يجلد بين الضر «1» بين على ثيابه. وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً ما دام حيا وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ- 4- يعني العاصين في مقالتهم، ثم استثنى فقال: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ يعني بعد الرمي وَأَصْلَحُوا العمل فليسوا بفساق فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لقذفهم رَحِيمٌ- 5- بهم فقرأ النبي- صلى الله عليه وسلم- هاتين الآيتين في خطبة يوم الجمعة، فقال عاصم بن عدى الأنصارى للنبي- صلى الله عليه وسلم-: جعلني الله فداك، لو أن رجلا منا وجد على بطن امرأته رجلا فتكلم جلد ثمانين جلدة ولا تقبل له شهادة «2» في المسلمين أبدا ويسميه المسلمون فاسقا، فكيف لأحدنا عند ذلك بأربعة شهداء إلى أن تلتمس أحدنا أربعة شهداء فقد فرغ الرجل من حاجته فأنزل الله- عز وجل- فى قوله: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ بالزنا وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ يعني الزوج أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ- 6- إلى ثلاث آيات،
فابتلى «3» الله- عز وجل- عاصما بذلك في يوم الجمعة الأخرى فأتاه ابن عمه عويمر الأنصاري من بني العجلان بن عمرو بن عوف وتحته ابنة عمه أخى أبيه فرماها بابن عمه شريك بن السحماء، والخليل والزوج والمرأة
__________
(1) هكذا فى أ، ز، ف، ل.
والمراد ضربا وسطا بين الشديد والخفيف، يضرب بسوط لا ثمرة فيه ويفرق الضرب على جسمه ولا يضرب على وجهه لأنه مجمع المحاسن ولا على فرجه لأنه مقتل. انظر كتاب الاختيار لتعليل المختار للموصلي: 4/ 84.
(فصل فى بيان حد الزنا) وأيضا: 4/ 79. (كتاب الحدود) : 4/ 93، باب حد القذف.
(2) من، ز، وفى أ: ولا تقبل له شهادة، ولا تقبل لها شهادة.
(3) فى أ: فابتل، ز: فابتلى.(3/184)
كلهم من بني عمرو بن عوف وكلهم بنو عم عاصم فقال: يا عاصم، لقد رأيت شريكا على بطن امرأتي فاسترجع عاصم فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال:
أرأيت سؤالي عن هذه وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ فقد ابتليت بها في أهل بيتي فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- وما ذاك يا عاصم [35 أ] فقال: أتاني ابن عمي فأخبرني أنه وجد ابن عم لنا على بطن امرأته فأرسل النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى الزوج والخليل والمرأة فأتوه «1» فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لزوجها عويمر: ويحك اتق الله- عز وجل- في خليلتك وابنة عمك أن تقذفها بالزنا.
فقال الزوج: أقسم لك بالله- عز وجل- إني رأيته معها على بطنها وإنها لحبلى منه، وما قربتها منذ أربعة أشهر. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- للمرأة: خولة بنت قيس الأنصارية ويحك ما يقول زوجك، قالت: أحلف بالله إنه لكاذب، ولكنه غار، ولقد رءانى معه نطيل السمر بالليل «2» والجلوس بالنهار، فما رأيت ذلك في وجهه، وما نهاني عنه قط، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- للخليل: ويحك ما يقول ابن عمك فحدثه مثل قولها، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- للزوج والمرأة: قوما فاحلفا بالله- عز وجل.
فقام الزوج عند المنبر دبر صلاة العصر يوم الجمعة «وهو» عويمر بن أمية «3» فقال:
__________
(1) ورد ذلك فى لباب النقول للسيوطي: 155- 156. كما ساق رواية أخرى أخرجها الإمام أحمد أن الآية نزلت فى سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار. ونقل السيوطي أن الحافظ بن حجر قال:
اختلف الأئمة فى هذه المواضع فمنهم من رجح أنها نزلت فى شأن عويمر، ومنهم من رجح أنها نزلت فى شأن هلال، ومنهم من جمع بينهما بأن أول من وقع له هلال، وصادف مجيء عويمر أيضا فنزلت فى شأنهما معا.
(2) فى أ: السمر بالليل، ز: السهر والجلوس بالنهار.
(3) عويمر بن أمية: ليس فى ز ولا فى ل، «وهو» : زيادة اقتضاها السياق.(3/185)
أشهد بالله أن فلانة زانية يعني امرأته خولة، وإني لمن الصادقين، ثم قال الثانية «1» : أشهد بالله أن فلانة زانية ولقد رأيت شريكا على بطنها وإني لمن الصادقين، ثم قال الثالثة: أشهد بالله أن فلانة زانية وإنها لحبلى من غيري وإني لمن الصادقين.
ثم قال في الرابعة: أشهد بالله أن فلانة زانية وما قربتها منذ أربعة أشهر وإني لمن الصادقين.
ثم قال الخامسة: لعنة الله على عويمر إن كان من الكاذبين عليها فى قوله.
«وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ» «2» - 7- ثم قامت خولة بنت قيس الأنصاري مقام زوجها، فقالت: أشهد بالله ما أنا بزانية وإن زوجي لمن الكاذبين، ثم قالت «3» الثانية: أشهد بالله ما أنا بزانية، وما رأى شريكا على بطني وإن زوجي لمن الكاذبين.
ثم قالت الثالثة: أشهد بالله ما أنا بزانية وإني لحبلى منه وإنه لمن الكاذبين.
ثم قالت الرابعة: أشهد بالله ما أنا بزانية وما رأى علي من ريبة ولا فاحشة وإن زوجي لمن الكاذبين.
ثم قالت الخامسة: غضب الله على خولة إن كان عويمرا من الصادقين في قوله. ففرق النبي- صلى الله عليه وسلم- بينهما، فذلك قوله- عز وجل-:
وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ يقول يدفع عنها الحد «4» لشهادتها «5» بعد
__________
(1) من ز، وليست فى أ.
(2) الآية ساقطة من أ، ف، ز، ل، ح، م.
(3) فى أزيادة: فقالت.
(4) فى أ: الحد، ز: الجلد.
(5) فى أ: بشهادتها، ز: لشهادتها.(3/186)
أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ- 8- «وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ» زوجها «مِنَ الصَّادِقِينَ» - 9- في قوله وكان الخليل رجلا «1» أسود [35 ب] ابن حبشية
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا ولدت فلا ترضع ولدها حتى تأتوني به فأتوه بولدها فإذا هو أشبه الناس بالخليل، فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لولا الأيمان «2» لكان لي فيهما «3» أمر.
«والمتلاعنان يفترقان فلا يجتمعان أبدا، وإن صدقت زوجها لم يتلاعنا.
فإن كان زوجها جامعها- بعد الدخول بها «4» - رجمت ويرثها زوجها، وإن كان لم يجامعها جلدت مائة جلدة وهي امرأته «5» .
وإن كان الزوج رجع عن قوله قبل أن يفرغا من الملاعنة جلد ثمانين جلدة وكانت امرأته كما هي «6» .
ثم قال الله- عز وجل-: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ يعني ونعمته لأظهر المريب «7» يعني الكاذب منهما. ثم قال: وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ على التائب حَكِيمٌ- 10- حكم الملاعنة ثم قال: - عز وجل- إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ يعني بالكذب عُصْبَةٌ مِنْكُمْ وذلك أن النبي- صلى الله
__________
(1) فى أ: رجل، ز: رجلا. [.....]
(2) فى أ: لولا ما مضى، ز: او لا الأيمان.
(3) فى أ: فيها، ز: فيهما.
(4) زيادة اقتضاها السياق. والمراد إن كان زوجها قد جامعها صارت محصنة فحدها الرجم وإن لم يكن جامعها لم تكن محصنة فيكون حدها الجلد.
(5) ما بين الأقواس « ... » : من ل، ز، وهو ناقص ومضطرب فى أ.
(6) ساقط من أ، وهو من ز، ل.
(7) فى أ: على المذنب، ز: المريب.(3/187)
عليه وسلم- انطلق غازيا وانطلق معه «1» عائشة بنت «2» أبي بكر- رضي الله عنهما- زوج النبي- صلى الله عليه وسلم-، ومع النبي- صلى الله عليه وسلم- يومئذ رفيق له، يقال له صفوان بن المعطل من بني سليم، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا سار ليلا مكث صفوان في مكانه حتى يصبح فإن سقط من المسلمين شيء من متاعهم حمله إلى العسكر فعرفه، فإذا جاء صاحبه دفعه إليه، وإن عائشة- رضي الله عنها- لما نودي بالرحيل ذات ليلة «3» ركبت الرحل فدخلت هودجها، ثم ذكرت حليا كان لها نسيته في المنزل «4» فنزلت لتأخذ الحلي ولا يشعر بها صاحب البعير فانبعث البعير فسار مع المعسكر فلما وجدت عائشة- رضي الله عنها- حليها وكان جزعا ظفار يا لا ذهب فيه ولا فضة ولا جوهر «5» فإذا البعير قد ذهب فجعلت تمشي على إثره وهي تبكي، وأصبح صفوان بن المعطل في المنزل «6» ، ثم سار في أثر النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فإذا هو بعائشة- رضي الله عنها- قد غطت وجهها تبكي. فقال صفوان: من هذا؟ فقالت: أنا عائشة؟ فاسترجع «7» ونزل عن بعيره «8» وقال: ما شأنك يا أم المؤمنين. فحدثته بأمر الحلي فحملها على بعيره،
__________
(1) كذا فى أ، ل، ز، ف.
(2) فى الأصل: ابنت.
(3) فى أ: ذلك ليلة، ل: ذات ليلة، والجملة ساقطة من ز.
(4) هكذا فى أ، ز، ل، ف، والمراد بالمنزل اسم مكان للنزول وهو الموضع الذي نزلت به لنقضي حاجتها بعيدا عن الجيش.
(5) ما بين الأقواس « ... » من أ، ل وساقط من ز. وفى أ: ولا جوهرا.
(6) أى فى المكان الذي نزل به الجيش.
(7) استرجع: أى قال: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.
(8) وردت هذه القصة فى لباب النقول للسيوطي: 157، وقد أخرجها الشيخان وغيرهما عن عائشة- رضى الله عنها. [.....](3/188)
ونزل النبي- صلى الله عليه وسلم «1» - ففقد «2» عائشة- رضي الله عنها- فلم يجدها فلبثوا ما شاء الله ثم جاء صفوان «3» وقد حملها على بعيره، فقذفها عبد الله بن أبي، وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب «4» بن عبد مناف وحمنة «5» بنت جحش أخت عبد الله بن جحش الأسدي «6» .
يقول الله- تعالى-: لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ لأنكم تؤجرون على ما قد قيل لكم من الأذى بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [36 أ] حين أمرتم بالتثبت «7» والعظة لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ على قدر ما خاض فيه من أمر عائشة- رضي الله عنها- وصفوان بن المعطل السلمى وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ يعني عظمة منهم يعني من العصبة وهو عبد الله بن أبي رأس المنافقين وهو الذي قال ما برئت منه وما برئ منها «8» ، لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ- 11- أى شديد.
__________
(1) فى ز، ل «وأصحابه» ، وليست فى أ.
(2) فى أ: فقد، ل، ز: ففقد، وقد تكون فتفقد.
(3) فى حاشية ز، ما يأتى: (وفى رواية «وكان صفوان قد عرض من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزل والنفر (كذ أ] بين نزول المساء وأخذ الليل، يقلل عرض مشددا نزل آخر الليل ومخففا سار الليل كله.
(4) فى أ: عبد المطلب، ل، ز: المطلب.
(5) فى أ: وجميلة بنت جحش، ز: وحمنة بنت جحش أخت عبد الله بن جحش.
(6) جاء فى النسفي: فقال عبد الله بن أبى ما برئت عائشة من صفوان وما برىء منها فخاض الناس فى ذلك فقال بعضهم قد كان كذا وكذا، وقال بعضهم سمعت كذا وكذا، وبعضهم عرض بالقول، وبعضهم أعجبه ذلك، فنزلت ثماني عشرة آية تكذب الذين قذفوا عائشة- رحمها الله- وتبرئها وتؤدب المؤمنين فنزلت «إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ» يعنى عبد الله بن أبى وحسان بن ثابت ومسطح ابن أثاثة وحمنة بنت جحش «لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ» يقول لعائشة وصفوان لا تحسبوا الذي قيل لكم من الكذب شرا لكم لأنكم تؤجرون على ذلك.
(7) فى أ: بالتثبيت، ز: بالتثبت.
(8) من ز، وفى أ: يعنى عظمه من المعصية يعنى عبد الله بن أبى.(3/189)
ففي هذه الآية عبرة لجميع المسلمين إذا كانت بينهم خطيئة، فمن أعلن عليها «1» بفعل أو كلام أو عرض أو أعجبه ذلك أو رضي به فهو شريك في تلك الخطيئة على قدر ما كان بينهم والذي تولى كبره يعني الذي ولي الخطيئة بنفسه فهو أعظم إثما عند الله وهو المأخوذ به قال فإذا كانت خطيئة بين المسلمين فمن شهد وكره فهو مثل الغائب، ومن غاب ورضي فهو كمن شهد «2» ، ثم وعظ الذين خاضوا في أمر عائشة- رضي الله عنها- فقال: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ يقول هلا إذ سمعتم قذف عائشة- رضي الله عنها- بصفوان «3» كذبتم به ألا ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ لأن فيهم حمنة بنت جحش بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً يقول ألا ظن بعضهم ببعض خيرا بأنهم لم يزنوا وَألا قالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ- 12- يقول ألا قالوا هذا القذف كذب بين، ثم ذكر الذين قذفوا عائشة فقال: لَوْلا يعنى هلا جاؤُ عَلَيْهِ يعني على القذف بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ: بأربعة شهداء فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ- 13- في قولهم «4» ، يعني الذين قذفوا عائشة- رحمها الله- ثم قال: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ يعنى ونعمته فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ- 14- يقول لأصابكم «5» فيما قلتم من القذف العقوبة في الدنيا والآخرة فيها تقديم إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ يقول إذ يرويه بعضكم عن بعض وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ يعنى
__________
(1) هذا التعليق من ز وحدها، وفيها (عليه) .
(2) كل هذا التعليق من ز، وليس فى أ.
(3) مكررة فى أ.
(4) الآية رقم 13 مع تفسيرها سقطا من أ، وهما من ز.
(5) فى أ: لأصابهم، ز، ل: لأصابكم.(3/190)
بألسنتكم ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ يقول من غير أن تعلموا أن الذي قلتم من القذف حق وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً يقول تحسبون القذف ذنبا هينا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ- 15- في الوزر ثم وعظ الذين خاضوا في أمر عائشة- رضي الله عنها- فقال- سبحانه-: وَلَوْلا يعني هلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ يعني القذف قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا يعني ما ينبغي لنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا الأمر هلا قلتم مثل ما قال سعد بن معاذ «1» - رضي الله عنه- وذلك أن سعدا لما سمع القول في أمر عائشة قال:
سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ «2» .
ثم قال- عز وجل- ألا قلتم سُبْحانَكَ يعني ألا نزهتم الرب- جل جلاله- عن أن يعصى وقلتم هَذَا القول بُهْتانٌ عَظِيمٌ- 16- لشدة قولهم والبهتان الذي يبهت فيقول «3» ما لم يكن من قذف أو غيره ثم وعظ الذين خاضوا في أمر عائشة- رضي الله عنها- فقال: يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً يعنى القذف أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ- 17- وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ يعني أموره «4» وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ- 18- إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ يعني من قذف عائشة- رضي الله عنها- وصفوان أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ يعني أن يظهر الزنا، أحبوا ما شاع لعائشة- رضى الله عنها- من الثناء السيء فِي الَّذِينَ آمَنُوا في صفوان وعائشة- رضي الله عنهما- لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يعني وجيع فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ يعني عذاب النار وَاللَّهُ يَعْلَمُ [36 ب] وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ- 19- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ يعني نعمته لعاقبكم فيما قلتم لعائشة
__________
(1) فى ز: الأنصارى صاحب لواء الأنصار. [.....]
(2) ما بين القوسين « ... » من ز، وهو ناقص من أ.
(3) فى أ: فيقول، ز: فيكون.
(4) كذا فى أ، ز.(3/191)
- رضي الله عنها. ثم قال- عز وجل- وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ يعني رفيق بكم «1» رَحِيمٌ- 20- بكم حين عفا عنكم فلم يعاقبكم في أمر عائشة- رضي الله عنها- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ يعني تزيين الشيطان في قذف عائشة- رضي الله عنها- وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ يعني بالمعاصي وَالْمُنْكَرِ يعني ما لا يعرف وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ يعني نعمته ما زَكى يعني ما صلح مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي يعنى بصلح مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ لقولهم لعائشة عَلِيمٌ- 21- به.
وَلا يَأْتَلِ يعني ولا يحلف أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ يعني في الغنى وَالسَّعَةِ في الرزق يعني أبا بكر الصديق- رضي الله عنه- أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى يعني مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف، وأمه اسمها أسماء بنت أبي جندل بن نهشل، قرابة أبي بكر الصديق ابن خالته «2» وَالْمَساكِينَ لأن مسطحا كان فقيرا وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لأنه كان من المهاجرين الذين هاجروا إلى المدينة وَلْيَعْفُوا يعني وليتركوا وَلْيَصْفَحُوا يعني وليتجاوزوا عن مسطح أَلا تُحِبُّونَ يعني أبا بكر أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ للذنوب العظام رَحِيمٌ- 22- يعني بالمؤمنين
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر- رضي الله عنه-: أما تحب أن يغفر الله- تعالى
__________
(1) فى أ: رفيق لكم، ز: يرق لكم.
(2) من ز، ل، وفى أزيادة هي: وكان يتيما فى حجره فى صغره فلما تبين عذر عائشة- رضى الله عنها- وكان مسطح فيمن خاض فى أمرها حلف أَبُو بَكْر- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- ألا يصله بشيء أبدا لأنه أذاع على عائشة أمر القذف، وكان مسطح من المهاجرين الأولين فأنزل الله- عز وجل- في أبي بكر الصديق «وَلا يَأْتَلِ» يعني ولا يحلف «أُولُو الْفَضْلِ منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى» .(3/192)
لك. قال: بلى. قال: فاعف واصفح.
فَقَالَ أَبُو بَكْر- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ-: قَدْ عفوت وصفحت لا أمنعه معروفا بعد اليوم، وقد جعلت له مثل ما كان قبل اليوم. وكان أبو بكر- رضي الله عنه- قد حرمه تلك العطية حين ذكر عائشة- رضي الله عنها- بالسوء.
إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ يعني يقذفون بالزنا الْمُحْصَناتِ لفروجهن عفائف يعني عائشة- رضي الله عنها- الْغافِلاتِ عن الفواحش الْمُؤْمِناتِ يعني المصدقات لُعِنُوا يعني عذبوا بالجلد ثمانين فِي الدُّنْيا وَفى الْآخِرَةِ بعذاب «النار. يعني عبد الله بن أبي يعذب بالنار «1» [37 أ] لأنه منافق وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ- 23- ثم ضرب النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْد اللَّه بن أبي وحسان بن ثابت ومسطح وحمنة بنت جحش كل واحد منهم ثمانين في قذف عائشة- رضي الله عنها- يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ- 24- يَوْمَئِذٍ في الآخرة يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ يعني حسابهم بالعدل لا يظلمون وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ- 25- يعني العدل البين، ثم قال- تعالى-: الْخَبِيثاتُ يعنى السيء من الكلام لِلْخَبِيثِينَ من الرجال والنساء الذين قذفوا عائشة لأنه يليق بهم الكلام السيء «2» .
__________
(1) من «النار ... » إلى « ... النار» : ساقط من أ، وهو من ز.
(2) اضطراب فى النسخ والتفسير مستخلص من أ، ز.
ففي أ: «الخبيثات» يعنى السيء من الكلام لأنهم يليق بهم الكلام السيء يعنى قذف عائشة- رضى الله عنها. «لِلْخَبِيثِينَ» من الرجال والنساء الذين قذفوا عائشة- رضى الله عنها- لأن فيهم حمنة بنت جحش.
وفى ز: «الخبيثات للخبيثين» يعنى السيئ من الكلام لأنه يليق بها السيء، ثم قال «وَالْخَبِيثُونَ» من الرجال والنساء «لِلْخَبِيثَاتِ» يعني السيئ من الكلام لأنه يليق بهم الكلام السيئ.(3/193)
وَالْخَبِيثُونَ من الرجال والنساء لِلْخَبِيثاتِ يعني السيئ من الكلام لأنه يليق بهم الكلام السيئ «1» .
ثم قال- سبحانه-: وَالطَّيِّباتُ يعني الحسن من الكلام لِلطَّيِّبِينَ من الرجال والنساء يعني- عز وجل- الذين ظنوا بالمؤمنين والمؤمنات خيرا وَالطَّيِّبُونَ من الرجال والنساء لِلطَّيِّباتِ يعني الحسن من الكلام لأنه يليق بهم الكلام الحسن، ثم قال- تعالى-: أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ يعني مما يقول هؤلاء القاذفون الذين قذفوا عائشة- رضى الله عنها- هم مبرأون من الخبيثات من الكلام لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ- 26- يعني رزقا حسنا فى الجنة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا يعنى حتى تستأذنوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها فيها تقديم فابدءوا بالسلام قبل الاستئذان وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يقول بعضهم لبعض حييت صباحا ومساء فهذه كانت تحية القوم بينهم حتى نزلت هذه الآية، ثم قال:
__________
(1) وفى الجلالين: «الخبيثات» من النساء ومن الكلمات «للخبيثين» من الناس «والخبيثون» من الناس «للخبيثات» مما ذكر.
وفى البيضاوي: «الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ، وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ للطيبات» أى الخبائث يتزوجن الخبائث وبالعكس وكذلك أهل الطيب فيكون كالدليل على قوله «أولئك» يعنى أهل بيت النبي- صلى الله عليه وسلم- أو الرسول وعائشة وصفوان «مبرءون مما يقولون» إذ لو صدق لم تكن زوجته ولم يقرر عليها وقيل الخبيثات والطيبات من الأقوال والإشارة إلى الطيبين والضمير فى «يقولون» للآفكين مما يقولون فيهم أو للخبيثات أى مبرءون من أن يقولوا مثل قولهم.
«لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ» يعنى الجنة ولقد برأ الله أربعة بأربع، برأ يوسف- عليه السلام- بشاهد من أهلها، وموسى- عليه السلام- من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه، ومريم بإنطاق ولدها، وعائشة- رضى الله عنها- بهذه الآيات مع هذه المبالغات، وما ذلك إلا لإظهار منصب الرسول- صلى الله عليه وسلم- وإعلاء منزلته.(3/194)
ذلِكُمْ يعني السلام والاستئذان خَيْرٌ لَكُمْ يعني أفضل لكم من «1» أن تدخلوا بغير إذن لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ- 27- أن التسليم والاستئذان خير لكم فتأخذون به ويأخذ أهل البيت حذرهم فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً يعني في البيوت فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ في الدخول وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ولا تقعدوا ولا تقوموا على أبواب الناس فإن لهم حوائج «2» هُوَ أَزْكى لَكُمْ يقول الرجعة خير لكم من القيام والقعود على أبوابهم وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ- 28- إن دخلتم بإذن أو بغير إذن فمن دخل بيتا بغير إذن أهله قال له ملكاه اللذان يكتبان عليه [37 ب] : أف لك عصيت وآذيت.
يعني عصيت الله- عز وجل- وآذيت أهل البيت، فلما نزلت آية التسليم والاستئذان في البيوت، قال أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- للنبي- صلى الله عليه وسلم-: فكيف بالبيوت التي بين مكة والمدينة والشام على طهر الطريق ليس فيها ساكن؟ فأنزل الله- عز وجل- في قول أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ يعني حرج أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ ليس بها ساكن فِيها مَتاعٌ يعني منافع لَكُمْ من البرد والحر يعني الخانات والفنادق وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ يعني ما تعلنون بألسنتكم وَما تَكْتُمُونَ- 29- يعني ما تسرون في قلوبكم.
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا يخفضوا «3» مِنْ أَبْصارِهِمْ و «من» «4» ها هنا صلة يعني يحفظوا أبصارهم كلها عما لا يحل النظر إليه وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ عن
__________
(1) من: ساقطة من أ، وفى حاشية أ: من محمد وهي فى ز.
(2) فى أ: حوائج، ل، ز: حوائجا.
(3) فى أ: يحفظوا، وفى حاشية أ: يخفضوا، محمد.
وفى ل: يحفظوا، وليست فى ز مطلقا.
(4) فى الأصل: «المن» .(3/195)
الفواحش ذلِكَ الغض للبصر والحفظ للفرج أَزْكى لَهُمْ يعنى خيرا لهم «من أن لا يغضوا الأبصار، ولا يحفظوا الفروج» «1» ثم قال- عز وجل-:
إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ- 30- في الأبصار والفروج نزلت هذه الآية والتي بعدها في أسماء بنت مرشد كان لها في بني حارثة نخل يسمى الوعل فجعلت «2» النساء يدخلنه غير متواريات يظهرن ما على صدورهن وأرجلهن وأشعارهن، فقالت أسماء: ما أقبح هذا! فأنزل الله- عز وجل- وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها يعني الوجه والكفين وموضع السوارين وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ يعنى على صدورهن وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ يعني- عز وجل- ولا يضعن الجلباب إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ يعني أزواجهن أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ، ثم قال: أَوْ نِسائِهِنَّ يعني نساء المؤمنات كلهن أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ من العبيد أَوِ التَّابِعِينَ وهو الرجل يتبع الرجل فيكون معه من غير عبيده، من غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ «مِنَ الرِّجالِ» «3» يقول من لا حاجة له في النساء: الشيخ الهرم والعنين والخصي والعجوب ونحوه، ثم قال- سبحانه-: أَوِ الطِّفْلِ يعني الغلمان الصغار الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ لا يدرون ما النساء من الصغر فلا بأس بالمرأة أن تضع الجلباب عند هؤلاء «4» المسلمين فى هذه الآية، ثم قال- تعالى-[38 أ] :
__________
(1) فى أ: «مما لا يغضون الأبصار ولا يحفظون الفروج» ، ز: «من أن لا يحفظوا ... » .
(2) فى أ: «فجعل» ، ز: «فجعلت» وتشبه فجعلن. [.....]
(3) «من الرجال» : ساقطة من أ، ل، ز.
(4) كذا فى أ، ل، ز، والمراد عند وجود هؤلاء تتخفف المرأة من جلبابها.(3/196)
وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ يقول ولا يحركن أرجلهن لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ يعني الخلخال وذلك أن المرأة يكون في رجلها خلخال فتحرك رجلها عمدا ليسمع صوت الجلاجل، فذلك قوله- عز وجل- «وَلا يَضْرِبْنَ بأرجلهن» وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً من الذنوب التي أصابوها مما في هذه السورة أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مما نهى عنه- عز وجل- من أول هذه السورة إلى هذه الآية لَعَلَّكُمْ يعني لكي تُفْلِحُونَ- 31- وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ يعني الأحرار بعضكم بعضا يعني من الأزواج من رجل أو امرأة وهما حران فأمر الله- عز وجل- أن يزوجا، ثم قال- سبحانه- وَأنكحوا الصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ يقول وزوجوا المؤمنين من عبيدكم وإمائكم فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج، ثم رجع إلى الأحرار فيها تقديم إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ لا سعة لهم في التزويج يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ الواسع فوعدهم أن يوسع عليهم عند التزويج وَاللَّهُ واسِعٌ لخلقه عَلِيمٌ- 32- بهم «1» فقال عمر- رضي الله عنه- ما رأيت أعجز ممن لم يلتمس الغناء في الباءة يعني النساء يعني قول الله- عز وجل-:
«إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ» وَلْيَسْتَعْفِفِ عن الزنا ويقال نكاح الأمة الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً يعني سعة التزويج حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ يعنى يرزقه فيتزوج الحرائر وتزوجوا الإماء وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يعني عبيدكم فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً يعنى ما لا، نزلت في حويطب بن عبد العزى وفي غلامه صبيح القبطي وذلك أنه طلب إلى سيده المكاتبة على مائة دينار ثم وضع عنه عشرين دينارا، فأداها وعتق، ثم إن صبيحا
__________
(1) فى أ: به، ز: بهم.(3/197)
يوم حنين أصابه سهم فمات منه، ثم أمر الله- تبارك وتعالى- أن يعينوا في الرقاب فقال: وَآتُوهُمْ يعني وأعطوهم مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي «آتاكُمْ» «1» وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ يقول ولا تكرهوا ولائدكم على الزنا، نزلت فى عبد الله ابن أبي المنافق وفي جاريته أميمة «2» ، وفي عبد الله بن نتيل «3» المنافق وفي جاريته مسيكة وهي بنت أميمة، ومنهن أيضا معادة «4» وأروى وعمرة وقتيلة، فأتت أميمة وابنتها مسيكة للنبي «5» - صلى الله عليه وسلم- فقالت: إنا نكره على الزنا.
فأنزل الله- عز وجل- هذه الآية [38 ب] «وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ» إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً «6» يعني تعففا عن الفواحش لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا يعني كسبهن وأولادهن من الزنا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ على الزنا فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ لهن في قراءة ابن مسعود غَفُورٌ لذنوبهن رَحِيمٌ- 33- بهن لأنهن مكرهات. وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ يعني الحلال والحرام والحدود وأمره ونهيه مما ذكر فى هذه السورة إلى هذه الآية، ثم قال- سبحانه-:
وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ يعني سنن العذاب في الأمم الخالية حين
__________
(1) فى أ: أعطاكم، وفى حاشية أ: الآية «آتاكم» .
(2) فى ز، زيادة- أم مسيكة.
(3) فى أ: شبل، ز: نتبل.
(4) ورد ذلك فى لباب النقول للسيوطي: 162.
(5) فى أ: النبي، ز: النبي.
(6) فى حاشية ز ما يأتى:
قوله: «إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً» مفهوم الشرط هنا معطل إجماعا، وإنما أتى به ليظهر عن الإكراه فائدة إذا لو أردن البغاء وهو الزنا لم يظهر للنهي عنه فائدة لاتفاق السادات والنفيات عليه، كذا فهمته، وأن لم أعلم، كتبه الفقير إلى من قال «ادعوني» أحمد بن عبد الكريم الأشمونى- عفا الله عنهما.
وذلك فى حاشية الورقة 56 من النسخة الأزهرية.(3/198)
كذبوا رسلهم وَمَوْعِظَةً يعني وعظة لِلْمُتَّقِينَ- 34- اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ «1» يقول الله هادي أهل السموات والأرض ثم انقطع الكلام، وأخذ في نعت نبيه- صلى الله عليه وسلم- وما ضرب له من المثل، فقال- سبحانه-:
مَثَلُ نُورِهِ مثل نور محمد- صلى الله عليه وسلم- إذا كان مستودعا في صلب أبيه عبد الله بن عبد المطلب كَمِشْكاةٍ يعني بالمشكاة الكوة ليست بالنافذة فِيها مِصْباحٌ يعني السراج الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الصافية تامة الصفاء يعني بالمشكاة صلب عبد الله أبي محمد- صلى الله عليه وسلم- ويعني بالزجاجة جسد محمد- صلى الله عليه وسلم- ويعني بالسراج الإيمان في جسد محمد- صلى الله عليه وسلم-، فلما خرجت الزجاجة فيها المصباح من الكوة صارت الكوة مظلمة فذهب نورها والكوة مثل عبد الله ثم شبه الزجاجة بمحمد- صلى الله عليه وسلم- في كتب الأنبياء- عليهم السلام- لا خفاء فيه «2» كضوء الكواكب الدري وهو الزهرة في الكواكب ويقال المشتري وهو البرجرس بالسريانية «3» يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ يعني بالشجرة المباركة إبراهيم- خليل الرحمن، صلى الله عليه
__________
(1) جاء فى حاشية ز ما يأتى: ورقة 56:
روى مقاتل عن الضحاك مثل للنبي- صلى الله عليه وسلم-، فشبه عبد المطلب بالمشكاة، وشبه عبد الله بالزجاجة وشبه النبي بالمصباح وكان فى صلبهما، فنورت النبوة من إبراهيم وهو قوله: «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ» وإنما شبه إبراهيم بالشجرة لأن أكثر الأنبياء منه «لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ» أى لا يهودية ولا نصرانية، ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا.
(2) فى أ: به.
(3) من أ، وفى ز: «كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ» يعنى أن اسم محمد- صلى الله عليه وسلم- وذكره مع أسماء الأنبياء والرسل فى اللوح المحفوظ عند الله، فضل اسمه على تلك الأسماء كفضل الكوكب الدري يعنى المضيء على سائر الكواكب وهي الزهرة.(3/199)
وسلم- يقول يوقد محمد من إبراهيم- عليهما السلام- وهو من ذريته ثم ذكر إبراهيم- عليه السلام- فقال- سبحانه-: زَيْتُونَةٍ قال طاعة حسنة لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يقول لم يكن إبراهيم- عليه السلام- يصلي قبل المشرق كفعل النصارى ولا قبل المغرب كفعل اليهود، ولكنه كان يصلي قبل الكعبة، ثم قال: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ «يعني إبراهيم يكاد علمه يضيء. وسمعت من يحكي عن أبي صالح في قوله- تعالى-: (يكاد زيتها يضيء) «1» قال: يكاد محمد- صلى الله عليه وسلم- أن يتكلم بالنبوة قبل أن يوحى إليه يقول: «وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ» يقول ولو لم تأته النبوة لكانت طاعته مع طاعة [39 أ] الأنبياء، عليهم السلام، ثم قال- عز وجل-: نُورٌ عَلى نُورٍ قال محمد- صلى الله عليه وسلم- نبي خرج من صلب نبي يعني إبراهيم- عليهما السلام- يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ قال يهدي الله لدينه من يشاء من عباده، وكأن الكوة مثلا لعبد الله بن عبد المطلب، ومثل السراج مثل الإيمان، ومثل الزجاجة مثل جسد محمد- صلى الله عليه وسلم- ومثل الكوكب الدري مثل محمد- صلى الله عليه وسلم-، ومثل الشجرة المباركة مثل إبراهيم- عليهما السلام «2» -، فذلك قوله- عز وجل-
__________
(1) ما بين الأقواس « ... » كان قد سقط سهوا من أ، ثم كتبه فى الهامش.
(2) سار مقاتل على أن الضمير فى قوله- تعالى: «مَثَلُ نُورِهِ» عائد على محمد- صلى الله عليه وسلم- وهو احتمال بعيد فى رأيى.
وقد سار البيضاوي على أن الضمير عائد على لله- تعالى- فقال: «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» بمعنى منور السموات والأرض وقد قرئ به فإنه- تعالى- نورهما بالكواكب وما يفيض عنها من الأنوار وبالملائكة والأنبياء أو مدبرهما.
«مَثَلُ نُورِهِ» صفة نوره العجيبة وإضافته إلى ضميره- سبحانه- دليل على أن إطلاقه عليه لم يكن على ظاهره.
وقال فى الجلالين «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» أى منورهما بالشمس والقمر «مَثَلُ نُورِهِ» أى صفته فى قلب المؤمن «كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ» هي القنديل والمصباح السراج أى الفتيلة الموقودة، والمشكاة الطاقة غير النافذة أى الأنبوبة فى القنديل. [.....](3/200)
وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ- 35- فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ يقول أمر الله- عز وجل- أن ترفع يعني أن تبنى.
أمر الله- عز وجل- برفعها وعمارتها وَأمر أن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يعني يوحَّد الله- عز وجل- نظيرها في البقرة» «1» : يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ يقول يصلي لله- عز وجل- رِجالٌ فيها تقديم بالغدو والعشي «2» ، ثم نعتهم فقال- سبحانه-: لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ يعني شراء «3» وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ يعني الصلوات المفروضة وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يقول لا تلهيهم التجارة عن إقام الصلاة وإعطاء الزكاة، ثم أخبر عنهم فقال- سبحانه-:
يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ حين زالت من أماكنها من الصدور فنشبت في حلوقهم عند الحناجر، قال: وَالْأَبْصارُ- 37- يعني تقلب أبصارهم فتكون زرقا، لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما يعني الذي عَمِلُوا من الخير ولهم مساوئ فلا يجزيهم بها وَيَزِيدَهُمْ على أعمالهم مِنْ فَضْلِهِ فضلا على أعمالهم وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ- 38- يقول الله- تعالى- لَيْسَ فوقي ملك يحاسبني أَنَا الملك أعطي من شئت بغير حساب لا أخاف من أحد يحاسبني وَالَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله مثل أَعْمالُهُمْ الخبيثة كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يعني- عز وجل- بالسراب الذي يرى في الشمس بأرض قاع «4» يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ يعني العطشان مَاءً فيطلبه ويظن أنه قادر عليه حَتَّى إِذا جاءَهُ
__________
(1) يشير إلى الآية 203 من سورة البقرة وهي «وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ ... » الآية.
(2) أى يسبح له رجال بالغدو والعشى أى فى الصباح والمساء.
(3) فى أ: شرى، ل: شراء.
(4) بأرض قاع: أى فى صحراء خالية أو فضاء متسع، وفى أ: فى الشمس قاع، ز: بأرض قاع.(3/201)
يعنى أتاه لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً فهكذا الكافر إذا انتهى إلى عمله يوم القيامة وجده لم يغن عنه شيئا لأنه عمله في غير إيمان، كما لم يجد العطشان السراب شيئا حتى انتهى إليه فمات من العطش فهكذا الكافر يهلك يوم القيامة كما هلك العطشان حين انتهى إلى السراب، يقول: وَوَجَدَ اللَّهَ- جل جلاله- بالمرصاد وعِنْدَهُ عمله فَوَفَّاهُ حِسابَهُ يقول فجازاه بعمله لم يظلمه [39 ب] وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ- 39- يخوفه بالحساب كأنه قد كان نزلت فى شيبة ابن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف وكان يلتمس الدين في الجاهلية ويلبس الصفر فكفر في الإسلام، ثم ضرب الله- عز وجل- لشيبة وكفره بالإيمان مثلا آخر فقال: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يعني في بحر عميق والبحر إذا كان عميقا كان أشد لظلمته، يعني بالظلمات الظلمة التي فيها الكافر والبحر اللجي قلب الكافر يَغْشاهُ مَوْجٌ فوق الماء ثم يذهب عنه ذلك الموج ثم يغشاه موج آخر مكان الموج الأول، فذلك قوله- عز وجل-: «يَغْشَاهُ مَوْجٌ» مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ فهي ظلمة الموج وظلمة الليل وظلمة البحر والسحاب «1» يقول وهذه ظلمات بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ فهكذا الكافر قلبه مظلم في صدر مظلم في جسد مظلم «2» لا يبصر نور «3» الإيمان كما أن صاحب البحر إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ فى ظلمة الماء لَمْ يَكَدْ يَراها يعني لم يرها البتة، فذلك قوله- عز وجل- وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً يعنى الهدى الإيمان فَما لَهُ مِنْ نُورٍ- 40- يعنى من هدى.
__________
(1) فى أ: سحاب، ل: والسحاب، وهي ساقطة من ز.
(2) من ز، وفى أ: فهكذا الكافر قلبه مظلم فى صدر وجسد مظلم.
وفى ل: فهكذا الكافر قلبه مظلم فى صدر جسده مظلم.
(3) فى ا، ز: لا يبصرون، ل: لا يبصر نور.(3/202)
«إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها» لم يقارب به البصر، كقول «1» الرجل لم يصب ولم يقارب.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ يقول ألم تعلم أن الله يذكره مَنْ فِي السَّماواتِ من الملائكة وَمن فى الْأَرْضِ من المؤمنين: من الإنس والجن وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ الأجنحة كُلٌّ من فيها: في السموات «2» والأرض قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ من الملائكة والمؤمنين من الجن والإنس ثم قال- عز وجل-:
وَتَسْبِيحَهُ يعني ويذكره كل مخلوق بلغته غير كفار الإنس والجن وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ- 41- وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ- 42- في الآخرة أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يقول ألم تعلم أن الله يُزْجِي يعني يسوق سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ يعني يضم بعضه إلى بعض ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً يعنى قطعا يحمل بعضها على إثر بعض «ثُمَّ يُؤَلِّفُ «3» بَيْنَهُ» يعني يضم «4» السحاب بعضه إلى بعض بعد الركام فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ يقول فترى المطر يخرج من خلال «5» السحاب وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ بالبرد مَنْ يَشاءُ فيضر في زرعه وثمره وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ فلا يضره فى زرعه
__________
(1) فى ا، ل: كقول، ز: يقول.
(2) من ز، وفى أ: من فى السموات.
(3) فى أ: يولف.
(4) فى أ: يصف، ز: بضم.
(5) فى أ: خلل، ز: خلال.(3/203)
ولا فى ثمره يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يقول ضوء برقه يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ- 43- يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ يعنى بالتقلب «1» اختلافهما: أنه يأتى بالليل [40 أ] ويذهب بالنهار، ثم يأتي بالنهار ويذهب بالليل إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ذكر من صنعه لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ- 44- يعني لأهل البصائر في أمر الله- عز وجل- وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ يعني الهوام وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ الإنس والجن والطير وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ قوائم يعني الدواب والأنعام والوحش والسباع يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الخلق قَدِيرٌ- 45- لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ لما فيه من أمره ونهيه وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- 46- يعني إلى دين مستقيم يعني الإسلام، وغيره من الأديان ليس بمستقيم، وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ يعني صدقنا بتوحيد الله- عز وجل- وَبِالرَّسُولِ يعني محمدا- صلى الله عليه وسلم- أنه من الله- عز وجل- نزلت في بشر المنافق وَأَطَعْنا قولهما ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ يعني ثم يعرض عن طاعتهما طائفة منهم مِنْ بَعْدِ ذلِكَ يعني من بعد الإيمان بالله- عز وجل- ورسوله- صلى الله عليه وسلم-. وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ- 47- يعني- عز وجل- بشر المنافق، ثم أخبر عنه فقال- تعالى-: وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يعني من المنافقين مُعْرِضُونَ- 48- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى كعب بن الأشرف وذلك أن رجلا من اليهود كان بينه وبين بشر خصومة وأن اليهودي دعا بشرا إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-
__________
(1) أ: بالتقلب، ز: تقلب.(3/204)
ودعاه بشر إلى كعب فقال بشر: إن محمدا «1» يحيف علينا، يقول الله- عز وجل:
وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يعنى بشرا المنافق يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ- 49- يأتوا إليه طائعين مسارعين إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني الكفر أَمِ ارْتابُوا أم شكوا في القرآن أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ يعنى أن يجوز الله- عز وجل- عليهم وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ- 50- ثم نعت الصادقين في إيمانهم فقال- سبحانه-: إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ يعني إلى كتابه ورسوله يعني أمر رسوله- صلى الله عليه وسلم- لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا قول النبي- صلى الله عليه وسلم- وَأَطَعْنا أمره وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ- 51- وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ في أمر الحكم وَيَخْشَ اللَّهَ في ذنوبه التي عملها ثم قال- تعالى- «وَيَتَّقْهِ» «2» ومن يتق الله- تعالى- فيما بعد فلم يعصه فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ- 52- يعنى الناجون [40 ب] من النار فلما بين الله- عز وجل- كراهية المنافقين لحكم النبي- صلى الله عليه وسلم- أتوه فقالوا والله لو أمرتنا أن نخرج من ديارنا وأموالنا ونسائنا لخرجنا أفنحن «3» لا نرضى بحكمك فأنزل الله- تبارك وتعالى- فيما حلفوا للنبي «4» - صلى الله عليه وسلم- وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ
يعني حلفوا بالله يعني المنافقين جَهْدَ أَيْمانِهِمْ
فإنه من حلف بالله- عز وجل- فقد اجتهد في اليمين لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ
يعنى النبي- صلى الله
__________
(1) فى أ: صلى الله عليه وسلم، وليست فى ل. [.....]
(2) «وَيَتَّقْهِ» : ساقطة من أ، وفى حاشية أ: الآية ويثقه.
(3) فى أ، ز، ل، ف: فنحن، وقد يكون أصلها أفنحن فسقطت الهمزة من النساخ.
(4) فى ز: حلفوا للنبي، أ: خالفوا النبي.(3/205)
عليه وسلم- لَيَخْرُجُنَ
من الديار والأموال كلها قُلْ
لهم: لا تُقْسِمُوا
لا تحلفوا ولكن هذه منكم طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ
يعني طاعة حسنة للنبي- صلى الله عليه وسلم- إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ
- 53- من الإيمان والشرك، ثم أمرهم بطاعته- عز وجل- وطاعة رسوله- صلى الله عليه وسلم- فقال- تعالى-: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فيما أمرتم فَإِنْ تَوَلَّوْا يعني أعرضتم عن طاعتهما فَإِنَّما عَلَيْهِ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ يقول فإنما على محمد- صلى الله عليه وسلم- ما أمر من تبليغ الرسالة وعليكم وما أمرتم من طاعتهما، ثم قال- تعالى-: وَإِنْ تُطِيعُوهُ يعني- النبي صلى الله عليه وسلم- تَهْتَدُوا من الضلالة وإن عصيتموه فإنما على رسولنا محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البلاغ المبين يعني ليس عليه إلا أن يبلغ ويبين «وَما» «1» عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ «2» - 54- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وذلك أن كفار مكة صدوا المسلمين عن العمرة عام الحديبية فقال المسلمون: لو أن الله- عز وجل- فتح علينا مكة ودخلناها آمنين فسمع الله- عز وجل- قولهم فأنزل الله- تبارك وتعالى- «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا منكم وعملوا الصالحات، لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ يعني أرض مكة كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من بني إسرائيل وغيرهم، وعدهم أن يستخلفهم بعد هلاك كفار مكة «3» وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الإسلام حتى يشيع الإسلام الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ
__________
(1) فى أ: «فما» ، ز: «فانما» .
(2) أتيت بالنص القرآنى بلفظه فى آخر التفسير لأن جميع النسخ حرفته فنقلت التفسير كما فى النسخ ثم نقلت المقطع الأخير من الآية زائدا على التفسير.
(3) فى أ: كفارها، ز: بعد هلاك أهلها.(3/206)
يعني الذي رضي لهم وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ من كفار أهل مكة أَمْناً لا يخافون أحدا يَعْبُدُونَنِي يعني يوحدونني لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً من الآلهة وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ التمكين فى الأرض فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ- 55- يعني العاصين وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ يعني وأتموا الصلاة وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [41 أ] فيما أمركم لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ- 56- يقول لكي ترحموا فلا تعذبوا لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة مُعْجِزِينَ يعني سابقي الله فِي الْأَرْضِ حتى يجزيهم الله- عز وجل- بكفرهم وَمَأْواهُمُ «النَّارُ» «1» وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ- 57- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ فى بيوتكم الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يعني العبيد والولائد في كل وقت نزلت في أسماء بنت أبي مرشد «2» قالت: إنه ليدخل على «3» الرجل والمرأة ولعلهما أن يكونا «4» في لحاف واحد لا علم لهما فنزلت هذه فقال- سبحانه- وَليستأذنكم الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ يعني من الأحرار من الصبيان ثَلاثَ مَرَّاتٍ لأنها ساعات غفلة وغيره مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ يعني نصف النهار وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ يقول هذه ساعات غفلة وغيره لَيْسَ عَلَيْكُمْ معشر المؤمنين يعني أرباب البيوت وَلا عَلَيْهِمْ يعني الخدم والصبيان الصغار جُناحٌ بَعْدَهُنَّ يعني بعد العورات الثلاث طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ يعني بالطوافين يتقلبون عليكم ليلا ونهارا
__________
(1) فى أ: جهنم. وفى حاشية أ: الآية «النار» .
(2) فى أ: أسماء بنت مرشد، ل: أسماء بنت أبى مرشد.
(3) فى أ: على، ز: على.
(4) فى أ: يكونا، ز: يكونان.(3/207)
يدخلون ويخرجون بغير استئذان بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يعني هكذا يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ يعني أمره ونهيه في الاستئذان وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ- 58- «حكم» «1» ما ذكر من الاستئذان في هذه الآية وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ يعني من الأحرار «2» فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني من الكبار من ولد الرجل وأقربائه «3» ويقال من العبيد كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ يعني أمره وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ- 59- حكم الاستئذان بعد العورات «4» الثلاث على الأطفال إذا احتلموا وَالْقَواعِدُ عن الحيض مِنَ النِّساءِ يعني المرأة الكبيرة التي لا تحيض من الكبر اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً يعنى تزويجا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ يعنى حرج أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ في قراءة ابن مسعود «من ثيابهن» وهو الجلباب الذي يكون فوق الخمار غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ لا تريد بوضع الجلباب أن تُرِيَ زينتها يعني الحلي، قال- عز وجل- وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ ولا يضعن الجلباب خَيْرٌ لَهُنَّ من وضع الجلباب وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ- 60- لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ نزلت في الأنصار، وذلك أنه «5» لما نزلت إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً «6» ، «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ [41 ب]
__________
(1) «حكم» : ساقطة من أ، وهي من ل.
(2) فى أ، ل: يعنى من الأحرار الحلم.
(3) فى أ: وأقرباء.
(4) فى أ: عورات. [.....]
(5) زيادة ليست فى أ، ولا فى ل.
(6) سورة النساء: 1.(3/208)
بالباطل «1» » قالت الأنصار: ما بالمدينة مال أعز من الطعام، فكانوا لا يأكلون مع الأعمى لأنه لا يبصر موضع الطعام ولا مع الأعرج لأنه لا يطبق الزحام، ولا مع المريض لأنه لا يطيق «2» أن يأكل كما يأكل الصحيح، وكان الرجل يدعو حميمه وذا قرابته وصديقه إلى طعامه فيقول أطعم من هو أفقر إليه مني فان أكره أن آكل أموال الناس بالباطل والطعام أفضل المال فأنزل الله- عز وجل-: «لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ» وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ في الأكل معهم وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ لأنهم يأكلون على حدة أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ «3» أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ يعني خزائنه يعني عبيدكم وإمائكم أَوْ صَدِيقِكُمْ نزلت في مالك «4» بن زيد وكان «5» صديقه الحارث بن عمرو، وذلك أن الحارث خرج غازيا وخلف مالكا في أهله وماله وولده فلما رجع رأى مالكا مجهودا «6» قال: ما أصابك «7» ؟ قال: لم يكن عندي شيء ولم يحل لي أكل مالك، ثم قال- سبحانه-: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً وذلك أنهم كانوا يأكلون على حدة ولا يأكلون جميعا، يرون أن أكله ذنب «8» يقول
__________
(1) سورة النساء: 29.
(2) فى أ: لا يطيق يأكل، ز: لا يطيق أن يأكل.
(3) فى أ: إلى آخر الآية، وفى ز نص الآية كاملا.
(4) فى أ، ز: «ملك» لكن ذكرت بعد ذلك فى ز «مالك» .
(5) فى أ: كان، ز: وكان.
(6) فى، ل، ز: مجهودا، أقول والمعنى ضعيفا مهزولا.
(7) كذا فى أ، ز- والأنسب قال له: ما أصابك؟
(8) فى ل: ذنب، وفى أ: حلف ولعله محرف عن حلف. والجملة ساقطة من ز.(3/209)
الله- عز وجل-: «كلوا جميعا أو أشتاتا» : وكانت بنو ليث بن بكر لا يأكل الرجل منهم حتى يجد من يأكل معه أو يدركه الجهد فيأخذ عنزة له فيركزها ويلقي عليها ثوبا تحرجا أن يأكل وحده، فلما جاء الإسلام فعلوا ذلك، وكان المسلمون إذا سافروا اجتمع نفر منهم فجمعوا نفقاتهم وطعامهم في مكان فإن غاب رجل منهم لم يأكلوا حتى يرجع صاحبهم مخافة الإثم، فنزلت «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا» إن كنتم جماعة «أَوْ أَشْتَاتًا» يعني متفرقين فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً للمسلمين فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ يعني بعضكم على بعض يعني أهل دينكم يقول السلام تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً يعني من سلم أجر فهي البركة طَيِّبَةً حسنة كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ يعني أمره في أمر الطعام والتسليم لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ- 61- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [42 أ] وَإِذا كانُوا مَعَهُ أي النبي «1» - صلى الله عليه وسلم-» عَلى أَمْرٍ جامِعٍ يقول إذا اجتمعوا «على أمر هو «2» » لله- عز وجل- طاعة لَمْ يَذْهَبُوا يعني لم يفارقوا النبي- صلى الله عليه وسلم- حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ يعني لبعض أمرهم فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ يعني من المؤمنين نزلت في عمر بن الخطاب- رضوان الله عليه- في غزاة تبوك وذلك
أنه استأذن النبي- صلى الله عليه وسلم- في الرجعة أن يسمع المنافقين، إلى أهله فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- انطلق فو الله ما أنت بمنافق.
يريد أن يسمع المنافقين فلما سمعوا ذلك، قالوا: ما بال محمد «3» إذا استأذنه أصحابه أذن لهم فإذا استأذناه
__________
(1) فى أ: « (وإذا كانوا مَعَ) النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-» .
(2) فِي ل: على أمر هو، ا: على أمرهم.
(3) فى أ: صلى الله عليه وسلم، وليس فى ل.(3/210)
لم يأذن لنا، فو اللات ما نراه يعدل، وإنما «1» زعم أنه جاء ليعدل «2» ، ثم قال:
وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ يعني للمؤمنين «اللَّهَ» «3» إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ- 62- لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً يقول الله- عز وجل- لا تدعوا النبي- صلى الله عليه وسلم- باسمه: يا محمد «4» ويا بن عبد الله إذا كلمتموه كما يدعو بعضكم بعضا باسمه يا فلان ويا بن فلان ولكن عظموه وشرفوه- صلى الله عليه وسلم- وقولوا يا رسول الله يا نبي الله- صلى الله عليه وسلم- نظيرها في الحجرات «5» قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً وذلك أن المنافقين كان يثقل عليهم يوم الجمعة قول النبي- صلى الله عليه وسلم- وحديثه إذا كانوا معه على أمر جامع فيقوم المنافق وينسل ويلوذ بالرجال وبالسارية لئلا يراه النبي- صلى الله عليه وسلم- حتى يخرج من المسجد، ويدعوه «6» باسمه يا محمد ويا بن عبد الله فنزلت هؤلاء الآيات قوله- سبحانه-: «قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لو إذا» فخوفهم عقوبته فقال- سبحانه-: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ يعني عن أمر الله- عز وجل- أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ يعنى الكفر أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ- 63- يعنى وجيعا يعني القيل في الدنيا، ثم عظم نفسه- جل جلاله- فقال- تعالى-: أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
__________
(1) فى ل: وإنما، أ: فإنما. [.....]
(2) فى ل: ليعدل، أ: بالعدل.
(3) لفظ الجلالة ساقط من أ، وهو فى ز.
(4) كذا فى أ، ل، ز. والأنسب: مثل يا محمد.
(5) يشير إلى الآية الثانية من سورة الحجرات.
(6) فى أ: ويدعوا، ز: ويدعوه.(3/211)
من الخلق عبيده وفي ملكه قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ من الإيمان والنفاق وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ أي إلى الله في الآخرة «1» فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا من خير أو شر وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ من اعمالكم عَلِيمٌ- 64- به- عز وجل
__________
(1) فى أ: (ويوم يرجعون) فى الآخرة: (إلى) الله.(3/212)
سورة الفرقان(3/213)
[سورة الفرقان (25) : الآيات 1 الى 77]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً (3) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (4)
وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (6) وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (9)
تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (11) إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (12) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (13) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (14)
قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (15) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً (16) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قالُوا سُبْحانَكَ مَا كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (19)
وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (20) وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22) وَقَدِمْنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (23) أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (24)
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يَا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (29)
وَقالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (31) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (32) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (34)
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (35) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (37) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (38) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (39)
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (40) وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً (41) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (42) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44)
أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (45) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (47) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً طَهُوراً (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (49)
وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (50) وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (51) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (52) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (54)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (55) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (56) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (57) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (58) الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (59)
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً (60) تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (62) وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (64)
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (65) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (66) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69)
إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (71) وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (72) وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (74)
أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (75) خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (76) قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (77)(3/215)
سورة الفرقان «1» سورة الفرقان مكية وهي سبع وسبعون آية كوفية «2» .
__________
(1) مقصود السورة.
المقصود الإجمالى لسورة الفرقان ما يأتى:
المنة بإنزال القرآن، ومنشور رسالة سيد ولد عدنان، وتنزيه الحق- تعالى- عن الولد والشريك وذم الأوثان، والشكاية من المشركين بطعنهم فى المرسلين، وطلبهم مجالات المعجزات من الأنبياء كل أوان، وذل المشركين فى العذاب والهوان، وعز المؤمنين فى ثوابهم بفراديس الجنان وخطاب الحق مع الملائكة فى القيامة تهديدا لأهل الكفر، والطغيان، وبشارة الملائكة للمجرمين بالعقوبة النسران، وبطلان أعمال الكفار يوم ينصب الميزان، والإخبار بمقر المؤمنين فى درجات الجنان، وانشقاق السموات بحكم الهول وسياسة العبدان، والإخبار عن ندامة الظالمين يوم الهيبة ونطق الأركان، وذكر الترتيب والترتيل فى نزول القرآن، وحكاية حال القرون الماضية، وتمثيل الكفار-
(2) فى المصحف المتداول بيننا:
(25) سورة الفرقان مكية، الا الآيات 68، 69، 70 فمدنية، وآياتها 77 نزلت بعد يس.
وفى كتاب بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي تحقيق الأستاذ النجار ما يأتى:
السورة مكية بالاتفاق، وعدد آياتها سبع وسبعون.
وسميت سورة الفرقان لأن فى فاتحتها ذكر الفرقان فى قوله: « ... نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ ... » .(3/223)
بالأنعام، أخس الحيوان، وتفضيل الأنعام عليهم فى كل شأن، وعجائب صنع الله فى ضمن الغلل والشمس وتخليق الليل، والنهار، والأوقات، والأزمان، والمنة بإنزال الأمطار، وإثبات الأشجار فى كل مكان، وذكر الحجة فى المياه المختلفة فى البحار، وذكر النسب، والصهر، فى نوع الإنسان، وعجائب الكواكب، والبروج ودور الفلك، وسير الشمس، والقمر وتفصيل صفات العباد، وخواصهم بالتواضع، وحكم قيام الليل، والاستعاذة من النيران، وذكر الإقتار والاقتصاد فى الفقه، والاحتراز من الشرك والزنا وقتل النفس بالظلم والعدوان والإقبال على التوبة والابتعاد عن اللغو والزور والوعد بالغرف للصابرين على عبادة الرحمن، وبيان أن الحكمة فى تخليق الحلق التضرع والدعاء والابتهال إلى الله الكريم المنان، بقوله: «قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً» .(3/224)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ «تَبارَكَ» «1» حدثنا أبو جعفر محمد بن هانى، قال: حدثنا أبو القاسم الحسين ابن عون، قال: حدثنا أبو صالح الْهُذَيْلِ بن حبيب الزيدانى، قال: حدثنا مقاتل ابن سليمان «فى» «2» قوله- عز وجل «تبارك» يقول افتعل البركة الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ يعني القرآن وهو المخرج من الشبهات على عبده محمد- صلى الله عليه وسلم- لِيَكُونَ محمد- صلى الله عليه وسلم- بالقرآن لِلْعالَمِينَ نَذِيراً- 1- يعني للإنس والجن نذيرا نظيرها في فاتحة الكتاب « ... رَبِّ الْعالَمِينَ» «3» ثم عظم الرب- عز وجل- نفسه عن شركهم فقال- سبحانه-: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وحده وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً لقول اليهود والنصارى عزيز ابن الله والمسيح ابن الله وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ من الملائكة وذلك أن العرب قالوا: إن لله- عز وجل- شريكا من الملائكة فعبدوهم «4» فأكذبهم الله- عز وجل- نظيرها في آخر بني إسرائيل «5» وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً- 2- كما ينبغي أن يخلقه «6» وَاتَّخَذُوا يعني كفار مكة مِنْ دُونِهِ آلِهَةً
__________
(1) تفسيرها من ز، وهو مضطرب فى ا.
(2) «فى» : زيادة للتوضيح اقتضاها السياق.
(3) سورة الفاتحة آية 2 وهي الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» أى رب الإنس والجن.
(4) فى أ: يعبدونهم، ز: فعبدوهم.
(5) يشير إلى الآية 111 من سورة الإسراء وهي: ن وقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً» .
(6) فى أ: يخلقهم، ز: يخلقه. [.....](3/225)
يعني اللات والعزى يعبدونهم لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً ذبابا وَلا غيره وَهُمْ يُخْلَقُونَ يعني الآلهة لا تخلق شيئا وهي تخلق ينحتونها بأيديهم ثم يعبدونها، نظيرها في مريم، وفي يس، وفي الأحقاف، ثم أخبر عن الآلهة فقال- تعالى-: وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا يقول لا تقدر الآلهة أن تمتنع ممن أراد بها سوءا وَلا نَفْعاً يقول ولا تسوق الآلهة إلى أنفسها نفعا، ثم قال- تعالى-: وَلا يَمْلِكُونَ يعني الآلهة مَوْتاً يعني أن تميت أحدا، ثم قال- عز وجل-: وَلا حَياةً يعني ولا يحيون أحدا يعني الآلهة وَلا نُشُوراً- 3- أن تبعث الأموات، فكيف تعبدون من لا يقدر على شيء من هذا وتتركون عبادة ربكم الذي يملك ذلك «1» كله وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ قال النضر بن الحارث من بني عبد الدار ما هذا القرآن الا كذب اختلفه محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من تلقاء نفسه، ثم قال: وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ يقول النضر عاون محمدا- صلى الله عليه وسلم- عداس مولى حو يطب بن عبد العزى ويسار غلام العامر ابن الحضرمي وجبر [43 أ] مولى عامر بن الحضرمي كان يهوديا فأسلم وكان هؤلاء الثلاثة من أهل الكتاب. يقول الله- تعالى-: فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً- 4- قالوا شركا وكذبا حين يزعمون أن الملائكة بنات الله- عز وجل-، وحين قالوا إن القرآن ليس من الله- عز وجل- إنما اختلفه محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من تلقاء نفسه وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ وقال النضر هذا القرآن حديث الأولين أحاديث رستم واسفندباز اكْتَتَبَها محمد- صلى الله عليه وسلم فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا- 5- يقول «2» : هؤلاء النفر الثلاثة
__________
(1) فى ازيادة: عز وجل، وليست فى ز.
(2) كذا فى ا، ز، والمراد يقول النضر بن الحارث.(3/226)
يعلمون محمدا- صلى الله عليه وسلم- طرفي النهار بالغداة والعشي قُلْ لهم يا محمد أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وذلك أنهم قالوا بمكة سرا « ... هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» لأنه إنسى مثلكم، بل هو ساحره « ... أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ» إلى آيتين «1» فأنزل الله- عز وجل «قُلْ أنزله الذي يعلم السر» فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً في تأخير العذاب عنهم رَحِيماً- 6- حين لا يعجل عليهم بالعقوبة وَقالُوا «ما لِهذَا» «2» الرَّسُولِ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً- 7- يعني رسولا يصدق محمدا- صلى الله عليه وسلم- بما جاء أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ يعني أو ينزل إليه مال من السماء فيقسمه بيننا أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يعنى بستانا يَأْكُلُ مِنْها هذا قول النَّضْر بن الْحَارِث، وعبد اللَّه بن أُمَيَّة، ونوفل ابن خويلد، كلهم من قريش وَقالَ الظَّالِمُونَ يعني هؤلاء إِنْ يعني ما تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً- 8- يعني أنه مغلوب على عقله فأنزل الله- تبارك وتعالى- في قولهم للنبي- صلى الله عليه وسلم-: أنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق «وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ «3» ... » يقول هكذا كان المرسلون «4» من قبل محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونزل في قولهم إن محمدا مسحور «5» قوله- تعالى «6» -: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ
__________
(1) يشير الى الآيات 3، 4، 5 من سورة الأنبياء وتمامها: لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ، قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ» .
(2) فى ا، ز: مال هذا، وكذلك فى رسم المصحف الشريف.
(3) سورة الفرقان: 20.
(4) فى ا: المرسلين، ز: المرسلون.
(5) فى ا: مسحورا، ز: مسحور.
(6) فى ا: فقال- تعالى، ز: فقال.(3/227)
يقول انظر كيف وصفوا لك الأشياء حين زعموا أنك ساحر فَضَلُّوا عن الهدى فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا- 9- يقول لا يجدون مخرجا مما قالوا لك بأنك ساحر ونزل في قولهم: لولا أنزل، يعني هلا ألقي، إليه كنز «1» ، أو تكون له جنة يأكل منها، فقال- تبارك وتعالى-: تَبارَكَ الَّذِي [43 ب] إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ يعني أفضل من الكنز والجنة في الدنيا جعل لك في الآخرة جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يقول بينها الأنهار وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً- 10- يعني بيوتا في الجنة وذلك أن قريشا يسمون بيوت الطين القصور بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ يعني- عز وجل- بالقيامة وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أخبرهم بالبعث فكذبوه. يقول الله- تعالى-: وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً- 11- يعني وقودا إِذا رَأَتْهُمْ السعير وهي جهنم مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ يعني مسيرة مائة سنة سَمِعُوا لَها من شدة «2» غضبها عليهم تَغَيُّظاً وَزَفِيراً- 12- يعني آخر نهيق الحمار وَإِذا أُلْقُوا مِنْها يعني جهنم مَكاناً ضَيِّقاً لضيق الرمح في الزج مُقَرَّنِينَ يعني موثقين في الحديد قرناء مع الشياطين دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً- 13- يقول دعوا عند ذلك بالويل يقول الخُزَّانُ: لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً يعنى ويلا واحدا وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً- 14- يعني ويلا كثيرا لأنه دائم لهم أبدا قُلْ لكفار مكة: أَذلِكَ الذي ذكر من النار خَيْرٌ أفضل أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ يعنى
__________
(1) نص الآية « ... لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ، أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها» .
(2) شدة: فى الأصل.(3/228)
التي لا انقطاع لها «1» الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً بأعمالهم الحسنة وَمَصِيراً- 15- يعني ومرجعا «لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ» «2» خالِدِينَ فيها لا يموتون كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً منه فى الدنيا مَسْؤُلًا- 16- يسأله في الآخرة المتقون إنجاز ما وعدهم في الدنيا وهي الجنة وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ يعني يجمعهم يعنى كفار مكة وَيحشر ما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الملائكة فَيَقُولُ للملائكة: أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ يقول: أنتم أمرتموهم بعبادتكم؟ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ- 17- يقول أو هم أخطئوا طريق الهدى فتبرأت الملائكة ف قالُوا سُبْحانَكَ نزهوه- تبارك وتعالى- أن يكون معه آلهة مَا كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ يعني «ما لنا أن نتخذ من دونك وليا «3» » أنت ولينا من دونهم وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ يعنى كفار مكة وَمتعت آباءَهُمْ من قبلهم حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ يقول حتى تركوا إيمانا بالقرآن وَكانُوا قَوْماً بُوراً- 18- يعني هلكى يقول الله- تعالى- لكفار مكة: فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ الملائكة بِما تَقُولُونَ بأنهم لم يأمروكم بعبادتهم «4» فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً يقول لا تقدر الملائكة صرف العذاب عنكم «ولا نصرا» [44 أ] يعني ولا منعا يمنعونكم منه «5» وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ يعني يشرك بالله في الدنيا فيموت على الشرك «6» نُذِقْهُ
__________
(1) فى ا: التي لا تنقطع، ز: التي لا انقطاع لها.
(2) ما بين القوسين « ... » ساقطة من أ، وهي فى حاشية اكالاتى: الآية «لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ» وفى أ: «خالدين» .
(3) الجملة من أ، وليست فى ز.
(4) من ز، وفى أ: لقولهم أنهم لم يأمركم أن تعبدوها. [.....]
(5) من ز، وفى أ: ولا منعا يمنعكم منهم.
(6) من ز، وفى أ: فيموت عليها.(3/229)
في الآخرة عَذاباً كَبِيراً- 19- يعني شديدا وكقوله فى بنى إسرائيل:
« ... وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً» «1» يعني شديدا وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ لقول كفار مكة للنبي- صلى الله عليه وسلم- أنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً ابتلينا بعضا ببعض وذلك حين أسلم أبو ذر الغفاري- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ-، وعبد اللَّه بن مَسْعُود، وعمار بن ياسر، وصهيب، وبلال، وخباب بن الأرت، وجبر مولى عامر بن الحضرمي، وسالم مولى أبي حذيفة، والنمر بن قاسط، وعامر بن فهيرة، ومهجع بن عبد الله، ونحوهم من الفقراء، فقال أبو جهل، وأمية، والوليد، وعقبة، وسهيل، والمستهزءون من قريش: انظروا إلى هؤلاء الذين اتبعوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- من موالينا وأعواننا رذالة كل قبيلة فازدروهم، فقال الله- تبارك وتعالى- لهؤلاء الفقراء من العرب والموالي أَتَصْبِرُونَ؟ على الأذى والاستهزاء وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً- 20- أن تصبروا فصبروا ولم يجزعوا فأنزل الله- عز وجل- فيهم «إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا» على الأذى والاستهزاء من كفار قريش « ... أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ» «2» يعني الناجين من العذاب وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا يعني لا يخشون البعث نزلت في عبد الله بن أمية والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص بن الأحنف وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري، ويغيض بن عامر بن هشام لَوْلا يعني هلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ فكانوا رسلا إلينا أَوْ نَرى رَبَّنا فيخبرنا أنك رسول، يقول الله- تعالى-: لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا يقول تكبروا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً- 21- يقول علوا فى القول علوا شديدا حين قالوا أو نرى ربنا فهكذا العلو فى القول.
__________
(1) سورة الإسراء: 4.
(2) سورة المؤمنون: 111.(3/230)
يقول الله- تبارك وتعالى-: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وذلك أن كفار مكة إذا خرجوا من قبورهم قالت لهم الحفظة من الملائكة- عليهم السلام- حرام محرم عليكم- أيها المجرمون- أن يكون لكم من البشرى شيء حين رأيتمونا «1» ، كما بُشِّرَ المؤمنون في حم السجدة، فذلك قوله: «وَيَقُولُونَ» «2» يعني الحفظة من الملائكة للكفار: حِجْراً مَحْجُوراً- 22- يعني حراما محرما عليكم- أيها المجرمون- البشارة كما بشر المؤمنون وَقَدِمْنا يعني وجئنا ويقال وعمدنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً- 23- يعني كالغبار الذي يسطع من حوافر الدواب أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا يعني أفضل منزلا في الجنة وَأَحْسَنُ مَقِيلًا- 24- يعني القائلة، وذلك أنه يخفف عنهم الحساب ثم تقيلون من يومهم ذلك في الجنة مقدار نصف يوم من أيام الدنيا فيما يشتهون من التحف والكرامة، فذلك قوله- تعالى: «وَأَحْسَنُ مَقِيلا» من مقبل الكفار، وذلك أنه إذا فرغ من عرض الكفار، أخرج لهم عنق من النار يحيط بهم، فذلك قوله في الكهف: « ... أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها «3» ... » ثم خرج من النار دخان «4» ظل أسود فيتفرق عليهم من فوقهم ثلاث فرق وهم في السرادق فينطلقون يستظلون تحتها مما أصابهم من حر السرادق فيأخذهم الغثيان والشدة من حره وهو أخف العذاب فيقبلون فيها لا مقبل راحة فذلك مقيل أهل النار ثم يدخلون النار أفواجا أفواجا وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ يعني السموات السبع يقول عن الغمام وهو أبيض
__________
(1) «حين رأيتمونا» : من أ، وليست فى ز.
(2) فى أ: «ويقول» ، ز: «ويقولون» .
(3) سورة الكهف: 29.
(4) فى أ: دخان وظل، ز، دخان ظل.(3/231)
كهيئة الضبابة لنزول الرب- عز وجل- وملائكته، فذلك قوله- سبحانه- وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ من السماء إلى الأرض عند انشقاقها تَنْزِيلًا- 25- لحساب الثقلين كقوله- عز وجل- في البقرة: «هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ»
... » .
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وحده- جل جلاله- واليوم الكفار ينازعونه في أمر وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً- 26- يقول عسر عليهم يومئذ مواطن يوم لشدته القيامة ومشقته، ويهون على المؤمن كأدنى «2» صلاته وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يعني ندامة يعني عقبة بن أبي معيط بن عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وذلك أنه كان يكثر مجالسة النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فقال له خليله وهو أمية «3» بن خلف الجمحي: يا عقبة، ما أراك إلا قد صبأت إلى حديث هذا الرجل، يعني النبي- صلى الله عليه وسلم-، فقال:
لم أفعل. فقال: وجهي من وجهك حرام إن لم تنقل فى وجه محمد [45 أ]- صلى الله عليه وسلم- وتبرأ منه حتى يعلم قومك وعشيرتك أنك غير مفارق لهم.
ففعل ذلك عقبة فأنزل الله- عز وجل- فى عقبة بن أبى معيط «ويوم بعض الظالم على يديه» من الندامة يَقُولُ يَا لَيْتَنِي يتمنى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا- 27- إلى الهدى يَا وَيْلَتى يدعو بالويل، ثم يتمنى فيقول:
يا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً يعني أمية خَلِيلًا- 28- يعني يا ليتني لم أطع فلانا يعنى
__________
(1) سورة البقرة: 210.
(2) من ز، وفى أ: خطأ.
(3) فى أ، ل: أمية، وفى، ز: أبى وقد وردت الروايات بهما انظر أسباب النزول للواحدي:
191، لباب النقول للسيوطي: 166.(3/232)
أمية بن خلف فقتله النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم بدر، وقتل عقبة «عاصم» «1» بن أبي الأفلح الأنصاري صبرا بأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولم يقتل من الأسرى يوم بدر «من قريش» «2» غيره والنضر بن الحارث «3» ، يقول عقبة: لَقَدْ أَضَلَّنِي لقد ردني عَنِ الذِّكْرِ يعني عن الإيمان بالقرآن بَعْدَ إِذْ جاءَنِي يعني حين جاءني وَكانَ الشَّيْطانُ في الآخرة لِلْإِنْسانِ يعني عقبة خَذُولًا- 29- يقول يتبرأ منه ونزول فيهما «الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ... » «4» وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي قريشا اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً- 30- يقول تركوا الإيمان بهذا القرآن فهم مجانبون له يقول الله- عز وجل-: يعزي نبيه- صلى الله عليه وسلم- وَكَذلِكَ يعني وهكذا جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ نزلت في أبي جهل «وحده» «5» «أي» «6» فلا يكبرن عليك فإن الأنبياء قبلك قد لقيت هذا التكذيب من قومهم، ثم قال- عز وجل-: وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً إلى دينه وَنَصِيراً- 31- يعني ومانعا فلا أحد أهدى من الله- عز وجل- ولا أمنع منه وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ يعنى هلا نزل عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كما جاء به موسى
__________
(1) «عاصم» : فى ز، ل، وليست فى ا.
(2) «من قريش» فى ز، وليست فى أ، ل.
(3) كذا فى نسخة أ، ل، ف، ز. وفى لباب النقول للواحدي روايات متعددة فى أسباب نزول الآية، وفيها بسط وأف للموضوع: 191، 192. [.....]
(4) سورة الزخرف: 67.
(5) «وحده» : فى أ، ل. وليست فى ز.
(6) «أى» : زيادة لتوضيح الكلام وليست موجودة فى جميع النسخ.(3/233)
وعيسى يقول: كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ يعني «ليثبت القرآن في قلبك» «1» وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا- 32- يعني نرسله ترسلا آيات ثم آيات ذلك قوله- سبحانه «2» -:
«وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا» «3» ثم قال- عز وجل:
وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ يخاصمونك به إضمار لقولهم: «لولا نزل» «4» عليه القرآن جملة واحدة، ونحوه في القرآن مما يخاصمون به النبي- صلى الله عليه وسلم- فيرد الله- عز وجل- عليهم قولهم، فذلك قوله- عز وجل-: إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ فيما تخصمهم به وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً- 33- يعني وأحسن تبيانا فترد به خصومتهم، ثم أخبر الله- عز وجل- بمستقرهم في الآخرة فقال- سبحانه-:
الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً [45 ب] وَأَضَلُّ سَبِيلًا- 34- يعنى وأخطا طريق الهدى في الدنيا من المؤمنين وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يقول أعطينا موسى- عليه السلام- التوراة وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً- 35- يعني معينا ثم انقطع الكلام فأخبر الله- عز وجل- محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ- سُبْحَانَهُ-: فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ يعنى أهل مصر الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني الآيات التسع فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً- 36- يعني أهلكناهم بالعذاب هلاكا «5» يعني الغرق وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا يعني حين كَذَّبُوا الرُّسُلَ يعني نوحا وحده أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً يعنى عبرة
__________
(1) من أ، وفى ز: «يقول نثبت القرآن فى قلبك» .
(2) من أ، وفى ز: فذلك قوله فى بنى إسرائيل.
(3) سورة الإسراء: 106.
(4) فى أ: لولا نزل، ز: هلا أنزل.
(5) كذا فى أ، ز، ل.(3/234)
لمن بعدهم وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً- 37- يعنى وجيعا، ثم قال- تعالى-:
وَأهلكنا عاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ يعني البئر التي قتل فيها صاحب ياسين «1» بأنطاكية التي بالشام وَقُرُوناً يعني وأهلكنا أمما بَيْنَ ذلِكَ ما بين عاد إلى أصحاب الرس كَثِيراً- 38- وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً- 39- وكلا دمرنا بالعذاب تدميرا «وَلَقَدْ أَتَوْا» «2» عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ بالحجارة مَطَرَ السَّوْءِ يعني قرية لوط- عليه السلام- كل حجر في العظم على قدر كل إنسان أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها؟ فيعتبروا بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً- 40- يقول- عز وجل- بل كانوا لا يخشون بعثا، نظيرها في تبارك الملك: « ... وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» «3» يعني الإحياء «وَإِذا رَأَوْكَ» «4» يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا- 41- صلّى الله عليه وسلم- نزلت في أبي جهل- لعنه الله- ثم قال أبو جهل: إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا يعني ليستزلنا عن عبادة آلهتنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا يعني تثبتنا عَلَيْها يعني على عبادتها ليدخلنا في دينه، يقول الله- تبارك وتعالى-: «وَسَوْفَ» «5» يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ في الآخرة مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا- 42- يعني من أخطأ طريق الهدى أهم أم المؤمنون؟ فنزلت أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وذلك أن الحارث بن قيس
__________
(1) المراد به: المذكور قصته فى سورة يس.
(2) فى أ: « (ولقد أتوا) يعنى (على القرية) .
(3) سورة الملك: 15.
(4) من أ، وفى ز: «وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا» .
(5) فى أ: (فسوف) .(3/235)
السهمي هوى شيئا فعبده أَفَأَنْتَ يا محمد تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا- 43- يعني مسيطرا يقول تريد أن تبدل المشيئة «1» إلى الهدى والضلالة أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ «إلى الهدى» «2» أَوْ يَعْقِلُونَ الهدى ثم شبههم «3» بالبهائم، فقال- سبحانه-: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ في الأكل والشرب لا يلتفتون إلى الآخرة بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا- 44-[46 أ] يقول بل هم أخطأ طريقا «4» من البهائم لأنها تعرف ربها وتذكره، وكفار مكة «5» لا يعرفون ربهم فيوحدونه أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً يقول- تبارك وتعالى- لو شاء لجعل الظل دائما لا يزول إلى يوم القيامة ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ يعني على الظل دَلِيلًا- 45- تتلوه الشمس فتدفعه حتى تأتي على الظل كله ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا يعني الظل قَبْضاً يَسِيراً- 46- يعني خفيفا «6» وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً يعني سكنا وَالنَّوْمَ سُباتاً يعني الإنسان مسبوتا لا يعقل كأنه ميت وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً- 47- ينتشرون فيه لابتغاء الرزق وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً يعني يبشر السحاب بالمطر «7» بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ يعني قدام المطر وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً
__________
(1) فى أ: المشية، ز: المشية. [.....]
(2) «إلى الهدى» : ساقط من ز.
(3) فى أ: ثم نسبهم، ز: فشبههم.
(4) من ز، وهي مضطربة فى ا.
(5) من أ، وفى ز: وأهل مكة كفارهم.
(6) فى أ: خفيا.
(7) من ل، ز. وفى أ: «وهو الذي أرسل الرياح نشرا» يعنى تنشر السحاب للمطر، وفى القرطبي: 482 «وهو الذي أرسل الرياح نشرا» ناشرات للسحاب جمع نشور، وقرأ ابن عامر بالسكون على التخفيف، وحمزة والكسائي به وبفتح النون على أنه مصدر وصف به، وعاصم «بشرا» تخفيف بشر جمع بشير بمعنى مبشر «بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ» يعنى قدام المطر.(3/236)
يعنى المطر طَهُوراً- 48- للمومنين لِنُحْيِيَ بِهِ المطر بَلْدَةً مَيْتاً ليس فيه نبت فينبت بالمطر وَنُسْقِيَهُ بالرياح والمطر مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً في تلك البلدة وَأَناسِيَّ كَثِيراً- 49- في تلك البلدة وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ يعني المطر بين الناس يصرف المطر أحيانا مرة بهذا البلد ومرة ببلد آخر، فذلك التصرف لِيَذَّكَّرُوا في صنعه فيعتبروا في توحيد الله- عز وجل- فيوحده فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً- 50- يعني إلا كفرا بالله- تعالى- في نعمه وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا زمانك يا محمد فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً- 51- يعني رسولا، ولكن بعثناك إلى القرى كلها رسولا اختصصناك بها فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ يعني كفار مكة دعوا النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ملة آبائه وَجاهِدْهُمْ بِهِ يعني بالقرآن جِهاداً كَبِيراً- 52- يعني شديدا وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يعني ماء المالح على ماء العذب هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ يعني- تبارك وتعالى- خلدا طيبا وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ يعني مرا من شدة الملوحة وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً يعني أجلا «1» وَحِجْراً مَحْجُوراً- 53- يعني حجابا محجوبا فلا يختلطان ولا يفسد طعم الماء العذب وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً يعني النطفة إنسانا فَجَعَلَهُ يعني الإنسان نَسَباً وَصِهْراً أما النسب فالقرابة سبع: أمهاتكم وبناتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ والصهر من القرابة «2» له خمس نسوة، أمهاتكم اللاتي أرضعنكم، وأخواتكم من
__________
(1) كذا فى أ، ل، وفى ز: (برزخا) يعنى أجلا، نظيرها فى سورة المؤمنين «وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ» يعنى ومن بعد الموت أجل.
(2) فى ز: والصهر من لا قرابة. والمذكور من أ، ل.(3/237)
الرَّضَاعَةِ، وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ «وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ» «1» اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تكونوا دخلتم [46 ب] بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم فهذا من الصهر، ثم قال- تعالى-: وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً- 54- على ما أراده وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الملائكة ما لا يَنْفَعُهُمْ في الآخرة إن عبدوهم وَلا يَضُرُّهُمْ في الدنيا إذا لم يعبدوهم وَكانَ الْكافِرُ يعني أبا جهل عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً- 55- يعني معينا للمشركين على ألا يوحدوا الله- عز وجل- وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً بالجنة وَنَذِيراً- 56- من النار قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ يعني على الإيمان «2» مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا- 57- لطاعته وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وذلك حين دعى النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى ملة آبائه وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ» «3» أي بحمد ربك يقول واذكر بأمره وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً- 58- يعني بذنوب كفار مكة فلا أحد أخبر ولا أعلم بذنوب العباد من الله- عز وجل-، ثم عظم نفسه- تبارك وتعالى- فقال- عز وجل-: الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ قبل ذلك «4» الرَّحْمنُ- جل جلاله- فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً- 59- يعني فاسأل بالله خبيرا يا من تسأل عنه محمدا «5»
__________
(1) ما بين الأقواس « ... » ساقط من أ، وهو من ل، ز.
(2) من ز، وفى أ: «قل لا أسألكم عليه) الإيمان» .
(3) فى أ: (وسبح بحمد) ربك.
(4) فى أزيادة: يعنى، وليست فى ز.
(5) من ل وهي غير واضحة فى اوفيها زيادة: وهو حزبك يا محمد. وفى ز: يقول فاسأل عن الله خبيرا ما يسأل عنه محمد. أ. هـ.
وفى تفسير النسفي (فاسأل به خبيرا) ويكون خبيرا معقول سل، أى فاسأل عنه رجلا عارفا يخبرك برحمته أو فاسأل رجلا خبيرا به وبرحمته أو الرحمن اسم من أسماء الله- تعالى- مذكور فى الكتب المتقدمة ولم يكونوا يعرفونه فقيل فاسأل بهذا الاسم من يخبركم من أهل الكتاب حتى تعرف من ينكره ومن ثم كانوا يقولون ما نعرف الرحمن إلا الذي باليمامة يعنون مسيلمة وكان يقال له رحمان اليمامة.(3/238)
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ لكفار مكة اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ- عز وجل- وذلك
أن أبا جهل قال: يا محمد إن كنت تعلم الشعر فنحن عارفون لك، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- الشعر غير هذا، إن هذا كلام الرحمن- عز وجل-. قال أبو جهل: بخ بخ أجل، لعمر الله، إنه هذا لكلام الرحمن الذي باليمامة، فهو يعلمك «1» قال النبي- صلى الله عليه وسلم: الرحمن هو الله- عز وجل- الذي في السماء ومن عنده يأتي جبريل- عليه السلام-. فقال أبو جهل: يا آل غالب «2» ، من يعذرني من ابن أبي كبشة يزعم أن ربه واحد وهو يقول الله يعلمني، والرحمن يعلمني، ألستم تعلمون أن هذين إلهين؟، قال الوليد بن المغيرة، وعتبة، وعقبة: ما نعلم الله والرحمن إلا اسمين، فأما الله فقد عرفناه وهو الذي خلق ما نرى، وأما الرحمن فلا نعلمه إلا مسيلمة الكذاب. ثم قال: يا بن أبي كبشة تدعو إلى عبادة الرحمن الذي باليمامة. فأنزل الله- عز وجل- «وَإِذَا قِيلَ لهم اسجدوا للرحمن»
يعنى صلوا للرحمن قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ فأنكروه أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا؟ يعني نصلي للذي تأمرنا يعنون مسيلمة وَزادَهُمْ نُفُوراً- 60- يقول زادهم ذكر الرحمن تباعدا من الإيمان تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً يعنى مضيئا وَهُوَ الَّذِي [47 أ] جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً فجعل النهار خلفا من الليل لمن كانت له حاجة وكان مشغولا لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ الله- عز وجل- أَوْ أَرادَ شُكُوراً- 62- في الليل والنهار يعني عبادته وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً يعني حلما في اقتصاد وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ
__________
(1) فى الأصل: يعملك. [.....]
(2) فى ا، ز، ل: غالب.(3/239)
يعني السفهاء قالُوا سَلاماً- 63- يقول إذا سمعوا الشتم والأذى من كفار مكة من أجل الإسلام ردوا معروفا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ بالليل في الصلاة سُجَّداً وَقِياماً- 64- وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً- 65- يعني لازما لصاحبه لا يفارقه إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً- 66- يعني بئس المستقر وبئس الخلود، كقوله- سبحانه-: « ... دارَ الْمُقامَةِ «1» ... » يعني دار الخلد وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا في غير حق وَلَمْ يَقْتُرُوا يعني ولم يمسكوا عن حق وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً- 67- يعنى بين الإسراف والإفتار مقتصدا وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ يعني لا يعبدون مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ قتلها إِلَّا بِالْحَقِّ يعني بالقصاص وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ جميعا يَلْقَ أَثاماً- 68- يعنى جزاؤه واديا في جهنم يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ يعني في العذاب مُهاناً- 69- يعني يهان «2» فيه نزلت بمكة فَلَمَّا هاجر النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المدينة، كتب وحشي بن حبيش غلام المطعم عدى ابن نوفل بن عبد مناف، إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- بعد ما قتل حمزة- هل لي من توبة وقد أشركت وقتلت وزنيت؟
فسكت النبي- صلى الله عليه وسلم-، فأنزل الله فيه بعد سنتين «3» . فقال- سبحانه-: إِلَّا مَنْ تابَ من الشرك وَآمَنَ يعني وصدق بتوحيد الله- عز وجل- وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ يعنى يحول الله
__________
(1) سورة فاطر: 35.
(2) فى أ: يمان، ز: يهان.
(3) فى ا، ز: سنتين، ل: سنين.(3/240)
- عز وجل- سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ والتبديل من العمل السيء إلى العمل الصالح وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً لما كان في الشرك رَحِيماً- 70- به في الإسلام فأسلم وحشي، وكان وحشي «قد قتل» «1» حمزة بن عبد المطلب- عليه السلام- يوم أحد، ثم أسلم، فأمره النبي- صلى الله عليه وسلم- فخرب مسجد المنافقين، ثم قتل مسيلمة الكذاب باليمامة على عهد أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- فكان وحشي يقول أنا الذي قتلت خير الناس، يعني حمزة، وأنا الذي قتلت شر الناس، يعني مسيلمة الكذاب، فلما قبل الله- عز وجل- توبة وحشي، قال كفار مكة: كلنا قد عمل عمل وحشي فقد قبل الله- عز وجل-[47 ب] توبته ولم ينزل فينا شيء «2» فأنزل الله- عز وجل- في كفار مكة «3» « ... يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ (جَمِيعاً ... » «4» ) في الإسلام، يعني بالإسراف الذنوب العظام الشرك والقتل والزنا، فكان بين هذه الآية « ... (وَلا يَقْتُلُونَ) «5» النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ... » إلى آخر الآية «6» ، وبين الآية التي في النساء « ... وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ ... «7» » إلى آخر الآية، ثماني سنين وَمَنْ تابَ من الشرك وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً
__________
(1) فى ا، ز: قتل، فجعلها «قد قتل» .
(2) كذا فى ا، ز، ل.
(3) فى أ: فى كفار مكة، ز: فى سورة الزمر.
(4) فى ز: ( «جميعا ... » إلى آيات) . والآية 53 من سورة الزمر.
(5) فى ا، ز: ولا تقتلوا.
(6) سورة الفرقان: 68.
(7) سورة النساء: 93 وتمامها: «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً» .(3/241)
- 71- يعني مناصحا لا يعود إلى نكل الذنب وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ يعني لا يحضرون الذنب يعني الشرك وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً- 72- يقول إذا سمعوا من كفار مكة الشتم والأذى على الإسلام «مَرُّوا كِراماً» معرضين عنهم، كقوله- سبحانه-: «وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ «1» ... » وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ يعني والذين إذا وعظوا بآيات القرآن لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً- 73- يقول لم يقفوا عليها صما لم يسمعوها ولا عميانا لم يبصروها كفعل مشركي مكة ولكنهم سمعوا وأبصروا وانتفعوا به وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ يقول اجعلهم صالحين فتقرأ عيننا بذلك وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً- 74- يقول واجعلنا أئمة يقتدى بنا في الخير أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً- 75- نظيرها في الزمر- « ... لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ «2» ... » .
قال أبو محمد: سألت أبا صالح عنها، فقال: قال مُقَاتِلُ: «اجعلنا نقتدي بصالح أسلافنا، حتى «يقتدي بنا من بعدنا «3» » ، بِما صَبَرُوا على أمر الله- عز وجل- وَيُلَقَّوْنَ «4» فِيها تَحِيَّةً يعني السلام ثم قال: وَسَلاماً يقول وسلم الله لهم أمرهم وتجاوز عنهم، ويقال «5» التسليم من الملائكة عليهم خالِدِينَ فِيها
__________
(1) سورة القصص: 55.
(2) سورة الزمر: 20.
(3) فى أ: يقتدى بنا بعدنا، وليست فى ز. [.....]
(4) فى أ: يلقون.
(5) فى أ: ويقول، ز: ويقال.(3/242)
لا يموتون أبدا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا فيها وَمُقاماً- 76- يعنى الخلود قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ يقول ما يفعل بكم رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ يقول لولا عبادتكم فَقَدْ كَذَّبْتُمْ النبي- صلى الله عليه وسلم-، يعد كفار مكة فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً- 77- يلزمكم العذاب ببدر، فقتلوا وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم وعجل الله- تعالى- بأرواحهم إلى النار فيعرضون عليها طرفي النهار.(3/243)
سورة الشّعراء(3/245)
[سورة الشعراء (26) : الآيات 1 الى 227]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
طسم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (4)
وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (6) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9)
وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (11) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14)
قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (17) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (19)
قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (22) قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (23) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24)
قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (25) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)
قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (34)
يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ (35) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39)
لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (40) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (41) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (44)
فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (46) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (48) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49)
قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (53) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54)
وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (58) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (59)
فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64)
وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (69)
إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (71) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (74)
قالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79)
وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)
وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (94)
وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (98) وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (99)
فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (100) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104)
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (109)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114)
إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119)
ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (120) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122) كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)
وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134)
إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (136) إِنْ هَذَا إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140) كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144)
وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (149)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154)
قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159)
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (164)
أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (166) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169)
فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175) كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179)
وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)
قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189)
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191) وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194)
بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199)
كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (204)
أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جاءَهُمْ مَا كانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنى عَنْهُمْ مَا كانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (209)
وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (210) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)
وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220) هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (223) وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224)
أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ (226) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)(3/247)
سورة الشعراء «1» سورة الشعراء مكية، غير آيتين فإنهما مدنيتان أحدهما قوله- تعالى-:
«أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ «2» آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ ... » «3» الآية. والأخرى قوله- تعالى-:
«وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ «4» » .
وبعض أهل التفسير يقول: إن من قوله- تعالى-: «وَالشُّعَراءُ ... »
إلى آخرها وهن أربع آيات «5» مدنيات. والله أعلم بما أنزل «6» .
__________
(1) المقصود الإجمالى للسورة:
اشتملت سورة الشعراء على الآتي:
ذكر القسم ببيان آيات القرآن، وتسلية الرسول عن تأخر المنكرين عن الإيمان، وذكر موسى وهارون ومناظرة فرعون الملعون، وذكر السحرة، ومكرهم فى الابتداء وإيمانهم وانقيادهم فى الانتهاء وسفر موسى بنى إسرائيل من مصر وطلب فرعون إياهم، وانفلاق البحر وإغراق القبط، وذكر الجبل، وذكر المناجاة ودعاء إبراهيم الخليل، وذكر استغاثة الكفار من عذاب النيران، وقصة نوح، وذكر الطوفان، وتعدى عاد، وذكر هود، وذكر عقوبة ثمود، وذكر قوم لوط وخبثهم، وقصة شعيب، وهلاك أصحاب الأيكة لعبثهم، ونزول جبرئيل على النبي بالقرآن العربي وتفصيل حال الأمم السالفة الكثيرة وأمر الرسول- صلّى الله عليه وسلم- بإنذار العشيرة وتواضعه للمؤمنين، وأخلائه اللينة وبيان غواية شعراء الجاهلية، وأن العذاب منقلب الذين يظلمون فى قوله: « ... وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» : 227.
وسميت سورة الشعراء لاختتامها بذكرهم فى قوله: «وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ» : 224.
(2) «لهم» : ساقطة من الأصل.
(3) سورة الشعراء: 197 وتمامها: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ» .
(4) سورة الشعراء: 224.
(5) الأربع آيات الأخيرة من سورة الشعراء هي 224، 225، 226، 227.
(6) من «وبعض أهل التفسير ... » إلى هنا، ساقط من ل وهو من أ، وليس فى ز كذلك.(3/257)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ طسم- 1- تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ- 2- يعني- عز وجل- ما بين فيه من أمره ونهيه وحلاله وحرامه لَعَلَّكَ يا محمد باخِعٌ نَفْسَكَ وذلك حين كذب به كفار مكة منهم الوليد بن المغيرة، وأبو جهل، وأمية بن خلف، فشق على النبي- صلى الله عليه وسلم- تكذيبهم إياه فأنزل الله- عز وجل «لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ» يعني قاتلا نفسك حزنا أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ- 3- يعنى ألا يكونوا مصدقين بالقول بأنه من عند الله- عز وجل- نظيرها في الكهف «فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ ... » إِنْ نَشَأْ يعني لو نشاء نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ يعني فمالت أَعْناقُهُمْ «لَها» يعني للآية خاضِعِينَ- 4- يعني مقبلين إليها مؤمنين بالآية وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ يقول ما يحدث الله- عز وجل- إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- من القرآن إِلَّا كانُوا عَنْهُ يعني عن الإيمان بالقرآن مُعْرِضِينَ- 5- فَقَدْ كَذَّبُوا بالحق يعني بالقرآن لما جاءهم يعني حين جاءهم به محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا يعنى حديث ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ- 6- وذلك أنهم حين كذبوا بالقرآن أوعدهم الله- عز وجل- بالقتل ببدر، ثم وعظهم ليعتبروا فقال(3/258)
- عز وجل-: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ- 7- يقول كم أخرجنا من الأرض من كل صنف من ألوان النبت حسن إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً يقول إن في النبت لعبرة في توحيد الله- عز وجل- أنه واحد وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ يعني أهل مكة مُؤْمِنِينَ- 8- يعني مصدقين بالتوحيد وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ- 9- في نقمته منهم ببدر «الرَّحِيمُ» حين لا يعجل عليهم بالعقوبة إلى الوقت «المحدد لهم «1» » وَإِذْ نادى رَبُّكَ يقول وإذ أمر ربك يا محمد مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ- 10- يعني المشركين «قَوْمَ فِرْعَوْنَ» «2» واسمه فيطوس بأرض مصر وقل لهم:
يا موسى، أَلا يَتَّقُونَ- 11- يعني ألا يعبدون الله- عز وجل- قالَ موسى: رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ- 12- فيما أقول «3» وَأخاف أن يَضِيقُ صَدْرِي يعني يضيق قلبي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي بالبلاغ فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ- 13- يقول فأرسل معى هرون، كقوله في النساء: « ... وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ ... «4» » يعنى مع أموالكم وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ يعني عندي ذنب يعني قتل النفس فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ- 14- قالَ كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا لا تخافا القتل «5» إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ- 15-أْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ
- 16- كقوله- سبحانه-:
__________
(1) فى ا، ف: «إلى الوقت» وزدت «المحدد لهم» ليتضح المعنى.
(2) فى ا، ف: فرعون وقومه، فعدلتها لتصحيح النص. كما أنها مكتوبة فى النسختين على أنها تفسير لا قرآن. ويترتب عليه ترك هذه الجملة بدون ذكر.
(3) فى ف، أ: بما.
(4) سورة النساء: 2.
(5) فى أ: لا تخاف، وفى ف: لا تخافا القتل. وجملة فاذهبا بآياتنا مكتوبة على الهامش فى ف، ا.(3/259)
«فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ «1» » يعنى نفسه «2» وهرون رسولا ربك لقول «3» فرعون أنا الرب والإله ثم انقطع الكلام. ثم انطلق موسى- صلى الله عليه وسلم- إلى مصر وهرون بمصر فانطلقا كلاهما إلى فرعون فلم يأذن لهما سنة في الدخول، فلما دخلا عليه قال، موسى لفرعون: «إنا» يعنى نفسه وهرون- عليه السلام- «رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ» أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ- 17- إلى أرض فلسطين لا تستعبدهم فعرف فرعون موسى لأنه رباه في بيته، فلما قتل موسى- عليه السلام- النفس هرب من مصر فلما أتاه قالَ فرعون له:
أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً يعنى صبيا وَلَبِثْتَ فِينا يعنى عندنا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ- 18- يعني ثلاثين سنة وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ- 19- قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ- 20- يعني من الجاهلين وهي قراءة ابن مسعود «فعلتها إذا وأنا من الجاهلين» فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ إلى مدين لَمَّا خِفْتُكُمْ أن تقتلون فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً يعنى العلم والفهم وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ- 21- إليكم، ثم قال لفرعون: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ يا فرعون تمن علي بإحسانك إلي خاصة فيما زعمت وتنسى إساءتك أَنْ عَبَّدْتَ يقول استعبدت بَنِي إِسْرائِيلَ- 22- فاتخذتهم عبيدا لقومك القبط وكان فرعون «قد» قهرهم «4» أربعمائة وثلاثين سنة ويقال وأربعين سنة، وإنما كانت بنو إسرائيل بمصر حين أتاها يعقوب وبنوه وحشمه حين أتوا
__________
(1) سورة طه: 47. [.....]
(2) هكذا فى ف، وفى أ:
(3) فى ف: يقول.
(4) فى ف، أ: وكان فرعون قهرهم. فزدت «قد» .(3/260)
يوسف «1» قالَ فِرْعَوْنُ لموسى: وَما رَبُّ الْعالَمِينَ- 23- منكرا له قالَ موسى: هو رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا من العجائب إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ- 24- بتوحيد الله- عز وجل- قالَ فرعون لِمَنْ حَوْلَهُ يعني الأشراف وكان حوله خمسون «2» ومائة من أشرافهم أصحاب الأثرة «3» .
أَلا تَسْتَمِعُونَ- 25- إلى قول هذا يعني موسى قالَ موسى: هو رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ- 26- قالَ فرعون لهم: إِنَّ رَسُولَكُمُ يعني موسى الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ- 27- قالَ موسى هو: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ يعني مشرق ومغرب يوم «4» ، يستوي الليل والنهار في السنة يومين ويسمى البرج الميزان، ثم قال: وَما بَيْنَهُما يعني «ما» «5» بين المشرق والمغرب من جبل أو بناء أو شجر أو شيء إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ- 28- توحيد الله- عز وجل- قالَ فرعون: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً يعنى ربا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ- 29- يعني من المحبوسين قالَ موسى: أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ- 30- يعنى بأمر بين يعنى اليد والعصا بستبين لك أمري فتصدقني قالَ فرعون: فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ- 31-
__________
(1) فى أ: لحمل أتاها يعقوب. ثم علق كاتبها محمد السنبلاويني بأنه يرى أن الصواب من حين أتاها يعقوب.
وأما وفى م: لحمل أتاها يعقوب، كما هي بدون تعليق. وهذا يدل على أن، م ناقلتان من نسخة واحدة. وأما ف ففيها: حين أتاها يعقوب.
(2) فى أ: خمسين وكذلك فى م وهو دليل نقلهما من نسخة واحدة.
(3) فى ف، أ: الأسرة، ولعل الكاتب كان يملى عليه فكتب الأثرة: الأسرة.
(4) هكذا فى ف، ا، م. ولعل المراد يوم معين يستوي فيه الليل والنهار.
(5) ما: زيادة ليست فى ف، ا، م.(3/261)
بأنك رسول رب العالمين إلينا. «فَأَلْقى عَصاهُ «1» وفي يد موسى- عليه السلام- عصاه وكانت من الآس. قال ابن عباس: إن جبرئيل دفع العصا إلى موسى- عليهما السلام- بالليل حين توجه إلى مدين وكان آدم- عليه السلام- أخرج بالعصا من الجنة، فلما مات آدم قبضها جبريل- عليه السلام- فَقَالَ مُوسَى لفرعون: ما هَذِهِ بيدي. قَالَ فرعون:
هذه عصا. فألقاها موسى من يده فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ- 32- يعني حية ذكر أصفر أشعر العنق عظيم ملأ الدار عظما قائم على ذنبه يتلمظ على فرعون وقومه يتوعدهم، قال فرعون: خذها يا موسى، مخافة أن تبتلعه فأخذ بذنبها فصارت عصا مثل ما كانت. قال فرعون: هل من آية أخرى غيرها؟ قال موسى: نعم. فأبزر يده، قال لفرعون: ما هذه؟ قال فرعون: هذه يدك. فأدخلها في جيبه وهي مدرعة مصرية من صوف «وَنَزَعَ يَدَهُ» «2» يعني أخرج يده من المدرعة فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ- 33- لها شعاع مثل شعاع الشمس من شدة بياضها يغشي البصر قالَ فرعون: لِلْمَلَإِ يعني الأشراف حَوْلَهُ إِنَّ هذا يعني موسى لَساحِرٌ عَلِيمٌ- 34- بالسحر يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ يعنى مصر بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ- 35- يقول فماذا تشيرون علي، فرد عليه الملأ من قومه يعني الأشراف قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ يقول احبسهما جميعا ولا تقتلهما حتى تنظر ما أمرهما وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ يعني في القرى حاشِرِينَ- 36- يحشرون عليك السحرة، فذلك قوله- سبحانه: يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ- 37- يعني عالم بالسحر فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ
__________
(1) ليست فى ا. وهي مكتوبة على الهامش فى ف.
(2) فى أ: «ثم نزع يده» . وهو خطأ.(3/262)
- 38- يعني موقت وهو يوم عيدهم وهو يوم الزينة وهم اثنان وسبعون ساحرا من أهل فارس وبقيتهم من بني إسرائيل وَقِيلَ لِلنَّاسِ يعنى لأهل مصر هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ- 39- إلى السحرة لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ على أمرهم إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ- 40- لموسى وأخيه واجتمعوا، فقال موسى للساحر الأكبر: تؤمن بي إن غلبتك؟ قال الساحر: لآتين بسحر لا يغلبه سحر، فإن غلبتني لأومنن بك وفرعون ينظر إليهما ولا يفهم ما يقولان فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً يعنى جعلا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ- 41- لموسى وأخيه قالَ فرعون: نَعَمْ لكم الجعل وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ- 42- عندي في المنزلة سوى الجعل قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما في أيديكم من الحبال والعصي مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ- 43- فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ يعني بعظمة فرعون، كقولهم «1» لشعيب:
« ... وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ ... «2» » يعنى بعظيم إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ- 44- فإذا هي حيات في أعين الناس، وفي عين موسى وهرون تسعى إلى موسى وأخيه، وإنما هي حبال وعصي لا تحرك فخاف موسى فقال جبريل لموسى- عليهما السلام-:
ألق عصاك فإذا هي حية عظيمة سدت الأفق برأسها وعلقت ذنبها في قبة لفرعون طول القبة سبعون ذراعا في السماء وذلك في المحرم يوم السبت لثماني ليال خلون من المحرم «3» . ثم إن حية موسى فتحت فاها فجعلت تلقهم تلك الحيات فلم يبق منها شيء، فذلك قوله- عز وجل-:
__________
(1) فى أ، م: كقوله، وفى ف: كقولهم.
(2) سورة هود: 91.
(3) هكذا فى ف، وفى أ: ليومان خلون من المحرم والخطأ فيه ظاهر.(3/263)
فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ: فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ «1» - 45- يعني فإذا هي تلقم ما يكذبون من سحرهم ثم أخذ موسى- عليه السلام- بذنبها فإذا هي عصا كما كانت، فقال السحرة بعضهم لبعض لو كان هذا سحر لبقيت الحبال والعصي، فذلك قوله- عز وجل- فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ- 46- لله- عز وجل- قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ- 47- لقول موسى أنا رسول رب العالمين، فقال فرعون:
أنا رب العالمين، قالت السحرة: رَبِّ مُوسى وَهارُونَ- 48- فبهت فرعون عند ذلك وألقى بيديه ف قالَ فرعون للسحرة: آمَنْتُمْ لَهُ يقول صدقتم بموسى قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ يقول من قبل أن آمركم بالإيمان به، ثم قال فرعون للسحرة: إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ إن هذا لمكر مكرتموه، يقول إن هذا لقول قلتموه أنتم يعني به السحرة وموسى في المدينة يعني في أهل مدين لتخرجوا منها أهلها بقول الساحر الأكبر لموسى حين قال لئن غلبتني لأؤمن بك، ثم قال فرعون: فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ هذا وعيد فأخبرهم بالوعيد فقال:
لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ يعني اليد اليمنى والرجل اليسرى وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ- 49- فِي جذوع النخل فردت عليه السحرة حين أوعدهم بالقتل والصلب قالُوا لا ضَيْرَ ما عسيت أن تصنع هل هو إلا أن تقتلنا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ- 50- يعني لراجعون إلى الآخرة إِنَّا نَطْمَعُ أي نرجو أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا يعنى سحرنا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ- 51- يعني أول المصدقين بتوحيد الله- عز وجل- من أهل
__________
(1) فى ف، أ: «فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ» فقط، أى أن صدر الآية ترك فأثبته، وفى ف، زيادات فى وصف الحية من عظمتها وضخامتها وهي أشياء لم تثبت عن المعصوم- صلّى الله عليه وسلم- ولا يمكن الإيمان بها إلا عن هذا الطريق. [.....](3/264)
مصر فقطعهم وصلبهم فرعون من يومه، قال ابن عباس: كانوا أول النهار سحرة وآخر النهار شهداء.
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي بني إسرائيل ليلا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ- 52- يعني يتبعكم فرعون وقومه فأمر جبريل- عليه السلام- كل أهل أربعة أبيات من بني إسرائيل في بيت، ويعلم تلك الأبواب بدم الخراف «1» فإن الله- عز وجل- يبعث الملائكة إلى أهل مصر فمن لم يروا على بابه دما دخلوا بيته فقتلوا أبكارهم، من أنفسهم وأنعامهم، فيشغلهم دفنهم إذا أصبحوا عن طلب موسى ففعلوا واستعاروا حلي أهل مصر فساروا من ليلتهم قبل البحر هارون على المقدمة وموسى على الساقة فأصبح فرعون من الغد يوم الأحد وقد قتلت الملائكة أبكارهم فاشتغلوا بدفنهم ثم جمع الجموع فساروا يوم الاثنين في طلب موسى- عليه السلام- وأصحابه. وهامان على مقدمة فرعون فى ألفى ألف وخمسمائة. ويقال ألف ألف مُقَاتِلٍ، فذلك قوله- عز وجل-: فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ- 53- يحشرون الناس في طلب موسى- عليه السلام- وهرون- عليه السلام- وبني إسرائيل. ثم قال فرعون: إِنَّ هؤُلاءِ يعني بني إسرائيل لَشِرْذِمَةٌ يعني عصابة قَلِيلُونَ- 54- وهم ستمائة ألف وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ- 55- لقتلهم أبكارنا ثم هربوا منا وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ- 56- علينا السلاح. «2»
يقول الله- تعالى-: فَأَخْرَجْناهُمْ من مصر مِنْ جَنَّاتٍ يعني البساتين وَعُيُونٍ- 57- يعني أنهار جارية وَكُنُوزٍ يعني الأموال الظاهرة من
__________
(1) فى ف «الحرب» ، وفى أ: بدم الجدار، وفى م: بدم الجدار وقد رأيت الحراف أقرب كلمة إلى ف.
(2) هكذا فى ف، م. وفى أ: بالسلاح.(3/265)
الذهب والفضة وإنما سمي كنزا لأنه لم يعط حق الله- عز وجل- منه وكل ما لم يعط حق الله- تعالى- منه فهو كنز وإن كان ظاهرا، قال سبحانه وَمَقامٍ كَرِيمٍ- 58- يعني المساكن الحسان كَذلِكَ هكذا فعلنا بهم في الخروج من مصر وما كانوا فيه من الخير، ثم قال- سبحانه-: وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ- 59- وذلك أن الله- عز وجل- رد بني إسرائيل بعد ما أغرق فرعون وقومه إلى مصر فَأَتْبَعُوهُمْ يقول فاتبعهم فرعون وقومه مُشْرِقِينَ- 60- يعني ضحى فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ يعني جمع موسى- عليه السلام- وجمع فرعون فعاين بعضهم بعضا قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ- 61- هذا فرعون وقومه لحقونا من ورائنا وهذا البحر أمامنا قد غشينا ولا منقذ لنا منه قالَ موسى- عليه السلام-: كَلَّا «لا يدركوننا» «1» إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ- 62- الطريق وذلك أن جبريل- عليه السلام- حين أتاه فأمره بالمسير من مصر قال: موعد ما بيننا وبينك البحر فعلم موسى- عليه السلام- أن الله- عز وجل- سيجعل له مخرجا وذلك يوم الاثنين العاشر من المحرم «2» فلما صار موسى إلى البحر أوحى الله- عز وجل- إليه «3» «فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى» أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فجاءه جبريل- عليه السلام- فقال اضرب بعصاك البحر فضربه بعصاه في أربع ساعات من النهار فَانْفَلَقَ البحر فانشق الماء اثني عشر طريقا يابسا، كل طريق طوله فرسخان وعرضه فرسخان، وقام الماء عن يمين الماء وعن يساره كالجبل العظيم، فذلك
__________
(1) فى الأصل: «لا يدركونا» .
(2) فى أ: يوم العاشر من المحرم.
(3) الآية «فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى» لكنها وردت فى الأصل: «أوحى الله- عز وجل- إليه» .(3/266)
قوله- عز وجل- فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ- 63- يعني كالجبلين المقابلين «1» كل واحد منهما على الآخر وفيهما كوى من طريق إلى طريق لينظر بعضهم إلى بعض إذا ساروا فيه ليكون آنس لهم إذا نظر بعضهم إلى بعض فسلك كل سبط من بني إسرائيل في طريق لا «يخالطهم» «2» أحد من غيرهم وكانوا اثني عشر سبطا فساروا في اثني عشر طريقا «3» فقطعوا البحر وهو نهر النيل بين أيلة ومصر نصف النهار فى ساعتين فتلك ست ساعات من النهار يوم الاثنين وهو يوم العاشر من المحرم، فصام موسى- عليه السلام- يوم العاشر شكر الله- عز وجل- حين أنجاه الله- عز وجل- وأغرق عدوه فرعون فمن ثم تصومه اليهود.
وسار فرعون وقومه في تمام ثمانية ساعات فلما توسطوا البحر تفرقت الطرق عليهم فأغرقهم الله- عز وجل- أجمعين، فذاك قوله- تعالى-: وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ- 64- يعني هناك الآخرين. قربنا فرعون وجنوده في مسلك بني إسرائيل وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ- 65- من الغرق فلم يبق أحد إلا نجا ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ- 66- يعني فرعون وقومه في تمام تسع ساعات من النهار ثم أوحى الله- عز وجل- إلى البحر فألقى فرعون على الساحل في ساعة فتلك «4» عشر ساعات وبقي من النهار ساعتان إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً يقول في هلاك فرعون وقومه لعبرة لمن بعدهم وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ- 67- يقول لم يكن أكثر أهل مصر مصدقين بتوحيد الله- عز وجل- ولو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا في الدنيا. ولم يؤمن من أهل مصر غير آسية امرأة فرعون
__________
(1) المقبلين: فى ف، وفى أ: كشط وتصليح، وفى م: المتقبلين.
(2) فى الأصل: «تخالطهم» .
(3) قال ابن عباس صار البحر اثنى عشر طريقا لكل سبط طريق. وزاد السدى وصار فيه طاقات ينظر بعضهم إلى بعض، ابن كثير: 3/ 336.
(4) فى الأصل: فذلك.(3/267)
وحزقيل المؤمن من آل فرعون وفية «1» الماشطة ومريم ابنة ناموثية «2» التي دلت على عظام يوسف وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ في نقمته من أعدائه حين انتقم منهم الرَّحِيمُ- 68- بالمؤمنين حين أنجاهم من العذاب وكان موسى بمصر ثلاثين سنة فلما قتل النفس خرج إلى مدين هاربا على رجليه في الصيف بغير زاد وكان راعيا عشر سنين ثم بعثه الله رسولا وهو ابن أربعين سنة ثم دعا قومه ثلاثين سنة ثم قطع البحر فعاش خمسين سنة فمات وهو ابن عشرين ومائة سنة- صلى الله عليه وسلم- وكان دعا فرعون وقومه عشر سنين فلما أبوا أرسل الله عليهم الطوفان والجراد والقمل وإلى آخر الآية «3» ثم لبث فيهم «4» أيضا عشرين سنة كل ذلك ثلاثين سنة فلم يؤمنوا فأغرقهم الله أجمعين فعاش موسى- عليه السلام- عشرين ومائة سنة.
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ على أهل مكة نَبَأَ يعني حديث إِبْراهِيمَ- 69- إِذْ قالَ لِأَبِيهِ آزر وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ- 70- قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً من ذهب وفضة وحديد ونحاس وخشب فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ- 71- يقول فنقيم عليها عاكفين وهي اثنان وسبعون قالَ إبراهيم- عليه السلام-: هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ- 72- يقول هل تجيبكم الأصنام إذا دعوتموهم أَوْ هل يَنْفَعُونَكُمْ في شيء إذا عبدتموها أَوْ يَضُرُّونَ- 73- يضرونكم بشيء
__________
(1) هكذا فى ف، أ، م: وفيه.
(2) هكذا فى أ، وفى ف: ناموئين.
(3) الآية: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ ... سورة الأعراف: 133.
(4) فى ف، ا: فيها.(3/268)
إن لم تعبدوها فردوا على إبراهيم «قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ» «1» - 74- يعني هكذا يعبدون الأصنام قالَ إبراهيم: أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ- 75- من الأصنام أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ- 76- فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي أنا بريء مما تعبدون ثم استثنى إبراهيم- عليه السلام- مما يعبدون ربَّ العالمين- جل جلاله- وعبادتهم الله لأنهم يعلمون أن الله- تعالى- هو ربهم هو الذي خلقهم قوله: إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ- 77- مما تعبدون فإني لا أتبرأ منه وإقرارَهم بالله- عز وجل- أنه خلقهم وهو ربهم، وهم عباده ثم ذكر إبراهيم- عليه السلام- نِعَمَ ربِّ العالمينَ- تعالى- فقال: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ- 78- وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي إذا جعت وَيَسْقِينِ- 79- إذا عطشت وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ- 80- وَالَّذِي يُمِيتُنِي في الدنيا ثُمَّ يُحْيِينِ- 81- بعد الموت في الآخرة.
وَالَّذِي أَطْمَعُ يعني أرجو أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ- 82- يعني يوم الحساب يقول أنا أعبد الذي يفعل هذا بي ولا أعبد غيره وخطيئة إبراهيم ثلاث كذبات، حين قال عن سارة «2» هذه أختي، وحين قال إِنِّي سَقِيمٌ، وحين قال بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا. إحداهن لنفسه واثنتان لله- عز وجل- دعا ربه- تعالى ذكره- فقال: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً يعني الفهم والعلم وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ- 83- يعني الأنبياء- عليهم السلام- وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ- 84- يعني ثناء حسنا يقال من بعدي في الناس فأعطاه
__________
(1) فى أ: «قالوا إنا وجدنا» وهو خلاف النص القرآنى. [.....]
(2) فى ف، ا، م: لسارة. واللام بمعنى عن.(3/269)
الله- عز وجل- ذلك فكل أهل دين يقولون «1» إبراهيم- عليه السلام-، ويثنون عليه، ثم قال: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ- 85- يقول اجعلني ممن يرث الجنة وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ- 86- يعني من المشركين وَلا تُخْزِنِي يعني لا تعذبني يَوْمَ يُبْعَثُونَ- 87- يعني يوم تبعث الخلق بعد الموت، ثم نعت إبراهيم- عليه السلام- ذلك اليوم، فقال: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ- 88- من العذاب من بعد الموت إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ في الآخرة بِقَلْبٍ سَلِيمٍ- 89- من الشرك مخلصا لله- عز وجل- بالتوحيد فينفعه يوم البعث ماله وولده.
وَأُزْلِفَتِ يعني وقربت الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ- 90- وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ يعني وكشف الغطاء عن الجحيم لِلْغاوِينَ- 91- من كفار بني آدم وهم الضالون عن الهدى وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ- 92- مِنْ دُونِ اللَّهِ لأنهم عبدوا الشيطان نظيرها في الصافات هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ- 93- يعني هل يمنعونكم النار أو يمتنعون منها فَكُبْكِبُوا فِيها يعني فقذفوا في النار يعني فقذفهم الحزنة في النار هُمْ يعني كفار بني آدم وَالْغاوُونَ- 94- يعني الشياطين الذين أغووا بني آدم، ثم قال- تعالى-: وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ- 95- يعني ذرية إبليس كلهم قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ- 96- في النار فيها تقديم وذلك أن الكفار من بني آدم قالوا للشياطين: تَاللَّهِ يعني والله إِنْ لقد كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ- 97- إِذْ نُسَوِّيكُمْ يعنى نعد لكم- يا معشر الشياطين- بِرَبِّ الْعالَمِينَ- 98- في الطاعة فهذه
__________
(1) فى ا، م: يتولون ابراهيم. وفى ف: يقولون ابراهيم.(3/270)
خصومتهم، ثم قال كفار مكة من بني آدم: وَما أَضَلَّنا عن الهدى إِلَّا الْمُجْرِمُونَ- 99- يعني الشياطين، ثم أظهروا الندامة فقالوا: فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ- 100- من الملائكة والبنين وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ- 101- يعني القريب الشفيق فيشفعون لنا كما يشْفَع للمؤمنين، وذلك أنهم لما رأوا كيف يشفع الله- عز وجل- والملائكة والبنين في أهل التوحيد، قالوا عند ذلك «فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ ... » إلى آخر الآية.
حدثنا أبو محمد قال: حدثني الْهُذَيْلِ، قال: قال مُقَاتِلُ: استكثروا من صداقة المؤمنين فإن المؤمنين يشفعون يوم القيامة، فذلك قوله- سبحانه-:
«وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ» ثم قال: فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً يعني رجعة إلى الدنيا فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- 102- يعني من المصدقين بالتوحيد إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً يعني إن في هلاك قوم إبراهيم لعبرة لمن بعدهم. وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ- 103- يقول لو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا في الدنيا وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ في نقمته الرَّحِيمُ- 104- بالمؤمنين. هلك قوم إبراهيم بالصيحة تفسيره فى سورة العنكبوت «1» .
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ- 105- يعني كذبوا نوحا وحده، نظيرها في «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ» «2» إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ ليس بأخيهم فى الدين ولكن
__________
(1) فى سورة العنكبوت الآية 40:
(فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) .
