فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18)
{فهل ينظرون} ينتظرون {إلاَّ الساعة} القيامة {أن تأتيهم بغتة} أَيْ: هم في الحقيقة كذلك لأنَّه ليس الأمر إلاَّ أن تقوم عليهم السَّاعة بغتةً {فقد جاء أشراطها} علاماتها من بعث محمد صلى الله عليه وسلم وغيره {فأنى لهم إذا جاءتهم} السَّاعة {ذكراهم} أَيْ: فمن أين لهم أن يتذكَّروا أو يتوبوا بعد مجيء السَّاعة(1/1003)
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)
{فأعلم أنه لا إله إلاَّ الله} أَيْ: فاثبت على ذلك من علمك {والله يعلم متقلبكم} مُتصرِّفكم في أعمالكم وأشغالكم وقيل: مُتقلَّبكم من الأصلاب إلى الأرحام {ومثواكم} مرجعكم في الدُّنيا والآخرة(1/1003)
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20)
{ويقول الذين آمنوا} حرصاً منهم على الوحي إذا استبطؤوه: {لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة} غير منسوخةٍ {وذكر فيها} فُرِضَ {القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض} أَيْ: المنافقين {ينظرون إليك} شررا {نظر المغشي عليه من الموت} كنظر مَنْ وقع في سكرات الموت كراهة منهم للقتال {فأولى لهم}(1/1003)
طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21)
{طاعة وقول معروف} أَيْ: لو أطاعوا وقالوا لك قولاً حسناً كان ذلك أولى {فإذا عزم الأمر} أَيْ: جدَّ الأمرُ ولزم فرض القتال {فلو صدقوا الله} في الإِيمان والطَّاعة {لكان خيراً لهم}(1/1003)
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)
{فهل عسيتم إن توليتم} أَيْ: لعلَّكم إن أعرضتم عمَّا جاء به محمد عليه السَّلام أن تعودوا إلى أمر الجاهليَّة فيقتل بعضكم بعضاً وهو قوله: {أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} أَيْ: بالبغي والظلم والقتل(1/1003)
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23)
{أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم}(1/1003)
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)
{أفلا يتدبرون القرآن} فيتَّعظوا بمواعظه {أم على قلوبٍ أقفالها} فليس تفهمها(1/1004)
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25)
{إنَّ الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى} يعني: كفَّار أهل الكتاب كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وهم يعرفونه {الشيطان سول لهم} زيَّن لهم {وأملى لهم} أطال لهم الأمل(1/1004)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26)
{ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزَّل الله} يعني: المشركين {سنطيعكم في بعض الأمر} في التَّظاهر على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم(1/1004)
فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27)
{فكيف} أَيْ: فكيف يكون حالهم {إذا توفتهم الملائكة}(1/1004)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)
{ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم}(1/1004)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29)
{أم حسب الذين في قلوبهم مرض} وهم المنافقون {أن لن يخرج الله أضغانهم} لن يظهر الله أحقادهم على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين(1/1004)
وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)
{ولو نشاء لأريناكهم} لعرفناكم {فلعرفتهم بسيماهم} بعلامتهم {ولتعرفنهم في لحن القول} في معنى كلامهم إذا تكلَّموا معك(1/1004)
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)
{ولنبلونكم} بالجهاد {حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} العلم الذين يقع به الجزاء {ونبلو أخباركم} أَيْ: ونكشف ما تُسرُّون(1/1004)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32)
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئاً وسيحبط أعمالهم}(1/1005)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)
{ولا تبطلوا أعمالكم} أَيْ: بالمنِّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامكم(1/1005)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34)
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم}(1/1005)
فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)
{وتدعوا إلى السلم} أَيْ: لا توادعوهم ولا تتركوا قتالهم حتى يُسلموا لأنَّكم الأعلون ولا ضعف بكم فتدعوا إلى الصُّلح {والله معكم} بالنُّصرة {ولن يتركم أعمالكم} لن ينقصكم شيئاً من ثواب أعمالكم وقوله:(1/1005)
إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36)
{ولا يسألكم أموالكم} أَيْ: لا يسألكم محمَّد عليه السَّلام أموالكم أجراً على تبليغ الرِّسالة(1/1005)
إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37)
{إن يسألكموها فيحفكم} يجهدكم بالمسألة {تبخلوا ويخرج أضغانكم} ويظهر عداوتكم لأنَّ في مسألة المال ظهور العداوة والحق(1/1005)
هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)
{ها أنتم هؤلاء} يا هؤلاء {تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم مَنْ يبخل} بالصدفة {ومَنْ يبخل فإنما يبخل عن نفسه} لأنَّ له ثواب ما أعطي فإذا لم يعط لم يستحقَّ الثَّواب {والله الغنيُّ} عن صدقاتكم {وأنتم الفقراء} إليها في الآخرة {وإن تتولوا} عن الرَّسول {يستبدل قوماً غيركم} أطوع منكم وهم فارس {ثم لا يكونوا} في الطَّاعة {أمثالكم} بل يكونوا أطوع منكم وهذا الخطاب للعرب(1/1005)
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)
{إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً} حكمنا لك بإظهار دينك والنُّصرة على عدوِّك وفتحنا لكم أمر الدِّين(1/1007)
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2)
{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} ما علمت في الجاهليَّة {وما تأخَّر} ممَّا لم تعمله وقيل: ما تقدَّم من ذنبك يعني: ذنب أبويك آدم وحوَّاء ببركتك وما تأخَّر من ذنوب أُمَّتك بدعوتك {ويتم نعمته عليك} بالنبوة والحكمة {ويهديك صراطاً مستقيماً} أَيْ: يُثبِّتك عليه(1/1007)
وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3)
{وينصرك الله نصرا عزيز} ذا عزٍّ لا يقع معه ذلٌّ(1/1007)
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)
{هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين} اليقين والطُّمأنينة {ليزدادوا إيماناً} بشرائع الدِّين {مع إيمانهم} تصديقهم بالله وبرسله وقوله:(1/1008)
لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5)
{ليدخل الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما}(1/1008)
وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6)
{الظانين بالله ظنَّ السوء} يظنُّون أن لن ينصر الله محمَّداً والمؤمنين {عليهم دائرة السوء} بالذُّلَّ والعذاب أَيْ: عليهم يدور الهلاك والخزي(1/1008)
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7)
{ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما}(1/1008)
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8)
{إنا أرسلناك شاهدا} على أُمَّتك يوم القيامة {ومبشراً} بالجنَّة مَنْ عمل خيراً {ونذيراً} منذراً بالنَّار مَنْ عمل سوءً(1/1008)
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)
{وتعزروه} أَيْ: تنصروه {وتوقروه} وتعظِّموه(1/1009)
إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)
{إنَّ الذين يبايعونك} بالحديبية {إنما يبايعون الله} أَيْ: أخذك عليهم البيعة عقدُ الله عليهم {يد الله فوق أيديهم} نعمة الله علهيم فوق ما صنعوا من البيعة {فمن نكث} نقض البيعة {فإنما ينكث على نفسه} فإنما يضرُّ نفسه بذلك النَّكث(1/1008)
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11)
{سيقول لك المخلفون من الأعراب} الآية لمَّا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكَّة عام الحديبية استنفر مَنْ حول المدينة من الأعراب حذراً من قريش أن يعرضوا بحرب فتثاقلوا عنه وخافوا قريشاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أنفسهم فأنزل الله تعالى: {سيقول لك المخلفون} الذين خلَّفهم الله عن صحبتك إذا انصرفت إليهم فعاتبتهم عن التَّخلُّف: {شغلتنا} عن الخروج معك {أموالنا وأهلونا} أَيْ: ليس لنا مَنْ يقوم فيها إذا خرجنا {فاستغفر لنا} تركنا الخروج معك ثمَّ كذَّبهم الله تعالى في ذلك العذر فقال: {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم} الآية(1/1008)
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12)
{بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً} وذلك أنَّهم قالوا: إنَّ محمداً وأصحابه أكلة رأس أًيْ: قليلو العدد وأنهم لا لا يرجعون من هذا الوجه أبداً فقال الله تعالى: {وظننتم ظنَّ السوء وكنتم قوماً بُوْراً} هالكين عند الله تعالى بهذا الظن(1/1009)
وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13)
{ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا}(1/1009)
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14)
{ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفوراً رحيماً}(1/1009)
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15)
{سيقول المخلفون} يعني: هؤلاء: {إذا انطلقتم إلى مغانم} يعني: عنائم خيبر {ذرونا نتبعكم} إلى خيبر فنشهد معكم {يريدون أن يبدلوا كلام الله} يغيّروا وعد الله الذي وعد أهل الحديبية وذلك أنَّ الله تعالى حكم لهم بغنائم خيبر دون غيرهم {قل لن تتبعونا} إلى خيبر {كذلكم قال الله من قبل} أَيْ: من قبل مرجعنا إليكم إنَّ غنيمة خيبر لمّنْ شهد الحديبية دون غيرهم {فسيقولون بل تحسدوننا} أن نصيب معكم من الغنائم(1/1009)
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16)
{قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم} إلى قتال قوم {أولي بأس شديد} وهم فارس والرُّوم وقيل: بنو حنيفة أصحاب اليمامة {تقاتلونهم أو يسلمون} يعني: أو هم يسلمون أصحاب مسيلمة الكذاب فيترك قتالهم {فإن تطيعوا} مَنْ دعاكم إلى قتالهم {يؤتكم الله أجراً حسناً وإن تتولوا كما توليتم من قبل} عام الحديبية يعني: نافقتم وتركتم الجهاد {يعذِّبكم عذاباً أليماً} ثم ذكر أهل العُذر في التَّخلُّف عن الجهاد فقال:(1/1010)
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17)
{لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حرج ولا على المريض حرج} الآية ثمَّ ذكر خبر مَنْ أخلص نيَّته فقال:(1/1010)
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)
{لقد رضي الله عن المؤمنين} وكانوا ألفاً وأربعمائة {إذ يبايعونك} بالحديبية على أن يناجزوا قريشاً ولا يفرُّوا {تحت الشجرة} يعني: سمرة كانت هنالك وهذه البيعة تسمَّى بيعة الرِّضوان {فعلم ما في قلوبهم} من الإِخلاص والوفاء {فأنزل} الله {السكينة عليهم} وهي الطُّمأنينة وثلج الصدر بالنُّصرة من الله تعالى لرسوله {وأثابهم فتحاً قريباً} أَيْ: فتح خيبر(1/1010)
وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19)
{ومغانم كثيرة يأخذونها} يعني: عقار خيبر وأموالها(1/1011)
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20)
{وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها} وهي الفتوح التي تفتح لهم إلى يوم القيامة {فعجَّل لكم هذه} يعني: خيبر {وكفَّ أيدي الناس عنكم} لما خرجوا وخلفوا عيالهم بالمدينة حفظ الله عليهم عيالهم وقد همَّت اليهود بهم فقذف الله في قلوبهم الرُّعب فانصرفوا {ولتكون} هزيمتهم وسلامتكم {آية للمؤمنين ويهديكم صراطاً مستقيماً} يعني: طريق التَّوكُّل وتفويض الأمر إلى الله سبحانه في كلِّ شيء(1/1011)
وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21)
{وأخرى} أَيْ: ومغانم أخرى {لم تقدروا عليها} يعني: فارس والرُّوم {قد أحاط الله بها} علم أنَّه يفتحها لكم(1/1011)
وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22)
{ولو قاتلكم الذين كفروا} أَيْ: أهل مكَّة لو قاتلوكم عام الحديبية {لولوا الأدبار} لانهزموا عنك ولنصرت عليهم(1/1011)
سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23)
{سنة الله} كسنَّة الله في النُّصرة لأوليائه(1/1011)
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24)
{وهو الذي كفَّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة} مَنَّ الله سبحانه على المؤمنين بما أوقع من صلح الحديبية فكفَّهم عن القتال بمكَّة وذكر حُسن عاقبة ذلك في الآية الثَّانية وقوله: {من بعد أن أظفركم عليهم} وذلك أنَّ رجالاً من قريش طافوا بعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك العام ليصيبوا منهم فأُخذوا وأُتي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنهم وخلَّى سبيلهم وكان ذلك سبب الصُّلح بينهم(1/1011)
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25)
{هم الذين كفروا} يعني: أهل مكَّة {وصدوكم عن المسجد الحرام} منعوكم من زيارة البيت {والهدي} ومنعوا الهدي {معكوفاً} محبوساً {أن يبلغ محله} منحره وكانت سبعين بدنةً {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات} بمكَّة {لم تعلموهم أن تطئوهم} أَيْ: لولا أن تطؤوهم في القتال لأنَّكم لم تعلموهم مؤمنين وهو قوله: {بغير علم} {فتصيبكم منهم معرَّة} كفَّارةٌ وعارٌ وعيبٌ من الكافرين يقولون: قتلوا أهل دينهم {ليدخل الله في رحمته} دينه الإِسلام {مَنْ يشاء} من أهل مكَّة قبل أن يدخلوها {لو تزيلوا} تميَّز عنهم هؤلاء المؤمنين {لعذَّبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً} لأنزلنا بهم ما يكون عذاباً لهم أليماً بأيديكم(1/1012)
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)
{إذْ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حَمِيَّةَ الجاهلية} حين صدُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت {فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} أَيْ: الوقار حين صالحوهم ولم تأخذهم من الحمية ما أخذهم فيلجُّوا ويقاتلوا {وألزمهم كلمة التقوى} توحيد الله والإيمان به وبرسوله: لا إله إلا الله محمد رسول الله وقيل: يعني: بسم الله الرحمن الرحيم أبى المشركون أن يقبلوا هذا لمَّا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب كتاب الصُّلح بينهم وقالوا: اكتب باسمك اللَّهم فقال الله تعالى: {وكانوا أحقَّ بها وأهلها} أي: المؤمنين لأنَّ الله اختارهم للإيمان وكانوا أحقَّ بكلمة التَّقوى من غيرهم(1/1012)
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27)
{لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق} الآية كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم رأى في منامه قبل خروجه عام الحديبية كأنَّه وأصحابه يدخلون مكَّة مُحلِّقين ومُقصِّرين غير خائفين فلمَّا خرج عام الحديبية كانوا قد وطنوا أنفسهم على دخول مكَّة لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمَّا صدُّوا عن البيت راب بعضهم ذلك فأخبر الله تعالى أنَّ تلك الرُّؤيا صادقةٌ وأنَّهم يدخلونها إٍن شاء الله آمنين وقوله: {فعلم ما لم تعلموا} علم الله تعالى أنًّ الصَّلاح كان في ذاك الصُّلح ولم تعلموا ذلك {فجعل من دون ذلك} أَيْ: من دون دخولكم المسجد {فتحاً قريباً} وهو صلح الحديبية ولم يكن فتحٌ في الإسلام كان أعظم من ذلك لأنَّه دخل في الإسلام في تلك السِّنين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر وقيل: يعني: فتح خيبر(1/1013)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28)
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ليظهره على الدين كله} ليجعل دين الحقِّ ظاهراً على سائر الأديان عالياً عليها {وكفى بالله شهيداً} أنَّك مرسلٌ بالحقِّ ثمَّ حقَّق الله تلك الشَّهادة وبيَّنها فقال:(1/1013)
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)
{محمد رسول الله والذين معه} من المؤمنين {أشداء} غلاظٌ {على الكفار رحماء بينهم} متوادُّون متعاطفون {تراهم ركعاً سجداً} في صلواتهم {يبتغون فضلاً من الله} أن يدخلهم الجنَّة {ورضواناً} أن يرضى عنه {سيماهم} علامتهم {في وجوههم من أثر السجود} يعني: نوراً وبياضاً في وجوههم يوم القيامة يُعرفون بذلك النُّور أنَّهم سجدوا في دار الدُّنيا لله تعالى {ذلك مثلهم} صفة محمَّد صلى الله عليه وسلم وأصحابه {في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه} فراخه ونباته {فآزره} قوَّاه وأعانه أيْ: قوَّى الشَّطأ الزَّرع كما قوَّى أمر محمَّد وأصحابه والمعنى: أنَّهم يكونون قليلاً ثمَّ يكثرون وهذا مثل ضربه الله تعالى لنبيِّه عليه السَّلام إذ خرج وحده فأيَّده بأصحابه كما قوَّى الطَّاقة من الزرع بما ينبت حوله {فاستغلظ} فَغَلُظَ وقوِيَ {فاستوى} ثمَّ تلاحق نباته وقام على {سوقه} جمع ساق {يعجب الزراع} بحسن نباته واستوائه {ليغيظ بهم الكفار} فعل الله تعالى ذلك بمحمَّد وأصحابه ليغيظ بهم أهل الكفر {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم} أَيْ: من أصحاب محمد عليه السَّلام {مغفرة وأجراً عظيماً}(1/1014)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)
{يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} أَيْ: لا تُقدِّموا خلاف الكتاب والسُّنَّة وقيل: لا تذبحوا قبل أن يذبح النبيُّ عليه السَّلام في الأضحى وقيل: لا تصوموا قبل صومه نزلت في النَّهي عن صوم يوم الشَّكِّ والمعنى: لا تسبقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ حتى يكون هو الذي يأمركم به {واتقوا الله} في مخالفة أمره {إنَّ الله سميع} لأقوالكم {عليم} بأحوالكم(1/1015)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)
{يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيّ} نزلت في ثابت ابن قيس بن شماس وكان جهوريَّ الصَّوت وربَّما كان يُكلِّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فينادي بصوته فأمره بغضِّ الصَّوت عند مخاطبته {ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض} لا تُنزِّلوه منزلة بعضكم من بعضٍ فتقولوا: يا محمد ولكن خاطبوه بالنبوَّة والسَّكينة والإِعظام {أن تحبط أعمالكم} كي لا تبطل حسناتكم {وأنتم لا تشعرون} أنَّ خطابه بالجهر ورفع الصَّوت فوق صوته يُحبط العمل فلمَّا نزلت هذه الآية خفض أبو بكر وعمر رضي الله عنهما صوتهما فما كلَّما النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلاَّ كأخي السِّرار فأنزل الله تعالى:(1/1015)
إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)
{إنَّ الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى} أَيْ: اختبرها وأخلصها للتَّقوى(1/1016)
إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)
{إن الذين ينادونك من وراء الحجرات} نزلت في وفد تميمٍ أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفاخروه فنادوا على الباب: يا محمَّد اخرج إلينا فإنَّ مدحنا زينٌ وإنَّ ذمنا شينٌ فقال الله تعالى: {أكثرهم لا يعقلون} أَيْ: إنَّهم جهَّال ولو عقلوا لما فاخر رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/1016)
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
{ولو أنَّهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم} من إيذائهم إيَّاك بالنِّداء على بابك {والله غفور رحيم} لمن تاب منهم(1/1016)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)
{يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ} نزلت في الوليد بن عقبة بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مُصَّدِّقاً إلى قومٍ كانت بينه وبينهم تِرةٌ في الجاهليَّة فخاف أن يأتيهم وانصرف من الطَّريق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنَّهم منعوا الصَّدقة وقصدوا قتلي ذلك قوله: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} أَيْ: فاعلموا صدقه من كذبه {أن تصيبوا} لئلا تصيبوا {قوماً بجهالة} وذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم همَّ أن يغزوهم حتى تبيَّن له طاعتهم(1/1016)
وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)
{واعلموا أنَّ فيكم رسول الله} فلا تقولوا الباطل فإنَّ الله يخبره {لو يطيعكم في كثير من الأمر} لو أطاع مثل هذا المخبر الذي أخبره بما لا أصل له {لعنتم} لائمتم ولهلكتم {ولكنَّ الله حبب إليكم الإيمان} فأنتم تطيعون الله ورسوله فلا تقعون في العنت يعني بهذا: المؤمنين المخلصين ثمَّ أثنى عليهم فقال: {أولئك هم الراشدون}(1/1017)
فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)
{فضلاً من الله} أَيْ: الفضل من الله عليهم(1/1017)
وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)
{وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} نزلت في جمعين من الأنصار كان بينهما قتالٌ بالأيدي والنِّعال {فأصلحوا بينهما} بالدُّعاءِ إلى حكم كتاب الله فإن بغت إحداهما على الأخرى أَيْ: تعدَّت إحداهما على الأخرى وعدلت عن الحقِّ {فقاتلوا} الباغية حتى ترجع إلى أمر الله في كتابه {فإن فاءت} رجعت إلى الحقِّ {فأصلحوا بينهما} بحملهما على الإِنصاف {وأقسطوا} وأعدلوا {إنَّ الله يحب المقسطين}(1/1017)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)
{إنما المؤمنون أخوة} في الدين والولاية {فأصلحوا بين أخويكم} إذا اختلفا واقتتلا {واتقوا الله} في إصلاح ذات البين {لعلكم ترحمون} كي ترحموا به(1/1018)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)
{يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم} الآية نهى الله تعالى المؤمنين والمؤمنات أن يسخر بعضهم من بعض {عسى أن يكونوا} أَيْ: المسخور منه {خيراً منهم} من السَّاخر ومعنى السُّخرية ها هنا الازدارء والاحتقار {ولا تلمزوا أنفسكم} لا يعب بعضكم بعضاً {ولا تنابزوا بالألقاب} وهو أن يُدعى الرَّجل بلقبٍ يكرهه نهى الله تعالى عن ذلك {بئس الاسم الفسوق بعد الإِيمان} يعني: إنَّ السُّخرية واللَّمز والتَّنابز فسوقٌ بالمؤمنين وبئس ذلك بعد الإِيمان(1/1018)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)
{يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إنَّ بعض الظن إثم} وهو أنْ يظنَّ السُّوء بأهل الخير وبمن لا يُعلم منه فسقٌ {ولا تجسسوا} لا تطلبوا عورات المسلمين ولا بتحثوا عن معايبهم {ولا يغتب بعضكم بعضاً} لا تذكروا أحدكم بشيءٍ يكرهه وإن كان فيه ذلك الشَّيء {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً} يعني: إن ذكراك أخاك على غيبةٍ بسوءٍ كأكل لحمه وهو ميِّت لا يحسُّ بذلك {فكرهتموه} إنْ كرهتم أكل لحمه ميتاً فاكرهوا ذكره بسوءٍ(1/1018)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
{يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من ذكر وأنثى} أَيْ: كلُّكم بنو أبٍ واحدٍ وأمٍّ واحدةٍ فلا تفاضل بينكم في النَّسب {وجعلناكم شعوباً} وهي رؤوس القبائل كربيعة ومضر {وقبائل} وهي دون الشُّعوب كبكر من ربيعة وتميم من مضر {لتعارفوا} ليعرف بعضكم بعضاً في قرب النَّسب وبعده لا لتتفاخروا بها ثمَّ أعلم أنَّ أرفعهم عنده منزلةً أتقاهم فقال: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} الآية(1/1019)
قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
{قالت الأعراب آمنا} نزلت في نفرٍ من بني أسدٍ قدموا المدينة في سنة جدبة بذرايهم وأظهروا كلمة الشَّهادة ولم يكونوا مؤمنين في السِّرِّ فقال الله تعالى: {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} أَيْ: لم تُصدِّقوا الله ورسوله بقلوبكم ولكن أظهرتم الطَّاعة مخافة القتل والسَّبي {ولما يدخل الإِيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله} ظاهراً وباطناً {لا يلتكم} لا ينقصكم {من} ثواب {أعمالكم شيئاً} الآية ثمَّ بيَّن حقيقة الإيمان والمؤمن فقال:(1/1019)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)
{إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} أَيْ هؤلاء هم الذين صدقوا في إيمانهم لا مَنْ أسلم خوف السَّيف ورجاء المنفعة فلمَّا نزلت الآيتان جاءت الأعراب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلفوا بالله أنَّهم مؤمنون وعلم الله غير ذلك منهم فأنزل الله تعالى:(1/1019)
قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16)
{قل أتعلمون الله بدينكم} الآية أيْ: أَتُعَلِّمونه بما أنتم عليه وهو يعلم ذلك(1/1020)
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)
{يمنون عليك أن أسلموا} وذلك أنَّهم كانوا يقولون لنبي الله صلى الله عليه وسلم: أتيناك بالعيال والأثقال طوعاً ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلانٍ فأعطنا فقال الله تعالى: {قل لا تمنوا عليَّ} وقوله: {إن كنتم صادقين} أنَّكم مؤمنون أَيْ: لله المنَّةُ إن صدقتم في إيمانكم لا لكم(1/1020)
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)
{إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون}(1/1020)
ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1)
{ق} قُضي ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة {والقرآن المجيد} الكبير القدر والكثير الخير(1/1021)
بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)
{بل عجبوا} يعني: كفَّار مكَّة {أن جاءهم منذر منهم} محمدٌ عليه السَّلام وهم يعرفون نسبه وأمانته {فقال الكافرون هذا شيء عجيب} يعني: هذا الإنكار الذي ينذرنا(1/1021)
أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3)
{أإذا متنا وكنا تراباً} نُبعث؟ وهذا استفهامُ إنكارٍ وجوابه محذوفٌ ثمَّ انكروا ذلك أصلاً فقالوا: {ذلك} أَيْ: البعث {رجع بعيد} ردٌّ لا يكون قال الله تعالى:(1/1021)
قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4)
{قد علمنا ما تنقص الأرض منهم} ما تأكل من لحومهم {وعندنا كتاب حفيظ} أي: اللَّوح المحفوظ من أن يدرس ويتغيَّر وفيه جميع الأشياء المقدَّرة(1/1021)
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5)
{بل كذَّبوا بالحق} أَيْ: بالقرآن {لما جاءهم فهم في أمرٍ مريج} مُلتبسٍ عليهم مرَّةً يقولون للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ساحرٌ ومرَّةً: شاعرٌ ومرَّةً: مُعلَّمٌ ثمَّ دلَّهم على قدرته فقال:(1/1022)
أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)
{أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج} شقوق وقوله:(1/1022)
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)
{من كلِّ زوج بهيج} أَيْ: من كلِّ لونٍ حسنٍ(1/1022)
تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8)
{تبصرة} فعلنا ذلك تبصيراً ودلالةً على قدرتنا {لكلِّ عبد منيب} يرجع إلى الله تعالى فيتفكَّر في قدرته وقوله:(1/1022)
وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9)
{وحبَّ الحصيد} أَيْ: ما يُقتات من الحبوب(1/1022)
وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10)
{والنخل باسقات} طوالاً {لها طلع نضيد} ثمرٌ متراكبٌ(1/1022)
رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)
{رزقاً للعباد} أَيْ: آتينا هذا الأشياء للرِّزق {وأحيينا به} بذلك الماء {بلدة ميتاً كذلك الخروج} من القبور وقوله:(1/1022)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12)
{كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود}(1/1022)
وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13)
{وعاد وفرعون وإخوان لوط}(1/1022)
وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14)
{وقوم تبع} وهو ملكٌ كان باليمن أسلم ودعا قومه إلى الإِسلام فكذَّبوه وقوله: {فحقَّ وعيد} وجب عليهم العذاب(1/1022)
أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)
{أفعيينا بالخلق الأول} أَيْ: أعجزنا عنه حتى تعيى بالإعادة {بل هم في لبس} شكٍّ {من خلق جديد} أَيْ: البعث(1/1022)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)
{ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه} يحدثه قلبه {ونحن أقرب إليه} بالعلم {من حبل الوريد} وهو عرقٌ في العنق(1/1023)
إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17)
{إذ يتلقى المتلقيان} أَيْ: المَلكان الحافظان يتلقَّيان ويأخذان ما يعمله الإنسان فيثبتانه {عن اليمين وعن الشمال قعيد} قاعدان على جانبيه(1/1023)
مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)
{ما يلفظ} يتكلَّم {من قول إلاَّ لديه رقيب} حافظٌ {عتيد} حاضر(1/1023)
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)
{وجاءت سكرة الموت} أَيْ: غمرته وشدَّته {بالحق} أَيْ: من أمر الآخرة حتى يراه الإنسان عياناً {ذلك ما كنت منه تحيد} أي: تهرب وتروغ يعني: الموت(1/1023)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20)
{ونفخ في الصور} أَيْ: نفخة البعث {ذلك يوم الوعيد} الذي يُوعد الله به الكفَّار(1/1023)
وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)
{وجاءت كلُّ نفس} إلى المحشر {معها سائق} من الملائكة يسوقها {وشهيد} شاهدٌ عليها بعملها وهو الأيدي والأرجل فيقول الله تعالى:(1/1023)
لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)
{لقد كنت في غفلة من هذا} اليوم {فكشفنا عنك غطاءك} فخلينا عنك سترك حتى عاينته {فبصرك اليوم حديد} فعلمك بما أنت فيه نافذٌ(1/1023)
وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23)
{وقال قرينه} أَيْ: المَلك الموَّكل به: {هذا ما لديَّ عتيد} هذا الذي وكَّلتني به قد أحضرته فأحضرت ديوان أعماله فيقول الله للملَكين الموكَّلين بالإِنسان:(1/1023)
أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24)
{ألقيا في جهنم كلَّ كفار عنيد} عاصٍ مُعرضٍ عن الحقِّ(1/1023)
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25)
{مناع للخير} للزَّكاة المفروضة وكلِّ حقٍّ في ماله {معتد} ظالمٍ {مريب} شاكٍّ(1/1024)
الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26)
{الذي جعل مع الله إلهاً آخر فألقياه في العذاب الشديد}(1/1024)
قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27)
{قال قرينه} من الشَّياطين: {ربنا ما أطغيته} ما أظللته {ولكن كان في ضلال بعيد} أَيْ: إنَّما طغى هو بضلاله وإنَّما دعوته فاستجاب لي كما قال في الإخبار عن الشَّيطان: {إلاَّ أنْ دعوتُكم فاستجبتُمْ لي} فحينئذٍ يقول الله:(1/1024)
قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28)
{لا تختصموا لدي وقد قدَّمت إليكم بالوعيد} حذَّرتكم العقوبة في الدُّنيا على لسان الرُّسل(1/1024)
مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29)
{ما يبدل القول لدي} لا تبديل لقولي ولا خلف لوعدي {وما أنا بظلام للعبيد} فأعاقب بغير جرم(1/1024)
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)
{يوم نقول لجهنم هل امتلأت} وهذا استفهامُ تحقيقٍ وذلك أنَّ الله عزَّ وجل وعدها أن يملأها فلمَّا ملأها قال لها: {هل امتلأت وتقول هل من مزيد} أَيْ: هل بقي فيَّ موضعٌ لم يمتلىء أيْ قد امتلأت(1/1024)
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31)
{وأزلفت الجنة} أُدنيت الجنَّة {للمتقين} حتى يروها {غير بعيد} منهم ويقال لهم:(1/1024)
هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32)
{هذا ما توعدون لكلِّ أواب} رجاع إلى الله بالطًّاعة {حفيظ} حافظ لأمر الله(1/1024)
مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33)
{من خشي الرحمن بالغيب} خاف الله ولم يره {وجاء بقلب منيب} مقبلٍ إلى طاعة الله يقال لهم:(1/1024)
ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34)
{ادخلوها بسلام} بسلامةٍ من العذاب {ذلك يوم الخلود} لأهل الجنَّة فيها(1/1025)
لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)
{لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد} زيادةٌ ممَّا لم يخطر ببالهم وقيل: هو الرُّؤية(1/1025)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36)
{وكم أهلكنا قبلهم} قبل أهل مكَّة {من قرنٍ} جماعةٍ من النَّاس {هم أشدُّ منهم بطشاً فَنَقَّبوا} طوفوا في البلاد وفتشوا فلم يريوا محيصاً من الموت(1/1025)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
{إن في ذلك} الذي ذكرت {لذكرى} لعظةً وتذكيراً {لمن كان له قلب} أَيْ: عقلٌ {أو ألقى السمع} أَيْ: استمع القرآن {وهو شهيد} حاضر القلب وقوله:(1/1025)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38)
{وما مسنا من لغوب} أَيْ: وما أصابنا تعبٌ وإعياءٌ وهذا ردٌّ على اليهود في قولهم: إنَّ الله تعالى استراح يوم السَّبت(1/1025)
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)
{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} صل لله {قبل طلوع الشمس} أَيْ: صلاة الفجر {وقبل الغروب} صلاة الظهر والعصر(1/1025)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)
{ومن الليل فسبحه} أَيْ: صلاتي العشاء {وأدبار السجود} أَيْ: الرَّكعتين بعد المغرب(1/1025)
وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41)
{واستمع} يا محمد {يوم يناد المناد} وهو إسرافيل عليه السَّلام يقول: أيَّتها العظام البالية واللُّحوم المُتمزِّقة إنَّ الله يأمركن أن تتجمعن لفصل القضاء {من مكان قريب} من السِّماء وهو صخرة بيت المقدس أقرب موضعٍ من الأرض إلى السَّماء(1/1025)
يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42)
{يوم يسمعون الصيحة بالحق} أَيْ: نفخة البعث {ذلك يوم الخروج} من القبور(1/1026)
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43)
{إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير}(1/1026)
يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44)
{يوم تشقق الأرض عنهم} فيخرجون {سراعاً}(1/1026)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)
{وما أنت عليهم بجبار} بمسلِّطٍ يجبرهم على الإسلام وهذا قبل أن يوم بالقتال {فذكِّر} فعظ {بالقرآن مَنْ يخاف وعيد}(1/1026)
وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1)
{والذاريات ذرواً} أي: الرِّياح التي تذرو التُّراب(1/1027)
فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2)
{فالحاملات وقراً} وهي السَّحاب تحمل الماء(1/1027)
فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3)
{فالجاريات يسراً} السُّفن تجري في البحر بيسرٍ {فالمقسمات أمراً} الملائكة تأتي بأمرٍ مختلف من الخصب والخصب والجدب والمطر والحوادث(1/1027)
فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4)
{فالمقسمات أمرا}(1/1027)
إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5)
{إنما توعدون} من الخير والشَّرِّ والثَّواب والعقاب {لصادق} أقسم الله بهذه الأشياء على صدق وعده(1/1027)
وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)
{وإنَّ الدين} الجزاء على الأعمال {لواقع} لكائنٌ(1/1027)
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)
{والسماء ذات الحبك} الخَلْق الحسن(1/1027)
إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8)
{إنكم} يا أهل مكَّة {لفي قول مختلف} في أمر النبي صلى الله عليه وسلم(1/1027)
يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9)
{يؤفك عنه} يُصرف عن الإيمان به {مَنْ أفك} صُرف عن الخير(1/1028)
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10)
{قتل الخراصون} لُعن الكذَّابون يعني: المُقتسمين(1/1028)
الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11)
{الذين هم في غمرة} غفلةٍ {ساهون} لاهون(1/1028)
يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12)
{يسألون أيان يوم الدين} متى يوم الجزاء؟ استهزاءً منهم قال الله تعالى:(1/1028)
يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13)
{يوم هم على النار يفتنون} أي: يقع الجزاء يوم هم على النار يُفتنون يُحرَّقون ويُعذَّبون وتقول لهم الخزنة:(1/1028)
ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)
{ذوقوا فتنتكم} عذابكم {هذا الذي كنتم به تستعجلون} في الدُّنيا(1/1028)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15)
{إنَّ المتقين في جنات وعيون}(1/1028)
آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16)
{آخذين ما آتاهم ربهم} من الثَّواب والكرامة {إنهم كانوا قبل ذلك} قبل دخولهم الجنَّة {محسنين}(1/1028)
كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)
{كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون} كانوا ينامون قليلا من الليل(1/1028)
وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)
{وبالأسحار هم يستغفرون}(1/1028)
وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)
{وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} وهو الذي لا يسأل الناس ولا يكسب(1/1028)
وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)
{وفي الأرض آيات} دلالاتٌ على قدرة الله تعالى ووحدانية {للموقنين}(1/1028)
وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)
{وفي أنفسكم} أيضاً آياتٌ من تركيب الخلق وعجائب ما في الآدمي من خلقه {أفلا تبصرون} ذلك(1/1028)
وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)
{وفي السماء رزقكم} أَي: الثَّلج والمطر الذي هو سبب الرِّزق والنَّبات من الأرض {وما توعدون} ما ابتداء وخبره محذوف على تقدير: وما توعدون من البعث والثَّواب والعقاب حقٌّ ودلَّ على هذا المحذوف قوله:(1/1028)
فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)
{فوربِّ السماء والأرض إنَّه لحقٌّ مثل ما أنكم تنطقون} أَيْ: كما أنَّكم تتكلَّمون أي: إنَّه معلومٌ بالدَّليل كما إِنَّ كلامكم إذا تكلّمتم معلومٌ لكم ضرورة أنكم تتكلمون ومثل رفع لأنَّه صفةٌ لقوله: لحق ومَنْ نصب أراد: إنَّه لحقّ حقاً مثلَ ما أنّكم تنطقون(1/1029)
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24)
{هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين} بأن خدمهم بنفسه(1/1029)
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25)
{إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً} سلَّموا سلاماً {قال سلامٌ} عليكم {قوم منكرون} أي: أنتم قوم لا نعرفكم(1/1029)
فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26)
{فراغ} فعدل ومال {إلى أهله} وقوله:(1/1029)
فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)
{فقربه إليهم قال ألا تأكلون}(1/1029)
فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28)
{فأوجس منهم خيفة} أَيْ: وقع في نفسه الخوف منهم وقوله:(1/1029)
فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)
{فأقبلت امرأته في صرَّة} أَيْ: أخذت تصيح بشدَّةٍ {فَصَكَّتْ} لطمت {وجهها وقالت} : أنا {عجوز عقيم} فكيف ألد؟(1/1029)
قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30)
{قالوا كذلك} كما اخبرناك {قال ربك} أي: نخبرك عن الله لا عن أنفسنا {إنَّه هو الحكيم العليم} يقدر أن يجعل العقيم ولوداً فلمَّا قالوا ذلك علم إبراهيم أنَّهم رسلٌ وأنَّهم ملائكة صلوات الله عليهم(1/1029)
قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31)
الجزء السابع والعشرين:
{قال: فما خطبكم} أي: ما شأنكم وفيمَ أُرسلتم؟(1/1030)
قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32)
{قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} يعنون قوم لوط(1/1030)
لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33)
{لنرسل عليهم حجارة من طين} يعني: السِّجيل(1/1030)
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34)
{مسوَّمة عند ربك للمسرفين} مًعلَّمة على كلِّ حجرٍ منها اسم مَنْ يهلك به(1/1030)
فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35)
{فأخرجنا مَنْ كان فيها} يعني: من قرى قوم لوط {من المؤمنين}(1/1030)
فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)
{فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين} يعني: بيت لوطٍ عليه السَّلام(1/1030)
وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37)
{وتركنا فيها} بأهلاكهم {آية} علامة للخائفين تدلُّ على أنَّ الله أهلكهم(1/1030)
وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38)
{وفي موسى} عطفٌ على قوله: وفي الأرض {إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين} بحجَّةٍ واضحةٍ(1/1030)
فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39)
{فتولى} فأعرض عن الإيمان {بركنه} مع جنوده وما كان يتقوَّى به وقوله:(1/1030)
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)
{وهو مليم} أَيْ: أتى ما يُلام عليه(1/1030)
وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41)
{وفي عاد} أيضاً آيةٌ {إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم} وهي التي لا بركة فيها ولا تأتي بخيرٍ(1/1030)
مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)
{ما تذر من شيء أتت عليه إلاَّ جعلته كالرميم} كالنَّبت الذي قد تحطَّم(1/1030)
وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43)
{وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين} إلى فناء آجالكم(1/1031)
فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44)
{فعتوا عن أمر ربهم} عصوه {فأخذتهم الصاعقة} العذاب المهلك(1/1031)
فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45)
{فما استطاعوا من قيام} أي: أن يقوموا بعذاب الله {وما كانوا منتصرين} أي: لم ينصرهم أحدٌ علينا(1/1031)
وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46)
