق من الأملاك ، قال : { عبدا مملوكا } وقد يقال فلان جواد بمملوكه أي بما يتملكه والملكة تختص بملك العبيد ويقال فلان حسن الملكة أي الصنع إلى مماليكه ، وخص ملك العبيد في القرآن باليمين فقال : { ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } وقوله : { أو ما ملكت أيمانكم } - { أو ما ملكت أيمانهن } ومملوك مقر بالملوكة والملكة والملك ، وملاك الأمر ما يعتمد عليه منه . وقيل القلب ملاك الجسد ، والملاك التزويج ، وأملكوه زوجوه ، شبه الزوج بملك عليها في سياستها ، وبهذا النظر قيل كاد العروس أن يكون ملكا . وملك الإبل والشاء ما يتقدم ويتبعه سائره تشبيها بالملك ، ويقال ما لأحد في هذا ملك وملك غيري قال تعالى { ما أخلفنا موعدك بملكنا } وقرئ بكسر الميم ، وملكت العجين شددت عجنه ، وحائط ليس له ملاك أي تماسك وأما الملك فالنحويون جعلوه من لفظ الملائكة ، وجعل الميم فيه زائدة . وقال بعض المحققين هو من الملك ، قال : والمتولي من الملائكة شيئا من السياسات يقال له ملك بالفتح ، ومن البشر يقال له ملك بالكسر ، فكل ملك ملائكة وليس كل ملائكة ملكا ، بل الملك هو المشار إليه بقوله { فالمدبرات أمرا } - { فالمقسمات أمرا } - { والنازعات } ونحو ذلك ومنه ملك الموت ، قال : { والملك على أرجائها } - { على الملكين ببابل } - { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم } .
ملأ : الملأ جماعة يجتمعون على رأي ، فيملئون العيون رواء ومنظرا والنفوس بهاء وجلالا ، قال : { ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل } - { وقال الملأ من قومه } - { إن الملأ يأتمرون بك } - { قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم } وغير ذلك من الآيات ، يقال فلان ملء العيون أي معظم عند من رآه كأنه ملأ عينه من رؤيته ، ومنه قيل شاب مالئ العين ، والملأ الخلق المملوء جمالا ، قال الشاعر :
( فقلنا أحسنى ملأ جهينا ** ) ومالآته عاونته وصرت من ملئه أي جمعه نحو شايعته أي صرت من شيعته ، ويقال هو ملئ بكذا . والملاءة الزكام الذي يملأ الدماغ ، يقال ملئ فلان وأملأ ، والملء مقدار ما يأخذه الإناء الممتلئ ، يقال أعطني ملأه وملأيه وثلاثة أملائه .
ملا : الإملاء الإمداد ، ومنه قيل للمدة
____________________
(1/473)
الطويلة ملاوة من الدهر وملي من الدهر ، قال : { واهجرني مليا } وتمليت دهرا أبقيت ، وتمليت الثوب تمتعت به طويلا وتملى بكذا تمتع به بملاوة من الدهر وملاك الله غير مهموز عمرك ويقال عشت مليا أي طويلا ، والملا مقصور المفازة الممتدة ، والملوان قيل الليل والنهار وحقيقة ذلك تكررهما وامتدادهما بدلالة أنهما أضيفا إليهما في قول الشاعر :
( نهار وليل دائم ملواهما ** على كل حال المرء يختلفان )
فلو كانا الليل والنهار لما أضيفا إليهما . قال تعالى : { وأملي لهم إن كيدي متين } أي أمهلهم ، وقوله { الشيطان سول لهم وأملى لهم } أي أمهل ومن قرأ أملأ لهم فمن قولهم أمليت الكتاب أمليه إملاء ، قال : { أنما نملي لهم خير لأنفسهم } وأصل أمليت أمللت فقلب تخفيفا { فهي تملى عليه } - { فليملل وليه } .
منن : المن ما يوزن به ، يقال من ومنان وأمنان وربما أبدل من إحدى النونين ألف فقيل منا وأمناء ، ويقال لما يقدر ممنون كما يقال موزون ، والمنة النعمة الثقيلة ويقال ذلك على وجهين : أحدهما : أن يكون ذلك بالفعل فيقال من فلان على فلان إذا أثقله بالنعمة وعلى ذلك قوله : { لقد من الله على المؤمنين } - { كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم } - { ولقد مننا على موسى وهارون } - { يمن على من يشاء } - { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا } وذلك على الحقيقة لا يكون إلا لله تعالى . والثاني : أن يكون ذلك بالقول وذلك مستقبح فيما بين الناس إلا عند كفران النعمة ، ولقبح ذلك قيل المنة تهدم الصنيعة ، ولحسن ذكرها عند الكفران قيل إذا كفرت النعمة حسنت المنة . وقوله : { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم } فالمنة منهم بالقول ومنة الله عليهم بالفعل وهو هدايته إياهم كما ذكر ، وقوله { فإما منا بعد وإما فداء } فالمن إشارة إلى الإطلاق بلا عوض . وقوله : { هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب } أي أنفقه وقوله : { ولا تمنن تستكثر } فقد قيل هو المنة بالقول وذلك أن يمتن به ويستكثره ، وقيل معناه لا تعط مبتغيا به أكثر منه ، وقوله : { لهم أجر غير ممنون } قيل غير معدود كما قال : { بغير حساب } وقيل غير مقطوع ولا منقوص . ومنه قيل المنون للمنية لأنها تنقص العدد وتقطع المدد . وقيل إن المنة التي بالقول هي من هذا لأنها تقطع النعمة وتقتضي قطع الشكر ، وأما المن في قوله : { وأنزلنا عليكم المن والسلوى } فقد قيل المن شيء كالطل فيه حلاوة يسقط على الشجر ، والسلوى طائر وقيل المن والسلوى كلاهما إشارة إلى ما انعم الله به عليهم وهما بالذات شيء واحد لكن سماه منا بحيث أنه
____________________
(1/474)
امتن به عليهم ، وسماه سلوى من حيث أنه كان لهم به التسلي . ومن عبارة عن الناطقين ولا يعبر به عن غير الناطقين إلا إذا جمع بينهم وبين غيرهم كقولك : رأيت من في الدار من الناس والبهائم ، أو يكون تفصيلا لجملة يدخل فيهم الناطقون كقوله تعالى : { فمنهم من يمشي } الآية ولا يعبر به عن غير الناطقين إذا انفرد ولهذا قال بعض المحدثين في صفة أغنام نفى عنهم الإنسانية : تخطئ إذا جئت في استفهامها بمن تنبيها أنهم حيوان أو دون الحيوان . ويعبر به عن الواحد والجمع والمذكر والمؤنث ، قال : { ومنهم من يستمع } وفي أخرى { من يستمعون إليك } وقال : { ومن يقنت منكن لله } .
ومن لابتداء الغاية وللتبعيض وللتبيين ، وتكون لاستغراق الجنس في النفي والاستفهام نحو { فما منكم من أحد } والبدل نحو خذ هذا من ذلك أي بدله : { إني أسكنت من ذريتي بواد } فمن اقتضى التبعيض فإنه كان نزل فيه بعض ذريته ، وقوله : { من السماء من جبال فيها من برد } قال : تقديره أن هـينزل من السماء جبالا ، فمن الأولى ظرف والثانية في موضع المفعول والثالثة للتبيين كقولك : عنده جبال من مال . وقيل يحتمل أن يكون قوله من جبال نصبا على الظرف على أنه ينزل منه ، وقوله : { من برد } نصب أي ينزل من السماء من جبال فيها بردا ، وقيل يصح أن يكون موضع من في قوله من برد رفعا ، ومن جبال نصبا على انه مفعول به ، كأنه في التقدير وينزل من السماء جبالا فيها برد ويكون الجبال على هذا تعظيما وتكثيرا لما نزل من السماء . وقوله : { فكلوا مما أمسكن عليكم } قال أبو الحسن : من زائدة ، والصحيح أن تلك ليست بزائدة لأن بعض ما يمسكن لا يجوز أكله كالدم والغدد وما فيها من القاذورات المنهي عن تناولها .
منع : المنع يقال في ضد العطية ، يقال رجل مانع ومناع أي بخيل ، قال الله تعالى : { ويمنعون الماعون } وقال { مناع للخير } ، ويقال في الحماية ومنه مكان منيع وقد منع ، وفلان ذو منعة أي عزيز ممتنع على من يرومه ، قال { ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين } - { ومن أظلم ممن منع مساجد الله } - { ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك } أي ما حملك وقيل ما الذى صدك وحملك على ترك ذلكيقال امرأة منيعة كناية عن العفيفة وقيل مناع أي امنع كقولهم نزال أي انزل .
منى : المني التقدير ، قال منى لك الماني أي قدر لك المقدر ، ومنه المنا الذي يوزن به فيما قيل ، والمني للذي قدر به الحيوانات ، قال { ألم يك نطفة من مني يمنى } - { من نطفة إذا تمنى } أي تقدر بالعزة الإلهية ما لم يكن منه ، ومنه المنية وهو الأجل المقدر للحيوان وجمعه منايا ، والتمني تقدير شيء في النفس وتصويره فيها وذلك قد يكون عن تخمين وظن ، ويكون
____________________
(1/475)
عن روية وبناء على اصل ، لكن لما كان أكثره عن تخمين صار الكذب له أملك ، فأكثر التمنى تصور ما لا حقيقة له . قال { أم للإنسان ما تمنى } - { فتمنوا الموت } - { ولا يتمنونه أبدا } والأمنية الصورة الحاصلة في النفس من تمني الشيء ، ولما كان الكذب تصور ما لا حقيقة له وإيراده باللفظ صار التمني كالمبدإ للكذب فصح أن يعبر عن الكذب بالتمني ، وعلى ذلك ما روي عن عثمان رضي الله عنه : ما تغنيت ولا تمنيت منذ أسلمت وقوله { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني } قال مجاهد : معناه إلا كذبا ، وقال غيره إلا تلاوة مجردة عن المعرفة من حيث إن التلاوة بلا معرفة المعنى تحرى عند صاحبها مجرى أمنية تمنيتها على التخمين ، وقوله { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } أي في تلاوته ، فقد تقدم أن التمني كما يكون على تخمين وظن فقد يكون عن روية وبناء على أصل ، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما كان يبادر إلى ما نزل به الروح الأمين على قلبه حتى قيل له { ولا تعجل بالقرآن } الآية و ( لا تحرك به لسانك لتعجل به ) سمى تلاوته على ذلك تمنيا ونبه أن للشيطان تسلطا على مثله في أمنيته وذك من حيث بين أن العجلة من الشيطان . ومنيتني كذا : جعلت لي أمنية بما شبهت لي ، قال تعالى مخبرا عنه : { ولأضلنهم ولأمنينهم } .
مهد : المهد ما تهيئ للصبي ، قال تعالى : { كيف نكلم من كان في المهد صبيا } والمهد والمهاد المكان الممهد الموطأ ، قال { الذي جعل لكم الأرض مهدا } - { مهادا } وذلك مثل قوله { الأرض فراشا } ومهدت لك كذا هيأت وسويته ، قال تعالى : { ومهدت له تمهيدا } وامتهد السنام أي تسوى فصار كمهاد أو مهد .
مهل : المهل التؤدة والسكون ، يقلا مهل في فعله وعمل في مهلة ، ويقال مهلا نحو رفقا ، وقد مهلته إذا قلت هـمهلا ، وأمهلته رفت به ، قال { فمهل الكافرين أمهلهم رويدا } والمهل دردئ الزيت ، قال { كالمهل يغلي في البطون } .