(2) سورة القمر آية 9، 10: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ، فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) .(3/271)
أخوهم في النسب أَلا تَتَّقُونَ- 106- يعني ألا تخشون الله- عز وجل- إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ- 107- فيما بينكم وبين ربكم فَاتَّقُوا اللَّهَ يعني فاعبدوا اللَّه وَأَطِيعُونِ- 108- فيما آمركم به من النصيحة وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ يعني جعلا وذلك أنهم قالوا للأنبياء إنما تريدون أن تملكوا علينا في أموالنا «1» فردت عليهم الأنبياء فقالوا لا نسألكم عليه «2» من أجر يعني على الإيمان جعلا إِنْ أَجْرِيَ يعني جزائي إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ- 109- فَاتَّقُوا اللَّهَ يعني فاعبدوا اللَّه وَأَطِيعُونِ- 110- فيما آمركم به من النصيحة قالُوا لنوح أَنُؤْمِنُ لَكَ أنصدقك بقولك وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ- 111- يعني السفلة قالَ نوح- عليه السلام-: وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ- 112- يقول لم أكن أعلم أن الله يهديهم للإيمان من بينكم ويدعكم، ثم قال نوح- عليه السلام-: إِنْ حِسابُهُمْ يعني ما جزاء الأرذلون إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ- 113- وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ- 114- يقول وما أنا بالذي لا يقبل «3» الإيمان من الذين تزعمون أنهم الأرذلون عندكم إِنْ أَنَا يعني ما أنا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ- 115- يعنى رسول بين لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يعني لئن لم تسكت يَا نُوحُ عنا لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ- 116- يعني من المقتولين قالَ نوح: رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ- 117- البعث فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً يقول اقض بيني وبينهم قضاء يعني العذاب وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- 118- من الغرق فنجاه الله- عز وجل- فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ- 119-
__________
(1) هكذا فى ف، أ: ولعلها علينا أموالنا.
(2) فى ف، أ: لا أسألكم عليه.
(3) فى أ: لا أقبل.(3/272)
يعني الموقر من الناس والطير والحيوان كلها من كل صنف ذكر وأنثى ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ أهل السفينة الْباقِينَ- 120- يعني من بقي منهم «ممن» «1» لم يركب السفينة. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً يقول إن في هلاك قوم نوح بالغرق لعبرة لمن بعدهم من هذه الأمة ليحذروا مثل عقوبتهم، ثم قال- تعالى-: وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ- 121- يعني مصدقين بتوحيد الله- عز وجل- يقول كان أكثرهم كافرين بالتوحيد ولو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا في الدنيا، ثم قال- سبحانه-: وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ في نقمته منهم بالغرق الرَّحِيمُ- 122- بالمؤمنين إذ نجاهم من الغرق، إنما ذكر الله- تعالى- تكذيب الأمم الخالية رسلهم، لما كذب كفار قريش النبي- صلى الله عليه وسلم- بالرسالة أخبر الله- عز وجل- النبيَّ- صلى الله عليه وسلم- أنه أرسله كما أرسل نوحا وهودا وصالحا ولوطا وشعيبا فكذبهم قومهم، فكذلك أنت يا محمد وذكر عقوبة قومهم الذين كذبوا رسلهم لئلا يكذب كفار قريش محمدا- صلى الله عليه وسلم- فحذرهم مثل عذاب الأمم الخالية.
كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ- 123- إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ لَيْسَ بأخيهم فِي الدين وَلَكِن أخوهم فِي النسب أَلا تَتَّقُونَ- 124- يعني ألا تخشون الله- عز وجل- إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ- 125- فيما بينكم وبين ربكم فَاتَّقُوا اللَّهَ يعني فاعبدوا اللَّه وَأَطِيعُونِ- 126- فيما آمركم به من النصيحة وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ يقول لا أسألكم على الإيمان جعلا إِنْ أَجْرِيَ يقول ما أجري إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ- 127- أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ يعنى طريق آيَةً يعنى علما تَعْبَثُونَ
__________
(1) فى الأصل: «من» .(3/273)
- 128- يعني تلعبون وذلك أنهم كانوا إذا سافروا لا يهتدون إلا بالنجوم فبنوا القصور [53 ا] الطوال عبثا يقول علما بكل طريق يهتدون بها في طريقهم وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ يعني القصور ليذكروا بها هذا منزل بني فلان وبني وفلان لَعَلَّكُمْ يعني كأنكم تَخْلُدُونَ- 129- في الدنيا فلا تموتون وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ- 130- يقول إذا أخذتم أخذتم فقتلتم في غير حق كفعل الجبارين، والجبار من يقتل بغير حق فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ- 131- وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ يقول اتقوا الله الذي أعطاكم بِما تَعْلَمُونَ «1» - 132- من الخير، ثم أخبر بالذي أعطاهم، فقال- سبحانه-: أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ- 133- وَجَنَّاتٍ يقول البساتين وَعُيُونٍ- 134- يعني وأنهار جارية أعطاهم هذا الخير كله، بعد ما «أخبرهم» «2» عن قوم نوح بالغرق، قال «3» : فإن لم تؤمنوا ف إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ- 135- أن ينزل بكم في الدنيا يعني بالعظيم الشديد فردوا «عليه» «4» - عليه السلام- قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ بالعذاب أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ- 136- إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ- 137- يعني ما هذا العذاب الذي يقول هود إلا أحاديث الأولين وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ- 138- فَكَذَّبُوهُ بالعذاب في الدنيا فَأَهْلَكْناهُمْ بالريح إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً يقول إن في هلاكهم بالريح لعبرة لمن بعدهم من هذه الأمة فيحذروا مثل عقوبتهم، ثم قال- سبحانه-: وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ- 139-
__________
(1) فى أ: ما تعملون.
(2) فى أ: أخبر قوم نوح.
(3) «أخبرهم» : ليست فى ا.
(4) «عليه» زيادة اقتضاها السياق غير موجودة فى الأصل.(3/274)
ولو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا في الدنيا وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ في نقمته من أعدائه حين أهلكهم بالريح الرَّحِيمُ- 140- بالمؤمنين حين أنجاهم.
كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ- 141- يعني صالحا وحده إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ فى النسب وليس بأخيهم فى الدين أَلا تَتَّقُونَ- 142- يعني «ألا تخشون» «1» الله- عز وجل- إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ- 143- فيما بينكم وبين الله- عز وجل- فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ- 144- فيما آمركم به وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ يعني على الإيمان مِنْ أَجْرٍ يعني جعلا إِنْ أَجْرِيَ يعني «ما جزائي» «2» إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ- 145- ثم قال صالح- عليه السلام-: أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا من الخير آمِنِينَ- 146- من الموت، ثم أخبر عن الخير، فقال- سبحانه-: فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ- 147- وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ- 148- يعني طلعها متراكب بعضها على بعض من الكثرة وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ- 149- يعني حاذقين بنحتها فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ- 150- فيما آمركم به من النصيحة وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ- 151- يعنى التسعة الذين عقروا الناقة [53 ب] ثم نعتهم فقال- تعالى-: الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ- 152- يقول الذين يعصون في الأرض ولا يطيعون الله- عز وجل- فيما أمرهم به قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ- 153.
__________
(1) فى أ: «ألا تخشوا» .
(2) فى أ: «ما جزاى» . [.....](3/275)
حدثنا أبو محمد قال: حدثنا الأثرم، قال أبو عبيدة والفراء: المسحر المخلوق، ويقال أيضا الذي له سحر يجتمع فيه طعامه أسفل نحره لأن «نصف العنق» «1» نحر ونصفه سحر مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا يقول إنما أنت بشر مثلنا في المنزلة ولا تفضلنا فى شيء لست بملك ولا رسول فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ- 154- بأنك رسول الله إلينا، فقال لهم صالح: إن الله- عز وجل- «سيخرج» «2» لكم من هذه الصخرة ناقة وبراء عشراء يعني حامل، قال مُقَاتِلُ: كانت الناقة من غير نسل ثم انشقت عن الناقة قالَ لهم صالح- عليه السلام-: هذِهِ ناقَةٌ الله لكم آية بأني رسول الله لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ- 155- وكان للناقة يوم، ولهم يوم وإذا كان شرب يوم الناقة من الماء كانوا في لبن ما شاءوا وليس لهم ماء فإذا كان يومهم، لم يكن للناقة ماء وكان لأهل القرية ولمواشيهم يوم، ولها يوم آخر «فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ» وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ يعني ولا تعقروها فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ- 156- في الدنيا فَعَقَرُوها يوم الأربعاء فماتت فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ- 157- على عقرها فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ يوم السبت من صيحة جبريل- عليه السلام- فماتوا أجمعين إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً يعني في هلاكهم بالصيحة لعبرة لمن بعدهم من هذه الأمة يحذر كفار مكة مثل عذابهم، ثم قال- سبحانه-: وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ- 158- يعني لو كان أكثرهم مؤمنين ما عذبوا في الدنيا وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ فى نقمته
__________
(1) فى أ: «العنق» .
(2) فى أ: «خرج» .(3/276)
من أعدائه الرَّحِيمُ- 159- بالمؤمنين، وعاد وثمود ابنا عم، ثمود بن عابر ابن أرم بن سام بن نوح وهود بن شالح.
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ- 160- كذبوا لوطا وحده ولوط ابن حراز بن آزر، فسارة أخت لوط- عليه السلام- إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ ابن حراز أَلا تَتَّقُونَ- 161- يعني ألا تخشون الله- عز وجل- إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ- 162- فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ- 163- فيما آمركم به من النصيحة وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ يعني ما أسألكم على الإيمان من جعل إِنْ أَجْرِيَ يعني ما جزائي إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ- 164- أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ- 165- يعني نكاح الرجال وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ يعنى بالأزواج فروج نسائكم [54 أ] بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ- 166- يعنى معتدين قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يعني لئن لم تسكت عنا يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ- 167- من القرية قالَ لوط: إِنِّي لِعَمَلِكُمْ يعني إتيان الرجال مِنَ الْقالِينَ- 168- يعني الماقتين رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ- 169- من الخبائث فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ- 170-، ثم استثنى فقال: إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ- 171- يعني الباقين في العذاب يعني امرأته ثُمَّ دَمَّرْنَا يعني أهلكنا الْآخَرِينَ- 172- بالخسف والحصب، فذلك قوله- تعالى-:
وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً يعني الحجارة فَساءَ يعني فبئس مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ يعني الذين أنذروا بالعذاب خسف الله بقرى قوم لوط وأرسل الحجارة على من كان خارجا من القرية إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً يعني إن في هلاكهم بالخسف(3/277)
والحصب لعبرة لهذه الأمة، ثم قال- تعالى-: وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ- 174- لو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا في الدنيا وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ في نقمته الرَّحِيمُ- 175- بالمؤمنين، وذلك قوله- تعالى- «ولقد أنذرهم بطشتنا «1» ... » يعنى عذابنا.
كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ يعني غيطة الشجر كان أكثر الشجر الدوم وهو المقل الْمُرْسَلِينَ- 176- يعني كذبوا شعيبا- عليه السلام- وحده وشعيب بن نويب بن مدين بن إبراهيم- خليل الرحمن إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ ولم يكن شعيب من نسبهم، فلذلك لم يقل- عز وجل- أخوهم شعيب وقد كان أرسل إلى أمة غيرهم أيضا إلى ولد مدين، وشعيب من نسلهم فمن ثم قال فى هذه السورة «إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ» ولم يقل أخوهم لأنه ليس من نسلهم:
أَلا تَتَّقُونَ- 177- يقول ألا تخشون الله- عز وجل-؟ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ- 178- فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ- 179- فيما آمركم به من النصيحة وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ يعني على الإيمان مِنْ أَجْرٍ يعني من جعل إِنْ أَجْرِيَ يعني ما جزائي إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ- 180- أَوْفُوا الْكَيْلَ ولا تنقصوه وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ- 181- يعني من المنقصين للكيل وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ- 182- يعني بالميزان المستقيم والميزان بلغة الروم القسطاس وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ يقول ولا تنقصوا الناس حقوقهم في الكيل والميزان وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ يعني ولا تسعوا في الأرض مُفْسِدِينَ- 183- بالمعاصي وَاتَّقُوا يقول واخشوا أن يعذبكم في الدنيا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَخلق الْجِبِلَّةَ يعنى الخليفة الْأَوَّلِينَ- 184- يعنى
__________
(1) سورة القمر: 36.(3/278)
الأمم الخالية [54 ب] الذين عذبوا فى الدنيا قوم نوح وهود وصالح وقوم لوط قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ- 185- يعني أنت بشر مثلنا لست بملك ولا رسول، فذلك قوله- سبحانه-: وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا لا تفضلنا فى شيء فتبعك وَإِنْ نَظُنُّكَ يقول وقد نحسبك يا شعيب لَمِنَ الْكاذِبِينَ- 186- يعني «حين» «1» تزعم أنك نبي رسول فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً يعني جانبا مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ- 187- بأن العذاب نازل بنا لقوله في هود: « ... وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ» «2» قالَ شعيب: رَبِّي أَعْلَمُ من غيره بِما تَعْمَلُونَ- 188- من نقصان الكيل والميزان فَكَذَّبُوهُ بالعذاب فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ وذلك أن الله- عز وجل- كان حبس عنهم الريح والظل فأصابهم حر شديد فخرجوا من منازلهم فرفع الله- عز وجل- سحابة فيها عذاب بعد ما أصابهم الحر سبعة أيام فانقلبوا ليستظلوا تحتها فأهلكهم الله- عز وجل- حرا وغما تحت السحابة، فذلك قوله- عز وجل-: «عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ» إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ- 189- لشدته إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً إن في هلاكهم بالحر والغم لعبرة لمن بعدهم يحذر كفار مكة أمة محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمّ قَالَ- عز وجل-: وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ- 190- يعني لو كان أكثرهم مؤمنين ما عذبوا في الدنيا وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ في نقمته من أعدائه الرَّحِيمُ- 191- بالمؤمنين وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ- 192- وذلك أنه لما قال كفار مكة: إن محمدًا- صلى الله عليه وسلم- يتعلم القرآن من «أبى» «3» فكيهة ويجيء به «الري» «4» ، وهو شيطان، فيلقيه على لسان محمد
__________
(1) «حين» : زيادة اقتضاها السياق لم ترد فى الأصل
. (2) سورة هود: 84.
(3) فى ا: «ابني» ، ف: «أبى» .
(4) فى ا: «الذي» ، ف: «الري» .(3/279)
- صلى الله عليه وسلم- فأكذبهم الله- تعالى- فقال- عز وجل-: «وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ» يعنى القرآن نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ- 193- يعني جبريل- عليه السلام- «أمين» فيما استودعه الله- عز وجل- من الرسالة إلى الأنبياء- عليهم السلام- نزله عَلى قَلْبِكَ ليثبت به قلبك يا محمد لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ- 194- أنزله بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ- 195- ليفقهوا ما فيه لقوله إنما يعلِّمه أبو فكيهة، وكان أبو فكيهة أعجميا، ثم قال- سبحانه-:
وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ- 196- يقول أمرُ محمدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونعتُه في كتب الأولين، ثم قال: أَوَلَمْ يَكُنْ محمد- صلى الله عليه وسلم- لَهُمْ آيَةً يعني لكفار مكة أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ- 197- يعنى ابن سلام وأصحابه وَلَوْ نَزَّلْناهُ [55 أ] يعنى القرآن عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ- 198- يعني أبا فكيهة يقول لو أنزلناه على رجل ليس بعربي اللسان فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ على كفار مكة لقالوا ما نفقه قوله وما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ- 199- يعني بالقرآن مصدقين بأنه من الله- عز وجل- كَذلِكَ سَلَكْناهُ يعني هكذا جعلنا الكفر بالقرآن فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ- 200- لا يُؤْمِنُونَ بِهِ يعنى بالقرآن حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ- 201- يعني الوجيع فَيَأْتِيَهُمْ العذاب بَغْتَةً يعني فجأة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ- 202- فيتمنون الرجعة والنظرة، فذلك قوله- سبحانه-: فَيَقُولُوا يعني كفار مكة هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ- 203- فنعتب ونراجع فلما أوعدهم النبي- صلى الله عليه وسلم- العذاب، قالوا فمتى هذا العذاب تكذيبا به، يقول الله- عز وجل- أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ- 204- أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ- 205- في الدنيا ثُمَّ جاءَهُمْ بعد ذلك العذاب ما كانُوا(3/280)
يُوعَدُونَ
- 206- مَا أَغْنى عَنْهُمْ من العذاب مَا كانُوا يُمَتَّعُونَ- 207- فى الدنيا، ثم خوفهم فقال- سبحانه- وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ فيما خلا بالعذاب في الدنيا إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ- 208- يعنى رسلا تنذرهم العذاب بأنه نازل بهم في الدنيا ذِكْرى يقول العذاب يذكر ويفكر وَما كُنَّا ظالِمِينَ- 209- فنعذب على غير ذنب كان منهم ظلما، قالت قريش إنه يجيء بالقرآن الري يعنون الشيطان، فيلقيه على لسان محمد- صلى الله عليه وسلم- فكذبوه بما جاء به، فأنزل الله- عز وجل- وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ- 210- وَما يَنْبَغِي لَهُمْ أن ينزلوا بالقرآن وَما يَسْتَطِيعُونَ- 211- لأنه حيل بينهم وبين السمع، بالملائكة والشهب وذلك أنهم كانوا يستمعون إلى السماء قبل أن يبعث النبي- صلى الله عليه وسلم- فلما بعث رمتهم الملائكة بالشهب، فذلك قوله- سبحانه: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ- 212- بالملائكة والكواكب فَلا تَدْعُ يعنى مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وذلك حين دُعِيَ إلى دين آبائه فقال لا تَدْعُ يعني فلا تعبد مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ- 213- وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ- 214- لما نزلت هَذِهِ الآية قَالَ النَّبِيّ- صَلَّى الله عليه وسلم-: إني أرسلت إلى الناس عامة وأرسلت إليكم يا بني هاشم وبني المطلب خاصة وهم الأقربون وهما أخوان ابنا عبد مناف وَاخْفِضْ جَناحَكَ يعني لين لهم جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- 215- فَإِنْ عَصَوْكَ يعني بني هاشم وبني عبد المطلب فلم يجيبوك إلى الإيمان فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ- 216- من الشرك والكفر [55 ب] وَتَوَكَّلْ يعني وثق بالله- عز وجل- عَلَى الْعَزِيزِ في نقمته الرَّحِيمِ- 217- بهم حين لا يعجل عليهم بالعقوبة، وذلك حين(3/281)
دُعِيَ إلى ملة آبائه ثم قال- سبحانه-: الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ
- 218- وحدك إلى الصلاة وَتَقَلُّبَكَ يعني ويرى ركوعك وسجودك وقيامك فهذا التقلب فِي السَّاجِدِينَ- 219- يعني ويراك مع المصلين في جماعة إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لما قالوا حين دُعِيَ إلى دين آبائه الْعَلِيمُ- 220- بما قال كفار مكة هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ- 221- لقولهم إنما يجيء به الري فيلقيه على لسان محمد- صلى الله عليه وسلم- تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ يعني كذاب أَثِيمٍ- 222- بربه منهم مسيلمةُ الكذاب وكعبُ بن الأشرف يُلْقُونَ السَّمْعَ يقول «تلقي» «1» الشياطين بآذانهم إلى السمع في السماء لكلام الملائكة وذلك أن الله- عز وجل- إذا أراد أمرا في أهل الأرض «أعلم» «2» به أهل السموات من الملائكة فتكلموا به فتسمع الشياطين لكلام الملائكة وترميهم بالشهب فيخطفون الخطفة، ثم قال- عز وجل-: وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ- 223- يعني الشياطين حين يخبرون الكهنة أنه يكون في الأرض كذا وكذا، ثم قال- سبحانه-: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ- 224- منهم عبد الله بن الزبعري السهمي، وأبو سفيان بن عبد المطلب، وهميرة ابن أبى وهب المخزومي، ومشافع بن عبد مناف عمير الجمحي، وأبو عزة اسمه عمرو بن عبد الله، كلهم من قريش، وأمية بن أبي الصلت الثقفي، تكلموا بالكذب والباطل وقالوا نحن نقول مثل قول محمد- صلى الله عليه وسلم- قالوا الشعر واجتمع إليهم غواة من قومهم يستمعون من أشعارهم، ويروون عنهم حتى يهجون، فذلك قوله- عز وجل-: أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ
__________
(1) فى أ: يلقون.
(2) فى أ: علم.(3/282)
- 225- يعني في كل طريق يعني في كل فن من الكلام يأخذون وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ- 226-: فعلنا وفعلنا وهم كذبة فاستأذن شعراء المسلمين أن يقتصوا من المشركين منهم عبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت وكعب بن مالك من بني سلمة بن خثم كلهم من الأنصار، فأذن لهم النبي- النبي صلى الله عليه وسلم-، فهجوا المشركين ومدحوا النبي- صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله- تعالى- «والشعراء يتبعهم الغاوون ... » إلى آيتين ثم استثنى- عز وجل- شعراء المسلمين فقال: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا على المشركين [56 أ] مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا يقول انتصر «1» شعراء المسلمين من شعراء المشركين، فقال: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا يعنى أشركوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ- 227- يقول ينقلبون في الآخرة إلى الخسران.
حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بن ثَابِت، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي عن الهذيل، عن رجل، عن الفضل ابن عيسى الرقاشي، قال: «بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ» قال: فضله على الألسن.
قال الْهُذَيْلُ سمعت المسيب بحديث عن أبي روق قال: كانت ناقة صالح- عليه السلام- بوضع لها الإناء فتدر فيه اللبن.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْهُذَيْلِ، عَنْ على بن عاصم، عن الفضل ابن عيسى الرقاشي، عن محمد بن المنكور عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لَمَّا كَلَّمَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلامُ-
__________
(1) فى أ: انتصروا.(3/283)
فَوْقَ الطُّورِ فَسَمِعَ كَلامًا فَوْقَ الْكَلامِ الأَوَّلِ فَقَالَ يَا رَبِّ هَذَا كَلامُكَ الَّذِي كَلَّمْتَنِي بِهِ. قَالَ: لا يَا مُوسَى: إِنَّمَا كَلَّمْتُكَ بِقُوَّةِ عَشَرَةِ آلافِ لِسَانٍ «1» وَلِي قُوَّةُ الأَلْسُنِ كُلِّهَا، وَأَنَا أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلامُ- إِلَى قَوْمِهِ قَالُوا: يَا مُوسَى، صِفْ لَنَا كَلامَ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، لا أَسْتَطِيعُ. قَالُوا: فَشَبِّهُهُ، قَالَ: أَلَمْ تَرَوْا إِلَى أَصْوَاتِ الصَّوَاعِقِ الَّتِي تَقْتُلُ بِأَحْلَى حَلاوةٍ إِنْ سَمِعْتُمُوهُ فَإِنَّهُ قَرِيبٌ مِنْهُ وَلَيْسَ به «2» .
__________
(1) من أ، وفى ف: إنما كلمتك بما تطيق وتستطيع بذلك احتماله ولو كلمتك بأشد من هذا لمت.
(2) انتهى تفسير سورة الشعراء فى ف، وفى ازيادات فى هذه القصة، ويكفى أن تعلم أنها مروية عن كعب لتعرف أنها من إسرائيليات اليهود التي رأينا بالإعراض عنها.
وما أغنى كتاب الله عن هذا التشبيه والتجسيم، وقد شان مقاتل تفسيره بهذا التجسيم والتشبيه، وهو معروف ومشهور عند اليهود.
ثبتنا الله بالقول الثابت، وحفظنا من الزيغ وختم لنا بالإيمان.(3/284)
سورة النّمل(3/285)
[سورة النمل (27) : الآيات 1 الى 93]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (1) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)
أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (8) يَا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)
وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)
وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19)
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24)
أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ (28) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (29)
إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (30) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (34)
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (37) قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)
قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّها مَا كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (44)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (49)
وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (53) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54)
أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58) قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)
أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ مَا كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (64)
قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (66) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنا هَذَا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69)
وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (71) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (74)
وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (75) إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)
إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84)
وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (88) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89)
وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)(3/287)
سورة النمل «1» سورة النمل مكية.
وهي ثلاث وتسعون آية كوفية «2» .
__________
(1) المقصود الإجمالى لسورة النمل تضمنت سورة النمل المعاني الآتية:
بيان شرف القرآن، ومدح المؤمنين، وذم المشركين والإشارة إلى ذكر الوادي المقدس، وموسى ابن عمران وذكر خبر داود وسليمان، وفضل الله- تعالى- عليهما بتعليمهما منطق الطير وسائر الحيوان، وقصة النمل، وذكر الهدهد وخير بلقيس، ورسالة الهدهد إليها من سليمان، ومشاورتها أركان الدولة، وبيان أثر الملوك إذا نزلوا فى مكان، وإهداء بلقيس إلى سليمان وتهديده لها، ودعوة آصف لإحضار تخت بلقيس فى أسرع وقت، وتغيير حال العرش لتجربتها، وإسلامها على يدي سليمان، وحديث صالح، ومكر قومه فى حقه، وطرف من حديث قوم لوط أولى الطغيان، والبرهان فى الحدائق، والأشجار، والبحار، والأنهار، وإجابة الحق دعاء أهل التضرع، والابتهال إلى الرحمن، وهداية الله الخلق فى ظلمات البر، والبحر، واطلاع الحق- تعالى- على أسرار الغيب، وتسلية الرسول- صلّى الله عليه وسلم- فى إعراض المنكرين من قبول القرآن، وقبول الإيمان وخروج الدابة، وظهور علامة القيامة، والإخبار عن حال الجبال فى ذلك اليوم، وبيان جزاء المجرمين وإعراض الرسول عن المشركين، وإقباله على القرآن الكريم، وأمر الله له بالحمد على إظهار الحجة أعنى القرآن فى قوله «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ ... » : 3.
وسميت سورة النمل لاشتمالها على حديث النملة عن سليمان فى قوله: «حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ....» : 18.
(2) فى أ: وهي ثلاث وسبعون آية كوفية: وهو تصحيف، فكتب علوم القرآن تذكر أنها ثلاث وتسعون فى عد الكوفة: وخمس وتسعون فى عدا الحجاز، وأربع وتسعون فى عد الشام.
انظر بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي: 348.
وفى المصحف (27) سورة النمل مكية، وآياتها 93 نزلت بعد سورة الشعراء. [.....](3/295)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ- 1- يعني بين ما فيه من أمره ونهيه هُدىً يعني بيان من الضلالة لمن عمل به وَبُشْرى لما فيه من الثواب لِلْمُؤْمِنِينَ- 2- يعني للمصدقين بالقرآن بأنه مِنَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ، ثم نعتهم فقال- سبحانه- الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ يعني يتمون الصلاة المكتوبة وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ يعني ويعطون الزكاة المفروضة وَهُمْ بِالْآخِرَةِ يعني بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال هُمْ يُوقِنُونَ- 3- إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعني لا يصدقون بالبعث زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ يعني ضلالتهم فَهُمْ يَعْمَهُونَ- 4- يعني يترددون فيها أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ يعني شدة الْعَذابِ في الآخرة وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ- 5- وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى يعنى لتؤتى الْقُرْآنَ كقوله- سبحانه-: «وَما يُلَقَّاها ... » «1»
يعني وما يؤتاها، ثم قال: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ فى أمره عَلِيمٍ- 6- بأعمال الحلق إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ يعني امرأته حين رأى النار إِنِّي آنَسْتُ ناراً يقول إني رأيت نارا وهو نور رب العزة- جل ثناؤه- رآه ليلة الجمعة عن يمين «2» الجبل «بالأرض المقدسة» «3» سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أين الطريق وقد [57 أ]
__________
(1) سورة فصلت: 35 وتمامها «وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» .
(2) فى أ: من سن، ل، ز: عن يمين.
(3) وردت «بأرض المقدسة» فى: ا، ل، ز، والأنسب بالأرض المقدسة.(3/296)
كان تحير وترك الطريق. ثم قال: «فإن لم أجد من يخبرني الطريق» «1» :
أَوْ آتِيكُمْ» «2» بِشِهابٍ قَبَسٍ يقول آتيكم «بنار قبسة» «3» مضيئة لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ- 7- من البرد فَلَمَّا جاءَها «4» يعني النار «5» وهو «6» نور رب العزة- تبارك وتعالى- نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها يعنى الملائكة وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ- 8- في التقديم، ثم قال: يَا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ يقول إن النور الذي رأيتَ أنا الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ- 9- وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ يعني تحرك كَأَنَّها جَانٌّ يعني كأنها كانت حية وَلَّى مُدْبِراً من الخوف من الحية وَلَمْ يُعَقِّبْ يعني ولم يرجع يقول الله- عز وجل-: يا مُوسى لا تَخَفْ من الحية إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ يعنى عندي الْمُرْسَلُونَ- 10- إِلَّا مَنْ ظَلَمَ نفسه من الرسل فإنه يخاف فكان منهم آدم ويونس وسليمان وإخوة يوسف وموسى بقتله النفس، - عليهم السلام- ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ يعني فمن بدل إحسانا بعد إساءته فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ- 11- وَأَدْخِلْ يَدَكَ اليمنى فِي جَيْبِكَ يعني جيب المدرعة من قبل صدره وهي مضربة «7» تَخْرُجْ اليد من المدرعة بَيْضاءَ لها شعاع كشعاع الشمس مِنْ غَيْرِ سُوءٍ يعني من غير برص ثم انقطع الكلام، يقول
__________
(1) فى أ: فإن لم أجد الطريق.
(2) فى ا، ز: «آتيكم» وفى حاشية أ: «أو آتيكم» .
(3) من أ: وفى ز: بنار أقتبسه لكم.
(4) من ا، وفى ز: «فلما جاءها» .
(5) من ز، وفى أ: إلى النار، وفى حاشية أ: يحتمل أنها أى النار.
(6) فى ا، ز: وهو، بالضمير المذكر أى الضوء.
(7) فى ز: وهي مضربة. وفى أ: وهي مضربة، فلعل معناها أنه يدخل يده فى جيب مدرعته حال كونها مضروبة عليها أو ملبوسة.(3/297)
الله- تبارك وتعالى- لمحمد- صلى الله عليه وسلم-: فِي تِسْعِ آياتٍ يعني «أعطي» «1» تسع آيات. اليد، والعصا، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والسنين، والطمس، فآيتان منهما أعطي موسى- عليه السلام- «بالأرض المقدسة» «2» اليد والعصى، حين أرسل إلى فرعون، وأعطي سبع آيات بأرض مصر حين كذبوه فكان أولها اليد وآخرها الطمس، يقول: إِلى فِرْعَوْنَ واسمه فيطوس وَقَوْمِهِ أهل مصر إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ- 12- يعنى عاصين «فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا» «3» مُبْصِرَةً يعني مبينة معاينة يرونها قالُوا: يا موسى هَذَا الذي جئت به سِحْرٌ مُبِينٌ- 13- يعني بين. يقول الله- عز وجل-: وَجَحَدُوا بِها يعني بالآيات يعني بعد المعرفة، فيها تقديم وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ أنها من الله- عز وجل- وأنها ليست بسحر ظُلْماً شركا وَعُلُوًّا تكبرا «4» فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ- 14- في الأرض بالمعاصي، كان عاقبتهم الغرق، وإنما استيقنوا بالآيات أنها من الله لدعاء موسى ربه أن يكشف عنهم الرجز فكشفه عنهم. [57 ب] وقد علموا ذلك وَلَقَدْ آتَيْنا يعني أعطينا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً بالقضاء وبكلام الطير وبكلام الدواب وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ
__________
(1) «أعطى» : زيادة اقتضاها السياق.
(2) فى الأصل: بأرض المقدسة.
(3) فى ا، ز: «فلما جاءهم» موسى «بآياتنا» .
(4) فى افسر هذه الآية هكذا:
«جحدوا بها، ظلما وعلوا، واستيقنتها أنفسهم، فانظر كيف كان عاقبة المفسدين» . وقد أعدت ترتيب الآية كما وردت فى المصحف الشريف، وترتيب ز مثل ا، قالت «وجحدوا بها» - ظلما وعلوا. [.....](3/298)
- 15- يعني بالقضاء والنبوة والكتاب وكلام البهائم والملك الذي أعطاهما الله- عز وجل- وكان سليمان أعظم ملكا من داود وأفطن منه وكان داود أكثر تعبدا من سليمان «1» وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ يعني ورث سليمان علم داود وملكه وَقالَ سليمان لبنى إسرائيل: يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يعنى أعطنا الملك والنبوة والكتاب والرياح وسخرت لنا الشياطين، ومنطق الدواب ومحاريب وتماثيل وجفان كالجوابي «2» وقدور راسيات وعين الفطر يعني عين الصفر إِنَّ هَذَا الذي أعطينا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ- 16- يعني البين وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ يعني وجمع لسليمان جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ طائفة وَمن الْإِنْسِ وَمن الطَّيْرِ طائفة فَهُمْ يُوزَعُونَ- 17- يعني يساقون، وكان سليمان استعمل عليهم جندا يرد الأول على الآخر حتى ينام الناس وقال- عز وجل- حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ من أرض الشام قالَتْ نَمْلَةٌ واسمها الجرمي «3» يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا وهن خارجات فقالت ادخلوا مَساكِنَكُمْ يعني بيوتكم لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ يعني لا يهلكنكم سليمان وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ- 18- بهلاككم فسمع سليمان قولها من ثلاثة أميال فانتهى إليها سليمان حين قالت «وَهُمْ لا يشعرون» فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها ضحك من ثناءها على سليمان بعدله في ملكه، أنه لو يشعر بكم لم يحطمكم، يعنى
__________
(1) من أ، وفى ز: وكان داود أفضلهما وكل فاضل.
(2) فى أ: الجوابي، وفى المصحف «وَجِفانٍ كَالْجَوابِ» سورة سبأ: 13.
(3) إن الله أبهم النملة ولم يحدد اسمها إذ لا تتوقف على ذكره فائدة ثم هو مما لا يوقف عليه إلا بنقل، ولم يصح نقل، فى اسم هذه النملة، فوضح أن تحديد اسمها لا يكون إلا من الإسرائيليات أو من الموضوعات.(3/299)
بالضحك، الكشر، وقال سليمان: لقد علمت النمل أنه. لك لا بغي فيه ولا فخر، ولئن علم بنا قبل أن يغشانا لم نوطأ «1» . ثم وقف سليمان بمن معه من الجنود ليدخل النمل مساكنهم، ثم حمد ربه- عز وجل- حين علمه منطق كل شيء فسمع كلام النملة وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي يعني ألهمني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ من قبلي يعني أبويه داود وأمه بتشايع بنت اليائن «2» وَالهمنى أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ يعني بنعمتك فِي يعني مع عِبادِكَ الصَّالِحِينَ- 19- الجنة وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ يعني الهدهد حين سار من بيت المقدس قبل اليمن فلما مر بالمدينة وقف فقال إن الله- عز وجل- سيبعث من هاهنا نبينا طوبى لمن تبعه «3» ، [58 أ] فلما أراد أن ينزل فَقالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ والميم ها هنا صلة، كقوله- تعالى-: «أَمْ عِنْدَهُمُ» يعنى أعندهم «الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ» «4» أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ- 20- لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً يعني لأنتفن ريشه فلا يطير مع الطير حولا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ يعني لأقتلنه أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ- 21- يعني حجة بينة أعذره بها فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ يقول لم يلبث إلا قليلا حتى جاء الهدهد فوقع بين يدي سليمان- عليه السلام- فجعل ينكث بمنقاره ويومى «5»
__________
(1) كذا فى ا، ز، كأن هذه الجملة من المفهوم المقابل لكلام النملة.
(2) فى أ: وأمه بنشايع ابنت الباتن، وفى ز: وبتشايع بنت اليائن.
(3) فى أ: زيادة: لم يكن بها يومئذ أحد ثم سار فمر بمكة فقال: إن الله- عز وجل- سيبعث منك رسولا طوبى لمن تبعه، وليست هذه الزيادة فى ز.
(4) سورة الطور: 41، وسورة القلم: 47.
(5) فى الأصل: يومى.(3/300)
برأسه إلى سليمان فَقالَ لسليمان: أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ يقول علمت ما لم تعلم به وَجِئْتُكَ بأمر لم تخبرك به الجن ولم تنصحك فيه ولم يعلم به الإنس وبلغت ما لم تبلغه أنت ولا جنودك وجئتك مِنْ أرض سَبَإٍ باليمن بِنَبَإٍ يَقِينٍ- 22- يقول بحديث يقين لا شك فيه فقال سليمان وما ذلك؟ قال الهدهد: إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ يعني تملك أهل سبأ وَأُوتِيَتْ يعني وأعطيت مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يكون باليمن يعني العلم والمال والجنود والسلطان والزينة وأنواع الخير فهذا كله من كلام الهدهد، وقال الهدهد: وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ- 23- يعني ضخم ثمانون ذراعا في ثمانين ذراعا، وارتفاع السرير من الأرض أيضا» «1» ثمانون ذراعا في ثمانين ذراعا مكلل بالجوهر والمرأة اسمها بلقيس بنت أبي سرح «2» ، وهي من الإنس وأمها «3» من الجن اسمها فازمة بنت الصخر «4» ، ثم قال: وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ السيئة يعني سجودهم للشمس فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ يعني عن الهدى فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ- 24- ثم قال الهدهد: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ يعنى الغيث فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ «وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ
__________
(1) فى أ: وارتفاع السرير من الأرض ثمانون ذراعا.
فى ز: وارتفاع السرير من الأرض أيضا، ثمانون ذراعا فى ثمانين ذراعا.
فكلمة أيضا، وجملة فى ثمانين ذراعا الأخيرة من ز وحدها.
(2) من أ، وفى ز: بلقيس بنت اليسرح.
(3) فى أ: وأهلها وفى ف، ز: وأمها.
(4) فى ل، أ: الصخر، ز: الطحن.(3/301)
في قلوبكم وَما تُعْلِنُونَ- 25- بألسنتكم» «1» اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ- 26- يعنى بالعظيم العرش «2» .
قالَ سليمان للهدهد دلنا على الماء: سَنَنْظُرُ فيما تقول أَصَدَقْتَ في قولك أَمْ كُنْتَ يعني أم أنت مِنَ الْكاذِبِينَ- 27- مثل قوله- عز وجل- «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» «3» وكان الهدهد يدلهم على قرب الماء من الأرض إذا نزلوا فدلهم على ماء فنزلوا واحتفروا الركايا «4» وروى الناس والدواب، وكانوا قد عطشوا فدعا سليمان الهدهد وقال: اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ يعني إلى أهل سبأ ثُمَّ تَوَلَّ يقول ثم انصرف عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ- 28- الجواب، فحمل الهدهد الكتاب بمنقاره، فطار حتى وقف على رأس المرأة، فرفرف ساعة والناس
__________
(1) ما بين القوسين « ... » ورد فى أ: «فى قلوبهم (وما يعلنون) بألسنتهم» .
وفى ز: « (ويعلم ما يخفون وما يعلنون) بألسنتهم.
(2) كذا فى أ، ز، والمراد أن العظيم صفة للعرش.
وفى أزيادة: ليست فى ف ولا، ل، ولا، ز، أى أنها زيادة ليست فى جميع النسخ سوى أ، وهي:
قال أبى: قال أبو صالح عن مقاتل: الحب ما خبأته السماء من غيثها والأرض من نباتها وهو قوله تعالى-: «كانَتا رَتْقاً» يعنى متلاصقتين «فَفَتَقْناهُما» يعنى الأرض بالنبات والسماء بالمطر وهو قوله- سبحانه-: «وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ» بالمطر «وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ» بالنبات والله أعلم. قال عبد الله: قال الأثرم: قال أبو عبيدة: الرتق الذي يكون فى السماء والأرض، أى لم يكن فى السماء ثقب للمطر، ولا فى الأرض، فثقبت السماء بالمطر والأرض بالنبات.
أقول وهي زيادة فى أوحدها. وفى هذه الزيادة اضطراب وفساد فأصلحت فسادها. [.....]
(3) سورة آل عمران: 110.
(4) كذا فى أ، ل، ف، ز، وهي مضبوطة فى ز: الركابا.(3/302)
ينظرون، فرفعت المرأة رأسها، فألقى الهدهد الكتاب في حجرها، فلما رأت الكتاب ورأت الخاتم رعدت وخضعت وخضع من معها من الجنود، لأن ملك سليمان- عليه السلام- كان في خاتمه فعرفوا أن الذي أرسل هذا الطير أعظم ملكا من ملكها، فقالت: إن ملكا رسله الطير، إن ذلك الملك لملك عظيم، فقرأت هي الكتاب، وكانت عربية من قوم تبع بن أبي شراحيل الحميري وقومها من قوم تبع وهم عرب فأخبرتهم بما في الكتاب ولم يكن فيه شيء غير: «إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ» ألا تعظموا علي «وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ» .
قال أبو صالح: ويقال مختوم «1» ف قالَتْ المرأة لهم: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ يعني الأشراف إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ- 29- يعني كتاب حسن إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ- 30- أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ- 31- ثم قالت إن يكن «2» هذا الملك يقاتل على الدنيا فإنا نمده بما أراد من الدنيا، وإن يكن يقاتل لربه فإنه لا يطلب الدنيا ولا يريدها ولا يقبل منا شيئا غير الإسلام، ثم استشارتهم «3» ف قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ يعنى الأشراف، وهم: ثلاثمائة وثلاثة عشر قائدا مع كل قائد مائةُ ألفٍ وهم أهل مشورتها فقالت لهم: أَفْتُونِي فِي أَمْرِي من هذا مَا كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ
__________
(1) من أوحدها. والمعنى ويقال إن الكتاب كان مختوما.
(2) فى أ: إن يكن. وفى حاشية أ: فى الأصل إن يكون، وفى ز: إن كان.
(3) فى ل: استشارتهم، وهي ساقطة من ز، وفى أ: ثم استبانتهم. وفى حاشية أ: صورة ما فى الأصل ثم استئابهم.(3/303)
- 32- تقول ما كنت قاضية أمرا حتى تحضرون قالُوا لها نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ يعني عدة كثيرة في الرجال «1» كقوله: « ... فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ «2» ... » يعنى بالرجال وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ في الحرب يعني الشجاعة وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ يقول قد أخبرناك بما عندنا وما نجاوز ما تقولين فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ- 33- يعني ماذا تشيرين علينا، كقول فرعون لقومه: « ... فَماذا تَأْمُرُونَ» «3» يعني ماذا تشيرون علي قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها يعنى أهلكوها، كقوله- عز وجل-: « ... لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ «4» ... » يعنى لهلكتها ومن فيهن، ثم قال- عز وجل-: وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً يعني أهانوا أشرافها وكبراءها لكي يستقيم لهم الأمر، يقول [59 أ] الله- عز وجل-: وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ- 34- كما قالت، ثم قالت المرأة لأهل مشورتها وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ أصانعهم على ملكي إن كانوا أهل دنيا فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ- 35- من عنده بالجواب فأرسلت بالهدية»
مع الوفد عليهم المنذر بن عمرو الهدية مائة وصيف، ومائة وصيفة وجعلت للجارية قصة أمامها وقصة مؤخرها وجعلت للغلام قصة أمامه وذؤابة وسط رأسه وألبستهم لباسا واحدا وبعثت بحقة فيها جوهرتان إحداهما مثقوبة والأخرى غير مثقوبة. وقالت للوفد: إن كان نبيا
__________
(1) فى أ: يعنى بالرجال، ز: يعنى عدة كثيرة الرجال، والمثبت من ل.
(2) سورة الكهف: 95.
(3) سورة الشعراء: 35، وسورة الأعراف: 110، وكلاهما «فَماذا تَأْمُرُونَ» ، وقد كتبت أ: «ماذا تأمرون» وصوابها «فماذا تأمرون» .
(4) سورة البقرة: 251 ومنها «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ» .
(5) فى ز: بالهدية، أ، بهدية، ف: بهدية.(3/304)
فسيميز بين الجواري والغلمان ويخبر بما في الحقة ويرد الهدية فلا يقبلها، وإن كان ملكا فسيقبل الهدية ولا يعلم ما في الحقة فلما انتهت الهدية «إلى سليمان» «1» - عليه السلام- ميز بين الوصفاء والوصائف من قبل الوضوء وذلك أنه أمرهم بالوضوء فكانت الجارية تصب الماء على بطن ساعدها والغلام على ظهر ساعده فميز بين الوصفاء والوصائف وحرك الحقة، وجاء جبريل- عليه السلام- فأخبره بما فيها فقيل له أدخل في المثقوبة خيطا من غير حيلة إنس ولا جان واثقب الأخرى من غير حيلة إنس ولا جان، وكانت الجوهرة المثقوبة معوجة فأتته دودة تكون فى الفضفضة وهي الرطبة فربط في مؤخرها خيطا فدخلت الجوهرة حتى أنفذت الخيط إلى الجانب الآخر، فجعل رزقها فى الفضفضة، وجاءت الأرضة فقالت لسليمان: اجعل رزقي «في الخشب والسقوف والبيوت «2» .
قال:» نعم فثقبت «3» الجوهرة فهذه حيلة من غير إنس ولا جان «4» .
«وسألوه» «5» ماء لم ينزل من السماء ولم يخرج من الأرض. فأمر «6» بالخيل فأجريت حتى عرقت فجمع العرق في شيء حتى صفا وجعله فى قداح الزجاج «7» فعجب الوفد
__________
(1) فى أ: سليمان إليه، وفى ف: سليمان.
(2) فى أ: «فى الخشب فقال» ، والمثبت من ز.
(3) فى أ: فنهبت.
(4) لم يرد مثل هذا القصص فى الكتاب او السنة الصحيحة فلم يبق إلا أن يكون من أقاصيص بنى إسرائيل، وما أغنى كتابنا عنها، خصوصا وأن فهم الآية لا يتوقف عليها، والقرآن ذكر أنها أرسلت هدية مبهمة، ولو علم أن فى تحديدها ووصفها فائدة لنا لذكره. [.....]
(5) من أ، وفى ز: وقال له أمير الوفد: أسألك ماء......
(6) فى ز: فأمر، وفى أ: فأمرت.
(7) فى ز: وجعله فى القوارير. والمثبت من أ.(3/305)
«من علمه» «1» وجاء جبريل- عليه السلام- فأخبره بما في الحقة فأخبرهم سليمان بما فيها، «ثم رد «2» سليمان» «3» الهدية «فَلَمَّا جاءَ «4» سُلَيْمانَ» قال للوفد:
أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ يقول فما أعطاني الله- تعالى- من الإسلام والنبوة والملك والجنود خير مما أعطاكم بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ- 36- يعني إذا أهدى بعضكم إلى بعض «5» ، فأما أنا فلا أفرح بها إنما أريد منكم الإسلام، ثم قال سليمان لأمير الوفد: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ بالهدية فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها لا طاقة لهم بها من الجن والإنس وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ- 37- يعنى مذلين بالإنس والجن.
ثم قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ- 38- يعنى مخلصين [59 ب] بالتوحيد وإنما علم سليمان أنها تسلم لأنه أوحى إليه ذلك، فلذلك قال: «قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ» فيحرم علي سريرها، لأن الرجل «6» إذا أسلم حرم ما له ودمه وكان سريرها من ذهب قوائمه اللؤلؤ والجوهر مستور بالحرير والديباج عليه الحجلة قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ يعنى مارد من الجن اسمه الحقيق «7»
__________
(1) فى أ: من عمله، وفى ز: فعجب أمير الوفد من علمه.
(2) فى أ، وفى ز: فرد سليمان.
(3) ورد وصف هذه الهدية فى النسفي وغيره، قريبا مما ورد فى تفسير مقاتل، وكله منقول عن الإسرائيليات، وما أغنى كتاب الله عن هذه الإسرائيليات.
(4) ما بين القوسين « ... » ساقط من أ، ز.
(5) من ف، ز. وفى أ: إلى.
(6) المراد الإنسان سواء أكان رجلا أو امرأة.
(7) فى أ: الحقيق، وفى ز: حنقوق.(3/306)
أَنَا آتِيكَ بِهِ يعني سريرها قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ يعني من مجلسك وكان سليمان- عليه السلام- يجلس للناس غدوة فيقضي بينهم حتى يضحى الضحى الأكبر، ثم يقوم، فقال: أنا آتيك به قبل أن تحضر مقامك «1» وذلك أني «2» أضع قدمي عند منتهى بصري فليس شيء أسرع مني فآتيك بالعرش وأنت في مجلسك وَإِنِّي عَلَيْهِ يعني على حمل السرير لَقَوِيٌّ على حمله أَمِينٌ- 39- على ما في السرير من المال، قال سليمان أريد أسرع من ذلك قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ وهو رجل من الإنس من بني إسرائيل كان يعلم اسم الله الأعظم، وكان الرجل اسمه آصف بن برخيا بن شمعيا بن دانيال أَنَا آتِيكَ بِهِ بالسرير قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ الذي هو على منتهى بصرك وهو جاءٍ «3» إليك فقال سليمان: لقد أسرعت إن فعلت ذلك فدعا الرجل باسم الله الأعظم «4» ومنه ذو الجلال والإكرام فاحتمل السرير احتمالا فوضع بين يدي سليمان وكانت المرأة قد أقبلت إلى سليمان حين جاءها الوفد وخلفت السرير في أرضها باليمن في سبعة أبيات بعضها في بعض أقفالها من حديد ومعها مفاتيح الأبيات السبعة «فَلَمَّا رَآهُ» «5» فلما رأى سليمان العرش مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ تعجب منه ف قالَ هَذَا السرير مِنْ فَضْلِ رَبِّي أعطانيه لِيَبْلُوَنِي يقول ليختبرني: أَأَشْكُرُ الله-
__________
(1) كذا فى أ، ز.
وفى النسفي: قبل أن تنتهي من مجلس حكمك وقضائك.
(2) فى ف: أتى، وفى أ: أنا.
(3) جائي: فى أ، ز.
(4) من أ، وفى ز: بالاسم الأعظم. [.....]
(5) فى أ: «فلما، رأى» ، وفى حاشية أ: الآية رآه.(3/307)
عز وجل- فى نعمه حين أتيت بالعرش أَمْ أَكْفُرُ بنعم الله إذا رأيت من هو دوني أعلم مني «1» فعزم الله- عز وجل- له على الشكر فقال- عز وجل-:
وَمَنْ شَكَرَ في نعمه فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ يقول فإنما يعمل لنفسه وَمَنْ كَفَرَ النعم فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ عن عبادة خلقه كَرِيمٌ- 40- مثلها في لقمان «فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ» «2» قالَ سليمان: «نَكِّرُوا لَها عَرْشَها» «3» زيدوا في السرير وانقصوا منه نَنْظُرْ إذا جاءت أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ- 41- يقول أتعرف العرش أم تكون من الذين لا يعرفون فَلَمَّا جاءَتْ المرأة قِيلَ لها أَهكَذا عَرْشُكِ؟ فأجابتهم ف قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وقد عرفته ولكنها شبهت عليهم كما شبهوا عليها، ولو قيل لها هذا [60 أ] عرشك لقالت: نعم، قيل لها: فإنه عرشك فما أغنى «عنه» «4» إغلاق الأبواب؟، يقول سليمان:
وَأُوتِينَا الْعِلْمَ من الله- عز وجل- مِنْ قَبْلِها يعني من قبل أن يجيء العرش والصرح وغيره وَكُنَّا مُسْلِمِينَ- 42- يعني وكنا مخلصين بالتوحيد من قبلها وَصَدَّها عن الإسلام مَا كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ من عبادة الشمس إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ- 43-يلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ
وهو قصر من قوارير على الماء تحته السمك لَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً
يعنى غدير الماء كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها
يعني رجليها لتخوض الماء إلى سليمان وهو على السرير في مقدم البيت وذلك أنها لما أقبلت قالت الجن لقد لقينا من سليمان
__________
(1) كذا فى أ، ز، ل.
(2) من ز، وليست فى أ، والآية: 12 فى سورة لقمان « ... فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ» .
(3) ما بين القوسين « ... » ساقط من أ، ل، ف.
(4) «عنه» : من ز، وليست فى أ.(3/308)
ما لقينا من التعب فلو قد اجتمع سليمان وهذه المرأة وما عندها من العلم لهلكنا وكانت أمها جنية فقالوا: تعالوا نبغضها إلى سليمان نقول إن رجليها مثل حوافر الدواب، لأن أمها كانت جنية، ففعلت، فأمر سليمان فبنى لها بيتا من قوارير فوق الماء، وأرسل فيه السمك لتحسب أنه الماء «فتكشف» «1» عن رجليها فينظر سليمان أَصَدَقَتْهُ الجنُّ أم كذَبتْه وجعل سريره في مقدم البيت: «فلما رأت الصرح» «2» حسبته لجة الماء وكشفت عن ساقيها فنظر إليها سليمان فإذا هي من أحسن الناس قدمين ورأى على ساقها شعرا كثيرا فكره سليمان ذلك، فقالت:
إن الرمانة لا تدري ما هي حتى تذوقها، قال سليمان: ما لا يحلو في العين لا يحلو «الفم» «3» . فلما رأت الجن أن سليمان رأى ساقيها قالت الجن لا تكشفي عن ساقيك.
الَ»
«4» نَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ يعنى أملس نْ قَوارِيرَ
فلما رأت السرير والصرح علمت أن ملكها ليس بشيء عند ملك سليمان وأن ملكه من ملك الله- عز وجل- ف الَتْ
حين دخلت الصرح بِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي
يعنى بعبادتها الشمس أَسْلَمْتُ
يعنى أخلصت عَ سُلَيْمانَ
بالتوحيدلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
- 44- خرت لله- عز وجل- ساجدة وتابت إلى الله- عز وجل- من شركها واتخذها سليمان- عليه السلام- لنفسه فولدت له داود بن سليمان بن داود- عليهم السلام-، وأمر لها بقرية من الشام
__________
(1) فى أ: فكشفت، وفى ل: فتكشف.
(2) فى أ: «فلما رأته» ، وفى ف: «فلما رأت الصرح» .
(3) فى أ: القلب، وفى ز، ل: الفم.
(4) القائل هو سليمان- عليه السلام-، وأنظر النسفي ج 3 ص 164 وفيه: (قال المحققون لا يحتمل أن يحتال سليمان لينظر إلى ساقيها وهي أجنبية فلا يصح القول بمثله) .(3/309)
يجبى لها خراجها، «وكانت عذراء فاتخذ الحمامات من أجلها» «1» . «و
قال» «2» النبي- صلى الله عليه وسلم- كانت من أحسن نساء العالمين ساقين «3» ، وهي «4» من أزواج سليمان في الجنة، فقالت عائشة- رضي الله عنها- للنبي- صلى الله عليه وسلم-. هي أحسن ساقين مني، قال النبي- صلى الله عليه وسلم- أنت أحسن [60 ب] ساقين منها في الجنة «5» .
وكان سليمان- عليه السلام- يسير بها معه إذا سار وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ يعني وحدوا الله فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ- 45- «مؤمنين وكافرين» «6» وكانت خصومتهم الآية التي في الأعراف «قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ، قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ، فَعَقَرُوا النَّاقَةَ ... »
«7» ووعدهم صالح العذاب فقالوا:
« ... يَا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ» «8» فرد «9» عليهم صالح:
قالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ يقول لم تستعجلون بالعذاب
__________
(1) من أ، وفى ز: وكانت عذرا. فاتخذت الجن الحمامات من أجلها.
(2) فى أ، ز: فقال.
(3) رسول الله أجل من أن يقول مثل هذا.
(4) فى أ: فهي، وفى ز: وهي.
(5) الكلام مكرر فى أفأسقطت سطر كتب مرتين. [.....]
(6) من ز، وفى أ، ف: مؤمنون وكافرون.
(7) من سورة الأعراف: 75- 70.
(8) سورة الأعراف: 77، وفى أ: إن كنت من الصادقين.
(9) فى أ: فقال.(3/310)
قبل العافية لَوْلا يعني هلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ من الشرك لَعَلَّكُمْ يعني لكي تُرْحَمُونَ- 46- فلا تعذبوا في الدنيا ف قالُوا يا صالح اطَّيَّرْنا يعنى تشاء منا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ على دينك وذلك أنه قحط المطر عنهم وجاعوا فقالوا أصابنا «1» هذا الشر من شؤمك وشؤم أصحابك ف قالَ لهم- عليه السلام- إنما طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ يقول الذي أصابكم هو «2» مكتوب في أعناقكم بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ- 47- يعني تبتلون وإنما ابتليتم بذنوبكم وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ قرية صالح: الحجر، تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ يعني يعملون في الأرض بالمعاصي وَلا يُصْلِحُونَ- 48- يعنى ولا يطيعون الله- عز وجل- فيما منهم قدار بن سالف بن جدع، عاقر الناقة، واسم أمه قديرة، ومصدع، وداب، ويباب إخوة «بني» «3» مهرج، وعائذ بن عبيد، وهذيل، وذو أعين وهما أخوان ابنا عمرو «4» وهديم، وصواب فعقروا الناقة ليلة الأربعاء. وأهلكهم الله- عز وجل- يوم السبت بصيحة جبريل- عليه السلام- قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ يعني تحالفوا بالله- عز وجل لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ليلا بالقتل يعني صالحا وأهله ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ يعنى ذا رحم صالح أن اسألوا عنه ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ قالوا:
ما ندري من قتل صالحا «5» وأهله، ما نعرف الذين قتلوه وَإِنَّا لَصادِقُونَ- 49- فيما نقول، يقول- عز وجل-: وَمَكَرُوا مَكْراً حين أرادوا قتل صالح- عليه
__________
(1) فى أ: أصبنا، وفى ز: أصابنا.
(2) فى أ: فهو، وفى ز: هو.
(3) فى الأصل: «بنو» .
(4) كذا فى أ، ز.
(5) فى أ: صالح، ز: صالحا.(3/311)
السلام- وأهله، يقول الله- تعالى-: وَمَكَرْنا مَكْراً حين جثم الجبل عليهم وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ- 50- فَانْظُرْ يا محمد كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ يعني عاقبة عملهم وصنيعهم أَنَّا دَمَّرْناهُمْ يعني التسعة يعنى أهلكنا هم بالجبل حين جثم عليهم وَدمرنا قَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ- 51- بصيحة جبريل- عليه السلام- فلم نبق منهم أحدا، فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً يعنى «1» خربة [61 أ] ليس بها سكان «2» بِما ظَلَمُوا يعني بما أشركوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً يعني أن في هلاكهم لعبرة لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ- 52- بتوحيد الله- عز وجل- وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا يعني الذين صدقوا، من العذاب وَكانُوا يَتَّقُونَ- 53- الشرك وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ يعني المعاصي يعني بالمعصية إتيان الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ يعني ولكن أنتم قَوْمٌ تَجْهَلُونَ- 55- فَما كانَ جَوابَ «قَوْمِهِ قوم لوط» «3» حين نهاهم عن المعاصي إِلَّا أَنْ قالُوا بعضهم لبعض: أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ يعني لوطا وابنتيه «4» مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ- 56- يعني لوطا وحده «يتطهرون» مثلها في الأعراف «5» «يتطهرون» يعني يتنزهون عن إتيان الرجال فإنا لا نحب أن يكون بين أظهرنا من ينهانا عن عملنا، يقول الله- عز وجل-: فَأَنْجَيْناهُ من
__________
(1) فى أ: خالية، وفى ف، ل: خربة.
(2) من أ، وفى ف: ليس لها سكان.
(3) فى أ: «قوم لوط» .
(4) فى أ: وابنته، وفى ف: وابنتيه.
(5) سورة الأعراف: 82 وهي «وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ» . [.....](3/312)
العذاب وَأَهْلَهُ يعني وابنتية ريثا وزعوثا «1» ، ثم استثنى فقال- سبحانه-:
إِلَّا امْرَأَتَهُ لم ننجها قَدَّرْناها يقول قدرنا تركها «مِنَ» «2» الْغابِرِينَ- 57- وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً يعني الحجارة فَساءَ يعني فبئس مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ- 58- يعني الذين أنذروا بالعذاب، فذلك قوله- عز وجل-:
«وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا» «3» يعنى عذابنا، وقُلِ يا محمد الْحَمْدُ لِلَّهِ في هلاك الأمم الخالية يعني ما ذكر في هذه السورة من هلاك فرعون وقومه وثمود وقوم لوط، وقل الحمد لله الذي علمك هذا الأمر الذي ذكر، ثم قال:
وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى يعني الذين اختارهم الله- عز وجل- لنفسه للرسالة، - فسلام الله على الأنبياء «4» - عليهم السلام-، ثم قال الله- عز وجل-: آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ- 59- به يقول:
الله- تبارك وتعالى- أفضل، أم الآلهة التي تعبدونها؟ يعني كفار مكة
كان النبي صلى الله عليه وسلم- إذا قرأ هذه الآية قال: بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم»
أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ يعني حيطان النخل والشجر ذاتَ بَهْجَةٍ يعني ذات حسن ما كانَ لَكُمْ يعني ما ينبغي لكم أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها فتجعلوا للالهة نصيبا مما أخرج الله- عز وجل- لكم من الأرض بالمطر، ثم قال- سبحانه- استفهام: أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ؟ يعينه على صنعه- جل جلاله- ثم قال
__________
(1) فى أ: وزعرتا، وفى ف: وزغوثا، وفى ز وزعوثا.
(2) فى أ: مع، وفى حاشية أ: الآية «من» .
(3) سورة القمر: 36.
(4) من أ، وفى ف: وصلى الله على الأنبياء.(3/313)
- تعالى-: بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ- 60- يعني يشركون يعني كفار مكة، ثم قال- سبحانه-: أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً يعني مستقرا لا تميد بأهلها وَجَعَلَ خِلالَها يعني فجر نواحي الأرض أَنْهاراً فهي تطرد «1» وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ يعني الجبال، فتثبت «2» بها الأرض لئلا تزول [61 ب] بمن على ظهرها وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ الماء المالح والماء العذب حاجِزاً حجز الله- عز وجل- بينهما بأمره فلا يختلطان أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ يعينه على صنعه- عز وجل- بَلْ أَكْثَرُهُمْ يعني لكن أكثرهم يعني أهل مكة لا يَعْلَمُونَ- 61- بتوحيد ربهم أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ يعني الضر وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ يعينه على صنعه قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ- 62- يقول ما أقل «ما تذكرون» «3» أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ يقول أم من يرشدكم في أهوال الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ يقول يبسط السحاب قدام المطر، كقوله في «عسق» : «وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ» «4» يعني ويبسط رحمته بالمطر أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ يعينه على صنعه- عز وجل- ثم قال: تَعالَى اللَّهُ يعني ارتفع الله يعظم نفسه- جل جلاله- عَمَّا يُشْرِكُونَ- 63- به من الآلهة، ثم قال- تعالى-: أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ يقول من بدأ الخلق فخلقهم ولم يكونوا شيئا ثم بعيده فى الآخرة وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ يعنى
__________
(1) كذا فى أ، ز.
(2) كذا فى أ، ف.
(3) فى أ: ما يذكرون، وفى ز: ما تذكرون.
(4) سورة الشورى: 28.(3/314)
المطر وَالْأَرْضِ يعني النبت أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ يعينه على صنعه- عز وجل- قُلْ لكفار مكة: هاتُوا بُرْهانَكُمْ يعني هلموا بحجتكم بأنه صنع شيئا من هذا غير الله- عز وجل- من الآلهة فتكون لكم الحجة على الله- تعالى- إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 64- بأن مع الله آلهة كما زعمتم يعني الملائكة قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ يعني الملائكة وَالْأَرْضِ الناس الْغَيْبَ يعني البعث يعني غيب الساعة إِلَّا اللَّهُ وحده- عز وجل-. ثم قال- عز وجل- وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ- 65- يقول لكفار مكة وما يشعرون متى يبعثون بعد الموت لأنهم يكفرون بالبعث بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ يقول علموا في الآخرة حين عاينوها ما شكوا فيه، وعموا عنه في الدنيا «1» بَلْ هُمْ اليوم فِي شَكٍّ مِنْها يعني من الساعة بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ- 66- فى الدنيا وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ- 67- من القبور أحياء نزلت في أبي طلحة وشيبة ومشافع وشرحبيل والحارث وأبوه وأرطاة بن شرحبيل لَقَدْ وُعِدْنا هَذَا الذي يقول محمد- صلى الله عليه وسلم- يعنون البعث نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ يعنون من قبلنا إِنْ هَذَا الذي يقول محمد- صلى الله عليه وسلم-:
إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ- 68- يعني أحاديث الأولين وكذبهم قُلْ لكفار مكة: سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ- 69- يعني كفار الأمم الخالية كيف كان عاقبتهم في الدنيا الهلاك يخوف كفار مكة مثل عذاب الأمم الخالية لئلا يكذبوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- وقد رأوا [62 أ] هلاك قوم لوط وعاد وثمود، ثم قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ
__________
(1) فى أ: ما شكوا فيه وعموا عنها فى الدنيا. وفى ز: ما شكوا وعموا عنها فى الدنيا.(3/315)
يعني على كفار مكة إن تولوا عنك ولم يجيبوك وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ- 70- يقول لا يضيق صدرك بما يقولون هذا دأبنا ودأبك أيام الموسم، وهم الخراصون وهم المستهزءون وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ يعنون العذاب إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 71- يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- وحده بأن العذاب نازل بنا قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ يعنى قريب لكم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ- 72- فكان بعض العذاب القتل ببدر وسائر العذاب لهم فيما بعد الموت، ثم قال: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ يعني على كفار مكة حين لا يعجل عليهم بالعذاب حين أرادوه وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يعني أكثر أهل مكة لا يَشْكُرُونَ- 73- الرب- عز وجل- في تأخير العذاب عنهم وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ يعني ما تسر قلوبهم وَما يُعْلِنُونَ- 74- بألسنتهم وَما مِنْ غائِبَةٍ يعني علم غيب ما يكون من العذاب فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وذلك حين استعجلوه بالعذاب إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ- 75- يقول إلا هو بين في اللوح المحفوظ إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يعني في القرآن يَخْتَلِفُونَ- 76- يقول هذا القرآن مبين لأهل الكتاب اختلافهم وَإِنَّهُ لَهُدىً من الضلالة وَرَحْمَةٌ من العذاب لمن آمن به، فذلك قوله- عز وجل-: لِلْمُؤْمِنِينَ- 77- بالقرآن أنه من ربك إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يعني بين بني إسرائيل بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ- 78- فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ يعني فثق بالله- عز وجل- وذلك حين دعيَ إلى ملة آبائه فأمره أن يثق بالله- عز وجل- ولا يهوله قول أهل مكة إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ- 79- يعني على الدين البين وهو الإسلام،(3/316)
ثم ضرب لكفار مكة مثلا، فقال- سبحانه-: «إِنَّكَ» «1» يا محمد لا تُسْمِعُ الْمَوْتى في النداء فشبه كفار مكة بالأموات كما لا يسمع الميت النداء كذلك لا تسمع الكفار النداء «ولا تفقهه» «2» وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ- 80- يقول إن الأصم إذا ولى مدبرا ثم ناديته لم يسمع الدعاء وكذلك الكافر لا يسمع الإيمان إذا دعي إليه، ثم قال- عز وجل- للنبي- صلى الله عليه وسلم-: وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ إلى الإيمان عَنْ ضَلالَتِهِمْ يعني عن كفرهم إِنْ تُسْمِعُ يقول ما تسمع الإيمان إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا إلا من يصدق بالقرآن أنه من الله- عز وجل- فَهُمْ مُسْلِمُونَ- 81- يقول فهم مخلصون بتوحيد الله- عز وجل- وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ يقول إذا نزل العذاب بهم أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تخرج من الصفا الذي بمكة تُكَلِّمُهُمْ بالعربية تقول أَنَّ النَّاسَ يعني كفار مكة كانُوا بِآياتِنا يعني بخروج الدابة لا يُوقِنُونَ- 82- هذا قول الدابة للناس إن الناس بخروجي لا يوقنون لأن خروجها آية من آيات الله- عز وجل-[62 ب] فإذا «رآها» «3» الناس كلهم عادت إلى مكانها من حيث خرجت لها أربع قوائم وزغب وريش ولها جناحان واسمها «أفضى» «4» «فإذا خرجت بلغ رأسها السحاب» «5» وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً يعني زمرا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ- 83- يعنى فهم يساقون إلى النار
__________
(1) فى أ: فإنك.
(2) فى أ: ولا تفقه، وفى ز: ولا تفقهه.
(3) فى أ: وأو، وفى ف: رأوها، وفى ز: رآها.
(4) كذا فى أ، ز.
(5) من ز، وفى أ: لا يخرج منها إلا رأسها فبلغ رأسها السحاب. [.....](3/317)
حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي يعنى بالساعة وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أنها باطل أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 84- وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ يعنى ونزل العذاب بهم بِما ظَلَمُوا يعني بما أشركوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ- 85- يعني لا يتكلمون فيها، ثم وعظ كفار مكة ليعتبروا في صنعه فيوحدوه- عز وجل- فقال- تعالى-:
أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ يقول إن فيهما لعبرة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ- 86- يعني لقوم يصدقون بتوحيد الله- عز وجل- وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ يقول فمات مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ من شدة الخوف والفزع إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ يعني جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت- عليهم السلام وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ- 87- يعني وكل البر والفاجر أتوه في الآخرة صاغرين وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً يعني تحسبها مكانها وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ فتستوي في الأرض صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ يعني الذي أحكم كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ- 88- يعني إنه خبير بما فعلتم، نظيرها في الروم مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ في الآخرة يعني بلا إله إلا الله فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها فيها تقديم يقول له منها خير «وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ» «1» - 89-.
حَدَّثَنِي الْهُذَيْلِ، عَنْ مُقَاتِلٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عن كعب عُجْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قَوْلِهِ- عَزَّ وَجَلَّ- «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ ... » ،
«مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ ... » ، قَالَ هَذِهِ تُنْجِي وَهَذِهِ تُرْدِي.
وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ يعنى بالشرك فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ثم تقول لهم خزنة جهنم هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 90- من الشرك
__________
(1) ما بين القوسين « ... » ساقطة من أ، ل، ز.(3/318)
إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ يعني مكة الَّذِي حَرَّمَها من القتل والسبي وحرم فيها الصيد وغيره فلا يستحل فيها ما لا ينبغي وَلَهُ ملك كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ- 91- يعنى من المخلصين بالتوحيد وَأمرت أَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ عليكم يا أهل مكة فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ عن الإيمان بالقرآن مثلها في الزمر «1» فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ- 92- يعني من المرسلين يعني أنا كأحد الرسل وَقُلِ يا محمد الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ يعني العذاب في الدنيا فَتَعْرِفُونَها «2» أنها حق وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أخبرهم بالعذاب أنه نازل بهم فكذبوه فنزلت «سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ» يعني القتل ببدر إذا نزل بكم فلا تستعجلون، ثم قال- سبحانه-:
وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ «3» - 93- هذا وعيد فعذبهم الله- عز وجل- بالقتل وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم وعجل الله بأرواحهم إلى النار «4» .
__________
(1) سورة الزمر: 41: «فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها.» .
(2) تكرر تفسير هذا الجزء من الآية 93، فحذفت المكرر.
(3) فى أ: يعملون، وفى تفسير القرطبي: 510: قراءة حفص «تعلمون» .
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالياء. أهـ. أى كما هو فى تفسير مقاتل.
(4) فى ز، تذييل فى آخر سورة النمل فى وصف عصا موسى، وفيه تهويل أشبه بخرافات بنى إسرائيل ولذا آثرت تركه.(3/319)
سورة القصص(3/321)
[سورة القصص (28) : الآيات 1 الى 88]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
طسم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ مَا كانُوا يَحْذَرُونَ (6) وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ (8) وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (9)
وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (12) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (13) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يَا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)
وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يَا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ مَا خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)
فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قالَتْ إِحْداهُما يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28) فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ نَارًا قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)
فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (32) قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34)
قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (35) فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا مَا هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (36) وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (39)
فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44)
وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (49)
فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54)
وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (55) إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (57) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (58) وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (59)
وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (60) أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62) قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ مَا كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (63) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ (64)
وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَيَخْتارُ مَا كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (69)
وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74)
وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ (75) إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يَا لَيْتَ لَنا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)
وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاَّ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (84)
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (85) وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (86) وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)(3/323)
سورة القصص «1» سورة القصص «2» مكية «3» .
__________
(1) المقصود الإجمالى لسورة القصص ما يأتى:
بيان ظلم فرعون بنى إسرائيل، وولادة موسى، ومحبة آسية له، ورد موسى على أمه، وحديث القبطي، والإسرائيلى، وهجرة موسى من مصر إلى مدين، وسقيه لبنات شعيب، واستئجار شعيب موسى، وخروج موسى من مدين وظهور آثار النبوة اليد البيضاء، وقلب العصا، وإمداد الله- تعالى- له بأخيه هارون، وحيلة هامان فى معارضة موسى، وإخبار الله- تعالى- عما جرى فى الطور، ومدح مؤمنى أهل الكتاب، وقصة إهلاك القرون الماضية ومناظرة المشركين يوم القيامة، واختيار الله- تعالى- ما شاء، وإقامة البرهان على وجود الحق، ووعد الرسول- صلى الله عليه وسلم- بالرجوع إلى مكة وبيان أن كل ما دون الحق فهو فى عرضه الفناء والزوال، وأن زمام الحكم بيده- تعالى- فى قوله « ... كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» سورة القصص: 88.
(2) فى نسخة ز، بدأ سورة القصص:
حدثنا محمد بن هانى، قال حدثنا أبو القاسم الحسين بن ميمون قال: حدثنا أبو صالح الهذيل بن حبيب فقال: حدثنا مقاتل بن سليمان قال: - سورة القصص مكية، وفيها من المدني «الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ ... » إلى قوله: « ... سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ» وفيها آية ليست بمكية ولا مدنية «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ» نزلت بالحجفة قبل الهجرة.
(3) فى أزيادة: «إلا آيتان» ، وهو خطأ، وصوابه «إلا آيتين» .(3/333)
وفيها من المدني «الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ... »
إلى قوله « ... سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ» «1» .
وفيها آية ليست بمكية ولا مدنية قوله: «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ... » «2» نزلت بالحجفة أثناء الهجرة «3» .
وعدد آياتها ثمان وثمانون آية كوفية «4» .
__________
(1) يشير إلى أربع آيات هي الآيات: 52، 53، 54، 55. من سورة القصص، والمثبت من ل.
وفى أ: سورة القصص مكية إلا آيتان فإنهما مدنيتان وهما قوله- تعالى-: «الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ ... » إلى قوله « ... الْجاهِلِينَ» .
(2) سورة القصص: 85.
(3) فى ل: نزلت بالحجفة قبل الهجرة.
وفى المصحف (28) سورة القصص مكية.
إلا من آية 52 إلى غاية 55 فمدنية، وآية 85 فبالحجفة أثناء الهجرة وآياتها 88 نزلت بعد النمل.
(4) فى أ: وعدد آياتها ستة وثمانون آية كوفية باتفاق.
أقول: وهذا خطأ لفظا ومعنى.(3/334)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ طسم- 1- تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ يعني القرآن الْمُبِينِ- 2- يعني بين ما فيه نَتْلُوا عَلَيْكَ يعني نقرأ عليك يا محمد مِنْ نَبَإِ يعني من حديث مُوسى وَفِرْعَوْنَ اسمه فيطوس بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ- 3- يعنى يصدقون بالقرآن، ثم أخبر عن فرعون فقال- سبحانه-: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا يعني تعظم فِي الْأَرْضِ يعني أرض مصر وَجَعَلَ أَهْلَها يعنى أهل مصر شِيَعاً يعني أحزابا يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يعني من أهل مصر يستضعف بني إسرائيل يُذَبِّحُ يعني يقتل أَبْناءَهُمْ يعني أبناء بني إسرائيل وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ يقول ويترك بناتهم فلا يقتلهن وكان جميع من قتل من بني إسرائيل ثمانية «1» عشر طفلا إِنَّهُ يعني فرعون كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ- 4- يعني كان يعمل في الأرض بالمعاصي يقول الله- عز وجل-: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ يقول نريد أن ننعم عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا يعني بني إسرائيل حين أنجاهم من آل فرعون فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً يعني قادة في الخير يقتدى بهم في الخير وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ- 5- لأرض مصر بعد هلاك فرعون وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ يعنى
__________
(1) فى أ: ثمانية، ز: ثمانية.(3/335)
في أرض مصر وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما القبط مِنْهُمْ يعني من بني إسرائيل مَا كانُوا يَحْذَرُونَ- 6- من مولود بني إسرائيل أن يكون هلاكهم في سببه وهو موسى- صلى الله عليه وسلم- وذلك أن الكهنة أخبروا فرعون أنه يولد في هذه السنة مولود في بني إسرائيل يكون هلاكك «1» في سببه فجعل فرعون على نساء بني إسرائيل قوابل من نساء أهل مصر «وأمرهن» «2» أن يقتلن كل مولود ذكر يولد من بني إسرائيل مخافة ما بلغه «3» فلم يزل الله- عز وجل- بلطفه يصنع لموسى- عليه السلام- حتى نزل بآل فرعون من الهلاك [63 ب] ما كانوا يحذرون، وملك فرعون أربعمائة سنة وستة وأربعين سنة، وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى واسمها يو كابد «4» من ولد لاوى «5» بن يعقوب أَنْ أَرْضِعِيهِ فأمرها جبريل- عليه السلام- بذلك فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ القتل وكانت أرضعته ثلاثة أشهر وكان خوفها أنه كان يبكي من قلة اللبن فيسمع الجيران بكاء الصبي، فقال: «فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ» فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ يعني في البحر وهو بحر النيل. فقالت:
رب، إني قد علمت أنك قادر على ما تشاء، ولكن كيف لي أن ينجو صبي صغير من عمق البحر وبطون الحيتان. فأوحى الله- عز وجل- إليها أن تجعله فى التابوت،
__________
(1) كذا فى أ، ل، ف. [.....]
(2) «وأمرهن» : من ف، وليست فى أ.
(3) من ف، والجملة مضطربة فى أ.
(4) فى أ، ز: يوخاند، ف: يوكابد.
(5) فى أ: لاوية، ز: لاوى.(3/336)
ثم تقذفه فى اليم، فإنى أو كل به ملك يحفظه في اليم، فصنع لها التابوت حزقيل القبطي، ووضعت موسى في التابوت، ثم ألقته في البحر يقول الله- عز وجل-:
وَلا تَخافِي عليه الضيعة وَلا تَحْزَنِي عليه القتل «1» إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ- 7- إلى أهل مصر فصدقت، بذلك ففعل الله- عز وجل- ذلك به، وبارك الله- تعالى- على موسى- عليه السلام- وهو فى بطن أمه ثلاثمائة وستين بركة، فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ من البحر من بين الماء والشجر وهو في التابوت، فمن ثم سمي موسى، بلغة القبط الماء: مو، والشجر: سى، فسموه موسى، ثم قال- تعالى-: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا في الهلاك وَحَزَناً يعني وغيظا في قتل الأبكار، فذلك قوله- عز وجل- «وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ» «2» لقتلهم أبكارنا، ثم قال- سبحانه-: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ- 8- وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ واسمها آسية بنت مزاحم- عليها السلام: قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ فإنا أتينا به من أرض أخرى، وليس من بنى إسرائيل عَسى أَنْ يَنْفَعَنا فنصيب منه خيرا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً يقول الله- عز وجل-: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ- 9- أن هلاكهم في سببه وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ وذلك أنها رأت التابوت يرفعه موج ويضعه آخر، فخشيت عليه الغرق، فكادت تصيح شفقة عليه، فذلك قوله- عز وجل-: «إِنْ كَادَتْ لتبدي به» يقول إن همت لتشعر أهل مصر بموسى- عليه السلام- أنه ولدها لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها بالإيمان لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- 10- يعنى
__________
(1) كذا فى أ، ز، والمراد ولا تحزني عليه من القتل.
(2) سورة الشعراء: 55.(3/337)
من المصدقين بتوحيد الله- عز وجل- حين قال لها: «إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ» وَقالَتْ أم موسى: لِأُخْتِهِ يعني أخت موسى لأبيه وأمه، واسمها مريم قُصِّيهِ يعني قصي أثره في البحر «1» وهو في التابوت يجري فى الماء حتى تعلمي علمه من يأخذه فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ يعني كأنها مجانبة له بعيدا من أن ترقبه كقوله- تعالى-: « ... وَالْجارِ الْجُنُبِ ... » «2» يعني بعيدا منهم من قوم آخرين وعينها إلى التابوت معرضة بوجهها [64 أ] عنه إلى غيره وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ- 11- أنها ترقبه وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ أن يصير إلى أمه، وذلك أنه لم يقبل ثدي امرأة فَقالَتْ أخته مريم هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ يعني يضمنون لكم رضاعه وَهُمْ لَهُ للولد ناصِحُونَ- 12- هم أشفق عليه وأنصح له من غيره فأرسل إليها «3» فجاءت فلما وجد الصبي ريح أمه قبل ثديها، فذلك قوله- عز وجل-: فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ لقوله: «إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ» «4» ثم قال- تعالى-: وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يعني أَهْل مصر لا يَعْلَمُونَ- 13- بأن وعد الله- عز وجل- حق وَلَمَّا بَلَغَ موسى أَشُدَّهُ يعنى ثماني عشرة سنة وَاسْتَوى يعني أربعين سنة «5» آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً يقول أعطيناه علما وفهما وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ- 14- يقول هكذا نجزى من أحسن
__________
(1) فى أ: الجد، وفى ف، الحد، وفى ز: البحر.
(2) سورة النساء: 36.
(3) كذا فى أ، ز، ف، والضمير عائد على الأم وإن لم يسبق ذكرها لفظا، والأنسب فأرسل إلى أمه.
(4) سورة القصص: 7.
(5) من أ، ل، وفى ز: «وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ» لثمان عشرة سنة إلى أربعين سنة «واستوى» ابن ثلاثين سنة.(3/338)
يعني من آمن بالله- عز وجل- وكان بقرية تدعى خانين «1» على رأس فرسخين فأتى المدينة فدخلها نصف النهار، فذلك قوله- عز وجل-: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ يعني القرية عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها يعني نصف النهار وقت القائلة فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ كافرين يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ يعني هذا من جنس موسى من بني إسرائيل وَهذا الآخر مِنْ عَدُوِّهِ من القبط «فاستغثه الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ» «2» فَوَكَزَهُ مُوسى بكفه مرة واحدة فَقَضى عَلَيْهِ الموت، وكان موسى- عليه السلام- شديد البطش «3» ثم ندم موسى- عليه السلام- فقال: إني لم أومر بالقتل قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ يعني من تزيين الشيطان إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ- 15- قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي يعني أضررت نفسي بقتل النفس فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ- 16- بخلقه قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ يقول إذ أنعمت علي بالمغفرة فلم تعاقبني بالقتل فَلَنْ أعود أن أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ- 17- يعني معينا للكافرين فيما بعد اليوم لأن الذي نصره «4» موسى كان كافرا فَأَصْبَحَ موسى من الغد «فِي الْمَدِينَةِ» «5» خائِفاً يَتَرَقَّبُ يعني ينتظر الطلب فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ يعني يستغيثه ثانية على رجل آخر كافر من القبط قالَ لَهُ مُوسى للذي نصره بالأمس: الإسرائيلى:
__________
(1) فى أ، ز: خانين.
(2) ما بين القوسين « ... » : ساقط من أن، ل، ز.
(3) فى أ، زيادة: ابن ثلاثين سنة، وليست فى ز. [.....]
(4) فى أ: نصر، ز، ف، نصره.
(5) «فى المدينة» : ساقطة من أ، ل، ز.(3/339)
إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ- 18- يقول إنك لمضل مبين قتلت أمس في سببك رجلا فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ الثانية بالقبطي بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما يعنى عدوا لموسى وعدوا للإسرائيلي، ظن الإسرائيلي أن موسى يريد أن يبطش به لقول موسى له: «إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مبين» قالَ الإسرائيلي: يَا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ يعني ما تريد إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً يعني قتالا فِي الْأَرْضِ: مثل سيرة الجبابرة «1» القتل فى غير حق [64 ب] وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ- 19- يعني من المطيعين لله- عز وجل- في الأرض ولم يكن أهل مصر علموا بالقاتل حتى أفشى الإسرائيلي على موسى فلما سمع القبطي بذلك انطلق فأخبرهم أن موسى هو القاتل فائتمروا بينهم بقتل موسى وَجاءَ رَجُلٌ فجاء حزقيل بن صابوث القبطي- وهو المؤمن- مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يعني أقصى القرية يَسْعى على رجليه ف قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ من أهل مصر يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ بقتلك القبطي فَاخْرُجْ من القرية إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ- 20- فَخَرَجَ موسى- عليه السلام- مِنْها من القرية خائِفاً أن يقتل يَتَرَقَّبُ يعني ينتظر الطلب وهو هارب منهم قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ- 21- يعني المشركين أهل مصر فاستجاب الله- عز وجل- له فأتاه جبريل- عليه السلام- فأمره أن يسير تلقاء مدين وأعطاه العصا فسار من مصر إلى مدين في عشرة أيام بغير دليل، فذلك قوله- عز وجل-: وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ بغير دليل خشي أن يضل الطريق قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ- 22-
__________
(1) فى أ: الجبابرين، وفى ز: الجبابرة.(3/340)
يعني يرشدني قصد الطريق إلى مدين فبلغ مدين، فذلك قوله- تعالى-: وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ ابن إبراهيم خليل الرحمن لصلبه- عليهم السلام-، وكان الماء لمدين فنسب إليه، ثم قال: وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً يقول يقول وجد موسى على الماء جماعة مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ أغنامهم وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ يعني حابستين الغنم لتسقى «1» فضل ماء الرعاء «2» وهما ابنتا شعيب النبي- صلى الله عليه وسلم- واسم الكبرى صبورا واسم الصغرى عبرا»
وكانتا توأمتين «4» فولدت الأولى قبل الأخرى بنصف نهار قالَ لهما موسى: مَا خَطْبُكُما يعني ما أمركما قالَتا لا نَسْقِي الغنم حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ بالغنم راجعة من الماء إلى الرعي فنسقي فضلتهم وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ- 23- لا يستطيع أن يسقي الغنم من الكبر فقال لهما موسى- عليه السلام-: أين الماء؟ فانطلقا به إلى الماء فإذا الحجر على رأس البئر لا يزيله إلا عصابة من الناس فرفعه موسى- عليه السلام- وحده بيده، ثم أخذه الدلو فأدلى دلوا واحدا فأفرغه في الحوض ثم دعا بالبركة. فَسَقى لَهُما الغنم فرويت ثُمَّ تَوَلَّى يعني انصرف إِلَى الظِّلِّ ظل شجرة فجاس تحتها من شدة الحر وهو جائع فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ- 24- يعني إلى الطعام، فرجعت الكبيرة إلى موسى لتدعوه، فذلك قوله- عز وجل-: فَجاءَتْهُ إِحْداهُما يعنى الكبرى تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ يعنى على حياء [65 أ] وهي التي تزوجها موسى- عليه السلام-،
__________
(1) فى ز: لتسقى، وفى أ: لتسقين.
(2) فى أ: الرعاء، وفى ز: الرعي.
(3) فى أ: محبرا، وفى ز، ل، ف: عبرا.
(4) فى أ: توأمين، وفى ز: توأمتين.(3/341)
قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنا وبين موسى وبين أبيها ثلاثة أميال فلولا الجوع الذي أصابه ما اتبعها، فقام يمشي معها، ثم أمرها أن تمشي خلفه وتدله بصوتها على الطريق كراهية أن ينظر إليها وهما على غير جادة يقول فَلَمَّا جاءَهُ:
فلما أتى موسى شعيبا- عليهما السلام- وَقَصَّ عَلَيْهِ يعني على شعيب الْقَصَصَ الذي كان من أمره أجمع، أمر القوابل اللائي قتلن «1» أولاد بني إسرائيل، وحين ولد وحين قذف في التابوت في اليم، ثم المراضع بعد التابوت حتى أخبره بقتل الرجل من القبط. «قالَ» «2» له شعيب: لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ- 25- يعني المشركين قالَتْ إِحْداهُما وهي الكبرى يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ يقول إن الذي استأجرت هو الْقَوِيُّ الْأَمِينُ- 26- قال شعيب لابنته: من أين علمت قوته؟ وأمانته؟ قال: أزال الحجر وحده عن رأس البئر وكان لا يطيقه إلا رجال، وذكرت أنه أمرها «3» أن تمشي خلفه كراهية أن ينظر إليها ف قالَ شعيب لموسى- عليهما السلام-: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ يعني أن أزوجك إحدى ابنتي هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي نفسك ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ «عَشْراً يعني عشر سنين» «4» فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ في العشر سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ- 27- يعني من الرافقين بك، كقول مُوسَى «5» لأَخِيهِ هَارُونَ: « ... اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ... » «6»
__________
(1) فى أ: القوابل التي قتلوا، وفى ز: القوابل الذين قتلوا. أهـ والأنسب: القوابل اللائي قتلن.
(2) فى أ: «قال» . وفى حاشية أ: فى الأصل يقول، وفى ز: يقول.
(3) من ز وليست فى أ.
(4) فى أ: «عشرا» سنين، وفى ز: (عشر أ] يعنى عشر سنين.
(5) من ز، فى أ: كقوله لموسى.
(6) سورة الأعراف: 142.(3/342)
يعنى وارفق بهم، فى سورة الأعراف قَالَ موسى: ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ ثماني «1» سنين أو عشر سنين فَلا عُدْوانَ يعنى فلا سهيل عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ- 28- يعني شهيد فيما بيننا، كقوله- عز وجل-:
« ... وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا» «2» يعني شهيدا فأتم موسى- عليه السلام- عشر سنين على أن يزوج ابنته الكبرى اسمها صبورا بنت شعيب بن نويب «3» بن مدين بن إبراهيم فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ السنين العشر وَسارَ بِأَهْلِهِ ليلة الجمعة آنَسَ يعني رأى مِنْ جانِبِ يعني من ناحية الطُّورِ يعنى الجبل ناراً وهو النور بأرض المقدسة «4» ف قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا مكانكم إِنِّي آنَسْتُ نَارًا يقول إني رأيت نارا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أين الطريق وكان قد تحير ليلا، فإن لم أجد من يخبرني «أَوْ جَذْوَةٍ» «5» يعني آتيكم بشعلة وهو عود قد احترق بعضه «مِنَ النَّارِ» «6» لَعَلَّكُمْ يعني لكي تَصْطَلُونَ- 29- من البرد، فترك موسى- عليه السلام- امرأته وولده في البرية بين مصر ومدين، ثم استقام فذهب بالرسالة [65 ب] فأقامت امرأته مكانها ثلاثين سنة في البرية مع ولدها وغنمها، فمر بها راع «7» فعرفها وهي حزينة تبكي فانطلق بها إلى أبيها فَلَمَّا أَتاها أتى النار نُودِيَ ليلا مِنْ شاطِئِ يعنى من جانب يعنى من ناحية الْوادِ الْأَيْمَنِ
__________
(1) فى الأصل: ثماني. [.....]
(2) سورة النساء الآيات 81، 132، 171.
(3) فى أ: بويب، وفى ز: نويب.
(4) فى الأصل: بأرض المقدسة.
(5) «أو جذوة» : ساقطة من أ، ز.
(6) «من النار» : ساقطة من أ، ز.
(7) فى أ، وفى ز: راعى.(3/343)
يعنى يمين الجبل فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ والمباركة لأن الله- عز وجل- كلم موسى- عليه السلام- في تلك البقعة نودي مِنَ الشَّجَرَةِ وهي هو سجة وكان حول العوسجة شجر الزيتون فنودي أَنْ يَا مُوسى في التقديم إِنِّي أَنَا اللَّهُ الذي ناديتك رَبُّ الْعالَمِينَ- 30- هذا كلامه- عز وجل- لموسى- عليه السلام- وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ وهي ورق الآس أس الجنة من يدك فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ تحرك كَأَنَّها جَانٌّ يقول كأنها حية لم تزل.
قال الْهُذَيْلُ عن غير مُقَاتِلٍ «كَأَنَّهَا جان» يعني شيطان وَلَّى مُدْبِراً من الرهب من الحية يعني من الخوف فيها تقديم وَلَمْ يُعَقِّبْ يعني ولم يرجع، قال- سبحانه-:
«يَا مُوسى» «1» أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ من الحية إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ- 31- من الحية اسْلُكْ يعني أدخل يَدَكَ اليمنى فِي جَيْبِكَ فجعلها في جيبه من قبل الصدر وهي مدرعة من صوف مضربة «2» تَخْرُجْ يدك من الجيب بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ يعني من غير برص لها شعاع كشعاع الشمس يغشى «3» البصر وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ يعني عضدك من يدك «مِنَ الرَّهْبِ» «4» فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ يعنى آيتين من ربك يعني اليد والعصا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ- 32- يعني عاصين قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ- 33- وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يعني عونا لكي يُصَدِّقُنِي وهارون يومئذ بمصر لكي يصدقني فرعون
__________
(1) فى أ، ز: لموسى.
(2) فى أ،: مضربة، وفى ز: مصربة، وفى حاشية ز: مضربة.
(3) فى أ: تغشى، وفى ز: يعشى.
(4) «مِنَ الرَّهْبِ» : ساقط من أ، ز.(3/344)
إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ- 34- قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ يعني ظهرك بأخيك هارون وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً يعني حجة بآياتنا يعني اليد والعصا فيها تقديم فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بقتل يعني فرعون وقومه لقولهما في طه: «إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا» بالقتل «أَوْ أَنْ يَطْغى» «1» ، فذلك قوله- سبحانه-: «فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا» بِآياتِنا «2» أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ- 35- فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا اليد والعصا بَيِّناتٍ يعني واضحات التي في طه «3» والشعراء «4» قالُوا ما هذا الذي جئت به يا موسى إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً افتريته يا موسى، أنت تقولته وهارون وَقالوا:
ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ- 36- يعني اليد والعصا وَلما كذبوه بما جاء به [66 أ] قالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ فإني جئت بالهدى من عند الله- عز وجل- وَهو أعلم ب مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ يعنى دار الجنة ألنا أولكم. ثم قال: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ- 37- في الآخرة لا يفوز المشركون يعني لا يسعدون وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ يعني الأشراف من قومه مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي هذا القول من فرعون كفر فَأَوْقِدْ لِي يَا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً يقول أوقد النار على الطين حتى يصير اللبن آجرا وكان فرعون أول من طبخ الأجر وبناء «فاجعل لي صرحا» يعني قصرا طويلا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى فبنى
__________
(1) سورة طه: 45.
(2) «بآياتنا» : ساقطة من أ، ز، وفيهما (فلا يصلون إليكما) بقتل.
(3) سورة طه: 70 «فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى» .
(4) سورة الشعراء: 45 «فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ» . [.....](3/345)
وكان «ملاطة» «1» خبث القوارير «فكان» «2» الرجل لا يستطيع القيام عليه «3» مخافة أن تنسفه الريح، ثم قال فرعون: «فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى» وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ يقول إني لأحسب موسى مِنَ الْكاذِبِينَ- 38- بما يقول إن في السماء إلها «وَاسْتَكْبَرَ» «4» فرعون هُوَ وَجُنُودُهُ عن الإيمان فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يعني بالمعاصي وَظَنُّوا يقول وحسبوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ- 39- أحياء بعد الموت في الآخرة، يقول الله- عز وجل-: فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ يعني فقذفناهم في نهر النيل الذي بمصر فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ- 40- يعني المشركين أهل مصر كان عاقبتهم الغرق وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يعني قادة في الشرك يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ يعني يدعون إلى الشرك وجعل فرعون والملأ قادة فى الشرك، وأتبعناهم أهل مصر وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ- 41- يعني لا يمنعون من العذاب وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً يعني الغرق وَيَوْمَ الْقِيامَةِ في النار هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ- 42- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا بالعذاب في الدنيا الْقُرُونَ الْأُولى يعني نوحا وعادا وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وقوم شعيب وغيرهم كانوا قبل موسى، ثم قال- عز وجل-: بَصائِرَ لِلنَّاسِ يقول في هلاك الأمم الخالية بصيرة لبني إسرائيل وَهُدىً يعني التوراة هدى من الضلالة لمن عمل بها وَرَحْمَةً لمن آمن «5» بها من العذاب لَعَلَّهُمْ يعني لكي يَتَذَكَّرُونَ- 43- فيؤمنوا
__________
(1) الملاط: بالميم هو ما يطلى به من نحو الجص. للكاتب، من حاشية أ.
(2) فى أ: فكان، وفى ز: وكان.
(3) فى أزيادة: من طوله.
(4) فى أ: فاستكبر.
(5) فى أ: به.(3/346)
بتوحيد الله- عز وجل- وَما كُنْتَ يا محمد بِجانِبِ يعني بناحية كقوله- عز وجل-: « ... جانِبَ الْبَرِّ ... » «1» يعني ناحية البر الْغَرْبِيِّ بالأرض المقدسة «2» ، «والغربيُّ» يعني غربيَّ الجبل حيث تغرب الشمس إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ [66 ب] يقول إذ عهدنا إلى موسى الرسالة إلى فرعون وقومه وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ- 44- لذلك الأمر وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً يعني خلفنا قرونا فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً يعنى شاهدا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا يعني تشهد مدين فتقرأ على أهل مكة أمرهم وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ- 45- يعني أرسلناك إلى أهل مكة لتخبرهم بأمر مدين وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ يعني بناحية من الجبل الذي كلم الله- عز وجل- عليه موسى- عليه السلام- إِذْ نادَيْنا يعني إذ كلمنا موسى وآتيناه التوراة وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ يقول ولكن القرآن رحمة يعني نعمة من ربك النبوة اختصصت بها، إذ أوحينا إليك أمرهم لتعرف كفار نبوتك، فذلك قوله: لِتُنْذِرَ قَوْماً يعني أهل مكة بالقرآن مَا أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ يعنى رسولا مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يعني لكي يَتَذَكَّرُونَ- 46- فيؤمنوا وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ يعني العذاب في الدنيا بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ من المعاصي يعني كفار مكة فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ يعنى القرآن وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- 47- يعني المصدقين فيها تقديم يقول لولا أن يقولوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ ونكون من المؤمنين لأصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ يعنى
__________
(1) سورة الإسراء: 68.
(2) فى الأصل: بأرض المقدسة.(3/347)
القرآن مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا يعني هلا أُوتِيَ «مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسى» «1» يعني أعطي محمد- صلى الله عليه وسلم- القرآن جملة مكتوبة كما أعطي موسى التوراة أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قرآن محمد- صلى الله عليه وسلم- قالُوا سِحْرانِ «2» تَظاهَرا يعنون التوراة والقرآن ومن قرأ «ساحران» يعني موسى ومحمدا»
- صلى الله عليهما «تظاهرا» يعني تعاونا على الضلالة يقول صدق كل واحد منهما الآخر وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ- 48- يعنى بالتوراة وبالقرآن لا نؤمن بهما، يقول اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-: قُلْ لكفار مكة: فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى لأهله مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 49- بأنهما ساحران تظاهرا فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فإن لم يفعلوا: أن يأتوا بمثل التوراة والقرآن فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ بغير علم وَمَنْ أَضَلُّ يقول فلا أحد أضل مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ- 50- إلى دينه- عز وجل- وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ يقول ولقد بينا لكفار مكة ما في القرآن من الأمم الخالية كيف عذبوا بتكذيبهم رسلهم لَعَلَّهُمْ يعني لكي يَتَذَكَّرُونَ- 51- فيخافوا فيؤمنوا الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعنى أعطيناهم [67 أ] الإنجيل مِنْ قَبْلِهِ يعني القرآن هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ- 52- يعني هم بالقرآن مصدقون بأنه من الله- عز وجل- نزلت فى مسلمي
__________
(1) ما بين القوسين « ... » : ساقط من أ، ل، ز.
(2) فى أ: ساحران. والمثبت من ز.
(3) فى ز: ومحمد.(3/348)
أهل الإنجيل وهم أربعون رجلا «1» من أهل الإنجيل «2» أقبلوا مع جعفر بن أبى طالب- رضوان الله عليه- إلى المدينة، وثمانية قدموا من الشام بحيرى، وأبرهة والأشرف، ودريد، وتمام، وأيمن، وإدريس، ونافع فنعتهم الله- عز وجل- فقال- سبحانه-: وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ آياتنا «3» يقول وإذا قرئ عليهم القرآن قالُوا آمَنَّا بِهِ يعني صدقنا بالقرآن إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ- 53- يقول إنا كنا من قبل هذا القرآن مخلصين لله- عز وجل- بالتوحيد، يقول الله- عز وجل-: أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا أجرا بتمسكهم بالإسلام حين «4» أدركوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- فآمنوا به، وأجرهم بالإيمان بالنبي- صلى الله عليه وسلم- «5» ، فلما اتبعوا النبي- صلى الله عليه وسلم- شتمهم «6» كفار قومهم «7» في متابعة النبي- صلى الله عليه وسلم-
__________
(1) فى أ: فهي أربعين رجلا، وفى ز: نزلت فى أربعين من أهل الإنجيل، وفى ل: فى أربعين رجلا.
(2) فى أ: الأنصار، ل: الإنجيل.
(3) ورد ذلك فى لباب النقول للسيوطي: 168.
(4) فى أ، ل: حين. والأنسب حتى، ويؤيد ذلك حديث البخاري، ثلاثة لهم أجران رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد- صلى الله عليه وسلم.
وفى شرح العيني. أن هذا الرجل له أجران أجر بإيمانه بنبيه وتمسكه بالإيمان حتى بعث محمد والأجر الثاني إيمانه بالنبي حين علم به. [.....]
(5) كذا فى أ، ل، وفى ز: «أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا» يعنى بتمسكهم بالإسلام حين أدركوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- فآمنوا به فسبهم كفار قومهم بمتابعتهم محمدا فصفحوا عنهم.
(6) فى ز: سبهم، وفى أ: شتمهم.
(7) فى أ: قومهم، وفى ل، ز: كفار قومهم.(3/349)
فصفحوا عنهم وردوا معروفا فأنزل الله- عز وجل- وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ما سمعوا من قومهم من الأذى وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ من الأموال يُنْفِقُونَ- 54- في طاعة الله- عز وجل- وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ من قومهم يعني من الشر والشتم والأذى أَعْرَضُوا عَنْهُ يعني عن اللغو فلم يردوا عليهم مثل ما قيل لهم وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ يعنى لنا ديننا ولكم دينكم، وذلك حين عيروهم بترك دينهم، وقالوا لكفار قومهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ يقول ردوا عليهم معروفا لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ- 55- يعنى لا نريد أن تكون مع أهل الجهل والسفه إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وذلك
أن أبا طالب بن عبد المطلب، قال: يا معشر بني هاشم أطيعوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- وصدقوه تفلحوا وترشدوا. قال النبي- صلى الله عليه وسلم-:
يا عم تأمرهم بالنصيحة لأنفسهم وتدعها لنفسك. قال: فما تريد يا بن أخي؟
قال: أريد منك كلمة واحدة فإنك في آخر يوم من الدنيا، أن تقول لا إله إلا الله، أشهد لك بها عند الله- عز وجل- قال: يا بن أخي قد علمت أنك صادق، ولكني أكره أن يقال جزع عند الموت ولولا أن يكون عليك وعلى بني أبيك غضاضة وسبة لقلتها، ولأقررت بعينك «1» عند الفراق لما أرى من شدة وجدك ونصيحتك، ولكن سوف أموت على ملة أشياخ عبد المطلب وهاشم وعبد مناف فأنزل الله- عز وجل-: «إنك» [67 ب] يا محمد «لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ» إلى الإسلام وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
- 56- يقول وهو أعلم بمن قدر له الهدى وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا
__________
(1) كذا فى أ، ز، ل. والأنسب ولأقررت عينك.(3/350)
نزلت في الحارث بن نوفل بن عبد مناف القرشي، وذلك أنه قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-: إنا لنعلم «أن» «1» الذي تقول حق ولكنا يمنعنا أن نتبع الهدى معك مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا يعنى مكة فإنما نحن أكلة رأس للعرب ولا طاقة لنا بهم، يقول الله- تعالى-: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ يحمل إلى الحرم ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ يعني بكل شيء من ألوان الثمار رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا يعني من عندنا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يعني أهل مكة لا يَعْلَمُونَ- 57- يقول هم يأكلون رزقي ويعبدون غيري وهم آمنون في الحرم من القتل والسبي فكيف يخافون لو أسلموا أن لا يكون ذلك لهم، نجعل لهم الحرم آمنا في الشرك ونخوفهم في الإسلام؟ فإنا لا نفعل ذلك بهم لو أسلموا، ثم خوفهم- عز وجل- فقال- سبحانه-: وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها يقول بطروا وأشروا يتقلبون في رزق الله- عز وجل- فلم يشكروا الله- تعالى- في نعمه فأهلكهم بالعذاب فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ يعني من بعد هلاك أهلها إِلَّا قَلِيلًا من المساكن فقد يسكن في بعضها وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ- 58- لما خلفوا من بعد هلاكهم يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية حين قالوا: إنا نتخوف أن نتخطف من مكة، ثم قال الله- عز وجل-: وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى يعني معذب أهل القرى الخالية «2» حَتَّى «يَبْعَثَ» «3» فِي أُمِّها رَسُولًا يعني في أكبر تلك القرى رسولا وهي مكة يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا يقول يخبرهم
__________
(1) «أن» : زيادة اقتضاها السباق.
(2) من ز، وفى أ: القرى. الأمم الخالية.
(3) فى أ: نبعث.(3/351)
الرسول بالعذاب بأنه نازل بهم في الدنيا إن لم يؤمنوا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى يعني معذبي أهل القرى في الدنيا إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ- 59- يقول إلا وهم «مذنبون» «1» يقول لم نعذب على غير ذنب وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ يقول وما أعطيتم من خير يعني به كفار مكة فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها يقول تمتعون في أيام حياتكم، فمتاع الحياة الدنيا وزينتها إلى فناء وَما عِنْدَ اللَّهِ من الثواب خَيْرٌ وَأَبْقى يعني أفضل وأدوم لأهله مما أعطيتم في الدنيا أَفَلا «تَعْقِلُونَ» «2» - 60- أن الباقي خير من الفاني الذاهب أَفَمَنْ وَعَدْناهُ يعني أفمن وعده الله- عز وجل- يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- في الدنيا وَعْداً حَسَناً [68 أ] يعني الجنة فَهُوَ لاقِيهِ فهو معاينه يقول مصيبه كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا
بالمال ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ- 61- النار يعني أبا جهل بن هشام- لعنه الله- ليسا بسواء، نظيرها في الأنعام وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ يعني كفار مكة فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ- 62- في الدنيا أن معي شريكا قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ يعني وجب عليهم كلمة العذاب وهم الشياطين، حق عليهم القول يوم قال الله- تعالى ذكره- لإبليس « ... لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ» «3» فقالت الشياطين في الآخرة رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا يعنون كفار بني آدم يعني هؤلاء الذين أضللناهم كما ضللنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ منهم يا رب ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ- 63- فتبرأت الشياطين ممن كان يعبدها وَقِيلَ لكفار
__________
(1) فى أ: يذنبون، وفى ز: مذنبون.
(2) فى أ: «يعقلون» .
(3) سورة الأعراف: 18.(3/352)
بني آدم ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ يقول سلوا الآلهة: أهم الآلهة؟ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ يقول سألوهم فلم تجبهم الآلهة نظيرها في الكهف يقول الله- تعالى-: وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ- 64- من الضلالة يقول لو أنهم كانوا مهتدين في الدنيا ما رأوا العذاب في الآخرة وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ يقول ويوم يسألهم يعني كفار مكة يسألهم الله- عز وجل- فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ- 65- فى التوحيد فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يعنى الحجج يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ- 66- يعني لا يسأل بعضهم بعضا عن الحجج لأن الله- تعالى- أدحض حجتهم وأكل ألسنتهم، فذلك قوله- تعالى-:
«فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ» فَأَمَّا مَنْ تابَ من الشرك وَآمَنَ يعني وصدق بتوحيد الله- عز وجل- وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى والعسى من الله- عز وجل- واجب أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ- 67- وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَيَخْتارُ وذلك أن الوليد قال في «حم» الزخرف:
« ... لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» «1» يعني نفسه وأبا مسعود الثقفي، فذلك قوله- سبحانه-: «ويختار» أي للرسالة «2» والنبوة من يشاء فشاء- جل جلاله- أن يجعلها في النبي- صلى الله عليه وسلم- وليست النبوة والرسالة بأيديهم ولكنها بيد الله- عز وجل-، ثم قال- سبحانه-:
مَا كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ من أمرهم ثم نزه نفسه- تبارك وتعالى- عن قول الوليد حين قال: «أجعل» محمد- صلى الله عليه وسلم- «الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا
__________
(1) سورة الزخرف: 31.
(2) فى أ، وفى ز: ويختار للرسالة.(3/353)
لَشَيْءٌ عُجابٌ» «1» فكفر بتوحيد الله- عز وجل- فأنزل الله- سبحانه- ينزه نفسه- عز وجل- عن شركهم فقال: سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى يعنى [68 ب] وارتفع عَمَّا يُشْرِكُونَ- 68- به غيره- عز وجل- ثم قال- عز وجل- وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ يعني ما تسر قلوبهم وَما يُعْلِنُونَ- 69- بألسنتهم، نظيرها في النمل، ثم وحد الرب نفسه- تبارك وتعالى- حين لم يوحده «2» كفار مكة، الوليد وأصحابه، فقال- سبحانه-: وَهُوَ اللَّهُ «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» «3» لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ يعني يحمده أولياؤه في الدنيا ويحمدونه في الآخرة يعني أهل الجنة وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ- 70- بعد الموت في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم قُلْ يا محمد لكفار مكة: أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ فدامت «4» ظلمته مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ يعني بضوء النهار أَفَلا يعني أفهلا «5» تَسْمَعُونَ- 71- المواعظ. وقُلْ لهم أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ من النصب أَفَلا يعني أفهلا «6» تُبْصِرُونَ- 72- ثم أخبر عن صنعه- تعالى ذكره- فقال- سبحانه-: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا يعني لتستقروا فِيهِ بالليل من النصب وَلِتَبْتَغُوا بالنهار مِنْ فَضْلِهِ يعنى
__________
(1) سورة ص: 5.
(2) فى أ: لم يوحدوه، وفى ز: لم يوحده. [.....]
(3) فى أ: «لا إله غيره» ، وفى ز: «لا إله إلا هو» .
(4) فى أ، ز: فدام.
(5) فى أ: فهلا، وفى ز: أفهلا.
(6) فى أ: فهلا، وفى ز: أفهلا.(3/354)
الرزق وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ- 73- ربكم في نعمه فتوحدوه- عز وجل- وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ يعني يسألهم فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ- 74- في الدنيا. وَنَزَعْنا يقول وأخرجنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً يعني رسولها ونبيها يشهد عليها بالبلاغ والرسالة فَقُلْنا لهم يعني للكفار: هاتُوا هلموا بُرْهانَكُمْ يعني حجتكم بأن معي شريكا فلم يكن لهم حجة «فَعَلِمُوا» «1» أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ يعني التوحيد لله- عز وجل- وَضَلَّ عَنْهُمْ في الآخرة ما كانُوا يَفْتَرُونَ- 75- في الدنيا بأن مع الله- سبحانه- شريكا. إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى يعني من بني إسرائيل وكان ابن عمه، قارون بن أصهر «2» بن قوهث «3» بن لاوى ابن يعقوب، وموسى بن عمران بن قوهث فَبَغى عَلَيْهِمْ يقول بغى قارون على بني إسرائيل من أجل كنزه ماله وَآتَيْناهُ يعني وأعطيناه مِنَ الْكُنُوزِ يعني من الأموال مَا إِنَّ مَفاتِحَهُ يعنى خزائنه لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ والعصبة من عشرة نفر إلى أربعين فإذا كانوا أربعين فهم أولو قوة يقول لتعجز العصبة أولى القوة عن حمل الخزائن «4» . إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ بنو إسرائيل لا تَفْرَحْ يقول لا تمرح ولا تبطر ولا تفخر بما أوتيت من الأموال إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ- 76- يعنى المرحين البطرين وَقالوا له: ابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ يعنى فيما أعطاك الله [69 أ]- عز وجل- من الأموال والخير الدَّارَ الْآخِرَةَ يعنى دار الجنة وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ يعني ولا تترك حظك مِنَ الدُّنْيا أن
__________
(1) فى أ، «وعلموا» .
(2) فى أ: أصهر، وفى ز: يصهر.
(3) فى أ: قوهث، وفى ز: قاهث. وفى ل: بوهب.
(4) من ز، والجملة ناقصة فى أ.(3/355)
تعمل فيها لآخرتك وَأَحْسِنْ العطية في الصدقة والخير فيما يرضي الله- عز وجل- كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ بإحسان الله إليك الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ يقول لا تعمل فيها بالمعاصي إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ- 77- فرد قارون على قومه حين أمروه أن يطيع الله- عز وجل- فى ماله وفيما أمره ف قالَ لهم: إِنَّما أُوتِيتُهُ يعني إنما أعطيته يعنى المال عَلى عِلْمٍ عِنْدِي يقول على خير علمه الله- عز وجل- عندي يقول الله- عز وجل-: أَوَلَمْ يَعْلَمْ قارون أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ بالعذاب مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ حين كذبوا رسلهم مَنْ هُوَ أَشَدُّ «مِنْهُ» «1» من قارون قُوَّةً وبطشا وَأَكْثَرُ جَمْعاً من الأموال منهم نمرود الجبار وغيره، ثم قال- عز وجل-: وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ- 78- يقول «ولا يسأل» «2» مجرمو هذه الأمة عن ذنوب الأمم الخالية الذين عذبوا في الدنيا، فإن الله- عز وجل- قد أحصى أعمالهم الخبيثة وعلمها «فَخَرَجَ قارون عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ «3» - قومه- بني إسرائيل، - الزينة- يعني الشارة الحسنة خرج على بغلة شهباء عليها سرج من ذهب عليه الأرجوان ومعه أربعة آلاف فارس على الخيل عليهم وعلى دوابهم الأرجوان، «ومعه ثلاثمائة جارية بيض عليهن الحلي والثياب الحمر «4» على البغال الشهب» ، فلما نظر المؤمنون إلى تلك الزينة والجمال. قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا وهم أهل التوحيد
__________
(1) فى أ: «من قارون» .
(2) فى أ: «ولا يسلوا» ، وفى ز: «ولا يسأل» .
(3) فى حاشية أفى الأصل: وخرج فى زينته على قومه، وفى ز مثل ما فى حاشية أ.
(4) ومعه ثلاثمائة جارية. إلخ من ز، وليس فى أ.
وفى ز: الثياب الأحمر.(3/356)
يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ يعني مثل ما أعطي قارُونُ من الأموال إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ- 79- يقول إنه لذو نصيب وافر في الدنيا وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ بما وعد الله في الآخرة للذين تمنوا مثل مما أعطي قارون وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ يعني لمن صدق بتوحيد الله- عز وجل- وَعَمِلَ صالِحاً خير مما أوتي قارون في الدنيا وَلا يُلَقَّاها يعني الأعمال الصالحة يعني ولا يؤتاها إِلَّا الصَّابِرُونَ- 80- فَخَسَفْنا بِهِ يعني بقارون، وذلك أن الله- عز وجل- أمر الأرض أن تطيع موسى- عليه السلام- فأمر موسى الأرض أن تأخذ قارون فأخذته إلى قدميه فدعا قارون موسى وذكره الرحم، فأمرها موسى أن تأخذه، فأخذته إلى عنقه ثم دعا قارون موسى وذكره الرحم، فأمرها موسى- عليه السلام- أن تبتلعه [69 ب] فهو يتجلجل في الأرض كل يوم قامة رجل إلى يوم القيامة «1» ، فقالت بنو إسرائيل: إن موسى إنما أهلك قارون حتى يأخذ ماله وداره فخسف الله- عز وجل- بعد قارون بثلاثة أيام- بداره وماله الصامت فانقطع الكلام، فذلك قوله- عز وجل-: «فَخَسَفْنَا بِهِ» يعني بقارون وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ يقول الله- عز وجل- لم يكن لقارون جند يمنعونه من الله- عز وجل- وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ- 81- يقول وما كان قارون من الممتنعين مما نزل به من الخسف وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ بعد ما خسف به يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يعني لكن الله يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ يعني يوسع الرزق على من يشاء ويقتر
__________
(1) كذا فى أ، ز.(3/357)
على من يشاء، وقالوا: لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا يعني لولا أن الله- عز وجل- أنعم علينا بالإيمان لَخَسَفَ بِنا ثم قال: وَيْكَأَنَّهُ يعني ولكنه لا يُفْلِحُ لا يسعد الْكافِرُونَ- 82- تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ يعني الجنة نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا يعني تعظما فِي الْأَرْضِ عن الإيمان بالتوحيد وَلا فَساداً يقول ولا يريدون فيها عملا بالمعاصي وَالْعاقِبَةُ في الآخرة لِلْمُتَّقِينَ- 83- من الشرك فى الدنيا مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ يعني بكلمة الإخلاص وهي «لا إله إلا الله وحده لا شريك له» فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها في التقديم، يقول فله منها خير، وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ يعني الشرك يقول من جاء في الآخرة بالشرك فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ يعني الذين عملوا الشرك إِلَّا مَا كانُوا يَعْمَلُونَ- 84- من الشرك فإن جزاء الشرك النار فلا ذنب أعظم من الشرك ولا عذاب أعظم من النار «1» .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهُذَيْلُ عَنْ مُقَاتِلٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ- صَلَّى الله عليه- «2» هذه الآية- «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ» ، «وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ» فَقَالَ هَذِهِ تُنْجِي وَهَذِهِ تُرْدِي، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: سمعت النبي- صلى الله عليه- يقول «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ» فَهِيَ «3» لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ «وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ» فهي «4» الشرك فهذه تنجى وهذه
__________
(1) فى أزيادة: «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ» وليست فى ز، ثم تكرر ذكرها بعد ذلك فى أ، فاعتمدت على ز لأنها أنسب هنا. [.....]
(2) نسخة ز دائما تقول: - النبي صلى الله عليه-، أ: النبي- صلى الله عليه وسلم-.
(3) فى أ: فهي، وفى ز: فهو.
(4) فى أ: فهي، وفى ز: فهو.(3/358)
تُرْدِي،
قَوْلُهُ- عَزَّ وَجَلَّ- إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ مِنَ الْغَارِ لَيْلا، ثُمَّ هَاجَرَ مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَسَارَ فِي غَيْرِ الطَّرِيقِ مَخَافَةَ الطَّلَبِ فَلَمَّا أَمِنَ رَجَعَ إِلَى الطَّرِيقِ فَنَزَلَ بِالْجُحْفَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَعَرَفَ «1» الطَّرِيقَ إِلَى مَكَّةَ فَاشْتَاقَ إِلَيْهَا، وَذَكَرَ مَوْلِدَهُ ومولد أبيه فأتاه [70 أ] جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلامُ- فَقَالَ: أَتَشْتَاقُ إِلَى بَلَدِكَ وَمَوْلِدِكَ؟
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ- نَعَمْ. فَقَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ اللَّهَ- عَزَّ وَجَلَّ- يقول-: «إن الذي فرض عليك القرآن»
لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ يَعْنِي إِلَى مَكَّةَ ظَاهِرًا عَلَيْهِمْ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِالْجُحْفَةِ لَيْسَتْ بِمَكِّيَّةٍ وَلا مَدَنِيَّةٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَذَلِكَ أَنَّ كُفَّارَ مَكَّةَ كَذَّبُوا مُحَمَّدًا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالُوا إِنَّكَ فِي ضَلالٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي قَوْلِهِمْ: «قُلْ ربى أعلم من جاء بالهدى» فَأَنَا الَّذِي جِئْتُ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِ اللَّهِ- عز وجل- وَهو أعلم مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ- 85- يقول أنحن أم أنتم وَما كُنْتَ تَرْجُوا يا محمد أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ يعني أن ينزل عليك القرآن يذكره النعم، وقال ما كان الكتاب إِلَّا رَحْمَةً يعني- عز وجل- نعمة مِنْ رَبِّكَ اختصصت بها يا محمد. وذلك حين دعي إلى دين آبائه فأوحى الله- عز وجل- إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- في ذلك فقال: فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً يعني معينا لِلْكافِرِينَ- 86- على دينهم وَلا يَصُدُّنَّكَ كفار مكة عَنْ آياتِ اللَّهِ يعني عن إيمان بالقرآن بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ الناس إِلى معرفة رَبِّكَ- عز وجل- وهو التوحيد،
__________
(1) كذا فى أ، ز. والمراد رأى أو شاهد.(3/359)
ثم أو عز «1» إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- وحذره، فقال- سبحانه-:
وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ- 87- وذلك حين دعي إلى دين آبائه فحذره الله- عز وجل- أن يتبع دينهم، فقال- سبحانه-: وَلا تَدْعُ يقول ولا تعبد مَعَ اللَّهِ تعالى إِلهاً آخَرَ فإنه واحد ليس معه شريك، ثم وحد نفسه- جل جلاله- فقال: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ يقول- سبحانه- كل شيء من الحيوان ميت ثم استثنى نفسه- جل جلاله- بأنه- تعالى- حي دائم لا يموت فقال- جل جلاله-: «إِلا وَجْهَهُ» يعني إلا هو لَهُ الْحُكْمُ يعني القضاء وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ- 88- أحياء في الآخرة فيجزيكم- عز وجل- بأعمالكم.
__________
(1) كذا فى أ، ز.(3/360)
سورة العنكبوت(3/361)
[سورة العنكبوت (29) : الآيات 1 الى 69]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)
مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (7) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (11) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (13) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ (14)
فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ (15) وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19)
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (22) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (23) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24)
وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (25) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (28) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29)
قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (31) قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (34)
وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (37) وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (39)
فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (43) خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44)
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ (47) وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ (49)
وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (52) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (54)
يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55) يَا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59)
وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (63) وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (64)
فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (68) وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)(3/363)
سورة العنكبوت «1» سورة العنكبوت مكية.