{وقوم نوح} وأهلكنا قوم نوحٍ قبل هؤلاء(1/1031)
وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)
{والسماء بنيناها بأيدٍ} بقوَّةٍ {وإنا لموسعون} لقادرون وقيل: جاعلون بين السَّماء والأرض سعةً(1/1031)
وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48)
{والأرض فرشناها} مهَّدناها لكم {فنعم الماهدون} نحن(1/1031)
وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)
{ومن كل شيء خلقنا زوجين} صنفين كالذَّكر والأنثى والحلو والحامض والنُّور والظُّلمة {لعلكم تذكرون} فتعلموا أنَّ خالق الأزواج فردٌ(1/1031)
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)
{ففروا} من عذاب الله إلى طاعته(1/1031)
وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51)
{ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر إني لكم منه نذير مبين}(1/1031)
كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52)
{كذلك} كما أخبرناك {ما أتى الذين من قبلهم} من قبل أهل مكَّة {من رسول إلاَّ قالوا ساحرٌ أو مجنون}(1/1031)
أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53)
{أتواصوا به} أوصى بعضهم بعضاً بالتَّكذيب والألف للتَّوبيخ {بل هم قوم طاغون} عاصون(1/1031)
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54)
{فتولًّ عنهم فما أنت بملوم} لأنَّك بلغت الرِّسالة(1/1031)
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)
{وذكر} ذكِّرهم بأيَّام الله {فإنَّ الذكرى تنفع المؤمنين}(1/1032)
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)
{وما خلقت الجن والإِنس إلاَّ ليعبدون} أي: إلاَّ لآمرهم بعبادتي وأدعوهم إليها وقيل: أراد المؤمنين منهم وكذا هو في قراءة ابن عباس: وما خلقت الجن والإِنس من المؤمنين إلاَّ ليعبدون {ما أريد منهم من رزق} أن يرزقوا أنفسهم أو أحداً من عبادي {وما أريد أن يطعمون} لأنِّي أنا الرَّزَّاق والمُطعم وقوله:(1/1032)
مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57)
{ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون}(1/1032)
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)
{المتين} أي: المُبالغ في القُوَّة(1/1032)
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59)
{فإنَّ للذين ظلموا} أَيْ: أهل مكَّة {ذنوباً} نصيباً من العذاب {مثل ذنوب} نصيب {أصحابهم} الذين هلكوا {فلا يستعجلون} إنْ أخَّرتهم إلى يوم القيامة(1/1032)
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)
{فويلٌ للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون} من يوم القيامة(1/1032)
وَالطُّورِ (1)
{والطور} أقسم الله تعالى بالجبل الذي كلَّم عليه موسى وهو جبلٌ بمدين اسمه زبير(1/1033)
وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2)
{وكتاب مسطور} مكتوبٍ(1/1033)
فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3)
{في رقّ} وهو الجلد الذي يكتب فيه {منشور} مبسوطٍ أَيْ: دواوين الحفظة التي أثبتت فيها أعمال بني آدم(1/1033)
وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4)
{والبيت المعمور} وهو بيتٌ في السَّماء بإزاء الكعبة تزوره الملائكة(1/1033)
وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5)
{والسقف المرفوع} أي: السَّماء(1/1033)
وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)
{والبحر المسجور} المملوء(1/1034)
إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7)
{إنَّ عذاب ربك لواقع} لنازلٌ كائن(1/1034)
مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)
{ما له من دافع}(1/1034)
يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9)
{يوم تمور السماء موراً} تتحرَّك وتضطرب وتدور يعني: يوم القيامة(1/1034)
وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10)
{وتسير الجبال سيرا}(1/1034)
فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11)
{فويل يومئذ للمكذبين}(1/1034)
الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12)
{الذين هم في خوض} باطلٍ {يلعبون} أي: تشاغلهم بكفرهم(1/1034)
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)
{يوم يدعون إلى نار جهنم دعاً} يُدفعون إليها دفعاً عنيفاً ويقال لهم:(1/1034)
هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14)
{هذه النار التي كنتم بها تكذبون}(1/1034)
أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15)
{أفسحر هذا} الذي ترون {أم أنتم لا تبصرون} وهذا توبيخٌ لهم والمعنى: أتصدِّقون الآن عذاب الله وقوله:(1/1034)
اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)
{اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون}(1/1034)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17)
{إنَّ المتقين في جنات ونعيم}(1/1034)
فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18)
{فاكهين بما آتاهم ربهم} أي: معجبين به(1/1034)
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19)
{كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون}(1/1034)
مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20)
{متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين}(1/1034)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)
{والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} يريد: إنَّه يلحق الأولاد بدرجة الآباء في الجنَّة إذا كانوا على مراتب وكذلك الآباء بدرجة الأبناء لتقرَّ بذلك أعينهم فيلحق بعضهم بعضاً إذا اجتمعوا في الإيمان من غير أن ينقص من أجر مَنْ هو أحسن عملاً شيئا بزيارته في درجة الأنقص عملاً وهو قوله: {وما ألتناهم} أَيْ: وما نقصناهم {من عملهم من شيء كلُّ امرئ بما كسب} بما عمل من خيرٍ أو شرٍّ {رهين} مرهونٌ يُؤخذ به(1/1034)
وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22)
{وأمددناهم بفاكهة ولحم} أَيْ: زدناهم(1/1035)
يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23)
{يتنازعون} يتناولون ويأخذ بعضهم من بعض {فيها كأساً لا لغوٌ فيها ولا تأثيم} لا يجري بينهم فيها باطلٌ ولا إثمٌ كما يجري بين شرب الخمر في الدُّنيا(1/1035)
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)
{ويطوف عليهم} بالخدمة {غلمان لهم كأنهم} في بياضهم وصفائهم {لؤلؤ مكنون} مخزونٌ مصونٌ(1/1035)
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25)
{وأقبل بعضهم على بعض} في الجنَّة {يتساءلون} عن أحوالهم التي كانت في الدُّنيا(1/1035)
قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26)
{قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين} خائفين من عذاب الله(1/1035)
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27)
{فمنَّ الله علينا} بالجنَّة {ووقانا عذاب السموم} عذاب سموم جهنم وهو نارها وحرارتها(1/1035)
إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)
{إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم}(1/1035)
فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29)
{فذكر} فذكِّرهم يا محمَّد الجنَّة والنَّار {فما أنت بنعمة ربك} برحمة ربّك وإكرامه إيَّاك بالنُّبوَّة {بكاهنٍ} تخبر بما في غدٍ من غير وحيٍ {ولا مجنون} كما تقولون(1/1035)
أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30)
{أم يقولون} بل أيقولون: هو {شاعرٌ نتربَّص به ريب المنون} ننتظر به الموت فيهلك(1/1035)
قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31)
{قل تربصوا فإني معكم من المتربصين} حتى يأتي أمر الله فيكم(1/1036)
أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32)
{أم تأمرهم أحلامهم} عقولهم {بهذا} أَيْ: بترك قبول الحقِّ من صاحب المعجزة {أم هم قوم طاغون} أَيْ: أم يكفرون طغياناً بعد ظهور الحقِّ(1/1036)
أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)
{أم يقولون تقوَّله} أَي: القرآن من قبل نفسه ليس كما يقولون {بل لا يؤمنون} استكباراً(1/1036)
فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34)
{فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين} أنَّ محمداً يقوله من قبل نفسه(1/1036)
أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)
{أم خلقوا من غير شيء} أَيْ: لغير شيءٍ يعني: أَخُلقوا عبثاً وسُدىً {أم هم الخالقون} أنفسهم(1/1036)
أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36)
{أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون}(1/1036)
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37)
{أم عندهم خزائن ربك} ما في خزائن ربِّك من العلم بما يكون في غدٍ {أم هم المصيطرون} المُسلَّطون الجبَّارون(1/1036)
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38)
{أم لهم سلَّم} مرقىً إلى السَّماء {يستمعون فيه} أنَّ الذي هم عليه حقٌّ {فليأت مستمعهم} إن ادَّعوا ذلك {بسلطانٍ مبين} بحجَّةٍ واضحةٍ ثمَّ سفَّه أحلامهم في جعلهم البنات لله فقال:(1/1036)
أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39)
{أم له البنات ولكم البنون}(1/1036)
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40)
{أم تسألهم أجراً} على ما جئتهم به {فهم من مغرم} غُرمٍ {مثقلون} مجهدون والمعنى: إنَّ الحجَّة واجبةٌ عليهم من كلِّ جهةٍ(1/1036)
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41)
{أم عندهم الغيب} علم ما يؤول إليه أمر محمد صلى الله عليه وسلم {فهم يكتبون} يحكمون بأنَّه يموت فتسريح منه(1/1037)
أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42)
{أم يريدون كيداً} مكراً بكم في دار النَّدوة {فالذين كفروا هم المكيدون} المجزيون بكيدهم لأنَّ الله تعالى حفظ نبيَّه عليه السَلام من مكرهم وقُتلوا هم ببدر(1/1037)
أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43)
{أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون}(1/1037)
وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44)
{وإن يروا كسفاً} قطعاً {من السماء ساقطا يقولوا} لعنادهم وفرط شقاوتهم: {سحاب مركوم} بعضه على بعض وهذا جوابٌ لقولهم: {فأسقط علينا كسفاً من السماء} أخبر الله تعالى أنَّه لو فعل ذلك لم يؤمنوا(1/1037)
فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45)
{فذرهم حتى يُلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون} يموتون ثمَّ أخبر أنَّه يعجِّل لهم العذاب في الدنيا فقال:(1/1037)
يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (46)
{يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون}(1/1037)
وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47)
{وإنَّ للذين ظلموا} كفروا {عذاباً دون ذلك} قبل موتهم وهو الجوع والقحط سبع سنين ثمَّ أمره بالصَّبر فقال:(1/1037)
وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)
{واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا} بحيث نراك ونحفظك ونرعاك {وسبح بحمد ربك حين تقوم} من مجلسك قل: سبحانك اللهم وبحمدك(1/1037)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)
{ومن الليل} فسبحه أَيْ: صلِّ له صلاتي العشاء {وإدبار النجوم} أَيْ: ركعتي الفجر(1/1037)
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)
{والنجم إذا هوى} أي: والثُّريا إذا سقطت وقيل: القرآن إذا نزل مُتفرِّقاً نجوماً(1/1038)
مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)
{ما ضلَّ صاحبكم} محمد عليه السَّلام {وما غوى}(1/1038)
وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)
{وما ينطق عن الهوى} ما الذي يتكلَّم به ممَّا قاله بهواه(1/1038)
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)
{إن هو} ما هو {إلاَّ وحيٌ يوحى} إليه(1/1038)
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)
{علمه شديد القوى} أَيْ: جبريل عليه السَّلام(1/1038)
ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6)
{ذو مرَّة} قوَّةٍ شديدةٍ {فاستوى} جبريل عليه السَّلام في صورته التي خلقه الله عز وجل عليها(1/1038)
وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7)
{وهو بالأفق الأعلى} وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله أن يريه نفسه على صورته فواعده ذلك بحراء فطلع له جبريل عليه السلام من الشرق فسدَّ الأفق إلى المغرب(1/1038)
ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8)
{ثم دنا فتدلى} هذا من المقلوب أَيْ: ثمَّ تدلى أَيْ: نزل من السَّماء فدنا من محمَّد عليه السَّلام(1/1038)
فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)
{فكان} منه في القرب على قدر {قوسين أو أدنى} والمعنى: أنَّه بعد ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظمه وهاله ذلك ردَّه الله تعالى إلى صورة آدميٍّ حتى قرب من النبي صلى الله عليه وسلم للوحي وذلك قوله:(1/1039)
فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)
{فأوحى إلى عبده} محمد صلى الله عليه وسلم {ما أوحى} الله عزَّ وجل إلى جبريل عليه السَّلام(1/1039)
مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)
{ما كذب الفؤاد ما رأى} أَيْ: لم يكذب قلب محمَّد عليه السَّلام فيما رأى ليلة المعراج وذلك أنَّ الله جعل بصره في فؤاده حتى رآه وحقَّق الله تعالى تلك الرُّؤية وقال: إنها كانت رؤية حقيقة ولم تكن كذباً(1/1039)
أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)
{أفتمارونه على ما يرى} أفتجادلونه في أنه رأى الله عز وجل(1/1039)
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)
{ولقد رآه} ربَّه وقيل: رأى جبريل على صورته التي خلق عليها {نزلة أخرى} مرَّة أخرى(1/1039)
عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14)
{عند سدرة المنتهى} وهي شجرةٌ إليها ينتهي علم الخلق وما وراءها غيبٌ لا يعلمه إلاَّ الله عز وجل(1/1039)
عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)
{عندها جنة المأوى} وهي جنَّةٌ تصير إليها أرواح الشُّهداء(1/1039)
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)
{إذ يغشى السدرة ما يغشى} قيل: يغشاها فراش من ذهب وقيل: الملائكة أمثال الغربان(1/1039)
مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)
{ما زاغ البصر وما طغى} هذا وصفٌ أدبِ النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج أَيْ: لم يمل بصره عما قصده له ولا جاوز إلى ما أُمر به(1/1039)
لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)
{لقد رأى من آيات ربه الكبرى} أَيْ: ما رأى من الآيات العظام تلك اللَّيلة(1/1040)
أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19)
{أفرأيتم اللات والعُزَّى}(1/1040)
وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)
{ومناة الثالثة الأخرى} هذه أصنامٌ من حجارةٍ كانت في جوف الكعبة والمعنى أخبرنا عن هذه الإناث التي تعبدونها وتزعمون أنَّها بنات الله أللَّهِ هي وأنتم تختارون الذُّكران وذلك قوله:(1/1040)
أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21)
{أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى}(1/1040)
تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)
{تلك إذاً قسمة ضيزى} جائرةٌ ناقصةٌ(1/1040)
إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)
{إن هي} ما هذه الأوثان {إلاَّ أسماء} لا حقيقة لها {سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا} بعبادتها {من سلطان} حجَّةٍ وبرهانٍ {إن يتبعون} ما يتَّبعون في عبادتها وأنَّها شفعاء لهم {إلاَّ الظن وما تهوى الأنفس} يعني: إنَّ ذلك شيء ظنُّوه وأمرٌ سوَّلت لهم أنفسهم {ولقد جاءهم من ربهم الهدى} البيان على لسان محمد صلى الله عليه وسلم(1/1040)
أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24)
{أم للإِنسان ما تمنى} أَيظنُّون أنَّ لهم ما تمنَّوا من شفاعة الأصنام؟ ليس كما تمنَّوا بل(1/1040)
فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25)
{فللَّه الآخرة والأولى} فلا يجري في الدَّارين إلاَّ ما يريد(1/1041)
وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)
{وكم من ملك في السماوات} هو أكرم على الله من هذه الأصنام {لا تغني شفاعتهم} عن أحدٍ {شيئاً إلاَّ من بعد أن يأذن الله} لهم في ذلك {لمن يشاء ويرضى} كقوله: {ولا يشفعون إلاَّ لمن ارتضى}(1/1041)
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27)
{إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى} يقولون: إنَّهم بنات الله(1/1041)
وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28)
{وما لهم به من علم إن يتبعون إلاَّ الظن وإنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} إِنَّ ظنَّهم لا يدفع عنهم من العذاب شيئاً(1/1041)
فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29)
{فأعرض} يا محمَّد {عن من تولَّى عن ذكرنا} أعرضَ عن القرآن {ولم يرد إلاَّ الحياة الدنيا}(1/1041)
ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30)
{ذلك مبلغهم من العلم} يقول: ذلك نهاية علمهم أَنْ آثروا الدُّنيا على الآخرة وقوله:(1/1041)
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31)
{ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى}(1/1041)
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)
{إلاَّ اللمم} يعني: صغار الذُّنوب كالنَّظرة والقُبلة وقوله: {إذ أنشأكم من الأرض} يعني: خلق أباكم من التُّراب {وإذ أنتم أجنَّة} جمع جنين {فلا تزكوا أنفسكم} لا تمدحوها {هو أعلم بمن اتقى} عمل حسنةً(1/1041)
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33)
{أفرأيت الذي تولى} أعرض عن الإيمان يعني: الوليد بن المغيرة وكان قد ابتع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيَّره بعض المشركين على ذلك فقال: إنّي أخشى عذاب الله فضمن له إن هو أعطاه شيئاً من ماله إلى شركه أنْ يتحمَّل عنه عذاب الله فرجع في الشِّرك وأعطى صاحبه الضَّامن من بعض ما كان ضمن له ومنعه الباقي وذلك قوله:(1/1042)
وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34)
{وأعطى قليلاً وأكدى} أَيْ: قطع ذلك ومنعه(1/1042)
أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35)
{أعنده علم الغيب فهو يرى} ما غاب من أمر الآخرة حتى علم أنَّ غيره يحمل عنه العذاب(1/1042)
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36)
{أم لم ينبأ بما في صحف موسى} أسفار التَّوراة(1/1042)
وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)
{و} صحف {إبراهيم الذي وفَّى} أكمل ما أُمر به أتمه ثمَّ بيَّن ذلك فقال:(1/1042)
أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38)
{ألا تزر وازرةٌ وزر أخرى} أَيْ: لا تؤخذ نفسٌ بمأثم غيرها(1/1042)
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)
{وإن ليس للإِنسان إلاَّ ما سعى} عمل لآخرته(1/1042)
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40)
{وإنَّ سعيه} عمله {سوف يرى} في ميزانه من خيرٍ وشرٍّ(1/1042)
ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)
{ثم يجزاه} يجزى عليه {الجزاء الأوفى} الأتمَّ(1/1043)
وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42)
{وأنَّ إلى ربك المنتهى} المصير والمرجع(1/1043)
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43)
{وأنه هو أضحك} مَنْ شاء من خلقه {وأبكى} نم شاء منهم(1/1043)
وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44)
{وأنه هو أمات} في الدنيا {وأحيا} للبعث وقوله:(1/1043)
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45)
{وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى}(1/1043)
مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46)
{إذا تمنى} أي: نصب في الرَّحم(1/1043)
وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47)
{وأنَّ عليه النشأة الأخرى} الخلق الآخر بعد الموت(1/1043)
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48)
{وأنه هو أغنى} بالمال {وأقنى} أرضى بما أعطى وقيل: أقنى: أعطى أصول الأموال وما يتَّخذ فيه قنيةً(1/1043)
وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49)
{وأنَّه هو رب الشعرى} وهي كوكب خلف الجوزاء كانت تُعبد في الجاهليَّة(1/1043)
وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50)
{وأنه أهلك عاداً الأولى} قوم هود(1/1043)
وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51)
{وثمود فما أبقى}(1/1043)
وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52)
{وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى}(1/1043)
وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53)
{والمؤتفكة} قرى قوم لوط {أهوى} أسقطها إلى الأرض بعد رفعها(1/1043)
فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54)
{فغشَّاها ما غشَّى} ألبسها العذاب والحجارة(1/1043)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55)
{فبأي آلاء ربك تتمارى} بأيِّ نِعَم ربِّك التي تدلُّ على توحيده وقدرته تتشكَّكُ أيُّها الإنسان؟(1/1043)
هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56)
{هذا} محمَّدٌ {نذير من النذر الأولى} أَيْ: هو رسولٌ أُرسل إليكم كما أُرسل مَنْ قبله من الرُّسل(1/1043)
أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57)
{أزفت الآزفة} قربت القيامة(1/1044)
لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)
{ليس لها من دون الله كاشفة} لا يكشف عنها إلاَّ الله تعالى كقوله: {لا يجلِّيها لوقتها إلا هو}(1/1044)
أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59)
{أفمن هذا الحديث} أي: القرآن {تعجبون}(1/1044)
وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60)
{وتضحكون ولا تبكون}(1/1044)
وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61)
{وأنتم سامدون} لاهون غافلون(1/1044)
فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)
{فاسجدوا لله واعبدوا} معناه: فاسجدوا لله واعبدوا الذي خلق السماوات والأرض ولا تسجدوا للأصنام التي ذكرت في هذه السُّورة(1/1044)
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)
{اقتربت الساعة} دنت القيامة {وانشقَّ القمر} انفلق بنصفين عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وذلك أنَّ أهل مكَّة سألوه آيةً فأراهم القمر فلقتين حتى رأوا حراءً بنيهما فأخبر الله تعالى أنَّ ذلك من علامات قرب السَّاعة(1/1045)
وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2)
{وإن يروا} يعني: أهل مكَّة {آية} تدلُّ على صدق محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم {يعرضوا ويقولوا سحرٌ مستمر} ذاهب باطلٌ يذهب وقيل: محكمٌ شديدٌ وقوله:(1/1045)
وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3)
{وكلُّ أمر مستقر} أَيْ: يستقرُّ قرار تكذيبهم وقرار تصديق المؤمنين يعني: عند ظهور الثَّواب والعقاب(1/1045)
وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)
{ولقد جاءهم} جاء أهل مكَّة {من الأنباء} أخبار إهلاك الأمم المُكذِّبة {ما فيه مزدجر} متناهى منتهى(1/1045)
حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5)
{حكمة بالغة} أَيْ: ما أتاهم من أخبار مَنْ قبلهم حكمةٌ بالغةٌ تامَّةٌ ليس فيها نقصانٌ أي: القرآن وذلك أنَّ تلك الأخبار قُصَّت عليهم في القرآن {فما تغن النذر} جمع نذير أَيْ: فليست تغني عن التَّكذيب(1/1046)
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6)
{فتولَّ عنهم} وتمَّ الكلام ثمَّ قال: {يوم يدع الداع إلى شيء نكر} مُنكرٍ وهو النَّار(1/1046)
خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7)
{خشعاً} ذليلةً {أبصارهم يخرجون من الأجداث} القبور {كأنهم جراد منتشر} كقوله: {كالفراش المبثوث}(1/1046)
مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)
{مهطعين} مُقبلين ناظرين {إلى الداع} إلى مَنْ يدعوهم إلى المحشر {يقول الكافرون هذا يوم عسر} شديدٌ(1/1046)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9)
{كذبت قبلهم} قبل أهل مكَّة {قوم نوح فكذَّبوا عبدنا} نوحاً {وقالوا: مجنون وازدجر} زُجر ونُهِرَ ونُهي عن دعوته ومقالته(1/1046)
فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10)
{فدعا ربَّه أني مغلوب} مقهورٌ {فانتصر} فانتقم لي منهم(1/1046)
فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11)
{ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر} سائلٍ(1/1046)
وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)
{وفجرنا الأرض عيوناً} فتحناها بعيون الماء {فالتقى الماء} ماءُ السَّماء وماءُ الأرض {على أمر قد قدر} قُضي عليهم في أمِّ الكتاب(1/1046)
وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)
{وحملناه} أَيْ: نوحاً {على ذات ألواح} وهي السَّفينة {ودسر} يعني: ما تُشدَّ به السَّفينة من المسامير والشرط(1/1047)
تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14)
{تجري بأعيننا} بمرأى من وحفظٍ {جزاءً لمن كان كفر} يعني: نوحاً أَيْ: فعلنا ذلك ثواباً له إذ كُفر به وكُذِّب(1/1047)
وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15)
{ولقد تركناها آية} تركنا تلك القِصَّة آيةً: علامةً ليعتبر بها {فهل من مدَّكر} مُتَّعظٍ بها(1/1047)
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16)
{فكيف كان عذابي} استفهام معناه التَّقرير {ونذر} أي: إنذاري(1/1047)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)
{ولقد يسرنا القرآن للذكر} سهَّلناه للحفظ فليس يحفظ كتابٌ من كتب الله ظاهراً إلاَّ القرآن {فهل من مدكر} مُتَّعظ بمواعظه(1/1047)
كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18)
{كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر}(1/1047)
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19)
{إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً} شديدةً ذات صوتٍ {في يوم نحس} شؤمٍ {مستمر} دائم الشُّؤم(1/1047)
تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20)
{تنزع الناس} تقلعهم من مواضعهم {كأنهم أعجاز نخل} أصول نخلٍ {منقعر} مُنقطعٍ ساقطٍ شُبِّهوا وقد كبَّتهم الرِّيح على وجوههم بنخيل سقطت على الأرض(1/1047)
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21)
{فكيف كان عذابي ونذر}(1/1047)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22)
{ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}(1/1047)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23)
{كذبت ثمود بالنذر} جمع نذير وقوله:(1/1047)
فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24)
{إنا إذاً لفي ضلال} ذهابٍ عن الصَّواب {وسعر} جنون(1/1048)
أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25)
{أألقي الذكر عليه من بيننا} أنكروا أن يكون مخصوما بالوحي من بينهم {بل هو كذَّاب أشر} بَطِرٌ يريد أن يتعظَّم علينا(1/1048)
سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26)
{سيعلمون غداً} عند نزول العذاب بهم {من الكذاب الأشر}(1/1048)
إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27)
{إنا مرسلو الناقة} مخرجوها من الهضبة كما سألوا {فتنة لهم} محنةً لهم لنختبرهم {فارتقبهم} انتظر ما هم صانعون {واصطبر}(1/1048)
وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28)
{ونبئهم أنَّ الماء قسمة بينهم} بين ثمود والناقة غِبَّاً لهم يومٌ ولها يومٌ {كلُّ شرب} نصيبٍ من الماء {محتضر} يحضره القوم يوماً والنَّاقة يوماً(1/1048)
فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29)
{فنادوا صاحبهم} قُدَاراً عاقر الناقة {فتعاطى} تناول النَّاقة بالعقر فعقرها وقوله:(1/1048)
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30)
{فكيف كان عذابي ونذر}(1/1048)
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31)
{كهشيم المحتظر} هو الرَّجل يجعل لغنمه حظيرةً بالشَّجر والشَّوك دون السِّباع مما سقط من ذلك فداسته الغنم فهو الهشيم وقوله:(1/1048)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32)
{ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}(1/1048)
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33)
{كذبت قوم لوط بالنذر}(1/1048)
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34)
{إلاَّ آل لوط} أَي: أتباعه على دينه من أهله وأُمَّته {نجيناهم} من العذاب {بسحر} من الأسحار كقوله: {فأسر بأهلك} الآية؟(1/1048)
نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35)
{نعمة من عندنا} عليهم بالإنجاء {كذلك} كما جزينا لوطاً وآله {نجزي مَنْ شكر} آمن بالله وأطاعه(1/1049)
وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36)
{ولقد أنذرهم} خوَّفهم لوط {بطشتنا} أخذنا إيَّاهم بالعقوبة {فتماروا بالنذر} كذَّبوا بإنكاره شكَّاً منهم(1/1049)
وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37)
{ولقد راودوه عن ضيفه} سألوه أن يُخلِّي بينهم وبين القوم الذين أتوه في صورة الأضياف وكانوا ملائكةً {فطمسنا أعينهم} أعميناها وصيّرناها كسائر الوجه وقلنا لهم: {فذوقوا عذابي ونذر}(1/1049)
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38)
{ولقد صبحهم بكرةً} جاءهم صباحاً {عذابٌ مستقر} ثابتٌ لأنَّه أفضى بهم إلى عذاب الآخرة(1/1049)
فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39)
{فذوقوا عذابي ونذر}(1/1049)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40)
{ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}(1/1049)
وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41)
{ولقد جاء آل فرعون النذر} الإنذار على لسان موسى وهارون عليهما السَّلام(1/1039)
كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42)
{كذبوا بآياتنا} التِّسع {كلها فأخذناهم} بالعذاب {أخذ عزيز} قويٍّ {مقتدر} قادرٍ لا يعجزه شيء ثمَّ خاطب العرب فقال:(1/1049)
أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43)
{أكفاركم خيرٌ من أولئكم} الذين ذكرنا قصَّتهم {أم لكم براءة} من العذاب {في الزبر} الكتب تأمنون بها من العذاب(1/1049)
أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44)
{أم يقولون} كفَّار مكَّة: {نحن جميع منتصر} جماعةٌ منصورون(1/1049)
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)
{سيهزم الجمع} أَي: جمعهم {ويولون الدبر} ينهزمون فيرجعون على أدباره وكان هذا يوم بدر(1/1049)
بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46)
{بل الساعة موعدهم} للعذاب {والساعة أدهى وأمر} أشدُّ أمراً وأشدُّ مرارةً ممَّا يلحقهم في الدُّنيا(1/1050)
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47)
{إنَّ المجرمين في ضلال} في الدُّنيا {وسعر} نارٍ في الآخرة(1/1050)
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)
{يوم يسحبون} يجرُّون {في النار على وجوههم} ويقال لهم: {ذوقوا مسَّ سقر} إصابة جهنَّم إياكم بالعذاب(1/1050)
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)
{إنا كلَّ شيء خلقناه بقدر} أَيْ: كلُّ ما خلقناه فمقدورٌ مكتوبٌ في اللَّوح المحفوظ وهذه الآيات نزلت في القدرية الذين يُكذِّبون بالقدر(1/1050)
وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)
{وما أمرنا} لشيءٍ إذا أردنا تكوينه {إلاَّ واحدة} كلمةٌ واحدةٌ وهي كن {كلمح بالبصر} في السُّرعة كخطفة البصر(1/1050)
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51)
{ولقد أهلكنا أشياعكم} أشباهكم في الكفر من الأمم الماضية(1/1050)
وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52)
{وكل شيء فعلوه في الزبر} في كتب الحفظة(1/1050)
وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)
{وكلُّ صغير وكبير} من أعمالهم {مستطر} مكتوبٌ(1/1050)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54)
{إنَّ المتقين في جنات ونهر} ضياءٍ وسعةٍ وقيل: أراد أنهاراً فوحَّد لوفاق الفواصل(1/1051)
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)
{في مقعد صدق} في مجلس لا لغوٌ فيه ولا تأثيمٌ {عند مليك مقتدر} وهو الله تعالى وعند إشارةٌ إلى الرُّتبة والقربة من فضل الله ورحمته(1/1051)
الرَّحْمَنُ (1)
{الرحمن}(1/1052)
عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2)
{علم القرآن} علَّم نبيَّه عليه السَّلام القرآن ليس كما يقول المشركون: إنَّما يُعلِّمه بَشرٌ وقيل: معناه: يسَّر القرآن لأَنْ يُذكر فعلَّمه هذه الأُمَّة حتى حفظوه(1/1052)
خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3)
{خلق الإنسان} يعني: النبيَّ صلى الله عليه وسلم(1/1052)
عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)
{علمه البيان} القرآن الذين فيه بيان كلِّ شيءٍ وقيل: {خلق الإنسان} يعني: ابن آدم فعلَّمه النُّطق وفضَّله به على سائر الحيوان(1/1052)
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5)
{الشمس والقمر} يجريان {بحسبان} بحسابٍ لا يجاوزانه(1/1052)
وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)
{والنجم} كلُّ نبتٍ لا يقوم على ساق ولا يبقى على الشَّتاء {والشجر يسجدان} يخضعان لله تعالى بما يريد منهما(1/1052)
وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7)
{والسماء رفعها} فوق الأرض {ووضع الميزان} العدل والإنصاف(1/1053)
أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)
{أن لا} لئلا {تطغوا} تجاوزوا القدر {في الميزان}(1/1053)
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)
{وأقيموا الوزن بالقسط} بالعدل {ولا تخسروا الميزان} لا تنقصوا الوزن(1/1053)
وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10)
{والأرض وضعها للأنام} للجنِّ والإنس(1/1053)
فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11)
{فيها فاكهة} أنواع الفواكه {والنخل ذات الأكمام} أوعية الثَّمر(1/1053)
وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12)
{والحب ذو العصف} أَيْ: ورق الزَّرع وقيل: هو التِّبن {والريحان} الرِّزق ثمَّ خاطب الجن والإنس فقال:(1/1053)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)
{فبأي آلاء} نِعمَ {ربكما} من هذه الأشياء التي ذكرها {تكذبان} لأنَّها كلَّها مُنعَمٌ بها عليكُم في دلالتها إيَّاكم على وحدانيَّة الله سبحانه ثمَّ كرر في هذه السُّورة هذه الآية توكيداً وتذكيراً لنعمه(1/1053)
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14)
{خلق الإنسان} آدم {من صلصال} طينٍ يابسٍ يُسمع له صلصلةٌ {كالفخار} وهو ما طبخ من الطِّين(1/1053)
وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15)
{وخلق الجان} أَيْ: أبا الجن {من مارج} من لهب النار الخالص(1/1053)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1053)
رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17)
{رب المشرقين ورب المغربين} مشرق الصَّيف ومشرق الشَّتاء وكذلك المغربان(1/1053)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1054)
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19)
{مرج البحرين} خلط البحر العذب والبحر المالح {يلتقيان} يجتمعان وذلك أنَّ البحر المالح فيه عيون ماءٍ عذبٍ(1/1054)
بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20)
{بينهما برزخ} حاجزٌ من قدرة الله {لا يبغيان} لا يختلطان ولا يُجاوزان ما قدَّر الله لهما فلا الملح يختلط بالعذب ولا العذب يختلط بالملح(1/1054)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1054)
يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22)
{يخرج منهما} أراد: من أحدهما وهو الملح {اللؤلؤ} وهو الحبُّ الذي يخرج من البحر {والمرجان} صغار اللؤلؤ(1/1054)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (23)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1054)
وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24)
{وله الجوار} السفن {المنشآت} المرفوعات {كالأعلام} كالجبال في العظم(1/1054)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (25)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1054)
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26)
{كلُّ مَنْ عليها} على الأرض من حيوانٍ {فانٍ} هالكٌ(1/1054)
وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)
{ويبقى وجه ربك} وهو السَّيِّد {ذو الجلال} العظمة {والإكرام} لأنبيائه وأوليائه(1/1054)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1054)
يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)
{يسأله من في السماوات والأرض} من مَلَكٍ وإنس وجنِّ الرِّزقَ والمغفرة وما يحتاجون إليه {كلَّ يوم هو في شأن} من إظهار أفعاله وإحداث ما يريد من إحياءٍ وإماتةٍ وخفضٍ ورفعٍ وقبضٍ وبسطٍ(1/1054)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1054)
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31)
{سنفرغ لكم} سنقصد لحسابكم بعد الإمهال {أيها الثقلان} يعني: الجن والإنس(1/1054)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1054)
يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)
{يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا} تخرجوا {من أقطار السماوات والأرض} نواحيها هاربين من الموت {فانفذوا} فاخرجوا {لا تنفذون إلاَّ بسلطان} أَيْ: حيث ما كنتم شاهدتم حجَّة الله وسلطاناً يدلُّ على أنه واحد(1/1055)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1055)
يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35)
{يرسل عليكما شواظ من نار} وهو اللَّهب الذي لا دخان له {ونحاس} وهو الدخان الذي لا لهب له أَيْ: يرسل هذا مرَّةً وهو في يوم القيامة يُحاط على الخلق بلسانٍ من نارٍ {فلا تنتصران} أي: تمتنعان(1/1055)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1055)
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)
{فإذا انشقت السماء} انفجرت أبوبا لنزول الملائكة {فكانت وردة} في اختلاف ألوانه(1/1055)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1055)
فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39)
{فيومئذٍ لا يسأل عن ذنبه} سؤالَ استفهامٍ ولكن يُسألون سؤالَ تقريعٍ وتوبيخٍ(1/1055)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1055)
يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41)
{يعرف المجرمون بسيماهم} بعلامتهم وهي سواد الوجوه وزرقة العيون {فيؤخذ بالنواصي والأقدام} تضم نواصيهم إلى أقامهم ويُلقون في النَّار والنَّواصي: جمع النَّاصية وهو شعر الجبهة ثم يقال لهم:(1/1055)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1055)
هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43)
{هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون}(1/1055)
يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44)
{يطوفون بينها وبين حميم آن} وهو الذي قد انتهى في الحرارة والمعنى أنَّهم إذا استغاثوا من النار جعل غيائهم الحميم الآني فيُطاف بهم مرة إلى الحميم مرة إلى النار(1/1056)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1056)
وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)
{ولمن خاف مقام ربه} قيامه بين يدي الله تعالى للحساب فترك المعصية {جنتان}(1/1056)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1056)
ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48)
{ذواتا أفنان} أغصان(1/1056)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1056)
فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50)
{فيهما عينان تجريان} إحداهما بالماء الزُّلال والأخرى بالخمر(1/1056)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1056)
فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52)
{فيهما من كلِّ فاكهة زوجان} نوعان كلاهما حلو(1/1056)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1056)
مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)
{متكئين على فرش} جمع فراش {بطائنها} ما بطن منها وهو ضدُّ الظَّاهر {من إستبرق} وهو ما غلظ من الدِّيباج {وجنى الجنتين} ثمرهما {دان} قريبٌ يناله القاعد والقائم(1/1056)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1056)
فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56)
{فيهن قاصرات الطرف} حابسات الأعين إلاَّ على أزواجهنَّ ولا ينظرون إلى غيرهم {لم يَطْمِثْهُنَّ} لم يُجامعهنَّ {إنس قبلهم} قبل أزواجهن {ولا جانٌ}(1/1056)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1056)
كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58)
{كأنهنَّ الياقوت} في الصَّفاء {والمرجان} في البياض(1/1056)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1056)
هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)
{هل جزاء الإِحسان إلاَّ الإِحسان} ما جزاء مَنْ أحسن في الدُّنيا بطاعة الله تعالى إلاَّ الإِحسان إليه في الآخر بالجنَّة ونعيمها(1/1056)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1057)
وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62)