موت : أنواع الموت بحسب أنواع الحياة ، فالأول ما هو بإزاء القوة النامية الموجودة في الإنسان والحيوانات والنبات نحو { يحيي الأرض بعد موتها } - { وأحيينا به بلدة ميتا } الثاني زوال القوة الحاسة ، قال { يا ليتني مت قبل هذا } - { أئذا ما مت لسوف أخرج حيا } الثالث زوال القوة العاقلة وهي الجهالة نحو { أو من كان ميتا فأحييناه } وإياه قصد بقوله { إنك لا تسمع الموتى } الرابع الحزن المكدر للحياة وإياه قصد بقوله { ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت }
____________________
(1/476)
) الخامس المنام فقيل النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل وعلى هذا النحو سماهما الله تعالى توفيا فقال { وهو الذي يتوفاكم بالليل } - { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها } وقوله { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء } فقد قيل نفي الموت هو عن أرواحهم فإنه نبه على تنعمهم ، وقيل نفى عنهم الحزن المذكور في قوله { ويأتيه الموت من كل مكان } وقوله { كل نفس ذائقة الموت } فعبارة عن زوال القوة الحيوانية وإبانة الروح عن الجسد وقوله { إنك ميت وإنهم ميتون } فقد قيل معناه ستموت تنبيها أنه لابد لأحد م الموت كما قيل :
( والموت حتم في رقاب العباد ** ) وقيل بل الميت ههنا ليس بإشارة إلى إبانة الروح عن الجسد بل هو إشارة إلى ما يعتري الإنسان في كل حال من التحلل والنقص فإن البشر ما دام في الدنيا يموت جزءا فجزءا كما قال الشاعر :
( يموت جزءا فجزءا ** ) وقد عبر قوم عن هذا المعنى بالمائت وفصلوا بين الميت والمائت فقالوا المائت هو المتحلل ، قال القاضي علي بن عبد العزيز : ليس في لغتنا مائت على حسب ما قالوه ، والميت مخفف عن الميت وإنما يقال موت مائت كقولك شعر شاعر وسيل سائل ، ويقال بلد ميت وميت ، قال تعالى : { سقناه لبلد ميت } - { بلدة ميتا } والميتة من الحيوان ما زال روحه بغير تذكية قال : { حرمت عليكم الميتة } - { إلا أن يكون ميتة } والموتان بإزاء الحيوان وهي الأرض التي لم تحي للزرع ، وارض موات . ووقع في الإبل موتان كثير وناقة مميتة ومميت مات ولدها وإماتة الخمر كناية عن طبخها ، والمستميت المتعرض للموت ، قال الشاعر :
( فأعطيت الجعالة مستميتا ** ) والموتة شبه الجنون كأنه من موت العلم والعقل ومنه رجل موتان القلب وامرأة موتانة .
موج : الموج في البحر ما يعلو من غوارب الماء ، قال : { في موج كالجبال } - { يغشاه موج من فوقه موج } وماج كذا يموج وتموج تموجا اضطرب اضطراب لموج ، قال : { وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض } .
ميد : المبد ، اضطراب الشيء العظيم كاضطراب الأرض ، قال : { أن تميد بكم } - { أن تميد بهم } ومادت الأغصان تميد ، وقيل الميدان في قول الشاعر :
( نعيما وميدانا من العيش أخضرا ** ) وقيل هو الممتد من العيش ، وميدان الدابة منه ، والمائدة الطبق الذي عليه الطعام ، ويقال لكل واحدة منهما مائدة ، ويقال مادني يميدني أي أطعمني ، وقيل يعشيني ، وقوله : { أنزل علينا مائدة من السماء }
____________________
(1/477)
) قيل استدعوا طعاما ، وقيل استدعوا علما ، وسماه مائدة من حيث أن العلم غذاء القلوب كما أن الطعام غذاء الأبدان .
مور : المور الجريان السريع ، يقال مار يمور مورا ، قال : { يوم تمور السماء مورا } ومار الدم على وجهه ، والمور التراب المتردد به الريح ، وناقة تمور في سيرها فهي موارة .
مير : الميرة الطعام يمتاره الإنسان ، يقال مار أهله يميرهم ، قال : { ونمير أهلنا } والخيرة والميرة يتقاربان .
ميز : الميز والتمييز الفصل بين المتشابهات ، يقال مازه يميزه ميزا وميزه تمييزا ، قال { ليميز الله } وقرئ { ليميز الله الخبيث من الطيب } والتمييز يقال تارة للفصل وتارة للقوة التي في الدماغ ، وبها تستنبط المعاني ، ومنه يقال فلان لا تمييز له ، ويقال انماز وامتاز ، قال : { وامتازوا اليوم } وتميز كذا مطاوع ماز أي انفصل وانقطع ، قال : { تكاد تميز من الغيظ } .
ميل الميل العدول عن الوسط إلى أحد الجانبين ، ويستعمل في الجور ، وإذا استعمل في الأجسام فإنه قال فيما كان خلقة ميل ، وفيما كان عرضا ميل ، يقال ملت إلى فلان إذا عاونته ، قال : { فلا تميلوا كل الميل } وملت عليه تحاملت عليه ، قال : { فيميلون عليكم ميلة واحدة } والمال سمي بذلك لكونه مائلا أبدا وزائلا ، ولذلك سمي عرضا ، وعلى هذا دل قول من قال : المال قحبة تكون يوما في بيت عطار ويوما في بيت بيطار .
مائة : المائة : الثالثة من أصول الأعداد ، وذلك أن أصول الأعداد أربعة : آحاد ، وعشرات ، ومئات ، وألوف ، قال : { فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين } - { وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا } ومائة آخرها محذوف ، يقال أمأيت الدراهم فامأت هي أي صارت ذات مائة .
ماء : { وجعلنا من الماء كل شيء حي } - { ماء طهورا } ويقال ماه بني فلان ، وأصل ماء موه بدلالة قولهم في جمعه أمواه ومياه في تصغيره مويه ، فجذف الهاء وقلب الواو ، ورجل ماء القلب كثر ماء قلبه ، فماه هو مقلوب من موه أي فيه ماء ، وقيل هو نحو رجل قاه ، وماهت الركية تميه وتماه وبئر ميهة وماهة ، وقيل ميهة ، وأماه الرجل وأمهى بلغ الماء . وما في كلامهم عشرة خمسة أسماء وخمسة حروف ، فإذا كان اسما فيقال للواحد والجمع والمؤنث على حد واحد ، ويصح أن يعتبر في الضمير لفظه مفردا وأن يعتبر معناه للجمع . فالأول من الأسماء بمعنى الذي نحو { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم } ثم قال : { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } لما أراد الجمع ، وقوله { ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا } الآية ، فجمع
____________________
(1/478)
أيضا ، وقوله : { بئسما يأمركم به إيمانكم } الثاني : نكرة نحو { نعما يعظكم به } أي نعم شيئا يعظكم به ، وقوله { فنعما هي } فقد أجيز أن يكون ما نكرة في قوله { ما بعوضة فما فوقها } وقد أجيز أن يكون صلة فما بعده يكون مفعولا تقديره أن يضرب مثلا بعوضة . الثالث : الاستفهام ويسأل به عن جنس ذات الشيء ونوعه وعن جنس صفات الشيء ونوعه ، وقد يسأل به عن الأشخاص والأعيان في غير الناطقين . وقيل بعض النحويين : وقد يعبر به عن الأشخاص الناطقين كقوله { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } - { إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء } وقال الخليل : ما استفهام أي أي شيء تدعون من دون الله وإنما جعله كذلك لأن ما هذه لا تدخل إلا في المبتدإ والاستفهام الواقع آخرا نحو { ما يفتح الله للناس من رحمة } الآية ونحو ما تضرب أضرب .
الخامس : التعجب نحو : { فما أصبرهم على النار } .
وأما الحروف .
فالأول أن يكون ما بعده بمنزلة المصدر كأن الناصبة للفعل المستقبل نحو { ومما رزقناهم ينفقون } فإن ما مع رزق في تقدير الرزق والدلالة على أنه مثل أن أنه لا يعود إليه ضمير لا ملفوظ به ولا مقدر فيه ، وعلى هذا حمل قوله { بما كانوا يكذبون } وعلى هذا قولهم أتاني القوم ما عدا زيدا ، وعلى هذا إذا كان في تقدير ظرف نحو { كلما أضاء لهم مشوا فيه } - { كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله } - { كلما خبت زدناهم سعيرا } وأما قوله { فاصدع بما تؤمر } فيصح أن يكون مصدرا وأن يكون بمعنى الذي واعلم أن ما إذا كان مع ما بعدها في تقدير المصدر لم يكن إلا حرفا لأنه لو كان اسما لعاد إليه ضمير ، وكذلك قولك أريد أن أخرج فإنه لا عائد من الضمير إلى أن ، ولا ضمير لها بعده .
الثاني : للنفي وأهل الحجاز يعملونه بشرط نحو { ما هذا بشرا } .
الثالث : الكافة وهي الداخلة على أن وأخواتها ورب ونحو ذلك والفعل نحو : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } - { إنما نملي لهم ليزدادوا إثما } - { كأنما يساقون إلى الموت } وعلى ذلك ما في قوله { ربما يود الذين كفروا } وعلى ذلك قلما وطالما فيما حكي .
الرابع : المسلطة وهي التي تجعل اللفظ متسلطا بالعمل بعد أن لم يكن عاملا نحو ما في إذما وحيثما لأنك تقول إذ ما تفعل أفعل ، وحينما تقعد أقعد ، فإذ وحيث لا يعملان بمجردهما في الشرط ويعملان عند دخول ما عليهما .
الخامس : الزائدة لتوكيد اللفظ في قولهم إذا ما فعلت كذا ، وقولهم إما تخرج أخرج . قال : { فإما ترين من البشر أحدا } ، وقوله : { إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما } .
____________________
(1/479)
= كتاب النون =
نبت : النبت والنبات ما يخرج م الأرض من الناميات سواء كان له ساق كالشجر أو لم يكن له ساق كالنجم ، لكن اختص في التعارف بما لا ساق له بل قد اختص عند العامة بما يأكله الحيوان ، وعلى هذا قوله { لنخرج به حبا ونباتا } ومتى اعتبرت الحقائق فإنه يستعمل في كل نام نباتا كان أو حيونا أو إنسانا ، والإنبات يستعمل ، في كل ذلك . قال تعالى : { فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا } - { فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها } - { ينبت لكم به الزرع والزيتون } وقوله { والله أنبتكم من الأرض نباتا } فقال النحويون : قوله نباتا موضوع موضع الإنبات وهو مصدر وقال غيرهم قوله نباتا حال لا مصدر ، ونبه بذلك أن الإنسان هو من وجه نبات ومن حيث إن بدأه ونشأه من التراب ، وإنه ينمو نموه وإن كان له وصف زائد على النبات وعلى هذا نبه بقوله { هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة } وعلى ذلك قوله { وأنبتها نباتا حسنا } وقوله { تنبت بالدهن } الباء للحال لا للتعدية لأن نبت متعد تقديره تنبت حاملة للدهن أي تنبت والدهن موجود فيها بالقوة ، ويقال إن بني فلان لنابتة شر ، ونبتت فيهم نابتة أي نشأ فيهم نشء صغار .
نبذ : النبذ إلقاء الشيء وطرحه لقلة الاعتداد به ولذلك يقال نبذته نبذ النعل الخلق ، قال : { لينبذن في الحطمة } - { فنبذوه وراء ظهورهم } لقلة اعتدادهم به وقال { نبذه فريق منهم } أي طرحوه لقلة اعتدادهم به وقال { فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم } - { فنبذناه بالعراء } - { لنبذ بالعراء } وقوله { فانبذ إليهم على سواء } فمعناه ألق إليهم السلم ، واستعمال النبذ في ذلك كاستعمال الإلقاء كقوله : { فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون وألقوا إلى الله يومئذ السلم } تنبيها أن لا يؤكد العقد معهم بل حقهم أن يطرح ذلك إليهم طرحا مستحثا به على سبيل المجاملة ، وأن يراعيهم حسب مراعاتهم له ويعاهدهم على قدر ما عاهدوه ، وانتبذ فلان اعتزل اعتزال من لا يقل مبالاته
____________________
(1/480)
بنفسه فيما بين الناس ، قال { فحملته فانتبذت به مكانا قصيا } وقعد نبذة ونبذة أي ناحية معتزلة ، وصبي منبوذ ونبيذ كقولك ملقوط ولقيط لكن يقال منبوذ اعتبارا بمن طرحه وملقوط ولقيط اعتبارا بمن تناوله ، والنبيذ التمر والزبيب الملقى مع الماء في الإناء ثم صار اسما للشراب المخصوص .
نبز : النبز التلقيب قال { ولا تنابزوا بالألقاب } .
نبط : قال : { ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } أي يستخرجونه منهم وهو استفعال من أنبطت كذا ، والنبط الماء المستنبط ، وفرس أبط أبيض تحت الإبط ، ومنه النبط المعروفون
نبع : النبع خروج الماء من العين ، يقال نبع الماء ينبع نبوعا ونبعا ، والينبوع العين الذي يخرج منه الماء وجمعه ينابيع ، قال تعالى : { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض } والنبع شجر يتخذ منه القسي .
