إيضاح البيان عن معنى أم القرآن
سُلَيمانُ بنُ عَبدِ القَوي الطُّوفِي الحَنبَلِي
( 716 ? ) رَحمَهُ الله تَعالَى
اعتَنَى به : ابنُ سالم غَفَر الله له ولِوالِدَيه وأَهله وجميع المسلمين
الحمدُ للهِ بجَميعِ محامِدِهِ كُلِّها ، ما عَلِمْنا مِنها وَما لمْ نَعلَم ، على نِعَمِهِ كُلِّها ، ما عَلِمناوما لم نَعلَم ، على خَلقِهِ كُلِّهِم ما عَلِمنا منهُم وما لم نَعلَم ، ولقد كانَ فَضلُ اللهِ علينا عظيماً .
هذهِ رسالةٌ نُترجمُها ?( إيضاحِ البيانِ عن معنى أمِّ القُرآنِ ) (1) ونُتْبِعُهُ فوائدَ أُخَرَ .
والكلامُ على ذلكَ في فصولٍ :
الفَصلُ الأَوَّلُ
بيانُ حقيقةِ لفظِ (الأم) و(القرآن)
1ـ [ لَفظُ (الأُمّ) ]
o أما لَفظُ (الأمّ) : فيُقالُ : هي أصلُ الشَّيءِ ، فمنهُ :
- أمُّ الإنسانِ ؛ لأنها : أصلُهُ الذي خرجَ منهُ .
- ومكَّةُ أمُّ القُرى ؛ لأنها أصلُ القُرى ؛ لما ذُكِرَ من أَنَّهَا دُحيت من تَحتِها .
فيقالُ : إنَّ الأرضَ كانت رابيةً حيثُ هي مكَّةَ ، ثم بُسِطَت من هناكَ قال الله تَبارَكَ وتَعَالَى : { وَالْأَرْضَ بَعْدَ y7د9¨sŒ !$yg8xmyٹ (30) } (2) .
وقال تَبارَكَ وتَعَالَى : { وَالْأَرْضَ $yg"uZô©uچsù } (3) .
وقال تَبارَكَ وتَعَالَى : { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) } وأشباه ذلك .
- ويقالُ : للأرض أمّ البشَر ؛ لأنها أصله ، ومنها خُلق . ومنها قوله تَبارَكَ وتَعَالَى : { وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) } (4) ، وقَوله : { إِذْ قَالَ y7ڑ/u' لِلْمَلَائِكَةِ 'دoTخ) 7,د="yz #[ژ|³o0 مِنْ طِينٍ (71) } (5) وفي شعرِ بَني أُمَيّة :
__________
(1) طُبِعَت بِمكتبة الثَّقافة الدِّينية 1419-2000 بتحقيق الشّيخِ علي حسين البواب - جزاه الله خيراً - .
(2) سُورَةُ النَّازِعات : 30 .
(3) سُورَةُ الذَّارِيات : 48 .
(4) سُورَةُ نوح : 17 .
(5) سُورَةُ ص : 71 .(1/1)
وَالأَرْضُ مَنْشَأُنَا وَكانَتْ أُمَّنا مِنْهَا حَقِيقَتُنا ، وَفيها نُولَدُ
- وكذا : قولُه تَبارَكَ وتَعَالَى : { ¼çm-Bé'sù هَاوِيَةٌ } (1) أي :
1 : يلازمُ الهاويةَ ملازمةَ الطِّفلِ أمَّهُ التي هي أصلُه .
2 : وقيل : هذا من قولهم : هَوَتْ أمُّهُ . دعاءً عليه .
3 : ولعَلَّ أصلُهُ : أنْ ينتكّس على أمّ رَأسِهِ .
- ويقولُ النُّحاةُ : (إنْ الشَّرْطِيَّة) هي أمُّ الباب ، و(إلاّ) أمُّ البابِ في الاستثناءِ . يعنونَ بِذلكَ : أصلَهُ الذي هو أكثرُ دوراناً .
- وكذلك : رُوميه أم الروم ، أي : أصلُ بلادِها التي تَرجِعُ إليها وتَعتَمِدُ عليها .
- ومِنها : قَوله تَبارَكَ وتَعَالَى : { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ } (2) ، وقوله تَبارَكَ وتَعَالَى : { وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } (3) يعني : أصله الذي نُقِلَ منه ، وهو : اللَّوحُ المحفوظُ .
?(أُمُّ الكِتابِ) يُستَعمَلُ بمعنيينِ :
أحدُهما : هذا لما ذُكِر .
والثَّاني : الفاتحةُ لما نذكرُ إنْ شاءَ الله عَزَّ وَجَلَّ مِن أَنَّهَا متضمِّنة لِكُلّيات القرآنِ إجمالاً .
2ـ [ لَفظُ (القُرآن) ]
وأما (القرآن) فالمراد به : الكلامُ الإلهيّ الجامع النَّازل على محمدٍ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
مُشتَقٌّ مِنْ : (القَرْءِ) ؛ وهو : الجَمْعُ ؛ لجمعِهِ ما ذكرنا .
ومادَّةُ (قَرَأَ) إلى هذا تَرجِعُ .
الفَصلُ الثَّانِي
[ أَضربُ الكلامِ (الإجمال والبيان) وأسبابه وأمثلته]
1ـ [ أَضربُ الكلامِ ] :
اعلم أن الكلامَ من حيث هو على ضَربَين :
الضَّربُ الأَوَّل : مجملٌ .
الضَّربُ الثَّانِي : ومبيَّنٌ مفصَّلٌ .
والضَّرْبان مُتفاوتان في المراتبِ :
__________
(1) سُورَةُ القارعة : 9 .
(2) سُورَةُ الزخرف 4 .
(3) سُورَةُ الرعد : 39 .(1/2)
فبعضُ المجملِ أشدّ إجمالاً من بعض ، وبعضُ المبيّن أشدّ بياناً من بعض ؛ حتى : يَنتهي (المجملُ) إلى غايةِ الإجمالِ . و(المبيَّنَ) إلى غايةِ البيانِ .
2ـ [ أسبابُ (الإجمالِ) و(البَيانِ) ] :
o وسببُ الإجمالِ :
- تارةً : قُصورُ المتكلّمِ عن البيانِ .
- وتارةً : قُوَّةُ إِدراكِ السَّامِع بحيثُ يُفهَم بِأَدنَى إِشارَةٍ ، فيَتّكِلُ المتَكَلِّم على ذلك ، فيُقتَصَرُ على الإِجمالِ .
- وتارةً الأَمرانِ : قصورُ المتكلّم وقوّةُ السَّامعِ ، فلا يُبالِي المتكلِّم [ إِنْ ] كانَ قاصراً عن البَيانِ أو قادراً عليه .
- وتارةً : تَعَلّقُ المصلحة بالإجمال من : إخفاء سرٍّ ، أو : امتحان سامعٍ بإدراك معنى خفيٍّ … وغير ذلك من الأسباب .
o وسببُ البيانِ :
- تارةً : فصاحةُ المتكلِّم وبلاغَتُه .
- وتارةً : ضعفُ فهمِ السَّامعِ ، فيَحرُصُ المتكلّمُ على إِفهامِه .
- وتارةً : الأمران جميعاً .
- وتارةً : اهتمامُ المتكلِّم بمعنى الكلامِ ؛ فيحرصُ على إظهارهِ في بعضِ مراتبِ البيانِ … وغيرُ ذلكَ منَ الأسبابِ .
3ـ [ أمثلةُ تفاوتِ مراتبِ البيانِ ] :
ومن أمثلة تفاوت مراتب البيان :
o [ المِثالُ الأَوَّلِ ] : قوله - عز وجل - : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ ôMن.قگكDù'tƒ أَنْ تَذْبَحُوا Zouچs)t/ ' } إلى آخرِ الآياتِ .
فإنه عَزَّ وَجَلَّ :
1 : أمرهم أولاً بذبح بقرةِ ، وهو مسّمى مطلق في غاية الإجمال .
2 : ثم : بَيَّنَ لهم أَنَّهَا { لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ y7د9¨sŒ } .