{ومن دونهما} وسوى الجنتين الأوليين {جنتان} أخريان(1/1057)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1057)
مُدْهَامَّتَانِ (64)
{مدهامتان} سوداوان لشدَّة الخضرة(1/1057)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1057)
فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66)
{فيهما عينان نضاختان}(1/1057)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1057)
فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)
{فيهما فاكهة ونخل ورمان}(1/1057)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1057)
فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70)
{فيهن خيرات} نساء فاضلات الأخلاق {حسان} الوجوه(1/1057)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1057)
حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)
{حور} سود الأحداق {مقصورات} محبوساتٌ {في الخيام} من الذر المجوفة(1/1057)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1057)
لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74)
{لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان}(1/1057)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1057)
مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)
{متكئين على رفرف} وهو ما فضل من الفرش والبسط وقيل: الوسائد {وعبقري} أَيْ: الزَّرابي والطَّنافس {حسان} ثمَّ ختم السورة بما ينبغي أن يُمجَّد به ويعظم فقال:(1/1057)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77)
{فبأي آلاء ربكما تكذبان}(1/1057)
تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)
{تبارك اسم ربك ذي الجلال والإِكرام}(1/1057)
إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1)
{إذا وقعت الواقعة} جاءت القيامة(1/1058)
لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2)
{ليس لوقعتها} لمجيئها {كاذبة} كذبٌ(1/1058)
خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)
{خافضة رافعة} تخفض قوماً إلى النَّار وترفع آخرين إلى الجنَّة(1/1058)
إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4)
{إذا رجَّت الأرض رجّاً} حُرَّكت الأرض حركةً شديدةً(1/1058)
وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5)
{وبست الجبال بساً} فتَّت فتَّاً(1/1058)
فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)
{فكانت هباء منبثاً} غُباراً متفرقا(1/1058)
وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7)
{وكنتم} في ذلك اليوم {أزواجاً} أَصنافاً {ثلاثة} ثمَّ بيَّن الأصناف فقال:(1/1058)
فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8)
{فأصحاب الميمنة} وهم الذين يُؤتون كتبهم بأيمانهم وقيل: الذين كانوا عل يمين آدم عليه السَّلام حين أخرج الذُّريَّة من ظهره {ما أصحاب الميمنة} أَيُّ شيءٍ هم؟ على التَّعظيم لشأنهم(1/1058)
وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9)
{وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة} أَيْ: الشِّمال تفسيرها على ضدِّ تفسير التي قبلها(1/1059)
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10)
{والسابقون} إلى الإِيمان من كلِّ أمَّةٍ {السابقون} إلى رحمة الله وجنَّته(1/1059)
أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11)
{أولئك المقربون} إلى كرامة الله(1/1059)
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)
{في جنات النعيم}(1/1059)
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13)
{ثلة من الأولين} جماعةٌ من الأمم الماضية(1/1059)
وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)
{وقليل من الآخرين} من هذه الأُمّة يريد: من سابقي الأمم وسابقي هذه الأُمَّة(1/1059)
عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15)
{على سرر موضونة} منسوجةٍ بقضبان الذهب والجواهر(1/1059)
مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16)
{متكئين عليها متقابلين}(1/1059)
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17)
{ولدان مخلدون} غلمانٌ لا يموتون ولا يهرمون(1/1059)
بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18)
{بأكواب} بأقداحٍ لا عُرى لها {وأباريق} التي لها عُرى وخراطيم {وكأس} إناءٍ {من معين} من خمرٍ جاريةٍ(1/1059)
لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19)
{لا يصدعون عنها} لا ينالهم الصُّداع عن شربها {ولا ينزفون} ولا يسكرون(1/1059)
وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20)
{وفاكهة مما يتخيرون} يختارون(1/1058)
وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21)
{ولحم طير مما يشتهون}(1/1059)
وَحُورٌ عِينٌ (22)
{وحور} جوار وعلمان شديدات سواد الأعين وبياضها {عين} ضخام العيون(1/1059)
كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23)
{كأمثال} كأشباه {اللؤلؤ المكنون} في صفاء اللَّون والمكنون: المستور في كِنِّه وهو الصدف(1/1060)
جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)
{جزاء بما كانوا يعملون}(1/1060)
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25)
{لا يسمعون فيها} في الجنَّات {لغواً} كاملاً فاحشاً {ولا تأثيماً} ولا ما يوقع في الإِثم(1/1060)
إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)
{إلا قليلا} قولاً {سلاماً سلاماً} ما يسلمون فيه من اللَّغو والإٍثم ثمَّ ذكر منازل أصحاب الميمنة فقال:(1/1060)
وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27)
{وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين}(1/1060)
فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28)
{في سدر} وهو نوعٌ من الشجر {منضود} مقطوعِ الشَّوك لا كسدر الدُّنيا(1/1060)
وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29)
{وطلح} وهو شجر الموز {منضود} نُضِدَ بالحمل من أوَّله إلى آخره فليست له سوقٌ بارزةٌ(1/1060)
وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)
{وظل ممدود} دائمٍ ثابت(1/1060)
وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31)
{وماء مسكوب} جارٍ غير منقطع(1/1060)
وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32)
{وفاكهة كثيرة}(1/1060)
لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33)
{لا مقطوعة} بالأزمان {ولا ممنوعة} بالأثمان(1/1060)
وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)
{وفرش مرفوعة} على السررظ(1/1060)
إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35)
{إنا أنشأناهن} خلقناهنَّ أَيْ: الحور العين {إنشاء} خلقاً من غير ولادةٍ(1/1061)
فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36)
{فجعلناهنَّ أبكاراً} عذارى(1/1061)
عُرُبًا أَتْرَابًا (37)
{عُرباً} مُتحبِّبات إلى الأزواج عواشق لهم {أتراباً} مُستوياتٍ في السنِّ(1/1061)
لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38)
{لأصحاب اليمين}(1/1061)
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39)
{ثلة من الأولين} من الأمم الماضية(1/1061)
وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)
{وثلة من الآخرين} من هذه الأُمَّة يعني: إنَّ أصحاب الجنَّة نصفان: نصفٌ من الأمم الماضية ونصفٌ من هذه الأمَّة ثمَّ ذكر منازل أصحاب الشِّمال فقال:(1/1061)
وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41)
{وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال}(1/1061)
فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42)
{في سموم} ريحٍ حارَّةٍ {وحميم}(1/1061)
وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43)
{وظلٍّ من يحموم} دخانٍ شديد السَّواد {لا بارد} المنزل {ولا كريم} المنظر(1/1061)
لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44)
{إنهم كانوا قبل ذلك} في الدُّنيا {مترفين} مُنعَّمين لا يتعبون في طاعة الله(1/1061)
إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45)
{وكانوا يصرون على الحنث العظيم} يُقيمون على الذَّنب العظيم وهو الشِّرك وكانوا يُنكرون البعث {وكانوا يقولون أإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أَإِنّا لمبعوثون} فقال الله تعالى:(1/1061)
وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46)
{وكانوا يصرون على الحنث}(1/1061)
وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47)
{أإذا متنا وكنا تراباً وعظاما أإنا لمبعوثون}(1/1061)
أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48)
{أو آباؤنا الأولون}(1/1061)
قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49)
{قل إنَّ الأولين والآخرين} {لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم} وهو يوم القيامة ومعنى {إلى ميقات} لميقات يوم وقوله:(1/1061)
لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50)
{لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم}(1/1061)
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51)
{ثم إنكم أيها الضالون المكذبون}(1/1061)
لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52)
{لآكلون من شجر من زقوم}(1/1062)
فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53)
{فمالئون منها البطون}(1/1062)
فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54)
{فشاربون عليه من الحميم}(1/1062)
فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55)
{شرب الهيم} أَيْ: الإِبل العطاش(1/1062)
هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56)
{هذا نزلهم} ما أعدَّ لهم من الرِّزق {يوم الدين} المجازاة(1/1062)
نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57)
{نحن خلقناكم} ابتداءً {فلولا} فهلاَّ {تصدّقون} بالخلق الثَّاني وهو البعث(1/1062)
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58)
{أفرأيتم ما تمنون} تصبُّون في الأرحام من المنيّ(1/1062)
أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59)
{أأنتم تخلقونه} بشراً {أم نحن الخالقون}(1/1062)
نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60)
{نحن قدَّرنا} قضينا {بينكم الموت وما نحن بمسبوقين}(1/1062)
عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61)
{على أن نبدِّل أمثالكم} أَيْ: إن أردنا أن نخلق خلقاً غيركم لم نُسبق ولا فاتنا ذلك {وننشئكم} نخلقكم {في ما لا تعلمون} من الصُّور أَيْ: نجعلكم قردةً وخنازير والمعنى: لسنا عاجزين عن خلق أمثالكم بدلاً منكم ومسخكم من صوركم إلى غيرها(1/1062)
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62)
{ولقد علمتم النشأة الأولى} الخلقة الأولى أَيْ: أقررتم بأنَّ الله خلقكم في بطون أُمَّهاتكم {فلولا تذكرون} أنِّي قادرٌ على إعادتكم(1/1062)
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63)
{أفرأيتم ما تحرثون} تقلبون من الأرض وتلقون فيه من البذر(1/1062)
أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)
{أأنتم تزرعونه} تنبتونه {أم نحن الزارعون}(1/1062)
لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65)
{لو نشاء لجعلناه حطاماً} تبناً يابساً لا حَبَّ فيه {فظلتم تفكهون} تعجبون وتندمون ممَّا نزل بكم وممَّا علمتم من الحرث وتقولون:(1/1062)
إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66)
{إنا لمغرمون} صار ما أنفقنا على الحرث غُرْماً علينا(1/1063)
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67)
{بل نحن محرومون} ممنوعون منعنا رزقنا وقوله:(1/1063)
أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68)
{أفرأيتم الماء الذي تشربون}(1/1063)
أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69)
{أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون}(1/1063)
لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)
{أجاجاً} أَيْ: مِلحاً لا يمكن شربه(1/1063)
أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71)
{أفرأيتم النار التي تورون} تقدحون(1/1063)
أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72)
{أأنتم أنشأتم} خلقتم {شجرتها} التي تخرج منها(1/1063)
نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73)
{نحن جعلناها تذكرة} يتذكَّر بها نار جهنَّم {ومتاعاً} ومنفعةً {للمقوين} للمسافرين(1/1063)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)
{فسبح باسم ربك العظيم} أَيْ: نَزِّه الله ممَّا يقول المشركون(1/1063)
فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)
{فلا أقسم} لا زائدة {بمواقع النجوم} مساقطها ومغاربها وقيل: أراد نجوم القرآن(1/1063)
وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)
{وإنه لقسم لو تعلمون عظيم}(1/1063)
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77)
{إنه لقرآن كريم} حسنٌ عزيزٌ(1/1063)
فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78)
{في كتاب مكنون} مصونٍ عند الله(1/1063)
لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)
{لا يمسه} باليد أَيْ: المصحف {إلاَّ المطهرون} من الجنابات والأحداث(1/1064)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80)
{تنزيل من رب العالمين}(1/1064)
أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81)
{أفبهذا الحديث} أَيْ: القرآن {أنتم مدهنون} مُكِّذبون(1/1064)
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)
{وتجعلون رزقكم} شكر رزقكم فحذف الشُّكر {أنكم تكذبون} بسقيا الله إذا مُطرتم وتقولون: مطرنا بنوء كذا(1/1064)
فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83)
{فلولا} فهلاَّ {إذا بلغت} الرُّوح {الحلقوم}(1/1064)
وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84)
{وأنتم} يا أصحاب الميت {حينئذٍ تنظرون} إليه وهو في النَّزع(1/1064)
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85)
{ونحن أقرب إليه منكم} بالعلم والقدرة {ولكن لا تبصرون} لا تعلمون ذلك(1/1064)
فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86)
{فلولا إن كنتم غير مَدِينين} مملوكين ومجزيين(1/1064)
تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87)
{ترجعونها} أَيْ: تردُّون الرُّوح إلى الميِّت {إن كنتم صادقين} أنَّكم غير مملوكين وغير مُدْبِرين وقوله: {ترجعونها} جوابٌ واحدٌ لشيئين وقوله: {فلولا إذا بلغت الحلقوم} وقوله: {فلولا إن كنتم} ثمَّ ذكر مآل الخلق بعد الموت فقال:(1/1064)
فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88)
{فأما إن كان من المقربين} {فروح} فلهم روحٌ أَيْ: استراحةٌ وبردٌ {وريحان} ورزقٌ حسنٌ(1/1064)
فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89)
{وأما إن كان من أصحاب اليمين} {فسلام لك من أصحاب اليمين} أَيْ: إنَّك ترى فيهم ما تحبُّ من السَّلامة وقد علمت ما أعدَّ لهم من الجزاء لأنَّه قد بُيِّن لك في قوله: {في سدر مخضود} الآيات(1/1064)
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90)
{وأما إن كان من أصحاب اليمين} ز(1/1064)
فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)
{فسلام لك من أصحاب اليمين}(1/1065)
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92)
{وأما إن كان من المكذبين الضالين} وهم أصحاب المشأمة(1/1065)
فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93)
{فنزل من حميم} فلهم نزلٌ أعدَّ لهم من شراب جهنَّم(1/1065)
وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94)
{وتصلية جحيم} إدخال النَّار(1/1065)
إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95)
{إن هذا} الذي ذكرت {لهو حق اليقين}(1/1065)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)
{فسبح باسم ربك العظيم} أَيْ: نزِّه الله من السُّوء(1/1065)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)
{سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم} ذُكر تفسيرها في قوله: {إن مِنْ شيءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بحمده}(1/1066)
لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2)
{له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير}(1/1066)
هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)
{هو الأوَّل} قبل كلِّ شيءٍ فكلُّ شيءٍ دونه {والباطن} العالم بكلِّ شيءٍ(1/1066)
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)
{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ} ما يدخل فيها من مطرٍِ وغيره {وما يخرج منها} من نباتٍ وشجرٍ {وما ينزل من السماء} من رزقٍ ومطرٍ ومَلكٍ وأمرٍ {وما يعرج فيها} يصعد إليها من عملٍ {وهو معكم} بالعلم والقدرة {أين ما كنتم}(1/1066)
لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5)
{له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور}(1/1066)
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6)
{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي الليل وهو عليم بذات الصدور}(1/1066)
آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)
{آمنوا بالله ورسوله} صدِّقوا بأنَّ الله تعالى واحدٌ وأنَّ محمداً رسول الله {وأنفقوا} من المال الذي {جعلكم مستخلفين فيه} أَيْ: كان لغيركم فملكتموه وقوله:(1/1067)
وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8)
{وقد أخذ ميثاقكم} أَيْ: حين أخرجكم من ظهر آدم عليه السَّلام بأنَّ الله ربُّكم لا إله لكم سواه {إن كنتم مؤمنين} أي: إِن كنتم على أن تؤمنوا يوماً من الأيام(1/1067)
هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9)
{هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرؤوف رحيم}(1/1067)
وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)
{وما لكم أنْ لا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض} أَيْ: أَيُّ شيءٍ لكم في ترك الإِنفاق في طاعة الله وأنتم ميِّتون تاركون أموالكم ثمَّ بيَّن فضل السَّابقين في الإنفاق والجهاد فقال {لا يستوي منكم مَنْ أنفق من قبل الفتح} يعني: فتح مكَّة {وقاتل} جاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أعداء الله {أولئك أعظم درجة} يعني: عند الله {من الذين أنفقوا من بعد} الفتح {وقاتلوا وكلاً} من الفريقين {وعد الله الحسنى} الجنَّة(1/1067)
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)
{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} ذُكر تفسيره في سورة البقرة(1/1067)
يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)
{يوم ترى المؤمنين والمؤمنات} وهو يوم القيامة {يسعى نورهم} على الصِّراط {بين أيديهم وبأيمانهم} وتقول لهم الملائكة: {بشراكم اليوم جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذلك هو الفوز العظيم}(1/1067)
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13)
{يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم} انتظرونا وقفوا لنا تستضيء بنوركم {قيل} لهم {ارجعوا وراءكم} من حيث جئتم {فالتمسوا نوراً} فلا نور لكم عندنا {فضرب بينهم} بين المؤمنين والمنافقين {بسور} وهو حاجزٌ بين الجنَّة والنار وقيل: هو سور الأعراف {له باب} في ذلك السُّور بابٌ {باطنه فيه الرحمة} لأنَّ ذلك الباب يُفضي إلى الجنَّة {وظاهره من قبله} أَيْ: من قبل ذلك الظَّاهر {العذاب} وهو النَّار(1/1068)
يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14)
{ينادونهم} ينادي المنافقون المؤمنين: {ألم نكن معكم} في الدُّنيا نناكحكم ونوارثكم {قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم} آثمتموها بالنِّفاق {وتربصتم} بمحمدَّ عليه السَّلام الموت {وارتبتم} شككتم في الإيمان {وغرَّتكم الأمانيّ} ما كنتم تمنَّون من نزول الدَّوابر بالمؤمنين {حتى جاء أمر الله} الموت {وغرَّكم بالله} أَيْ: بحلمه وإمهاله {الغرور} الشَّيطان(1/1068)
فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)
{فاليوم لا يؤخذ منكم فدية} بدلٌ {ولا من الذين كفروا} وهم المشركون {مأواكم النار} منزلكم النَّار {هي مولاكم} أولى بكم {وبئس المصير} هي(1/1068)
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)
{ألم يأن للذين آمنوا} ألم يحن {أن تخشع قلوبهم} ترقَّ وتلين {لذكر الله وما نزل من الحق} وهو القرآن وهذا حثٌّ من الله تعالى لقومٍ من المؤمنين على الرِّقة والخشوع {ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل} أي: اليهود والنَّصارى {فطال عليهم الأمد} الزَّمان بينهم وبين أنبيائهم {فقست قلوبهم} لم تَلِنْ لذكر الله ونسوا ما عهد الله سبحانه إليهم في كتابهم {وكثير منهم فاسقون} وهم الذين تركوا الإِيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم(1/1068)
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)
{اعلموا أنَّ الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات} أي: إنَّ إحياء الأرض بعد موتها دليلٌ على توحيد الله تعالى وقدرته(1/1069)
إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18)
{إن المصدقين والمصدقات} الذي يتصدَّقون وينفقون في سبيل الله {وأقرضوا الله قرضاً حسناً} بالنَّفقة في سبيله {يضاعف لهم} ما عملوا {ولهم أجرٌ كريم} وهو الجنَّة(1/1069)
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19)
{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} المُبالغون في الصِّدق {والشهداء عند ربهم} أَي: الأنبياء عليهم السَّلام {لهم أجرهم ونورهم} في ظلمة القبر وقيل: هم جميع المؤمنين(1/1069)
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)
{اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو} في انقضائها وقلَّة حاصلها {وزينة} يتزيَّنون بها {وتفاخرٌ بينكم} يفخر بها بعضكم على بعض {وتكاثر في الأموال والأولاد} مباهاةٌ بكثرتها ثمَّ ضرب لها مثلاً فقال: {كمثل غيث} مطرٍ {أعجب الكفار} أي: الزُّراع {نباتُه} ما أنبته ذلك الغيث {ثم يهيج} ييبس {فتراه مصفراً} بعد يبسه {ثمَّ يكون حطاما} هشيما متفتتا كذلك الإِنسان يهرم ثمَّ يموت ويبلى {وفي الآخرة عذاب شديد} للكفَّار {ومغفرة من الله ورضوان} لأوليائه(1/1069)
سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)
{سابقوا إلى مغفرة من ربكم} ذُكر في سورة آل عمران عند قوله: {وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربِّكم} الآية(1/1070)
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)
{ما أصاب من مصيبة في الأرض} بالجدبِ {ولا في أنفسكم} بالمرض والموت والخسران {إلاَّ في كتاب} أي: اللَّوح المحفوظ {من قبل أن نبرأها} نخلق تلك المصيبة {إنَّ ذلك على الله يسير} أَيْ: خلقها في وقتها بعد أَنْ كتبها في اللَّوح المحفوظ(1/1070)
لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)
{لكي لا تأسوا على ما فاتكم} من الدُّنيا {ولا تفرحوا بما آتاكم} أعطاكم منها أَيْ: لكيلا تحزنوا حزناً يُطغيكم ولا تبطروا بالفرح بعد أَنْ علمتم أنَّ ما يصيبكم من خيرٍ وشرٍّ فمكتوب لا يخطئكم {والله لا يحب كل مختال} مُتكبِّرٍ بما أُوتي من الدُّنيا {فخور} به على النَّاس(1/1070)
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)
{الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل} ذُكر في سورة النِّساء(1/1071)
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)
{لقد أرسلنا رسلنا بالبينات} بالدّلالات الواضحات {وأنزلنا معهم الكتاب والميزان} العدل {ليقوم الناس بالقسط} ليتعامل النَّاس بينهم بالعدل {وأنزلنا الحديد} وذلك أنَّ آدم عليه السَّلام نزل إلى الأرض بالعلاة والمطرقة وآلة الحدَّادين {فيه بأس شديد} قوَّةٌ وشدَّةٌ يُمتنع بها ويُحارب {ومنافع للناس} يستعملونه في أدواتهم {وليعلم الله} أَيْ: أرسلنا الرُّسل ومعهم هذه الأشياء ليتعامل النَّاس بالحقِّ وليرى الله مَنْ ينصر دينه {ورسله بالغيب} في الدنيا وقوله:(1/1071)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (26)
{ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون}(1/1071)
ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)
{ورهبانية ابتدعوها} أَي: ابتدعوا من قبل أنفسهم رهبانيَّةً أَي: التَّرهُّب في الصَّوامع {ما كتبناها عليهم} ما أمرناهم بها {إلاَّ ابتغاء رضوان الله} لكنَّهم ابتغوا بتلك الرَّهبانيَّة رضوان الله {فما رعوها حق رعايتها} أي: قصورا في تلك الرَّهبانيَّة حين لم يؤمنوا بمحمد عليه السَّلام {فآتينا الذين آمنوا منهم} بمحمَّدٍ عليه السَّلام {أجرهم وكثير منهم فاسقون} وهم الذين لم يؤمنوا به(1/1071)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)
{يا أيها الذين آمنوا} بالتَّوراة والإنجيل {اتقوا الله وآمنوا برسوله} محمد عليه السَّلام {يؤتكم كفلين} نصيبين {من رحمته} نصيباً بإيمانكم الأوَّل ونصيباً بإيمانكم بمحمَّد عليه السَّلام وكتابه {ويجعل لكم نوراً تمشون به} في الآخرة على الصِّراط {ويغفر لكم} وعدهم الله هذه الأشياء كلَّها على الإيمان بمحمد عليه السلام ثمَّ قال:(1/1072)
لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
{لئلا يعلم} أي: ليعلم ولا زائدة {أهل الكتاب} اليهود والنَّصارى {ألا يقدرون على شيء} أنَّهم لا يقدرون على شيءٍ {من فضل الله} يعني: إِنْ لم يؤمنوا لم يُؤتهم الله شيئاً ممَّا ذُكر {وأنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذو الفضل العظيم}(1/1072)
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)
{قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} نزلت في سبب خولة بنت ثعلبة وزوجها أوس بن الصَّامت ظاهر منها وكان ذلك أوَّل ظهارٍ في الإِسلام وكان الظِّهار من طلاق الجاهليَّة فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرت أنَّ زوجها ظاهر منها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حَرُمْتِ عليه فقالت: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي وصبيةً صغاراً وجعلت تُراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قال لها: حَرُمْتِ عليه هتفت وشكت إلى الله وقوله: {والله يسمع تحاوركما} أَيْ: تخاطبكما ومراجعتكما الكلام ثمَّ ذمَّ الظَّهار فقال:(1/1073)
الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)
{الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هنَّ أمهاتهم} أَيْ: ما اللواتي يجعلن من الزَّوجات كالأمهات بأمهاتٍ {إن أمهاتهم إلاَّ اللائي ولدنهم} ما أُمهاتهم إلاَّ الوالدات {وإنهم ليقولون} بلفظ الظِّهار {منكراً من القول} لا تُعرف صحَّته {وزوراً} وكذباً فإنَّ المرأة لا تكون كالأمِّ {وإنَّ الله لعفو غفور} عفا وغفر للمُظاهِر بجعل الكفَّارة عليه ثمَّ ذكر حكم الظِّهار فقال:(1/1074)
وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)
{والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا} في الآية تقديمٌ وتأخيرٌ تقديرها: والذين يُظاهرون من نسائهم فتحرر رقبةٍ لما قالوا ثمَّ يعودون أي: عل المُظاهر عتق رقبةٍ لقوله لامرأته: أنتِ عليَّ كظهر أُمِّي ثمَّ يعود إلى استباحة الوطء ولا تحلُّ له قبل الكفَّارة وهو قوله: {من قبل أن يتماسا} أي: يَجَّامعا {ذلكم توعظون به} أي: ذلك التَّغليظ في الكفَّارة وعظٌ لكم كي تنزجروا به عن الظِّهار فلا تُظاهروا(1/1074)
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)
{فمن لم يجد} الرَّقبة لفقره {فصيام شهرين متتابعين} لو أفطر فيما بين ذلك ابطل التَّتابع ويجب عليه الاستئناف {فمن لم يستطع} ذلك لمرضٍ أو لخوفِ مشقَّةٍ عظيمةٍ {فإطعام ستين مسكيناً} لكلِّ مسكينٍ مدٌّ من غالب القوت {ذلك} أي: الفرض الذين وصفنا {لتؤمنوا بالله ورسوله} لتصدقوا ما أتى به الرَّسول عليه السَّلام وتُصدِّقوا أنَّ الله تعالى به أمر {وتلك حدود الله} يعني: ما وصف في الظِّهار والكفَّارة {وللكافرين} لمن لم يُصدِّق به {عذاب أليم}(1/1074)
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5)
{إنَّ الذين يحادون الله} يُخالفون الله {ورسوله كُبِتوا} أُذِلُّوا وأُخزوا {كما كُبِتَ الذين من قبلهم} ممَّن خالف الله ورسوله {وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين} بها {عذاب مهين}(1/1074)
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)
{يوم يبعثهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا} يخبرهم بذلك ليعلموا وجوب الحجَّة عليهم {أحصاه الله} علمه الله وأحاط بعدده {ونسوه} هم وقوله:(1/1075)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)
{ما يكون من نجوى ثلاثة} أَيْ: مناجاة ثلاثةٍ وإن شئت قلتَ: من متناجين ثلاثة {إلاَّ هو رابعهم} بالعلم يسمع نجواهم(1/1075)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8)
{ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى} نزلت في المنافقين واليهود كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين وينظرون إلى المؤمنين ليُواقعوا في قلوبهم ريبةً وتهمةً ويظنُّون أنَّ ذلك لشيءٍ بلغهم ممَّا يهمُّهم فشكوا ذلك إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فنهاهم عن ذلك فعادوا لما نُهوا عنه فأنزل الله: {ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما} أَي: إلى {ما نُهوا عنه ويتناجون بالإِثم والعدوان ومعصية الرسول} أي: يعصي بعضهم بعضاً سرَّاً بالظُّلم والإِثم وترك طاعة الرَّسول عليه السَّلام {وإذا جاؤوك حيوك بما لم يُحَيِّكَ به الله} يعني: قولهم: السَّام عليك {ويقولون في أنفسهم: لولا يعذِّبنا الله بما نقول} وذلك أنَّهم قالوا: لو كان نبيَّاً لعذَّبنا بهذا قال الله: {حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير} ثمَّ نهى المؤمنين عن مثل ذلك فقال:(1/1075)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9)
{يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإِثم والعدوان ومعصية الرسول}(1/1076)
إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)
{إنما النجوى من الشيطان} أَيْ: النَّجوى بالإِثم والعدوان ما يزيِّن الشَّيطان لهم {ليحزن الذين آمنوا وليس بضارِّهم} وليس الشَّيطان بضارِّهم {شيئاً إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} أَيْ: وإِليه فَلْيَكِلُوا أمورهم(1/1076)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)
{يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس} توسَّعوا في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم {فافسحوا} أوسعوا المجلس {يفسح الله لكم} يُوسِّعه عليكم نزلت في قومٍ كانوا يبكون إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأخذون مجالسهم بالقرب منه فإذا دخل غيرهم ضنُّوا بمجالسهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ أن يُكرم أهل بدرٍ فدخلوا يوماً فقاموا بين يديه ولم يجدوا عنده مجلساً ولم يقم لهم أحدٌ من هؤلاء الذين أخذوا مجالسهم فكره النبيُّ عليه السَّلام ذلك فنزلت هذه الآية وأمرهم أن يُوسِّعوا في المجلس لمن أراد النبي صلى الله عليه وسلم {وإذا قيل انشزوا فانشزوا} وإذا قيل لكم: قوموا إلى صلاةٍ أو جهادٍ أو عمل خيرٍ فانهضوا {يرفع الله الذين آمنوا منكم} بطاعة الله {والذين أوتوا العلم درجات} في الجنَّة(1/1076)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
{يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم} أمام مناجاتكم {صدقة} نزلت حين غلب أهلُ الجدة الفقراءَ على مجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومناجاته فكره الرَّسول ذلك فأمرهم الله بالصَّدقة عند المناجاة ووضع ذلك عن الفقراء فقال: {فإن لم تجدوا فإنَّ الله غفور رحيم} ثمَّ نسخ الله ذلك فقال:(1/1077)
أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13)
{أأشفقتم} بخلتم وخفتم بالصَّدقة الفقر {فإذْ لم تفعلوا وتاب الله عليكم} عاد عليكم بالتَّخفيف {فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} المفروضة(1/1077)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)
{ألم تر إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم} أَي: المنافقين تولَّوا اليهود وناصحوهم ونقلوا إليهم أسرار المؤمنين {ما هم منكم} أيُّها المؤمنون {ولا منهم} من اليهود {ويحلفون} أنَّهم لا يخونون المؤمنين {وهم يعلمون} أنَّهم كاذبون في حلفهم(1/1078)
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15)
{أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون}(1/1078)
اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16)
{اتخذوا أيمانهم} الكاذبة {جنة} يستجنُّون بها من القتل(1/1078)
لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17)
{لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}(1/1078)
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18)
{يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له} كاذبين ما كانوا مشركين {كما يحلفون لكم} كاذبين {ويحسبون أنهم على شيء} من نفاقهم يأتونكم بوجهٍ ويأتون الكفَّار بوجهٍ ويظنُّون أنَّهم يسلمون فيما بينكم وبينهم {ألا إنهم هم الكاذبون}(1/1078)
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)
{استحوذ عليهم الشيطان} أي: استولى عليهم(1/1078)
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20)
{إنَّ الذين يحادون الله ورسوله} يخالفونهما {أولئك في الأذلين} المغلوبين(1/1078)
كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)
{كتب الله} قضى الله {لأغلبنَّ أنا ورسلي} إمَّا بالظفَّر والقهر وإمَّا بظهور الحجَّة(1/1078)
لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
{لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادَّ الله ورسوله} الآية أخبر الله في هذه الآية أنَّ المؤمن لا يوالي الكافر وإنْ كان أباه أو أخاه أو قريبه وذلك أنَّ المؤمنين عادوا آباءَهم الكفَّار وعشائرهم وأقاربهم فمدحهم الله على ذلك فقال: {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان} أي: أثبته {وأيدهم بروحٍ منه} أيْ: بنور الإِيمان وقيل: بالقرآن ثمَّ وعدهم الإِدخال في الجنَّة فقال: {ويدخلهم جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله أَلاَ إنَّ حزب الله هم المفلحون}(1/1078)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)
{سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم}(1/1080)
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)
{هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب} يعني: النَّضير {من ديارهم} مساكنهم بالمدينة وذلك أنهم نقضوا العهد بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل كعب بن الأشرف سيدهم فقتل غلية وحاصر بني النَّضير ثمَّ صالحهم على أن يخرجوا إلى الشَّام فخرجوا وتركوا رباعهم وضياعهم وقوله: {لأوَّل الحشر} كانوا أوَّل مَنْ حُشر إلى الشَّام من اليهود من الجزيرة العرب وقيل إنه أوَّل حشرٍ إلى الشَّام والحشر الثَّاني حشر القيامة والشَّام أرض المحشر {ما ظننتم} أَيُّها المؤمنون {أن يخرجوا} لعدَّتهم ومنَعتهم {وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله} وذلك أنَّهم كانوا أهل حلقةٍ وحصونٍ فظنُّوا أنَّها تحفظهم من ظهور المسلمين عليهم {فأتاهم الله} أي: أمر الله {من حيث لم يحتسبوا} من جهة المؤمنين وما كانوا يحسبون أنَّهم يغلبونهم ويظهرون عليهم {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} ألقى في قلوبهم الخوف بقتل سيِّدهم {يخربون بيوتهم بأيديهم} وذلك أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صالحهم على أنَّ لهم ما أقلَّت الإِبل وكانوا ينظرون إلى الخشبة والشَّيء في منازلهم ممَّا يستحسنونه فيقلعونه وينتزعونه ويهدمون البيوت لأجله فذلك إخراجهم بأيديهم ويخرِّب المؤمنون باقيها وهو قوله: {وأيدي المؤمنين} وأضاف الإخراب بأيدي المؤمنين إليهم لأنهم عضوا منازلهم للخراب بنقض العهد {فاعتبروا} فاتَّعظوا {يا أولي الأبصار} يا ذوي العقول فلا تفعلوا فعل بني النير فينزل بكم ما نزل بهم(1/1080)
وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3)
{ولولا أن كتب الله} قضى الله {عليهم الجلاء} الخروج عن الوطن {لعذَّبهم في الدنيا} بالقتل والسَّبى كما فعل بقريظة(1/1081)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4)
{ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب}(1/1081)
مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)
{ما قطعتم من لينة} من نخلةٍ من نخيلهم {أو تركتموها قائمة} فلم تقطعوها {فبإذن الله} أي: إنَّه أذن في ذلك إِنْ شئتم قطعتم وإنْ شئتم تركتم وذلك أنَّهم لمَّا تحصَّنوا بحصونهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخيلهم وإحراقها فجزعوا من ذلك وقالوا: من أين لك يا محمَّد عقر الشَّجر المثمر؟ واختلف المسلمون في ذلك فمنهم مَنْ قطع غيظاً لهم ومنهم من ترك القطع وقالوا: هو مالنا: أفاء الله علينا به فأخبر الله أنَّ كلَّ ذلك من القطع والتَّرك بإذنه {وليخزي الفاسقين} وليذلَّ اليهود وليغيظهم(1/1081)
وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)
{وما أفاء الله على رسوله} ردَّ الله على رسوله ورجع إليه {منهم} من بني النَّضير من الأموال {فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} أَيْ: ما حملتم خيلكم ولا إبلكم على الوجيف إليه وهو السَّير السَّريع والمعنى: لم تركبوا إليه خيلاً ولا إبلاً ولا قطعتم إليه شفة فهو خالصٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل فيه ما أحبَّ وليس كالغنيمة التي تكون للغانمين وهذا معنى قوله: {ولكنَّ الله يسلط رسله على مَنْ يشاء} الآية(1/1081)
مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)
{ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى} من أموال القرى الكافرة {فللَّه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} وكان الفيء يُخَمَّسُ خمسةَ أخماسٍ فكانت أربعةُ أخماسه لرسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل فيها ما يشاء والخمس الباقي للمذكورين في هذه الآية وأمَّا اليوم فما كان للنبي صلى الله عليه وسلم من الفيء يُصرف إلى أهل الثُّغور المُترصِّدين للقتال في أحد قولي الشَّافعي رحمه الله والفيء: كلُّ مالٍ رجع إلى المسلمين من أيدي الكفَّار عفواً من غير قتال مثل: مال الصُّلح والجزية والخراج أو هربوا فتركوا ديارهم وأموالهم كفعل بني النَّضير وقوله: {كيلا يكون} يعني: الفيء {دولة} متداولاً {بين الأغنياء} الرُّؤساء والأقوياء {منكم وما آتاكم الرسول} أعطاكم من الفيء {فخذوه وما نهاكم عنه} عن أخذه {فانتهوا}(1/1082)
لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8)
{للفقراء المهاجرين} يعني: خمس الفيء للذين هاجروا إلى المدينة وتركوا ديارهم وأموالهم حُبَّاً لله ولرسوله ونصرةً لدينه وهو قوله: {وينصرون الله} أي: دينه {ورسوله أولئك هم الصادقون} في إيمانهم(1/1083)
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)
{والذين تبوؤوا الدار والإِيمان} نزلوا المدينة وقبلوا الإيمان {من قبلهم} من قبل المهاجرين وهم الأنصار {يحبون من هاجر إليهم} من المسلمين {ولا يجدون في صدورهم حاجة} غيظاً وحسداً {مما أوتوا} ممَّا أُوتي المهاجرون من الفيء وذلك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني النَّضير بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئاً إلاَّ ثلاثة نفرٍ كانت بهم حاجة فطابت أنفس الأنصار بذلك فذلك قوله: {ويؤثرون على أنفسهم} أَي: يختارون إخوانهم المهاجرين بالمال على أنفسهم {ولو كان بهم خصاصة} حاجةٌ وفاقةٌ إلى المال {ومَنْ يوق شح نفسه} مَنْ حُفظ من الحرص المهلك على المال وهو حرصٌ يحمله على إمساك المال عن الحقوق والحسد {فأولئك هم المفلحون}(1/1083)
وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)
{والذين جاؤوا من بعدهم} أي: والذين يجيئون من بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة {يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} أي: المهاجرين والأنصار {ولا تجعل في قلوبنا غلاً} حقداً {للذين آمنوا} الآية فمن ترحَّم عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ولم يكن في قلبه غِلٌّ لهم فهو من أهل هذه الآية ومَنْ يشتم واحداً منهم ولم يترحَّم عليه لم يكن له حظٌّ في الفيء وكان خارجاً من جملة أقسام المؤمنين وهم ثلاثةٌ: المهاجرون والأنصار والذين جاؤوا من بعدهم بهذه الصِّفة التي ذكرها الله تعالى(1/1083)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11)
{ألم تر إلى الذين نافقوا} الآية وذلك أنَّ المنافقين ذهبوا إلى بني النَّضير لمَّا حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: لا تخرجوا من دياركم فإن قاتلكم محمدٌ كنَّا معكم وإن أخرجكم خرجنا معكم وذلك قوله: {لئن أخرجتم لنخرجنَّ معكم ولا نطيع فيكم أحداً} سألنا خذلانكم {أبداً} فكذَّبهم الله تعالى فيما قالوا بقوله: {والله يشهد إنهم لكاذبون} والآية الثَّانية وذكر أنَّهم إن نصروهم انهزموا ولم ينتصروا وهو قوله:(1/1084)
لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12)
{ولئن نصروهم ليولنَّ الأدبار ثمَّ لا ينصرون}(1/1084)
لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13)
{لأنتم} أيُّها المؤمنون {أشد رهبة في صدورهم} صدور المنافقين من الله يقول: أنتم أهيبُ في صدورهم من الله تعالى لأنهم يخفون منكم موافقة اليهود خوفاً منكم ولا يخافون الله فيتركون ذلك(1/1084)
لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)
{لا يقاتلونكم جميعاً} أي: اليهود {إلاَّ في قرىً محصنة أو من وراء جدر} أي: لِمَا ألقى الله في قلوبهم من الرعب لا يقاتلونكم إلاَّ محصنين بالقرى والجدران ولا يبرزون لقتالكم {بأسهم بينهم شديد} خلافهم بينهم عظيم {تحسبهم جميعاً} مُجتمعين مُتَّفقين {وقلوبهم شتى} مُختلفةٌ مُتفرِّقةٌ و {ذلك بأنهم قوم لا يعقلون} عن الله أمره(1/1084)
كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15)
{كمثل الذين من قبلهم} أي: المشركين يقول: هم في تركهم الإيمان وغفلتهم عن عذاب الله كالذين من قبلهم {قريباً ذاقوا وبال أمرهم} يعني: أهل بدرٍ ذاقوا العذاب بمدَّةٍ قليلةٍ من قبل ما حلَّ بالنَّضير من الجلاء والنَّفي وكان ذلك بعد مرجعه من أُحدٍ وقوله:(1/1085)
كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16)
{كمثل الشيطان} يعني: إنَّ المنافقين في نصرتهم لليهود كمثل الشَّيطان {إذ قال للإِنسان اكفر} يعني: عابداً في بني إسرائيل فتنه الشَّيطان حتى كفر ثمَّ خذله كذلك المنافقون منَّوا بني النَّضير نصرتهم ثمَّ خذلوهم وتبرَّؤوا منهم(1/1085)
فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17)
{فكان عاقبتهما} عاقبة الشَّيطان والكافر {أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين}(1/1085)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله} بأداء فرائضه واجتناب معاصيه {ولتنظر نفسٌ ما قدَّمت لغد} يوم القيامة من طاعةٍ وعملٍ صالحٍ(1/1085)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)
{ولا تكونوا كالذين نسوا الله} تركوا طاعة اللَّه وأمره {فأنساهم أنفسهم} حظَّ أنفسهم أن يُقدِّموا لها خيرا(1/1085)
لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)
{لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون}(1/1085)
لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)
{لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله} أخبر الله تعالى أنَّ من شأن القرآن وعظمته أنَّه لو جُعل في الجبل تمييزٌ - كما جعل في الإنسان - وأُنزل عليه القرآن لخشع وتصدَّع أَيْ: تشقَّق من خشية الله قوله:(1/1085)
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22)
{عالم الغيب والشهادة} السِّرِّ والعلانيَة وقوله:(1/1086)
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)
{الملك} : ذو الملك {القدوس} الطَّاهر عمَّا لا يليق به {السلام} ذو السَّلامة من الآفات والنقائض {المؤمن} المُصدِّق رسله بخلق المعجزة لهم وقيل: الذي آمن خلقه من ظلمه {المهيمن} الشَّهيد {العزيز} القويُّ {الجبار} الذي جبر الخلق على ما أراد من أمره {المتكبر} عمَّا لا يليق به(1/1086)
هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)
{هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم}(1/1086)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)
{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} نزلت في حاطب ابن أبي بلتعة لمَّا كتب إلى مشركي مكَّة ينذرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد الخروج إليهم {تلقون إليهم بالمودة} أَيْ: تُلقون إليهم أخبار النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وسرَّه بالمودة التي بينكم وبينهم {وقد كفروا} أَي: وحالهم أنَّهم كافرون {بما جاءكم من الحق} دين الإِسلام والقرآن {يخرجون الرسول وإياكم} أيُّها المؤمنون من مكَّة {أن تؤمنوا} لأن آمنتم {بالله ربكم إن كنتم خرجتم} من مكَّة {جهاداً} للجهاد {في سبيلي وابتغاء مرضاتي} وجواب هذا الشَّرط متقدِّم وهو قوله: {لا تتخذوا عدوي} أي: لا تتَّخذوهم أولياء إن كنتم تبتغون مرضاتي وقوله: {تسرون إليهم بالمودة} كقوله: {تُلقون إليهم بالمودَّة} {وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم} وذلك أنَّ الله أطلع نبيَّه عليه السَّلام على مكاتبة حاطبٍ للمشركين حتى استردَّ الكتاب ممَّن دفعه إليه ليوصله إليهم {ومن يفعله منكم} أي: الإسرار إليهم {فقد ضلَّ سواء السبيل} أخطأ طريق الدِّين ثمَّ أعلم أنَّه ليس ينفعهم ذلك عند المشركين فقال:(1/1087)
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)
{إن يثقفوكم} أَيْ: يلقوكم ويظفروا بكم {يكونوا لكم أعداءً ويبسطوا إليكم أيديهم} بالضَّرب والقتل {وألسنتهم بالسّوء} أي: الشَّتم {وودوا لو تكفرون} فلا تُناصِحوهم فإنَّهم معكم على هذه الحالة ثمَّ أخبر أنَّ أهلهم وأولادهم الذين لأجلهم يُناصحون المشركين لا ينفعونهم شيئاً في القيامة فقال:(1/1088)
لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)
{لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم} المشركون {يوم القيامة يفصل بينكم} فيدخل المؤمنون الجنَّة والكافرون النَّار ثمَّ أمرَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بأصحاب إبراهيم عليه السَّلام فقال:(1/1088)
قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)
{قد كانت لكم أسوة حسنة} ائتمامٌ واقتداءٌ وطريقةٌ حسنةٌ {في إبراهيم والذين معه} من أصحابه إذ تبرَّؤوا من قومهم الكفَّار وعادوهم وقالوا لهم: {كفرنا بكم} أَيْ: أنكرناكم وقطعنا محبتكم وقوله: {إلاَّ قول إبراهيم لأبيه} أَيْ: كانت لكم أسوةٌ فيهم ما خلا هذا فإنَه لا يجوز الاستغفار للمشركين ثمَّ أخبرنا أنَّهم قالوا يعني قوم إبراهيم: {ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير}(1/1088)
رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)
{ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا} أَيْ: لا تُظهرهم علينا فيظنوا أنَّهم على حق فيقتتنوا بذلك(1/1089)
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6)
{لقد كان لكم فيهم} في إبراهيم والذين معه {أسوة حسنة} تقتدون بهم فتفعلون من البراءة من الكفَّار كما فعلوا وتقولون كما قال ممَّا أخبر عنهم ثمَّ بيَّن أنَّ هذا الاقتداء بهم {لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} {ومن يتول} عن الحقِّ ووالى الكفَّار {فإنَّ الله هو الغني الحميد}(1/1089)
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)
{عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم} من مشركي مكَّة {مودَّة} بأن يهديهم للدِّين فيصبروا لكم أولياء وإخواناً ثمَّ فعل ذلك بعد فتح مكَّة فتزوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان ولأن أبي سفيان للمؤمنين وترك ما كان عليه من العداوة ثمَّ رخص في صلة الذين لم يقاتلوهم من الكفار فقال:(1/1089)
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)
{لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم} أَيْ: لا ينهاكم عن برِّ هؤلاء {وتقسطوا إليهم} أَيْ: تعدلوا فيهم بالإحسان ثمَّ ذكر أنَّه إنَّما ينهاهم عن أن يتولَّوا مشركي مكَّة الذين قاتلوهم فقال:(1/1089)
إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)
{إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم}(1/1089)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)
{يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} الآية نزلت بعد صلح الحديبية وكان الصُّلح قد وقع على أن يردَّ إلى أهل مكَّة مَنْ جاء من المؤمنين منهم فأنزل الله في النِّساء إذا جئن مهاجراتٍ أَنْ يمتحن وهو قوله: {فامتحنوهن} وهو أنّْ تُستحلف ما خرجت بُغضاً لزوجها ولا عشقاً لرجلٍ من المسلمين وما خرجت إلاَّ رغبةً في الإسلام فإذا حلفت لم تردَّ إلى الكفَّار وهو قوله: {فإن علمتموهنَّ مؤمنات فلا ترجعوهنَّ إلى الكفار} لأنَّ المسلمةَ لا تحلُّ للكافر وقوله: {وآتوهم} يعني: أزواجهم الكفَّار ما أنفقوا عليهنَّ من المهر {ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهنَّ} أي: مهورهنَّ وإن كان لهنَّ أزواجٌ كفَّارٌ في دار الإِسلام لأنَّ الإِسلام أبطل تلك الزَّوجية {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} أَيْ: لا تمسكوا بنكاحهنَّ فإنَّ العصمة لا تبقى بين المشركة والمؤمن والمعنى: إن لحقت بالمشركين واحدةٌ من نسائكم فلا تتمسكوا بنكاحها {واسألوا ما أنفقتم} عليهنَّ من المهر مَنْ يتزوجهنَّ من الكفَّار {وليسألوا} يعني: المشركين {ما أنفقوا} من المهر فلمَّا نزلت هذه الآية أدَّى المؤمنون ما أُمروا به من نفقات المشركين على نسائهم وأبى المشركون ذلك فنزلت:(1/1090)
وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)
{وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار} أَيْ: لحقتْ واحدةٌ من نسائكم مرتدَّةً بالكفَّار {فعاقبتم} فغزوتموهم وكانت العقبى لكم {فآتوا الذين ذهبت أزواجهم} إلى الكفَّار {مثل ما أنفقوا} عليهنَّ من الغنائم ثمَّ نزل في بيعة النِّساء:(1/1090)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
{يا أيها النبيُّ إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهنَّ ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن} أَيْ: لا يأتين بولدٍ ينسبنه إلى الزَّوج فإن ذلك بهتانٌ وفِريةٌ {ولا يعصينك في معروف} أيْ: فيما وافق طاعة الله تعالى {فبايعهنَّ} أمره أن يُبايعهنَّ على الشَّرائط التي ذكرها في هذه الآية ثمَّ نهى المؤمنين عن موالاة اليهود فقال:(1/1091)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)
{يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة} أن يكون لهم فيها ثوابٌ {كما يئس الكفار} الذين لا يوقنون بالبعث {من أصحاب القبور} أن يُبعثوا وقيل: كما يئس الكفار الذين في القبور مَنْ أَنْ يكون لهم في الآخرة خيرٌ(1/1091)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)
{سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم}(1/1092)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2)
{يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون} كان المؤمنون يقولون: لو علمنا أحبَّ الأعمال إلى الله لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا فأُخبروا بذلك في قوله: {إنَّ الله يُحِبُّ الذين يقاتلون} الآية(1/1092)
كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)
وقوله: {كَبُر مقتاً عند الله} أَيْ: عَظُم ذلك في البغض {أن تقولوا ما لا تفعلون} وقوله:(1/1092)
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)
{إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً} وأُعلموا أنَّ أحب الأعمال إلى الله الجهاد فلم يَفوا بما قالوا وانهزموا يوم أُحدٍ فَعُيِّروا بهذه الآية وقوله: {كأنهم بنيان مرصوص} لاصق بعضه ببعض لا يزولون عن أماكنهم(1/1092)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)
{وإذ قال موسى} أَيْ: اذكر يا محمَّد لقومك قصَّة موسى إذ قال لقومه: {يا قوم لم تؤذونني} وذلك حين رموه بالأذرة {وقد تعلمون أني رسول الله إليكم} والرَّسول يُعظَّم ولا يُؤذى {فلما زاغوا} عدلوا عن الحقِّ {أزاغ الله قلوبهم} أضلَّهم الله وصرف قلوبهم عن الحقِّ {والله لا يهدي القوم الفاسقين} أَيْ: مَنْ سبق في علمه أنَّه فاسقٌ وقوله:(1/1093)
وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)
{وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل أني رسول الله إليكم مُصدِّقاً لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين}(1/1093)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7)
{ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين}(1/1093)
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)
{يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(1/1093)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(1/1093)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10)
{يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم}(1/1093)
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)
{تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}(1/1093)
يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)
{يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم}(1/1903)
وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)
{وأخرى تحبونها} أَيْ: ولكم أخرى تحبُّونها في العاجل مع ثواب الآجل ثمَّ بيَّن ما هي فقال: {نصرٌ من الله وفتح قريب}(1/1093)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)
{يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله} أعواناً بالسَّيف على أعدائه {كما قال عيسى ابن مريم للحواريين مَنْ أنصاري إلى الله} أَيْ: مع الله {قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل} بعيسى {وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا} قوّيناهم {على عدوهم فأصبحوا ظاهرين} غالبين(1/1093)
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)
{يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم}(1/1095)
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)
{هو الذي بعث في الأميين} يعني: العرب {رسولاً منهم} محمداً عليه السَّلام(1/1095)
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)
{وآخرين منهم} أَيْ: وفي آخرين منهم {لما يلحقوا بهم} وهم التَّابعون وجميعُ مَنْ يدخل في الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم مبعوثٌ إلى كلِّ مَنْ شاهده وإِلى كلِّ مَنْ كان بعدهم من العرب والعجم(1/1095)
ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)
{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذو الفضل العظيم}(1/1095)
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)
{مثل الذين حملوا التوراة} كُلِّفوا العمل بها {ثمَّ لم يحملوها} لم يعملوا بما فيها {كمثل الحمار يحمل أسفاراً} كتباً أَيْ: اليهود شبَّههم في قلَّة انتفاعهم بما في أيديهم من التَّوراة إذ لم يؤمنوا بمحمد عليه السَّلام بالحمار يحمل كتباً ثمَّ قال: {بئس مثلُ القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين}(1/1095)
قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6)
{قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادقين} فسِّر في سورة البقرة عند قوله: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ} الآية(1/1096)
وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7)
{ولا يتمنونه أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}(1/1096)
قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)
{قل إنَّ الموت الذي تفِرُّون منه} وذلك أنَّهم علموا أنَّ عاقبتهم النَّار بتكذيب محمد عليه السلام فكرهوا الموت قال الله: {فإنَّه ملاقيكم} أَيْ: لا بدَّ لكم منه يلقاكم وتلقونه(1/1096)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)
{يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} أي: اعملوا على المشي إليه {وذروا البيع} اتركوه بعد النِّداء(1/1096)
فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)
{فإذا قضيت الصَّلاة} فُرغ منها {فانتشروا في الأرض} أَمرُ إباحةٍ {وابتغوا من فضل الله} الرِّزق(1/1096)
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} أَيْ: تفرَّقوا عنك إلى التِّجارة وكان النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم الجمعة فقدمت عيرٌ وضرب لقدومها الطبل وكان ذلك في زمان غلاءٍ بالمدينة فتفرَّق الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى التِّجارة وصوت الطبل ولم يبق معه إلاَّ اثنا عشر نفساً وقوله: {وتركوك قائماً} أَيْ: في الخطبة {قل ما عند الله} للمؤمنين {خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين} فإيَّاه فاسألوا ولا تنفضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لطلب الزرق(1/1097)
إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)
{إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إنَّ المنافقين لكاذبون} لإِضمارهم خلاف ما أظهروا(1/1098)
اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)
{اتخذوا أيمانهم} جمع يمينٍ {جنَّة} سترةً يستترون بها من القتل يعني: قولهم: {ويحلفون بالله إنهم لمنكم} وقوله: {يحلفون بالله ما قالوا} {فصدوا عن سبيل الله} منعوا النَّاس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم {إنهم ساء ما كانوا يعملون} بئس العملُ عملهم(1/1098)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)
{ذلك بأنهم آمنوا} في الظَّاهر {ثمَّ كفروا} بالاعتقاد(1/1098)
وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)
{وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم} في طولها واستواء خلقها وكان عبد الله ابن أبي جسيماً صبيحاً فصيحاً إذا تكلم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله وهو قوله: {وإن يقولوا تسمع لقولهم} ثمَّ أعلم أنَّهم في ترك التَّفهُّم بمنزلة الخشب فقال: {كأنهم خشب مسندة} أَيْ: ممالة إلى الجدار {يسبحون} من جُبنهم وسوء ظنِّهم {كلَّ صيحة عليهم} أَيْ: إنْ نادى منادٍ في العسكر أو ارتفع صوتٌ ظنُّوا أنَّهم يُرادون بذلك لما في قلوبهم من الرُّعب {هم العدو} وإن كانوا معك {فاحذرهم} ولا تأمنهم {قاتلهم الله} لعنهم الله {أنى يؤفكون} من أين يُصرفون عن الحقِّ بالباطل؟ !(1/1098)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5)
{وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم} وذلك أنَّه لما نزلت هذا الآيات قيل لعبد الله بن أبيّ: لقد نزلت فيك آيٌ شدادٌ فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك فلوى رأسه وأعرض بوجهه إظهاراً للكراهة {ورأيتهم يصدون} يُعرضون عمَّا دُعوا إليه {وهم مستكبرون} لا يستغفرون ثمَّ أخبر أنَّ استغفار الرَّسول عليه السَّلام لا ينفعهم لفسقهم وكفرهم فقال:(1/1099)
سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6)
{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لهم لن يغفر الله لهم}(1/1099)
هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)
{هم الذين يقولون: لا تنفقوا على من عند رسول الله} وذلك أن عبد الله ابن أبي قال لقومه وذويه: لا تنفقوا على أصحاب محمَّد - صلى الله عليه وسلم عنهم - حتى يفضوا أَيْ: يتفرَّقوا {ولله خزائن السماوات والأرض} أَيْ: إنَّه يرزق الخلق كلَّهم وهو يرزق المؤمنين والمنافقين جميعاً(1/1099)
يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)
{يقولون لئن رجعنا إلى المدينة} يعني: عبد الله بن أبيّ وكان قد خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة بني المصطلق وجرى بينه وبين واحدٍ من المؤمنين جدال فأفرط عليه المؤمن فقال عبد الله بن أبيّ: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزُّ منها الأذل} يعني: الأعز نفسه والأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى: {ولله العزَّة} القوَّة والغلبة {ولرسوله} بعلوِّ كلمته وإظهار دينه {وللمؤمنين} بنصر الله إيَّاهم على مَنْ ناوأهم(1/1100)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)
{يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم} لا تشغلكم {أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله} أَيْ: الصَّلوات الخمس {ومَنْ يفعل ذلك} يشتغل بشيءٍ عن الصَّلوات {فأولئك هم الخاسرون}(1/1100)
وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)
{وأنفقوا من ما رزقناكم} يعني: أذوا الزَّكاة {من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول: ربِّ لولا أخرتني إلى أجل قريب} هلاَّ أخرتني إلى أجلٍ قريبٍ يسأل الرجعة وما قصَّر أحدٌ في الزَّكاة والحجِّ إلاَّ سأل الرَّجعة عند الموت {فأصدَّق} أَيْ: أتصدَّق وأُزكِّي {وأكن من الصالحين} أَيْ: أحج قال الله تعالى:(1/1100)
وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)
{ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبيرٌ بما تعملون}(1/1101)
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
{يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير}(1/1102)
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2)
{هو الذي خلقكم} أَيْ: في بطون أمهاتكم {فمنكم كافر ومنكم مؤمن} أَيْ: خلقكم كُفَّاراً ومؤمنين وقوله:(1/1102)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)
{فأحسن صوركم} أَيْ: خلقكم أحسن الحيوان(1/1102)
يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4)
{يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليمٌ بذات الصدور}(1/1102)
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5)
{ألم يأتكم} يا أهلَ مكَّة {نبأ الذين كفروا من قبل} أَيْ: خبر الأمم الكافرة قبلكم {فذاقوا وبال أمرهم} ذاقوا في الدُّنيا العقوبة بكفرهم {ولهم} في الآخرة {عذاب أليم}(1/1103)
ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6)
{ذلك} أَيْ: ذلك الذي نزل بهم {بأنَّه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشرٌ يهدوننا} استبعدوا أن يكون الدَّاعي إلى الحقِّ بشراً والمراد بالبشر ههنا الجمع لذلك قال: {يهدوننا فكفروا وتولوا} عن الإِيمان {واستغنى الله} أَيْ: عن إيمانهم {والله غنيٌّ} عن خلقه {حميد} في أفعاله وقوله:(1/1103)
زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)
{زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير}(1/1103)
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8)
{فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير}(1/1103)
يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
{يوم التغابن} يغبن فيه أهلُ الجنَّة أهلَ النَّار بأخذ منازلهم التي كانت لهم في الجنَّة لو آمنوا ويغبن مَنْ ارتفعت منزلته في الجنَّة مَنْ كان دون منزلته فيظهر في ذلك اليوم غبن كلِّ كافرٍ بترك الإِيمان وغبن كلِّ مؤمنٍ بتقصيره(1/1103)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10)
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خالدين فيها وبئس المصير}(1/1103)
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)
{ما أصاب من مصيبة إلاَّ بإذن الله} بعلمه وإرادته {ومَنْ يؤمن بالله} يُصدِّق بأنَّه لا تصيبه مصيبة إلا بإذن الله {يهد قلبه} يجعله مهتدياً حتى يشكر عند النِّعمة ويصبر عند الشدة(1/1103)
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (12)
{وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين}(1/1104)
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13)
{الله لا إله إلاَّ هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون}(1/1104)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
{يا أيها الذين آمنوا إنَّ من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم} نزلت في قومٍ آمنوا وأرادوا الهجرة فثبَّطهم أهلهم وأولادهم وقالوا: لا نصبر على مفارفتكم فأخبر الله تعالى أنَّهم أعداءٌ لهم بحملهم إيَّاهم على المعصية وترك الطَّاعة {فاحذروهم} أن تقبلوا منهم ولا تطيعوهم ثمَّ إذا هاجر هذا الذي ثبَّطه أهله عن الهجرة رأى النَّاس قد تعلَّموا القرآن وتفقَّهوا في الدِّين فيهمُّ أن يعاقب أهله فقال الله تعالى: {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم}(1/1104)
إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)
{أنما أموالكم وأولادكم فتنة} ابتلاء واختبارٌ لكم فمَنْ كسب الحرام لأجل الأولاد ومنع ماله عن الحقوق فهو مفتونٌ بالمال والولد {والله عنده أجر عظيم} لمن صبر عن الحرام وأنفق المال في حقِّه(1/1104)
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)
{فاتقوا الله ما استطعتم} يعني: إذا أمكنكم الجهاد والهجرة فلا يفتننكم الميل إلى الأموال والأولاد عن ذلك وهذه الآية ناسخةٌ لقوله تعالى: {اتَّقوا اللَّهَ حقَّ تُقاتِه} وقوله: {وأنفقوا خيراً لأنفسكم} أَيْ: قدِّموا خيرا لأنفسكم من أموالكم {ومَنْ يُوقَ شُحَّ نفسه} بخلها وحرصها حتى ينفق المال {فأولئك هم المفلحون} الفائزون بالخير(1/1104)
إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17)
{إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم}(1/1105)
عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)
{عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم}(1/1105)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)
{يا أيها النبيُّ إذا طلقتم النساء} هذا خطابٌ للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون داخلون معه في الخطاب ومعنى قوله: {إذا طلقتم} : إذا أردتم طلاق النِّساء {فطلقوهنَّ لعدتهنَّّ} أَيْ: لطهرهنَّ الذي يحصينه من عدتهنَّ وهذا سنَّةُ الطَّلاق ولا تُطلقوهنَّ لحيضتهنَّ التي لا يعتدون بها من زمان العِدَّة {وأحصوا العدة} أَيْ: عدد أقرائها واحفظوها لتعلموا وقت الرَّجعة إن أردتم أن تُراجعوهنَّ وذلك أنَّ الرجعة إنَّما تجوز في زمان العِدَّة {واتقوا الله ربكم} وأطيعوه فيما يأمركم وينهاكم {لا تخرجوهنَّ من بيوتهن} حتى تنقضي عدَّتهنَّ {ولا يخرجن} من البيوت في زمان العِدَّة {إلاَّ أن يأتين بفاحشة مبينة} وهي الزِّنا فيخرجن حينئذٍ لإِقامة الحدِّ عليهنَّ {وتلك حدود الله} يعني: ما ذكر من طلاق السُّنَّة {ومَنْ يتعدَّ حدود الله} ما حدَّ الله له من الطَّلاق وغيره {فقد ظلم نفسه لا تدري لعلَّ الله يحدث بعد ذلك أمراً} بعد الطَّلاق مراجعةً وهذا يدلُّ على كراهية التَّطليق ثلاثاً بمرَّةٍ واحدةٍ لأنَّ إحداث الرَّجعة لا يكون بعد الثَّلاث(1/1106)
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)
{فإذا بلغن أجلهنَّ} قاربن انقضاء العدَّة {فأمسكوهنَّ} برجعةٍ تراجعونهنَّ بها {بمعروف} وهو أن لا يريد بالرَّجعة ضرارها {أو فارقوهنَّ بمعروف} أي: اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فتبين ولا تضروهن بمراجعتهنَّ {وأشهدوا ذوي عدل منكم} على الرَّجعة أو الفراق {ومَنْ يتَّق الله} يُعطه فيما يأمره وينهاه {يجعل له مخرجاً} من الشدَّة إلى الرَّخاء ومن الحرام إلى الحلال ومن النَّار إلى الجنَّة يعني: من صبر على الضِّيق واتَّقى الحرام جعل الله له مخرجاً من الضِّيق(1/1107)
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)
{ويرزقه من حيث لا يحتسب} ويروى أنَّ هذا نزل في عوف بن مالك الأشجعيِّ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ العدو أسر ابني وشكا إليه الفاقة فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم اتَّق الله واصبر وأَكْثِرْ من قول: لا حول ولا قوة إلاَّ بالله ففعل الرَّجل ذلك فبينا هو في بيته إذ أتاه ابنه وقد غفل عنه العدو وأصابَ إبلاً لهم وغنماً فساقها إلى أبيه {ومَن يتوكل على الله} ما أهمَّه يتوثق به ويسكن قلبه إليه {فهو حسبه} كافيه {إنَّ الله بالغ أمره} يبلغ أمره فيما يريد وينفذه {قد جعل الله لكل شيء قدراً} ميقاتاً وأجلاً(1/1107)
وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)
{واللائي يئسن من المحيض من نسائكم} أَيْ: القواعد من النِّساء اللاتي قعدن عن الحيض {إن ارتبتم} إنْ شككتم في حكمهنَّ ولم تعلموا عدَّتهنَّ وذلك أنَّهم سألوا فقالوا: قد عرفنا عدَّة التي تحيض فما عِدَّة التي لا تحيض والتي لم تحض بعده؟ فبيَّن الله تعالى ذلك فقال: {فعدتهنَّ ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} يعني: الصِّغار {وأولات الأحمال} ذوات الحمل من النِّساء {أجلهنَّ} عدتهنَّ {أن يضعن حملهنَّ} فإذا وضعت الحامل انقضت عدَّتها مُطلَّقةً كانت أو مُتوفَّى عنها زوجها {ومن يتق الله} بطاعته في أوامره ونواهيه {يجعل له من أمره يسراً} أتاه باليسر في أموره(1/1108)
ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5)
{ذلك} يعني: ما ذكر من أحكام العِدَّة {أمر الله أنزله إليكم} الآية(1/1108)
أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)
{أسكنوهنَّ} أَيْ: المطلَّقات {من حيث سكنتم} أَيْ: من منازلكم وبيوتكم {من وُجدكم} : من سعتكم وطاقتكم {ولا تضاروهنَّ} لا تؤذوهن {لتضيقوا عليهن} مساكنهن فيحتجن إلى الخروج {وإن كنّ} أي المطلقات {أولات حَمْلٍ فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم} أولادكم منهنَّ {فآتوهن أجورهنّ} على إرضاعهن {وأتمروا بينكم بمعروف} أَيْ: ليقبل بعضكم من بعضٍ إذا أمره بمعروف {وإن تعاسرتم} تضايقتم ولم تتوافقوا على إرضاع الأمِّ {فسترضع} الصَّبيَّ {له} لوالده مرضعةٌ أخرى سوى الأُمَّ ولا تُكرَهُ الأمُّ على الإِرضاع(1/1108)
لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)
{لينفق ذو سعة من سعته} أمر أهل التَّوسعة أن يُوسِّعوا على نسائهم المرضعات أولادهنَّ {ومَنْ قدر عليه رزقه} مَنْ كان رزقه بمقدار القوت {فلينفق} على قدر ذلك {لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها} أعطاها {سيجعل الله بعد عسرٍ يُسْراً} أعلم الله تعالى المؤمنين أنَّهم - وإن كانوا في حالٍ ضيقةٍ - سَيُوَسِّرهم ويفتح عليهم وكان الغالب عليهم في ذلك الوقت الفقر والفاقة ثمَّ فتح الله عليهم وجاءهم باليسر(1/1109)
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8)
{وكأين} وكم {من قرية عتت عن أمر ربها ورسله} عتا أهلها عمَّا أمر الله تعالى به ورسله {فحاسبناها} في الآخرة {حساباً شديداً وعذَّبناها عذاباً نكراً} فظيعاً يعني: عذاب النَّار(1/1109)
فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9)
{فذاقت وبال أمرها} ثقل عاقبة أمرها {وكان عاقبة أمرها خسراً} خساراً وهلاكاً وقوله:(1/1109)
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10)
{قد أنزل الله إليكم ذكراً} أَيْ: القرآن(1/1109)
رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)
{رسولاً} أَيْ: وأرسل رسولاً {يتلو عليكم آياتِ الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور} من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان وقوله: {قد أحسن الله له رزقاً} أَيْ: رزقهُ الجنَّة التي لا ينقطع نعيمُها وقوله:(1/1109)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)
{يتنزل الأمر بينهنَّ} يعني: إن من كلِّ سماء وكلِّ أرض خلقاً من خلقه وأمراً نافذاً من أمره {لتعلموا} أَيْ: أعلمكم ذلك وبيَّنه لتعلموا قدرته على كلّ شيء وأنَّه علم كلَّ شيءٍ(1/1110)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)
{يا أيها النبيُّ لم تحرم ما أحل الله لك} [رُوي أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل حفصة في يوم نوبتها فخرجت هي لبعض شأنها فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مارية جاريته وأدخلها بيت حفصة وواقعها فلمَّا رجعت حفصة علمت بذلك فغضبت وبكت وقالت: أَما لي حرمةٌ عندك وحقٌّ؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسكتي فهي حرامٌ عليَّ أبتغي بذلك رضاك وحلف أن لا يقربها وبشَّرها بأنَّ الخليفة من بعده أبوها وأبو عائشة رضي الله عنهم أجمعين ذكوراً وإناثاً وقال لها: لا تخبرني أحداً بما أسررتُ إليك من أمر الجارية وأمر الخلافة من بعدي فلمَّا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندها أخبرت عائشة رضي الله عنها وعن أبيها بذلك وقالت: قد أراحنا الله من مارية فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حرَّمها على نفسه] وقصَّت عليها القصَّة فنزل: {لم تحرم ما أحل الله لك} أَيْ: الجارية {تبتغي} بتحريمها {مرضاة أزواجك والله غفور رحيم} غفر لك ما فعلت من التَّحريم ثمَّ أمره بأن يكفِّر عن يمنيه فقال:(1/1111)
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)
{قد فرض الله لكم} أَيْ: بيَّن الله لكم {تحلَّة أيمانكم} ما تستحلُّ به المحذوف عليه من الكفَّار يعني: في سورة المائدة(1/1112)
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
{وإذ أسرَّ النبيُّ إلى بعض أزواجه} يعني: حفصة {حديثاً} تحريم الجارية وأمر الخلافة {فلما نبأت به} أخبرت به عائشة رضوان الله عليهما وعلى أبيهما {وأظهره الله عليه} أطلع نبيَّه عليه السَّلام على إفشائها السِّرَّ {عرَّف بعضه} أخبر حفصه ببعض ما قالت لعائشة {وأعرض عن بعض} فلم يُعرِّفها إيَّأه على وجه التَّكرُّم والإِغضاء {فلما نبأها به} أخبر حفصة بما فعلت {قالت من أنبأك هذا} من أخبرك بما فعلت؟ {قال نبأني العليم الخبير}(1/1112)
إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)
{إن تتوبا إلى الله} يعني: عائشة وحفصة {فقد صغت قلوبكما} عذلت وزاغت عن الحقِّ وذلك أنَّهما أحبَّتا ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من اجتناب جاريته {وإن تظاهرا عليه} تتعاونا على أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم {فإنَّ الله هو مولاه} وليُّه وحافظه فلا يضرُّه تظاهُرُكُما عليه وقوله: {وصالح المؤمنين} قيل: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وهو تفسير النبي صلى الله عليه وسلم {والملائكة بعد ذلك ظهير} أَيْ: الملائكة بعد هؤلاء أعوانٌ(1/1112)
عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5)
{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خيراً منكن} هذا إخبارٌ عن قدرة الله تعالى على أن يبذله لو طلَّق أزواجه خيراً منهنَّ وتخويفٌ لنسائه وقوله: {قانتات} مطيعاتٍ {سائحات} صائماتٍ(1/1113)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)
{يا أيها الذين آمنوا قُوا أنفسكم وأهليكم ناراً} أَيْ: خذوا أنفسكم وأهليكم بما يُقرِّب من الله تعالى وجَنِّبوا أنفسكم وأهليكم المعاصي {وقودها الناس والحجارة} أَيْ: توقد بهذين الجنسين {عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} يعني: خزنة جهنم وقوله:(1/1113)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7)
{يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون}(1/1113)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)
{توبة نصوحاً} هي التَّوبة التي تنصح صاحبها حتى لا يعود إلى ما تاب منه ونصوحاً معناه بالغةً في النُّصْح وقوله: {لا يخزي الله النبيَّ والذين آمنوا معه} أَيْ: لا يفضحكم ولا يهلكهم {نورهم} على الصِّراط {يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا} إذا طُفىء نور المنافقين دعوا الله وسألوه أن يتمَّ لهم النُّور ثمَّ ضرب مثلاً للنِّساء الصَّالحات والطَّالحات فقال:(1/1113)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9)
{يا أيها النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جهنم وبئس المصير}(1/1114)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)
{ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما} أَيْ: في الدِّين فكانت امرأةُ نوحٍ تخبر قومه أنَّه مجنونٌ وامرأة لوط دلَّت على أضيافه {فلم يُغْنيا} يعني: نوحاً ولوطاً {عنهما من} عذاب {الله شيئاً} من شيءٍ وهذا تخويفٌ لعائشة وحفصة وإخبار أنَّ الأنبياء لا يُغنون عن مَنْ عمل بالمعاصي شيئاً وقطعٌ لطمع من ركب المعصية رجاء أن ينفعه صلاح غيره وقوله:(1/1114)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)
{ربِّ ابنِ لي عندك بيتاً في الجنة} قيل: إنَّ فرعون لما تبيَّن له إسلامها وَتَدَها على الأرض بأربعة أوتاد على يديها ورجليها فقالت وهي تعذَّب: {ربِّ ابنِ لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله} أَيْ: تعذيبه إيَّاي وفي هذا بيانٌ أنَّها لم تمل إلى معصيته مع شدَّة ما قاست من العذاب وكذا فليكن صوالح النِّساء وأمرٌ لعائشة وحفصة أن يكونا كآسيةَ وكمريم بنت عمران وقوله:(1/1114)
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)
{ومريم ابنة عمران} هو عطفٌ على قوله: امرأة فرعون {التي أحصنت فرجها} أَيْ: عفَّت وحفظت {فنفخنا فيه من} جيب درعها من {روحنا} فُسِّر في سورة الأنبياء {وصدَّقت بكلمات ربِّها وكتبه} آمنت بما أنزل الله على الأنبياء {وكانت من القانتين} أَيْ: من القوم المُطيعين لله أَيْ: إِنَّها أطاعت فدخلت في جملة المطيعين لله من الرِّجال والنِّساء(1/1114)
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
{تبارك} أَيْ: تعالى وتعظَّم {الذي بيده الملك} يُؤتيه مَنْ يشاء وينزعه عمَّن يشاء(1/1116)
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)
{الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم} في الحياة {أيكم أحسن عملاً} أَيْ: أطوع لله وأروع عن محارمه ثمَّ يُجازيكم بعد الموت(1/1116)
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)
{الذي خلق سبع سماوات طباقا} بعضها فوق بعض {ما ترى في خلق الرحمن} أَيْ: خلقه السَّماء {من تفاوت} اضطرب واختلافٍ بل هي مستويةٌ مستقيمةٌ {فارجع البصر} أعد فيها النَّظر {هل ترى من فطور} صدوعٍ وشقوقٍ {ثم ارجع البصر} كرِّر النظر {كرَّتين} مرَّتين(1/1116)
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)
{ينقلب إليك البصر} ينصرف ويرجع {خاسئاً} صاغراً ذليلاً {وهو حسير} أيْ: وقد أعيا من قبل أن يرى في السَّماء خللاً(1/1116)
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)
{ولقد زيَّنا السماء الدنيا} التي تدنو منكم {بمصابيح} بكواكب {وجعلناها رجوماً} مرامي {للشياطين} إذا استرقوا السَّمع {وأعتدنا لهم} في الآخرة {عذاب السعير}(1/1117)
وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6)
{وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير}(1/1117)
إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7)
{إذا ألقوا فيها سمعوا لها} لجهنَّم {شهيقاً} صوتاً كصوت الحمار {وهي تفور} تغلي(1/1117)
تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)
{تكاد تميز من الغيظ} تنقطع غضباً على الكفَّار {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها} سؤال توبيخ: {ألم يأتكم نذير} رسولٌ في الدُّنيا ينذركم عذاب الله؟ فقالوا:(1/1117)
قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9)
{قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلاَّ في ضلال كبير}(1/1117)
وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)
{لو كنا نسمع} من الرسل مَنْ يفهم ويتفكَّر {أو نعقل} عقل مَن ينظر {ما كنا في أصحاب السعير} وقوله:(1/1117)
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)
{فاعترفوا بذنبهم} بتكذيب الرُّسل ثمَّ اعترفوا بجهلهم {فسحقاً لأصحاب السعير} أَيْ: أسحقهم الله سحقاً أَيْ: باعدهم من رحمته مُباعدةً(1/1117)
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)
{إن الذين يخشون ربهم بالغيب} قبل مُعاينة العذاب وأحكام الآخرة(1/1117)
وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13)
{وأسروا قولكم أو اجهروا به} نزلت في المشركين الذين كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم بألسنتهم فيخبره الله تعالى فقالوا: فيما بينهم: أَسرّوا قولكم كيلا يسمع إله محمد فقال الله تعالى:(1/1117)
أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)
{ألا يعلم من خلق} أَيْ: ألا يعلم ما في صدوركم وما تُسرّون به مَنْ خلقكم؟(1/1118)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)
{هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً} سهلاً مُسخَّرةً {فامشوا في مناكبها} جوانبها {وإليه النشور} إليه يبعث الخلق(1/1118)
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16)
{أأمنتم من في السماء} قدرته وسلطانه وعرشه {أن يخسف بكم الأرض} تغور بكم {فإذا هي تمور} تتحرَّك بكم وترتفع فوقكم وقوله:(1/1118)
أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)
{فستعلمون} أَيْ: عند مُعاينة العذاب {كيف نذير} أَيْ: إنذاري بالعذاب(1/1118)
وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18)
{ولقد كذَّب الذين من قبلهم فكيف كان نكير} إنكاري إذ أهلكتهم(1/1118)
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)
{أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات} باسطاتٍ أجنحتها {ويقبضن} يضربن بها جنوبهنَّ {ما يمسكهنَّ} في حال القبض والبسط {إلاَّ الرحمن} بقدرته(1/1118)
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20)
{أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم مِنْ دون الرحمن} يدفع عنكم عذابه(1/1118)
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)
{بل لجُّوا} تمادوا {في عتوّ} عصيانٍ وضلالٍ {ونفور} تباعدٍ عن الحقِّ(1/1118)
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)
{أفمن يمشي مكباً على وجهه} أَيْ: الكافر يُحشر يوم القيامة وهو يمشي على وجهه يقال: كببْتُ فلاناً على وجهه فأكبَّ هو يقول هذا {أهدى أمن يمشي سوياً} مستوياً مستقيماً {على صراط مستقيم} وهو المؤمن(1/1118)
قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23)
{قل هو الذي أنشأكم} خلقكم {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تشكرون} أَيْ: لا تشكرون خالقكم وخالق هذه الأعضاء لكم إذ أشركتم به غيره(1/1119)
قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
{قل هو الذي ذرأكم} خلقكم {في الأرض وإليه تحشرون}(1/1119)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)
{ويقولون متى هذا الوعد} أَيْ: وعد الحشر(1/1119)
قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26)
{قل إنما العلم} بوقوعه ومجيئه {عند الله وإنما أنا نذير} مُخوِّفٌ {مبين} أُبيِّن لكم الشَّريعة(1/1119)
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)
{فلمَّا رأوه} أَيْ: العذاب في الآخرة {زلفة} قريباً {سيئت وجوه الذين كفروا} تبيَّن في وجوههم السُّوء وعلتها الكآبة {وقيل هذا} العذاب {الذي كنتم به تَدَّعُون} تفتعلون من الدُّعاء أَيْ: تدعون الله به إذ تقولون: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عندك} الآية(1/1119)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28)