نبأ : النبأ خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أ غلبة ظن ، ولا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة ، وحق الخبر الذي يقال فيه نبأ أن يتعرى عن الكذب كالتواتر وخبر الله تعالى وخبر النبي عليه الصلاة والسلام ، ولتضمن النبإ معنى الخبر يقال أنبأنه بكذا كقولك أخبرته بكذا ، ولتضمنه معنى العلم قيل أنبأته كذا كقولك وأعلمته كذا ، قال الله تعالى : { قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون } وقال : { عم يتساءلون عن النبإ العظيم } - { ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم } وقال تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك وقال أمرهم { تلك القرى نقص عليك من أنبائها } وقال { ذلك من أنباء القرى نقصه عليك } وقوله : { إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } فتنبيه أنه إذا كان الخبر شيئا عظيما له قدر فحقه أن يتوقف فيه وإن علم وغلب صحته على الظن حتى يعاد النظر فيه ويتبين فضل تبين ، يقال نبأته وأنبأته ، قال تعالى : { أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين } وقال : { أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم } وقال { نبأتكما بتأويله } - { ونبئهم عن ضيف إبراهيم } وقال : { أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض } - { قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم } وقال : { نبئوني بعلم إن كنتم صادقين } - { قد نبأنا الله من أخباركم } ونبأته أبلغ من أنبأته ، { فلننبئن الذين كفروا } - { ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر } ويدل على ذلك قوله : { فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير } ولم يقل أنبأني بل عدل إلى نبأ الذي هو أبلغ تنبيها على تحقيقه وكونه من قبل الله . وكذا قوله : { قد نبأنا الله من أخباركم }
____________________
(1/481)
- { فينبئكم بما كنتم تعملون } ) والنبوة سفارة بين الله وبين ذوي العقول من عباده لإزاحة علتهم في أمر معادهم ومعاشهم . والنبي لكونه منبئا بما تسكن إليه العقول الذكية ، وهو يصح أن يكون فعيلا بمعنى فاعل لقوله تعالى : { نبئ عبادي } - { قل أؤنبئكم } وأن يكون بمعنى المفعول لقوله : { نبأني العليم الخبير } وتنبأ فلان ادعى النبوة ، وكان من حق لفظه في وضع اللغة أن يصح استعماله في النبي غذ هو مطاوع نبأ كقوله زينه فتزين ، وحلاه فتحلى ، وجمله فتجمل ، لكن لما تعورف فيمن يدعي النبوة كذبا جنب استعماله في المحق ولم يستعمل إلا في المتقول في دعوا كقولك تنبأ مسيلمة ، ويقال في تصغير نبئ : مسيلمة نبيئ سوء ، تنبيها أن أخباره ليست من أخبار الله تعالى : كما قال رجل سمع كلامه : والله ما خرج هذا الكلام من ال أي الله . والنبأة الصوت الخفي .
نبى : النبي بغير همز فقد قال النحويون أصله الهمز فترك همزه ، واستدلوا بقولهم : مسيلمة نبيىء سوء . وقال بعض العلماء : هو من النبوة أي الرفعة ، وسمي نبيا لرفعة محله عن سائر الناس المدلول عليه بقوله : { ورفعناه مكانا عليا } فالنبي بغير الهمز أبلغ من النبئ بالهمز ، لأنه ليس كل منبإ رفيع القدر والمحل ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام لمن قال : يا نبئ الله فقال : لست بنىء الله ولكن نبي الله لما رأى أن الرجل خاطبه بالهمز لبغض منه . والنبوة والنباوة الارتفاع ، ومنه قيل نبا بفلان مكانه كقولهم قض عليه مضجعه ، ونبا السيف عن الضريبة إذا ارتد عنه ولم يمض فيه ، ونبا بصره عن كذا تشبيها بذلك .
نتق : نتق الشيء جذبه ونزعه حتى يسترخي كنتق عرى الحمل ، قال تعالى : { وإذ نتقنا الجبل فوقهم } ومنه استعير امرأة ناقق إذا كثر ولدها ، وقيل زند ناتق : وار ، تشبيه بالمرأة الناتق .
نثر : نثر الشيء نشره وتفريقه ، يقال نثرته فانتثر ، قال تعالى : { وإذا الكواكب انتثرت } ويسمى الدرع إذا لبس نثرة ، ونثرت الشاة طرحت من أنفها الأذى ، والنثرة ما يسيل من الأنف ، وقد تسمى الأنف نثرة ، ومنه النثرة لنجم يقال له أنف الأسد ، وطعنه فانثره ألقاه على أنفه ، والاستنثار جعل الماء في النثرة .
نجد : النجد المكان الغليظ الرفيع ، وقوله { وهديناه النجدين } فذلك مثل لطريقي الحق والباطل في الاعتقاد والصدق والكذب في المقال ، والجميل والقبيح في الفعال ، وبين أنه عرفهما كقوله : { إنا هديناه السبيل } الآية ، والنجد اسم صقع وأنجده قصده ، ورجل نجد ونجيد ونجد أي قوي شديد بين
____________________
(1/482)
النجدة ، واستنجدته طلبت نجدته فأنجدني أي أعانني بنجدته أي شجاعته وقوته ، وربما قبل استنجد فلان أي قوي ، وقيل للمكروب والمغلوب منجود كانه ناله نجدة أي شدة والنجد العرق ونجده الدهر أي قواه وشدده وذلك بما رأى فيه من التجربة ، ومنه قيل فلان ابن نجدة كذا ، والنجاد ما يرفع به البيت ، والنجاد متخذه ، ونجاد السيف ما يرفع به من السير ، ولناجود الراووق وهو شيء يعلق فيصفى به الشراب .
نجس : النحاسة القذارة وذلك ضربان : ضرب يدرك بالحاسة وضرب يدرك بالبصيرة ، والثاني وصف الله تعالى به المشركين فقال { إنما المشركون نجس } ويقال نجسه أي جعله نجسا ، ونجسه أيضا أزال نجسه ومنه تنجيس العرب وهو شيء كانوا يفعلونه من تعليق عوذة على الصبي ليدفعوا عنه نجاسة الشيطان ، والناجس والنجيس داء خبيث لا دواء له .
نجم : أصل النجم الكوكب الطالع وجمعه نجوم ، ونجم طلع نجوما ونجما فصار النجم مرة اسما ومرة مصدرا ، فالنجوم مرة اسما كالقلوب والجيوب ، ومرة مصدرا كالطلوع والغروب ، ومنه شبه به طلوع النبات والرأي فقيل نجم النبت والقرن ، ونجم لي رأي نجما ونجوما ، ونجم فلان على السلطان صار عاصيا ، ونجمت المال عليه إذا وزعته كأنك فرضت أن يدفع عند طلوع كل نجم نصيبا ثم صار متعارفا في تقدير دفعه بأي ~ شيء قدرت ذلك ، قال تعالى : { وعلامات وبالنجم هم يهتدون } وقال { فنظر نظرة في النجوم } أي في علم النجوم وقوله ، { والنجم إذا هوى } قيل أراد به الكوكب وإنما خص الهوي دون الطلوع فإن لفظة النجم تدل على طلوعه ، وقيل أراد بالنجم الثريا والعرب إذا أطلقت لفظ النجم قصدت به الثريا نحو طلع النجم غذيه وابتغى الراعي شكيه . وقيل أراد بذلك القرآن المنجم المنزل قدرا فقدرا ويعني بقوله هوى نزوله وعلى هذا قوله : { فلا أقسم بمواقع النجوم } فقد فسر على الوجهين ، والتنجم الحكم بالنجوم وقوله : { والنجم والشجر يسجدان } فالنجم ما لا ساق له من النبات ، وقيل أراد الكواكب .
نجو : اصل النجاء الانفصال من الشيء ومنه نجا فلان من فلان وأنجيته ونجيته ، قال : { وأنجينا الذين آمنوا } وقال { إنا منجوك وأهلك } - { وإذ نجيناكم من آل فرعون } - { فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق } - { فأنجيناه وأهله إلا امرأته } - { فأنجيناه والذين معه برحمة منا } - { ونجيناهما وقومهما } - { نجيناهم بسحر نعمة } - { ونجينا الذين آمنوا } - { ونجيناهم من عذاب غليظ } - { ثم ننجي الذين اتقوا } - { ثم ننجي رسلنا } والنجوة والنجاة : المكان المرتفع
____________________
(1/483)
المنفصل بارتفاعه عما حوله ، وقيل سمي لكونه ناجيا من السيل ، ونجيته تركته بنجوة وعلى هذا : { فاليوم ننجيك ببدنك } ونجوت قشر الشجرة وجلد الشاة ولاشتراكهما في ذلك قال الشاعر :
( فقلت انجوا عنها نجا الجلد إنه ** سيرضيكما منها سنام وغاربه ) وناجيته أي ساررته ، وأصله أن تخلو به في نجوة من الأرض وقيل أصله من النجاة وهو أن تعاونه على ما فيه خلاصه . أو أن تنجو بسرك من أن يطلع عليك ، وتناجى القوم ، قال : { يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى } - { إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة } والنجوى أصله المصدر ، قال : { إنما النجوى من الشيطان } وقال : { ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى } وقوله { وأسروا النجوى الذين ظلموا } تنبيها أنهم لم يظهروا بوجه لأن النجوى ربما تظهر بعد . وقال : { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } وقد يوصف بالنجوى فيقال هو نجوى وهم نجوى ، قال : { وإذ هم نجوى } والنجي المناجي ويقال للواحد والجمع ، قال : { وقربناه نجيا } وقال : { فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا } وانتجيت فلآنا استخلصته لسري وأنجى فلان أتى نجوة ، وهم في أرض نجاة أي في أرض مستنجى من شجرها العصي والقسي أي يتخذ ويستخلص ، والنجا عيدان قد قشرت ، قال بعضهم يقال نجوت فلانا استنكهته واحتج بقول الشاعر :
نجوت مجالدا فوجدت منه ** كريح الكلب مات حديث عهد ) فإن يكن حمل نجوت على هذا المعنى من أجل هذا البيت فليس في البيت حجة له ، وإنما أراد أني ساررته فوجدت من بخره ريح الكلب الميت . وكني عما يخرج من الإنسان النجو وقيل شرب دواء فما أنجاه أي ما أقامه ، والاستنجاء تحري إزالة النجو أو طلب نجوة لإلقاء الأذى كقولهم تغوط إذ اطلب غائطا من الأرض و طلب نجوة أي قطعة مدر لإزالة الأذى كقولهم استجمر إذا طلب جمارا أي حجرا ، والنجأة بالهمز الإصابة بالعين . وفي الحديث ادفعوا نجأة السائل باللقمة .
نحب : النحب النذر المحكوم بوجوبه ، يقال قضى فلان نحبه أي وفى بنذره ، قال تعالى { فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر } ويعبر بذلك عمن مات كقولهم قضى أجله واستوفى أكله وقضى من الدنيا حاجته ، والنحيب البكاء الذي عه صوت والنحاب السعال .
نحت : نحت الخشب والحجر ونحوهما من الأجسام الصلبة ، قال { وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين }
____________________
(1/484)
) والنحاتة ما يسقط من المنحوت والنحيتة الطبيعة التي نحت عليها الإنسان كما أن الغريزة ما غرز عليها الإنسان .
نحر : النحر موضع القلادة من الصدر ونحرته أصبت نحه ، ومنه نحره البعير وقيل في حرف عبد الله / < فنحروها وما كادوا يفعلون > / وانتحروا على كذا تقاتلوا تشبيها بنحر البعير ، ونحرة الشهر ونحيره أوله وقيل آخر يوم من الشهر كأنه ينحر الذي قبله ، وقوله { فصل لربك وانحر } هو حث على مراعاة هذين الركنين وهما الصلاة ونحر الهدي وأنه لابد من تعاطيهما فذلك واجب في كل دين وفي كل ملة ، وقيل أمر بوضع اليد على النحر وقيل حث على قتل النفس بقمع الشهوة . والنحرير العالم بالشيء والحاذق به .
نحس : قوله تعالى { يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس } فالنحاس اللهيب بلا دخان وذلك تشبيه في اللون بالنحاس والنحس ضد السعد ، قال { في يوم نحس مستمر } - { فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات } وقرئ نحسات بالفتح قيل مشؤومات ، وقيل شديدات البرد . وأصل الحس أن يحمر الأفق فيصير كالنحاس أي لهب بلا دخان فصار ذلك مثلا للشؤم .
نحل : النحل الحيوان المخصوص ، قال { وأوحى ربك إلى النحل } والنحلة والنحلة عطية على سبيل التبر وهو أخص من الهبة إذ كل هبة نحلة وليس كل نحلة هبة ، واشتقاقه فيما أرى أنه من النحل نظرا منه إلى فعله فكأن نحلته أعطيته عطية النحل ، وذلك ما نبه عليه قوله { وأوحى ربك إلى النحل } الآية وبين الحكماء أن النحل يقع على الأشياء كلها فلا يضرها بوجه وينفع أعظم نفع فإنه يعطي ما فيه الشفاء كما وصفه الله تعالى ، وسمي الصداق بها من حيث إنه لا يجب في مقابلته أكثر من تمتع دون عوض مالي ، وكذلك عطية الرجل ابنه يقال نحل ابنه كذا وأنحله ومنه نحلت المرأة ، قال { صدقاتهن نحلة } والانتحال ادعاء الشيء وتناوله ومنه يقال فلان ينتحل الشعر ونحل جسمه نحولا صار في الدقة كالنحل ومنه النواحل للسيوف أي الرقاق الظبات تصورا لنحولها ويصح أن يجعل النحلة أصلا فيسمى النحل بذلك اعتبارا بفعله والله أعلم .