ويقال نزلت بين مكة والمدينة في طريقه حين هاجر- صلى الله عليه وسلم- وهي تسع وستون آية كوفية «2» .
__________
(1) المقصود الإجمالى للسورة:
معظم مقصود سورة العنكبوت ما يأتى:
توبيخ أهل الدعوى، وترغيب أهل التقوى، والوصية ببر الوالدين للأبرار، والشكاية من المنافقين فى جرأتهم على حمل الأوزار، والإشارة إلى بلوى نوح والخليل، لتسلية الحبيب، وهجرة إبراهيم من بين قومه إلى مكان غريب، ووعظ لوط قومه، وعدم اتعاظهم وإهلاك الله إياهم، والإشارة إلى حديث شعيب وتعبير عباد الأصنام، وتوبيخهم، وتمثيل الصنم بيت العنكبوت، وإقامة حجج التوحيد، ونهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر، وأدب الجدال مع المنكرين والمبتدعين، وبيان الحكمة فى كون رسولنا- صلى الله عليه وسلم- أميا، والخير عن استعجال الكفار والعذاب وأن كل إنسان بالضرورة ميت ووعد المؤمنين بالثواب، وضمان الحق رزق كل دابة، وبيان أن الدنيا دار فناء وممات، وأن العقبى دار بقاء وحياة وبيان حرمة الحرم وأمنه والإخبار بأن عناية الله وهدايته مع أهل الجهاد والإحسان فى قوله: «وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ» سورة العنكبوت: 69.
(2) فى أ: وهي تسعة وستون.
وفى المصحف: (29) سورة العنكبوت مكية إلا من آية 1 إلى آية 11 فمدنية وآياتها 69 نزلت بعد الروم وفى كتاب بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي.
سميت سورة العنكبوت لتكرر ذكره فيها: «كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ» سورة العنكبوت: 41.(3/371)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم- 1- أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا نزلت في مهجع بن عَبْد اللَّه مَوْلَى عُمَر بن الخطاب- رضي الله عنه- كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر وهو أول من يدعى إلى الجنة من [70 ب] شهداء أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- فجزع عليه أبواه.
وكان «1» الله- تبارك وتعالى- بين للمسلمين أنه لا بد لهم من البلاء والمشقة فِي ذات اللَّه- عز وجل- وقال النبي- صلى الله عليه وسلم- يومئذ: سيد الشهداء مهجع. وكان رماه عامر بن الحضرمي بسهم فقتله، فأنزل الله- عز وجل- في أبويه عبد الله وامرأته «الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا» أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ- 2- يقول أحسبوا أن يتركوا عن التصديق بتوحيد الله- عز وجل- ولا يبتلون في إيمانهم وَلَقَدْ فَتَنَّا يقول ولقد ابتلينا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني من قبل هذه الأمة من المؤمنين فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ يقول فليرين الله الذين صَدَقُوا في إيمانهم من هذه الأمة عند البلاء فيصبروا لقضاء الله- عز وجل- وَلَيَعْلَمَنَّ يقول وليرين الْكاذِبِينَ- 3- فى إيمانهم فيشكوا عند البلاء، ثم وعظ كفار العرب، فقال- سبحانه-: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ يعنى الشرك «2»
__________
(1) فى أ: وكأن، ز: وكان.
(2) فى أ: يعنى- عز وجل- الشرك، ز: يعنى الذين عملوا الشرك.(3/372)
نزلت في بني عبد شمس أَنْ يَسْبِقُونا يعني أن يفوتونا بأعمالهم السيئة حتى يجزيهم بها في الدنيا، فقتلهم الله- عز وجل- ببدر منهم شَيْبَة وعتبة ابنا رَبِيعَة، والوليد بن عتبة بن ربيعة، وحنظلة بن أبي سفيان بن حرب، وعبيدة بن سعد بن العاص بن أمية، وعقبة بن أبي معيط، والعاص بن وائل، ثم قال- عز وجل-: ساءَ ما يَحْكُمُونَ- 4- يعني ما يقضون يعني بني عبد شمس بن عبد مناف، ثم قال- تعالى-: مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ يقول من خشي البعث في الآخرة فليعمل لذلك اليوم فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ يعني يوم القيامة وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ- 5- لقول بني عبد شمس بن عبد مناف حين قالوا: إنا نعطى في الآخرة ما يعطى المؤمنون، يعني بالمؤمنين بني هاشم وبني عبد المطلب بن عبد مناف «العليم» به.
نزلت «مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ» في بني هاشم وبني عبد المطلب ابني عبد مناف، منهم علي بن أبي طالب وحمزة وجعفر- عليهم السلام- وعبيدة بن الحارث، والحصين «1» ، والطفيل ابنا «2» الحارث بن المطلب، ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، وزيد بن حارثة، وأبو هند «3» ، وأبو «4» ليلى مولى- النبي صلى الله عليه وسلم- وأيمن بن أم أيمن قتيل يوم حنين- رضي الله عنه- ثم قال- تعالى-: وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ يقول من يعمل الخير فإنما يعمل لنفسه يقول إنما أعمالهم لأنفسهم «5» إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ- 6- يعنى
__________
(1) فى أ: الحسين، وفى ز: الحصين.
(2) فى أ: ابنا، وفى ز: ابني.
(3) فى أ: وأبو هند، وفى ز: وأبى هند.
(4) فى أ: وأبو ليلى، وفى ز: وأبى ليل.
(5) من ز، وفى أ: إن أعمالهم لا تغنيه. [.....](3/373)
عن أعمال القبيلتين بني هاشم وبني عبد المطلب ابني «1» عبد مناف، ثم قال- عز وجل- أيضا يعنيهم وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ «2» لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ [71 أ] وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ- 7- فيجزيهم بإحسانهم ولا يجزيهم بمساوئهم يعني بني هاشم وبني المطلب، ثم قال الله- عز وجل-: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً نزلت في سعد بن أبي وقاص الزهري- رضي الله عنه- وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ بأن معي شريكا فَلا تُطِعْهُما في الشرك إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ في الآخرة فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 8- يعني سعدا «3» - رضي الله عنه- وذلك أنه «4» حين أسلم حلفت أمه لا تأكل طعاما، ولا تشرب شرابا، ولا تدخل «كنا» «5» حتى يرجع سعد عن الإسلام، فجعل سعد يترضاها فأبت عليه، وكان بها بارا فأتى سعد- رضي الله عنه- النبي- صلى الله عليه وسلم- فشكى إليه فنزلت في سعد- رضي الله عنه- هذه الآية.
فأمره النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يترضاها ويجهد «6» بها على أن تأكل وتشرب فأبت حتى يئس منها، وكان سعد أحب ولدها إليها،
__________
(1) فى أ: ابنا، ز: ابني.
(2) فى أ، ز «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ» فكلاهما أدمجا الآية 9 مع الآية 7.
(3) فى أ: يعنى سعد، وفى ز: يعنى سعدا.
(4) فى أ: أنه، وفى ز: وذلك أنه.
(5) وردت هكذا فى الأصل.
(6) فى أ: ويجد بها على، وفى ف، ز: ويجهد بها أن تأكل.(3/374)
«وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ «1» - 9- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ نزلت في عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عمرو بن مخزوم القرشي، وذلك أن عياشا أسلم فخاف أهلَ بيته فهرب إلى المدينة بدينه قبل أن يهاجر النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- إليها فحلفت أمه أسماء بنت مخرمة بن أبي جندل بن نهشل التميمي ألا تأكل ولا تشرب ولا تغسل رأسها ولا تدخل «كنا» «2» حتى يرجع إليها فصبرت ثلاثة أيام ثم أكلت وشربت فركب أبو جهل عدو الله والحارث ابنا هشام وهما أخواه لأمه وهما بنو عم حتى أتيا المدينة فلقياه فقال أبو جهل لأخيه عياش:
قد علمت أنك كنت أحب إلى أمك من جميع ولدها وآثر عندها- لأنه كان أصغرهم سنا، وكان بها بارا- وقد حلفت أمك ألا تأكل «3» ولا تشرب ولا تغسل رأسها ولا تدخل بيتا حتى ترجع إليها، وأنت تزعم أن في دينك بر الوالدين، فارجع إليها فإن ربك الذي بالمدينة هو بمكة فاعبده بها. فأخذ عياش عليهم المواثيق ألا يحركاه «4» ، فاتبعهما، فأوثقاه ثم جلده كل واحد منهما مائة جلدة حتى يبرأ من دين محمد- صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله- عز وجل- في عياش «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ» يعني صدقنا بتوحيد الله- «فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ» يعنى ضربهما إياه «جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ» يقول جعل عذاب الناس فى الدنيا
__________
(1) الآية 9 من سورة العنكبوت ساقطة من أ، ف، ز، ل، لأنها أدمجت مع الآية 7 ولم تذكر فى مكانها.
(2) وردت هكذا فى الأصل.
(3) فى أ: لا تأكل، ز: ألا تأكل.
(4) كذا فى أ، ز، ف، ل. والمراد ألا يحركاه عن دينه ولا يزحزحاه عنه.(3/375)
كعذاب الله في الآخرة، كقوله- عز وجل-: «يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ» «1» يعني يعذبون، ثم استأنف وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ [71 ب] على عدوك بمكة وغيرها، إذا كان للمؤمنين دولة لَيَقُولُنَّ المنافقون للمؤمنين إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ على عدوكم وإذا رأوا دولة للكافرين شكوا في إيمانهم أَوَلَيْسَ اللَّهُ يعني- عز وجل- أو ما الله «بِأَعْلَمَ» «2» بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ- 10- من الإيمان والنفاق وَلَيَعْلَمَنَّ «اللَّهُ» «3» يعني وليرين الله الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا عند البلاء والتمحيص وَلَيَعْلَمَنَّ يعني وليرين الْمُنافِقِينَ- 11- في إيمانهم فيشكوا عند البلاء والتمحيص وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني أبا سفيان لِلَّذِينَ آمَنُوا نزلت في عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وخباب بن الأرت- رضي الله عنهم- ختن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- على أخته أم جميل اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وذلك أن أبا سفيان بن حرب بن أمية قال لهؤلاء النفر: اتبعوا ملة آبائنا ونحن الكفلاء بكل تبعة من الله نصيبكم وأهل مكة علينا شهداء كفلاء، فذلك قوله- تعالى-: «وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ» ، يقول الله- عز وجل-: وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ
- 12- فيما يقولون «4» وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ يعني وليحملن أوزارهم التي عملوا، وأوزارا مع أوزارهم لقولهم للمؤمنين «اتَّبِعُوا سَبِيلَنا» ، «مَعَ» يعني إلى أوزارهم التي عملوا لأنفسهم وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ- 13-
__________
(1) سورة الذاريات: 13.
(2) فى أ: أعلم.
(3) «الله» : ساقط من الأصول.
(4) بما يقولون. [.....](3/376)
من الكذب لقولهم نحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من الله- عز وجل- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً يدعوهم إلى الإيمان بالله- عز وجل- فكذبوه فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ- 14- يعني الماء طغى على كل شيء فأغرقوا فَأَنْجَيْناهُ يعني نوحا- عليه السلام- وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ من الغرق وَجَعَلْناها يعني السفينة آيَةً لِلْعالَمِينَ- 15- يعني لمن بعدهم من الناس وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ يعني وحدوا الله وَاتَّقُوهُ يعني واخشوه «1» ذلِكُمْ يعني عبادة الله خَيْرٌ لَكُمْ من عبادة الأوثان إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ- 16- ولكنكم لا تعلمون إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً يعنى أصناما وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً يعنى تعلمونها بأيديكم ثم تزعمون أنها آلهة كذبا وأنتم تنحتونها، فذلك قوله- عز وجل-: «وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ» «2» بأيديكم من الأصنام، فقال- سبحانه-: إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة لا يَمْلِكُونَ يقول لا يقدرون لَكُمْ رِزْقاً على رزق فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ يعني وحدوه وَاشْكُرُوا لَهُ واشكروا الله في النعم فإن مصيركم إليه [72 أ] فذلك قوله- تعالى-: إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ- 17- أحياء بعد الموت وَإِنْ تُكَذِّبُوا يعنى كفار مكة يكذبوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- بالعذاب وبالبعث فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ «يعني من قبل كفار مكة كذبوا رسلهم بالعذاب «3» .
__________
(1) فى ف: واخشوه: أ: اجتنبوه.
(2) سورة الصافات: 96.
(3) من ز، وفى أ: «يعنى من قبل مبعث النبي- صلى الله عليه وسلم- كفار مكة كذبوا بالعذاب رسلهم» .(3/377)
وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ- 18- يقول وما على النبي- صلى الله عليه وسلم- إلا أن يبين لكم أمر العذاب أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ كما خلقهم يقول أو لم يعلم كفار مكة كيف بدأ الله- عز وجل- خلق الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ، ثُمَّ مِنْ مضغة، ثم عظاما، ثم لحما، ولم يكونوا شيئا ثم هلكوا، ثم يعيدهم في الآخرة إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ- 19- يقول إعادتهم في الآخرة على الله- عز وجل- هين، «1» ثم «2» قال للنبي- صلى الله عليه وسلم- قُلْ لهم: سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ليعتبروا في أمر البعث فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ يعني خلق السموات والأرض وما فيها من الخلق لأنهم يعلمون أن الله- عز وجل- خلق الأشياء كلها ثُمَّ إن اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ يعني يعيد الخلق الأول يقول هكذا يخلق الخلق الآخر يعني البعث بعد الموت كما بدأ الخلق الأول، إنما ذكر النشأة الآخرة لأنها بعد الخلق الأول إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من البعث وغيره قَدِيرٌ- 20- يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ- 21- يعني وإليه ترجعون بعد الموت يوم القيامة فيجزيكم بأعمالكم وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ يعني كفار مكة بمعجزين يعني بسابقين الله- عز وجل- فتفوتوه فِي الْأَرْضِ كنتم وَلا فِي السَّماءِ كنتم أينما كنتم حتى يجزيكم بأعمالكم السيئة وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ يعني من قريب لينفعكم وَلا نَصِيرٍ- 22- يعني وَلا مانع يمنعكم من الله- عز وجل- وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ يعني بالقرآن «3» وَلِقائِهِ
__________
(1) كذا فى أ، ل، ز، ف، والأنسب تقدير مضاف إلى اعادتهم» ليكون كالاتى «أمر» بإعادتهم في الآخرة على الله- عز وجل- هين.
(2) «ثم» : ساقطة من أ، وهي من ز، وفى أ: قال النبي- صلى الله عليه وسلم-.
(3) فى أ: القرآن، ز: بالقرآن.(3/378)
وكفروا بالبعث أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي يعني من جنتي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ- 23- يعني وجيعا. ثم ذكر إبراهيم- عليه السلام- في التقديم «1» قال:
فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ يعني قوم إبراهيم- عليه السلام- حين دعاهم إلى الله- عز وجل- ونهاهم عن عبادة الأصنام إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ بالنار فقذفوه في النار فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ يعني- عز وجل- إن في النار التي لم تحرق إبراهيم- عليه السلام- لعبرة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ- 24- يعني يصدقون بتوحيد الله- عز وجل- وَقالَ لهم إبراهيم- عليه السلام-: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ الأوثان آلهة مِنْ دُونِ اللَّهِ- عز وجل-[72 ب] أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا «2» يعني بين الأتباع والقادة مودة على عبادة الأصنام ثُمَّ إذا كان يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ يقول تتبرأ القادة من الأتباع وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً يقول ويلعن الأتباع القادة من الأمم الخالية وهذه الأمة، ثم قال لهم إبراهيم- عليه السلام-: وَمَأْواكُمُ النَّارُ يعني مصيركم إلى النار وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ- 25- يعني مانعين من العذاب يمنعونكم منه فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ يعني فصدق بإبراهيم لوط- عليهما السلام- وهو أول من صدق بإبراهيم حين رأى إبراهيم لم تضره النار «3» وَقالَ إبراهيم- عليه السلام-: إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي يعني هجر قومه المشركين من أرض كوثا هو ولوط وسارة أخت لوط- عليهم السلام- إلى الأرض المقدسة «إِلَى رَبِّي» يعني إلى رضا
__________
(1) فى التقديم: أى الذي تقدم ذكره.
(2) فى أ، ز: «مودة فى الحياة الدنيا بينكم» ، وفى حاشية أالآية «مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا»
(3) كذا فى أ، ز. والأنسب حين رأى النار لم تضر إبراهيم.(3/379)
ربي. وقال في الصافات: « ... إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي» يعنى إلى رضا ربى، «سيهدين» «1» فهاجر وهو ابن خمس وسبعين سنة إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ- 26- وَوَهَبْنا لَهُ يعني لإبراهيم إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ابن إسحاق بالأرض «2» المقدسة وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ يعني ذرية إبراهيم النُّبُوَّةَ يعني إسماعيل وإسحاق ويعقوب- عليهم السلام- وَالْكِتابَ يعني صحف إبراهيم وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ يعني أعطيناه جزاءه فِي الدُّنْيا يعني الثناء الحسن والمقالة الحسنة من أهل الأديان كلها، لمضيه على رضوان الله حين ألقي في النار، «وكسر» «3» الأصنام، ومضيه على ذبح ابنه، فجميع أهل الأديان يقولون إبراهيم منا لا يتبرأ منه «أحد» «4» وَإِنَّهُ يعني إبراهيم فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ- 27- نظيرها في النحل «5» .
«وَلُوطاً» «6» إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ يعني المعصية يعني إتيان الرجال في أدبارهم ليلا «7» مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ- 28- فيما مضى قبلكم وكانوا لا يأتون إلا الغرباء، ثم قال- عز وجل-: أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ يعني المسافر، وذلك أنهم إذا جلسوا في ناديهم يعني في مجالسهم رموا ابن السبيل بالحجارة والخذف فيقطعون سبيل المسافر، فذلك قوله- عز
__________
(1) سورة الصافات: 99.
(2) فى الأصل: بأرض.
(3) فى أ: الكسر، وفى ز: وكسر.
(4) «أحد» : ساقطة من أ، وهي من ز.
(5) يشير إلى الآية 122 من سورة النحل وهي:
«وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ» . [.....]
(6) فى أ، ز: وأرسلنا لوطا. وفى حاشية أ: الآية ولوطا إذ قال لقومه.
(7) كذا فى أ، ز.(3/380)
وجل-: وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ يعني في مجالسكم المنكر يعني الحذف «1» بالحجارة فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ أي قوم لوط- عليه السلام- حين نهاهم عن الفاحشة والمنكر إِلَّا أَنْ قالُوا للوط- عليه السلام-: ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ- 29- يعني بأن العذاب نازل بهم في الدنيا فدعا لوط ربه- عز وجل- ف قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ- 30- يعني العاصين يعني بالفساد إتيان الرجال في أدبارهم، يقول رب انصرني بتحقيق قولي في العذاب عليهم «بما كذبون» يعنى بتكذيبهم إياى [73 أ] حين قالوا أن العذاب ليس بنازل بهم في الدنيا، فأهلكهم الله- عز وجل- بالخسف والحصب، وكان لوط- عليه السلام- قد أنذرهم العذاب، فذلك قوله «وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا ... » «2» يعنى عذابنا وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا يعني الملائكة إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى بالولد قالُوا لإبراهيم: إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ يعنون قرية لوط إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ- 31- قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ يعني لوطا، ثم استثنى فقال: إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ- 32- يعني الباقين في العذاب وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا الملائكة لُوطاً وحسب أنهم من الإنس سِيءَ بِهِمْ يعني كرههم لوط لصنيع قومه بالرجال وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً يعني بضيافة الملائكة ذرعا يعني مخافة عليهم أن يفضحوهم وَقالُوا وقالت الرسل للوط- عليه السلام-: لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ لأن قومه وعدوه فقالوا معك رجال سحروا «3» أبصارنا، فستعلم ما تلقى
__________
(1) فى أ: يعنى الحذف بالحجارة، وفى: بالحذف، وفى ل، ز: يعنى الحذف بالحجارة.
(2) سورة القمر: 36.
(3) سحروا: من ف، وليست فى أ.(3/381)
عذابهم، فقالت الرسل: إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ ثم استثنى امرأته، فذلك قوله- عز وجل-: إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ- 33- يعني من الباقين في العذاب، فهلك قوم لوط، ثم أهلكت بعد، بحجر أصابها فقتلها إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً يعني عذابا مِنَ السَّماءِ على قرى لوط يعني الخسف والحصب بِما كانُوا يَفْسُقُونَ- 34- يعني يعصون وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً يعني من قرية لوط آية بَيِّنَةً يعني علامة واضحة، يعني هلاكهم لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ- 35- بتوحيد الله- عز وجل- كانت قرية لوط بين المدينة والشام، وولد للوط بعد هلاك قومه ابنتان وكان له ابنتان قبل هلاكهم «1» .
ثم مات لوط وكان أولاده مؤمنين من بعده.
وَأرسلنا إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً بن نويب بن مدين ابن إبراهيم خليل الرحمن- جل جلاله- لصلبه فَقالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ يعني وحدوا الله وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ يعني واخشوا البعث الذي فيه جزاء الأعمال وَلا تَعْثَوْا يعني ولا تسعوا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ- 36- يعنى بالمعاصي فى نقصان الكيل والميزان وهو الفساد في الأرض فَكَذَّبُوهُ بالعذاب حين أوعدهم أنه نازل بهم في الدنيا فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ يعني- عز وجل- في محلتهم وعسكرهم جاثِمِينَ- 37- أمواتا خامدين مثل النار إذا أطفئت، بينما هي تَقِدُ إذا هي طفئت، فشبه أرواحهم في أجسادهم وهم أحياء مثل النار إذا تَقِدُ «ثم شبه هلاكهم بالنار» «2» إذا طفئت، [73 ب] بينما هم أحياء إذ صاح بهم جبريل
__________
(1) من ز، وفى أ: خطأ.
(2) ما بين الأقواس « ... » ، زيادة اقتضاها السياق.(3/382)
- عليه السلام- فصعقوا أمواتا أجمعين وَأهلكنا عاداً وَثَمُودَ وهما ابنا عم وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ يا أهل مكة مِنْ مَساكِنِهِمْ يعني منازلهم آية في هلاكهم وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ السيئة فَصَدَّهُمْ الشيطان عَنِ السَّبِيلِ أي طريق الهدى وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ- 38- في دينهم يحسبون أنهم على هدى وَأهلكنا قارُونَ وَفِرْعَوْنَ واسمه فيطوس وَهامانَ قهرمان فرعون ودستوره «1» . وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ «2» أخبرهم أن العذاب نازل بهم في الدنيا فكذبوه وادعوا أنه غير نازل بهم في الدنيا. فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ- 39- يعني فتكبروا بذنوبهم يعني بتكذيبهم الرسل، كقوله- تعالى-: « ... اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ «3» ... » يعني بتكذيبهم الرسل وكفروا به « ... فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ «4» ... » يعني بتكذيبهم صالحا. قال- عز وجل-:
«فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ» «5» فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً يعني من الحجارة وهم قوم لوط وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ يعني صيحة جبريل- عليه السلام- وهم قوم صالح، وقوم شعيب، وقوم هود، وقوم إبراهيم
__________
(1) فى أزيادة ليست فى ف، ولا فى ز، وهي: وهو بالفارسية الذي يستشيره.
(2) يلاحظ أن أ، ف، ز، فيهم خطأ فى هذه الآية ثم فسرت فى الجميع على هذا الخطأ، وفى أ: «وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ» يعنى قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وقوم شعيب وقوم فرعون «جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ» يقول أخبرتهم رسلهم بالبينات، (وهي مقطع من آية أخرى ليس محلها هنا) .
ومع ذلك فقد ورد هذا الخطأ فى جميع النسخ واضطررت لتصويبه حسب ترتيب المصحف.
(3) سورة التوبة: 102.
(4) سورة الشمس: 14.
(5) ما بين القوسين « ... » ساقط من النسخ أ، ز، ل، ف.(3/383)
وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ يعنى قارون وأصحابه وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا يعني قوم نوح، وقوم فرعون وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ فيعذبهم على غير ذنب وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ- 40- يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية لئلا يكذبوا محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمّ قَالَ- عز وجل- مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ يعني الآلهة وهي الأصنام اللات والعزى ومناة وهبل كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ وذلك أن الله- عز وجل- ضرب مثل الصنم في الضعف يعني كشبه العنكبوت إذا اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ يعني أضعف الْبُيُوتِ كلها لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ فكذلك ضعف الصنم هو أضعف من بيت العنكبوت لَوْ يعني إن كانُوا يَعْلَمُونَ- 41- ولكن لا يعلمون، ثم قال- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ يعني الأصنام وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ- 42- يعني العزيز في ملكه الحكيم في أمره، ثم قال- عز وجل-: وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ يقول وتلك الأشباه نبينها لكفار مكة، فيما ذكر من أمر الصنم وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ- 43- يقول الذين يعقلون عن الله- عز وجل- الأمثال خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ
لم يخلقهما باطلا لغير شيء خلقهما لأمر هو كائن إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ- 44- يقول إن فى [74 أ] خلقهما لعبرة للمصدقين بتوحيد الله- عز وجل- اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ يعني اقرأ على أهل الكتاب ما أنزل إليك من القرآن، ثم قال- تعالى-: وَأَقِمِ يعني وأتم الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ يعنى عن المعاصي وَعن الْمُنْكَرِ يعنى بالمنكر ما لا يعرف يقول إن الإنسان ما دام يصلي لله- عز وجل(3/384)
- فقد انتهى عن الفحشاء والمنكر لا يعمل بهما ما دام يصلي حتى ينصرف، ثم قال- عز وجل- وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ يعنى إذا صليت لله- تعالى- فذكرته فذكرك الله بخير، وذكرُ الله إياك أفضلُ من ذكرك إياه في الصلاة وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ- 45- فى صلاتكم وَلا تُجادِلُوا يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- وحده أَهْلَ الْكِتابِ البتة يعني مؤمنيهم عبد الله بن سلام وأصحابه إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فيها تقديم يقول جادلهم قل لهم بالقرآن وأخبرهم عن القرآن نسختها آية السيف في براءة فقال- تعالى-: «قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ... » «1» إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ «2» وَقُولُوا لهم يعني ظلمة اليهود آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا يعني القرآن وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ يعني التوراة وَقولوا لهم إِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ ربنا وربكم واحد وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ- 46- يعني مخلصين بالتوحيد وَكَذلِكَ يعني وهكذا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ كما أنزلنا التوراة على أهل الكتاب، - ليبين لهم- عز وجل- يعني ليخبرهم، ثُمّ ذكر مؤمني أَهْل التوراة عَبْد اللَّه بن سلام وأصحابه فقال- سبحانه-: فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعنى أعطيناهم التوراة يعنى بن سلام وأصحابه يُؤْمِنُونَ بِهِ يصدقون بقرآن محمد- صلى الله
__________
(1) سورة التوبة: 29.
ونرى أن حقيقة النسخ لا تنطبق على هذا الأمر. فآية العنكبوت تأمر بالجدال بالتي هي أحسن مع أهل الكتاب وآية التوبة تأمر بقتال صنف آخر لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر.
وانظر النسخ عند مقاتل فى دراستي التي قدمت بها لهذا التفسير.
(2) فى أ، ز: يعنى مشركيهم.
وفى كليهما تحريف فى الآية فقد أورداها هكذا «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا الذين ظلموا منهم إلا بالتي هي أحسن» وترتيب الآية فى المصحف غير ذلك. [.....](3/385)
عليه وسلم- أنه من الله- عز وجل-، ثم ذكر مسلمي مكة فقال: وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يعني يصدق بقرآن محمد- صلى الله عليه وسلم- أنه من الله جاء، ثم قال: وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا يعني آيات القرآن بعد المعرفة لأنهم يعلمون أن محمدا- صلى الله عليه وسلم- نبي وأن القرآن حق «1» من الله- عز وجل- إِلَّا الْكافِرُونَ- 47- من اليهود وَما كُنْتَ يا محمد تَتْلُوا يعني تقرأ مِنْ قَبْلِهِ يعني من قبل القرآن مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ فلو كنت يا محمد تتلوا القرآن أو تخطه، لقالت اليهود إنما كتبه من تلقاء نفسه وإِذاً لَارْتابَ يقول وإذًا لشك الْمُبْطِلُونَ- 48- يعني الكاذبين يعني كفار اليهود إذا لشكوا فيك يا محمد، إذا لقالوا إن الذي نجد في التوراة نعته «2» ، هو أمى لا يقرأ الكتاب [74 ب] ولا يخطه بيده، ثم ذكر مؤمني أهل التوراة فقال: «بَلْ هُوَ» «3» يا محمد آياتٌ بَيِّناتٌ يعني علامات واضحات بأنه أمي لا يقرأ الكتاب ولا يخطه بيده فِي صُدُورِ يعني في قلوب الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ بالتوراة يعني عَبْد اللَّه بن سلام وأصحابه ثُمّ قال- عز وجل-: وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا يعني ببعث محمد- صلى الله عليه وسلم- في التوراة بأنه أمي لا يقرأ الكتاب ولا يخطه بيده، وهو مكتوب في التوراة فكتموا أمره وجحدوا، فذلك قوله- عز وجل-: «وَمَا يجحد بآياتنا» يعنى يبعث محمد- صلى الله عليه وسلم- في التوراة إِلَّا الظَّالِمُونَ- 49-
__________
(1) فى أ: والقرآن حق.
(2) فى أ: بعثه، وفى ز: نعته.
(3) فى أ، ز: «بل هو» يعنى يا محمد، وفى ف: «بل هو» يا محمد.(3/386)
يعني كفار اليهود وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قال كفار مكة هلا أنزل على محمد- صلى الله عليه وسلم- آيات من ربه إلينا كما كان تجيء إلى قومهم، فأوحى الله- تبارك وتعالى- إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- قال:
قُلْ لهم إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ فإذا شاء أرسلها وليست بيدي وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ- 50- فلما سألوه الآية قال الله- تعالى-: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ بالآية من القرآن أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ فيه خبر ما قبلهم وما بعدهم إِنَّ فِي ذلِكَ يعني- عز وجل- في القرآن لَرَحْمَةً لمن آمن به وعمل به وَذِكْرى يعني وتذكرة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ- 51- يعني يصدقون بالقرآن أنه من الله- عز وجل- فكذبوا بالقرآن فنزل قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يعني فلا شاهد أفضل من الله بيننا يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ يعني صدقوا بعبادة الشيطان وَكَفَرُوا بِاللَّهِ بتوحيد الله أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ- 52- وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ استهزاء وتكذيبا به نزلت في النضر بن الحارث حيث قال: « ... فَأَمْطِرْ عَلَيْنا» في الدنيا «حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ» «1» يقول ذلك استهزاء وتكذيبا فنزلت فيه «وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ» وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى
في الآخرة لَجاءَهُمُ الْعَذابُ الذي استعجلوه في الدنيا وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ العذاب في الآخرة بَغْتَةً يعني فجأة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ- 53- يعني لا يعلمون به حتى ينزل بهم العذاب، ثم قال- سبحانه-: يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ
__________
(1) سورة الأنفال: 32 وتمامها: «وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ» .(3/387)
يعني النضر بن الحارث وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ- 54- ثم أخبر بمنازلهم يوم القيامة، فقال- تعالى-: يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ وهم في النار مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ يعنى بذلك «لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ... » «1» [75 أ] يعني بين طبقتين من نار وَيَقُولُ لهم الخزنة:
ذُوقُوا جزاء مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 55- من الكفر والتكذيب يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا
نزلت فى ضعفاء مسلمين أهل مكة إن كنتم في ضيق بمكة من إظهار الإيمان ف إِنَّ أَرْضِي
يعني أرض الله بالمدينة «2» واسِعَةٌ
من الضيق فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ
- 56- يعني فوحدوني بالمدينة علانية، ثم خوفهم الموت ليهاجروا فقال- تعالى-: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ- 57- في الآخرة بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم، ثم ذكر المهاجرين فقال- سبحانه-: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ يعني لننزلنهم مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها لا يموتون في الجنة نِعْمَ أَجْرُ يعني جزاء الْعامِلِينَ- 58- لله- عز وجل-، ثم نعتهم فقال- عز وجل-: الَّذِينَ صَبَرُوا على الهجرة وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ- 59- يعني وبالله يثقون في هجرتهم، وذلك أن أحدهم كان يقول بمكة أهاجر إلى المدينة وليس لي بها مال، ولا معيشة، فوعظهم الله ليعتبروا فقال:
وَكَأَيِّنْ يعني وكم مِنْ دَابَّةٍ في الأرض أو طير لا تَحْمِلُ يعني لا ترفع رِزْقَهَا معها اللَّهُ يَرْزُقُها حيث توجهت وَإِيَّاكُمْ يعنى
__________
(1) سورة الزمر: 16.
(2) فى أ: «فإن أرض الله» المدينة، وفى ز: «إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ» .(3/388)
يرزقكم إن هاجرتم إلى المدينة وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ- 60- لقولهم إنا لا نجد ما ننفق في المدينة، ثم قال- عز وجل- للنبي- صلى الله عليه وسلم- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ يعني ولئن سألت كفار مكة مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ وحده خلقهم فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ- 61- يعني- عز وجل- من أين تكذبون يعني بتوحيدي، ثم رجع إلى الذين رغبهم في الهجرة، والذين قالوا لا نجد ما ننفق، فقال- عز وجل-: اللَّهُ يَبْسُطُ يعني يوسع الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ يعني ويقتر على من يشاء إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ- 62- من البسط على من يشاء، والتقتير عليه «1» وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ يعني كفار مكة مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً يعني المطر فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ يفعل ذلك قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بإقرارهم بذلك «بَلْ» «2» أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ- 63- بتوحيد ربهم وهم مقرون بأن الله- عز وجل- خلق الأشياء كلها وحده، ثم قال- تعالى-:
وَما هذِهِ الْحَياةُ «3» الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ يعنى وباطلا وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ يعنى الجنة لَهِيَ الْحَيَوانُ يقول [75 ب] لهي دار الحياة لا موت فيها لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ- 64- ولكنهم لا يعلمون فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ يعني السفن يعني كفار مكة يعظهم ليعتبروا دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ يعنى موحدين له التوحيد «4» فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ- 65-
__________
(1) فى أ: عليهم، ز: عليم.
(2) فى أ: ولكن «بل» ، وفى ز: ولكن يعنى بل.
(3) فى أ: «وما الحياة» .
(4) من ز، وفى أ: يعنى التوحيد له: الإسلام.(3/389)
فلا يوحدون كما يوحدونه- عز وجل- في البحر لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ يعني لئلا يكفروا بما أعطيناهم في البحر من العافية حين سلمهم الله- عز وجل- من البلاء وأنجاهم من اليم «وَلِيَتَمَتَّعُوا» «1» إلى منتهى آجالهم فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ- 66- هذا وعيد أَوَلَمْ يَرَوْا يعني كفار مكة يعظهم ليعتبروا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ فيقتلون ويسبون فأدفع عنهم وهم يأكلون رزقي ويعبدون غيري فلست أسلط عليهم عدوهم إذا أسلموا نزلت في الحارث بن نوفل القرشي، نظيرها في «طسم» القصص «2» ، ثم بين لهم ما يعبدون فقال- سبحانه-: أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ؟ يعني أفبالشيطان يصدقون أن لله- تعالى- شريكا وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف يَكْفُرُونَ- 67- فلا يؤمنون برب هذه النعمة فيوحدونه- عز وجل-، ثم قال- تعالى ذكره-: وَمَنْ أَظْلَمُ يقول فلا أحد أظلم مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ يعني بالتوحيد لَمَّا جاءَهُ يعني حين جاءه، ثم قال- تعالى-: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ يقول أما لهذا المكذب بالتوحيد في جهنم مَثْوىً يعني مأوى لِلْكافِرِينَ- 68- بالتوحيد وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا يعني عملوا بالخير لله- عز وجل-، مثلها فى
__________
(1) فى أ، ز: «ولكي يتمتعوا» .
(2) يشير إلى الآية 57 من سورة القصص وهي وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ» .(3/390)
آخر الحج «1» لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا يعني ديننا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ- 69- لهم فى العون «2» لهم.
__________
(1) يشير إلى الآية 78 من سورة الحج وبدايتها «وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ» .
(2) من ز، وفيما تمت وربنا محمود، وله الفواضل والجود وصلى الله على خيار خلقه محمد النبي المصطفى وآله، - فى الورقة 120.
وفى أعلى الورقة 119، وقف على ذرية محمود عبد الخالق الأشمونى الحنفي- غفر الله له ولوالديه آمين. [.....](3/391)
سورة الرّوم(3/393)
[سورة الروم (30) : الآيات 1 الى 60]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)
بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (7) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9)
ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (10) اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (13) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14)
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (16) فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (19)
وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (22) وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24)
وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي مَا رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (29)
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34)
أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40) ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44)
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (45) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49)
فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ (58) كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (59)
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (60)(3/395)
سورة الروم «1» سورة الروم مكية وهي ستون آية كوفية «2» .
__________
(1) المقصود الإجمالى للسورة:
معظم مقصود السورة ما يأتى:
ذكر غلبة الروم على فارس وعيب الكفار فى إقبالهم على الدنيا، وأخبار القرون الماضية، وذكر قيام الساعة، وآيات التوحيد، والحجج المترادفة الدالة على الذات والصفات، وبيان بعث القيامة وتمثيل حال المؤمنين والكافرين، وتقرير المؤمنين، والإيمان، والأمر بالمعروف والإحسان إلى ذوى القربى، ووعد الثواب على أداء الزكاة والإخبار عن ظهور الفساد فى البر والبحر وعن آثار القيامة، وذكر عجائب الصنع فى السحاب والأمطار وظهور آثار الرحمة فى الربيع، وإصرار الكفار على الكفر، خلق الله الخلق مع الضعف والعجز، واحياء الخلق بعد الموت، والحشر والنشر، وتسلية رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وتسكينه عن جفاء المشركين وأذاهم فى قوله: « ... وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ» سورة الروم: 60.
وسميت سورة الروم لما فيها من ذكر غلبة الروم.
(2) فى المصحف (30) سورة الروم مكية إلا آية 17 فمدنية وآياتها 60 نزلت بعد الانشقاق.(3/401)
بسم الله الرحمن الرحيم تفسير سورة الروم «1»
حدثنا عبيد الله قال: حدثني أبي قال: حَدَّثَنَا الْهُذَيْلُ عَنْ أَبِي بَكْر الْهُذَلِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ «2» قَالَ: اقْتَتَلَ الرُّومُ وَفَارِسُ فَهُزِمَتِ الرُّومُ فبلغ ذَلِكَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابَهُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ وَهُمْ بِمَكَّةَ، وَفَرِحَ الْكُفَّارُ وشمتوا فلقوا أَصْحَابَ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّكُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَالرُّومُ أَهْلُ كِتَابٍ فَقَدْ ظَهَرَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ فَارِسَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ مِنَ الرُّومِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- «الم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ» وَأَدْنَى الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ أَذْرَعَاتٌ فِيهَا كَانَ الْقِتَالُ «وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ» أَنْ يَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ «وَمِنْ بَعْدِ» «3» مَا ظَهَرَتْ، قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ
__________
(1) من ز وحدها، ونسخة الأزهرية: (ز) : مقسمة إلى ثلاثة أثلاث كل عشرة أجزاء للقرآن ثلث. وفى أول سورة الروم نجد صفحة كاملة مكتوب فى أعلاها:
الثلث الثالث من كتاب التفسير عن مقاتل بن سليمان رواية أبى يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن الخليل الجلاب.
(2) هذا الإسناد من (أ) ، وقد ذكر فى (أ) فى آخر سورة العنكبوت، بينما ذكر فى (ز) فى أول سورة الروم، وفى ز: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ، قَالَ: الهذيل قال: حدثنا أبو بكر ابن عبد الله الهذلي عن عكرمة قال: اقتتل الروم.
(3) سورة الروم: 1- 4.(3/402)
- رضوان الله عليه-[76 أ] إِلَى الْكُفَّارِ فَقَالَ: أَفَرِحْتُمْ لِظُهُورِ إِخْوَانِكُمْ عَلَى إِخْوَانِنَا فَلا تَفْرَحُوا وَلا يُقِرُّ اللَّهُ أَعْيُنَكُمْ لَيُظْهِرَنَّ اللَّهُ الرُّومَ عَلَى فَارِسَ، أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ نَبِيُّ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ: كَذَبْتَ يَا أبا فصيل. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنْتَ أَكْذَبُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ. فَقَالَ:
أُنَاجِيكَ عَشْرَ قَلائِصَ مِنِّي وَعَشْرَ قَلائِصَ مِنْكَ إِلَى ثَلاثِ سِنِينَ. ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: نَاجَيْتُ عَدُوَّ اللَّهِ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ أن يظهر الله- عز وجل- الروم على فَارِسَ إِلَى ثَلاثِ سِنِينَ فَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا كَذَلِكَ ذَكَرْتُ لَكَ، إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ-: «بِضْعِ سِنِينَ» وَالْبِضْعُ مَا بَيْنَ الثَّلاثِ إِلَى التِّسْعِ فَاذْهَبْ فَزَايِدْهُمْ فِي الْخَطْرِ وَمَادِّهِمْ فِي الأَجَلِ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَلَقِيَ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ، فَقَالَ: لَعَلَّكَ نَدِمْتَ يَا أَبَا عَامِرٍ. قَالَ: فَقَالَ تَعَالَ أُزَايِدُكَ فِي الْخَطْرِ، وَأُمَادُّكُمْ فِي الأَجَلِ فَنَجْعَلُهَا مِائَةَ قَلُوصٍ إِلَى تِسْعِ سِنِينَ. قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ. قَالَ: وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بِفَارِسَ لا تَلِدُ إِلا مُلُوكًا أَبْطَالا، فدعاها كسرى. فقال: إنى أريد أن أبعت إِلَى الرُّومِ جَيْشًا وَأَسْتَعْمِلُ رَجُلا مِنْ بَنِيكِ فَأَشِيرِي عَلَيَّ أَيَّهُمْ أَسْتَعْمِلُ فَقَالَتْ:
هَذَا فُلانٌ وَسَمَّتْهُ وَهُوَ أَرْوَغُ مِنْ ثَعْلَبٍ وَأَجْبَنُ مِنْ صقر، وهذا الفرخان وهو أنفذ من السنان، وهذا شهر بران وَهُوَ «أَحْلَمُ» «1» مِنَ الأَرْزَانِ فَاسْتَعْمِلْ أَيَّهُمْ شِئْتَ.
قال: إنى أستعمل الحليم فبعث «شهر بران» «2» على الجيش فسار إلى الروم أَرْضِ فَارِسَ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ وَخَرَّبَ مَدَائِنَهُمْ وَقَطَعَ زَيْتُونَهُمْ، فَلَمَّا ظَهَرَتْ فَارِسُ عَلَى الرُّومِ جَلَسَ الْفَرُّخَانُ يَشْرُبُ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: قَدْ رَأَيْتُ فِي المنام أنى جالس على سرير
__________
(1) فى أ: أعلم، وفى ف: أحلم.
(2) فى أ: شهر بزان، وفى ز: شهر بران.(3/403)
كِسْرَى فَعَمِدَ الْمُلاقُونَ الْمُبَلِّغُونَ بِالأَحَادِيثِ فَكَتَبُوا إِلَى كِسْرَى أَنَّ عَبْدَكَ الْفَرُّخَانَ يَتَمَنَّى فِي الْمَنَامِ أَنْ يَقْعُدَ عَلَى سَرِيرِكَ فَكَتَبَ كِسْرَى إِلَى شهر بران إِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَابْعَثْ بِرَأْسِ أَخِيكَ الفرخان فكتب إليه شهر بران أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّ الْفَرُّخَانَ لَهُ صَوْلَةٌ وَنِكَايَةٌ فِي الْعَدُوِّ فَلا تَفْعَلْ فَكَتَبَ إِلَيْهِ كِسْرَى إِنَّ فِي رِجَالِ فَارِسَ مِنْهُ خَلَفًا وَبَدَلا فَعَجِّلْ عَلَيَّ بِرَأْسِهِ فَرَاجَعَهُ. فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ مِنَ الْفَرُّخَانِ بَدَلا صَوْلَةً وَنِكَايَةً، فَغَضِبَ كِسْرَى فَلَمْ يُجِبْهُ وَبَعَثَ «بَرِيدًا» «1» إِلَى أَهْلِ فَارِسَ الَّذِينَ بِالرُّومِ: إِنِّي قَدْ نزعت عنكم «شهر بران» «2» وَاسْتَعْمَلْتُ عَلَيْكُمُ الْفَرُّخَانَ وَدَفَعَ إِلَى صَاحِبِ الْبَرِيدِ صحيفة صغيرة [76 ب] فَقَالَ إِذَا وُلِّيَ الْفَرُّخَانُ وَانْقَادَ لَهُ أَخُوهُ فادفع إليه الصحيفة. فلما قرأ شهر بران الْكِتَابَ قَالَ: «سَمْعًا» «3» وَطَاعَةً وَوَضَعَ تَاجَهُ عَلَى رأس أخيه ونزل على سَرِيرِهِ وَجَلَسَ عَلَيْهِ الْفَرُّخَانُ وَدَفَعَ الرَّسُولُ الصَّحِيفَةَ إليه فقال: ائتوني «بشهر بران» «4» فأتى به ليضرب عنقه فقال شهر بران لا تَعْجَلْ حَتَّى أَكْتُبَ وَصِيَّتِي قَالَ: فَكَتَبَهَا فدعا بسفط فِيهِ ثَلاثُ صَحَائِفَ.
وَقَالَ: وَيْحَكَ أَنْتَ ابْنُ أُمِّي وَأَبِي وَهَذِهِ ثَلاثُ صَحَائِفَ جَاءَتْنِي فِي قَتْلِكَ فَرَاجَعْتُ فِيكَ كِسْرَى ثَلاثَ مَرَّاتٍ. فَقَالَ الْفَرُّخَانُ: أُمُّنَا وَاللَّهِ كَانَتْ أَعْرَفَ بِنَا، أَنْتَ «أحلم» «5» من الأرزق حِينَ رَاجَعْتَ فِيَّ ثَلاثَ مَرَّاتٍ وَأَنَا أَنْفَذُ مِنَ السِّنَانِ حِينَ أَرَدْتُ قَتْلَكَ بِكِتَابٍ وَاحِدٍ ثُمَّ رَدَّ الْمُلْكَ إِلَى أَخِيهِ وَكَانَ أَكْبَرَ منه فكتب شهر بران
__________
(1) فى أ: يريد، وفى ز: بريدا.
(2) فى أ: شهر بزان، وفى ز: شهر بران.
(3) فى أ: سمع، وفى ز: سمعا.
(4) فى أ: بشهر بزان، وفى ز: بشهر بران.
(5) فى ف: أحلم، وفى أ: أعلم، وفى ز: أحلم.(3/404)
إِلَى قَيْصَرَ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً لا تَحْمِلُهَا الْبُرُدُ «1» وَلا تَبْلُغُهَا الصُّحُفُ فَالْقَنِي وَلا تَلْقَنِي إِلا فِي خَمْسِينَ رُومِيًّا فَإِنِّي أَلْقَاكَ فى خمسين فارسيا فأقبل قيصر فى خمسمائة أَلْفِ رُومِيٍّ فَجَعَلَ يَبُثُّهُمْ فِي الطُّرُقِ وَبَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْعُيُونَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ مَكْرًا مِنْهُ حَتَّى أَتَتْهُ عُيُونُهُ أَنْ لَيْسَ مَعَهُ إِلا خَمْسِينَ رَجُلا ثُمَّ بُسِطَتْ لَهُمْ «بُسُطٌ» «2» فَمَشَيَا عَلَيْهَا وَنَزَلا عَنْ بِرْذَوْنَيْهِمَا إِلَى قُبَّةٍ من ديباج ضربت «لهما» «3» عراها ذهب وَأَزْرَارُهَا فِضَّةٌ وَأَطْنَابُهَا إِبْرِيسِمُ مَعَ أَحَدِهِمَا سِكِّينٌ نصلبها زُمُرُّدٌ أَخْضَرُ وَقِرَابُهَا مِنْ ذَهَبٍ وَمَعَ الآخَرِ سكين نصابها من فارهرة خَضْرَاءَ وَقِرَابُهَا مِنْ ذَهَبٍ وَدَعَوْا تَرْجُمَانًا بَيْنَهُمَا فقال شهر بران لِقَيْصَرَ: إِنَّ الَّذِينَ كَسَرُوا شَوْكَتَكَ وَأَطْفَئُوا جَمْرَتَكَ وَخَرَّبُوا مَدَائِنَكَ وَقَطَّعُوا شَجَرَكَ أَنَا وَأَخِي بِكَيْدِنَا وَشَجَاعَتِنَا وَإِنَّ كِسْرَى حَسَدَنَا عَلَى ذَلِكَ وَأَرَادَنِي عَلَى قَتْلِ أَخِي وَأَرَادَ أَخِي عَلَى قَتْلِي فَأَبَيْنَا فَخَالَفْنَاهُ جَمِيعًا فَنَحْنُ نُقَاتِلُهُ مَعَكَ فَقَالَ: أَصَبْتُمَا فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا إِلَى الآخَرِ السِّرُّ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَإِذَا جَاوَزَهُمَا فَشَا فَقَتَلا التَّرْجُمَانَ بِسِكِّينَيْهِمَا وَأَهْلَكَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- كِسْرَى وَجَاءَ الْخَبَرُ إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فَفَرِحَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن معه «بظهور الروم» «4» وبأخذ الحظ فَذَلِكَ قَوْلُهُ- عَزَّ وَجَلَّ-.
«وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ»
«5» .
__________
(1) البرد جمع بريد.
(2) «بسط» : زيادة اقتضاها السياق. [.....]
(3) فى ز: «لهما البردانيك» وفى أ: لهما الدرابيك.
(4) فى أ: «بذلك من ظهور الروم» ، وفى ز: «بظهور الروم» .
(5) سورة الروم: 3.(3/405)
بسم الله الرحمن الرحيم «1» سورة الروم «2» الم- 1- غُلِبَتِ الرُّومُ- 2- وذلك أن أهل فارس غلبوا على الروم فِي أَدْنَى الْأَرْضِ يعني أرض الأردن وفلسطين، ثم قال- عز وجل-:
وَهُمْ يعني الروم مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ- 3- أهل فارس فِي بِضْعِ سِنِينَ «يعني خمس سنين أو سبع سنين إلى تسع» «3» لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ حين ظهرت «4» فارس على الروم وَمِنْ بَعْدُ ما ظهرت الروم على فارس وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ- 4- وذلك أن فارس غلبت الروم ففرح بذلك كفار مكة فقالوا: إن فارس ليس لهم كتاب ونحن منهم وقد غلبوا أهل الروم وهم أهل كتاب قبلكم فنحن أيضا نغلبكم كما غلبت فارس الروم. فخاطرهم أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- على أن يظهر الله- عز وجل- الروم على فارس فلما كان يوم بدر غلب
__________
(1) النسخة ز، كررت البسملة فى أول سورة الروم. المرة الأولى فى المقدمة التي ذكر فيها مخاطرة أبى بكر وأخذه الخطر. والمرة الثانية عند بدء التفسير قالت بسم الله الرحمن الرحيم.
سورة الروم مكية.
(2) من ز وحدها.
(3) فى أ: يعنى خمس أو سبع سنين إلى تسع، وفى ز: يعنى خمس سنين أو سبع.
(4) فى أ: ظهر، وفى ز: ظهرت.(3/406)
المسلمون كفار مكة وأتى المسلمين الخير بعد ذلك والنبي- صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون بالحديبية أن الروم قد غلبوا أهل فارس ففرح المسلمون بذلك، فذلك قوله- تبارك وتعالى-: «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ» بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ فنصر الله- عز وجل- الروم على فارس، ونصر المؤمنين على المشركين يوم بدر، قال أبو محمد: سألت أبا العباس ثعلب عن البضع والنيف، فقال: البضع من ثلاث إلى تسع والنيف من واحد إلى خمسة، وربما أدخلت كل واحدة على صاحبتها فتجوز مجازها، فأخذ أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- الخطر من صفوان بن أمية والنبي- صلى الله عليه وسلم- بالحديبية مقيم حين صده المشركون عن دخول مكة وَهُوَ الْعَزِيزُ يعني المنيع في ملكه الرَّحِيمُ- 5- بالمؤمنين حين نصرهم وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وذلك أن الله- عز وجل- وعد المؤمنين فى أول السورة أن يظهر الروم على فارس حين قال- تعالى-:
«وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ» «1» على أهل فارس، وذلك قوله- عز وجل-:
«وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ» بأن الروم تظهر على فارس وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ- 6- يعني كفار مكة يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا يعني «2» حرفتهم وحيلتهم ومتى يدرك زرعهم «3» ، وما يصلحهم في معايشهم لصلاح دنياهم وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ- 7- حين لا يؤمنون بها، ثم وعظهم
__________
(1) سورة الروم: 2.
(2) فى أ: حين، وفى ف: يعنى، وفى ز: يعنى.
(3) فى أ: ومتى زرعهم، وفى ف، ز، وفى ل: ومتى يدرك زرعهم.(3/407)
ليعتبروا فقال- تعالى-: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ يقول- سبحانه- لم يخلقهما عبثا لغير شيء خلقهما لأمر هو كائن وَأَجَلٍ مُسَمًّى يقول السموات والأرض لهما أجل ينتهيان إليه يعني يوم القيامة وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ يعني- عز وجل- كفار مكة بِلِقاءِ رَبِّهِمْ بالبعث بعد الموت لَكافِرُونَ- 8- لا يؤمنون أنه كائن، ثم خوفهم فقال- عز وجل-: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ [77 ب] فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني الأمم الخالية فكان عاقبتهم العذاب في الدنيا كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ من أهل مكة قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها يعني وعاشوا في الأرض أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها أكثر مما عاش فيها كفار مكة وَجاءَتْهُمْ يعنى الأمم الخالية رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ يعني أخبرتهم بأمر العذاب فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ فيعذبهم على غير ذنب وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ- 9- ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا يعني أشركوا السُّواى بعد العذاب في الدنيا أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ يعنى بأن كذبوا بالعذاب بأنه ليس بنازل بهم في الدنيا وَكانُوا بِها يعنى بالعذاب يَسْتَهْزِؤُنَ- 10- تكذيبا به أنه لا يكون، ثم قال- سبحانه-: اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ يقول الله بدأ الناس فخلقهم، ثم يعيدهم في الآخرة بعد الموت أحياء كما كانوا ثُمَّ إِلَيْهِ «تُرْجَعُونَ» «1» - 11- في الآخرة، فيجزيهم بأعمالهم وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يعنى يوم القيامة يُبْلِسُ يعني ييأس الْمُجْرِمُونَ- 12- يعني كفار مكة من شفاعة الملائكة وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ من الملائكة شُفَعاءُ
__________
(1) فى أ: يرجعون.(3/408)
فيشفعوا لهم وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ- 13- يعني تبرأت الملائكة ممن كان يعبدها وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يوم القيامة يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ- 14- بعد الحساب إلى الجنة وإلى النار فلا يجتمعون أبدا، ثم أخبر بمنزلة الفريقين جميعا فقال- سبحانه-: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ- 15- يعني في بساتين يكرمون وينعمون فيها وهي الجنة وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله- عز وجل- وَكَذَّبُوا بِآياتِنا يعنى القرآن وَلِقاءِ الْآخِرَةِ يعنى البعث فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ- 16- فَسُبْحانَ اللَّهِ يعني فصلوا لله- عز وجل- حِينَ تُمْسُونَ يعني صلاة المغرب وصلاة «العشاء» «1» وَحِينَ تُصْبِحُونَ- 17- يعنى صلاة الفجر وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ «2» يحمده الملائكة في السموات ويحمده المؤمنون في الأرض وَعَشِيًّا يعني صلاة العصر وَحِينَ تُظْهِرُونَ- 18- يعني صلاة الأولى، يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ يقول يخرج الناس والدواب والطير من النطف وهي ميتة وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ يعني النطف مِنَ الْحَيِّ يعني من الناس والدواب والطير وَيُحْيِ الْأَرْضَ بالماء بَعْدَ مَوْتِها فينبت العشب فذلك حياتها، ثم قال:
وَكَذلِكَ يعني وهكذا تُخْرَجُونَ- 19- يا بني آدم من الأرض يوم القيامة بالماء كما يخرج العشب من الأرض بالماء، وذلك [78 أ] أن الله- عز وجل- يرسل يوم القيامة ماء «الحيوان» «3» من السماء السابعة من البحر
__________
(1) فى أ: العشى، وفى حاشية أ: العشاء.
(2) هذه الآية ذكر تفسير آخرها قبل أولها ففسرت هكذا «وعشيا وحين تظهرون وله الحمد فى السموات والأرض» .
(3) فى أ: الحيوان، وفى حاشية أ: الحياة محمد، وفى ز: الحيوان. [.....](3/409)
المسجور على الأرض بين النفختين فتنبت عظام الخلق ولحومهم وجلودهم كما ينبت العشب من الأرض وَمِنْ آياتِهِ يعني ومن علامات ربكم أنه واحد- عز وجل- وإن لم تروه فاعرفوا توحيده بصنعه أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ يعنى آدم- صلى الله عليه- خلقه من طين ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ يعني ذرية آدم بشر تَنْتَشِرُونَ- 20- في الأرض يعني «تتبسطون» «1» في الأرض كقوله- سبحانه-: « ... وَيَنْشُرُ ... » «2» يعنى ويبسط رحمته وَمِنْ آياتِهِ يعني علاماته أن تعرفوا توحيده وإن لم تروه أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ يعني بعضكم من بعض أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ وبين أزواجكم مَوَدَّةً يعني الحب وَرَحْمَةً ليس بينها وبينه رحم إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ يعني إن في هذا الذي ذكر لعبرة لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ- 21- فيعتبرون في توحيد الله- عز وجل- وَمِنْ آياتِهِ يعني ومن علامة «3» الرب- عز وجل- أنه واحد فتعرفوا «4» توحيده بصنعه أن خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وأنتم تعلمون ذلك، كقوله- سبحانه-: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ... » «5» وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ عربي وعجمي وغيره وَاختلاف أَلْوانِكُمْ أبيض وأحمر وأسود إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ يعني إن في هذا الذي ذكر لعبرة لِلْعالِمِينَ في توحيد الله- عز وجل- وَمِنْ آياتِهِ يعني ومن علامات الرب- تعالى- أن يعرف توحيده بصنعه
__________
(1) فى أ: تنبسطون، وفى ز: تتبسطون.
(2) سورة الشورى: 28.
(3) فى أ: علامته، ز: علامة.
(4) فى أ: فتعرفون، ز: فتعرفوا.
(5) سورة الزمر: 38.(3/410)
مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ يعنى النوم، ثم قال: وَب النَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ يعني الرزق إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ يعني إن في هذا الذي ذكر لعبرة لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ- 23- المواعظ فيوحدون ربهم- عز وجل- وَمِنْ آياتِهِ يعني ومن علاماته أن تعرفوا توحيد الرب- جل جلاله- بصنعه وإن لم تروه يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً «من الصواعق لمن كان بأرض» «1» نظيرها في الرعد «2» وَطَمَعاً في رحمته يعني المطر وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً يعنى المطر فَيُحْيِي بِهِ بالمطر الْأَرْضَ بالنبات بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ يعني- عز وجل- في هذا الذي ذكر لَآياتٍ يعنى لعبرة لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ- 24- عن الله- عز وجل- فيوحدونه وَمِنْ آياتِهِ يعني علاماته أن تعرفوا توحيد الله- تعالى- بصنعه أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ يعني السموات السبع والأرضين السبع قال ابن مسعود قامتا على غير عمد بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ يدعو إسرافيل- صلى الله عليه وسلم- من صخرة بيت المقدس فى الصور [78 ب] عن أمر الله- عز وجل- «دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ» «3» - 25- وفى هذا كله الذي ذكره من صنعه، «عبرة وتفكرا» «4» في توحيد الله- عز وجل- ثم عظم نفسه- تعالى ذكره- فقال: وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ من الملائكة وَمن فى الْأَرْضِ من الإنس والجن ومن
__________
(1) كذا فى أ، ل، ف.
وفى ز: لمن كان بأرض فى، ولعل أصله: لمن كان بأرض فيه الصواعق.
(2) سورة الرعد: 12، وتمامها «هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ» .
(3) وردت فى أ، ل، ز، ف: «دعوة إذا أنتم تخرجون من الأرض» فى التقديم.
(4) فى أ: «عبرة وتفكر» ، ز: «عبرة وتفكرا» .(3/411)
يعبد من دون الله- عز وجل- كلهم عبيده وفي ملكه، قال- سبحانه-:
كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ- 26- يعني كل ما فيهما من الخلق لله «قانتون» يعني مقرون بالعبودية له يعلمون أن الله- جل جلاله- ربهم وهو خلقهم ولم يكونوا شيئا ثم يعيدهم، ثم يبعثهم في الآخرة أحياء بعد موتهم كما كانوا، ثم قال- عز وجل-: «وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ» «1» وهو الذي بدأ الخلق، يعني خلق آدم، فبدأ خلقهم ولم يكونوا شيئا ثم يعيدهم، يعني يبعثهم في الآخرة أحياء بعد موتهم كما كانوا «2» . وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ يقول البعث أيسر عليه عندكم، يا معشر الكفار، في المثل من الخلق الأول حين بدأ خلقهم نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما ثم لحما، فذلك قوله- عز وجل-: وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فإنه- تبارك وتعالى- رب واحد لا شريك له وَهُوَ الْعَزِيزُ في ملكه لقولهم إن الله- عز وجل- لا يقدر على البعث الْحَكِيمُ- 27- في أمره حكم البعث ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ نزلت في كفار قريش وذلك أنهم كانوا يقولون في إحرامهم «لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك» فقال- تعالى-: «ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ» يقول وصف لكم يا معشر الأحرار، من كفار قريش مثلا يعني شبها من عبيدكم هَلْ لَكُمْ استفهام مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ من العبيد مِنْ شُرَكاءَ فِي مَا رَزَقْناكُمْ من الأموال فَأَنْتُمْ وعبيدكم فِيهِ سَواءٌ في الرزق، ثم قال: تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ يقول- عز وجل- تخافون عبيدكم أن يرثوكم بعد الموت كما تخافون أن يرثكم الأحرار من أوليائكم،
فقالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- لا، قال لهم
__________
(1) ما بين القوسين « ... » : ساقط من أ، ل، والتفسير مذكور، فى ز، دون نص القرآن.
(2) من، وحدها.(3/412)
النبي- صلى الله عليه وسلم-: أفترضون لله- عز وجل- الشركة في ملكه وتكرهون الشرك في أموالكم فسكتوا ولم يجيبوا النبي- صلى الله عليه وسلم-.
إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك، يعنون الملائكة. قال: فكما لا تخافون أن يرثكم عبيدكم فكذلك ليس لله- عز وجل- شريك
كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ يعنى هكذا نبين الآيات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ- 28- عن الله- عز وجل- الأمثال فيوحدونه، ثم ذكرهم «1» فقال- سبحانه- بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ يعلمونه بأن معه شريكا فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ يقول فمن يهدي إلى توحيد الله من قد أضله الله- عز وجل- عنه وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ- 29-[79 أ] يعنى مانعين من الله- عز وجل-، ثم قال للنبي- صلى الله عليه وسلم- إن لم يوحد كفار مكة ربهم فوحد أنت ربك يا محمد فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ يعني فأخلص دينك الإسلام لله- عز وجل- حَنِيفاً يعني مخلصا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها يعني ملة الإسلام التوحيد الذي خلقهم عليه ثم أخذ الميثاق مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ «2» « ... وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ... «3» » ربنا، وأقروا له بالربوبية والمعرفة له- تبارك وتعالى- ثم قال- سبحانه- لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ يقول لا تحويل لدين الله- عز وجل- الإسلام يعنى التوحيد ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ يعنى التوحيد وهو الدين
__________
(1) كذا فى أ، ز: ذكرهم بدون تشديد الكاف.
(2) فى أ: ذرياتهم، ز: ذريتهم.
(3) يشير إلى الآية 72 امن سورة الأعراف وهي «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ» . [.....](3/413)
المستقيم وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يعني كفار مكة لا يَعْلَمُونَ- 30- توحيد الله- عز وجل- ثم أمرهم بالإنابة إليه من الكفر وأمرهم بالصلاة فقال- عز وجل- مُنِيبِينَ إِلَيْهِ يقول راجعين إليه من الكفر إلى التوحيد لله- تعالى ذكره- «وَاتَّقُوهُ» «1» يعني واخشوه وَأَقِيمُوا «2» يعني وأتموا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ- 31- يقول لكفار مكة كونوا من الموحدين لله- عز وجل- ولا تكونوا مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ يعني أهل الأديان فرقوا دينهم الإسلام وَكانُوا شِيَعاً يعني أحزابا في الدين يهود ونصارى ومجوس وغيره ونحو ذلك كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ- 32- كل أهل ملة بما عندهم من الدين راضون به وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ يعني كفار مكة ضر يعني السنين وهو الجوع يعني قحط المطر عليهم سبع سنين دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ يقول- عز وجل- راجعين إليه يدعونه أن يكشف عنهم الضر لقوله- تعالى- في «حم» الدخان:
«رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ» يعنى الجوع «إِنَّا مُؤْمِنُونَ» «3» ، قال- تعالى-:
ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً يعني إذا أعطاهم من عنده، نعمة يعني المطر إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ- 33- يقول تركوا توحيد ربهم في الرخاء وقد وحدوه في الضر لِيَكْفُرُوا «يعني لكي يكفروا» «4» «بِما آتَيْناهُمْ» «5» بالذي أعطيناهم من الخير
__________
(1) «واتقوه» ساقطة من أ، ز.
(2) فى أ، ز: «وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ» . وكثيرا ما يحدث تقديم وتأخير فى الآية القرآنية عند ذكرها وتفسيرها، وقد بذلت الجهد فى تصويب النص القرآنى. وبالله التوفيق.
(3) سورة الدخان: 12.
(4) «يعنى لكي يكفروا» : من ف وهي ممسوحة فى أ.
(5) «بما آتيناهم» : ساقطة من أ، ف، ز.(3/414)
لا تجري الأنهار، وأهل العمود «1» ، ثم قال: «ظَهَرَ الْفَسادُ» يعنى قحط المطر [80 أ] ونقص الثمار في البحر يعني في الريف يعني القرى حيث تجري فيها الأنهار «2» بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ من المعاصي يعني كفار مكة لِيُذِيقَهُمْ الله الجوع بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا يعني الكفر والتكذيب في السنين السبع لَعَلَّهُمْ يعني لكي يَرْجِعُونَ- 41- من الكفر إلى الإيمان، ثم خوفهم فقال- سبحانه-: «قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ» «3» يعني قبل كفار مكة من الأمم الخالية «4» كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ- 42- فكان عاقبتهم الهلاك في الدنيا، ثم قال: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ يعني فأخلص دينك للإسلام المستقيم فإن غير دين الإسلام ليس بمستقيم مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ يعنى يوم القيامة لا مَرَدَّ لَهُ يعني لا يقدر أحد على رد ذلك اليوم مِنَ اللَّهِ- عز وجل- يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ- 43- يعني بعد الحساب يتفرقون إلى الجنة وإلى النار مَنْ كَفَرَ بالله فَعَلَيْهِ إثم كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ- 44- يعنى
__________
(1) كذا فى أ، ز، والمراد أن القحط أصاب أهل العمود أى أهل الأعمدة والأبنية فى البر.
(2) كذا فى أ، ل، ز، ف.
وفى تفسير الجلالين، «ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ» يقحط المطر وقلة النبات «والبحر» أى البلاد التي على الأنهار بقلة مائها.
وفى تفسير البيضاوي «ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» كالجدب والموتان وكثرة الحرق والغرق وإخفاء الغاصة (كذا) ومحق البركات وكثرة المضار والضلالة والظلم وقيل المراد بالبحر قرى السواحل وقرى البحور.
(3) فى أ: «أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» وفى ز:
«سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين من قبلهم» وفى كلاهما تحريف للآية.
(4) من ز، وهي مضطربة فى أ.(3/417)
يقدمون لِيَجْزِيَ يعني لكي يجزي الله- عز وجل- في القيامة الَّذِينَ آمَنُوا بتوحيد الله- عز وجل- وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ- 45- بتوحيد الله- عز وجل- وَمِنْ آياتِهِ يعني ومن علاماته- عز وجل- وإن لم تروه أن تعرفوا توحيده بصنعه- عز وجل- أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ يعني يستبشر بها الناس رجاء المطر وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ يقول وليعطيكم من نعمته يعني المطر «وَلِتَجْرِيَ» «1» الْفُلْكُ فى البحر بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا في البحر مِنْ فَضْلِهِ يعني الرزق كل هذا بالرياح وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ- 46- رب هذه النعم فتوحدونه، ثم خوف كفار مكة لكي لا يكذبوا النبي- صلى الله عليه وآله وسلّم- فقال- سبحانه-: لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ
فأخبروا قومهم بالعذاب أنه نازل بهم في الدنيا إن لم يؤمنوا فكذبوهم بالعذاب أنه غير نازل بهم في الدنيا، فعذبهم الله- عز وجل- فذلك قوله- عز وجل-: انْتَقَمْنا
«2» بالعذاب نَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا
يعنى الذين أشركوا كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
- 47- يعني المصدقين للأنبياء- عليهم السلام-، بالعذاب «3» ، فكان نصرهم أن الله- عز وجل- أنجاهم من العذاب مع الرسل، ثُمّ أخبر عن صنعه ليعرف توحيده، فَقَالَ- عز وجل-: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً
__________
(1) فى ا: ولكي تجرى.
(2) من، وفى أ: « ... بالبينات» فأخبروا قومهم بالعذاب بأنه غير نازل بهم إن لم يؤمنوا فى الدنيا بتكذيبهم بالعذاب بأنه غير نازل بهم فى الدنيا فيعذبهم الله- عز وجل- فذلك قوله- سبحانه-: «فانتقمنا» .
(3) كذا فى أ، ز. والمعنى يصدق وقوع العذاب للكافرين.(3/418)
يقول يجعل الريح السحاب قطعا يحمل بعضها على بعض فيضمه ثم يبسط السحاب [80 ب] في السماء كيف يشاء الله- تعالى-، إن شاء بسطه على مسيرة يوم أو بعض يوم أو مسيرة أيام يمطرون، فذلك قوله- عز وجل- فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ يعني المطر يخرج مِنْ خِلالِهِ يعني من خلال السحاب فَإِذا أَصابَ بِهِ يعني بالمطر مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ- 48- يعني إذا هم يفرحون بالمطر عليهم وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ «عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ» «1» يعني من قبل نزول المطر في السنين السبع حين قحط عليهم المطر لَمُبْلِسِينَ- 49- يعني آيسين من المطر فَانْظُرْ يا محمد إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ يعنى النبت من آثار المطر كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها بالمطر فتنبت من بعد موتها حين لم يكن فيها نبت، ثم دل على نفسه فقال: إِنَّ ذلِكَ يقول إن هذا الذي فعل ما ترون لَمُحْيِ الْمَوْتى في الآخرة فلا تكذبوا بالبعث يعني كفار مكة، ثم قال- تعالى-:
وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ- 50- من البعث وغيره، ثم وعظهم ليعتبروا فقال- عز وجل-: وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً على هذا النبت الأخضر فَرَأَوْهُ النبت مُصْفَرًّا من البرد بعد الخضرة «لَظَلُّوا» «2» مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ- 51- «برب» «3» هذه النعم، ثم عاب كفار مكة فضرب لهم مثلا فقال- عز وجل-: فَإِنَّكَ يا محمد لا تُسْمِعُ الْمَوْتى النداء فشبه الكفار بالأموات يقول فكما لا يسمع الميت النداء فكذلك الكفار لا يسمعون
__________
(1) ما بين القوسين « ... » : ساقط من الأصل.
(2) فى: يعنى لمالوا، وفى حاشية ا: فى الأصل لمالوا، والمثبت من ا. [.....]
(3) فى الأصل: رب.(3/419)
الإيمان ولا يفقهون، ثم قال: وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ- 52- فشبهوا أيضا بالصم إذا ولوا مدبرين، يقول إن الأصم إذا ولى مدبرا ثم ناديته لا يسمع الدعاء، فكذلك الكافر لا يسمع الإيمان إذا دعى وَما أَنْتَ يعنى النبي- صلى الله عليه وسلم- بِهادِ الْعُمْيِ للإيمان يقول عموا عن الإيمان عَنْ ضَلالَتِهِمْ «يعني كفرهم الذي هم عليه» «1» ثم أخبر النبي- صلّى الله عليه وآله وسلّم- فمن يسمع الإيمان فقال- سبحانه-: «إِنْ تُسْمِعُ» «2» بالإيمان إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا يعني يصدق بالقرآن أنه جاء من الله- عز وجل-: فَهُمْ مُسْلِمُونَ- 53- يعنى فهم مخلصون بالتوحيد، ثم أخبرهم عن خلق أنفسهم ليتفكر المكذب بالبعث في خلق نفسه فقال- عز وجل-: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ يعني من نطفة ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً يعني شدة تمام خلقه ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً يقول فجعل من بعد قوة الشباب الهرم وَجعل شَيْبَةً يعنى الشمط يَخْلُقُ ما يَشاءُ يعني هكذا يشاء أن يخلق الإنسان «3» كما وصف خلقه [81 أ] ، ثم قال: وَهُوَ يعني الرب نفسه- جل جلاله- الْعَلِيمُ يعني العالم بالبعث الْقَدِيرُ- 54- يعني القادر عليه، ثم قال- عز وجل- وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يعني يوم القيامة يُقْسِمُ يعني يحلف الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا فى القبور غَيْرَ ساعَةٍ وذلك أنهم استقلوا ذلك، يقول الله- عز وجل-: كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ- 55- يقول هكذا كانوا يكذبون بالبعث في الدنيا كما كذبوا أنهم لم يلبثوا في قبورهم إلا ساعة
__________
(1) من ز، وفى أ: «يعنى كفرهم التي هم فيها» .
(2) من ز، وفى ا: «ولا تسمع» وفى حاشية ا: الآية «إن تسمع» .
(3) «الإنسان» من ز، وهي ساقطة من ا.(3/420)
«وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ» «1» للكفار يوم القيامة لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فهذا قول ملك الموت لهم في الآخرة، ثم قال: فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ الذي كنتم به تكذبون أنه غير كائن وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ- 56- كم لبثتم في القبور فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا يعنى أشركوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ- 57- فى الآخرة فيعتبون وَلَقَدْ ضَرَبْنا يعنى وصفنا وبينا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ يعني من كل شبه نظيرها في الزمر «2» وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ يا محمد بِآيَةٍ كما سأل كفار مكة لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ- 58- لقالوا ما أنت يا محمد لا كذاب وما هذه الآية من الله- عز وجل- كما كذبوا في انشقاق القمر حين قالوا: «هذا سحر» «3» كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ يقول هكذا يختم الله- عز وجل- بالكفر عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ- 59- توحيد الله- عز وجل-، فلما أخبرهم الله- عز وجل- بالعذاب أنه نازل بهم في الدنيا كذبوه فأنزل الله- تبارك وتعالى- فَاصْبِرْ يا محمد على تكذيبهم إياك بالعذاب يعزي نبيه- صلى الله عليه وسلم- ليصبر فقال: «فاصبر» إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ يعني صدق بالعذاب أنه نازل بهم في الدنيا فقالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-:
عجل لنا العذاب في الدنيا إن كنت صادقا. هذا قول النضر بن الحارث القرشي
__________
(1) فى ا، ز، اضطراب فى ترتيب الآية، ففيهما: «وقال الذين أوتوا العلم فى كتاب الله) وأوتوا «الإيمان» فيها تقديم للكافرين يوم القيامة «لقد لبثتم» فى القبور.
وقد صوبت الخطأ وأعدت ترتيب الآية كما وردت فى المصحف.
(2) من سورة الزمر: 27، وهي «وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» .
(3) سورة القمر: 2 وهي «وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ» .(3/421)
من بني عبد الدار بن قصي، فأنزل الله- تعالى-: وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ يعنى ولا يستفزنك في تعجيل العذاب بهم الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ بنزول العذاب عليهم في الدنيا فعذبهم الله- عز وجل- ببدر حين قتلهم وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم وعجل الله أرواحهم إلى النار فهم يعرضون عليها كل يوم طرفي النهار ما دامت الدنيا، «فقتل «1» » الله النضر بن الحارث ببدر وضرب عنقه علي بن أبي طالب- رضي الله عنه «2» .
__________
(1) فى أ، وفى ز: «فقتل» والأنسب «وقتل» .
(2) انتهى تفسير سورة الروم فى ا.
وفى ز، زيادة غربية عن التفسير تعادل صفحة واحدة، وقد تابعت أ، ل، ف فى تركها.(3/422)
سورة لقمان(3/423)
31 سورة اللقمان مكّية وآياتها أربع وثلاثون(3/425)
[سورة لقمان (31) : الآيات 1 الى 34]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (2) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)
خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (11) وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)
وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى مَا أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (20) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (21) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (24)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (25) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26) وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32) يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)(3/426)
سورة لقمان «1» سورة لقمان مكية وهي أربع «2» وثلاثون آية كوفية.
__________
(1) المقصود الإجمالى لسورة لقمان هو:
بشارة المؤمنين بنزول القرآن، والأمر بإقامة الصلاة وأداء الزكاة، والشكاية من قوم اشتغلوا بلهو الحديث، والشكاية عن المشركين فى الإعراض عن الحق، وإقامة الحجة عليهم، والمنة على لقمان بما أعطى من الحكمة، والوصية بير الوالدين ووصية لقمان لأولاده، والمنة بإسباغ النعمة، وإلزام الحجة على أهل الضلالة، وبيان أن كلمات القرآن بحور المعاني والحجة على حقيقة البعث والشكاية من المشركين بإقنالهم على الحق فى وقت المحنة. وإعراضهم عنه فى وقت النعمة، وتخويف الخلق بصعوبة القيامة وهو لها، وبيان أن خمسة علوم مما يختص به الرب الواحد- تعالى- فى قوله: «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» سورة لقمان: 34.
(2) فى أ: أربعة.
وفى المصحف (31) سورة لقمان مكية.
إلا الآيات 27، 28، 29 فمدنية.
وآياتها 34 نزلت بعد الصافات.(3/431)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم- 1- تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ- 2- يعني- عز وجل- المحكم من الباطل هُدىً من الضلالة وَرَحْمَةً من العذاب لِلْمُحْسِنِينَ- 3- يعني للمتقين، ثم نعتهم فقال- سبحانه-: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ يعني يتمون الصلاة كقوله- سبحانه: « ... فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ... » «1» وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ من أموالهم وَهُمْ بِالْآخِرَةِ يعني بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال هُمْ يُوقِنُونَ- 4- بأنه كائن أُولئِكَ الذين فعلوا ذلك عَلى هُدىً يعني بيان مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ- 5- وَمِنَ النَّاسِ يعني النضر بن الحارث مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ يعني باطل الحديث يقول باع القرآن بالحديث الباطل حديث رستم وأسفندباز، وزعم أن القرآن مثل حديث الأولين حديث رستم وأسفندباز لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني لكي يستنزل بحديث الباطل عن سبيل الله الإسلام بِغَيْرِ عِلْمٍ يعلمه وَيَتَّخِذَها هُزُواً يقول ويتخذ آيات القرآن استهزاء به مثل حديث رستم وأسفندباز وهو الذي قال: ما هذا القرآن إلا أساطير الأولين، وذلك أن النضر ابن الحارث قدم إلى الحيرة تاجرا فوجد حديث رستم وأسفندباز فاشتراه ثم أتى به أهل مكة فقال: محمد «2» . يحدثكم عن عاد وثمود وإنما هو مثل حديث رستم
__________
(1) سورة النساء: 103.
(2) فى ا: محمد- صلّى الله عليه وسلّم.(3/432)
وأسفندباز يقول الله- تعالى-: أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ- 6- يعني وجيعا، ثم أخبر عن النضر فقال- عز وجل-: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا يعني وإذا قرئ عليه القرآن وَلَّى مُسْتَكْبِراً يقول أعرض متكبرا عن الإيمان بالقرآن يقول: كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها يعني كأن لم يسمع آيات القرآن كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً يعني ثقلا كأنه أصم فلا يسمع القرآن فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ- 7- فقتل ببدر قتله علي بن أبي طالب- عليه السلام إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فى الآخرة لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ- 8- خالِدِينَ فِيها لا يموتون وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا يعني صدقا فإنه منجز لهم ما وعدهم وَهُوَ الْعَزِيزُ في ملكه الْحَكِيمُ- 9- حكم لهم الجنة خَلَقَ السَّماواتِ السبع بِغَيْرِ عَمَدٍ فيها تقديم تَرَوْنَها يقول هن قائمات ليس لهن عمد وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ يعني الجبال أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ يقول لئلا تزول بكم الأرض [82 أ] وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ يقول خلق في الأرض من كل دابة وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً يعنى المطر فَأَنْبَتْنا فِيها يقول فأجرينا بالماء في الأرض مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ- 10- يعني كل صنف من ألوان النبت حسن هذا «الذي ذكر» «1» خَلْقُ اللَّهِ- عز وجل- وصنعه فَأَرُونِي يعني كفار مكة ماذا خَلَقَ الَّذِينَ تدعون: يعني تعبدون مِنْ دُونِهِ يعني الملائكة نظيرها في سبأ والأحقاف، ثم استأنف الكلام بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ- 11-
__________
(1) «الذي ذكر» : ساقطة من ا. [.....](3/433)
يعنى المشركين في خسران بيّن وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أعطيناه العلم والفهم من غير نبوة فهذه نعمة فقلنا له: أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ- عز وجل- في نعمه فيما أعطاك من الحكمة وَمَنْ يَشْكُرْ لله- تعالى- في نعمه فيوحده فَإِنَّما يَشْكُرُ يعني فإنما يعمل الخير لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ النعم فلم يوحد ربه- عز وجل- فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عن عبادة خلقه حَمِيدٌ- 12- عن خلقه في سلطانه وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ واسم ابنه أنعم وَهُوَ يَعِظُهُ يعني- عز وجل- يؤدبه يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ معه غيره إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ- 13- كان ابنه وامرأته كفارا فما زال بهما حتى أسلما وزعموا أن لقمان كان ابن خالة أيوب- صلى الله عليه.
حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ قال: حدثني أبي قال: حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة بن دعامة قال: كان لقمان رجلا أفطس من أرض الحبشة. قال هذيل: ولم أسمع مُقَاتِلا.
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ سعد بن أبي وقاص بوالديه يعني أباه اسمه مالك وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف حَمَلَتْهُ أُمُّهُ حمنة وَهْناً عَلى وَهْنٍ يعني ضعفا على ضعف وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي يعنى لله- عز وجل- أن هداه للإسلام وَاشكر لِوالِدَيْكَ النعم فيما أولياك إِلَيَّ الْمَصِيرُ- 14- فأجزيك بعملك قال- تعالى-: وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ لا تعلم بأن معي شريكا فَلا تُطِعْهُما فى الشرك وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً يعنى بإحسان، ثم قال لسعد- رضى لله عنه-: وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ يعني دين من أقل(3/434)
إلي يعني النبي- صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «ثُمَّ» «1» إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ في الآخرة فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 15- وقال ابن لقمان أنعم لأبيه:
يا أبت، إن عملت بالخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمه الله- عز وجل- فرد عليه لقمان- عليه السلام-: يَا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ يعني وزن ذرة مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ التي في الأرض السفلى وهي خضراء مجوفة لها ثلاث شعب على لون السماء أَوْ تكن الحبة [82 ب] فِي السَّماواتِ السبع أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ يعنى بتلك الحبة إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ
باستخراجها خَبِيرٌ- 16- بمكانها يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ يعنى التوحيد وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ يعني الشر الذي لا يعرف وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ فيهما من الأذى إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ- 17- يقول إن ذلك الصبر على الأذى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حق الأمور التي أمر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بها وعزم عليها وَقال لقمان لابنه: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ يقول لا تعرض بوجهك عن فقراء الناس إذا كلموك فخرا بالخيلاء والعظمة «وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً» «2» إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ- 18- يعني- عز وجل- كل بطر مرح فخور في نعم الله- تعالى- لا يأخذها بالشكر وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ لا تختل في مشيك ولا تبطر حيث لا يحل وَاغْضُضْ يعني واخفض مِنْ صَوْتِكَ يعني من كلامك يأمر لقمان ابنه بالاقتصاد في المشي والمنطق ثم ضرب للصوت الرفيع «3» مثلا فقال- عز وجل-:
__________
(1) «ثم» : ساقطة من ا، ل، ف.
(2) «وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً» : ساقط من ا.
(3) كذا فى ا، ز.(3/435)
إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ- 19- يعني أقبح الأصوات لصوت الحمير، لشدة صوتهن «1» تقول العرب هذا أصوات الحمير، وهذا صوت الحمير وتقول هذا صوت الدجاج، وهذا أصوات الدجاج. وتقول هذا صوت النساء وأصوات النساء أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ يعنى الشمس والقمر والنجوم «2» والسحاب والرياح وَسخر لكم ما فِي الْأَرْضِ يعني الجبال والأنهار فيها السفن والأشجار والنبت عاما «3» بعام. ثم قال: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ يقول وأوسع عليكم نعمه ظاهِرَةً يعني تسوية الخلق والرزق والإسلام وَباطِنَةً يعني ما ستر من الذنوب من بني آدم فلم يعلم بها أحد ولم يعاقب فيها فهذا كله من النعم فالحمد لله على ذلك حمدا كثيرا ونسأله تمام النعمة في الدنيا والآخرة فإنه ولى كل حسنة وَمِنَ النَّاسِ يعني النضر بن الحارث مَنْ يُجادِلُ يعني يخاصم فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ يعلمه حين يزعم أن الله- عز وجل- البنات يعني الملائكة وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ- 20- يعني لا بيان معه من الله- عز وجل- يقول ولا كتاب مضيء له فيه حجة بأن الملائكة بنات الله- عز وجل- وَإِذا قِيلَ لَهُمُ يعنى للنضر اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ من الإيمان بالقرآن قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا من الدين، يقول الله- عز وجل-:
أَوَلَوْ كانَ يعني وإن كان الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ- 21-
__________
(1) فى أ، وفى ز: هذه الجملة فى آخر تفسير الآية.
(2) من ز. وفى ا: تقول العرب هذا صوت الحمير، وهذه أصوات الحمير وتقول هذا صوت الدجاج، وهذه أصوات الدجاج. وتقول هذا صوت النساء وهذه أصوات النساء.
(3) فى ا: عام.(3/436)
يعني الوقود يتبعونه يعني النضر بن الحارث مثله فى سورة الحج. ثم أخبر عن الموحدين فقال- سبحانه-: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ يقول من يخلص [83 أ] دينه لله كقوله- تعالى-: َ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ
«1» ... » يعني لكل أهل دين، ثم قال: وَهُوَ مُحْسِنٌ فى عمله فَقَدِ اسْتَمْسَكَ يقول فقد أخذ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى التي لا انفصام لها، لا انقطاع لها وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ- 22- يعني مصير أمور العباد إلى الله- عز وجل- في الآخرة فيجزيهم بأعمالهم وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ وذلك أن كفار مكة قالوا في «حم عسق» :
« ... افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً «2» ... » يعنون النبي- صلى الله عليه وسلم- حين يزعم أن القرآن جاء من الله- عز وجل- فشق على النبي- صلى الله عليه وسلم- قولهم وأحزنه فأنزل الله- عز وجل- «ومن كفر» بالقرآن «فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ» إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا من المعاصي إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ- 23- يقول إن الله- عز وجل- عالم بما في قلب محمد- صلى الله عليه وسلم- من الحزن بما قالوا له، ثم أخبر- عز وجل- عنهم فقال:
نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا فى الدنيا إلى آجالهم ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ نصيرهم إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ- 24- يعني شديد لا يفتر عنهم وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ يعنى ولكن أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ- 25- بتوحيد الله- عز وجل- ثم عظم نفسه- عز وجل- فقال:
لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من الخلق عبيده وفي ملكه إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ عن عبادة خلقه الْحَمِيدُ- 26- عند خلقه في سلطانه
__________
(1) سورة البقرة: 148.
(2) سورة الشورى: 24، ومنها «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ» .(3/437)
وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ يعني علم الله يقول لو أن كل شجرة ذات ساق على وجه الأرض بريت أقلا ما وكانت البحور السبعة مدادا «فكتب «1» بتلك» الأقلام وجميع خلق الله- عز وجل- يكتبون من البحور السبعة فكتبوا علم- الله تعالى- وعجائبه لنفدت تلك الأقلام وتلك البحور ولم ينفد علم الله وكلماته ولا عجائبه، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ في ملكه حَكِيمٌ- 27- في أمره يخبر الناس أن أحدا لا يدرك علمه مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ نزلت في أبي بن خلف، وأبي الأشدين واسمه أسيد بن كلدة «2» ومنبه ونبيه ابني الحجاج بن السباق بن حذيفة السهمي، كلهم من قريش وذلك أنهم قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: إن الله خلقنا أطوارا، نطفة، علقة، مضغة، عظاما، لحما، ثم تزعم أنا نبعث خلقا جديدا جميعا في ساعة واحدة، فقال الله- عز وجل- مَا خَلْقُكُمْ- أيها الناس- جميعا على الله- سبحانه- في القدرة- إلا كخلق نفس واحدة، وَلا بَعْثُكُمْ جميعا على الله- تعالى- إلا كبعث نفس واحدة إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ- 28- لما قالوا من الخلق والبعث أَلَمْ تَرَ يا محمد أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ يعني انتقاص كل واحد منهما من صاحبه [83 ب] حتى يصير أحدهما خمس عشرة ساعة والآخر سبع ساعات وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لبنى آدم كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ وهو الأجل ال مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ فيهما خَبِيرٌ- 29- ذلِكَ يقول هذا الذي ذكر من صنع الله والنهار والشمس والقمر بِأَنَّ اللَّهَ
__________
(1) فى أ: فكتبت، وفى ز: فكتبوا بتلك الأقلام من تلك البحور السبعة، وكتبوا علم الله وعجائبه لنفدت تلك الأقلام وتلك البحور ولم ينفد علم الله ولا عجائبه.
(2) من ز، وفى ا: وأبى الأسد بن أسيد بن خلف الجمحي.(3/438)
- جل جلاله- هُوَ الْحَقُّ وغير باطل يدل على توحيده بصنعه، ثم قال- تعالى-: وَأَنَّ ما يَدْعُونَ يعني يعبدون مِنْ دُونِهِ من الآلهة هُوَ الْباطِلُ لا تنفعكم عبادتهم وليس بشيء ثم عظم نفسه- عز وجل- فقال سبحانه: وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ يعني الرفيع فوق خلقه الْكَبِيرُ- 30- فلا أعظم منه، ثم ذكر توحيده وصنعه فقال- سبحانه-: أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ السفن تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بالرياح بِنِعْمَتِ اللَّهِ يعني برحمة الله- عز وجل- لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ يعني من علاماته وأنتم فيهن يعني ما ترون من صنعه وعجائبه في البحر والابتغاء فيه الرزق والحلي إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ترون في البحر لَآياتٍ يعني لعبرة لِكُلِّ صَبَّارٍ على أمر الله- عز وجل- عند البلاء في البحر شَكُورٍ- 31- لله- تعالى- في نعمه حين أنجاه من أهوال البحر، ثم قال- عز وجل-: وَإِذا غَشِيَهُمْ فى البحر مَوْجٌ كَالظُّلَلِ يعنى كالجبال دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ يعني موحدين له الدِّينَ يقول التوحيد فَلَمَّا نَجَّاهُمْ من البحر إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ يعني عدل في وفاء العهد في البر فيما عاهد الله- عز وجل- عليه في البحر من التوحيد «يعني» «1» المؤمن، ثم ذكر المشرك الذي وحد الله في البحر حين دعاه مخلصا ثم ترك التوحيد في البر ونقض العهد، فذلك قوله- عز وجل- وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا يعنى ترك العهد إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ يعني غدار بالعهد كَفُورٍ- 32- لله- عز وجل- في نعمه في تركه التوحيد في البر، يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ يقول- الله تعالى- وحدوا ربكم وَاخْشَوْا يَوْماً يخوفهم يوم القيامة لا يَجْزِي يعني لا يغنى والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ شيئا من المنفعة يعني الكفار وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ
__________
(1) «يعنى» : ساقطة من ا، وهي من ز(3/439)
يعنى «هو مغن» «1» عَنْ والِدِهِ شَيْئاً من المنفعة إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ في البعث أنه كائن فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا عن الإسلام وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ- 33- يعني الباطل وهو الشيطان يعني به إبليس إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ نزلت في رجل اسمه الوارث بن عمرو بن حارثة بن محارب من أهل البادية أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: إن أرضنا «أجدبت» «2» فمتى الغيث؟
وتركت امرأتي حبلى فماذا تلد؟ وقد علمت أين ولدت، فبأي أرض أموت؟
وقد علمت ما عملت اليوم، فما أعمل غدا؟ ومتى الساعة؟ فأنزل الله- تبارك وتعالى- في «مسألة» «3» المحاربي «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ» يعني يوم القيامة لا يعلمها غيره وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ يعنى المطر وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ ذكرا أو أنثى أو غير سوى وَما تَدْرِي نَفْسٌ بر وفاجر ماذا تَكْسِبُ غَداً من خير وشر وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ في سهل أو جبل في بر أو بحر إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ- 34- بهذا كله مما ذكر في هذه الآية.
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أين السائل عن الساعة؟
فقال المحاربي: هذا أنا ذا فقرأ عليه النبي- صلى الله عليه وسلم- هذه الآية.
__________
(1) فى أ، ل: «هو مغنى» ، وفى ز: «هو جاز» عن والده شيئا من المنفعة.
(2) فى أ: «جدبت» وفى ز: «أجدبت» .
(3) فى ا: «فى مسئلة» . [.....](3/440)
سورة السجدة(3/441)
(32) سورة السجدة مكّية وآياتها ثلاثون
[سورة السجده (32) : الآيات 1 الى 30]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4)
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (9)
وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)
إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (17) أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (19)
وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (23) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (24)
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (26) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (27) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (29)
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)(3/443)
سورة السجدة «1» سورة السجدة مكية «2» إلا آية واحدة نزلت بالمدينة في الأنصار وهي قوله- تعالى-: «تَتَجافى جُنُوبُهُمْ ... » «3» الآية.
وقال غير مُقَاتِلٍ: فيها ثلاث آيات مدنيات، وهي قوله- تعالى-:
«أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً ... » إلى قوله- تعالى- « ... يكذبون» «4» وعدد آياتها ثلاثون آية كوفية.
__________
(1) مقصود السورة.
المقصود الإجمالى لسورة السجدة هو:
تنزيل القرآن، وتخليق السماء والأرض، وخلق الخلائق وتخصيص الإنسان من بينهم، وتسليط ملك الموت على قبض الأرواح، وإهانة العاصين فى القيامة، وملء جهنم من أهل الإنكار والضلالة، وسجود العباد فى أجواف الليالي خضوعا لربهم، وأخبارهم بما ادخر لهم فى العقبى من أنواع الكرامة والتفريق بين الفاسقين والصادقين فى الجزاء والثواب فى يوم المآب، وتسلية النبي- صلى الله عليه وسلم- بتقرير أحوال الأنبياء الماضين، وتقرير حجة المنكر بن للوحدانية، وأمر الرسول بالإعراض عن مكافاة أهل الكفر وأمره بانتظار النصر بقوله: «فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ» سورة السجدة: 30.
(2) وفى المصحف (32) سورة السجدة مكية.
إلا من آية 16 إلى آية 20 فمدنية.
وآياتها 30 نزلت بعد سورة المؤمنين.
(3) آية: 16.
(4) وهي الآيات 16، 17، 18.(3/447)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم- 1- تَنْزِيلُ الْكِتابِ يعنى القرآن لا رَيْبَ فِيهِ يعني لا شك فيه أنه نزل مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ- 2- جل وعز- لقولهم: أَمْ يَقُولُونَ أنه افْتَراهُ محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من تلقاء نفسه فأكذبهم الله- تعالى- بَلْ هُوَ الْحَقُّ يعني القرآن مِنْ رَبِّكَ ولو لم يكن من ربك لم يكن حقا وكان باطلا لِتُنْذِرَ قَوْماً يعنى كفار قريش ما أَتاهُمْ يقول لم يأتهم مِنْ نَذِيرٍ يعني من رسول مِنْ قَبْلِكَ يا محمد لَعَلَّهُمْ يعني لكي يَهْتَدُونَ- 3- من الضلالة اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ يدل على نفسه- عز وجل- بصنعه وَما بَيْنَهُما يعني السحاب والرياح والجبال والشمس والقمر والنجوم فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ قبل خلق السموات والأرض وقبل كل شيء «ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ»
«1» مِنْ وَلِيٍّ يعني من قريب ينفعكم في الآخرة يعني كفار مكة وَلا شَفِيعٍ من الملائكة أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ- 4- فيما ذكر الله- عز وجل- من صنعه فتوحدونه، ثم قال- عز وجل-:
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يقول يفصل القضاء وحده مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ فينزل به جبريل- صلى الله عليه- ثُمَّ يَعْرُجُ يقول ثم يصعد الملك إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ واحد من أيام الدنيا كانَ مِقْدارُهُ أي مقدار ذلك اليوم أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ- 5- أنتم لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة، عام فذلك مسيرة
__________
(1) فى ا: من دون الله. وفى حاشية ا: الآية (دونه) .(3/448)
ألف سنة كل ذلك في يوم من أيام الدنيا ذلِكَ يعنى هذا الذي ذكر من هذه الأشياء عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ [84 ب] الْعَزِيزُ في ملكه الرَّحِيمُ- 6- بخلقه مثلها في يس « ... ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ» «1» ثم قال لنفسه- عز وجل-: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ يعني علم كيف يخلق الأشياء من غير أن يعلمه أحد وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ يعني آدم- عليه السلام- مِنْ طِينٍ- 7- كان أوله طينا، فلما نفخ فيه الروح صار لحما ودما ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ يعني ذرية آدم- عليه السلام- مِنْ سُلالَةٍ يعنى النطفة التي تسل من الإنسان مِنْ ماءٍ مَهِينٍ- 8- يعني بالماء النطفة، ويعني بالمهين الضعيف، ثم رجع إلى آدم في التقديم فقال- تعالى-: ثُمَّ سَوَّاهُ يعني ثم سوى خلقه وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ثم رجع إلى ذرية آدم- عليه السلام- فقال- سبحانه-: وَجَعَلَ لَكُمُ يعني ذرية آدم- عليه السلام- بعد النطفة السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ- 9- يعني بالقليل أنهم لا يشكرون رب هذه النعم في حسن خلقهم فيوحدونه. تقول العرب: «إنك لقليل الفهم» يعني لا يفهم ولا يفقه.
وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا يعنى هلكنا فِي الْأَرْضِ وكنا ترابا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ: إنا لمبعوثون خلقا جديدا بعد الموت يعنون البعث ويعنون كما كنا تكذيبا بالبعث «2» نزلت في أبي بن خلف، وأبي الأشدين اسمه أسيد بن كلدة ابن خلف الجمحي، ومنبه ونبيه ابني الحجاج يقول الله- عز وجل- بَلْ نبعثهم
__________
(1) سورة يس: 38، وفى ا: الرحيم.
(2) من ا. وفى ز: «وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ» يعنى هلكنا فى الأرض وكنا ترابا «أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ» بعد الموت يعنون البعث ونعود كما كنا تكذيبا بالبعث.(3/449)
نظيرها في «ق والقرآن» «1» ثم قال: هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يعني بالبعث كافِرُونَ- 10- لا يؤمنون قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ يزعمون أن اسمه عزرائيل وله أربعة أجنحة جناح بالمشرق، وجناح بالمغرب، وجناح له في أقصى العالم من حيث تجيء الريح الدبور، وجناح له في أقصى العالم من حيث تجيء الريح الصبا، ورجل له بالمشرق، ورجله الأخرى بالمغرب، والخلق بين رجليه ورأسه في السماء العليا وجسده كما بين السماء والأرض ووجهه «2» عند ستر الحجب ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ- 11- بعد الموت أحياء فيجزيكم بأعمالكم وَلَوْ تَرى يا محمد إِذِ الْمُجْرِمُونَ يعنى- عز وجل- كفار مكة ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا إلى الدنيا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ- 12- بالبعث يقول الله- جل ثناؤه-: وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا يعنى لأعطينا كُلَّ نَفْسٍ فاجرة هُداها يعنى بياتها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي يعني وجب العذاب مني لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ- 13- يعنى من كفار الإنس والجن جميعا والقول الذي وجب من الله- عز وجل- لقوله لإبليس يوم عصاه في السجود لآدم- عليه السلام- « ... لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ» «3» فإذا أدخلوا النار قالت الخزنة لهم: فَذُوقُوا العذاب بِما نَسِيتُمْ يعنى بما تركتم الإيمان ب لِقاءَ [85 ا] يَوْمِكُمْ هذا يعنى البعث إِنَّا نَسِيناكُمْ تقول الخزنة إنا تركناكم في العذاب وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ الذي لا ينقطع بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 14- من الكفر والتكذيب إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا يقول يصدق بآياتنا يعني القرآن الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها يعنى وعظوا بها يعنى بآياتنا القرآن
__________
(1) سورة ق: 1.
(2) فى ا: ونحو وجهه. ز: ووجهه.
(3) سورة ص: 85.(3/450)
خَرُّوا سُجَّداً على وجوههم وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وذكروا الله بأمره وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ- 15- يعني لا يتكبرون عن السجود كفعل كفار مكة حين تكبروا عن السجود تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ نزلت فى الأنصار «تتجافى جنوبهم» يعني كانوا يصلون بين المغرب والعشاء يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً من عذابه وَطَمَعاً يعني ورجاء في رحمته وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ من الأموال يُنْفِقُونَ- 16- في طاعة الله- عز وجل- ثم أخبر بما أعد «1» لهم، فقال: - عز وجل- فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ في جنات عدن مما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب قائل مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ- 17 به أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً وذلك
أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط من بني أمية أخو عثمان بن عفان- رضي الله عنه- من أمه قال لعلي بن أبي طالب- رضي الله عنه-:
اسكت فإنك صبي، وأنا أحد منك سنانا، وأبسط منك لسانا، وأكثر حشوا في الكتيبة منك. قال له علي- عليه السلام-: اسكت فأنت فاسق. فأنزل الله- جل ذكره-: «أَفَمَنْ كان مؤمنا» يعني عليا- عليه السلام كَمَنْ كانَ فاسِقاً يعنى الوليد لا يَسْتَوُونَ
- 18- أن يتوبوا من الفسق، ثم أخبر بمنازل المؤمنين وفساق الكفار في الآخرة، فقال ... سبحانه-: «أَمَّا الَّذِينَ» «2» آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ فى الآخرة جَنَّاتُ الْمَأْوى مأوى المؤمنين ويقال مأوى أرواح الشهداء نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ- 19- وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا يعني عصوا يعني الكفار فَمَأْواهُمُ يعني- عز وجل- فمصيرهم النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ وذلك أن جهنم
__________
(1) فى ا: ما أعد.
(2) فى ا: «فأما الذين» .(3/451)
إذا جاشت ألقت الناس في أعلى النار فيريدون الخروج فتتلقاهم الملائكة بالمقامع فيضربونهم فيهوي أحدهم من الضربة إلى قعرها وتقول الخزنة إذا ضربوهم ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ- 20- بالبعث وبالعذاب بأنه ليس كائنا ثم قال- عز وجل-: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ يعنى كفار مكة مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى يعني الجوع الذي أصابهم في السنين السبع بمكة حين أكلوا العظام والموتى والجيف والكلاب عقوبة بتكذيبهم النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم- قال-[85 ب] : دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ يعني القتل ببدر وهو أعظم من العذاب الذي أصابهم من الجوع لَعَلَّهُمْ يعني لكي يَرْجِعُونَ- 21- من الكفر إلى الإيمان وَمَنْ أَظْلَمُ يقول فلا أحد أظلم مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ يقول ممن وعظ بآيات القرآن ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها عن الإيمان إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ- 22- يعني كفار مكة نزلت في المطعمين والمستهزئين من قريش انتقم الله- عز وجل- منهم بالقتل ببدر، وضربت الملائكة الوجوه والأدبار، وتعجيل أرواحهم إلى النار وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يقول أعطينا موسى- صلى الله عليه وسلم- التوراة فَلا تَكُنْ يا محمد فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ يقول لا تكن في شك من لقاء موسى- عليه السّلام- التوراة فإن الله- عز وجل- ألقى الكتاب عليه يعنى التوراة حقا وَجَعَلْناهُ هُدىً يعني التوراة هدى لِبَنِي إِسْرائِيلَ- 23- من الضلالة وَجَعَلْنا مِنْهُمْ يعني من بني إسرائيل أَئِمَّةً يعني قادة إلى الخير يَهْدُونَ بِأَمْرِنا يعني يدعون الناس إلى أمر الله- عز وجل- لَمَّا صَبَرُوا يعني لما صبروا على البلاء حين كلفوا بمصر ما لم يطيقوا من العمل فعل ذلك بهم باتباعهم موسى على دين الله- عز وجل- قال- تعالى-: وَكانُوا بِآياتِنا يعني بالآيات التسع يُوقِنُونَ(3/452)
- 24- بأنها من الله- عز وجل- إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يعني يقضي بينهم يعني بني إسرائيل يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ من الدين يَخْتَلِفُونَ- 25- ثم خوف كفار مكة فقال- تعالى-: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ يعنى يبين لهم كَمْ أَهْلَكْنا بالعذاب مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يعنى الأمم الخالية يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ يقول يمرون على قراهم يعني قوم لوط، وصالح وهود، عليهم فيرون هلاكهم إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ يعنى لعبرة أَفَلا يَسْمَعُونَ- 26- الوعيد بالمواعظ، ثم وعظهم ليوحدوا فقال- سبحانه-: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ يعني الملساء ليس فيها نبت فَنُخْرِجُ بِهِ بالماء زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ- 27- هذه الأعاجيب فيوحدون ربهم- عز وجل- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ يعني القضاء وهو البعث إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 28- وذلك أن المؤمنين «قالوا إن لنا يوما» «1» نتنعم فيه ونستريح فقال كفار مكة: متى هذا الفتح إن كنتم صادقين؟ يعنون النبي- صلى الله عليه وسلم- وحده، تكذيبا بالبعث بأنه «ليس بكائن» «2» فإن كان البعث حقا صدقنا يومئذ فأنزل الله- تبارك وتعالى- قُلْ يا محمد يَوْمَ الْفَتْحِ يعني القضاء لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ بالبعث لقولهم للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن كان البعث الذي تقول حقا صدقنا يومئذ، فذلك قوله [86 أ]- عز وجل- «يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كفروا بالبعث» «3» لقولهم إن كان ذلك اليوم حقا صدقنا
__________
(1) من ز، وفى أ: قالوا لنا يوم.
(2) فى ا: ليس كائن. [.....]
(3) كذا فى ا، ز. وأعتقد أن أصله- بالبعث إيمانهم.(3/453)
وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ- 29- يقول لا يناظر بهم العذاب «حتى يقولوا» «1» فلما نزلت هذه الآية أراد النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يرسل «إليهم فيجزيهم وينبؤهم» «2» فأنزل الله- تبارك وتعالى- يعزي نبيه- صلى الله عليه وسلم- إلى مدة فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ بهم العذاب يعني القتل ببدر «إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ- 30- العذاب» «3» يعني القتل ببدر فقتلهم الله وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم وعجل الله أرواحهم إلى النار ثم إن آية السيف نسخت الإعراض «4» .
__________
(1) «حتى يقولوا» : من ا، وليست فى ز.
(2) فى ا: «فيجزيهم وينبؤهم» وليست فى ز.
(3) فى ز: «إنا منتظرون» بهم العذاب.
(4) ليست حقيقة النسخ واقعة هنا، فالإعراض كان فى مكة، والسيف كان فى المدينة، فهو من باب المنسأ الذي تأخر الأمر به إلى وقت الحاجة إليه.(3/454)
سورة الأحزاب(3/455)
(33) سورة الأحزاب مدنية وآياتها ثلاث وسبعون(3/457)
[سورة الأحزاب (33) : الآيات 1 الى 73]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3) مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5) النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (6) وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (7) لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (8) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9)
إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (12) وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلاَّ يَسِيراً (14)
وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلاً (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19)
يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ مَا قاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً (20) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاَّ إِيماناً وَتَسْلِيماً (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24)
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (27) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29)
يَا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31) يَا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34)
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (37) مَا كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (39)
مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (40) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (44)
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً (47) وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (48) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (49)
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللاَّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا مَا فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (50) تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (51) لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (52) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (54)
لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (55) إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (58) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59)
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (62) يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (64)
خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (66) وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (67) رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (69)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (73)(3/458)
سورة الأحزاب «1» سورة الأحزاب مدنية.
عدد آياتها ثلاث وسبعون آية كوفية «2» .
__________
(1) مقصود سورة الأحزاب المقصود الإجمالى لسورة الأحزاب هو:
الأمر بالتقوى، وأنه ليس فى صدر واحد قلبان وأن المتبنى ليس بمنزلة الابن، وأن النبي- صلى الله عليه وسلم- للمؤمنين بمكانة الوالد، وأزواجه الطاهرات بمكان الأمهات، وأخذ الميثاق على الأنبياء، والسؤال عن صدق الصادقين، وذكر حرب الأحزاب والشكاية من المنافقين وذم المعرضين، ووفاء الرجال بالعهد، ورد الكفار بغيظهم، وتخبر أمهات المؤمنين، ووعظهن ونصحهن وبيان شرف أهل البيت الطاهرين، ووعد المسلمين والمسلمات بالأجور الوافرة، وحديث تزويج زيد وزينب ورفع الحرج عن النبي- صلّى الله عليه وسلّم-، وختم الأنبياء به- عليه السّلام- والأمر بالذكر الكثير، والصلوات والتسليمات على المؤمنين، والمخاطبات الشريفة لسيدنا المصطفى- صلى الله عليه وسلّم- وبيان النكاح والطلاق والعدة، وخصائص النبي- صلّى الله عليه وسلّم- فى باب النكاح، وتخييره فى القسم بين الأزواج، والحجر عليه فى تبديلهن، ونهى الصحابة عن دخول حجرة النبي- صلّى الله عليه وسلّم- بغير إذن منه، وضرب الحجاب، ونهى المؤمنين عن تزوج أزواجه من بعده، والموافقة مع الملائكة فى الصلاة على النبي- صلّى الله عليه وسلّم- وتهديد المؤذين للنبي وللمؤمنين، وتعليم آداب النساء فى خروجهن من البيوت، وتهديد المنافقين فى إيقاع الأراجيف، وذل الكفار فى النار والنهى عن إيذاء الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- والأمر بالقول السديد، وبيان عرض الأمانة على السموات والأرض، وعذاب المنافقين، وتوبة المؤمنين فى قوله: «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ ... » الآية 72 إلى آخر السورة.
(2) فى المصحف: (33) سورة الأحزاب مدنية وآياتها 73 نزلت بعد سورة آل عمران.
وسميت سورة الأحزاب لاشتمالها على قصة حرب الأحزاب فى قوله: «يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا ... » الآية 20.(3/467)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وذلك
أن عبد الله بن أبي، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وطعمة بن أبيرق، وهم المنافقون كتبوا مع غلام لطعمة إلى مشركي مكة من قريش إلى أبي سفيان بن حرب، وعكرمة بن أبي جهل، وأبي الأعور رأس الأحزاب أن أقدموا علينا فسنكون لكم أعوانا فيما تريدون، وإن شئتم مكرنا بمحمد- صلى الله عليه وسلم- حتى يتبع دينكم الذي أنتم عليه فكتبوا إليهم: إنا لن نأتيكم حتى تأخذوا العهد والميثاق من محمد «1» فإنا نخشى أن يغدر بنا. «ثم نأتيكم فنقول» «2» وتقولون لعله يتبع ديننا فلما جاءهم الكتاب، انطلق هؤلاء المنافقون حتى أتوا النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالوا أتيناك في أمر أبي سفيان بن حرب، وأبي الأعور، وعكرمة بن أبي جهل أن تعطيهم العهد والميثاق على دمائهم وأموالهم فيأتون وتكلمهم لعل إلهك يهدي قلوبهم فلما رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذلك وكان حريصا على أن يؤمنوا أعطاهم الأمان من نفسه فكتب المنافقون إلى الكافرين من قريش أنَّا قد استمكنا من محمد- صلى الله عليه وسلم- ولقد أعطانا وإياكم الذي تريدون فأقبلوا على اسم اللات والعزى «لعلنا نزيله إلى ما نهواه» «3» ففرحوا بذلك ثم ركب كل رجل منهم راحلة
__________
(1) فى أزيادة: «صلّى الله عليه وسلّم» .
(2) فى ا، م: «فنقول ثم نأتيكم وتقولون» ، وهو خطأ فى النقل.
(3) فى ا: «لعلنا نزله إلى ما نهوى» .(3/468)
حتى أتوا المدينة فلما دخلوا على عبد الله بن أبي أنزلهم وأكرمهم ورحب بهم وقال أنا عند الذي يسركم «محمد أذن» «1» ولو قد سمع كلامنا وكلامكم لعله لا يعصينا فيما «نأمره» «2» فأبشروا واستعينوا آلهتكم عليه فإنها نعم العون لنا ولكم فلما رأوا ذلك منه قالوا أرسل إلى إخواننا فأرسل عبد الله بن أبي إلى طعمة وسعد أن إخواننا من أهل مكة قدموا علينا فلما أتاهم الرسول جاءوا فرحبوا بهم ولزم بعضهم بعضا من الفرح وهم قيام، ثم جلسوا يرون أن يستنزلوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- عن دينه.
فقال عبد الله بن أبي: أما أنا فأقول له ما تسمعون لا أعدوا ذلك ولا أزيد. أقول إنا- معشر الأنصار- لم نزل وإلهنا محمود بخير ونحن اليوم أفضل منذ أرسل إلينا محمد «3» ، ونحن كل يوم منه في مزيد، ونحن نرجو بعد اليوم من إله محمد «4» كل خير ولكن لو شاء محمد «5» «قبل أمرا كان» «6» يكون ما عاش لنا وله ذكر في الأولين الذين مضوا ويذهب ذكره في الآخرين على أن يقول إن اللات والعزى لهما شفاعة يوم القيامة ولهما ذكر ومنفعة على طاعتهما. هذا قولي له ... قال أبو سفيان: نخشى علينا وعليكم الغدر والقتل، فإن محمدا «7» زعموا أنه لن يبقى بها أحدا منا من شدة بغضه إيانا وإنا نخشى أن يكون يضمر لنا في نفسه ما كان لقي أصحابه يوم أحد. قال
__________
(1) فى ا، م: محمد- صلّى الله عليه وسلّم- إذا. وهو خطأ لا يستقيم معه الكلام. وقد جاء فى سورة التوبة: 61 «وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ ... »
(2) فى ا: نأمر به.
(3، 4، 5) فى ازيادة: «صلّى الله عليه وسلّم» .
(6) «قبل أمرا كان» ساقطة من ف. وفى ا: ولب، م: ولب. وقد غلب على ظني أنهما محرفتان عن قبل. فأثبت قبل ليستقيم المعنى. [.....]
(7) فى ازيادة: «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .(3/469)
عبد الله بن أبي: إنه إذا أعطى الأمان فإنه لن يغدر «1» ، هو أكرم من ذلك وأو فى بالعهد منا فلما أصبحوا أتوه فسلموا عليه فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: مرحبا بأبي سفيان اللهم اهد قلبه. فقال أبو سفيان: اللهم يسر الذي هو خير فجلسوا فتكلموا وعبد الله بن أبي، فقالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: ارفض ذكر اللات والعزة ومناة حجر يعبد بأرض هذيل وقل: إن لهما «2» شفاعة ومنفعة في الآخرة لمن عبدهما فنظر إليه النبي- صلى الله عليه وسلم- وشق عليه قولهم فَقَالَ عُمَر بن الخَطَّاب- رضوان اللَّه عَلَيْه «3» - ائذن لي «يا رسول الله» «4» في قتلهم. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: إني قد أعطيتهم العهد والميثاق.
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: لو شعرت أنكم تأتون لهذا من الحديث لما أعطيتهم الأمان. فقال أبو سفيان: ما بأس بهذا أن قوما استأنسوا إليك يا محمد ورجوا منك أمرا فأما إذا قطعت رجاءهم فإنه لا ينبغي لك أن تؤذيهم، وعليك باللين والتؤدة لإخوانك وأصحابك. فإن هذا من قوم أكرموك ونصروك وأعانوك ولولاهم لكنت مطلوبا مقتولا وكنت في الأرض خائفا لا يقبلك أحد. فزجرهم عُمَر بن الخَطَّاب- رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- فَقَالَ: اخرجوا في لعنة الله وغضبه فعليكم رجس الله وغضبه وعذابه ما أكثر شرككم وأقل خيركم وأبعدكم من الخير وأقربكم
__________
(1) فى ا: فإنه لم يغدركم وهو أكرم..- والخطأ ظاهر. لأنها واقعة فى جواب إذا، وإذا ظرف لما يستقبل من الزمان ولم حرف نفى وجزم وقلب يقلب معنى المضارع من الحال للماضي.
أما عبارة ف: فإنه لن يغدر فهي لنفى الغدر فى المستقبل وبها يستقيم المعنى.
(2) الضمير عائد على اللات والعزى، وفى سورة النجم: 19- 20 «أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى» .
(3) فى ف: «رضى الله عنه» .
(4) «يا رسول الله» : ساقطة من ا.(3/470)
من الشر فخرجوا من عنده، فأمر النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يخرجهم من المدينة «1» فقال بعضهم لبعض لا نخرج حتى يعطينا العهد إلى أن نرجع إلى بلادنا فأعطاهم النبي- صلى الله عليه وسلم- ذلك فنزلت فيهم «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ» يعني- تبارك وتعالى- أبا سفيان، وعكرمة، وأبا الأعور اسمه عمرو بن سفيان، ثم قال: «والمنافقين» يعني عبد الله بن أبي، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وطعمة بن أبيرق إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً- 1- فلما خرجوا من عنده قال النبي- صلى الله عليه وسلم-:
ما لهؤلاء؟ عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
وَاتَّبِعْ مَا يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعني ما في القرآن إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً- 2- وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وثق بالله فيما تسمع من الأذى وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا- 3- ناصرا ووليا ومانعا فلا أحد أمنع من الله- تعالى- وإنما نزلت فيها «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ» من أهل مكة «والمنافقين» من أهل المدينة يعنى هؤلاء النفر الستة المسلمين ودع أذاهم إياك لقولهم للنبي- صلى الله عليه وسلم- قل للآلهة شفاعة ومنفعة لمن عبدها «وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا» يعني مانعا فلا أحد أمنع من الله- عز وجل-.
ثم قال: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ نزلت فى «أبى» «2» معمر ابن أنس الفهري «كان» «3» رجلا حافظا لما سمع وأهدى الناس بالطريق وكان لبيبا
__________
(1) فى أ: قال. وهو خطأ فى النقل.
(2) فى ا: «ابن» وهو خطأ.
(3) فى ا: «وكان» . والواو زيادة من الناسخ.(3/471)
«فقالت» «1» قريش: «ما أحفظ أبا معمر» «2» إلا أنه ذو قلبين. فكان جميل يقول:
إن في جوفي قلبين أحدهما أعقل من محمد. فلما كان يوم بدر انهزم وأخذ نعله فى يده.
فقال له سفيان بن الحرث: أين تذهب يا جميل؟ تزعم أن لك قلبين أحدهما أعقل من محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ثُمّ قَالَ: وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ يعنى أوس ابن الصامت بن قيس بن الصامت الأنصاري من بني عوف بن الخزرج وامرأته خولة بنت قيس بن ثعلبة بن مالك بن أصرم بن حزامة من بنى عمرو بن عوف ابن الخزرج.
ثم قال: وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- تبنى زيد بن حارثة اتخذه ولدا فقال الناس زيد بن محمد فضرب الله- تعالى- لذلك مثلا للناس فقال: «مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ... » «وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ» «3» فكما لا يكون للرجل الواحد قلبان كذلك لا يكون دعِيّ الرجل ابنه يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- وزيد بن حارثة بن قرة بن شرحبيل الكلبي، من بني عبدود كان النبي- صلى الله عليه وسلم- تبناه فى الجاهلية وآخى بينه وبين حمزة ابن عبد المطلب- رضي الله عنهما- في الإسلام فجعل الفقير أخا الغني ليعود عليه.
فلما تزوج النبي- صلى الله عليه وسلم- زينب بنت جحش وكانت تحت زيد
__________
(1) فى ف: «قالت» بسقوط الفاء.
(2) فى ف: «ما حفظ أبو معمر» .
(3) «وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ» : ساقطة من ف.(3/472)
ابن حارثة، قالت اليهود والمنافقون: تزوج محمد «1» امرأة ابنه وهو ينهانا عن ذلك، فنزلت هذه الآية، فذلك قوله «سبحانه» «2» : «وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ» يعني دعِيّ النبي- صلى الله عليه وسلم- حين ادعى زيدا ولدا فقال هو ابني «أبناءكم» يقول لم يجعل أدعياءكم أبناءكم ثم قال: ذلِكُمْ الذي قلتم زيد بن «محمد» «3» هو قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ يقول إنكم قلتموه بألسنتكم وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ فيما قال من أمر زيد بن حارثة وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ- 4- يعني وهو يدل إلى طريق الحق ثم «أخبر» «4» كيف يقولون في أمر زيد بن حارثة فقال: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ يقول قولوا زيد بن حارثة ولا تنسبوه إلى غير أبيه هُوَ أَقْسَطُ يعنى أعدل عِنْدَ اللَّهِ فلما نزلت هذه الآية دعاه المسلمون إلى أبيه فقال زيد أنا ابن حارثة معروف نسبي فقال الله- تعالى-: فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ يقول فإن لم تعلموا لزيد أبا تنسبوه إليه فهو أخوكم في الدين ومولاكم يقول فلان مولى فلان وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ يعنى حرج فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ قبل النهي ونسبوه إلى غير أبيه وَلكِنْ الجناح فى «ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ» «5» بعد النهى وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً- 5- «غفورا» لما كان من قولهم قبل من أن زيد بن محمد- صلى الله عليه وسلّم- «رحيما» «6» فيما بقي. فقال رجل
__________
(1) فى ازيادة: «صلّى الله عليه وسلّم» .