3 : ثم : بَيَّنَ لهم أَنَّهَا ? âن!#uچّے|¹ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ ڑْïحچدà"¨Z9$# ? .(1/3)
4 : ثم : بَيَّنَ أَنَّهَا ? لَا ذَلُولٌ مژچدVè? الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي y^ِچutù:$# مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا ? فكان ذلك غاية البيان لهم ، فحينئذ قالوا : ? الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ? (1) .
o [ المِثالُ الثَّانِي ] : ومن أمثلة ذلك أن الله عَزَّ وَجَلَّ بيّن (مواقيت الصلاة) في كتابه بقوله عَزَّ وَجَلَّ :
1 : { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ tûüدmur تُصْبِحُونَ (17) } الآية (2) .
2 : ثم بقوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَسَبِّحْ د‰÷Kut؟2 رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ uچ"t/ôٹخ)ur النُّجُومِ (49) } (3) .
3 : ثم بقولهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَسَبِّحْ د‰ôJut؟2 رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ } (4) . { ... وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } الآيتين .
4 : وبقوله عَزَّ وَجَلَّ : { أَقِمِ الصَّلَاةَ د8qن9à$د! الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ } الآيات (5) .
وهي متفاوتة في البيان على ترتيبها الذي ذكرناه .
__________
(1) سورة البقرة : 67-71 .
(2) سورة الروم : 17 .
(3) سورة الطور : 48-49 .
(4) سورة ق : 39 .
(5) سورة الإسراء : 78 .(1/4)
5 : ثم جاءت (السُّنة) في رتبةٍ ثانيةٍ من البيان ، كحديث :ِ ابن عباس (1) وجابر(2) وبريدة (3)
__________
(1) حديثُ ابن عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : أخْرَجَهُ : أبو داود (رَقْم : 393) والترمذي (رَقْم : 149) وأحمد 1/333و354 وعبد الرزاق (رَقْم : 2028) وعبد بن حميد (رَقْم :703) وأبو يَعلى (رَقْم : 2750) وابن خُزيمة (رَقْم : 325) وابن الجارود (رَقْم : 149و150) والطَّحاوي في (شَرحِ المعانِي) 1/146-147 والطَّبراني (رَقْم : 10752و10753) والدَّارقطني 1/258 والحاكم 1/193 والبيهقي 1/365-366 والبَغوي في (شَرح السنة) (رَقْم : 348) . وصحَّحه : ابن خزيمة والحاكم والألباني .
(2) حديثُ جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أخْرَجَهُ : البُخاري (رَقْم : 560) ومُسلم (رَقْم : 646) وأبو داود (رَقْم : 397) والنسائي (رَقْم : 526) والدارِمي (رَقْم : 1184) .
(3) حديثُ بريدة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أخْرَجَهُ : مُسلم (رَقْم : 613) والترمذي (رَقْم : 152) والنسائي (رَقْم : 518) وابن ماجة (رَقْم : 667) وابن خزيمة (رَقْم : 323-324) وابن حبان (رَقْم : 1492) وابن الجارود (رَقْم : 151) والدارقطني 1/262 والبيهقي 1/371 .
o وحديثُ أبي مَسعود الأنصاري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أخْرَجَهُ : البُخاري (رَقْم : 521و3221و4007) ومُسلم (رَقْم : 610) وأبو داود (رَقْم : 394) والنسائي (رَقْم : 493) وابن ماجة (رَقْم : 668) والدارمي (رَقْم : 1185) .
o وحديثُ أبي بَرزَة الأسلمي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أخْرَجَهُ : البُخاري (رَقْم : 547 (541)) ومُسلم (رَقْم : 461و647) وأبو داود (رَقْم : 398و4849) والترمذي (رَقْم :168) والنَّسائي (رَقْم : 494و524و529و947) وابن ماجة (رَقْم : 674و701و818) والدارمي (رَقْم : 1300و1429) .
o وحديث عِبد الله بن عَمرو بن العاص رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : أخْرَجَهُ : مُسلم (رَقْم : 612) وأبو داود (رَقْم : 396) والنسائي (رَقْم : 521) .
o وحديث أبي موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أخْرَجَهُ : مسلم (رَقْم : 614) وأبو داود (رَقْم : 395) والنسائي (رَقْم : 522) .
o وجديثُ أبي هُريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أخْرَجَهُ : التِّرمذي (رَقْم : 151) وأحمد 2/232 والطَّحاوي في (شَرحِ المعاني) 1/149-150 والدارقطني 1/262 والبيهقي 1/375 وصححه الألباني في السلسلة الصّحيحة (رَقْم : 1696) . وانظر : ابن أبي حاتم في العلل (رَقْم : 273) والعلل الكبير للترمذي (رَقْم : 82) . ورِواية أُخرى عنه : أخرجها النَّسائيّ (رَقْم : 501) .
o وحديث أنسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أخْرَجَهُ : النَّسائي (رَقْم : 551) .(1/5)
- رضي الله عنهم - وغير هذا .
6 : ثمَّ جاءَ (كلامُ الفقهاءِ) في رُتبةٍ ثالثةٍ منَ البيانِ ، فهي في غايتِهِ .
ثم إنَّ كتبَ الفقهاءِ مُتفاوتةٌ في البيانِ ، فبعضُها أَبْيَنُ في ذلكَ مِن بعضٍ ، ولكنَّ جُملَتُها بَلَغَت غايةَ البيانِ .
o [ المِثالُ الثَّالث ] :
ومِن أمثلةِ ذلكَ قولُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ : { * لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ tû,ح#ح!$،،=دj9 ? (1) في سياقِ السُّورةِ (2) .
وكذلكَ قصصُ جماعةٍ مِن الأممِ معَ أنبيائِها : أجْمَلَها اللهُ عَزَّ وَجَلَّ في مكانٍ ?(سُورةِ الذَّارياتِ) وبَيّنَها في مكانٍ آخَرَ?(سورة الأعراف والشعراء وهود) (3) . وبَعضُها أَبْيَنُ مِنْ بَعضٍ بَياناً مُطلَقاً ، أَو مِن وَجهٍ . ولهذا : يُستفادُ ذلكَ مِنْ بَعضُ السُّورِ ما لا يُستفادُ مِن بَعضٍ .
__________
(1) سُورَةُ : 7 .
(2) اُنْظُرْ : قِصَّة يُوسف في (القَصص القرآني : عرضُ وَقائعٍ وتحليلُ أحداثٍ) للشيخ صلاح الخالدي 2/73-256 . وقصّة يوسف عَلَيهِ السَّلامِ وردت كاملة في سورة يوسف .
(3) مِنَ القَصَصِ التي جاءَت مُجملَة في الذّارِيات ثُم فُصِّلَت في سُوَرِ : الأَعرافِ وهود والشّعراء :
1ـ قِصَّة إِبراهيمُ عليهِ السَّلامُ : الذّاريات 24-37 الأعراف 69-76 الشعراء 69-89 .
2ـ قِصّة موسى عليهِ السَّلامُ : الذّاريات 38-40 الأعراف 103-171 هود 96-99 الشعراء 10-67 .
3ـ قِصّة هود عليهِ السَّلامُ : الذّاريات 41-44 الأعراف 65-72 هود 50-60 الشعراء 123-139 .
4ـ قصّة صالح عليهِ السَّلامُ : الذّاريات 43-45 الأعراف 73-79 هود 61-68 الشعراء 141-158 .
5ـ قِصَّة نُوح عليهِ السَّلامُ : الذّاريات 46 الأعراف 59-64 هود 25-48 الشّعراء 105-121 ] بَوّاب .(1/6)
ثُمَّ استَقصَى القُصّاصُ بيانَ ذلكَ ؛ مثل : وهب (1) ، والكَسائي (2) ، والثَّعلبي (3) . وأَجوَدُها كتابُ وثيمة بن موسى بن الفرات ، وأبلغُ من ذلكَ بياناً : مُعايَنَةُ قَصَصِهِم لمن عايَنَها عندَ وُقوعِها .
وإذا نظرتَ في كتابِنا المسّمى ?(الرِّياضِ النَّواظِرِ فِي الأَشباهِ والنَّظائِرِ) لاحَت لكَ بارِقَةٌ كَبيرَةٌ مِنَ البَيانِ ومراتِبِه - إِنْ شاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ .
الفصل الثالث
[ مَراتِبُ القُرآنِ ]
إذا عرفتَ ما قدّمناهُ من مراتبٍ ؛ فاعلَمْ :
أَنَّ (القُرآنَ) فِي مَراتِبِ بَيانِهِ على ذلك :
1 : ?(الفاتحةُ) التي هي (أّمُّ القرآنِ) مشتملة على مقاصدِهِ الكُلِّيَّةِ من حيث الإجمال ، ثم باقي القُرآن يُبَيّن ذلك في رُتبَةٍ ثانيةٍ منَ البيانِ .
2 : ثم السّنَّة بَيَّنَته في رُتبة ثالثةٍ من البيانِ ؛ لأَنَّها بيانُ القرآنِ ؛ لقوله تَبارَكَ وتَعَالَى : { $uZّ9u"Rr&ur إِلَيْكَ uچٍ2دe%!$# لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا tAحh"çR ِNخkِژs9خ) } (4) .
__________
(1) وَهَبُ بنُ مُنَبِّه : عُرِفَ بالقَصَصِ والاسرائِيلِيّات [ سَيرُ أعلامِ النّبلاءِ 4/544 ] .
(2) محمّد بنُ عَبدِ اللهِ ؛ له كِتابُ (بَدءِ الخَلقِ) و(قَصَصِ الأَنبياءِ) .
(3) أَحمدُ بنُ محمد بن إبراهيم الثَّعلبِي ؛ له كتابُ (التَّفسيرِ) و(قَصَص الأَنبياء) .
(4) سورة النحل ، آية 44 .(1/7)
3 : ثم (العَيان) في الدّنيا والآخرة بيّنه في رتبةٍ رابعةٍ ، وهي غايةُ البيانِ ، إذْ لا أَبْيَنَ مِن العِيان ، وإليه الإشارةُ بقولهِ تَبارَكَ وتَعَالَى : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ? (1) . { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ ِ ? (2) . ?#y‰t/ur لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ } (3) . ¾دnة"yd { مL©èygy_ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } (4) . { أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ ؟ قَالُوا : بَلَى $sYخn/u'ur ? (5) الآياتُ ونحوها.
ولنشرحُ ذلكَ على وجهٍ يَظهَرُ ، وذلك من وُجُوهٍ :
o الوَجهُ الأَوَّل :
أنَّ القُرآنَ مشتملٌ على مقاصدِ الإيمانِ ؛ وهي : التَّصديقُ باللهِ وملائكَتِهِ وكُتبِه ورسلِه واليومِ الآخرِ والقدرِ خيرِه وشرِّه ، كما ثبتَ ذلكَ في حديثِ جبريلَ في الحديثِ الصَّحيحِ (6)
__________
(1) سورة الأعراف ، آية 53
(2) سورة الأنعام ، آية 158 .
(3) سورة الزمر ، آية 47 .
(4) سورة يس ، آية 63 .
(5) سورة الأحقاف ، آية 34 .
(6) أَخرَجَهُ : البُخاري (رَقْم : 50 و4777) ومسلم (رَقْم : 8 و9 و10) .
ولَفظُ مُسلِم (رَقْم : 10) : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : ( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " سَلُونِى " فَهَابُوهُ أَنْ يَسْأَلُوهُ . فَجَاءَ رَجُلٌ فَجَلَسَ عِنْدَ رُكْبَتَيْهِ . فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِسْلاَمُ قَالَ " لاَ تُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِى الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ " . قَالَ صَدَقْتَ . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِيمَانُ قَالَ " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكِتَابِهِ وَلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ " . قَالَ صَدَقْتَ . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِحْسَانُ قَالَ " أَنْ تَخْشَى اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنَّكَ إِنْ لاَ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ " . قَالَ صَدَقْتَ . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ قَالَ " مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ وَسَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا إِذَا رَأَيْتَ الْمَرْأَةَ تَلِدُ رَبَّهَا فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا وَإِذَا رَأَيْتَ الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الصُّمَّ الْبُكْمَ مُلُوكَ الأَرْضِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا وَإِذَا رَأَيْتَ رِعَاءَ الْبَهْمِ يَتَطَاوَلُونَ فِى الْبُنْيَانِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا فِى خَمْسٍ مِنَ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ " . ثُمَّ قَرَأَ ( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) قَالَ ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " رُدُّوهُ عَلَىَّ " فَالْتُمِسَ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " هَذَا جِبْرِيلُ أَرَادَ أَنْ تَعَلَّمُوا إِذْ لَمْ تَسْأَلُوا " ) [ تحفة 14915 - 10/7 ] .(1/8)
.
وهذا هو مقصودُ القرآنِ بالذَّات ، ولذلك سمّى (إيماناً) في قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ xفخ6xm عَمَلُهُ } يعني : بِالقُرآنِ فيما قالَه بعضُهُم .
وهذه المقاصد كلها مشارٌ إليها في الفاتحة :
1ـ أما الإيمانُ بالله : ففي قوله عَزَّ وَجَلَّ : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (1) فإنَّ إيجابَ الحمدِ لله عَزَّ وَجَلَّ يقتضي أنّه موجودٌ مستحقّ لهُ .
2ـ وأما الإيمانُ بالملائكةِ : فهو في ضِمنَ قَولِه عَزَّ وَجَلَّ ? رَبِّ الْعَالَمِينَ ? إِذ (العالَمون) مَن سِوى الله عَزَّ وَجَلَّ ؛ ومِنهُم : الملائكةُ .
وأيضاً في ضمنِ قولِه عَزَّ وَجَلَّ : { xق¨uژإہ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } (2) ومِن جُملَةِ المُنْعَمِ عليهِم ذَوي الصِّراطِ المستقيمِ : الملائكة ؛ لقولِه عَزَّ وَجَلَّ في صِفَتِهِم : { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا ِNèduچtBr& وَيَفْعَلُونَ مَا tbrقگsD÷sمƒ } (3) وهذا هوَ مقصودُ الصِّراطِ المستقيمِ .
3ـ وأما الإيمان بالكتب : فقد تضمّنه قولُه عَزَّ وَجَلَّ { اهْدِنَا xق¨uژإ_ا9$# zOة)tGَ،كJّ9$# } وهو القرآنُ في أحدِ الأقوالِ ، وهي مُتلازِمَة : فالقرآنُ مُرادٌ على تَجميعِها قصداً أو التِزاماً ، وسؤالُ الهدايةِ يستلزمُ الإيمانَ بهِ ، إذ لا يؤمن بشي لا يَسأل الهداية إليه ، والإيمان به يستلزم الإيمان بجميع كتب الله عَزَّ وَجَلَّ ؛ لأنه موافق مصدِّقْ لها آمرٌ بالإيمان بها .
__________
(1) سورة الفاتحة آية 1 .
(2) سورة الفاتحة آية 7 .
(3) سورة التحريم ، آية 6 .(1/9)
4ـ وأما الإيمانُ بالرُّسُلِ : فقد تضمّنه قوله عَزَّ وَجَلَّ : { رَبِّ الْعَالَمِينَ } إذ هم صَفوةُ العالمين ، وأَبْيَنُ منهُ قولُه عَزَّ وَجَلَّ : { xق¨uژإہ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } لأنَّ الرُّسُلَ صَفوةُ الْمُنعَمِ عليهم . وقد بَيَّنَ الله عَزَّ وَجَلَّ ذلك في قولِه عَزَّ وَجَلَّ : { أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ Nخkِژn=tم مِنَ النَّبِيِّينَ } الآية (1) . فبدأ بهم : { إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ } (2) . { رَبِّ ûسة_ôمخ-÷rr& أَنْ uچن3ô©r& نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى "t$د!¨ur } (3) . { yگOدFمƒur نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } (4) الآيات ونحوها .
5ـ وأما الإيمانُ باليومِ الآخرِ : ففي قوله عَزَّ وَجَلَّ : { إ7د="tB يَوْمِ الدِّينِ } يعني : يومُ الحسابِ والجزاءِ ، وحين (يُدانُ النَّاس بأعمالِهم) ؛ أي : يُجْزَون .
6ـ وأما الإيمانُ بالقدرِ : ففي قوله عَزَّ وَجَلَّ : { x8$ƒخ) نَعْبُدُ x8$ƒخ)ur نَسْتَعِينُ اهْدِنَا xق¨uژإ_ا9$# } إذ فيه بيانُ أنَّ :
1 : الإعانةُ على عبادتِهِ مِنهُ .