نحن : نحن عبارة عن المتكلم إذا أخبر عن نفسه مع غيره ، وما ورد في القرآن من إخبار الله تعالى عن نفسه بقوله { نحن نقص عليك أحسن القصص } فقد قيل هو إخبار عن نفسه وحده لكن يخرج ذلك مخرج الإخبار الملوكي . وقال بعض العلماء إن الله تعالى يذكر مثل هذه الألفاظ إذا كان الفعل المذكور بعده يفعله بواسطة بعض ملائكته أو بعض أوليائه
____________________
(1/485)
فيكون نحن عبارة عنه تعالى وعنهم وذلك كالوحي ونصرة المؤمنين وإهلاك الكافرين ونحو ذلك مما يتولاه الملائكة المذكورون بقوله { فالمدبرات أمرا } وعلى هذا قوله { ونحن أقرب إليه منكم } يعني وقت المحتضر حين يشهده الرسل المذكورون في قوله { تتوفاهم الملائكة } وقوله { إنا نحن نزلنا الذكر } لما كان بوساطة القلم واللوح وجبريل .
نخر : قال { أئذا كنا عظاما نخرة } من قولهم نخرت الشجرة أي بليت فهبت بها نخرة الريح أي هبوبها والنخير صوت من الأنف ويسمى رفا الأنف اللذان يخرج منهما النخير نخرتاه ومنخراه ، والنخور الناقة التي لا تدر أو يدخل الأصبع في منخرها ، والناخر من يخرج منه النخير ومنه ما بالدار ناخر .
نخل : النخل معروف ، وقد يستعمل في الواحد والجمع ، قال تعالى : { كأنهم أعجاز نخل منقعر } وقال { كأنهم أعجاز نخل خاوية } - { ونخل طلعها هضيم } - { والنخل باسقات لها طلع نضيد } وجمعه نخيل ، قال { ومن ثمرات النخيل } والنخل بخل الدقيق بالمنخل وانتخلت الشيء انتقيته فأخذت خياره .
ندد : نديد الشيء مشاركه في جوهره وذلك ضرب من المماثلة فإن المثل يقال في أي مشاركة كانت ، فكل ند مثل وليس كل مثل ندا ، ويقال نده ونديده ونديدته ، قال : { فلا تجعلوا لله أندادا } - { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا } - { وتجعلون له أندادا } وقرئ { يوم التناد } أي يند بعضهم من بعض نحو { يوم يفر المرء من أخيه } .
ندم : الندم والندامة التحسر من تغير رأي في أمر فائت ، قال تعالى : { فأصبح من النادمين } وقال { عما قليل ليصبحن نادمين } وأصله من منادمة الحزن له . والنديم والندمان والمنادم يتقارب . قال بعضهم : المندامة والمداومة يتقاربان . وقال بعضهم : الشريبان سميا نديمين لما يتعقب أحوالهما من الندامة على فعليهما .
ندا : النداء رفع الصوت وظهوره ، وقد يقال ذلك للصوت المجرد وإياه قصد بقوله : { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء } أي لا يعرف إلا الصوت المجرد دون المعنى الذي يقتضيه تركيب الكلام . ويقال للمركب الذي يفهم منه المعنى ذلك ، قال تعالى { وإذ نادى ربك موسى } وقوله { وإذا ناديتم إلى الصلاة } أي دعوتم وكذلك { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } ونداء الصلاة مخصوص في الشرع بالألفاظ المعروفة وقوله : { أولئك ينادون من مكان بعيد } فاستعمال النداء فيهم تنبيها على
____________________
(1/486)
بعدهم عن الحق في قوله : { واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب } - { وناديناه من جانب الطور الأيمن } وقال : { فلما جاءها نودي } وقوله : { إذ نادى ربه نداء خفيا } فإنه أشار بالنداء إلى الله تعالى لأنه تصور نفسه بعيدا منه بذنوبه وأحواله السيئة كما يكون حال من يخاف عذابه ، وقوله : { ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان } فالإشارة بالمنادي إلى العقل والكتاب المنزل والرسول المرسل وسائر الآيات الدالة على وجوب الإيمان بالله تعالى . وجعله مناديا إلى الإيمان لظهوره ظهور النداء وحثه على ذلك كحث المنادي . وأصل النداء من الندى أي الرطوبة ، يقال صوت ندي رفيع ، واستعارة النداء للصوت من حيث أن من يكثر رطوبة فمه حسن كلامه ولهذا يوصف الفصيح بكثرة الريق ، ويقال ندى وأنداء وأندية ، ويسمى الشجر ندى لكونه منه وذلك لتسمية المسبب باسم سببه وقول الشاعر :
( كالكرم إذ نادى من الكافور ** ) أي ظهر ظهور صوت المنادي وعبر عن المجالسة بالنداء حتى قيل للمجلس النادي والمنتدى والندي وقيل ذلك للجليس ، قال { فليدع ناديه } ومنه سميت دار الندوة بمكة وهو المكان الذي كانوا يجتمعون فيه . ويعبر عن السخاء بالندى فيقال فلان أندى كفا من فلان وهو يتندى على أصحابه أي يتسخى ، ومنديات بشيء من فلان أي ما نلت منه ندى ، ونديات الكلم المخزيات التي تعرف .
نذر : النذر أن توجب على نفسك ما ليس بواجب لحدوث أمر ، يقال نذرت لله أمرا ، قال تعالى : { إني نذرت للرحمن صوما } وقال { وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر } والإنذار إخبار فيه تخويف كما أن التبشير إخبار فيه سرور ، قال : { فأنذرتكم نارا تلظى } - { أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } - { واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف } - { والذين كفروا عما أنذروا معرضون } - { لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع } - { لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم } والنذير المنذر ويقع على كل شيء فيه إنذار إنسانا كان أو غيره { إني لكم نذير مبين } - { إني أنا النذير المبين } - { وما أنا إلا نذير مبين } - { وجاءكم النذير } - { نذيرا للبشر } والنذر جمعه ، قال : { هذا نذير من النذر الأولى } أي من جنس ما أنذر به الذين تقدموا قال : { كذبت ثمود بالنذر } - { ولقد جاء آل فرعون النذر } - { فكيف كان عذابي ونذر } وقد نذرت أي علمت ذلك وحذرت .
نزع : نزع الشيء جذبه من مقره كنزع القوس عن كبده ويستعمل ذلك في الأعراض ، ومنه نزع العداوة والمحبة من القلب ، قال تعالى :
____________________
(1/487)
{ ونزعنا ما في صدورهم من غل } وانتزعت آية من القرآن في كذا ونزع فلان كذا أي سلب قال : { وتنزع الملك ممن تشاء } وقوله : { والنازعات غرقا } قيل هي الملائكة التي تنزع الأرواح عن الأشباح ، وقوله : { إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر } وقوله : { تنزع الناس } قيل تقلع الناس من مقرهم لشدة هبوبها . وقيل تنزع أرواحهم من أبدانهم ، والتنازع والمنازعة المجاذبة ويعبر بهما عن المخاصمة والمجادلة ، قال : { فإن تنازعتم في شيء فردوه } - { فتنازعوا أمرهم بينهم } والنزع عن الشيء الكف عنه والنزوع الاشتياق الشديد وذلك هو المعبر عنه بإمحال النفس مع الحبيب ، ونازعتني نفسي إلى كذا وأنزع القوم نزعت إبلهم إلى مواطنهم أي حنت ، ورجل أنزع زال عنه شعر رأسه كأنه نزع عنه ففارق ، والنزعة الموضع من رأس الأنزع ويقال امرأة زعراء ولا يقال نزعاء ، وبئر نزوع قريبة القعر ينزع منها باليد ، وشراب طيب المنزعة أي المقطع إذا شرب كما قال : { ختامه مسك } .
نزغ : النزغ دخول في أمر لإفساده ، قال : { من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي } .
نزف : نزف الماء نزحه كله من البئر شيئا بعد شيء ، وبئر نزوف نزف ماؤه ، والنزفة الغرفة والجمع النزف ، وتزف دمه أو دمعه أي نزع كله ومنه قيل سكران نزيف نزف فهمه بسكره ، قال تعالى : { لا يصدعون عنها ولا ينزفون } وقرئ { ينزفون } من قولهم أنزفوا إذا نزف شرابهم أو نزعت عقولهم . وأصله من قولهم أنزفوا أي نزف ماء بئرهم ، وأنزفت الشيء أبلغ من نزفته ، ونزف الرجل في الخصومة انقطعت حجته وفي مثل ، هو أجبن من المنزوف ضرطا .
نزل النزول في الأصل هو انحطاط من علو ، قال نزل عن دابته ونزل في مكان كذا حط رحله فيه ، وأنزله غيره ، قال : { أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين } ونزل بكذا وأنزله بمعنى ، وإنزال الله تعالى نعمه ونقمه على الخلق وإعطاؤهم إياها وذلك إما بإنزال الشيء نفسه كإنزال القرآن وإما بإنزال أسبابه والهداية إليه كإنزال الحديد واللباس ، ونحو ذلك ، قال : { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب } - { الله الذي أنزل الكتاب } - { وأنزلنا الحديد } - { وأنزلنا معهم الكتاب والميزان } - { وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج } - { وأنزلنا من السماء ماء طهورا } - { وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا } - و - { أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم } - { أنزل علينا مائدة من السماء } - { أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده } ومن إنزال العذاب قوله { إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون }
____________________
(1/488)
) والفرق بين الإنزال والتنزيل في وصف القرآن والملائكة أن التنزيل يختص بالموضع الذي يشير إليه إنزاله مفرقا ومرة بعد أخرى ، والإنزال عام ، فمما ذكر فيه التنزيل قوله : { نزل به الروح الأمين } وقرئ { نزل } { ونزلناه تنزيلا } - { إنا نحن نزلنا الذكر } - { لولا نزل هذا القرآن } - { ولو نزلناه على بعض الأعجمين } - { ثم أنزل الله سكينته } - { وأنزل جنودا لم تروها } - { لولا نزلت سورة } - { فإذا أنزلت سورة محكمة } فإنما ذكر في الأول نزل وفي الثاني أنزل تنبيها أن المنافقين يقترحون أن ينزل شيء فشيء من الحث على القتال ليتولوه وإذا أمروا بذلك مرة واحدة تحاشوا منه فلم يفعلوه فهم يقترحون الكثير ولا يفون منه بالقليل . وقوله : { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } - { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } - { إنا أنزلناه في ليلة القدر } وإنما خص لفظ الإنزال دون التنزيل ، لما روي أن القرآن نزل دفعة واحدة إلى سماء الدنيا ، ثم نزل نجما فنجما . وقوله : { الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله } فخص لفظ الإنزال ليكون أعم ، فقد تقدم أن الإنزال أعم من التنزيل ، قال { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل } ولم يقل لو نزلنا تنبيها أنا لو خولناه مرة ما خولناك مرارا { لرأيته خاشعا } . وقوله : { قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله } فقد قيل أراد بإنزال الذكر ههنا بعثة النبي عليه الصلاة والسلام وسماه ذكرا كما سمي عيسى عليه السلام كلمة ، فعلى هذا يكون قوله رسولا بدلا من قوله ذكرا ، وقيل بل أراد إنزال ذكره فيكون رسولا مفعولا لقوله ذكرا أي ذكرا رسولا . وأما التنزل فهو كالنزول به ، يقال نزل الملك بكذا وتنزل ولا يقال نزل الله بكذا ولا تنزل ، قال : { نزل به الروح الأمين } وقال { تنزل } ، قال : { نزل به الروح الأمين } { تنزل الملائكة } - { وما نتنزل إلا بأمر ربك } - { يتنزل الأمر بينهن } ولا يقال في المفترى والكذب وما كان من الشيطان إلا التنزل { وما تنزلت به الشياطين } - { على من تنزل الشياطين تنزل } الآية . والنزل ما يعد للنازل من الزاد ، قال { فلهم جنات المأوى نزلا } وقال { نزلا من عند الله } وقال في صفة أهل النار { لآكلون من شجر من زقوم } إلى قوله { هذا نزلهم يوم الدين } - { فنزل من حميم } وأنزلت فلانا أضفته . ويعبر بالنازلة عن الشدة وجمعها نوازل ، والنزال في الحرب المنازلة ، ونزل فلان إذا أتى منى ، قال الشاعر :
( أنازلة أسماء أم غير نازلة ** والنزالة والنزل يكنى بهما عن ماء الرجل إذا خرج عنه ، وطعام نزل وذو نزل له ريع وحظ .
____________________
(1/489)
ونزل مجتمع تشبيها بالطعام النزل .
نسب : النسب والنسبة اشتراك من جهة أحد الأبوين وذلك ضربان : نسب بالطول كالاشتراك من الآباء والأبناء ، ونسب بالعرض كالنسبة بين بني الأخوة وبني الأعمام . قال : { فجعله نسبا وصهرا } وقيل : فلان نسيب فلان : أي قريبه ، وتستعمل النسبة في مقدارين متجانسين بعض التجانس يختص كل واحد منهما بالآخر ، ومنه النسيب وهو الانتساب في الشعر إلى المرأة بذكر العشق ، يقال نسب الشاعر بالمرأة نسبا ونسيبا .