(2) «سبحانه» : غير موجودة فى ف.
(3) فى ازيادة: «صلّى الله عليه وسلّم» . [.....]
(4) فى ا: «أخبر عنهم» .
(5) فى ف، ا: «ما تعمدت به قلوبكم» . بزيادة (به) عن نص القرآن.
(6) «رحيما» : ساقطة من ا.(3/473)
من المسلمين فى ذلك فأنزل الله- تعالى- النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ في الطاعة له مِنْ أَنْفُسِهِمْ يعني من بعضهم لبعض، فلما نزلت هذه الآية
قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «من ترك دينا فعليّ، ومن ترك كلا- يعني عيالا- فأنا أحق به، ومن ترك مالا فللورثة» .
ثم قال- عز وجل-: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ولا يحل لمسلم أن يتزوج من نساء النبي- صلى الله عليه وسلم- شيئا أبدا، ثم قال- عز وجل-: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ
يعني «في» «1» المواريث مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يعني الأنصار، ثم قال: وَالْمُهاجِرِينَ الذين هاجروا إليهم بالمدينة، وذلك أن الله- تعالى- أراد أن يحرض المؤمنين على الهجرة بالمواريث «فلما نزلت هذه الآية ورث المهاجرون بعضهم بعضا على القرابة. فإن كان مسلما لم يهاجر لم يرثه ابنه ولا أبوه ولا أخوه المهاجر، إذا مات أحدهما ولم يهاجر الآخر» «2» .
__________
(1) فى: ساقطة من ا.
(2) فى شرح هذه الآية اضطراب شديد فى النسخ.
أ- فى ف: «فلما نزلت هذه الآية ورث المهاجرون إذا مات أحدهم. ومن لم يهاجر فلا ميراث بينهم» .
ب- وفى ا: «فلما نزلت هذه الآية ورث المهاجرون بعضهم بعضا على القرابة فإن كان مسلما لم يهاجر لم يرثه ابنه ولا أبوه ولا أخوه والمهاجرين إذا مات أحدهما ولم يهاجر الآخر فلا ميراث بينهما» .
ج- وفى الأزهرية: «فإن كان مسلما لم يهاجر لم يرث ابنه ولا أبوه المهاجر إذا مات أحدهما ولم يهاجر الآخر» .
- وعبارة ف، موجزة ولعل شيئا سقط منها- وعبارة ا: غير مستقيمة.
- وعبارة الأزهرية فيها خطأ نحوي.
وقد أثبتها بعد إصلاحها.(3/474)
إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً يعني إلى أقربائكم أن توصوا لهم من الميراث للذين لم يهاجروا من المسلمين، كانوا بمكة أو بغيرها، ثم قال: كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً- 6- يعني مكتوبا في اللوح المحفوظ أن المؤمنين أولى ببعض في الميراث من الكفار «فلما كثر المهاجرون رد الله- عز وجل- المواريث على أولي الأرحام» «1» على كتاب الله في القسمة إن كان مهاجرا أو غير مهاجر فقال فى آخر الأنفال: « ... وَأُولُوا الْأَرْحامِ» من المسلمين «بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» مهاجر وغير مهاجر في الميراث «فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» «2» فنسخت الآية التي في الأنفال هذه الآية التي في الأحزاب.
وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ يا محمد وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فكان النبي- صلى الله عليه وسلم- أولهم في الميثاق وآخرهم في البعث، وذلك أن الله- تبارك وتعالى- خلق آدم- عليه السلام- وأخرج منه ذريته، فأخذ على ذريته من النبيين أن يعبدوه وَلا يشركوا به شيئا وأن يدعوا الناس إلى عبادة الله- عز وجل- وأن يصدق بعضهم بعضا «وأن ينصحوا لقومهم» «3» فذلك قوله- عز وجل-: وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً- 7- الذي أخذ عليهم فكل نبي بعثه الله- عز وجل- صدق من كان قبله، ومن كان بعده من الأنبياء- عليهم السلام-، يقول- عز وجل-: لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ يعني النبيين- عليهم السلام- هل بلغوا الرسالة وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ بالرسل عَذاباً أَلِيماً- 8- يعنى وجيعا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
__________
(1) فى ف: «فلما كثر المهاجرون رد الله عليهم المواريث على أولى الأرحام» .
(2) فى النسخ اختلاط الآية بتفسيرها مما يوهم أن الجميع من القرآن وآية، سورة الأنفال: 75
(3) فى ا: «وأن ينصحوا بقولهم» وفى ف: «وأن ينصحوا لقومهم» ، وهو موافق لما جاء فى تفسير ابن كثير.(3/475)
في الدفع عنكم وذلك أن أبا سفيان بن حرب ومن معه من المشركين يوم الخندق تحزبوا في ثلاثة أمكنة عَلَى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه يقاتلونهم من كل وجه فبعث الله- عز وجل- عليهم بالليل ريحا باردة، وبعث الله الملائكة «1» فقطعت الريح الأوتاد، وأطفأت النيران، وجالت الخيل بعضها في بعض، وكبرت الملائكة في ناحية عسكرهم، فانهزم المشركون من غير قتال، فأنزل الله- عز وجل- يذكرهم فقال- تعالى-: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ» فى الدفع عنكم إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ من المشركين يعني أبا سفيان بن حرب ومن اتبعه فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً شديدة وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها من الملائكة ألف ملك فيهم جبريل- عليه السلام- «2» وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً- 9- ثم أخبر عن حالهم فقال- سبحانه-: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ من فوق الوادي من قبل المشرق عليهم مالك ابن عوف البصري، وعيينة بن حصن الفزاري في ألف من غطفان معهم طليحة ابن خويلد الأسدي، وحيي بن أخطب اليهودي في اليهود «يهود قريظة» «3» وعامر ابن الطفيل فى هوزان، ثم قال- جل ثناؤه-: وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ يعني من بطن الوادي من قبل المغرب، وهو أبو سفيان بن حرب على أهل مكة معه يزيد بن خليس على قريش والأعور السلمي من قبل الخندق، فذلك قوله- عز وجل-: وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ يعني شخصت الأبصار فرقا وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا- 10- «يعني الإياس من النصر» «4» ، «وإخلاف الأمر» «5» يقول- جل ثناؤه-:
__________
(1) هكذا فى ف، وفى ا، زيادة: «من ناحية عسكرهم» .
(2) فى ا: عليهم جبريل- صلّى الله عليه وسلّم.
(3) فى ا: «يهود أهل قريظة» .
(4) فى ا: «يعنى الإباسة من النصر» .
(5) فى ف: «واختلاف الأمر» .(3/476)
هُنالِكَ يعنى عند ذلك ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ بالقتال والحصر «1» وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً- 11- لما رأى الله- عز وجل- ما فيه المؤمنون من الجهد والضعف «بعث عليهم» «2» ريحا وجنودا من الملائكة، فأطفأت الريح نيرانهم، وألقت أبنيتهم، وأكفأت قدورهم ونزعت أوتادهم، ونسفت التراب في وجوههم، وجالت الدواب بعضها في بعض، وسمعوا تكبير الملائكة في نواحي عسكرهم فرعبوا، فقال طليحة بن خويلد الأسدي: إن محمدا قد بدأكم بالشر فالنجاة النجاة، فنادى رئيس كل قوم بالرحيل فانهزموا ليلا بما استخقوا من أمتعتهم، ورفضوا بعضها لا يبصرون شيئا من شدة الريح والظلمة، فانهزموا فذلك قوله- عز وجل-:
«وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ» بالريح والملائكة «وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً» «3» يعني منيعا في ملكه حين هزمهم.
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ منهم أوس بن قيظي، ومعتب بن قشير الأنصارى وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني الشك مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً- 12- وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لما بلغه إقبال المشركين من مكة أمر بحفر الخندق فحفر كل بني أب على حدة، وصار سلمان الفارسي في بني هاشم فأتى سلمان على صخرة فلم يستطع قلعها، فأخذ النبي- صلى الله عليه وسلم- المعول من سلمان فضرب به ثلاث ضربات «فانصدع» «4» الحجر، وسطع نور من الحجر كأنه البرق، فقال سلمان: يا رسول الله لقد رأيت من الحجر أمرا عجيبا وأنت
__________
(1) الحصر المراد به الحصار الذي أحاط بالمؤمنين فصاروا بين المشركين واليهود. [.....]
(2) فى ف: «بعث الله عليهم» والضمير فى عليهم عائد على الكافرين.
(3) سورة الأحزاب: 25.
(4) فى أ: «وانصدع» وهو تصحيف.(3/477)
تضربه فقال النبي صلى الله عليه وسلم-: وهل رأيت؟ قال: نعم. قال النبي- صلى الله عليه وسلّم-: رأيت فى الضربة الأولى قوى اليمن، وفي الضربة الثانية أبيض المدائن، وفي الضربة الثالثة مدائن الروم، ولقد أوحى الله- عز وجل- إلي «بأنه» » يفتحهن على أمتي. فاستبشر المؤمنون وفشا ذلك في المسلمين فلما رأوا شدة القتال، والحصر ارتاب المنافقون، فأساءوا القول.
قال معتب بن قشير بن عدي الأنصاري من الأوس من بني عمرو بن عوف: يعدنا «محمد» «2» فتح قصور اليمن وفارس والروم ولا يستطيع «3» أحدنا أن يبرز إلى «4» الجلاء حتى يوضع فيه سهم هذا والله الغرور من قول ابن عبد المطلب وتابعه على ذلك «5» نفر، فأنزل الله- تعالى-:
«وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» يعني كفرا «مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً» .
قال معتب بن قشير: إن الذي يقول لهو الغرور ولم يقل إن الذي وعدنا الله ورسوله غرورا لأنه لا يصدق بأن محمدا- صلى الله عليه وسلم- رسول فيصدقه. فقال الله- تعالى- إن الذي قال محمد هو ما وعد الله وهو قول الله- عز وجل-، فأكذب الله معتبا «6» .
وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ: من المنافقين من بنى سالم يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ لا مساكن لكم فَارْجِعُوا إلى المدينة خوفا ورعبا من الجهد
__________
(1) فى ف: «انه» .
(2) فى أ: محمد- صلّى الله عليه وسلّم-.
(3) فى ا: فلا يستطيع.
(4) فى ازيادة: أحدنا وهو خطأ.
(5) فى أ: على قوله.
(6) هذه العبارة فى ف وهي مضطربة فى اوفى والأزهرية. وبالطبع فى أمانة لأنها ناقلة عن ا.(3/478)
والقتال في الخندق، يقول ذلك المنافقون بعضهم لبعض. ثم قال: وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ يعني خالية طائعة هذا قول بني حارثة ابن الحرث، وبني سلمة بن جشم، وهما من الأنصار وذلك أن بيوتهم كانت في ناحية من المدينة، فقالوا بيوتنا ضائعة نخشى عليها السراق، يقول الله- تعالى-:
وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ يعني بضائعة إِنَّ يعني ما يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً- 13- من القتل نزلت في قبيلتين من الأنصار بني حارثة وبني سلمة بن جشم، وهموا أن يتركوا أماكنهم في الخندق ففيهم «1» يقول الله- تعالى-: «إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» «2» قالوا بعد ما نزلت هذه الآية ما يسرنا أَنَا لَمْ نهم بالذي هممنا إذ كان الله ولينا.
قوله- تعالى-: وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها يقول ولو دخلت عليهم المدينة من نواحيها يعنى نواحي المدينة ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ يعني الشرك لَآتَوْها يعني لأعطوها عفوا يقول لو أن الأحزاب دخلوا المدينة، ثم أمروهم بالشرك لأشركوا وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً- 14- يقول ما تحبسوا بالشرك إلا قليلا حتى يعطوا طائعين فيكفوا، ثم أخبر عنهم فقال- سبحانه-: وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ قتال الخندق وهم سبعون رجلا ليلة العقبة قالوا «3» للنبي- صلى الله عليه وسلم- اشترط لربك ولنفسك ما شئت.
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه
__________
(1) فى ا: وفيهم.
(2) سورة آل عمران: 122.
(3) فى ا: فقالوا.(3/479)
أنفسكم وأولادكم ونساءكم. «قالوا» «1» : فما لنا إذا فعلنا يا نبي الله. قال: لكم النصر في الدنيا والجنة في الآخرة. فقالوا: قد فعلنا «2» ذلك. فذلك قوله: وقد كانوا عاهدوا الله من قبل. يعني ليلة العقبة حين شرطوا للنبي- صلى الله عليه وسلّم- المنعة لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ منهزمين وذلك أنهم بايعوا النبي- صلى الله عليه وسلم- أنهم يمنعونه مما يمنعون «3» أنفسهم وأولادهم وأموالهم. يقول الله- عز وجل- وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا- 15- يقول إن الله يسأل يوم القيامة عن نقض العهد «فإن» «4» عدو الله إبليس سمع شرط الأنصار تلك الليلة فصاح صيحة أيقظت النائم، وفزع القظان وكان صوته «أن» «5» نادى كفاره فقال: هذا محمد قد «بايعه» «6» الناس فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لإبليس اخسأ عدو الله.
قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ لن تزدادوا على آجالكم وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ فى الدنيا إِلَّا قَلِيلًا- 16- يعني إلى آجالكم القليل «7» لا تزدادوا عليها شيئا. قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ يعني يمنعكم من الله إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً يعنى الهزيمة أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً يعنى
__________
(1) فى ف: «فقالوا» .
(2) فى ا: زيادة سطر مكرر وهو سهو من الناسخ. [.....]
(3) رواية الحديث مما يمنعون منه. ولكن «منه» ليست فى النسخ.
(4) فى ا: «وإن» .
(5) فى ف: «إذا» .
(6) فى ا: «تابعه» وهو تصحيف.
(7) هكذا فى النسخ والوصف إذا كان زنته فعيل استوى فيه المذكر والمؤنث مثل رجل بخيل وامرأة بخيل.(3/480)
خيرا وهو النصر يقول: «من يقدر على دفع السوء وصنيع الخير» «1» ، نظيرها في الفتح « ... قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ «2» نَفْعاً ... » ثم قال- عز وجل-: وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا يعنى قريبا فينفعهم وَلا نَصِيراً- 17- يعني مانعا يمنعهم من الهزيمة. إن أراد بكم «سوءًا» أو أراد بكم رحمة «3» قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وذلك أن اليهود أرسلوا إلى المنافقين يوم الخندق فقالوا: ماذا الذي «حملكم» «4» أن تقتلوا أنفسكم بأيدي أبي سفيان ومن معه فإنهم إن قدروا هذه المرة لم يستبقوا منكم أحدا، وأنا نشفق عليكم، إنما أنتم إخواننا، ونحن جيرانكم. وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا. فأقبل «رجلان» «5» من المنافقين عبد الله بن أبي، ورجل من أصحابه على المؤمنين يعوقونهم ويخوفونهم بأبي سفيان ومن معه، قالوا: لئن قدروا عليكم هذه المرة لم يستبقوا منكم أحدا. «ما ترجون» «6» من محمد، فو الله ما يرفدنا بخير، ولا عنده خير ما هو إلا «أن» «7» يقتلنا هاهنا وما لكم في صحبته خير، هلم ننطلق إلى إخواننا وأصحابنا «يعنون اليهود» «8» .
فلم يزد قول المنافقين للمؤمنين إلا إيمانا وتسليما واحتسابا، فذلك قوله- عز وجل- «قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ» يعنى عبد الله بن أبى وأصحابه «و» يعلم
__________
(1) فى أ: من يقدر على دفع السوء ودفع الخير.
(2) سورة الفتح: 11، وهي مذكورة فى الأزهرية فقط هكذا « ... إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً ... »
(3) هكذا فى الأزهرية. وفى ف، أ: سوءا فى التقديم.
(4) فى أ: «يحملكم» .
(5) فى ف: «رجل» . وفى أوالأزهرية: «رجلان» .
(6) فى الأزهرية: «ما ترجوا» . وهو خطأ. وفى أ: «ما تريدون» .
(7) هكذا فى الأزهرية، «أن» ساقطة من ف، أ.
(8) هكذا فى الأزهرية، «يعنون اليهود» ساقطة من ف، ا.(3/481)
«القائلين لإخوانهم» يعني اليهود حين دعوا إخوانهم المنافقين حين قالوا «هلم إلينا» ، ثم قال: وَلا يَأْتُونَ يعني المنافقين الْبَأْسَ يعني القتال إِلَّا قَلِيلًا- 18- يعني بالقليل إلا رياء وسمعة من غير احتساب. ثم أخبر عن المنافقين فقال- تعالى-: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ يقول أشفقة من المنافقين عليكم حين يعوقونكم- يا معشر المؤمنين- ثم أخبر عنهم عند القتال أنهم أجبن الناس قلوبا وأضعفهم يقينا «وأسوأهم» «1» ظنا «بالله- عز وجل» «2» فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ وجاءت الغنيمة سَلَقُوكُمْ يعني رموكم. يعني عبد الله بن أبي وأصحابه، يقول: بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ يعني ألسنة سليطة باسطة بالشر يقولون أعطونا الغنيمة فقد كنا معكم فلستم بأحق بها منا، يقول الله- جل وعز-:
أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ يعنى الغنيمة أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا بالنبي- صلى الله عليه وسلم- ولم يصدقوا بتوحيد الله فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ يقول أبطل جهادهم لأن أعمالهم خبيثة وجهادهم لم يكن فى إيمان وَكانَ ذلِكَ يعنى حبط أعمالهم عَلَى اللَّهِ يَسِيراً- 19- يعني هينا.
ثم ذكر المنافقين فقال- عز وجل-: يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وذلك أن الأحزاب الذين تحزبوا عَلَى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه- رضي الله عنهم- في الخندق. وكان أبو سفيان بن حرب على أهل مكة، وكان على بني المصطلق وهم حي من خزاعة يزيد بن الحليس الخزاعي، وكان على هوازن
__________
(1) فى النسخ: «وأسوأه» . [.....]
(2) «بالله- عز وجل» : ساقطة من ف.(3/482)
مالك بن عوف النضري، وكان على بني غطفان عيينة بن حصن بن بدر الفزاري، وكان على بنى أسد طليحة بن خويلد «الفقسى» «1» من بنى أسد، ثم كانت اليهود «2» ، فقذف الله- عز وجل- في قلوبهم الرعب، وأرسل عليهم ريحا وهي الصبا فجعلت تطفئ نيرانهم وتلقي أبنيتهم. وأنزل جنودا لم تروها من الملائكة فكبروا في عسكرهم فلما سمعوا التكبير قذف الله- تعالى- الرعب في قلوبهم وقالوا قد بدأ محمد بالشر فانصرفوا إلى مكة راجعين عن الخندق من الخوف والرعب الذي نزل بهم في الخندق وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يعني وإن يرجع الأحزاب إليهم للقتال يَوَدُّوا يعنى يود المنافقين لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ ولم يشهدوا القتال يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ يعنى عن حديثكم وخير ما فعل محمد- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ يشهدون القتال ما قاتَلُوا يعني المنافقين إِلَّا قَلِيلًا- 20- يقول ما قاتلوا إلا رياء وسمعة من غير حسبة، ثم قال- عز وجل-: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ أن كسرت رباعيته وجرح فوق حاجبه وقتل عمه حمزة وآساكم بنفسه في مواطن الحرب والشدة لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ يعني لمن كان يخشى الله- عز وجل- ويخشى البعث الذي فيه جزاء الأعمال وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً- 21- ثم نعت المؤمنين فقال: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ يوم الخندق. أبا سفيان وأصحابه وأصابهم الجهد وشدة القتال قالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ في البقرة حين قال: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ولما
__________
(1) «الفقى» : ساقطة من ف.
(2) فى ف: زيادة غير واضحة ولا مفهومة.(3/483)
يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) «1» مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ» .
وقالوا: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ما قال فى سورة البقرة. يقول الله- عز وجل- وَما زادَهُمْ الجهد والبلاء فى الخندق إِلَّا إِيماناً يعني تصديقا بوعد الله- عز وجل- في سورة البقرة أنه يبتليهم وَتَسْلِيماً- 22- لأمر الله وقضائه، ثم نعت المؤمنين فقال: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ليلة العقبة بمكة فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ يعني أجله فمات على الوفاء يعني حمزة وأصحابه قتلوا يوم أحد- رضي الله عنهم- وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ يعني المؤمنين من ينتظر أجله على الوفاء بالعهد وَما بَدَّلُوا العهد تَبْدِيلًا- 23- كما بدل المنافقون، ثم قال: لِيَجْزِيَ اللَّهُ بالإيمان والتسليم الصَّادِقِينَ بوفاء العهد بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ بنقض العهد إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ فيهديهم من النفاق إلى الإيمان إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً- 24- يقول الله- عز وجل-: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ يعنى أبا سفيان وجموعه من الأحزاب يغبظهم لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا في ملكه عَزِيزاً- 25- في حكمه «2» ثم ذكر يهود أهل قريظة حيي بن أخطب ومن معه الذين أعانوا المشركين يوم الخندق على قتال النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال- عز وجل- وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ يعنى أعانوهم،
__________
(1) فى النسخ: «وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ... » إلى آخر الآية، سورة البقرة: 214.
(2) فى ف: زيادة ليست فى موضعهم. وهي خطأ من ناسخ.(3/484)
تعنى اليهود أعانوا المشركين على قتال النبي- صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين.
وذلك
أن الله- عز وجل- حين هزم المشركين عن الخندق بالريح والملائكة أتى جبريل- عليه السلام- على فرس. فقال- صلى الله عليه وسلم- يا جبريل، ما هذا الغبار على وجه الفرس فقال: هذا الغبار من الريح التي أرسلها الله على أبي سفيان ومن معه فجعل النبي- صلى الله عليه وسلم- يمسح الغبار عن وجه الفرس وعن سرجه. فقال له جبريل- عليه السلام-: سر إلى بني قريظة فإن الله- عز وجل- داقهم لك دق البيض على الصفا.
فسار النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى يهود بنى قريظة فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة ثم نزلوا على حكم سعد بن معاذ الأنصاري فحكم عليهم سعد أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم فكبر النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقَالَ: لقد حكم الله- عز وجل-. ولقد رضي الله على عرشه بحكم سعد، وذلك أن جبريل كان «قال النبي- صلى الله عليه وسلم» «1» : سر إلى بني قريظة فاقتل مقاتلتهم واسب ذراريهم فإن الله- عز وجل- قد أذن لك فهم لك طعمة،
فذلك قوله- عز وجل-: «وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ» يعني اليهود أعانوا أبا سفيان «مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ» يعنى قريظة «مِنْ صَياصِيهِمْ» يعني من حصونهم وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً يعنى طائفة تَقْتُلُونَ فقتل منهم أربعمائة وخمسين رجلا وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً- 26- يعنى وتسبون طائفة سبعمائة وخمسين وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها يعني خيبر وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من القرى وغيرها قَدِيراً- 27- أن يفتحها على المسلمين
__________
(1) هكذا فى الأزهرية. وفى ف، ا: «وقال جبريل للنبي- صلى الله عليه وسلم» .(3/485)
فقال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- ألا تخمس كما خمست يوم بدر قال:
هذا قد جعله الله لي دون المؤمنين. فقال عمر- رضي الله عنه-: رضينا وسلمنا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقسم النبي- صلى الله عليه وسلم- في أهله منها «عشرين رأسا» «1» ثم جعل النبي- صلى الله عليه وسلم- بقيته نصفين فبعث النصف مع سعد بن عبادة الأنصاري إلى الشام وبعث بالنصف الباقي مع أوس بن قيظي من الأنصار إلى غطفان وأمرهما أن يبتاعا الخيل فجلبا خيلا عظيمة فقسمها النبي- صلى الله عليه وسلم- في المسلمين وتوفي سعد بن معاذ- رضي الله عنه- من رمية أصابت أكحله يوم الخندق فانتفضت جراحته «فنزفت الدم» »
فمات- رحمه الله «3» - وقد اعتنقه النبي- صلى الله عليه وسلم-. فاتبع النبي- صلى الله عليه وسلم- والمسلمون جنازته
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقَدْ اهتز العرش لموت سعد بن معاذ- رضي الله عنه «4» .
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ يقول كما يمتع الرجل امرأته إذا طلقها سوى المهر وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا- 28- يقول حسنا في غير ضرار وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ يعني الجنة فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً- 29- يعنى الجنة.
__________
(1) هكذا فى ف، ا: «عشرين عشرين» . وفى الأزهرية: «تسعة عشر رأسا» .
(2) هكذا فى الأزهرية. وفى ا: «فلزق الدم» وهذه الجملة ساقطة من ف.
(3) «رحمه الله» : هكذا فى ز، وليست هذه الجملة فى ا، ولا فى ف.
(4) فى ف: «رحمة الله عليه» .(3/486)
فقالت- عائشة بنت أبي بكر الصديق- رضي الله عنهما «1» - «وحين خيرهن» «2» النبي- صلى الله عليه وسلم- بل نختار الله والدار الآخرة «وما لنا وللدنيا إنما «جعلت» «3» الدنيا دار فناء والآخرة هي الباقية أحب إلينا من الفانية» «4» . فرضي نساؤه كلهن بقول عائشة- رضي الله عنها- فلما اخترن الله ورسوله أنزل الله- عز وجل- «لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ ... » إلى آخر الآية «5» .
يَا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يعني العصيان للنبي- صلى الله عليه وسلم- يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ في الآخرة وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً- 30- يقول وكان عذابها على الله هينا وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ يعني ومن يطع منكن «6» الله ورسوله وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ في الآخرة بكل صلاة أو صيام أو تكبير أو تسبيح لها مكان كل حسنة يكتب عشرون حسنة وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً- 31- يعني حسنا وهي الجنة. ثم قال: يَا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ يعني الله فإنكن- معشر أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- تنظرن إلى الوحي فأنتن أحق الناس بالتقوى فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ يقول
__________
(1) فى أ: زيادة: «أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق» .
(2) فى ز: «إذ خيرهن» .
(3) فى ز: خلقت.
(4) هكذا فى ز، ف. وفى أ: «وما لنا وللدنيا إنما جعلت دار فناء وهي الفانية، والباقية أحب إلينا من الفانية» [.....]
(5) الآية 52: الأحزاب، وآخرها: «.... وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً» .
(6) فى الأصل: «لله» .(3/487)
فلا «تومين» «1» بقول يقارف الفاحشة «2» فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ يعني الفجور في أمر الزنا «3» فزجرهن الله- عز وجل- عن الكلام مع الرجال وأمرهن بالعفة وضرب عليهن الحجاب، ثم قال- تعالى-: وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً- 32- يعني قولا حسنا يعرف ولا يقارف الفاحشة. ومن يقذف نبيا أو امرأة نبي فعليه حدان سوى التغريب الذي يراه الإمام. ثم قال- عز وجل-: «وَقَرْنَ» «4» فِي بُيُوتِكُنَّ ولا تخرجن من الحجاب وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى والتبرج أنها تلقى الحمار «عن رأسها» «5» ولا تشده فيرى قرطها وقلائدها. «وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى» قبل أن يبعث محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم- مثل قوله: « ... عاداً الْأُولى» «6» أمرهن أيضا بالعفة وأمر بضرب الحجاب عليهن، ثم قال: وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ يقول وأعطين الزكاة وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ يعنى الإثم الذي نهاهن عنه في هذه الآيات.
«ومن الرجس الذي يذهبه الله عنهن إنزال الآيات بما أمرهن به» «7» .
__________
(1) فى ز، ف: ترمين، وفى ا: «تومين» .
(2) قال السدى وغيره يعنى بذلك ترقيق الكلام إذا خاطبن الرجال. تفسير ابن كثير: 3/ 482
(3) فى ز: زيادة: مثل قوله: «لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» يعنى فجور وهو الزنا وليس فى القرآن غيرهما.
(4) فى ز: زيادة: من قرأها «وقرن» بالكسر فهو من الاستقرار ومن قرأها «وقرن» فهو من الوقار.
(5) فى تفسير ابن كثير 3: 482 على رأسها.
(6) سورة النجم: 50
(7) هذه الجملة التي بين القوسين « ... » هامش فى ز. وقد نقلتها لأن فهم الكلام الذي بعدها يتوقف على ذكرها.(3/488)
فإن تركهن ما أمرهن به وارتكابهن ما نهاهن عنه من الرجس. فذلك قوله «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ» يا أَهْلَ الْبَيْتِ يعني نساء النبي- صلى الله عليه وسلم- لأنهن في بيته وَيُطَهِّرَكُمْ «1» من الإثم الذي ذكر- 33- فى هذه الآيات تَطْهِيراً- 33-.
حدّثنى أبي عن الْهُذَيْلِ فقال: قال مُقَاتِلُ بن سليمان: يعني به نساء النبي- صلى الله عليه وسلم- كلهن وليس معهن ذكر «2» .
وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ يعني القرآن وَالْحِكْمَةِ يعني أمره ونهيه في القرآن فوعظهن ليتفكرن. وامتن عليهن إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً- 34- يعني لطيف عليهن فنهاهن أن يخضعن بالقول خبيرا به.
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وذلك أن أم سلمة بنت أبي أمية أم المؤمنين ونسيبة بنت كعب «3» الأنصاري قلن ما شأن ربنا يذكر الرجال ولا يذكر النساء في شيء من كتابه نخشى ألا يكون فيهن خير، ولا لله فيهن حاجة، وقد تخلى عنهن فأنزل الله- تعالى- في قول أم سلمة ونسيبة بنت كعب «إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ» يعنى المخلصين بالتوحيد والمخلصات وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ
__________
(1) هنا تعليق على أهو: «فى الأصل ويطهركن» .
(2) فى ز هامش تعليق على كلام مقاتل هو: (قلت لو كان الأمر كذلك لقال «عنكن» بنون النسوة والصحيح أن أهل البيت على وفاطمة والحسن والحسين ويؤيد هذا قوله «عنكم» . وأيضا كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيهم وإذا اجتمع ألف مؤنث وفيهم ذكر غلب المذكر على المؤنث لأن المذكر هو الأصل لأنه يدرك بلا زيادة والمؤنث لا يدرك إلا بزيادة وما يدرك بزيادة فرع عما يدرك بلا زيادة فلهذا قال: «عنكم» ولم يقل «عنكن» ) .
(3) فى ف: كنعان، وهو تصحيف.(3/489)
يعنى المصدقين بالتوحيد والمصدقات وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ يعني المطيعين والمطيعات «وَالصَّادِقِينَ في إيمانهم وَالصَّادِقاتِ في إيمانهن» «1» وَالصَّابِرِينَ على أمر الله- عز وجل- وَالصَّابِراتِ عليه وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ يعني المتواضعين والمتواضعات، قال مُقَاتِلُ: من لا يعرف في الصلاة من عن يمينه ومن عن يساره من الخشوع لله- عز وجل- فهو منهم.
وَالْمُتَصَدِّقِينَ بالمال وَالْمُتَصَدِّقاتِ به وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ.
«قال مُقَاتِلُ: من صام شهر رمضان وثلاثة أيام من كل شهر فهو من «الصائمين» «2» فهو من أهل هذه الآية» «3» .
وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ عن الفواحش وَالْحافِظاتِ من الفواحش وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً باللسان والذاكرات الله كثيرا باللسان وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ في الآخرة مَغْفِرَةً لذنوبهم وَأَجْراً يعني وجزاء عَظِيماً- 35- يعني الجنة. وأنزل الله- عز وجل- أيضا في أم سلمة- رضي الله عنها- في آخر آل عمران: « ... أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى ... » «4»
إلى آخر الآية. وفى «حم المؤمن: « ... مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ... » «5» .
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ يعني عبد الله بن جحش بن رباب بن صبرة بن مرة ابن غنم بن دودان الأسدي، ثم قال: وَلا مُؤْمِنَةٍ يعنى زينب بنت جحش
__________
(1) «وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ» : غير موجودة فى ف. ومكتوبة بعد «الخاشعين والخاشعات» فى أ، ز، فأثبتها فى مكانها كما هي بالمصحف.
(2) فى الأصل: «الصائمين والصائمين» . [.....]
(3) هذه الجملة فى ز فقط. ونقلها ابن كثير: 3/ 488 عن سعيد بن جبير على أنها قول له.
(4) سورة آل عمران: 195.
(5) هذه الجملة من ز، وليست فى غيرها. والآية من سورة.(3/490)
أخت عبد الله بن جحش. وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- خطب زينب بنت جحش على زيد بن حارثة. وزينب هي بنت عمة النبي- صلى الله عليه وسلم- وهي بنت أميمة بنت عبد المطلب فكره عبد الله أن يزوجها من زيد وكان زيد أعرابيا في الجاهلية مولى في الإسلام وكان أصابه النبي- صلى الله عليه وسلم- من سبي أهل الجاهلية فأعتقه وتبناه «1» . فقالت زينب: لا أرضاه لنفسي وأنا أتم نساء قريش. وكانت جميلة بيضاء، فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
لقَدْ رضيته لك، فأنزل الله- عز وجل- «وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ»
- يعنى عبد الله ابن جحش «وَلا مُؤْمِنَةٍ» يعني زينب إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وذلك
أن زيد بن حارثة الكلبي قال: يا نبى الله،
__________
(1) كان زيد حرا ثم أخذ ظلما وبيع على أنه عبد وقد اشترته السيدة خديجه ثم وهبته للنبي- صلّى الله عليه وسلّم- كان زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي يسير مع أمه سعدى الطائية متوجهين مع قافلة إلى ديار بنى طيئ لزيارة أهلها. وكان زيد فى سن الثامنة إذ طلعت عليه وعلى من معه خيل بنى القين من جسر فاستولت عليهم ووقع أسيرا فحملوه إلى مكة ليبتاعوه فى سوقها ورآه حكيم بن حزام بن خويلد فاشتراه لعمته خديجة بنت خويلد بأربعمائة درهم. وقد أكرمته خديجة- رضى الله عنها- وبعد زواجها من النبي- صلّى الله عليه وسلّم- وهبته له، ولما علم والده به حضر إلى النبي- صلّى الله عليه وسلّم- ورغب فى أخذ زيد وطلب من النبي أن ييسر عليه فى الفداء وأن يخفف عنه فى العوض الذي سيأخذه بدلا من زيد.
فقال له النبي: لا عوض ولا فداء، إن قبل زيد أن يعود معك فليعد ولتأخذه سالما فانما بلا عوض، وإن آثر الإقامة معى فأنا لا أرفضه.
ولكن زيدا آثر الحياة مع رسول الله تقديرا لعطفه ورعايته وجلاله وبركته، فأخذ النبي- صلّى الله عليه وسلّم- بيد زيد وذهب إلى المسجد وقال: أيها الناس اشهدوا أن زيد بن حارثة ابني ويرثني فأصبح يلقب زيد بن محمد بعد أن تبناه النبي- صلّى الله عليه وسلّم- ثم أراد الله أن يبطل عادة التبني وأن يبطل تحريم زوجة المتبنى على الأب، لأن الدعي ليس كالابن وتحت إرادة الله فتزوج من زينب ثم طلقها وأمر الله رسوله أن يتزوجها «لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً» «وانظر حياة محمد للأستاذ محمد حسين هيكل الطبعة التاسعة ص 322 وما بعدها» .
«وانظر زيد بن حارثة لمحمد على قطب قصص الصحابة للأطفال طبع المختار الإسلامى» .(3/491)
اخطب عليّ» فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- ومن يعجبك من النساء؟ فقال زينب بنت جحش. فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لقَدْ أصبت أن لا نألو غير الحسن والجمال، وما أذادها بفعل أنها أكرم من ذلك نفسا، فقال زيد: يا نبي الله، إنك إذا كلمتها، وتقول إن زيدا أكرم الناس علي «1» فإن هذه امرأة حسناء «2» وأخشى أن تردني فذلك أعظم في نفسي من كل شيء. وعمد «3» زيد إلى علي- رضي الله عنه- فحمله على أن يكلم النبي- صلى الله عليه وسلم-، فقال له زيد انطلق إلى النبي فإنه لن يعصيك. فانطلق عليّ معه إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فإني فاعل وإني مرسلك يا علي إلى أهلها فتكلمهم فرجع على النبي- صلى الله عليه وسلم- إني قد رضيته لكم وأقضي أن تنكحوه فأنكحوه.
وساق إليهم عشرة «4» دنانير وستين درهما وخمارا وملحفة ودرعا وإزارا وخمسين مدا من طعام وعشرة «5» أمداد من تمر أعطاه النبي- صلى الله عليه وسلم- ذلك كله ودخل بها زيد فلم يلبث إلا يسيرا «6» حتى شكا إلى النبي- صلّى الله عليه وسلّم-
__________
(1) كان زيد من أحب الناس إلى رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان سيد اكبر الشأن جليل القدر. يقال له الحب ويقال لابنه أسامة الحب ابن الحب. قالت عائشة- رضى الله عنها-: «ما بعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سرية إلا أمره عليهم، ولو عاش من بعده لاستخلفه. رواه الإمام أحمد.
وروى البزاز أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سئل أى أهلك أحب إليك؟ فقال- صلّى الله عليه وسلّم-: أسامة بن زيد بن حارثة الذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه» .
تفسير ابن كثير 3/ 490.
(2) فى ا: لسناء.
(3) فى ف، ا: فعمد، ولكن الواو أنسب هنا.
(4) فى الأصل: عشر، ولكن الأنسب «عشرة» .
(5) فى الأصل: عشر، ولكن الأنسب «عشرة» .
(6) قال ابن كثير: «فمكثت عنده قريبا من سنة أو فوقها» .(3/492)
ما يلقى منها فدخل النبي- صلى الله عليه وسلم- فوعظها فلما كلمها أعجبه حسنها وجمالها وظرفها «1» ، وكان أمرا قضاه الله- عز وجل- ثم رجع النبي- صلى الله عليه وسلم- وفي نفسه منها ما شاء الله- عز وجل- فكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يسأل زيدا بعد ذلك كيف هي معك؟ فيشكوها إليه فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم-: اتق الله وأمسك عليك زوجك وَفِي قلبه غَيْر ذَلِكَ، فأنزل «2» اللَّه- عَزَّ وجل- وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً- 36- يعني بينا فلما نزلت هذه الآية جعل عبد الله بن جحش «3» أمرها إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-، وقالت زينب للنبي- صلى الله عليه وسلم-: قد جعلت أمري بيدك، يا رسول الله، فأنكحها النبي- صلى الله عليه وسلم- زيدا فمكثت عنده حينا، ثُمّ إن النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتى زيدا فأبصر زينب قائمة، وكانت حسناء بيضاء من أتم نساء قريش فهويها النبي- صلّى الله عليه وسلّم- فقال:
__________
(1) هذا كلام مرفوض لا يقبله العقل ولا يوافقه النقل:
إن إعجاب النبي- صلّى الله عليه وسلّم- بجمالها وظرفها كان يتأتى لو لم يكن رآها قبل ذلك. أما والحال أنها كانت بنت عمته وقد ربيت قريبا منه وراها صغيرة وناشئة. ولو شاء لتزوجها بكرا لم تمس، ولكنه خطبها لزيد مولاه. ثم أعلم الله نبيه أنها ستكون من أزواجه فلما أتاه زيد- رضى الله عنه- ليشكوها إليه قال له: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ» فقال له الله:
قد أخبرتك أنى مزوجكها « ... وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ... » سورة الأحزاب: 37.
هذا ما روى عن ابن أبى حاتم وروى مثله عن السدى. قال ابن كثير: 3/ 491 «وقد روى ابن جرير ها هنا آثارا عن بعض السلف- رضى الله عنهم- أحببنا أن نضرب عنها صفحا لعدم صحتها فلا نوردها.
(2) هنا اضطراب فليس نزول هذه الآية متعلقا بما ذكره مقابل قبلها.
(3) فى ف: جعل زيد، وهو خطا.(3/493)
سبحان الله مقلب القلوب «1» . ففطن زيد، فقال: يا رسول الله، ائذن لي في طلاقها فإن فيها كبرا، تعظم علي وتؤذيني بلسانها، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-:
أمسك عليك زوجك واتق الله، ثم إن زيدا طلقها بعد ذلك، فأنزل الله- عز وجل- وَإِذْ تَقُولُ
يا محمد لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بالإسلام وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ بالعتق وكان زيد أعرابيا في الجاهلية مولى في الإسلام فسبي فأصابه النبي- صلى الله عليه وسلم- فأعتقه أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ
__________
(1) جاء فى كتاب حياة محمد للدكتور محمد حسين هيكل، الفصل السابع عشر تحت عنوان «أزواج النبي» : 318، 319. «إن المبشرين والمستشرقين أطلقوا لخيالهم العنان فى تصوير الهوى الذي لعب بقلب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين رأى زينب ممددة على فراشها فى ثياب نومها فعصف منظرها بقلبه. وأمثال هذه الصورة التي أبدعها الخيال الكثير. تراه فى موير وفى دو منجم وفى واشنطن أرفنج وفى لا منس وغيرهم من المستشرقين والمبشرين.
ومما يدعو إلى أشد الأسف أن هؤلاء جميعا اعتمدوا فى روايتهم على ما ورد فى بعض كتب السيرة والكثير من الحديث، ثم أقاموا على ما صوروا قصورا من الخيال فى شأن محمد وصلته بالمرأة......
والنبي لم يكن كما صور هؤلاء وأولئك، رجلا يأخذ بعقله الهوى وهو لم يتزوج من تزوج من نسائه بدافع من شهوة أو غرام، وإذا كان بعض الكتاب المسلمين فى بعض العصور قد أباحوا لأنفسهم أن يقولوا هذا القول، وأن يقدموا خصوم الإسلام عن حسن نية هذه الحجة فذلك لأنهم انحدر بهم التقليد إلى المادية فأرادوا أن يصوروا محمدا عظيما فى كل شيء، عظيما حتى فى شهوات الدنيا، وهذا تصوير خاطئ ينكره تاريخ محمد أشد إنكار. وتأبى حياته كلها أن تقره.
فالنبي قد تزوج خديجة وهو فى الثالثة والعشرين من عمره وهو فى شرخ الصبا وريعان الفتوة ومع ذلك ظلت خديجة وحدها زوجة ثمانيا وعشرين سنة حتى تخطى الخمسين.
فمن غير الطبيعي أن تراه وقد تخطى الخمسين ينقلب فجأة هذا الانقلاب الذي يجعله ما يكاد يرى زينب بنت جحش، وعنده نساء خمس غيرها، حتى يفتن بها وحتى تستغرق تفكيره ليله ونهاره ...
إنها صورة لا تلبق فى ضعتها برجل مادي، عظيم استطاعت رسالته أن تنقل العالم وأن تغير مجرى التاريخ، وما تزال على استعداد لأن تنقل العالم مرة أخرى وتفسير مجرى التاريخ طورا جديد» [.....]
.(3/494)
يعني وتسر في قلبك يا محمد ليت أنه طلقها «1» مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ يعني مظهره عليك حين ينزل به قرآنا «2» وَتَخْشَى قالة النَّاسَ في أمر زينب وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ في أمرها فقرأ النبي- صلى الله عليه وسلم- هذه الآية على الناس بما أظهر الله عليه من أمر زينب إذ هويها، فقال عمر بن الخطاب- رضى الله
__________
(1) اتق الله يا مقاتل فى رسول الله:
لقد أخبر الله رسوله أن زينب ستكون من أزواجه فلما جاء زيد يشكوها إليه وصاه بها خيرا إبقاء منه على العشرة الزوجية بين حبه وابنة عمته. فقال له الله: «وَإِذْ تَقُولُ ... » الآية.
لقد تحامل مقاتل على رسول الله فى موضوع زيد وزينب- ومهد الطريق المغرضين وأعداء الإسلام من المستشرقين وغيرهم أن ينقلوا هذه الفرى على رسول الله وهو منها براء.
(2) انظر كتاب محمد رسول الله تأليف ايتين دينيه وسليمان إبراهيم، وترجمة الدكتور عبد الحليم محمود ومحمد عبد الحليم محمود مطبعة نهضة مصر: 250- 251.
وفيه يقول:
«لم يكن الرسول يفكر فى الزواج بزينب لا قبل زيد ولا بعده وإلا فأى شيء كان يمنعه من الزواج بها بكرا غضة الإهاب، وقد كان يملك من أمرها كل شيء؟
على ان زواج زيد بزينب كان بوحي سماوي وأمر إلهى..
وتم الزواج.. وأراد زيد غير مرة أن يطلقها لتكبّرها عليه ولكن الرسول كان يقول له «أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ» مع علمه- صلّى الله عليه وسلّم- بأن الله سيزوجه بها تشريعا جديدا وقضاء على عادة تأصلت فى نفوس العرب: هي معاملة المتبنى معاملة الابن الحقيقي.
وكان زيد قد قضى من زينب وطرا، ولم يعد له بها من حاجة، ولم يعد يحتمل العيش معها فطلقها، فأمر الرسول أن يتزوج بها ولكن الرسول فى نفسه كان يخشى على ضعاف الإيمان سوء الظن، ومن الكفار الدعاية السيئة فنزلت الآية الكريمة الجامعة:
«وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ، وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ... » سورة الأحزاب: 37.
وكان زواج النبي- صلّى الله عليه وسلّم- من زينب ابتلاء عظيما، سواء نظرنا إليه بالنسبة لزيد وزينب أولا، أو بالنسبة إلى النبي- صلّى الله عليه وسلّم- ثانيا.(3/495)
عنه-: لو كتم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئا من القرآن لكتم هذه التي أظهرت عليه. يقول الله- تعالى-: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً يعني حاجة وهي الجماع زَوَّجْناكَها يعني النبي- صلى الله عليه وسلم. فطلقها زيد بن حارثة فلما انقضت عدتها تزوجها النبي- صلى الله عليه وسلم- وكانت زينب- رضي الله عنها- تفخر على نساء النبي- صلى الله عليه وسلم- فتقول: زوجكن الرجال، والله- عز وجل- زوجني نبيه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثُمّ قَالَ- عَزَّ وجل-: لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ تزويج نساء أَدْعِيائِهِمْ يقول لكيلا يكون على الرجل حرج في أن يتزوج امرأة ابنه الذي تبناه وليس من صلبه إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً يعني حاجة وهو الجماع وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا- 37- يقول الله- عز وجل-: كان تزويج النبي- صلى الله عليه وسلم- زينب كائنا فلما تزوجها النبي- صلى الله عليه وسلم- قال أنس: إن محمدا تزوج امرأة ابنه وهو ينهانا عن تزويجهن فأنزل الله- تبارك وتعالى- في قولهم مَا كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ يقول فيما أحل الله له، سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ يقول هكذا كانت سنة الله في الذين خلوا من قبل محمد يعني داود النبي- صلى الله عليه وسلم- حين هوى المرأة التي فتن بها وهي امرأة أوريا بن حنان فجمع الله بين داود وبين المرأة التي هويها. وكذلك جمع الله- عز وجل- بين محمد- صلى الله عليه وسلم- وبين زينب إذ هويها كما فعل بداود- عليه السلام، فذلك قوله- عز وجل- وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً- 38- فقدر الله- عز وجل- لداود ومحمد(3/496)
تزويجهما «1» .
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- خاصة
__________
(1) لقد حفظ الله ظواهر الأنبياء وبواطنهم من التلبس بأمر ولو منهى عنه فكيف يباح لمسلّم أن ينسب إلى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- اشتهاء امرأة متزوجة. مع أن الآيات التي جاءت بعد ذلك توضح أن زواجها كان فرضا من الله لتشريع زواج الآباء بزوجات الأدعياء «ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ... » أي فيما أحل له وأمره به من تزويج زينب ولكن مقاتلا شط به الهوى إلى رسل الله وأول كلام الله تأويلا أخرجه عن قصده.
وصدق الله العظيم « ... فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ» سورة آل عمران: 7.
ولعل هذا مما جعل بعض الأتقياء يقول: «لو قدرت على مقاتل بن سليمان فى موضع لا يرانا فيه أحد لقتلته» .
وقد أعن على- رضى الله عنه-: «من حدثكم بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين جلدة»
وهو حد الفرية على الأنبياء.
لقد كان مقاتل حافظا فى التفسير ولكنه كان لا يضبط الإسناد وكان يقص فى الجامع بمرور كما جاء فى تهذيب الكمال فى أسماء الرجال.
وتفسير الآية على وجهها السليم يبعد عن رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وعن الأنبياء اتهام المغرضين ويؤكد نزاهتهم وبعدهم عما يشين.
جاء فى تفسير ابن كثير لقوله- تعالى-: «ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً» - يقول- تعالى-: «ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ» أى فيما أحل له وأمره به من تزويج زينب- رضى الله عنها ... التي طلقها دعيه زيد بن حارثة- رضى الله عنه-، وقوله- تعالى-: «سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ» أى هذا حكم الله- تعالى- فى الأنبياء قبله لم يكن ليأمرهم بشيء وعليهم فى ذلك حرج وهذا رد على من توهم من المنافقين نقصا فى تزويجه امرأة زيد مولاه ودعيه الذي كان تبناه «وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً» أى وكان أمره الذي يقدره كائنا لا محالة واقعا لا محيد عنه ولا معدل فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. ا. هـ. تفسير ابن كثير: 3/ 492.(3/497)
وَيَخْشَوْنَهُ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم-، يقول محمد يخشى الله أن يكتم عن الناس ما أظهر الله عليه من أمر زينب إذ هويها وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ في البلاغ عن الله- عز وجل- وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً- 39- يعني شهيدا في أمر زينب إذ هويها فلا شاهد أفضل من الله- عز وجل- «1» .
وأنزل الله- عز وجل- في قول الناس إن محمدا تزوج امرأة ابنه مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ يعني زيد بن حارثة يقول إن محمدا ليس بأب لزيد وَلكِنْ محمدا رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ يعني آخر النبيين لا نبي بعد محمد- صلى الله عليه وسلم- ولو أن لمحمد ولدا لكان نبيا رسولا، فمن ثم قال:
«وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ» وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً- 40- يقول لو كان زيد ابن محمد لكان نبيا فلما نزلت «مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ»
قال النبي
__________
(1) وهذه الآية أيضا يحملها مقاتل على رأيه وهواه. وهي شاهد بأنه- عليه الصلاة والسلام- بلغ الرسالة وأدى الأمانة ولم يخش فى الله لومة لائم. ومعنى «وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً» يعنى ناصرا ومعينا كما وردت فى قوله- تعالى-: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ... » سورة الأنفال:
64. أى أن الله كافيك وناصرك. لا كما ادعى مقاتل أن حسيبا بمعنى شهيدا فى أمر زينب إذ هويها.
جاء فى تفسير الحافظ ابن كثير: 3/ 492 يمدح- تبارك وتعالى-: «الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ» أى إلى خلقه ويؤدونها بأمانة «وَيَخْشَوْنَهُ» أى ويخافونه ولا يخافون أحدا سواء فلا تمنعهم سطوة أحد عن إبلاغ رسالات الله- تعالى-: «وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً» أى وكفى بالله ناصرا ومعينا، وسيد الناس فى هذا المقام بل وفى كل مقام محمد رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فإنه قام بأداء الرسالة وإبلاغها إلى أهل المشارق والمغارب، إلى جميع أنواع بنى آدم وأظهر الله- تعالى- كلمته ودينه وشرعه على جميع الأديان والشرائع فإنه قد كان النبي قبله إنما يبعث إلى قومه خاصة، وأما هو- صلّى الله عليه وسلّم- فإنه بعث إلى جميع الخلق عربهم وعجمهم «قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ... » . سورة الأعراف: 158.(3/498)
- صلى الله عليه وسلم- لزيد: لست لك بأب. فقال زيد: يا رسول الله، أنا زيد بن حارثة معروف نسبي «1» .
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ باللسان ذِكْراً كَثِيراً «2» - 41- وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا- 42- يعنى صلوا لله بالغداة الفجر والعشي يعني الظهر والعصر هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ نزلت في الأنصار يقول هو الذي يغفر لكم ويأمر الملائكة بالاستغفار لكم لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ يعني لكي يخرجكم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ يعني من الشرك إلى الإيمان وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً- 43- تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ يعني يوم يلقون الرب- عز وجل- في الآخرة سلام، يعني تسليم الملائكة عليهم وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً- 44- يعنى أجرا حسنا فى الجنة يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً على هذه الأمة بتبليغ الرسالة وَمُبَشِّراً بالجنة والنصر في الدنيا على من خالفهم وَنَذِيراً- 45- من النار.
__________
(1) نسخة ف، ا، ز. وبالتالى م لأنها ناقلة من ا: عكست ترتيب الآيتين السابقتين وهما رقم 39، 40. ففسرت آية 40 قبل 39 حتى يهيأ للقارئ أن ترتيب الآيتين هكذا: «مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ ... » إلى آخر الاية 40 سورة الأحزاب.
«الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ ... » إلى آخر الآية 39 سورة الأحزاب.
وقد أصلحت الخطأ ورتبت الآيتين كما هما فى المصحف.
وإن دل هذا على شيء فهو أن الناسخ كان ينسخ بدون تصرف.
وأن أصل هذا التفسير واحد وأن هذا التفسير وثيق النسب ليس منتحلا على مقاتل كما نحل تفسير المقياس على ابن عباس. مع أن كل ما صح نسبته إلى ابن عباس فى التفسير قرابة مائة آية. كما أثر عن الشافعي.
(2) فى ز زيادة: «لم يرض الله من الذكر إلا بالكثير» .(3/499)
وَداعِياً إِلَى اللَّهِ يعني إلى معرفة الله- عز وجل- بالتوحيد بِإِذْنِهِ يعنى بأمره وَسِراجاً مُنِيراً- 46- «يعني هدى مضيئا للناس» «1» وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً- 47- يعنى الجنة.
وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ من أهل مكة: أبا سفيان بن حرب، وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلمي.
وَالْمُنافِقِينَ عبد الله بن أبي، وعبد الله بن سعد، وطعمة بن أبيرق حين قال أبو سفيان ومن معه من هؤلاء النفر: يا محمد ارفض ذكر آلهتنا وقل: إن لهما شفاعة ومنفعة لمن عبدها، ثم قال: وَدَعْ أَذاهُمْ إياك يعني الذين قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- قل إن لآلهتنا شفاعة.
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ يعنى وثق بالله وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا- 48- يعنى مانعا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ يعني إذا تزوجتم المصدقات بتوحيد الله ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ يعني من قبل أن تجامعوهن فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها إن شاءت تزوجت من يومها «فَمَتِّعُوهُنَّ» «2» وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا- 49- يعنى حسنا فى غير ضرار يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ «يعنى النساء «3» التسع» اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ أحللنا لك ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ يعني بالولاية: مارية القبطية أم إبراهيم وريحانة بنت عمرو اليهودي، وكانت سبيت من اليهود مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَأحللنا لك
__________
(1) فى ا: «يعنى مضيئا للناس وهو القرآن» .
(2) فى ز: « (فمتعوهن) بالنصف من المهر» .
(3) فى ز: «يعنى نساءه» .(3/500)
بَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ إلى المدينة «إضمار» «1» فإن كانت لم تهاجر إلى المدينة فلا يحل تزويجها «ثم قال- تعالى-» «2» : وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها يعني أن يتزوجها بغير مهر وهي أم شريك بنت جابر بن ضباب «3» بن حجر من بنى عامر بن لوى وكانت تحت أبي الفكر الأزدي وولدت له غلامين شريكا ومسلما ويذكرون أنه نزل عليها «دلو» «4» من السماء فشربت منه ثم توفي عنها زوجها أبو الفكر فوهبت نفسها للنبي- صلى الله عليه وسلم- فلم يقبلها ولو فعله لكان له خاصة دون المؤمنين.
فإن وهبت امرأة يهودية أو نصرانية أو أعرابية نفسها «فإنه لا يحل» «5» للنبي- صلى الله عليه وسلم- أن يتزوجها.
ثم قال: خالِصَةً لَكَ الهبة يعني خاصة لك، يا محمد مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ لا تحل هبة المرأة نفسها بغير مهر لغيرك من المؤمنين وكانت أم شريك قبل أن تهب نفسها للنبي- صلى الله عليه وسلم- امرأة أبي الفكر الأزدى ثم الدوسي
__________
(1) «إضمار» : ساقطة من ا، ف. وهي من ز.
(2) فى ف، ز، ا: ثم قال- تعالى-: «وأحللنا لك امرأة مؤمنة» .
ويفهم من ذلك أن جملة أحللنا لك من كلام الله. وقد أسقطتها كلية لأنها مفهومة ضمنا مما سبق.
(3) فى ز: زيادة: «القرشي» .
(4) فى ف، ز، ا: «دلوا» وهو خطأ لأنه فاعل مرفوع.
(5) فى النسخ: ف، ز، ا: «فإنها لا تحل» وقد غيرتها إلى «فإنه لا يحل» ليستقيم الكلام. [.....](3/501)
من رهط أبي هريرة، ثم أخبر الله عن المؤمنين فقال: قَدْ عَلِمْنا مَا فَرَضْنا عَلَيْهِمْ يعني ما أوجبنا على المؤمنين فِي أَزْواجِهِمْ ألا يتزوجوا إلا أربع نسوة بمهر وبينة وَأحللنا لهم ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ يعنى جماع الولاية لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ يا محمد حَرَجٌ في الهبة بغير مهر فيها تقديم وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً- 50- غفورا في التزويج بغير مهر للنبي- صلى الله عليه وسلم- رحيما في تحليل ذلك له «1» .
ثم قال- تعالى-: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ توقف من بنات العم والعمة والخال والخالة فلا تزوجها وَتُؤْوِي يعني وتضم إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ منهن فتتزوجها فخير الله- عز وجل- النبي- صلى الله عليه وسلم- في تزويج القرابة فذلك قوله- تعالى-: وَمَنِ ابْتَغَيْتَ منهن فتزوجتها مِمَّنْ عَزَلْتَ منهن فَلا جُناحَ يعنى فلا حرج عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى يقول ذلك أجدر
__________
(1) قال ابن أبى حاتم: حدثنا على بن الحسين، حدثنا محمد بن منصور الجعفي، حدثنا يونس ابن بكير، عن عنبسة بن الأزهر، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: «لم يكن عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- امرأة وهبت نفسها له» ورواه ابن جرير عن أبى كريب، عن يونس ابن بكير، أى أنه لم يقبل واحدة ممن وهبت نفسها له، وإن ذلك مباح له ومخصوص به لأنه مردود إلى مشيئته، كما قال الله- تعالى- « ... إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها ... » أى إن اختار ذلك.
تفسير ابن كثير: 3/ 500.
لقد وهبت نساء كثيرات أنفسهن لرسول- صلّى الله عليه وسلّم-. وروى الإمام أحمد والبخاري عن عائشة- رضى الله عنها- كانت تغير من النساء اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله حتى قالت ألا تسنحى المرأة أن تعرض نفسها بغير صداق؟
فأنزل الله- عز وجل- «تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ ... » . قالت: إنى أرى ربك يسارع لك فى هواك.(3/502)
أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ يعني نساء النبي- صلى الله عليه وسلم- التسع اللاتي اخترنه.
وذلك أنهن قلن لو فتح الله مكة على النبي- صلى الله عليه وسلم- فسيطلقنا غير عائشة ويتزوج أنسب منا. فقال الله- عز وجل-: وَلا يَحْزَنَّ إذا علمن أنك لا تزوج عليهن إلا ما أحللنا لك من تزويج القرابة. ثم قال: وَيَرْضَيْنَ يعني نساءه التسع بِما آتَيْتَهُنَّ يعني بما «كُلُّهُنَّ» «1» من النفقة وكان في نفقتهن قلة وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً- 51- ذو تجاوز. ثم حرم على النبي تزويج النساء غير التسع اللاتي اخترنه فقال: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ أزواجك التسع اللاتي عندك يقول لا يحل لك أن تزداد عليهن وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ يعني نساءه التسع مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ يعني أسماء بنت عميس الخثعمية التي كانت امرأة جعفر ذي الجناحين، ثم قال- تعالى-: إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ يعني الولاية، ثم حذر النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يركب في أمرهن ما لا ينبغي، «2» فقال: وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من العمل رَقِيباً- 52- حفيظا.
__________
(1) جاء فى تعليق على الأزهرية: «كلهن» بالرفع توكيد لنون النسوة فى «ويرضين» ولا يضير الفصل.
وأما قوله: « ... قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ... » بالرفع على قراءة أبى عمرو ف «كل» خبر أن وعلى قراءة. غيره بالنصب توكيد للأمر.
(2) وكيف يرتكب- صلّى الله عليه وسلّم- فى أمرهن ما لا ينبغي. وهو صاحب الخلق العظيم؟ لقد كان تحريم النساء عليه وقصره على زوجاته التسع مكافأة لهن حين اخترن الله ورسوله والدار الآخرة لما خيرهن رسول الله.
ثم إن الله- تعالى- رفع عنه الحرج فى ذلك، ونسخ حكم هذه الآية وأباح له التزوج، ولكن ذلك لم يقع منه بعد ذلك لتكون المنة لرسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- عليهن.
وقد رويت الأحاديث بذلك المعنى فى مسند الإمام أحمد وفى سنن الترمذي والنسائي. انظر ابن كثير: 3/ 502: عن عائشة- رضى الله عنها- قالت ما مات رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أحل الله له النساء.(3/503)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ يعني نضجه وبلاغه وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا على النبي- صلى الله عليه وسلم- في بيته فَإِذا طَعِمْتُمْ الطعام فَانْتَشِرُوا يعنى فقوموا من عنده وتفرقوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ وذلك أنهم كانوا يجلسون عند النبي- صلى الله عليه وسلم- قبل الطعام وبعد الطعام، وكان ذلك في بيت أم سلمة بنت أبي أمية أم المؤمنين، فيتحدثون عنده طويلا فكان ذلك يؤذيه ويستحيي أن يقول لهم قوموا وربما أخرج النبي- صلى الله عليه وسلم- وهم في بيته يتحدثون، فذلك قوله- عز وجل-: «وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ» إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ثم أمر الله- تبارك وتعالى- نبيه بالحجاب على نسائه، فنزل الخيار والتيمم في أمر عائشة «1» .
ونزل الحجاب في أمر زينب بنت جحش فأمر الله- تعالى- المؤمنين ألا يكلموا نساء النبي إلا من وراء حجاب، فذلك قوله: وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ من الريبة وَقُلُوبِهِنَّ وأطهر
__________
(1) الخيار هو تخيير رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لنسائه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يجدن عنده المال والزينة وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال.
وقد روى البخاري أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خير نساءه حين أمره الله أن يخبرهن. وبدأ بعائشة، فقالت: أختار الله ورسوله. وقالت كل نسائه مثل ذلك. وانظر ما سبق فى تفسير الآيتين 28، 29 من هذه السورة.
وأما التيمم. فنزلت آيته عند ما كان الرسول (ص) قافلا من إحدى الغزوات ثم أذن للجيش بالاستراحة. فذهبت عائشة- وكانت مع رسول الله فى هذه الغزوة- لتقضى شأنها. فانقطع عقد لها من جزع أظفار وحبس الرسول والمسلمون وليسوا على ماء وليس معهم ماء. فأنزل الله آية التيمم (أنظر سورة النساء: 43، سورة المائدة: 6) .(3/504)
لقلوبهن من الريبة، فقال طلحة بن عُبَيْدُ اللَّهِ القرشي من بني تيم بن مرة: ينهانا محمد أن ندخل على بنات عمنا يعني عائشة- رضي الله عنها- وهما من بنى تيم ابن مرة، ثم قال في نفسه: والله، لئن مات محمد وأنا حي لأتزوجن عائشة فأنزل الله- تعالى- في قول طلحة بن عُبَيْدُ اللَّهِ «1» وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً- 53- لأن الله جعل نساء النبي- صلى الله عليه وسلم- على المؤمنين في الحرمة كأمهاتهم، فمن ثم عظم الله تزويجهن على المؤمنين ثم أعلمهم الله أنه يعلم سرهم وعلانيتهم فقال: إِنْ تُبْدُوا إن تظهروا شَيْئاً من أمركم يعني طلحة لقوله يمنعنا محمد من الدخول على بنات عمنا، فأعلن هذا القول، ثم قال: أَوْ تُخْفُوهُ يعني أو تسروه في قلوبكم يعني قوله لأتزوجن عائشة بعد موت النبي- صلى الله عليه وسلم- فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ من السر والعلانية عَلِيماً- 54- ثم رخص في الدخول على نساء النبي- صلى الله عليه وسلم- من غير حجاب لأهل القرابة، فقال: لا جُناحَ يعني لا حرج عَلَيْهِنَّ في الدخول على نساء النبي- صلى الله عليه وسلم- فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ يعني كل حرة مسلمة وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ يعني عبيد نساء النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يدخلوا عليهن من غير حجاب فلا جناح عليهن فى ذلك وحذرهن وحذر من يدخل عليهن من غير حجاب أن يكون منهن أو منهم من لا يصلح، فقال لهن: وَاتَّقِينَ اللَّهَ «في دخولهم عليكن» «2» إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من أعمالكم شَهِيداً- 55-
__________
(1) فى ف زيادة: «واسم أمه صعبة بنت الحضرمي» .
(2) فى أ: «فى دخولهن عليكم» ، وفى ز: «فى دخولهم عليهن» .(3/505)
لم يغب عن الله- عز وجل- من يدخل عليهن إن كان منهن أو منهم ما لا يصلح.
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم. أما صلاة الرب- عز وجل- فالمغفرة للنبي- صلى الله عليه وسلم-، وأما صلاة الملائكة فالاستغفار للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمّ قَالَ- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ يعني استغفروا للنبي- صلى الله عليه وسلم وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً- 56- فلما نزلت هذه الآية قال المسلمون: هذه لك، يا رسول الله، فما لنا؟ فنزلت « ... هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً» «1» إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يعني محمدا- صلى الله عليه وسلم- نزلت في اليهود من أهل المدينة، وكان أذاهم لله- عز وجل- أن زعموا أن لله ولدا، وأنهم يخلقون كما يخلق الله- عز وجل- يعني التماثيل والتصاوير.
وأما أذاهم للنبي- صلى الله عليه وسلم- فإنهم زعموا أن محمدا ساحر مجنون شاعر كذاب لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ يعني باللعنة في الدنيا العذاب والقتل والجلاء، وأما في الآخرة فإن الله يعذبهم بالنار، فذلك قوله- عز وجل- وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً- 57- يعني عذاب الهوان.
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً والبهتان ما لم يكن وَإِثْماً مُبِيناً- 58- يعنى بينا يقال: نزلت فى على ابن أبي طالب- رضي الله عنه- وذلك أن نفرا من المنافقين كانوا يؤذونه
__________
(1) سورة الأحزاب: 43.(3/506)
ويكذبون عليه. وأن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال فى خلافته لأبى ابن كعب الأنصاري إني قرأت هذه الآية:
«وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ... » إلى آخر الآية: فوقعت مني كل موقع، والله، إني لأضربهم وأعاقبهم. فقال له أبي بن كعب- رحمه الله-:
إنك لست منهم إنك مؤدب معلم «1» .
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ يعني القناع الذي يكون فوق الخمار وذلك أن المهاجرين قدموا المدينة ومعهم نساؤهم فنزلوا مع الأنصار في ديارهم فضاقت الدور عنهم. وكان النساء يخرجن بالليل إلى النخل فيقضين حوائجهن يعني البراز فكان المريب يرصد النساء بالليل فيأتيها فيعرض عليها ويغمزها فإن هويت الجماع أعطاها أجرها وقضى حاجته وإن كانت عفيفة صاحت فتركها. وإنما كانوا يطلبون الولائد فلم تعرف الأمة من الحرة بالليل فذكر نساء المؤمنين ذلك لأزواجهن وما يلقين بالليل من الزناة، فذكروا ذَلِكَ للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأنزل الله- عز وجل- «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ» .
__________
(1) هكذا فى ز: وفى ف، وفى أ: زيادة: ويقال: ان قوما كانوا يؤذون علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- ويكذبون عليه فأنزل الله- عز وجل- فيهم هذه الآية.
فإذا كان يوم القيامة سلط الله عليهم الجرب فيحتك أحدهم حتى يبدو العظم فيقال يا فلان أيؤذيك هذا فيقول نعم فيقال هذا بأذاك المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا.
وفى هذا المعنى حديث أورده أبو حامد الغزالي فى كتاب إحياء علوم الدين: فى باب حقوق المسلم على أخيه المسلم وهو حديث عام فى آذى أى مؤمن وليس خاصا بمن آذى سيدنا على- رضى الله عنه-. ولعل الزيادة التي فى ز، أ، سببها أن أحد النساخ كان شيعيا. والدليل على أنها من صنع النساخ أن معناها سبق أن ذكره مقاتل فى تفسير الآية. ولا يعقل أن يكرره فى موضعين منفصلين.(3/507)
يعنى القناع فوق الخمار ذلِكَ أَدْنى يعنى أجدر أَنْ يُعْرَفْنَ فى زيهن أنهن لسن «بمربيات» «1» وأنهن عفايف فلا يطمع فيهن أحد فَلا يُؤْذَيْنَ بالليل وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً في تأخير العذاب عنهم رَحِيماً- 59- حين لا يعجل عليهم بالعقوبة، ثم أوعدهم فقال للنبي- صلى الله عليه وسلم-: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ عن نفاقهم وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ الفجور وهم الزناة، ثم نعتهم بأعمالهم الخبيثة فقال: وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ يعني المنافقين كانوا يخبرون المؤمنين بالمدينة بما يكرهون من عدوهم يقول لئن لم ينتهوا عن الفجور والإرجاف والنفاق لَنُغْرِيَنَّكَ يا محمد بِهِمْ يقول لنحملنك على قتلهم ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا- 60- ونجعلهم مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا فأوجب لهم اللعنة على كل حال أينما وجدوا وأدركوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا- 61- يقول خذوهم واقتلوهم قتالا، فانتهوا عن ذلك مخافة القتل. سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ هكذا كانت سنة الله في أهل بدر «القتل» «2» وهكذا سنة الله في هؤلاء الزناة وفي المرجفين القتل، إن لم ينتهوا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا- 62- يعني تحويلا لأن قوله- عز وجل- حق فى أمر القتل يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ يعني القيامة، وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يخطب، فسأله رجل عن الساعة فأوحى الله- عز وجل- إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ يعنى القيامة تَكُونُ قَرِيباً- 63- إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ يعنى كفار مكة وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً- 64-
__________
(1) فى أ: بمزينات.
(2) هكذا فى ف، والقتل: ساقطة من ز، ومن أ. والمراد بأهل بدر كفار غزوة بدر.(3/508)
يعني وقودا خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا يعنى قريبا يمنعهم وَلا نَصِيراً- 65- يعنى ولا مانعا يمنهم من العذاب يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا- 66- يعني محمدا- صلى الله عليه وسلم-.
وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فهذا قول الأتباع من مشركي العرب من أهل مكة قالوا: ربنا إنا أطعنا سادتنا، نزلت في اثني عشر رجلا وهم المطعمون يوم بدر فيهم أبو جهل بن هشام، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وكبراءنا، يعني ذوي الأسنان منا فى الكفر فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا- 67- يعني المطعمين في غزوة بدر والمستهزئين من قريش «فأضلونا عن سبيل الهدى يعنى عن التوحيد» «1» . ثم قال الأتباع: رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ يعنون القادة والرءوس من كفار قريش وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً- 68- يعني عظيما يعني اللعن على أثر اللعن. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى وذلك أن الله- عز وجل- وعظ المؤمنين ألا يؤذوا محمدا فيقولون زيد بن محمد فإن ذلك للنبي- صلى الله عليه وسلم- أذى كما آذت بنو إسرائيل موسى فزعموا أنه آدر. وذلك أن موسى- عليه السلام- كان فيه حياء شديد وكان لا يغتسل في نهر ولا غيره إلا وعليه إزار. «وكان» «2» بنو إسرائيل يغتسلون عراة. فقالوا:
ما يمنع موسى أن يتجرد كما نتجرد إلا أنه آدر فانطلق موسى- عليه السلام- ذات يوم يغتسل في عين بأرض الشام واستتر بصخرة ووضع ثيابه عليها ففرت الصخرة
__________
(1) هكذا فى ز، وفى ف، أ: «فأضلونا عن السبيل يعنى سبيل الهدى عن التوحيد» ، ولكن عبارة الأزهرية أسهل فهما.
(2) فى ف، أ، ز: «وكانت» . ولكن «كان» أنسب هنا من «كانت» .(3/509)
بثيابه وأتبعها موسى- عليه السلام- متجردا فلحقها فضربها بعصاه «وكان موسى- عليه السلام- لا يضع العصا من يده حيث ما كان» «1» وقال لها: ارجعي إلى مكانك فقالت: إنما أنا عبد مأمور لم تضربني فردها إلى مكانها. فنظرت إليه بنو إسرائيل فإذا هو من أحسن الناس خلقا وأعدلهم صورة وكان «سليما» «2» ليس الذي قالوا «3» ، فذلك قوله- عز وجل- فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا إنه آدر وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً- 69- يعنى مكينا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً- 70- يعني قولا عدلا وهو التوحيد يُصْلِحْ لَكُمْ يعني يزكي لكم أَعْمالَكُمْ بالتوحيد وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ محمدا- صلى الله عليه وسلم- فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً- 71- يقول قد نجا بالخير وأصاب منه نصيبا وافرا إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ وهي الطاعة عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ على الثواب والعقاب إن أحسنت جوزيت وإن عصت عوقبت فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها يعني الطاعة على الثواب والعقاب فلم يطقنها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وأشفقن من العذاب مخافة ترك الطاعة فقيل لآدم- عليه السلام- أتحملها بما فيها، قال آدم: وما فيها يا رب؟ قال: إن أطعت جوزيت وإن عصيت عوقبت. قال آدم: قد حملتها بما فيها. قال الله- عز وجل- فلم يلبث في الجنة إلا قليلا يعني ساعتين من يومه حتى عصى ربه- عز وجل- وخان الأمانة، فذلك قوله- عز وجل-: وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ يعنى
__________
(1) هذه الجملة التي بين القوسين « ... » : فى ف، وساقطة من ز.
(2) فى ف، أ: «جسيما» . [.....]
(3) فى الأزهرية زيادة وأما قوله «لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى ... » فهو مثل «لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ» .(3/510)
آدم- عليه السلام- إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً لنفسه بخطيئته جَهُولًا- 72- بعاقبة ما تحمل من الطاعة على الثواب والعقاب.
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ يقول عرضنا الأمانة على الإنسان لكي يعذب الله المنافقين وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ بما خانوا الأمانة وكذبوا الرسل، ونقضوا الميثاق الذي أقروا به على أنفسهم، يوم أخرجهم من ظهر آدم- عليه السلام- حين قال- عز وجل- « ... أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ... » «1»
فنقضوا هذه المعرفة وتركوا للطاعة يعنى التوحيد وَيَتُوبَ اللَّهُ يقول ولكي يتوب الله عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بما وفوا بالأمانة ولم ينقضوا الميثاق وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً لذنوبهم رَحِيماً- 73- بهم.
__________
(1) سورة الأعراف: 172.(3/511)
سورة سبأ(3/513)
سورة سبا مكية وآياتها أربع وخمسون
[سورة سبإ (34) : الآيات 1 الى 54]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (8) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)
وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (13) فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (14)
لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (18) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24)
قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (28) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (29)
قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (30) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (33) وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (34)
وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (36) وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (38) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (40) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (42) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا مَا هَذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا مَا هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (43) وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44)
وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ مَا آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (45) قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (46) قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (48) قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (49)
قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (51) وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (53) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)(3/515)
سورة سبإ «1» سورة سبإ مكية عددها أربع وخمسون آية كوفية «2» .
__________
(1) مقصود السورة:
بيان حجة التوحيد، وبرهان نبوة الرسول- صلى الله عليه وسلم- ومعجزات داود وسليمان، ووفاتهما، وهلاك سبإ، وشؤم الكفران، وعدم الشكر، وإلزام الحجة على عباد الأصنام، ومناظرة مادة الضلالة وسفلتهم، ومعاملة الأمم الماضية مع النبيين، ووعد المنفقين والمصدقين بالإخلاف، والرجوع بإلزام الحجة على منكري النبوة، وتمنى الكفار فى وقت الوفاة الرجوع إلى الدنيا فى قوله:
«وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ» سورة سبأ: 54.
وفى كتاب بصائر ذوى التمييز ما يأتى:
سميت سورة سبإ لاشتمالها على قصة سبإ «لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آية « ... » سورة سبإ: 15 وما بعدها
(2) فى المصحف (34) سورة سبإ مكية إلا آية 6 فمدنية وآياتها 54 نزلت بعد سورة لقمان(3/521)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وذلك أن كفار مكة لما كفروا بالبعث، حمد الرب نفسه قال- عز وجل- «الْحَمْدُ لِلَّهِ» الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ من الخلق وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ يعني يحمده أولياؤه في الآخرة إذا دخلوا الجنة فقالوا: « ... الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ ... » «1» ، « ... الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا ... » «2» وَهُوَ الْحَكِيمُ حكم البعث الْخَبِيرُ- 1- به [97 أ] يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ من المطر وَما يَخْرُجُ مِنْها من النبات وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ من المطر وَما يَعْرُجُ فِيها يعني وما يصعد في السماء من الملائكة وَهُوَ الرَّحِيمُ حين لا يعجل عليهم بالعذاب «الْغَفُورُ» «3» - 2- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أبو سفيان لكفار مكة واللات والعزى لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ أبدا فلما حلف أبو سفيان بالأصنام حلف النبي- صلى الله عليه وسلم- بالله- عز وجل-، فقال- الله- عز وجل-: قُلْ يا محمد بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ الساعة عالِمِ الْغَيْبِ غيب الساعة لا يَعْزُبُ عَنْهُ من مِثْقالُ ذَرَّةٍ وزن أصغر النمل فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ ولا أقل من ذلك المثقال وَلا أَكْبَرُ منه ولا أعظم من المثقال إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ- 3- إلا هو بين في اللوح المحفوظ لِيَجْزِيَ لكي يجزى
__________
(1) سورة الزمر: 74.
(2) سورة الأعراف: 43.
(3) «الغفور» : ساقطة من أ.(3/523)
في الساعة الَّذِينَ آمَنُوا صدقوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ «بالقسط» «1» :
بالعدل أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ حسنا فى الجنة، ثم ذكر كفار مكة فقال- عز وجل-: وَالَّذِينَ سَعَوْا عملوا فِي آياتِنا يعنى القرآن مُعاجِزِينَ مثبطين الناس عن الإيمان بالقرآن مثلها في الحج «أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ» «2» - 5- نظيرها في الجاثية «3» .
وَيَرَى ويعلم الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ بالله- عز وجل- يعني مؤمني أهل الكتاب وهي قراءة ابن مسعود «ويعلم الذين أوتوا الحكمة من قبل» الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ يعنى القرآن وَيَهْدِي إِلى صِراطِ ويدعو إلى دين الْعَزِيزِ في ملكه الْحَمِيدِ- 6- في خلقه. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا بالبعث أبو سفيان، قال لكفار مكة: هَلْ نَدُلُّكُمْ ألا ندلكم عَلى رَجُلٍ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- يُنَبِّئُكُمْ يخبركم أنكم إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ يخبركم أنكم إذا تفرقتم في الأرض وذهبت «اللحوم والعظام» «4» وكنتم ترابا «إِنَّكُمْ» «5» لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ- 7- يعني البعث بعد الموت، ثم قال أبو سفيان:
أَفْتَرى محمد- صلى الله عليه وسلم- عَلَى اللَّهِ كَذِباً حين يزعم أنا نبعث
__________
(1) «بالقسط» : ليست هذه الكلمة جزءا من هذه الآية، وان كانت جزءا من آية أخرى.
(2) فى أ: «لهم عذاب» ، وفى ز: «أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ» .
(3) يشير إلى الآية 11 من سورة الجاثية وهي: «هَذَا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ» .
(4) فى أ: «اللحوم العظام» ، وفى ز: «اللحوم والعظام» .
(5) «إنكم» : ساقطة من أ.(3/524)
بعد الموت أَمْ بِهِ جِنَّةٌ يقول: «أم بمحمد جنون» «1» فرد الله- جل وعز- عليهم فقال: بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال هم أكذب وأشد فرية من محمد- صلى الله عليه وسلم- حين كذبوا بالبعث، ثم قال- جل وعز: هم فِي الْعَذابِ فى الآخرة وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ- 8- الشقاء الطويل نظيرها في آخر «اقتربت الساعة» «2» .
ثم خوفهم فقال- جل وعز-: أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ [97 ب] أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ ثم بين ما هو فقال- جل وعز- مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ «فتبتلعهم» «3» أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ يعني جانبا من السماء فنهلكهم بها «إِنَّ فِي ذلِكَ» «4» لَآيَةً يعنى عبرة «5» لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ- 9- مخلص بالتوحيد وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ أعطينا داود مِنَّا فَضْلًا النبوة كقوله- عز وجل- للنبي- صلى الله عليه وسلم- فى سورة النساء: « ... (وَكانَ فَضْلُ
«6» لَّهِ) عَلَيْكَ عَظِيماً «7» » يعنى النبوة والكتاب، فذلك قوله
__________
(1) من ز، وفى أ: «أم جنون- صلى الله عليه وسلم- جنون» .
(2) سورة القمر: 1، ويشير إلى الآيات «كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ» أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ، أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ، سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ، إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ» يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ» سورة القمر: 42- 48. [.....]
(3) «فتبتلعهم» : من ز، وفى أ: «فتشعلهم» .
(4) «إن فى ذلك» : ساقط من أ، وهي فى ز.
(5) «يعنى لعبرة» : من ز وحدها.
(6) فى ز: «وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً» ، وفى أ: «وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ ... »
الآية
(7) سورة النساء: 113.(3/525)
- عز وجل- « (وَلَقَدْ آتَيْنا «1» ) داوُدَ مِنَّا فَضْلًا» النبوة والزبور وما سخر له من الجبل والطير والحديد ثم بين ما أعطاه فقال- عز وجل-: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ سبحي معه مع داود- عليه السلام- يقول اذكري الرب مع داود وهو التسبيح، ثم قال- عز وجل-: وَسخرنا له الطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ- 10- فكان داود- عليه السلام- يضفر الحديد ضفر العجين من غير نار فيتخذها دروعا طوالا، فذلك قوله- عز وجل-: أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ الدروع الطوال وكانت الدروع قبل داود إنما هي صفائح الحديد مضروبة فكان داود- عليه السلام- يشد الدروع بمسامير ما يقرعها بحديد ولا يدخلها النار فيقرع من الدروع في بعض النهار وبعض الليل بيده ثمن ألف درهم»
قال لداود:
وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ يقول قدر المسامير في الخلق ولا تعظم المسامير فتنقصم «3» ولا تضفر المسامير فتسلس. ثم قال الله- عز وجل- لآل داود: وَاعْمَلُوا صالِحاً يعني قولوا «الحمد لله إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» «4» - 11- ثم ذكر ابنه سليمان- عليهما السلام- وما أعطاه الله- عز وجل- من الخير والكرامة فقال- عز وجل: وَسخرنا لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ يعني مسيرة شهر فتحملهم الريح من بيت المقدس إلى إصطخر وتروح بهم «ذابلستان» «5» وَرَواحُها شَهْرٌ
__________
(1) فى أ: «آتينا» ، وفى ز: «ولقد آتينا» .
(2) كذا فى أ، ز. «والمعنى ما ثمنه ألف درهم، وفى حاشية أ: «الظاهر أنه ثمانية آلاف» ، وأرى أن الأصل أصدق من الحاشية.
(3) فى أ: «ولا تعظم المسامير فتنقص» ، ز: «ولا تعظم المسمار فيقصم» .
(4) من ز، وفى أ: «الحمد لله الآية» .
(5) «ذابلستان» : كذا فى أ، ز. وهي فى ز تشبه: «نابلستان» .(3/526)
يعنى مسيرة فنحملهم إلى بيت المقدس لا تحول طيرا من فوقهم ولا ورقة من تحتهم ولا تثير ترابا ثم قال- جل وعز- وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ يعني أخرجنا لسليمان عين الصفر ثلاثة أيام تجري مجرى الماء بأرض اليمن وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ وسخرنا لسليمان من الجن من يعمل بَيْنَ يَدَيْهِ بين يدي سليمان بِإِذْنِ رَبِّهِ يعني رب سليمان- عز وجل- وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ ومن يعدل منهم «عَنْ أَمْرِنا» «1» عن أمر سليمان- عليه السلام- نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ- 12- الوقود في الدنيا كان ملك بيده سوط من نار من يزغ عن أمر سليمان ضربه بسوط من نار فذلك عذاب السعير «2» يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ يعنى الجن لسليمان مِنْ مَحارِيبَ [98 أ] المساجد وَتَماثِيلَ من نحاس ورخام من «الأرض» «3» المقدسة وإصطخر من غير أن يعبدها أحد، ثم قال- جل وعز-: وَجِفانٍ «كَالْجَوابِ» «4» وقصاع في العظم كحياض الإبل بأرض اليمن من العظم يجلس على كل قصعة واحدة ألف رجل يأكلون منها بين يدي سليمان وَقُدُورٍ عظام لها قوائم لا نتحرك راسِياتٍ ثابتات نتخذ من الجبال والقدور وعين الصفر بأرض اليمن، وكان ملك سليمان ما بين مصر وكابل، ثم قال- جل وعز-: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً بما أعطيتم من الخير يقول الرب- عز وجل-: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ- 13- لربهم «5» فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ
__________
(1) فى أ: «عن أمرنا» سليمان، وفى ز: «عن أمرنا» لسليمان.
(2) من ز، والآية مضطربة فى أ.
(3) فى الأصل: «أرض» .
(4) فى أ: «كالجوابى» . [.....]
(5) كذا فى أ، ز.(3/527)
على سليمان «1» الْمَوْتَ وذلك أن سليمان- عليه السلام- كان دخل في السن وهو في بيت المقدس ما دَلَّهُمْ ما دل الجن عَلى مَوْتِهِ على موت سليمان إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ يعني «الأرضة» «2» وذلك أن الجن كانوا يخبرون الإنس أنهم يعلمون الغيب الذي يكون في غد فابتلوا بموت سليمان ببيت المقدس وكان داود أسس بيت المقدس موضع فسطاط موسى- عليه السلام- فمات قبل أن يبني فبناه سليمان بالصخر والقار، فلما حضره الموت قال لأهله: لا تخبروا الجن بموتي حتى يفرغوا من بناء بيت المقدس. «وكان قد بقي منه عمل سنة» «3» ، فلما حضره الموت وهو متكئ على عصاه، وقد أوصى أن يكتم موته، وقال: لا تبكوا علي سنة لئلا يتفرق الجن عن بناء بيت المقدس. ففعلوا «فلما بنوا سنة» «4» وفرغوا من بنائه سلط الله- عز وجل- عليه الأرضة عند رأس الحول على أسفل عصاه فأكلته، فذلك قوله- عز وجل-: تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ أسفل العصا فخر عند ذلك سليمان ميتا فرأته الجن فتفرقت، فذلك قوله- عز وجل-: فَلَمَّا خَرَّ سليمان تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ يعنى تبينت الإنس أَنْ لَوْ كانُوا الجن يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ يعنى غيب موت سليمان ما لَبِثُوا حولا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ- 14- والشقاء والنصب في بيت المقدس وإنما سموا الجن لأنهم استخفوا من الإنس فلم يروهم.
لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ وهو زجل بن يشخب بن يعرب بن قحطان فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ، ثم قال: جَنَّتانِ أحدهما عَنْ يَمِينٍ الوادي وَالأخرى عن
__________
(1) فى أ: «فلما قضينا على سليمان الموت» . وفى حاشية أ: «الآية عليه الموت» .
(2) فى أ: «الأرض» ، وفى ز: «الأرضة» .
(3) من ز، وفى أ: «وكان بقي من عمله سنة» .
(4) كذا فى ل، ز، وفى أ: «فلما بنوه سنة» وأرى أن أصلها: «فلما بنوه بعد سنة» .(3/528)
شِمالٍ الوادي، واسم الوادي العرم، يقول الله- عز وجل- لأهل تلك الجنتين: كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ الذي فى الجنتين وَاشْكُرُوا لَهُ لله فيما رزقكم ثم قال: أرض سبأ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ بأنها أخرجت ثمارها وَربكم إن شكرتم فيما رزقكم [98 ب] رَبٌّ غَفُورٌ- 15- للذنوب كانت المرأة تحمل مكتلا على رأسها فتدخل البستان فيمتلئ مكتلها من ألوان الفاكهة والثمار من غير أن تمس شيئا بيدها، وكان أهل سبأ إذا أمطروا يأتيهم السيل من مسيرة أيام كثيرة إلى العرم، فعمدوا فسدوا ما بين الجبلين بالصخر والقار فاستد زمانا، وارتفع الماء على حافتي الوادي فصار فيهما ألوان الفاكهة والأعناب فعصوا ربهم فلم يشكروه فذلك قوله- عز وجل-: فَأَعْرَضُوا عن الحق فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ
والسيل هو الماء، والعرم اسم الوادي سلط الله- عز وجل- «الفأرة» «1» على البناء الذي بنوه «وتسمى الخلد» «2» فنقبت الردم ما بين الجبلين فخرج الماء ويبست جناتهم وأبدلهم الله- عز وجل- مكان الفاكهة والأعناب:
«وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ» «3» أُكُلٍ خَمْطٍ وهو الأراك وَأَثْلٍ يعني شجرة تسمى الطرفاء يتخذون منها الأقداح النضار وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ- 16- وثمره السدر النبق ذلِكَ الهلاك جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا كافأناهم بكفرهم وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ- 17- وهل يكافأ بعمله السيء إلا الكفور لله- عز وجل- في نعمه.
__________
(1) «الفارة» : ساقطة من أ.
(2) فى ز: «واسمها الخلد» ، وفى أ: «ويسمى الخلد» .
(3) «وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ» : ساقطة من أ، ز، ل.(3/529)
ثم: وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ بين أهل سبإ وَبَيْنَ الْقُرَى قرى «الأرض» «1» المقدسة: الأردن وفلسطين الَّتِي بارَكْنا فِيها بالشجر والماء قُرىً ظاهِرَةً متواصلة وكان متجرهم من أرض اليمن إلى أرض الشام على كل ميل قرية وسوق، لا يحلون عنده حتى يرجعوا «إلى اليمين» «2» من الشام، فذلك قوله- عز وجل-: وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ للمبيت والمقيل من قرية إلى قرية سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ- 18- من الجوع والعطش والسباع فلم يشكروا ربهم «وسألوا» «3» ربهم أن تكون القرى والمنازل بعضها أبعد من بعض فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ للناس وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ يقول الله- عز وجل- وفرقناهم في كل وجه فلما خرجوا من أرض سبأ، ساروا فأما الأزد فنزلوا البحرين وعمان، وأما خزاعة فنزلوا بمكة، وأما الأنصار وهم الأوس والخزرج، فنزلوا بالمدينة، وأما غسان فنزلوا بالشام فهذا تمزقهم، فذلك قوله- عز وجل-: «فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ» إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ «يعني في هلاك جنتيهم وتفريقهم عبرة» «4» لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ- 19- يعني المؤمن من هذه الأمة صبور على البلاء إذا ابتلى لما ابتلي أهل سبأ ثم قال: «شكور» لله- عز وجل- في نعمه: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ وذلك أن إبليس خلق من نار السموم، وخلق آدم من طين [99 أ] ، ثم قال إبليس: إن النار ستغلب
__________
(1) فى الأصل: «أرض» .
(2) فى ل: «اليمين» ، وفى أ: «إلى اليمين إلى الشام» ، وفى ز: «اليمين إلى الشام» .
(3) «سألوا» : ساقطة من أ، وهي من ز.
(4) من ز، وفى أ: «يعنى جناتهم وتفريقهم عبرة» .(3/530)
الطين فقال « ... لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ ... » «1» الآية. فمن ثم صدق ظنه يقول الله- عز وجل-: فَاتَّبَعُوهُ ثم استثنى عباده المخلصين فقال- جل وعز-: إِلَّا فَرِيقاً طائفة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- 20- لم يتبعوه في الشرك، وهم الذين قال الله: «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ... » «2» ،
ثم قال: وَما كانَ لَهُ لإبليس عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ من ملك أن يضلهم عن الهدى إِلَّا لِنَعْلَمَ لنرى مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ ليبين المؤمن من الكافر وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الإيمان والشك حَفِيظٌ- 21- رقيب: قُلِ لكفار مكة ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أنهم آلهة يعني الملائكة الذين عبدتموهم فليكشفوا الضر الذي نزل بكم من الجوع من السنين السبع نظيرها في بني إسرائيل فأخبر الله- عز وجل- عن الملائكة أنهم لا يَمْلِكُونَ لا يقدرون على مِثْقالَ ذَرَّةٍ يعنى أصغر وزن النمل فِي السَّماواتِ فى خلق السموات «وَلا فِي الْأَرْضِ» «3» فكيف يملكون كشف الضر عنكم وَما لَهُمْ فِيهِما فى خلق السموات والأرض مِنْ شِرْكٍ يعنى الملائكة وَما لَهُ مِنْهُمْ من الملائكة مِنْ ظَهِيرٍ- 22- يعني عونا على شيء، ثم ذكر الملائكة الذين رجوا منافعهم، فقال- جل وعز-: وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ شفاعة الملائكة عِنْدَهُ لأحد إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ أن يشفع من أهل التوحيد، ثم أخبر عن خوف الملائكة أنهم إذا سمعوا الوحي خروا سجدا من مخافة الساعة، فكيف يعبدون من هذه منزلته؟ فهلا يعبدون من تخافه الملائكة؟ قال: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ
__________
(1) سورة
(2) سورة الحجر: 42. [.....]
(3) فى أ: «والأرض» ، وفى حاشية أ: الآية «ولا فى الأرض» .(3/531)
وذلك أن أهل السموات من الملائكة لم يكونوا سمعوا صوت الوحي ما بين زمن عيسى ومحمد- صلى الله عليه وسلم- وكان بينهما قريب من ستمائة عام، فلما نزل الوحي على محمد- صلى الله عليه وسلم- سمعوا صوت الوحي كوقع الحديد على الصفا، فخروا سجدا مخافة القيامة، إذ هبط جبريل على أهل كل سماء فأخبرهم أنه الوحي، فذلك قوله- عز وجل-: «حتى إذا فزع عن قلوبهم» تجلى الفزع عن قلوبهم قاموا من السجود قالُوا فتسأل الملائكة بعضها بعضا مَاذَا قالَ جبريل عن رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ يعنى الوحى وَهُوَ الْعَلِيُّ الرفيع الْكَبِيرُ- 23- العظيم فلا أعظم منه قُلْ لكفار مكة الذين يعبدون الملائكة مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ يعني المطر وَالْأَرْضِ يعني النبات فردوا في سورة يونس قالوا: « ... اللَّهُ ... » «1» يرزقنا إضمار قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: قُلِ اللَّهُ يرزقكم، ثم انقطع الكلام، وأما قوله: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ- 24- قال كفار مكة للنبي- صلى الله عليه وسلم-: تعالوا ننظر فى [99 ب] معايشنا من أفضل دنيا نحن أم أنتم يا أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم-: إنكم لعلى ضلالة، - فرد عليهم النبي- صلى الله عليه وسلم- ما نحن وأنتم على أمر واحد إن أحد الفريقين لعلى هدى، يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- نفسه وأصحابه أو في ضلال مبين يعنى كفار مكة الألف ها هنا صلة، مثل قوله
__________
(1) يشير إلى الآية 31 من سورة يونس وهي:
«قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ» .(3/532)
- عز وجل- « ... وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً «1» ... » «قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ» «2» - 25- قُلْ يا محمد لكفار مكة:
يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا فى الآخرة وأنتم ثُمَّ يَفْتَحُ يقضى بَيْنَنا بِالْحَقِّ بالعدل وَهُوَ الْفَتَّاحُ القضاء الْعَلِيمُ- 26- بما يقضي قُلْ لكفار مكة: أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ يعني بالله- عز وجل- شُرَكاءَ من الملائكة هل خلقوا شيئا يقول الله- عز وجل-: كَلَّا ما خلقوا شيئا ثم استأنف بَلْ هُوَ اللَّهُ الذي خلق الأشياء كلها «3» الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ- 27- «العزيز» في ملكه «الحكيم» في أمره، نظيرها فى الأحقاف «4» وَما أَرْسَلْناكَ يعنى يا محمد إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ عامة للناس بَشِيراً بالجنة لمن أجابه وَنَذِيراً من النار لمن عصاه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يعني أهل مكة لا يَعْلَمُونَ- 28- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ الذي تعدنا يا محمد «5» إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 29- إن كنت صادقا بأن العذاب نازل بنا فى الدنيا قُلْ لَكُمْ مِيعادُ ميقات في العذاب يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ عن الميعاد ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ- 30- يعنى لا تتباعدون عنه ولا نتقدمون، وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني الأسود بن عبد يغوث، وثعلب وهما أخوان ابنا
__________
(1) سورة
(2) الآية 25 ساقطة من أفلم تذكر هي ولا تفسيرها.
(3) فى أ: كلها الآية، وفى ز: «العزيز» فى ملكه «الحكيم» فى أمره.
(4) سورة الأحقاف: 2 وهي «تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ» .
(5) فى أ: يا محمد الآية.(3/533)
الحارث بن السباق من بني عبد الدار بن قصي لَنْ نُؤْمِنَ لك لا نصدق بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ من الكتب التي نزلت قبل القرآن، «بين يديه» التوراة والإنجيل والزبور وَلَوْ تَرى يا محمد إِذِ الظَّالِمُونَ يعني مشركي مكة مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ في الآخرة يَرْجِعُ يرد بَعْضُهُمْ «إِلى» «1» بَعْضٍ الْقَوْلَ ثم أخبر عن قولهم: يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا وهم الأتباع لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا الذين تكبروا عن الإيمان وهم القادة في الكفر لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ- 31- لولا أنتم- معشر الكبراء- لكنا مؤمنين يعني مصدقين بتوحيد الله- عز وجل- فردت القادة وهم الكبراء على الضعفاء وهم الأتباع: «قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا» «2» أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى يعني أنحن منعناكم عن الإيمان بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ- 32- فردت الضعفاء على الكبراء فقالوا: «وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا» «3» بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ «بل قولهم [100 أ] كذب بالليل والنهار» «4» إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ بتوحيد الله- عز وجل- وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً يعني وتأمرونا أن نجعل له شريكا وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ فى أنفسهم لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ حين عاينوا العذاب في الآخرة وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ «الَّذِينَ «5» كَفَرُوا» وذلك أن الله- عز وجل- يأمر خزنة جهنم أن يجعلوا
__________
(1) فى حاشية أ: فى الأصل «على» .
(2) ما بين القوسين « ... » : ساقط من أ، ز.
(3) ما بين القوسين « ... » : ساقط من أ.
(4) من أ، وفى ز: «يعنى بل قولهم لنا بالليل والنهار» .
(5) «الذين كفروا» : ساقطة من أ.(3/534)
الأغلال في أعناق الذين كفروا بتوحيد الله- عز وجل-، «وقالت» «1» لهم الخزنة: «هَلْ يُجْزَوْنَ» «2» فى الآخرة إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ- 33- من الكفر في الدنيا وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ من رسول إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها أغنياؤها وجبابرتها للرسل إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ بالتوحيد كافِرُونَ- 34- وَقالُوا أيضا لفقراء المسلمين أهؤلاء خير منا أم هم أولى بالله منا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ- 35- يقول الله- عز وجل-: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ ويقتر على من يشاء وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ كفار مكة لا يَعْلَمُونَ- 36- أن البسط والقتر بيد الله- عز وجل- وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى يعنى قربة إِلَّا مَنْ آمَنَ صدق بالله «وَعَمِلَ صالِحاً» «3» «فَأُولئِكَ لَهُمْ» «4» جَزاءُ الضِّعْفِ «بِما عَمِلُوا» «5» من الخير نجزي بالحسنة الواحدة عشرة فصاعدا، ثم قال- عز وجل-: وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ غرف الجنة آمِنُونَ- 37- من الموت وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ يقول عملوا بالتكذيب بالقرآن مثبطين عن الإيمان بالقرآن أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ- 38- النار قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ يوسع الرزق على من يشاء مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ويقتر وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ بقول الله- جل وعز-
__________
(1) فى أ: «قالت» ، ز: «وقال» .
(2) فى أ: «هل» «تجزون إلا ما كنتم» . [.....]
(3) فى أ: «وعمل صالحا ... » الآية.
(4) «فأولئك لهم» : ليس فى أ.
(5) «بما عملوا» : ساقطة من أ.(3/535)
أخلفه لكم وأعطاكموه وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ- 39- مثل قوله- عز وجل-:
« ... وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ «1» ... » وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يعنى الملائكة ومن عبدها يعني يجمعهم جميعا في الآخرة ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ- 40- يعني عن أمركم عبدوكم فنزهت الملائكة ربها- عز وجل- عن الشرك ف قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ ونحن منهم «براء» «2» إضمار «3» ما أمرناهم بعبادتنا بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ بل أطاعوا الشيطان فى عبادتهم وأَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ- 41- مصدقين بالشيطان فَالْيَوْمَ في الآخرة لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا [100 ب] لا تقدر الملائكة على أن تسوق إلى من عبدها نفعا، ولا تقدر على أن تدفع عنهم سوءا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا يأمر الله الخزنة أن تقول للمشركين من أهل مكة: «ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ» «4» «الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ «5» - 42- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا وإذا قرى عليهم القرآن بَيِّناتٍ ما فيه من الأمر والنهى قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يعنون النبي- صلى الله عليه وسلم- يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا القرآن إِلَّا إِفْكٌ كذب مُفْتَرىً افتراه محمد- صلى الله عليه وسلم-
__________
(1) سورة الحديد: 7.
(2) فى أ: «براء» ، ز: «برآء» .
(3) من ز، وحدها.
(4) فى أ: الآية.
(5) «الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ» : ساقطة من أ.(3/536)
من تلقاء نفسه وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا من اهل مكة لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ «يعنون» «1» القرآن حين جاءهم إِنْ هَذَا القرآن إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ- 43- يقول الله- عز وجل-: وَما آتَيْناهُمْ يعني وما أعطيناهم مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها يعني يقرءونها بأن مع الله شريكا نظيرها فى الزخرف «أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً ... » الآية «2» ونظيرها فى الملائكة «3» وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ يعنى أهل مكة قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ- 44- يا محمد من رسول لم ينزل كتاب، ولا رسول قبل محمد- صلى الله عليه وسلم- إلى العرب، ثم قال- جل وعز-: وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني الأمم الخالية كذبوا رسلهم قبل كفار مكة وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ وما بلغ الكفار مكة، عشر الذي أعطينا الأمم الخالية من الأموال والعدة والعمر والقوة فَكَذَّبُوا رُسُلِي فأهلكناهم بالعذاب في الدنيا حين كذبوا الرسل فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ- 45- تغييرى الشر فاحذروا، يا أهل مكة، مثل عذاب الأمم الخالية قُلْ لكفار مكة إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ بكلمة واحدة كلمة الإخلاص أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ الحق مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ألا يتفكر الرجل وحده ومع صاحبه فيعلم ويتفكر في خلق السموات والأرض وما بينهما أن الله- جل وعز- خلق هذه الأشياء وحده وأن محمدا لصادق وما به جنون إِنْ هُوَ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ
__________
(1) «يعنون» : من ز، وليست فى أ.
(2) سورة الزخرف: 21.
(3) عله يشير إلى الآية 32 من سورة فاطر وهي: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ: بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ» .(3/537)
مبين «1» يعني بينا بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ- 46- في الآخرة قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- سأل كفار مكة ألا يؤذوه حتى يبلغ عن الله- عز وجل- الرسالة فقال بعضهم لبعض ما سألكم شططا كفوا عنه، فسمعوا النبي- صلى الله عليه وسلم- يوما يذكر اللات والعزى في القرآن فقالوا ما ينتهي هذا الرجل عن عيب آلهتنا سألنا ألا تؤذيه فقد فعلنا، وسألناه ألا يؤذينا في آلهتنا فلم يفعل، فأكثروا في ذلك، فأنزل الله [101 أ]- عز وجل- «قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ» جعل «فهو لكم» إِنْ أَجْرِيَ ما جزائي إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ- 47- بأني نذير وما بي من جنون قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ يتكلم بالوحي عَلَّامُ الْغُيُوبِ- 48- عالم كل غيب، وإذا قال- جل وعز- عالم الغيب فهو غيب واحد قُلْ جاءَ الْحَقُّ الإسلام وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ- 49- يقول ما يبدئ الشيطان الخلق فيخلقهم وما يعيد خلقهم في الآخرة فيبعثهم بعد الموت والله- جل وعز- بفعل ذلك قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ وذلك أن كفار مكة قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- لقد ضللت حين تركت دين آبائك فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي إنما ضلالتي على نفسي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي من القرآن «2» إِنَّهُ سَمِيعٌ الدعاء قَرِيبٌ- 50- الإجابة.
وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ يقول إذا فزعوا عند معاينة العذاب «3» ، نزلت
__________
(1) كذا فى أ، ز.
(2) أ: «من العذاب» ، ز: «من القرآن» .
(3) من ز وحدها وأما فى أ: نزلت فى السفياني. وساق قصة أشبه بخرافات بنى إسرائيل.
وما كان أغناه عن سردها. [.....](3/538)
في السفياني «وذلك أن السفياني يبعث ثلاثين ألف رجل من الشام مقاتلة إلى الحجاز عليهم رجل اسمه بحير بن بجيلة فإذا انتهوا إلى البيداء خسف بهم» «1» فلا ينجو منهم أحد غير رجل من جهينة اسمه ناجية يفلت وحده، مقلوب وجهه وراء ظهره، يرجع القهقري فيخبر الناس بما لقي أصحابه «2» .
قال: وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ- 51- من تحت «أرجلهم» «3» وَقالُوا آمَنَّا بِهِ حين رأوا العذاب يقول الله- تعالى-: «وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ» «4» التوبة عند معاينة العذاب مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ- 52- الرجعة إلى التوبة بعيد منهم لأنه لا يقبل منهم «5» وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ بالقرآن مِنْ قَبْلُ نزول العذاب حين بعث اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- محمدا- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ يقول: «ويتكلمون بالإيمان» «6» مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ- 53- يقول التوبة تباعد منهم فلا يقبل منهم وقد غيب عنهم الإيمان عند نزول العذاب فلم يقدروا عليه عند نزول العذاب بهم في الدنيا وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ من أن تقبل التوبة «7» منهم عند العذاب كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ يقول كما عذب أوائلهم من
__________
(1) من أ، وفى ز: وذلك أن السفياني يبعث ثلاثين ألف رجل من الشام مقاتلة إلى الحجاز عليهم رجل اسمه بحير بن بجيلة، فإذا انتهوا إلى البيداء خسف بهم.
(2) كذا فى ز، وفى أقصة خرافية بهذا المعنى.
(3) فى الأصول: «أجلهم» ولعلها «أرجلهم» .
(4) فى أ: الآية.
(5) من ز، وليس فى أ.
(6) من ز، وفى أ: «ويرجمون بالظنون» .
(7) من ز، وفى أ: وبين السفياني.(3/539)
الأمم الخالية من قبل هؤلاء إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ من العذاب بأنه غير نازل بهم في الدنيا مُرِيبٍ- 54- يعنى بمريب أنهم لا يعرفون شكهم «ويقال كان هذا العذاب بالسيف يوم بدر «1» وقالوا آمنا به يعنى بالقرآن.
__________
(1) ما بين القوسين « ... » من ز وحدها.(3/540)
سورة فاطر(3/541)
(35) سورة فاطر مكّية وآياتها خمس وأربعون
[سورة فاطر (35) : الآيات 1 الى 45]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4)
يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (8) وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (9)
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)
يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (19)
وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ (20) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (21) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ (24)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (26) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29)
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (33) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)
الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (35) وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (38) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً (39)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (40) إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (42) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (44)
وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (45)(3/543)
سورة فاطر «1» سورة الملائكة «2» مكية.
عددها خمس وأربعون آية كوفية «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان خلق الملائكة، وفتح أبواب الرحمة وتذكير النعمة، والتحذير من الجن، وعداوتهم وتسلية الرسول- صلى الله عليه وسلم- وصعود كلمة الشهادة، وتحويل الإنسان من حال إلى حال، وذكر عجائب البحر واستخراج الحلية منه، وتخليق الليل والنهار، وعجز الأصنام عن الربوبية، وصفة الخلائق بالفقر والفاقة، واحتياج الخلق فى القيامة، وإقامة البرهان والحجة وفضل القرآن، وشرف التلاوة وأصناف الخلق فى ميراث القرآن، ودخول أهل الإيمان الجنة، وخلود النار لأهل الكفر والطغيان، والإخبار بأنه لو عدل ربنا فى الخلق لم يسلم من عذابه أحد من الإنس والجان.
(2) تسمى سورة الملائكة، وتسمى سورة فاطر، ففي أولها:
«الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» .
(3) فى المصحف: (35) سورة فاطر مكية.
آياتها 45 نزلت بعد الفرقان.(3/549)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الشكر لله فاطِرِ يعني خالق السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا منهم جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، والكرام الكاتبين- عليهم السلام-، ثم قال- جل وعز-: الملائكة أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يقول من الملائكة من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة، ولإسرافيل ستة أجنحة، ثم قال- جل وعز-: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ وذلك أن في الجنة نهرا يقال له نهر الحياة يدخله كل يوم جبريل- عليه السلام- بعد ثلاث ساعات من النهار يغتسل فيه [102 أ] وله جناحان ينشرهما في ذلك النهر ولجناحه سبعون ألف ريشة فيسقط من كل ريشة قطرة من ماء فيخلق الله- جل وعز- منها ملكا يسبح «1» الله- تعالى- إلى يوم القيامة، فذلك قوله- عز وجل-: «يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشاءُ» إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من خلق الأجنحة من الزيادة قَدِيرٌ- 1- يعني يزيد في خلق الأجنحة على أربعة أجنحة، ما يشاء مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ الرزق نظيرها في بني إسرائيل ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ يعني الرزق فَلا مُمْسِكَ لَها لا يقدر أحد على حبسها وَما يُمْسِكْ وما يحبس من الرزق فَلا مُرْسِلَ لَهُ يعنى الرزق مِنْ بَعْدِهِ فلا معطي من بعد الله وَهُوَ الْعَزِيزُ فى ملكه الْحَكِيمُ- 2- فى أمره
__________
(1) إن الله غنى عن استحمام جبريل، إذا أراد أن يزيد فى خلق الملائكة، وما أشبه هذا القول بالإسرائيليات، وما أغنى كتاب الله عنها.(3/551)
يا أَيُّهَا النَّاسُ يعني أهل مكة: اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ثم أخبرهم بالنعمة فقال- جل وعز-: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ يعني المطر وَالْأَرْضِ يعني النبات ثم وحد نفسه- جل جلاله- فقال: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ- 3- وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ يعزي النبي- صلى الله عليه وسلم- ليصبر على تكذيبهم إياه فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ «قَبْلِكَ» «1» وَإِلَى «اللَّهِ» «2» تُرْجَعُ الْأُمُورُ- 4- أمور العباد تصير إلى الله- جل وعز- فى الآخرة يا أَيُّهَا النَّاسُ يعني كفار مكة إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ في البعث أنه كائن فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا عن الإسلام وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ- 5- الباطل وهو الشيطان ثم قال- جل وعز-: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ حين أمركم بالكفر بالله فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا يقول فعادوه بطاعة الله- عز وجل-، ثم قال- جل وعز-: إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ إنما يدعو شيعته إلى الكفر بتوحيد الله- عز وجل- لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ- 6- يعني الوقود ثم بين مستقر الكفار، ومستقر المؤمنين فقال- جل وعز-: الَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ في الآخرة وَالَّذِينَ آمَنُوا: صدقوا بتوحيد الله- عز وجل- وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أدوا الفرائض لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم يعني جزاءهم عند ربهم وَأَجْرٌ كَبِيرٌ- 7- في الجنة أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ نزلت في أبي جهل بن هشام فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ عن الهدى مَنْ يَشاءُ فلا يهديه إلى الإسلام وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ لدينه فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ
__________
(1) فى أ: «قبلك» الآية.
(2) «الله» : ليست فى أ. [.....](3/552)
يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول فلا تقتل نفسك ندامة عليهم يعني أهل مكة «إِنَّ» «1» اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ- 8- وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ فسقنا السحاب إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ [102 ب] يعني بالميت أنه ليس عليه نبت فَأَحْيَيْنا بِهِ بالماء الْأَرْضَ فتنبت بَعْدَ مَوْتِها بعد إذ لم يكن عليها نبت كَذلِكَ النُّشُورُ- 9- هكذا يحيون يوم القيامة بالماء كما يحيي الأرض بعد موتها مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ المنعة بعبادة الأوثان فليعتز بطاعة الله- جل وعز- فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً جميع من يتعزز فإنما يتعزز بإذن الله- عز وجل- إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ العمل الحسن يقول إلى الله- عز وجل- يصعد في السماء التوحيد وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ يقول شهادة ألا إله إلا الله ترفع العمل الصالح إلى الله- عز وجل- في السماء، ذكروا عن ابن عباس أنه قال: «وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» الله إليه، ثم ذكر- جل ثناؤه- من لا يوحده، فقال- جل ثناؤه-: وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ الذين يقولون الشرك لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ في الآخرة، ثم أخبر عن شركهم فقال- جل وعز-:
وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ- 10- وقولهم الشرك يهلك فى الآخرة، ثم دل- جل وعز- على نفسه فقال: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ يعني بدأ خلقكم مِنْ تُرابٍ يعني آدم- عليه السلام- ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ يعني نسله ثُمَّ جَعَلَكُمْ ذرية آدم أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى يقول لا تحمل المرأة الولد وَلا تَضَعُ الولد
__________
(1) فى أ: «فإن» .(3/553)
إِلَّا بِعِلْمِهِ ثم قال- جل وعز-: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ يعني من قل عمره أو كثر فهو إلى أجله الذي كتب له، ثم قال- جل وعز-: وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ كل يوم حتى ينتهي إلى أجله إِلَّا فِي كِتابٍ اللوح المحفوظ مكتوب قبل أن يخلقه إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ- 11- الأجل حين كتبه الله- جل وعز- في اللوح المحفوظ وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ يعني الماء العذب والماء المالح هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ يعني طيب سائِغٌ شَرابُهُ يسيغه الشارب وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ مر لا ينبت وَمِنْ كُلٍّ من الماء المالح والعذب تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا السمك وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً يعني اللؤلؤ تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ يعني «بالمواخر» «1» أن سفينتين تجريان إحداهما مقبلة والأخرى مدبرة بريح واحدة، تستقبل إحداهما الأخرى لِتَبْتَغُوا في البحر مِنْ فَضْلِهِ من رزقه وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ «2» - 12- يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ: انتقاص كل واحد منهما من الآخر حتى يصير أحدهما إلى تسع ساعات والآخر إلى خمس عشرة ساعة وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لبنى آدم كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى كلاهما دائبان يجريان إلى يوم القيامة ثم دل [103 أ] على نفسه فقال- جل وعز ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ فاعرفوا توحيده بصنعه ثم عاب الآلهة فقال: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ الذين تعبدون مِنْ دُونِهِ الأوثان ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ- 13- قشر النوى الذي يكون على النوى الرقيق، ثم أخبر عن الآلهة اللات والعزى ومناة، فقال-: سبحانه إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ
__________
(1) فى أ: «المواخر» .
(2) ساقط من أ، وفيها: «ولتبتغوا من فضله ... » الآية.(3/554)
يقول لو أن الأصنام سمعوا ما استجابوا لكم وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ يقول إن الأصنام يوم القيامة يتبرءون من عبادتكم إياها فتقول للكفار ما أمرناكم بعبادتنا، نظيرها في يونس «فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ» «1» ثم قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-:
وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ- 14- يعني الرب نفسه- سبحانه- فلا أحد أخبر منه.
قوله- عز وجل-: يا أَيُّهَا النَّاسُ يعني كفار مكة أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ يعني إلى ما عند الله- تعالى- وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ عن عبادتكم الْحَمِيدُ- 15- عند خلقه إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أيها الناس بالهلاك إذا عصيتم وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ- 16- غيركم أمثل منكم وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ- 17- إن فعل ذلك هو على الله هين وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ من الوزر إِلى حِمْلِها من الخطايا أن يحمل عنها لا يُحْمَلْ مِنْهُ من وزرها «2» شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى ولو كان بينهما قرابة ما حملت عنها شيئا من وزرها إِنَّما تُنْذِرُ المؤمنين الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ آمنوا به ولم يروه وَأَقامُوا الصَّلاةَ أتموا الصلاة المكتوبة وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ ومن صلح فصلاحه لنفسه وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ- 18- فيجزي بالأعمال في الآخرة ثم ضرب مثل المؤمن والكافر فقال- جل وعز-: «وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ» «3» - 19-
__________
(1) سورة يونس: 29.
(2) فى أ: «لا يحمل منه» وزرها
(3) «وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ» : ليست فى أ.(3/555)
وما يستويان في الفضل والعمل «الأعمى» عن الهدى يعني الكافر «والبصير» بالهدى: المؤمن وَلَا تستوي «1» الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ- 20- يعني بالظلمات الشرك والنور يعني الإيمان وَلَا الظِّلُّ يعني الجنة وَلَا الْحَرُورُ- 21- يعني النار وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ المؤمنين وَلَا الْأَمْواتُ يعني الكفار، والبصير، والظل، والنور، والأحياء، فهو مثل المؤمن.
والأعمى والظلمات والحرور والأموات، فهو مثل الكافر، ثم قال- جل وعز- إِنَّ اللَّهَ [103 ب] يُسْمِعُ الإيمان مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ يا محمد بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ- 22- وذلك أن الله- جل وعز- شبه الكافر من الأحياء حين دعوا إلى الإيمان فلم يسمعوا، بالأموات أهل القبور الذين لا يسمعون الدعاء، ثم قال للنبي- عليه السلام- حين لم «يجيبوه» «2» إلى الإيمان إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ- 23- ما أنت إلا رسول إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ لم نرسلك رسولا باطلا لغير شيء بَشِيراً لأهل طاعته بالجنة وَنَذِيراً من النار لأهل معصيته، ثم قال: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ وما من أمة فيما مضى إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ- 24- إلا جاءهم رسول غير أمة محمد فإنهم لم يجئهم رسول قبل محمد- صلى الله عليه وسلم- ولا يجيئهم إلى يوم القيامة وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ يعزي نبيه- صلى الله عليه وسلم- ليصبر فلست بأول رسول كذب فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم الخالية جاءَتْهُمْ «3» رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالآيات التي كانوا يصنعون ويخبرون بها وَبِالزُّبُرِ وبالأحاديث التي كانت قبلهم من المواعظ
__________
(1) فى أ: (وما) تستوي
(2) الضمير عائد إلى الكفار، أى حين لم يجبه الكفار.
(3) فى أ: زيادة: ثم قال إن الرسل جاءوا.(3/556)
وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ- 25- المضيء الذي فيه أمره ونهيه ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا بالعذاب فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ- 26- تغييري الشر أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً يعني المطر فَأَخْرَجْنا بِهِ بالماء ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها بيض وحمر وصفر وَمِنَ الْجِبالِ أيضا جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها يعني بالجدد الطرائق التي تكون في الجبال منها أبيض وأحمر وَمنها غَرابِيبُ سُودٌ- 27- يعني الطوال السود «1» ثم قال- جل وعز-: وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ بيض وحمر وصفر وسود مُخْتَلِفٌ «أَلْوانُهُ» «2» اختلاف ألوان الثمار، ثم قال- جل وعز-: كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فيها تقديم يقول أشد الناس لله- عز وجل- خيفة أعلمهم بالله- تعالى- إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ في ملكه غَفُورٌ- 28- لذنوب المؤمنين إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ فى مواقيتها وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الأموال سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ- 29- لن تهلك، هؤلاء قوم من المؤمنين أثنى الله- جل وعز- عليهم. لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ ليوفر لهم أعمالهم وَيَزِيدَهُمْ على أعمالهم من الجنة مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ للذنوب العظام شَكُورٌ- 30- لحسناتهم وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يقول إن قرآن محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصدق ما قبله من الكتب التي أنزلها اللَّه- عَزَّ وجل- على [104 أ] الأنبياء- عليهم السلام- إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بأعمالهم بَصِيرٌ
__________
(1) فى أخطأ والمثبت من ف
(2) «ألوانه» : ساقطة من أ.(3/557)
- 31- بها ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ قرآن محمد- صلى الله عليه وسلم- الَّذِينَ اصْطَفَيْنا اخترنا مِنْ عِبادِنا من هذه الأمة فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ أصحاب الكبائر من أهل التوحيد وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ عدل فى قوله وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ الذين سبقوا إلى الأعمال الصالحة وتصديق الأنبياء بِإِذْنِ اللَّهِ بأمر الله- عز وجل- ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ- 32- دخول الجنة ثم أخبره بثوابهم فقال- جل وعز-: جَنَّاتُ عَدْنٍ تجري من تحتها الأنهار يَدْخُلُونَها هؤلاء الأصناف الثلاثة يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ بثلاث «1» أسورة وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ- 33- وقد حبس- الظالم- بعد هؤلاء الصنفين: السابق والمقتصد، ما شاء الله من أجل ذنوبهم «2» الكبيرة، ثم غفرها لهم وتجاوز عنهم فأدخلوا الجنة فلما دخلوها، واستقرت بهم الدار حمدوا ربهم من المغفرة ودخول الجنة وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ لأنهم لا يدرون ما يصنع الله- عز وجل- بهم إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ للذنوب العظام شَكُورٌ- 34- للحسنات وإن قلت، وهذا قول آخر شكور للعمل الضعيف القليل، فهذا قول أهل الكبائر من أهل التوحيد، ثم قالوا: الحمد لله الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ يعني دار الخلود أقاموا فيها أبدا لا يموتون ولا يتحولون عنها أبدا مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ لا يصيبنا في الجنة مشقة في أجسادنا وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ- 35- ولا يصيبنا في الجنة عيا لما كان يصيبهم في الدنيا من النصب في العبادة وَالَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ
__________
(1) فى الأصل: «بثلاثة» .