2 : والاستعانةُ بهِ والهدايةُ إليه .
وإلى الأول الإشارة بقوله عَزَّ وَجَلَّ : { ¼çnمژإc£uٹمY|،sù 3"uژô£مù=د9 } (5) . { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } (6) ونحوها من الآياتِ المثبتةِ للقدرِ .
__________
(1) سورة مريم ، آية 58 .
(2) سورة الزخرف ، آية 59 .
(3) سورة النمل ، ِآية 19 .
(4) سورة يوسف ، آية 6 .
(5) سورة الليل ، آية 7 .
(6) سورة الصافات ، آية 96 .(1/10)
فأَمَّا ما في القرآنَ مِن القَصَّصِ وأخبارِ الأوّلينَ والآخرين : فهو خارجٌ مَخرَج التَّكملة للمقاصدِ المذكورة ، وربَّما تضّمنه قوله عَزَّ وَجَلَّ : { xق¨uژإہ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } إلى آخرِ السورةِ ؛ لأنَّ الْمُخْبَرَ عنهم في القرآنِ لا يخرجونَ عن أن يكونوا : مُنعَماً عليهم ، أو مغضوباً عليهم ، أو مهتدين ، أو ضالين، فهذا وجه .
o والوَجْهُ الثَّانِي :
أنَّ القرآنَ مشتمِلٌ على : الوعدِ والوعيدِ ، والحلالِ والحرامِ ، وغيرهما مِن الأحكامِ ، والقَصَصِ والأخبارِ :
أما الوَعدُ : ففي ضمن قوله عَزَّ وَجَلَّ : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } وقوله عَزَّ وَجَلَّ : { xق¨uژإہ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } والوعدُ فيه ظاهرٌ ؛ لاشتمالِهِ على صِفَتَي الرَّحمة والإِنعام .
وأما الوَعيدُ : ففي قوله عَزَّ وَجَلَّ : { إ7د="tB يَوْمِ الدِّينِ } إذ فيه إشارة إلى أنه عَزَّ وَجَلَّ : مالكُ يومِ الحسابِ والجزاءِ ، فيُجازي كُلاًّ بِفِعلِهِ : { يَوْمَ لَا à7د=ôJs? نَفْسٌ لِنَفْسٍ $Z"ّx© وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19) } وأيضاً قوله عَزَّ وَجَلَّ : { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } لأنَّ صِفَتَي الغَضَبِ والضَّلالِ تَقتَضِيانِ تَرَتُّبَ الوَعيدِ عليهما .
وأمَّا الحلالُ والحرامُ ونحوهما مِن الأحكامِ : ففي قوله عَزَّ وَجَلَّ : { إ7د="tB يَوْمِ الدِّينِ } إذ المراد ?(الدينِ) الجزاءُ المستلزِم للتَّكليفِ بأحكامِ الأفعالِ الْمُجازَى عليهِ مِن إيجابٍ وحَظرٍ وكراهَةٍ ونَدبٍ .
وكذا قوله عَزَّ وَجَلَّ : { x8$ƒخ) نَعْبُدُ } فصرَّحَ بلفظِ (التَّعبُّدِ) الذي هو مِن التَّكليفِ الموجِبِ لوجودِ الأحكامِ على المكلّفينَ .(1/11)
وأما القَصَصُ والأخبارُ : ففي قوله عَزَّ وَجَلَّ : { xق¨uژإہ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } إلى آخر السورة . ويقرّره ما مرّ في الوجه قبله من أن المخبر عنهم : إما منعَمٌ عليه ، أو مغضوب عليه ، أو مهتدٍ ، أو ضال .
وما كان من الأخبار المعاد ، ففي قوله عَزَّ وَجَلَّ : { إ7د="tB يَوْمِ الدِّينِ } وهي مذكورة في كتاب (العاقبة) وكتاب (البعث والنشور) وغيرها من كتب السنة .
? الوجه الثالث : أنَّ القرآنَ لا يخرجُ عن أنْ يكونَ ثناءً على الله عَزَّ وَجَلَّ ، أو عبادةً له سبحانه وتعالى . والفاتحة : أوّلُها ثناءٌ ، وآخرُها عِبادَةٌ - أعني : دعاءً إليها - . والعِبادَةُ :
ـ تارة : تكون بدعاءٍ نحو (اهدنا) وهو مخّ العبادة كما صحّ به الحديث (1) ، ودلّ عليه قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَقَالَ رَبُّكُمُ : 'دTqممôٹ$# َ=إftGَ™r& لَكُمْ ، إِنَّ الَّذِينَ tbrمژة9ُ3tGَ،o" عَنْ 'دAyٹ$t6دم } الآية (2) .
ـ وتارة : بغيرِ الدّعاءِ نحو : { x8$ƒخ) نَعْبُدُ x8$ƒخ)ur نَسْتَعِينُ } .
فهذهِ ثلاثُ أوجهٍ في بيانِ اشتمالِ الفاتحةِ على مقاصدِ القُرآنِ من حيث الإجمالِ ، وربَّما أمكنَ استخراجُ غيرِها عندَ إمعانِ النَّظرِ ، لكنّي لم أَستَقصِهِ وإنَّما أورَدتُ ما ظَهَر.
خاتمة
تُسَمَّى هذِهِ السُّورَةِ بـ :
1ـ ( الحمدِ ) تسميةً لها بأوَّلِ لَفظٍ مِنْها .
__________
(1) حديثُ : " الدّعاءُ مُخّ العِبادَة " أخْرَجَهُ : التِّرمِذي (رَقْم : 3371) والطّبراني في (الأوسط) (رَقْم : 3220) مِن حديثِ أنسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وهو حديثٌ ضَعيفٌ بِهذا اللفظِ .
واللفظ الصَّحيح هو حديث النّعمان بن بَشير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مرفوعاً بلفظ : " الدّعاءُ هُو العِبادَة " أخْرَجَهُ : الترمذي (رَقْم : 2969و3247و3372) وأبو داود (رَقْم : 1479) وابن ماجة (رَقْم : ) وأحمد 4/267 والبُخاري في (الأدب المفرد) (رَقْم : 714)
(2) سورة غافر ، آية 60 .(1/12)
2ـ و ( الفاتِحَةِ ) لافتتاحِ القرآنِ بِها .
3ـ و ( أمّ القرآنِ ) و ( أُمّ الكتابِ ) لما ذكرنا .
4ـ و ( السَّبعُ المثانِي والقرآن العظيم ) بالكتاب ونصّ السنة في حديث أبيّ بن كعب (1)
__________
(1) أَحرَجَ البُخارِيّ (رَقْم : 4704) وأَبو داود (رَقْم : 1457) النَّسائِيُّ (رَقْم : 914) والتِّرمذيّ (رَقْم : 2875 و3125) وأحمدُ (رَقْم : 20591) ومالك (رَقْم : 187) والدَّارِمي (رَقْم : 3372) عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي التَّوْرَاةِ وَلا فِي الْإِنْجِيلِ مِثْلَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَهِيَ مَقْسُومَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ " .
o أَخرجَ البُخاري (رَقْم : 4703) وأَبو دَاود (رَقْم : 1458) والنَّسائي (رَقْم : 913) وابنُ ماجة (رَقْم : 3785) وأحمد (رَقْم : 15303 و17395) والدَّارِمي (رَقْم : 1492 و3371) مِن حديثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ : ( مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُصَلِّي فَدَعَانِي فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ ثُمَّ أَتَيْتُ فَقَالَ : " مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي " فَقُلْتُ : كُنْتُ أُصَلِّي فَقَالَ : " أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ : ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ? ثُمَّ قَالَ : أَلا أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ " فَذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَذَكَّرْتُهُ فَقَالَ : " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ " ) .
o أخرجَه التِّرمِذِيُّ (رَقْم : 3124) من حديثِ أَبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .(1/13)
.
وسمّيت ( مَثانِي ) : لأنها تُثَنَّى في الصَّلاة : أي يتكرّر ذكرها .
وقيل : لأنها نزلت مرّتين بمكة والمدينة .
5ـ وتُسمّى ( الواقية ) و ( الشَّافية ) : لأَنَّها تَقي وتَشفي من اتَّقى واستَشفَى بِها .