نسخ : النسخ إزالة شيء بشيء يتعقبه كنسخ الشمس الظل ، والظل الشمس ، والشيب الشباب . فتارة يفهم منه الإزالة وتارة يفهم منه الإثبات ، وتارة يفهم منه الأمران . ونسخ الكتاب إزالة الحكم بحكم يتعقبه ، قال تعالى : { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها } قيل معناه ما نزيل العمل بها أو نحذفها عن قلوب العباد ، وقيل معناه ما نوجده وننزله من قولهم نسخت الكتاب ، وما ننساه أي نؤخره فلم ننزله ، { فينسخ الله ما يلقي الشيطان } ونسخ الكتاب نقل صورته المجردة إلى كتاب آخر ، وذلك لا يقتضي إزالة الصورة الأولى بل يقتضي إثبات مثلها في مادة أخرى كاتخاذ نقش الخاتم في شموع كثيرة ، والاستنساخ التقدم بنسخ الشيء والترشح للنسخ . وقد يعبر بالنسخ عن الاستنساخ ، قال { إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } والمناسخة في الميراث هو أن يموت ورثة بعد ورثة والميراث قائم لم يقسم وتناسخ الأزمنة والقرون مضي قوم بعد قوم يخلفهم . والقائلون بالتناسخ قوم ينكرون البعث على ما أثبتته الشريعة ، ويزعمون أن الأرواح تنتقل إلى الأجسام على التأبيد .
نسر : نسر اسم صنم في قوله { ونسرا } والنسر طائر ومصدر نسر الطائر الشيء بمنسره أي نقره ، ونسر الحافر لحمة ناتئة تشبيها به ، والنسران نجمان طائر وواقع ، ونسرت كذا تناولته قليلا قليلا ، تناول الطائر الشيء بمنسره .
نسف : نسفت الريح الشيء اقتلعته وأزالته ، يقال نسفته وانتسفته ، قال { ينسفها ربي نسفا } ونسف البعير الأرض بمقدم رجله إذا رمى بترابه ، يقال ناقة نسوف ، قال تعالى : { ثم لننسفنه في اليم نسفا } أي نطرحه فيه طرح النسافة وهي ما تثور من غبار الأرض . وتسمى الرغوة نسافة تشبيها بذلك ، وإناء نسفان امتلأ فعلاه نسافة ، وانتسف لونه أي تغير عما كان عليه نسافه كما يقال اغبر وجهه . والنسفة حجارة ينسف بها الوسخ عن القدم ، وكلام نسيف أي متغير ضئيل .
نسك : النسك العبادة والناسك العابد
____________________
(1/490)
واختص بأعمال الحج ، والمناسك مواقف النسك وأعمالها ، والنسيكة مختصة بالذبيحة ، قال { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } - { فإذا قضيتم مناسككم } - { منسكا هم ناسكوه } .
نسل : النسل الانفصال عن الشيء ، يقال نسل الوبر عن البعير والقميص عن الإنسان ، قال الشاعر :
( فسلي ثيابي عن ثيابك تنسلى ) والنسالة ما سقط من الشعر وما يتحات من الريش ، وقد أنسلت الإبل حان أن ينسل وبرها ، ومنه نسل إذا عدا ، ينسل نسلانا إذا أسرع ، قال { وهم من كل حدب ينسلون } والنسل الولد لكونه ناسلا عن أبيه ، قال { ويهلك الحرث والنسل } وتناسلوا توالدوا ، ويقال أيضا إذا طلبت فضل إنسان فخذ ما نسل لك منه عفوا .
نسى : النسيان ترك الإنسان ضبط ما استودع إما لضعف قلبه ، وإما عن غفلة وإما عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره ، يقال نسيته نسيانا ، قال { ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما } - { فذوقوا بما نسيتم } - { فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان } - { لا تؤاخذني بما نسيت } - { فنسوا حظا مما ذكروا به } - { ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل } - { سنقرئك فلا تنسى } إخبار وضمان من الله تعالى أنه يجعله بحيث لا ينسى ما يسمعه من الحق ، وكل نسيان من الإنسان ذمه الله تعالى به فهو ما كان أصله عن تعمد وما عذر فيه نحو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم رفع عن أمتي الخطأ والنسيان فهو ما لم يكن سببه منه ، وقوله { فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم } هو ما كان سببه عن تعمد منهم وتركه على طريق الإهانة ، وإذا نسب ذلك إلى الله فهو تركه إياهم استهانة بهم ومجازاة لما تركوه ، قال { فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا } - { نسوا الله فنسيهم } وقوله { ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم } فتنبيه أن الإنسان بمعرفته بنفسه يعرف الله ، فنسيانه لله هو من نسيانه نفسه . وقوله تعالى : { واذكر ربك إذا نسيت } . قال ابن عباس : إذا قلت شيئا ولم تقل إن شاء الله فقله إذا تذكرته ، وبهذا أجاز الاستثناء بعد مدة ، قال عكرمة : معنى نسيت ارتكبت ذنبا ، ومعناه اذكر الله إذا أردت وقصدت ارتكاب ذنب يكن ذلك دافعا لك ، فالنسي أصله ما ينسى كالنقض لما ينقض وصار في التعارف اسما لما يقل الاعتداد به ، ومن هذا تقول العرب احفظوا أنساءكم أي ما من شأنه أن ينسى ، قال الشاعر :
____________________
(1/491)
( كأن لها في الأرض نسيا تقصه ** ) وقوله تعالى : { نسيا منسيا } أي جاريا مجرى النسي القليل الاعتداد به وإن لم ينس ولهذا عقبه بقوله منسيا لأن النسي قد يقال لما يقل الاعتداد به وإن لم ينس ، وقرئ نسيا وهو مصدر موضوع موضع المفعول نحو عصى عصيا وعصيانا . وقوله : { ما ننسخ من آية أو ننسها } فإنساؤها حذف ذكرها عن القلوب بقوة إلهية . والنساء والنسوان والنسوة جمع المرأة من غير لفظها كالقوم في جمع المرء ، قال تعالى : { لا يسخر قوم من قوم } إلى قوله : { ولا نساء من نساء } - { نساؤكم حرث لكم } - { يا نساء النبي } - { وقال نسوة في المدينة } - { ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن } والنسا عرق وتثنيته نسيان وجمعه أنساء .
نسأ : النسء تأخير في الوقت ، ومنه نسئت المرأة إذا تأخر وقت حيضها فرجي حملها وهي نسوء ، يقال نسأ الله في أجلك ونسأ الله أجلك والنسيئة بيع الشيء بالتأخير ومنها النسء الذي كانت العرب تفعله وهو تأخير بعض الأشهر الحرم إلى شهر آخر ، قال : { إنما النسيء زيادة في الكفر } وقرئ / < ما ننسخ من آية أو ننساها > / أي نؤخرها إما بإنسائها وإما بإبطال حكمها . والمنسأ عصا ينسأ به الشيء أي يؤخر ، قال : { تأكل منسأته } ونسأت الإبل في ظمئها يوما أو يومين أي أخرت ، قال الشاعر :
( وعنس كألواح الإران نسأتها ** إذ قيل للمشبوبتين هما هما ) والنسوء الحليب إذا أخر تناوله فحمض فمد بماء .
نشر : النشر ، نشر الثوب والصحيفة والسحاب والنعمة والحديث بسطها ، قال : { وإذا الصحف نشرت } وقال : { وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته } - { وينشر رحمته } وقوله : { والناشرات نشرا } أي الملائكة التي تنشر الرياح أو الرياح التي تنشر السحاب ، ويقال في جمع الناشر نشر وقرئ نشرا فيكون كقوله والناشرات ومنه سمعت نشرا حسنا أي حديثا ينشر من مدح وغيره ، ونشر الميت نشورا ، قال : { وإليه النشور } - { بل كانوا لا يرجون نشورا } - { ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا } ، وأنشر الله الميت فنشر ، قال : { ثم إذا شاء أنشره } - { فأنشرنا به بلدة ميتا } وقيل نشر الله الميت وأنشره بمعنى ، والحقيقة أن نشر الله الميت مستعار من نشر الثوب ، قال الشاعر :
( طوتك خطوب دهرك بعد نشر ** كذاك خطوبه طيا ونشرا ) وقوله : { وجعل النهار نشورا } أي جعل فيه
____________________
(1/492)
الانتشار وابتغاء الرزق كما قال : { ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار } الآية ، وانتشار الناس تصرفهم في الحاجات ، قال : { ثم إذا أنتم بشر تنتشرون } - { فإذا طعمتم فانتشروا } - { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } وقيل نشروا في معنى انتشروا وقرئ : / < وإذا قيل انشروا فانشروا > / أي تفرقوا والانتشار انتفاخ عصب الدابة ، والنواشر عروق باطن الذراع وذلك لانتشارها ، والنشر الغيم المنتشر وهو للمنشور كالنقض للمنقوض ومنه قيل اكتسى البازي ريشا نشرا أي منتشرا واسعا طويلا ، والنشر الكلا اليابس ، إذا أصابه مطر فينشر أي يحيا فيخرج منه شيء كهيئة الحلمة وذلك داء للغنم ، يقال مه نشرت الأرض فهي ناشرة ونشرت الخشب بالمنشار نشرا اعتبارا بما ينشر منه عند النحت ، والنشرة رقية يعالج المريض بها .
نشز : النشز المرتفع من الأرض ، ونشز فلان إذا قصد نزا ومنه نشزا فلان عن مقره نبا وكل ناب ناشز ، قال : { وإذا قيل انشزوا فانشزوا } ويعبر عن الإحياء بالنشز والإنشاز لكونه ارتفاعا بعد اتضاع ، قال : { وانظر إلى العظام كيف ننشزها } ، وقرئ بضم النون وفتحها { واللاتي تخافون نشوزهن } ونشوز المرأة بغضها لزوجها ورفع نفسها عن طاعته وعينها عنه إلى غيره وبهذا النظر قال الشاعر :
( إذا جلست عند الإمام كأنها ** ترى رفقة من ساعة تستحيلها ) وعرق ناشز أي ناتئ .
نشط : قال الله تعالى : { والناشطات نشطا } قيل أراد بها النجوم الخارجات من الشرق إلى الغرب بسير الفلك ، أو السائرات من المغرب إلى المشرق بسير أنفسها م قولهم ثور ناشط خارج من أرض إلى أرض ، وقيل الملائكة التي تنشط أرواح الناس أي تنزع وقيل الملائكة التي تعقد الأمور من قولهم نشطت العقدة ، وتخصيص النشط وهو العقد الذي يسهل حله تنبيها على سهولة الأمر عليهم ، وبئر أنشاط قريبة القعر يخرج دلوها بجذبة واحدة ، والنشيطة ما ينشط الرئيس لأخذه قبل القسمة وقيل النشيطة من الإبل أن يجدها الجيش فتساق من غير أن يحدى لها ، ويقال نشطته الحية : نهشته .
نشأ : النشء والنشأة إحداث الشيء وتربيته ، قال { ولقد علمتم النشأة الأولى } يقال : نشأ فلان والناشئ يراد به الشاب ، وقوله : { إن ناشئة الليل هي أشد وطأ } يريد القيام والانتصاب للصلاة ، ومنه نشأ السحاب لحدوثه في الهواء وتربيته شيئا فشيئا ، قال : { وينشئ السحاب الثقال } الإنشاء إيجاد الشيء وتربيته
____________________
(1/493)
وأكثر ما يقال ذلك في الحيوان ، قال { هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار } . وقال { هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض } وقال { ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين } وقال { ثم أنشأناه خلقا آخر } - { وننشئكم في ما لا تعلمون } - { علمتم النشأة الأولى } فهذه كلها في الإيجاد المختص بالله وقوله : { أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون } فلتشبيه إيجاد النار المستخرجة بإيجاد الإنسان ، وقوله : { أو من ينشأ في الحلية } أي يربى تربية كتربية النساء ، وقرئ : ينشأ ، أي يتربى .
نصب : نصب الشيء وضعه وضعا ناتئا كنصب الرمح والبناء والحجر ، والنصيب الحجارة تنصب على الشيء ، وجمعه نصائب ونصب ، وكان للعرب حجارة تعبدها وتذبح عليها ، قال : { كأنهم إلى نصب يوفضون } قال : { وما ذبح على النصب } وقد يقال في جمعه أنصاب ، قال : { والأنصاب والأزلام } والنصب والنصب التعب ، وقرئ : بنصب وعذاب ونصب وذلك مثل : بخل وبخل ، قال : { لا يمسنا فيها نصب } وأنصبني كذا أي أتعبني وأزعجني ، قال الشاعر :
( تأوبني هم مع الليل منصب ** ) وهم ناصب قيل هو مثل عيشة راضية ، والنصب التعب ، قال : { لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا } وقد نصب فهو نصب وناصب ، قال تعالى : { عاملة ناصبة } والنصيب الحظ المنصوب أي المعين ، قال { أم لهم نصيب من الملك } - { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب } - { فإذا فرغت فانصب } ويقال ناصبه الحرب والعداوة ونصب له ، وإن لم يذكر الحرب جاز ، وتيس أنصب ، وشاة أو عنزة نصباء منتصب القرن ، وناقة نصباء منتصبة الصدر ، ونصاب السكين ونصبه ، ومنه نصاب الشيء أصله ، ورجع فلان إلى منصبه أي أصله ، وتنصب الغبار ارتفع ، ونصب الستر رفعه ، والنصب في الإعراب معروف ، وفي الغناء ضرب منه .