{قل أرأيتم إن أهلكني الله} فعذَّبني {ومَنْ معي أو رحمنا} غفر لنا {فمن يجير الكافرين من عذاب أليم} يعني: نحن مع إيماننا خائفون نخاف عذاب الله ونرجو رحمته فمن يمنعكم من عذابه وأنتم كافرون؟(1/1119)
قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29)
{قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين}(1/1119)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)
{قُلْ أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً} غائراً ذاهباً في الأرض {فمن يأتيكم بماء معين} ظاهر تناله الأيدي والدِّلاء(1/1119)
ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)
{ن} أقسم الله بالحوت الذي على ظهره الأرضُ {والقلم} يعني: القلم الذي خلقه الله تعالى فجرى بالكائنات إلى يوم القيامة {وما يسطرون} أَيْ: وما تكتب الملائكة(1/1120)
مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)
{ما أنت بنعمة ربك} بإنعامه عليك بالنُّبوِّة {بمجنون} أَيْ: إِنَّك لا تكون مجنوناً وقد أنعم الله عليك بالنُّبوَّة وهذا جوابٌ لقولهم: {وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنَّك لمجنونٌ}(1/1120)
وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)
{وإنَّ لك لأجراً غير ممنون} غير مقطوعٍ ولا منقوصٍ(1/1120)
وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)
{وإنك لعلى خلق عظيم} أَيْ: أنت على الخُلُقِ الذي أمرك الله به في القرآن(1/1121)
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5)
{فستبصر} يا محمد {ويبصرون} أي: المشركون الذين رموه بالجنون(1/1121)
بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6)
{بأيكم المفتون} الفتنة أَبِكَ أم بهم(1/1121)
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7)
{هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أعلم بالمهتدين}(1/1121)
فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8)
{فلا تطع المكذبين} فيما دعوك إليه من دينهم(1/1121)
وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)
{وَدُّوا لو تدهن فيدهنون} تلين فلينون لك(1/1121)
وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10)
{ولا تطع كلَّ حلاَّفٍ} كثير الحلف بالباطل أَيْ: الوليد بن المغيرة {مهين} حقير(1/1121)
هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11)
{همَّاز} عيَّابٍ {مشَّاء بنميم} سَاعٍ بين النَّاسِ بالنَّميمة(1/1121)
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)
{مناع للخير} بخيلٍ بالمال عن الحقوق {معتد} مجاوزٍ في الظُّلم {أثيم} آثمٍ(1/1121)
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13)
{عتل} جافٍ غليظٍ {بعد ذلك} مع ذكرنا من أوصافه {زنيم} مُلحَقٍ بقومه وليس منهم(1/1121)
أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14)
{إن كان} لأن كان {ذا مال وبنين} يُكذِّب بالقرآن وهو قوله:(1/1121)
إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)
{إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين} والمعنى: أَيجعل مُجازاة نعمة الله عليه بالمال والبنين الكفر بآياتنا؟(1/1121)
سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)
{سنسمه على الخرطوم} سنجعل على أنفه علامةً باقيةً ما عاش نخطم أنفه بالسَّيف يوم بدرٍ(1/1121)
إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17)
{إنا بلوناهم} امتحنا أهل مكَّة بالقحط والجوع {كما بلونا أصحاب الجنة} كما امتحنَّا أصحاب البستان بإحراقها وذهاب قوتهم منها وكانوا قوماً بناحية اليمن وكان لهم أبٌ وله جنَّةٌ كان يتصدَّق فيها على المساكين فلمَّا مات قال بنوه: نحن جماعةٌ وإنْ فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر فخلقوا ليقطعنَّ ثمرها بسدفةٍ من اللَّيل كيلا يشعر المساكين فيأتوهم وهو قوله: {إذْ أقسموا ليصرمنها مصبحين}(1/1122)
وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18)
{ولا يستثنون} ولا يقولون إن شاء الله(1/1122)
فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19)
{فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون} أَيْ: أنزل الله عليها ناراً أحرقتها(1/1122)
فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20)
{فأصبحت كالصريم} كاللَّيل المُظلم سوداء(1/1122)
فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21)
{فتنادوا مصبحين} نادى بعضهم بعضاً لمَّا أصبحوا ليخرجوا إلى الصِّرام وهو قوله:(1/1122)
أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22)
{أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين} قاطعين الثَّمر(1/1122)
فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23)
{فانطلقوا} ذهبوا إليها {وهم يتخافتون} يسارون الكلام بينهم(1/1122)
أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24)
بـ {أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين}(1/1122)
وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25)
{وغدوا على حرد} قصدٍ وجدٍّ {قادرين} عند أنفسهم على ثمر الجنَّة(1/1122)
فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26)
{فلما رأوها} سواد محترقةً {قالوا إنَّا لضالون} مُخطئون طريقنا وليست هذه جنتنا ثم عملوا أنَّها عقوبةٌ من الله تعالى فقالوا:(1/1122)
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)
{بل نحن محرومون} حُرمنا ثمر جنَّتنا بمنعنا المساكين(1/1122)
قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28)
{قال أوسطهم} أعدلهم وأفضلهم: {ألم أقل لكم لولا تسبحون} هلاَّ تستثنون ومعنى التَّسبيح ها هنا الاستثناء بإن الله لأنَّه تعظيمٌ لله وكلُّ تعظيمٍ لله فهو تسبيحٌ له(1/1123)
قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29)
{قالوا سبحان ربنا} نزَّهوه عن أن يكون ظالماً وأقرُّوا على أنفسهم بالظُّلم فقالوا: {إنا كنا ظالمين}(1/1123)
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30)
{فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون} يلوم بعضهم بعضاً بما فعلوا من الهرب من المساكين ومنع حقهم(1/1123)
قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31)
{قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين} بمنع حقِّ الفقراء وترك الاستثناء(1/1123)
عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32)
{عسى ربنا أن يُبْدِلَنا خيراً منها} من هذه الجنَّة {إنا إلى ربنا راغبون}(1/1123)
كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)
{كذلك العذاب} كما فعلنا بهم نفعل بمَنْ خالف أمرنا ثمَّ بيَّن ما عند الله للمؤمنين فقال تعالى:(1/1123)
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34)
{إنَّ للمتقين عند ربهم جنات النعيم} فلمَّا نزلت قال بعض قريش: إنْ كان ما تذكرون حقَّاً فإنَّ لنا في الآخرة أكثرَ ممَّا لكم فنزل:(1/1123)
أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)
{أفنجعل المسلمين كالمجرمين} {ما لكم كيف تحكمون}(1/1123)
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)
{ما لكم كيف تحكمون}(1/1123)
أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37)
{أم لكم كتاب} نزل من عند الله {فيه} ما تقولون {تدرسون} تُقرُّون ما فيه(1/1123)
إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38)
{إنَّ لكم فيه} في ذلك الكتاب {لما تخيرون} تختارون(1/1123)
أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39)
{أم لكم أيمان} عهودٌ ومواثيق {علينا بالغة} محكمةٌ لا ينقطع عهدها {إلى يوم القيامة إنَّ لكم لما تحكمون} تقضون وكسرت إنَّ في الآيتين لمكان اللازم في جوابها وحقُّها الفتح لو لم تكن اللام(1/1123)
سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40)
فـ {سلهم} يا محمد {أيهم بذلك} الذين يقولون من أنَّ لهم في الآخرة حظّاَ {زعيم} كفيلٌ لهم(1/1124)
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41)
{أم لهم شركاء} آلهةٌ تكفل لهم بما يقولون {فليأتوا بشركائهم} لتكفل لهم {إن كانوا صادقين} فيما يقولون(1/1124)
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42)
{يوم يكشف عن ساق} عن شدَّةٍ من الأمر وهو يوم القيامة قال ابن عباس رضي الله عنه: أشدُّ ساعةٍ في القيامة فصار كشف السَّاق عبارةً عن شدَّة الأمر {ويدعون إلى السجود} أَيْ: الكافرون والمنافقون {فلا يستطيعون} يصير ظهرهم طبقاً واحداً كلَّما أراد أن يسجد واحدٌ منهم خرَّ على قفاه(1/1124)
خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)
{خاشعة أبصارهم} ذليلةً لا يرفعونها {ترهقهم} تغشاهم {ذلَّة وقد كانوا يدعون إلى السجود} في الدُّنيا {وهم سالمون} فيأبون ولا يسجدون لله(1/1124)
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44)
{فذرني ومن يكذب بهذا الحديث} دعني والمُكذِّبين بهذا القرآن أَيْ: كِلْهُمْ إليَّ ولا تشغل قلبك بهم فإنِّي أكفيك أمرهم {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} أَيْ: نأخذهم قليلاً قليلاً ولا نباغتهم(1/1124)
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)
{وأملي لهم} أُمهلهم كي يزدادوا تمادياً في الشِّرك {إنَّ كيدي متين} شديدٌ لا يطاق(1/1125)
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46)
{أم تسألهم} بل أتسألهم على ما آتيتهم به من الرِّسالة {أجراً فهم من مغرم} ممَّا يعطونك {مُثقلون}(1/1125)
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47)
{أم عندهم الغيب} علم ما في غدٍ {فهم يكتبون} يحكمون وقوله:(1/1125)
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)
{ولا تكن كصاحب الحوت} كيونس في الضَّجر والعجلة {إذ نادى} دعا ربَّه {وهو مكظوم} مملوءٌ غمَّاً(1/1125)
لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49)
{لولا أن تداركه} أدركه {نعمة} رحمةٌ {من ربه لنبذ} لطرح حين ألقاه الحوت {بالعراء} بالأرض الفضاء الواسعة لأنَّها خاليةٌ من البناء والإِنسان والأشجار {وهو مذموم} مجرم(1/1125)
فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50)
{فاجتباه ربه} فاختاره {فجعله من الصالحين} بأن رحمه وتاب عليه(1/1125)
وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)
{وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر} أَيْ: إنَّهم لشدَّة إبغاضهم وعداوتهم لك إذا قرأت القرآن ينظرون إليك نظراً شديداً يكاد يصرعك ويسقطك عن مكانك {ويقولون إنه لمجنون}(1/1125)
وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)
{وما هو} أَيْ: القرآن {إلا ذكر} عظمة {للعالمين}(1/1125)
الْحَاقَّةُ (1)
{الحاقة} أَيْ: القيامة لأنَّها حقَّت فلا كاذبة لها(1/1126)
مَا الْحَاقَّةُ (2)
{ما الحاقة} استفهامٌ معناه التَّعظيم لشأنها كقولك: زيدٌ ما هو؟(1/1126)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)
{وما أدراك ما الحاقة} أَيٌّ شيء أعلمك ما ذلك اليوم؟ ثمَّ ذكر أمر مَنْ كذَّب بالقيامة فقال:(1/1126)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4)
{كذبت ثمود وعادٌ بالقارعة} بالقيامة التي تقرع القلوب(1/1126)
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5)
{فأمَّا ثمود فأهلكوا بالطاغية} أَيْ: بالصَّيحة الطَّاغية وهي التي جاوزت المقدار(1/1126)
وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6)
{وأمَّا عادٌ فأهلكوا بريح صرصر عاتية} عتت على خُزَّانها فلم تُطعهم(1/1126)
سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)
{سخرها عليهم} استعملها عليهم كما شاء وقوله: {حسوماً} أَيْ: دائمةً مُتتابعةً والمعنى: تحسمهم حسوماً أَيْ: تذهبهم وتفنيهم {فترى القوم} أيْ: أهل القرى {فيها} أَيْ: في تلك الأيَّام {صرعى} جمع صريعٍ {كأنهم أعجاز} أصول {نخل خاوية} ساقطةٍ(1/1127)
فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)
{فهل ترى لهم من باقية} أَيْ: هل ترى منهم باقياً(1/1127)
وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9)
{وجاء فرعون ومِنْ قِبَلِه} أَيْ: تُبَّاعه ومَنْ قرأ {ومَنْ قَبْلَه} فمعناه: مَنْ تقدَّمه من الأمم {والمؤتفكات} أَيْ: أهل قرى قوم لوط {بالخاطئة} بالخطأ العظيم وهو الكفر(1/1127)
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10)
{فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية} زائدةً تزيد على الأخذات(1/1127)
إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11)
{إنَّا لما طغى الماء} جاوز حدَّه يعني: أيَّام الطُّوفان {حملناكم} أَيْ: حملنا آباءكم {في الجارية} وهي السَّفينة(1/1127)
لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)
{لنجعلها} لنجعل تلك الفعلة التي فعلنا من إغراق قوم نوحٍ وإنجاء مَنْ معه {لكم تذكرة} تتذكَّرونها فتتَّعظون بها {وتعيها أذن واعية} لتحفظها كلُّ أذنٍ تحفظ ما سمعت(1/1127)
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13)
{فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة} أَيْ: النِّفخة الأولى لقيام السَّاعة(1/1127)
وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14)
{وحملت الأرض والجبال فدكتا} كُسرتا {دكَّة واحدة} فصارت هباءً منبثاً(1/1127)
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15)
{فيومئذٍ وقعت الواقعة} قامت القيامة(1/1128)
وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16)
{وانشقت السماء فهي يومئذٍ واهية} أَيْ: مُتَشَقِّقةٌ(1/1128)
وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)
{والملك} يعني: الملائكة {على أرجائها} نواحيها {ويحمل عرش ربك فوقهم} فوق الملائكة {يومئذٍ ثمانية} أملاك(1/1128)
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)
{يومئذٍ تعرضون} على ربِّكم {لا تخفى منكم خافية} كقوله: {لا يخفى على الله منهم شيءٌ}(1/1128)
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)
{فأمَّا مَنْ أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه} خذوا فاقرؤوا كتابي وذلك لما يرى فيه الحسنات(1/1128)
إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20)
{إني ظننت أني ملاق حسابيه} أَيْ: أيقنت أنِّي أُحاسب(1/1128)
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21)
{فهو في عيشة راضية} ذات رضىً أَيْ: يرضى بها صاحبها(1/1128)
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22)
{في جنة عالية}(1/1128)
قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23)
{قطوفها دانية} ثمارها قريبةٌ من مريدها على أيِّ حالٍ كان يقال لهم:(1/1128)
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)
{كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم} قدمتم لآخرتم من الأعمال الصَّالحة {في الأيام الخالية} الماضية في الدنيا وقوله:(1/1128)
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25)
{وأمَّا مَنْ أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه}(1/1128)
وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26)
{ولم أدر ما حسابيه}(1/1128)
يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)
{يا ليتها كانت القاضية} يقول: ليت الموتة التي مُتها لم أَحْيَ بعدها(1/1128)
مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28)
{ما أغنى عني ماليه}(1/1129)
هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)
{هلك عني سلطانية} ذهب عني حجتي وزال عن ملكي وقوَّتي فيقول الله لخزنة جهنَّم:(1/1129)
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30)
{خذوه فغلُّوه} {ثم الجحيم صلوه} أدخلوه(1/1129)
ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31)
{ثم الجحيم صلوه}(1/1129)
ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)
{ثمَّ في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه} أَيْ: أدخلوه في تلك السلسة فتدخل في دبره وتخرج من فيه وهي سلسة لو جُمع حديد الدُّنيا ما وزن حلقةً منها(1/1129)
إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)
{إنه كان لا يؤمن بالله العظيم}(1/1129)
وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34)
{ولا يحض على طعام المسكين} لا يأمر بالصَّدقة على الفقراء(1/1129)
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35)
{فليس له اليوم هاهنا حميم} قريبٌ ينفعه(1/1129)
وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36)
{ولا طعام إلا من غسلين} وهو صديد أهل النَّار(1/1129)
لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)
{لا يأكله إلاَّ الخاطئون} وهم الكافرون(1/1129)
فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38)
{فلا أقسم} {لا} زائدة {بما تبصرون} ما ترون من المخلوقات(1/1129)
وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)
{وما لا تبصرون} ما ترون منها(1/1129)
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40)
{إنه} إنَّ القرآن {لقول} لتلاوةُ {رسول كريم} على الله يعني: محمَّداً صلوات الله عليه(1/1129)
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41)
{وما هو بقول شاعر} أَيْ: ليس هو شاعراً {قليلاً ما تؤمنون} {ما} لغوٌ مؤكِّدة(1/1129)
وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42)
{ولا بقول كاهن} وهو الذي يُخبر عن المُغيَّبات من جهة النُّجوم كذباً وباطلاً ثمَّ بيَّن أنَّ ما يتلوه من الله تعالى فقال:(1/1130)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43)
{تنزيل من رب العالمين}(1/1130)
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44)
{ولو تقول علينا بعض الأقاويل} يعني: النبي صلى الله عليه وسلم لو قال ما لم يُؤمر به وأتى بشيءٍ مِنْ قِبَل نفسه {لأخذنا منه باليمين} {مِنْ} صلةٌ والمعنى: لأخذناه بالقوَّة والقدرة(1/1130)
لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45)
{لأخذنا منه باليمين}(1/1130)
ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)
{ثمَّ لقطعنا منه الوتين} وهو نياط القلب أَيْ: لأهلكناه(1/1130)
فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)
{فما منكم من أحد عنه حاجزين} أَيْ: لم يحجزنا عنه أحدٌ منكم(1/1130)
وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48)
{إنه لتذكرة للمتقين}(1/1130)
وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49)
{وإنا لنعلم أن منكم مكذبين}(1/1130)
وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50)
{وإنَّه} أَيْ: القرآن {لحسرة على الكافرين} يوم القيامة إذا رأوا ثواب متابعيه(1/1130)
وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51)
{وإنه لحق اليقين} أَيْ: وإنَّه اليقين حقُّ اليقين(1/1130)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)
{فسبح باسم ربك العظيم} نزِّهه عن السُّوء(1/1130)
سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1)
{سأل سائل} دعا داعٍ {بعذاب واقع}(1/1131)
لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2)
{للكافرين} على الكافرين وهو النَّضر بن الحارث حين قال: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} الآية {ليس له دافع} ليس لذلك العذاب الذي يقع بهم دافعٌ(1/1131)
مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)
{من الله} أَيْ: ذلك العذاب يقع بهم من الله {ذي المعارج} ذي السماوات(1/1131)
تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)
{تعرج الملائكة والروح} يعني: جبريل عليه السَّلام {إليه} إلى محل قربته وكرامته وهو السَّماء {في يوم} {في} صلةُ واقعٍ أَيْ: عذابٌ واقعٌ فِي يَوْمٍ {كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} وهو يوم القيامة(1/1131)
فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5)
{فاصبر صبراً جميلاً} وهذا قبل أن أمر بالقتال(1/1132)
إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6)
{إنهم} يعني: المشركين {يرونه} يرون ذلك اليوم {بعيداً} مُحالاً لا يكون(1/1132)
وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)
{ونراه قريباً} لأنَّ ما هو آتٍ قريبٌ ثمَّ ذكر متى يكون ذلك اليوم فقال:(1/1132)
يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8)
{يوم تكون السماء كالمهل} كدرديِّ الزَّيت وقيل: كالقار المُذاب وقد مَّر هذا(1/1132)
وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9)
{وتكون الجبال} : الجواهر وقيل: الذَّهب والفضَّة والنُّحاس {كالعهن} كالصُّوف المصبوغ(1/1132)
وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10)
{ولا يسأل حميم حميماً} لا يسأل قريبٌ عن قريبٍ لاشتغاله بما هو فيه(1/1132)
يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11)
{يبصرونهم} يُعرَّف بعضهم بعضاً أَيْ: إنَّ الحميم يرى حميمه ويعرفه ولا يسأل عن شأنه {يودُّ المجرم} يتمنَّى الكافر {لو يفتدي من عذاب يومئذٍ ببنيه}(1/1132)
وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12)
{وصاحبته} وزوجته {وأخيه}(1/1132)
وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13)
{وفصيلته} عشيرته التي فُصِلَ منها {التي تؤويه} تضمُّه إليها في النَّسب(1/1132)
وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14)
{ومَنْ في الأرض جميعاً ثم ينجيه} ذلك الافتداء(1/1133)
كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15)
{كلا} ليس الأمر كذلك لا ينجيه شيءٌ {إنها لظى} وهي من أسماء جهنَّم(1/1133)
نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16)
{نزاعة للشوى} يعني: جلود الرأس تقشرها عنه(1/1133)
تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17)
{تدعو} الكافر باسمه والمنافق فتقول: إليَّ إليَّ يا {مَنْ أدبر} عن الإِيمان {وتولى} أعرض(1/1133)
وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)
{وجمع} المال {فأوعى} فأمسكه في وعائه ولم يُؤدِّ حقَّ الله منه(1/1133)
إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)
{إنَّ الإِنسان خُلق هلوعاً} وتفسير الهلوع ما ذكره في قوله: {إذا مسَّه الشر جزوعاً} يجزع من الشر ولا يستمسك(1/1133)
إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20)
{إذا مسَّه الشر جزوعاً}(1/1133)
وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)
{وإذا مسَّه الخير منوعاً} إذا أصاب المال منع حقَّ الله(1/1133)
إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)
{إلاَّ المصلين} أَيْ: المؤمنين(1/1133)
الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)
{الذين هم على صلاتهم دائمون} لا يلتفتون في الصَّلاة عن سمت القبلة(1/1133)
وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24)
{والذين في أموالهم حق معلوم}(1/1133)
لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)
{للسائل والمحروم}(1/1133)
وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26)
{والذين يصدقون بيوم الدين}(1/1133)
وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27)
{والذين هم من عذاب ربهم مشفقون}(1/1133)
إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28)
{إن عذاب ربهم غير مأمون}(1/1133)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29)
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}(1/1133)
إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30)
{إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}(1/1133)
فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)
{فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}(1/1133)
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32)
{وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}(1/1133)
وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33)
{والذين هم بشهاداتهم قائمون} يقيمونها ولا يكتمونها(1/1133)
وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34)
{والذين هم على صلاتهم يحافظون}(1/1133)
أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)
{أولئك في جنات مكرمون}(1/1133)
فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36)
{فمال الذين كفروا} ما بالهم {قبلك مهطعين} يُديمون النَّظر إليك ويتطلّعون نحوك(1/1133)
عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37)
{عن اليمين وعن الشمال} عن جوانبك {عزين} جماعاتٍ حلقاً حلقاً وذلك أنَّهم كانوا يجتمعون عنده ويستهزئون به وبأصحابه ويقولون: لئن دخل هؤلاء الجنَّة فلندخلنَّها قبلهم قال الله تعالى:(1/1134)
أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38)
{أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم * كلا} لا يدخلونها {إنا خلقناهم مما يعلمون} من ترابٍ ومن نطفةٍ فلا يستوجب أحدٌ الجنة بشرفه وماله لأنَّ الخلق كلَّهم من أصلٍ واحدٍ بل يستوجبونها بالطاعة(1/1134)
كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39)
{كلا إنا خلقناهم مما يعلمون}(1/1134)
فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40)
{فلا أقسم} لا صلة يعني: أُقسم وقوله:(1/1134)
عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41)
{وما نحن بمسبوقين} أَيْ: بمغلوبين نظيره قد تقدَّم في سورة الواقعة(1/1134)
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42)
{فذرهم يخوضوا} في باطلهم {ويلعبوا} في دنياهم {حتى يُلاقوا يومهم الذي يوعدون} نسختها آية القتال(1/1134)
يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43)
{يوم يخرجون من الأجداث} القبور {سراعاً كأنهم إلى نصب} إلى شيءٍ منصوبٍ من علمٍ أو رايةٍ {يوفضون} يُسرعون(1/1134)
خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)
{خاشعة أبصارهم} ذليلةً خاضعةً لا يرفعونها لذلَّتهم {ترهقهم ذلة} يغشاهم هوان {ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون} يعني: يوم القيامة(1/1134)
إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1)
{إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر قومك} أَيْ: بأن خوِّفهم عذاب الله {من قبل أن يأتيهم عذابٌ أليم}(1/1135)
قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2)
{قال يا قوم إني لكم نذير مبين} {أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون}(1/1135)
أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3)
{أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون}(1/1135)
يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4)
{يغفر لكم من ذنوبكم} {مِنْ} صلة {ويؤخركم} عن العذاب {إلى أجل مسمىً} وهو أجل الموت فتموتوا غيرَ ميتة مَنْ يهلك بالعذاب {إنَّ أجل الله إذا جاء لا يؤخر} إذا جاء الأجل في الموت لا يُؤخَّر {لو كنتم تعلمون} ذلك وقوله:(1/1135)
قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5)
{قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا}(1/1135)
فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6)
{إلاَّ فراراً} أَيْ: نفاراً عن طاعتك وإدباراً عني(1/1135)
وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7)
{وإني كلما دعوتهم} إلى الإِيمان بك {لتغفر لهم} ما قد سلف من ذنوبهم {جعلوا أصابعهم في آذانهم} لئلا يسمعوا صوتي {واستغشوا ثيابهم} غطُّوا بها وجوههم مبالغةً في الإِعراض عني كيلا يروني {وأصروا} أَقاموا على كفرهم {واستكبروا} عن اتِّباعي {استكباراً} لأنَّهم قالوا: {أَنؤمنُ لك واتَّبعكَ الأَرْذَلون}(1/1136)
ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8)
{ثم إني دعوتهم جهاراً} أظهرتُ لهم الدَّعوة(1/1136)
ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9)
{ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً} أَيْ: خلطتُ دعاءَهم العلانيَة بدعاءِ السِّرِّ(1/1136)
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)
{فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً} {يرسل السماء عليكم مدرارا}(1/1136)
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)
{يرسل السماء عليكم مدراراً}(1/1136)
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)
{ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً} وذلك أنَّهم لما كذَّبوه حبس الله عنهم المطر وأعقم نساءَهم فهلكت أموالهم ومواشيهم فوعدهم نوحٌ إنْ آمنوا أَنْ يردَّ الله عليهم ذلك فقال: {يرسل السماء عليكم مدراراً} كثيرة الدر أي: كثرة المطر {ويمددكم بأموالٍ وبنين} : يعطكم زينة الدُّنيا وهي المال والبنون(1/1136)
مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13)
{ما لكم لا تَرْجُون لله وقاراً} لا تخافون لله عظمةً(1/1136)
وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)
{وقد خلقكم أطواراً} حالاً بعد حالٍ نطفةً ثمَّ علقةً ثمَّ مضغةً إلى تمام الخلق(1/1136)
أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15)
{ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا} بعضها فوق بعض(1/1137)
وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)
{وجعل القمر فيهن نوراً} أي: في إحدهن {وجعل الشمس سراجاً} تُضِيءُ لأهل الأرض(1/1137)
وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17)
{والله أنبتكم من الأرض نباتاً} جعلكم تنبتون من الأرض نباتاً وذلك أنَّه خلق آدم من الأرض وأولاده أحياءً منه(1/1137)
ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18)
{ثم يعيدكم فيها} أمواتاً {ويخرجكم} منها إخراجاً وقوله:(1/1137)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19)
{والله جعل لكم الأرض بساطا}(1/1137)
لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20)
{سبلاً فجاجاً} أَيْ: طرقاً بيِّنةً وقوله:(1/1137)
قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21)
{واتبعوا مَنْ لم يزده ماله وولده إلاَّ خساراً} أَيْ: اتَّبعوا أشرافهم الذين لا يزيدون بإنعام الله تعالى عليهم بالمال والولد إلاَّ طغياناً وكفراً(1/1137)
وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)
{ومكروا مكراً كباراً} أفسدوا في الأرض فساداً عظيماً بالكفر وتكذيب الرسل(1/1137)
وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)
{وقالوا} لسفلتهم: {لا تذرنَّ آلهتكم ولا تَذَرُنَّ ودَّاً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسرا} وهي أسماء أوثانهم(1/1137)
وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24)
{وقد أضلوا كثيراً} أَيْ: ضلَّ كثيرٌ من النَّاس بسببها كقوله: {إنهنَّ أضللْنَ كثيراً من النَّاس} {ولا تزد الظالمين إلاَّ ضلالاً} دعاءٌ من نوحٍ عليهم بأن يزيدهم الله ضلالاً وذلك أن الله تعالى أخبره لن يؤمن من قومه إلاَّ من قد آمن فلما أيس نوح من إيمانهم دعا عليهم بالضَّلال والهلاك قال الله تعالى(1/1137)
مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25)
{ممَّا خطيئاتهم} {ما} صلة أَيْ: مِن خطيئاتهم التي ارتكبوها {أغرقوا} بالطُّوفان {فأدخلوا ناراً} بعد الغرق أَيْ: أُدخلوا جهنَّم {فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً} لم يجدوا مَنْ يمنعهم من عذاب الله(1/1138)
وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26)
{وقال نوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ ديَّاراً} أَيْ: نازل دار أَيْ: أحداً(1/1138)
إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)
{إنك إن تذرهم} فلا تهلكهم {يضلوا عبادك} بدعوتهم إلى الضَّلال {ولا يلدوا إلاَّ فاجراً كفاراً} إلاَّ مَنْ يفجر ويكفر وذلك أنَّ الله أخبره أنَّهم لا يلدون مؤمناً(1/1138)
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)
{ربِّ اغفر لي ولوالدي} وكانا مؤمنين {ولمن دخل بيتي} مسجدي {مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات} إلى يوم القيامة {ولا تزد الظالمين إلاَّ تباراً} هلاكاً ودماراً(1/1138)
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1)
{قل أوحي إليَّ} أَيْ: أُخبرت بالوحي من الله إليَّ {أنَّه استمع نفرٌ من الجن} وذلك أنَّ الله تعالى بعث نفراً من الجنِّ ليَستمعوا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُصلِّي الصُّبح ببطن نخلة وهؤلاء الذين ذكرهم الله في سورة الأحقاف في قوله: {وإذ صرفنا إليك} الآية فلما رجعوا إلى قومهم قالوا: {إنا سمعنا قرآناً عجباً} في فصاحته وبيانه وصدق إخباره(1/1139)
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)
{يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا}(1/1139)
وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)
{وأنَّه تعالى جدُّ ربنا} أي: جلاله وعظمته عن أن يتخذ ولدا أوصاحبة(1/1139)
وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4)
{وأنَّه كان يقول سفيهنا} جاهلنا {على الله شططاً} غلوَّاً في الكذب حتى يصفه بالوالد والصاحبة(1/1139)
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5)
{وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً} أي: كنَّا نظنُّهم صادقين في أنَّ لله صاحبةً وولداً حتى سمعنا القرآن وكنَّا نظنُّ أنَّ أحداً لا يكذب على الله انقطع ها هنا قول الجن قال الله تعالى:(1/1139)
وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)
{وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن} وذلك أنَّ الرَّجل في الجاهليَّة كان إذا سافر فأمسى في الأرض الفقر قال: أعوذ بسيِّد هذا الوادي من شرِّ سفهاء قومه أَي: الجنِّ يقول الله: {فزادوهم رهقاً} أَيْ: فزادهم بهذا التَّعوُّذ طغياناً وذلك أنَّهم قالوا: سُدْنا الجنَّ والإِنس(1/1140)
وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7)
{وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً} يقول: ظنَّ الجنُّ كما ظننتم أيُّها الإِنس أن لا بعث يوم القيامة وقالت الجنُّ:(1/1140)
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8)
{وأنا لمسنا السماء} أَي: رُمْنَا استراق السَّمع فيها {فوجدناها ملئت حرساً شديداً} من الملائكة {وشهباً} من النُّجوم يريدون: حُرست بالنُّجوم من استماعنا(1/1140)
وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)
{وأنا كنَّا} قبل ذلك {نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً} أي: كواكب حفظةً تمنع من الاستماع(1/1140)
وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)
{وأنَّا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض} بحدوث رجم الكواكب {أم أراد بهم ربهم رشداً} أَيْ: خيراً(1/1140)
وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11)
{وأنا منا الصالحون} بعد استماع القرآن أَيْ: بررةٌ أتقياءُ {ومنا دون ذلك} دون البررة {كنا طرائق قدداً} أَيْ: أصنافاً مختلفين(1/1140)
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12)
{وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض} علمنا أن لا نفوته إِنْ أراد بنا أمراً {ولن نعجزه هرباً} إِنْ طلبنا وقوله:(1/1141)
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)
{فلا يخاف بَخْساً} أَيْ: نقصاً {ولا رهقاً} أَيْ: ظلماً والمعنى: لا نخاف أن ينقص من حسناته ولا أن يُزاد في سيئاته(1/1141)
وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)
{وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون} الجائرون عن الحقّ {فمن أسلم فأولئك تحروا رشداً} قصدوا طريق الحقّ قال الله تعالى:(1/1141)
وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)
{وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا}(1/1141)
وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16)
{وألو استقاموا على الطريقة} لو آمنوا جميعاً أَي: الخلق كلُّهم أجمعون الجنُّ والإِنس {لأسقيناهم ماءً غدقاً} لوسَّعنا عليهم في الدُّنيا وضرب المثل بالماء لأنَّ الخير كلَّه والرِّزق بالمطر وهذا كقوله تعالى: {ولو أنَّ أهل القرى آمنوا واتقوا} الآية(1/1141)
لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)
{لِنَفْتنهم فيه} لنختبرهم فنرى كيف شكرهم {ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه} يدخله {عذاباً صعداً} شاقاً(1/1141)
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)
{وأنَّ المساجد لله} يعني: المواضع التي يُصلَّى فيها وقيل: الأعضاء التي يسجد عليها وقيل: يعني: إنَّ السَّجدات لله جمع مسجد بمعنى السُّجود {فلا تدعوا مع الله أحداً} أمرٌ بالتَّوحيد لله تعالى في الصَّلاة(1/1141)
وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)
{وإنه لما قام عبد الله يدعوه} أي: النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لمَّا قام ببطن نخلة يدعوا الله {كادوا يكونون عليه} كاد الجنُّ يتراكبون ويزدحمون حرصاً على ما يسمعون ورغبة فيه وقوله:(1/1142)
قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20)
{قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا}(1/1142)
قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21)
{قل إني لا أملك لكم ضرّاً ولا رشدا}(1/1142)
قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22)
{ولن أجد من دونه ملتحداً} أَيْ: ملجأً(1/1142)
إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)
{إلاَّ بلاغاً من الله ورسالاته} لكن أُبلِّغ عن الله ما أُرسلت به ولا أملك الكفر والإِيمان وهو قوله: {لا أملك لكم ضرّاً ولا رشداً} وقوله:(1/1142)
حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24)
{حتى إذا رأوا} أي: الكفَّار {ما يوعدون} من العذاب والنَّار {فسيعلمون} حينئذٍ {مَنْ أضعف ناصراً} أنا أو هم {وأقل عدداً}(1/1142)
قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25)
{قل إن أدري} ما أدري {أقريب ما توعدون} من العذاب {أم يجعل له ربي أمداً} أجلاً وغايةً(1/1142)
عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26)
{عالم الغيب} أي: هو عالم الغيب {فلا يظهر} فلا يطع على ما غيبه من العباد {أحداً}(1/1142)
إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27)
{إلاَّ من ارتضى} اصطفى {من رسول} فإنَّه يُطلعه على ما يشاء من الغيب معجزةً له {فإنَّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً} أي: يجعل من جميع جوانبه رصداً من الملائكة يحفظون الوحي من أن يسترقه الشَّياطين فتلقيه إلى الكهنة فيساوون الأنبياء(1/1142)
لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)
{ليعلم} الله {أن قد أبلغوا رسالات ربهم} أي: ليُبلِّغوا رسالات ربِّهم فإذا بلَّغوا علم الله ذلك فصار كقوله: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} أي: ولمَّا يجاهدوا {وأحاط بما لديهم} علم الله ما عندهم {وأحصى كلَّ شيء عدداً} أي: علم عدد كلِّ شيء فلم يخف عليه شيءٌ(1/1143)
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)
{يا أيها المزمل} أي: المُتَلفِّف بثيابه نزل هذا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مُتلَفِّفٌ بقطيفةٍ(1/1144)
قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)
{قم الليل إلاَّ قليلاً} أي: صلِّ كلَّ اللَّيلِ إلاَّ شيئاً يسيراً تنام فيه وهو الثُّلث ثمَّ قال:(1/1144)
نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3)
{نصفه} أَيْ: قم نصفه {أو انقص منه} من النِّصف {قليلاً} إلى الثُّلث(1/1144)
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)
{أو زد عليه} على النِّصف إلى الثُّلثين جعل له سعةً في مدَّة قيامه في اللَّيل فكأنَّه قال: قم ثلثي اللَّيل أو نصفه أو ثلثه فلمَّا نزلت هذه الآية أخذ المسلمون أنفسهم بالقيام على هذا المقادير وشقَّ ذلك عليهم لأنهم لكم يمكنهم أن يحفظوا هذه المقادير وكانوا يقومون اللَّيل كله حتى انتفخت أقدامهم ثمَّ خفَّف الله عنهم بآخر هذه السُّورة وهو قوله: {إنَّ ربك يعلم أنك تقوم} الآية ثمَّ نسخ قيام اللَّيل بالصَّلوات الخمس وكان هذا في صدر الإِسلام وقوله: {ورتل القرآن ترتيلاً} أَي: بيِّنه تبييناً بعضُه على إثر بعضٍ في تودة(1/1144)
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)
{قولا ثقيلا} رصينا زرينا ليس بالسفساف والخفيف لأنَّه كلام الله(1/1145)
إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)
{إنَّ ناشئة الليل} ساعاته {هي أشد وطئا} أثقلُ على المُصلِّين من ساعات النَّهار ومَنْ قرأ: وِطاء فمعناه: أشدُّ موافقةً بين القلب والسَّمع والبصر واللِّسان لأنَّ اللَّيل تهدأ فيه الصلوات وتنقطع الحركات ولا تحول دون تسمُّعه وتفهُّمه شيءٌ {وأقوم قيلاً} وأصوب قراءةً(1/1145)
إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7)
{إنَّ لك في النهار سبحاً طويلاً} أَيْ: تصرُّفاً في حوائجك إقبالاً وإدباراً وهذا حثٌ على القيام باللَّيل لقراءة القرآن(1/1145)
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8)
{واذكر اسم ربك} بالتَّعظيم والتَّنزيه {وتبتل إليه تبتيلاً} وانقطع إليه في العبادة وقوله:(1/1145)
رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)
{فاتخذه وكيلاً} أَيْ: قيِّماً بأمورك مُفوَّضاً إليه(1/1145)
وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)
{واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً} وهو أن لا تتعرَّض لهم ولا تشتغل بمكافآتهم وهذه الآية نسختها آية القتال(1/1145)
وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11)
{وذرني والمكذبين} لا تعنهم لشأنهم فإني أكفيكم يعني: رؤساء المشركين كقوله: {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث} وقد مرَّ {أولي النعمة} ذوي التنغم والتًَّرفُّه {ومهِّلهم قليلاًَ} يعني: إلى مدَّة آجالهم(1/1146)
إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12)
{إنَّ لدينا} يعني: في الآخرة {أنكالاً} قيوداً {وجحيماً} ناراً عظيمةً(1/1146)
وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13)
{وطعاما ذا غصة} يغض في الحلوق ولا يسوغ وهو الغِسلين والضَّريع والزَّقُّوم(1/1146)
يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14)
{يوم ترجف الأرض والجبال} تضطرب وتتحرَّك {وكانت الجبال كثيباً مهيلاً} رملاً سائلاً(1/1146)
إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15)
{إنا أرسلنا إليكم رسولاً} محمدا صلى الله عليه وسلم {شاهداً عليكم} يشهد عليكم يوم القيامة بما فعلتم وقوله:(1/1146)
فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16)
{فأخذناه أخذاً وبيلاً} ثقيلاً غليظاً(1/1146)
فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17)
{فكيف تتقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً} أَيْ: فكيف تتحصَّنون من عذاب يومٍ يشيب الطِّفل لهوله وشدَّته إن كفرتم اليوم في الدُّنيا(1/1146)
السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18)
{السماء منفطر به} متشقِّق في ذلك اليوم(1/1146)
إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19)
{إنَّ هذه} الآيات {تذكرة} تذكيرٌ للخلق {فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً} بالطَّاعة والإِيمان(1/1146)
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)
{إن ربك يعلم أنك تقوم} للصَّلاة والقراءة {أدنى} أقلَّ {من ثلثي الليل ونصفه وثلثه} أي: وتقم نصفه ثلثه {وطائفة من الذين معك والله يقدِّر الليل والنهار} فيعلم مقادير أوقاتهما {علم أن لن تحصوه} لن تُطيقوا قيام اللَّيل {فتاب عليكم} رجع لكم إلى التَّخفيف {فاقرؤوا ما تيسر من القرآن} رخَّص لهم أن يقوموا فيقرؤوا ما أمكن وخفَّ بغير مقدارٍ معلومٍ من القراءة والمُدَّة {علم أن سيكون منكم مرضى} فيثقل عليهم قيام اللَّيل وكذلك المسافرون للتِّجارة والجهاد وهو قوله: {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله} يريد: أنَّه خفف قيام اللَّيل لما علم من ثقله على هؤلاء {فاقرؤوا ما تيسر منه} قال المُفسِّرون: وكان هذا في صدر الإِسلام ثمَّ نُسخ بالصَّلوات الخمس وقوله: {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ الله هو خيراً وأعظم أجراً} مما خلقتم وتركتم {واستغفروا الله إن الله غفور} لذنوب المؤمنين {رحيم} بهم(1/1146)
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)
{يا أيها المدثر} أي: المتدثر في ثوبه(1/1148)
قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
{قم فأنذر} النَّاس(1/1148)
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)
{وربك فكبر} فصفه بالتَّعظيم(1/1148)
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)
{وثيابك فطهر} لا تلبسها على معصيةٍ ولا على غدر فإنَّ الغادر والفاجر يُسمَّى دنس الثِّياب(1/1148)
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)
{والرجز فاهجر} أي: الأوثان فاهجر عبادتها وكذلك كلَّ ما يؤدي إلى العذاب(1/1148)
وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)
{ولا تمنن تستكثر} لا تعظ شيئاً لتأخذَ أكثر منه وهذا خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنَّه مأمورٌ بأجلِّ الأخلاق وأشرفِ الآداب(1/1149)
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)
{ولربك فاصبر} اصبر لله على أوامره ونواهيه وما يمتحنك به حتى يَكون هو الذي يُثيبك عليها(1/1149)
فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8)
{فإذا نقر في الناقور} نُفخ في الصُّور الآية وقوله:(1/1149)
فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9)
{فذلك يومئذ يوم عسير}(1/1149)
عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)
{على الكافرين غير يسير}(1/1149)
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11)
{ذرني ومن خلقت وحيداً} أَيْ: لا تهتمَّ لشأنه فإني أكفيك أمره أَي: الوليد بن المغيرة يقول: خلقته وحيداً لا ولد له ولا مال(1/1149)
وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12)
{وجعلت له مالاً ممدوداً} دائماً لا ينقطع عنه من الزَّرع والضَّرع والتّجارة(1/1149)
وَبَنِينَ شُهُودًا (13)
{وبنين شهوداً} حضوراً معه بمكَّة وكانوا عشرةً(1/1149)
وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14)
{ومهدت له تمهيداً} بسطت له في العيش والمال بسطاً(1/1149)
ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15)
{ثم يطمع أن أزيد} يرجو أن أزيده مالاً وولداً(1/1149)
كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16)
{كلا} قطعٌ لرجائه {إنَّه كان لآياتنا عنيداً} للقرآنِ معانداُ غير مطيعٍ(1/1149)
سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17)
{سأرهقه صعوداً} سأغشيه مشقَّةً من العذاب(1/1149)
إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)
{إنَّه فكر وقدَّر} وذلك أنَّ قريشاً سألته ما تقول في محمَّد؟ فتفكَّر في نفسه وقدَّر القول في محمد عليه السلام والقرآن ماذا يمكنه أن يقول فيهما(1/1149)
فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)
{فقتل} لُعن وعُذِّب {كيف قدَّر} ؟ استفهامٌ على طريق التعجب(1/1149)
ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20)
{ثم قتل كيف قدر}(1/1149)
ثُمَّ نَظَرَ (21)
{ثم نظر} {ثم عبس وبسر} كلح وجهه(1/1149)
ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22)
{ثم عبس وبسر}(1/1150)
ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23)
{ثمَّ أدبر واستكبر} عن الإِيمان(1/1150)
فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24)
{فقال إن هذا} ما هذا الذي يقرؤه محمد {إلاَّ سحرٌ يؤثر} يُروى عن السَّحرة(1/1150)
إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)
{إن هذا إلاَّ قول البشر} كما قالوا: {إنَّما يُعلِّمه بشرٌ} قال الله تعالى(1/1150)
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)
{سأصليه سقر} سأُدخله جهنَّم ثمَّ أعلم عظم شأن سقر من العذاب فقال:(1/1150)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27)
{وما أدراك ما سقر} ما أعلمك أيُّ شيءٍ سقر!(1/1150)
لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28)
{لا تبقي ولا تذر}(1/1150)
لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29)
{لواحة للبشر} محرّقةٌ للجلد حتى تُسوِّده(1/1150)
عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)
{عليها تسعة عشر} من الخزنة الواحد منهم يدفع بالدُّفعة الواحدة في جهنَّم أكثر من ربيعة ومضر فلمَّا نزلت هذه الآية قال بعض المشركين: أنا أكفيكم منهم سبعة عشر فاكفوني اثنين فأنزل الله:(1/1150)
وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)
{وما جعلنا أصحاب النار إلاَّ ملائكة} لا رجالاً فمن ذا يغلب الملائكة؟ {وما جعلنا عدتهم} عددهم في القلَّة {إلاَّ فتنة للذين كفروا} لأنَّهم قالوا: ما أعون محمَّدٍ إلاَّ تسعة عشر {ليستيقن الذين أوتوا الكتاب} ليعلموا أنَّ ما أتى به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم موافقٌ لما في كتبهم {ويزداد الذين آمنوا} لأنَّهم يُصدِّقون بما أتى به الرَّسول عليه السَّلام وبعدد خزنة النَّار {ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون} أَيْ: لا يشكُّون في أنَّ عددهم على ما أخبر به محمد عليه السَّلام {وليقول الذين في قلوبهم مرض} شكٌّ {والكافرون: ماذا أراد الله بهذا مثلاً} أيُّ شيءٍ أراد الله بهذا العدد وتخصيصه؟ {كذلك} كما أضلَّهم الله بتكذيبهم {يضلُّ الله مَنْ يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلاَّ هو} هذا جوابٌ لقولهم: ما أعوانه إلاَّ تسعة عشر {وما هي} أي: النَّار {إلاَّ ذكرى للبشر} أَيْ: إنَّها تُذكِّرهم في الدُّنيا النّار في الآخرة(1/1150)
كَلَّا وَالْقَمَرِ (32)
{كلا} ليس الأمر على ما ذكروا من التَّكذيب له {والقمرِ} قسمٌ(1/1151)
وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33)
{والليل إذ أدبر} جاء بعد النَّهار(1/1151)
وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34)
{والصبح إذا أسفر} أضاء(1/1151)
إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)
{إنها لإِحدى الكبر} إنَّ سقر لإِِحدى الأمور العظام(1/1151)
نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36)
{نذيراً} إنذاراً {للبشر}(1/1151)
لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)
{لمن شاء منكم أن يتقدَّم} فيما أُمِرَ به {أو يتأخر} عنه فقد أُنذرتم(1/1151)
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)
{كل نفس بما كسبت رهينةٌ} مأخوذةٌ بعملها(1/1151)
إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39)
{إلاَّ أصحاب اليمين} يعني: أهل الجنَّة فهم لا يزتهنون بذنوبهم ولكن الله يغفر لهم وقيل: أصحاب اليمين ها هنا أطفال المسلمين وقوله:(1/1151)
فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40)
{في جنات يتساءلون}(1/1151)
عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41)
{عن المجرمين}(1/1151)
مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42)
{ما سلككم في سقر} أَيْ: ما أدخلكم جهنَّم؟(1/1151)
قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43)
{قالوا لم نك من المصلين}(1/1151)
وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)
{ولم نك نطعم المسكين}(1/1151)
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45)
{وكنا نخوض مع الخائضين} ندخل الباطل مع مَنْ دخله(1/1151)
وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)
{وكنا نكذب بيوم الدين} بيوم الجزاء(1/1152)
حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47)
{حتى أتانا اليقين} الموت(1/1152)
فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)
{فما تنفعهم شفاعة الشافعين}(1/1152)
فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49)
{فما لهم عن التذكرة معرضين} ما لهم يُعرضون عن تذكيرك إيَّاهم(1/1152)
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50)
{كأنهم حمر مستنفرة}(1/1152)
فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)
{فرَّت من قسورة} أي: الأسد وقيل: الرُّماة الصَّيَّادون(1/1152)
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52)
{بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صحفا منشرة} وذلك أنهم قالوا: إن سرَّك أن نتَّبعك فأت كلَّ واحدٍ منا بكتابٍ من ربِّ العالمين نؤمر فيه بابتاعك كما قالوا: {لن نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ} الآية(1/1152)
كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53)
{كلا} ردٌّ لما قالوا {بل لا يخافون الآخرة} حيث يقترحون أن يُؤتوا صحفاً منشرة(1/1152)
كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54)
{كلا إنه تذكرة} إنَّ القرآن تذكيرٌ للخلق وليس بسحرٍ(1/1152)
فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55)
{فمن شاء ذكره}(1/1152)
وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)
{وما يذكرون إلاَّ أن يشاء الله هو أهل التقوى} أهلٌ أن يُتَّقى عقابه {وأهل المغفرة} أهلٌ أنْ يعمل بما يُؤدِّي إلى مغفرته(1/1152)
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)
{لا أقسم} لا صلةٌ معناه: أقسم وقيل: لا ردٌّ لإِنكار المشركين البعث ثمّ قال: أقسم {بيوم القيامة}(1/1153)
وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)
{ولا أقسم بالنفس اللوامة} وهي نفس ابن آدم تلومه يوم القيامة إنْ كان عمل شرَّاً لِمَ عمله وإنْ كان عمل خيراً لأمته على ترك الاستكثار منه وجواب هذا القسم مضمرٌ على تقدير: إنَّكم مبعوثون ودلَّ عليه ما بعده من الكلام وهو قوله:(1/1153)
أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3)
{أيحسب الإِنسان} أي: الكافر {ألن نجمع عظامه} للبعث والإِحياء بعد التَّفرقة والبلى!(1/1153)
بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)
{بلى قادرين} بلى نقدر على جمعها و {على أن نسوي بنانه} نجعله كخف البعير فلا يمكن أن يعمل بها شيئاً وقيل: نسوي بنائه على ما كانت وإنْ دقَّت عظامها وصغرت(1/1153)
بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5)
{بل يريد الإِنسان ليفجر أمامه} يُؤخِّر التَّوبة ويمضي في معاصي الله تعالى قُدُماً قُدُماً فيقدّم الأعمال السَّيِّئة وقيل: معناه ليكفر بما قدَّامه يدلُّ على هذا قوله:(1/1153)
يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6)
{يسأل أيان} متى {يوم القيامة} تكذيباً به واستبعاداً لوقوعه(1/1154)
فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7)
{فإذا برق البصر} فزع وتحيَّر(1/1154)
وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)
{وخسف القمر} أظلم وذهب ضوءه(1/1154)
وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)
{وجمع الشمس والقمر} أَيْ: جُمعا في ذهاب نورهما(1/1154)
يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)
{يقول الإنسان يومئذٍ أين المفر} أَي: الفرار؟(1/1154)
كَلَّا لَا وَزَرَ (11)
{كلا} لا مفرَّ ذلك اليوم و {لا وزر} ولا ملجأ ولا حِرز(1/1154)
إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)
{إلى ربك يومئذٍ المستقر} المنتهى والمصير(1/1154)
يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)
{ينبأ الإِنسان} يُخبر {بما قدَّم وأخر} بأوَّل عمله وآخره(1/1154)
بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)
{بل الإِنسان على نفسه بصيرة} أَيْ: شاهدٌ عليها بعملها يشهد عليه جوارحه وأُدخلت الهاء في البصيرة للمبالغة وقيل: لأنَّه أراد بالإِنسان الجوارح(1/1154)
وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)
{ولو ألقى معاذيره} ولو اعتذر وجادل فعليه من نفسه من يُكذِّب عذره وقيل: معناه: ولو أرخى السُّتور وأغلق الأبواب والمِعذار: الستر بلغة اليمن(1/1154)
لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)
{لا تحرّك به} بالوحي {لسانك لتعجل به} كان جبريل عليه السَّلام إذا نزل بالقرآن تلاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم قبل فراغ جبريل كراهيةَ أن ينفلت منه فأعلم الله تعالى أنه لا ينسبه إيَّاه وأنَّه يجمعه في قلبه فقال:(1/1154)
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)
{إنَّ علينا جمعه وقرآنه} قراءته عليك حتى تعيه(1/1155)
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)
{فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} أَي: لا تعجل بالتِّلاوة إلى أن يقرأ عليك(1/1155)
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)
{ثم إنَّ علينا بيانه} أَيْ: علينا أن ننزِّله قرآناً فيه بيانٌ للنَّاس(1/1155)
كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20)
{كلا} زجرٌ وتنبيهٌ {بل تحبون العاجلة}(1/1155)
وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21)
{وتذرون الآخرة} أي: تختارون الدُّنيا على العقبى(1/1155)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22)
{وجوهٌ يومئذٍ} يوم القيامة {ناضرة} مُضِيئةٌ حسنةٌ(1/1155)
إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)
{إلى ربها ناظرة} تنظر إلى خالقها عياناً(1/1155)
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24)
{ووجوه يومئذ باسرة} كالحةٌ(1/1155)
تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)
{تظن} توقن {أن يفعل بها فاقرة} داهيةٌ عظيمةٌ من العذاب(1/1155)
كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26)
{كلا إذا بلغت التراقي} يعني: النَّفس بلغت عظام الحلق(1/1155)
وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27)
{وقيل من راق} قال مَنْ حضر ذلك الذي قارب الموت: هل من طبيبٍ يداويه وراقٍ يرقيه فيشفى برقيته؟(1/1155)
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28)
{وظن} أيقن الذي نزل به الموت {أنَّه الفراق} من الدُّنيا والأهل والمال(1/1155)
وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29)
{والتفت الساق بالساق} التفَّت ساقاه لشدَّة النَّزع وقيل: تتابعت عليه الشَّدائد(1/1155)
إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)
{إلى ربك يومئذ المساق} المنتهى والمرجع بسوق الملائكة الرُّوح إلى حيث أمر الله سبحانه(1/1156)
فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31)
{فلا صدَّق ولا صلى} يعني: أبا جهلٍ لعنه الله(1/1156)
وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32)
{ولكن كذب وتولى} عن الإِيمان(1/1156)
ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33)
{ثمَّ ذهب إلى أهله يتمطى} يتبختر(1/1156)
أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34)
{أولى لك فأولى} {ثم أولى لك فأولى} هذا تهديدٌ ووعيدٌ له والمعنى: وليك المكروه يا أبا جهل أي: لومك المكروه(1/1156)
ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35)
{ثم أولى لك فأولى}(1/1156)
أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)
{أيحسب الإنسان أن يترك سدى} مُهملاً غير مأمورٍ ولا منهيٍّ(1/1156)
أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37)
{ألم يك نطفة من مني يمنى} يصبُّ في الرَّحم(1/1156)
ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38)
{ثمَّ كان علقة فخلق فسوى} فخلقه الله فسوَّى خلقه حتى صار إنساناً بعد أن كان علقةً(1/1156)
فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39)
{فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى} فخلق من الإِنسان صنفين الرَّجل والمرأة(1/1156)
أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)
{أليس ذلك} الذي فعل هذا {بقادر على أن يحيي الموتى} ؟ بلى وهو على كل شيء قدير(1/1156)
هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)
{هل أتى على الإنسان} قد أتى على آدم {حين من الدَّهر} أربعون سنةً {لم يكن شيئاً مذكوراً} لأنَّه كان جسداً مُصوَّراً من طينٍ لا يُذكر ولا يُعرف ويجوز أن يريد جميع النَّاس لأنَّ كلَّ أحدٍ يكون عدماً إلى أَنْ يصير شيئاً مذكوراً(1/1257)
إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)
{إنا خلقنا الإِنسان} يعني: ابن آدم {من نطفة أمشاج} أخلاطٍ يعني: ماء الرَّجل وماء المرأة واختلاف ألوانهما {نبتليه فجعلناه سميعاً بصيرا} أي: خلقناه كلذلك لنختبره بالتَّكليف والأمر والنَّهي(1/1157)
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)
{إنَّا هديناه السبيل} بيَّنا له الطَّريق {إمَّا شاكراً وإمَّا كفوراً} إنْ شكر أو كفر يعني: أعذرنا إليه في بيان الطَّريق يبعث الرَّسول آمن أو كفر(1/1157)
إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4)
{إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا}(1/1157)
إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5)
{إنَّ الأبرار} المُطيعين لربِّهم {يشربون من كأس} إناءٍ فيه شرابٌ {كان مزاجها كافوراً} يُمزج لهم بالكافور(1/1157)
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)
{عيناً} من عينٍ {يشرب بها} بتلك العين {عباد الله يفجرونها تفجيراً} يقودونها حيث شاؤوا من منازلهم(1/1158)
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)
{يوفون بالنذر} إذا نذروا في طاعة الله وفوا به {ويخافون يوماً كان شرُّه مستطيراً} منتشراً فاشياً(1/1158)
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)
{ويطعمون الطعام على حبّه} على قلَّته وحبِّهم إيَّاه {مسكيناً} فقيراً {ويتيماً} لا أب له {وأسيراً} أي: المملوك والمحبوس في حقٍّ من المسلمين ويقولون لهم:(1/1158)
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)
{إنما نطعمكم لوجه الله} لطلب ثواب الله {لا نريد منكم} بما نُطعمكم {جزاء} مكافأة منكم {ولا شكوراً} شكراً(1/1158)
إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)
{إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً} كريه المنظر لشدَّته {قمطريراً} صعباً شديداً طويل الشَّر(1/1158)
فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11)
{فوقاهم الله شرَّ ذلك اليوم} الذي يخافون {ولقَّاهم نضرة} ضياءً في وجوههم {وسروراً} في قلوبهم(1/1158)
وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)
{وجزاهم بما صبروا} على طاعة الله وعن معصيته {جنة وحريراً}(1/1158)
مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13)
{متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً} حرَّاً ولا برداً صيفاً ولا شتاءً(1/1158)
وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)
{ودانية عليهم ظلالُها} أَيْ: قريبة منهم ضلال أشجارها {وذللت قطوفها تذليلاً} أُدنيت منهم ثمارها فهم ينالونها قعوداً كانوا أو قياماً(1/1159)
وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15)
{ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا} أَيْ: لها بياض الفضَّة وصفاء القوارير وهو قوله:(1/1159)
قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16)
{قوارير من فضة قدروها تقديراً} أي: جُعلت الأكواب على قدر رِيِّهِمْ وهو ألد الشَّراب(1/1159)
وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17)
{ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلاً} والزَّنجبيل: شيءٌ تستلذُّه العرب فوعدهم الله ذلك في الجنَّة(1/1159)
عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18)
{عيناً} من عينٍ {فيها} في الجنَّة {تسمى} تلك العين {سلسبيلاً}(1/1159)
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19)
{ويطوف عليهم ولدان} أي: غلمانٌ {مخلَّدون} لا يشيبون {إذا رأيتهم حسبتهم} في بياضهم وصفاء ألوانهم {لؤلؤاً منثوراً}(1/1159)
وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20)
{وإذا رأيت ثمَّ} إذا رميت ببصرك في الجنَّة {رأيت نعيماً وملكاً كبيراً} وهو أنَّ أدناهم منزلاً ينظر في ملكه في مسيرة ألف عامٍ(1/1159)
عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21)
{عاليهم} فوقهم {ثياب سندس} أي: الحرير وقوله: {شراباً طهوراً} طاهراً من الأقذاء والأقذار وليس بنجس كخمر الدنيا وقوله:(1/1159)
إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)
{إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا}(1/1159)
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23)
{إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا}(1/1159)
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24)
{ولا تطع منهم آثماً} يعني: عتبة بن ربيعة {أو كفوراً} يعني: الوليد بن المغيرة وذلك أنَّهما ضمنا للنبي صلى الله عليه وسلم المال والتَّزويج إِنْ ترك دعوتهم إلى الإسلام(1/1159)
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25)
{واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا}(1/1160)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26)
{ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا}(1/1160)
إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27)
{إنَّ هؤلاء يحبُّون العاجلة} يعني: الدُّنيا {ويذرون وراءهم يوماً ثقيلاً} ويتركون العمل ليومٍ شديدٍ أمامهم وهو يوم القيامة(1/1160)
نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28)
{نحن خلقناهم وشددنا أسرهم} خلقهم وخلق مفاصلهم(1/1160)
إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29)
{إنَّ هذه} السُّورة {تذكرة} تذكيرٌ للخلق {فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً} وسيلةً بالطَّاعة(1/1160)
وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30)
{وما تشاؤون إلاَّ أن يشاء الله} أَيْ: لستم تشاؤون شيئاً إلاَّ بمشيئة الله تعالى لأنَّ الأمر إليه(1/1160)
يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)
{يدخل من يشاء في رحمته} جنَّته وهم المؤمنون {والظالمين} الكافرين الذين عبدوا غيره {أعدَّ لهم عذاباً أليماً}(1/1160)
وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1)
{والمرسلات عرفاً} أي: الرِّياح التي أُرسلت مُتتابعةً كعُرْف الفرس(1/1161)
فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2)
{فالعاصفات عصفاً} أي: الرِّياح الشَّديدة الهبوب(1/1161)
وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3)
{والناشرات نشراً} الرِّياح التي تأتي بالمطر(1/1161)
فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4)
{فالفارقات فرقاً} يعني: آي القرآن فرَّقت بين الحلال والحرام(1/1161)
فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5)
{فالملقيات ذكراً} أي: الملائكة التي تنزل بالوحي(1/1161)
عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6)
{عذراً أو نذراً} للإِعذار والإِنذار من الله تعالى(1/1161)
إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7)
{إنما توعدون} من البعث والثَّواب العقاب {لواقع}(1/1161)
فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8)
{فإذا النجوم طمست} مُحي نورها(1/1161)
وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9)
{وإذا السماء فُرِجَتْ} شُقَّت(1/1161)
وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10)
{وإذا الجبال نسفت} قُلعت من أماكنها فأُذهبت بسرعةٍ(1/1162)
وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11)
{وإذا الرسل أقتت} جُمعت لوقتٍ وهو يوم القيامة(1/1162)
لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12)
{لأي يوم أجلت} أخرجت وأُمهلت(1/1162)
لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13)
{ليوم الفصل} القضاء بين النَّاس(1/1162)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14)
{وما أدراك ما يوم الفصل} على التَّعظيم لذلك اليوم {ويلٌ يومئذٍ للمكذبين}(1/1162)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15)
{ويلٌ يومئذٍ للمكذبين}(1/1162)
أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16)
{ألم نهلك الأولين} من الأمم المكذِّبة(1/1162)
ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17)
{ثم نتبعهم الآخرين} ممَّن سلكوا سبيلهم في الكفر والتَّكذيب(1/1162)
كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18)
{كذلك} مثل الذي فعلنا بهم {نفعل بالمجرمين} بالمُكذِّبين من قومك(1/1162)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19)
{ويلٌ يومئذٍ للمكذبين}(1/1162)
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20)
{ألم نخلقكم من ماء مهين} أي: النُّطفة(1/1162)
فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21)
{فجعلناه في قرار مكين} أي: الرَّحم(1/1162)
إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22)
{إلى قدر معلوم} وهو وقت الولادة(1/1162)
فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23)
{فقدرنا} أَيْ: قدَّرنا وقت الولادة {فنعم القادرون} فنعم المُقدِّرون نحن وقُرئت بالتَّشديد والتَّخفيف لغتان بمعنى واحدٍ(1/1162)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24)
{ويلٌ يومئذٍ للمكذبين}(1/1162)
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25)
{ألم نجعل الأرض كفاتاً} وعاءً وقيل: ذات كفات أَيْ: ضمٍّ وجمعٍ تَكْفِتُ الخلق أحياءً على ظهرها وأمواتاً في بطنها(1/1163)
أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26)
{أحياء وأمواتا}(1/1163)
وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27)
{وجعلنا فيها رواسي} جبالاً ثوابت {شامخات} مرتفعاتٍ {وأسقيناكم ماء فراتا} عذابا(1/1163)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28)
{ويل يومئذ للمكذبين} ويُقال لهم ذلك اليوم(1/1163)
انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29)
{انطلقوا} اذهبوا {إلى ما كنتم به تكذبون} في الدنُّيا(1/1163)
انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30)
{انطلقوا إلى ظل} إلى دُخان جهنَّم {ذي ثلاث شعب} إذا ارتفع انْشَعَبَ ثلاث شُعَبٍ فيقف على رؤوس الكافرين(1/1163)
لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31)
{لا ظليل} بارد {ولا يغني من اللهب} ولا يدفع من لهب النَّار شيئاً(1/1163)
إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32)
{إنها ترمي بشرر} وهو ما يتطاير من النَّار {كالقصر} من البناء في العظم(1/1163)
كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33)
{كأنه جمالة} جمع جمالٍ {صفر} سود(1/1163)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34)
{ويل يومئذ للمكذبين}(1/1163)
هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35)
{هذا يوم لا ينطقون}(1/1163)
وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36)
{ولا يؤذن لهم فيعتذرون} يعني: في بعض ساعات ذلك اليوم يُؤمرون بالسُّكوت(1/1163)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37)
{ويل يومئذ للمكذبين}(1/1164)
هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38)
{هذا يوم الفصل} بين أهل الجنَّة والنَّار {جمعناكم والأولين}(1/1164)
فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39)
{فإن كان لكم كيدٌ فكيدون} إنْ كان عندكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم(1/1164)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40)
{ويل يومئذ للمكذبين}(1/1164)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41)
{إن المتقين في ظلال وعيون}(1/1164)
وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42)
{وفواكه مما يشتهون}(1/1164)
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)
{كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون}(1/1164)
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)
{إنا كذلك نجزي المحسنين}(1/1164)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45)
{ويل يومئذ للمكذبين}(1/1164)
كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46)
{كلوا وتمتعوا} في الدُّنيا {قليلاً إنكم مجرمون} مشركون(1/1164)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47)
{ويل يومئذ للمكذبين}(1/1164)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48)
{وإذا قيل لهم اركعوا} صلُّوا {لا يركعون} لا يصلون(1/1164)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49)
{ويل يومئذ للمكذبين}(1/1164)
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)
{فبأيّ حديث بعده} بعد القرآن الذين آتاهم فيه البيان {يؤمنون} إذا لم يؤمنوا به(1/1164)
عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1)
{عمَّ يتساءلون} عمَّا يتساءلون والمعنى: عن أيِّ شيءٍ يتساءلون يعني: قريشاً وهذا لفظ استفهامٍ معناه تفخيم القصَّة وذلك أنَّهم اختلفوا واختصموا فيما أتاهم به الرسول صلى الله عليه وسلم فمن مصدِّق ومكذِّبٍ ثمَّ بيَّن فقال:(1/1165)
عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)
{عن النبأ العظيم} يعني: البعث(1/1165)
الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)
{الذي هم فيه مختلفون} لا يُصدِّقون به(1/1165)
كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4)
{كلا} ليس الأمر على ما ذكروا من إنكارهم البعث {سيعلمون} حقيقة وقوعه(1/1165)
ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5)
{ثم كلا سيعلمون} تأكيدٌ وتحقيقٌ ثمَّ دلَّهم على قدرته على البعث فقال:(1/1165)
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6)
{ألم نجعل الأرض مهاداً} أَيْ: فرشناها لكم حتى سكنتموها(1/1165)
وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)
{والجبال أوتادا}(1/1165)
وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8)
{وخلقناكم أزواجاً} ذكوراً وإناثاً(1/1165)
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9)
{وجعلنا نومكم سباتاً} راحةً لأبدانكم(1/1166)
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10)
{وجعلنا الليل لباساً} يلبس كلَّ شيءٍ بسواده(1/1166)
وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)
{وجعلنا النهار معاشاً} سبباً للمعاش(1/1166)
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12)
{وبنينا فوقكم سبعاً شداداً} سبع سماوات شدادٍ محكمةٍ(1/1166)
وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13)
{وجعلنا سراجاً} أي: الشَّمس {وهَّاجاً} وقَّاداً حارَّاً(1/1166)
وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14)
{وأنزلنا من المعصرات} السَّحاب {ماء ثجاجاً} صبَّاباً(1/1166)
لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15)
{لنخرج به حبَّاً} ممَّا يأكله النَّاس {ونباتاً} ممَّا ترعاه النَّعم(1/1166)
وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16)
{وجنات ألفافاً} مُلتفَّةً مُجتمعةً(1/1166)
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17)
{إنَّ يوم الفصل كان ميقاتاً} لما وعده الله من الجزاء والثَّواب(1/1166)
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18)
{يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً} زُمراً وجماعاتٍ(1/1166)
وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19)
{وفتحت السماء} شُقِّقت {فكانت أبواباً} حتى يصير فيها أبواب(1/1166)
وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20)
{وسيِّرت الجبال} عن وجه الأرض {فكانت سراباً} في خفَّة سيرها(1/1166)
إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21)
{إنَّ جهنم كانت مرصاداً} ترصد أهل الكفر فر يجاوزونها(1/1166)
لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22)
{للطاغين} للكافرين {مآباً} مرجعاً(1/1166)
لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)
{لابثين} ماكثين {فيها أحقاباً} جمع حقب وهو ثمانون سنة كلُّ سنةٍ ثلثمائة وستون يوماً كلُّ يومٍ كألف سنةٍ من أيَّام الدُّنيا فإذا مضى حقبٌ عاد حقبٌ إلى ما لا يتناهى(1/1166)
لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24)
{لا يذوقون فيها برداً} نوماً وراحةً {ولا شراباً}(1/1167)
إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25)
{إلاَّ حميماً} ماءً حارَّاً من حميم جهنَّم {وغسَّاقاً} وهو ما سال من جلود أهل النَّار(1/1167)
جَزَاءً وِفَاقًا (26)
{جزاءً وفاقاً} أَيْ: جُوزوا وفق أعمالهم فلا ذنب أعظم من الشِّرك ولا عذاب أعظم من النارز(1/1167)
إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27)
{إنهم كانوا لا يرجون حساباً} لا يخافون أن يحاسبهم الله(1/1167)
وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28)
{وكذبوا بآياتنا كذاباً} تكذيباً(1/1167)
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29)
{وكلَّ شيء} من أعمالهم {أحصيناه} كتبناه {كتاباً} لنحاسبهم عليه(1/1167)
فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)
{فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا}(1/1167)
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31)
{إنَّ للمتقين مفازاً} فوزاً بالجنَّة ونجاةً من النَّار(1/1167)
حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32)
{وكواعب} جوازي قد تكعَّبت ثُدُيّهن {أتراباً} مستويات في السن(1/1167)
وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33)
{حدائق وأعنابا}(1/1167)
وَكَأْسًا دِهَاقًا (34)
{وكأسا دهاقا} ممتلئة(1/1167)
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35)
{لا يسمعون فيها لغواً ولا كذابا}(1/1167)
جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36)
{عطاءً حساباً} كثيراً كافياً وقوله:(1/1167)
رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37)
{لا يملكون منه خطاباً} أي: لا يملكون أن يخاطبوه إلاَّ بإذنه كقوله تعالى: {لا تكلَّمُ نفسٌ إلاَّ بإذنه} وقد فُسِّر هذا فيما قبل وقوله:(1/1167)
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38)
{يوم يقوم الروح} قيل: هو جبريل عليه السَّلام وقيل: هو مَلَكٌ يقوم صفاً وقيل: الرُّوح جندٌ من جنود الله ليسوا من الملائكة ولا من النَّاس يقومون {والملائكة صفاً} صفوفاً {لا يتكلمون إلاَّ من أذن له الرحمن وقال صواباً} حقاً في الدُّنيا يعني: لا إله إلاَّ الله(1/1168)
ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39)
{ذلك اليوم الحقُّ فمن شاء اتخذ إلى ربه مآباً} مرجعاً إلى طاعته(1/1168)
إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40)
{إنا أنذرناكم عذاباً قريباَ} يعني: يوم القيامة {يوم ينظر المرء ما قدَّمت يداه} ما عمل من خيرٍ وشرٍّ {ويقول الكافر} في ذلك اليوم: {يا ليتني كنت ترابا} وذلك حين يقول الله تعالى للبهائم والوحش: كوني تراباً فيتمنَّى الكافر أن لو كان تراباً فلا يُعذَّب(1/1168)
وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1)
{والنازعات} أي: الملائكة التي تنزع أرواح الكفَّار {غرقاً} إغراقاً كما يُغرق النَّازع في القوس يعني: المبالغة في النَّزع(1/1169)
وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2)
{والناشطات نشطاً} يعني: الملائكة تقبض نفس المؤمن كما ينشط العقال من يد البعير أَيْ: يُفتح(1/1169)
وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3)
{والسابحات سبحاً} أي: النُّجوم تسبح في الفلك(1/1169)
فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4)
{فالسابقات سبقاً} أرواح المؤمنين تسبق إلى الملائكة شوقاً إلى لقاء الله عزَّ وجل وقيل: النُّجوم يسبق بعضها بعضاً في السَّير(1/1169)
فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)
{فالمدبرات أمراً} يعني: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام يُدبِّر أمر الدُّنيا هؤلاء الأربعة من الملائكة وجواب هذه الأقسام مضمرٌ على تقدير: لَتُبعَثُنَّ(1/1169)
يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6)
{يوم ترجف الراجفة} تضطرب الأرض وتتحرَّك حركةً شديدةً(1/1169)
تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7)
{تتبعها الرادفة} يعني: نفخة البعث تأتي بعد الزَّلزلة(1/1170)
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8)
{قلوب يومئذٍ واجفة} قلقةٌ زائلةٌ عن أماكنها(1/1170)
أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)
{أبصارها خاشعة} ذليلةٌ(1/1170)
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10)
{يقولون} يعني: منكري البعث: {أإنا لمردودون في الحافرة} أَيْ: إلى أوَّل الأمر من الحياة بعد الموت وهو قوله:(1/1170)
أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11)
{أإذا كنا عظاماً نخرة} أَيْ: باليةً(1/1170)
قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12)
{قالوا تلك إذاً كرَّة خاسرة} رجعةٌ يُخسر فيها فأعلم الله تعالى سهولة البعث عليه فقال:(1/1170)
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13)
{فإنما هي زجرة واحدة} أي: صيحةٌ ونفخةٌ(1/1170)
فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)
{فإذا هم بالساهرة} يعني: وجه الأرض بعد ما كانوا في باطنها(1/1170)
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15)
{هل أتاك} يا محمَّد {حديث موسى}(1/1170)
إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16)
{إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى} طوى اسم ذلك الوادي(1/1170)
اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17)
{اذهب إلى فرعون إنه طغى} جاوز الحدَّ في الكفر(1/1170)
فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18)
{فقل هل لك إلى أن تزكى} أترغب في أن تتطهَّر من كفرك بالإيمان(1/1170)
وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19)
{وأهديك إلى ربك فتخشى}(1/1170)
فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20)
{فأراه الآية الكبرى} اليد البيضاء(1/1170)
فَكَذَّبَ وَعَصَى (21)
{فكذَّب} فرعون موسى {وعصى} أمره(1/1170)
ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22)
{ثم أدبر} أعرض عنه {يسعى} في الأرض يعمل فيها بالفساد(1/1171)
فَحَشَرَ فَنَادَى (23)
{فحشر} فجمع السَّحرة وقومه {فنادى}(1/1171)
فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)
{فقال أنا ربكم الأعلى} ليس ربٌّ فوقي(1/1171)
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25)
{فأخذه الله نكال الآخرة والأولى} أَيْ: نكَّل الله به في الآخرة بالعذاب في النَّار وفي الدُّنيا بالغرق(1/1171)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)
{إنَّ في ذلك لعبرة لمن يخشى}(1/1171)
أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27)
{أأنتم} أيُّها المنكرون للبعث {أشدُّ خلقاً أم السماء بناها}(1/1171)
رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28)
{رفع سمكها} سقفها {فسوَّاها} بلا شقوقٍ ولا فطورٍ(1/1171)
وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29)
{وأغطش} أَظلم {ليلها وأخرج ضحاها} أظهر نورها بالشَّمس(1/1171)
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30)
{والأرض بعد ذلك دحاها} بسطها وكانت مخلوقةً غير مدحوَّةٍ(1/1171)
أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31)
{أخرج منها ماءها ومرعاها} ما ترعاه النَّعم من الشَّجر والعشب(1/1171)
وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32)
{والجبال أرساها} {متاعاً} منفعةً {لكم ولأنعامكم}(1/1171)
مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)
{متاعا لكم ولأنعامكم}(1/1171)
فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34)
{فإذا جاءت الطامة الكبرى} يعني: صيحة القيامة(1/1171)
يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35)
{يوم يتذكر الإنسان ما سعى}(1/1171)
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36)
{وبرزت الجحيم لمن يرى}(1/1171)
فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37)
{فأما من طغى}(1/1171)
وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38)
{وآثر الحياة الدنيا}(1/1171)
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)
{فإن الجحيم هي المأوى}(1/1171)
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)
{وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى}(1/1171)
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)
{فإن الجنة هي المأوى}(1/1171)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42)
{يسألونك عن الساعة} يعني: القيامة {أيَّان مرساها} متى وقوعها وثبوتها؟ قال الله تعالى(1/1171)
فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43)
{فيم أنت} يا محمد {من ذكراها} أي: ليس عندك علمها(1/1172)
إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44)
{إلى ربك منتهاها} منتهى علمها(1/1172)
إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45)
{إنما أنت منذر مَنْ يخشاها} إنَّما ينفع إنذارك من يخشاها(1/1172)
كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)
{كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا} في قبورهم {إلاَّ عَشِيَّةً أو ضحاها} أَيْ: نهارها استقصروا مدَّة لبثهم في القبور لما عاينوا من الهول(1/1172)
عَبَسَ وَتَوَلَّى (1)
{عبس} كلح {وتولَّى} أعرض(1/1173)
أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2)
{أن} لأَنْ {جاءه الأعمى} وهو عبد الله بن أمِّ مكتوم أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يدعو أشراف قريش إلى الإِسلام فجعل يُناديه ويكرِّر النِّداء ولا يدري أنَّه مشتغلٌ حتى ظهرت الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعبس وأعرض عنه وأقبل على القوم الذين يكلمهم فأنزل الله تعالى هذه الآيات(1/1173)
وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3)
{ومَا يدريك لعله} لعلَّ الأعمى {يزكَّى} يتطهَّر من ذنوبه بالإِسلام وذلك أنَّه أتاه يطلب الإِسلام ويقول له: علِّمني ممَّا علمك الله(1/1173)
أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)
{أو يَذكَّر} يتَّعظ {فتنفعه الذكرى} الموعظة ثمَّ عاتبه عز وجل فقال:(1/1173)
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5)
{أمَّا من استغنى} أثرى من المال(1/1173)
فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6)
{فأنت له تصدَّى} تُقبِلُ عليه وتتعرَّض له(1/1174)
وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7)
{وما عليك أن لا يزكَّى} أيُّ شيء عليك في أنْ لا يُسلم لأنَّه ليس عليك إسلامه إنَّما عليك البلاغ(1/1174)
وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8)
{وأمَّا مَنْ جاءك يسعى} أي: الأعمى(1/1174)
وَهُوَ يَخْشَى (9)
{وهو يخشى} الله تعالى(1/1174)
فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)
{فأنت عنه تلهى} تتشاغل(1/1174)
كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11)
{كلا} ردع وزجر أي: لا تفعل مثل ما فعلت {إنها} إنَّ آيات القرآن {تذكرة} تذكيرٌ للخلق(1/1174)
فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12)
{فمن شاء ذكره} يعني: القرآن ثمَّ أخبر بجلالته في اللَّوح المحفوظ عنده فقال:(1/1174)
فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13)
{في صحف مكرمة}(1/1174)
مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14)
{مرفوعة} رفيعة القدر {مطهرة} لا يمسها إلى المطهرون(1/1174)
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15)
{بأيدي سفرة} كَتَبةٍ وهم الملائكة(1/1174)
كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)
{كرام بررة} جمع بارٍّ(1/1174)
قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17)
{قتل الإنسان} لُعن الكافر يعني: عُتبة بن أبي لهب {ما أكفره} ما أشدَّ كفره(1/1174)
مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18)
{من أي شيء خلقه} استفهامٌ معناه التَّقرير ثمَّ فسَّر فقال:(1/1174)
مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19)
{من نطفة خلقه فقدَّره} أطواراً من علقةٍ ومضغةٍ إلى أن خرج من بطن أُمِّه وهو قوله:(1/1174)
ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20)
{ثم السبيل يسره} أي: طريق خروجه من بطن أُمِّه(1/1175)
ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21)
{ثمَّ أماته} قبض روحه {فأقبره} جعل له قبراً يُوارى فيه ولم يجعله ممَّن يُلقى إلى السِّباع والطير(1/1175)
ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22)
{ثمَّ إذا شاء أنشره} أحياه بعد موته(1/1175)
كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23)
{كلا} حقاً {لما} لم {يقض} هذا الكافر {ما أمره} به ربُّه(1/1175)
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)
{فلينظر الإنسان إلى طعامه} كيف قدَّره ربُّه ودبَّره له(1/1175)
أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25)
{أنّا صببنا الماء صباً} أي: المطر من السَّحاب(1/1175)
ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26)
{ثم شققنا الأرض شقاً} بالنبات(1/1175)
فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27)
{فأنبتنا فيها حباً}(1/1175)
وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28)
{وعنباً وقضباً} وهو القت الرطب(1/1175)
وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29)
{وزيتونا ونخلا}(1/1175)
وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30)
{وحدائق غلباً} بساتين كثيرة الأشجار(1/1175)
وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)
{وفاكهة وأباً} أي: الكلأ الذي ترعاه الماشية(1/1175)
مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)
{متاعاً} منفعةً {لكم ولأنعامكم}(1/1175)
فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33)
{فإذا جاءت الصاخَّة} صيحة القيامة(1/1175)
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34)
{يوم يفرُّ المرء من أخيه} {وأمه وأبيه}(1/1175)
وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35)
{وأمه وأبيه}(1/1175)
وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)
{وصاحبته وبنيه} لا يلتفت إلى واحدٍ منهم لشغله بنفسه وهو قوله:(1/1175)
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)
{لكل امرئ منهم يومئذٍ شأن يغنيه} يشغله عن شأن غيره(1/1175)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38)
{وجوهٌ يومئذٍ مسفرة} مضيئةٌ(1/1176)
ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39)
{ضاحكة مستبشرة} فرحةٌ(1/1176)
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40)
{ووجوه يومئذ عليها غبرة} غبارٌ(1/1176)
تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41)
{ترهقها} تغشاها {قترة} ظلمةٌ وسوادٌ(1/1176)
أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)
{أولئك} أهل هذه الحال {هم الكفرة الفجرة}(1/1176)
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)
{إذا الشمس كورت} ذهب ضوؤها(1/1177)
وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2)
{وإذا النجوم انكدرت} تساقطت وتناثرت(1/1177)
وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3)
{وإذا الجبال سيرت} عن وجه الأرض فصارت هباءً منبثاً(1/1177)
وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4)
{وإذا العشار} يعني: النُّوق الحوامل {عطلت} سُيِّبت وأُهملت تركها أربابها ولم يكن مالٌ أعجب إليهم منها لإيتان ما يشغلهم عنها(1/1177)
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)
{وإذا الوحوش حشرت} جُمعت للقصاص(1/1177)
وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)
{وإذا البحار سجرت} أُوقدت فصارت ناراً ويقال: تقذف الكواكب فيها ثم تضطرم فتصير ناراً(1/1177)
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)
{وإذا النفوس زوجت} قُرِن كلُّ أحدٍ بمَنْ يعمل عمله فأُلحق الفاجر بالفاجر والصَّالح بالصَّالح وقيل: قُرنت الأجساد بالأرواح(1/1177)
وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8)
{وإذا الموؤدة} وهي الجارية تدفن حيَّةً {سئلت}(1/1178)
بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)
{بأيِّ ذنب قتلت} وسؤالها سؤال توبيخ لوائدها لأنها تقول: قتلت بغير ذنبٍ وهذا كقوله تعالى لعيسى عليه السلام: {أأنت قلت للنَّاسِ} الآية(1/1178)
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10)
{وإذا الصحف نشرت} كُتُب الأعمال(1/1178)
وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11)
{وإذا السماء كشطت} قُلعت كما يكشط الغطاء عن الشَّيء(1/1178)
وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12)
{وإذا الجحيم سعِّرت} أُوقدت(1/1178)
وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13)
{وإذا الجنة أزلفت} قرِّبت لأهلها حتى يروها(1/1178)
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)
{علمت نفس ما أحضرت} أي: إذا كانت هذه الأشياء التي تكون في القيامة علمت في ذلك الوقت كلُّ نفسٍ ما أحضرت من عملٍ(1/1178)
فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15)
{فلا أقسم} لا زائدة {بالخنس} وهي النُّجوم الخمس تخنس أَيْ: ترجع في مجراها وراءها وتكنس: تدخل في كناسها أَيْ: تغيب في المواضع التي تغيب فيها فهي الكنَّس جمع كانس(1/1178)
الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16)
{الجوار الكنس}(1/1178)
وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17)
{والليل إذا عسعس} أقبل بظلامه وقيل: أدبر(1/1178)
وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)
{والصبح إذا تنفس} امتدَّ حتى يصير نهاراً بيِّناً(1/1178)
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)
{إنه لقول رسول كريم} أي: القرآن لتنزيلُ جبريلٍ(1/1178)
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20)
{ذي قوة} من صفة جبريل {عند ذي العرش مكين} ذي مكانةٍ ومنزلةٍ(1/1178)
مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)
{مطاع ثمَّ} تطيعه الملائكة في السَّماء {أَمين} على الوحي(1/1179)
وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22)
{وما صاحبكم} محمد صلى الله عليه وسلم {بمجنون} كما زعمتم(1/1179)
وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)
{ولقد رآه} رأى جبريل عليه السَّلام في صورته {بالأفق المبين} وهو الأفق الأعلى من ناحية المشرق(1/1179)
وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)
{ما هو} يعني محمدا صلى الله عليه وسلم {على الغيب} أي: على الوحي وخبر السماء {بضنين} بمتَّهم أَيْ: هو الثِّقة بما يؤدِّيه عن الله تعالى(1/1179)
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25)
{ما هو} يعني: القرآن {بقول شيطان رجيم}(1/1179)
فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)
{فأين تذهبون} فأيَّ طريقٍ تسلكون أبينَ من هذه الطَّريقة التي قد بُيِّنت لكم؟(1/1179)
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27)
{إن هو إلاَّ ذكر} ليس القرآن إلا عظمة {للعالمين}(1/1179)
لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28)
{لمن شاء منكم أن يستقيم} يتبع الحقَّ ويعمل به ثمَّ أعلمهم أنَّهم لا يقدرون على ذلك إلاَّ بمشيئة الله تعالى فقال:(1/1179)
وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)
{وما تشاؤون إلاَّ أن يشاء الله رب العالمين}(1/1179)
إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1)
{إذا السماء انفطرت} انشقَّت(1/1180)
وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2)
{وإذا الكواكب انتثرت} تساقطت(1/1180)
وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3)
{وإذا البحار فجِّرت} فُتح بعضها في بعضٍ فصارت بحراً واحداً(1/1180)
وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4)
{وإذا القبور بعثرت} قُلب ترابها وبُعث الموتى الذين فيها(1/1180)
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)
{علمت نفسٌ ما قدَّمت} من عملٍِ أُمرت به {و} ما {أخرت} منه فلم تعلمه(1/1180)
يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)
{يا أيها الإِنسان ما غرَّك بربك الكريم} أَي: ما خدعك وسوَّل لك الباطل حتى أضعت ما أوجب عليك(1/1180)
الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7)
{الذي خلقك فسوَّاك} جعلك مستوي الخلق {فعدلك} قوَّمك وجعلك معتدل الخلق والقامة(1/1180)
فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)
{في أيِّ صورة ما شاء ركَّبك} إمَّا طويلاً وإمَّا قصيراً وإمَّا حسناً وإمَّا قبيحاً(1/1181)
كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9)
{كلا بل تكذبون بالدين} بالمجازاة بالأعمال(1/1181)
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10)
{وإنَّ عليكم لحافظين} يحفظون أعمالكم(1/1181)
كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)
{كراماً} على الله {كاتبين} يكتبون أقوالكم وأعمالكم(1/1181)
يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)
{يعلمون ما تفعلون} لا يخفى عليهم شيء من أعمالكم(1/1181)
إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13)
{إنَّ الأبرار} الصَّادقين في إيمانهم {لفي نعيم}(1/1181)
وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)
{وإنَّ الفجار} الكفَّار {لفي جحيم}(1/1181)
يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15)
{يصلونها} يقاسون حرَّها {يوم الدين}(1/1181)
وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16)
{وما هم عنها بغائبين} بمخرجين ثمَّ عظَّم شأن يوم القيامة فقال:(1/1181)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17)
{وما أدراك ما يوم الدين}(1/1181)
ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18)
{ثم ما أدراك ما يوم الدين}(1/1181)
يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)
{يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً} لا تملك أن تُنجيها من العذاب {والأمر يومئذٍ لله} وحده لم يملك أحدٌ أمراً في ذلك اليوم كما ملك في الدُّنيا(1/1181)
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)
{ويل للمطففين} يعني: الذين يبخسون حقوق النَّاس في الكيل والوزن(1/1182)
الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2)
{الذين إذا اكتالوا} أخذوا بالكيل {على الناس} من النَّاس {يستوفون} يأخذون حقوقهم تامَّة وافيةً(1/1182)
وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)
{وإذا كالوهم} كالوا لهم {أو وزنوهم} وزنوا لهم {يخسرون} ينقصون(1/1182)
أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4)
{ألا يظن أولئك} ألا يستيقن أولئك الذين يفعلون ذلك {أنهم مبعوثون}(1/1182)
لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5)
{ليوم عظيم} يعني: يوم القيامة(1/1182)
يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)
{يوم يقوم الناس} من قبورهم {لربِّ العالمين} والمعنى أنَّهم لو أيقنوا بالبعث ما فعلوا ذلك(1/1182)
كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7)
{كلا} ردع وزجر أي: ليس الأمر على ما هم عليه فليرتدعوا {إنَّ كتاب الفجار} الذي فيه أعمالهم مرقومٌ مكتوبٌ مثبتٌ عليهم في {سجين} في أسفل سبع أرضين وهو محل إبليس وجنده(1/1182)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8)
{وما أدراك ما سجين} أي: ليس ذلك ممَّا كنتَ تعلمه أنت ولا قومُك وقوله:(1/1183)
كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9)
{كتاب مرقوم} فمؤخَّرٌ معناه التَّقديم لأنَّ التَّقدير كما ذكرنا: إنَّ كتاب الفجَّار كتابٌ مرقومٌ في سجِّين وقوله:(1/1183)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10)
{ويل يومئذ للمكذبين}(1/1183)
الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11)
{الذين يكذبون بيوم الدين}(1/1183)
وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)
{وما يكذب به إلا كل معتد أثيم}(1/1183)
إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13)
{إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين}(1/1183)
كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)
{كلا بل ران على قلوبهم} أي: غلب عليها حتى غمرها وغشيها {ما كانوا يكسبون} من المعاصي وهو كالصَّدأ يغشى القلب(1/1183)
كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)
{كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} يحجبون عن الله تعالى فلا يرونه(1/1183)
ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16)
{ثم إنهم لصالوا الجحيم} لداخلوا النَّار(1/1183)
ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)
{ثمَّ يقال هذا} العذاب {الذي كنتم به تكذبون} في الدُّنيا(1/1183)
كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18)
{كلا إنَّ كتاب الأبرار لفي عليين} في السَّماء السَّابعة تحت العرش(1/1183)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19)
{وما أدراك} وما الذي أعلمك يا محمد {ما عليون} كيف هي وأيُّ شيءٍ صفتها(1/1184)
كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20)
{كتاب مرقوم} يعني: كتاب الأبرار كتابٌ مرقومٌ(1/1184)
يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21)
{يشهده المقربون} تحضره الملائكة لأنَّ عليين محلُّ الملائكة وقوله:(1/1184)
إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22)
{إن الأبرار لفي نعيم}(1/1184)
عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23)
{على الأرائك ينظرون} أَيْ: إلى ما أعطاهم الله سبحانه من النَّعيم والكرامة(1/1184)
تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24)
{تعرف في وجوههم نَضْرَةَ النعيم} أي: غضارته وبريقه(1/1184)
يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25)
{يسقون من رحيق} وهو الخمر الصَّافية {مختوم}(1/1184)
خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)
{ختامه مسك} يعني: إذا فني ما في الكأس وانقطع الشَّراب يختم ذلك الشَّراب برائحة المسك {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} فليرغب الرَّاغبون بالمبادرة إلى طاعة الله عزَّ وجل(1/1184)
وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27)
{ومزاجه} ومزاج ذلك الشَّراب {من تسنيم} وهو عينُ ماءٍ تجري في جنَّة عدنٍ وهي أعلى الجنَّات ثمَّ فسَّره فقال:(1/1184)
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)
{عيناً يشرب بها المقربون} أَيْ: يشربها المُقرَّبون(1/1184)
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29)
{إنَّ الذين أجرموا} أشركوا يعني: أبا جهلٍ وأصحابه {كانوا من الذين آمنوا} من فقراء المؤمنين {يضحكون} استهزاءً بهم(1/1184)
وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30)
{وإذا مروا بهم يتغامزون} يغمز بعضهم بعضاً ويشيرون إليهم(1/1184)
وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31)
{وإذا انقلبوا} رجعوا {إلى أهلهم} أصحابهم وذويهم {انقلبوا فكهين} مُعجبين بما هم فيه يتفكَّهون بذكر المؤمنين(1/1185)
وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32)
{وإذا رأوهم} رأوا المؤمنين {قالوا إنَّ هؤلاء لضالون}(1/1185)
وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33)
{وما أرسلوا} يعني: الكفَّار {عليهم} على المؤمنين {حافظين} لأعمالهم موكلين بأموالهم(1/1185)
فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)
{فاليوم} يعني: يوم القيامة {الذين آمنوا من الكفار يضحكون} كما ضحكوا منهم في الدُّنيا(1/1185)
عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35)
{على الأرائك ينظرون} إليهم كيف يُعذَّبون(1/1185)
هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)
{هل ثوِّب الكفار ما كانوا يفعلون} أي: هل جُوزوا بسخريتهم بالمؤمنين في الدُّنيا؟(1/1185)
إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)
{إذا السماء انشقت} تنشقُّ السَّماء يوم القيامة(1/1186)
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2)
{وأذنت لربها} سمعت أمر ربِّها بالانشقاق {وحقت} وحقَّ لها أن تطيع(1/1186)
وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3)
{وإذا الأرض مدَّت} من أطرافها فَزِيد فيها كما يمدُّ الأديم(1/1186)
وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4)
{وألقت ما فيها} ما في بطنها من الموتى والكنوز {وتخلَّت} وخَلَتْ منها(1/1186)
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5)
{وأذنت لربها وحقت}(1/1186)
يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)
{يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً} عاملٌ لربِّك عملاً {فملاقيه} فملاقٍ عملك والمعنى: إذا كان يوم القيامة لقي الإنسان عمله(1/1186)
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7)
{فأمَّا مَنْ أوتي كتابه بيمينه}(1/1186)
فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)
{فسوف يحاسب حساباً يسيراً} وهو العرض على الله عز وجل لأنَّ مَنْ نُوقش الحساب عذاب(1/1187)
وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)
{وينقلب إلى أهله} في الجنَّة {مسروراً}(1/1187)
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10)
{وأمَّا مَنْ أوتي كتابه وراء ظهره} وذلك أنَّ يديه غُلَّتا إلى عنقه فيُؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره(1/1187)
فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11)
{فسوف يدعو ثبوراً} فينادي بالهلاك على نفسه(1/1187)
وَيَصْلَى سَعِيرًا (12)
{ويصلى سعيراً} ويدخل النَّار(1/1187)
إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13)
{إنَّه كان في أهله} في الدُّنيا {مسروراً} متابعاً لهواه(1/1187)
إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14)
{إنَّه ظنَّ أن لن يحور} لن يرجع إلى ربِّه(1/1187)
بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)
{بلى} أيْ: ليس الأمر كما ظنَّ يرجع إلى ربِّه(1/1187)
فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16)
{فلا أقسم} معناه فأقسم {بالشفق} وهو الحمرة التي تُرى بعد سقوط الشَّمس وقيل: يعني: اللَّيل والنَّهار(1/1187)
وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17)
{والليل وما وسق} جمع وحمل وضمَّ وآوى من الدواب والحشرات والهرام والسباع وكلّ شيء دخل عليه اللَّيل(1/1187)
وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18)
{والقمر إذا اتسق} اجتمع واسترى(1/1188)
لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)
{لتركبنَّ طبقاً عن طبق} حالا بعد حال ومن النُّطفة وإلى العلقة وإلى الهرم والموت حتى يصيروا إلى الله تعالى وقوله:(1/1188)
فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20)
{فما لهم لا يؤمنون}(1/1188)
وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21)
{وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون}(1/1188)
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22)
{بل الذين كفروا يكذبون}(1/1188)
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23)
{والله أعلم بما يوعون} أي: يحملون في قلوبهم ويُضمرون(1/1188)
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24)
{فبشرهم} أخبرهم {بعذاب أليم} وقوله:(1/1188)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)
{غير ممنون} أي: غير منقوصٍ ولا مقطوعٍ(1/1188)
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)
{والسماء ذات البروج} يعني: بروج الكواكب وهي اثنا عشر برجاً(1/1189)
وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2)
{واليوم الموعود} يوم القيامة(1/1189)
وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3)
{وشاهد} يوم الجمعة {ومشهود} يعني: يوم عرفة(1/1189)
قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4)
{قتل} لُعن {أصحاب الأخدود} وهو الشَّقُّ يحفر في الأرض طولاً وهم قومٌ كفرةٌ كانوا يعبدون الصنم وكان قومٌ من المؤمنين بين أظهرهم يكتمون إيمانهم فاطَّلعوا على ذلك منهم فشقُّوا أخدوداً في الأرض وملؤوه ناراً وعرضوهم على النَّار فمن لم يرجع عن دينه قذفوه فيها(1/1189)
النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5)
{النار ذات الوقود} ذات الالتهاب(1/1189)
إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6)
{إذ هم عليها قعود} وذلك أنَّهم قعدوا عند تلك النَّار(1/1189)
وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7)
{وهم على ما يفعلون بالمؤمنين} من التَّعذيب والصَّدِّ عن الإِيمان {شهود} حاضرون أخبر الله تعالى عن قصَّة قومٍ بلغت بصيرتهم في إيمانهم إلى أن صبروا على أَنْ أُحرقوا بالنَّار في الله(1/1190)
وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)
{وما نقموا منهم إلاَّ أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد} أَيْ: ما أنكروا عليهم ذنباً إلاَّ إيمانهم(1/1190)
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)
{الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد}(1/1190)
إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)
{إنَّ الذين فتنوا} أَيْ: أحرقوا {المؤمنين والمؤمنات ثمَّ لم يتوبوا} لم يرجعوا عن كفرهم {فلهم عذاب جهنم} بكفرهم {ولهم عذاب الحريق} بما أحرقوا المؤمنين(1/1190)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير}(1/1190)
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)
{إنَّ بطش ربك} أخذه بالعذاب {لشديد}(1/1190)
إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13)
{إنه هو يبدئ} الخلق يخلقهم ابتداءً ثمَّ يُعيدهم عند البعث(1/1190)
وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14)
{وهو الغفور الودود} المحبُّ أولياءه(1/1190)
ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)
{ذو العرش} خالقه ومالكه {المجيد} المستحقُّ لكمال صفات العلو والمدح(1/1190)
فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16)
{فعال لما يريد}(1/1190)
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17)
{هل أتاك حديث الجنود} خبر الجموع الكافرة ثمَّ بيَّن مَنْ هم فقال:(1/1190)
فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18)
{فرعون وثمود}(1/1190)
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19)
{بل الذين كفروا} من قومك {في تكذيب} كذبٍ لك(1/1190)
وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20)
{والله من ورائهم محيط} قدرته مشتملةٌ عليهم فلا يعجزه عنهم أحدٌ(1/1191)
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21)
{بل هو قرآن مجيد} كثير الخير وليس كما زعم المشركون(1/1191)
فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)
{في لوح محفوظ} من أن يبدِّل ما فيه أو يُغيِّر(1/1191)
وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1)
{والسماء والطارق} يعني: النُّجوم كلَّها لأنَّ طلوعها باللَّيل وكلُّ ما أتى ليلاً فهو طارق فقد فسَّر الله تعالى ذلك بقوله:(1/1192)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2)
{وما أدراك ما الطارق}(1/1192)
النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3)
{النجم الثاقب} المضيء النَّيِّرُ(1/1192)
إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)
{إن كلُّ نفسٍ لما عليها} لَعَليها و {ما} صلة {حافظ} من ربِّها يحفظ عملها(1/1192)
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5)
{فَلْيَنْظُرِ الإِنسان ممَّ خلق} من أي شيء خلقه ربُّه ثمَّ بيَّن فقال:(1/1192)
خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6)
{خلق من ماءٍ دافق} مدفوقٍ مصبوبٍ في الرَّحم يعني: النُّطفة(1/1192)
يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)
{يخرج من بين الصلب} وهو ماء الرَّجل {والترائب} عظام الصَّدر وهو ماء المرأة(1/1192)
إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8)
{إنَّه} إنَّ الله {على رجعه} على بعث الإِنسان وإِعادته بعد الموت {لقادر}(1/1192)
يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9)
{يوم تبلى السرائر} يعني: يوم القيامة وفي ذلك اليوم تختبر السَّرائر وهي الفرائضُ التي هي سرائر بين العبد وربِّه كالصَّلاة والصَّوم وغسل الجنابة ولو شاء العبد أن يقول: فعلت ذلك ولم يفعله أمكنه فهي سرائر عند العبد وإنما تبين وتظهر صحَّتها وأمانة العبد فيها يوم القيامة(1/1193)
فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10)
{فما له} يعني: الإِنسان الكافر {من قوة ولا ناصر}(1/1193)
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11)
{والسماء ذات الرجع} أَيْ: المطر(1/1193)
وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12)
{والأرض ذات الصدع} تتشقَّق عن النبات(1/1193)
إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13)
{وإنه} أَيْ: القرآن {لقول فصل} يفصل بين الحقّ والباطل(1/1193)
وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14)
{وما هو بالهزل} أَيْ: باللَّعب والباطل(1/1193)
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15)
{إنهم} يعني: مشركي مكَّة {يكيدون كيداً} يُظهرون للنبيِّ صلى الله عليه وسلم على ما هم على خلافه(1/1193)
وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)
{وأكيد كيدا} وهو استدراج الله تعالى إيَّاهم من حيث لا يعلمون {فمهِّل الكافرين أمهلهم رويداً} يقول: أخِّرهم قليلاً فإني آخذهم بالعذاب فأُخذوا يوم بدرٍ وذلك أنَّه كان يدعو الله تعالى عليهم فقال الله تعالى: {أمهلهم رويداً} أي: قليلا(1/1193)
فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)
{فمهِّل الكافرين أمهلهم رويداً}(1/1193)
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)
{سبِّح اسم ربك الأعلى} نزِّه ذات ربِّك من السُّوء وقيل: معناه: قل: سبحان ربِّي الأعلى(1/1194)
الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2)
{الذي خلق فسوَّى} خلق الإنسان مُستوي الخلق(1/1194)
وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3)
{والذي قدَّر فهدى} قدَّر الأرزاق ثمَّ هدى لطلبها(1/1194)
وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4)
{والذي أخرج} من الأرض {المرعى} النَّبات(1/1194)
فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5)
{فجعله غثاء} يابساً وهو ما يحمله السَّيل ممَّا يجف من النَّبات {أحوى} أسود بالياً(1/1194)
سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6)
{سنقرئك} سنجعلك قارئاً لما يأتيك به جبريل عليه السَّلام من الوحي {فلا تنسى} شيئاً وهذا وعدٌ من الله سبحانه لنبيِّه عليه السَّلام أن يحفظ عليه الوحي حتى لا ينفلت منه شيءٌ(1/1194)
إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7)
{إلاَّ ما شاء الله} أن ينسخه وقيل: إلاَّ ما شاء الله وهو لا يشاء أن تنسى {إنَّه يعلم الجهر} من القول والفعل {وما يخفى}(1/1195)
وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8)
{ونيسِّرك لليسرى} أَيْ: نُهوِّن عليك الشَّريعة اليسرى وهي الحنيفيَّة السَّمحة(1/1195)
فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9)
{فذكر} فَعِظْ بالقرآن {إن نفعت الذكرى} التَّذكير(1/1195)
سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10)
{سيذكر} سيتَّعظ {من يخشى} الله(1/1195)
وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11)
{ويتجنبها} ويتجنب الذكرى ويباعد عنها {الأشقى} في علم الله(1/1195)
الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12)
{الذي يصلى النار الكبرى} الذي يدخل جهنَّم(1/1195)
ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13)
{ثمَّ لا يموت فيها ولا يحيا} لا يموت فيها موتاً يستريح به من العذاب ولا يحيا حياةً يجد فيها روح الحياة(1/1195)
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)
{قد أفلح} صادف البقاء في الجنَّة {مَنْ تزكَّى} أكثر من العمل الصالح(1/1195)
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)
{وذكر اسم ربه فصلى} أَيْ: الصَّلوات الخمس(1/1195)
بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16)
{بل تؤثرون} تختارون {الحياة الدنيا}(1/1195)
وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)
{والآخرة خير وأبقى} من الدُّنيا(1/1195)
إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18)
{إن هذا} الذي ذكرت من فلاح المُتزكِّي وكون الآخرة خيراً من الدُّنيا {لفي الصحف الأولى} مذكورٌ في الكتب المتقدِّمة(1/1195)
صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)
{صحف إبراهيم وموسى} يعني: ما أنزل الله عليهما من الكتب(1/1195)
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)
{هل أتاك حديث الغاشية} يعني: القيامة لأنَّها تغشى الخلق ومعنى: {هل أتاك} أَيْ: إنَّ هذا لم يكن من علمك ولا من علم قومك(1/1196)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2)
{وجوه يومئذٍ خاشعة} ذليلةٌ(1/1196)
عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3)
{عاملة} في النار تعالج حرَّها وعذابها {ناصبة} ذات نصبٍ وتعبٍ(1/1196)
تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4)
{تصلى ناراً} تقاسي حرَّها {حامية} حارَّةً(1/1196)
تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5)
{تسقى من عين آنية} متناهيةٍ في الحرارة(1/1196)
لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6)
{ليس لهم} في جهنم {طعام إلاَّ من ضريع} وهو يبيس الشِّبْرِقِ وهو نوعٌ من الشَّوك لا تقربه دابَّةٌ ولا ترعاه وصفته ما ذكر الله: {لا يسمن ولا يغني من جوع}(1/1196)
لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)
{لا يسمن ولا يغني من جوع}(1/1196)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8)
{وجوهٌ يومئذٍ ناعمة} حسنةٌ(1/1197)
لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9)
{لسعيها} في الدُّنيا {راضية} حين أًعطيت الجنَّة بعملها(1/1197)
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10)
{في جنة عالية}(1/1197)
لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11)
{لا تسمع فيها لاغية} لغواً ولا باطلا قوله:(1/1197)
فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12)
{فيها عين جارية}(1/1197)
فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13)
{فيها سرر مرفوعة}(1/1197)
وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14)
{وأكواب موضوعة}(1/1197)
وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15)
{ونمارق مصفوفة} أَيْ: وسائد بعضها بجنب بعضٍ(1/1197)
وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)
{وزرابيُّ} وهي البسط والطَّنافس {مبثوثة} مفرَّقة في المجالس ثمَّ نبَّههم على عظيمٍ من خلقه قد ذلَّله لصغير ليدلَّهم بذلك على توحيده فقال:(1/1197)
أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17)
{أفلا ينظرون إلى الإِبل كيف خلقت} وقوله:(1/1197)
وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18)
{وإلى السماء كيف رفعت}(1/1197)
وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19)
{وإلى الجبال كيف نصبت}(1/1197)
وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)
{سطحت} أَيْ: بُسطت(1/1197)
فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21)
{فذكِّر إنما أنت مذكِّر} ذكِّرهم نعم الله ودلائل توحيده فإنَّك مبعوثٌ بذلك(1/1197)
لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22)
{لست عليهم بمصيطر} بمسلِّط تُكرههم على الإِيمان وهذا قبل أن أمر بالحرب(1/1197)
إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23)
{إلاَّ من تولى} لكنْ من تولَّى عن الإيمان {وكفر}(1/1198)
فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24)
{فيعذِّبه الله العذاب الأكبر} عذاب جهنم(1/1198)
إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25)
{إنَّ إلينا إيابهم} رجوعهم(1/1198)
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)
{ثمَّ إنَّ علينا حسابهم}(1/1198)
وَالْفَجْرِ (1)
{والفجر} يعني: فجر كلِّ يومٍ(1/1199)
وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)
{وليالٍ عشر} عشر ذي الحجَّة(1/1199)
وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)
{والشفع} يعني: يوم النَّحر لأنَّه يوم العاشر {والوتر} يوم عرفة لأنَّه يوم التَّاسع(1/1199)
وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4)
{والليل إذا يسر} يعني: ليل المزدلفة إذا مضى وذهب وقيل: إذا جاء وأقبل(1/1199)
هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)
{هل في ذلك} الذي ذكرت {قَسَمٌ لذي حجر} أَيْ: مقنعٌ ومكتفى في القسم لذي عقلٍ ثمَّ ذكر الأمم التي كذَّبت الرُّسل كيف أهلكهم فقال:(1/1199)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6)
{ألم تر كيف فعل ربك بعاد}(1/1199)
إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7)
{إرم} يعني: عاداً الأولى وهو عاد بن عوص بن إرم وإرم: اسم القبيلة {ذات العماد} أَيْ: ذات الطُّول وقيل: ذات البناء الرفيع وقيل: ذات العمد السيَّارة وذلك أنَّهم كانوا أهل عمدٍ سيَّارة ينتجعون الغيث(1/1200)
الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)
{التي لم يخلق مثلها في البلاد} في بطشهم وقوَّتهم وطول قامتهم(1/1200)
وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9)
{وثمود الذين جابوا} قطعوا {الصخر} فاتَّخذوا منها البيوت {بالواد} يعني: وادي القرى وكانت مساكنهم هناك(1/1200)
وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10)
{وفرعون ذي الأوتاد} ذي الجنود والجموع الكثيرة وكانت لهم مضارب كثيرةٌ يوتدونها في أسفارهم وقوله:(1/1200)
الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11)
{الذين طغوا في البلاد}(1/1200)
فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12)
{فأكثروا فيها الفساد}(1/1200)
فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13)
{فصبَّ عليهم ربك سوط عذاب} أَيْ: جعل سوطه الذي ضربهم به العذاب(1/1200)
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)
{إنَّ ربك} جواب القسم الذي في أوَّل السُّورة {لبالمرصاد} بحيث يرى ويسمع ويرصد أعمال بني آدم(1/1200)
فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)
{فأمَّا الإنسان} يعني: الكافر {إذا ما ابتلاه ربُّه} امتحنه بالنِّعمة والسَّعة {فأكرمه} بالمال {ونعَّمة} بما وسَّع عليه {فيقول ربي أكرمنِ} لا يرى الكرامة من الله إلاَّ بكثرة الحظِّ من الدُّنيا(1/1200)
وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)
{وإمَّا إذا ما ابتلاه فقدر} فضيَّق {عليه رزقه فيقول: ربي أهانن} يرى الهوان في قلَّة حظِّه من الدنيا وهذا صفة الكافر فأما المؤمن فالكرامة عنده أن يُكرمه الله بطاعته والهوان أن يُهينه بمعصيته ثم رَدَّ هذا على الكافر فقال:(1/1200)
كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17)
{كلا} أي: ليس الأمر كما يظنُّ هذا الكافر {بل لا تكرمون اليتيم} إخبارٌ عمَّا كانوا يفعلونه من ترك اليتيم وحرمانه ما يستحقُّ من الميراث(1/1200)
وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18)
{ولا تَحَاضُّون على طعام المسكين} لا تأمرون به ولاتعينون عليه(1/1201)
وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19)
{وتأكلون التراث} يعني: ميراث اليتامى {أكلاً لمّاً} شديداً تجمعون المال كلَّه في الأكل فلا تُعطون اليتيم نصبه(1/1201)
وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)