6ـ و ( الرُّقية ) لقولهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لأَبِي سعيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا رقَى بها اللَّديغَ : " وَمَا أَدْراكَ أَنَّهَارُقْيَةً " (1) .
ولعلّ لها أسماءٌ غيرَ ما ذكرنا ، والذي استحضرْناه الآن هو هذا ، والله عَزَّ وَجَلَّ أعلم بالصَّواب .
فصلٌ
وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِأَنَّ :
قِراءَةَ ? إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) ? تَعدِلُّ نِصفَ القُرآنِ (2).
وقِراءَةَ ? قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) ? تَعدِلُ ثُلُثَ القُرآنِ (3) .
__________
(1) أَخرجَهُ البُخاري (رَقْم : 276) ومُسلم (رَقْم : 2201) من حديثِ أَبِي سَعيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
(2) أَخرَجَهُ : التِّرمِذيّ (رَقْم : 2894) والحاكم 1/754 والبيهقي في (الشُّعَب) 2/496 (رَقْم : 2514) .
o صَحَّحه الحاكم ، وقال التّرمذي (غريبٌ) ، وقال المُنذريّ (الترغيب 2/248 شَمس) : ( إسنادهُ مُتَّصل ورُواتهُ ثِقاتٌ مَشهورونَ ) ? .
وأَخرجَهُ الثَّعلَبي في تَفسيرِهِ من حديثِ عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كما في (تَخريج الكَشَّافِ) - .
(3) أَخرَجَهُ : البُخاري (رَقْم : 5013 و6643 و7374) وأبو داود (رَقْم : 1461) والنَّسائِي 2/171 (رَقْم : ) ومالك 1/208 وأحمد 3/35 وابنُ حِبَّان (رَقْم : 791) من حديثِ أبي سَعيدِ الخُدريّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .(1/14)
وقراءَةَ ? قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) ? تَعدِلُ رُبعَ القُرآنِ (1).
وهذا يُشبُهُ كلامَنا المذكورُ على الفاتِحَةِ ، والكَلامُ عَلَيهِ في فُصولٍ :
o الفَصلُ الأَوَّلُ : أنّه لا يمتنعُ تَرتُّب الأجرِ الكثيرِ على العملِ اليسيرِ لأسبابٍ :
1 : مِنْها : نفاسَةُ العملِ في نفسِهِ ؛ كالكِتابَةِ المحرَّرَةِ الجيّدَةِ التي يُساوي السَّطرُ منها ديناراً ، كما يُحكَى عن بعضِ الكُتَّابِ أنَّهُ كانَ إذا سُئِلَ الصَّدَقَةَ كَتَبَ للسَّائِلِ سَطْراً فَيَبيعُهُ بِدينار .
2 : مِنْها : عِظَمُ مَصلَحَةِ العَمَلِ ، كَحَرَكَةٍ هَندَسِيَّةٍ يُصلِحُ بها قُرْص بِبِناءٍ عَظيم ، أو يُجرِي بها ماءٌ إلى أَرضٍ ، أو سَقفٍ بها اعوِجاجٌ في أمرٍ ونحو ذلك .
3 : مِنْها : كَرَمُ مَنْ لَهُ العَمَلُ ، مثلَ أنْ يَسقُطَ سَوطُ الملَكِ مِن يَدِهِ فَيَناولُهُ إيَّاهُ بعضُ العامَّةِ ، فَيُعطيهُ على ذلكَ مالاً جَزيلاً .
ويُروى عن الشَّافعي لِغُلامِهِ : ( أَعطِهِ ما مَعَكَ منَ النَّفَقَةِ ) فكانَ خمسينَ دِيناراً ، وقالَ : ( لَو كانَ مَعَنا غَيرَها لأَعطَيناهُ ) وذلك لكرمِهِ وسِعَةِ مُروءَتِهِ رضي الله عنه . وقد يتّجهُ غيرُ ذلك من الأسبابِ .
__________
(1) أخرجَ ابنُ الضَّريس في (الفَضائِلِ) (رَقْم : 223) والطَّبراني (رَقْم : 13493) من حديثِ ابن عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَاْ قالَ : ( صلى النبي صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصحابه صلاة الفجر في سفر ، فقرأ ? قل يأيها الكافرون ? و : ? قل هو الله أحد ? ، ثم قال : " قرأت بكم ثلث القرآن وربعه " ).
قال الهَيثَمي في (مجمعِ الزوائِد) 7/148 : ( عُبيد الله بن زحر : وثَّقَهُ جماعَةٌ وفيهِ ضَعفٌ ) .(1/15)
وإذا عُرِفَ ذلكَ : فلا يَبعُد أنْ يُعطِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قارئَ سُورةِ (الزَّلزَّلَة) أجرَ قاريء نِصفِ القُرآنِ ببعضِ هذهِ الأسبابِ ؛ خُصوصاً وقد ثبتَ بالسنةِ الصَّحيحةِ أنَّ بعضَ القرآنِ أعظمُ وأفضلُ من بعضٍ ، كما ثبتَ أنَّ الفاتحةَ أعظمُ السُّورِ ، وآيةُ الكُرسي أعظمُ الآياتِ . فقد تختصُّ هذهِ السّورةِ بخصائصَ - يَعلَمُها الشَّرعُ - تقتَضي أن يُرتّب على قِراءَتها منَ الأجرِ على ذلك .
كما اختصّ بعضَ الأشخاصِ والأزمنةِ والأَمكِنَة والأحوالِ بخواصّ اختصّت لأجلِها بما ليس لغيرِها مِن جِنسِها ، وذلك كأشخاصِ الأنبياءِ والأولياءِ ظهرَ على أيديهِم منَ المعجِزاتِ والخوارقِ ما لم يَظهَر على أَيدي غيرِهِم منَ الأشخاصِ ، وكما اختَصّ رمضانَ والأشهرَ الحُرُمِ ويومَ الجُمُعَة وليلةِ القدرِ ويومَ عَرَفَةَ وعاشوراءِ ونحوها مِنَ الأزمِنَةِ بخصائِصِها المشهورةِ شَرعاً .
وكما اختصَّ المسجدَ الحرامِ بأنَّ صلاةَ الفرضِ فيه أفضلُ منها في غيرِهِ وبسائرِ خصائِصِهِ .
واختصَّ المساجدَ الثَّلاثَةِ بِشدِّ الرِّحالِ إِليها ، وتَضاعُفِ الصَّلاةِ فيها على غيرِها ، ونحو ذلك .(1/16)
وكما اختَصّتْ حالُ الجهادِ بِتضاعُفِ أجرِ الصَّومِ فيها ؛ كما جاءَ في الحديثِ : " مَنْ صَامَ يَوماً فِي سَبيلِ اللهِ باعَدَهُ اللهُ عَنِ النّارِ سَبعينَ خَرْيفاً " (1) .
o الفَصْلُ الثَّانِي : [ تِكرارُها ] :
ينبَغي لِمَن تَلا هذهِ السُّورِ الثَّلاثِ مُنفَرِدَةً ، أو فِي جُملةِ القُرآنِ ، بادِئاً مِن أوَّلِهِ أو مِن آخرهِ في غيرِ الصَّلاة : أنْ يُكَرّرَ سُورَةَ (الزلزلة) مَرّتينِ ، وسُورَةَ (الإخلاصِ) وسُورَةَ (الكافرونَ) : أربَعاً ؛ لِيستَكمِل بِذلكَ ثَلاثَ خَتَماتٍ .
أمَّا في الصَّلاةِ : ففي تِكرارِ السُّورةِ خلافٌ مَشهورٌ ، وتفصيلٌ بينَ الفَرضِ والنَّفلِ .
ويَنبَغي لِمَن كرّرَ هذهِ السُّورِ : أنْ يُكرِّرَ البَسمَلَةِ في أوَّلِ كُلَّ سُورَةٍ بِعَدَدِ [ مَرّاتِ ] قِراءَتِها ، لاحتمالِ كَونِها آيَةً مِنْ كُلّ سُورَةٍ .
o الفَصلُ الثَّالِثُ : في ذِكرِ ما ظَهَرَ لِي مِن مُناسبةِ اختصاصِ هذهِ السُّورِ بما ذكرَ :
? أما توجيهُ أنَّ (الزَّلزلة) تعدلُ نصفَ القرآنِ : فَلأَنَّ القُرآنَ لا يخرجُ عن تقريرِ أمرِ معاشِ النَّاسِ ومعادِهِم .