نصح : النصح تحري فعل أو قول فيه صلاح صاحبه ، قال : { لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين } وقال : { وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين } - { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم } وهو من قولهم نصحت له الود أي أخلصته ، وناصح العسل خالصه أو من قولهم نصحت الجلد خطته ، والناصح الخياط والنصاح الخيط ، وقوله : { توبوا إلى الله توبة نصوحا } فمن أحد هذين : إما الإخلاص ، وإما الإحكام ، ويقال نصوح ونصاح نحو ذهوب وذهاب ، قال :
( أحببت حبا خالطته نصاحة ** )
____________________
(1/494)
نصر : النصر والنصرة العون ، قال : { نصر من الله } - { إذا جاء نصر الله } - { وانصروا آلهتكم } - { إن ينصركم الله فلا غالب لكم } - { وانصرنا على القوم الكافرين } - { وكان حقا علينا نصر المؤمنين } - { إنا لننصر رسلنا } - { وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير } - { وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا } - { وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير } - { فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله } إلى غير ذلك من الآيات ، ونصرة الله للعبد ظاهرة ، ونصرة العبد لله هو نصرته لعباده والقيام بحفظ حدوده ورعاية عهوده واعتناق أحكامه واجتناب نهيه ، قال { وليعلم الله من ينصره } - { إن تنصروا الله ينصركم } - { كونوا أنصار الله } والانتصار والاستنصار طلب النصرة { والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون } - { وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر } - { ولمن انتصر بعد ظلمه } - { فدعا ربه أني مغلوب فانتصر } وإنما قال فانتصر ولم يقل انصر تنبيها أن ما يلحقني يلحقك من حيث إن جئتهم بأمرك ، فإذا نصرتني فقد انتصرت لنفسك ، والتناصر التعاون ، قال : { ما لكم لا تناصرون } والنصارى قيل سموا بذلك لقوله : { كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله } وقيل سموا بذلك انتسابا إلى قرية يقال لها نصران ، فيقال نصراني وجمعه نصارى ، قال : { وقالت اليهود ليست النصارى } الآية ، ونصر أرض بني فلان أي مطر ، وذلك أن المطر هو نصرة الأرض ، ونصرت فلانا أعطيته إما مستعار من نصر الأرض أو من العون .
نصف : نصف الشيء شطره ، قال : { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد } - { وإن كانت واحدة فلها النصف } - { فلها نصف ما ترك } وإناء نصفان بلغ ما فيه نصفه ، ونصف النهار وانتصف بلغ نصفه ، ونصف الإزار ساقه ، والنصيف مكيال كأنه نصف المكيال الأكبر ، ومقنعة النساء كأنها نصف من المقنعة الكبيرة ، قال الشاعر :
( سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ** فتناولته واتقتنا باليد ) وبلغنا منصف الطريق . والنصف المرأة التي بين الصغيرة والكبيرة ، والمنصف من الشراب ما طبخ فذهب منه نصفه ، والإنصاف في المعاملة العدالة وذلك أن لا يأخذ من صاحبه من المنافع إلا مثل ما يعطيه ، ولا ينيله من المضار إلا مثل ما يناله منه ، واستعمل النصفة في الخدمة فقيل للخادم ناصف وجمعه نصف وهو أن يعطي صاحبه ما عليه بإزاء ما يأخذ
____________________
(1/495)
من النفع . والاسنتصاف ، والاستنصال : طلب النصفة .
نصا : الناصية قصاص الشعر ونصوت فلانا وانتصيته وناصيته أخذت بناصيته ، وقوله { ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها } أي متمكن منها ، قال تعالى : { لنسفعا بالناصية ناصية } وحديث عائشة رضي الله عنها مالكم تنصون ميتكم أي تمدون ناصيته . وفلان ناصية قومه كقولهم رأسهم وعينهم ، وانتصى الشعر طال ، والنصي مرعى من أفضل المراعي . وفلان نصية قوم أي خيارهم تشبيها بذلك المرعى .
نضج : يقال نضج اللحم نضجا ونضجا إذا أدرك شيه ، قال تعالى : { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها } ومنه قيل ناقة منضجة إذا جاوزت بحملها وقت ولادتها ، وقد نضجت وفلان نضيج الرأي محكمه .
نضد : يقال نضدت المتاع بعضه على بعض ألقيته فهو منضود والنضد ، والنضيد السرير الذي ينضد عليه المتاع ومنه استعير طلع نضيد وقال { وطلح منضود } وبه شبه السحاب المتراكم فقيل له النضد وأنضاد القوم جماعاتهم ، ونضد الرجل من يتقوى به من أعمامه وأخواله .
نضر : النضرة الحسن كالنضارة ، قال { نضرة النعيم } أي رونقه ، قال { ولقاهم نضرة وسرورا } ونضر وجهه ينضر فهو ناضر ، وقيل نضر ينضر قال { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } ونضر الله وجهه . وأخضر ناضر : غصن حسن ، والنضر والنضير الذهب لنضارته ، وقدح نضار خالص كالتبر ، وقدح نضار بالإضافة متخذ من الشجر .
نطح : النطيحة ما نطح من الأغنام فمات ، قال { والمتردية والنطيحة } والنطيح والناطح الظبي والطائر الذي يستقبلك بوجهه كأنه ينطحك ويتشاء م به ، ورجل نطيح مشئوم ومنه نواطح الدهر أي شدائده ، وفرس نطيح يأخذ فودى رأسه بياض .
نطف : النطفة الماء الصافي ويعبر بها عن ماء الرجل ، قال : { ثم جعلناه نطفة في قرار مكين } وقال { من نطفة أمشاج } - { ألم يك نطفة من مني يمنى } ويكنى عن اللؤلؤة بالنطفة ومنه صبي منطف إذا كان في أذنه لؤلؤة ، والنطف الدلو الواحدة نطفة ، وليلة نطوف يجئ فيها المطر حتى الصباح ، والناطف السائل من المائعات ومنه الناطف المعروف ، وفلا منطف المعروف وفلان ينطف بسوء كذلك وفلان كقولك يندي به .
نطق : النطق في التعارف الأصوات المقطعة التي يظهرها اللسان وتعيها الآذان قال { ما لكم لا تنطقون } ولا يكاد يقال إلا للإنسان ولا يقال لغيره إلا على سبيل التبع نحو الناطق والصامت فيراد بالناطق ماله صوت وبالصامت .
____________________
(1/496)
ما ليس له صوت ، ولا يقال للحيوانات ناطق إلا مقيدا وعلى طرق التشبيه كقول الشاعر :
( عجبت لها أنى يكون غناؤها ** فصيحا ولم تفغر لمنطقها فما ) والمنطقيون يسمون القوة التي منها النطق نطقا وإياها عنوا حيث حدوا الإنسان فقالوا هو الحي الناطق المائت ، فالنطق لفظ مشترك عندهم بين القوة الإنسانية التي يكون بها الكلام وبين الكلام المبرز بالصوت ، وقد يقال الناطق لما يدل على شيء وعلى هذا قيل لحكيم : ما الناطق الصامت فقال : الدلائل المخبرة والعبر الواعظة . وقوله { لقد علمت ما هؤلاء ينطقون } إشارة إلى أنهم ليسوا من جنس الناطقين ذوي العقول ، وقوله { قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء } فقد قيل أراد الاعتبار فمعلوم أن الأشياء كلها ليست تنطق إلا من حيث العبرة وقوله { علمنا منطق الطير } فإنه سمي أصوات الطير نطقا اعتبارا بسليمان الذي كان يفهمه ، فمن فهم من شيء معنى فذلك الشيء بالإضافة إليه ناطق وإن كان صامتا ، وبالإضافة إلى من لا يفهم عنه صامت وإن كان ناطقا . وقوله { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق } فإن الكتاب ناطق لكن نطقه تدركه العين كما أن الكلام كتاب لكن يدركه السمع . وقوله { وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء } فقد قيل إن ذلك يكون بالصوت المسموع وقيل يكون بالاعتبار والله أعلم بما يكون في النشأة الآخرة . وقيل حقيقة النطق اللفظ الذي هو كالنطاق للمعنى في ضمه وحصره والمنطق والمنطقه ما يشد به الوسط وقول الشاعر :
( وأبرح ما أدام الله قومي ** بحمد الله منتطقا مجيدا ) فقد قيل منتطقا جانبا أي قائدا فرسا لم يركبه ، فإن لم يكن في هذا المعنى غير هذا البيت فإنه يحتمل أن يكون أراد بالمنتطق الذي شد النطاق كقوله من يطل ذيل أبيه ينتطق به ، وقيل معنى المنتطق المجيد هو الذي يقول قولا فيجبد فيه .
نظر : النظر تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشيء ورؤيته ، وقد يراد به التأمل والفحص ، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص وهو الروية ، يقال نظرت فلم تنظر أي لم تتأمل ولم تترو ، وقوله : { قل انظروا ماذا في السماوات } أي تأملوا . واستعمال النظر في البصر أكثر عند العامة ، وفي البصيرة أكثر عند الخاصة ، قال { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } ويقال نظرت إلى كذا إذا مددت طرفك إليه رايته أو لم تره ، ونظرت فيه إذا رأيته وتدبرته ، قال : { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } نظرت في كذا تأملته ، قال : { فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم } وقوله تعالى { أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض }
____________________
(1/497)
) فذلك حث على تأمل حكمته في خلقها . ونظر الله تعالى إلى عباده : هو إحسانه إليهم وإفاضة نعمه عليهم ، قال : { ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة } وعلى ذلك قوله : { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } والنظر الانتظار ، يقال نظرته وأنتظرته أي أخرته ، قال تعالى : { وانتظروا إنا منتظرون } وقال { فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم } - { قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين } وقال { انظرونا نقتبس من نوركم } - { وما كانوا إذا منظرين } - { قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين } وقال { فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون } وقال { لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون } وقال { فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين } فنفى الإنظار عنهم إشارة إلى ما نبه عليه بقوله : { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } وقال : { إلى طعام غير ناظرين إناه } أي منتظرين وقال : { فناظرة بم يرجع المرسلون } - { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة } وقال : { هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون } وقال : { وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة } وأما قوله : { رب أرني أنظر إليك } فشرحه وبحث حقائقه يختص بغير هذا الكتاب . ويستعمل النظر في التحير في الأمور نحو قوله : { فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون } وقال : { وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون } وقال : { وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي } - { ومنهم من ينظر إليك } - { أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون } فكل ذلك نظر عن تحير دال على قلة الغناء . وقوله : { وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون } قيل مشاهدون وقيل تعتبرون ، وقول الشاعر :
( نظر الدهر إليهم فابتهل ** ) فتنبيه أنه خانهم فأهلكهم ، وحي نظر أي متجاورون يرى بعضهم بعضا كقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا يتراءى ناراهما والنظير المثيل واصله المناظر وكأنه ينظر كل واحد منهما إلى صاحبه فيباريه وبه نظرة ، إشارة إلى قول الشاعر :
( وقالوا به من أعين الجن نظرة ** ) والمناظرة المباحثة والمباراة في النظر واستحضار كل ما يراه ببصيرته ، والنظر البحث وهو اعم من القياس لأن كل قياس نظر وليس كل نظر قياسا .
نعج : النعجة الأنثى من الضأن والبقر الوحش والشاة الجبلي وجمعها نعاج ، قال : { إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة } ونعج الرجل إذا أكل لحم ضأن
____________________
(1/498)
فأتخم منه ، وأنعج الرجل سمنت نعاجه ، والنعج الابيضاض ، وأرض ناعجة سهلة .
نعس : النعاس النوم القليل ، قال : { إذ يغشيكم النعاس أمنة } - { نعاسا } وقيل النعاس ههنا عبارة عن السكون والهدو وإشارة إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : طوبى لكل عبد نومة .
نعق : نعق الراعي بصوته . قال تعالى : { كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء } .
نعل : النعل معروفة ، قال { فاخلع نعليك } وبه شبه نعل الفرس ونعل السيف وفرس منعل في أسفل رسغه بياض على شعره ، ورجل ناعل ومنعل ويعبر به عن الغني كما يعبر بالحافي عن الفقير .