{وتحبون المال حباً جماً} كثيراً(1/1201)
كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21)
{كلا} ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر {إذا دكت الأرض دكاً دكاً} إذا زُلزلت الأرض فكَسر بعضها بعضاً(1/1201)
وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)
{وجاء ربك} أَيْ: أمر ربِّك وقضاؤه {والملك} أَيْ: الملائكةُ {صفاً صفاً} صفوفاً(1/1201)
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23)
{وجيء يومئذٍ بجهنم} تُقاد بسبعين أَلْفِ زمامٍ كلُّ زمامٍ بأيدي سبعين ألف مَلَكٍ {يومئذٍ يتذكَّر الإنسان} يُظهر الكافر التَّوبة {وأنى له الذكرى} ومن أين له التَّوبة؟(1/1201)
يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)
{يقول يا ليتني قدمت لحياتي} أَيْ: للدَّار الآخرة التي لا موت فيها(1/1201)
فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25)
{فيومئذٍ لا يعذِّب عذابه أحد} لا يتولَّى عذاب الله تعالى يومئذٍ أحدٌ والأمر يومئذ أمره ولا أمر غيره(1/1201)
وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)
{ولا يوثق وثاقه} يعني: بالوثاق الإِسار والسًَّلاسل والأغلال والمعنى: لا يبلغ أحدٌ من الخلق كبلاغ الله سبحانه في التَّعذيب والإِيثاق(1/1201)
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)
{يا أيتها النفس المطمئنة} إلى ما وعد الله سبحانه المصدِّقة بذاك(1/1202)
ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)
{ارجعي إلى ربك} يقال لها ذلك عند الموت {راضية} بما آتاها الله {مرضية} رضي الله عنها ربُّها هذا عند خروجها من الدُّنيا فإذا كان يوم القيامة قيل:(1/1202)
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29)
{فادخلي في عبادي} أَيْ: في جملة عبادي الصَّالحين(1/1202)
وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)
{وادخلي جنتي}(1/1202)
لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1)
{لا أقسم} المعنى: أقسم و {لا} توكيدٌ {بهذا البلد} يعني: مكَّة(1/1203)
وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2)
{وأنت} يا محمَّدُ {حلٌّ بهذا البلد} تصنع فيه ما تريد ما القتل والأسر وأحلت له مكَّةُ ساعةً من النَّهار يوم الفتح حتى قاتل وقتل من شاء(1/1203)
وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3)
{ووالدٍ} أقسم بآدم عليه السَّلام {وما ولد} وولده و {ما} بمعنى مَنْ(1/1203)
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4)
{لقد خلقنا الإِنسان في كبد} أَيْ: مشقَّةٍ يكابد أمر الدنيا والآخرة وشدائدها وقيل: مُنتصباً معتدلاً(1/1203)
أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5)
{أيحسب أن لن يقدر عليه أحد} نزلت في رجلٍ من بني جمح يُكنى أبا الأشدين كان يوصف بالقوَّة فقال الله تعالى: أيحسب بقوَّته أن لن يقدر عليه أحد والله قادر عليه(1/1203)
يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6)
{يقول أهلكت مالاً} على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم {لبداً} كثيراً بعضه على بعض كاذبٌ في ذلك قال الله تعالى:(1/1204)
أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7)
{أيحسب أن لم يره أحد} في إنفاقه فيعلم مقدار نفقته ثمَّ ذكر ما يستدلُّ به على أنَّ الله تعالى قادرٌ عليه وأَنْ يحصي عليه ما يعمله فقال:(1/1204)
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8)
{ألم نجعل له عينين}(1/1204)
وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9)
{ولساناً وشفتين}(1/1204)
وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)
{وهديناه النجدين} يقول: ألم نُعرِّفه طريق الخير وطريق الشَّرِّ(1/1204)
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)
{فلا اقتحم العقبة} أَيْ: لم يدخل العقبة وهذا مثل ضربه الله تعالى للمنفق في طاعة الله يحتاج أن يتحمَّل الكُلفة كمَنْ يتكلَّف صعود العقبة يقول: لم ينفق هذا الإنسان في طاعة الله شيئاً(1/1204)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12)
{وما أدراك ما العقبة} أَيْ: ما اقتحام العقبة ثمَّ فسَّره فقال:(1/1204)
فَكُّ رَقَبَةٍ (13)
{فك رقبة} وهو إخراجها من الرِّقِّ بالعون في ثمنها(1/1204)
أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14)
{أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسغبة} مجاعةٍ(1/1204)
يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15)
{يتيماً ذا مقربة} ذا قرابةٍ(1/1204)
أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)
{أو مسكيناً ذا متربة} أَيْ: ذا فقرٍ قد لصق من فقره بالتُّراب(1/1204)
ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)
{ثم كان من الذين آمنوا} أَيْ: كان مقتحم العقبة وفاكُّ الرَّقبة والمُطعم من الذين آمنوا فإنَّه إنْ لم يكن منهم لم ينفعه قربةٌ {وتواصوا} أوصى بعضهم بعضاً {بالصبر} على طاعة الله تعالى {وتواصوا بالمرحمة} بالرَّحمة على الخلق(1/1204)
أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18)
{أولئك أصحاب الميمنة} مَنْ كان بهذه الصفة فهو من جملة أصحاب اليمين(1/1205)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19)
{والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة} أصحاب الشِّمال وقيل في أصحاب اليمين: إنَّهم الميامين على أنفسهم وفي أصحاب المشأمة: إنَّهم المشائيم على أنفسهم(1/1205)
عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)
{عليهم نار مؤصدة} مُطَبقةٌ(1/1205)
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)
{والشمس وضحاها} وضيائها(1/1206)
وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2)
{والقمر إذا تلاها} تبعها في الضِّياء والنُّور وذلك في النِّصف الأوَّل من الشَّهر يخلف الشمس والقمر في النُّور(1/1206)
وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3)
{والنهار إذا جلاَّها} جلَّى الظُّلمة وكشفها وقيل: جلَّى الشَّمس وبيَّنها لأنها تبين إذا انبسط النَّهار(1/1206)
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4)
{والليل إذا يغشاها} يستر الشَّمس(1/1206)
وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5)
{والسماء وما بناها} أَيْ: وبنائها(1/1206)
وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6)
{والأرض وما طحاها} وطحوها أَيْ: بسطها(1/1206)
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)
{ونفس وما سوَّاها} وتسوية خلقها(1/1206)
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)
{فألهمها فجورها وتقواها} علَّمها الطَّاعة والمعصية(1/1206)
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)
{قد أفلح} سعد {مَنْ زكاها} أصلح الله نفسه وطهَّرها من الذُّنوب(1/1207)
وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)
{وقد خاب مَنْ دسَّاها} جعلها الله ذليلةً خسيسةً حتى عملت بالفجور ومعنى دسَّاها: أخفى محلها ووضع منها وأحملها وخذلها(1/1207)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11)
{كذبت ثمود بطغواها} بطغيانها كذَّبت الرُّسل(1/1207)
إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12)
{إذِ انبعث} قام {أشقاها} عاقر النَّاقة(1/1207)
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13)
{فقال لهم رسول الله} صالحٌ {ناقة الله} ذَروا ناقة الله {وسقياها} وشربها في يومها(1/1207)
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14)
{فكذَّبوه فعقروها} فقتلوا النَّاقة {فدمدم عليهم ربهم} أهلكهم هلاك استئصال {بذنبهم فسوَّاها} سوى الدمدمة عليهم فعمَّهم بها وقيل: سوَّى ثمود بالهلاك فأنزله بصغيرها وكبيرها(1/1207)
وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)
{ولا يخاف عقباها} لا يخاف اللَّهُ من أحدٍ تبعةَ ما أنزل بهم وقيل: لا يخاف أشقاها عاقبة جنايته(1/1207)
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)
{والليل إذا يغشى} أيْ: يغشى الأُفق بظلمته(1/1208)
وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2)
{والنهار إذا تجلى} بان وظهر(1/1208)
وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)
{وما خلق} ومَنْ خلق {الذكر والأنثى} وهو الله تعالى وجواب القسم وهو قوله:(1/1208)
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)
{إنَّ سعيكم لشتى} إنَّ عملكم لمختلفٌ يريد: بينهما بُعدٌ يعني: عمل المؤمن وعمل الكافر نزلت في أبي بكر الصِّديق وأبي سفيان بن حرب(1/1208)
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)
{فأمَّا مَنْ أعطى} ماله {واتقى} ربَّه واجتنب محارمه(1/1208)
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)
{وصدَّق بالحسنى} أيقن بأنَّ الله سبحانه سيخلف عليه وقيل: صدَّق بـ لا إله إلاَّ الله(1/1208)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)
{فسنيسره} فسنهيِّئه {لليسرى} للخلَّة اليسرى أَي: الأمر السَّهل من العمل بما يُرضي الله تعالى وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه اشترى جماعةً يُعذِّبُهم المشركون ليرتدُّوا عن الإِسلام فوصفه الله تعالى بأنَّه أعطى وصدَّق بالمُجازاة من الله له(1/1208)
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)
{وأمَّا مَنْ بخل} بالنَّفقة في الخير {واستغنى} عن الله فلم يرغب في ثوابه(1/1209)
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)
{وكذب بالحسنى}(1/1209)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)
{فسنيسره للعسرى} أَيْ: نخذله حتى يعمل بما يُؤدِّيه إلى العذاب والأمر العسير(1/1209)
وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)
{وما يغني عنه ماله إذا تردَّى} أَيْ: مات وهلك وقيل: سقط في جهنَّم(1/1209)
إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12)
{إنَّ علينا للهدى} أَي: إِنَّ علينا أَّنْ نبيِّن طريق الهدى من طريق الضَّلال(1/1209)
وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (13)
{وإن لنا للآخرة والأولى} فمن طلبهما من غير مالكهما فقد أخطأ(1/1209)
فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14)
{فأنذرتكم} خوَّفتكم {ناراَ تلظى} تتوقَّد(1/1209)
لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15)
{لا يصلاها إلاَّ الأشقى} لا يدخلها إلاَّ الكافر {الذي كذب وتولى}(1/1209)
الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16)
{الذي كذَّب وتولَّى}(1/1209)
وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17)
{وسيجنبها} أَيْ: يبعد منها {الأتقى} يعني: أبا بكر رضوان الله عليه(1/1209)
الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18)
{الذي يؤتي ماله يتزكى} يطلب أن يكون عند الله زاكياً ولا يطلب رياءً ولا سمعةً(1/1209)
وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19)
{وما لأحد عنده من نعمة تجزى} وذلك أنَّ الكفَّار قالوا لمَّا اشترى أبو بكر رضي الله عنه بلالاً فأعتقه: ما فعل أبو بكر ذلك إلاَّ ليدٍ كانت عنده لبلال فقال الله تعالى: وما لأحد عنده من نعمة تُجزى أَيْ: لم يفعل ذلك مجازاة ليدٍ أُسديت إليه(1/1209)
إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20)
{إلاَّ ابتغاء وجه ربه الأعلى} أي: لكن طلب ثواب الله(1/1209)
وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)
{ولسوف يرضى} سيدخل الجنَّة(1/1209)
وَالضُّحَى (1)
{والضحى} أيْ: النَّهارِ كلِّه(1/1210)
وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2)
{والليل إذا سجى} سكن بالخلق واستقرَّ بظلامه(1/1210)
مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)
{ما ودَّعك ربك وما قلى} وما تركك منذ اختارك وما أبغضك منذ أحبَّك وهذا جواب القسم وقد كان تأخَّر الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة عشر يوماً فقال ناس: إنَّ محمداً ودَّعه ربُّه وقلاه فأنزل الله هذه السورة(1/1210)
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)
{وللآخرة خير لك من الأولى} لأّنَّ الله يعطيك فيها الكرامات والدَّرجات(1/1210)
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)
{ولسوف يعطيك ربك} في الآخرة من الثَّواب وفي مقام الشَّفاعة {فترضى} يروى أنَّه قال عليه السَّلام لمَّا نزلت هذه الآية: إذن لا أرضى وواحدٌ من أُمَّتي في النَّار ثمَّ أخبر عن حاله قبل الوحي وذكَّره نعمه عليه فقال:(1/1210)
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6)
{ألم يجدك يتيماً} حين مات أبوك ولم يُخلِّفا لك مالاً ولا مأوى {فآوى} فآواك إلى عمِّك أبي طالب وضمَّك إليه حتى كفلك وربَّاك(1/1211)
وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7)
{ووجدك ضالاً} عمَّا أنت عليه اليوم من معالم النُّبوَّة وأحكام القرآن والشَّريعة فهداك إليها كقوله: {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمانُ} الآية(1/1211)
وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)
{ووجدك عائلا} فقيرا لا مال لك فأغناك بمال خديجة رضي الله عنه ثمَّ بالغنائم(1/1211)
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9)
{فأما اليتيم فلا تقهر} على ماله واذكر يُتمك(1/1211)
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10)
{وأما السائل فلا تنهر} فلا تزجره ولكن بذلٌ يسير أو رد جميل واذكر فقرك(1/1211)
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
{وأمَّا بنعمة ربك} أَيْ: النُّبوَّة والقرآن {فحدِّث} أخبر بها(1/1211)
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)
{ألم نشرح لك صدرك} أَلم نفتحْ ونوسِّع ونليِّن لك قلبك بالإِيمان والنُّبوَّة والعلم والحكمة؟ هذا استفهامٌ معناه التَّقرير(1/1212)
وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2)
{ووضعنا} حططنا {عنك وزرك} ما سلف منك في الجاهليَّة وقيل: يعني: الخطأ والسَّهو وقيل: معناه: خفَّفنا عليك أعباء النُّبوَّة والوِزر في اللُّغة: الحِمل الثقيل(1/1212)
الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3)
{الذي أنقض} أثقل {ظهرك}(1/1212)
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)
{ورفعنا لك ذكرك} أي: إذا ذُكرت ذكرتَ معي(1/1212)
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5)
{فإنَّ مع العسر يسراً} أي: مع الشِّدَّة التي أنتَ فيها من مقاساة بلاء المشركين يُسراً بإظهاري إيَّاك عليهم حتى تغلبهم وينقادوا لك طوعاً أو كرهاً(1/1212)
إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)
{إنَّ مع العسر يسراً} تكرارٌ للتَّأكيد وقيل: إنَّ هذا عامٌّ في كلِّ عسرٍ أصاب المؤمن وهو من الله تعالى على وعد اليسر إمَّا في الدنيا وأما في الآخرة فالعسر واحدٌ واليسر اثنان(1/1212)
فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7)
{فإذا فرغت} من صلاتك {فانصب} أَي: اتعب في الدُّعاء وسله حاجتك وارغب إلى الله تعالى به(1/1213)
وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)
{وإلى ربك فارغب}(1/1213)
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)
{والتين والزيتون} هما جبلان بالشَّام طور تينا وطور زيتا بالسِّريانية سمِّيا بالتِّين والزَّيتون لأنَّهما يُنبتانهما(1/1214)
وَطُورِ سِينِينَ (2)
{وطور سينين} جبل موسى عليه السَّلام وسينين: المبارك بالسِّريانية(1/1214)
وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)
{وهذا البلد الأمين} الآمن يعني: مكَّة سمَّاه أميناً لأنه آمنٌ لا يُهاج أهله(1/1214)
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)
{لقد خلقنا الإِنسان في أحسن تقويم} صورةٍ لأنَّه معتدل القامة يتناول مأكوله بيده(1/1214)
ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)
{ثم رددناه أسفل سافلين} إلى أرذل العمر والسَّافلون: هم الهرمى والزَّمنى والضَّعفى(1/1214)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)
{إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وعملوا الصالحات فلهم أجرٌ غير ممنون} يعني: إن المؤمن ردَّ إلى أرذل العمر كُتب له مثل أجره إذا كان يعمل بخلاف الكافر فذلك قوله: {فلهم أجرٌ غير ممنون} أي: غير مقطوعٍ وقيل: معنى: {ثم رددناه أسفل سافلين} : إلى النَّار يعني: الكافر ثمَّ استثنى المؤمنين فقال: {إلاَّ الذين آمنوا} وهذا القول أظهر ثمَّ قال توبيخاً للكافر:(1/1214)
فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7)
{فما يكذبك} أيُّها الإِنسان {بعد} هذه الحُجَّة {بالدين} بالحساب والجزاء ومعنى: ما يُكذِّبك: ما الذي يجعلك مكذِّباً بالدِّين وقيل: إنَّ هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فما الذي يكذِّبك يا محمد بعد ما تبيَّن متن قدرتنا على خلق الإِنسان وظهر من حجَّتنا كأنَّه قال: فمَنْ يقدر على تكذيبك بالثَّواب والعقاب(1/1215)
أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)
{أليس الله بأحكم الحاكمين} في جميع ما خلق وصنع وكلُّ ذلك دالٌّ على علمه وحكمته جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه ولا إله غيره(1/1215)
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)
{أقرأ باسم ربك} يعني: اقرأ القرآن باسم ربك وهو أن تذكر التَّسمية في ابتداء كلِّ سورةٍ {الذي خلق} الأشياء والمخلوقات(1/1216)
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)
{خلق الإنسان} يعني: ابن آدم {من علق} جمع عَلَقةٍ(1/1216)
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)
{اقرأ وربك الأكرم} يعني: الحليم عن جهل العباد فلا يعجل عليهم بالعقوبة(1/1216)
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)
{الذي علَّم بالقلم} ثمَّ بيَّن ما علَّم فقال:(1/1216)
عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)
{علَّم الإنسان ما لم يعلم} وهو الخطُّ والكتابة(1/1216)
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6)
{كلا} حقَّاً {إنَّ الإِنسان ليطغى} ليتجاوز حده ويستكبر على ربِّه(1/1216)
أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)
{أن رآه} رأى نفسه {استغنى}(1/1216)
إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8)
{إنَّ إلى ربك الرجعى} المرجع في الآخرة فيجازي الطَّاغي بما يستحقُّه(1/1216)
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9)
{أرأيت الذي ينهى} يعني: أبا جهلٍ(1/1217)
عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10)
{عبداً إذا صلى} وذلك أنَّه قال: لئن رأيتُ محمدا لأطأنَّ على رقبته ومعنى: أرأيتَ ها هنا تعجُّبٌ وكذلك قوله:(1/1217)
أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11)
{أرأيت إن كان على الهدى} {أو أمر بالتقوى}(1/1217)
أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12)
{أو أمر بالتقوى}(1/1217)
أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13)
{أرأيت إن كذب وتولى} والمعنى: أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلَّى وهو على الهدى آمرٌ بالتَّقوى والنَّاهي كاذبٌ مُتولٍّ عن الذِّكرى أَيْ: فما أعجب من ذا!(1/1217)
أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)
{ألم يعلم} أبو جهلٍ {بأنَّ الله يرى} أَيْ: يراه ويعلم ما يفعله(1/1217)
كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15)
{كلا} ردعٌ وزجرٌ {لئن لم ينته} عمَّا هو عليه من الكفر ومعاداة النبي صلى الله عليه وسلم {لنسفعا بالناصية} لنجرَّن بناصيته إلى النَّار ثمَّ وصف ناصيته فقال:(1/1217)
نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)
{ناصيةٍ كاذبة خاطئة} وتأويلها: صاحبها كاذب خاطئ(1/1217)
فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17)
{فليدع ناديه} فليستعن بأهل مجلسه وذلك أنَّه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لأملأنَّ عليك هذا الوادي خيلا جرداء ورجالاً مُرداً فقال الله تعالى: {فليدع ناديه}(1/1217)
سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18)
{سندع الزبانية} وهم الملائكة الغلاط الشِّداد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو دعا ناديه لأخذته الزَّبانية عياناً(1/1217)
كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)
{كلا} ليس الأمر على ما عليه أبو جهلٍ {لا تطعه واسجد} وصلِّ {واقترب} تقرّب إلى ربِّك بطاعته(1/1218)
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)
{إنا أنزلناه} أي: أنزلنا القرآن {في ليلة القدر} ليلة الحكم والفصل يقضي الله فيها قضاء السَّنة والقَدْر: بمعنى التَّقدير أنزل الله تعالى القرآن كلَّه في ليلة القدر جُملةً واحدةً من اللَّوح المحفوظ إلى سماء الدُّنيا ثمَّ به جبريل عليه السَّلام على النبي صلى الله عليه والسلام في عشرين سنةً(1/1219)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2)
{وما أدراك} يا محمَّد عليه السَّلام {ما ليلة القدر} على التَّعظيم لشأنها والتعجب منها ثمَّ أخبر عنها فقال:(1/1219)
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)
{ليلة القدر خير من ألف شهر} أي: من ألف شهرٍ ليس فيها ليلة القدر(1/1219)
تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)
{تنزل الملائكة والروح} يعني: جبريل عليه السَّلام {فيها} في تلك اللَّيلة {بإذن ربهم من كل أمر} أي: بكلِّ أمرٍ قضاه الله تعالى في تلك اللَّيلة للسَّنة وتمَّ الكلام ها هنا ثمَّ قال:(1/1219)
سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
{سلام هي} أَيْ: تلك اللَّيلة كلها سلامةٌ وخيرٌ لا داء فيها ولا يستطيع الشَّيطان أن يصنع فيها شيئاً وقيل: يعني: تسليم الملائكة في تلك اللَّيلة على أهل المساجد {حتى مطلع الفجر} إلى وقت طلوع الفجر(1/1220)
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1)
{لم يكن الذين كفروا} بمحمد صلى الله عليه وسلم {من أهل الكتاب} أي: اليهود والنَّصارى {والمشركين} يعني: كفَّار العرب {منفكين} مُنتهين زائلين عن كفرهم {حتى تأتيهم البينة} يعني: أتتم البينة أَي: البيان والبصيرة وهو محمد عليه السلام والقرآن يقول: لم يتركوا كفرهم حتى بُعث إليهم محمَّدٌ عليه السَّلام وهذا فيمَنْ آمن من الفريقين ثمَّ فسَّر البيِّنة فقال:(1/1221)
رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2)
{رسول من الله يتلو صحفاً} كتباً {مطهرة} من الباطل(1/1221)
فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)
{فيها كتب} أحكامٌ {قيِّمة} مستقيمةٌ عادلةٌ ثمَّ ذكر كفَّار أهل الكتاب فقال:(1/1221)
وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)
{وما تفرَّق الذين أوتوا الكتاب} أي: ما اختلفوا في كون محمَّدٍ عليه السَّلام حقاً لما يجدون من نعته في كتابهم {إلا من بعد ما جاءتهم البينة} إلاَّ من بعد ما بيَّنوا أنَّه النبيُّ الذي وُعدوا به في التَّوراة والإِنجيل يريد: أنَّهم كانوا مجتمعين على صحَّة نبوَّته فلمَّا بُعث جحدوا نبوَّته وتفرَّقوا فمنهم مَنْ كفر بغياً وحسداً ومنهم مَنْ آمن وهذا كقوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم} الآية(1/1221)
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)
{وما أمروا} يعني: كفَّار الذين أوتوا الكتاب {إلا ليعبدوا الله} إلاَّ أنْ يعبدوا الله {مخلصين له الدين} الطَّاعة أَيْ: مُوحِّدين له لا يعبدون معه غيره {حنفاء} على دين إبراهيم عليه السَّلام ودين محمد صلى الله عليه وسلم وقوله: {وذلك دين القيمة} أي: دين الملَّة القيِّمة وهي المستقيمة وباقي الآية ظاهر(1/1222)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)
{إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية}(1/1222)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)
{إنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية}(1/1222)
جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)
{جزاؤهم عند ربهم جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه}(1/1222)
إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)
{إذا زلزلت الأرض زلزالها} أي: حُرِّكت حركةً شديدةً لقيام السَّاعة(1/1223)
وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)
{وأخرجت الأرض أثقالها} كنوزها وموتاها فألقتها على ظهرها(1/1223)
وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3)
{وقال الإِنسان} يعني: الكافر الذي لا يؤمن بالبعث: {ما لها} إنكاراً لتلك الحالة(1/1223)
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)
{يومئذ تحدّث أخبارها} أَيْ: تُخبر بما عُمل عليها من خيرٍ وشرٍّ(1/1223)
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)
{بأنَّ ربك أوحى لها} أي: أمرها بالكلام وأذن لها فيه(1/1223)
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)
{يومئذ يصدر الناس} ينصرف النَّاس {أشتاتاً} متفرِّقين عن موقف الحساب فآخذٌ ذات اليمين وآخذٌ ذات الشِّمال {ليروا أعمالهم} أَيْ: ثوابها(1/1224)
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)
{فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره} يرى المؤمن ثوابه في الآخرة والكافر في الدُّنيا يراه في نفسه وأهله وماله(1/1224)
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
{ومَنْ يعمل مثقال ذرة شراً يره} جزاء المؤمن في الدُّنيا بالأحزان والمصائب والكافر في الآخرة(1/1224)
وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1)
{والعاديات} يعني: الخيل في الغزو {ضبحاً} تضبح ضبحاً وهو صوت أجوافها إذا عدت(1/1225)
فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2)
{فالموريات} وهي الخيل التي تُوري النَّار {قدحاً} بحوافرها إذا عدت في الأرض ذات الحجارة باللَّيل(1/1225)
فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3)
{فالمغيرات صبحاً} يعني: الخيل تُغير على العدوِّ وقت الصبح وإنما يُغير أصحابها ولكن جرى الكلام على الخيل(1/1225)
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4)
{فأثرن} هجين {به} بمكان عدوها {نقعاً} غباراً(1/1225)
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)
{فوسطن} توسطن {به} بالمكان الذي هي به {جمعاً} من النَّاس أغارت عليهم يريد: صارت في وسط قومٍ من العدوِّ تُغير عليهم(1/1225)
إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)
{إن الإنسان} جواب القسم {لربه لكنود} لكفورٌ يعني: الكافر يجحد نعم الله تعالى(1/1225)
وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7)
{وإنه} وإنَّ الله تعالى {على ذلك} على كنوده {لشهيد}(1/1225)
وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)
{وإنّه لحب الخير} لأجل حبِّ المال {لشديد} لبخيلٌ(1/1226)
أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9)
{أفلا يعلم} هذا الإنسان {إذا بعثر} قُلب فَأُثير {ما في القبور} يعني: إذا بُعث الموتى(1/1226)
وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10)
{وحصِّل} بيِّن وأُبرز {ما في الصدور} من الكفر والإيمان(1/1226)
إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)
{إنَّ ربهم بهم يومئذٍ لخبير} عالمٌ فيجازيهم على كفرهم في ذلك اليوم وإنَّما قال بهم لأنَّ الإِنسان اسم الجنس(1/1226)
الْقَارِعَةُ (1)
{القارعة} يعني: القيامة لأنَّها تقرع القلوب بأهوالها(1/1227)
مَا الْقَارِعَةُ (2)
{ما القارعة} تفخيمٌ لشأنها وتهويلٌ كما قلنا في الحاقة(1/1227)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3)
{وما أدراك ما القارعة}(1/1227)
يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4)
{يوم يكون الناس كالفراش} كغوغاء الجراد لا يتَّجه إلى جهةٍ واحدةٍ كذلك النَّاس إذا بُعثوا ماج بعضهم في بعضٍ للحيرة {المبثوث} المفرَّق(1/1227)
وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)
{وتكون الجبال كالعهن} كالصُّوف {المنفوش} المندوف لخفَّة سيرها(1/1227)
فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6)
{فأمَّا مَنْ ثقلت موازينه} بالحسنات(1/1227)
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)
{فهو في عيشة راضية} يرضاها(1/1227)
وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8)
{وأما من خفت موازينه} {فأمه هاوية} فمسكنه النَّار(1/1228)
فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)
{فأمه هاوية} فمسكنه النَّار(1/1228)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10)
{وما أدراك ما هيه} ثمَّ فسرها فقال:(1/1228)
نَارٌ حَامِيَةٌ (11)
{نار حامية} شديدة الحرارة(1/1228)
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)
{ألهاكم التكاثر}(1/1229)
حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)
{حتى زرتم المقابر} شغلكم التَّكاثر بالأموال والأولاد والعدد عن طاعة الله تعالى: {حتى زرتم المقابر} : حتى أدرككم الموت على تلك الحالة نزلت في اليهود قالوا: نحن أكثرُ من بني فلانٍ وبنو فلان أكثرُ من بني فلانٍ ألهاهم ذلك حتى ماتوا ضُلالاً(1/1229)
كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3)
{كلا} ليس الأمر الذي ينبغي أَنْ تكونوا عليه التَّكاثر {سوف تعلمون} عند النَّزع سوء عاقبة ما كنتم عليه(1/1229)
ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4)
{ثمَّ كلا سوف تعلمون} سوء عاقبة ما كنتم عليه في القبر والتكوير لتأكيد التَّهديد(1/1229)
كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)
{كلا لو تعلمون علم اليقين} أَيْ: لو علمتم الأمرَ حقَّ علمه لشغلكم ذلك عمَّا أنتم فيه وجواب {لو} محذوف ثمَّ ابتدأ فقال:(1/1229)
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)
{لترون الجحيم}(1/1230)
ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)
{ثم لترونها} تأكيدٌ أيضاً {عَيْنَ اليقين} عياناً لستم عنها بغائبين(1/1230)
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
{ثمَّ لتسألنَّ يومئذ عن النعيم} عن الأمن والصَّحة فيما أفنيتموها(1/1230)
وَالْعَصْرِ (1)
{والعصر} هو الدَّهر أَقسم الله به(1/1231)
إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
{إن الإنسان} يعني: الكافر العامل لغير طاعة الله {لفي خسر} خسرانٍ يعني: إنَّه يخسر أهله ومحله ومنزلته في الجنَّة(1/1231)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
{إلاَّ الذين آمنوا} فإنَّهم ليسوا في خسرٍ {وتواصوا بالحق} وصى بعضهم الإقامة على التَّوحيد والإِيمان {وتواصوا بالصبر} على طاعة الله والجهاد في سبيله ويروى مرفوعاً: {إن الإنسان لفي خسرٍ} يعني: أبا جهلٍ {إلاَّ الذين آمنوا} يعني: أبا بكر {وعملوا الصالحات} يعني: عمر بن الخطاب {وتواصوا بالحقِّ} يعني: عثمان {وتواصوا بالصَّبر} يعني: علياً رضي الله عنهم أجمعين(1/1231)
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)
{ويلٌ لكلِّ همزة لمزة} يعني: الإنسان الذي يغتاب النَّاس ويعيبهم نزلت في أُميَّة بن خلف وقيل: في الوليد بن المغيرة وكان يغتاب النبي صلى الله عليه وسلم(1/1232)
الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)
{الذي جمع مالاً وعدده} أعدَّه للدَّهر وقيل: أكثر عدده(1/1232)
يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)
{يحسب أنَّ ماله أخلده} في الدُنيا حتى لا يموت(1/1232)
كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)
{كلا} ليس الأمر على ما يحسب {لينبذنَّ في الحطمة} ليطرحنَّ في النار وقوله:(1/1232)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5)
{وما أدراك ما الحطمة}(1/1232)
نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6)
{نار الله الموقدة}(1/1232)
الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)
{التي تطلع على الأفئدة} أَيْ: يبلغ ألمها وإحراقها إلى الأفئدة(1/1232)
إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8)
{إنها عليهم مؤصدة} مطبقةٌ(1/1232)
فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)
{في عمد} جمع عمودٍ {ممددة} قيل: يعني: أوتاد الأطباق التي تطبق عليهم ومعنى {في عمدٍ} : بعمدٍ وقيل: إنَّها عمدٌ يُعذَّبون بها في النَّار(1/1232)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)
{ألم تر} ألم تعلم وقيل: ألم تخبر {كيف فعل ربك بأصحاب الفيل}(1/1233)
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)
{ألم يجعل كيدهم في تضليل} أضلَّ كيدهم عمَّا أرادوا من تخريب الكعبة(1/1233)
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3)
{وأرسل عليهم طيراً أبابيل} جماعاتٍ جماعاتٍ(1/1233)
تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)
{ترميهم بحجارة من سجيل} من آجرٍ(1/1233)
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)
{فجعلهم كعصف مأكول} كزرعٍ أكلته الدَّوابُّ فداسته وفتَّتته والعصف: ورق الزرع(1/1233)
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1)
{لإِيلاف قريش} قيل: هذه اللام تتَّصل بما قبلها على معنى: أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش وتألف رحلتيها وقيل: معنى اللام التَّأخير على معنى: ليعبدوا ربَّ هذا البيت {لإِيلاف قريش} أَيْ: ليجعلوا عبادتهم شكراً لهذه النِّعم واعترافاً بها يقال: ألف الشَّيء وآلفه بمعنىً واحد والمعنى: لإيلاف قريش رحلتيها وذلك انَّه كانت لهم رحلتان رحلةٌ في الشتاء إلى اليمن ورحلة في الصَّيف إلى الشَّام وبهما كانت تقوم معايشهم وتجاراتهم وكان لا يتعرَّض لهم في تجارتهم أحدٌ يقول: هم سكَّان حرم الله وولاة بيته فمنَّ الله عليهم بذلك وقال:(1/1234)
إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2)
{إيلافهم رحلة الشتاء والصيف}(1/1234)
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3)
{فليعبدوا ربَّ هذا البيت}(1/1234)
الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
{الذي أطعمهم من جوع} أَيْ: بعد جوعٍ وكانوا قد أصابتهم شدة حتى أكلوا الميتة والجيف ثمَّ كشف الله ذلك عنهم {وآمنهم من خوف} فلا يخافون في الحرم الغارة ولا يخافون في رحلتهم(1/1234)
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)
{أرأيت الذي يكذب بالدين} نزلت في العاص بن وائل وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة وقيل: في أبي سفيان وذلك أنه جزوراً فأتاه يتيمٌ يسأله فقرعه بعصاه فذلك قوله تعالى: {يدعُّ اليتيم} أَيْ: يدفعه بجفوةٍ من حقِّه(1/1235)
فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)
{فذلك الذي يدع اليتيم}(1/1235)
وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)
{ولا يحض على طعام المسكين} لا يُطعم المسكين ولا يأمر بإطعامه(1/1235)
فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4)
{فويل للمصلين}(1/1235)
الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)
{الذين هم عن صلاتهم ساهون} غافلون يُؤخِّرونها عن وقتها(1/1235)
الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6)
{الذين هم يراؤون} يعني: المنافقين يُصلُّون في العلانيَة ويتركون الصَّلاة في السِّرِّ(1/1235)
وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
{ويمنعون الماعون} الزَّكاة وما فيه منفعةٌ من الفأس والقِدر والماء والملح(1/1235)
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)
{إنَّا أعطيناك الكوثر} قيل: هو نهرٌ في الجنَّة حافتاه الدُّرُّ وقيل: هو الخير الكثير(1/1236)
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)
{فصلِّ لربك} صلاة العيد يعني: يوم النَّحر {وانحر} نُسكك وقيل: {فصلِّ} : فضع يدك على نحرك في صلاتك(1/1236)
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
{إنَّ شانئك} مُبغضك {هو الأبتر} المُنقطع العقب وقيل: المنقطع عن كلِّ خير نزلت في العاص بن وائل سمى النبي صلى الله عليه وسلم أبتر عند موت ابنه القاسم(1/1236)
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)
{قل يا أيها الكافرون} نزلت في رهطٍ من قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم تعبد آلهتنا سنةً ونعبد إلهك سنةً فأنزل الله هذه السُّورة(1/1237)
لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2)
{لا أعبد ما تعبدون} في الحال(1/1237)
وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3)
{ولا أنتم عابدون ما أعبد} في الحال ما أعبده(1/1237)
وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4)
{ولا أنا عابد} في الاستقبال {ما عبدتم}(1/1237)
وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5)
{ولا أنتم عابدون} في الاستقبال {ما أعبد} فنفى عنهم عبادة الله في الحال وفيما يستقبل وهذا في قومٍ أعلمه الله أنَّهم لا يؤمنون ونفى أيضاً عن نفسه عبادة الأصنام في الحال وفيما يستقبل ولييئسوا في ذلك(1/1237)
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
{لكم دينكم} الشِّرك {ولي دين} الإسلام وهذا قبل أن يُؤمر بالحرب(1/1237)
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)
{إذا جاء نصر الله} إيَّاك على مَنْ ناوأك من اليهود والعرب {والفتح} يعني: فتح مكة(1/1238)
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)
{ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا} جماعاتٍ جماعاتٍ بعد ما كان يدخل واحدٌ فواحدٌ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا نزلت هذه السورة قال: قد نُعِيَتْ إليَّ نفسي(1/1238)
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)
{فسبح بحمد ربك} أمره الله عز وجل أن يُكثر التَّسبيح والاستغفار ليختم له في آخر عمره بالزِّيادة في العمل الصّالح(1/1238)
تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)
{تبت يدا أبي لهب وتب} لمَّا نزل قوله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم الصَّفا ونادى بأعلى صوته يدعو قومه فاجتمعوا إليه فأنذرهم النَّار وقال: إنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ فَقَالَ أبو لهب: تبَّاً لك ما دعوتنا إلاَّ لهذا فأنزل الله: {تبت يدا أبي لهب} أَيْ: خابت وخسرت {وتب} وخسر هو ولمَّا خوفه النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب قال: إنَّه إنْ كان ما يقوله ابن أخي حقاً فإني أفتدي منه بمالي وولدي فقال الله تعالى(1/1239)
مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2)
{ما أغنى عنه ماله وما كسب} يعني: ولده(1/1239)
سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3)
{سيصلى ناراً ذات لهب}(1/1239)
وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)
{وامرأته حَمّالةَ الحطب} نقَّالة الحديث الماشية بالنَّميمة وهي أمُّ جميلٍ أخت أبي سفيان(1/1240)
فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)
{في جيدها} في عنقها {حبل من مسد} سلسلةٌ من حديدٍ ذرعها سبعون ذراعاً تدخل في فيها وتخرج من دبرها ويلوى سائرها في عنقها والمسد: كلُّ ما أُحكم به الحبل(1/1240)
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)
روي أنَّ قوماً من المشركين قال لرسول الله صلى عليه وسلم: انسب لنا ربَّك فأنزل الله عز وجل:
{قل هو الله أحد} أَيْ: الذي سألتم نسبته هو الله أحدٌ(1/1241)
اللَّهُ الصَّمَدُ (2)
{الله الصمد} السَّيِّد الذي قد انتهى إليه السودد وقيل: الصَّمد: الذي لا جوف لَه ولا يأكل ولا يشرب وقيل: هو المقصود إليه في الرَّغائب(1/1241)
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)
{لم يلد ولم يولد}(1/1241)
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
{ولم يكن له كفواً أحد} لم يكن أحدٌ مثلاً له(1/1241)
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)
{قل أعوذ برب الفلق} نزلت هذا السُّورة والتي بعدها لمَّا سحر لبيدُ بن الأعصم اليهودي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتكى شكوى شديدةً فأعلمه الله بما سحر به وأين هو فبعث مَنْ أتى به وكان وَتَراً فيه إحدى عشرة عقدةً فجعلوا كلما حلُّوا عقدةً وجد راحة حتى حلو العقد كلَّها وأمره الله أن يتعوَّذ بهاتين السُّورتين وهما إحدى عشرة آية على عدد العقد قوله: {برب الفلق} يعني: الصُّبح(1/1242)
مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)
{من شر ما خلق}(1/1242)
وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3)
{ومن شر غاسق} يعني: اللَّيل {إذا وقب} دخل(1/1242)
وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)
{ومن شر النفاثات} يعني: السَّواحر تنفث {في العقد} كأنَّها تنفخ فيها بشيءٍ تقرؤه(1/1242)
وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)
{ومن شرِّ حاسد إذا حسد} يعني: لبيداً الذي سحره(1/1242)
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)
{قل أعوذ برب الناس}(1/1243)
مَلِكِ النَّاسِ (2)
{ملك الناس}(1/1243)
إِلَهِ النَّاسِ (3)
{إله الناس}(1/1243)
مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)
{من شرِّ الوسواس} يعني: ذا الوسواس وهو الشيطان {الخناس} وهو الذي يخنس ويرجع إذا ذُكر الله والشَّيطان جاثمٌ على قلب الإِنسان فإذا ذَكر الله تنحَّى وخنس وإذا غفل التقم قبله فحدثه ومناه وهو وقوله:(1/1243)
الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)
{الذي يوسوس في صدور الناس}(1/1243)
مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)
{من الجِنَّة} أَيْ: الشيطان الذي هو من الجنِّ {والناس} عطف على قوله: الوسواس والمعنى: من شرِّ ذي الوسواس ومن شر النَّاس كأنَّه أُمر أن يستعيذه من شرِّ الجنِّ ومن شر الناس(1/1243)