__________
(1) أَخرَجَهُ : البُخاريُّ (رَقْم : 2840) ومسلم (رَقْم : 1153) والتِّرمِذي (رَقْم : 1623) والنَّسائي (رَقْم : 2251-2253) وابن ماجة (رَقْم : 1717) وأحمدُ (رَقْم : 10826 و11014 و11166 و11381) والدَّارِمي (رَقْم : 2399) مِن حديثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا " لَفظُ البُخاريِّ .(1/17)
وهذه السُّورةِ اختَصّت بذكرِ أمرِ المعادِ من : زَلزَلَةِ الأرضِ عندَ قِيامِ السَّاعَةِ ، وإخراجِ أثقالِها - وهُم الموتى - إشارَةً إلى البَعثِ . وتحديثِ أخبارِها ، وصُدورِ النَّاسِ عنها أشتاتاً ؛ كأنّهم جرادٌ مُنتَشِر ، ورؤيَةِ كلّ عاملٍ ما عملَ مِن خيرٍ أو شرٍّ .
فلم تتضمّن شيئاً غيرَ ذكرِ المعادِ ، فلما اختصّت بجنسِ نِصفِ مضمونِ القرآنِ ؛ جازَ أن يقالَ : أَنَّهَا تعدلُ نصفَ القرآنِ ، وصار هذا كما قيلَ : ( إِنَّ الفَرائِضَ نِصفُ العِلمِ ) (1) كما كان للإنسانِ حالتَي حياةٍ ومَوتٍ . وعلمُ الفرائضِ هو العلمُ المتعلّقُ بإحدَى حالَتَيهِ وهُو الموتُ ، سُمّي نصفَ العِلمِ .
? وأَمَّا تَوجيهُ ? قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) ? أَنَّهَا تَعدِلُ ثُلُثَ القُرآنِ : فلأنَّ القُرآنَ بِاعتبارِ قِسمَةٍ أُخرى ؛ لا يَخرُجُ عن تَقريرِ : التَّوحيدِ ، والنُّبوَّةِ ، وأحكامِ اليومِ الآخرِ . وهذهِ السُّورةُ اختَصَّت بِتقريرِ التَّوحيدِ وذِكرِهِ ، لم يُذكَر فيها غَيرُه ، فكانت بهذا الاعتبارِ تَعدُلُ ثُلُثَ القُرآنِ ؛ لاشتِمالِها على ثُلُثِ مَضمونِهِ ؛ وهو التَّوحيدُ .
__________
(1) رُوِيَ عن ابنِ عُيينَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَخرَجَهُ : البَيهَقي في (السُّنَنِ) 6/209 قَالَ : ( أَخبَرنا أبو طاهرٌ الفقيه ، أنا أبو عُثمان البَصري ، ثنا أبو أَحمَد بن عبدِ الوَهَّاب ، أخبرنِي بِشر بن الحَكَم ، قال : سمعتُ سُفيانَ بنَ عُيينَةَ يَقولُ : ( إِنَّما قِيلَ الفَرَائِضُ نِصفُ العِلمِ ؛ لأَنَّهُ يُبتَلَى بِهِ النَّاسُ كُلّهُم ) ويُذكَر عن طاووس وقتادَة : ( الفَرِيضَةُ ثُلُثُ العِلمِ ) ) ? .(1/18)
وهذهِ القِسمةُ لا تُخالِفُ ما ذكرناهُ مِن تضمّنِ القُرآنِ : بالإيمانِ باللهِ وملائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ واليومِ الآخرِ ؛ لأنَّ تَقريرَ النُّبُوَّةِ يتضمّنُ إثباتَ الملائِكَةِ والكُتُبِ والرُّسُلِ ؛ لاستِلزامِ النُّبوّةِ : نَبِيّاً يَتَلَقّى الوَحيَ عنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بواسِطَةِ الْمَلَكِ .
? وأَمَّا تَوجيهُ أَنَّ ? قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) ? تَعدِلُ رُبْعَ القُرآنِ : فلأنَّ الخِطابَ في القُرآنِ ؛ إمَّا : للمؤمنينَ أو للكفَّارِ .
o والمؤمنينَ ضَربانِ :
أحدُهُما : مؤمنٌ بالكِتابِ الأوَّل ؛ فخُوطِبُوا بالإيمانِ بالكتابِ الثَّانِي ؛ وهوَ القُرآنِ ؛ كقولِهِ عَزَّ وَجَلَّ : ? يَا$pkڑ‰r'¯"tƒ الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ? (1) . يعني : يا أيُّها الذينَ آمَنوا بالكتابِ الأوّلِ آمِنوا بمحمدٍ والقَرآنَ .
الضَّربُ الثَّانِي : مُؤمنٌ بالكتابِ الأوّلِ والآخرِ ، وهُم هذهِ الأُمَّةِ ، خُوطِبُوا بِتكميلِ الإيمانِ مِن فِعلِ العِباداتِ ونحوِها مِن الفُروعِ نحو : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ (#ûqمZtB#uن إِذَا نُودِيَ دo4qn=¢ء=د9 مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا } (2) ، { إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى 5@y_r& 'wK|،-B فَاكْتُبُوهُ } (3) وأَشباهُ ذلكَ .
o وَالكُفَّارُ أيضاً ضَربانِ :
الضَّربُ الأَوَّلُ : مَنْ يُخاطَبُ بِالدُّعاءِ إِلَى الإيمانِ نَحو : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ } (4) { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } (5) ونحوِ ذلكَ .
__________
(1) سورة النِّساء : 136 .
(2) سُورَةُ الجُمُعَة : 9 .
(3) سُورَةُ البَقَرَةِ : 282 .
(4) سُورَةُ البقرةِ : 21 .
(5) سُورَةُ الأنفالِ : 38.(1/19)
الضَّربُ الثَّانِي : مَنْ يُخاطَبُ بِالتَّبَرّؤِ مِمَّا هوَ عليهِ نَحوَ : { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } (1) إِلَى آخِرِها . فَأُمَرَ النَّبِيُّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يُخاطِبَهُم بأنَّهُ مُتَبَرِّئٌ منهُم وممَّا يعبدونَ . فكانَت هذهِ السُّورَةُ رُبعَ القُرآنِ بهذا الاعتِبارِ .
خاتمة
قولُنا : هذهِ السُّورةُ تَعدِلُ نِصفَ القُرآنَ أو ثُلُثَهُ أو رُبعَهُ ؛ يُحتَمَلُ :
1ـ أَنَّهَا تعدُلُهُ في أجرِ قِراءَتِه .
2ـ ويُحتَمَلُ : أَنَّهَا تعدُلُهُ في اقتِسامِ مَضمونِهِ .
وقد أَشَرنا إلى الاحتِمالَينِ جَميعاً ، واللهُ عَزَّ وَجَلَّ أعلمُ بالصَّواب .
فصل
وَرَدَت السُّنّةُ :
بِتَأكيدِ أَمرِ القَلاقِلِ ؛ وهي : سُورَةُ الكافِرونَ والإِخلاصُ والفَلَقُ والنَّاسُ .
وتَأكيدِ أَمرِ الْمُعَوِّذاتِ ؛ وهي : الثَّلاثُ الأُخَرِ .
وقد تَكَلَّمْنا على الأَوَّلَينِ ؛ فَلنَتَكَلَّمُ على الأُخرَيَيْنِ :
وإِنَّما سُمِّيَت هذهِ بِـ(المعَوِّذاتِ) - بِكَسرِ الواوِ - لأنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أنزَلَها مُعَوِّذاتٌ لِنَبِيِّهِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ سَحَرَهُ لَبيدُ بنُ الأَعصَمِ اليَهودِيِّ - وَلِيُعَوِّذَ بهُما أمّتَهُ . وإنْ كانَ لسورَةِ الإخلاصِ سَبَبٌ آخَرَ .