نعم : النعمة الحالة الحسنة وبناء النعمة بناء الحالة التي يكون عليها الإنسان كالجلسة والركبة ، والنعمة التنعم وبناؤها بناء المرة من الفعل كالضربة والشتمة ، والنعمة للجنس تقال للقليل والكثير ، قال { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } - { اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم } - { وأتممت عليكم نعمتي } - { فانقلبوا بنعمة من الله } ) إلى غير ذلك من الآيات . والإنعام إيصال الإحسان إلى الغير ، ولا يقال إلا إذا كان الموصل إليه من جنس الناطقين فإنه لا يقال أنعم فلان على فرسه . قال تعالى : { أنعمت عليهم } - { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه } - { وأنعمت عليه } والنعماء بإزاء الضراء ، قال { ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته } والنعمى قيض البؤسى ، قال { إن هو إلا عبد أنعمنا عليه } والنعيم النعمة الكثيرة ، قال { في جنات النعيم } وقال { جنات النعيم } وتننعم تناول ما فيه النعمة وطيب العيش ، يقال نعمه تنعيما فتنعم أي جعله في نعمة أي لين عيش وخصب ، قال : { فأكرمه ونعمه } وطعام ناعم وجارية ناعمة . والنعم مختص بالإبل ، وجمعه أنعام وتسميته بذلك لكون الإبل عندهم أعظم نعمة ، لكن الأنعام تقال للإبل والبقر والغنم ، ولا يقال لها أنعام حتى يكون في جملتها الإبل قال : { وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون } - { ومن الأنعام حمولة وفرشا } وقوله : { فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام } فالأنعام ههنا عام في الإبل وغيرها . والنعامى الريح الجنوب الناعمة الهبوب ، والنعامة سميت تشبيه بالنعم في الخلقة ، والنعامة المظلة في الجبل ، وعلى رأس البئر تشبيها بالنعامة في الهيئة من البعد ، والنعائم من منازل القمر تشبيها بالنعامة وقول الشاعر :
( وابن النعامة عند ذلك مركبي ** ) فقد قيل أراد رجله وجعلها ابن النعامة تشبيها بها في السرعة . وقيل النعامة باطن القدم ، وما أرى قال ذلك من قال إلا من قولهم ابن
____________________
(1/499)
النعامة . وقولهم تنعم فلان إذا مشى مشيا خفيفا فمن النعمة . ونعم كلمة تستعمل في المدح بإزاء بئس في الذم ، قال { نعم العبد إنه أواب } - { فنعم أجر العاملين } - { نعم المولى ونعم النصير } - { والأرض فرشناها فنعم الماهدون } - { إن تبدوا الصدقات فنعما هي } وتقول إن فعلت كذا فبها ونعمت أي نعمت الخصلة هي ، وغسلته غسلا نعما ، يقال فعل كذا وأنعم أي زاد وأصله من الإنعام ، ونعم الله بك عينا . ونعم كلمة للإيجاب من لفظ النعمة ، تقول نعم ونعمة عين ويعمى عين ونعام عين ، ويصح أن يكون من لفظ أنعم منه ، أي ألين وأسهل .
نغض : الإنغاض تحريك الرأس نحو الغير كالمتعجب منه ، قال : { فسينغضون إليك رؤوسهم } يقال نغض نغضانا إذا حرك رأسه ونغض أسنانه في ارتجاف ، والنغض الظليم الذي ينغض رأسه كثيرا ، والنغض غضروف الكتف .
نفث : النفث قذف الريق القليل وهو أقل من التفل ، ونفث الراقي والساحر أن ينفث في عقده ، قال : { ومن شر النفاثات في العقد } ومنه الحية تنفث السم ، وقيل لو سألته نفاثة سواك ما أعطاك أي ما بقي في أسنانك فنفثت به ، ودم نفيث نفثه الجرح ، وفي المثل : لا بد للمصدور أن ينفث .
نفح : نفح الريح ينفح نفحا وله نفحة طيبة أي هبوب من الخير وقد يستعار ذلك للشر ، قال : { ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك } ونفحت الدابة رمت بحافرها ، ونفحه بالسيف ضربه به ، النفوح من النوق التي يخرج لبنها من غير حلب ، وقوس نفوح بعيدة الدفع للسهم ، وأنفحة الجدي معروفة .
نفخ : النفخ نفخ الريح في الشيء ، قال : { يوم ينفخ في الصور } - { ونفخ في الصور } - { ثم نفخ فيه أخرى } وذلك نحو قوله : { فإذا نقر في الناقور } ومنه نفخ الروح في النشأة الأولى ، قال { ونفخت فيه من روحي } يقال انتفخ بطنه ، ومنه استعير انتفخ النهار إذا ارتفع ، ونفخة الربيع حين أعشب ، ورجل منفوخ أي سمين .
نفد : النفاد الفناء ، قال { إن هذا لرزقنا ما له من نفاد } يقال نفد ينفد ، قال : { قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد } - { ما نفدت كلمات الله } وأنفدوا فني زادهم ، وخصم منافد إذا خاصم لينفد حجة صاحبه ، يقال نافدته فنفدته .
نفذ : نفذ السهم في الرمية نفوذا ونفاذا والمثقب في الخشب إذا خرق إلى الجهة الأخرى ، ونفذ فلان في الأمر نفاذا وأنفذته ، قال { إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان }
____________________
(1/500)
ونفذت الأمر تنفيذا ، والجيش في غزوه ، وفي الحديث : نفذوا جيش أسامة والمنفذ الممر النافذ .
نفر : النفر الانزعاج عن الشيء ، يقال نفر عن الشيء وإلى الشيء كالفزع إلى الشيء وعن الشيء يقال نفر عن الشيء نفورا ، قال { ما زادهم إلا نفورا } - { وما يزيدهم إلا نفورا } ونفر إلى الحرب ينفر وينفر نفرا ومنه يوم النفر ، قال { انفروا خفافا وثقالا } - { إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما } - { ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله } - { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة } والاستنفار حث القوم على النفر إلى الحرب ، والاستنفار حمل القوم على أن ينفروا أي من الحرب والاستنفار أيضا طلب النفار ، وقوله { كأنهم حمر مستنفرة } قرئ بفتح الفاء وكسرها ، فإذا كسر الفاء فمعناه نافرة ، وإذا فتح فمعناه منفرة . والنفر والنفير والنفرة عدة رجال يمكنهم النفر . والمنافرة المحاكمة في المفاخرة ، وقد أنفر فلان إذا فضل في المنافرة ، وتقول العرب نفر فلان إذا سمي باسم يزعمون أن الشيطان ينفر عنه ، قال أعرابي قيل لأبي لما ولدت : نفر عنه ، فسماني قنفذا وكناني أبا العدا . ونفر الجلد ورم ، قال أبو عبيدة : هو من نفار الشيء عن الشيء أي تباعده عنه وتجافيه .
نفس : النفس الروح في قوله : { أخرجوا أنفسكم } قال : { واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه } وقوله : { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك } وقوله : { ويحذركم الله نفسه } فنفسه ذاته وهذا وإن كان قد حصل من حيث اللفظ مضاف ومضاف إليه يقتضي المغايرة وإثبات شيئين من حيث العبارة فلا شيء من حيث المعنى سواه تعالى عن الاثنوية من كل وجه . وقال بعض الناس إن إضافة النفس إليه تعالى إضافة الملك ، ويعني بنفسه نفوسنا الأمارة بالسوء ، وأضاف إليه على سبيل الملك . والمنافسة مجاهدة النفس للتشبه بالأفاضل واللحوق بهم من غير إدخال ضرر على غيره ، قال { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } وهذا كقوله { سابقوا إلى مغفرة من ربكم } والنفس الريح الداخل والخارج في البدن من الفم والمنخر وهو كالغذاء للنفس وبانقطاعه بطلانها ويقال للفرج نفس ومنه ما روي إني لا أجد نفس ربكم من قبل اليمن وقوله عليه الصلاة والسلام لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن أي مما يفرج بها الكرب ، يقال اللهم نفس عني ، أي فرج عني . وتنفست الريح إذا هبت طيبة قال الشاعر :
( فإن الصبا ريح إذا ما تنفست ** على نفس محزون تجلت همومها ) والنفاس ولادة المرأة ، تقول هي نفساء وجمعها نفاس ، وصبي منفوس ، وتنفس النهار عبارة
____________________
(1/501)
عن توسعه ، قال : { والصبح إذا تنفس } ونفست بكذا ضنت نفسي به ، وشيء نفيس ومنفوس به ومنفس .
نفش : النفش نشر الصوف ، قال { كالعهن المنفوش } ونفش الغنم انتشارها ، والنفش بالفتح الغنم المنتشرة ، قال تعلى : { إذ نفشت فيه غنم القوم } والإبل النوافش المترددة ليلا في المرعى بلا راع .
نفع : النفع ما يستعان به في الوصول إلى الخيرات وما يتوصل به إلى الخير فهو خير ، فالنفع خير وضده الضر ، قال تعالى : { ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا } وقال : { قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا } وقال : { لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم } - { ولا تنفع الشفاعة } - { ولا ينفعكم نصحي } إلى غير ذلك من الآيات .
نفق : نفق الشيء مضى ونفد ، ينفق إما بالبيع نحو نفق البيع نفاقا ومنه نفاق الأيم ، ونفق القوم إذا نفق سوقهم . وإما بالموت نحو نفقت الدابة نفوقا ، وإما بالفناء نحو نفقت الدراهم تنفق وأنفقتها . والإنفاق قد يكون في المال وفي غيره وقد يكون واجبا وطوعا ، قال : { وأنفقوا في سبيل الله } - { وأنفقوا من ما رزقناكم } وقال : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } - { وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم } - { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } - { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح } إلى غير ذلك من الآيات . وقوله : { قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق } أي خشية الإقتار ، يقال أنفق فلان إذا نفق ماله فافتقر فالإنفاق ههنا كالإملاق في قوله { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } والنفقة اسم لما ينفق ، قال : { وما أنفقتم من نفقة } - { ولا ينفقون نفقة } والنفق الطريق النافذ والسرب في الأرض النافذ فيه قال { فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض } ومنه نافقاء اليربوع ، وقد نافق اليربوع ونفق ، ومنه النفاق وهو الدخول في الشرع من باب والخروج عنه من باب وعلى ذلك نبه بقوله { إن المنافقين هم الفاسقون } أي الخارجون من الشرع ، وجعل الله المنافقين شرا من الكافرين . فقال { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } ونيفق السراويل معروف .
نفل : النفل قيل هو الغنيمة بعينها لكن اختلفت العبارة عنه لاختلاف الاعتبار ، فإنه إذا اعتبر بكونه مظفورا به يقال له غنيمة ، وإذا اعتبر بكونه منحة من الله ابتداء من غير وجوب يقال له نفل ، ومنهم من فرق بينهما من حيث العموم والخصوص فقال الغنيمة ما حصل مستغنما بتعب كان أو غير تعب ، وباستحقاق كان أو غير استحقاق ، وقبل الظفر كان أو بعده . والنفل ما يحصل للإنسان قبل
____________________
(1/502)
القسمة من جملة الغنيمة ، وقيل هو ما يحصل للمسلمين بغير قتال وهو الفيء ، وقيل هو ما يفصل من المتاع ونحوه بعد ما تقسم الغنائم وعلى ذلك حمل قوله { يسألونك عن الأنفال } الآية ، وأصل ذلك من النفل أي الزيادة على الواجب ، ويقال له النافلة ، قال تعالى { ومن الليل فتهجد به نافلة لك } وعلى هذا قوله { ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة } وهو ولد الولد ، يقال نفلته كذا أي أعطيته نفلا ، ونفله السلطان أعطاه سلب قتيله نفلا أي تفضلا وتبرعا ، والنوفل الكثير العطاء ، وانتفلت امن كذا انتقيت منه .
نقب : النقب في الحائط والجلد كالثقب في الخشب ، يقال نقب البيطار سرة الدابة بالمنقب وهو الذي ينقب به ، والمنقب المكان الذي ينقب ونقب الحائط ، ونقب القوم ساروا ، قال : { فنقبوا في البلاد هل من محيص } وكلب نقيب نقبت غلصمته ليضعف صوته . والنقبة أول الجرب يبدوا وجمعها نقب ، والناقبة قرحة ، والنقبة ثوب كالإزار سمي بذلك لنقبة تجعل فيها تكة ، والمنقبة طرق منفذ في الجبال ، واستعير لفعل الكريم إما لكونه تأثيرا له أو لكونه منهجا في رفعه ، والنقيب الباحث عن القوم وعن أحوالهم وجمعه نقباء ، قال : { وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا }
نقذ : الإنقاذ التخليص من ورطة ، قال { وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها } والنقذ ما أنقذته ، وفرس نقيذ مأخوذ من قوم آخرين كأنه أنقذ منهم وجمعه نقائد .