(2) الضمير عائد على الظالم، والمراد به حبس الظالم لنفسه، من أجل ذنوب هذه الفئة، ولذا أعاد الضمير بالجمع، فقال من أجل ذنوبهم.(3/558)
هكذا نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ- 36- بالإيمان وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها يعني يستغيثون فيها والاستغاثة أنهم ينادون فيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ من الشرك، ثم قيل لهم أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ فى الدنيا ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ فى العمر مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ الرسول محمد- صلى الله عليه وسلم- فَذُوقُوا العذاب فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ- 37- ما للمشركين من مانع يمنعهم من الله- عز وجل- إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
يعلم ما يكون فيهما وغيب ما في قلوبهم أنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ
- 38- بما في القلوب هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ من بعد الأمم الخالية فَمَنْ كَفَرَ بتوحيد الله فَعَلَيْهِ عاقبة كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ [104 ب] كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً يقول: الكافر لا يزداد في طول العمل إلا ازداد الله- جل وعز- «له» «1» بغضا، ثم قال- جل وعز-: وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً- 39-: لا يزداد «الكافرون» «2» في طول العمل إلا ازدادوا بكفرهم خسارا قُلْ يا محمد لكفار مكة أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ مع الله يعني الملائكة الَّذِينَ تَدْعُونَ يعني تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ يقول ماذا خلقت الملائكة في الأرض كما خلق الله- عز وجل- أن كانوا آلهة أَمْ لَهُمْ يعني أم لهم: الملائكة شِرْكٌ مع الله- عز وجل- في سلطانه «فِي السَّماواتِ» «3» أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ
__________
(1) فى أ: «لهم» . [.....]
(2) فى أ: «الكافر» ، ل: «الكافرون» .
(3) «فى السماوات» : ساقطة من أ.(3/559)
«يقول: هل أعطينا كفار مكة» «1» فهم على بينة منه «2» بأن مع الله- عز وجل- شريكا من الملائكة، ثم استأنف فقال: «بَلْ» «3» إِنْ يَعِدُ ما يعد الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً- 40- ما يعد الشيطان كفار بني آدم من شفاعة الملائكة لهم في الآخرة إلا باطلا، ثم عظم نفسه- تعالى- عما قالوا من الشرك، فقال- جل ثناؤه-: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا يقول ألا تزولا عن موضعهما وَلَئِنْ زالَتا ولئن أرسلهما فزالتا إِنْ أَمْسَكَهُما فمن يمسكهما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ الله يقول لا يمسكهما من أحد من بعده، ثم قال في التقديم إِنَّهُ كانَ حَلِيماً عنهم عن قولهم الملائكة بنات الله- تعالى- حين لا يعجل عليهم بالعقوبة غَفُوراً- 41- ذو تجاوز وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ يعني كفار مكة في الأنعام حين قالوا «لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ ... «4» » «جَهْدَ أَيْمانِهِمْ» «5» بجهد الأيمان لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ يعني رسولا لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ يعني من اليهود والنصارى، يقول الله- عز وجل-: فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ وهو محمد- صلى الله عليه وسلم- مَا زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً- 42- ما زادهم الرسول ودعوته إلا تباعدا عن الهدى عن الإيمان. «اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ» «6» وَمَكْرَ السَّيِّئِ قول الشرك وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ ولا يدور قول الشرك إِلَّا بِأَهْلِهِ
__________
(1) ما بين القوسين « ... » مكرر فى الأصول.
(2) فى أ: «فهم لا بينات منه» .
(3) «بل» : ساقطة من أ.
(4) سورة الأنعام: 157.
(5) «جهد أيمانهم» : ساقطة من أ.
(6) «اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ» : ساقط من أ.(3/560)
كقوله- عز وجل- وَحاقَ بِهِمْ ... ودرا بهم الآية «1» ، ثم خوفهم، فقال: فَهَلْ يَنْظُرُونَ ما ينظرون إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ مثل عقوبة الأمم الخالية ينزل بهم العذاب ببدر كما نزل بأوائلهم فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ فى العذاب تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا- 43- لا يقدر أحد أن يحول العذاب عنهم، ثم قال- جل وعز- يعظهم: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ [105 أ] مِنْ قَبْلِهِمْ عاد، وثمود، وقوم لوط، وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً بطشا، فأهلكناهم وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ ليفوته مِنْ شَيْءٍ من أحد، كقوله- عز وجل-: «وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ «2» ... » وقوله- جل وعز- فى يس: « ... ما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ ... » «3» يعني من أحد، يقول لا يسبقه من أحد كان فِي السَّماواتِ «وَلا فِي الْأَرْضِ» «4» فيفوته أحد كان في السموات أو في الأرض حتى يجزيه بعمله إِنَّهُ كانَ عَلِيماً بهم «قَدِيراً» «5» - 44- فى نزول
__________
(1) يشير إلى الآية 8 من سورة هود، وفيها «وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» كما ورد النص: «فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» فى سورة النحل: 34، «وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ مَا كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» سورة الزمر: 48، «فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» سورة غافر: 83، «وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» سورة الجاثية: 33، «وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» . سورة الأحقاف: 26.
(2) سورة الممتحنة: 11.
(3) سورة يس: 15.
(4) «ولا فى الأرض» : ساقط من أ، ف.
(5) «قديرا» : ساقطة من أ، ف، ل.(3/561)
العذاب بهم إذا شاء وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ كفار مكة بِما كَسَبُوا من الذنوب وهو الشرك لعجل لهم العقوبة، فذلك قوله- عز وجل-: مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ فوق الأرض من دابة لهلكت الدواب من قحط المطر وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إلى الوقت الذي في اللوح المحفوظ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ «وقت نزول العذاب بهم في الدنيا» «1» «فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ» «2» بَصِيراً- 45- لم يزل الله- عز وجل- بعباده بصيرا.
__________
(1) فى أ: «الوقت نزل بهم العذاب فى الدنيا» ، والمثبت من ل. [.....]
(2) «فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ» : ساقط من أ، ومثبت فى ل.(3/562)
سورة يس(3/563)
(36) سورة يس مكّيّة وآياتها ثلاث وثمانون
[سورة يس (36) : الآيات 1 الى 83]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)
تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (9)
وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (12) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)
قالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (15) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17) قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (18) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)
وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24)
إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (29)
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (32) وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (34)
لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)
لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (44)
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (46) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) مَا يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)
فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قالُوا يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)
إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (56) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (67) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (68) وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69)
لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (70) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (71) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (73) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74)
لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (76) أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)(3/565)
سورة يس «1» سورة يس مكية.
عدد آياتها ثلاث وثمانون آية كوفية «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
تأكيد أمر القرآن، والرسالة وإلزام الحجة على أهل الضلالة، وضرب المثل بأهل أنطاكية فى قوله «وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ» سورة يس: 13 وذكر حبيب النجار الذي جاء من أقصى المدينة يسعى، وبيان البراهين المختلفة فى إحياء الأرض الميتة وإبداء الليل، والنهار، وسير الكواكب، ودور الأفلاك، وجرى الجواري المنشئات فى البحار، وذلة الكفار عند الموت، وحيرتهم ساعة البعث وسعد المؤمنين المطيعين، وشغلهم فى الجنة، وميز المؤمن من الكافر فى القيامة، وشهادة الجوارح على أهل المعاصي بمعاصيهم، والمنة على الرسول- صلى الله عليه وسلم- بصيانته من الشعر ونظمه، وإقامة البرهان على البعث، ونفاذ أمر الحق فى كن فيكون، وكمال ملك ذى الجلال على كل حال فى قوله: «فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» سورة يس: 83.
وقسورة اسمان: سورة يس، لافتتاحها بها، وسورة حبيب النجار لاشتمالها على قصته.
(2) فى المصحف (36) سورة يس مكية.
إلا آية 45 فمدنية.
وآياتها 83 نزلت بعد الجن.(3/571)
قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-، ما أرسل الله إلينا رسولا، وما أنت برسول وتابعه كفار مكة على ذلك فأقسم الله- عز وجل- بالقرآن الحكيم يعني المحكم من الباطل: وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ- 2- إِنَّكَ يا محمد لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ- 3- عَلى صِراطٍ على طريق مُسْتَقِيمٍ- 4- دِين الْإِسْلام لأن غير دِين الْإِسْلام لَيْسَ بمستقيم، ثم قال: هذا القرآن هو تَنْزِيلَ من الْعَزِيزِ في ملكه الرَّحِيمِ- 5- بخلقة لِتُنْذِرَ قَوْماً بما في القرآن من الوعيد ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ الأولون فَهُمْ غافِلُونَ- 6- لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ لقوله لإبليس: « ... لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ... » «1» لقد حق القول لقد وجب العذاب على أكثر أهل مكة فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ- 7- لا يصدقون بالقرآن إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ- 8- وذلك أن أبا جهل بن هشام حلف لئن رأى النبي- صلى الله عليه وسلم- ليدمغنه، فأتاه أبو جهل وهو يصلي ومعه الحجر فرفع الحجر ليدمغ النبي [105 ب]- صلى الله عليه وسلم- فيبست يده «والتصق» «2» الحجر بيده فلما رجع إلى أصحابه خلصوا يده فسألوه فأخبرهم بأمر الحجر، فقال رجل آخر من بنى المغيرة المخزومي، أنا أقتله. فأخذ الحجر، فلما دنا من من النبي- صلى الله عليه وسلم- طمس الله- عز وجل- على بصره فلم ير النبي- صلى الله عليه وسلم- وسمع قراءته «3» فرجع إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه، فذلك قوله- عز وجل-: وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا حين لم يروا
__________
(1) سورة ص: 85.
(2) فى الأصل: «التزق» .
(3) فى أ: قرآنه.(3/573)
النبي- صلى الله عليه وسلم وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ- 9- حين لم ير أصحابه فسألوه ما صنعت، فقال: لقد «سمعت» «1» قراءته وما رأيته فأنزل الله- عز وجل- في أبي جهل- «إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ» يعني بالأذقان الحنك فوق «الغلصمه» «2» ، يقول رددنا أيديهم في أعناقهم «فَهُمْ مُقْمَحُونَ» يعني أن يجمع يديه إلى عنقه، وأنزل الله- عز وجل- في الرجل الآخر «وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا» يعني ظلمة فلم ير النبي- صلى الله عليه وسلم- «وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا» فلم ير أصحابه، الآية «3» ، وكان معهم الوليد بن المغيرة وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ يا محمد لا يُؤْمِنُونَ- 10- بالقرآن بأنه من الله- عز وجل- فلم يؤمن أحد من أولئك الرهط من بنى مخزوم، ثم نزل في أبي جهل «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى، عَبْداً إِذا صَلَّى» «4» ثم قال- جل وعز-: إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ القرآن وَخَشِيَ الرَّحْمنَ وخشي عذاب الرحمن بِالْغَيْبِ ولم يره فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ لذنوبهم وَأَجْرٍ كَرِيمٍ- 11- وجزاء حسنا فى الجنة إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى فى الآخرة وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا في الدنيا في حياتهم من خير أو شر عملوه وَآثارَهُمْ ما استنوه من سنة، خير أو شر فاقتدى به من بعد موتهم، «وإن كان خيرا فله» «5» مثل أجر من عمل به، ولا ينقص من أجورهم
__________
(1) فى الأصل: «سمعة» .
(2) المراد به فوق الحلقوم.
(3) سورة يس: 9، وتمامها: «وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ» .
(4) سورة العلق: 9- 10.
(5) فى أ: «وإن كان خيرا له» .(3/574)
شيء، وإن كان شرا فعليه مثل وزر من عمل به ولا ينقص من أوزارهم شيء، فذلك قوله- عز وجل-: «يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ»
«1» ، ثم قال- جل وعز-: وَكُلَّ شَيْءٍ من الأعمال أَحْصَيْناهُ بيانه فِي إِمامٍ مُبِينٍ- 12- كل شيء عملوه في اللوح المحفوظ «2» وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا وصف لهم- يا محمد- شبها لأهل مكة في الهلاك أَصْحابَ الْقَرْيَةِ أنطاكية إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ- 13- إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ «اثْنَيْنِ» «3» تومان ويونس فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فقوينا يعني فشددنا الرسولين بثالث حين صدقهما بتوحيد الله وحين أحيا الجارية وكان اسمه شمعون وكان من الحواريين وكان وصى عيسى بن مريم فَقالُوا [106 أ] إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ- 14- فكذبوهما ولو فعلت ذلك بكم يا أهل مكة لكذبتم، فقال شمعون للملك: أشهد أنهما رسولان أرسلهما ربك الذي في السماء، فقال الملك لشمعون: أخبرني بعلامة ذلك فقال شمعون: إن ربي أمرني أن أبعث لك ابنتك، فذهبوا إلى قبرها، فضرب القبر برجله. فقال: قومي بإذن إلهنا الذي في السماء، الذي أرسلنا إلى هذه القرية واشهدي لنا على والدك فخرجت الجارية من قبرها، فعرفوها فقالت يا أهل القرية آمنوا بهؤلاء الرسل، وإنى أشهد أنهم أرسلوا إليكم، فإن سلمتم يغفر لكم ربكم، وإن أبيتم ينتقم الله منكم. ثم قالت لشمعون: ردني إلى مكاني فإن القوم لن يؤمنوا لكم، فأخذ شمعون قبضة من تراب قبرها فوضعها على
__________
(1) سورة القيامة: 13.
(2) فى أ: زيادة: وذلك قوله- عز وجل- «وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ» من الأعمال أحصيناه.
وليست فى ل.
(3) «اثنين» : ساقطة من أ. [.....](3/575)
رأسها، ثم قال عودي مكانك، فعادت، فلم يؤمن منهم غير حبيب النجار، كان من بني إسرائيل، وذلك أنه حين سمع بالرسل جاء مسرعا فآمن وترك عمله، وكان قبل إيمانه مشركا قالُوا فقال القوم للرسل: مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ- 15- وكان «فعل» «1» شمعون من الحواريين فقال شمعون: «إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ» أرسلنا إليكم ربكم الذي في السماء «ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا» ما نرى لكم علينا من فضل في شيء «وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ» وما أرسل الرحمن من أحد يعني لم يرسل رسولا الآية، «قالُوا» «2» فقالت الرسل رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ- 16- فإن كذبتمونا «وَما» «3» عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ- 17- ما علينا إلا أن نبلغ، ونعلمكم ونبين لكم أن الله واحد لا شريك فقال القوم للرسل: «قالُوا» «4» إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ يقول تشاء منا بكم وذلك أن المطر حبس عنهم، فقالوا أصابنا هذا الشر يعنون قحط المطر من قبلكم لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ لئن لم تسكتوا عنا لنقتلنكم وَلَيَمَسَّنَّكُمْ يعنى وليصيبنكم مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ- 18- يعني وجيعا «قالُوا» «5» فقالت الرسل: طائِرُكُمْ مَعَكُمْ الذي أصابكم كان مكتوبا فى أعناقكم أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ أئن وعظتم بالله- عز وجل- تطيرتم بنا بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ- 19- قوم مشركون والشرك أسرف الذنوب وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى على رجليه اسمه حبيب
__________
(1) من ل وحدها، وفى أ: فعل.
(2) «قالوا» : ساقطة من الأصل.
(3) فى أ: «فما» .
(4) «قالوا» : ساقطة من أ.
(5) «قالوا» : ساقطة من أ.(3/576)
ابن «أبريا «1» أعور نجار» من بني إسرائيل كان في غار يعبد الله- عز وجل- فلما سمع بالرسل أتاهم وترك عمله: «قالَ» «2» يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ- 20- الثلاثة تومان ويونس وشمعون [106] اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ- 21- فأخذوه فرفعوه إلى الملك، فقال له برئت منا واتبعت عدونا فقال:
وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي خلقني وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ- 22- أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً لا تقدر الآلهة أن تشفع لي فتكشف الضر عني شفاعتها وَلا يُنْقِذُونِ- 23- من الضر إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ- 24- لفي خسران بين أن اتخذت من دون الله- جل وعز- آلهة فوطئ حتى خرجت معاه من دبره فلما أمر بقتله قال: يا قوم، إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ- 25- فقتل، ثم ألقي في البئر وهي الرس، وهم أصحاب «الرس» «3» وقتل الرسل الثلاثة قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ فلما ذهبت روح حبيب إلى الجنة ودخلها وعاين ما فيها من النعيم تمنى فى قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ- 26- بني إسرائيل بِما بأي شيء غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ- 27- باتباعى المرسلين فلو علموا لآمنوا بالرسل فنصح لهم في حياته، وبعد موته، يقول الله- عز وجل-: وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ «يعني من بعد قتل حبيب النجار» «4» مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ- 28- الملائكة إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً من جبريل- عليه السلام- ليس لها مثنوية فَإِذا هُمْ خامِدُونَ- 29-
__________
(1) «أبريا أعور نجار» : كذا فى أ، ل.
(2) فى أ: «فقال» .
(3) فى أ: «الرسل» ، ل: «الرس» .
(4) من، وفى أ: «يعنى من حبيب» .(3/577)
موتى مثل النار إذا طفئت لا يسمع لها صوت،
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «إن صاحب يس اليوم في الجنة ومؤمن آل فرعون ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون»
يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ يا ندامة للعباد في الآخرة باستهزائهم بالرسل في الدنيا، ثم قال- عز وجل-: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ- 30-، ثم خوف كفار مكة فقال: «أَلَمْ» «1» يَرَوْا ألم يعلموا كَمْ أَهْلَكْنا بالعذاب قَبْلَهُمْ قبل كفار مكة مِنَ الْقُرُونِ الأمم: عاد وثمود وقوم لوط، فيرى أهل مكة من هلاكهم أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ إلى الحياة الدنيا وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ- 32- عندنا في الآخرة، ثم وعظ كفار مكة فقال- عز وجل-: وَآيَةٌ لَهُمُ وعلامة لهم الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها بالمطر فتنهت وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا البر والشعير الحبوب كلها فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ- 33- وَجَعَلْنا «فِيها» «2» في الأرض جَنَّاتٍ بساتين مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ- 34- الجارية لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ يقول [107 أ] لم يكن ذلك من صنع أيديهم ولكنه من فعلنا أَفَلا يَشْكُرُونَ- 35- رب هذه النعم فيوحدوه سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها الأصناف كلها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مما تخرج الأرض من ألوان النبات والشجر وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ الذكر والأنثى وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ- 36- من الخلق، ثم قال- جل وعز-: وَآيَةٌ لَهُمُ يقول من علامة الرب لأهل مكة إذ لم يروه اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ «ننزع» «3»
__________
(1) فى أ: «أو لم» .
(2) فى أ: «فى» .
(3) فى أ: «ننزح» ، ل: «ننزع» .(3/578)
منه النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ- 37- بالليل، مثل قوله- عز وجل-:
« ... الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ «1» مِنْها ... » وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها لوقت لها إلى يوم القيامة،
قال أبو ذر الغفاري: غربت الشمس يوما، فسألت النبي- صلى الله عليه وسلم- أين تغرب الشمس؟ فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- تغرب في عين حمئة وطينة سوداء، ثم تخر ساجدة تحت العرش فتستأذن فيأذن لها فكأن قد قيل لها ارجعي إلى حيث تغربين «2» .
ذلِكَ الذي ذكر من الليل والنهار، والشمس والقمر يجري في ملكه بما قدر من أمرهما وخلقهما تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ- 38- ثم قال- عز وجل-:
وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ فى السماء يزيد، ثم يستوي، ثم ينقص في آخر الشهر حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ حتى عاد مثل الخيط كما يكون أول ما استهل فيه «كالعرجون» يعني العذق اليابس المنحني الْقَدِيمِ- 39- الذي أتى عليه الحول. ثم قال- جل وعز-: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ فتضيء مع ضوء القمر، «لأن» «3» الشمس سلطان النهار، والقمر سلطان الليل، ثم قال- عز وجل-: وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ يقول «ولا يدرك» «4» سواد الليل
__________
(1) سورة الأعراف: 175.
(2)
الحديث فى البخاري بلفظ آخر هو: «عن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: «خرجت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والشمس على سعف النخيل. فقال لي: يا أبا هريرة، ما بقي من الدنيا إلا كما بقي من يومكم هذا، أتدري أين تغيب هذه الشمس؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال إنها تذهب تحت ساق العرش فتستأذن فى السجود فيؤذن لها ثم تستأذن فى الشروق فيؤذن لها، وإنها توشك أن تستأذن فلا يؤذن لها فذاك قيام الساعة» .
أو كما قال: [.....]
(3) «لأن» : ساقطة من أ، وهي من ل.
(4) فى أ: «ولا يدرى» ، ل: «ولا يدرك» ، وفى حاشية أ: «ولا يدرك» . محمد.(3/579)
ضوء النهار فيغلبه على ضوئه وَكُلٌّ الليل والنهار فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ- 40- في دوران يجرون يعني الشمس والقمر يدخلان تحت الأرض من قبل المغرب فيخرجان من تحت الأرض، حتى يخرجا من قبل المشرق، ثم يجريان في السماء حتى يغربا قبل المغرب، فهذا دورانهما فذلك قوله- عز وجل-:
«وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» يقول وكلاهما في دوران يجريان إلى يوم القيامة وَآيَةٌ لَهُمْ وعلامة لهم يعني كفار مكة أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ ذرية أهل مكة في أصلاب آبائهم فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ- 41- يعنى الموقر من الناس والدواب وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ وجعلنا لهم من شبه سفينة نوح مَا يَرْكَبُونَ- 42- فيها وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فى الماء فَلا صَرِيخَ لَهُمْ لا مغيث لهم [107 ب] وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ- 43- من الغرق إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا إلا نعمة منا حين لا نغرقهم وَمَتاعاً إِلى حِينٍ- 44- وبلاغا إلى آجالهم وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ يقول لا يصيبكم منا عذاب الأمم الخالية «قبلكم» «1» وَما خَلْفَكُمْ واتقوا ما بعدكم من عذاب الأمم فلا تكذبوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ- 45- لكي ترحموا وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ «إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ» «2» - 46- فلا يتفكروا وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا وذلك أن المؤمنين قالوا بمكة لكفار قريش، لأبي سفيان وغيره أنفقوا على المساكين «من» «3» الذي زعمتم أنه لله وذلك أنهم كانوا يجعلون نصيبا لله من الحرث والأنعام بمكة، للمساكين، فيقولون هذا لله بزعمهم،
__________
(1) فى أ: «قبلهم» ، ل: «قبلكم» .
(2) «إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ» : ليست فى أ، وهي فى ل.
(3) «من» : زيادة اقتضاها السياق، ليست فى أ، ولا فى ل.(3/580)
ويجعلون «للآلهة» »
نصيبا فإن لم يزك «2» ما جعلوه للآلهة من الحرث والأنعام وزكا ما جعلوه لله- عز وجل- ليس للآلهة شيء «وهي» «3» تحتاج إلى نفقة، فأخذوا ما جعلوه لله، قالوا لو شاء الله لأزكي نصيبه ولا يعطون المساكين شيئا مما زكى لآلهتهم، فقال المؤمنون لكفار قريش: أنفقوا «مِمَّا «4» رَزَقَكُمُ اللَّهُ» قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا فقالت كفار قريش: أَنُطْعِمُ المساكين الذي للآلهة مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ يعنى رزقه لو شاء الله لأطعمه وقالوا لأصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم-: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ- 47- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا «الْوَعْدُ» «5» إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 48- بأن العذاب نازل بنا في الدنيا يقول الله- عز وجل- مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً لا مثنوية لها تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ- 49- وهم يتكلمون في الأسواق والمجالس وهم أعز ما كانوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً يقول أعجلوا عن التوصية فماتوا وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ- 50- يقول ولا إلى منازلهم يرجعون من الأسواق فأخبر الله- عز وجل- بما يلقون في الأولى. ثم أخبر بما يلقون في الثانية إذا بعثوا، فذلك قوله- عز وجل-: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ من القبور إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ- 51- يخرجون إلى الله- عز وجل- من قبورهم أحياء فلما رأوا العذاب ذكروا قول الرسل فى الدنيا: أن البعث حق
__________
(1) فى أ: «الله» ، ل: «وللآلهة» .
(2) فى أ، ل: «يزكو» ، وهو مضارع معتل يجزم بحذف حرف العلة.
(3) «وهي» : زيادة اقتضاها السياق ليست فى أ، ولا فى ل.
(4) فى أ: «مما ... » الآية، والمثبت من ل.
(5) فى أ: الآية، وليس فيها: «إن كنتم صادقين» .(3/581)
قالُوا يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا وذلك أن أرواح الكفار كانوا يعرضون على منازلهم من النار طرفي النهار كل يوم فلما كان بين النفختين رفع عنهم العذاب فرقدت تلك الأرواح بين النفختين، فلما بعثوا في النفخة الأخرى وعاينوا في القيامة ما كذبوا به فى الدنيا [108 أ] من البعث والحساب فدعوا بالويل «قَالُوا يَا ويلنا من بعثنا من مرقدنا» فى قراءة ابن مسعود «من ميتنا» ، قال حفظتهم من الملائكة هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ على ألسنة الرسل، فذلك قوله- عز وجل- وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ- 52- وذكر النفخة الثانية فقال- سبحانه-: إِنْ يعني ما كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً من إسرافيل فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ الخلق كلهم لَدَيْنا عندنا مُحْضَرُونَ- 53- «بالأرض» «1» المقدسة فلسطين لنحاسبهم فَالْيَوْمَ في الآخرة لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 54- من الكفر جزاء الكافر النار، ثم قال- جل وعز-: إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فى الآخرة فِي شُغُلٍ يعني شغلوا بالنعيم، بافتضاض العذارى عن ذكر أهل النار فلا يذكرونهم ولا يهتمون بهم، ثم قال- جل وعز-: فاكِهُونَ- 55- فكهون يعني معجبين بما هم فيه شغل النعيم والكرامة هُمْ وَأَزْواجُهُمْ يعني الحور العين حلائلهم فِي ظِلالٍ ومن قرأ «فاكهون» «2» يعني ناعمين في ظلال كبار القصور عَلَى الْأَرائِكِ على السرر عليها الحجال مُتَّكِؤُنَ- 56- لَهُمْ فِيها في الجنة فاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ- 57- يتمنون ما شاءوا من الخير سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ- 58- وذلك أن الملائكة تدخل على أهل الجنة من كل باب يقولون سلام عليكم يا أهل الجنة من ربكم الرحيم وَامْتازُوا
__________
(1) فى الأصل: أرض.
(2) قراءة «فاكهون» وقرأ يعقوب فى رواية «فكهون» للمبالغة وانظر تفسير البيضاوي للآية.(3/582)
واعتزلوا الْيَوْمَ فى الآخرة أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ- 59- وذلك حين اختلط الإنس والجن والدواب دواب البر والبحر والطير فاقتص بعضهم من بعض ثم قيل لهم كونوا ترابا فكانوا ترابا فبقي الإنس والجن خليطين إذ بعث الله- عز وجل- إليهم مناديا أن امتازوا اليوم يقول اعتزلوا اليوم- أيها المجرمون- من الصالحين أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ الذين أمروا بالاعتزال يا بَنِي آدَمَ فى الدنيا أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ يعني إبليس وحده ولا تطيعوه في الشرك إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ- 60- بين العداوة وَأَنِ اعْبُدُونِي يقول وحدونى هذا التوحيد صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ- 61- دِين الْإِسْلام لأن غير دِين الْإِسْلام لَيْسَ بمستقيم وَلَقَدْ أَضَلَّ إبليس مِنْكُمْ عن الهدى جِبِلًّا خلقا «كَثِيراً» «1» أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ- 62- فلما دنوا من النار قالت لهم خزنتها هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ- 63- في الدنيا فلما ألقوا في النار قالت لهم الخزنة:
اصْلَوْهَا الْيَوْمَ في الآخرة بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ- 64- فى الدنيا الْيَوْمَ نَخْتِمُ وذلك أنهم سئلوا [108 ب] أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون فقالوا:
والله ربنا ما كنا مشركين فيختم الله- جل وعز- «2» على أفواههم وتتكلم «3» أيديهم وأرجلهم بشركهم، فذلك قوله- تعالى-: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ «4»
__________
(1) فى أ: «كثيرا ... » الآية، وليس فيها نص تمام الآية.
(2) نلاحظ فى نسخة أحمد الثالث أنه فى النصف الأول من القرآن يتبع لفظ الجلالة بقوله- عز وجل- وفى النصف الثاني من القرآن يغلب عليه أن يقول- جل وعز- وحبذا لو كان سار فى النصف الثاني على نمط النصف الأول. [.....]
(3) فى أ: «وتكلمت» .
(4) «على أفواههم» : ليست فى أ.(3/583)
وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ «أَرْجُلُهُمْ» «1» بِما كانُوا يَكْسِبُونَ- 65- بما كانوا يقولون من الشرك وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ نزلت فى كفار مكة بقول لو نشاء لحولنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى «فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ» «2» ولو طمست الكفر لاستبقوا الصراط يقول لأبصروا طريق الهدى، ثم قال- جل وعز-: فَأَنَّى يُبْصِرُونَ- 66- فمن أين يبصرون الهدى إن لم أعم عليهم طريق الضلالة، ثم خوفهم فقال- جل وعز-: وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ يقول- تعالى- لو شئت لمسختهم حجارة في منازلهم ليس فيها أرواح فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ- 67- يقول لا يتقدمون ولا يتأخرون وَمَنْ نُعَمِّرْهُ «فنطول عمره» «3» نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ- 68- وما علمناه الشعر نزلت في عقبة بن أبي معيط وأصحابه قالوا إن القرآن شعر وَما يَنْبَغِي لَهُ أن يعلمه إِنْ هُوَ يعني القرآن إِلَّا ذِكْرٌ تفكر وَقُرْآنٌ مُبِينٌ- 69- بين لِيُنْذِرَ يعني «لتنذر يا محمد بما في القرآن» «4» من الوعيد مَنْ كانَ حَيًّا من كان مهديا في علم الله- عز وجل- وَيَحِقَّ الْقَوْلُ ويجب العذاب عَلَى الْكافِرِينَ- 70- بتوحيد الله- عز وجل- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا من فعلنا أَنْعاماً الإبل والبقر والغنم فَهُمْ لَها مالِكُونَ- 71- ضابطين وَذَلَّلْناها كقوله- عز وجل-: « ... وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا «5» ... » «وذللناها» فيحملون
__________
(1) فى أ: «أرجلهم ... » الآية.
(2) «فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ» : ساقطة من أ، ل.
(3) «فنطول عمره» : من ل، وليست فى أ.
(4) من ل. وفى أ: ( «لتنذر» يا محمد بما في القرآن من الوعيد) .
(5) سورة الإنسان: 14.(3/584)
عليها ويسوقونها حيث شاءوا ولا تمتنع منها فَمِنْها رَكُوبُهُمْ حمولتهم الإبل والبقر وَمِنْها يَأْكُلُونَ- 72- يعني الغنم وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ في الأنعام ومنافع في الركوب عليها، والحمل عليها، وينتفعون بأصوافها وأوبارها، وأشعارها، ثم قال- جل وعز-: وَفيها مَشارِبُ ألبانها أَفَلا يَشْكُرُونَ- 73-، ثم قال- جل وعز: - وَاتَّخَذُوا يعني كفار مكة مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً يعني اللات والعزى ومناة لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ- 74- لكي تمنعهم لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ لا تقدر الآلهة أن تمنعهم من العذاب، ثم قال- جل وعز: - وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ- 75- يقول كفار مكة للآلهة حزب «يغضبون لها ويحضرونها فى الدنيا» «1» فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ كفار مكة إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ من التكذيب وَما يُعْلِنُونَ- 76- يظهرون من القول بألسنتهم حين قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- كيف يبعث الله هذا العظم علانية، نزلت فى أبى بن خلف [109 أ] الجمحي في أمر العظم، «وكان قد أضحكهم» «2» بمقالته فهذا الذي «أعلنوا» «3» وذلك أن أبا جهل، والوليد بن المغيرة، وعتبة، وشيبة ابني ربيعة، وعقبة، والعاص بن وائل، كانوا جلوسا فقال لهم أبي بن خلف،
قال لهم في النفر من قريش: إن محمدا يزعم أن الله يحيي الموتى، وأنا آتيه بعظم فأسأله: كيف يبعث الله هذا؟ فانطلق أبي ابن خلف فأخذ عظما باليا، حائلا نخرا، فقال: يا محمد، تزعم أن الله يحيى
__________
(1) فى أ: «يغضبون لها فى الدنيا ويحضرونها» . وفى ل: «يغضبون لها ويحضرونها فى الدنيا» .
(2) فى أ، ل: «وأضحكهم» .
(3) فى أ: «علنوا» .(3/585)
الموتى بعد إذ بليت عظامنا وكنا ترابا تزعم أن الله يبعثنا خلقا جديدا. ثم جعل يفت العظم ثم يذريه في الريح، ويقول يا محمد: من يحيي هذا؟ فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- يحيي الله- عز وجل- هذا ثم يميتك، ثم يبعثك، ثم يدخلك، نار جهنم، فأنزل الله- عز وجل- في أبي بن خلف أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ
يعني أولم يعلم الإنسان أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ- 77- بين الخصومة فيما يخاصم النبي- صلى الله عليه وسلم- عن البعث ثم قال، وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وصف لنا شبها في أمر العظم وَنَسِيَ خَلْقَهُ وترك المنظر في بدء خلق نفسه إذ خلق من نطفة، ولم يكن قبل ذلك شيئا ف قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ- 78- يعني بالية قُلْ يا محمد لأبي يُحْيِيهَا يوم القيامة الَّذِي أَنْشَأَها خلقها أَوَّلَ مَرَّةٍ في الدنيا ولم تك شيئا «1» وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ- 79- عليم بخلقهم في الدنيا عليم بخلقهم في الآخرة بعد الموت خلقا جديدا الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا «2» «فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ» «3» - 80- فالذي يخرج من الشجر الأخضر النار فهو قادر على البعث، ثم ذكر ما هو أعظم خلقا من خلق الإنسان، فقال- جل وعز-: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ هذا أعظم خلقا من خلق الإنسان بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ في الأرض مِثْلَهُمْ مثل خلقهم في الدنيا، ثم قال لنفسه- تعالى-:
«بَلى» «4» قادر على ذلك وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ- 81- بخلقهم فى الآخرة
__________
(1) فى أ: الآية، واكتفى بذلك عن سرد تمام الآية.
(2) فى أ: الآية.
(3) «فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ» : ليس فى أ.
(4) «بلى» : ساقطة من أ، وفى حاشية أ: يحتمل أنه سقط هنا (بلى) . [.....](3/586)
العليم ببعثهم إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أمر البعث وغيره أَنْ يَقُولَ لَهُ مرة واحدة كُنْ فَيَكُونُ- 82- لا يثني قوله، ثم عظم نفسه عن قولهم فقال- عز وجل-: فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ خلق كُلِّ شَيْءٍ من البعث وغيره وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ- 83- إلى الله- عز وجل- بعد الموت لتكذيبهم.(3/587)
سورة الصافات(3/589)
(37) سورة الصافّات مكّية وآياتها ثنتان وثمانون ومائة
[سورة الصافات (37) : الآيات 1 الى 182]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (2) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (3) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (4)
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (6) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (7) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (8) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (9)
إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (10) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14)
وَقالُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ (18) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)
وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (24)
مَا لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (27) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (28) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29)
وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34)
إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (38) وَما تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39)
إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (44)
يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (50) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54)
فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (55) قالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلاَّ مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59)
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (61) أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64)
طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (69)
فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74)
وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (77) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79)
إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (83) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)
إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ (85) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (92) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94)
قالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (96) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرى قالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنادَيْناهُ أَنْ يَا إِبْراهِيمُ (104)
قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109)
كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114)
وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (116) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (119)
سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (120) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124)
أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129)
سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (130) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132) وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134)
إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (138) وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)
إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)
فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (148) فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149)
أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (150) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154)
أَفَلا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (157) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159)
إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160) فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (162) إِلاَّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (163) وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (164)
وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169)
فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174)
وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179)
سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (182)(3/591)
[سورة الصافات «1» ] سورة الصافات مكية.
وعددها مائة واثنتان وثمانون آية كوفية «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
الإخبار عن صف الملائكة والمصلين للعبادة، ودلائل الوحدانية، ورجم الشياطين وذل الظالمين، وعز المطيعين فى الجنان، وقهر المجرمين فى النيران، ومعجزة نوح، وحديث إبراهيم، وفداء إسماعيل فى جزاء الانقياد وبشارة إبراهيم بإسحاق، والمنة على موسى وهارون بإيتاء الكتاب، وحكاية الناس فى حال الدعوة، وهلاك قوم لوط، وحبس يونس فى بطن الحوت، وبيان فساد عقيدة المشركين فى نسبة الملائكة إليه، وقولهم إن الملائكة بنات الله، ودرجات الملائكة فى مقام العبادة وما منح الله الأنبياء من النصرة والتأييد، وتنزيه الله عن الضد والنديد فى قوله: «سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ» سورة الصافات: 180.
(2) فى المصحف (38) سورة الصافات مكية، وآياتها 182 نزلت بعد سورة الأنعام.
وقد سميت سورة الصافات لافتتاحها بها.(3/599)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا- 1- يعني- عز وجل- صفوف الملائكة فَالزَّاجِراتِ زَجْراً- 2- الملائكة يعني به الرعد، وهو ملك اسمه الرعد يزجر السحاب بصوته يسوقه إلى البلد الذي أمر أن يمطره، والبرق مخاريق من نار يسوق بها السحاب، فإذا صف السحاب بعضه إلى بعض سطع منه نار فيصيب الله به من يشاء وهي الصاعقة التي ذكر الله- عز وجل- في الرعد فَالتَّالِياتِ ذِكْراً- 3- يعني به الملائكة وهو جبريل وحده- عليه السلام- يتلو القرآن على الأنبياء من ربهم، وهو، الملقيات ذكرا، يلقي الذكر على الأنبياء، وذلك أن كفار مكة قالوا يجعل محمد- صلى الله عليه وسلم- الآلهة إلها واحدا فأقسم الله بهؤلاء الملائكة إِنَّ إِلهَكُمْ يعني أن ربكم لَواحِدٌ- 4- ليس له شريك، ثم عظم نفسه عن شركهم فقال- عز وجل-: رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يقول أنا رب ما بينهما من شيء من الآلهة وغيرها وَأنا رَبُّ الْمَشارِقِ- 5- «يعني» «1» مائة وسبعة وسبعين مشرقا في السنة كلها، والمغارب مثل ذلك، «2» ثم قال: إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا لأنها أدنى السماء من الأرض وأقربها
__________
(1) «يعنى» : من ل، وليست فى أ، ومع كونها ساقطة من أففيها: « (رب المشارق) مائة وسبعة وسبعين «أى بالنصب» ، ولا يتأتى ذلك إلا بعد كلمة: «يعنى» .
(2) فى أزيادة هي: «قال أبو محمد هذه قمرية لأن السنة فى حساب الأهلة ثلاثمائة وأربعة وخمسين يوما» ، وليست فى ل، وبها تحريف وأخطاء فى أ.(3/601)
بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ- 6- وهي معلقة في السماء بهيئة القناديل وَحِفْظاً يعنى «زينة» «1» السماء بالكواكب مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ- 7- متمرد على الله- عز وجل- في المعصية لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى يعني الملائكة وكانوا قبل النبي- صلى الله عليه وسلم- يسمعون كلام الملائكة وَيُقْذَفُونَ ويرمون مِنْ كُلِّ جانِبٍ- 8- من كل ناحية دُحُوراً يعني طردا بالشهب من الكواكب، ثم ترجع الكواكب إلى أمكنتها وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ- 9- يعني دائم للشياطين من يستمع منهم، ومن لم يستمع عذاب دائم في الآخرة والكواكب تجرح ولا تقتل، نظيرها في تبارك «وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ، وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ» «2» إِلَّا مَنْ خَطِفَ من الشياطين الْخَطْفَةَ يخطف من الملائكة فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ- 10- من الملائكة الكواكب، «يعني بالشهاب الثاقب» «3» «نارا» «4» مضيئة. كقول موسى: « ... (أَوْ آتِيكُمْ «5» ) بِشِهابٍ قَبَسٍ «6» ... » يعنى «بنار «7» » مضيئة، فيها تقديم «8» قال- جل وعز-: فَاسْتَفْتِهِمْ يقول سلهم: أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً نزلت
__________
(1) «زينة» : زيادة اقتضاها السياق ليست فى النسخ.
(2) سورة تبارك: 5، وفى أ: نظيرها فى تبارك «إنا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ... » الآية، وفيه خطأ فى الآية، فالصواب «وَلَقَدْ زَيَّنَّا» بينما قال:
«انا زينا» .
(3) فى أ: «يعنى الثاقب» ، وفى ل: «يعنى الشهاب الثاقب» .
(4) فى أ، ل: «نار» .
(5) فى أ: (آتيكم) ، وفى ل: (أو آتيكم) .
(6) سورة النمل: 7.
(7) فى أ، ل: «نار» . والأنسب: «بنار» .
(8) أى تقدم ذكرها فيما سبق من التفسير.(3/602)
في أبي الأشدين واسمه أسيد بن كلدة بن «خلف» «1» «الجمحي» «2» . وإنما كنى [110 أ] أبا الأشدين لشدة بطشه وفي «ركانة» «3» بن عبد يزيد بن هشام ابن عبد مناف يقول سل هؤلاء أهم أشد خلقا بعد موتهم لأنهم كفروا بالبعث أَمْ مَنْ خَلَقْنا يعني خلق السموات والأرض وما بينهما والمشارق، لأنهم يعلمون أن الله- جل وعز- خلق هذه الأشياء، ثم أخبر عن خلق الإنسان فقال- جل وعز-: إِنَّا خَلَقْناهُمْ يعني آدم مِنْ طِينٍ لازِبٍ- 11- يعني لازب بعضه في البعض فهذا أهون خلقا عند هذا المكذب بالبعث من خلق السموات والأرض وما بينهما والمشارق، ونزلت في أبى الأشدين أيضا «أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً» بعثا بعد الموت «أَمِ السَّماءُ بَناها» «4» ثم قال- جل وعز-:
بَلْ عَجِبْتَ يا محمد من القرآن حين أوحي إليك نظيرها في الرعد «وَإِنْ تَعْجَبْ» من القرآن: «فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ «5» ... » فاعجب من قولهم بتكذيبهم بالبعث، ثم قال- جل وعز- وَيَسْخَرُونَ- 12- يعني كفار مكة سخروا من النبي- صلى الله عليه وسلم- حين سمعوا منه القرآن، ثم قال: وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ- 13- وإذا وعظوا بالقرآن لا يتعظون وَإِذا رَأَوْا آيَةً يعني انشقاق القمر بمكة فصار نصفين يَسْتَسْخِرُونَ- 14- سخروا فقالوا هذا عمل السحرة، فذلك قوله
__________
(1) فى أ: «يخلف» ، وفى ل: «خلف» .
(2) «الجمحي» : من ل، وليست فى أ. [.....]
(3) «ركزته» فى أ: «نكاية» ، وفى ل: «ركانة» .
(4) سورة النازعات: 27 وهي: «أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها» .
(5) سورة الرعد: 5 وتمامها: «وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» .(3/603)
- عز وجل-: «وَقالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ» «1» - 15- نظيرها فى «اقتربت الساعة» «2» « ... وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ» «3» أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا «تُراباً» «4» وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ- 16- بعد الموت أَوَيبعث آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ- 17- قالوا ذلك تعجبا، يَقُولُ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لنبيه- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم-: قُلْ لكفار مكة: نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ- 18- وأنتم صاغرون، ثم أخبر عنهم- عز وجل-: فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ صيحة واحدة من إسرافيل لا مثنوية لها فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ- 19- إلى البعث الذي كذبوا به فلما نظروا وعاينوا البعث ذكروا قول الرسل إن البعث حق «وَقالُوا» «5» يَا وَيْلَنا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ- 20- يوم الحساب الذي أخبرنا به النبي- صلى الله عليه وسلم- فردت عليهم الحفظة من الملائكة هذا يَوْمُ الْفَصْلِ «6» يوم القضاء الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ- 21- بأنه كائن احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا الذين أشركوا من بني آدم وَأَزْواجَهُمْ قرناءهم من الشياطين الذين أظلوهم وكل كافر مع شيطان في سلسلة واحدة وَما كانُوا يَعْبُدُونَ- 22- مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني إبليس وجنده نزلت في كفار قريش نظيرها فى يس «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ ... » الآية « ... أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ ... » «7» يعنى إبليس وحده فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ يعنى ادعوهم
__________
(1) «وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ» : ساقطة من أ.
(2) سورة القمر: أ.
(3) سورة القمر: 2 وتمامها: «وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ» .
(4) فى أ: «ترابا ... » الآية.
(5) فى أ: «فقالوا» .
(6) فى أ: الآية، ولم يذكر بقينها.
(7) سورة يس: 60 وتمامها: «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ» .(3/604)
إلى طريق الْجَحِيمِ- 23-[110 ب] ، والجحيم ما عظم الله- عز وجل- من النار «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ» «1» - 24- فلما سيقوا إلى النار حبسوا فسألهم خزنة جهنم ألم تأتكم رسلكم بالبينات؟ قالوا: بلى، ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين يقول الخازن: ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ- 25- نظيرها في الشعراء « ... هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ «2» ... » يقول الكفار ما لشركائكم الشياطين لا يمنعونكم من العذاب يقول اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- لمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ- 26- للعذاب وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ- 27- يتكلمون «قالُوا» «3» : قال قائل من الكفار لشركائهم الشياطين: إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ- 28- يعنون من قبل الحق، نظيرها في الحاقة «لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ» «4» بالحق وقالوا للشياطين أنتم زينتم لنا ما نحن عليه فقلتم إن هذا الذي نحن عليه هو الحق قالُوا قالت لهم الشياطين: بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ- 29- مصدقين بتوحيد الله- عز وجل- وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ من ملك فنكرهكم على متابعتنا بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ- 30- عاصين، ثم قالت الشياطين: فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا يوم قال لإبليس: « ... لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ ... » «5» الآية إِنَّا لَذائِقُونَ- 31- فَأَغْوَيْناكُمْ يعني أضللناكم عن الهدى «إِنَّا كُنَّا غاوِينَ» «6» - 32- ضالين يقول الله- عز وجل-: فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ
__________
(1) فى أ: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ» وليس بهم «مسؤلون» .
(2) سورة الشعراء: 93.
(3) «قالوا» : ساقطة من أ.
(4) سورة الحاقة: 45، وفى أ: الآية. [.....]
(5) سورة ص: 85، وتمامها «لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ» .
(6) «إِنَّا كُنَّا غاوِينَ» : ساقط من أ.(3/605)
للكفار والشياطين فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ- 33- «إِنَّا كَذلِكَ» «1» نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ- 34- ثم أخبر عنهم فقال- جل وعز-: إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ- 35- يتكبرون عن الهدى نزلت في الملأ من قريش الذين مشوا إلى أبي طالب، فقال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم-: قولوا لا إله إلا الله تملكون بها العرب وتدين لكم العجم بها، «وَيَقُولُونَ» «2» أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ- 36- فقال- جل وعز-: بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ يعني محمدا- صلى الله عليه وسلم-: جاء بالتوحيد وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ- 37- قبله إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ- 38- يعني الوجيع وَما تُجْزَوْنَ في الآخرة إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 39- في الدنيا من الشرك، جزاء الشرك النار، ثم استثنى المؤمنين فقال: إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ- 40- بالتوحيد لا يذوقون العذاب، فأخبر ما أعد لهم فقال- جل وعز-: أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ- 41- يعني بالمعلوم حين يشتهونه يؤتون به، ثم بين الرزق فقال- تبارك وتعالى-: فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ- 42- فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ- 43- عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ- 44- «في الزيارة» «3» يُطافُ عَلَيْهِمْ يعني يتقلب عليهم بأيدي الغلمان الخدم بِكَأْسٍ يعني الخمر مِنْ مَعِينٍ- 45-[111 أ] يعنى الجاري بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ- 46- لا فِيها غَوْلٌ لا غائلة عليها يرجع منها الرأس كفعل خمر الدنيا وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ- 47- يعنى يسكرون فتنزف عقولهم كخمر الدنيا
__________
(1) فى أ: الآية، ولم تذكر بقية الآية.
(2) فى أ: «قالوا» .
(3) فى أ: فى الزيادة.(3/606)
وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ حافظات النظر من الرجال غير أزواجهن لا يرون غيرهم من العشق، ثم قال- جل وعز-: عِينٌ- 48- يعنى حسان الأعين ثم شبهن «1» ببياض البيض الذي الصفرة في جوفه، فقال: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ- 49- «فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ» «2» يَتَساءَلُونَ- 50- أي أهل الجنة حين يتكلمون، يكلم بعضهم بعضا يقول: قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ- 51- وذلك أن أخوين من بني إسرائيل اسم أحدهما فطرس والآخر سلخا ورث كل واحد منهما عن أبيه أربعة آلاف دينار، فأما أحدهما فأنفق ماله في طاعة الله- عز وجل-، والمشرك الآخر أنفق ماله في معصية الله- عز وجل- ومعيشة الدنيا، وهما اللذان «3» ذكرهما «4» الله- عز وجل- فى سورة الكهف «5» .
__________
(1) فى أ: شبهم.
(2) فى أ: «فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ... » الآية.
(3) فى أ: الذي، وفى ل: اللذان.
(4) فى أ: ذكر، وفى ل: ذكرهما.
(5) تبدأ فصتهما من الآية 32- 43 من سورة الكهف، حيث يقول- سبحانه-: «وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً، كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً، وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَراً وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً، وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً، قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً، وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً، فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً، أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً، وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً» وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً» .(3/607)
فلما صارا إلى الآخرة أدخل المؤمن الجنة، وأدخل المشرك النار، فلما أدخل الجنة المؤمن ذكر أخاه، فقال لإخوانه من أهل الجنة: «إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ» يعنى «صاحب» «1» يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ- 52- بالبعث أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ- 53- يعنى «المحاسبين» «2» في أعمالنا ثم قالَ المؤمن لإخوانه في الجنة: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ- 54- إلى النار فتنظرون منزلة أخي فردوا عليه أنت أعرف به منا، فاطلع أنت، ولأهل الجنة في منازلهم كوى فإذا شاءوا نظروا إلى أهل النار فَاطَّلَعَ المؤمن فَرَآهُ فرأى أخاه فِي سَواءِ يعني في وسط الْجَحِيمِ- 55- أسود الوجه أزرق العينين مقرونا مع شيطانه في سلسلة قالَ المؤمن: «تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ» «3» - 56- لتغوين فأنزل منزلتك فى النار وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي يقول لولا ما انعم الله علي بالإسلام لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ- 57- النار، ثم انقطع الكلام، ثم أقبل المؤمن على أصحابه فقال: أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ- 58- عرف المؤمن أن كل نعيم معه الموت فليس بتام إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى التي كانت في الدنيا «4» «وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ» «5» - 59- فقيل له «إنك لا تموت فيها» «6» فقال عند ذلك: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ- 60- ثم انقطع كلام المؤمن، يقول الله- عز وجل:
لِمِثْلِ هَذَا النعيم الذي ذكر قبل هذه الآية في قوله: «أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ
__________
(1) كذا فى أ، وفى ل: «صاحب» .
(2) «المحاسبين» من أوليست فى ل.
(3) ما بين القوسين « ... » : ساقط من أ.
(4) فى أ: الآية. [.....]
(5) ما بين القوسين « ... » : من ل، وليس فى أ.
(6) كذا فى أ، ل والأنسب: «إنك لا تموت فيها ولا تعذب» .(3/608)
معلوم «1» » فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ- 61- فليسارع المسارعين يقول الله- عز وجل: أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا للمؤمنين أَمْ نزل الكافر شَجَرَةُ الزَّقُّومِ- 62- وهي النار للذين استكبروا عن لا إله إلا الله حين أمرهم [111 ب] النبي- صلّى الله عليه وسلم- بها، ثم قال- جل وعز-: إِنَّا جَعَلْناها يعني الزقوم فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ- 63- يعنى لمشركي مكة منهم عبد الله ابن الزبعري، وأبو جهل بن هشام، والملأ من قريش الذين مشوا إلى أبي طالب، وذلك أن ابن الزبعري قال: إن الزقوم بكلام اليمن التمر والزبد. فقال أبو جهل: يا جارية، ابغنا تمرا وزبدا، ثم قال لأصحابه: تزقموا من هذا الذي يخوفنا به محمد. يزعم أن النار تنبت الشجر والنار تحرق الشجر، فكان الزقوم فتنة لهم، فأخبر الله- عز وجل- أنها لا تشبه النخل، ولا طلعها كطلع النخل، فقال- تبارك وتعالى-: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ تنبت فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ- 64- طَلْعُها تمرها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ- 65- فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها من ثمرتها فَمالِؤُنَ مِنْهَا من ثمرها الْبُطُونَ- 66- ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً يعني لمزاجا مِنْ حَمِيمٍ- 67- يشربون على إثر الزقوم الحميم الحار الذي قد انتهى حره ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ بعد الزقوم وشرب الحميم لَإِلَى الْجَحِيمِ- 68- وذلك قوله- عز وجل-: «يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ «2» » إِنَّهُمْ أَلْفَوْا وجدوا آباءَهُمْ ضالِّينَ- 69- عن الهدى فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ- 70- يقول «يسعون «3» » في مثل أعمال آبائهم وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ قبل أهل مكة
__________
(1) سورة الصافات: 41، وفى أ: «لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ» .
(2) سورة الرحمن: 44.
(3) فى أ: «يسمعون» ، وفى ل: «يسعون» ، وفى حاشية أ: «يسرعون، محمد» .(3/609)
أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ- 71- من الأمم وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ- 72- رسلا ينذرونهم العذاب فكذبوا الرسل فعذبهم الله- عز وجل- في الدنيا، فذلك قوله- عز وجل-: فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ- 73- يحذر كفار مكة لئلا يكذبوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- فينزل بهم العذاب في الدنيا، ثم استثنى فقال- جل وعز-: إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ
- 74- الموحدين فإنهم نجوا من العذاب بالتوحيد وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فى «اقتربت «1» ... » :
« ... أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ «2» » وفي الأنبياء «3» .
فأنجاه ربه فغرقهم بالماء، فذلك قوله- عز وجل-: فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ- 75- يعني الرب نفسه- تعالى- وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ- 76- الهول الشديد وهو الغرق وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ ولد نوح هُمُ الْباقِينَ- 77- وذلك أن أهل السفينة ماتوا ولم يكن لهم نسل غير ولد نوح وكان الناس من ولد نوح، فلذلك قال «هُمُ الْباقِينَ» فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- سام أبو العرب، ويافث أبو الروم، وحام أبو الحبش وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ- 78- يقول ألقينا على نوح بعد موته ثناء حسناء، يقال له من بعده في الآخرين خير، فذلك قوله- عز وجل-: سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ- 79- يعنى بالسلام الثناء الحسن الذي ترك عليه من بعده فى الناس.
__________
(1) سورة القمر: 1.
(2) سورة القمر: 10 وتمامها: «فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ» .
(3) يشير إلى الآية 76، من سورة الأنبياء وهي: «وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ» .(3/610)
«إِنَّا» «1» كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ- 80- هكذا نجزي كل محسن فجزاه الله- عز وجل- بإحسانه الثناء الحسن في العالمين إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ- 81- يعنى المصدقين بالتوحيد ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ- 82- يعني قوم نوح وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ- 83- يقول إبراهيم على ملة نوح- عليهما السلام- قال الفراء: إبراهيم من شيعته- محمد- عليهما السلام.
قال أبو محمد: سألت أبا العباس عن ذلك، فقال: كل من كان على دين رجل فهو من شيعته، كل نبي من شيعة إبراهيم صاحبه، فإبراهيم من شيعة محمد، ومحمد من شيعة إبراهيم- عليهما السلام- إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ- 84- يعني بقلب مخلص من الشرك إِذْ قالَ لِأَبِيهِ آزر وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ- 85- من الأصنام أَإِفْكاً يعنى أكذبا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ- 86- فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ- 87- إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره فَنَظَرَ إبراهيم نَظْرَةً فِي النُّجُومِ- 88- يعني الكواكب وذلك أنه رأى نجما طلع فَقالَ لقادتهم: إِنِّي سَقِيمٌ- 89- وهم ذاهبون إلى عيدهم «إِنِّي سَقِيمٌ» يعني وجيع، وذلك أنهم كانوا يعبدون الأصنام «كانت «2» » اثنين وسبعين صنما من ذهب وفضة «وشبه «3» » ونحاس وحديد وخشب وكان أكبر الأصنام عيناه من ياقوتتين حمراوين، وهو من ذهب وكانوا إذا خرجوا إلى عيدهم دخلوا قبل أن يخرجوا فيسجدون لها ويقربون الطعام ثم يخرجون إلى عيدهم فإذا
__________
(1) «إنا» : ساقطة من الأصل.
(2) فى أ: «فكانت» .
(3) كذا فى أ، ل.(3/611)
رجعوا من عيدهم فدخلوا عليها «سجدوا لها «1» » «ثم يتفرقون «2» » فلما خرجوا إلى عيدهم اعتل إبراهيم بالطاعون، وذلك أنهم كانوا ينظرون في النجوم، فنظر إبراهيم في النجوم فقال: «إِنِّي سَقِيمٌ» ، قال الفراء: كل من عمل فيه النقص ودب فيه الفناء وكان منتظر للموت فهو سقيم. فذلك قوله- عز وجل-:
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ- 90- ذاهبين وقد وضعوا الطعام والشراب بين يدي آلهتهم فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ إلى الصنم الكبير وهو في «3» بيت فَقالَ للآلهة أَلا تَأْكُلُونَ- 91- الطعام الذي بين أيديكم ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ- 92- ما لكم لا تكلمون؟ ما لكم لا تردون جوابا، أتأكلون، أولا تأكلون، فَراغَ يعني فمال إلى آلهتهم «فَرَاغَ» عَلَيْهِمْ يعنى فأقبل عليها ضَرْباً بِالْيَمِينِ بيده اليمين «يكسرهم بالفأس فلما رجعوا من عيدهم، فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ- 94- يمشون إلى إبراهيم يأخذونه بأيديهم ف قالَ لهم إبراهيم:
أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ- 95- وما تنحتون من الأصنام [112 ب] وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ- 96- وما تنحتون من الأصنام.
قال أبو محمد: قال الفراء: «ضَرْباً بِالْيَمِينِ» الذي حلفها عليها، فقال:
«وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ «4» » . قال أبو محمد: حدثني هناد، قال: حدثنا ابن يمان، قال: رأيت «سفيان «5» » جائيا من السوق بالكوفة، فقلت: من أين أقبلت؟ قال: من دار الصيادلة نهيتهم عن بيع
__________
(1) فى أ: «فسجدوا لها» .
(2) فى الأصل: «ثم يتفرقوا» .
(3) كذا فى أ، ل. [.....]
(4) سورة: الأنبياء: 57.
(5) فى الأصل: «سفيانا» .(3/612)
الداذي «1» وإني لأرى الشيء أنكره فلا أستطيع تغييره فأبول دما رجع إلى قول مُقَاتِلٍ «قالُوا» «2» ابْنُوا لَهُ بُنْياناً قال ابن عباس: «بنوا» «3» حائطا من حجارة طوله في السماء ثلاثون ذراعا، وعرضه عشرون ذراعا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ- 97- في نار عظيمة قال الله- عز وجل- فى سورة الأنبياء:
« ... يَا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ «4» » ، «وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً «5» ... » سوءا، الآية وعلاهم إبراهيم- عليه السلام- «وسلمه «6» » الله- عز وجل- وحجزهم عنه فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى أهلكهم الله- عز وجل- فما بقيت يومئذ دابة إلا جعلت تطفئ النار عن إبراهيم- عليه السلام-، غير الوزغ كانت تنفخ النار على إبراهيم، فأمر النبي- صلى الله عليه وسلم- بقتلها «فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ» «7» - 98- وَقالَ وهو ببابل إِنِّي ذاهِبٌ يعني مهاجر إِلى رَبِّي إلى رضى ربي «بالأرض «8» » المقدسة سَيَهْدِينِ- 99- لدينه وهو أول من هاجر من الخلق ومعه لوط وسارة فلما قدم «الأرض» «9» المقدسة سأل ربه الولد، فقال: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ- 100- هب لي
__________
(1) كذا فى أ، والرواية كلها ليست فى ل.
(2) «قالوا» : ساقطة من أ.
(3) فى أ: «يقول» ، وفى ل: «بنوا» .
(4) سورة الأنبياء: 69 وتمامها: «قُلْنا يَا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ» .
(5) سورة الأنبياء: 70، وتمامها: «وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ» .
(6) فى أ: «وسلمهم» .
(7) الآية 98 ساقطة من أ، ل، هي وتفسيرها.
(8) فى الأصل: «بأرض» .
(9) فى الأصل: «أرض» .(3/613)
ولدا صالحا، فاستجاب له فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ- 101- يعنى عليم، وهو العالم «1» ، وهو إسحاق بن سارة «2» .
__________
(1) فى أ: وهو الغلام، وفى ل: وهو العالم.
(2) ذهب مقاتل إلى أن الذبيح إسحاق، والمشهور أنه إسماعيل، وفى كتاب بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي أنه إسماعيل وقد مر بك فى أول السورة «المقصود الإجمالى لسورة الصافات» أن الذبيح إسماعيل، فى رأى الفيروزآبادى وجمهور المفسرين، ويرجحه أن الله بشر إبراهيم بإسحاق بعد ذكر قصة الذبح فدل على أن المبشر به غير الذبيح. وقد عنى الطبري فى تفسيره لهذه الآية بتحقيق الذبيح فقال: واختلف أهل التأويل فى المفدى من الذبح من ابني إبراهيم فقال بعضهم: هو إسحاق، وقال بعضهم: هو إسماعيل.
وأورد الطبري أدلة الفريقين فى أربع صفحات هي الصفحات 51- 54 من الجزء الثالث والعشرين.
«قال أبو جعفر» : وأولى القولين بالصواب فى المفدى من ابني إبراهيم- خليل الرحمن- على ظاهر التنزيل قول من قال هو إسحاق لأن الله قال: «وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» سورة الصافات: 107 فذكر أنه فدى الغلام الحليم الذي بشر به إبراهيم حين سأله أن يهب له ولدا صالحا من الصالحين فقال:
«رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ» فإذا كان المفدى بالذبح من ابنيه هو المبشر به وكان الله- تبارك اسمه- قد بين فى كتابه أن الذي بشر به هو إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب فقال- جل ثناؤه-:
«وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ» سورة هود: 71 وكان فى كل موضع من القرآن ذكر تبشيره إياه بولد فإنما هو معنى به إسحاق كان بيتا أن تبشيره إياه بقوله «فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ» فى هذا الموضع نحو سائر أخباره فى غيره من آيات القرآن ...
وقد ذهب الأستاذ سيد قطب إلى أن الذبيح هو إسماعيل كما يرجح سياق السيرة والسورة.
ورجح النسفي فى تفسيره أن الذبيح هو إسماعيل قال النسفي:
(والأظهر أن الذبيح إسماعيل وهو قول أبى بكر وابن عباس وابن عمر وجماعة من التابعين- رضى الله عنهم- لقوله- عليه السلام- أنا ابن الذبيحين أحدهما جده إسماعيل والآخر أبوه عهد الله.
وعن الأصمعى أنه قال: سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح؟ فقال: يا أصمعى أين عزب عنك عقلك؟ ومتى كان إسحاق يمكنه وإنما كان إسماعيل بمكة وهو الذي بنى البيت مع أبيه والنحر بمكة ...
والمسألة كما ترى فيها خلاف بين المفسرين والمرجح لدى أن الذبيح هو إسماعيل- عليه السلام- وقد نقل النيسابوري فى تفسيره عددا من الحجج على أن الذبيح هو إسماعيل لا إسحاق وكان الزجاج يقول الله أعلم أيهما الذبيح.(3/614)
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ مع أبيه السَّعْيَ المشي إلى الجبل قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ لنذر كان عليه فيه يقول إني أمرت في المنام أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى فرد عليه إسحاق «قالَ يَا أَبَتِ «1» » افْعَلْ ما تُؤْمَرُ وأطع ربك فمن ثم لم يقل إسحاق لإبراهيم- عليهما السلام- افعل ما رأيت، ورأى إبراهيم ذلك ثلاث ليال متتابعات، وكان إسحاق قد صام وصلى قبل الذبح سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ- 102- على الذبح فَلَمَّا أَسْلَما يقول أسلما لأمر الله وطاعته وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ- 103- وكبه لجبهته، فلما أخذ بناصيته ليذبحه عرف الله- تعالى- منهما الصدق، قال الفراء في قوله- عز وجل-: «ماذا ترى» ؟ مضموم التاء قال: المعنى ما «ترى» من الجلد والصبر على طاعة الله- عز وجل-، ومن قرأ «ترى» أراد إبراهيم أن يعلم ما عنده من العزم، ثم هو ماض على ذبحه، كما أمره الله- عز وجل-[113 أ] رجع إلى مُقَاتِلٍ وَنادَيْناهُ أَنْ يَا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا في ذبح ابنك، وخذ الكبش «إِنَّا كَذلِكَ»
» نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ- 105- هكذا نجزي كل محسن فجزاه الله- عز وجل- بإحسانه وطاعته، العفو عن ابنه إسحاق، ثم قال- عز وجل-: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ- 106- يعني النعيم المبين حين عفا عنه وفدى بالكبش «وَفَدَيْناهُ «3» بِذِبْحٍ عَظِيمٍ- 107- ببيت المقدس الكبش اسمه رزين وكان من الوعل رعي في الجنة أربعين سنة قبل أن يذبح وَتَرَكْنا وأبقينا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ- 108- الثناء الحسن يقال له من بعد موته فى الأرض، فذلك قوله- عز
__________
(1) «قالَ يا أَبَتِ» : ساقطة أ. [.....]
(2) فى أ: الآية، ولم يذكر بقيتها.
(3) «وفديناه» : ساقطة من أ.(3/615)
وجل-: سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ- 109- «يعني «1» » بالسلام الثناء الحسن، يقال له من بعده في أهل الأديان، في الناس كلهم، «كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ» «2» - 110- إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ- 111- يعني المصدقين بالتوحيد وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا «مِنَ الصَّالِحِينَ» «3» - 112- يقول وبشرنا إبراهيم بنبوة إسحاق بعد العفو عنه وَبارَكْنا عَلَيْهِ على إبراهيم وَعَلى إِسْحاقَ «وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما» «4» إبراهيم وإسحاق مُحْسِنٌ مؤمن وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ يعني المشرك مُبِينٌ- 113- وَلَقَدْ مَنَنَّا أنعمنا عَلى مُوسى وَهارُونَ- 114- بالنبوة وهلاك عدوهما وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما بنى إسرائيل «مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ» «5» - 115- وَنَصَرْناهُمْ «6» على عدوهم «فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ» «7» - 116- لفرعون وقومه وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ- 117- «يقول أعطيناهما التوراة» «8» «المستبين» يعنى بين «ما فيه «9» » .
__________
(1) «يعنى» : ساقطة من أ.
(2) «كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ» : ساقطة من أ.
(3) «من الصالحين» : ساقطة من أ.
(4) فى أ: «ومن ذريته» ، وفى حاشية أ: الآية «ذريتهما» .
(5) «مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ» : ساقطة من أ.
(6) فى أ: الآية.
(7) «فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ» : ليست فى أ.
(8) جملة «يقول أعطيناهما التوراة» من ل، وليست فى أ.
(9) فى أ: «ما فيها» ، وفى ل: «ما فيه» .(3/616)
وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ- 118- دين الإسلام وَتَرَكْنا عَلَيْهِما «فِي الْآخِرِينَ» «1» - 119- «أبقينا «2» » من بعدهما الثناء الحسن يقال لهما بعدهما، وذلك قوله- عز وجل-: سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ- 120- يعني بالسلام الثناء الحسن إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ- 121- هكذا نجزي كل من أحسن «3» «إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ» «4» - 122- وَإِنَّ إِلْياسَ «بن فنحن «5» لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ- 123- إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ- 124- يعنى ألا تعبدون أَتَدْعُونَ بَعْلًا أتعبدون ربا بلغة اليمن «الإله «6» » يسمى بعلا وكان صنما من ذهب ببعلبك بأرض الشام فكسره إلياس، ثم هرب منهم وَتَذَرُونَ عبادة أَحْسَنَ الْخالِقِينَ- 125- فلا تعبدونه «اللَّهَ رَبَّكُمْ» «7» وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ- 126- «فَكَذَّبُوهُ» «8» فكذبوا إلياس النبي- عليه السلام- فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ- 127- النار، ثم استثنى إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ- 128- يعني المصدقين لا يحضرون النار «وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ» «9» - 129- سَلامٌ عَلى «إِلْ ياسِينَ» «10» - 130- يعنى بالسلام الثناء الحسن والخير الذي
__________
(1) «فى الآخرين» : ساقطة من أ.
(2) فى أ: «أبقينا» ، وفى ل: «يقول وأبقينا» .
(3) فى أزيادة: (المؤمنين) يعنى المصدقين. [.....]
(4) «إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ» : ساقطة من الأصل وتفسيرها.
(5) فى أ: «فنحن» ، وفى ل: «فحمى» .
(6) فى أ، ل: «آلهة» .
(7) «اللَّهَ رَبَّكُمْ» الآية فى أ، ولم تذكر بقيتها.
(8) فى أ: (فكذبوه) إلياس.
(9) «وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ» : ساقطة من أ.
(10) فى أ: «الياسين» .(3/617)
ترك عليه في الآخرين «إِنَّا «1» » كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ- 131- هكذا نجزي كل محسن «إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا «2» » الْمُؤْمِنِينَ- 132- المصدقين بالتوحيد.
قال الفراء عن حيان الكلبي «إل ياسين» يعني به النبي- صلى الله عليه وسلم-، فإذا قال «سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ» فالمعنى سلام على آل محمد- صلى الله عليه وسلم-، وآل «3» [113 ب] كل نبي من اتبعه على دينه، وآل فرعون من اتبعه على دينه، فذلك قوله- عز وجل- « ... أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ... «4» » ، رجع إلى مقاتل، وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ- 133- أرسل إلى سدوم، ودامورا، وعامورا، وصابورا أربع مدائن كل مدينة مائة الف إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ- 134- يعنى ابنتيه «ريثا، وزعوثا» «5» ثم استثنى امرأة، فقال- جل وعز-: إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ- 135- يعني في الباقين في العذاب، «ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ»
«6» نظيرها في الشعراء « ... الآخَرِينَ «7» » ثم أهلكنا بقيتهم بالخسف والحصب وَإِنَّكُمْ
يا أهل مكة لَتَمُرُّونَ «عَلَيْهِمْ
«8» ُصْبِحِينَ- 137- وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ
- 138- على القرى نهارا وليلا غدوة وعشية إذا انطلقتم إلى الشام إلى التجارة وَإِنَّ يُونُسَ
وهو ابن متى من أهل نينوى لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ
- 139-
__________
(1) «انا» : ساقطة من أ.
(2) «إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا» : ساقطة من أ.
(3) فى أ: تكررت «وآل» مرتين.
(4) سورة غافر: 46.
(5) فى أ: زيتا وزعونا، وفى ل: «ريثا وزعوتا» ، وفى ف: «ريثا وزعونا» .
(6) «ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ» : ساقط من الأصل.
(7) سورة الشعراء: 172، وتمامها «ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ» . [.....]
(8) بقية الآية 137، والآية 138، ساقطتان من الأصل.(3/618)
كان من بني إسرائيل إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ
- 140- الموقر من الناس والدواب «فساهم» وذلك أنه دخل السفينة فلف رأسه ونام في جانبها فوكل الله- عز وجل- به الحوت، واسمها اللخم فاحتبست سفينتهم ولم تجر، فخاف القوم الغرق، فقال بعضهم لبعض: إن فينا لعبدا مذنبا. قالوا: له وهو ناحيتها يا عبد الله من أنت؟ ألا ترى «أنا «1» » قد غرقنا؟ قال: أنا المطلوب أنا يونس بن متى فاقذفوني في البحر. قالوا: نعوذ بالله أن نقذفك يا رسول الله، فقارعهم ثلاث مرات كل ذلك يقرعونه. فقالوا: لا، ولكن نكتب أسماءنا، ثم نقذف بها في الماء ففعل ذلك، فقالوا: اللهم إن كان هذا طلبتك «فغرق اسمه، وخرج أسماءنا» «2» فغرق اسمه «وارتفعت» «3» أسماؤهم، ثم قالوا الثانية: اللهم إن كنت إياه تطلب فغرق «أسماءنا»
» وارفع اسمه فغرقت أسماؤهم، وارتفع اسمه، ثم قالوا الثالثة: اللهم إن كنت إياه تطلب فغرق اسمه وارفع أسماءنا، فغرق اسمه وارتفعت أسماؤهم، فلما رأوا ذلك ثلاث «مرات «5» » أخذوا بيده ليقذفوه في الماء، ولم يكن أوحى الله إلى الحوت ماذا الذي يريد به؟ فلما قذف أوحى إلى الحوت- وليس بينه وبين الماء إلا شبران- لي في عبدي حاجة إني لم أجعل عبدي لك رزقا، ولكن جعلت بطنك له مسجدا فلا تحسري له شعرا وبشرا، ولا «تردي «6» » عليه طعاما ولا شرابا، قال، فقال له الماء والريح: أين أردت أن تهرب، من الذي يعبد في السماء والأرض،
__________
(1) «أنا» : من ل، وليست فى أ.
(2) ما بين القوسين « ... » : من ل، وليست فى أ.
(3) فى أ: وارتفعت، وفى ل: وخرجت.
(4) فى أ: «أسماؤنا» ، وفى ل: «أسماؤنا» .
(5) «مرات» : من ل، وليست فى أ.
(6) فى ل: «تردى» ، وفى أ: «تزدرى» .(3/619)
فوالله إنا لنعبده، وإنا لنخشى أن يعاقبنا. وجعل يونس «يذكر «1» » الله- عز وجل-، ويذكر [114 أ] كل شيء صنع ولا يدعوه فألهمه الله- جل وعز- عند الوقت «2» فدعاه ففلق دعاءه البحر والسحاب فنادى بالتوحيد، ثم نزه الرب- عز وجل- أنه ليس أهل «لأن «3» » يعصى، ثم اعترف فقال: « ... لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ «4» » .
«فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ»
«5» - 141- يعني فقارعهم فكان من المقروعين المغلوبين فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ- 142- يعني استلام إلى ربه قال الفراء: ألام الرجل إذا استحق اللوم وهو مليم، وقال أيضا: وليم على أمر قد كان منه فهو ملوم على ذلك، رجع إلى قول مقاتل. «6»
فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ قبل أن يلتقمه الحوت مِنَ الْمُسَبِّحِينَ- 143- يعني من المصلين قبل المعصية وكان في زمانه كثير الصلاة والذكر لله- جل وعز- فلولا ذلك لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ عقوبة فيه إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ- 144- الناس من قبورهم «7» فَنَبَذْناهُ ألقيناه بِالْعَراءِ يعنى البراري من
__________
(1) فى أ: «يذكر» ، وفى ل: «يدعو» .
(2) كذا فى أ، ل. ولعل المراد عند الوقت المستجاب فيه الدعاء.
(3) فى أ، وفى ل: «أن» .
(4) سورة الأنبياء: 78.
(5) من ل، وليست فى أ.
(6) هذا دليل قاطع على أن التفسير فى أ، ل وجميع النسخ لمقاتل وليس لهذيل بن حبيب، كما ذهب إلى ذلك الدكتور يوسف العش، ثم إن جميع النسخ متشابهة إلى حد كبير فكيف نقول هذه لمقاتل وتلك لهذيل بن حبيب؟.
(7) كذا فى أ، ل، والمراد إلى يوم يبعث الناس من قبورهم، فلا يجوز أن يقال يبعثون الناس من قبورهم، إلا على لغة أكلونى البراغيث وهي لغة ضعيفة. [.....](3/620)
الأرض التي ليس فيها نبت، وَهُوَ سَقِيمٌ- 145- يعني مستقام «1» وجيع وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ- 146- يعني من قرع يأكل منها، ويستظل بها، وكانت تختلف إليه، وعلة فيشرب من لبنها ولا تفارقه وَأَرْسَلْناهُ قبل أن يلتقمه الحوت إِلى مِائَةِ أَلْفٍ من الناس أَوْ يعني بل يَزِيدُونَ- 147- عشرون ألفا على مائة ألف كقوله- عز وجل-: « ... قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى «2» » يعني بل أدنى أرسله إلى نينوى فَآمَنُوا فصدقوا بتوحيد الله- عز وجل- فَمَتَّعْناهُمْ في الدنيا إِلى حِينٍ- 148- منتهي آجالهم.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حدثنا الْهُذَيْلُ، قال، وقال مُقَاتِلُ: كل شيء ينبسط مثل القرع والكرم والقثاء والكشوتا ... ونحوها فهو يسمى يقطينا.
قال الفراء: قال ابن عباس: كل ورقة انشقت، واستوت فهي يقطين.
وقال أبو عبيدة: كل شجرة لا تقوم على ساق فهي يقطين فَاسْتَفْتِهِمْ يقول للنبي- صلى الله عليه وسلم- فاسأل كفار مكة منهم النضر بن الحارث أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ يعني الملائكة وَلَهُمُ الْبَنُونَ- 149- فسألهم النبي- صلى الله عليه وسلم- فى الطور والنجم وذلك أن جهينة وبني سلمة عبدوا الملائكة وزعموا أن حيا من الملائكة يُقَالُ لهم الجن منهم إبليس أن الله- عز وجل- اتخذهم بنات لنفسه، فقال لهم أبو بكر الصديق: فمن أمهاتهم قالوا سروات الجن، يقول الله- عز وجل-: أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ- 150-
__________
(1) كذا فى أ، ل.
(2) سورة النجم: 9.(3/621)
لخلق الملائكة إنهم أناث نظيرها في الزخرف «1» أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ من كذبهم لَيَقُولُونَ- 151- وَلَدَ اللَّهُ [114 ب] وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ- 152- في قولهم يقول الله- عز وجل- أَصْطَفَى استفهام، أختار الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ- 153- والبنون أفضل من البنات مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ- 154- يعني كيف تقضون الجور حين تزعمون أن لله- عز وجل- البنات ولكم البنون أَفَلا تَذَكَّرُونَ- 155- أنه لا يختار البنات على البنين أَمْ لَكُمْ بما تقولون «سُلْطانٌ مُبِينٌ» «2» - 156- كتاب من الله- عز وجل- أن الملائكة بنات الله فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
- 157- ثم قال- جل وعز-: وَجَعَلُوا ووصفوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً بين الرب- تعالى- والملائكة حين زعموا أنهم بنات الله- عز وجل- وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ- 158- لقد علم ذلك الحي من الملائكة ومن قال إنهم بنات الله «إنهم لمحضرون» النار سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ- 159- عما يقولون من الكذب إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ- 160- الموحدين فإنهم لا يحضرون النار. «3» فَإِنَّكُمْ يعني كفار مكة وَما تَعْبُدُونَ- 161- من الآلهة مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ على ما تعبدون من الأصنام بِفاتِنِينَ- 162- يقول بمضلين أحدا بآلهتكم إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ- 163- إلا من قدر الله- عز وجل- أنه يصلى الجحيم، وسبقت له
__________
(1) يشير إلى الآية 19 من سورة الزخرف، وهي: «وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ» .
(2) «سلطان مبين» : ساقطة من أ.
(3) فى أ، وغيرها. فسرت الآيات: 158 ثم 160 ثم 159 على التوالي، وقد أعدت ترتيبها حسب ورودها فى المصحف.(3/622)
الشقاوة «وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ» «1» - 164- وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ- 165- يعني صفوف الملائكة في السموات في الصلاة وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ- 166- يعني المصلين، يخبر جبريل النبي «2» - صلى الله عليه وسلم- بعبارتهم لربهم- عز وجل- فكيف يعبدهم كفار مكة، قوله- عز وجل- وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ- 167- كفار مكة لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ- 168- خبر الأمم الخالية كيف أهلكوا وما كان من أمرهم لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ- 169- بالتوحيد نزلت فى الملأ من قريش، فقص الله- عز وجل- عليهم خبر الأولين، وعلم الآخرين فَكَفَرُوا بِهِ بالقرآن فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ- 170- هذا وعيد يعني القتل ببدر وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا بالنصر لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ- 171- يعني الأنبياء- عليهم السلام- يعني بالكلمة قوله- عز وجل: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ... «3» فهذه الكلمة التي سبقت للمرسلين، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ- 172- على كفار قريش إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ
- 173- حزبنا يعني المؤمنين «لهم الغالبون» الذين نجوا من عذاب الدنيا والآخرة. فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ- 174- يقول الله- عز وجل- للنبي- صلى الله عليه وسلم- فأعرض عن كفار مكة إلى العذاب، إلى القتل ببدر وَأَبْصِرْهُمْ إذا نزل بهم العذاب ببدر فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ- 175- العذاب، فقالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: متى هذا الوعد؟ تكذيبا به فأنزل الله- عز وجل- أَفَبِعَذابِنا
__________
(1) الآية كلها ساقطة من ا.
(2) فى ا: للنبي.
(3) سورة المجادلة: 21.(3/623)
[115 ا] يَسْتَعْجِلُونَ- 176- فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ بحضرتهم فَساءَ صَباحُ فبئس صباح الْمُنْذَرِينَ- 177- الذين أنذروا العذاب، ثم عاد فقال- عز وجل-: وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ- 178- أعرض عنهم إلى تلك المدة القتل ببدر «وَأَبْصِرْ» «1» وأبصر العذاب فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ- 179- العذاب، ثم نزه نفسه عن قولهم فقال- جل وعز-: سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ يعني عزة من يتعزز «2» من ملوك الدنيا عَمَّا يَصِفُونَ- 180- عما يقولون من الكذب إن الملائكة بنات الله- عز وجل- وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ- 181- الذين بلغوا عن الله التوحيد وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ- 182- على هلاك الآخرين الذين لم يوحدوا ربهم.
__________
(1) فى الأصل: «وأبصرهم» .
(2) فى ا: من يعزر ملوك الدنيا.(3/624)
سورة ص(3/625)
[سورة ص (38) : الآيات 1 الى 88]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هَذَا ساحِرٌ كَذَّابٌ (4)
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرادُ (6) مَا سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9)
أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (10) جُنْدٌ مَا هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (14)
وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَا لَها مِنْ فَواقٍ (15) وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (16) اصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19)
وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (20) وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (24)
فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (25) يَا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (26) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (29)
وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (31) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (32) رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (33) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (34)
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ (36) وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (38) هَذَا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (39)
وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (40) وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (42) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (48) هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49)
جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنا مَا لَهُ مِنْ نَفادٍ (54)
هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (59)
قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ (60) قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هَذَا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (61) وَقالُوا مَا لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (62) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (63) إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)
قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69)
إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (71) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (74)
قالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (75) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (78) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79)
قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84)
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)(3/627)
سورة ص «1» سورة ص مكية عددها ثمانون وثمانون آية كوفى «2»
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان تعجب الكفار من نبوة المصطفى- صلّى الله عليه وسلم- وصف المنكرين رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- بالاختلاق والافتراء، واختصاص الحق- تعالى- بملك الأرض والسماء، وظهور أحوال يوم القضاء، وعجائب حديث داود وأوربا وقصة سليمان فى حديث الملك، على سبيل المنة والعطاء، وذكر أيوب فى الشفاء، والابتلاء، وتخصيص إبراهيم وأولاده من الأنبياء، وحكاية أحوال ساكني جنة المأوى، وعجز حال الأشقياء فى سقر ولظى: وواقعة إبليس مع آدم وحواء، وتهديد الكفار على تكذيبهم للنبي المجتبى فى قوله: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ، وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ سورة ص: 87- 88.
ولها اسمان: سورة ص، لافتتاحها بها، وسورة داود لاشتمالها على قصته فى قوله:
« ... وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ» سورة ص: 17.
(2) فى المصحف (38) سورة ص مكية وآياتها 88 نزلت بعد القمر.(3/633)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ- 1- يعنى ذا البيان «بَلِ» «1» الَّذِينَ كَفَرُوا بالتوحيد من أهل مكة فِي عِزَّةٍ يعني في حمية، كقوله في البقرة: « ... أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ... «2» » الحمية وَشِقاقٍ- 2- اختلاف، ثم خوفهم فقال- جل وعز-: كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ من قبل كفار مكة مِنْ قَرْنٍ من أمة بالعذاب في الدنيا، الأمم الخالية، فَنادَوْا عند نزول العذاب في الدنيا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ- 3- يعني ليس هذا بحين قرار فخوفهم لكيلا يكذبوا محمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمّ قَالَ- جل وعز-: وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ محمد- صلى الله عليه وسلم- مُنْذِرٌ مِنْهُمْ رسول منهم وَقالَ الْكافِرُونَ من أهل مكة هَذَا ساحِرٌ يفرق بين الاثنين كَذَّابٌ- 4- يعنون النبي- صلى الله عليه وسلم- حين يزعم أنه رسول أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً «إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ» «3» - 5- وذلك حين أسلم عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فشق على قريش إسلام عمر، وفرح به المؤمنون وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ وهم سبعة وعشرون رجلا، والملأ في كلام العرب الأشراف منهم الوليد بن المغيرة،
__________
(1) «بل» : ساقطة من ا.
(2) سورة البقرة: 206، وتمامها: «وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ» . [.....]
(3) «إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ» : ساقط من ا.(3/635)
وأبو جهل بن هشام، وأمية وأبي ابنا خلف، ... وغيرهم، فقال الوليد بن المغيرة:
أَنِ امْشُوا إلى أبي طالب وَاصْبِرُوا واثبتوا عَلى عبادة آلِهَتِكُمْ نظيرها في الفرقان « ... لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها «1» ... » يعني ثبتنا، فقال الله- عز وجل- في الجواب: «فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ «2» ... » فمشوا إلى أبي طالب فقالوا: أنت شيخنا وكبيرنا وسيدنا في أنفسنا وقد رأيت ما فعلت [115 ب] السفهاء وإنا أتيناك لتقضي بيننا وبين «ابن» «3» أخيك.
فأرسل أبو طالب إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فأتاه، فقال أبو طالب: هؤلاء قومك، يسألونك السواء فلا تمل كل الميل على قومك. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: وماذا يسألوني؟
قالوا: ارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- «لهم» «4» : أعطوني أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب، وتدن لكم بها العجم.
فقال أبو جهل: لله أبوك لنعطينكها وعشرا معها. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: قولوا لا إله إلا الله.
فنفروا من ذلك، فقاموا، فقالوا: «أجعل» يعني وصف محمد «الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا الذي يقول «لَشَيْءٌ عُجابٌ» يعنى لأمر عجب، بلغة أزد شنوءة، أن تكون الآلهة واحدا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ الأمر يُرادُ- 6- ما سَمِعْنا بِهذا الأمر الذي يقول محمد فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ يعني ملة النصرانية، وهي آخر الملل لأن النصارى يزعمون أن مع الله
__________
(1) سورة الفرقان: 42، وتمامها «إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا» .
(2) سورة فصلت: 24. وتمامها: «فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ» .
(3) «ابن» : زيادة اقتضاها السياق.
(4) فى ا: «أم» ، وفى كتب السيرة: «لهم» .(3/636)
عيسى بن مريم، ثم قال الوليد: إِنْ هَذَا القرآن إِلَّا اخْتِلاقٌ- 7- من محمد تقوله من تلقاء نفسه، ثم قال الوليد: أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- مِنْ بَيْنِنا ونحن أكبر سنا وأعظم شرفا، يقول الله- عز وجل- لقول الوليد: «إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ» يقول الله- تعالى-:
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي يعني القرآن بَلْ لَمَّا يعني لم يَذُوقُوا عَذابِ- 8-، مثل قوله « ... وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ «1» ... » يعني لم يدخل الإيمان في قلوبكم أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ يعني نعمة ربك وهي النبوة، نظيرها في الزخرف «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ... «2» » يعنى النبوة يقول أبأيديهم مفاتيح النبوة والرسالة فيضعونها حيث شاءوا، فإنها ليست بأيديهم ولكنها بيد الْعَزِيزِ في ملكه الْوَهَّابِ- 9- الرسالة، والنبوة لمحمد- صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يعني كفار قريش يقول ألهم ملكهما وأمرهما، بل الله يوحي الرسالة إلى من يشاء، ثم قال: فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ- 10- يعني الأبواب إن كانوا صادقين بأن محمدا- صلى الله عليه وسلم- تخلقه من تلقاء نفسه، يقول الوليد: «إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ الأسباب» يعني الأبواب التي في السماء، فليستمعوا إلى الوحي حين يوحي الله- عز وجل- إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-، ثم أخبر عنهم فقال:
جُنْدٌ مَا هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ- 11- فأخبر الله- تعالى- بهزيمتهم ببدر مثل قوله: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ ... » «3» ببدر والأحزاب [116 ا] بنى المغيرة
__________
(1) سورة الحجرات: 14.
(2) سورة الزخرف: 32.
(3) سورة القمر: 45.(3/637)
وبني أمية، «وآل «1» » أبي طلحة كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ- 12- «كان يأخذ الرجل فيمده بين أربعة أوتاد، ووجهه إلى السماء، وكان «يوثق» «2» كل رجل إلى سارية مستلقيا بين السماء والأرض فيتركه حتى يموت» «3» وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ يعني غيضة الشجر وهو المقل وهي قرية شعيب يعزي النبي- صلى الله عليه وسلم- ليصبر على «تكذيب» «4» كفار مكة، كما كذبت الرسل قبله فصبروا، ثم قال: أُولئِكَ الْأَحْزابُ- 13- يعني الأمم الخالية إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ- 14- يقول فوجب عقابي عليهم فاحذروا يا أهل مكة مثله فلا تكذبوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- فكذبوه بالعذاب في الدنيا والآخرة فقالوا متى هذا العذاب؟ فأنزل الله- عز وجل- وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ يعني كفار مكة يقول ما ينظرون بالعذاب إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً يعنى نفخة الأولى ليس لها مثنوية، نظيرها في يس « ... صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ «5» ... » ما لَها مِنْ فَواقٍ- 15- يقول ما لها من مرد ولا رجعة وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا وذلك أن الله- عز وجل- ذكر في الحاقة أن الناس يعطون كتبهم بأيمانهم وشمائلهم فقال أبو جهل: «عَجِّلْ لَنا قِطَّنا» يعني كتابنا الذي تزعم أنا نعطى في الآخرة فعجله لنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ- 16- يقول ذلك تكذيبا به فأنزل الله-
__________
(1) فى ا: إلى، وفى ل: وآل.
(2) الكلمة غير واضحة فى ل، ف.
(3) من ل، وفى ف، ا: «الأوتاد» يعنى العقابين.
(4) فى ا: تكذيبهم، وفى ف: تكذيب.
(5) سورة يس: 49. وتمامها: «مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ» .(3/638)
عز وجل- اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ يعني أبا جهل يعزي نبيه- صلى الله عليه وسلم- ليصبر على تكذيبهم وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ «بن أشى ويقال ميشا» «1» بن «عويد» «2» بن فارض بن يهوذا بن يعقوب- عليه السلام- ذَا الْأَيْدِ يعنى القوة فى العبادة إِنَّهُ أَوَّابٌ- 17- يعني مطيع إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ- 18- وكان داود- عليه السلام- إذا ذكر الله ذكرت الجبال معه ففقه تسبيح الجبال وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً يعني مجموعة، وسخرنا الطير محشورة كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ- 19- يقول كل الطير لداود مطيع وَشَدَدْنا مُلْكَهُ قال كان يحرسه كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألفا من بني إسرائيل، ثم قال: وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ يعني «وأعطيناه «3» الفهم والعلم» وَفَصْلَ الْخِطابِ- 20- يقول وأعطيناه فصل القضاء: البينة على المدعي واليمين على من أنكر وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ يعنى حديث الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ- 21- وذلك أن داود قال: رب اتخذت إبراهيم خليلا وكلمت موسى تكليما، فوددت أنك أعطيتني من الذكر مثل ما أعطيتهما، فقال له: إنى ابتليتهما بما لم أبتلك به، فإن شئت [116 ب] ابتليتك بمثل الذي ابتليتهما، وأعطيتك مثل ما أعطيتهما من الذكر، قال: نعم، قال: اعمل عملك. فمكث داود- عليه السلام- ما شاء الله- عز وجل-، يصوم نصف الدهر، ويقوم نصف الليل، إذا صلى في المحراب فجاء طير حسن ملون فوقع إليه فتناوله فصار إلى الكوة، فقام ليأخذه فوقع الطير في بستان فأشرف داود فرأى امرأة تغتسل فتعجب من حسنها، وأبصرت المرأة ظله فنفضت شعرها
__________
(1) من ل، وفى ا: «بن أشى بن لمس» . [.....]
(2) من ل، وليست فى ا.
(3) فى ا: «وأعطيناه» .(3/639)
فغطت جسمها، فزاده ذلك بها عجبا ودخلت المرأة منزلها، وبعث داود غلاما في أثرها إذا هي بتسامح امرأة أدريا بن حنان، وزوجها في الغزو في بعث البلقاء الذي بالشام، مع «نواب» «1» بن صور يا ابن أخت داود- عليه السلام- فكتب داود إلى ابن أخته بعزيمة أن يقدم أدريا فيقاتل أهل البلقاء، ولا يرجع حتى يفتحها أو يقتل فقدمه فقتل- رحمة الله عليه- فلما انقضت عدة المرأة تزوجها داود، فولدت له سليمان بن داود، فبعث الله- عز وجل- إلى داود- عليه السلام- ملكين، ليستنقذه بالتوبة، فأتوه يوم رأس المائة في المحراب وكان يوم عبادته الحرس حوله، «إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ» «2» فلما رآهما داود قد تسوروا المحراب فزع داود، وقال في نفسه: لقد ضاع ملكي حين يدخل على بغير أَذَن.
«قالُوا» «3» فقال أحدهما لداود: لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ يعني بالعدل وَلا تُشْطِطْ يعني ولا تجر فى القضاء وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ- 22- يقول أرشدنا «إلى قصد الطريق» «4» ثم قال: إِنَّ هذا أَخِي يعني الملك الذي معه لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً يعنى تسع وتسعون امرأة وهكذا كن لداود «5» .
__________
(1) فى ا: «ثواب» .
(2) ما بين القوسين « ... » : ساقط من ا.
(3) «قالوا» : ساقطة من ا.
(4) فى ا: «إلى قصد وهو عدل الطريق» ، ف: «إلى قصد الطريق» .
(5) اتبع مقاتل هنا الإسرائيليات التي تنقص من قدر الأنبياء وتنسب إليهم المعاصي.
مع أن الله حفظ ظواهرهم وبواطنهم من التلبس بأمر منهى عنه، إن الأنبياء هداة البشرية والأسوة الحسنة التي قال الله فيها «أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ... » سورة الأنعام: 90. -(3/640)
ثم قال: وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ يعنى امرأة واحدة فَقالَ أَكْفِلْنِيها يعنى أعطينها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ- 23- يعني غلبني في المخاطبة، إن دعا كان أكثر منى ناصرا، وإن بطش كان أشد مني بطشا، وإن تكلم كان أبين مني في المخاطبة قالَ داود: لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ يعني بأخذه التي لك من الواحدة، إلى التسع والتسعين التي له وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ يعنى الشركاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ليظلم بعضهم بعضا إِلَّا استثناء، فقال: «إلا» الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا يظلمون أحدا «1» وَقَلِيلٌ ما هُمْ يقول هم قليل فلما قضى بينهما نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك فلم يفطن لهما فأحبا يعرفاه فصعدا تجاه وجهه، «وعلم» «2» أن الله- تبارك وتعالى- ابتلاه بذلك [117 أ] وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ يقول وعلم داود أنا ابتليناه فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً يقول وقع ساجدا أربعين يوما وليلة وَأَنابَ- 24- يعني ثم رجع من ذنبه تائبا إلى الله- عز وجل- «وخر
__________
- قال النسفي فى تفسيره: 4/ 29- 30: (وما يحكى من أن داود بعث مرة بعد مرة أدريا إلى غزوة البلقاء وأحب أن يقتل ليتزوج امرأته فلا يليق من المتسمين بالصلاح من أفناء الناس فضلا عن بعض أعلام الأنبياء، وقال على- رضى الله عنه-: من حدثكم بحديث داود- عليه السلام- على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين جلدة، وهو حد الفرية على الأنبياء ... » .
لقد اتهمت الإسرائيليات أنبياء الله بالسكر والزنا وشرب الخمر، وجعلتهم دعاة للرذيلة والشر وهذا يخالف حقائق التاريخ ونصوص القرآن قال- تعالى-: «رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ... » .
إنا بلينا فى بلادنا بدولة إسرائيل، وبلينا فى تفسيرنا بأباطيل بنى إسرائيل؟ فمتى نطهر بلادنا من اليهود؟ ومتى ننقى تفسيرنا من إسرائيليات اليهود؟
عسى ان يكون قريبا.
(1) فى ازيادة: إضمار.
(2) كذا فى ا، والأنسب: «فعلم» .(3/641)
راكعا» مثل قوله: « ... ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً ... » «1» يعنى ركوعا فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ يعني ذنبه، ثم أخبر بما له في الآخرة، فقال: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى يعني لقربة وَحُسْنَ مَآبٍ- 25- يعني وحسن مرجع يَا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ يعنى بالعدل «2» وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى «فتحكم بغير حق» «3» فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يقول يستزلك الهوى عن طاعة الله- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني عن دين الإسلام لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يعني بما تركوا الإيمان يَوْمَ الْحِسابِ- 26- وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا يعني لغير شيء ولكن خلقتهما لأمر هو كائن ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة «أنى» «4» خلقتهما لغير شيء فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ- 27- لما أنزل الله- تبارك وتعالى- «في» «5» «ن والقلم» «إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ» «6» قال كفار قريش للمؤمنين: إنا نعطى من الخير في الآخرة ما تعطون، فأنزل الله- عز وجل-
__________
(1) وفى البقرة: 58، «وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ» .
سورة النساء: 154، وهي «وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً» .
ومثلها فى الأعراف: 161، وهي: «وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ» .
(2) فى ف زيادة: «بما بينت لك فى الزبور» .
(3) فى ا: «فتحكم بغيره» ، وفى ف: «فنحكم بغير حق» .
(4) فى ا: «أنها» . [.....]
(5) «فى» : ليست فى الأصل.
(6) سورة القلم: 34.(3/642)
أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يعنى بنى هاشم و «بنى المطلب» «1» أخوي بني عبد مناف «2» ، فيهم علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وجعفر بن أبي طالب- عليهم السلام- وعبيدة بن الحارث بن المطلب، وطفيل بن الحارث بن المطلب، وزيد بن حارثة الكلبي، وأيمن بن أم أيمن، ومن كان «يتبعه» «3» من بني هاشم يقول: أنجعل هؤلاء كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ بالمعاصي، نزلت في بني عبد شمس بن عبد مناف: في عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة بن ربيعة، وحنظلة بن أبي سفيان، وعبيدة بن سعيد ابن العاص، والعاص بن أبي أمية بن عبد شمس، ثم قال: أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ يعني بني هاشم وبني المطلب في الآخرة كَالْفُجَّارِ- 28- كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ يا محمد مُبارَكٌ يعني هو بركة لمن عمل بما فيه لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ يعني ليسمعوا آيات القرآن وَلِيَتَذَكَّرَ بما فيه من المواعظ أُولُوا الْأَلْبابِ- 29- يعني أهل اللب والعقل وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ ثم أثنى على سليمان، فقال- سبحانه-: نِعْمَ الْعَبْدُ وهذا ثناء على عبده سليمان نعم العبد، إِنَّهُ أَوَّابٌ- 30- يعني مطيع إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ يعني بالصفن إذا رفعت الدابة إحدى يديها فتقوم على ثلاث قوائم، ثم قال:
الْجِيادُ- 31- يعنى السراع، مثل قوله
__________
(1) فى ا: «وبنى عبد المطلب» ، وفى ف: «وبنى المطلب» ، وتفسير الآية 28 من ف، إذ أنه مقتضب جدا فى ا.
(2) أى فى بنى هاشم وبنى المطلب والذين آمنوا وعملوا الصالحات.
(3) المرجح لدى أن الضمير يعود على النبي- صلى الله عليه وسلم- أى ومن كان يتبع النبي محمدا من بنى هاشم.(3/643)
« ... فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ ... » «1» معلقة قائمة على ثلاث، وذلك أن سليمان- عليه السلام- صلى الأولى، ثم جلس على كرسيه لتعرض عليه الخيل وعلى ألف فرس كان ورثها من أبيه داود- عليهما السلام- وكان أصابها [117 ب] من العمالقة فعرض عليه منها تسعمائة فغابت الشمس ولم يصل العصر، فذلك قوله: «فَقالَ» «2» إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ يعني المال وهو الخيل الذي عرض عليه عَنْ ذِكْرِ رَبِّي يعني صلاة العصر، كقوله: «رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ... » «3» يعنى الصلوات الخمس حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ- 32- والحجاب جبل دون ق بمسيرة سنة تغرب الشمس من ورائه، ثم قال: رُدُّوها عَلَيَّ يعني كروها علي فَطَفِقَ «مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ» «4» - 33- يقول فجعل يمسح بالسيف سوقها وأعناقها فقطعها، وبقي منها مائة فرس فما كان في أيدي الناس اليوم فهي من نسل تلك المائة قوله: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ يعني بعد ما ملك عشرين سنة، ثم ملك أيضا بعد الفتنة عشرين سنة، فذلك أربعين يقول لقد ابتلينا سليمان أربعين يوما وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ يعني سريره جَسَداً يعني رجلا من الجن يقال له «صخر بن عفير» «5» بن عمرو بن شرحبيل، ويقال إن إبليس جده، ويقال أيضا اسمه أسيد ثُمَّ أَنابَ- 34- يقول ثم رجع بعد أربعين يوما إلى ملكه وسلطانه وذلك أن سليمان غزا العمالقة فسبى
__________
(1) سورة الحج: 36.
(2) «فقال» : ساقطة من ا.
(3) سورة النور: 37.
(4) «مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ» :، ساقط من ا.
(5) فى ا: «ضمر بن عميرة» ، وفى ف: «صخر بن عفير» .(3/644)
من نسائهم، وكانت فيهم ابنة ملكهم فاتخذها لنفسه فاشتاقت إلى أبيها، وكان بها من الحسن والجمال حالا يوصف فحزنت وهزلت وتغيرت فأنكرها سليمان أن يتخذ لها شبه أبيها فاتخذ لها صنما على شبه أبيها فكانت تنظر إليه في كل ساعة فذهب عنها ما كانت تجد فكانت تكنس ذلك البيت وترشه حتى زين لها الشيطان فعبدت ذلك الصنم بغير علم سليمان لذلك، وكانت لسليمان جارية من أوثق أهله عنده قد كان وكلها بخاتمه وكان سليمان لا يدخل الخلاء حتى يدفع خاتمه إلى تلك الجارية وإذا أتى بعض نسائه فعل ذلك وأن سليمان أراد ذات يوم أن يدخل الخلاء فجاء صخر وقد «نزع» «1» سليمان خاتمه ليناوله الجارية، ولم يلتفت، فأخذه صخر فألقاه في البحر وجلس صخر في ملك سليمان «2» ، وذهب عن سليمان البهاء والنور فحرج يدور في قرى بني إسرائيل فكلما أتى سليمان قوما رجموه وطردوه تعظيما لسليمان- عليه السلام- وكان سليمان إذا لبس خاتمه سجد له كل شيء يراه من الجن والشياطين وتظله الطير، وكان خرج من ملكه فى ذى القعدة
__________
(1) ونزع.
(2) فى ا: وجلس فى ملكه، وهذه القصة كلها ليست فى ف (نسخة فيض الله) إلى جوار أنها مختلفة لمخالفتها ما
ورد فى الحديث الصحيح الذي رواه البخاري فى باب الجهاد: 4/ 22 عن أبى هريرة- رضى الله عنه- أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-، قال سليمان بن داود- عليهما السلام- لأطوفن الليلة على مائة امرأة، أو تسع وتسعين كلهن تأتى بفارس يجاهد فى سبيل الله. فقال له صاحبه: إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل والذي نفس محمد بيده او قال: إن شاء الله، لجاهدوا فى سبيل الله فرسانا أجمعون. أهـ.
فإذا ورد فى السنة الصحيحة تفسيرا للآية فلا يجوز أن نفسرها بقصة صخر المارد التي ذكرها مقاتل، وأوردها ابن جرير الطبري: 23/ 101. ويجب أن ينقى تفسير القرآن من هذه الخرافات التي دخلت علينا من إسرائيليات اليهود وأباطيلهم.(3/645)
وعشر ذي الحجة ورجع إلى ملكه يوم النحر، وذلك قوله: «وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ ... » : أربعين يوما « ... ثُمَّ أَنابَ» يعني رجع إلى ملكه، وذلك أنه أتى ساحل البحر فوجد صيادا يصيد [119 ا] السمك فتصدق منه «1» ، فتصدق عليه بسمكة «2» فشق بطنها فوجد الخاتم فلبسه فرجع إليه البهاء والنور وسجد له كل من رآه وهرب صخر فدخل البحر، فبعث في طلبه الشياطين فلم يقدروا عليه حتى أشارت الشياطين على سليمان أن يتخذ على ساحل البحر، كهيئة العين من الخمر، وجعلت الشياطين «تشرب» «3» من ذلك الخمر ويلهون، فسمع صخر جلبتهم فخرج إليهم فقال لهم: ما هذا اللهو والطرب قالوا مات سليمان بن داود وقد استرحنا منه، فنحن نشرب ونلهو فقال لهم وأنا أيضا أشرب وألهو معكم، فلما شرب الخمر فسكر، أخذوه وأوثقوه وأتى به سليمان فحفر له حجرا فأدخل فيه وأطبق عليه بحجر آخر، وأذاب الرصاص فصب بين الحجرين وقذف به في البحر فهو فيه إلى اليوم فلما رجع «سليمان» «4» إلى ملكه وسلطانه: قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ- 35- فوهب الله- عز وجل- له من الملك ما لم يكن له ولا لأبيه داود- عليهما السلام- فزاده الرياح والشياطين بعد ذلك فذلك قوله- تعالى-:
__________
(1) أى طلب منه الصدقة، ومن ذلك تعلم أنها مهانة لأنبياء الله، والأنبياء أكرم على الله من أن يهينهم أو يحكم فيهم صخر المارد خصوصا وقد ورد فى الحديث الصحيح، أن فتنة سليمان هي أنه نسى أن يقول: إن شاء الله.
(2) كيف يصدق هذا؟ مع
قوله- صلّى الله عليه وسلم- نحن معاشر الأنبياء لا تحل لنا صدقة، إن القصة كلها مختلفة.
[.....] (3) فى ا: «تشربون» والأنسب: «تشرب» .
(4) «سليمان» : زيادة اقتضاها السياق.(3/646)
فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ- 36- يقول مطيعة لسليمان حيث أراد أن «تتوجه» «1» توجهت له وَسخرنا له الشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ- 37- كانوا يبنون له ما يشاء من البنيان وهو محاريب وتماثيل ويغوصون له في البحر فيستخرجون له اللؤلؤ، وكان سليمان أول من استخرج اللؤلؤ من البحر، قال: وَآخَرِينَ من مردة الشياطين، إضمار مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ- 38- يعني موثقين في الحديد هَذَا عَطاؤُنا فَامْنُنْ على من شئت من الشياطين فخل عنه أَوْ أَمْسِكْ يعني، وأحبس في العمل والوثاق من شئت منهم بِغَيْرِ حِسابٍ- 39- يعني بلا تبعة عليك في الآخرة فيمن تمن عليه فترسله، وفيمن تحبسه في العمل، ثم أخبر بمنزلة سليمان في الآخرة فقال تعالى-: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى يعني لقربة وَحُسْنَ مَآبٍ- 40- يعني وحسن مرجع، وكان لسليمان ثلاثمائة امرأة حرة وسبعمائة سرية وكان لداود- عليه السلام- مائة امرأة حرة وتسعمائة سرية، «وكانت» «2» الأنبياء كلهم في الشدة غير داود وسليمان- عليهما السلام- وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ يعني إذ قال لربه: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ يقول أصابنى الشيطان بِنُصْبٍ يعني مشقة في جسده وَعَذابٍ- 41- في ماله ارْكُضْ يعنى ادفع [119 ب] الأرض بِرِجْلِكَ بأرض الشام فنبعت عين من تحت قدمه فاغتسل فيها فخرج منها صحيحا ثم مشى أربعين خطوة فدفع برجله الأخرى فنعبت عين ماء أخرى،
__________
(1) فى ا: «توجه» .
(2) فى ا: «كانت» .(3/647)
ماء عذب بارد شرب منها، فذلك قوله: هَذَا مُغْتَسَلٌ الذي اغتسل فيها، ثم قال: بارِدٌ وَشَرابٌ- 42- الذي أشرب منه «وكان الدود» «1» يأكله «سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات متتابعات» «2» . وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ فأضعف الله- عز وجل- له، وكان له سبع «بنين» «3» وثلاث بنات قبل البلاء وولدت له امرأته بعد البلاء سبع بنين وثلاث بنات فأضعف الله له رَحْمَةً يعني نعمة مِنَّا، ثم قال: وَذِكْرى يعني تفكر لِأُولِي الْأَلْبابِ- 43- يعني أهل اللب والعقل وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً يعني بالضغث القبضة الواحدة فأخذ عيدانا رطبة وهي الأسل مائة عود عدد ما حلف عليه وكان حلف ليجلدن امرأته مائة جلدة فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ يعني ولا تأثم في يمينك التي حلفت عليها، فعمد إليها فضربها بمائة عود ضربة واحدة فأوجعها فبرئت يمينه، وكان اسمها دنيا ثم أثنى الله- عز وجل- على أيوب فقال: إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً على البلاء إضمار نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ- 44- يعني مطيعا لله- تعالى-، لما برأ أيوب فاغتسل كساء جبريل- عليه السلام- حلة وَاذْكُرْ يا محمد صبر عِبادَنا إِبْراهِيمَ حين ألقي في النار وَصبر «إِسْحاقَ» «4» للذبح وَصبر يَعْقُوبَ فى
__________
(1) فى ا: «وكانت الدواب» ، وفى ف: «وكانت الدود» .
(2) من ف، وفى ا: سبع سنين، وسبع أشهر وسبع أيام وسبع ساعات، وقال أيوب- عليه السلام- لم يكن فيما ابتليت به شيء أشد على من شماتة الأعداء. والزيادة الأخيرة من ا، وليست فى ف.
(3) فى ا: «بنون» ، وفى ف: «بنين» .
(4) «إسحاق» : مكرر فى امرتين.(3/648)
ذهاب بصره «1» ولم يذكر إسماعيل بن إبراهيم لأنه لم يبتل» «2» ، «واسم أم يعقوب» «3» رفقا.
ثم قال: أُولِي الْأَيْدِي يعني أولى القوة في العبادة، ثم قال:
وَالْأَبْصارِ- 45- يعني البصيرة في أمر الله ودينه، ثم ذكر الله- تعالى- هؤلاء الثلاثة إبراهيم وابنيه إسحاق ويعقوب بن إسحاق، فقال: إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ للنبوة والرسالة بِخالِصَةٍ «ذِكْرَى» «4» الدَّارِ- 46-.
حدثنا أبو جعفر قال: حدثنا داود بن رشيد، قال: حدثنا الوليد عن ابن جابر «أنه» «5» سمع عطاء الخراساني في قوله: «أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ» قال القوة في العبادة والبصر بالدين «إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ» يقول وجعلناهم أذكر الناس لدار الآخرة يعني الجنة وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ- 47-[120] اختارهم الله على علم «للرسالة» «6» وَاذْكُرْ صبر «إِسْماعِيلَ» هو أشويل بن هلقانا» «7» وَصبر الْيَسَعَ وَصبر «ذَا الْكِفْلِ» «8» «وَكُلٌّ» «9» مِنَ الْأَخْيارِ- 48- اختارهم الله- عز وجل- للنبوة فاصبر يا محمد
__________
(1) فى حاشية ا: العمى لا يجوز على الأنبياء- عليهم السلام- على ما حرره السبكى وإن كان المعتزلة يرون جوازه.
(2) فى ا: «لم يبتل» ، وفى ف: «لم يبتلى» .
(3) فى ا: «واسم يعقوب» ، وفى ف: «واسم أم يعقوب» .
(4) فى ا: «ذكر» .
(5) «أنه» : زيادة اقتضاها السياق، والرواية كلها، سندها ومنها من اوليست فى ف.
(6) فى ا: الرسالة، وفى ف: للرسالة. [.....]
(7) فى ا: «إسماعيل» بن هاقانا، وفى ف: ( «إسماعيل» هو أشويل بن هلقانا) ولم يفسر إسماعيل فى الجلالين، والبيضاوي، والدر المنثور، وتفسير المقياس للفيروزآبادي المنسوب لابن عباس.
(8) فى القرآن «ذا الكفل» وفى الكلام العادي يقال «وصبر ذى الكفل» .
(9) فى ا: «كل» .(3/649)
على الأذى كما صبر هؤلاء الستة على البلاء، ثم قال: هَذَا ذِكْرٌ يعني هذا بيان الذي ذكر الله من أمر الأنبياء فى هذه السورة وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ من هذه الأمة في الآخرة لَحُسْنَ مَآبٍ- 49- يعني مرجع جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ- 50-.
حدثنا أبو جعفر قال: حدثنا داود بن رشيد، قال: حدثنا جليد عن الحسن في قوله: «مفتحة لهم الأبواب» قال: أبواب يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، يقال لها: انفتحي، انقفلي، تكلم فتفهم «وتتكلم» «1» .
حدثنا داود بن رشيد قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: سألت زهير بن محمد عن قوله- تعالى-: « ... وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا» «2» قال ليس فى الجنة ليل، هم في نور أبدا ولهم مقدار الليل بإرخاء الحجب ومقدار النهار.
مُتَّكِئِينَ فِيها في الجنة على السرر يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ- 51- وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ النظر عن الرجال لا ينظرن إلى غير أزواجهن لأنهن عاشقات لأزواجهن، ثم قال: أَتْرابٌ- 52- يعنى مستويات على ميلاد واحد بنات ثلاثة وثلاثين سنة، ثم قال:
هَذَا الذي ذكر في هذه الآية، «ذكر» «3» يعني بيان من الخير في الجنة مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ- 53- يعنى ليوم الجزاء إِنَّ هذا الخير في الجنة لَرِزْقُنا مَا لَهُ مِنْ نَفادٍ- 54- يقول هذا الرزق للمتقين، ثم ذكر الكفار، فقال- سبحانه-: «هَذَا» «4» وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ
__________
(1) فى ا: وتكلم.
(2) سورة مريم: 62.
(3) «ذكر» : وردت على أنها من الآية فى الأصل.
(4) «هذا» : ساقطة من الأصل.(3/650)
- 55- يعني بئس المرجع، ثم أخبر بالمرجع، فقال: جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ ما مهدوا لأنفسهم من العذاب هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ يعني الحار الذي انتهى حره وطبخه وَغَسَّاقٌ- 57- البارد الذي قد انتهى برده نظيرها في «عم يتساءلون» « ... حَمِيماً وَغَسَّاقاً» «1» فينطلق من الحار إلى البارد فتقطع جلودهم وتتصدع عظامهم وتحرق كما يحرق حر النار، ثم قال: وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ- 58- يقول وآخر من شكله يعني من نحو الحميم والغساق أصناف يعني ألوان من العذاب في الحميم يشبه بعضه بعضا في شبه العذاب هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ وذلك أن [120 ب] القادة فى الكفر المطعمين في غزاة بدر والمستهزئين من رؤساء قريش دخلوا النار قبل الأتباع، فقالت الخزنة للقادة وهم في النار «هَذَا فَوْجٌ» يعني زمرة «مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ» النار إضمار يعنون الأتباع. قالت القادة: لا مَرْحَباً بِهِمْ قال الخزنة:
إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ- 59- معكم فردت الأتباع من كفار مكة على القادة «قالُوا» «2» بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ زينتموه لَنا هذا الكفر إذ تأمروننا في سورة سبأ «3» أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا فَبِئْسَ الْقَرارُ- 60- يعني فبئس المستقر، قالت الأتباع، «قالُوا» «4» رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا
__________
(1) سورة النبأ: 25.
(2) «قالوا» ، ساقطة من ا.
(3) سورة سبأ: 33 وتمامها: «وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ» .
(4) «قالوا» : ساقطة من ا.(3/651)
يعني من زين لنا هذا يعني من سبب لنا هذا الكفر فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ- 61- «وَقالُوا» «1» مَا لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ- 62- يعنون فقراء المؤمنين عمار، وخباب، وصهيب، وبلال، وسالم، ونحوهم.
أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا فى الدنيا، نظيرها فى «قد أفلح» «2» «فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا ... » «3»
أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ- 63- يقول أم حارت أبصارهم عناقهم معنا في النار ولا نراهم، إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ- 64- يعني خصومة القادة والأتباع في هذه الآية، ما قال بعضهم لبعض في الخصومة، نظيرها في الأعراف، وفي «حم» المؤمن حين قالت، « ... أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا ... » «4»
عن الهدى، ثم ردت أولاهم دخول النار على أخراهم دخول النار وهم الأتباع وقوله: «إِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ ... » إلى آخر الآية. «5» قُلْ لكفار مكة: إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ يعني رسول وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ لا شريك له الْقَهَّارُ- 65- لخلقه، ثم عظم نفسه عن شركهم فقال- سبحانه-: رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا «فإن» «6» من يعبد فيهما، فأنا ربهما ورب من فيهما الْعَزِيزُ في ملكه الْغَفَّارُ- 66- لمن تاب قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ- 67- يعني القرآن حديث عظيم لأنه كلام الله- عز وجل- أَنْتُمْ يا كفار مكة عَنْهُ مُعْرِضُونَ- 68-
__________
(1) «قالوا» ساقطة من ا، ونلاحظ أن الآيات فى امرتبة هكذا آية 61 ثم 64 ثم 62 ثم 63 ثم 65. وقد أعدت ترتيبها كما وردت فى القرآن، فأخرت آية 64 الى مكانها.
(2) سورة المؤمنون: 1.
(3) سورة المؤمنون: 110 وتمامها «فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ» ومعنى نظيرها فى «قد أفلح» ، أى فى «قد أفلح المؤمنون» . [.....]
(4) سورة الأعراف: 38.
(5) سورة غافر: 47، وتمامها: «وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ» .
(6) فى ا: «بأن» ، ف: «فإن» ، وعليهما علامة تمريض. والكلمة غير واضحة فى جميع النسخ.(3/652)
يعني عن إيمان بالقرآن معرضون مَا كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى من الملائكة إِذْ يَخْتَصِمُونَ- 69- يعني الخصومة حين قال لهم الرب- تعالى-: « ... إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» قالت الملائكة:
« ... أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ» «قَالَ» الله لهم: «إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ» «1» [121 أ] «فهذه «2» خصومتهم» إِنْ يعني إذ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ
- 70- يعني رسول بين إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ- 71- يعني آدم، وكان آدم- عليه السلام- أول ما خلق منه عجب الذنب وآخر ما خلق منه أظفاره ثم ركب فيه سائر خلقه يعني عجب الذنب، وفيه يركب يوم القيامة كما ركب في الدنيا فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ- 72- فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ الذين كانوا في الأرض إضمار كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ- 73- ثم استثنى من الملائكة إبليس وكان اسمه في الملائكة الحارث «3» وسمي إبليس حين عصى إبليس من الخير، «إِلَّا إِبْلِيسَ» «4» اسْتَكْبَرَ حين تكبر عن السجود لآدم- عليه السلام- وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ- 74- في علم الله- عز وجل- «قالَ يَا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ» «5» ما لك ألا تسجد لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ يعنى تكبرت
__________
(1) سورة البقرة: 30.
(2) فى ا، ف: «فهذا خصومتهم» ، والأنسب: «فهذه خصومتهم» .
(3) فى ا، ف: الحرث، ونلاحظ أن كلمة الحارث تكتب الحرث فى النسختين فى كل المواضع.
(4) «إلا إبليس» : ساقط من ا، ف.
(5) من ف، فى ا: خطأ فى الآية.(3/653)
أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ- 75- يعني من المتعظمين قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ- 76- والنار تغلب الطين قالَ فَاخْرُجْ مِنْها يعني من الجنة فَإِنَّكَ رَجِيمٌ- 77- يعني ملعون وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ- 78- قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ- 79- يعني النفخة الثانية قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ- 80- إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ- 81- يعني إلى أجل موقوت «وهو» «1» النفخة الأولى قالَ إبليس لربه- تبارك وتعالى-: فَبِعِزَّتِكَ يقول فبعظمتك لَأُغْوِيَنَّهُمْ يقول لأضلنهم أَجْمَعِينَ- 82- عن الهدى، ثم استثنى إبليس فقال: إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ- 83- بالتوحيد فإني لا أستطيع أن أغويهم قالَ الله- عز وجل-: فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ- 84- يقول قوله الحق. فيها تقديم، و «أقول الحق» يعني قول الله- عز وجل- لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ يإبليس ومن ذريتك الشياطين وَمِمَّنْ تَبِعَكَ على دينك من كفار بني أدم مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ- 85- يعنى من الفريقين جميعا قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ يعني من جعل وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ- 86- هذا القرآن من تلقاء نفسي إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ يقول ما القرآن إلا بيان لِلْعالَمِينَ- 87- وَلَتَعْلَمُنَّ يعنى كفار مكة نَبَأَهُ يعنى نبأ القرآن بَعْدَ حِينٍ- 88- هذا وعيد لهم القتل ببدر، مثل قوله فى «والصافات» «2» : «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ» «3»
__________
(1) فى ا: وهي.