وَالكَلامُ فِي نُكَتٍ :
o إِحداهُنَّ : [ الصِّفاتُ ] :
لما كانَت الصِّفاتُ تابِعَةً للذَّاتِ ، كان اسمُ الذَّاتِ مُقَدَّماً على الصِّفاتِ ، وسورَةُ الإخلاصِ مُشتملةٌ على اسمِ الذَّاتِ ، فلذلكَ قد قُدِّمَتْ في التَّعَوُّذِ على سُورةِ الفَلَقِ والنَّاسِ لاشتِمالِهِما على أسماءِ الصِّفاتِ نحوَ : (رَبُّ الفَلَقِ) وَ (رَبُّ النَّاسِ) و(مَلِكُ النَّاسِ) .
o الثَّانِيةُ : [ تَفسيرُ سُورَةِ الفَلَقِ ] :
__________
(1) سُورَةُ الكافرون : 1-2 .(1/20)
قَوُلُهُ تَعالَى : ? قُلْ أَعُوذُ ? معنى (أَعوذُ) : أَلْجَأُ وَأَلوذُ .
قَوُلُهُ تَعالَى : ? بِرَبِّ الفَلَقِ ? يعني : فَلَقُ الصُّبْحِ ، مِن قولِهِ عَزَّ وَجَلَّ ? فَالِقُ الإِصبَاحِ ? ، وقولُ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَاْ : ( كانَ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَرَى رُؤيا ؛ إِلاَّ جاءَتْ مِثلَ فَلَقِ الصُّبحِ ) . وأضافَ نفسَهُ عَزَّ وَجَلَّ إلى الفَلَقِ ؛ لأنَّهُ مِن أَعظَمِ الآياتِ ، ولذلكَ أَقسَمَ بهِ في قولِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } (1) . ويُقالُ : فَلَقَ الصُّبحَ وَفَرَق الصُّبحَ ، وقد قالَ عَزَّ وَجَلَّ : { فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ } (2) فأَتَى بمادَّةِ (فَلَقَ) و(فَرَقَ) فَهُما بِمَعنًى .
قَوُلُهُ تَعالَى : ? مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ? هذا عامٌّ يَتَناوَلُ كلَّ ما سِوى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لأنَّهُ خَلَقَهُ .
قَوُلُهُ تَعالَى : ? وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ? هوَ مِن بابِ عَطفِ الخاصِّ على العامِّ ؛ لأنَّ (الغاسِقَ) و (النَّفَّاثَاتِ) و(الحاسِدَ) مِن جُملةِ ما خَلَقَ الله عَزَّ وَجَلَّ . وإنَّما اُختُصَّت هذهِ بالذِّكرِ بعدَ العُمومِ ؛ لأنَّ مُتَعَلِّقاتِها مُهِمَّةٌ جِدّاً ، وذلكَ لأنَّ قوامَ الإنسانِ بَدَنُهُ وعَقلُهُ ودينُهُ وباقِي نِعَمِ الله عَزَّ وَجَلَّ عليهِ .
و(الغاسِقُ إِذا وَقَبَ) :
1ـ قيلَ : هو الثُّعبانُ إذا وثبَ وضربَ ، وهو يُفسدُ البدنَ .
__________
(1) سُورَةُ التَّكويرِ : 18 .
(2) سُورَةُ الشُّعَراء : 63 .(1/21)
2ـ [ وإِنْ قيلَ : إِنَّ (الغاسِقَ) هوَ القمرُ ، فإنَّ لهُ - فيما يُقالُ - تأثيراً في الأجسامِ الأرضيّةِ ؛ كتقطيعِ الثِّيابِ الكَتَّانِ ، وتمديدِ الزُّروعِ ، ودورانِ المدِّ والجزرِ معَهُ في بعضِ البحارِ ، فلعّلَّ لهُ تأثيراتٌ أخرى فيها شُرورٌ .
3ـ وإنْ قيلَ : إنَّ (الغاسِقَ) هوَ الفَرجُ - على ما قيلَ - فشرُّهُ ظاهِرٌ ، وأكثرُ شرورِ العالمِ مِن جِهَتِهِ .
4ـ وإنْ قيلَ : هوَ الليلُ ، فإنَّ الشَّرَّ فيهِ ظاهرٌ مُزعِجٌ :
? وأما ظهورُهُ : فلانتِشارِ الهوامِّ والشَّياطينَ فيهِ مِنَ الجِنِّ والإنسِ وغيرِ ذلكَ .
? وأما إِزعاجُهُ : فلأَنَّهُ يُلْقِي الإِنسانَ نائِماً أَوْ ساكِناً فَيَكونُ لهُ مِن الرَّوْعِ (1) ما لَيسَ في النَّهارِ ] (2) .
و(النَّفَّاثاتِ) : السَّاحِرات .
والسِّحرُ :
1ـ مُفسِدٌ للعَقلِ : لأنَّ الإنسانَ إذا سُحِرَ غَلَبَ خَيالُهُ على عَقلِهِ فَعادَ يُخَيَّلُ لهُ ما لا وجودَ لهُ في الخارجِ .
2ـ وهوَ مُفسِدٌ للبَدَنِ أيضاً : ولذلكَ وَجَبَ القَوَدُ بالقَتلِ بهِ عندَ جماعَةٍ مِنْ أَهلِ العِلمِ .
__________
(1) في ط : الوَرَعِ . ولعلَّ المُثبَت هو الأَنسَبُ ؛ وهو الخوف . ولا نَسَى أنَّه يتكَلَّم عن شَرِّ الليلِ ، والوَرَعُ منه بعيد .
(2) ذُكِرَت هذهِ الجُملَةِ بَعد تفسيرِ (الحاسِدِ) ومكَانُها هنا أليَق .(1/22)
وَ(الحاسِدُ) : يُفسِدُ النِّعمَةَ بالسَّعي في زَوالِها بِبَدَنِهِ ونَفسِهِ . ومِن جُملَةِ النِّعمَةِ : الدِّينُ الحَقِّ ، وقد يسعَى الإنسانُ في إفسادِ الدِّينِ حَسَداً ، كما حكى الله عَزَّ وَجَلَّ عَن أهلِ الكتابِ أَنَّهُم كانوا يَفعَلونَ ذلكَ حَسَدَاً بالمسلمينَ ، حتَّى قالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَدَّ ضژچدVں2 مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا #Y‰|،xm مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } (1) . { وَدَّتْ ×pxےح!$©غ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ } الآية (2) .
o الثالثة : [ تَفسيرُ سُورَةِ النَّاسِ ] :
قَولُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ أَعُوذُ ةb>uچخ/ النَّاسِ (1) إ7د=tB النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) } .
? (الرَّبُّ) و(الْمَلِكُ) و(الإِلَهُ) مُرَتَّبَةٌ في العُمومِ والخُصوصِ : فـ(الرَّبُّ) : أَعَمُّها ؛ لأنَّهُ قد يكونُ مَلِكاً وقد لا يكونُ ، وكذلكَ (الْمَلِكُ) : قد يكونُ إِلهاً وهو اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وحدهُ ، وقد لا يكونُ (3).
__________
(1) سُورَةُ البَقَرَةِ : 109 .
(2) سُورَةُ آلِ عِمرانَ : 96 .
(3) قَالَ القُرطُبِيّ في (تَفسيرِهِ) 20/241 : ( وَإنَّما ذكرَ اللهَ أنَّهُ ربُّ النَّاسِ وإِنْ كانَ رَبّاً لجميعِ الخلقِ لأمرينِ :
أحدُهُما : لأنَّ النَّاسَ مُعَظَّمونَ ؛ فأعلمَ بذِكرِهِم أنَّهُ ربٌّ لهم وإنْ عَظِّمُوا .
الثَّانِي : لأنَّهُ أمَرَ بالاستعاذَةِ مِنْ شَرِّهِم ، فأعلَمَ بِذِكرِهم أنَّهُ هو الذي يُعيذُ مِنهُم .
وإِنَّما قالَ : ? ملك الناس إله الناس ? لأنَّ فِي النَّاسِ مُلوكاً [ فاللهُ ] يَذكُرُ أنَّهُ مَلِكُهُم . وفي النَّاسِ مَن يَعبُدُ غَيرَهُ ، فذَكَرَ أنَّهُ إِلهَهُم ومَعبودَهُم ، وأنَّهُ الذي يَجِبُ أنْ يُستعاذَ بهِ وَيَلجَأُ إِليهِ ، دونََ الملوكِ والعُظَماءِ ) .(1/23)
? وأضافَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نَفسَهُ إلى (النَّاسِ) ؛ لأنَّهُم مِن أَشرافِ العالَمِ ، كما كان (الفَلَقُ) مِن أعظَمِ الآياتِ .