نقر : النقر قرع الشيء المفضي إلى النقب والمنقار ما ينقر به كمنقار الطائر والحديدة التي ينقر بها الرحى ، وعبر به عن البحث فقيل نقرت عن الأمر واستعير للاغتياب فقيل نقرته ، وقالت امرأة لزوجها : مر بي على بني نظر ولا تمر بي على بنات نقر ، أي على الرجال الذين ينظرون إلي لا على النساء اللواتي يغتبنني . والنقرة وقبة يبقى فيها ماء السيل ، ونقرة القفا : وقبته ، والنقير وقبة في ظهر النواة ويضرب به المثل في الشيء الطفيف ، قال تعالى : { ولا يظلمون نقيرا } والنقير أيضا خشب ينقر وينبذ فيه ، وهو كريم النقير أي كريم إذا نقر عنه أي بحث ، والناقور الصور ، قال { فإذا نقر في الناقور } ونقرت الرجل إذا صوت له بلسانك ، وذلك بأن تلصق لسانك بنقرة حنكك ، ونقرت الرجل إذا خصصته بالدعوة كأنك نقرت له بلسانك مشيرا إليه ويقال لتلك الدعوة النقرى .
نقص : النقص الخسران في الحظ والنقصان المصدر ونقصته فهو منقوص ، قال : { ونقص من الأموال والأنفس } وقال :
____________________
(1/503)
{ وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص } - { ثم لم ينقصوكم شيئا } .
نقض : النقض انتثار العقد من البناء والحبل والعقد وهو ضد الإبرام ، يقال نقضت البناء والحبل والعقد ، وقد انتقض انتقاضا ، والنقض المنقوض وذلك في الشر أكثر والنقض كذلك وذلك في البناء أكثر ، ومنه قيل للبعير المهزول نقض ، ومنتقض الأرض من الكمأة نقض ، ومن نقض الحبل والعقد استعير نقض العهد ، قال : { ثم ينقضون عهدهم } - { الذين ينقضون عهد الله } - { ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } ومنه المناقضة في الكلام وفي الشعر كنقائض جرير والفرزدق النقيضان من الكلام ما لا يصح أحدهما مع الآخر نحو هو كذا وليس بكذا في شيء واحد وحال واحدة ، ومنه انتقضت القرحة وانتقضت الدجاجة صوتت عد وقت البيض ، وحقيقة الانتقاض ليس الصوت إنما هو انتقاضها في نفسها لكي يكون منها الصوت في ذلك الوقت فعبر عن الصوت به ، وقوله : { الذي أنقض ظهرك } أي كسره حتى صار له نقيض ، والإنقاض صوت لزجر القعود ، قال الشاعر :
( أعلمتها الإنقاض بعد القرقره ** ) ونقيض المفاصل صوتها .
نقم : نقمت الشيء ونقمته إذا نكرته إما باللسان وإما بالعقوبة . قال تعالى : { وما نقموا إلا أن أغناهم الله } - { وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله } - { هل تنقمون منا } الآية والنقمة العقوبة . قال { فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم } - { فانتقمنا من الذين أجرموا } - { فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين } .
نكب : نكب عن كذا أي مال . قال تعالى : { عن الصراط لناكبون } والمنكب مجتمع ما بين العضد والكتف وجمعه مناكب ومنه استعير للأرض . قال { فامشوا في مناكبها } واستعارة المنكب لها كاستعارة الظهر لها في قوله { ما ترك على ظهرها من دابة } ومنكب القوم رأس العرفاء مستعار من الجارحة استعارة الرأس للرئيس ، واليد لناصر ، ولفلان النكاية في قومه كقولهم النقابة . والأنكب المائل المنكب ومن الإبل الذي يمشي في شق . والنكب داء يأخذ في المنكب . والنكباء ريح ناكبة عن المهب ، ونكبته حوادث الدهر أي هبت عليه هبوب النكباء .
نكث : النكث نكث الأكسية والغزل قريب من النقض واستعير لنقض العهد قال تعالى { وإن نكثوا أيمانهم } - { إذا هم ينكثون } والنكث كالنقض ، والنكيثة كالنقيضة ، وكل خصلة ينكث فيها القوم يقال لها نكيثة ، قال الشاعر :
____________________
(1/504)
( متى يك أمر للنكيثة أشهد ** )
نكح : أصل النكاح للعقد ، ثم استعير للجماع ومحال أن يكون في الأصل للجماع ، ثم استعير للعقد لأن أسماء الجماع كلها كنايات لاستقباحهم ذكره كاستقباح تعاطيه ، ومحال ان يستعير من لا يقصد فحشا اسم ما يستفظعونه لما يستحسنونه ، قال تعالى : { وأنكحوا الأيامى } - { إذا نكحتم المؤمنات } - { فانكحوهن بإذن أهلهن } إلى غير ذلك من الآيات .
نكد : النكد كل شيء خرج إلى طالبه بتعسر ، يقال رجل نكد ونكد وناقة نكداء طفيفة الدر صعبة الحلب ، قال { والذي خبث لا يخرج إلا نكدا } .
نكر : الإنكار ضد العرفان ، يقال أنكرت كذا ونكرت وأصله أن يرد على القلب مالا يتصوره وذلك ضرب من الجهل ، قال { فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم } - { فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون } وقد يستعمل ذلك فيما ينكر باللسان وسبب الإنكار باللسان هو الإنكار بالقلب لكن ربما ينكر اللسان الشيء وصورته في القلب حاصلة ويكون في ذلك كاذبا . وعلى ذلك قوله تعالى : { يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها } - { فهم له منكرون } - { فأي آيات الله تنكرون } والمنكر كل فعل تحكم العقول الصحيحة بقبحه ، أو تتوقف في استقباحه واستحسانه العقول فتحكم بقبحه الشريعة وإلى ذلك قصد بقوله { الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر } - { كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه } - { وينهون عن المنكر } - { وتأتون في ناديكم المنكر } وتنكير الشيء من حيث المعنى جعله بحيث لا يعرف ، قال { نكروا لها عرشها } وتعريفه جعله بحيث يعرف . واستعمال ذلك في عبارة النحويين هو أن يجعل الاسم على صيغة مخصوصة ونكرت على فلان وأنكرت إذا فعلت به فعلا يردعه ، قال { فكيف كان نكير } أي إنكاري . والنكر الدهاء والأمر الصعب الذي لا يعرف وقد نكر نكارة ، قال : { يوم يدع الداع إلى شيء نكر } . وفي الحديث إذا وضع الميت في القبر أتاه ملكان منكر ونكير واستعيرت المناكرة للمحاربة .
نكس : النكس قلب الشيء على رأسه ومنه نكس الولد إذا خرج رجله قبل رأسه ، وقال { ثم نكسوا على رؤوسهم } والنكس في المرض أن يعود في مرضه بعد إفاقته ، ومن النكس في العمر قال { ومن نعمره ننكسه في الخلق } وذلك مثل قوله { ومنكم من يرد إلى أرذل العمر } وقرئ { ننكسه } ، قال الأخفش لا يكاد يقال نكسته بالتشديد إلا لما يقلب فيجعل رأسه أسفله . والنكس السهم الذي انكسر فوقه فجعل أعلاه أسفله
____________________
(1/505)
فيكون رديئا ، ولرداءته يشبه به الرجل الدنئ .
نكص : النكوص الإحجام عن الشيء ، قال { نكص على عقبيه } .
نكف : يقال نكفت من كذا واستنكفت منه أنفت . قال { لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله } - { وأما الذين استنكفوا } وأصله من نكفت الشيء نحيته ومن النكف وهو تنحية ومن النكف وهو تنحيه الدمع عن الخد بالأصبع ، وبحر لا ينكف أي لا ينزح ، والانتكاف الخروج من أرض إلى أرض .
نكل : يقال نكل عن الشيء ضعف وعجز ، ونكلته قيدته ، والنكل قيد الدابة وحديدة اللجام لكونهما مانعين والجمع الأنكال ، قال { إن لدينا أنكالا وجحيما } ونكلت به إذا فعلت به ما ينكل به غيره واسم ذلك الفعل نكال ، قال { فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها } وقال { جزاء بما كسبا نكالا من الله } وفي الحديث : إن الله يحب النكل على النكل ، أي الرجل القوي على الفرس القوي .
نم : النم إظهار الحديث بالوشاية ، والنميمة الوشاية ، ورجل نمام ، قال : تعالى : ( هماز مشاء بنميم ) وأصل النميمة الهمس والحركة الخفيفة ومنه أسكت الله نامته أي ما ينم عليه من حركته ، والنمام نبت ينم عليه رائحته ، والنمنمة خطوط متقاربة وذلك لقلة الحركة من كاتبها في كتابته .
نمل : قال تعالى : { قالت نملة يا أيها النمل } وطعام منمول فيه النمل ، والنملة قرحة تخرج بالجنب تشبيها بالنمل في الهيئة ، وشق في الحافر ومنه فرس نمل القوائم خفيفها . ويستعار النمل للنميمة تصورا لدبيبه فيقال هو نمل وذو نملة ونمال أي نمام ، وتنمل القوم تفرقوا للجمع تفرق النمل ، ولذلك يقال هو أجمع من نملة ، والأنملة طرف الأصابع ، وجمعه أنامل .
نهج : النهج الطريق الواضح ونهج الأمر وأنهج وضح ومنهج الطريق ومنهاجه ، قال { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } ومنه قولهم : نهج الثوب وأنهج بان فيه أثر البلى ، وقد أنهجه البلى .
نهر : النهر مجرى الماء الفائض وجمعه أنهار ، قال { وفجرنا خلالهما نهرا } - { وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا } وجعل الله تعالى ذلك مثلا لما يدر من فيضه وفضله في الجنة على الناس ، قال : { إن المتقين في جنات ونهر } - { ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا } - { جنات تجري من تحتها الأنهار } والنهر السعة تشبيها بنهر الماء ، ومنه أنهرت الدم أي أسلته إسالة ، وأنهر الماء جرى ، ونهر كثير الماء ، قال أبو ذؤيب :
____________________
(1/506)
( أقامت به فابتنت خيمة ** على قصب وفرات نهر )
والنهار الوقت الذي ينتشر فيه الضوء ، وهو في الشرع ما بين طلوع الفجر إلى وقت غروب الشمس ، وفي الأصل ما بين طلوع الشمس إلى غروبها ، قال : { وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة } وقال { أتاها أمرنا ليلا أو نهارا } وقابل به البيات في قوله : { قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا } ورجل نهر صاحب نهار ، والنهار فرخ الحبارى ، والمنهرة فضاء بين البيوت كالموضع الذي تلقى فيه الكناسة ، والنهر والانتهار الزجر بمغالظة ، يقال نهره وانتهره ، قال : { فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما } - { وأما السائل فلا تنهر } .
نهى : النهي الزجر عن الشيء ، قال : { أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى } وهو من حيث المعنى لا فرق بين أن يكون بالقول أو بغيره ، وما كان بالقول فلا فرق بين أن يكون بلفظة افعل نحو اجتنب كذا ، أو بلفظة لا تفعل . ومن حيث اللفظ هو قولهم لا تفعل كذا ، فإذ قيل لا تفعل كذا فنهي من حيث اللفظ والمعنى جميعا نحو : { ولا تقربا هذه الشجرة } ولهذا قال : { ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة } وقوله : { وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى } فإنه لم يعن أن يقول لنفسه لا تفعل كذا ، بل أراد قمعها عن شهوتها ودفعها عما نزعت إليه وهمت به ، وكذا النهي عن المنكر يكون تارة باليد وتارة باللسان وتارة بالقلب ، قال : { أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا } وقوله : { إن الله يأمر } - إلى قوله - { وينهى عن الفحشاء } أي يحث على فعل الخير ويزجر عن الشر ، وذلك بعضه بالعقل الذي ركبه فينا ، وبعضه بالشرع الذي شرعه لنا ، والانتهاء الانزجار عما نهى عنه ، قال تعالى : { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } وقال : { لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا } وقال { لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين } - { فهل أنتم منتهون } - { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف } أي بلغ به نهايته . والإنهاء في الأصل إبلاغ النهي ، ثم صار متعارفا في كل إبلاغ فقيل أنهيت إلى فلان خبر كذا أي بلغت إليه النهاية ، وناهيك من رجل كقولك حسك ، ومعناه أنه غاية فيما تطلبه وينهاك عن تطلب غيره ، وناقة نهبة تناهت سمنا والنهبة العقل الناهي عن القبائح جمعها نهى ، قال { إن في ذلك لآيات لأولي النهى } وتنهية الوادي حيث ينتهي إليه السيل ، ونهاء النهار ارتفاعه وطلب الحاجة حتى نهي عنها أي انتهى عن طلبها ، ظفر بها أو لم يظفر .
نوب : النوب رجوع الشيء مرة بعد
____________________
(1/507)