(2) سورة الصافات: 1.
(3) سورة الصافات: 174.(3/654)
يعنى القتل ببدر «1» .
__________
(1) انتهى تفسير سورة ص فى ف.
وفى اصفحة [121 ب] زيادات معظمها أشبه بالإسرائيليات فلم أنقلها واعتمدت فى ذلك على نسخة ف «فيض الله» وهي أقدم من ا.(3/655)
سورة الزّمر(3/657)
[سورة الزمر (39) : الآيات 1 الى 75]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (3) لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (4)
خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (8) أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9)
قُلْ يَا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14)
فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يَا عِبادِ فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (18) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)
لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ (20) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (21) أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (23) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24)
كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (26) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (29)
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (32) وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (34)
لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (35) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (37) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39)
مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (40) إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44)
وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي مَا كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ مَا كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (48) فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49)
قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ مَا كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54)
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتى عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (59)
وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (64)
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69)
وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (73) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (74)
وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75)(3/659)
[سورة الزمر] «1» سورة الزمر مكية إلا ثلاث آيات فيها نزلت فى وحشي بن زيد وأصحابه بالمدينة [122 أ] وهن قوله- تعالى-: «قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ... »
إلى قوله: « ... وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ» «2» .
عددها خمس وسبعون آية كوفى «3» .
__________
(1) «معظم مقصود السورة» .
بيان تنزيل القرآن، والإخلاص فى الدين والإيمان وتنزيه الحق- تعالى- عن الولد، وعجائب صنع الله فى الكواكب والأفلاك، والمنة على العباد بإنزال الإنعام من السماء فى كل أو ان وحفظ الأولاد فى أرحام الأمهات بلا أنصار وأعوان وجزاء الخلق على الشكر والكفران، وذكر شرف المتهجدين فى الدياجر بعبادة الرحمن وبيان أجر الصابرين، وذل أصحاب الخسران، وبشارة المؤمنين فى استماع القرآن بإحسان، وإضافة غرف الجنان لأهل الإخلاص والعرفان، وشرح صدر المؤمنين بنور التوحيد والإيمان، وبيان أحوال آيات الفرقان، وعجائب القرآن، وتمثيل أحوال أهل الكفر وأهل الإيمان والخطاب مع المصطفى بالموت والفناء وتحلل الأبدان وبشارة أهل الصدق بحسن الجزاء والغفران والوعد بالكفاية والكلاءة للعبدان، وإضافة الملك إلى قبضة الرحمن، ونفخ الصور على سبيل الهيبة والسياسة، وإشراق العرصات بنور العدل، وعظمة السلطان، وسوق الكفار بالذل والخزي إلى دار العقوبة والهوان، وتفريج المؤمنين بالسلام عليهم فى دار الكرامة، وغرف الجنان، وحكم الحق بين الخلق بالعدل، وختمه بالفضل والإحسان فى قوله: « ... وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» : سورة الزمر: 75.
(2) يشير إلى الآيات 53، 54، 55 من سورة الزمر ونصها: «قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ. وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ» . [.....]
(3) فى المصحف: (39) سورة الزمر مكية إلا الآيات 52، 53، 54 فمدنية وآياتها 75 نزلت بعد سورة سبأ.(3/667)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ في ملكه الْحَكِيمِ- 1- في أمره إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ يعني القرآن بِالْحَقِّ يقول لم ننزله باطلا لغير شيء فَاعْبُدِ اللَّهَ يقول فوحد الله مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ- 2- يعني له التوحيد أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ يعني التوحيد وغيره من الأديان ليس بخالص وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا يعني كفار العرب مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فيها إضمار قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ يعني الآلهة، نظيرها في «حم عسق» «1» «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ ... » «2» وذلك أن كفار العرب عبدوا الملائكة وقالوا ما نعبدهم إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى يعني منزلة فيشفعوا لنا إلى الله إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ من الدين يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي لدينه مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ- 3- لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً يعنى عيسى بن مريم «3» لَاصْطَفى يعني لاختار مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشاءُ من الملائكة فإنها أطيب وأطهر من عيسى كقوله في الأنبياء: «لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً»
__________
(1) سورة الشورى: 1.
(2) سورة الشورى: 6، وتمامها: «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ» .
(3) فى ا: عيسى بن مريم، كتبت فيها «ابن» بدون همزة فى أول السطر.(3/669)
يعني ولدا يعني عيسى «لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا ... » «1» يعني من عندنا من الملائكة، ثم نزه نفسه عما قالوا من البهتان فقال: سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ لا شريك له الْقَهَّارُ- 4-، ثم عظم نفسه فقال: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ لم يخلقهما باطلا لغير شيء يُكَوِّرُ يعني يسلط اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ يعني ويسلط النهار عَلَى اللَّيْلِ يعني انتقاص كل واحد منهما من الآخر وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لبني آدم كُلٌّ يَجْرِي يعني الشمس والقمر لِأَجَلٍ مُسَمًّى يعني ليوم القيامة يدل على نفسه بصنعه ليعرف توحيده، ثم قال: أَلا هُوَ الْعَزِيزُ في ملكه الْغَفَّارُ- 5- لمن تاب إليه خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ يعني آدم- عليه السلام- ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها يعنى حواء وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ يعني وجعل لكم من أمره مثل قوله في الأعراف «يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً ... » «2» يقول جعلنا، ومثل قوله: « ... وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ ... » «3» يقول وجعلنا الحديد «وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ» «4» يعني الإبل والبقر والغنم ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يعني أصناف يعنى أربعة ذكور وأربعة «إناث» «5» يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ [122 ب]
__________
(1) سورة الأنبياء: 17، وتمامها «لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ» .
(2) سورة الأعراف: 26، وتمامها: «يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ» .
(3) سورة الحديد: 25، وتمامها: «لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ» .
(4) «وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ» : زيادة اقتضاها السياق.
(5) فى ا: «إناث» ، وفى ف: «إناثا» أ.(3/670)
أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ يعني نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما، ثم الروح فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ يعني البطن والرحم والمشيمة التي يكون فيها الولد، ثم قال: ذلِكُمُ اللَّهُ الذي خلق هذه الأشياء هو رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ- 6- يقول فمن أين تعدلون عنه إلى غيره، «يقول» «1» لكفار مكة: إِنْ تَكْفُرُوا بتوحيد الله فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ عن عبادتكم وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ: الذين قال- عز وجل-: «عنهم» «2» لإبليس «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ... » «3» وَإِنْ تَشْكُرُوا يعني توحدوا «4» الله يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى يقول لا تحمل نفس خطيئة أخرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ في الآخرة فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ- 7- وَإِذا مَسَّ يعني أصاب الْإِنْسانَ يعني أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله المخزومي ضُرٌّ يعني بلاء أو شدة دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ يقول راجعا إلى الله من شركه موحدا يقول اللهم اكشف ما بي ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ يقول أعطاه الله الخير نَسِيَ يعني ترك ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ في ضره وَجَعَلَ أبو حذيفة لِلَّهِ أَنْداداً يعنى شركاء لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ يعنى ليستزل عن دين الإسلام قُلْ لأبي حذيفة تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا في الدنيا إلى أجلك إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ- 8- ثم ذكر المؤمن، فقال- سبحانه-: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ يعنى مطيع
__________
(1) فى ا: «الله» ، وفى ف: «يقول» .
(2) «عنهم» : زيادة اقتضاها السياق ليست فى ا، ولا فى ف.
(3) سورة الحجر: 42.
(4) فى ا: توحيد، وفى ف: توحدوا.(3/671)
لله في صلاته وهو عمار بن ياسر آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً يعني ساعات الليل ساجدا وَقائِماً في صلاته يَحْذَرُ عذاب الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ يعني الجنة كمن لا يفعل ذلك ليسا بسواء قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ إن ما وعد الله إضمار في الآخرة من الثواب والعقاب حق، يعني عمار بن «ياسر» «1» وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ يعنى أبا حذيفة إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ- 9- يعني أهل اللب والعقل يعني عمار بن ياسر، ثم قال: قُلْ يَا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا «العمل» «2» فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ يعنى الجنة وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ «يعنى المدينة» «3» إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ يعني جزاءهم الجنة وأرزاقهم فيها بِغَيْرِ حِسابٍ- 10- قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وذلك أن كفار قريش قالوا للنبي- صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما يحملك عَلَى الَّذِي أتيتنا به، ألا تنظر إلى مَلَّة أبيك عَبْد اللَّه، وملة جدك عَبْد الْمُطَّلِب، وإلى سادة قومك يعبدون اللات والعزى ومناة فتأخذ به، فأنزل الله- تبارك وتعالى-: «قل» يا محمد «إنى أمرت» [123 ا] «أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ» يعني أن أوحد الله مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ- 11- يعني له التوحيد وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ- 12- يعني المخلصين بتوحيد الله- عز وجل- قُلْ لهم إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي فرجعت إلى ملة ءابائي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ- 13- قُلِ لهم يا محمد
__________
(1) فى ا: «يسار» . [.....]
(2) فى ا: التوحيد، وفى ف: العمل.
(3) ا: يعنى المدينة من الضيق، وفى ف: يعنى المدينة.(3/672)
اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً موحدا لَهُ دِينِي- 14- فَاعْبُدُوا أنتم مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ من الآلهة ونزل فيهم أيضا، «قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ» «1» قُلْ: يا محمد إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا يعني غبنوا أَنْفُسَهُمْ فصاروا إلى النار وَأَهْلِيهِمْ يعني وخسروا أهليهم من الأزواج والخدم «يَوْمَ الْقِيامَةِ» »
أَلا ذلِكَ يعنى هذا هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ- 15- يعني البين حين لم يوحدوا ربهم يعني وأهليهم في الدنيا، ثم قال: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ يعني أطباق من النار فتلهب عليهم وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ يعني مهادا من نار ذلِكَ يقول هذا الذي ذكر من ظلل النار يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ- 16- يعنى فوحدون وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ يعني الأوثان وهي مؤنثة أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ يعني ورجعوا من عبادة الأوثان إلى عبادة الله- عز وجل- فقال- تعالى-: لَهُمُ الْبُشْرى يعني الجنة فَبَشِّرْ «عِبادِ» «3» - 17- فبشر عبادي بالجنة، ثم نعتهم فقال:
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ يعني القرآن فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ يعني أحسن ما في القرآن من طاعة الله- عز وجل- ولا يتبعون المعاصي مثل قوله:
«وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ... » «4» أي «5» من طاعته أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ لدينه وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ- 18- يعني أهل اللب والعقل حين يستمعون فيتبعون أحسنه من أمره ونهيه يعني أحسن ما فيه من
__________
(1) سورة الزمر: 64.
(2) «يوم القيامة» : ساقطة من ا.
(3) فى ا: «عبادي» .
(4) سورة الزمر: 55.
(5) «أى» : زيادة اقتضاها السياق.(3/673)
أمره ونهيه، «ولا يتبعون السوء الذي ذكره عن غيرهم» «1» .
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ يعني وجب عليه كَلِمَةُ الْعَذابِ يعني يوم قال لإبليس « ... لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» «2» أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ- 19- لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا وحدوا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ ثم نعت الغرف فقال: هي مَبْنِيَّةٌ فيها تقديم تَجْرِي «مِنْ تَحْتِهَا» «3» ، تجري العيون من تحت الغرف يعني «أسفل منها» «4» الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ هذا الخير لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ- 20- ما وعدهم أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ يعنى فجعله عيونا وركابا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ بالماء زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ يعنى ييبس فَتَراهُ بعد الخضرة مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً يعني هالكا نظيرها « ... لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ ... » «5» يعنى [123 ب] . لا يهلكنكم سليمان هذا مثل ضربه الله في الدنيا كمثل النبت، بينما هو أخضر إذ تغير فيبس، ثم هلك، فكذلك تهلك الدنيا بعد بهجتها وزينتها إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى يعني تفكر لِأُولِي الْأَلْبابِ- 21- أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ
__________
(1) فى ا: «ولا يتبعون السوء الذي ذكره عن قوم» ، وفى ف: «ولا يتبعون المساوى التي ذكرها عن غيرهم» .
(2) سورة هود: 119.
(3) «من تحتها» : ساقطة من ا، ف.
(4) من ف، وفى ا: «هذا أسفل منها» .
(5) سورة النمل: 18، وتمامها: «حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ» .(3/674)
يقول أفمن وسع الله قلبه للتوحيد فَهُوَ عَلى نُورٍ يعني على هدى مِنْ رَبِّهِ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ يعني الجافية قُلُوبُهُمْ فلم تلن يعني أبا جهل مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ يعني عن توحيد الله أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ- 22- يعني أبا جهل يقول الله- تعالى- للنبي- صلى الله عليه وسلم- ليس المنشرح صدره بتوحيد الله كالقاسي قلبه ليسا بسواء اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ يعني القرآن كِتاباً مُتَشابِهاً يشبه بعضه بعضا مَثانِيَ يعني يثني الأمر في القرآن مرتين أو ثلاثا أو أكثر من نحو ذكر الأمم الخالية، ومن نحو ذكر الأنبياء، ومن نحو ذكر آدم- عليه السلام- وإبليس، ومن نحو ذكر الجنة والنار، والبعث والحساب، ومن نحو ذكر النبت والمطر، ومن نحو ذكر العذاب، ومن نحو ذكر موسى وفرعون، ثم قال: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ يعني مما في القرآن من الوعيد جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ عذاب رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ يعني إلى الجنة وما فيها من الثواب، ثم قال: ذلِكَ الذي ذكر من القرآن هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ يعني بالقرآن مَنْ يَشاءُ لدينه وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ عن دينه فَما لَهُ مِنْ هادٍ- 23- إلى دينه يقول من أضله الله عن الهدى فلا أحد يهديه إليه.
وقوله «1» - تعالى-: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ يعنى شدة الْعَذابِ «يَوْمَ الْقِيامَةِ» «2» يقول ليس الضال الذي يتقي النار بوجهه كالمهتدي الذي لا تصل النار إلى وجهه، «ليسا» «3» بسواء، يقول الكافر يتقي بوجهه شدة
__________
(1) فى الأصل: «قوله» .
(2) «يوم القيامة» : ساقط ا، ف. [.....]
(3) فى ا، «ليسوا» وفى ف: «ليسا» .(3/675)
العذاب وهو في النار مغلولة يده إلى عنقه، وفي عنقه حجر ضخم مثل الجبل العظيم من كبريت تشتعل النار في الحجر وهو معلق في عنقه وتشتعل على وجهه فحرها ووهجها على وجهه لا يطيق دفعها عن وجهه من أجل الأغلال التي في يده وعنقه «وَقِيلَ» «1» وقالت الخزنة: لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا العذاب ب ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ- 24- من الكفر والتكذيب كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني قبل كفار مكة كذبوا رسلهم بالعذاب في الآخرة بأنه غير نازل بهم فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ- 25- وهم غافلون عنه فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ يعني العذاب فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ [124 ا] مما أصابهم في الدنيا لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ- 26- ولكنهم لا يعلمون قوله وَلَقَدْ ضَرَبْنا يعنى وضعنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ «مِنْ كُلِّ مَثَلٍ» «2» من كل شبه لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ- 27- يعني كي «يؤمنوا» «3» به، ثم قال: وصفنا «4» قُرْآناً عَرَبِيًّا ليفقهوه غَيْرَ ذِي عِوَجٍ يعني ليس «مختلفا» «5» ولكنه مستقيم لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ- 28- ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا وذلك أن كفار قريش دعوا النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ملة آبائه وإلى عبادة اللات والعزى ومناة فضرب لهم مثلا ولآلهتهم مثلا الذين يعبدون من دون الله- عز وجل- فقال: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا» رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ يعني مختلفين يملكونه جميعا، ثم قال: وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ
__________
(1) «قيل» : ساقطة من ا.
(2) فى ا: «من كل شبه» .
(3) فى الأصل: «يؤمنون» .
(4) كذا فى ا، ف.
(5) فى ا: مختلف.(3/676)
يعني خالصا لرجل لا يشركه فيه أحد يقول فهل يستويان؟ يقول: هل يستوي من عبد آلهة شتى مختلفة يعني الكفار والذي يعبد ربا واحدا يعني المؤمنين؟
فذلك قوله: «هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا» فقالوا لا يعني هل يستويان في الشبه فخصمهم النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: قُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حين خصمهم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ- 29- توحيد ربهم، فذلك قوله:
إِنَّكَ مَيِّتٌ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ- 30- يعني أهل مكة ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أنت يا محمد وكفار مكة يوم القيامة عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ- 31- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ بأن له شريكا وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ يعني بالحق وهو التوحيد إِذْ جاءَهُ يعني لما جاءه البيان هذا المكذب بالتوحيد أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً يعنى مأوى لِلْكافِرِينَ- 32- وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ يعني بالحق وهو النبي- صلى الله عليه وسلم- جاء بالتوحيد وَصَدَّقَ بِهِ يعني بالتوحيد، المؤمنون صدقوا بالذي جاء به محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والمؤمنون أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- «1» فذلك قوله: أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ- 33- الشرك من أصحاب النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُمْ ما يَشاؤُنَ في الجنة عِنْدَ رَبِّهِمْ من الخير يعني ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ- 34- يعني الموحدين لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا من المساوئ يعني «يمحوها» «2» بالتوحيد وَيَجْزِيَهُمْ بالتوحيد أَجْرَهُمْ يعني جزاءهم بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ- 35-
__________
(1) من ف، وفى ا: اضطراب.
(2) فى ا: يمحاها، وفى ف: يمحوها.(3/677)
يقول «يجزيهم» «1» بالمحاسن ولا يجزيهم بالمساوئ أَلَيْسَ اللَّهُ يعني أما الله بِكافٍ عَبْدَهُ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- يكفيه عدوه، ثم قال: وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ يعبدون مِنْ دُونِهِ اللات والعزى ومناة وذلك أن كفار مكة [124 ب] قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: إنا نخاف أن يصيبك من آلهتنا اللات والعزى ومناة جنون أو خبل قوله: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ عن الهدى فَما لَهُ مِنْ هادٍ- 36- يهديه للإسلام وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ لدينه فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ يقول لا يستطيع أحد أن يضله أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ يعني بمنيع في ملكه ذِي انْتِقامٍ- 37- من عدوه يعني كفار مكة وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ يا محمد مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم-: من خلقهما؟
قالوا: الله خلقهما «لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» «2» قال الله- عز وجل- لنبيه- عليه السلام: قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ يعنى تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ يعني أصابني الله بِضُرٍّ «يعني ببلاء أو شدة» «3» هَلْ هُنَّ يعني الآلهة كاشِفاتُ ضُرِّهِ يقول هل تقدر الآلهة أن تكشف ما نزل بي من الضر أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ يعني بخير وعافية هَلْ هُنَّ يعني الآلهة مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ يقول هل تقدر الآلهة أن تحبس عني هذه الرحمة، فسألهم النبي- صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فسكتوا ولم يجيبوه، قَالَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- للنبي- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم-:
__________
(1) فى الأصل: «يجزئيهم» .
(2) «لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» : ساقطة من ا.
(3) فى ا: «يعنى بلاء وشدة» ، وفى ف: «يعنى ببلاء أو شدة» .(3/678)
قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ يعنى يثق الْمُتَوَكِّلُونَ- 38- يعني الواثقون قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ يعني على جديلتكم التي أنتم عليها إِنِّي عامِلٌ على جديلتي التي أمرت بها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ- 39- هذا وعيد مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ يعنى يهينه فى الدنيا وَمن يَحِلُّ يعنى يجب عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ- 40- يقول دائم لا يزول عنه في الآخرة إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يعنى القرآن لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى بالقرآن فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ عن الإيمان بالقرآن فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها يقول فضلالته على نفسه يعني إثم ضلالته على نفسه وَما أَنْتَ يا محمد عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ- 41- يعني بمسيطر «نسختها آية السيف» «1» اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها يقول عند أجلها، يعني التي قضى الله عليها الموت فيمسكها على الجسد في التقديم وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فتلك الأخرى التي يرسلها إلى الجسد، «فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى» «2» إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لعلامات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ- 42- في أمر البعث أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ نزلت في كفار مكة زعموا أن للملائكة شفاعة قُلْ لهم: يا محمد أَوَلَوْ يعني إن كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً من الشفاعة وَلا يَعْقِلُونَ- 43- أنكم تعبدونهم نظيرها فى الأنعام. قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً فجميع من يشفع إنما هو بإذن الله، ثم عظم نفسه فقال:
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وما بينهما من الملائكة وغيرهم عبيده وفي ملكه
__________
(1) فى ا: «نسخة السيف» وفى ف: «نسختها آية السيف» .
(2) ما بين القوسين « ... » : ساقط من ا، ف.(3/679)
ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ- 44- وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ [125 أ] يعني انقبضت ويقال نفرت عن التوحيد قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعني لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال يعني كفار مكة وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ عبدوا مِنْ دُونِهِ من الآلهة إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ- 45- بذكرها وهذا يوم قرأ النبي- صلى الله عليه وسلم- سورة النجم بمكة فقرأ « ... اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى» ، تلك الغرانيق العلى، عندها الشفاعة ترجى، ففرح كفار مكة حين سمعوا أن لها شفاعة «1» قُلِ اللَّهُمَّ أمر النبي- صلى الله عليه وسلم-
__________
(1) هذا كلام مرفوض يعتمد على رواية تأباها طبيعة هذا الدين وصدق النبي الكريم. والأصل أن النبي لا يقر على خطأ ولو أخطأ لراجعه الوحى فى الحال وقصة الغرانيف أو حديث الغرانيق، لا يتفق مع أصول هذا الدين فالله- عز وجل- قد تكفل بحفظ كتابه فقال- سبحانه-:
«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ» سورة الحجر: 9. وقد تكفل الله بأن يجمع القرآن فى قلب النبي وأن يحفظ لسانه عند قراءته قال- تعالى-: «لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ»
سورة القيامة: 16- 18.
وبين الله أن النبي لا ينطق عن هواء ولا ينطق إلا بما جاءه به الوحى قال- تعالى-:
«وَالنَّجْمِ إِذا هَوى، ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى، وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى» سورة النجم: 1- 4.
وقد ذكر الدكتور محمد حسين هيكل «قصة الغرانيق» فى الفصل السادس من كتاب «حياة محمد» .
وخلاصتها أن النبي- صلّى الله عليه وسلم- جلس حول الكعبة فقرأ على قومه سورة النجم حتى بلغ قوله- تعالى-: «أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى» سورة النجم 19- 20 فقرأ بعد ذلك «تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى ... » ثم مضى وقرأ السورة كلها وسجد فى آخرها.
هنالك سجد القوم جميعا لم يتخلف منهم أحد. وأعلنت قريش رضاها عما تلا النبي ...
ثم قال الدكتور هيكل: هذا حديث الغرانيق رواه غير واحد من كتاب السيرة، وأشار إليه غير واحد من المفسرين، ووقف عنده كثيرون من المستشرقين طويلا، وهو حديث ظاهر التهافت ينقصه قليل من التمحيص، وهو ينقض ما لكل نبى من العصمة فى تبليغ رسالات ربه فمن عجب أن يأخذ به [.....](3/680)
أن يقول يا: فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي مَا كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ- 46- وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا يعني لمشركي مكة يوم القيامة مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ يعني من شدة الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ يعني وظهر لهم حين بعثوا مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ- 47- في الدنيا أنه نازل بهم في الآخرة وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا يعني وظهر لهم حين بعثوا في الآخرة الشرك الذي كانوا عليه حين شهدت عليهم الجوارح بالشرك لقولهم ذلك فى سورة الأنعام « ... وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ» «1» وَحاقَ بِهِمْ يعني وجب لهم العذاب بتكذيبهم واستهزائهم بالعذاب أنه غير كائن، فذلك قوله:
__________
بعض كتاب السيرة وبعض المفسرين المسلمين ولذلك لم يتردد ابن إسحاق حين سئل عنه فى أن قال:
إنه من وضع الزنادقة.
وقد ساق الأستاذ هيكل عددا من الحجج على فساد قصة الغرانيق منها:
أولا: أن سياق سورة النجم يأباها لأن الله ذم هذه الأصنام بعد ذلك وقال: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ... سورة النجم: 23.
فكيف يمدح الله اللات والعزى ويذمها فى آيات متعاقبة.
ثانيا: أن النبي لم يجرب عليه الكذب قط حتى سمى الصادق الأمين وكان صدقه أمرا مسلما به للناس جميعا، وما كان النبي ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله.
ثالثا: أن قصة الغرانيق تناقض أصل التوحيد ووحدانية الإله وهي المسألة التي نادى بها الإسلام فى مكة والمدينة ولم يقبل فيها النبي هوادة، ولا أماله عنها ما عرضت قريش عليه من المال والملك.
رابعا: أن قال الإمام محمد عبده من أن العرب لم تصف آلهتها بالغرانيق ولم يرد ذلك فى نظمهم ولا فى خطبهم، ولا عرف عنهم فى أحاديثهم.
لا أصل إذا لمسألة الغرانيق على الإطلاق، ولم يبق إلا أن تكون من وضع الزنادقة افتراء منهم على الإسلام ونبى الإسلام.
انظر «حياة محمد» لهيكل الفصل السادس «قصة الغرانيق» : 160- 167.
(1) سورة الأنعام: 23.(3/681)
ما كانُوا بِهِ» «1» بالعذاب يَسْتَهْزِؤُنَ- 48- «فَإِذا» «2» مَسَّ يعني أصاب الْإِنْسانَ يعني أبا حذيفة بن المغيرة ضُرٌّ يعني بلاء أو شدة دَعانا يعني دعا ربه منيبا يعني مخلصا بالتوحيد أن يكشف ما به من الضر ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا يقول ثم إذا آتيناه، يعني أعطيناه الخير قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ يعني إنما أعطيت الخير عَلى عِلْمٍ عندي يقول عَلَى عِلْمٍ عندي يقول على علم علمه الله مني، يقول الله- عز وجل-: بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ يعني بل تلك النعمة بلاء ابتلي به وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ- 49- ذلك قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يقول قد قالها قارون في القصص قبل أبي حذيفة- « ... إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي ... » «3» يقول على خير علمه الله عندي يقول الله- تبارك- وتعالى- فَما أَغْنى عَنْهُمْ من العذاب يعني الخسف مَا كانُوا يَكْسِبُونَ- 50- من الكفر والتكذيب يقول فما أغنى عنهم الكفر من العذاب شيئا فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا يعني عقوبة ما كسبوا من الشرك «وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ مَا كَسَبُوا» «4» وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ- 51- يعني وما هم بسابقي الله- عز وجل- بأعمالهم الخبيثة حتى يجزيهم بها، ثم وعظوا ليعتبروا في توحيده، وذلك حين مطروا بعد سبع سنين فقال: أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ [125 ب] يعنى يوسع الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ يعنى ويقتر على من
__________
(1) «به» : ساقطة من ا.
(2) فى الأصل: «وإذا» .
(3) سورة القصص: 78، وتمامها «قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ» .
(4) ساقط من اما يأتى: «وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ مَا كَسَبُوا» .(3/682)
يشاء إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ يعني لعلامات لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ- 52- يعني يصدقون بتوحيد الله- عز وجل- قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ نزلت في مشركي مكة وذلك أن الله- عز وجل- أنزل في الفرقان «وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ ... » «1» الآية فقال وحشي مولى المطعم بن عدي بن نوفل:
إني قد فعلت هذه الخصال فكيف لي بالتوبة فنزلت فيه «إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً» «2» فأسلم وحشي فقال مشركو «3» مكة قد قبل من وحشي توبته، وقد نزل فيه ولم ينزل فينا فنزلت في مشركي مكة «يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ» يعني بالإسراف: الشرك والقتل والزنا فلا ذنب أعظم إسرافا من الشرك لا تَقْنَطُوا يقول لا تيأسوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ لأنهم ظنوا ألا توبة لهم إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً يعني الشرك والقتل والزنا الذي ذكر في سورة الفرقان إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ- 53- لمن تاب منها ثم دعاهم إلى التوبة- فقال سبحانه-: وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ يقول وارجعوا من الذنوب إلى الله وَأَسْلِمُوا لَهُ يعني وأخلصوا له بالتوحيد، ثم خوفهم فقال: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ- 54- يعني لا تمنعون من العذاب وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ من القرآن مِنْ رَبِّكُمْ يعني ما ذكر من الطاعة من الحلال والحرام مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً يعنى فجأة وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ- 55- حين يفجؤكم من قبل أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى
__________
(1) سورة الفرقان: 68 وتمامها: «وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً» .
(2) سورة الفرقان: 70.
(3) فى ا: مشركو، بالألف بعد الواو.(3/683)
يعنى يا ندامتا عَلى ما فَرَّطْتُ يعنى ما ضيعت فِي جَنْبِ اللَّهِ يعني في ذات الله يعني من ذكر الله وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ- 56- يعني لمن المستهزئين بالقرآن في الدنيا. «أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ- 57- أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ» «1» لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً يعني رجعة إلى الدنيا فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ- 58- يقول فأكون من الموحدين لله- عز وجل- يقول الله- تبارك وتعالى- ردا عليه بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي يعني آيات القرآن فَكَذَّبْتَ بِها أنها ليست من الله وَاسْتَكْبَرْتَ يعني وتكبرت عن إيمان بها وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ- 59- ثم أخبر بما لهم في الآخرة فقال- سبحانه-: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ بأن معه شريكا وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ لهذا المكذب بتوحيد الله فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً يعنى مأوى لِلْمُتَكَبِّرِينَ- 60- عن التوحيد وَيُنَجِّي اللَّهُ من جهنم الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ يعنى بنجاتهم [126 أ] بأعمالهم الحسنة لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ يقول لا يصيبهم العذاب وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ- 61- اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ- 62- يقول رب كل شيء من الخلق لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة بِآياتِ اللَّهِ يعني بآيات القرآن أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ- 63- في العقوبة قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ- 64- وذلك أن كفار قريش دعوا النبي
__________
(1) ما بين الأقواس « ... » ساقط من ا، وهو الآية 57 وجزء من الآية 58، كلاهما ساقط من امع تفسيرهما.(3/684)
- صلى الله عليه وسلم- إلى دين آبائه فحذر الله- عز وجل- النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يتبع دينهم فقال: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ من الأنبياء لَئِنْ أَشْرَكْتَ بعد التوحيد لَيَحْبَطَنَّ يعني ليبطلن عَمَلُكَ الحسن إضمار الذي كان وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ- 65- في العقوبة، ثم أخبر بتوحيده فقال- تعالى-: بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ يقول فوحد وَكُنْ له مِنَ الشَّاكِرِينَ- 66- في نعمه في النبوة والرسالة.
قوله- تعالى- وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ نزلت في المشركين يقول وما عظموا الله حق عظمته وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ «يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ» «1» مطويات يوم القيامة بيمينه فيها تقديم فهما كلاهما في يمينه يعني في قبضته اليمنى «2» قال ابن عباس: يقبض على الأرض والسموات جميعا فما يرى طرفهما من قبضته ويده الأخرى يمين سُبْحانَهُ نزه نفسه عن شركهم وَتَعالى وارتفع عَمَّا يُشْرِكُونَ- 67- به وَنُفِخَ فِي الصُّورِ وهو القرن وذلك أن إسرافيل وهو واضع فاه على القرن يشبه البوق ودائرة رأس القرن كعرض السماء
__________
(1) «يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ» : ساقط من ا.
(2) الله- تعالى- منزه عن الكم والكيف ومنزه عن أن يحويه مكان ومنزه عن مشابهة الحوادث ومنزه عن أن تكون له قبضة كقبضتنا أو يد كأيدينا.
قال الأستاذ سيد قطب فى تفسير الآية: «وكل ما ورد فى القرآن وفى الحديث من هذه الصور والمشاهد إنما هو تقريب للحقائق التي لا يملك البشر إدراكها بغير أن توضع لهم فى تعبير يدركونه، وفى صورة يتصورونها ومنه هذا التصوير لجانب من حقيقة القدرة المطلقة، التي لا تتقيد بشكل، ولا تتحيز فى حيز ولا تتحدد بحدود» فى ظلال القرآن: 523، وقد نصح القارئ أن يراجع بتوسع فصل:
التصوير الفنى، وفصل: التخييل الحمى والتجسيم فى كتاب التصوير الفنى فى القرآن.(3/685)
والأرض وهو شاخص ببصره نحو العرش، يؤمر فينفخ في القرن فإذا نفخ فيه:
__________
وقد عرض الطبري معنى الآية وهو قريب مما ذهب إليه مقاتل ثم عرض رأيا آخر لبعض أهل العربية من أهل البصرة. يقول:
«وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ» أى فى قدرته نحو قوله:
« ... وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ... » أى وما كانت لكم عليه قدرة وليس الملك لليمين دون سائر الجسد قال: وقوله: « ... فى قبضته ... » نحو قولك للرجل هذا فى يدك وفى قبضتك. تفسير الطبري:
23/ 19.
وقد ذهب النسفي والنيسابوري مذهب الزمخشري فى تأويل هذه الآية. قال النيسابوري « ... وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ ... » قال جار الله: الغرض من هذا الكلام إذا أخذته كما هو بجملته تصوير عظمته، والتوفيق على كنه جلاله من غير ذهاب بالقبضة واليمين إلى جهة حقيقة أو إلى جهة مجاز، وكذلك حكم ما
يروى عن عبد الله بن مسعود أن رجلا من أهل الكتاب جاء إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا أبا القاسم، إن الله يمسك السموات يوم القيامة على إصبع، والأرض على إصبع، والشجر على إصبع، والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع ثم يهزهن، فيقول أنا الملك، فضحك رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- تعجبا مما قال وأنزل الله الآية تصديقا له.
وقال جار الله وإنما ضحك أفصح العرب وتعجب لأنه لم يفهم منه إلا ما يفهمه علماء البيان، من غير تصور إمساك ولا إصبع ولا هز ولا شيء من ذلك ولكن فهمه وقع أول شيء وآخره على الزبدة والخلاصة التي هي الدلالة على القدرة الباهرة وأن الأفعال العظام التي لا تكتنها الأوهام هينة عليه.
وقال النيسابوري ... والقبضة بالفتح المرة من القبض يعنى والأرضون جميعا مع عظمهن لا يبلغن إلا قبضة واحدة من قبضاته فهن ذوات قبضته وعندي أن المراد منه تصرفه يوم القيامة فيها بتبديلها كقوله: «يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ... » سورة إبراهيم: 98.
... وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ... » كقوله: «يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ... »
سورة الأنبياء: 104 وقيل معنى مطويات كونها مستولى عليها استيلاءك على الشيء المطوى عندك بيدك.
وقيل معنى مطويات كونها مستولى عليها بيمينه أى يقسمه لأنه- تعالى- حلف أن يطويها ويفنيها فى الآخرة.
وفى الآية إشارة إلى كمال استغنائه وأنه إذا أراد تبديل الأرض غير الأرض، والسموات وذلك فى يوم القيامة، سهل عليه كل السهولة، ولذلك نزه نفسه عن الشركاء بقوله « ... سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ» .(3/686)
فَصَعِقَ يعنى فمات مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ من شدة الصوت والفزع من فيها من الحيوان، ثم استثنى إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ يعني جبريل وميكائيل، ثم روح جبريل، ثم روح إسرافيل ثم يأمر ملك الموت فيموت ثم يدعهم فيما بلغنا أمواتا أربعين سنة ثم يحيي الله- عز وجل- إسرافيل فيأمره أن ينفخ الثانية، فذلك قوله: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ على أرجلهم يَنْظُرُونَ- 68- إلى البعث الذي كذبوا به، فذلك قوله- تعالى- «يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ» «1» مقدار ثلاثمائة عام وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها يعني بنور ساقه «2» ، فذلك قوله- تعالى-: «يَوْمَ
__________
(1) سورة المطففين: 6. [.....]
(2) لا سند لمقاتل فى هذا التخصيص، بأن النور نور ساقه قال فى ظلال القرآن.
«وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ» : أرض الساحة التي يتم فيها الاستعراض «بنور ربها» الذي لا نور غيره فى هذا المقام.
وقال الطبري: «وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها ... » يقول- تعالى ذكره- فأضاءت الأرض بنور ربها، يقال أشرقت الشمس إذا صفت وأضاءت، وسرقت إذا طلعت، وذلك حين يبرز الرحمن لفصل القضاء بين خلقه وبنحو الذي قلنا فى ذلك قال أهل التأويل.
... قال قتادة فى قوله: «وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها ... » قال أضاءت فما يتضارون فى نوره إلا كما يتضارون فى الشمس فى اليوم الصحو الذي لا دخن فيه.
وقال النيسابوري: «وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها» الظاهر أن هذا نور تجليه سبحانه وقد مر شرح هذا النور فى تفسير قوله: «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... » سورة النور: 35.
وقال علماء البيان افتتح الآية بذكر العدل كما اختتم الآية بنفي الظلم ويقال للملك للعادل أشرقت الآفاق بنور عدلك وأضاءت الدنيا بقسطك وفى ضده أظلمت الدنيا بجوره، وأهل الظاهر من المفسرين لم يستبعدوا أن يخلق الله فى ذلك اليوم للأرض نورا مخصوصا وقيل أراد أرض الجنة.(3/687)
يكشف عن ساق ... » «1» وَوُضِعَ الْكِتابُ الذي عملوا فى أيديهم ليقرؤه وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ فشهدوا عليهم بالبلاغ وَالشُّهَداءِ يعني الحفظة من الملائكة فشهدوا عليهم بأعمالهم [126 ب] التي عملوها وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ يعنى بالعدل وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ- 69- فى أعمالهم «2» وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ بر وفاجر مَا عَمِلَتْ في الدنيا من خير أو شر وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ- 70- يقول الرب- تبارك وتعالى- أعلم بأعمالهم من النبيين والحفظة، وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً يعني أفواجا من كفار كل أمة على حدة حَتَّى إِذا جاؤُها يعني جهنم فُتِحَتْ أَبْوابُها يومئذ وكانت مغلقة ونشرت الصحف وكانت مطوية وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها يعني خزنة جهنم أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يعني من أنفسكم يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ يعني يقرءون عليكم آياتِ «رَبِّكُمْ» «3» القرآن وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا يعني البعث قالُوا بَلى قد فعلوا وَلكِنْ حَقَّتْ يعني وجبت كَلِمَةُ الْعَذابِ يعني بالكلمة يوم قال لإبليس: «لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ» «4» عَلَى الْكافِرِينَ- 71- قِيلَ قالت لهم الخزنة: «ادْخُلُوا» «5» أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها لا يموتون
__________
(1) سورة القلم: 42.
(2) الآيتان 69، 70، ذكرنا فى امع تقديم وتأخير ونقل جزء آية إلى آية أخرى، وقد صويت الأخطاء.
(3) «ربكم» ليست فى ا.
(4) سورة ص: 85.
(5) فى ا: فادخلوا.(3/688)
فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ- 72- عن التوحيد وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً يعنى أفواجا حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وأبواب الجنة ثمانية مفتحة أبدا وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ- 73- لا يموتون فيها فلما دخلوها وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ يعني أرض الجنة بأعمالنا نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ يعني نتنزل منها حيث نشاء رضاهم بمنازلهم منها، يقول الله- تبارك وتعالى- فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ- 74- وقال فى هذه السورة «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ ... » يعنى أرض الجنة- وقال فى سورة الأنبياء:
«وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ» يعنى أرض الجنة «يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ» «1» وَتَرَى يا محمد الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يعنى تحت العرش يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ
يعني يذكرونه بأمر ربهم وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ- 75-.
وذلك أن الله- تبارك وتعالى- افتتح الخلق بالحمد، وختم بالحمد، فقال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ... » «2» وختم بالحمد حين قال:
« ... وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ ... » يعنى بالعدل « ... وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» «3» .
حدثنا أبو جعفر، قال: حدثنا أبو القاسم، قال: قال الْهُذَيْلُ حدثني جرير بن عبد الحميد عن عطاء بن السائب، عن ابن جبير، فى قوله- تعالى-
__________
(1) سورة الأنبياء: 105.
(2) سورة الأنعام: 1.
(3) سورة الزمر: 75.(3/689)
«اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها ... » قال: تقبض أنفس الأموات وترسل [127 ا] أنفس الأحياء إلى أجل مسمى فلا تقبضها « ... إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» «1» .
__________
(1) سورة الزمر الآية 42 وتمامها «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» .(3/690)
سورة غافر(3/691)
[سورة غافر (40) : الآيات 1 الى 85]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) مَا يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (5) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (6) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14)
رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (17) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (18) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (19)
وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (21) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (22) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (23) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (24)
فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (25) وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (26) وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (27) وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ (29)
وَقالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (31) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (34)
الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) وَقالَ فِرْعَوْنُ يَا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبابٍ (37) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (39)
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40) وَيا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (44)
فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ مَا مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (46) وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (47) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (48) وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (49)
قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (50) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (51) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (53) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (54)
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (55) إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (57) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً مَا تَتَذَكَّرُونَ (58) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (59)
وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (60) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (61) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (64)
هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (65) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (66) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69)
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (74)
ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (77) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (79)
وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84)
فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (85)(3/693)
سورة غافر «1» سورة المؤمن مكية عددها خمس وثمانون آية كوفى «2» .
__________
(1) مقصود سورة غافر الإجمالى:
المنة على الخلق بالغفران، وقبول التوبة، وتقلب الكفار بالكسب والتجارة، وبيان وظيفة حملة العرش وتضرع الكفار فى قعر الجحيم، وإظهار أنوار العدل فى القيامة، وذكر إهلاك القرون الماضية وإنكار فرعون على موسى وهارون، ومناظرة حزبيل لقوم فرعون نائبا عن موسى وعرض أرواح الكفار على العقوبة، ووعد النصر للرسل، وإقامة أنواع الحجة والبرهان على أهل الكفر والضلال والوعد بإجابة دعاء المؤمنين، وإظهار أنواع العجائب من صنع الله، وعجز المشركين فى العذاب، وأن الإيمان عند اليأس غير نافع، والحكم بخسران الكافرين والمبطلين فى قوله «فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ» سورة غافر: 85.
(2) فى المصحف- (40) سورة غافر مكية إلا آيتي 56، 58 فمدنيتان وآياتها 85 نزلت بعد الزمر.
ولهذه السورة أربعة أسماء:
1- سورة المؤمن لاشتمالها على حديث مؤمن آل فرعون- أعنى حزبيل- فى قوله:
«وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ... » : 28.
2- وسورة الطول لقوله: « ... ذِي الطَّوْلِ ... » : 3.
3- وسورة «حم» الأولى لأنها أولى ذوات «حم» .
4- سورة غافر لقوله: « ... غافِرِ الذَّنْبِ ... » : 3.(3/703)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم- 1- تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ يقول قضي تنزيل الكتاب من الله الْعَزِيزِ في ملكه الْعَلِيمِ- 2- بخلقه غافِرِ الذَّنْبِ يعني من الشرك «وَقابِلِ التَّوْبِ» «1» شَدِيدِ الْعِقابِ لمن لم يوجده ذِي الطَّوْلِ يعني ذي الغنى عمن لا يوحده، ثم وحد نفسه- جل جلاله- فقال: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ- 3- يعني مصير العباد إليه في الآخرة فيجزيهم بأعمالهم، قوله: مَا يُجادِلُ يعني يماري فِي آياتِ اللَّهِ يعنى آيات القرآن إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا يعني الحارث بن قيس السهمي فَلا يَغْرُرْكَ يا محمد تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ- 4- يعني كفار مكة يقول لا يغررك ما هم فيه من الخير والسعة من الرزق فإنه متاع قليل ممتعون به إلى آجالهم في الدنيا، ثم خوفهم مثل عذاب الأمم الخالية ليحذروا فلا يكذبوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- فقال: «كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ» «2» قبل أهل مكة قَوْمُ نُوحٍ رسولهم نوحا- عليه السلام- وَكذبت الْأَحْزابُ يعني الأمم الخالية رسلهم مِنْ بَعْدِهِمْ يعني من بعد قوم نوح وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ يعني ليقتلوه «وَجادَلُوا» «3» يعني وخاصموا رسلهم بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ يعني ليبطلوا به الحق الذي جاءت به الرسل وجدالهم أنهم
__________
(1) «وقالوا التوب» : ساقط من ا.
(2) فى ا: «كذبت قبل» أهل مكة. [.....]
(3) فى الأصل: «وجادوا» .(3/705)
قالوا لرسلهم: ما أنتم إلا بشر مثلنا، وما نحن إلا بشر مثلكم ألا أرسل الله ملائكة فهذا جدالهم كما قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- فَأَخَذْتُهُمْ بالعذاب فَكَيْفَ كانَ عِقابِ- 5- يعنى عقابي أليس وجدوه حقا وَكَذلِكَ يعنى وهكذا عذبتهم، «وكذلك» حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ يقول وجبت كلمة العذاب من ربك عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ- 6- حين قال لإبليس: «لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ» «1» . قوله:
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ فيها إضمار وهم أول من خلق الله- تعالى- من الملائكة وذلك أن الله- تبارك وتعالى- قال فى سورة «حم عسق» «2» « ... وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ... » «3» «فاختص» «4» في «حم» المؤمن، من الملائكة حملة العرش وَمَنْ حَوْلَهُ، يقول «ومن» «5» حول العرش من الملائكة «واختص استغفار الملائكة بالمؤمنين» «6» من أهل الأرض فقال: «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ» يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ يقول يذكرون الله بأمره وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ويصدقون بالله- عز وجل- بأنه واحد لا شريك له وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا حين قالوا: « ... فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا ... » «7» وقالت الملائكة: رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ يعنى ملأت كل
__________
(1) سورة ص: 85.
(2) فى: «عسق» ، وفى ل: «حم عسق» .
(3) سورة الشورى: 5.
(4) فى ا: «فاختصر» ، وفى ل: «فاختص» .
(5) فى ا: «ومن» ، وفى ل: «من» .
(6) فى ا: «واختم باستغفار الملائكة للمؤمنين» وفى ل: «واختص بالاستغفار الملائكة للمؤمنين» .
(7) سورة غافر: 7.(3/706)
شيء من الحيوان في السموات والأرض رَحْمَةً يعني نعمة يتقلبون فيها وَعِلْماً يقول علم من فيهما من الخلق وقالوا: فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا من الشرك وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ يعني دينك وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ- 7- رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ على ألسنة الرسل وَأدخل معهم الجنة مَنْ صَلَحَ يعني من وحد الله «من» «1» الذين آمنوا مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ من الشرك إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ- 8- ثم قال: وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ يعني الشرك وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ فى الدنيا «يَوْمَئِذٍ» «2» فَقَدْ رَحِمْتَهُ «يومئذ» : في الآخرة وَذلِكَ الذي ذكر من الثواب هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ- 9-.
قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ- 10- وذلك أن الكفار إذا عاينوا النار في الآخرة ودخلوها مقتوا أنفسهم فقالت لهم الملائكة، وهم خزنة جهنم يومئذ، لمقت الله إياكم في الدنيا حين دعيتم إلى الإيمان يعني التوحيد فكفرتم أكبر من مقتكم أنفسكم.
قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ يعني كانوا نطفا فخلقهم فهذه موتة وحياة، وأماتهم عند آجالهم، ثم بعثهم في الآخرة فهذه موتة وحياة أخرى، فهاتان «موتتان» «3» وحياتان فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا بأن البعث حق
__________
(1) فى أ: «بعد» ، وفى ل: «من» .
(2) «يومئذ» : ساقطة من أ، ل.
(3) «موتتان» : ساقطة من أ، وأما فى ل: ففيها صفحات كثيرة ساقطة، ونجد الورقة نصفها من سورة ونصفها الثاني من سورة أخرى.(3/707)
فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ- 11- قالوا فهل لنا كرة إلى الدنيا مثلها في «حم عسق» «1» قوله: ذلِكُمْ المقت في التقديم إنما كان بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ يعني إذا ذكر الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ به يعنى بالتوحيد وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا يعني وإن يعدل به تصدقوا، ثم قال: فَالْحُكْمُ يعني القضاء لِلَّهِ الْعَلِيِّ يعني الرفيع فوق خلقه الْكَبِيرِ- 12- يعني العظيم فلا شيء أعظم منه، قوله- تعالى-: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ يعني السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم والرياح والسحاب والليل والنهار والفلك في البحر والنبت والثمار عاما بعام وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً يعني المطر وَما يَتَذَكَّرُ في هذا الصنع فيوحد الرب- تعالى- إِلَّا مَنْ يُنِيبُ- 13- إلا من يرجع، ثم أمر المؤمنين بتوحيده فقال- عز وجل-:
فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ [128 أ] يعني موحدين لَهُ الدِّينَ يعني التوحيد وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ- 14- من أهل مكة، ثم عظم نفسه عن شركهم فقال- عز وجل-: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ يقول أنا فوق السموات لأنها ارتفعت من الأرض سبع سموات ذُو الْعَرْشِ يعني هو عليه يعني على العرش «2» يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ يقول ينزل الوحي من السماء بإذنه عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ من الأنبياء لِيُنْذِرَ النبيون بما في القرآن من الوعيد يَوْمَ التَّلاقِ- 15- يعني يوم يلتقي الخالق والخلائق، ثم ذكر ذلك اليوم فقال:
__________
(1) سورة الشورى: 44 وتمامها: «وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ» .
(2) هذا من التجسيم المذموم فى تفسير مقاتل. وانظر فى دراسة منهج مقاتل فى التفسير وخصوصا موضوع: «مقاتل وعلم الكلام» .(3/708)
يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ من قبورهم على ظهر الأرض مثل الأديم الممدود لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ يقول لا يستتر عن الله- عز وجل- منهم أحد، فيقول الرب تبارك- وتعالى- لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ يعنى يوم القيامة حين قبض على السموات والأرض في يده اليمنى فلا يجيبه أحد، فيقول لنفسه لِلَّهِ الْواحِدِ لا شريك له الْقَهَّارِ- 16- لخلقه حين أحياهم الْيَوْمَ في الآخرة تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بر وفاجر بِما كَسَبَتْ من خير أو شر لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ- 17- يفرغ الله- تعالى- من حسابهم في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا، قوله- تعالى-: وَأَنْذِرْهُمْ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- أنذر أهل مكة يَوْمَ الْآزِفَةِ يعني اقتراب الساعة إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ وذلك أن الكفار إذا عاينوا النار في الآخرة شخصت أبصارهم إليها فلا يطرفون وأخذتهم رعدة شديدة من الخوف فشهقوا شهقة فزالت قلوبهم من أماكنها فنشبت في حلوقهم فلا تخرج من أفواههم ولا ترجع إلى أماكنها أبدا، فذلك قوله تعالى: «إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى» يعنى عند «الْحَنَاجِرِ» كاظِمِينَ يعني مكروبين مَا لِلظَّالِمِينَ يعني المشركين مِنْ حَمِيمٍ يعني قريب ينفعهم وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ- 18- فيهم يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ يعني الغمزة فيما لا يحل بعينه والنظرة فى المعصية وَما تُخْفِي الصُّدُورُ- 19- يعني وما تسر القلوب من الشر وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ يعني يحكم بالعدل وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ من الآلهة لا يَقْضُونَ يعني لا يحكمون بِشَيْءٍ يعني والذين يعبدون من دونه لا يقضون بشيء، يعني آلهة كفار مكة إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ- 20- ثم خوفهم بمثل عذاب(3/709)
الأمم الخالية ليحذروا فيوحدوا الرب- تبارك وتعالى- فقال: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم الخالية عاد، وثمود، وقوم لوط، كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ [128 ب] يعني من كفار مكة قُوَّةً يعني بطشا وَآثاراً فِي الْأَرْضِ يعني أعمالا وملكوا في الأرض فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ فعذبهم وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ- 21- يقي العذاب عنهم يقول ذلِكَ العذاب إنما نزل بهم بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ يعني بالبيان فَكَفَرُوا بالتوحيد فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بالعذاب إِنَّهُ قَوِيٌّ في أمره شَدِيدُ الْعِقابِ- 22- إذا عاقب يعني عقوبة الأمم الخالية، قوله- تعالى-: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا يعني اليد والعصا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ- 23- يعني وحجة بينة إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فلما رأوا اليد والعصا قالوا ليستا من الله بل موسى ساحر، في اليد حين أخرجها بيضاء، والعصا حين صارت حية «فَقالُوا ساحِرٌ» «1» كَذَّابٌ- 24- حين زعم أنه رسول رب العالمين فَلَمَّا جاءَهُمْ موسى بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا يعني اليد والعصا آمنت به بنو إسرائيل ف قالُوا أي قال فرعون وحده لقومه للملأ يعني الأشراف: اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ يعني مع موسى وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ يقول اقتلوا أبناءهم ودعوا البنات، فلما هموا بذلك حبسهم الله عنهم حين أقطعهم «2»
__________
(1) «فَقالُوا ساحِرٌ» : ساقطة من أ. [.....]
(2) كذا فى أ، ل، والمراد حين جعل البحر قطعا وطرقا فسار فيه بنو إسرائيل قال- تعالى- «وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ ... » سورة الأعراف: 138.(3/710)
البحر، يقول الله- عز وجل- وَما كَيْدُ «الْكافِرِينَ» «1» إِلَّا فِي ضَلالٍ- 25- يعني خسار يقول «وَمَا كَيْدُ» فرعون الذي أراد ببني إسرائيل من قتل الأبناء واستحياء النساء «إِلَّا فِي ضَلالٍ» يعني خسار.
وَقالَ فِرْعَوْنُ لقومه القبط ذَرُونِي أَقْتُلْ يقول خلوا عني أقتل مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ فليمنعه ربه من القتل إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ يعني عبادتكم إياي أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ أرض مصر الْفَسادَ- 26- يعني بالفساد أن يقتل أبناءكم ويستحيى نساءكم كما فعلتم بقومه يفعله بكم، فلما قال فرعون لقومه: «ذروني أقتل موسى» استعاذ موسى:
وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ يعني متعظم عن الإيمان يعني التوحيد لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ- 27- يعني فرعون لا يصدق بيوم يدان بين العباد وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يعني قبطي مثل فرعون يَكْتُمُ إِيمانَهُ مائة سنة حتى سمع قول فرعون في قتل موسى- عليه السلام- فقال المؤمن: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ يعني اليد والعصا وَإِنْ يَكُ موسى كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً في قوله وكذبتموه يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ من العذاب إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي إلى دينه مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ- 28- يعنى مشرك «مفتن» «2» [129 ا] وقال المؤمن: يَا قَوْمِ لأنه قبطي مثلهم لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ يعنى أرض مصر على
__________
(1) وردت فى النسخ: «فرعون» .
(2) كذا فى أ: «مفتن» ، والمراد يمشى بالفتنة والكذب.(3/711)
أهلها فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ يقول فمن يمنعنا من عذاب الله- عز وجل- إِنْ جاءَنا لما سمع فرعون قول المؤمن قالَ عدو الله فِرْعَوْنُ عند ذلك لقومه: مَا أُرِيكُمْ من الهدى إِلَّا مَا أَرى لنفسي وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ- 29- يقول وما أدعوكم إلا إلى طريق الهدى، بل يدلهم على سبيل الغي «1» وَقالَ الَّذِي آمَنَ يعني صدق بتوحيد اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- يَا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ فى تكذيب موسى مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ- 30- يعني مثل أيام عذاب الأمم الخالية الذين كذبوا رسلهم مِثْلَ دَأْبِ يعني مثل أشباه قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ- 31- فيعذب على غير ذنب، ثم حذرهم المؤمن عذاب الآخرة، فقال: وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ- 32- يعني يوم ينادي أهل الجنة أهل النَّارِ « ... أَنْ قَدْ وَجَدْنا مَا وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا ... » «2» وينادي أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ « ... أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ... » «3» .
ثم أخبر المؤمن عن ذلك اليوم، فقال: يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ يعني بعد الحساب إلى النار ذاهبين، كقوله: «فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ» «4» يعني ذاهبين إلى عيدهم مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ يعني من مانع يمنعكم من الله- عز
__________
(1) هذا تعليق من المفسر على كلام فرعون، معناه: أن فرعون لا يدلهم للهدى بل يدلهم للغي والضلال.
(2) سورة الأعراف: 44.
(3) سورة الأعراف: 50.
(4) سورة الصافات: 90.(3/712)
وجل- وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ عن الهدى فَما لَهُ مِنْ هادٍ- 33- يعني من أحد يهديه إلى دين الله- عز وجل-، ثم وعظهم ليتفكروا فقال: وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ ولم يكن رآه المؤمن قط، «من قبل» موسى «بالبينات» يعنى بينات تعبير رؤيا الملك البقرات السبع بالسنين «1» .
فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ يعني مما أخبركم من تصديق الرؤيا حَتَّى إِذا هَلَكَ يعني مات قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذلِكَ يعني هكذا يُضِلُّ اللَّهُ عن الهدى إضمار مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ يعني من هو مشرك مُرْتابٌ- 34- يعني شاك في الله- عز وجل-، لا يوحد الله- تعالى-، قوله: الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ يعني بغير حجة أَتاهُمْ من الله كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا نزلت في المستهزئين من قريش يقول: كَذلِكَ يعني هكذا يَطْبَعُ اللَّهُ يعني يختم الله- عز وجل- بالكفر عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ- 35- يعني قتال يعني فرعون تكبر عن عبادة الله- عز وجل-، يعني التوحيد كقوله « ... إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً ... » «2» يعنى قتالا وَقالَ فِرْعَوْنُ [129 ب] : يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً يعني قصرا مشيدا من آجر لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ- 36- أَسْبابَ السَّماواتِ يعني أبواب السموات السبع يعني باب كل سماء إلى السابعة فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى ثم قال
__________
(1) رأى الملك فى منامه أن سبع بقرات سمان قوية خرجت عليها سبع بقرات عجاف فأكلتها، وقد فسرها يوسف بأنه سيأتى على مصر سبع سنوات مخصبة، ثم تأتى سبع سنوات عجاف تأكل ثمر السنوات السبع المخصبة قال- تعالى-: «وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ ... »
سورة يوسف: 43.
(2) سورة القصص: 19.(3/713)
فرعون لهامان: وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ يعني إني لأحسب موسى كاذِباً فيما يقول: إن في السماء إلها، وَكَذلِكَ يقول وهكذا زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ أن يطلع إلى إله موسى قال: «وَصُدَّ» «1» عَنِ السَّبِيلِ يقول وصد فرعون الناس حين قال لهم ما أريكم إلا ما أرى فصدهم عن الهدى وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ- 37- يقول وما قول فرعون إنه يطلع إلى إله موسى إلا فى خسار، ثم نصح المؤمن لقومه: وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ- 38- يعني طريق الهدى يَا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ قليل وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ- 39- يقول تمتعون في الدنيا قليلا، ثم «استقرت» «2» الدار الآخرة بأهل الجنة وأهل النار، يعني بالقرار لا زوال عنها، ثم أخبر بمستقر الفريقين جميعا «3» ، فقال- تعالى-:
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً يعنى الشرك فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها فجزاء الشرك النار «وهما» «4» عظيمان كقوله: «جَزاءً وِفاقاً» «5» وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ- 40- يقول بلا تبعة في الجنة فيما يعطون فيها من الخير، ثم قال: وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ من النار إضمار يعني التوحيد وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ- 41- يعنى إلى الشرك تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ
__________
(1) قراءة حفص «وصد» بضم الصاد، أى صد، الله عن سبيل الرشاد، وبفتح الصاد كوفى ويعقوب، أى صد غيره. وانظر تفسير النسفي: 4/ 61.
(2) كذا فى أ، ل. والأولى «تسنقر» .
(3) من ل، وفى أاضطراب.
(4) فى أ: «هما» ، وفى ل: «وهما» .
(5) سورة النبأ: 26. [.....](3/714)
بأن له شريكا وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ في نقمته من أهل الشرك الْغَفَّارِ- 42- لذنوب أهل التوحيد، ثم زهدهم في عبادة الآلهة فقال: لا جَرَمَ يعني حقا أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ من عبادة الآلهة لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ مستجابة إضمار تنفعكم يقول ليس بشيء فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ يعني مرجعنا بعد الموت إلى الله في الآخرة وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ يعني المشركين هُمْ أَصْحابُ النَّارِ- 43- يومئذ فردوا عليه نصيحته، فقال المؤمن: فَسَتَذْكُرُونَ إذا نزل بكم العذاب ما أَقُولُ لَكُمْ من النصيحة فأوعدوه، فقال: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ- 44- واسمه «حزبيل بن برحيال» «1» . فهرب المؤمن إلى الجبل فطلبه رجلان فلم «يقدرا» «2» عليه، فذلك قوله: فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ مَا مَكَرُوا يعني ما أرادوا به من الشر وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ- 45- يقول ووجب [130 ا] بآل القبط وكان فرعون قبطيا مثلهم، شدة العذاب:
يعني الغرق، قوله- تعالى-: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها وذلك أن أرواح آل فرعون، وروح كل كافر تعرض على «منازلها» «3» كل يوم مرتين غُدُوًّا وَعَشِيًّا ما دامت الدنيا، ثم أخبر بمستقرهم في الآخرة، فقال: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يعنى القيامة «يقال» «4» أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ- 46- يعني أشد عذاب المشركين، ثم أخبر عن خصومتهم فى النار، فقال:
__________
(1) «حزبيل بن برحيال» : كذا فى أبدون إعجام، وفى بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي أن اسمه «حزبيل» .
(2) فى أ: «يقدروا» .
(3) فى أ: «منازلها» ، وفى ل: «منازلهم» .
(4) فى أ: «فقال» ، وفى حاشية أ: «يقال: محمد» .(3/715)
وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ يعني يتخاصمون «فَيَقُولُ» «1» الضُّعَفاءُ وهم الأتباع لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا عن الإيمان وهم القادة إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً في دينكم فَهَلْ أَنْتُمْ يا معشر القادة مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ- 47- باتباعنا إياكم قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا وهم القادة للضعفاء:
إِنَّا كُلٌّ فِيها نحن وأنتم إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ يعني قضى بَيْنَ الْعِبادِ- 48- قد أنزلنا منازلنا في النار «وأنزلكم منازلكم فيها» «2» «وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ» »
فلما ذاق أهل النار شدة العذاب قالوا: لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا «رَبَّكُمْ» «4» يعني سلوا لنا ربكم يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً من أيام الدنيا إضمار مِنَ الْعَذابِ- 49- فردت عليهم الخزنة ف قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ
يعني رسل منكم بِالْبَيِّناتِ يعني بالبيان قالُوا بَلى قد جاءتنا الرسل «قالُوا» «5» قالت لهم الخزنة: فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ- 50- إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا يعني بالنصر في الدنيا الحجة التي معهم إلى العباد وَنصرهم فى الآخرة يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ- 51- يعني الحفظة من الملائكة يشهدون للرسل بالبلاغ ويشهدون على الكفار بتكذيبهم والنصر للذين آمنوا: أن الله
__________
(1) فى أ: «فقال» .
(2) فى أ: «وأنزلتم منها» ، والأنسب: «وأنزلكم منها» ، وفى ل: «وأنزلكم منازلكم فيها» .
(3) «وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ» : ساقطة من أ، ل.
(4) «ربكم» : ساقطة من أ، ل.
(5) «قالوا» : ساقطة من أ، ل.(3/716)
- تبارك وتعالى- أنجاهم مع الرسل من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، ثم أخبر عن ذلك اليوم فقال: يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ يعنى المشركين مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ يعنى العذاب وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ- 52- الضلالة نار جهنم وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى يعني أعطيناه الْهُدى يعني التوراة هدى من الضلالة وَأَوْرَثْنا من بعد موسى بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ- 53- هُدىً من الضلالة وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ- 54- يعني تفكرا لأهل اللب والعقل، قوله: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وذلك أن الله- تبارك وتعالى- وعد النبي- صلى الله عليه وسلم- فى آيتين من القرآن أن يعذب كفار مكة في الدنيا فقالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- متى يكون هذا الذي «تعدنا» «1» ؟ يقولون ذلك استهزاء وتكذيبا بأنه غير كائن، فأنزل الله [130 ب]- عز وجل- يعزي نبيه- صلى الله عليه وَسَلَّمَ- ليصبر عَلَى تكذيبهم إياه بالعذاب، فَقَالَ: «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ» في العذاب أنه نازل بهم القتل ببدر، وضرب الملائكة الوجوه والأدبار، وتعجيل أرواحهم إلى النار، فهذا العذاب وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ- 55- يعني وصل بأمر ربك بالغداة يعني صلاة الغداة وصلاة العصر، قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ وذلك أن اليهود قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- إن صاحبنا يبعث في آخر الزمان وله سلطان يعنون الدجال ماء البحر إلى ركبته والسحاب فوق رأسه فقال: «إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ» يعني يمارون في آيات الله لأن الدجال آية من آيات الله- عز وجل- «بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ» يعني بغير حجة «أتتهم» «2» من الله، إضمار بأن
__________
(1) فى الأصل: «توعدنا» .
(2) فى أ، ل: أتاهم.(3/717)
الدجال كما يقولون، يقول الله- عز وجل-: إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ يقول ما في قلوبهم إلا عظمة مَا هُمْ بِبالِغِيهِ إلى ذلك الكبر لقولهم إن الدجال يملك الأرض فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ يا محمد من فتنة الدجال إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لقولهم يعني اليهود الْبَصِيرُ- 56- به، ثم قال: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ يعني بالناس في هذا الموضع الدجال وحده يقول «خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس» يقول هما أعظم خلقا من خلق الدجال وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ- 57- يعنى اليهود. «1»
ثم ضرب مثل المؤمن ومثل الكافر، فقال- تعالى-: وَما يَسْتَوِي في الفضل الْأَعْمى يعني الكافر وَالْبَصِيرُ يعني المؤمن وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ يعني وما يستوي في الفضل المؤمن المحسن ولا الكافر المسيء قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ- 58-، قوله: إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها يعني كائنة لا شك فيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ- 59- يعني كفار مكة أكثرهم لا يصدقون بالبعث وَقالَ رَبُّكُمُ لأهل اليمن: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، ثم ذكر كفار مكة فقال:
إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي يعنى عن التوحيد سَيَدْخُلُونَ في الآخرة جَهَنَّمَ داخِرِينَ- 60- يعني صاغرين، ثم ذكر النعم فقال- تعالى-: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً لابتغاء الرزق فهذا فضله، فذلك قوله- سبحانه-: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ يعني كفار مكة وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ- 61-
__________
(1) كذا فى ل، وفى أ: زيادة: «يخرج الدجال فى خمسة وثمانين ومائة سنة» ، أقول وصوابها فى خمس، لا فى خمسة.(3/718)
ربهم فى نعمه فيوحدونه، ثم دلهم على نفسه [131 أ]- تعالى- بصنعه ليوحد فقال: ذلِكُمُ اللَّهُ الذي جعل الليل والنهار هو رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ثم وحد نفسه فقال: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ- 62- يقول من أين تكذبون بأنه ليس بواحد لا شريك له؟ كَذلِكَ يُؤْفَكُ يعني هكذا يكذب بالتوحيد الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يعني آيات القرآن يَجْحَدُونَ- 63- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ في الأرحام يعني خلقكم فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ولم يخلقكم على خلقة الدواب والطير وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ يعني من غير رزق الدواب والطير، ثم دل على نفسه فقال: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ الذي خلق الأرض والسماء وأحسن الخلق ورزق الطيبات فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ
- 64- هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ثم أمره بتوحيده فقال- تعالى-: فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ يعني موحدين لَهُ الدِّينَ يعني له التوحيد الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ- 65- قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وذلك أن كفار مكة من قريش قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: ما يحملك على هذا الذي أتيتنا به ألا تنظر إلى مَلَّة أبيك عبد الله، وجدك عبد المطلب، وإلى سادة قومك يعبدون اللات والعزى ومناة فتأخذ به فما يحملك عَلَى ذَلِكَ إلا الحاجة فنحن نجمع لك من أموالنا، فأمروه بترك عبادة الله- تعالى- فأنزل الله «قل» يا محمد لكفار مكة «إنى نهبت أن أعبد الَّذِينَ تَدْعُونَ» يعني تعبدون «مِنْ دُونِ اللَّهِ» من الآلهة لَمَّا جاءَنِي يعني حين جاءني الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ يعني أخلص التوحيد لِرَبِّ الْعالَمِينَ- 66- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ وذلك أن كفار مكة كذبوا بالبعث(3/719)
فأخبرهم الله عن بدء خلقهم ليعتبروا في البعث فقال- تعالى-: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ» يعني آدم- عليه السلام- ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ يعنى ذريته ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ يعني مثل الدم ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ يعني «ثماني عشرة سنة» «1» فهو في الأشد ما بين الثماني عشرة إلى الأربعين سنة ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً يعني لكي تكونوا شيوخا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ أن يكون شيخا وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى يعني الشيخ والشاب جميعا وَلَعَلَّكُمْ يعني ولكي تَعْقِلُونَ- 67- يقول لكي تعقلوا «آثار» «2» ربكم في خلقكم بأنه قادر على أن يبعثكم كما خلقكم، ثم قال: هُوَ الله الَّذِي يُحْيِي الموتى وَيُمِيتُ الأحياء فَإِذا قَضى أَمْراً [131 ب] كان في علمه يعني البعث فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ- 68- مرة واحدة لا يثني قوله أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ يعنى آيات القرآن أنه ليس من الله- عز وجل- أَنَّى يُصْرَفُونَ- 69- يقول من أين يعدلون عنه إلى غيره يعنى كفار مكة، ثم أخبر عنهم فقال- تعالى-: الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ يعنى بالقرآن وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا يعني محمدا- صلى الله عليه وسلم- أرسل بالتوحيد، فأوعدهم في الآخرة. فقال: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ- 70- هذا وعيد، ثم أخبر عن الوعيد. فقال: إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ- 71- على الوجوه فِي الْحَمِيمِ يعني حر النار ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ- 72- يعني يوقدون فصاروا وقودها. ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ قبل دخول النار يعنى تقول
__________
(1) فى أ: ثمانية عشر سنة، وفى ل سقطت جملة «ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ» مع تفسيرها.
(2) «آثار» : زيادة اقتضاها السياق، ليست فى أ، ولا فى ل، وفى الجلالين «وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» دلائل التوحيد فتؤمنون. [.....](3/720)
لهم الخزنة: أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ- 73- يعنى تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ فهل يمنعونكم من النار يعنى الآلهة. وقالُوا ضَلُّوا عَنَّا ضلت عنا الآلهة بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً يعني لم نكن نعبد من قبل في الدنيا شيئا إن الذي كنا نعبد كان باطلا لم يكن شيئا كَذلِكَ يعني هكذا يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ- 74- ذلِكُمْ السلاسل والأغلال والسحب بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ يعني تبطرون من الخيلاء والكبرياء بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ- 75- يعني تعصون في الأرض «ادْخُلُوا» «1» أَبْوابَ جَهَنَّمَ السبع خالِدِينَ فِيها لا تموتون فَبِئْسَ مَثْوَى يعنى فبئس مأوى الْمُتَكَبِّرِينَ- 76- عن الإيمان فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أخبر كفار مكة أن العذاب نازل بهم فكذبوه فأنزل الله- عز وجل- يعزي نبيه- صلى الله عليه وسلم- ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب فقال: «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ» في العذاب أنه نازل بهم ببدر «فَإِمَّا» «2» نُرِيَنَّكَ فى حياتك بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ من العذاب في الدنيا القتل ببدر وسائر العذاب بعد الموت نازل بهم، ثم قال: أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ يا محمد قبل عذابهم في الدنيا فَإِلَيْنا في الآخرة يُرْجَعُونَ- 77- يعني يردون فنجزيهم بأعمالهم وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ يا محمد مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ذكرهم وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ وذلك أن كفار مكة سألوا النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يأتيهم بآية يقول الله- تعالى- «وما كان
__________
(1) فى أ: «فادخلوا» .
(2) فى أ: (فإما) يقول (فإما) .(3/721)
لرسول» يعني «وما ينبغي» «1» لرسول «أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ» إلى قومه إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يعني إلا بأمر الله [132 أ] فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ بالعذاب يعني القتل ببدر فيها تقديم قُضِيَ العذاب بِالْحَقِّ يعني لم يظلموا حين عفوا وَخَسِرَ هُنالِكَ يعني عند ذلك الْمُبْطِلُونَ- 78- يعني المكذبين بالعذاب في الدنيا بأنه غير كائن، ثم ذكرهم صنعه ليعتبروا فيوحدوه، فقال- سبحانه-: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ يعني الإبل والبقر «لِتَرْكَبُوا مِنْها» «2» وَمِنْها تَأْكُلُونَ- 79- يعنى الغنم وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ في ظهورها، وألبانها، وأصوافها، وأوبارها، وأشعارها وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ يعني في قلوبكم وَعَلَيْها يعني الإبل والبقر وَعَلَى الْفُلْكِ يعني السفن تُحْمَلُونَ- 80- ثم قال: يُرِيكُمْ آياتِهِ
فهذا الذي ذكر من الفلك والأنعام من آياته فاعرفوا توحيده بصنعه وإن لم تروه، ثم قال:
َيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ
- 81- أنه ليس من الله- عز وجل-، ثم خوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية ليحذروا، فيوحدوه، فقال- تعالى-: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني قبل أهل مكة من الأمم الخالية يعني عادا وثمود وقوم لوط كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ من أهل مكة عددا وَأَشَدَّ قُوَّةً يعني بطشا وَآثاراً فِي الْأَرْضِ يعني أعمالا وملكا في الأرض فكان عاقبتهم العذاب فَما أَغْنى عَنْهُمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ- 82- في الدنيا حين نزل بهم العذاب يقول ما دفع عنهم العذاب أعمالهم الخبيثة فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ يعني بخبر العذاب أنه نازل بهم فَرِحُوا
__________
(1) فى أ: «يعنى ينبغي» ، والأنسب: «وما ينبغي» .
(2) «لِتَرْكَبُوا مِنْها» : ساقطة من أ.(3/722)
في الدنيا يعني رضوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ فقالوا لن نعذب وَحاقَ بِهِمْ يعني وجب العذاب لهم ب ما كانُوا بِهِ بالعذاب يَسْتَهْزِؤُنَ- 83- أنه غير كائن يقول- تعالى-: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا يعني عذابنا في الدنيا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ لا شريك له وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ- 84- يقول الله- عز وجل-: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا يعني عذابنا في الدنيا يقول لم يك ينفعهم تصديقهم بالتوحيد حين رأوا عذابنا سُنَّتَ اللَّهِ «الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ» «1» : بالعذاب في الذين خلوا من قبل يعني في الأمم الخالية إذا عاينوا العذاب لم ينفعهم إيمانهم إلا قوم يونس فإنه رفع عنهم العذاب وَخَسِرَ هُنالِكَ يقول غبن عند ذلك الْكافِرُونَ- 85- بتوحيد الله- عز وجل- فاحذروا يا أهل مكة سنة الأمم الخالية فلا تكذبوا محمدا- صلى الله عليه وسلم-.
[132 ب] قال مُقَاتِلُ: فرعون أول من طبخ الآجر وبنى به. وقال:
قتل جعفر ذو الجناحين وابن رواحة وزيد بن حارثة بموته قتلهم غسان، وقتل خالد بن الوليد يوم فتح مكة من بني جذيمة سبعين رجلا.
قال مُقَاتِلُ: عاد وثمود ابنا عم، وموسى وقارون ابنا عم، وإلياس واليسع ابنا عم، ويحيى وعيسى ابنا خالة.
__________
(1) «الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ» : ساقطة من أ.(3/723)
قال مُقَاتِلُ: أم عبد المطلب سلمى بنت زيد بن عدى «من بنى عدى ابن النجار» «1» وأم النبي- صلى الله عليه وسلم- آمنة بنت وهب «من بني عبد مناف ابن زهرة» «2» .
__________
(1) فى أ: «من بنى عدى بن النجار» ، ف: «من بنى النجار» .
(2) فى ف: «من بنى عبد مناف بن زهرة» ، وفى أ: «ابن النجار من بنى عدى بن زهرة» . وقد انتهى تفسير السورة هنا فى (ف، ل) أما فى (أ) فقد تفردت بزيادة فى حفر بئر زمزم.(3/724)
سورة فصّلت(3/725)
[سورة فصلت (41) : الآيات 1 الى 54]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4)
وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (5) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (9)
وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (11) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (14)
فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (18) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19)
حَتَّى إِذا مَا جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)
وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (25) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (28) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)
وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38) وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) مَا يُقالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (43) وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (44)
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (46) إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48) لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (49)
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (51) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (52) سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)(3/727)
سورة فصلت «1» سورة السجدة مكية عددها أربع خمسون آية كوفية «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان شرف القرآن، وإعراض الكفار عن قبوله وكيفية خلق الأرض والسماء، والإشارة إلى إهلاك عاد وثمود، وشهادة الجوارح على العاصين فى القيامة وعجز الكفار فى سجن جهنم، وبشارة المؤمنين بالخلود فى الجنان، وبيان شرف القرآن والنفع والضرر، والإساءة والإحسان، وجزع الكفار عند بالابتلاء والامتحان، وإظهار الآيات الدالة على الذات والصفات وإحاطة علم الله بكل شيء من الأسرار والإعلان بقوله: « ... أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ» سورة فصلت: 54.
وتسمى سورة «حم» السجدة، لاشتمالها على السجدة، كما تسمى سورة فصلت لقوله- تعالى- فيها: «كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» سورة فصلت: 2.
وتسمى كذلك سورة المصابيح لقوله: « ... وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ... »
سورة فصلت: 12.
(2) فى أ: «عددها خمسة وأربعون» . وفيه خطأ لغوى صوابه خمس وأربعون.
وفيه خطأ نقل فالمذكور فى كتب التفسير أن عددها عند الكوفيين أربعا وخمسين آية، لا خمسا وأربعين.
وأما نسخة ل، ف فلم يذكروا عدد الآيات فى صدر السورة وهذا شأنهما فى كل السور فى الأهم الأغلب.
وفى المصحف: (41) سورة فصلت مكية وآياتها 54 نزلت بعد سورة غافر.(3/733)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم «1» - 1- تَنْزِيلٌ حم يعني ما حم في اللوح المحفوظ يعني ما قضي من الأمر مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ- 2- اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر «الرَّحْمَنِ» يعني المسترحم على خلقه «والرَّحِيمِ» أرق من الرحمن «الرَّحِيمِ» اللطيف بهم، قوله: كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا ليفقهوه ولو كان غير عربي ما علموه، فذلك قوله: لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ- 3- ما فيه، ثم قال: القرآن: بَشِيراً بالجنة وَنَذِيراً من النار فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ يعني أكثر أهل مكة عن القرآن فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ- 4- الإيمان به وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ «مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ» «2» وذلك أن أبا جهل [133 ب]
ابن هشام، وأبا سفيان بن حرب، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، دخلوا على علي بن أبي طالب ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- عنده فقال لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: قولوا: لا إله إلا الله. فشق ذلك عليهم «وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ»
يقولون عليها الغطاء فلا تفقه ما «تقول» «3» وَفِي آذانِنا وَقْرٌ يعني ثقل فلا تسمع ما تقول، ثم إن أبا جهل بن هشام
__________
(1) لجأت إلى طريقة النص المختار من النسخ أ، ل، ف فى صدر هذه السورة، ففي جميعها اضطراب.
(2) «مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ» : ساقطة من أ، ف، ل.
(3) فى الأصل: «تقوم» .(3/735)
جعل ثوبه بينه وبين النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم قال: يا محمد أنت من ذلك الجانب ونحن من هذا الجانب وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ يعني ستر وهو الثوب الذي رفعه أبو جهل فَاعْمَلْ يا محمد لإلهك الذي أرسلك إِنَّنا عامِلُونَ- 5- لآلهتنا التي «1» نعبدها، ثم قال- تعالى-: قُلْ يا محمد لكفار مكة: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لقولهم لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- اعمل أنت لإلهك، ونحن لآلهتنا، ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ بالتوحيد وَاسْتَغْفِرُوهُ من الشرك، ثم أوعدهم إن لم يتوبوا من الشرك فقال: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ- 6- يعني كفار قريش الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ يعني لا يعطون الصدقة ولا يطعمون الطعام وَهُمْ بِالْآخِرَةِ يعني بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال هُمْ كافِرُونَ- 7- بها بأنها غير «كائنة» «2» ، ثم قال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بالتوحيد وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ من الأعمال لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ- 8- يعنى غير منقوص فى الآخرة قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالتوحيد وَبِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، ثم قال:
وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً يعني شركا ذلِكَ الذي خلق الأرض في يومين هو رَبُّ الْعالَمِينَ- 9- يعني الناس أجمعين، ثم قال: وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها يعني جعل الجبل من فوق الأرض أوتادا للأرض لئلا تزول بمن عليها وَبارَكَ فِيها يعنى فى الأرض والبركة: الزرع والثمار
__________
(1) فى أ: «الذي» .
(2) فى أ: «كائن» . [.....](3/736)
والنبات وغيره «1» ، ثم قال: وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ يقول وقسم في الأرض أرزاق العباد والبهائم سَواءً لِلسَّائِلِينَ- 10- يعني عدلا لمن يسأل الرزق من السائلين ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ قبل ذلك فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً عبادتي ومعرفتي يعني أعطيا الطاعة طيعا أَوْ كَرْهاً وذلك أن الله- تعالى- حين خلقهما عرض عليهما الطاعة بالشهوات واللذات على الثواب والعقاب فأبين أن يحملها من المخافة، فقال لهما الرب ائتيا المعرفية لربكما والذكر له على غير ثواب ولا عقاب طوعا أو كرها قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ- 11- يعنى [134 أ] أعطيناه طائعين فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ يقول فخلق السموات السبع فِي يَوْمَيْنِ الأحد والاثنين وَأَوْحى يقول وأمر فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها الذي أراده قال وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا يقول لأنها أدنى السموات من الأرض بِمَصابِيحَ يعني الكواكب وَحِفْظاً بالكواكب يعني ما يرمي الشياطين بالشهاب لئلا «يستمعوا» «2» إلى السماء، يقول: ذلِكَ الذي ذكر من صنعه في هذه الآية تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ في ملكه الْعَلِيمِ- 12- بخلقه فَإِنْ أَعْرَضُوا عن الإيمان يعني التوحيد فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً فى الدنيا مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ- 13- يقول مثل عذاب عاد وثمود وإنما خص عادا وثمود من بين الأمم لأن كفار مكة قد عاينوا هلاكهم باليمن والحجر.
قال مُقَاتِلُ: كل من يموت من عذاب أو سقم أو قتل فهو مصعوق.
__________
(1) كذا فى أ، ف.
(2) فى أ: «يستمعوا» ، ف: «يستمعون» .(3/737)
ثم قال: إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ يعني من قبلهم ومن بعدهم، فقالوا لقومهم: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ يقول وحدوا الله قالُوا للرسل لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فكانوا إلينا رسلا فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ يعني بالتوحيد كافِرُونَ- 14- لا نؤمن به فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا يعني فتكبروا عن الإيمان وعملوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فخوفهم هود العذاب وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً يعني بطشا قال كان الرجل منهم ينزع الصخرة من الجبل لشدته وكان طوله اثنا عشر ذراعا ويقال «ثمانية عشر ذراعا» «1» وكانوا باليمن فى حضر موت «2» .
أَوَلَمْ يَرَوْا يقول أو لم يعلموا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً يعني بطشا وَكانُوا بِآياتِنا يعني بالعذاب يَجْحَدُونَ- 15- أنه لا ينزل بهم فأرسل الله عليهم الريح فأهلكتهم، فذلك قوله- تعالى-:
فَأَرْسَلْنا فأرسل الله عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً يعنى باردة فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ يعني شدادا وكانت ريح الدبور فأهلكتهم، فذلك قوله: لِنُذِيقَهُمْ يعني لكي نعذبهم عَذابَ الْخِزْيِ يعنى الهوان فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فهو الريح وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى يعني أشد وأكثر إهانة من الريح التي أهلكتهم فى الدنيا وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ- 16- يعني لا يسمعون من العذاب.
قال عبد الله: سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى يقول: الصرصر الريح الباردة التي لها صوت.
__________
(1) فى الأصل: «ثماني عشر ذراعا» ، ويجب تأنيث العدد لأن المعدود مذكر فصوبته.
(2) فى أ: «فى حضرموت (فأرسلنا عليهم) ..» ففسر جزءا من الآية 16 ثم عاد فأكمل تفسير الآية 15 ثم أكمل الآية 16، وقد صوبت الأخطاء وعدلت مكان التفسير، حسب ترتيب الآيات فى المصحف الشريف.(3/738)
ثم ذكر ثمود، فقال: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ يعني بينا لهم فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى يقول اختاروا الكفر على الإيمان فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ يعني صيحة جبريل- عليه السلام- الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ- 17-[134 ب] يعني يعملون من الشرك، ثم قال: وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بالتوحيد من العذاب الذي نزل بكفارهم وَكانُوا يَتَّقُونَ- 18- الشرك، قوله: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ- 19- نزلت في صفوان بن أمية الجمحي، وفي ربيعة، وعبد بالليل ابني عمرو الثقفيين «.........» إلى خمس آيات، ويقال «إن الثلاثة نفر» «1» صفوان بن أمية، وفرقد بن ثمامة، وأبو فاطمة «فَهُمْ يُوزَعُونَ» يعني يساقون إلى النار تسوقهم خزنة جهنم حَتَّى إِذا ما جاؤُها يعني النار وعاينوها قيل لهم أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون في الدنيا؟ قالوا عند ذلك « ... وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ» «2» فختم الله على أفواهم وأوحى إلى الجوارح فنطقت بما كتمت الألسن من الشرك، فذلك قوله: شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ وأيديهم وأرجلهم بِما كانُوا يَعْمَلُونَ- 20- من الشرك فلما شهدت عليهم الجوارح، «وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ» «3» : قالت الألسن للجوارح لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا يعني الجوارح قالوا أبعدكم الله إنما كنا نجاحش عنكم فلم شهدتم علينا بالشرك ولم تكونوا تتكلمون في الدنيا قالُوا قالت الجوارح للألسن: أَنْطَقَنَا اللَّهُ اليوم الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ
__________
(1) من ف، وفى أ: ويقال إن الثلاثة يعنى.
(2) سورة الأنعام: 23.
(3) «وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ» : ساقط من أ.(3/739)
من الدواب وغيرها وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ يعني هو أنطقكم أول مرة من قبلها في الدنيا، قبل أن ننطق نحن اليوم وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ- 21- يقول إلى الله تردون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم في التقديم «1» وذلك أن هؤلاء النفر الثلاثة كانوا في ظل الكعبة يتكلمون، فقال أحدهم: هل يعلم الله ما نقول؟ فقال الثاني:
إن خفضنا لم يعلم، وإن رفعنا علمه. فقال الثالث: إن كان الله يسمع إذا رفعنا فإنه يسمع إذا خفضنا. فسمع قولهم عبد الله بن مسعود، فأخبر بقولهم النبي- صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله في قولهم: وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ يعني تستيقنون، وقالوا تستكتمون أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ يعني حسبتم أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ- 22- يعني هؤلاء الثلاثة قول بعضهم لبعض هل يعلم الله ما نقول، لقول الأول والثاني والثالث، يقول حسبتم «أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ» «2» .
وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ يقول يقينكم الذي أيقنتم بربكم وعلمكم بالله بأن الجوارح لا تشهد عليكم، ولا تنطق وأن الله [135 أ] لا يخزيكم بأعمالكم الخبيثة أَرْداكُمْ يعني أهلككم سوء الظن فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ- 23- بظنكم السيئ كقوله لموسى: « ... فَتَرْدى» «3» يقول فتهلك «فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ» يعني من أهل النار فَإِنْ يَصْبِرُوا على النار فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ يعني فالنار مأواهم وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا في الآخرة فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ- 24- يقول وإن يستقيلوا ربهم في الآخرة، فما هم من المقالين لا يقبل ذلك منهم، ثم قال: وَقَيَّضْنا لَهُمْ في الدنيا قُرَناءَ من الشياطين يقول
__________
(1) من أ، وليس فى ف، وفى أأيضا زيادة: «فاستقيموا إليه واستغفروه وإليه ترجعون» .
(2) من ف، وفى أأخطاء.
(3) سورة طه: 16.(3/740)
وهيأنا لهم قرناء في الدنيا فَزَيَّنُوا لَهُمْ يقول فحسنوا لهم كقوله: « ... كَذلِكَ زُيِّنَ «1» ... » يقول حسن ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ يعني من أمر الآخرة وزينوا لهم التكذيب بالبعث والحساب والثواب والعقاب أن ذلك ليس بكائن وَزينوا لهم ما خَلْفَهُمْ من الدنيا فحسنوه في أعينهم، وحببوها إليهم حتى لا يعملوا خيرا وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ يعني وجب عليهم العذاب فِي أُمَمٍ يعني مع أمم قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني من قبل كفار مكة مِنْ كفار الْجِنِّ وَالْإِنْسِ من الأمم الخالية إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ- 25- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى الكفار «2» لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ...... إلى ثلاث آيات، هذا قول أبي جهل وأبي سفيان لكفار قريش قالوا لهم إذا سمعتم القرآن من محمد- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فارفعوا أصواتكم بالأشعار والكلام في وجوههم، حتى تلبسوا عليهم قولهم فيسكتون، فذلك قوله: وَالْغَوْا فِيهِ بالأشعار والكلام لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ- 26- يعني لكي تغلبونهم فيسكتون، فأخبر الله- تعالى- بمستقرهم في الآخرة، فقال: فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً يعني أبا جهل وأصحابه وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ- 27- من الشرك ذلِكَ العذاب جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ يعني أبا جهل وأصحابه لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ لا يموتون جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يعني بآيات القرآن يَجْحَدُونَ- 28- أنه ليس من الله- تعالى- وقد عرفوا أن محمدا- صلى الله عليه وسلم-
__________
(1) سورة يونس: 12، وتمامها «وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» .
(2) كذا فى أ، ف.(3/741)
صادق في قوله ونزل في أبي جهل بن هشام وأبي بن خلف «إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ ... » الآية «1» وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لأنهما أول من أقاما على المعصية من الجن إبليس، ومن الإنس ابن آدم قاتل هابيل رأس الخطيئة نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا يعنى من أسفل منا [135 ب] فى النار لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ- 29- في النار، ثم أخبر عن المؤمنين فقال: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ فعرفوه ثُمَّ اسْتَقامُوا على المعرفة ولم يرتدوا عنها تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ في الآخرة من السماء وهم الحفظة أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا «وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» «2» - 30- وذلك أن المؤمن إذا خرج من قبره، فينفض رأسه، وملكه قائم على رأسه يسلم عليه، فيقول الملك للمؤمن أتعرفني؟ فيقول: لا.
فيقول: أنا الذي كنت أكتب عملك الصالح فلا تخف ولا تحزن وأبشر بالجنة التي كنت توعد، وذلك أن الله وعدهم على السنة الرسل- فى الدنيا- الجنة «3» ، وتقول الحفظة يومئذ للمؤمنين نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
ونحن أولياؤكم اليوم: وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها
يعني في الجنة مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ
- 31- يعني ما تتمنون، هذا الذي أعطاكم الله كان نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ- 32-، قوله: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ يعني التوحيد وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ
__________
(1) سورة فصلت: 40 وتمامها «إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» .
(2) «وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» : ساقطة من أ. [.....]
(3) أى أن الوعد بالجنة كان فى الدنيا على ألسنة الرسل.(3/742)
- 33- يعني المخلصين يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- قوله: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» «1» وذلك أن أبا جهل كان يؤذي النبي- صلى الله عليه وسلم- وكان النبي «2» مبغضا له يكره رؤيته فأمر بالعفو والصفح يقول إذا فعلت ذلك فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ يعني أبا جهل كَأَنَّهُ وَلِيٌّ لك في الدين حَمِيمٌ- 34- لك في النسب الشفيق عليك، ثم أخبر نبيه- عليه السلام-: وَما يُلَقَّاها يعني لا يؤتاها يعني الأعمال الصالحة العفو والصفح إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا على كظم الغيظ وَما يُلَقَّاها يعني لا يؤتاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ- 35- نصيبا وافرا في الجنة فأمره الله بالصبر والاستعاذة من الشيطان في أمر أبي جهل وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ يعني يفتننك في أمر أبي جهل والرد عنه مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ يعني فتنة فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ بالاستعاذة الْعَلِيمُ- 36- بها، نظيرها في «حم» المؤمن « ... إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبالِغِيهِ «3» ... » ،
وفي الأعراف «4» أمر أبي جهل.
وَمِنْ آياتِهِ أن يعرف التوحيد بصنعه وإن لم تروه اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَ
__________
(1) «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» : ساقط من أ
(2) «النبي» : من ف، وهي ساقطة من أ.
(3) سورة غافر: 56، وتمامها «إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» .
(4) يشير إلى الآية 200 من سورة الأعراف وهي: «وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» .(3/743)
يعني الذي خلق هؤلاء الآيات إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ- 37- فسجد النبي- صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون يومئذ، فقال كفار مكة عند ذلك: بل نسجد للات والعزى ومناة، يقول الله- تعالى-: فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا [136 أ] عن السجود لله فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ من الملائكة يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ- 38- يعني لا يملون من الذكر له والعبادة وليست لهم فترة ولا سآمة وَمِنْ آياتِهِ أن يعرف التوحيد بصنعه وإن لم تروه أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً متهشمة غبراء لا نبت فيها فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ يعني على الأرض المطر فصارت حية فأنبتت واهْتَزَّتْ بالخضرة وَرَبَتْ يقول وأضعفت النبات، ثم قال: إِنَّ الَّذِي أَحْياها بعد موتها لَمُحْيِ الْمَوْتى في الآخرة ليعتبر من يشك في البعث إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ- 39- من البعث وغيره، قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا يعني أبا جهل يميل عن الإيمان بالقرآن- بالأشعار والباطل «1» لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا يعني أبا جهل، وأخبر الله- تعالى- بمستقره في الآخرة فقال: أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ يعني أبا جهل خير أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم قال لكفار مكة: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ هذا وعيد إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ- 40- من الشرك وغيره إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى أبا جهل بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ يعني به القرآن حين جاءهم وهو أبو جهل وكفار مكة وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ- 41- يقول وإنه لقرآن منيع من الباطل، فلا يستذل، لأنه كلام الله لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ
__________
(1) كذا فى أ، ف. والمراد يترك الإيمان بالقرآن وينشغل بالأشعار والباطل.(3/744)
يقول لا يأتي القرآن بالتكذيب بل يصدق هذا القرآن الكتب التي كانت قبله:
التوراة والإنجيل والزبور، «1» ثم قال: وَلا يأتيه الباطل مِنْ خَلْفِهِ يقول لا يجيئه «2» من بعده كتاب يبطله فيكذبه بل هو تَنْزِيلٌ يعني وحي مِنْ حَكِيمٍ في أمره حَمِيدٍ- 42- عند خلقه، ثم قال: ما يُقالُ لَكَ يا محمد من التكذيب بالقرآن أنه ليس بنازل عليك إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ من قومهم من التكذيب لهم أنه ليس العذاب بنازل «3» بهم يعزي نبيه- صلى الله عليه وسلم- ليصبر على الأذى والتكذيب إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ يقول ذو تجاوز في تأخير العذاب عنهم إلى الوقت حين سألوا العذاب في الدنيا وإذا جاء الوقت وَذُو عِقابٍ فهو ذو عقاب أَلِيمٍ- 43- يعني وجيع كقوله: « ... إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ ... » «4» إن كنتم تتوجعون، قوله: وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا وذلك أن كفار قريش كانوا إذا رأوا النبي- صلى الله عليه وسلم- يدخل على يسار أبي فكيهة اليهودي، وكان أعجمي اللسان غلام عامر بن الحضرمي القرشي يحدثه [136 ب] قالوا: ما يعلمه إلا يسار أبو فكيهة، فأخذه سيده فضربه، وقال له: إنك تعلم محمدا- صلى الله عليه وسلم- فقال يسار: بل هو يعلمني، فأنزل الله- عز وجل- «وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا» يقول بلسان العجم لَقالُوا لقال كفار
__________
(1) الجملة مكررة فى أ.
(2) فى أ: «لا يجبه» .
(3) فى أ: «نازل» ، ف: «بنازل» .
(4) سورة النساء: 104، وتمامها: «وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً» .(3/745)
مكة: لَوْلا فُصِّلَتْ يقول هلا بينت آياتُهُ بالعربية حتى نفقه ونعلم ما يقول محمدءَ أَعْجَمِيٌّ «1» : ولقالوا إن القرآن أعجمي أنزل على محمد وَوهو عَرَبِيٌّ قُلْ نزله الله عربيا لكي يفقهوه ولا يكون لهم علة، يقول الله- تعالى-: «هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا» «2» هُدىً من الضلالة وَشِفاءٌ لما في القلوب للذي فيه من التبيان، ثم قال: وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بالآخرة يعني لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ يعني ثقل فلا يسمعون الإيمان بالقرآن «3» وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى يعني عموا عنه يعني القرآن فلم «يبصروه» «4» ولم يفقهوه أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ- 44- إلى الإيمان بأنه غير كائن لأنهم صمٌّ عنه وعميٌ وفي آذانهم وقر، قوله: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يقول أعطينا موسى التوراة فَاخْتُلِفَ فِيهِ يقول فكفر به بعضهم وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ وهي كلمة الفصل بتأخير العذاب عنهم إلى أجل مسمى يعني يوم القيامة يقول لولا ذلك الأجل لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ يعني بين الذين آمنوا وبين الذين اختلفوا «وكفروا» «5» بالكتاب، لولا ذلك الأجل لنزل بهم العذاب فى الدنيا وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ يعنى من الكتاب مُرِيبٍ- 45- يعنى أنهم
__________
(1) فى الجلالين: (أ) قرآن (أعجمى و) نبى (عربي) استفهام إنكار منهم، بتحقيق الهمزة الثانية وقلبها ألفا بإشباع ودونه.
(2) «هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا» : ساقطة من أ، ومن ف، ومكتوب فى حاشية ف.
(3) كذا فى أ، ف، ويكون تقديره: (فلا يسمعون «الدعوة» إلى الإيمان بالقرآن) .
(4) فى الأصل: «يبصرون» . [.....]
(5) فى أ: «وكفروهم» ، وفى ف: «وكفروا» .(3/746)
لا يعرفون شكهم، ثم قال: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ العمل فَعَلَيْها يقول إساءته على نفسه وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ- 46- إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وذلك أن اليهود قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- أخبرنا عن الساعة، فإن كنت رسولا كما زعمت علمتها وإلا علمنا أنك لست برسول، ولا نصدقك،
قال النبي- صلى الله عليه وسلم- «لا يعلمها إلا الله أرد علمها إلى الله، فقال الله- عز وجل- للنبي- صلى الله عليه وسلم» «1»
- فإن كنت «رددت» «2» علمها، يعني علم الساعة إلى الله فإن الملائكة والخلق كلهم ردوا علم الساعة يعني القيامة إلى الله- عز وجل- وَيعلم ما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها يعنى من أجوافها يعنى الطلع وَيعلم ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى ذكرا أو أنثى «سويا وغير سوي» «3» يقول وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ يقول لا تحمل المرأة الولد ولا تضعه إلا بعلمه وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ يقول أسمعناك كقوله: «وَأَذِنَتْ لِرَبِّها ... » «4» يقول سمعت لربها ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ- 47-[137 أ] يشهد بأن لك شريكا فتبرءوا يومئذ من أن يكون مع الله شريك، يقول وَضَلَّ عَنْهُمْ في الآخرة مَا كانُوا يَدْعُونَ يقول يعبدون يقول «ما عبدوا في الدنيا مِنْ قَبْلُ» وَظَنُّوا «5» يعنى وعلموا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ- 48- يعنى من فرار من
__________
(1) ما بين القوسين « ... » من ف: وليس فى أ.
(2) فى أ: «ردت» .
(3) فى أ، ف: «سوى وغير سوى» .
(4) سورة الانشقاق: 2.
(5) من ف، وفى أ: «ما عبدوا (من قبل) فى الدنيا» .(3/747)
النار لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ يقول لا يمل الكافر مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ يقول لا يزال يدعو ربه الخير والعافية وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ يعنى البلاء وشدة فَيَؤُسٌ من الخير قَنُوطٌ- 49- من الرحمة، ثم قال: وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا يقول ولئن آتيناه خير وعافية مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ يعني بعد بلاء وشدة أصابته لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي يقول أنا أحق بهذا، يقول:
وَما أَظُنُّ يقول ما أحسب السَّاعَةَ قائِمَةً يعني القيامة كائنة، ثم قال الكافر: وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي في الآخرة إن كانت آخرة إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى يعني الجنة كما أعطيت في الدنيا يقول الله- تعالى- فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا من أعمالهم الخبيثة وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ- 50- يعني شديد لا يقتر عنهم، وهم فيه مبلسون، ثم قال: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ بالخير والعافية أَعْرَضَ عن الدعاء فلا يدعو ربه وَنَأى بِجانِبِهِ يقول وتباعد بجانبه عن الدعاء فى الرخاء وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ بلاء أو شدة إصابته فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ- 51- يعني دعاء كبير يسأل ربه أن يكشف ما به من الشدة في الدعاء ويعرض عن الدعاء في الرخاء قُلْ يا محمد لكفار مكة:
أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ هذا القرآن مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ وذلك أنهم قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- ما هذا القرآن إلا شيء ابتدعته من تلقاء نفسك أما وجد الله رسولا غيرك وأنت أحقرنا وأنت أضعفنا ركنا وأقلنا جندا، أو يرسل ملكا، إن هذا الذي جئت به لأمر عظيم، يقول الله: مَنْ أَضَلُّ يقول فلا أحد أضل مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ- 52- يعني في ضلال طويل، ثم خوفهم فقال: سَنُرِيهِمْ آياتِنا يعني عذابنا فِي الْآفاقِ يعني في البلاد ما بين اليمن والشام، عذاب قوم عاد، وثمود، وقوم لوط كانوا(3/748)
تمرون عليهم، ثم قال: وَنريهم العذاب فِي أَنْفُسِهِمْ فهو القتل ببدر حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ يعني أن هذا القرآن «الحق» «1» من الله- عز وجل- أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ «شاهدا» «2» أن هذا القرآن جاء من الله- عز وجل- أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ- 53- كقوله في الأنعام:
« ... قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ «3» ... » أَلا إِنَّهُمْ فِي [137 ب] مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ يعني في شك من البعث وغيره أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ- 54-.
__________
(1) فى أ: «لحق» ، وفى ف: «الحق» .
(2) فى أ: «شاهد» ، وفى ف: «شاهدا» .
(3) سورة الأنعام: 19.(3/749)
سورة الشّورى(3/751)
(42) سورة الشّورى مكّيّة وآياتها ثلاث وخمسون
[سورة الشورى (42) : الآيات 1 الى 53]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (1) عسق (2) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)
تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (8) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)
فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (16) اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18) اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)
مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (24)
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (26) وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (29)
وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (30) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (31) وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34)
وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35) فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)
وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44)
وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (45) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (48) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (49)
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)(3/753)
سورة الشورى «1» سورة حم عسق مكية عددها خمسون وثلاث آيات كوفى «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان حجة التوحيد، وتقرير نبوة الرسول: وتأكيد شريعة الإسلام، والتهديد بظهور آثار القيامة، وبيان ثواب العاملين دنيا وأخرى، وذل الظالمين فى عرصات القيامة، واستدعاء الرسول- صلى الله عليه وسلم- من الأمة محبة أهل البيت، العترة الطاهرة، ووعد التائبين بالقبول، وبيان الحكمة فى تقدير الأرزاق وقسمتها، والإخبار عن شؤم الآثام والذنوب، وذل الكفار فى مقام الحساب والمنة على الخلق بما منحوا من الأولاد، وبيان كيفية نزول الوحى على الأنبياء، والمنة على الرسول بعطية الإيمان، والقرآن، وبيان أن مرجع الأمور إلى الله الديان فى قوله: « ... إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ» سورة الشورى: 53.
(2) فى المصحف (42) سورة الشورى مكية إلا الآيات 23، 24، 25، 27 فمدنية وآياتها 53 ونزلت بعد سورة فصلت.
وتسمى سورة: «عسق» لابتدائها بها، وسورة الشورى، لقوله فيها « ... وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ ... » سورة الشورى: 38.(3/761)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ «حم- 1- عسق «1» » - 2- في أمر العذاب يا محمد فيها تقديم إليك وإلى الأنبياء من قبلك، فمن ثم قال: كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ يا محمد وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ من الأنبياء أنه نازل بقومهم إذا كذبوا الرسل، ثم عظم نفسه فقال له يا محمد: «إنما» «2» ذلك يوحى اللَّهُ الْعَزِيزُ في ملكه الْحَكِيمُ- 3- في أمره لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ يعني الرفيع فوق خلقه الْعَظِيمُ- 4- فلا أكبر منه تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ يعني يتشققن من عظمة الرب الذي هو فوقهن، ثم قال: وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ يعني يصلون بأمر ربهم وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ثم بين في «حم» المؤمن أي الملائكة هم فقال: «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ... » ثم بين لمن يستغفرون فقال: « ... وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا «3» ... » يعنى
__________
(1) فى ل، ف: وفيها من المدني «ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ ... » إلى آخر الآيات، « ... إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» (وهو يشير إلى آيتي 23، 24) .
وقوله: «وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ» آيات 39، 40، 41.
(2) «إنما» : ساقطة من أ، ف، وهي من ل.
(3) سورة غافر: 7، وتمامها: «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ» . [.....](3/763)
المؤمنين فصارت هذه الآية منسوخة نسختها الآية التي في «حم» المؤمن «1» .
ثم قال: أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ لذنوبهم الرَّحِيمُ- 5- بهم، قوله وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ يعبدونها من دون الله اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ يعنى رقيب عليهم وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ يا محمد بِوَكِيلٍ- 6- يعني بمسيطر.
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا ليفقهوا ما فيه ولِتُنْذِرَ يعني ولكي تنذر بالقرآن يا محمد أُمَّ الْقُرى وهي مكة، وإنما سميت أمَّ القرى لأن الأرض كلها دحيت من تحت الكعبة قال: وَلتنذر يا محمد بالقرآن مَنْ حَوْلَها يعني حول مكة من القرى يعني قرى الأرض كلها وَلكي تُنْذِرَ بالقرآن يَوْمَ الْجَمْعِ يعني جمع أهل السموات وجمع أهل الأرض لا رَيْبَ فِيهِ يعني لا شك فيه في البعث أنه كائن، ثم بعد الجمع يتفرقون فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ- 7- يعني الوقود، ثم لا يجتمعون أبدا، قال: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ يعني كفار مكة أُمَّةً واحِدَةً يعني عَلَى مَلَّة الْإِسْلام وحدها وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ يعني في دينه الإسلام وَالظَّالِمُونَ يعني مشركي مكة ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ يعني من قريب ينفعهم في الآخرة وَلا نَصِيرٍ- 8- يعني ولا مانع يمنعهم من العذاب عذاب النار.
قوله: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ من الملائكة أَوْلِياءَ يعني آلهة وهم خزاعة وغيرهم يعبدونها فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ يعنى الرب وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى فى الآخرة وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من البعث وغيره قَدِيرٌ- 9- قوله:
__________
(1) ليس هذا من النسخ ولكنه من تخصيص العام.(3/764)
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ وذلك أن أهل مكة كفر بعضهم بالقرآن، وآمن بعضهم فقال الله- تعالى-: إن الذي اختلفتم فيه فإني أرد قضاءه إلي وأنا أحكم فيه، ثم دل على نفسه بصنعه، فقال: ذلِكُمُ اللَّهُ الذي يحيي الموتى ويميت الأحياء هو أحياكم وهو الله رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ يعني به أثق وَإِلَيْهِ أُنِيبُ- 10- يقول إليه أرجع، قوله:
فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني خالق السموات والأرض جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً يقول جعل بعضكم من بعض أزواجا يعني الحلائل لتسكنوا إليهن وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يعني ذكورا وإناثا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ يقول يعيشكم فيه فيما جعل من الذكور والإناث من الأنعام، ثم عظم نفسه، فقال:
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ في القدرة وَهُوَ السَّمِيعُ لقول كفار مكة الْبَصِيرُ- 11- بما خلق لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ يعنى مفاتيح بلغة النبط «مَقالِيدُ السَّماواتِ» المطر وَالْأَرْضِ يعني النبات يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ يقول يوسع الرزق على من يشاء من عباده ويقتر على من يشاء إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ من البسط والقتر عَلِيمٌ- 12-، قوله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ يقول بين لكم، ويقال سن لكم آثار الإسلام والمن ها هنا صلة ك مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ فيه تقديم وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ يعني التوحيد وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ يقول عظم على مشركي مكة مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ يا محمد لقولهم: «أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ «1» » يعني التوحيد، ثم اختص أولياءه فقال: اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ
__________
(1) سورة ص: 5.(3/765)
يقول يستخلص لدينه مَنْ يَشاءُ وَهو يَهْدِي إِلَيْهِ إلى دينه مَنْ يُنِيبُ- 13- يعني من يراجع التوبة، ثم قال: وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ يعني البيان بَغْياً بَيْنَهُمْ «وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ» «1» «ولولا كلمة الفصل التي سبقت من ربك» «2» في الآخرة يا محمد، في تأخير العذاب عنهم إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يعني به القيامة لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بين من آمن وبين من كفر ولولا ذلك لنزل بهم العذاب في الدنيا حين كذبوا واختلفوا، ثم قال: وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ قوم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى أورثوا الكتاب من بعدهم: اليهود والنصارى من بعد أنبيائهم لَفِي شَكٍّ مِنْهُ يعنى من الكتاب الذي عندهم [138 ب] مُرِيبٍ- 14، قوله: فَلِذلِكَ فَادْعُ يعني إلى التوحيد يقول الله لنبيه- صلى الله عليه وسلم-: ادع أهل الكتاب إلى معرفة ربك، إلى هذا التوحيد «3» وَاسْتَقِمْ يقول وامض كَما أُمِرْتَ بالتوحيد، كقوله في الزمر- « ... فَاعْبُدِ اللَّهَ ... » «4» وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ فى ترك الدعاء، وذلك حين
__________
(1) فى أ: «ولولا كلمة الفصل التي سبقت من ربك» وهذا النص محرف أيضا فى ف، ل.
(2) كذا فى أ، ل، ف، وفيها جميعا اختلط القرآن بغيره مع تحريفه، فذكرت القرآن مستقلا وجعلت ما فى النسخ تفسيرا.
(3) تفسير (فلذلك فادع) ، من ف وليس فى أ.
(4) سورة الزمر: 2، وتمامها: «إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ» ، وبالنص محرف فى أففيها « ... واعبد الله ... » وفى الزمر آيات فى هذا المعنى منها الآية 11 «قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ» وفى الآية 14: «قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي» وفى الآية: 66 «بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ» .(3/766)
دعاه أهل الكتاب إلى دينهم، ثم قال: وَقُلْ لأهل الكتاب: آمَنْتُ يقول صدقت بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ يعني القرآن والتوراة والإنجيل والزبور وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ بين أهل الكتاب في القول، يقول أعدل بما آتاني الله في كتابه والعدل أنه دعاهم إلى دينه، قوله: اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ يقول لنا ديننا الذي نحن عليه ولكم دينكم الذي أنتم عليه لا حُجَّةَ يقول لا خصومة بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ في الدين يعني أهل الكتاب، نسختها آية القتال في براءة «1» .
اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا في الآخرة فيجازينا بأعمالنا ويجازيكم وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ- 15- وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ يعني يخاصمون فِي اللَّهِ فهم اليهود قدموا على النبي- صلى الله عليه وسلم- بمكة، فقالوا للمسلمين: ديننا أفضل من دينكم، ونبينا أفضل من نبيكم، يقول: مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ يعني لله في الإيمان حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ يقول خصومتهم باطلة حين زعموا أن دينهم أفضل من دين الإسلام وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ من الله وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ- 16- اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ يقول لم ينزله باطلا لغير شيء وَالْمِيزانَ يعني العدل وَما يُدْرِيكَ يا محمد لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ- 17- وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- ذكر الساعة وعنده أبو فاطمة ابن البختري، وفرقد بن ثمامة، وصفوان بن أمية، فقالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: متى تكون الساعة؟ تكذيبها بها. فقال الله- تعالى-: «وَما يُدْرِيكَ
__________
(1) يشير إلى الآية الخامسة من سورة التوبة وهي: «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» .(3/767)
لعل الساعة» يعني القيامة «قَرِيبٌ» يَسْتَعْجِلُ بِهَا بالساعة الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها يعني لا يصدقون بها، هؤلاء الثلاثة نفر، أنها كائنة لأنهم لا يخافون ما فيها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها يعني بلال وأصحابه صدقوا النبي- صلى الله عليه وسلم- بها يعني بالساعة لأنهم لا يدرون على ما يهجمون منها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ الساعة أنها كائنة، ثم ذكر الذين لا يؤمنون بالساعة فقال: أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ يعني هؤلاء الثلاثة يعني يشكون في القيامة لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ- 18- يعنى طويل اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ البر منهم والفاجر لا يهلكهم جوعا حين قال: «إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا ... » «1» يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ في هلاكهم ببدر الْعَزِيزُ- 19- في نقمته منهم مَنْ كانَ يُرِيدُ بعمله الحسن حَرْثَ الْآخِرَةِ يقول من كان من الأبرار يريد بعمله الحسن الثواب [139 أ] الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ يعني بلالا وأصحابه حتى يضاعف له في حرثه يقول في عمله وَمَنْ كانَ من الفجار يُرِيدُ بعمله حَرْثَ الدُّنْيا يعني ثواب الدنيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ يعنى الجنة لهولاء الثلاثة مِنْ نَصِيبٍ- 20- يعني من حظ، ثم نسختها «مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ... » «2» ، قوله: أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا يقول سنوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ يعنى كفار مكة يقول ألهم آلهة بينوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، ثم قال: وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ التي سبقت من الله في الآخرة أنه معذبهم يقول لولا ذلك الأجل لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ قول لنزل
__________
(1) سورة الدخان: 15.
(2) سورة الإسراء: 18.(3/768)
بهم العذاب في الدنيا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ يعني المشركين لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ- 21- يعني وجيع، ثم أخبر بمستقر المؤمنين والكافرين في الآخرة فقال: تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا من الشرك وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ يعني العذاب في التقديم، ثم قال: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ يعنى بساتين الجنة لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ الذي ذكر من الجنة هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ- 22-، ثم قال: ذلِكَ الَّذِي ذكر من الجنة «يُبَشِّرُ اللَّهُ» «1» عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ من الأعمال قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً يعني على الإيمان جزاء إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى يقول إلا أن تصلوا قرابتي وتتبعوني وتكفوا عني الأذى ثم نسختها «2» «قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ «3» ... » ، قوله وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً يقول ومن يكتسب حسنة واحدة نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً يقول فضاعف له الحسنة الواحدة عشرا فصاعدا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لذنوب هؤلاء شَكُورٌ- 23- لمحاسنهم القليلة حين يضاعف الواحدة عشرا فصاعدا. قوله: أَمْ يَقُولُونَ كفار مكة إن محمدا افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً حين زعم أن القرآن من عند الله نشق على النبي- صلى الله عليه وسلم- تكذيبهم إياه، يقول الله- تعالى-: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ يقول يربط على قلبك فلا يدخل في قلبك المشقة من قولهم بأن محمدا كذاب مفتر
__________
(1) فى أ: «يبشر الله به» .
(2) لا تعارض بين الآيتين ولا نسخ فيهما عند الأصولين.
(3) سورة نبأ: 47 وتمامها: «قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» .(3/769)
«وَيَمْحُ» «1» اللَّهُ إن شاء الْباطِلَ الذي يقولون بأنك كذاب مفتر، من قلبك، وَيُحِقُّ الله الْحَقَّ وهو الإسلام بِكَلِماتِهِ يعني القرآن الذي أنزل عليه إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ- 24- يعني القلوب يعلم ما في قلب محمد- صلى الله عليه وسلم- من الحزن من قولهم بتكذيبهم إياه، قوله:
وَهُوَ الَّذِي [139 ب] يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ يقول ويتجاوز عن الشرك الذي تابوا وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ- 25- من خير أو شر وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ من أهل مكة لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ- 26- لا يفتر عنهم، قوله:
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ يعني ولو وسع الله الرزق لِعِبادِهِ في ساعة واحدة لَبَغَوْا يعني لعصوا فِي الْأَرْضِ «2» فيها تقديم وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ- 27- بهم وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ يعني المطر الذي حبس عنهم بمكة سبع سنين مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا يعني من بعد الإياسة وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ يعني نعمته ببسط المطر «وَهُوَ الْوَلِيُّ» «3» ولي المؤمنين الْحَمِيدُ- 28- عند خلقه في نزول الغيث عليهم وَمِنْ آياتِهِ أن تعرفوا توحيد الرب وصنعه وإن لم تروه خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ يعني الملائكة في السموات والخلائق في الأرض وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ فى الآخرة إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ- 29-، قوله: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ يعنى
__________
(1) فى أ: ويمحو، وفى رسم المصحف، ويمح.
(2) فى أ: كررت مرتين جملة (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأرض) . [.....]
(3) فى أ: (وهو ولى) المؤمنين.(3/770)
المؤمنين من بلاء فى الدنيا وعقوبة من اختلاج عرق أو خدش عود أو نكبة حجر أو عثرة قدم فصاعدا إلا بذنب، فذلك قوله: «وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ» فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ من المعاصي وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ- 30- يعني ويتجاوز عن كثير من الذنوب فلا يعاقب بها في الدنيا.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: قال أبو صالح: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ أَكْثَرُ، وَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ يَعْنِي النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يُعَاقِبْ بِهِ فِي الآخِرَةِ ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ « ... مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ «1» ... » قَالَ هَاتَانِ الآيَتَانِ فِي الدُّنْيَا لِلْمُؤْمِنِينَ،
قوله- تعالى-: وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ يعني بسابقي الله هربا فِي الْأَرْضِ بأعمالكم الخبيثة حتى يجزيكم بها وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ يعني قريب ينفعكم وَلا نَصِيرٍ- 31- يقول ولا مانع يمنعكم من الله- جل وعز- وَمِنْ آياتِهِ أن تعرفوا توحيده بصنعه وإن لم تروه الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ- 32- يعني السفن تجري في البحر بالرياح كالأعلام شبه السفن في البحر كالجبال في البر، «2» وقال: إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ قائمات على ظهر الماء فلا تجري إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ترون يعني السفن، إذا جرين وإذا ركدن لَآياتٍ يعني لعبرة لِكُلِّ صَبَّارٍ يقول كل صبور على أمر الله شَكُورٍ- 33- لله- تعالى- في هذه النعمة، ثم قال: أَوْ يُوبِقْهُنَّ يقول وإن يشأ يهلكهن يعني السفن بِما كَسَبُوا يعني بما عملوا من الشرك وَيَعْفُ يعني يتجاوز عَنْ كَثِيرٍ
__________
(1) سورة النساء: 123.
(2) فى أ: البحر، ف: البر.(3/771)
- 34- من الذنوب فينجيهم من الغرق والهلكة، قال: وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ- 35- قال ويعني من فرار «فَما» «1» أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا تتمتعون بها قليلا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مما أوتيتم فى الدنيا وَأَبْقى وأدوم لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ- 36- يعني وبربهم يثقون، ثم نعتهم فقال: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ يقول كل ذنب يختم بنار وَالْفَواحِشَ ما يقام فيه الحد في الدنيا وَإِذا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ- 37- يعني يتجاوزون عن ظلمهم فيكظمون الغيظ ويعفون، نزلت في عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن فرط بن رازح بن عدي بن لؤي حين شتم بمكة، فذلك قوله: «قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا» يعني يتجاوزوا عن الذين «لا يَرْجُونَ أَيَّامَ الله ... » «2» . وقال: وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لربهم في الإيمان وَأَقامُوا الصَّلاةَ يقول وأتموا الصلوات الخمس نزلت في الأنصار، «داوموا» «3» عليها، وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ قال كانت قبل الإسلام وقبل قدوم النبي- صلى الله عليه وسلم- المدينة إذا كان بينهم أمر، أو أرادوا أمرا اجتمعوا فتشاوروا بينهم فأخذوا به، فأثنى الله عليهم خيرا، ثم قال: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ من الأموال يُنْفِقُونَ- 38- في طاعة الله، قال: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ يعني الظلم هُمْ يَنْتَصِرُونَ- 39- يعني المجروح ينتصر من الظالم فيقتص منه وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها أن يقتص منه المجروح كما أساء
__________
(1) فى أ: وما.
(2) سورة الجاثية: 13 وتمامها: «قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» .