فإذا تَعَوَّذَ الإنسانُ بِإِلَهِ النَّاسِ : امتَنَعَ الشَّيطانُ مِنَ الإِقدامِ عليهِ امتِناعاً اختِيارِيّاً واضطِرارِيّاً ؛ لِعَظَمَةِ مَنْ تُعُوِّذَ بِهِ ، وهذا موجودٌ فِي عُرفِ النَّاسِ (1) .
o { مِنْ حhچx© الْوَسْوَاسِ } أيْ : الذي يُوَسوِسُ ؛ كما بُيَّنَ بَعدُ (2) . و(الوَسوَسَةُ) في الأَصلِ : الحَرَكَةُ والاضْطِرابُ ، قالَ الأعشَى :
تَسْمَعُ لِلْحُلِيِّ وَسْواساً إِذَا اِنصَرَفَتْ
ڑڑكَمَا [ اِسْتَعانَ ] بِريحِ عِشْرِقٌ زَجِلُ (3)
و(وَسوَسَةُ الشَّيطانُ) حركةٌ رَوحانِيَّةٌ خَفِيَّةٌ ، يُلقِيها الشَّيطانُ إِلى نَفسِ الإنسانِ بِواسِطَةِ جَرَيانِهِ منهُ مَجرَى الدَّمِ - أو كما يشاءُ الله عَزَّ وَجَلَّ - .
o ? ؤ¨$¨Ysƒù:$# ? : الذي يُوسوِسُ تارَةً . ويَخنُسُ : أي يَميل ُويَسكُنُ تارَةً .
ويقالُ : ( إنَّ اِلشَّيطانَ جاثِمٌ على قلبِ ابنِ آدمٍ ، فإذا غَفَلَ عَن الذِّكرِ وَسوَسَ الشَّيطانُ، وإِذا ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَنَسَ ) (4)
__________
(2) ? الذي يُوَسوِسُ في صُدُورِ النَّاسِ ? أي : مِن شَرِّ ذي الوسواسِ ؛ فَحَذَفَ المُضافَ (تَفسيرُ القُرطبي 20/242) .
(3) مِن ديوانِ الأَعشَى . (العِشرِق) نَبتٌ له حَبٌّ فإذا يَبُسَ طارَ سُمِعَ لهُ صَوتٌ . (الزجل) الصَّوت .
(4) أَخرَجَهُ : ابنُ أبي شَيبةَ في (المُصَنَّفِ) 13/369-370 والطَّبَرِي في (التَّفسيرِ) عن ابنِ عبَّاسٍ 24/754 (رَقْم : 38390) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَاْ مَوقوفاً .
o ورُويَ مَرفوعاً من حديثِ أنَس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ أَخرَجَهُ : أبو يَعلَى (رَقْم : 1546) (رَقْم : 4301) وابنُ شاهين في (التَّرغيبِ فِي فَضائلِ الأَعمالِ) (رَقْم : 154) والبيهقي في الشُّعَب (رَقْم : 540) وأبو نُعَيم في الحلية 6/268 .
قال الهَيثَمي في (مجمعِ الزوائِد) 7/149 : ( فيه (عَدِي بن أبي عمارَة ؛ وهو : ضَعيفٌ ) ? .
وأَشار ابنُ حَجَرَ في الفَتحِ 8/742 إلى رواية أنَس وضَعَّفَ إسنادَها .
o وأخرجَ ابنُ أبِي الدُّنيا وابنُ جريرٍ الطَّبَري 24/753-754 وابنُ المنذرِ والحاكِمُ 2/541 - وصححه - وابنُ مَردويهِ والبَيهَقِي (رَقْم : 676) والضِّياءُ فِي المختارَةِ 10/175 (رَقْم : 172) عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَاْ قال : ( ما مِنْ مَولودٍ يُولَدُ إِلاَّ على قَلبِهِ الوَسواسُ ، فإِذا عَقَلَ ذُكِرَ اللهُ خَنَسَ، وَإِذا غَفَلَ وَسوَسَ ، فذَلكَ قولُهُ : ? الوسواسُ الْخَنَّاسُ ? ) ? .(1/24)
؛ أي : مالَ وسَكَتَ عَنِ الوَسوَسَةِ .
ومنهُ : { فَلَا أُقْسِمُ ؤ¨Zèƒù:$$خ/ (15) ح'#uqpgù:$# الْكُنَّسِ (16) } (1) يعني : النُّجومَ تَجري في أفلاكِها ثم تَخنُسُ ؛ أي : تَميلُ للغروبِ ، أو : تَجري في أفلاكِ استِقامتِها ثم تَميلُ في أفلاكِ تَداويرِها ، ونحوها مِن أحوالِ رُجوعِها .
o قولُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ } يحتملُ هذا وَجهَين :
أحدُهُما : أَنْ يكونَ المعنى : الذي يُوقِعُ الوَسوَسَةَ في صُدورِ النَّاسِ .
فيكونُ ذلكَ : أعمُّ مِن أنْ يكونَ هوَ في الصُّدورِ أو خارِجاً عنها .
الثَّانِي : أنْ يكونَ المعنى : الذي يُوَسوِسُ كائِناً أو مُستقرِّاً فِي صدورِ النَّاسِ .
فيكونُ : مَحَلُّ الجارِّ والمجرورِ نَصباً على الحالِ .
__________
(1) سُورَةُ التَّكويرِ : 15-16 .(1/25)
وهوَ أوفَقُ للسُّنَّةِ الصَّحيحةِ ، وهوَ قولُهُ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الشَّيْطانَ يَجْرِي مِنْ اِبنِ آدَمَ مَجرَى الدَّمِ " (1) .
واعلَمْ أَنَّ الوَسوَسَةَ على القَلبِ ، وإِنَّما يُعَبَّرُ عنهُ بِالصَّدرِ لأَنَّهُ مَحَلُّ القَلبِ ؛ كما عبّرَ عَن العَقلِ بالقَلبِ لأَنَّهُ مَحَلَّهُ فِي قَولِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّ فِي y7د9¨sŒ 3"uچٍ2د%s! لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ } (2) .
o قَولُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { مِنَ دp¨Yإfّ9$# وَالنَّاسِ } :
هذا بيانٌ لِخَنسِ الخُنّاسِ وتَقسيمٌ لهُ إِلَى نَوعَين : الجِنَّةِ والنَّاسِ .
__________
(1) أَخرَجَهُ : البُخاري (رَقْم : 3281) ومُسلم (رَقْم : 2175) وأبو داود (رَقْم : 2470 و4994) وابن ماجة (رَقْم : 1779) وأحمد (رَقْم : 26322) والدَّارِمي (رَقْم : 1780) مِنْ حَديثِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ ؛ قَالَتْ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا ، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً ، فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، فَمَرَّ رَجُلانِ مِنْ الأَنْصَارِ ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ " . فَقَالا : سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِلَّهِ قَالَ : " إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا أَوْ قَالَ شَيْئًا " ) .
(2) سُورَةُ ق : 37 .(1/26)
أي : مِنْ شَرِّ الوَسواسِ الخَنَّاسِ ؛ الذي هُو : مِن أَهلِ الجِنَّةِ والنَّاسِ .
وهذا :
- نَصٌّ قَولِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { y7د9¨xx.ur $sYù=yèy_ لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ اd`إfّ9$#ur يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ t$مچ÷zم- ةAِqs)ّ9$# #Y'rل نî } (1) .
- وهوَ مَعنَى قَولُهُم : { $sY/u' yىtFôJtGَ™$# $uZàز÷èt/ <ظ÷èt7خ/ } (2) فِي بَعضِ الأَقوالِ واللهُ عَزَّ وَجَلَّ أعلمُ بالصَّوابِ .
[ هذا وصَلَّى اللهُ على نَبِيِّنا محمدٍ ]
[ وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ وسَلّم ]
[ تَسليماً كَثيراً ]
__________
(1) سُورَةُ الأَنعامِ : 128 .
(2) سُورَةُ الأَنعامِ : 128 .(1/27)