(3) فى الأصل: «داموا» .(3/772)
إليه ولا يزيد شيئا فَمَنْ عَفا يعني فمن ترك الجارح ولم يقتص وَأَصْلَحَ العمل كان العفو من الأعمال الصالحة فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ قال جزاؤه على الله إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ- 40- يعني من بدأ بالظلم والجراءة ثم قال: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ يقول إذا انتصر المجروح، فاقتص من الجارح فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ يعني على الجارح مِنْ سَبِيلٍ- 41- يعني العدوان حين انتصر من الجارح إِنَّمَا السَّبِيلُ يعني العدوان عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يقول يعملون فيها بالمعاصي أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ- 42- يعنى وجيع، ثم بين [140 ب] أن الصبر والتجاوز أحب إلى الله وأنفع لهم من غيره، ثم رجع إلى المجروح فقال: وَلَمَنْ صَبَرَ ولم يقتص وَغَفَرَ وتجاوز ف إِنَّ ذلِكَ الصبر والتجاوز لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ- 43- يقول من حق الأمور التي أمر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بها، قوله- تعالى-: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ عن الهدى فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ يقول ومن يضلل الله عن الهدى فما له من قريب يهديه إلى دينه مِنْ بَعْدِهِ مثلها فى الجائية قال: وَتَرَى الظَّالِمِينَ يعني المشركين لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ في الآخرة يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ- 44- يقول هل إلى الرجعة إلى الدنيا من سبيل وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها يعني على النار واقفين عليها خاشِعِينَ يعني خاضعين مِنَ الذُّلِّ الذي نزل بهم يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ يعني يستخفون بالنظر إليها يسارقون النظر وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- وحده وقالها في الزمر «1» إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
__________
(1) فى أ: قالها فى الزمر، وفى ف: يعنى النبي- صلى الله عليه وسلم- هو قالها فى الزمر، وقد كررت الجملة مرتين فيها، وفى ل: وقالها فى الزمر.(3/773)
يعني غبنوا أنفسهم فصاروا إلى النار وَخسروا أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يقول وغبنوا أهليهم في الجنة فصاروا لغيرهم، ولو دخلوا الجنة أصابوا الأهل، فلما دخلوا النار حرموا فصار ما في الجنة والأهلين لغيرهم «1» أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ يعنى المشركين فِي عَذابٍ مُقِيمٍ- 45- يعني دائم لا يزول عنهم مثلها في الروم وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ يقول وما كان لهم من أقرباء يمنعونهم من الله وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ عن الهدى فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ- 46- إلى الهدى، قوله اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ بالإيمان يعني التوحيد مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ يعني لا رجعة لهم إذا جاء يوم القيامة لا يقدر أحد على دفعه مِنَ اللَّهِ، ثم أخبر عنهم يومئذ فقال: مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ يعني حرزا يحرزكم من العذاب وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ- 47- من العذاب فَإِنْ أَعْرَضُوا عن الهدى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً يعنى رقيبا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ يا محمد وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ يقول إذا مسسنا وفي قراءة ابن مسعود «وإنا إذا أذقنا الناس منا رحمة فرحوا بها» يعني المطر «مِنَّا «2» رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يعني كفار مكة يعني قحط في المطر بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ من الكفر فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ- 48- فيها تقديم لنعم ربه في كشف الضر عنه يعني الجوع وقحط المطر نظيرها في الروم، «3» ثم عظم نفسه فقال: لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ
__________
(1) فى أنقص، وفى جميع النسخ نقص، فقد سقطت كلمة «يوم القيامة» وهي جزء من الآية، سقطت من جميع النسخ، وقد ذكرت تفسير الآية من كل النسخ على طريقة النص المختار.
(2) «منا رحمة» : ساقطة من أ.
(3) يشير إلى الآية 36 من سورة الروم وهي «وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ» .(3/774)
فى الرحم [141 أ] يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً يعنى البنات وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ- 49- يعنى البنين ليس فيهم أنثى أَوْ يُزَوِّجُهُمْ يقول وإن يشأ نصفهم ذُكْراناً وَإِناثاً يعني يولد له مرة بنين وبنات ذكورا وإناثا فنجعلهم له وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً لا يولد له إِنَّهُ عَلِيمٌ بخلقه قَدِيرٌ- 50- في أمر الولد والعقم وغيره، قوله: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً وذلك أن اليهود قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- ألا تكلم الله، وتنظر إليه إن كنت صادقا، كما كلمه موسى ونظر إليه، فإنا لن نؤمن لك حتى يعمل الله ذلك بك. فقال الله لهم: لم أفعل ذلك بموسى، وأنزل الله- تعالى- «وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ» يقول ليس لنبي من الأنبياء أن يكلمه الله «إِلا وَحْيًا» فيسمع الصوت فيفقه أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ كما كان بينه وبين موسى أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ يقول أو يأتيه مني بوحي: يقول أو يأمره فيوحى ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ يعني رفيع فوق خلقه حَكِيمٌ- 51- في أمره.
«فقالوا للنبي من أول المرسلين» «1» فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: أول المرسلين آدم- عليه السلام- «2» . فقالوا: كم المرسلين؟ قال: ثلاثمائة وخمسة عشر
__________
(1) ما بين الأقواس « ... » زيادة اقتضاها السياق، ففي أ: ل، ف، ح بدأ الكلام:
بالجواب وهو
«فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- أول المرسلين آدم»
وهذا الجواب لا بد له من سؤال، وقد سقط السؤال من جميع النسخ فأضفته.
(2) فى أزيادة: نسل، وفى ح: نسل، وفى ف: فسئل وفى ل: مسيل.(3/775)
جماء الغفير «1» ومن الأنبياء من يسمع الصوت فيفقه، ومن الأنبياء من يوحى إليه في المنام، وإن جبريل ليأتي النبي- صلى الله عليه وسلم- كما يأتي الرجل صاحبه في ثياب البياض مكفوفة بالدر والياقوت ورجلاه مغموستان «2» في الخضرة «3» ،
قوله- تعالى- وَكَذلِكَ يعني وهكذا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا يعني الوحي بأمرنا كما أوحينا إلى الأنبياء من قبلك حين ذكر الأنبياء من قبله فقال «وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً» إلى آخر الآية «4» .
قوله: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ يا محمد قبل الوحي ما الكتاب وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ يعني القرآن نُوراً يعني ضياء من العمى نَهْدِي بِهِ يعني بالقرآن من الضلالة إلى الهدى مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- 52- يعني إنك لتدعو إلى دين مستقيم يعني الإسلام صِراطِ اللَّهِ يقول دين الله الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ خلقه وعبيده وفي قبضته أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ- 53- يعنى
__________
(1) فى أ، ف: «جم الغفير» وفى ح: «جم الفقير» .
أقول: الثابت فى علم التوحيد أن على المؤمن أن يعتقد أن الله أرسل رسلا وأنبياء كثيرين لهداية البشر وعليه أن يفوض معرفة عددهم إلى الله- تعالى-، لأن الله يقول: «مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ» سورة غافر: 78.
وتحديد الرسل بهذا العدد الصغير مرفوض عقلا وشرعا وجميع النسج مضطربة فى هذا الموضع.
(2) فى أ، ل: «ورجلاء مغموستان» وفى ف: «ورجلاه مطموستان» [.....]
(3) فى أ، ف، ح: «الخضرة» ، وفى ل: «الحضرة» .
(4) الآية 51 من سورة الشورى وتمامها «وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ» .(3/776)
أمور الخلائق فى الآخرة تصير إليه فيجزيهم بأعمالهم والله غفور لذنوب العباد رحيم بهم. [141 ب] قال مُقَاتِلُ: سيد الملائكة إسرافيل وهو صاحب الصور، وسيد الأنبياء محمد- صلى الله عليه وسلم-، وسيد الشهداء هابيل بن آدم، وسيد المؤذنين بلال بن رباح، وسيد الشهور شهر رمضان، وسيد الأيام يوم الجمعة، وسيد السباع الأسد، وسيد الطير النسر، وسيد الأنعام الثور، وسيد الوحش الأيل، وسيد البلاد مكة، وسيد البقاع بكة، وسيد البيوت الكعبة، وسيد البحور بحر موسى، وسيد الجبال طور سيناء، وسيد المجالس ما استقبل به القبلة، وسيد الصلاة صلاة المغرب.(3/777)
سورة الزخرف(3/779)
(43) سورة الزخرف مكّيّة وآياتها تسع وثمانون
[سورة الزخرف (43) : الآيات 1 الى 89]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (5) وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (7) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (14)
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (19)
وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ مَا عَبَدْناهُمْ مَا لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذلِكَ مَا أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (24)
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29)
وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ (30) وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (34)
وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35) وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (39)
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (40) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (44)
وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (46) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (47) وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (49)
فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (54)
فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (56) وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (59)
وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (62) وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (64)
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (69)
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (73) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (74)
لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنادَوْا يَا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79)
أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (81) سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)
وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)(3/781)
سورة الزخرف «1» سورة الزخرف مكية عددها تسع وثمانون آية كوفية «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان إثبات القرآن فى اللوح المحفوظ، وإثبات الحجة والبرهان على وجود الصانع، والرد على عباد الأصنام الذين قالوا: الملائكة بنات الله، والمنة على الخليل- صلى الله عليه وسلم- بإبقاء كلمة التوحيد فى عقبة، وبيان قسمة الأرزاق، والإخبار عن حسرة الكفار، وندامتهم يوم القيامة، ومناظرة فرعون وموسى، ومجادلة المؤمنين مع عبد الله بن الزبعرى بحدث عيسى فى قوله: «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ» سورة الزخرف: 57، وبيان شرف الموحدين فى القيامة، وعجز الكفار فى جهنم واثبات الهبة الحق فى السماء وأمر الرسول بالإعراض عن مكافأة الكفار فى قوله:
«فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ ... » سورة الزخرف: 89.
(2) فى المصحف (43) سورة الزخرف مكية إلا آية 54 فمدنية وآياتها 89 نزلت بعد سورة الشورى.
وتسمى سورة الزخرف لقوله « ... عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ، وَزُخْرُفاً ... » سورة الزخرف: 34- 35.(3/787)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم- 1- وَالْكِتابِ الْمُبِينِ- 2- يعنى البين ما فيه إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا ليفقهوا ما فيه ولو كان غير عربي ما عقلوه لَعَلَّكُمْ يقول لكي تَعْقِلُونَ- 3- ما فيه، ثم قال: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ يقول لأهل مكة إن كذبتم بهذا القرآن فإن نسخته في أصل الكتاب يعني اللوح المحفوظ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ يقول عندنا مرفوع حَكِيمٌ- 4- يعني محكم من الباطل قوله: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً يقول لأهل مكة أفنذهب عنكم هذا القرآن سدى لا تسألون عن تكذيب به أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ- 5- يعني مشركين وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ- 6- وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ ينذرهم العذاب إِلَّا كانُوا بِهِ يعنى بالعذاب يَسْتَهْزِؤُنَ- 7- بأنه غير نازل بهم فَأَهْلَكْنا بالعذاب أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً يعني قوة وَمَضى مَثَلُ يعني شبه الْأَوَّلِينَ- 8- في العقوبة حين كذبوا رسلهم يقول هكذا أمتك يا محمد في سنة من مضى من الأمم الخالية في الهلاك «1» .
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ يقول لنبيه- صلى الله عليه وسلم- لئن سألت كفار مكة مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ
__________
(1) فى أ: ذكرت الآية 8 مع تفسيرها قبل الآية 6، 7 وقد أعدت ترتيب الآيات كما فى المصحف الشريف.(3/789)
في ملكه الْعَلِيمُ- 9- بخلقه، ثم دل على نفسه بصنعه ليوحد فقال:
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً يعنى فرشا «1» وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا يعني طرقا تسلكونها لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ- 10- يقول لكي تعرفوا طرقها وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً بِقَدَرٍ وهو المطر فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً يقول فأحيينا به، يعني بالماء بلدة ميتا لا نبت فيها، فلما أصابها الماء أنبتت كَذلِكَ [142 أ] يقول هكذا تُخْرَجُونَ- 11- من الأرض بالماء كما يخرج النبت، ثم قال: وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها يعني الأصناف كلها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ يعني السفن وَمن وَالْأَنْعامِ يعني الإبل والبقر مَا تَرْكَبُونَ- 12- يعني الذي تركبون لِتَسْتَوُوا يعني لكي تستووا عَلى ظُهُورِهِ يعني ذكورا وإناثا من الإبل ثُمَّ قال: لكي تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ على ظهورها يعني يقولون الحمد لله وَلكي تَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا يعني ذلل لنا هذا المركب وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ- 13- يعنى مطيقين وَلكي تقولوا إِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ- 14- يعني لراجعون، قوله:
وَجَعَلُوا لَهُ يقول وصفوا له مِنْ عِبادِهِ من الملائكة جُزْءاً يعني عدلا هو الولد فقالوا: إن الملائكة بنات الله- تعالى- يقول الله:
إِنَّ الْإِنْسانَ في قوله لَكَفُورٌ مُبِينٌ- 15- يقول بين الكفر يقول الله- تعالى- ردا عليهم: أَمِ يقول «2» : اتَّخَذَ الرب لنفسه مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ
__________
(1) فى أ، ل، ف: «مهادا» يعنى فراشا، قال البيضاوي، وقد قرأ غير الكوفيين «مهادا» بالألف.
(2) كذا فى أ: ف.(3/790)
فيها تقديم واستفهام اتخذ مما يخلق من « ... مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ» «1» بنات؟ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ- 16- يقول واختصكم بالبنين، ثم أخبر عنهم في التقديم، فقال: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا يعني شبها والمثل زعموا أن الملائكة بنات الله- تعالى-، «وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ... » «2» ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا يعني متغيرا وَهُوَ كَظِيمٌ- 17- يعني مكروب أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ يعني ينبت في الزينة يعني الحلي مع النساء يعني البنات وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ- 18- يقول هذا الولد الأنثى ضعيف قليل الحيلة «وهو» «3» عند الخصومة والمحاربة غير بين ضعيف عنها، ثم أخبر عنهم فقال: وَجَعَلُوا يقول ووصفوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً
لقولهم إن الملائكة بنات الله، يقول الله- تعالى- للنبي- صلى الله عليه وسلم-: أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ؟ فسئلوا فقالوا: لا.
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: فما يدريكم أنها إناث؟ قالوا: سمعنا من آبائنا، وشهدوا أنهم لم يكذبوا،
«وأنهم» «4» إناث؟ قال الله- تعالى-:
سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ بأن الملائكة بنات الله، في الدنيا، وَيُسْئَلُونَ- 19- عنهما في الآخرة، «حين شهدوا» «5» أن الملائكة بنات الله وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ مَا عَبَدْناهُمْ
__________
(1) سورة الزخرف: 18.
(2) سورة النحل: 58.
(3) فى أ: «وهي» ، وفى ف: «وهو» .
(4) فى أ، ف: «أنهم» .
(5) فى ف: «حين يشهدون» ، وكلمة «ويسألون» مع تفسيرها ساقط من أ، ومثبت من ف.(3/791)
يعني الملائكة يقول الله- تعالى- مَا لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ يقول ما يقولون إلا الكذب: إن الملائكة إناث «إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ» «1» - 20- «يكذبون» «2» أَمْ آتَيْناهُمْ يقول أعطيناهم كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ من قبل هذا القرآن بأن يعبدوا غيره فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ- 21- فإنا لم نعطهم «بَلْ قالُوا» «3» ولكنهم قالوا:
إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ- 22- نزلت في الوليد بن المغيرة، وصخر بن حرب، وأبي جهل بن هشام، وعتبة «وشيبة» «4» ابني ربيعة، كلهم من قريش وَكَذلِكَ يقول وهكذا ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي [142 ب] قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ يعني من رسول فيما خلا إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها يعني جباريها وكبراءها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ يعني على ملة وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ- 23- بأعمالهم كما قال كفار مكة «قالَ» «5» أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ» بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ من الدين ألا تتبعوني، فردوا على النبي- صلى الله عليه وسلم- ف قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ
__________
(1) «إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ» : ساقطة من أ، ف، ح، وهي فى ل بدون تفسير.
(2) «يكذبون» : زيادة من الجلالين. [.....]
(3) «بل قالوا» : ساقط من أ.
(4) «وشيبة» : ساقطة من أوهي من ف.
(5) فى أ: «قل» لهم يا محمد «أو لو جئتكم» . وقراءة حفص وابن عامر «قال» .
ولكنها تكتب «قل» فى المصحف وقرأ غيرهم «قل» وهو خطاب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وأما قراءة حفص وابن عامر «قال» فهي حكاية أمر ماض أوحى إلى النذير. وانظر تفسير البيضاوي: 649.(3/792)
- 24- يعني بالتوحيد كافرون ثم رجع إلى الأمم الخالية فيها تقديم ثم قال: فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ بالعذاب فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ- 25- بالعذاب يخوف كفار مكة بعذاب الأمم الخالية لئلا يكذبوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزر وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ- 26- ثم استثنى الرب نفسه لأنهم يعلمون أن الله ربهم فقال: إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي يقول خلقني فإني لا أتبرأ منه فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ- 27- لدينه، قوله- تعالى-: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً لا تزال ببقاء التوحيد فِي عَقِبِهِ يعني ذريته يعني ذرية إبراهيم لَعَلَّهُمْ يعني لكي يَرْجِعُونَ- 28- من الكفر إلى الإيمان يقول التوحيد إلى يوم القيامة يبقى في ذرية إبراهيم- عليه السلام- «لعلهم يرجعون» يقول لكي يرجعوا من الكفر إلى الإيمان، قوله بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ يعني كفار مكة وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ يعني القرآن وَرَسُولٌ مُبِينٌ- 29- يعني محمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أمره «وَلَمَّا» «1» جاءَهُمُ الْحَقُّ يعني القرآن قالُوا هَذَا القرآن سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ- 30- لا نؤمن به نزلت في سفيان بن حرب وأبي جهل بن هشام وعتبة وشيبة، ثم قال الوليد بن المغيرة- لو كان هذا القرآن «حقا» «2» أنزل عليَّ أو على أبي مسعود الثقفي واسمه عمرو بن عمير ابن عوف جد المختار، فأنزل الله- تعالى- في قول الوليد بن المغيرة وَقالُوا لَوْلا يعني هلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ
__________
(1) فى أ: «فلما» .
(2) «حقا» : من ف وليست فى أ.(3/793)
- 31-: القريتان «1» مكة والطائف وكان عظمة أن الوليد عظيم أهل مكة في الشرف، وأبا مسعود عظيم أهل الطائف فى الشرف، يقول الله- تعالى- أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ يقول أبأيديهم مفاتيح الرسالة فيضعونها حيث شاءوا ولكنها بيدي أختار من أشاء من عبادي للرسالة، ثم قال: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا يقول لم نعط الوليد «وأبا مسعود» «2» الذي أعطيناهما من الغنى لكرامتهما على الله ولكنه قسم من الله بينهم، ثم قال:
وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ يعنى فضائل [143 أ] في الغنى لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ يعني الأحرار بَعْضاً يعني الخدم سُخْرِيًّا يعني العبيد والخدم سخره الله لهم وَرَحْمَتُ رَبِّكَ يعني الجنة خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ 32- يعني الأموال يعني الكفار «ثم ذكرهم هوان الدنيا عليه» «3» فقال:
وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً يعني ملة واحدة يعني على الكفر يقول: لولا أن ترغب الناس في الكفر إذا رأوا الكفار في سعة من الخير والرزق لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لهوان الدنيا عليه لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ يعني بالسقف سماء البيت وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ- 33- يقول «درجا» «4» على ظهور بيوتهم يرتقون.
__________
(1) فى أ: «القريتين» ، وفى ف: «القريتان» .
(2) فى أ: «وأبو سعيد» ، ف: «وأبو مسعود» ، وصوابها: «وأبا مسعود»
(3) فى أ: «ثم ذكر هوان الدنيا عليه فقال» .
(4) فى أ: «درجا» ، وفى ف: «درجة» .(3/794)
وَلجعلنا لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً من فضة وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ- 34- يعني ينامون وَزُخْرُفاً يقول وجعلنا كل شيء لهم من ذهب إِنْ كُلُّ ذلِكَ يقول وما كل الذي ذكر لَمَّا إلا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا يتمتعون فيها قليلا وَالْآخِرَةُ يعني دار الجنة عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ- 35- خاصة لهم، قوله: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ يقول ومن يعم بصره عن ذكر الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ- 36- فى الدنيا يقول صاحب بزين لهم الغي. وَإِنَّهُمْ وإن الشياطين لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ يعني سبيل الهدى وَيَحْسَبُونَ ويحسب بنو آدم أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ- 37- يعني على هدى حَتَّى إِذا جاءَنا ابن آدم وقرينه في الآخرة جعلا في سلسلة واحدة قالَ ابن آدم لقرينه يعني شيطانه يَا لَيْتَ يتمنى بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ يعني ما بين «مشرق» «1» الصيف إلى «مشرق» «2» الشتاء أطول «يوم» «3» في السنة وأقصر «يوم» «4» في السنة فَبِئْسَ الْقَرِينُ- 38- يقول فبئس الصاحب معه فى النار فى سلسلة واحدة يقول الله- تعالى-: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ في الآخرة الاعتذار إِذْ ظَلَمْتُمْ يقول إذ أشركتم في الدنيا «أَنَّكُمْ» «5» وقرناءكم من الشياطين فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ- 39- يقول: أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الذين لا يسمعون الإيمان يعنى
__________
(1) فى أ: «مشرقى» ، ف: «مشرق» .
(2) فى أ: «مشرقى» ، ف: «مشرق» .
(3) فى أ، ف: «يوما» .
(4) فى أ، ف: «يوما» .
(5) فى أ: «فإنكم» . [.....](3/795)
الكفار أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ الذين لا يبصرون الإيمان وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ- 40- نزلت في رجل من كفار مكة، يعني بين الضلالة، قوله:
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ يقول فنميتك يا محمد فَإِنَّا مِنْهُمْ يعني كفار مكة مُنْتَقِمُونَ- 41- بعدك بالقتل يوم بدر أَوْ نُرِيَنَّكَ في حياتك الَّذِي وَعَدْناهُمْ من العذاب ببدر فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ- 42- فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ من القرآن إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- 43- يعنى دين مستقيم وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ يقول القرآن لشرف لك وَلِقَوْمِكَ ولمن آمن منهم وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ- 44- فى الآخرة عن من [143 ب] يكذب به، ثم قال: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا يعني الذين أرسلنا إليهم مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ- 45- يقول سل يا محمد مؤمني أهل الكتاب هل جاءهم رسول يدعوهم إلى غير عبادة الله، قوله: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا اليد والعصا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ «فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ» «1» - 46- فَلَمَّا جاءَهُمْ «بِآياتِنا» «2» إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ- 47- استهزاء وتكذيبا، يقول الله- تعالى-: وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها يعني اليد بيضاء لها شعاع مثل شعاع الشمس، يغشي البصر فكانت اليد أكبر من العصا، وكان موسى- عليه السلام- بدأ بالعصا فأنقاها وأخرج يده فلم يؤمنوا، يقول الله- تعالى-: وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ يعنى الطوفان والجراد
__________
(1) «فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ» : ساقط من أ.
(2) فى أ: بالآية.(3/796)
والقمل والضفادع والدم والطمس والسنين لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ- 48- يعني لكي يرجعوا من الكفر إلى الإيمان وَقالُوا لموسى يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ يقول سل لَنا رَبَّكَ فلم يفعل، وقال تسموني ساحرا، وقال فى سورة الأعراف « ... ادْعُ لَنا رَبَّكَ «1» ... » بِما عَهِدَ عِنْدَكَ أن يكشف عنا العذاب، إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ- 49- يعني مؤمنين لك، وكان الله- تعالى- عهد إلى موسى- عليه السلام- لئن آمنوا «كشف» «2» عنهم فذلك قوله:
«بما عهد عندك» إن آمنا كشف عنا العذاب، فلما دعا موسى ربه كشف عنهم فلم يؤمنوا، فذلك قوله: فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ- 50- الذي عاهدوا عليه موسى- عليه السلام-: « ... لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ «3» ... » فلم يؤمنوا، قوله: وَنادى فِرْعَوْنُ القبطي فِي قَوْمِهِ القبط وكان نداوة أنه: قالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ أربعين فرسخا في أربعين فرسخا وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي من أسفل مني أَفَلا يعني فهلا تُبْصِرُونَ- 51- ألهم جنان وأنهار مثلها، ثم قال فرعون: أَمْ أَنَا خَيْرٌ يقول أنا خير مِنْ هذَا يعني موسى الَّذِي هُوَ مَهِينٌ يعنى ضعيف ذليل وَلا يَكادُ يُبِينُ- 52- حجته يعني لسانه لأن الله- تعالى- كان أذهب عقدة لسانه في طه حين قال: «وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي» «4» قال الله- تعالى-: « ... قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسى» «5» ،
__________
(1) سورة الأعراف: 134.
(2) فى أ: كشف، ف: كشفت.
(3) سورة الأعراف: 134.
(4) سورة طه: 27.
(5) سورة طه: 36.(3/797)
ثم قال فرعون: فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ «أَسْوِرَةٌ» «1» مِنْ ذَهَبٍ يقول فهلا ألقي عليه ربه الذي أرسله «أَسْوِرَةٌ مِنْ ذهب» إن كان صادقا أنه رسول أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ- 53- يعني متعاونين يعينونه على أمره الذي بعث إليه فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ يقول استفز قومه القبط فَأَطاعُوهُ فى الذي قال لهم [144 أ] على التكذيب، حين قال لهم: « ... مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ» «2» فأطاعوه في الذي قال لهم: إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ- 54- يعني عاصين فَلَمَّا آسَفُونا يعني أغضبونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ- 55- لم ينج منهم أحد فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً يعني مضوا في العذاب وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ- 56- يعني عبرة لمن بعدهم، قوله: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا والمثل حين زعموا أن الملائكة بنات الله، وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما، وفي المسجد العاص بن وائل السهمي، والحارث وعدي ابنا قيس، كلهم من قريش من بني سهم فقال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم- «إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ» «3» إلى آيتين. ثم خرج إلى باب الصفا فخاض المشركون في ذلك، فدخل عبد الله ابن الزبعري السهمي، فقال: تخوضون في ذكر الآلهة، فذكروا له ما قال النبي- صلى الله عليه وسلم- لهم ولآلهتهم، فقال عبد الله بن الزبعري يا محمد أخاصة لنا ولآلهتنا أم لنا ولآلهتنا ولجميع الأمم وآلهتهم «فقال النبي- صلى
__________
(1) فى أ: أساورة.
(2) سورة غافر: 29.
(3) سورة الأنبياء: 98.(3/798)
الله عليه وسلم- بل هي لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم ولآلهتهم» «1» فقال عبد الله خصمتك ورب الكعبة ألست تزعم أن عيسى بن مريم «نبي» «2» وتثني عليه وعلى أمه خيرا وقد علمت أن النصارى يعبدونهما، وعزير يعبد والملائكة تعبد فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون معهم فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: لا. فقال عبد الله أليس قد زعمت أنها لنا ولآلهتنا ولجميع الأمم وآلهتهم؟ خصمتك ورب الكعبة. فضجوا من ذلك فأنزل الله- تعالى- «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى»
يعنى الملائكة وعزيز وعيسى ومريم «أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ» «3» وأنزل «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا» إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ- 57- يعني يضجون تعجبا لذكر عيسى- عليه السلام-، عبد الله بن الزبعري وأصحابه هم هؤلاء النفر وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ يعني عيسى؟ وقالوا ليس آلهتنا إن عذبت «خيرا» «4» من عيسى بأنه يعبد «5» يقول الله- تعالى- «بل هو» مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا يقول ما ذكروا لك عيسى إلا ليجادلونك به بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ- 58- إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ يعني عيسى- عليه السلام- يقول ما هو إلا عبد أَنْعَمْنا عَلَيْهِ بالنبوة وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ- 59- يقول الله- تعالى- حين ولد من
__________
(1) ما بين القوسين « ... » : ساقط من أ، وهو من ف.
(2) «بنى» : ساقطة من أ.
(3) سورة الأنبياء: 101.
(4) فى أ، ف: «خير» . [.....]
(5) كذا فى أ، ف: والجملة ركيكة وبها أخطاء.(3/799)
غير أب يعني آية وعبرة ليعتبروا قوله: وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ- 60- مكانكم فكانوا خلفا منكم، ثم رجع في التقديم إلى عيسى فقال: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ [144 ب] «لِلسَّاعَةِ» «1» يقول نزوله من السماء علامة «للساعة» ينزل على ثنية أفيق: وهو جبل بيت المقدس يقال له أفيق، عليه ممصرتان دهين الرأس معه حربة، يقتل بها الدجال يقول نزول عيسى من السماء علامة للساعة فَلا تَمْتَرُنَّ بِها يقول لا تشكوا في الساعة ولا في القيامة أنها كائنة، قوله: «وَاتَّبِعُونِ» «2» هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ- 61-، ثم قال: وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ عن الهدى إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ- 62- يعنى بين وَلَمَّا جاءَ عِيسى يعني بني إسرائيل «3» بِالْبَيِّناتِ يعني الإنجيل قالَ لهم: قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ يعني الإنجيل فيه بيان الحلال والحرام وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ من الحلال والحرام فبين لهم ما كان حرم عليهم من الشحوم واللحوم وكل ذي ظفر فأخبرهم أنه لهم حلال في الإنجيل غير أنهم يقيمون على السبت فَاتَّقُوا اللَّهَ ولا تعبدوا غيره وَأَطِيعُونِ- 63- فيما آمركم به من النصيحة فَإنَّهُ ليس له شريك إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ يعني وحدوه هَذَا يعني هذا التوحيد صِراطٌ يعني دين مُسْتَقِيمٌ- 64- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فى الدين والأحزاب هم: النسطورية والمار يعقوبية والملكانية تحازبوا من بينهم في عيسى- عليه السلام- فقالت النسطورية: عيسى ابن الله. وقالت
__________
(1) فى أ: الساعة «علامة» .
(2) فى أ: «واتبعونى» .
(3) كذا فى أ، ف، والمراد ولما جاء عيسى إلى بنى إسرائيل.(3/800)
المار يعقوبية: إن الله هو المسيح بن مريم، وقالت الملكانية: إن الله ثالث ثلاثة فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا يعني النصارى الذين قالوا في عيسى ما قالوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ- 65- يعني يوم القيامة وإنما سماه أليما لشدته، ثم رجع إلى كفار قريش فقال: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ يعنى يوم القيامة أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فجأة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ- 66- بجيئتها، ثم قال:
الْأَخِلَّاءُ في الدنيا يَوْمَئِذٍ في الآخرة بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ- 67- يعني الموحدين نزلت في أمية بن خلف الجمحي، وعقبة ابن أبي معيط قتلا جميعا وذلك
أن عقبة كان يجالس النبي- صلى الله عليه وسلم- ويستمع إلى حديثه، فقالت قريش: قد صبأ عقبة وفارقنا. فقال له أمية بن خلف: وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمدا «فلم تنقل» «1» في وجهه، حتى يعلم قومك أنك غير مفارقهم، ففعل عقبة ذلك فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: أما أنا لله علي لئن أخذتك خارجا من الحرم لأهريقن دمك. فقال له: يا بن أبى كبشة، [145 أ] ومن أين تقدر علي خارجا من الحرم، فتكون لك مني «السوء» «2» . فلما كان يوم بدر أسر، فلما عاينه النبي- صلى الله عليه وسلم- ذكر نذره فأمر علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- فضرب عنقه فقال عقبة: يا معشر قريش، ما بالي أقتل من بينكم؟ فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- بتكذيبك الله ورسوله. فقال: من لأولادى. فقال النبي
__________
(1) فى أ، ف: «إن لم تنقل» . وما أثبته قريب مما ورد فى كتب السيرة وأنسب إلى سياق الكلام.
(2) فى ف: «السوء» وفى أ: «السواء» .(3/801)
- صلى الله عليه وسلم- لهم النار.
«ولما» «1» كان يوم القيامة وقع الخوف، فقال: يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ يقول رفع الله الخوف عن المؤمنين الْيَوْمَ يعنى يوم القيامة وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ- 68- فإذا سمعوا النداء رفعوا رءوسهم، فلما قال: الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ- 69- يقول الذين صدقوا بالقرآن وكانوا مخلصين بالتوحيد، نكس أهل الأوثان والكفر رءوسهم، ثم نادى الذين آمنوا وكانوا يتقون المعاصي فلم يبق صاحب كبيرة إلا نكس رأسه، ثم قال: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ يا أهل التوحيد أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ يعني وحلائلكم تُحْبَرُونَ- 70- يعني تكرمون وتنعمون يُطافُ عَلَيْهِمْ بأيدي الغلمان بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ من فضة يعني الأكواب التي ليس لها عرى مدورة الرأس في صفاء القوارير، ثم قال:
وَفِيها «مَا تَشْتَهِيهِ» «2» الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ- 71- لا تموتون وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 72- لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ- 73- ثم قال: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ يعني المشركين المسرفين فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ- 74- يعنى لا يموتون لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ العذاب طرفة عين وَهُمْ فِيهِ يعني في العذاب مُبْلِسُونَ- 75- يعني آيسون من كل خير مستيقنين بكل عذاب مبشرين بكل سوء زرق الأعين سود الوجوه، ثم قال: وَما ظَلَمْناهُمْ فنعذب على غير ذنب وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ- 76- وَنادَوْا فى النار يا مالِكُ
__________
(1) فى أ، ف: فلما، والأنسب «ولما» .
(2) فى أ: «ما تشتهي» ، وفى الآية: «ما تشتهيه» .(3/802)
وهو خازن جهنم، فقال: ماذا تريدون؟ قالوا: لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ فيسكت عنهم مالك «فلا» «1» يجيبهم مقدار أربعين سنة، ثم «يوحي» «2» الله- تعالى- إلى مالك بعد أربعين «أن يجيبهم» «3» ، فرد عليهم مالك: «قالَ» «4» إِنَّكُمْ ماكِثُونَ- 77- في العذاب يقول مقيمون فيها فقال مالك: لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ في الدنيا يعني التوحيد وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ- 78-، قوله: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ- 79- يقول أم أجمعوا أمرا.
وذلك أن نفرا من قريش منهم أبو جهل بن هشام، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وهشام بن عمرو [145 ب] ، وأبو البختري بن هشام، وأمية بن أبي معيط، وعيينة بن حصن الفزاري، والوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث، وأبي بن خلف، - بعد موت أبي طالب- اجتمعوا في دار الندوة بمكة ليمكروا بالنبي- صلى الله عليه وسلم- سرا عند انقضاء المدة فأتاهم إبليس في صورة شيخ كبير فجلس إليهم، فقالوا له: ما أدخلك في جماعتنا بغير إذننا؟ قال عدو الله:
أنا رجل من أهل نجد، وقدمت مكة فرأيتكم حسنة وجوهكم، طيبة ريحكم، فأردت أن أسمع حديثكم، وأشير عليكم، فإن كرهتم مجلسي خرجت من بينكم.
فقال بعضهم لبعض: هذا رجل من أهل نجد ليس من أهل مكة فلا بأس عليكم منه. فتكلموا بالمكر بالنبي- صلى الله عليه وسلم-.
__________
(1) فى أ: «فلم» .
(2) فى أ: «أوحى» .
(3) فى أ: «أن أجبهم» .
(4) «قال» ساقط من أ.(3/803)
فقال أبو البختري بن هشام- من بني أسد بن عبد العزى-: أما أنا فأرى أن تأخذوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- فتجعلوه في بيت وتسدوا عليه بابه، «وتجعلوا» «1» له كوة لطعامه وشرابه حتى يموت.
فقال إبليس: بئس الرأي رأيتم تعمدون إلى رجل له فيكم صغو، قد سمع به من حولكم، تحبسونه في بيت، وتطعمونه وتسقونه، فيوشك الصغو الذي له فيكم أن يقاتلكم عنه ويفسد جماعتكم ويسفك دماءكم. قالوا: صدق والله الشيخ.
فقال هشام بن عمرو- من بنى عامر بن لوى-: أما أنا فأرى أن تحملوه على بعير، فتخرجوه من أرضكم، فيذهب حيث شاء ويليه غيركم.
فقال إبليس: بئس الرأي، رأيتم تعمدون إلى رجل قد أفسد عليكم جماعتكم، وتبعه طائفة منكم فتخرجونه إلى غيركم فيفسدهم كما أفسدكم، فيوشك بالله أن يميل بهم عليكم. فقال أبو جهل: صدق والله الشيخ.
فقال أبو جهل بن هشام: أما أنا فأرى أن تعمدوا إلى كل بطن من قريش فتأخذون من كل بطن منهم رجلا، فتعطون كل رجل منهم سيفا فيضربونه جميعا فلا يدري قومه من يأخذون به، وتؤدي قريش ديته، فقال إبليس: صدق والله الشاب. إن الأمر لكما.
قال: فتفرقوا عن قول أبي جهل فنزل جبريل- عليه السلام- فأخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- «بما ائتمروا به» «2» وأمره بالخروج فخرج النبي- صلى الله عليه وسلم- من ليلته إلى الغار. وأنزل الله- تعالى- فى شرهم
__________
(1) فى أ: «وتجعلون» .
(2) فى أ: «بما ائتمروا به القوم» . [.....](3/804)
الذي أجمعوا عليه «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ» يقول أم أجمعوا أمرهم على محمد- صلى الله عليه وسلم- بالشر فإنا مجمعون أمرنا على ما يكرهون فعندها قتل هؤلاء النفر ببدر، يقول: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ الذي بينهم وَنَجْواهُمْ الذي أجمعوا عليه «ليثبتوك» «1» في بيت، أو يخرجوك من مكة، أو يقتلوك، بَلى نسمع ذلك منهم وَرُسُلُنا الملائكة الحفظة لَدَيْهِمْ يعني «عندهم» «2» يَكْتُبُونَ- 80- قُلْ يا محمد [146 أ] :
إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ يعني ما كان للرحمن ولد فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ- 81- وذلك أن النضر بن الحارث- من بني عبد الدار بن قصي- قال:
إن الملائكة بنات الله. فأنزل الله- عز وجل- «قُلْ» يا محمد «إن كان للرحمن» يقول ما كان للرحمن «ولد فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ» يعني الموحدين من أهل مكة بأن لا ولد، ونزه الرب نفسه عما كذبوا بالعذاب: سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ- 82- يعني عما يقولون من الكفر بربهم، يعني كفار مكة حين كذبوا بالعذاب في الآخرة، وذلك أن الله- تعالى- وعدهم في الدنيا على ألسنة الرسل أن العذاب كائن نازل بهم فَذَرْهُمْ يقول خل عنهم يَخُوضُوا في باطلهم وَيَلْعَبُوا يعني يلهوا في دنياهم حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ في الآخرة الَّذِي يُوعَدُونَ «3» - 83- العذاب فيه. ثم قال: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ
__________
(1) ليثبتوك: ليحبسوك.
(2) فى أ: «عند ربهم» ، وفى ف: «عندهم» .
(3) فى أ: كتب تفسير الآية 83 قبل تفسير الآية 82. وقد أعدت ترتيب الآيات وتفسيرها كما وردت فى المصحف.(3/805)
فعظم نفسه عما قالوا، فقال: وهو الذي يوحد في السماء، ويوحد في الأرض وَهُوَ الْحَكِيمُ في ملكه الخبير بخلقه الْعَلِيمُ- 84- بهم، ثم عظم نفسه عن شركهم فقال: وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ يعني القيامة وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ- 85- يعني تردون في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ يقول لا تقدر الملائكة الذين يعبدونهم من دون الله الشفاعة، وذلك أن النضر ابن الحارث ونفرا معه قالوا: إن كان ما يقول محمد حقا فنحن نتولى الملائكة وهم أحق بالشفاعة من محمد- صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله «وَلا يَمْلِكُ» يقول ولا يقدر «الذين يدعون من دونه» وهم الملائكة الشَّفَاعَةَ، يقول لا تقدر الملائكة الذين تعبدونهم من دون الله على الشفاعة لأحد، ثم استثنى فقال:
إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ يعني بالتوحيد من بني آدم، فذلك قوله: وَهُمْ يَعْلَمُونَ- 86- أن الله واحد لا شريك له فشفاعتهم لهؤلاء قوله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ يعني أهل مكة: كفارهم لَيَقُولُنَّ اللَّهُ وذلك أنه لما «نزلت» «1» فى أول هذه السورة «خلق» «2» السموات والأرض «3» نزلت في آخرها «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ»
فقال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم-: من خلقكم ورزقكم وخلق السموات والأرض؟ فقالوا: الله خالق الأشياء كلها، وهو خلقنا.
قال الله- تعالى- لنبيه- صلى الله عليه وسلم- قل لهم: فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ- 87- يقول من أين يكذبون بأنه
__________
(1) كذا فى أ، ف، والأنسب «نزل» .
(2) فى أ: «من خلق» ، وفى ف: «خلق» .
(3) ورد ذلك فى الآية 4 والآية 11.(3/806)
واحد لا شريك له، وأنتم مقرون أن الله خالق الأشياء وخلقكم، ولم يشاركه أحد في ملكه فيما خلق؟ فكيف تعبدون غيره؟ فلما قال النبي- صلى الله عليه وسلم- يا رب [146 ب] وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ يعنى كفار مكة قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ- 88- يعني لا يصدقون، وذلك أنه لما قال أيضا في الفرقان: « ... إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً» «1» قال الله- تعالى- يسمع قوله «2» ، فيها تقديم «يا رب إن هؤلاء» يعنى كفار مكة «قوم لا يؤمنون» يعني لا يصدقون بالقرآن أَنَّهُ من اللَّه- عز وجل- يقول الله- تعالى- لنهيه- صلى الله عليه وسلم-: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ يعني فأعرض عنهم فيها تقديم وَقُلْ سَلامٌ أردد عليهم معروفا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ- 89- هذا وعيد حين ينزل بهم العذاب فنسخ آية السيف الإعراض والسلام، وذكر وعيدهم وفي «حم» المؤمن فقال: «إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ، فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ» «3» .
__________
(1) سورة الفرقان: 30.
(2) كذا فى أ، ف. والجملة ركيكة.
(3) سورة غافر: 71، 72. وفى أ، ف خطأ قومه.(3/807)
سورة الدّخان(3/809)
سورة الدخان (44) سورة الدّخان مكّيّة وآياتها تسع وخمسون
[سورة الدخان (44) : الآيات 1 الى 59]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)
أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9)
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14)
إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (19)
وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24)
كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (27) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (28) فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (29)
وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (32) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (33) إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (34)
إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (36) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (37) وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْناهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (39)
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42) إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعامُ الْأَثِيمِ (44)
كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)
إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (53) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54)
يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)(3/811)
سورة الدخان «1» سورة الدخان مكية عددها تسع وخمسون آية كوفى «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
نزول القرآن فى ليلة القدر، وآيات التوحيد والشكاية من الكفار، وحديث موسى وبنى إسرائيل وفرعون، والرد على منكري البعث وذل الكفار فى العقوبة وعز المؤمنين فى الجنة، والمنة على الرسول نتيسر القرآن على لسانه فى قوله: «فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ ... » سورة الدخان: 58.
(2) فى المصحف: (44) سورة الدخان مكية وآياتها 59 نزلت بعد سورة الزخرف وسميت سورة الدخان لقوله فيها: «فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ» سورة الدخان: 10.(3/815)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم- 1- وَالْكِتابِ الْمُبِينِ- 2- يعني البين ما فيه إِنَّا أَنْزَلْناهُ يعني القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، إلى السفرة من الملائكة وهم الكتبة، وكان ينزل من اللوح المحفوظ كل ليلة قدر فينزل الله- عز وجل- من القرآن إلى السماء الدنيا، على قدر ما ينزل به جبريل- عليه السلام- في السنة إلى مثلها من العام المقبل حتى نزل القرآن كله فى ليلة القدر «1» ، «فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ» «2» : وهي ليلة مباركة، قال، وقال مُقَاتِلُ:
نزل القرآن كله من اللوح المحفوظ إلى السفرة في ليلة واحدة ليلة القدر فقبضه جبريل- صلى الله عليه وسلم- من السفرة في عشرين شهرا، وأداه إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي عشرين سنة وسميت ليلة القدر «ليلة مباركة» «3» لما فيها من البركة والخير، ثم قال: إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ- 3- يعني بالقرآن فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ- 4- يقول يقضي الله في ليلة القدر كل أمر محكم من الباطل ما يكون في السنة كلها إلى مثلها من العام المقبل من الخير والشر والشدة والرخاء والمصائب، يقول الله- تعالى-: كان أَمْراً مِنْ عِنْدِنا يقول
__________
(1) المعنى فى ليالي القدر.
(2) «فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ» ساقطة من أ، ف، ل، ح، م.
(3) «ليلة مباركة» زيادة اقتضاها السياق ليست فى الأصل. [.....](3/817)
كان أمرا منا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ- 5- يعني منزلين هذا القرآن أنزلناه رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لمن آمن به إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لقولهم الْعَلِيمُ- 6- به رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ- 7- بتوحيد الرب- تعالى-،: وحد نفسه فقال: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ يقول يحيي الموتى ويميت الأحياء، هو رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ- 8- بَلْ هُمْ لكن هم فِي شَكٍّ من هذا القرآن يَلْعَبُونَ- 9- يعني لاهون عنه، قوله: فَارْتَقِبْ وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- دعا الله- عز وجل- على كفار قريش فقال:
اللهم أعني عليهم بسبع سنين كسى «1» يوسف، فأصابتهم شدة حتى أكلوا العظام والكلاب والجيف من شدة الجوع، فكان الرجل يرى بينه وبين السماء الدخان من الجوع،
فذلك قوله: «فَارْتَقِبْ» يقول فانتظر يا محمد يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ- 10- يَغْشَى النَّاسَ يعني أهل مكة هَذَا الجوع عَذابٌ أَلِيمٌ- 11- يعني وجيع. ثم إن أبا سفيان بن حرب، وعتبة ابن ربيعة، والعاص بن وائل، والمطعم بن عدي، وسهيل بن عمرو، وشيبة ابن ربيعة، كلهم من قريش، أتوا النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا محمد، استسق لنا، فقالوا: رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ يعني الجوع إِنَّا مُؤْمِنُونَ- 12- يعني إنا مصدقون بتوحيد الرب وبالقرآن أَنَّى لَهُمُ «2» الذِّكْرى
__________
(1) فى أ: كسنين.
(2) فى أ: فسرت الآيات 12، 15، 16، 13، 14 على التوالي. وقد أعدت ترتيبا حسب ورودا فى المصحف.(3/818)
يقول من أين لهم التذكرة يعني الجوع الذي أصابهم بمكة وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ يعني محمدا- صلى الله عليه وسلم- مُبِينٌ- 13- يعني هو بين أمره، جاءهم بالهدى ثُمَّ تَوَلَّوْا «عَنْهُ» «1» يقول ثم أعرضوا عن محمد- صلى الله عليه وسلم- إلى الضلالة وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ- 14- قال ذلك عقبة بن أبي معيط إن محمدا مجنون، وقالوا إنما يعلمه جبر غلام عامر ابن الحضرمي، وقالوا: لئن لم ينته جبر غلام عامر بن الحضرمي «فأوعدوه» «2» لنشترينه من سيده، ثم لنصلينه حتى ينظر هل ينفعه محمد أو يغني عنه شيئا، «بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ» «3» يقول بل هم من القرآن في شك لاهون،
فدعا النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: اللهم اسقنا غيثا مغيثا عاما طبقا مطبقا غدقا ممرعا مريا عاجلا غير ريث نافعا غير ضار، فكشف الله- تعالى- عنهم العذاب،
فذلك قوله: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ يعني الجوع قَلِيلًا إلى يوم بدر إِنَّكُمْ عائِدُونَ- 15- إلى الكفر فعادوا فانتقم الله منهم ببدر فقتلهم، فذلك قوله: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى يعنى العظمى فكانت البطش في المدينة يوم بدر أكثر مما أصابهم من الجوع بمكة، فذلك قوله:
إِنَّا مُنْتَقِمُونَ- 16- بالقتل وضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم وعجل الله أرواحهم الى النار.
__________
(1) «عنه» : ساقطة من النسخ.
(2) «فأعدوه» : زيادة للتوضيح.
(3) فى أ: كرر تفسير الآية 9 مرتين.(3/819)
وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ بموسى- صلى الله عليه- حتى ازدروه كما ازدرى أهل مكة النبي- صلى الله عليه وسلم- لأنه ولد فيهم فازدروه فكان النبي- صلى الله عليه وسلم- فتنة لهم، كما كان موسى- صلى الله عليه- فتنة لفرعون وقومه، فقالت قريش: أنت أضعفنا وأقلنا حيلة فهذا حين ازدروه كما ازدروا موسى- عليه السلام- حين قالوا: « ... أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا» [147 ب] «وليدا ... » «1» فكانت فتنة لهم من أجل ذلك ذكر فرعون دون الأمم، نظيرها في المزمل: «إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا ... » «2» ، قوله: «وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ» كما فتنا قريشا بمحمد- صلى الله عليه وسلم-، لأنهما ولدا في قومهما وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ- 17- يعني الخلق كان يتجاوز ويصفح يعني موسى حين سأل ربه أن يكشف عن أهل مصر الجراد والقمل، فقال موسى لفرعون: أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ يعني أرسلوا معي بني إسرائيل يقول: وخل سبيلهم فإنهم أحرار ولا تستعبدهم إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ من الله أَمِينٌ- 18- فيما بيني وبين ربكم وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ يعني لا تعظموا على الله أن توحدوه إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ- 19- يعني حجة بينة كقوله: «ألا تعلوا على (الله) » يقول ألا تعظموا على الله «إِنِّي آتيكم بسلطان مبين» يعني حجة بينة وهي اليد والعصا فكذبوه، فقال فرعون في «حم» المؤمن: « ... ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى ... » «3» فاستعاذ موسى فقال: وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ
__________
(1) سورة الشعراء: 18.
(2) سورة المزمل: 15.
(3) سورة غافر: 26.(3/820)
يعني فرعون وحده أَنْ تَرْجُمُونِ- 20- يعني أن تقتلون وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ- 21- يقول وإن لم تصدقوني، يعني فرعون وحده، «فاعتزلون» فلا تقتلون، فدعا موسى ربه في يونس فقال: «وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ» «1» يعني «نجنى» «2» وبني إسرائيل «وأرسل» «3» العذاب على أهل مصر، «قوله- تعالى-: فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ يعني أهل مصر» «4» قَوْمٌ مُجْرِمُونَ- 22- فلا يؤمنون فاستجاب الله له فأوحى الله- تعالى- إليه: فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ- 23- يقول يتبعكم فرعون وقومه وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً وذلك أن بني إسرائيل لما قطعوا البحر قالوا لموسى- صلى الله عليه- فرق لنا البحر كما كان فإنا نخشى أن يقطع فرعون وقومه آثارنا فأراد موسى- عليه السلام- أن يفعل ذلك كان الله- تعالى- أوحى إلى البحر أن يطيع موسى- عليه السلام- فقال الله لموسى: «وَاتْرُكِ البحر رهوا» يعني صفوفا، ويقال ساكنا «إِنَّهُمْ» «5» إن فرعون وقومه جُنْدٌ مُغْرَقُونَ- 24- فأغرقهم الله في نهر مصر وكان عرضه يومئذ فرسخين، فقال الله- تعالى-: كَمْ تَرَكُوا من بعدهم يعني فرعون وقومه مِنْ جَنَّاتٍ يعني بساتين وَعُيُونٍ- 25- يعني الأنهار الجارية وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ- 26- يعنى ومساكن حسان وَنَعْمَةٍ
__________
(1) سورة يونس: 86.
(2) فى أ: «هو» .
(3) فى أ: «وأن يرسل» .
(4) العبارة التي بين القوسين « ... » مكررة مرتين فى الأصل.
(5) فى أ: «فإن» .(3/821)
من العيش كانُوا فِيها فاكِهِينَ- 27- يعني أرض مصر معجبين كَذلِكَ يقول هكذا فعلنا بهم في الخروج من مصر، ثم قال:
وَأَوْرَثْناها يعني أرض مصر قَوْماً آخَرِينَ- 28- يعني بني إسرائيل فردهم الله إليها بعد الخروج منها، ثم قال: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وذلك أن المؤمن إذا مات بكى عليه معالم سجوده من الأرض، ومصعد عمله من السماء أربعين يوما وليلة، ويبكيان على الأنبياء ثمانين يوما وليلة، ولا يبكيان على الكافر [148 أ] ، فذلك قوله: «فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ» لأنهم لم يصلوا لله في الأرض ولا كانت لهم أعمال صالحة تصعد إلى السماء لكفرهم وَما كانُوا مُنْظَرِينَ- 29- لم يناظروا بعد الآيات التسع حتى عذبوا بالغرق وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ- 30- يعني الهوان وذلك أن بني إسرائيل آمنت بموسى وهارون، فمن ثم قال فرعون: « ... اقْتُلُوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم ... » فلما هم بذلك قطع الله بهم البحر مع ذرياتهم وذراريهم، وأغرق فرعون ومن معه من القبط، «وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ» يعني الهوان من فرعون من قتل الأبناء، واستحياء النساء يعني البنات، قبل أن يبعث الله- عز وجل- موسى رسولا مخافة أن يكون هلاكهم في سببه من فرعون، للذي أخبره به الكهنة أنه يكون، وأنه يغلبك على ملكك، ثم قال: مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً عن التوحيد مِنَ الْمُسْرِفِينَ- 31- يعني من المشركين، ثم رجع إلى بني إسرائيل فقال: وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ علمه الله- عز وجل- منهم عَلَى الْعالَمِينَ- 32- يعني عالم ذلك الزمان وَآتَيْناهُمْ(3/822)
يقول وأعطيناهم مِنَ الْآياتِ حين فلق لهم البحر وأهلك عدوهم فرعون، وظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المن السلوى، والحجر والعمود والتوراة، فيها بيان كل شيء، فكل هذا الخير ابتلاهم الله به فلم يشكروا ربهم، فذلك قوله:
«وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ» ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ- 33- يعني النعم «البينة» «1» .
كقوله: «إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ» «2» يعني النعم «البينة» «3» . قوله:
إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ- 34- يعني «كفار مكة» «4» إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال لهم إنكم تبعثون من بعد الموت فكذبوه، فقالوا إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا
وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ- 35- يعني بمبعوثين من بعد الموت، ثم قال: فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 36- أنا نحيا من بعد الموت، وذلك أن أبا جهل بن هشام قال في الرعد يا محمد إن كنت نبيا فابعث لنا رجلين أو ثلاثة ممن مات من آبائنا منهم قصي بن كلاب فإنه كان صادقا، وكان إمامهم «5» فنسألهم فيخبرونا عن ما هو كائن بعد الموت أحق ما تقول أم باطل؟ إن كنت صادقا بأن البعث حق، نظيرها في الجاثية قوله: «وَقالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ ... » «6» وَمَا البعث بحق. فخوفهم الله- تعالى- بمثل عذاب الأمم الخالية
__________
(1) فى أ: البين، ف: البينة. [.....]
(2) سورة الصافات: 106.
(3) وردت فى أ، ف: «البين» .
(4) فى الأصل: «كفار» .
(5) كذا فى أ، ف، والمراد وكان امام قومه ورئيسهم.
(6) سورة الجاثية: 24.(3/823)
فقال: أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ لأن قوم تبع أقرب [148 ب] في الهلاك إلى كفار مكة وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم الخالية أَهْلَكْناهُمْ بالعذاب إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ- 37- يعني مذنبين مقيمين على الشرك منهمكين عليه، قوله: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ- 38- يعني عابثين لغير شيء يقول لم أخلقهما باطلا ولكن خلقتهما لأمر هو كائن «مَا خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ» «1» وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يعني كفار مكة لا يَعْلَمُونَ- 39- أنهما لم يخلقا باطلا، ثم خوفهم فقال: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ يعني يوم «القضاء» «2» مِيقاتُهُمْ يعني ميعادهم أَجْمَعِينَ- 40- يَوْمَ يعني يوم القيامة يقول: يوافي يوم القيامة الأولون والآخرون «وهم يوم الجمعة» هذه الأمة وسواهم من الأمم الخالية، ثم نعت الله- تعالى- ذلك اليوم فقال: «يَوْمَ» لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وهم الكفار يقول يوم لا يغني ولي عن وليه يقول لا يقدر قريب لقرابته الكافر شيئا من المنفعة وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ
- 41- يقول ولا هم يمنعون من العذاب ثم استثنى المؤمنين فقال: إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ من المؤمنين فإنه يشفع لهم إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ في نقمته من أعدائه الذين لا شفاعة لهم الرَّحِيمُ- 42- بالمؤمنين الذين استثنى في هذه الآية، قوله: إِنَّ «شَجَرَةَ» «3» الزَّقُّومِ- 43- طَعامُ الْأَثِيمِ- 44- يعني الآثم بربه فهو أبو جهل بن هشام وفي قراءة ابن مسعود «طعام الفاجر» كَالْمُهْلِ يعني الزقوم أسود غليظ كدردي
__________
(1) «ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ» : ساقطة من أ، ف.
(2) فى ف زيادة: «يعنى القيامة» .
(3) فى أ: «سجرت» ، وفى رسم المصحف: «شحرت» .(3/824)
الزيت يَغْلِي فِي الْبُطُونِ- 45- كَغَلْيِ الْحَمِيمِ- 46- يعني الماء الحار بلسان بربر وأفريقية الزقوم يعنون التمر والزبد، زعم ذلك عبد الله بن الزبعري السهمي، وذلك أن أبا جهل قال لهم: إن محمدا يزعم أن النار تنهت الشجر وإنما النار تأكل الشجر، فما الزقوم عندكم؟ فقال عبد الله بن الزبعري:
التمر والزبد. فقال أبو جهل بن هشام: يا جارية، ابغنا تمرا وزيدا. فقال: تزقموا.
«يقول» «1» الله- عز وجل- للخزنة: خُذُوهُ يعني أبا جهل فَاعْتِلُوهُ يقول فادفعوه على وجهه إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ- 47- يعني وسط الجحيم وهو الباب السادس من النار، ثم قال: ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ أبي جهل وذلك أن الملك من خزان جهنم يضربه على رأسه بمقمعة من حديد فينقب عن دماغه فيجري دماغه على جسده ثم يصب الملك في النقب ماء حميما قد انتهى حره فيقع في بطنه، ثم يقول له الملك: ذُقْ العذاب أيها المتعزز المتكرم، يونجه ويصغره، بذلك فيقول: إِنَّكَ زعمت في الدنيا أَنْتَ الْعَزِيزُ يعني المنيع الْكَرِيمُ- 49- يعني المتكرم، قال: فكان أبو جهل يقول في الدنيا أنا أعز قريش وأكرمها، فلما [149 أ] ذاق شدة العذاب في الآخرة قال له الملك: إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ- 50- يعني تشكون في الدنيا أنه غير كائن فهذا مستقر الكفار، ثم ذكر مستقر المؤمنين فقال: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ- 51- فى مساكن آمنين من الخوف والموت ي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
- 52- يعني بساتين وأنهار جارية يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ يعني الديباج مُتَقابِلِينَ- 53- في الزيارة كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ
__________
(1) فى أ، ف: «فقال» .(3/825)
يعني بيض الوجوه عِينٍ- 54- يعني حسان العيون، ثم أخبر عنهم فقال:
يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ من ألوان الفاكهة آمِنِينَ- 55- من الموت لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ أبدا إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى التي كانت في الدنيا وَوَقاهُمْ يعني الرب- تعالى- عَذابَ الْجَحِيمِ- 56- ذلك الذي ذكر في الجنة كان: فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ- 57- يعني الكبير يعني النجاة «العظيمة» «1» ، قوله: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ يعني القرآن يقول هوناه على لسانك لَعَلَّهُمْ يقول لكي يَتَذَكَّرُونَ- 58- فيؤمنوا بالقرآن فلم يؤمنوا به يقول الله- تعالى- فَارْتَقِبْ يقول انتظر بهم العذاب إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ- 59- يعني «منتظرون» «2» بهم العذاب.
__________
(1) فى أ: «العظيم» .
(2) من ف: وفى أ: «إنا منتظرون» .(3/826)
سورة الجاثية(3/827)
[سورة الجاثية (45) : الآيات 1 الى 37]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)
وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (9)
مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (10) هَذَا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11) اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (14)
مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (16) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19)
هَذَا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (22) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23) وَقالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (24)
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ مَا كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (26) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (34)
ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)(3/829)
سورة الجاثية»
سورة الجاثية مكية عددها سبع وثلاثون آية كوفى «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
بيان حجة التوحيد، والشكاية من الكفار والمتكبرين وبيان النفع والضر، والإساءة والإحسان وبيان شريعة الإسلام والإيمان، وتهديد العصاة والخائنين من أهل الإيمان، وذم متابعي الهوى، وذل الناس فى المحشر، ونسخ كتب الأعمال من اللوح المحفوظ وتأييد الكفار فى النار، وتحميد الرب المتعالي بأوجز لفظ وأفصح- مقال: فى قوله: «فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ ... »
سورة الجاثية: 36- 37 إلى آخر السورة.
(2) فى المصحف: (45) سورة الجاثية مكية، إلا آية 14 فمدنية وآياتها 37 نزلت بعد سورة الدخان.
ولها اسمان سورة الجاثية لقوله: «وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً» : 28 وسورة الشريعة لقوله: «ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ ... » 18.(3/833)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم- 1- تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ في ملكه الْحَكِيمِ- 2- في أمره إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وهما خلقان عظيمان لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ- 3- يعني المصدقين بتوحيد الله- عز وجل- «وَفِي خَلْقِكُمْ يعني وفي خلق أنفسكم إذ كنتم نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما لحما، ثم الروح «1» وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ يقول وما يخلق من دابة آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ- 4- «بتوحيد الله» «2» وَفى اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وهما آيتان وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ يعني المطر فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها فأنبتت وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ في الرحمة والعذاب ففي هذا كله آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ- 5- بتوحيد الله- عز وجل- ثم رجع إلى أول السورة فى التقديم فقال: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ يعني تلك آيات القرآن نَتْلُوها عَلَيْكَ يا محمد بِالْحَقِّ فإن لم يؤمنوا بهذا القرآن فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ يعنى بعد توحيد الله وَبعد آياتِهِ يعني بعد آيات القرآن يُؤْمِنُونَ- 6- يعني يصدقون.
وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ يعني كذاب أَثِيمٍ- 7- يقول آثم بربه، وكذبه أنه قال إن القرآن أساطير الأولين يعنى حديث رستم واسفندباز يعنى
__________
(1) كذا فى ف، والمراد: «ثم نفخ الروح» . [.....]
(2) الآية: ساقطة من أ، وهي من ف.(3/835)
النضر بن الحارث القرشي [149 ب] من بني عبد الدار يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ يعنى القرآن تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً يعني يصر يقيم على الكفر بآيات القرآن فيعرض عنها متكبرا يعني عن الإيمان بآيات القرآن كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها يعني آيات القرآن وما فيه فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ- 8- يعني وجيع، فقتل ببدر، ثم أخبر عن النضر بن الحارث فقال: وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً
يقول إذا سمع من آيات القرآن شيئا اتَّخَذَها هُزُواً يعني استهزاء بها، وذلك أنه زعم أن حديث القرآن مثل حديث رستم واسفندباز أُولئِكَ لَهُمْ يعني النضر بن الحارث وأصحابه وهم قريش عَذابٌ مُهِينٌ- 9- يعني القرآن في الدنيا يوم بدر، ثم قال: مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ يعني النضر بن الحارث يقول لهم في الدنيا القتل ببدر ومن بعده أيضا لهم جهنم في الآخرة وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئاً يقول لا تغني عنهم أموالهم التي جمعوها من جهنم شيئا وَلا يغني عنهم من جهنم مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ يقول ما عبدوا من دون الله من الآلهة وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ- 10- يعني كبير لشدته هَذَا هُدىً يقول هذا القرآن بيان يهدي من الضلالة وَالَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة بِآياتِ رَبِّهِمْ يعني القرآن لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ- 11- يقول لهم عذاب من العذاب الوجيع في جهنم، ثم ذكرهم النعم فقال: اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ يقول لكي تجري السفن في البحر بِأَمْرِهِ يعني بإذنه «وَلِتَبْتَغُوا» «1» ما في البحر مِنْ فَضْلِهِ يعني الرزق وَلَعَلَّكُمْ يعني ولكي تَشْكُرُونَ- 12- الله فى
__________
(1) فى أ: «ولكي تبتغوا» : ولكي تبتغوا.(3/836)
هذه النعم فتوحدوه وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ يعني من الله إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ- 13- في صنع الله فيوحدونه قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا يعني يتجاوزوا نزلت في عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وذلك أن رجلا من كفار مكة شئتم عمر بمكة، فهم عمر أن يبطش به فأمره الله بالعفو والتجاوز فقال: «قُلْ لِلَّذِينَ آمنوا» يعني عمر «يَغْفِرُوا» يعني يتجاوزوا «لِلَّذِينَ» «1» لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ يعني لا يخشون عقوبات الله مثل عذاب الأمم الخالية فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله، يقول جزاؤه على الله، ثم نسخ العفو والتجاوز آية السيف في براءة « ... فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ «2» ... » ، قوله: «3» لِيَجْزِيَ بالمغفرة قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ- 14- يعنى يعملون فى الخير مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ العمل فَعَلَيْها يقول إساءته على نفسه ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ [150 أ] تُرْجَعُونَ- 15- في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم، قوله: وَلَقَدْ آتَيْنا يعنى أعطينا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ يعني التوراة وَالْحُكْمَ يعني الفهم الذي في التوراة والعلم وَالنُّبُوَّةَ وذلك أنه كان فيهم ألف نبي أولهم موسى، وآخرهم عيسى- عليهم السلام- وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ يعنى الحلال من الرزق: المن والسلوى وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ- 16- يعني عالمي ذلك الزمان بما أعطاهم الله من التوراة فيها تفصيل كل شيء، والمن والسلوى،
__________
(1) فى أ: «عن الذين» ، وفى حاشية أ: التلاوة، «للذين» .
(2) فى أ: «اقتلوا المشركين» فصوبتها وهي فى سورة التوبة: 5.
(3) فى أ: «فذلك قوله» .(3/837)
والحجر، والغمام، وعمودا كان يضيء لهم إذا ساروا بالليل، وأنبت معهم ثيابهم لا تبلى، ولا تخرق، وظللنا عليهم الغمام وفضلناهم على العالمين في ذلك الزمان، ثم قال: وَآتَيْناهُمْ آيات بَيِّناتٍ واضحات مِنَ الْأَمْرِ يعني أبين لهم فى التوراة من الحلال والحرام والسنة وبيان ما كان قبلهم، ثم اختلفوا في الدين بعد يوشع بن نون فآمن بعضهم وكفر بعضهم «فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا» «1» مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ يعني البيان بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ- 17- يعني في الدين يختلفون، «قوله: ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ يعني بينات من الأمر وذلك أن كفار قريش قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- ارجع إلى ملة أبيك عبد الله، وجدك عبد المطلب، وسادة قومك، فأنزل الله «ثُمَّ جعلناك على شريعة من الأمر» يعني بينة من الأمر يعني الإسلام فَاتَّبِعْها يقول الله- تعالى- لنبيه- صلى الله عليه وسلم- اتبع هذه الشريعة وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ- 18- توحيد الله يعني كفار قريش فيستزلونك عن أمر الله» «2» قوله- تعالى-: إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ يوم القيامة يعني مشركي مكة بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ- 19- الشرك هَذَا القرآن بَصائِرُ لِلنَّاسِ يقول هذا القرآن بصيرة للناس من الضلالة وَهو هُدىً من الضلالة وَرَحْمَةٌ من العذاب لمن آمن به لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ- 20- بالقرآن أنه من الله- تعالى-
__________
(1) «فما اختلفوا إلا» : من ساقطة من أ.
(2) تفسير الآية (18) من ف، وهو مبتور فى أ.(3/838)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ
وذلك أن الله أنزل أن للمتقين عند ربهم في الآخرة جنات النعيم، فقال كفار مكة بنو عبد شمس بن عبد مناف بمكة لبني هاشم ولبني عبد المطلب بن عبد مناف للمؤمنين منهم: إنا نعطى في الآخرة من الخير مثل ما تعطون، فقال الله- تعالى-: «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ» يعني الذين عملوا الشرك يعني كفار بني عبد شمس أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
من بني هاشم، وبني المطلب، منهم حمزة، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث، وعمر بن الخطاب سَواءً مَحْياهُمْ
في نعيم الدنيا
وَسواء مَماتُهُمْ
فى نعيم الآخرة ساءَ ما يَحْكُمُونَ
- 21- يقول بئس ما يقضون من الجور «حين يرون» «1» أن لهم في الآخرة ما للمؤمنين، في الآخرة الدرجات في الجنة ونعيمها «للمؤمنين» «2» ، والكافرون فى النار يعذبون «3» [150 ب] .
قوله: وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يقول لم أخلقهما عبثا لغير شيء، ولكن خلقتهما لأمر هو كائن وَلِتُجْزى يقول ولكي تجزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ يعني بما عَمِلَتْ في الدنيا من خير أو شر وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ- 22- في أعمالهم يعني لا ينقصون من حسناتهم، ولا يزاد في سيئاتهم.
قوله أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ يعني الحارث بن قيس السهمي اتخذ إلهه هوى، وكان من المستهزئين وذلك أنه هوى الأوثان فعبدها وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ
__________
(1) «حين يرون» : من ف، وليس فى أ.
(2) «للمؤمنين» : زيادة اقتضاها السياق.
(3) العبارة ركيكة فى أ، ف وجميع النسخ.(3/839)
علمه فيه وَخَتَمَ يقول وطبع عَلى سَمْعِهِ فلا يسمع الهدى وَعلى قَلْبِهِ فلا يعقل الهدى وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً يعني الغطاء فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ إذ أضله الله أَفَلا يعني أفهلا تَذَكَّرُونَ- 23- فتعتبروا في صنع الله فتوحدونه وَقالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا يعني نموت نحن، ويحيا آخرون، فيخرجون من أصلابنا، فنحن كذلك فما نبعث أبدا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ يقول وما يميتنا إلا طول العمر، وطول اختلاف الليل والنهار، ولا نبعث يقول الله- تعالى-:
وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ بأنهم لا يبعثون إِنْ هُمْ يقول ما هم إِلَّا يَظُنُّونَ- 24- ما يستيقنون وبالظن تكلموا على غيرهم أنهم لا يبعثون وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا يعني القرآن بَيِّناتٍ يعني واضحات «من الحلال والحرام» «1» ما كانَ حُجَّتَهُمْ حين خاصموا النبي- صلى الله عليه وسلم- في الرعد حين قالوا سير لنا الجبال، وسخر لنا الرياح، وابعث لنا رجلين أو ثلاثة من قريش من آبائنا، منهم قصي بن كلاب فإنه كان صدوقا وكان إمامهم، فنسألهم عما تخبرنا به أنه كائن بعد الموت، فذلك قوله- تعالى-: «مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ» إِلَّا أَنْ قالُوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 25- هذا قول أبي جهل للنبي- صلى الله عليه وسلم- قال: ابعث لنا رجلين أو ثلاثة إن كنت من الصادقين بأن البعث حق، قال الله- تعالى- قُلِ لهم يا محمد اللَّهُ يُحْيِيكُمْ حين كانوا نطفة
__________
(1) فى أ: «من الحلال والحرام» .(3/840)
ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عند أجالكم ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ أولكم وآخركم لا رَيْبَ فِيهِ يقول لا شك فيه يعني البعث أنه كائن وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ- 26- أنهم يبعثون في الآخرة، ثم عظم الرب نفسه عما قالوا، أنه لا يقدر على البعث، فقال: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يعنى يوم القيامة يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ- 27- يعني المكذبين بالبعث وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً على الركب عند الحساب يعني كل نفس كُلَّ أُمَّةٍ [151 أ] تُدْعى إِلى كِتابِهَا الذي عَمِلَتْ في الدنيا من خير أو شر، ثم يجزون بأعمالهم، فذلك قوله: الْيَوْمَ يعني في الآخرة تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 28- في الدنيا هَذَا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ من اللوح المحفوظ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 29- قبل أن تعملونها.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي الْهُذَيْلُ عَنْ مُقَاتِلٍ، قَالَ:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لا تَكُونُ نُسْخَةٌ إِلا مِنْ كِتَابٍ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ «رَبُّهُمْ» «1» فِي رَحْمَتِهِ يَعْنِي فِي جَنَّتِهِ ذلِكَ الدُّخُولُ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ- 30- وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فيقول لهم الرب- تعالى: أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي يعني القرآن تُتْلى عَلَيْكُمْ «يقول» «2» تقرأ عليكم فَاسْتَكْبَرْتُمْ يعنى تكبرتم عن الإيمان بالقرآن
__________
(1) «ربهم» : ساقطة من الأصل.
(2) فى أ: «يوم» ، وفى ف: «يقول» .(3/841)
وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ- 31- يعني مذنبين مشركين قوله: وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ قال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم-: إن البعث حق وَالسَّاعَةُ يعني القيامة لا رَيْبَ فِيها يعني لا شك فيها أنها كائنة قُلْتُمْ يا أهل مكة مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ يعني ما نظن إِلَّا ظَنًّا على غير يقين «وَما نَحْنُ» «1» بِمُسْتَيْقِنِينَ- 32- بالساعة أنها كائنة وَبَدا لَهُمْ يقول وظهر لهم في الآخرة سَيِّئاتُ يعني الشرك مَا عَمِلُوا في الدنيا حين شهدت عليهم الجوارح وَحاقَ يقول ووجب العذاب بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ بالعذاب يَسْتَهْزِؤُنَ- 33- أنه غير كائن وقال لهم الخزنة في الآخرة:
وَقِيلَ «الْيَوْمَ» «2» نَنْساكُمْ يقول نترككم في العذاب كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا يقول كما تركتم إيمانا بهذا اليوم يعني البعث وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ- 34- يعنى ما نعين من النار ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ يقول إنما نزل بكم العذاب في الآخرة بأنكم اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ يعني كلام الله هُزُواً يعني استهزاء حين قالوا ساحر، وشاعر، وأساطير الأولين وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا عن الإسلام فَالْيَوْمَ في الآخرة لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ- 35-.
قوله: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ يقول الشكر لله رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ- 36- يعني «القيامة» «3» وَلَهُ الْكِبْرِياءُ يعني العظمة
__________
(1) فِي أ: «وما هم» ، وفى حاشية أالآية: «وما نحن» . [.....]
(2) فى أ، ف: «فاليوم» .
(3) فى أ: «ألف أمة» ، وفى ف: «القيامة» .(3/842)
فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ في ملكه الْحَكِيمُ- 37- في أمره وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ يعني العظمة والسلطان، والقوة والقدرة فى السموات والأرض وَهُوَ الْعَزِيزُ في ملكه- الْحَكِيمُ- في أمره الذي حكم.
تم بحمد الله الجزء الثالث من تفسير مقاتل بن سليمان ويليه الجزء الرابع وأوله تفسير سورة الأحقاف(3/843)
[الجزء الرابع]
سورة الأحقاف(4/5)
(46) سورة الأحقاف وآياتها خمس وثلاثون(4/7)
[سورة الأحقاف (46) : الآيات 1 الى 35]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (4)
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (5) وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (6) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً مَا سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (12) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (14)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (16) وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (18) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (19)
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هَذَا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (24)
تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (26) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (28) وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29)
قالُوا يَا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (32) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34)
فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (35)(4/8)
[سورة الأحقاف «1» ] [151 ب] سورة الأحقاف مكية عددها خمس وثلاثون آية كوفى «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
إلزام الحجة على عبادة الأصنام، والأخبار عن تناقض كلام المتكبرين، وبيان نبوة سيد المرسلين وتأكيد ذلك بحديث موسى، والوصية بتعظيم الوالدين، وتهديد المتنعمين والمترفين والإشارة إلى إهلاك عاد العادين والإشارة إلى الدعوة وإسلام الجن، وإتيان يوم القيامة فجأة واستقلال لبث اللابثين فى قوله: ... لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ ... سورة الأحقاف: 35.
(2) فى أ: خمسة.
وفى المصحف: (46) سورة الأحقاف مكية إلا الآيات: 10، 15، 35 فمدنية وآياتها 35 نزلت بعد سورة الجاثية.(4/13)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم- 1- تَنْزِيلُ الْكِتابِ يقول قضاء نزول الكتاب يعني القرآن مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ في ملكه الْحَكِيمِ- 2- في أمره ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما يعني الشمس والقمر والنجوم والسحاب والرياح إِلَّا بِالْحَقِّ لم أخلقهما باطلا عبثا لغير شيء خلقتهما لأمر هو كائن، ثم قال:
وَأَجَلٍ مُسَمًّى يقول خلقتهم «1» لأجل مسمى ينتهي إليه يعني يوم القيامة فهو الأجل المسمى. ثم قال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة عَمَّا أُنْذِرُوا في القرآن من العذاب مُعْرِضُونَ- 3- فلا يتفكرون قُلْ يا محمد لأهل مكة أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ يعنى تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة يعني الملائكة أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ يعني الأرض كخلق الله إن كانوا آلهة، ثم قال:
أَمْ لَهُمْ يقول ألهم شِرْكٌ مع الله فِي ملك السَّماواتِ كقوله ... ما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ ... «2» ولا فى سلطانه ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ يقول أو رواية «تعلمونها» «3» من الأنبياء قبل هذا القرآن بأن له شريكا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 4- يعني اللات والعزى ومناة بأنهن له شركاء وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا يقول فلا أحد أضل من يعبد مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة
__________
(1) كذا فى أ، والأنسب «خلقتهما» .
(2) سورة سبأ: 22.
(3) فى أ: «تعلمونه» ، ف: «تعلمونه» .(4/15)
مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ أبدا إذا دعاه يقول لا تجيبهم الآلهة يعني الأصنام بشيء أبدا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثم قال: وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ- 5- يعني الآلهة غافلون عن من يعبدها، فأخبر الله عنها فى الدنيا، ثم أخبر في الآخرة فقال: وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ في الآخرة يقول إذا جمع الناس في الآخرة كانُوا لَهُمْ أَعْداءً يقول كانت الآلهة أعداء لمن يعبدها وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ- 6- يقول تبرأت الآلهة من عبادتهم إياها، فذلك قوله:
فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً ... إلى قوله: ... لَغافِلِينَ فى يونس «1» ، قوله: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا يعني القرآن بَيِّناتٍ يقول بيان الحلال والحرام قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة لِلْحَقِّ لَمَّا «جاءَهُمْ» «2» هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ- 7- يقول القرآن حين جاءهم قالوا هذا سحر مبين أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ وذلك أن كفار مكة قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- ما هذا القرآن إلا شيء ابتدعته من تلقاء نفسك؟ أيعجز الله أن يبعث نبيا غيرك؟ - وأنت أحقرنا وأصغرنا وأضعفنا ركنا [152 أ] وأقلنا حلية- أو يرسل ملكا، إن هذا الذي جثت به لأمر عظيم فقال الله- عز وجل- لنبيه- صلى الله عليه وسلم- قُلْ لهم: يا محمد، إِنِ افْتَرَيْتُهُ من تلقاء نفسي فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً «يقول لا تقدرون أن تردوني» «3» من عذابه هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ يقول الله أعلم بما تقولون في القرآن كَفى بِهِ شَهِيداً يقول فلا شاهد أفضل من
__________
(1) سورة يونس: 29 وتمامها: فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ.
(2) وردت فى الأصل: «جاء» .
(3) أ، ف: «لا تقدرون تردوننى» .(4/16)
الله بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ بأن القرآن جاء من الله وَهُوَ الْغَفُورُ في تأخير العذاب عنهم الرَّحِيمُ- 8- حين لا يعجل عليهم بالعقوبة، وأنزل في قول كفار مكة أما وجد الله رسولا غيرك، «قوله- تعالى «1» -» قُلْ لهم يا محمد:
مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ
فقال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم-: ما أنا بأول رسول بعث، قد بعث قبلي رسل كثير
وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ أيرحمني وإياكم، أو يعذبني وإياكم؟ إِنْ أَتَّبِعُ يقول: ما أتبع إِلَّا مَا يُوحى إِلَيَّ من القرآن يقول إذا أمرت بأمر فعلته ولا أبتدع ما لم أومر به «وَما» «2» أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ- 9- يعني نذير بين هي منسوخة نسختها إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ... «3» إلى آخر الآيات «4» قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وذلك
أن خمسين رجلا من اليهود أتوا النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- وعنده عبد الله بن سلام، من وراء الستر لا يرونه، قد آمن بالنبي- صلى الله عليه وسلم-، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لليهود: «ألستم» «5» تعلمون أن عبد الله بن سلام سيد كم وأعلمكم؟ قالوا: بلى ومنه نقتبس، وإنا لا نؤمن بك
__________
(1) فى أ: «يقول الله- تعالى-» .
(2) فى أ: «إن» .
(3) لا تعارض بين الآيتين، وحقيقة النسخ غير موجودة هنا، وانظر ما كتبته فى «النسخ عند مقاتل» .
(4) فى أ، ف: «إلى آخر الآية» ، والصواب ما ذكرته لأن إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً آية كاملة. [.....]
(5) فى أ: «ألست» .(4/17)
حتى «يتبعك» «1» عبد الله بن سلام، وعبد الله بن سلام يسمع فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: أرأيتم إن اتبعني عبد الله بن سلام وآمن بي أفتؤمنون بي؟ فقال بعضهم: نعم. قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: فمن أعلمكم بعد عبد الله ابن سلام؟ فقالوا: سلام بن صوريا الأعور. فأرسل إليه النبي- صلى الله عليه وسلم- فأتاه، فقال: أنت أعلم اليهود. فقال عبد الله: أعلم مني. قال:
فمن أعلم اليهود بعد عبد الله؟ فسكت، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: أنت أعلم اليهود بعد عبد الله. قال: كذلك يزعمون. قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: فإني أدعوكم إلى الله وإلى عبادته ودينه. «قالوا» «2» : لن نتبعك وندع دين موسى، فخرج عبد الله بن سلام من الستر. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: هذا عبد الله قد آمن بي. فجادلهم عبد الله بن سلام مليا، فجعل يخبرهم ببعث النبي- صلى الله عليه وسلم- وصفته في التوراة،
فقال ابن صوريا:
إن عبد الله بن سلام شيخ كبير قد ذهب عقله ما يتكلم إلا بما يجيء على لسانه، فذلك قوله:
«قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ» [152 ب] وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ يعني عبد الله بن سلام عَلى مِثْلِهِ يعني على مثل ما شهد عليه يامين بن يامين، كان أسلم قبل عبد الله بن سلام وكان يا مين من بني إسرائيل من أهل التوراة فَآمَنَ بالنبي «3» - صلى الله عليه وسلم- يقول فأمن وَاسْتَكْبَرْتُمْ يقول صدق ابن سلام بالنبي- صلى الله عليه وسلم-
__________
(1) فى أ: «يبيعك» .
(2) فى أ: «قال» ، ف: «قالوا» .
(3) فى أ: (فآمن) «يقول. بالنبي» .. وقد حذفت كلمة «يقول» .(4/18)
واستكبرتم أنتم عن الهدى «وعن» «1» الإيمان يعني اليهود إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ- 10- يعني اليهود إلى الحجة مثلها في براءة «2» ، ثم رجع إلى كفار مكة فقال: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة لِلَّذِينَ آمَنُوا لخزاعة: لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وذلك أنهم قالوا لو كان الذي جاء به محمد حقا: أن القرآن من الله ما سبقونا يقول ما سبقنا إلى الإيمان به أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم- وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا هم بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا القرآن إِفْكٌ يعني كذب قَدِيمٌ- 11- من محمد- صلى الله عليه وسلم- يقول الله- تعالى-: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى ومن قبل هذا القرآن كذبوا بالتوراة لقولهم ... إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ «3» في القصص، ثم قال: إِماماً لمن اهتدى به وَرَحْمَةً من العذاب لمن اهتدى به وَهذا القرآن كِتابٌ مُصَدِّقٌ للكتب التي كانت قبله «لِساناً عَرَبِيًّا» «4» يقول أنزلناه قرآنا «عربيا» «5» ليفقهوا ما فيه «لِيُنْذِرَ» «6» بوعيد القرآن الَّذِينَ ظَلَمُوا من كفار مشركي مكة وَهذا القرآن بُشْرى لما فيه من الثواب لمن آمن به «لِلْمُحْسِنِينَ» «7» - 12- يعني الموحدين إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ فعرفوا ثُمَّ اسْتَقامُوا على المعرفة بالله ولم
__________
(1) فى الأصل: «عن» .
(2) سورة التوبة 19: ... وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، 109 ... وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
(3) سورة القصص: 48.
(4) فى أ: «بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ» وفى حاشية أ: التلاوة «لِساناً عَرَبِيًّا» .
(5) «عربيا» : من ف، وليست فى أ.
(6) فى أ: «لتنذر» .
(7) فى أ، ف: (وهم «المحسنون» ) .(4/19)
يرتدوا عنها فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من العذاب وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ- 13- من الموت، ثم أخبر بثوابهم فقال: أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها لا يموتون جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ- 14-.
قوله: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً يعني برا بهم نزلت فِي أَبِي بَكْر الصِّدِّيق- رَضِيَ اللَّه عنه- ابن أبي قحافة، وأم أبى بكر بن أبي قحافة واسمها أم الخير بنت صخر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً يعني حملته في مشقة ووضعته في مشقة وَحَمْلُهُ في البطن تسعة أشهر وَفِصالُهُ من اللبن «واحدا وعشرين «1» شهرا» فهذا ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ ثماني عشرة سنة وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فهو في القوة والشدة من ثماني عشرة سنة إلى أربعين سنة فلما بلغ أبو بكر أربعين سنة، صدق بالنبي- صلى الله عليه وسلم- قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي يقول ألهمني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ بالإسلام وَعَلى والِدَيَّ يعنى أبا قحافة ابن عمرو بن كعب بن سعد [153 ا] ابن تيم بن مرة وأمه: أم الخير بنت صخر بن عمرو، ثم قال: وَألهمنى أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي يقول واجعل أولادي مؤمنين فأسلموا أجمعين نظيرها في المؤمن «2» قوله: ... وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ ... «3» يقول: من آمن، ثم قال أبو بكر: إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ من الشرك وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ- 15- يعنى من المخلصين بالتوحيد،
__________
(1) فى أ: «أحد وعشرون» ، وفى ف: «أحد وعشرين» .
(2) تسمى سورة المؤمن وسورة غافر.
(3) سورة غافر: 8. [.....](4/20)
ثم نعت المسلمين فقال: أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا يقول نجزيهم بإحسانهم ولا نجزيهم بمساوئهم، والكفار يجزيهم بإساءتهم ويبطل إحسانهم لأنهم عملوا ما ليس بحسنة، ثم رجع إلى المؤمنين فقال: وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ ولا يفعل ذلك بالكفار فِي يعني مع أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ يعني وعد الحق وهو الجنة الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ- 16- وعدهم الله- تعالى- الجنة في الآخرة على ألسنة الرسل فى الدنيا، «وقوله» «1» : وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ فهو عبد الرحمن بن أبي بكر وأمه رومان «بنت عمرو» «2» بن عامر الكندي دعاه أبواه إلى الإسلام وأخبراه بالبعث بعد الموت، فقال لوالديه: أُفٍّ لَكُما يعني قبحا لكما الرديء من الكلام أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ من الأرض يعني أن «يبعثني» «3» بعد الموت وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي يعنى الأم الخالية فلم أر أحدا منهم يبعث، فأين عبد الله بن جدعان؟ وأين عثمان بن عمرو؟
وأين عامر بن عمرو؟ كلهم من قريش وهم أجداده، فلم أر أحدا منهم أتانا.
فقال أبواه: اللهم اهده، اللهم «أقبل بقلبه «4» إليك» اللهم تب عليه، فذلك قوله: وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ يعني يدعوان الله له بالهدى، أن يهديه ويقبل بقلبه، ثم يقولان: وَيْلَكَ آمِنْ صدق بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال «إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ» «5» فَيَقُولُ عبد الرحمن:
__________
(1) فى الأصول: «قوله» .
(2) فى أ: «ابنت» ، وفى ف: «بنت» .
(3) فى أ: «يبعثني» ، وفى ف: «يبعثن» .
(4) فى ا، ف: «اللهم أقبل بقلبه» .
(5) «إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ» : ساقط من ا، ف.(4/21)
ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ- 17- ما هذا الذي تقولان إلا كأحاديث الأولين وكذبهم «1» يقول الله- تعالى-: أُولئِكَ النفر الثلاثة الَّذِينَ ذكرهم عبد الرحمن حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ يقول وجب عليهم العذاب فِي أُمَمٍ يعني مع أمم قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ من كفار الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ- 18-. «وقوله» «2» - تعالى-: وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا يعنى فضائل بأعمالهم وَلِيُوَفِّيَهُمْ مجازاة أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ- 19- فى أعمالهم. «وقوله» «3» : وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني كفار مكة عَلَى النَّارِ حين كشف الغطاء عنها لهم فينظرون إليها يعني كفار مكة فيقال لهم: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ يعني الرزق والنعمة التي كنتم فيها فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا ولم تؤدوا [153 ب] شكرها وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها
يعني بالطيبات فلا نعمة لكم «فَالْيَوْمَ» «4» تُجْزَوْنَ في الآخرة بأعمالكم الخبيثة عَذابَ الْهُونِ يعني عذاب الهوان بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ يعني بما كنتم تتكبرون فِي الْأَرْضِ عن الإيمان فتعملون فيها بِغَيْرِ الْحَقِّ يعني بالمعاصي وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ- 20- يعنى تعصون. «وقوله» «5» :
وَاذْكُرْ يا محمد لأهل مكة أَخا عادٍ في النسب وليس بأخيهم في الدين
__________
(1) وقد أسلم عبد الرحمن بن أبى بكر بعد ذلك، وحسن إسلامه، وروى عن السيدة عائشة- رضى الله عنها- أنها أنكرت أن تكون هذه الآية نزلت فى أخيها، وذكرت أنها نزلت فى رجل آخر سواء.
(2، 3) فى الأصل: «قوله» .
(4) فى أ: «اليوم» ، وفى حاشية أ: (الآية «فاليوم» ) ، وفى ف: «اليوم» .
(5) فى الأصل: «قوله» .(4/22)
يعنى «هود» «1» النبي- صلى الله عليه وسلم- إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ والأحقاف الرمل عند «دك «2» الرمل» باليمن في حضرموت وَقَدْ خَلَتِ يعني مضت النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ يعني الرسل من بين يديه وَمِنْ خَلْفِهِ يقوله قد مضت الرسل إلى قومهم من قبل هود، كان منهم نوح- عليه السلام- وإدريس جد أبي نوح، ثم قال ومن بعد هود، يعني قد مضت الرسل إلى قومهم:
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ يقول لم يبعث الله رسولا من قبل هود، ولا بعده إلا أمر بعبادة الله- جل وعز- إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ- 21- فى الدنيا لشدته «3» . قالُوا اليهود: أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا يعني لتصدنا وتكذبنا عَنْ عبادة آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ- 22- بأن العذاب نازل بنا، فرد عليهم هود قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ يعنى نزول العذاب بكم عليه عند الله إذا شاء أنزله وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إليكم من نزول العذاب بكم وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ- 23- العذاب فَلَمَّا رَأَوْهُ: العذاب عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ والعارض بعض السحابة التي لم تطبق السماء التي يرى ما فيها من المطر قالُوا لهود: هَذَا عارِضٌ مُمْطِرُنا لأن المطر كان حبس عنهم وكانت
__________
(1) فى أ: «هدد» ، وفى ف: «هود» .
(2) فى أ: «دكاول» .
(3) فى أ، ف خلاف فى ترتيب هذه الآية فقد ذكرت فيهما الآية كالآتى وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ «إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ» ، وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ وقد رتبت الآية كما وردت فى المصحف.(4/23)
السحابة إذا جاءت من قبل ذلك الوادي مطروا، قال هود: ليس هذا العارض ممطركم بَلْ هُوَ «ولكنه» «1» مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ لكم فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ- 24- يعنى وجيع وكان استعجالهم حين قالوا: يا هود، ... فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ «2» وكانوا أهل عمود سيارة في الربيع فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم وكانوا من قبيلة «آدم» «3» بن شيم بن سام بن نوح وكانوا «أصهاره «4» » وكان طول أحدهم اثنى عشر ذراعا وكان فيهم الملك فلما كذبوا هودا حبس الله عنهم المطر ثلاث سنين فلما دنا هلاكهم أوحى الله إلى الخزان، خزان الريح أن أرسلوا عليهم من الريح مثل منخر الثور، فقالت الخزان: يا رب، إذا تنسف الريح الأرض ومن عليها. قال [154 ا] : أرسلوا عليهم مثل خرق الخاتم، يعني على قدر حلقة الخاتم، ففعلوا فجاءت ريح باردة شديدة تسمى الدبور من وراء دكاوك الرمل «وكان المطر يأتيهم» «5» من تلك الناحية فيما مضى فمن ثم: «قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا» فعمد هو فحط على نفسه، وعلى المؤمنين خطا إلى أصل شجرة ينبع من ساقها عين فلم يدخل عليهم «من» «6» الريح إلا النسيم الطيب «وجعلت الريح شدتها تجئ بالطعن بين السماء والأرض «7» » فلما رأوا أنها ريح قالوا: يا هود
__________
(1) فى أ: «ولكنها» ، وليس فيها ولا فى ف «بل هو» .
(2) سورة الأعراف: 70، وقد وردت فى الأصل «ائْتِنا بِما تَعِدُنا ... » . [.....]
(3) فى أ: «آرم» ، وف: «آدم» .
(4) فى أ: «يمهره» ، وفى ف: «صهره» ، والأنسب «أصهاره» .
(5) فى أ: «وكان يأتيهم المطر» .
(6) «من» : زيادة اقتضاها السياق.
(7) من ف، وفى أ: «وجعلت الريح تجيء من شدتها بالطعن بين السماء والأرض» .(4/24)
إن ريحك هذه لا تزيل أقدامنا وقالوا من أشد منا قوة يعنى بطشا فقاموا صفونا فاستقبلوها بصدورهم فأزالت الريح أقدامهم. فقالوا: يا هود، إن ريحك هذه تزيل أقدامنا فألقتهم الريح لوجوههم ونسفت عليهم الرمل حتى إنه يسمع أنين أحدهم من تحت الرمل، فذلك قوله: ... أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ... «1» وقال لهم هود حين جاءتهم الريح إنها تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها يعني تهلك كل شيء من عاد بأمر ربها «2» من الناس والأموال والدواب، بإذن ربها يقول الله- تعالى- لمحمد- صلى الله عليه وسلم- فَأَصْبَحُوا «لا يُرى» «3» إِلَّا مَساكِنُهُمْ بالشجر ولم يبق لهم شيء كَذلِكَ يقول هكذا نَجْزِي بالعذاب الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ- 25- بتكذيبهم وهاجت الريح غدوة وسكنت بالعشي اليوم الثامن عند غروب الشمس، فذلك قوله:
سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ «4» وقبضت أرواحهم يوم الثامن، فذلك قوله:
وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً ... «5» يعني كاملة دائمة متتابعة
قال النبي- صلى الله عليه وسلم- نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور، ثم بعث الله طيرا سودا
__________
(1) سورة فصلت: 15.
(2) سئل مقاتل عن قوله- تعالى-: ... كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ... سورة القصص:
88، قال كل شيء فيه الروح، واستشهد بقوله- تعالى-: ... وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ...
سورة النمل: 23، قال: ولم تؤت إلا ملك بلادها، وهنا أيضا يقول «تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ» يعنى تهلك كل شيء لعاد، ولم يترك مقاتل «كُلَّ شَيْءٍ» فى القرآن إلا ذكره، وفسره بما يناسب السياق، انظر منهج مقاتل فى التفسير.
(3) فى أ: «لا ترى» .
(4، 5) سورة الحاقة: 7 وفى الأصل: «حسوم» .(4/25)
فالتقطتهم حتى ألقتهم فى البحر، ثم خوف كفار مكة
فقال: وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ يعنى عادا «فِيما» «1» إِنْ مَكَّنَّاكُمْ يا أهل مكة فِيهِ يعني في الذي أعطيناكم في الأرض من الخير والتمكن في الدنيا يعني مكناكم فى الأرض يا أهل مكة وَجَعَلْنا لَهُمْ في الخير والتمكين في الأرض سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً يعنى القلوب كما جعلنا لكم يا أهل مكة فَما أَغْنى عَنْهُمْ من العذاب سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ يقول لم تغن عنهم ما جعلنا من العذاب إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ يعني عذاب الله- تعالى- وَحاقَ بِهِمْ يعني ووجب لهم سوء العذاب ب ما كانُوا بِهِ يعنى العذاب يَسْتَهْزِؤُنَ- 26- هذا مثل ضربه الله [154 ب] لقريش حين قالوا «إنّه» «2» غير كائن، قوله: وَلَقَدْ أَهْلَكْنا بالعذاب مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى يعني القرون قوم نوح، وقوم صالح، وقوم لوط، فأما قوم لوط فهم بين المدينة والشام، وأما عاد فكانوا باليمن قوله: وَصَرَّفْنَا الْآياتِ في أمور شتى يقول نبعث مع كل نبي إلى أمته آية ليست لغيرهم لَعَلَّهُمْ يقول لكي يَرْجِعُونَ- 27- من الكفر إلى الإيمان فلم يتوبوا فأهلكهم الله بالعذاب قوله: فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً يقول فهلا منعتهم آلهتهم من العذاب الذي نزل بهم بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ يعني بل ضلت عنهم الآلهة فلم تنفعهم عند نزول العذاب بهم وَذلِكَ إِفْكُهُمْ يعني كذبهم بأنها آلهة وَما كانُوا يَفْتَرُونَ- 28- فى قولهم من الشرك،
__________
(1) فى أ: «فى ماء» .
(2) فى أ: «إنها» ، وفى ف: «إنه» .(4/26)
قوله: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ يعني وجهنا إليك يا محمد نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ نفرا من الجن تسعة نفر من أشراف الجن وساداتهم من أهل اليمن من قرية يقال لها نصيبين «1» ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- ببطن نخلة يقرأ القرآن في صلاة الفجر، «فَلَمَّا حَضَرُوهُ» «2» فلما حضروا النبي- صلى الله عليه وسلم- «قالُوا» «3» قال بعضهم لبعض: أَنْصِتُوا للقرآن، «وكادوا» «4» أن يرتكبوه من الحرص، فذلك قوله: ... كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً «5» فَلَمَّا قُضِيَ يقول فلما فرغ النبي- صلى الله عليه وسلم- من صلاته وَلَّوْا يعني انصرفوا إِلى قَوْمِهِمْ يعني الجن مُنْذِرِينَ- 29- يعني مؤمنين قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا محمدا- صلى الله عليه وسلم- «يتلوه» «6» كِتاباً يعني يقرأ محمد- صلى الله عليه وسلم- كتابا يعني شيئا عجبا يعني قرآنا أُنْزِلَ على محمد- صلى الله عليه وسلم- مِنْ بَعْدِ مُوسى - عليه السلام- وكانوا مؤمنين بموسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يقول يصدق كتاب محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكتب التي كانت أنزلت على الأنبياء يَهْدِي يعني يدعو كتاب محمد- صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْحَقِّ يعني إلى الهدى وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ- 30- يعنى يدعو إلى الدين المستقيم وهو الإسلام فلما أتوا قومهم قالوا لهم: يَا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ
__________
(1) فى أزيادة كالآتى: «اليمن» منهم، عمرو بن جابر، ومسحت وحسا وبسا، وشاصر وناصر، والقردمانى، وابنا الأندروانى» . وليست فى ف.
(2) «فَلَمَّا حَضَرُوهُ» : ليست فى أ.
(3) «قالوا» : ليست فى ا. [.....]
(4) فى أ: «فكاد» ، وفى ف: «وكادوا» .
(5) سورة الجن: 19.
(6) فى الأصل: «يتلوا» .(4/27)
يقول أجيبوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- إلى الإيمان وصدقوا به يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ- 31- يعني ويؤمنكم من عذاب وجيع وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ يعني محمدا- صلى الله عليه وسلم- إلى الإيمان فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ يقول فليس بسابق الله فيفوته هربا فى الأرض حتى يجزيه بعمله [155 ا] الخبيث وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ يعني ليس «له» «1» أقرباء يمنعونه من الله- عز وجل- أُولئِكَ الذين «لا يجيبون «2» » إلى الإيمان فِي ضَلالٍ مُبِينٍ- 32- يعني بين هذا قول الجن التسعة
فأقبل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- من الذين أنذروا مع التسعة «3» تكملة سبعين رجلا من الجن من العام المقبل فلقوا النبي- صلى الله عليه وسلم- بالبطحاء، فقرأ النبي- صلى الله عليه وسلم- القرآن وأمرهم ونهاهم، وقال النبي- صلى الله عليه وسلم- تلك الليلة قبل أن يلقاهم- لأصحابه: ليقم معي منكم رجل ليس فى قلبه مثقال حبة خردل من شك. فقام عبد الله بن مسعود ومعه إداوة فيها نبيذ، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لابن مسعود: قم مكانك. وخط النبي- صلى الله عليه وسلم «خطا» «4» .
وقال: لا تبرح حتى أرجع إليك إن شاء الله، ثم قال: إن سمعت صوتا أو جلبة أو شيئا يفزعك فلا تخرج من مكانك فوقف عبد الله حتى أصبح، ودخل النبي- صلى الله عليه وسلم- الشعب، وقال له: لا تخرج من الخط فإن أنت
__________
(1) فى أ: «لهم» ، وفى ف: «له» .
(2) كذا فى أ، ف.
(3) كذا فى ا، ف: والمراد من الذين أنذرهم التسعة أى أن تسعة من الجن استمعوا للنبي ثم أنذروا قومهم فجاء تسعون من الجن إلى النبي فى العام المقبل.
(4) «خطا» : ليس فى ا، ولا ف.(4/28)
خرجت اختطفت الليلة، وانطلق النبي- صلى الله عليه وسلم- يقرأ عليهم القرآن ويعلمهم ويؤدبهم واختصم رجلان منهم في دم إلى رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرفعوا أصواتهم فسمع ابن مسعود الصوت فقال: والله، لآتينه فلعل كفار قريش أن يكونوا مكروا به فلما أراد الخروج من الخط ذكر وصية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلم يخرج ووقف عبد الله حتى أصبح، والنبي- صلى الله عليه وسلم- في الشعب يعلمهم ويؤدبهم حتى أصبح فانصرف الجن وأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- ابن مسعود فقال عبد الله: يا نبي الله، ما زلت قائما حتى رجعت إلي، وقد سمعت أصواتا مرتفعة حتى هممت بالخروج، فذكرت قولك فأقمت، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: اختصموا في قتلى لهم كانوا أصابوها في الجاهلية فقضيت بينهم. ثم قال: أمعك طهور؟ قال:
نعم نبيذ في إداوة فقال: «ثمرة» «1» طيبة وماء طهور عذب، صب علي: فصب عليه ابن مسعود، فتوضأ منه النبي- صلى الله عليه وسلم- فلما أراد أن يصليا أقبل الرجلان اللذان اختصما في الدم حتى وقفا عليه فلما رآهما النبي- صلى الله عليه وسلم- ظن أنهما رجعا يختصمان في «الدم» «2» فقال: «ما لكما» «3» ألم أقض بينكما؟ قالا: يا رسول الله، إنا جئنا نصلي معك ونقتدي بك فقام النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى الصلاة، «وقام» «4» ابن مسعود والرجلان من الجن وراء النبي- صلى الله عليه وسلم- فصلوا معه فذلك قوله: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً «5» من حبهم [155 ب] إياه، ثم انصرفوا
__________
(1) فى أ، ف: «تمرة» بالتاء.
(2) ساقطة من أ، وفى ف: «الدم» .
(3) فى أ: «ما لكم» ، وفى ف: «ما لكما» .
(4) فى أ: «فقام» .
(5) سورة الجن: 19.(4/29)
من عنده مؤمنين فلم يبعث الله- عز وجل- نبيا إلى الإنس والجن قبل محمد- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله، مر لنا برزق حتى نتزود في سفرنا؟ فقال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم- فإن لكم أن «يعود» «1» العظم لحما والبعر حبا هذا لكم إلى يوم القيامة فلا يحل للمسلم أن يستنجى بالعظم ولا بالبعر ولا بالرجيع يعني رجيع الدواب ولم يبعث الله نبيا إلى الجن والإنس قبل محمد- صلى الله عليه وسلم-
وقال ابن مسعود: لقد رأيت رجالا مستنكرين طولا سودا كأنهم من أزد شنوءة لو خرجت من ذلك الخط لظننت أنى سأختطف، قوله: أَوَلَمْ يَرَوْا يقول أو لم يعلموا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
نزلت فى أبى بن خلف الجمحي عمد فأخذ عظما «حائلا» «2» نخرا فأتى به النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يا محمد، أتعدنا إذا بليت عظامنا، وكنا رفاتا أن الله يبعثنا خلقا جديدا، وجعل يفت العظم ويذريه في الريح، ويقول:
يا محمد، من يحيي هذا؟ قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: يحيي الله هذا، ثم يميتك، ثم يبعثك في الآخرة ويدخلك النار، فأنزل الله- تعالى- يعظه ليعتبر في خلق الله فيوحده أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ أو لم يعلموا أن الله الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لأنهم مقرون أن الله الذي خلقهما وحده
وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى في الآخرة، وهما «3» أشد خلقا من خلق الإنسان بعد أن يموت ولم يعي بخلقهن إذ خلقهن يعنى كيف يعيى عن بعث الموتى نظيرها
__________
(1) فى أ: «يقول» ، وفى حاشية أ: «يعود، محمد» ، وفى ف، «يعود» .
(2) فى ف: «حايلا» ، وفى أ: «حائلا» ، أى متغير الحال. [.....]
(3) أى السماء والأرض.(4/30)
في يس «1» ، ثُمّ قَالَ لنبيه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بَلى ببعثهم إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من البعث وغيره قَدِيرٌ- 33- فلما كفر أهل مكة بالعذاب أخبرهم الله بمنزلتهم فى الآخرة فقال: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ يعني إذا كشف الغطاء عنها لهم فنظروا إليها، فقال الله لهم: أَلَيْسَ هَذَا العذاب الذي ترون بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا أنه الحق قالَ الله- تعالى-: فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ- 34- بالعذاب بأنه غير كائن قوله: فَاصْبِرْ يا محمد على الأذى والتكذيب يعزي نبيه- صلى الله عليه وسلم- ليصبر كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ يعني أولو الصبر مِنَ الرُّسُلِ يعني إبراهيم، وأيوب، وإسحاق، ويعقوب، ونوح- عليهم السلام- نزلت هذه الآية يوم أحد «2» فأمره أن يصبر على ما أصابه ولا يدعو على قومه مثل قوله: وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً «3» - «ثم ذكر «4» له» صبر الأنبياء «وأولي» «5» العزم من قبله من الرسل على البلاء منهم إبراهيم- خليل الرحمن عليه السلام- حين ألقي فى النار، ونوح- عليه السلام-
__________
(1) يشير إلى الآية 81 من سورة يس وهي: «أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ» .
(2) المراد به غزوة أحد، وقد امتحن فيها المسلمون وأصيبوا بالقتل والبلاء نظير مخالفتهم أمر الرسول وشمت أبو سفيان فنادى: يا محمد يوم بيوم بدر، فأمر النبي عمران يرد عليه قائلا:
لا سواء قتلانا فى الجنة وقتلاكم فى النار.
(3) سورة طه: 115.
(4) فى أ: «ثم ذكر» ، وفى ف: «ثم ذكر له» .
(5) فى أ: «أولوا» ، وفى ف: «وأولوا» . والأنسب: «وأولى» .(4/31)
على تكذيب قومه وكان يضرب حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون شيئا، وإسحاق في أمر الذبح، ويعقوب في ذهاب بصره من حزنه على يوسف حين ألقي في الجب والسجن، وأيوب- عليه السلام- في صبره على البلاء، ويونس بن متى- عليه السلام- في بطن الحوت وغيرهم صبروا على البلاء، ومنهم اثنا عشر نبيا ببيت المقدس، فأوحى الله- تعالى- إليهم أني منتقم من بني إسرائيل بما صنعوا بيحيى بن زكريا فإن شئتم أن تختاروا أن أنزل بكم النقمة وأنجي بقية بنى إسرائيل وإن كرهتم أنزلت تلك النقمة والعقوبة بهم وأنجيتكم فاستقام رأيهم على أن ينزل بهم العقوبة وهم اثنا عشر وينجي قومهم فدعوا ربهم أن ينزل بهم العقوبة وينجي بني إسرائيل فسلط عليهم ملوك أهل الأرض فأهلكوهم فمنهم من نشر بالمنشار ومنهم من سلخ رأسه ووجهه ومنهم من رفع على الخشب ومنهم من أحرق بالنار ومنهم من شدخ رأسه وأمر نبيه- صلى الله عليه وسلم- أن يصبر كما صبر هؤلاء فإنه قد نزل بهم ما لم ينزل بك ثم قال: وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ وذلك أن كفار مكة، حين أخبرهم النبي- صلى الله عليه وسلم- بالعذاب سألوه متى هذا الوعد الذي تعدنا يقول الله- تعالى- لنبيه- صلى الله عليه وسلم- ولا تستعجل لهم بالعذاب كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا في الدنيا ولم يروها إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ يوم واحد من أيام الدنيا بَلاغٌ يعني تبليغ فيها يقول هذا الأمر بلاغ لهم فيها فَهَلْ يُهْلَكُ بالعذاب إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ- 35- يعنى العاصون الله- عز وجل- فيما أمرهم من أمره ونهيه ويقال هذا الأمر هو بلاغ لهم بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عذاب أليم يعني وجيع لقولهم لهود:(4/32)
.. فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ «1» ، قوله الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ
»
يعني صلاتك مع المصلين في جماعة، «الذي» «3» استخدجك من أصلاب الرجال وأرحام النساء وأخرجك من صلب عبد الله طيبا.
__________
(1) سورة الأعراف: 70، وتمامها: قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ وقد وردت «ائتنا» وفى الآية «فائتنا» .
(2) سورة الشعراء: 218- 219.
(3) فى أ: «التي» وفى ف: «الذي» .(4/33)
سورة محمّد(4/35)
[سورة محمد (47) : الآيات 1 الى 38]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (2) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (3) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4)
سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (6) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (8) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (9)
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (10) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (11) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (12) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (13) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (14)
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (15) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (17) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (19)
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (20) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (21) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (22) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (23) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (24)
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (25) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (27) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (29)
وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (31) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (32) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (33) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34)
فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (35) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (36) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (37) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (38)(4/37)
[سورة محمد «1» ] سورة محمد- صلى الله عليه وسلم- مدنية عددها ثمان وثلاثون آية كوفية «2»
__________
(1) معظم مقصود السورة:
الشكاية من الكفار فى إعراضهم عن الحق وذكر آداب الحرب والأسرى وحكمهم، والأمر بالنصرة والإيمان، وابتلاء الكفار فى العذاب وذكر أنهار الجنة من ماء ولبن وخمر وعسل، وذكر طعام الكفار وشرابهم وظهور علامة القيامة، وتخصيص الرسول- صلى الله عليه وسلم- بأمره بالخوض فى بحر التوحيد والشكاية من المنافقين، وتفصيل ذميمات خصالهم وأمر المؤمنين بالطاعة والإحسان، وذم البخلاء فى الإنفاق، وبيان استغناء الحق- تعالى، وفقر الخلق فى قوله:
... وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ ... سورة محمد: 38.
وتسمى سورة محمد، وسورة القتال.
(2) فى المصحف: (47) سورة محمد مدنية إلّا آية 13 فنزلت فى الطريق أثناء الهجرة وآياتها 38 نزلت بعد سورة الحديد(4/41)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله يعني كفار مكة وَصَدُّوا الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يقول [156 ب] منعوا الناس عن دين الله الإسلام أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ- 1- يقول أبطل الله أعمالهم يعني نفقتهم فى غزاة بدر ومسيرهم ومكرهم أبطل الله ذلك كله في الآخرة، «أبطل أعمالهم» «1» التي عملوا في الدنيا لأنها كانت في غير إيمان نزلت في اثنى عشر رجلا من قريش وهم المطعمون من كفار مكة في مسيرهم إلى قتال النبي- صلى الله عليه وسلم- ببدر منهم أبو جهل، والحارث ابنا هشام، وشيبة وعتبة ابنا ربيعة، وأمية وأبي ابنا خلف، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج، وأبو البختري بن هشام، وربيعة بن الأسود، وحكيم بن حزام، والحارث بن عامر بن نوفل، ثم وَالَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بتوحيد الله وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ الصالحة وَآمَنُوا يعني وصدقوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ القرآن وَهُوَ الْحَقُّ يعني القرآن مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ يقول محا عنهم سَيِّئاتِهِمْ يعني ذنوبهم الشرك وغيرها بتصديقهم وَأَصْلَحَ بالَهُمْ- 2- يقول أصلح بالتوحيد حالهم في سعة الرزق، نزلت في بني هاشم وبنى المطلب، ثم رجع إلى الاثني عشر المطعمين يوم بدر فيها تقديم ذلِكَ يقول هذا الإبطال كان بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله اتَّبَعُوا الْباطِلَ
__________
(1) «أبطل أعمالهم» : زيادة اقتضاها السياق.(4/43)
يعني عبادة الشيطان، ثم قال: وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بتوحيد الله اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ يعني به القرآن كَذلِكَ يقول هكذا يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ- 3- حين أضل أعمال الكفار، وكفر سيئات المؤمنين، ثم علم المؤمنين كيف يصنعون بالكفار؟ فقال: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا من مشركي العرب بتوحيد الله- تعالى- فَضَرْبَ الرِّقابِ يعنى الأعناق حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ يعنى قهر تموهم بالسيف وظهرتم عليهم فَشُدُّوا الْوَثاقَ يعني الأسر فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ يعني عتقا بعد الأسر فيمن عليهم وَإِمَّا فِداءً يقول فيفتدي نفسه بماله ليقوى به المسلمون على المشركين، ثم نسختها آية السيف في براءة، وهي قوله: ... فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ... «1» يعني مشركي العرب خاصة حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها يعني ترك الشرك، حتى لا يكون في العرب «مشرك» «2» وأمر ألا يقبل منهم إلا الإسلام «3» ، ثم استأنف فقال: ذلِكَ يقول هذا أمر الله في المن والفداء.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حدثني الْهُذَيْلِ، قال: قال مُقَاتِلُ:
إذا أسلمت العرب وضعت الحرب أوزارها، وقال فى سورة الصف ... فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ «4» [157 أ] بمحمد- صلى الله عليه وسلم- حين أسلمت العرب، فقال: وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ يقول لانتقم منهم وَلكِنْ لِيَبْلُوَا يعنى يبتلى بقتال الكفار بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ «5»
__________
(1) سورة التوبة: 5، وقد وردت بالأصل «اقتلوا ... » وصوبتها.
(2) فى أ: «شرك» ، وفى ف: «مشرك» . [.....]
(3) فى أ: زيادة: «ويوحد العرب فى ذلك» ، يعنى القتال. وكذلك فى ف.
(4) سورة الصف: 14.
(5) «بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ» : ساقطة من أ، ف.(4/44)
وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعنى قتلى بدر فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ- 4- يعنى لن يبطل أعمالهم الحسنة سَيَهْدِيهِمْ إلى الهدى يعني التوحيد في القبر وَيُصْلِحُ بالَهُمْ- 5- يعني حالهم في الآخرة وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ- 6- يعني عرفوا منازلهم في الجنة، كما عرفوا منازلهم في الآخرة، يذهب كل رجل إلى منزله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يقول إن تعينوا الله ورسوله حتى يوحد يَنْصُرْكُمْ يقول يعينكم وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ- 7- للنصر فلا تزول عند الثبات وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ يعني فنكسا لهم وخيبة يقال وقحا لهم عند الهزيمة وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ- 8- يعني أبطلها ذلِكَ الإبطال بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا الإيمان ب مَا أَنْزَلَ اللَّهُ من القرآن على النبي- صلى الله عليه وسلم- يعني الكفار الذين قتلوا من أهل مكة فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ- 9- لأنها لم تكن في إيمان، ثم عرف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية ليعتبروا، فقال: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ يعني كفار مكة فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من كفار الأمم الخالية عاد وثمود وقوم لوط دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بألوان العذاب، ثم قال: وَلِلْكافِرِينَ من هذه الأمة أَمْثالُها- 10- يقول مثل عذاب الأمم الخالية ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يقول هذا النصر ببدر في القديم إنما كان بأن الله مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا يقول ولي الذين صدقوا بتوحيد الله- عز وجل- حين نصرهم وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ- 11- يقول لا ولي لهم في النصر، ثم ذكر مستقر المؤمنين والكافرين فى الآخرة، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يعني البساتين تجري من تحتها الأنهار وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ لا يلتفتون إلى الآخرة كَما(4/45)
تَأْكُلُ الْأَنْعامُ
: يقول: ليس «لهم» «1» هم إلا الأكل والشرب في الدنيا «2» ، ثم قال: وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ- 12- يقول هي مأواهم، ثم خوفهم ليحذروا فقال وَكَأَيِّنْ يقول وكم مِنْ قَرْيَةٍ قد مضت فيما خلا كانت هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً يعني أشد بطشا وأكثر عددا مِنْ قَرْيَتِكَ يعني مكة الَّتِي أَخْرَجَتْكَ يعني أهل مكة حين أخرجوا النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم رجع إلى الأمم الخالية في التقديم فقال: أَهْلَكْناهُمْ بالعذاب حين كذبوا رسلهم فَلا ناصِرَ لَهُمْ- 13- يقول فلم يكن لهم مانع يمنعهم من العذاب [157 ب] الذي نزل بهم، قوله: أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ
يعني على بيان من ربه وهو النبي- صلى الله عليه وسلم- كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ الكفر وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ- 14- نزلت في نفر من قريش، في أبي جهل بن هشام، وأبى حذيفة ابن المغيرة المخزوميين، فليسا بسواء، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- مصيره إلى الجنة، وأبو حذيفة وأبو جهل مخلدان فى النار، ثم قال: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ الشرك يقول شبه الجنة في الفضل والخير كشبه النار في الشدة وألوان العذاب، ثم ذكر ما أعد لأهل الجنة من الشراب، وما أعد لأهل النار من الشراب فقال: فِيها يعني في الجنة أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ يقول لا يتغير كما يتغير ماء أهل الدنيا فينتن وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ كما يتغير لبن أهل الدنيا عن حاله الأولى فيمخض وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لا يصدون عنها ولا يسكرون كخمر الدنيا تجري لذة للشاربين وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ليس فيه عكر ولا كدر كعسل أهل الدنيا فهذه الأنهار الأربعة تفجر من
__________
(1) فى أ: «لها» ، وفى ف: «لهم» .
(2) كذا فى أ، ف.(4/46)
الكوثر إلى سائر أهل الجنة، قوله: وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ لذنوبهم مِنْ رَبِّهِمْ فهذا للمتقين الشرك في الآخرة، ثم ذكر مستقر الكفار فقال: كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ يعني أبا جهل بن هشام، وأبا حذيفة المخزوميين وأصحابهما في النار وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً يعني شديد الحر الذي قد انتهى حره تستعر عليهم جهنم، فهي تغلي منذ خلقت السماوات والأرض فَقَطَّعَ الماء أَمْعاءَهُمْ- 15- في الخوف من شدة الحر وَمِنْهُمْ يعني من المنافقين مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ يعني إلى حديثك بالقرآن يا محمد حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ منهم رفاعة بن زيد، والحارث بن عمرو، وحليف بن زهرة، وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- خطب يوم الجمعة، فعاب المنافقين وكانوا في المسجد، فكظموا عند النبي- صلى الله عليه وسلم- فلما خرجوا يعني المنافقين من الجمعة قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وهو الهدى، يعني القرآن يعني عبد الله ابن مسعود الهذلي مَاذَا قالَ محمد: آنِفاً وقد سمعوا قول النبي- صلى الله عليه وسلم- فلم يفقهوه، يقول الله- تعالى-: أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ يعني ختم الله على قلوبهم بالكفر فلا يعقلون الإيمان وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ- 16- في الكفر، ثم ذكر المؤمنين فقال:
وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا من الضلالة زادَهُمْ هُدىً بالمحكم الذي نسخ الأمر الأول وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ- 17- يقول «وبين لهم التقوى يعنى عملا [158 أ] بالمحكم حتى عملوا بالمحكم» «1» ثم خوف أهل مكة فقال: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ
__________
(1) ما بين القوسين «......» كذا فى أ، ف، والمعنى بين لهم طريق العمل بالمحكم من الآيات حتى عملوا بها قال- تعالى-: ... مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ ...
سورة آل عمران: 7.(4/47)
يعنى القيامة أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً يعنى فجأة فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها يعني أعلامها يعني انشقاق القمر وخروج الدجال وخروج النبي- صلى الله عليه وسلم- فقد عاينوا هذا كله يقول فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ- 18- فيها تقديم يقول من أين لهم التذكرة والتوبة عند الساعة إذا جاءتهم وقد فرطوا فيها؟
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ «وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلذنوب المؤمنين والمؤمنات» «1» يعني المصدقين بتوحيد الله والمصدقات لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ يعني منتشركم بالنهار وَمَثْواكُمْ- 19- يعني مأواكم بالليل وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا يعنى صدقوا بالقرآن لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ وذلك أن المؤمنين اشتاقوا إلى الوحي فقالوا هلا نزلت سورة؟ يقول الله- تعالى-: فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ يعني بالمحكمة ما فيها من الحلال والحرام وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ وطاعة الله والنبي- صلى الله عليه وسلم- وقول معروف حسن فرح بها المؤمنون، فيها تقديم، ثم ذكر المنافقين فذلك قوله:
رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني الشك في القرآن منهم عبد الله ابن أبي، ورفاعة بن زيد، والحارث بن عمرو يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ غما وكراهية لنزول القرآن يقول الله- تعالى-: فَأَوْلى لَهُمْ- 20- فهذا وعيد «طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ «2» . فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ يعني جد الأمر عند دقائق الأمور فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ في النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما جاء به لَكانَ خَيْراً لَهُمْ- 21- من الشرك فَهَلْ عَسَيْتُمْ يعني منافقي اليهود إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بالمعاصي
__________
(1) ما بين القوسين «......» . كذا فى أ، ف، والآية: «وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ» .
(2) «طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ» : ساقط من أ، ف.(4/48)
وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ- 22- قال وكان بينهم وبين الأنصار قرابة أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ. فلم يسمعوا الهدى وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ- 23- فلم يبصروا الهدى أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ، يقول أفلا يسمعون القرآن أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها- 24- يعنى الطبع على القلوب. ثم ذكر اليهود فقال: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عن إيمان بمحمد- صلى الله عليه وسلم- بعد المعرفة عَلى أَدْبارِهِمْ يعني أعقابهم كفارًا مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى يعني أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- يبين لهم فى التوراة أنه نبى رسول الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ يعني زين لهم ترك الهدى، يعني إيمانا بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمْلى الله لَهُمُ- 25- ذلِكَ فيها تقديم وأمهل الله لهم حين قالوا: ليس محمد بنبي! فلم يعجل عليهم، ثم انتقم منهم حين قتل [158 ب] أهل قريظة، وأجلى أهل النضير يقول ذلك الذي أصابهم من القتل والجلاء بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا يعني تركوا الإيمان يعني المنافقين مَا نَزَّلَ اللَّهُ من القرآن سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ قالت اليهود للمنافقين فى تكذيب بمحمد- صلى الله عليه وسلم- وهو بعض الأمر قالوا ذلك سرا فيما بينهم، فذلك قوله: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ- 26- يعنى اليهود والمنافقين، ثم خوفهم فقال: فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يعني ملك الموت وحده يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ- 27- عند الموت ذلِكَ الضرب الذي أصابهم عند الموت بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ من الكفر بالنبي محمد- صلى الله عليه وسلم- وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ يقول وتركوا رضوان الله في إيمان بمحمد- صلى الله عليه وسلم- فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ- 28- التي عملوها في غير إيمان ثم رجع إلى عبد الله بن أبي، ورفاعة بن زيد،(4/49)
والحارث بن عمرو فقال: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني الشك بالقرآن وهم المنافقون أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ- 29- يعني أن لن يظهر الله الغش الذي فى قلوبهم للمؤمنين «وَلَوْ» «1» نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ يعنى لأعلمناكهم، كقوله: ... بِما أَراكَ اللَّهُ ... «2» يعنى بما أعلمك الله فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ يعني بعلامتهم الخبيثة وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ يعني في كذبهم عند النبي- صلى الله عليه وسلم- فلم يخف على النبي- صلى الله عليه وسلم- منافق بعد هذه الآية، ثم رجع إلى المؤمنين أهل التوحيد فقال: وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ- 30- من الخير والشر وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بالقتال يعني لنبتلينكم- معشر المسلمين- بالقتال حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ يعني كي نرى من يجاهد منكم وَمن يصبر من الصَّابِرِينَ على أمر الله وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ- 31- يعنى ونختبر أعمالكم، ثم استأنف إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى اليهود وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني عن دين الله الإسلام وَشَاقُّوا الرَّسُولَ يعني وعادوا نبي اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ في التوراة الْهُدى بأنه نبي رسول، يعني بالهدى أمر محمد- صلى الله عليه وسلم- ف لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ يقول فلن ينقصوا الله من ملكه وقدرته شَيْئاً حين شاقوا الرسول وصدوا الناس عن الإسلام إنما يضرون أنفسهم وَسَيُحْبِطُ في الآخرة أَعْمالَهُمْ- 32- التي عملوها في الدنيا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وذلك أن أناسا من أعراب بني أسد بن خزيمة قدموا على
__________
(1) فى أ: «فلو» .
(2) سورة النساء: 105.(4/50)
النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة، فقالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-:
أتيناك بأهلينا طائعين عفوا بغير قتال وتركنا الأموال والعشائر «1» ، وكل قبيلة [159 ا] في العرب قاتلوك حتى أسلموا كرها فلنا عليك حق، فاعرف ذلك لنا فأنزل تعالى في الحجرات ... يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ... إلى آيتين «2» . وأنزل الله- تعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ... وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ- 33- بالمن ولكن أخلصوها لله- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله وَصَدُّوا الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني عن دين الإسلام ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ- 34- وذلك
أن المسلم كان يقتل ذا رحمه على الإسلام فقالوا: يا رسول الله، أين آباؤنا وإخواننا الذين قاتلوا فقتلوا؟ فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هُمْ في النار. فقال رجل من القوم: أين والده وهو عدي بن حاتم؟ فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- في النار. فولى الرجل وله بكاء فدعاه النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ مالك؟
فقال: يا نبي الله أجدني أرحمه وأرثى له، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-:
فإن والدي ووالد إبراهيم ووالدك في النار فليكن لك أسوة فيّ وفي إبراهيم خليله فذهب بعض وجده. فقال: يا نبي الله، وأين المحاسن التي كان يعملها؟ قال:
__________
(1) فى أ: «والعشاير» .
(2) هما الآية 17، 18 من سورة الحجرات ونصهما: «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ» .(4/51)
يخفف الله عنه بها من العذاب فأنزل الله فيهم «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يغفر الله لهم» «1» .
__________
(1) نص الآية: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ «سورة محمد: 34» .
وعلى فرض صحته (إن أبى وأبيك فى النار) يؤول الأب بجنس الأب البعيد وأهل الفطرة ناجون لقوله- تعالى- ... وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا سورة الإسراء: 15.
ومن الخير عدم إقحام مثل هذه الآثار التي تفهد أن والدي النبي فى النار وهي دعوى لا برهان عليها وعلمها عند الله.
جاء فى كتاب غالية المواعظ ومصباح المتعظ وقبس الواعظ لنعمان آلوسي: 125» طبعة مطبعة السعادة بمصر: موضوع (ولادته- عليه الصلاة والسلام) «فلما كانت أمه- صلى الله عليه وسلم- بالأبواء توفيت، وقد اختلف فى نجاتها والبحث مشهور، ولقد أحسن الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي حيث قال:
حسبي الله النبي مزيد فضل ... على فضل وكان به رءوفا
فأحيا أمه وكذا أباء ... لإيمان به فضلا لطيفا
فسلم فالقديم بذا قدير ... وان كان الحديث به ضعيفا
وقد أخرج ابن شاهين فى الناسخ والمنسوخ (مكتبة الأزهر) .
عن عائشة- رضى الله عنها- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- نزل إلى الحجون كثيبا حزينا فأقام ما شاء الله- عز وجل- ثم رجع مسرورا فقلت بيا رسول الله نزلت إلى الحجون كثيبا حزينا فأقمت به ما شاء الله، ثم رجعت مسرورا فقال: سألت الله- عز وجل- فأحيا لي أمى فآمنت بى ثم ردها.
قال الحافظ أبو الفضل بن ناصر موضوع. ومحمد بن زياد هو النقاش ليس بثقة.
وأحمد بن يحيى ومحمد بن يحيى مجهولان.
وقال السيوطي: والصواب الحكم عليه بالضعف لا بالوضع، واستشهد بكلام الحافظ ابن حجر فى لسان الميزان بعد ذكر كلام ابن الجوزي: بأن محمد بن يحيى وأحمد بن يحيى معروفان لا مجهولان.
وقال السهيلي: والله قادر على كل شيء وليس يعجز رحمته وقدرته عن شيء.(4/52)
ثم قال: فَلا تَهِنُوا يقول فلا تضعفوا وَتَدْعُوا يعني نبدؤهم بالدعاء إِلَى السَّلْمِ يقول فلا تضعفوا وتدعوا العرب إلى الصلح والموادعة وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ يقول وأنتم الغالبون عليهم، وكان هذا يوم أحد يقول:
وَاللَّهُ مَعَكُمْ في النصر يا معشر المؤمنين لكم وَلَنْ يَتِرَكُمْ يقول ولن يبطلكم أَعْمالَكُمْ- 35- الحسنة إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يقول وإن تصدقوا بالله وحده لا شريك له وتتقوا معاصي الله يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ في الآخرة يعنى جزاءكم فى الآخرة جزاء أعمالكم وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ- 36-
__________
وقال القرطبي فى التذكرة لا تعارض بين أحاديث الأبوين، وأحاديث عدم الإذن فى الاستغفار لأن إحياءهما متأخر عن الاستغفار لهما بدليل أن حديث عائشة فى حجة الوداع، ولذلك جعله ابن شاهين ناسخا كما ذكر من الأخبار الواردة فى الاستغفار.
وقال الحافظ فتح الدين بن سيد: الناس فى السيرة قد روى أن عبد الله بن عبد المطلب، وآمنة بنت وهب أبوى النبي- صلى الله عليه وسلم- أسلما وأن الله أحياهما له فأمنا به وروى ذلك أيضا فى حق عبد المطلب وهو مخالف لحديث أحمد عن أبى رزين العقيلي.
وأرى من الخير تفويض علم ذلك إلى الله- سبحانه- وفى الحديث «إن الله سكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها» .
خاصة وإن علم ذلك ليس من أصول الدين، ولا يترتب عليه أمر ضروري. مع ثقتنا أن رحمة الله واسعة، وإن الله أعطى نبيه الشفاعة والمقام المحمود يوم القيامة، ولكننا نمسك عن القول بأن فلانا بخصوصه فى الجنة وأن فلانا بخصوصه فى النار.
ملاحظة:
عرض هذا التفسير على إرادة البحوث والنشر بالأزهر للسماح بطبعه ونشره فقرأ التفسير أساتذة أجلاء من الإدارة فى مدة وجيزة وكانت لهم نظرات ثاقبة وتوجيهات مفيدة، استفدت منها حقا فى التعليق على هذا الكتاب قبل طبعه، ورأيت فى هذه الإدارة إخلاص العلماء وتواضعهم واشتغالهم بالعلم وإحاطتهم بفروعه المتعددة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وقد أمدنى أساتذة ادارة البحوث والنشر بالنص السابق الذي أخرجه ابن شاهين فى الناسخ والمنسوخ. [.....](4/53)
ثم نزلت بعد إِنْ يَسْئَلْكُمُوها يعني الأموال فنسخت هذه الآية وَلا يَسْأَلْكُمْ أموالكم «1» ، ثم قال: فَيُحْفِكُمْ ذلك يعني كثرة المسألة تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ- 37- يعني ما في قلوبكم من الحب للمال والغش والغل ولكنه فرض عليكم يَسِيراً «2» ، ثم قال: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ معشر المؤمنين تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا أموالكم فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني في طاعة الله فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ بالنفقة في سبيل الله وَمَنْ يَبْخَلْ بالنفقة فَإِنَّما يَبْخَلُ بالخير والفضل عَنْ نَفْسِهِ في الآخرة لأنه لو أنفق في حق الله أعطاه الله الجنة في الآخرة وَاللَّهُ الْغَنِيُّ عما عندكم [159 ب] من الأموال وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ إلى ما عنده من الخير والرحمة والبركة وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يقول تعرضوا عما افترضت عليكم من حقي يَسْتَبْدِلْ بكم قَوْماً غَيْرَكُمْ يعني أمثل منكم وأطوع لله منكم ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ- 38- في المعاصي بل يكونوا خيرا منكم وأطوع.
قوله: «إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ» حتى يوحد «يَنْصُرْكُمْ» على عدوكم «وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ» فلا تزول «عند» «3» اللقاء «عن التوحيد» «4» .
قَالَ، وَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نصرت بالرعب «مسيرة» «5» شهر فما ترك التوحيد قوم إلا سقطوا من عين الله وسلط الله عليهم السبي،
... وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ... «6» يعنى الأنصار.
__________
(1) انظر ما كتبته فى موضوع النسخ عند مقاتل.
(2) فى أ: «يسير» ، وفى ف: «يسيرا» .
(3) فى أ: «عن» ، وفى ف: «عند» .
(4) فى أ، ف: «بالتوحيد» والأنسب «عن التوحيد» .
(5) فى أ، ف: «على مسيرة» ، ولفظ البخاري «مسيرة» .
(6) سورة محمد: 38.(4/54)
سورة الفتح(4/55)
[سورة الفتح (48) : الآيات 1 الى 29]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4)
لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (7) إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (9)
إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (10) سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (12) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (13) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (14)
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (15) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (16) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (17) لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (19)
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (20) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (21) وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (23) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (24)
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (25) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (26) لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (28) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29)(4/57)
[سورة الفتح «1» ] سورة الفتح مدنية عددها «تسع» «2» وعشرون آية كوفى «3»
__________
(1) معظم مقصود السورة:
وعد الرسول- صلى الله عليه وسلم- بالفتح والغفران وإنزال السكينة على أهل الإيمان، وإبعاد المنافقين بعذاب الجحيم ورعد المؤمنين بنعيم الجنان، والثناء على سيد المرسلين، وذكر العهد، وبيعة الرضوان وذكر ما للمنافقين من الخذلان، وبيان عذر المعذورين وصدق رؤيا رسول الله، وتمثيل حال النبي والصحابة بالزرع والزراع فى البهجة والنضارة وحسن الشأن.
وسميت سورة الفتح. لقوله: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً الآية الأولى.
(2) فى أ: «تسعة والصواب ما ذكرته» .
(3) وفى المصحف: (48) سورة الفتح مدنية نزلت فى الطريق عند الحديبية وآياتها 29 نزلت بعد سورة الجمعة.(4/63)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ يوم الحديبية فَتْحاً مُبِيناً- 1- وذلك أن الله- تعالى- أنزل بمكة على نبيه- صلى الله عليه وسلم- ... وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ... «1» ففرح كفار مكة بذلك، وقالوا: واللات والعزى ما أمره وأمرنا عند إلهه الذي يعبده إلا واحد ولولا أنه ابتدع هذا الأمر من تلقاء نفسه لكان ربه الذي بعثه يخبره بما يفعل به وبمن اتبعه كما فعل بسليمان بن داود، وبعيسى بن مريم والحواريين، وكيف أخبرهم بمصيرهم؟ فأما محمد فلا علم له بما يفعل به ولا بنا إن هذا لهو الضلال كل الضلال،
فشق على المسلمين نزول هذه الآية فقال أبو بكر وعمر- رضي الله عنهما- للنبي- صلى الله عليه وسلم-: ألا تخبرنا ما الله فاعل بك؟ فقال: ما أحدث الله إلي أمر بعد. فلما قدم المدينة، قال عبد الله بن أبي رأس المنافقين: كيف تتبعون رجلا لا يدري ما يفعل الله به، ولا بمن اتبعه؟ وضحكوا من المؤمنين وعلم الله ما في قلوب المؤمنين من الحزن وعلم فرح المشركين من أهل مكة، وفرح المنافقين من أهل المدينة، فأنزل الله- تعالى- بالمدينة بعد ما رجع النبي- صلى الله عليه وسلم- من الحديبية إِنَّا فَتَحْنا لَكَ يعني قضينا لك فَتْحاً مُبِيناً يعني قضاء بينا، يعنى الإسلام.
__________
(1) سورة الأحقاف: 9.
وفى النسخ خطأ فى النص وصوابه: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ بينما الثابت فى الأصل «قل ما أدرى ما يفعل بى ولا بكم» .(4/65)
لِيَغْفِرَ يعنى لكي يغفر لَكَ اللَّهُ بالإسلام ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ يعني ما كان في الجاهلية وَما تَأَخَّرَ يعني وبعد النبوة وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ «1» وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً- 2- يعنى دينا مستقيما وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ يقول ولكي ينصرك الله بالإسلام [160 ا] على عدوك نَصْراً عَزِيزاً- 3- يعني منيعا فلا تذل فهذا الذي قضى الله له: المغفرة والغنيمة والإسلام والنصر فنسخت هذه الآية قوله: ... وَما «أَدْرِي» «2» ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ... «3» فأخبر الله- تعالى- نبيه- صلى الله عليه وسلم- بما يفعل به، فنزلت هذه الآية على النبي- صلى الله عليه وسلم- فلما سمع عبد الله بن أبي رأس المنافقين بنزول هذه الآية على النبي- صلى الله عليه وسلم-، وَأَنَّ اللَّهَ قد غفر له ذنبه، وأنه يفتح له على عدوه، ويهديه صراطا مستقيما، وينصره نصرا عزيزا، قال لأصحابه: يزعم محمد أن الله غفر له ذنبه، وينصره على عدوه، هيهات هيهات لقد بقى له من العدو أكثر وأكثر فأين فارس والروم وهم أكثر عدوا وأشد بأسا وأعز عزيزا؟ ولن يظهر عليهم محمد، أيظن محمد أنهم مثل هذه العصابة التي قد نزل بين أظهرهم وقد غلبهم بكذبه وأباطيله، وقد جعل لنفسه مخرجا، ولا علم له بما يفعل به ولا بمن اتبعه، إن هذا لهو الخلاف «المبين» «4» .
فخرج النبي- صلى الله عليه وسلم- على أصحابه فقال: لقد نزلت على آية لهي أحب إلي مما بين السماء والأرض فقرأ عليهم إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ... إلى آخر الآية،
فقال أصحابه:
__________
(1) «وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ» : ساقطة من أ، ف.
(2) «أدرى» : ليست فى أ.
(3) سورة الأحقاف: 9.
(4) فى ا: «البين» ، وفى ف: «المبين» . [.....](4/66)
هنيئا مريئا، يا رسول الله، قد علمنا الآن مالك عند الله، وما يفعل بك، فما لنا عند الله وما يفعل بنا، فنزلت سورة الأحزاب «وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً «1» » يعنى عظيما وهي الجنة وأنزل «لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ... » «2» .
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ يعني الطمأنينة لِيَزْدادُوا يعني لكي يزدادوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ يعني تصديقا مع تصديقهم الذي أمرهم الله به في كتابه فيقروا «أن يكتبوا» «3» باسمك اللهم، ويقروا أن يكتبوا هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله، وذلك
أنه لما نزل النبي- صلى الله عليه وسلم- بالحديبية «بعثت قريش منهم» «4» سهيل بن عمرو القرشي وحويطب ابن عبد العزى، ومكرز بن حفص بن الأحنف على أن يعرضوا على النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يرجع من عامه ذلك، على أن تخلي قريش له مكة من العام المقبل ثلاثة أيام، ففعل ذلك النبي- صلى الله عليه وسلم- وكتبوا بينهم وبينه كتابا فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لعلي بن أبي طالب- عليه السلام-: اكتب بيننا كتابا: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل بن عمرو وأصحابه: ما نعرف هذا، ولكن اكتب ما نعرف باسمك اللهم. فهم أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- ألا يقروا بذلك، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لعلى عليه السلام-:
__________
(1) سورة الأحزاب: 47.
(2) فى أ، ف، ل، اضطراب، فقد فسروا الآية، ثم الآية 6، ثم الآية 4 من سورة الفتح. وقد أعدت ترتيب الآيات، وترتيب تفسيرها.
(3) فى أ: «أن اكتبوا» .
(4) كذا فى أ، ف، ل، والأنسب «جماعة منهم» ، أو «بعثت قريش ثلاثة هم» .(4/67)
اكتب ما يقولون، فكتب: باسمك اللهم. ثم قال: اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة. فقال سهيل بن عمرو وأصحابه: لقد ظلمناك إن علمنا أنك رسول الله ونمنعك ونردك عن بيته، ولا نكتب هذا. ولكن اكتب الذي نعرف:
هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-:
يا علي، اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله، وأنا أشهد أني رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله. فهم المسلمون ألا يقروا أن يكتبوا هذا ما صالح عليه محمد ابن عبد الله. فأنزل الله السكينة يعني الطمأنينة عليهم. فذلك قوله: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ»
أن يقروا لقريش حتى يكتبوا باسمك اللهم ...
إلى آخر القصة، وأنزل في قول أهل مكة لا نعرف أنك رسول الله ولو علمنا ذلك لقد ظلمناك حين نمنعك عن بيته.
... وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً «1» أن محمد رسول الله فلا شاهد أفضل منه «2» .
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً «3» - 4- عليما بخلقه، حكيما في أمره «4» لِيُدْخِلَ «5» الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يعني لكي يدخل المؤمنين والمؤمنات بالإسلام جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ من تحت البساتين خالِدِينَ فِيها لا يموتون وَلكي يُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ يعني يمحو عنهم ذنوبهم وَكانَ ذلِكَ الخير عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً- 5- فأخبر الله- تعالى- نبيه «بما» «6» يفعل بالمؤمنين، فانطلق عبد الله بن أبي رأس المنافقين فى نفر
__________
(1) سورة الفتح: 28.
(2) نهاية تفسير الآية 4، وقد ذكرت فى ورقة [160 ب] .
(3) تكملة الآية 4 وهو ساقط من التفسير.
(4) فى آخر صفحة [160 أ] ، أى من مكان آخر.
(5) تفسير الآية 5 وقد ذكرت فى ورقة [160] .
(6) فى أ: «ما» .(4/68)
معه إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: ما لنا عند الله؟ فنزلت بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً «1» يعنى وجيعا وَيُعَذِّبَ يعنى ولكي يعذب الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ من أهل المدينة عبد الله بن أبي وأصحابه وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ يعني من أهل مكة الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ وكان ظنهم حين قالوا: واللات والعزى ما نحن وهو عند الله إلا بمنزلة واحدة، وأن محمد الا ينصر فبئس حين ما ظنوا. يقول الله عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ فى الآخرة جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً- 6- يعني وبئس المصير، وأنزل الله- تعالى- في قول عبد الله بن أبي حين قال: فأين أهل فارس والروم؟ وَلِلَّهِ جُنُودُ [160 ب] «2» السَّماواتِ يعني الملائكة وَالْأَرْضِ يعني المؤمنين فهؤلاء أكثر من فارس والروم وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً في ملكه حَكِيماً- 7- في أمره فحكم النصر للنبي- صلى الله عليه وسلم- وأنزل في قول عبد الله بن أبي «كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي» أي محمد- صلى الله عليه وسلم- وحده إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ «3» يقول أقوى وأعز من أهل فارس والروم لقول عبد الله بن أبي هم أشد بأسا وأعز عزيزا [161 ا] «4» إِنَّا أَرْسَلْناكَ يا محمد إلى هذه الأمة شاهِداً عليها بالرسالة وَأرسلناك
__________
(1) سورة النساء: 138.
(2) هكذا نجد أول ورقة [160 ب] رغم أنى نقلت آخرها قبل أولها حتى أرتب تفسير الآيات كما وردت فى المصحف لأن النسخ ذكرت تفسير الآيات 5، 6، 7 قبل تفسير الآية 4 فأصلحت هذا الخطأ.
(3) سورة المجادلة: 21، وقد وردت بالنسخ « ... إنى لقوى عزيز» .
(4) السطر الثاني من ورقة [161 ا] لأن السطر الأول يتبع آية قادمة وقد ذكر فى «ف» عند هذه الآية وهي قوله- تعالى-: «إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ ... » .. الآية 10. [.....](4/69)
مُبَشِّراً بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة وَنَذِيراً- 8- من النار لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ يعني لتصدقوا بِاللَّه أَنَّهُ واحد لا شريك لَهُ وَرَسُولِهِ محمدا- صلى الله عليه وسلم- وَتُعَزِّرُوهُ يعني تنصروه وتعاونوه على أمره كله وَتُوَقِّرُوهُ يعني وتعظموا النبي- صلى الله عليه وسلم- وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا- 9- يعني وتصلوا لله بالغداة والعشي، وتعزروه مثل قوله في الأعراف ... فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ ... «1» .
«ولما قال المسلمون للنبي- صلى الله عليه وسلم-: إنا نخشى ألا يفي المشركون بشرطهم فعند ذلك تبايعوا على أن يقاتلوا ولا يفروا يقول: الله رضى عنهم ببيعتهم «2»
» .
إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ يوم الحديبية تحت الشجرة في الحرم وهي بيعة الرضوان، كان المسلمون يومئذ ألفا وأربعمائة رجل، فبايعوا النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أن يقاتلوا ولا يفروا من العدو، فقال: إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ بالوفاء لهم بما وعدهم من الخير فَوْقَ أَيْدِيهِمْ حين قالوا النبي- صلى الله عليه وسلم- إنا نبايعك على ألا نفر ونقاتل فاعرف لنا ذلك، فَمَنْ نَكَثَ البيعة فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ من البيعة فَسَيُؤْتِيهِ في الآخرة أَجْراً يعني جزاء عَظِيماً- 10- يعني في الجنة نصيبا وافرا سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ مخافة القتال وهم مزينة وجهينة وأسلم وغفار وأشجع شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فى التخلف وكانت منازلهم
__________
(1) سورة الأعراف: 157.
(2) ما بين القوسين « ... » : من ف، وهي في أفى مكان آخر، قبل تفسير الآية 8.(4/70)
بين مكة والمدينة فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ «بِأَلْسِنَتِهِمْ» «1» يعني يتكلمون بألسنتهم مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ من أمر الاستغفار لا يبالون استغفر لهم النبي- صلى الله عليه وسلم- أم لا قُلْ لهم يا محمد: فَمَنْ يَمْلِكُ يعني فمن يقدر لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً نظيرها في الأحزاب «2» إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا يعنى الهزيمة أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً يعني الفتح والنصر يعني حين يقول: فمن يملك دفع الضر عنكم، أو منع النفع غير الله بل الله يملك ذلك كله، ثم استأنف بَلْ كانَ اللَّهُ بِما «تَعْمَلُونَ» «3» خَبِيراً- 11- «فى تخلفكم «4» » وقولكم إن محمدا وأصحابه كلفوا شيئا لا يطيقونه، ولا يرجعون أبدا، وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- مر بهم فاستنفرهم، فقال بعضهم لبعض: إن محمدا وأصحابه أكلة رأس لأهل مكة لا يرجع هو وأصحابه أبدا فأين تذهبون؟ أتقتلون أنفسكم؟ انتظروا حتى تنظروا ما يكون من أمره، فأنزل الله- عز وجل- لقولهم له قالوا:
«شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا» بَلْ منعكم من السير أنكم ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ يقول أن لن يرجع الرسول وَالْمُؤْمِنُونَ من الحديبية إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً [161 ب] وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ يقول فبئس ما ظنوا ظن السوء حين زين لهم في قلوبهم وأيأسهم أن محمدا وأصحابه لا يرجعون أبدا نظيرها فى الأحزاب ... وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا «5» يعني الإياسة من النصير، فقال الله- تعالى-: وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً- 12- يعني هلكى بلغة عمان، مثل قوله: ... وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ «6» أى دار الهلاك
__________
(1) فى الأصل: بأفواههم.
(2) فى أ: «يعملون» .
(3) يشير إلى الآية 52 من سورة الأحزاب ... إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ....
(4) فى أ: «فى تخلفهم» .
(5) فى سورة الأحزاب: 10.
(6) سورة إبراهيم: 28.(4/71)
ومثل قوله: ... تِجارَةً لَنْ تَبُورَ «1» يعني لن تهلك وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يعني بصدق بتوحيد الله وَرَسُولِهِ «2» محمدا- صلى الله عليه وسلم- فَإِنَّا أَعْتَدْنا فى الآخرة لِلْكافِرِينَ سَعِيراً- 13- يعني وقودا، فعظم نفسه وأخبر أنه غني عن عباده، فقال: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً لذنوب المؤمنين رَحِيماً- 14- بهم سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ عن الحديبية مخافة القتل إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها يعنى غنائم خيبر ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ إلى خيبر، وكان الله- تعالى- وعد نبيه- صلى الله عليه وسلم- بالحديبية أن يفتح عليه خيبر، «ونهاه عن أن يسير» «3» معه أحد من المتخلفين فلما رجع النبي- صلى الله عليه وسلم- من الحديبية يريد خيبر قال المخلفون: ذرونا نتبعكم فنصيب معكم من الغنائم. فقال الله- تعالى-: يُرِيدُونَ أَنْ «يُبَدِّلُوا» «4» كَلامَ اللَّهِ يعني أن «يغيروا» كلام الله الذي أمر النبي- صلى الله عليه وسلم-، «وهو» «5» ألا يسير معه أحد منهم قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ يعنى هكذا قالَ اللَّهُ بالحديبية مِنْ قَبْلُ خيبر أن لا تتبغونا فَسَيَقُولُونَ «6» للمؤمنين إن الله لم ينهكم بَلْ تَحْسُدُونَنا بل منعكم الحسد أن نصيب معكم الغنائم، ثم قال: بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ النهى من الله إِلَّا قَلِيلًا- 15- منهم، ثم قال: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ عن الحديبية مخافة القتل سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ يعني أهل اليمامة يعني بني حنيفة: مسيلمة بن حبيب الكذاب الحنفي وقومه،
__________
(1) سورة فاطر: 29.
(2) فى أ: «وبرسوله» .
(3) فى أ: «ونهاه أن يسير» .
(4) فى الأصل: «يغيروا» .
(5) «وهو» : زيادة اقتضاها السياق.
(6) فى أزيادة: «فسيقولون» . [.....](4/72)
دعاهم أبو بكر- رضي الله عنه- إلى قتال أهل اليمامة يعني هؤلاء الأحياء الخمسة جهينة ومزينة وأشجع وغفار وأسلم تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا أبا بكر إذا دعاكم إلى قتالهم يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً في الآخرة يعني جزاء كريما في الجنة وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يعني تعرضوا عن قتال أهل اليمامة كَما تَوَلَّيْتُمْ يعني كما أعرضتم مِنْ قَبْلُ عن قتال الكفار يوم الحديبية يُعَذِّبْكُمْ الله في الآخرة عَذاباً أَلِيماً- 16- يعني وجيعا.
حدثنا [162 أ] عبد اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْهُذَيْلِ، قَالَ: قال مُقَاتِلُ: خلافة أبي بكر- رضي الله عنه- فى هذه الآية مؤكدة، ثم عذر أهل الزمانة فقال: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ في تخلفهم عن الحديبية، يقول من تخلف عن الحديبية من هؤلاء المعذورين فمن شاء منهم أن يسير معكم فليسر وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ في الغزو يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يعني يعرض عن طاعتهما في التخلف من غير عذر يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً- 17- يعني وجيعا لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ بالحديبية يقول رضي ببيعتهم إياك فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ من الكراهية للبيعة على أن يقاتلوا ولا يفروا في أمر البيعة «فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ» «1» وَأَثابَهُمْ يعني وأعطاهم فَتْحاً قَرِيباً- 18- يعني مغانم خيبر وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً يعني منيعا حَكِيماً- 19- في أمره فحكم على أهل خيبر القتل والسبي، ثم قال: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها مع النبي- صلى
__________
(1) «فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ» : ساقطة من أ.(4/73)
الله عليه وسلم- ومن بعده إلى يوم القيامة فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ يعني غنيمة خيبر وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ يعنى خلفاء أهل خيبر أسد وغطفان جاءوا لينصروا أهل خيبر، وذلك أن مالك بن عوف النضري، وعيينة بن حصن الفزاري ومن معهما من أسد وغطفان جاءوا لينصروا أهل خيبر فقذف الله في قلوبهم الرعب، فانصرفوا عنهم، فذلك قوله: «وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ» يعني أسد وغطفان وَلِتَكُونَ يعني ولكي تكون هزيمتهم من غير قتال آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً- 20- يعني تزدادون بالإسلام تصديقا مما ترون من عدة الله في القرآن من الفتح والغنيمة كما قال نظيرها في المدثر ... وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً ... «1» يعني تصديقا بمحمد- صلى الله عليه وسلم- وبما جاء به فى خزنة جهنم، قوله: وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها يعني قوى فارس والروم وغيرها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ علمه بِها أن يفتحها على يدي المؤمنين وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من القرى قَدِيراً- 21- على فتحها قال: وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ منهزمين ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً- 22- يعنى ولا مانعا يمنعهم من الهزيمة يقول كذلك كان «سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ [162 ب] مِنْ قَبْلُ» «2» كفار مكة حين هزموا ببدر فهؤلاء بمنزلتهم «3» وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا
__________
(1) سورة المدثر: 31.
(2) ورد هذا الجزء من الآية فى الأصل: «سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ» فأصلحته طبقا للآية فى المصحف.
(3) فى أسطر مكرر وهو السطر الآتي: يعنى كفار مكة حين هزموا ببدر فهؤلاء بمنزلتهم «وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا» منهزمين يعنى كفار مكة.(4/74)
- 23- يعنى تحويلا، ثم قال: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ يعني كفار مكة يوم الحديبية بِبَطْنِ مَكَّةَ يوم الحديبية يعني ببطن أرض مكة كلها والحرم كله مكة مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وقد كانوا خرجوا يقاتلون النبي- صلى الله عليه وسلم- فهزمهم النبي- صلى الله عليه وسلم- بالطعن والنبل حتى أدخلهم بيوت مكة وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً- 24- ثم قال: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني كفار مكة وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أن تطوفوا به وَصدوا الْهَدْيَ فى عمرتكم يوم الحديبية مَعْكُوفاً يعني محبوسا وكان النبي- صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية في عمرته مائة بدنة ويقال سبعين بدنة فمنعوه أَنْ يَبْلُغَ الهدى مَحِلَّهُ يعني منحره، ثم قال:
وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أنهم مؤمنون أَنْ تَطَؤُهُمْ بالقتل بغير علم تعلمونه منهم فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ «بِغَيْرِ عِلْمٍ» «1» يعني فينالكم من قتلهم عنت فيها تقديم، لأدخلكم من عامكم هذا مكة «لِيُدْخِلَ» «2» لكي يدخل اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ منهم عياش بن أبي ربيعة، وأبو جندل ابن سهيل بن عمرو، والوليد بن الوليد بن المغيرة، وسلمة بن هشام بن المغيرة، كلهم من قريش وعبد الله بن أسد الثقفي يقول: لَوْ تَزَيَّلُوا يقول لو اعتزل «المؤمنون «3» » الذين بمكة من كفارهم لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ يعني كفار مكة عَذاباً أَلِيماً- 25- يعني وجيعا وهو القتل بالسيف، قوله: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ وذلك
__________
(1) «بِغَيْرِ عِلْمٍ» : ساقطة من أ.
(2) فى أ: «لكي يدخل» .
(3) فى الأصل: «المؤمنين» .(4/75)
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قدم عام الحديبية في ذي القعدة معتمرا ومعه الهدى، فقال كفار مكة: قتل آباءنا وإخواننا ثم أتانا يدخل علينا في منازلنا ونساءنا، وتقول العرب: إنه دخل على رغم آنافنا، والله لا يدخلها أبدا علينا، فتلك الحمية التي في قلوبهم فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ «1» يعني أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- كَلِمَةَ التَّقْوى يعني كلمة الإخلاص وهي- لا إله إلا الله- وَكانُوا أَحَقَّ بِها من كفار مكة وَكانوا أَهْلَها في علم الله- عز وجل- وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً- 26- بأنهم كانوا أهل التوحيد في علم الله- عز وجل-.
قوله: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ وذلك أن الله- عز وجل- أرى النبي- صلى الله عليه وسلم- في المنام وهو بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أنه وأصحابه حلقوا وقصروا، فأخبر النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِك أصحابه ففرحوا واستبشروا وحسبوا أنهم داخلوه [163 أ] في عامهم ذلك، وقالوا: إن رؤيا النبي- صلى الله عليه وسلم- حق. فردهم الله- عز وجل- عن دخول المسجد الحرام إلى غنيمة خيبر، فقال المنافقون عبد الله بن أبي، وعبد الله بن رسل، ورفاعة ابن التابوه: والله، ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا المسجد الحرام. فأنزل الله- تعالى- «لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ» لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ يعنى العام المقبل إِنْ شاءَ اللَّهُ يستثنى على نفسه مثل قوله: «سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى، إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ» «2» ويكون ذلك «تأديبا للمؤمنين» «3» ألا يتركوا الاستثناء، فى رد المشيئة
__________
(1، 2) سورة الأعلى: 6- 7.
(3) فى أ: «تأديب المؤمنين» والورقة ساقطة من ف.(4/76)
إلى الله- تعالى- آمِنِينَ من العدو مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ من أشعاركم لا تَخافُونَ عدوكم فَعَلِمَ الله أنه يفتح عليهم خيبر قبل ذلك «فعلم» ما لَمْ تَعْلَمُوا فذلك قوله: فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ يعني قبل ذلك الحلق والتقصير فَتْحاً قَرِيباً- 27- يعني غنيمة خيبر وفتحها، فلما كان في العام المقبل بعد ما رجع من خيبر أدخله الله هو وأصحابه المسجد الحرام، فأقاموا «بمكة» «1» ثلاثة أيام فحلقوا وقصروا تصديق رؤيا النبي- صلى الله عليه وسلم-.
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ «رَسُولَهُ محمدا- صلى الله عليه وسلم- بِالْهُدى من الضلالة» «2» وَدِينِ الْحَقِّ يعني دين الإسلام لأن كل دين باطل غير الإسلام لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ يعني على ملة أهل الأديان كلها، ففعل الله ذلك به حتى قتلوا وأقروا بالخراج، وظهر الإسلام على أهل كل دين ... وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ «3» يعني العرب، ثم قال وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً- 28- فلا شاهد أفضل من الله- تعالى- بأن محمدا- صلى الله عليه وسلم- رسول الله، فلما كتبوا الكتاب يوم الحديبية، وكان كتبه علي بن أبي طالب- عليه السلام- فقال سهيل بن عمرو وحو يطب بن عبد العزى: لا نعرف أنك رسول الله، ولو عرفنا ذلك لقد ظلمناك إذا حين نمنعك عن دخول بيته. فلما أنكروا أنه رسول الله، أنزل الله- تعالى- «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى» من الضلال «وَدِينِ الْحَقِّ ... » إلى آخر السورة، ثم قال- تعالى- للذين أنكروا أنه رسول
__________
(1) فى أ: «بها» .
(2) فى أ: (رَسُولَهُ بِالْهُدى) محمد- صلى الله عليه وسلم- من الضلالة» ، وفى ف: « (بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ) من الضلالة» .
(3) سورة الصف: 9.(4/77)
الله: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ من المؤمنين أَشِدَّاءُ يعني غلظاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ يقول متوادين بعضهم لبعض تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يقول إذا رأيتهم تعرف أنهم أهل ركوع وسجود في الصلوات يَبْتَغُونَ فَضْلًا يعني رزقا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً يعني يطلبون رضى ربهم سِيماهُمْ يعني علامتهم فِي وُجُوهِهِمْ الهدى والسمت الحسن مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ يعني من أثر الصلاة ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ يقول ذلك الذي ذكر من نعت أمة محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي التوراة، ثم ذكر نعتهم في الإنجيل فقال: وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ يعني الحلقة وهو النبت الواحد في أول ما يخرج فَآزَرَهُ يعني فأعانه أصحابه يعني «الوابلة» «1» التي تنبت حول الساق فآزره كما آزر «الحلقة «2» [163 ب] والوابلة» بعضه بعضا فأما شطأه فهو محمد- صلى الله عليه وسلم- خرج وحده كما خرج النبت وحده، وأما الوابلة التي تنبت حول الشطأة فاجتمعت فهم المؤمنون كانوا في قلة كما كان أول الزرع دقيقا، ثم زاد نبت الزرع فغلظ فآزره فَاسْتَغْلَظَ كما آزر المؤمنون بعضهم بعضا حتى إذا استغلظوا واستووا على أمرهم كما استغلظ هذا الزرع فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ فكما يعجب الزراع حسن زرعه حين استوى قائما على سوقه، فكذلك يغيظ الكفار كثرة المؤمنين واجتماعهم، ثم قال: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ من الأعمال مِنْهُمْ مَغْفِرَةً لذنوبهم وَأَجْراً عَظِيماً- 29- يعني به الجنة.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: قال الْهُذَيْلُ عن محمد بن إسحاق:
قال: المعرة. الدية. ويقال الشين.
__________
(1) كذا فى أ، ف: «الوابلة» .
(2) فى أ: «الحلقة الوابلة» ، وفى ف: «الحقلة والوابلة» . [.....](4/78)
سورة الحجرات(4/79)
[سورة الحجرات (49) : الآيات 1 الى 18]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4)
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (17) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18)(4/81)
[سورة الحجرات «1» ] سورة الحجرات مدنية.
عددها ثماني عشرة آية كوفى «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
محافظة أمر الحق- تعالى-، ومراعاة حرمة الأكابر والتؤدة في الأمور، واجتناب التهور، والاحتراز عن السخرية بالخلق، والحذر من النجسس والغيبة، وترك الفخر بالأحساب والأنساب:
والتحاشى عن المنة على الله بالطاعة وإحالة علم الغيب إلى الله- تعالى- فى قوله: «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ» سورة الحجرات: 18.
وسميت سورة الحجرات لقوله فيها: «إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون: 4.
(2) فى المصحف: (49) سورة الحجرات مدنية وآياتها 18 نزلت بعد المجادلة.
ومن العجيب أن نسخة أ (أحمد الثالث) : سورة الحجرات مدنية عددها تسعة وعشرون آية كوفية، وفيها خطأ لغوى، فالصواب تسع وعشرون، كما أن بها خطأ فى العدد، لأن المعروف أن سورة الحجرات ثماني عشرة آية.
ولعله اشتبه عليه بسورة الفتح السابقة عليها إذ عددها تسع وعشرون آية.(4/85)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ نزلت في ثلاثة نفر وذلك أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعث سرية إلى ناحية أرض تهامة، وكانوا سبعة وعشرين رجلا منهم عروة بن أسماء السلمي، والحكم بن كيسان المخزومي، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وبشير الأنصاري، واستعمل عليهم المنذر ابن عمرو الأنصاري من النقباء وكتب صحيفة ودفعها إلى حرام بن ملحان ليقرأها على العدو، فكان طريقهم على بني سليم وبينهم وبَيْنَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- موادعة، ودس المنافقون إلى بني عامر بن صعصعة «وهم حرب على المسلمين «1» » إن أصحاب محمد مغرورون يختلفون من بين ثلاثة وأربعة فأرصدوهم وهم على بئر معوتة، وهو ماء لبني عامر فسار القوم ليلا، وأضل أربعة منهم بعيرا لهم منهم بشير الأنصاري، فأقاموا حتى أصبحوا، وسار المسلمون حتى أتوا على بني عامر «وهم حول الماء» «2» وعليهم عامر بن الطفيل العامري، فدعاهم المنذر ابن عمرو إلى الإسلام وقرأ عليهم حرام الصحيفة، فأبوا فاقتتلوا قتالا شديدا فلما عرفوا أنهم مقتولون، قالوا: اللهم، إنك تعلم أن رسولك أرسلنا، وإنا لا نجد من يبلغ عنا رسولك غيرك، فأقرءه منا السلام فقد رضينا بحسن قضائك لنا. وحمل عامر
__________
(1) «وهم حرب على المسلمين» : من ف، وفى ا: «وهم حرب المسلمون» .
(2) فى ا: «وهم على حول الماء» .(4/87)
ابن الطفيل على حرام فطعنه فقتله، وقتل بقيتهم غير المنذر بن عمرو، فإنه كان دارعا [164 أ] مقنعا وعروة بن أسماء السلمي، فقتل المنذر بعد ذلك فقالوا لعروة:
لو شئنا لقتلناك، فأنت آمن فإن شئت فارجع إلينا، وإن شئت فاذهب إلى غيرنا، فأنت آمن.
قال عروة: إني عاهدت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ألا أضع يدي في يد مشرك ولا أتخذه وليا. وجعل يحمل عليهم، ويضربونه بعرض رماحهم ويناشدونه، ويأبى عليهم فرموه بالنبل حتى قتلوه، وأتى جبريل النبي- صلى الله عليه وسلم- فأخبره بحالهم، فنعاهم النبي- صلى الله عليه وسلم- لأصحابه وقال: أرسل إخوانكم يقرءونكم السلام فاستغفروا لهم. ووجد الأربعة بعيرهم حين أصبحوا، فساروا فلما دنوا من ماء بني عامر لقيتهم وليدة لبني عامر فقالت: أمن أصحاب محمد أنتم؟ فقالوا: نعم، رجاء أن تسلم، فقالت: إن إخوانكم قد قتلوا حول الماء، النجاء النجاء. ألا ترون إلى النسور والعقبان قد تعلقن بلحومهم. فقال بشير الأنصاري: دونكم بعيركم أنظر لكم. فسار نحوهم فرأى إخوانهم مقتلين كأمثال البدن حول الماء فرجع إلى أصحابه فأخبرهم وقال لهم: ما ترون؟ قالوا: نرجع إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فنخبره الخبر. فقال بشير: لكني لا أرجع والله، حتى أتغدى من غداء القوم. فاقرءوا على النبي- صلى الله عليه وسلم- مني السلام ورحمة الله، ثم أتاهم فحمل عليهم، فناشدوه أن ارجع فأبى وحمل عليهم، فقتل منهم ثم قُتِلَ بعد، فرجع الثلاثة يسلون بعيرهم سلا «1» . فأتوا المدينة عند جنوح الليل، فلقوا رجلين من بني سليم جائين من عند رسول الله- صلّى الله عليه وسلم-
__________
(1) المعنى: يسيرون فى خفية خوف العدو قال- تعالى-: « ... قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً ... » سورة النور: 63، أى يخرجون خفية خشية أن يراهم النبي.(4/88)
فقالوا: من أنتما؟ قالا: من بني عامر. لأنهم كانوا «قريبا» «1» من بني عامر بالمدينة ولا يشعران بصنيع بنى عامر. فقالوا: «هذان» «2» من الذين قاتلوا إخواننا، فقتلوهما وسلبوهما، ثم دخلوا عَلَى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليخبروه فوجدوا الخبر قد سبق إليه، ثم قالوا: يا نبي الله، غشينا المدينة عند المساء فلقينا رجلين من بني عامر فقتلناهما، وهذا سلبهما. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: بل هما من بني سليم من حلفائي بئسما صنعتما، هذان رجلان من بني سليم كانا جاءا في أمر الموادعة. فنزلت فيهم «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» يقول لا تعجلوا بقتل أحد، ولا بأمر حتى تستأمروا النبي- صلى الله عليه وسلم- فوعظهم في ذلك، وأقبل قوم السلميين، فقالوا للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
إن صاحبينا قتلا عندك. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: إن صاحبيكم اعتزيا إلى عدونا فقتلا جميعا، وأخبرهم الخبر ولكنا سنعقل عن صاحبيكم لكل واحد منهما مائة [164 ب] من الإبل فجعل دية المشرك المعاهد كدية الحر المسلم،
قال:
وَاتَّقُوا اللَّهَ في المعاصي إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لمقالتكم عَلِيمٌ- 1- بخلقه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ يعنى كلامكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ يعني فوق كلام النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: احفظوا الكلام عنده، نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس، وشماس الأنصاري من بني الحارث بن الخزرج وكان في أذنيه وقر، وكان إذا تكلم عند النبي- صلى الله عليه وسلم- رفع صوته، ثم قال: وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ وفيه نزلت هذه الآية
__________
(1) فى ا، ف، م: «قريب» . والأنسب «قريبا» لأنه خبر كان.
(2) فى الأصل: «هذين» .(4/89)
«لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً «1» ... » يقول لا تدعوه باسمه يا محمد ويا بن عبد الله كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ يقول كما يدعو الرجل منكم باسمه يا فلان ويا بن فلان، ولكن عظموه ووقروه وفخموه وقولوا له: يا رسول الله، ويا نبي الله، يؤدبهم أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ يعني أن تبطل حسناتكم إن لم تحفظوا أصواتكم عند النبي- صلى الله عليه وسلم- وتعظموه وتوقروه وتدعوه باسم النبوة، فإنه يحبط أعمالكم وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ- 2- أن ذلك يحبطها، فلما نزلت هذه الآية أقام ثابت بن قيس في منزله مهموما حزينا مخافة أن يكون حبط عمله، وكان بدريا فانطلق جاره سعد ابن عبادة الأنصاري إلى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَه بقول ثابت بن قيس، بأنه قد حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ وهو في النار.
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لسعد: اذهب فأخبره، أنك لم تعن بهذه الآية، ولست من أهل النار، بل أنت من أهل الجنة وغيرك من أهل النار. يعني عبد الله بن أبي المنافق، فاخرج إلينا فرجع سعد إلى ثابت فأخبره بقول النبي- صلى الله عليه وسلم- ففرح وخرج إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- حين رآه: مرحبا برجل يزعم أنه من أهل النار بل غيرك من أهل النار، يعني عبد الله بن أبي- وكان جاره-، وأنت من أهل الجنة.
فكان ثابت بعد ذلك إذا كان عند النبي- صلى الله عليه وسلم- خفض صوته فلا يسمع من يليه، فنزلت فيه بعد الآية الأولى إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ
يعني يخفضون كلامهم عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ يعني أخلص الله قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَأَجْرٌ يعني جزاء عَظِيمٌ- 3- يعني الجنة، فقال ثابت بعد ذلك: ما يسرني أني لم أجهر بصوتى
__________
(1) سورة النور: 63.(4/90)
عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وأني لم أخفض صوتي «إذا» «1» امتحن الله قلبي للتقوى، وجعل لي مغفرة لذنوبي وجعل لي أجرا عظيما يعني الجنة. فلما كان على عهد أبي بكر الصديق- رضي الله عنه-[165 أ] غزا ثابت إلى اليمامة فرأى المسلمين قد انهزموا. فقال لهم: أف لكم، ولما تصنعون، اللهم إني أعتذر إليك من صنيع هؤلاء. ثم نظر إلى المشركين فقال: أُفٍّ لَكُمْ، وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، اللهم إني أبرأ إليك مما يعبد هؤلاء، ثم قاتلهم حتى قتل- رحمة الله عليه- قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ- 4- نزلت في تسعة رهط ثمانية منهم من بني تميم، ورجل من قيس، فمنهم الأقرع بن حابس المجاشعي، وقيس بن عاصم المنقري، والزبرقان بن بدر الهذلي، وخالد بن مالك، وسويد بن هشام النهشليين، والقعقاع بن معبد، وعطاء بن حابس، ووكيع بن وكيع من بنى دارم، وعيينة ابن حصن الفزاري، وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أصاب طائفة من ذراري بني العنبر، «فقدموا» «2» المدينة في الظهيرة «لفداء» «3» ذراريهم فتذكروا ما كان من أمرهم فبكت الذراري إليهم فنهضوا إلى المسجد والنبي- صلى الله عليه وسلم- في منزله فاستعجلوا الباب لما أبطأ عليهم النبي- صلى الله عليه وسلم- فنادى أكثرهم من وراء الحجرات: يا محمد. مرتين ألا تخرج إلينا فقد جئنا في الفداء،
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: ويلك مالك حداك
__________
(1) فى أ: «إنى» ، وفى ف: «إذا» .
(2) فى أ: «قدموا» ، وفى ف: «فقدموا» .
(3) فى أ: «لفدى» .(4/91)
المنادي «1» فقال: أما والله إن حمدي لك زين وإن ذمي لك شين. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: ويلكم ذلكم الله- تعالى- فلم يصبروا حتى يخرج إليهم- صلى الله عليه وسلم-
فذلك قوله وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ يعني بالخير لو أنهم صبروا «حتى تخرج إليهم لأطلقتهم من غير فداء» «2» . ثم قال: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ- 5- لقولهم يا محمد ألا تخرج إلينا قوله:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط الأموي إلى بني المصطلق وهم حي من خزاعة، ليقبض صدقة أموالهم فلما بلغهم ذلك فرحوا واجتمعوا ليتلقوه فبلغ الوليد ذلك فخافهم على نفسه وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية من أجل شيء كانوا أصابوه فرجع إلى النبي- صلى الله عليه وسلم، فقال: طردوني ومنعونى الصدقة وكفوا بعد إسلامهم فلما قال ذلك انتدب المسلمون لقتالهم «3» ، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: إلا حتى أعلم العلم. فلما بلغهم أن الوليد رجع من عندهم بعثوا وفدا من وجوههم فقدموا على النبي- صلى الله عليه وسلم- المدينة، فقالوا: يا رسول الله، إنك أرسلت إلينا من يأخذ صدقاتنا فسررنا بذلك، وأردنا أن نتلقاه فذكر لنا أنه رجع من بعض الطريق فحفنا أنه إنما [165 ب] رده غضب علينا وإنا تعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، والله ما رأيناه ولا أتانا ولكن حمله على ذلك شيء كان بيننا وبينه في الجاهلية فهو يطلب يدخل الجاهلية، فصدقهم
__________
(1) كذا فى أ، ف.
(2) من ف: وفى أ: «لخلا النبي- صلّى الله عليه وسلم- بغير فدى» .
(3) كذا فى أ، ف. والمعنى ندب المسلمون أنفسهم لقتالهم، وحثوا بعضهم على قتالهم. [.....](4/92)
النبي- صلى الله عليه وسلم-
فأنزل الله- تعالى- في الوليد ثلاث آيات متواليات بفسقه وبكذبه «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ» يقول إن جاءكم كاذب بحديث كذب فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قتل قَوْماً بِجَهالَةٍ وأنتم جهال بأمرهم يعني بني المصطلق فَتُصْبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ- 6- يعني الذين انتدبوا لقتال بني المصطلق وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ يقول لو أطاعكم النبي- صلى الله عليه وسلم- حين انتدبتم لقتالهم فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ يعني لأثمتم في دينكم، ثم ذكرهم النعم، فقال وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ يعنى التصديق وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ للثواب الذي وعدكم وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ يعني الإثم وَالْعِصْيانَ يعني بغض إليكم المعاصي للعقاب الذي وعد أهله فمن عمل بذلك منكم وترك ما نهاه عنه أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ- 7- يعنى المهتدين فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً يقول الإيمان الذي حببه إليكم فضلا من الله ونعمة يعنى ورحمة وَاللَّهُ عَلِيمٌ بخلقه حَكِيمٌ- 8- فى أمره، قوله وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- وقف على حمار له يقال له يعفور قبال الحمار، فقال عبد الله بن أبي للنبي- صلى الله عليه وسلم-: خل للناس «مسيل» «1» الريح من نتن هذا الحمار. ثم قال: أف وأمسك بأنفه فشق على النبي- صلى الله عليه وسلم- قوله. فانصرف النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: عبد الله بن أبي رواحة، ألا أراك أمسكت على أنفك من بول حماره، والله، لهو أطيب ريح «عرض» «2» منك. فلجا في القول فاجتمع قوم عبد الله بن رواحة، الأوس، وقوم عبد الله بن أبى الخزرج، فكان بينهم
__________
(1) فى أ: «سبيل» ، ف: «مسبل» .
(2) فى أ، ف: «عرض» ولعل معناه أن عرضه وشرفه نزيه برىء طيب.(4/93)
ضرب بالنعال والأيدي والسعف فرجع النبي- صلى الله عليه وسلم- إليهم فأصلح بينهم، فأنزل الله- تعالى- «وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»
يعني الأوس والخزرج اقتتلوا. فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بكتاب الله- عز وجل- فإن كره بعضهم الصلح، قال الله: فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى ولم ترجع إلى الصلح فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي بالسيف يعني التي لم ترجع حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ يعنى حتى ترجع إلى الصلح الذي أمر فَإِنْ فاءَتْ يعني فإن رجعت إلى الصلح فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا يعنى وأعدلوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ- 9- يعنى الذين يعدلون بين الناس، ثم قال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [166 أ] . يعني الأوس والخزرج وَاتَّقُوا اللَّهَ ولا تعصوه، لما كان بينكم، قوله: لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ- 10- يعني لكي ترحموا فلا تعذبوا لما كان بينكم، قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ يقول لا يستهزئ الرجل من أخيه، فيقول: إنك ردئ المعيشة، لئيم الحسب، وأشباه ذلك مما ينقصه به من أمر دنياه، ولعله خير منه عند الله- تعالى- فأما الذين استهزءوا فهم الذين نادوا النبي- صلى الله عليه وسلم- من وراء «الحجرات» «1» «وقد استهزءوا «2» » من الموالي عمار ابن ياسر، وسلمان الفارسي، وبلال المؤذن، وخباب بن الأرت، وسالم مَوْلَى أَبِي حُذَيْفة، وعامر بن فهيرة، ونحوهم من الفقراء قال: «وإن سالم مولى أبي حذيفة كان معه راية المسلمين يوم اليمامة» «3» فقالوا له: إنا نخشى عليك. فقال سالم: بئس
__________
(1) فى أ: «الحجاب» ، وفى ف: «الحجرات» .
(2) «استهزءوا» : فى أ، ف.
(3) ما بين « ... » ورد هكذا فى أ، ف.(4/94)
حامل القرآن أنا إذًا، فقاتل حتى قُتِلَ ثم قال: عَسى أَنْ يَكُونُوا «1» خَيْراً مِنْهُمْ «عند الله» «2» وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ «عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ» «3» نزلت في عائشة «بنت» «4» أبي بكر- رضي الله عنهما- استهزأت من قصر أم سلمة بنت أبي أمية، ثم قال: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ يقول لا يطعن بعضكم على بعض فإن ذلك معصية وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ وذلك
أن كعب بن مالك الأنصاري كان يكون على المقسم فكان بينه وبين عبد الله بن الحدرد الأسلمي بعض الكلام، فقال له:
يا أعرابي، فقال له عبد الله: يا يهودي. ثم انطلق عبد الله فأخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال «له» «5» النبي- صلى الله عليه وسلم- لعلك قلت له: يا يهودي؟
قال: نعم قد قلت له ذلك إذا لقبني أعرابيا وأنا مهاجر، فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم-: لا تدخلا علي حتى ينزل الله توبتكما فأوثقا أنفسهما إلى سارية المسجد إلى جنب المنبر، فأنزل الله- تعالى- فيهما «وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ»
يقول لا يعير الرجل أخاه المسلم بالملة التي كان عليها قبل الإسلام ولا يسميه بغير أهل دينه فإنه بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ يعني بئس الاسم هذا، أن يسميه باسم الكفر بعد الإيمان يعنى بعد ما تاب وآمن بالله- تعالى- وَمَنْ لَمْ يَتُبْ من قوله: فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
__________
(1) «عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ» : ساقطة من أ، ف، وفى الجلالين «عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ» عند الله.
(2) «عند الله» : زيادة من الجلالين.
(3) «عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ» : ساقطة من أ، ف.
(4) فى أ: «ابنت» .
(5) «له» : من ف، وليست فى أ.(4/95)
- 11- فلما أنزل الله- تعالى- توبتهما وبين أمر هما تابا إلى الله- تعالى- من قولهما وحلا أنفسهما من الوثائق. قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ يقول لا تحققوا الظن وذلك أن الرجل يسمع من أخيه كلاما لا يريد به سوءا أو يدخل مدخلا لا يريد به سوءا فيراه أخوه المسلم أو يسمعه فيظن به سوءا فلا بأس ما لم يتكلم به فإن تكلم به أثم، فذلك قوله: إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ثم قال: وَلا تَجَسَّسُوا يعني لا يبحث الرجل عن عيب أخيه المسلم فإن ذلك معصية وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً نزلت في «فتير» «1» ويقال فهير خادم النبي- صلى الله عليه وسلم- وذلك أنه قيل له [166 ب] إنك وخيم ثقيل بخيل، والغيبة أن يقول الرجل المسلم لأخيه ما فيه من العيب، فإن قال ما ليس فيه فقد بهته ثم ضرب للغيبة مثلا، فقال: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً يقول إذا غاب عنك المسلم، فهو حين تذكره بسوء بمنزلة الشيء الميت لأنه لا يسمع بعيبك إياه فكذلك الميت لا يسمع ما قلت له، فذلك قوله: «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً» فَكَرِهْتُمُوهُ يعني كما كرهتم أكل لحم الميت فاكرهوا الغيبة لإخوانكم وَاتَّقُوا اللَّهَ في الغيبة فلا تغتابوا الناس إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ على من تاب رَحِيمٌ- 12- بهم بعد التوبة، والغيبة أن تقول لأخيك ما فيه من العيب فإن قلت ما ليس فيه فقد بهته، وإن قلت ما بلغك فهذا الإفك قوله: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى يعني آدم وحواء نزلت في بلال المؤذن وقالوا في سلمان الفارسي وفي أربعة نفر من قريش، فى عتاب بن أسيد ابن أبي العيص، والحارث بن هشام، وسهيل بن
__________
(1) فى أ: «فنبره ويقال فهيرة» ، ف: «فتير ويقال فهير» .(4/96)
عمرو، وأبي سفيان بن حرب، كلهم من قريش وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لما فتح مكة أمر بلالا فصعد ظهر الكعبة وأذن، وأراد أن يذل المشركين بذلك، فلما صعد بلال وأذن. قال عتاب بن أسيد: الحمد لله الذي قبض أسيد قبل هذا اليوم. وقال الحارث بن هشام: عجبت لهذا العبد الحبشي أما وجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا هذا الغراب الأسود وقال سهيل بن عمرو:
إن يكره الله شيئا يغيره. وقال أبو سفيان: أما أنا فلا أقول، فإني لو قلت شيئا لتشهدن عليّ السماء ولتخبرن عني الأرض- فنزل جبريل على النبي- صلى الله عليه وسلم- فأخبره بقولهم فدعاهم النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: كيف قلت يا عتاب؟ قال قلت: الحمد لله الذي قبض أسيد قبل هذا اليوم. قال: صدقت.
ثم قال للحارث بن هشام: كيف قلت؟ قال: عجبت لهذا العبد الحبشي أما وجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا هذا الغراب الأسود. قال: صدقت.
ثم قال لسهيل بن عمرو: كيف قلت؟ قال: قلت إن يكره الله شيئا يغيره. قال:
صدقت. ثم قال لأبي سفيان: كيف قلت؟ قال: قلت أما أنا فلا أقول شيئا فإني لو قلت شيئا لتشهدن عليّ السماء ولتخبرن عني الأرض. قال: صدقت، فأنزل الله- تعالى- فيهم «يا أَيُّهَا النَّاسُ»
يعنى بلالا وهؤلاء الأربعة «إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى» وعنى آدم وحواء وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً يعني رءوس القبائل ربيعة ومضر وبنو تميم والأزد وَقَبائِلَ يعني الأفخاذ بنو سعد، وبنو عامر، وبنو قيس، ونحوه لِتَعارَفُوا فى النسب [167 أ] ، ثم قال إِنَّ أَكْرَمَكُمْ يعني «بلالا» «1» عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ- 13- «يعنى أن أتقاكم بلال «2» » .
__________
(1) أ: «بلال» ، وفى ف: «بلال» .
(2) فى أ: «يعنى أتقاكم بلال» ، ر فى ف: يعنى «أن أتقاكم بلال» .
تفسير مقاتل ج 4- م 7.(4/97)
قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا نزلت في أعراب جهينة، ومزينة، وأسلم، وغفار، وأشجع، «كانت» «1» منازلهم بين مكة والمدينة، فكانوا إذا مرت بهم سرية من سرايا النبي- صلى الله عليه وسلم- قالوا آمنا ليأمنوا على دمائهم وأموالهم، وكان يومئذ من قال «لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ» يأمن على نفسه وماله فمر بهم خالد بن الوليد في سرية للنبي- صلى الله عليه وسلم- فقالوا آمنا فلم يعرض لهم، ولا لأموالهم، فلما سار النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى الحديبية واستنفرهم معه. فقال بعضهم لبعض:
إن محمدا وأصحابه أكلة رأس لأهل مكة، وإنهم كلفوا شيئا لا يرجعون عنه أبدا فأين تذهبون تقتلون أنفسكم؟ انتظروا حتى ننظر ما يكون من أمره، فذلك قوله في الفتح: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً ... إلى آخر الآية «2» فنزلت فيهم قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا يعنى صدقنا، قل لهم: يا محمد لَمْ تُؤْمِنُوا لم تصدقوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا يعني قولوا أقررنا باللسان، واستسلمنا لتسلم لنا أموالنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ يعني ولما يدخل التصديق فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ في قتال أهل اليمامة حيث قال في سورة الفتح: ... سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ... «3» يعنى قتال مسيلمة بين حبيب الكذاب وقومه بني حنيفة، وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إذا دعيتم إلى قتالهم لا يَلِتْكُمْ يعني لا ينقصكم مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً الحسنة يعنى جهاد أهل ايمامة
__________
(1) «كانت» : من ف، وليست فى ا. [.....]
(2) سورة الفتح: 12، وتمامها: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً.
(3) سورة الفتح: 16، وتمامها: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً.(4/98)
حين دعاهم أبو بكر- رضي الله عنه- إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ يعني ذو تجاوز لما كان قبل ذلك يوم الحديبية رَحِيمٌ- 14- بهم إذا فعلوا ذلك نظيرها فى الفتح، ثم أخبر عن المؤمنين فنعتهم، لقول هؤلاء الأعراب آمنا، فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ:
المصدقون في إيمانهم الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بِاللَّهِ بأنه واحد لا شريك له «وَرَسُولِهِ» «1» محمد- صلى الله عليه وسلم- أنه نبي رسول وكتابه الحق ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا يعني لم يشكوا في دينهم بعد الإيمان «وَجاهَدُوا» العدو مع النبي- صلى الله عليه وسلم- بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ يعني باشروا القتال بأنفسهم فِي سَبِيلِ اللَّهِ» «2» يعني في طاعة الله أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ- 15- فى إيمانهم قُلْ: يا محمد، لجهينة، ومزينة، وأسلم، وغفار، وأشجع: أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ حين قالوا آمنا بألسنتهم، وليس ذلك في قلوبهم، فأخبرهم أنه يعلم ما في قلوبهم «وما في قلوب» «3» أهل السموات فقال:
وَاللَّهُ يَعْلَمُ غيب ما فِي السَّماواتِ يعني ما في قلوب أهل السموات من الملائكة وَما فِي الْأَرْضِ يعني ويعلم غيب ما في قلوب أهل [167 ب] الأرض من التصديق وغيره وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مما في قلوبهم من التصديق وغيره عَلِيمٌ- 16- يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا نزلت في أناس من الأعراب:
بني أسد بن خزيمة قدموا على النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: جئناك وأتيناك بأهلنا طائعين عفوا على غير قتال، وتركنا الأموال والعشائر وكل قبيلة فى العرب
__________
(1) فى أ: «وبرسوله» .
(2) فى أ، ف «وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ» فخالف ترتيب الآية، وقد أعدت ترتيبها كما وردت فى المصحف «وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .
(3) «وما في قلوب» : زيادة اقتضاها السياق.(4/99)
قاتلوك حتى أسلموا، فلنا عليك حق فاعرف لنا ذلك. فنزلت فيهم «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ» يا محمد «أَنْ أَسْلَمُوا» قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ يعنى التصديق إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 17- فى أيمانكم إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ يعني غيب ما في قلوب أهل السموات من الملائكة وَالْأَرْضِ يعني يعلم ما في قلوب أهل الأرضين التصديق وغيره، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ- 18- من التصديق وغيره.(4/100)
سورة ق(4/101)
[سورة ق (50) : الآيات 1 الى 45]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (4)
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9)
وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14)
أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24)
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (26) قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (29)
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34)
لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (35) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (40) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (44)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45)(4/103)
[سورة ق «1» ] سورة ق مكية:
عددها خمس وأربعون آية كوفية «2» :
__________
(1) «مقصود السورة» :
إنبات النبوة الرسول- صلّى الله عليه وسلم- وبيان حجة التوحيد، والإخبار عن إهلاك القرون الماضية وعلم الحق- تعالى- بضمائر الخلق وسرائرهم، وذكر الملائكة الموكلين على الخلق، المشرفين على أقوالهم وذكر بعث القيامة، وذلك العاصين يومئذ، ومناظرة المنكرين بعضهم بعضا فى ذلك اليوم، وتغيظ الحجيم على أهله، وتشرف الجنة بأهلها والخبر عن خلق السماء والأرض وذكر نداء إسرافيل بنفخة الصور ووعظ الرسول- صلّى الله عليه وسلم- الخلق بالقرآن المجيد فى قوله: ... فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ سورة ق: 45.
(2) فى المصحف: (50) سورة ق مكية إلا آية 38 فمدينة وآياتها 45 نزلت بعد سورة المرسلات.(4/107)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ- 1- وقاف جبل من زمردة خضراء محيط بالعالم، فخضرة السماء منه ليس من الخلق شيء على خلقه «وتنبت» «1» الجبال منه، وهو وراء الجبال وعروق الجبال كلها من قاف، فإذا أراد الله- تعالى- زلزلة أرض أوحى إلى الملك الذي عنده أن يحرك عرقا من الجبل، فتتحرك الأرض «التي» «2» يريد وهو أول جبل خلق، ثم أبو قبيس بعده وهو الجبل الذي الصفا تحته ودون قاف بمسيرة سنة، جبل تغرب فيه الشمس يقال له الحجاب، فذلك قوله- تعالى- ... حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ «3» يعني بالجبل، وهو من وراء الحجاب وله وجه كوجه الإنسان وقلب كقلوب الملائكة في الخشية لله- تعالى- وهو من وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه، والحجاب دون قاف بمسيرة سنة وما بينهما ظلمة والشمس تغرب من وراء الحجاب في أصل الجبل، فذلك قوله ... حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ يعني بالجبل، وذلك قوله في مريم فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً ...
«4» يعنى جبلا. «وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ» يعنى والقرآن الكريم. فأقسم الله- تعالى- بهما «5» ، ثم استأنف بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ يعنى محمدا
__________
(1) «وتنبت» : من ف، وهي غير واضحة في أ.
(2) في الأصل «الذي» .
(3) سورة ص: 42 وتمامها فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ.
(4) سورة مريم: 17 وتمامها ... فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا.
(5) أى أقسم ب «ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ» .(4/109)
- صلى الله عليه وسلم- فَقالَ الْكافِرُونَ من أهل مكة هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ- 2- يعني هكذا الأمر عجيب أن يكون محمد رسولا، وذلك أن كفار مكة كذبوا بمحمد- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: «ليس من الله» «1» . وقالوا أيضا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ إلى الحياة بَعِيدٌ- 3- بأن البعث غير كائن، نزلت في أبي بن خلف الجمحي، وأبي الأشدين واسمه [168 أ] أسيد بن كلدة، وهما من بني جمح ونبيه ومنبه أخوين ابني الحجاج السهميين، وكلهم من قريش، وقالوا: إن الله لا يحيينا، وكيف يقدر علينا إذا كنا ترابا وضللنا في الأرض؟ يقول الله- تعالى-: قَدْ عَلِمْنا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ يقول ما أكلت من الموتى من لحوم، وعروق، وعظام بني آدم- ما خلا العصعص-: وتأكل لحوم الأنبياء «والعروق» ، «2» «ما خلا» «3» عظامهم مع علمي فيهم «وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ» «4» - 4- يعني محفوظ من الشياطين يعني اللوح المحفوظ. «قل بل الله يبعثهم» »
، ثم استأنف بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ يعني بالقرآن لَمَّا جاءَهُمْ يعني حين جاءهم به محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ- 5- يعني مختلف ملتبس، ثم وعظ كفار مكة ليعتبروا فقال: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها بغير عمد وَزَيَّنَّاها بالكواكب وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ- 6- يعنى من خلل وَالْأَرْضَ أولم يروا إلى الأرض كيف مَدَدْناها
يعنى بسطناها مسيرة خمسمائة سنة من
__________
(1) كذا فى أ، ف، والمعنى «ليس رسولا من عند الله» .
(2) فى أ: «والقرون» ، وفى ف: «والعروق» . [.....]
(3) فى أ: «ما خلا» ، وفى ف: «وما خلا» .
(4) في أ: « (عندنا) فى (كِتابٌ حَفِيظٌ) » ، وفى حاشية أ: «الآية (وعندنا) » .
(5) فى أ: «قل بل يبعثهم الله- تعالى-» وفى ف: «قل به الله يبعهم» .(4/110)
تحت الكعبة وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ يعني الجبال وهي ستة أجبل، والجبال كلها من هذه الستة الأجبل وَأَنْبَتْنا فِيها في الأرض مِنْ كُلِّ زَوْجٍ يعني من كل صنف من النبت بَهِيجٍ- 7- يعنى حسن تَبْصِرَةً وَذِكْرى يعني هذا الذي ذكر من خلقه جعله تبصرة وتفكرة لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ- 8- يعنى مخلص القلب بالتوحيد، ثم قال: وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً مُبارَكاً يعنى المطرفيه البركة حياة كل شيء فَأَنْبَتْنا بِهِ بالمطر جَنَّاتٍ يعنى بساتين وَحَبَّ الْحَصِيدِ- 9- يعني حين يخرج من سنبلة وَأنبتنا بالماء النَّخْلَ باسِقاتٍ يعني النخل الطوال لَها طَلْعٌ يعني الثمر نَضِيدٌ- 10- يعني منضود بعضه على بعض مثل قوله: وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ... «1» وجعلنا هذا كله رِزْقاً لِلْعِبادِ، ثم قال: وَأَحْيَيْنا بِهِ بالماء بَلْدَةً مَيْتاً لم يكن عليها نبت فنبتت الأرض، ثم قال: كَذلِكَ الْخُرُوجُ- 11- يقول وهكذا تخرجون من القبور بالماء، كما أخرجت النبت من الأرض بالماء، فهذا كله من صنيعه ليعرفوا توحيد الرب وقدرته على البعث «كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ» قبل أهل مكة قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ «2» يعنى أصحاب البئر اسمها قلج وهي البئر التي قتل فيها حبيب النجار صاحب ياسين وَثَمُودُ- 12- وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ- 13- وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ يعني غيضة الشجر أكثرها الدوم المقل وهم قوم شعيب- عليه السلام- وَقَوْمُ تُبَّعٍ بن أبي شراح ويقال شراحيل الحميري «كُلٌّ كل هؤلاء» «3» كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ- 14- يعنى فوجب عليهم عذابي فعذبتهم فاحذروا يا أهل مكة مثل عذاب الأمم الخالية [168 ب] ، فلا
__________
(1) سورة الواقعة: 9.
(2) الآية ناقصة وفيها أخطا. فى أ، ف.
(3) فى أ: (كل) هؤلاء.(4/111)
تكذبوا محمدا- صلى الله عليه وسلم-، لما قال كفار مكة: ... ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ «1» ، فأنزل الله- تعالى- أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ فى أول هذه السورة وذلك أن كفار مكة كذبوا بالبعث، يقول الله- تعالى- أعجزت عن الخلق حين خلقتهم ولم يكونوا شيئا، فكيف أعيى عن بعثهم، فلم يصدقوا، فقال الله- تعالى- بل يبعثهم الله، ثم استأنف فقال: بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ- 15- يقول في شك من البعث بعد الموت. ثم قال: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ يعني قلبه وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ- 16- وهو عرق خالط القلب فعلم الرب- تعالى- أقرب إلى القلب من ذلك العرق، ثم قال: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ يعني الملكين يتلقيان عمل ابن آدم ومنطقه عَنِ الْيَمِينِ ملك يكتب الحسنات وَعَنِ الشِّمالِ ملك قَعِيدٌ- 17- يكتب السيئات فلا يكتب صاحب الشمال إلا بإذن صاحب اليمين، فإن تكلم ابن آدم بأمر ليس له ولا عليه اختلفا في الكتاب «2» ، فإذا اختلفا نوديا من السماء ما لم يكتبه صاحب السيئات فليكتبه صاحب الحسنات، فذلك قوله: مَا يَلْفِظُ ابن آدم مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ- 18- يقول إلا عنده حافظ قعيد يعني ملكيه، قوله: وَجاءَتْ سَكْرَةُ يعنى غمرة الْمَوْتِ بِالْحَقِّ يعني أنه حق كائن ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ- 19- يعني من الموت تحيد، يعني يفر ابن آدم يعنى بالفرار كراهيته للموت، قوله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ يعنى النفخة الآخرة ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ- 20- يعنى بالوعيد العذاب فى الآخرة وَجاءَتْ في الآخرة كُلُّ نَفْسٍ كافرة مَعَها سائِقٌ
__________
(1) سورة ق: 2.
(2) كذا فى أ، ف، والمراد الكتابة، أى أن كل واحد منهما يريد أن يكتب هذا الأمر.(4/112)
يعني ملك يسوقها إلى محشرها وَشَهِيدٌ- 21- يعني ملكها هو شاهد عليها بعملها لَقَدْ كُنْتَ يا كافر فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا اليوم فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ يعني «عن غطاء الآخرة» «1» فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ- 22- يعني يشخص بصره، ويديم النظر فلا يطرف حتى يعاين في الآخرة ما كان يكذب به فى الدنيا وَقالَ قَرِينُهُ في الآخرة يعني صاحبه وملكه الذي كان يكتب عمله السيئ في دار الدنيا هَذَا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ- 23- يقول لربه قد كنت وكلتنى به في الدنيا، فهذا عندي معد حاضر من عمله الخبيث قد أتيتك به وبعمله، نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي يقول الله- تعالى-:
أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ يعنى الخازن وهو فى كلام العرب، «خذاه» «2» يخاطب الواحد مخاطبة الاثنين «للواحد» «3» كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ- 24- يعني المعرض عن توحيد الله- تعالى- وهو الوليد بن المغيرة، ثم ذكر عمله فقال: مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ يعني منع ابن أخيه وأهله عن الإسلام وكان لا [169 أ] يعطي في حق الله، «ويسر الغشم والظلم» «4» فهو مُعْتَدٍ مُرِيبٍ- 25- يعني شاكا في توحيد الله- تعالى- يعنى الوليد، ثم نعته فقال: الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فى الدنيا فَأَلْقِياهُ يعني الخازن فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ- 26- يعنى عذاب جهنم قالَ قَرِينُهُ يعني صاحبه وهو شيطانه الذي كان يزين له الباطل والشر رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ فيما يعتذر به إلى ربه يقول لم يكن لي قوة أن أضله
__________
(1) كذا فى أ، ف، ولعل أصله «عنك غطاء الآخرة» .
(2) في أ: «خذاه» ، وفى ف: «خذ له» .
(3) «للواحد» : من أوليست فى ف.
(4) فى أ، ف: «يسر الغشم والظلم» ، «وربما كان أصلها «بسبب الغشم والظلم» .
تفسير مقاتل ج 4- م 8(4/113)
بغير سلطانك وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ- 27- يعنى شيطانه يعنى ولكن كان في الدنيا الوليد بن المغيرة المخزومي في ضلال بعيد في خسران طويل قالَ الله- تعالى- لابن آدم وشيطانه الذي أغواه لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ يعنى عندي وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ- 28- يقول قد أخبرتكم في الدنيا بعذابي في الآخرة ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ يعني عندي الذي قلت لكم في الدنيا من الوعيد قد قضيت ما أنا قاض وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ- 29- يقول لم أعذب على غير ذنب «يَوْمَ نَقُولُ» يقول الرب «1» لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ- 30- «فينتقص» «2» .
قال مُقَاتِلُ: قال ابن عباس: وتقول «قط قط» ، وتقول «قد امتلأت» ، فليس في مزيد، تقول: ليس في سعة، وفي الجنة سعة» . فيخلق الله لها خلقا فيسكنون فضاءها «3» وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ يعني قربت الجنة لِلْمُتَّقِينَ الشرك غَيْرَ بَعِيدٍ- 31- فينظرون إليها قبل دخولها حين تنصب عن يمين العرش يقول هَذَا الخير مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ مطيع حَفِيظٍ- 32- لأمر الله- عز وجل- فقال: مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فأطاعه ولم يره وَجاءَ فى الآخرة بِقَلْبٍ مُنِيبٍ- 33- يعني بقلب مخلص ادْخُلُوها يعني الجنة بِسَلامٍ يقول فسلم الله لهم أمرهم وتجاوز عن سيئاتهم وشكر لهم اليسير من أعمالهم الصالحة ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ- 34-
__________
(1) فى أ: (يوم يقول) الرب.
(2) فى أ: «فتنتفض» ، وفى ف: «فينتقص» . [.....]
(3) الضمير عائد على الجنة، أى بخلق خلقا للجنة «فيسكنون فى قضائها» والكلمة في أ، ف:
فضاها.(4/114)
في الجنة لا موت فيها يعني في الجنة لَهُمْ ما يَشاؤُنَ من الخير فِيها وذلك أن أهل الجنة يزورون ربهم على مقدار كل يوم جمعة في رمال المسك فيقول: سلوني. فيسألونه: الرضا؟ فيقول: رضاي أحلكم داري، «وأنيلكم «1» » كرامتي، ثم يقرب إليهم ما لم تره عين، ولم تسمعه أذن، ولم يخطر على قلب بشر. ثم يقول: سلوني ما شئتم. فيسألونه حتى تنتهي مسألتهم فيعطون ما سألوا وفوق ذلك. فذلك قوله: «لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها» ثم يزيدهم الله من عنده ما لم يسألوا ولم يتمنوا ولم يخطر على قلب بشر من جنة عدن، فذلك قوله- تعالى-: وَلَدَيْنا مَزِيدٌ- 35- يعنى وعندنا مزيد [169 ب] ، ثم خوف كفار مكة، فقال: وَكَمْ أَهْلَكْنا بالعذاب قَبْلَهُمْ يعني قبل كفار مكة مِنْ قَرْنٍ يعنى أمة هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ من أهل مكة بَطْشاً يعني قوة فَنَقَّبُوا يعني هربوا فِي الْبِلادِ ويقال «حولوا» «2» في البلاد هَلْ مِنْ مَحِيصٍ- 36- يقول هل من فرار إِنَّ فِي ذلِكَ يعني في هلاكهم في الدنيا لَذِكْرى يعني لتذكرة لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ «يعني» «3» حيا يعقل الخير أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ يقول أن ألقى بأذنيه السمع وَهُوَ شَهِيدٌ- 37- يعني وهو شاهد القلب غير غائب وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وذلك أن اليهود قالوا إن الله حين فرغ «من خلق» «4» السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، استراح يوم السابع وهو يوم السبت، فلذلك لا يعملون يوم السبت شيئا «وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ»
__________
(1) فى أ: «وأنالكم» ، وفى حاشية أ: «وأنيلكم» .
(2) «حولوا» : كذا فى أ، ف.
(3) «يعنى» : ساقطة من أ.
(4) «من خلق» زيادة اقتضاها السياق.(4/115)
وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ومقدار كل يوم ألف سنة من أيامكم هذه وَما مَسَّنا يعني وما أصابنا مِنْ لُغُوبٍ- 38- يعنى من إعياء يقول الله- تعالى- لنبيه- صلى الله عليه وسلم- فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ لقولهم إن الله استراح يوم السابع وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ يقول وصل بأمر ربك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ- 39- يقول صل بالغداة والعشي يعني صلاة الفجر والظهر والعصر وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ يقول فصل المغرب والعشاء وَأَدْبارَ السُّجُودِ- 40- يعني الركعتين بعد صلاة المغرب وقتهما ما لم يغب الشفق وَاسْتَمِعْ يا محمد يَوْمَ «يُنادِ الْمُنادِ» «1» فهو إسرافيل وهي النفخة الآخرة مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ- 41- يعني من الأرض نظيرها في سبأ ... وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ «2» يعني من تحت أرجلهم، وهو إسرافيل- عليه السلام- قائم على صخرة بيت المقدس وهي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا فيسمع الخلائق كلهم فيجتمعون ببيت المقدس، «وهي» «3» وسط الأرض وهو المكان القريب، وهو، يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ يعني نفخة إسرافيل الثانية بالحق يعني أنها كائنة، فذلك قوله: ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ- 42- من القبور إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الموتى وَنُمِيتُ الأحياء وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ- 43- يعني مصير الخلائق كلهم إلى الله فى الآخرة، فقال: يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً إلى الصوت نظيرها فى «سَأَلَ سائِلٌ» «4»
__________
(1) فى أ: «ينادى المنادى» ، وفى المصحف: «يُنادِ الْمُنادِ» .
(2) سورة سبأ: 51.
(3) «وهي» : أى منطقة الاجتماع.
(4) سورة المعارج: 1، ويقصد الآية 43 وهي: «يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ» .(4/116)
ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ- 44- يعني جميع الخلائق علينا هين: وينادي في القرن، ويقول لأهل القبور: أيتها العظام البالية، وأيتها اللحوم المتمزقة، وأيتها العروق المتقطعة، وأيتها الشعور المتفرقة، اخرجوا لتنفخ فيكم أرواحكم، وتجازون بأعمالكم ويديم الملك الصوت، فذلك قوله: «يَوْمَ يَسْمَعُونَ» [170 أ] «الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ» «1» من القبور نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ في السر مما يكره النبي- صلى الله عليه وسلم- يعني كفار مكة وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ يا محمد بِجَبَّارٍ يعني بمسلط فتقتلهم فَذَكِّرْ يعني فعظ أهل مكة بِالْقُرْآنِ يعنى بوعيد القرآن مَنْ يَخافُ «وَعِيدِ» «2» - 45-: وعيدي يعنى عذابي فى الآخرة فيحذر المعاصي.
__________
(1) سورة ق: 42.
(2) فى أ: «وعيدي» ، والتلاوة: «وعيد» .(4/117)
سورة الذّاريات(4/119)
[سورة الذاريات (51) : الآيات 1 الى 60]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (1) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (2) فَالْجارِياتِ يُسْراً (3) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (4)
إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (6) وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9)
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (11) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)
وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (22) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24)
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)
قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34)
فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (37) وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39)
فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44)
فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (46) وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) كَذلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (54)
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (59)
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)(4/121)
[سورة الذاريات «1» ] سورة الذاريات مكية.
عددها ستون آية كوفى «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
ذكر القسم بحقية البعث والقيامة، والإشارة إلى عذاب أهل الضلالة، وثواب أرباب الهداية وحجة الوحدانية وكرامة إبراهيم فى باب الضيافة، وإهلاك قوم لوط، وملامة فرعون وأهله، وخسارة عاد وثمود وقوم نوح، وخلق السماء والأرض للنفع والإفادة، وزوجية المخلوقات، لأجل الدلالة، وتكذيب المشركين للرسول- صلّى الله عليه وسلم» - وتخليق الخلق لأجل العبادة.
(2) فى المصحف: (51) سورة الذاريات مكية ... وآياتها 60 نزلت بعد سورة الأحقاف.
وسميت سورة الذاريات لمفتتحها بها فى قوله: «وَالذَّارِياتِ ذَرْواً» الآية الأولى.(4/125)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالذَّارِياتِ ذَرْواً- 1- يعنى الرياح «ذرت» «1» ذروا فَالْحامِلاتِ وِقْراً- 2- يعني السحاب موقرة من الماء فَالْجارِياتِ يُسْراً- 3- يعني السفن مرت مرا فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً- 4- يعني «أربعة» «2» من الملائكة جبريل، وميكائيل، «وإسرافيل» «3» وملك الموت يقسمون الأمر بين الخلائق، وهم المدبرات أمرا بأمره في بلاده وعباده فأقسم الله- تعالى- بهؤلاء الآيات إِنَّما تُوعَدُونَ يعني إن الذي توعدون من أمر الساعة لَصادِقٌ- 5- يعنى لحق وَأقسم بهن أيضا إِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ- 6- يعنى إن الحساب لكائن وَأقسم ب السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ- 7- يعني مثل الطرائق التي تكون في الرمل من الريح، ومثل الماء تصيبه الريح فيركب بعضه بعضا.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: قال أبو صالح: «وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ» الخلق الحسن إِنَّكُمْ يا أهل مكة لَفِي قَوْلٍ يعني القرآن مُخْتَلِفٍ- 8- شك يؤمن به بعضكم ويكفر به بعضكم يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ- 9-
__________
(1) فى أ: «أذرت» ، وفى ف: «ذرت» . [.....]
(2) «أربعة» : كذا فى أ، ف.
(3) «وإسرافيل» : من ف، وليست في أ.(4/127)
يعني عن الإيمان بالقرآن، يعني يصرف عن القرآن من كذب به يعني الخراصين يقول الكذابون الذين يخرصون الكذب.
قُتِلَ يعني لعن الْخَرَّاصُونَ- 10- نظيرها في النحل، وكانوا سبعة عشر رجلا فقال لهم الوليد بن المغيرة المخزومي: لينطلق كل أربعة منكم أيام الموسم فليجلسوا على طريق ليصدوا الناس عن النبي- صلى الله عليه وسلم- وتخرصهم، أنهم قالوا للناس، إنه ساحر، ومجنون، وشاعر، وكاهن، وكذاب. وبقي الوليد بمكة يصدقهم بما يقولون، ثم نعتهم فقال: الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ- 11- يعني في غفلة لاهون عن أمر الله- تعالى- يَسْئَلُونَ النبي- صلى الله عليه وسلم- أَيَّانَ يقول متى يَوْمُ الدِّينِ- 12- يعني يوم الحساب، فقالوا: يا محمد، وهم الخراصون متى يكون الذي تعدنا به تكذيبا به، من أمر الحساب، فأخبر الله- عز وجل- عن ذلك اليوم فقال: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ- 13- يعنى يعذبون، يحرقون، كقوله [170 ب] : ... إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ.. «1» وقال لهم خزنتها: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ يعني عذابكم هذَا العذاب الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ- 14- في الدنيا استهزاء به وتكذيبا بأنه غير نازل بنا، لقولهم في الدنيا للنبي- صلى الله عليه وسلم- متى هذا الوعد الذي تعدنا به إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ- 15- يعني بساتين وأنهار جارية آخِذِينَ في الآخرة ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ يعني ما أعطاهم ربهم من الخير والكرامة في الجنة ثم أثنى عليهم فقال: إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ
الثواب فى الدنيا مُحْسِنِينَ- 16- فى أعمالهم، ثم قال: إنهم
__________
(1) سورة البروج: 10.(4/128)
كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ «1» - 17- ما ينامون وَبِالْأَسْحارِ يعني آخر الليل هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ- 18- يعني يصلون وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ يعني المسكين وَالْمَحْرُومِ- 19- الفقير الذي لا سهم له، ولم يجعل الله للفقراء سهما في الفيء ولا في الخمس «فمن سمى الفقير المحروم» «2» لأن الله حرمهم نصيبهم، فلما نزلت براءة بدأ الله بهم فقال- تعالى- إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ... »
فبدأ بهم، فنسخت «4» هذه الآية الْمَحْرُومِ ثم قال: وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ- 20- يعني ما فيها من الجبال والبحار والأشجار والثمار والنبت عاما بعام ففي هذا كله «آيات» يعني عبرة «للموقنين» بالرب- تعالى- لتعرفوا صنعه «فتوحدوه» «5» وَفِي خلق أَنْفُسِكُمْ حين كنتم نطفة، ثم علفة، ثم مضغة، ثم عظاما، ثم لحما، ثم ينفخ فيه الروح، ففي هذا كله آية أَفَلا يعني أفهلا تُبْصِرُونَ- 21- قدرة الرب- تعالى- أن الذي خلقكم قادر على أن يبعثكم كما خلقكم، ثم قال وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ يعنى المطر وَما تُوعَدُونَ- 22- من أمر الساعة، ثم أقسم الرب- تعالى- بنفسه فقال: فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ يعني لكائن يعني أمر الساعة مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ- 23- يعنى تتكلمون، هَلْ أَتاكَ يعني قد أتاك يا محمد حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ- 24- يعني جبريل وميكائيل، وملك آخر أكرمهم إبراهيم وأحسن القيام، ورأى هيئتهم
__________
(1) «مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ» : ساقطة من أ.
(2) وردت فى أ، ف: «فمن ثم سموا الفقير المحروم» والأنسب ما ذكرت.
(3) سورة التوبة: 60.
(4) أطلق النسخ بمعناه اللغوي وهو مجرد التغيير وليس بمعناه الأصولى، وهو رفع الشارع حكما شرعيا سابقا بحكم شرعي لاحق.
(5) فى أ: «فتوحدونه» .
تفسير مقائل ج 4- م 9(4/129)
حسنة، وكان لا يقوم على رأس ضيف قبل هؤلاء، فقام هو وامرأته سارة لخدمتهم فسلمت الملائكة على إبراهيم، «إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ «1» » فَقالُوا سَلاماً فرد عليهم إبراهيم ف قالَ سَلامٌ ثم قال: قَوْمٌ مُنْكَرُونَ- 25- يقول أنكرهم إبراهيم- صلى الله عليه- وظن أنهم من الإنس فَراغَ يعنى فمال إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ إليهم بِعِجْلٍ سَمِينٍ- 26- فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ وهو مشوي وقالَ إبراهيم: أَلا تَأْكُلُونَ- 27- فقالوا: يا إبراهيم. لا تأكل إلا بالثمن. قال إبراهيم: كلوا وأعطوا الثمن. فقالوا: وما ثمنه؟ قال: إذا أكلتم فقولوا بسم الله، وإذا فرغتم فقولوا [170 مكرر «2» ] : الحمد لله. فعجبت الملائكة لقوله فلما رأى إبراهيم- عليه السلام- أيدي الملائكة لا تصل إلى العجل «فَأَوْجَسَ «3» » مِنْهُمْ خِيفَةً فخاف وأخذته الرعدة وضحكت امرأته سارة وهي قائمة، من رعدة إبراهيم، وقالت في نفسها: إبراهيم معه أهله وولده وخدمه وهؤلاء ثلاثة نفر، فقال جبريل- صلى الله عليه- لسارة: أيتها الصالحة، إنك ستلدين غلاما، فذلك قوله: «قالُوا لا تَخَفْ «4» » وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ يعني إسحاق عَلِيمٍ- 28- يعني حليم فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ سارة فِي صَرَّةٍ يعني في صيحة، وقالت: أوه يا عجباه فَصَكَّتْ وَجْهَها يعنى فضربت بيدها جبينها أو خدها تعجبا وَقالَتْ عَجُوزٌ من الكبر عَقِيمٌ- 29- من الولد «قالُوا» «5» قال جبريل- صلى الله عليه-: كَذلِكَ يعني هكذا
__________
(1) «إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ» : ساقطة من أ.
(2) هذه ورقة رقمها 170 وما قبلها رقمها 170 فتكرر الرقم مرتين فى ورقتين متجاورتين.
(3) فى أ: «أوجس» ، وفى حاشية أ: الآية «فأوجس» .
(4) «قالُوا لا تَخَفْ» : ساقطة من أ.
(5) فى أ: «قال» .(4/130)
قالَ رَبُّكِ ستلدين غلاما إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ حكم أمر الولد في بطن سارة الْعَلِيمُ- 30- بخلقه فلما رأى إبراهيم- عليه السلام- أنهم الملائكة قالَ لهم: فَما خَطْبُكُمْ يعني ما أمركم أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ- 31- «قالُوا» «1» قال جبريل- صلى الله عليه-: إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ- 32- يعني كفارا ظلمة يعنون قوم لوط لِنُرْسِلَ يعني لكي نرسل عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ- 33- «خلطة» «2» الحجارة، الطين ملزق بالحجر مُسَوَّمَةً يعني معلمة عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ- 34- يعني المشركين والشرك أسرف الذنوب وأعظمها فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها يعني في قرية لوط مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- 35- يعني المصدقين بتوحيد الله- تعالى- فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ- 36- يعنى المخلصين فهو لوط وابنتيه ريثا الكبرى «زعوتا» «3» الصغرى وَتَرَكْنا فِيها آيَةً يعني عبرة لمن بعدهم لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ- 37- يعنى الوجيع نظيرها في هود «4» وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ- 38- يعني بحجة بينة واضحة وهي اليد والعصا فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ يعني فأعرض فرعون عن الحق بميله يعني عن الإيمان حين قال: ... مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا «أَرى» «5» وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ «6» وَقالَ فرعون
__________
(1) فى أ: «قال» ، وفى حاشية أ: الآية «قالوا» . [.....]
(2) فى أ: «خلط» ، وفى ف: «خلطة» .
(3) فى أ: «زعرتا» ، وفى ف: «رعوثا» .
(4) سورة هود: 26 وتمامها: «أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ» .
(5) فى أ: أَرى ... إلى آخر الآية.
(6) سورة غافر: 29.(4/131)
«لموسى» «1» - عليه السلام- هو ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ- 39- يقول الله- تعالى-: أَخَذْناهُ
يعنى فرعون جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ
يعني في نهر مصر النيل فأغرقوا أجمعين، ثم قال «لفرعون» «2» : هُوَ مُلِيمٌ
- 40- يعني مذنب يقول استلام إلى ربه وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ باليمن الرِّيحَ الْعَقِيمَ- 41- التي تهلك ولا تلقح الشجر ولا تثير السحاب وهي عذاب على من أرسلت عليه، يقول الله- تعالى-: مَا تَذَرُ تلك الريح مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ من أنفسهم وأنعامهم وأموالهم إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ- 42-[170 ب مكرر] «3» يقول إلا جعلته باليا كالتراب بعد ما كانوا مثل نخل منقعر صاروا رميما وَفِي ثَمُودَ آية «إِذْ قِيلَ» «4» لَهُمْ قال لهم نبيهم صالح:
تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ- 43- يعني إلى آجالكم فَعَتَوْا يقول فعصوا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ يعني العذاب وهو الموت من صيحة جبريل- صلى الله عليه- وَهُمْ يَنْظُرُونَ- 44- فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ يعني أن يقوموا للعذاب حين غشيهم وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ- 45- يعنى ممتنعين من العذاب حين أهلكوا وَفى قَوْمَ نُوحٍ آية مِنْ قَبْلُ هؤلاء الذين ذكر إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ- 46- يعنى عاصين وَفى السَّماءَ آية بَنَيْناها بِأَيْدٍ يعني بقوة وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ- 47- يعني نحن قادرون على أن نوسعها كما نريد وَفى الْأَرْضَ آية فَرَشْناها
__________
(1) اللام هنا بمعنى «عن» .
(2) اللام هنا بمعنى عن، أى عن فرعون.
(3) ورقة [170] تكررت مرتين فالسابقة 170، وهذه 170.
(4) فى أ: «إذ قال» ، وفى حاشية أ: الآية «قيل» .(4/132)
مسيرة خمسمائة عام فى خمسمائة عام من تحت الكعبة فَنِعْمَ الْماهِدُونَ- 48- يعني الرب- تعالى- نفسه وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ يعني صنفين يعني الليل والنهار، والدنيا والآخرة، والشمس والقمر، والبر والبحر، والشتاء والصيف، والبرد والحر، والسهل والجبل، والسبخة والعذبة لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ- 49- فيما خلق أنه ليس له عدل ولا مثيل، فتوحدونه فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ من ذنوبكم إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ- 50- وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فإن فعلتم ف إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ يعني من عذابه مُبِينٌ- 51- فردوا عليه إنك ساحر مجنون، يقول الله- تعالى- كَذلِكَ يعني هكذا ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني الأمم الخالية مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا لرسولهم هو ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ- 52- كقول كفار مكة لمحمد- صلى الله عليه وسلم- يقول الله: أَتَواصَوْا بِهِ؟ يقول أوصى الأول الآخر أن يقولوا ذلك لرسلهم، ثم قال: بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ- 53- يعنى عاصين فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يعني فأعرض عنهم، فقد بلغت وأعذرت فَما أَنْتَ يا محمد بِمَلُومٍ- 54- يقول فلا تلام، فحزن النبي- صلى الله عليه وسلم- مخافة أن ينزل بهم العذاب فأنزل الله- تعالى- وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ- 55- فوعظ كفار مكة بوعيد القرآن فقال: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ- 56- يعنى إلا ليوحدون، وقالوا: إلا ليعرفون يعني ما أمرتهم إلا بالعبادة ولو أنهم خلقوا للعبادة. ما عصوا طرفة عين.
حدثنا عبد اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قال: «إلا ليوحدون» ، قال أبو صالح: الأمر يعصى والخلق لا يعصى [171 أ] .(4/133)
قال أبو العباس الزيات: سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلب، سئل عن هذه الآية: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ قال ليعبدني من عبدني منهم مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ يقول لم أسألهم أن يرزقوا أحدا وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ- 57- يعني أن يرزقون إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ يعني البطش في هلاكهم ببدر الْمَتِينُ- 58- يعني الشديد فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا يعني مشركي مكة ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ يعني نصيبا من العذاب في الدنيا، مثل نصيب أصحابهم في الشرك يعني الأمم الخالية الذين عذبوا في الدنيا فَلا يَسْتَعْجِلُونِ- 59- العذاب تكذيبا به فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا يعني كفار مكة مِنْ يَوْمِهِمُ في الآخرة الَّذِي فيه يُوعَدُونَ- 60- العذاب.(4/134)
سورة الطّور(4/135)
[سورة الطور (52) : الآيات 1 الى 49]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالطُّورِ (1) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4)
وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دافِعٍ (8) يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (9)
وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (14)
أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19)
مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (21) وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (25) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (29)
أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (34)
أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (38) أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39)
أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (44)
فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (47) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (49)(4/137)
[سورة الطور «1» ] سورة الطور مكية وعددها تسع وأربعون آية كوفى «2»
__________
(1) معظم مقصود السورة:
القسم بعذاب الكفار، والإخبار من ذلهم فى العقوبة، ومنازلهم من النار، وطرب أهل الجنة بثواب الله الكريم الغفار وإلزام الحجة على الكفرة الفجار، وبشارتهم قبل عقوبة العقبى بعذابهم فى هذه الدار، ووصية سيد الرسل بالعبادة والاصطبار فى قوله: مِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ.
سورة الطور: 49.
(2) فى المصحف: (52) سورة الطور مكية وآياتها 49 نزلت بعد سورة السجدة.(4/141)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال: لما كذب كفار مكة أقسم الله- تعالى- فقال: وَالطُّورِ- 1- يعني الجبل بلغة النبط، الذي كلم الله عليه موسى- عليه السلام- «بالأرض «1» المقدسة» وَكِتابٍ مَسْطُورٍ- 2- يعني أعمال بني آدم «مكتوبة» «2» يقول أعمالهم تخرج إليهم يومئذ يعني يوم القيامة فِي رَقٍّ يعني أديم الصحف مَنْشُورٍ- 3- وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ- 4- واسمه «الصراح» «3» وهو في السماء الخامسة، ويقال في سماء الدنيا حيال الكعبة في العرض والموضع غير أن طوله كما بين السماء والأرض وعمارته أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يصلون فيه يقال لهم الجن، ومنهم كان إبليس- وهم حي من الملائكة- لم يدخلوه قط «4» ولا يعودون فيه إلى يوم القيامة، ثم ينزلون إلى البيت الحرام فيطوفون به ويصلون فيه، ثم يصعدون إلى السماء فلا يهبطون إليه أبدا وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ- 5- يعنى السماء رفع من الأرض مسيرة خمسمائة عام، يعني السموات وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ- 6- تحت العرش «الممتلئ» «5» من الماء يسمى بحر الحيوان يحيي الله به الموتى فيما بين النفختين.
__________
(1) وردت فى أ، ف «بأرض المقدسة» ، والأنسب «بالأرض المقدسة» .
(2) فى أ: «مكتوب» ، وفى ف: «مكتوبة» .
(3) فى أ: «الضراخ» ، وفى ف: «الصراح» . [.....]
(4) كذا فى أ، ف، والعبارة ركيكة كما ترى.
(5) فى أ، ف: «الممتلى» .(4/143)
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: قال الهذيل: سمعت المبارك ابن فضالة عن الحسن في قوله «وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ» قال: المملوء مثل قوله: « ... ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ «1» » قال ولم أسمع مقاتل.
فأقسم الله- تعالى- بهؤلاء الآيات، فقال: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ- 7- بالكفار مَا لَهُ يعني العذاب مِنْ دافِعٍ- 8- في الآخرة يدفع عنهم، ثم أخبر متى يقع بهم العذاب؟ فقال: يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً- 9- يعني استدارتها وتحريكها بعضها في بعض من الخوف وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً- 10- من أمكنتها حتى تستوي بالأرض كالأديم الممدود فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ- 11- بالعذاب، ثم نعتهم فقال: الَّذِينَ هُمْ [171 ب] فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ- 12- يعني في باطل لاهون، ثم قال: والويل لهم يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا- 13- وذلك أن خزنة جهنم بعد الحساب يغلون بأيدي الكفار إلى أعناقهم، ثم يجمعون نواصيهم إلى أقدامهم وراء ظهورهم ثم يدفعونهم فى جهنم دفعا على وجوههم، إذا دنوا منها قالت لهم خزنتها: هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ- 14- فى الدنيا أَفَسِحْرٌ هَذَا العذاب الذي ترون فإنكم زعمتم في الدنيا «أن الرسل» «2» سحرة أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ- 15- فلما ألقوا فى النار قالت لهم الحزنة: اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 16- من الكفر والتكذيب في الدنيا إِنَّ الْمُتَّقِينَ يعني الذين يتقون الشرك فِي جَنَّاتٍ يعني البساتين
__________
(1) سورة غافر: 72.
(2) أن الرسل: من ف، وليست فى أ.(4/144)
وَنَعِيمٍ- 17- فاكِهِينَ يعني معجبين ومن قرأها «فاكهين» يعني ناعمين محبورين بِما آتاهُمْ يعني بما أعطاهم رَبُّهُمْ في الجنة من الخير والكرامة وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ- 18- كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً يعني الذي ليس عليهم مشقة ولا تبعة حلالا لا يحاسبون عليه بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 19- فى الدنيا مُتَّكِئِينَ عَلى «سُرُرٍ» مَصْفُوفَةٍ يعني مصففة في الخيام وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ- 20- يعني البيضاء المنعمة «عين» يعني العيناء الحسنة العين، ثم قال في التقديم: وَالَّذِينَ آمَنُوا «وَاتَّبَعَتْهُمْ» «1» ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ يعني من أدرك العمل «من أولاد» «2» بني آدم المؤمنين فعمل خيرا فهم مع آبائهم في الجنة، ثم قال: أَلْحَقْنا بِهِمْ «ذُرِّيَّتَهُمْ» «3» يعني الصغار الذين لم يبلغوا العمل من أولاد المؤمنين فهم معهم وأزواجهم في الدرجة لتقر أعينهم وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يقول وما نقصنا الآباء إذا كانوا مع الأبناء من عملهم شيئا، ثم قال: كُلُّ «امْرِئٍ» «4» كافر بِما كَسَبَ يعني بما عمل من الشرك رَهِينٌ- 21- يعني مرتهن بعمله في «النار» «5» ، ثم رجع إلى الذين آمنوا فقال: وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ «لَحْمِ طَيْرٍ» «6» مِمَّا يَشْتَهُونَ- 22- يعني مما يتخيرون من ألوان الفاكهة ومن لحوم
__________
(1) فى أ: «وأتبعناهم» .
(2) «من أولاد» من ف، وليس فى أ.
(3) فى أ: «ذرياتهم» .
(4) فى أ: «امرء» .
(5) فى أ: «الدنيا» ، وفى ف: «النار» .
(6) «لَحْمِ طَيْرٍ» : ليست فى أ.
تفسير مقائل ج 4- م 10(4/145)
الطير يَتَنازَعُونَ فِيها يعني يتعاطون في الجنة تعطيهم الخدم بأيديهم «ري المخدوم» «1» من الأشربة فهذا التعاطي كَأْساً يعنى الخمر لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ- 23- يعني لا حلف «2» في شربهم، ولا مأثم يعني ولا كذب كفعل أهل الدنيا إذا شربوا الخمير نظيرها في الواقعة «3» وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ لا يكبرون أبدا كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ- 24- يقول كأنهم في الحسن والبياض مثل اللؤلؤ المكنون في الصدف لم تمسسه الأيدي، ولم تره الأعين، ولم يخطر على قلب بشر، وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ- 25- يقول إذا زار بعضهم بعضا في الجنة فيتساءلون بينهم «عما» «4» كانوا فيه [172 أ] من الشفقة في الدنيا، فذلك قوله: «قالُوا» «5» إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ- 26- من العذاب فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا بالمغفرة وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ- 27- يعني الريح الحارة في جهنم وما فيها من أنواع العذاب إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ في الدنيا نَدْعُوهُ ندعو الرب إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الصادق في قوله: الرَّحِيمُ- 28- بالمؤمنين فَذَكِّرْ يا محمد أهل مكة فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ يعني برحمة ربك وهو القرآن بِكاهِنٍ يبتدع العلم من غير وحى وَلا مَجْنُونٍ- 29-
__________
(1) فى أ: «دى المختوم» ، وفى ف: «ري المختوم» .
(2) كذلك فى أ، ف، ولعل المراد اليمين الكاذبة والحلف الباطل.
(3) يشير إلى آيتي 18، 19 من سورة الواقعة وهما «بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ، لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ» .
(4) فى أ: «ما» ، والأنسب: «عما» . [.....]
(5) «قالوا» ، ساقطة من أ(4/146)
كما يقول كفار مكة أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ نزلت في عقبة بن أبي معيط، والحارث بن قيس، وأبي جهل بن هشام، والنضر بن الحارث، والمطعم ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف، قالوا: إن محمدا شاعر فنتربص به رَيْبَ الْمَنُونِ- 30- يعني حوادث الموت، قالوا توفي أبو النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْد اللَّه بن عبد المطلب وهو شاب، ونحن نرجو من اللات والعزى أن تميت محمدا شابا كما مات أبوه، يعني بريب المنون حوادث الموت يقول الله- تعالى- لنبيه- صلى الله عليه وسلم-: قُلْ تَرَبَّصُوا بمحمد الموت فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ- 31- بكم العذاب فقتلهم الله ببدر أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ «1» يقول أتأمرهم أحلامهم بِهذا «والميم» هاهنا صلة بأنه شاعر مجنون كاهن يقول الله- تعالى- لنبيه- صلى الله عليه وسلم- «فاستفتهم «هل» «2» تدلهم أحلامهم وعقولهم على هذا القول أنه شاعر مجنون كاهن «3» » أَمْ هُمْ بل هم قَوْمٌ طاغُونَ- 32- يعني عاصين أَمْ يَقُولُونَ يعني أيقولون إن محمدا «تَقَوَّلَهُ» «4» تقول هذا القرآن من تلقاء نفسه اختلقه بَلْ لا «يُؤْمِنُونَ» «5» - 33- يعني لا يصدقون بالقرآن فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ يعني من تلقاء أنفسهم مثل هذا القرآن كما جاء به محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقولهم إن محمدا تقوله إِنْ كانُوا صادِقِينَ- 34- بأن محمدا تقوله أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يقول أكانوا خلقوا من غير شيء أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ- 35- يعنى أم هم خلقوا
__________
(1) يقصد الميم فى قوله: «أم تأمرهم» يعنى أتأمرهم.
(2) «هل» : زيادة اقتضاها السياق ليست بالأصل.
(3) فى أ، ف: «فاستفتهم أحلامهم وعقولهم تدلهم على هذا القول أنه شاعر مجنون» .
(4) فى أ: «تقول» .
(5) فى أ: «يوقنون» .(4/147)
الخلق أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ يعني أخلقوا السموات والأرض؟ ثم قال: بَلْ ذلك خلقهم في الإضمار بل لا يُوقِنُونَ- 36- بتوحيد الله الذي خلقهما أنه واحد لا شريك له أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ يعني أعندهم خزائن رَبِّكَ يعني أعندهم خزائن ربك يقول أبأيديهم مفاتيح ربك بالرسالة فيضعونها حيث شاءوا، يقول ولكن الله يختار لها من يشاء من عباده، لقولهم أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا ... «1» فأنزل الله- تعالى- أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ- 37- يعني أم هم المسيطرون على الناس فيجبرونهم على ما شاءوا ويمنعونهم عما شاءوا أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ يعنى ألهم سلم [172 ب] إلى السماء يصعدون فيه، يعني عليه، مثل قوله: ... لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ... «2»
يعني على جذوع النخل، فيستمعون الوحي من الله- تعالى- إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ يعني صاحبهم الذي يستمع الوحي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ- 38- يعني بحجة بينة بأنه يقدر على أن يسمع الوحي من الله- تعالى- أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ- 39- وذلك أنهم قالوا «الملائكة» «3» بنات الله، فقال الله- تعالى- لنبيه- صلى الله عليه وسلم- في الصافات «فَاسْتَفْتِهِمْ» يعني سلهم أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ «4» [فسألهم النبي- صلى الله عليه وسلّم- فى هذه السورة أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ «5» وفى النجم
__________
(1) سورة ص: 8.
(2) سورة طه: 71 وتمامها: «قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى» .
(3) فى أ: «الملائكة» ، وفى ف: «الملائكة» .
(4) سورة الصافات: 149.
(5) سورة الطور: 39.(4/148)
قال: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى» «1» «2» ] أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً على الإيمان يعني جزاء يعني خراجا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ- 40- يقول أثقلهم الغرم فلا يستطيعون الإيمان من أجل الغرم أَمْ عِنْدَهُمُ يقول أعندهم علم الْغَيْبُ بأن الله لا يبعثهم، وأن ما يقول محمد غير كائن ومعهم بذلك كتاب فَهُمْ يَكْتُبُونَ- 41- ما شاءوا أَمْ يُرِيدُونَ يقول أيريدون في دار الندوة كَيْداً يعني مكرا بمحمد- صلى الله عليه وسلم- فَالَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة هُمُ الْمَكِيدُونَ- 42- يقول هم الممكور بهم فقتلهم الله- عز وجل- ببدر أَمْ لَهُمْ يقول ألهم إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يمنعهم من دوننا من مكرنا بهم، يعني القتل ببدر فنزه الرب نفسه- تعالى- من أن يكون معه شريك، فذلك قوله: سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ- 43- معه، ثم ذكر قسوة قلوبهم فقال:
وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ يقول جانبا من السماء ساقِطاً عليهم لهلاكهم «يَقُولُوا» «3» من تكذبيهم هذا سَحابٌ مَرْكُومٌ- 44- بعضه على بعض فَذَرْهُمْ فخل عنهم يا محمد حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ فى الآخرة الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ- 45- يعني يعذبون، ثم أخبر عن ذلك اليوم فقال: يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ في الآخرة كَيْدُهُمْ شَيْئاً يعني مكرهم بمحمد- صلى الله عليه وسلم- شيئا من العذاب وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ- 46- يعني ولا هم يمنعون من العذاب، ثم أوعدهم أيضا العذاب فى الدنيا فقال: وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا يعنى كفار مكة
__________
(1) سورة النجم: 21- 22، وقد وردت فى الأصل «أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ» .
(2) ما بين القوسين [ ... ] فيه اختلاف عن الآيات فى المصحف وقد وضحته، فقد ورد، [فسألهم النبي- صلى الله عليه وسلم- في هذه السورة، وفى النجم «أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ» ، وقال: «أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى» ] .
(3) فى: أ «لقالوا» ، وفى حاشية أ: «يقولوا» . [.....](4/149)
عَذاباً دُونَ ذلِكَ يعني دون عذاب الآخرة عذابا في الدنيا القتل ببدر وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ- 47- بالعذاب أنه نازل بهم فكذبوه، فقال يعزي نبيه- صلى الله عليه وسلم-: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ يعني لقضاء ربك على تكذيبهم إياك فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا يقول إنك بعين الله- تعالى- وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ يقول وصل بأمر ربك حِينَ تَقُومُ- 48- إلى الصلاة المكتوبة وَمِنَ اللَّيْلِ [173 أ] فَسَبِّحْهُ يعني فصل المغرب والعشاء وَصل وَإِدْبارَ النُّجُومِ- 49- يعني الركعتين قبل صلاة الغداة وقتهما بعد طلوع الفجر، قوله: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ يقول اذكره بأمره، مثل قوله:
... وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ «1» ... ، ومثل قوله: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ «2» ....
__________
(1) سورة الإسراء: 44.
(2) سورة الإسراء: 52.(4/150)
سورة النّجم(4/151)
[سورة النجم (53) : الآيات 1 الى 62]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى (4)
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (7) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (8) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (9)
فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى (11) أَفَتُمارُونَهُ عَلى مَا يَرى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (14)
عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشى (16) مَا زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (17) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (18) أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (19)
وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (22) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (23) أَمْ لِلْإِنْسانِ مَا تَمَنَّى (24)
فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (25) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (26) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (27) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (28) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (29)
ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (30) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (32) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (34)
أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (36) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ مَا سَعى (39)
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (40) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (41) وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (44)
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (49)
وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولى (50) وَثَمُودَ فَما أَبْقى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى (53) فَغَشَّاها مَا غَشَّى (54)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (56) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59)
وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)(4/153)
[سورة النجم «1» ] سورة النجم مكية، عددها «اثنتان «2» » وستون آية كوفى «3» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
القسم بالوحي، وذكر قبيح أقوال الكفار، وعقيدتهم فى حق الملائكة والأصنام، ومدح مجتبى الكبائر، والشكرى من المعرضين عن الصدفة، وبيان جزاء الأعمال فى القيامة، وإقامة أنواع الحجة على وجود الصانع، والإشارة إلى أحوال من هلكوا من القرون الماضية، والتخويف بسرعة مجيء القيامة، والأمر بالخضوع والانقياد لأمر الحق- تعالى- فى قوله: «فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا» سورة النجم: 62
(2) فى أ: اثنان.
(3) وفى المصحف: (53) سورة النجم مكية. إلا آية 32 فمدنية وآياتها 63 نزلت بعد سورة الإخلاص.(4/157)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أقسم الله- عز وجل- ب «النَّجْمِ إِذا هَوى» يقول «ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى» وهي أول سورة أعلنها «1» النبي- صلى الله عليه وسلم- بمكة فلما بلغ آخرها سجد وسجد من «بحضرته «2» » من مؤمني الإنس والجن والشجر وذلك أن كفار مكة قالوا: إن محمدا يقول هذا القرآن من تلقاء نفسه، فأقسم الله بالقرآن فقال: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى - 1- يعني من السماء إلى محمد- صلى الله عليه وسلم- مثل قوله «فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ «3» » وكان القرآن إذا نزل إنما ينزل نجوما ثلاث آيات وأربع ونحو ذلك والسورة والسورتان فأقسم الله بالقرآن فقال: مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ محمد وَما غَوى - 2- وما تكلم بالباطل وَما يَنْطِقُ محمد هذا القرآن عَنِ الْهَوى - 3- من تلقاء نفسه إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى - 4- إليه يقول ما هذا القرآن إلا وحي من الله- تعالى- يأتيه به جبريل- صلى الله عليه وسلم-، فذلك قوله:
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى - 5- يعني القوة في كل شيء يعني جبريل، ثم قال:
ذُو مِرَّةٍ يعني جبريل- عليه السلام- يقول ذو قوة فَاسْتَوى - 6- يعني سويا حسن الخلق وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى - 7- يعنى من قبل المطلع
__________
(1) فى أ: «علنها» ، وفى ف: «أعلنها» .
(2) فى الأصول: «يحضرنه» ، ولكن الأنسب «بحضرته» .
(3) سورة الواقعة: 75.(4/159)
ثُمَّ دَنا الرب- تعالى- من محمد فَتَدَلَّى- 8- وذلك ليلة أسري بالنبي- صلى الله عليه وسلم- إلى السماء السابعة فَكانَ منه قابَ قَوْسَيْنِ يعني قدر ما بين طرفي القوس من قسى «العرب «1» » أَوْ أَدْنى - 9- يعنى بل أدنى أو أقرب من ذلك.
حدثنا عبد الله قال: سمعت أبا العباس يقول: «قَابَ قَوْسَيْنِ» يعني قدر طول قوسين من قسي العرب فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ
محمد- صلى الله عليه وسلم- مَا أَوْحى
- 10- ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى - 11- يعني ما كذب قلب محمد- صلى الله عليه وسلم- ما رأى بصره من أمر ربه تلك الليلة «أَفَتُمارُونَهُ عَلى مَا يَرى» «2» - 12- وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى - 13- يقول رأى محمد- صلى الله عليه وسلم- ربه بقلبه مرة أخرى، رآه عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى - 14- أغصانها اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وهي شجرة عن يمين العرش فوق السماء السابعة العليا «عِنْدَها» «3» جَنَّةُ الْمَأْوى - 15- تأوى إليها أرواح الشهداء أحياء يرزقون [173 ب] وإنما سميت المنتهى لأنها ينتهي إليها علم كل ملك مخلوق، ولا يعلم ما وراءها أحد إلا الله- عز وجل- كل ورقة منها تظل أمة من الأمم على كل ورقة منها ملك يذكر الله- عز وجل- ولو أن ورقة منها وضعت في الأرض لأضاءت لأهل الأرض نورا تحمل لهم الحلل والثمار من جميع الألوان، ولو أن رجلا ركب حقة فطاف على ساقها «4» ما بلغ المكان الذي ركب منه حتى يقتله الهرم وهي طوبى التي ذكر الله
__________
(1) فى أ: «العر» ، وفى ف: «العرب» .
(2) «أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى» : ساقطة من أ.
(3) فى أ: «فى» .
(4) أى على ساق الشجرة المسماة سدرة المنتهى.(4/160)
- تعالى- في كتابه: « ... طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ «1» » ينبع من ساق السدرة عينان أحدهما السلسبيل، والأخرى الكوثر فينفجر من الكوثر أربعة أنهار التي ذكر الله- تعالى- فى سورة محمد «2» - صلى الله عليه وسلم- الماء واللبن والعسل والخمر، ثم قال: «إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشى» «3» - 16- ما زاغَ الْبَصَرُ يعني بصر محمد- صلى الله عليه وسلم- يعني ما مال وَما طَغى - 17- يعني وما ظلم، لقد صدق محمد- صلى الله عليه وسلم- بما رأى تلك الليلة لَقَدْ رَأى محمد- صلى الله عليه وسلم- مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى - 18- وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- رأى رفرفا أخضر قد غطى الأفق، فذلك «مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى» أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى- 19- وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى - 20- وإنما سميت اللات والعزى لأنهم أرادوا أن يسموا الله، فمنعهم الله فصارت اللات وأرادوا أن يسموا العزيز فمنعهم فصارت العزى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى - 21- حين قالوا إن الملائكة بنات الله تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى - 22- يعنى جائزة عوجاء أن يكون لهم الذكر وله الأنثى، ثم ذكر آلهتهم فقال: إِنْ هِيَ يقول ما هي إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ» «4» بأنها آلهة من قوله «أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ «5» » يعني كتاب فيه حجة، مثل قوله «أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً «6» ... »
__________
(1) سورة: الرعد 29.
(2) سورة محمد: 15. [.....]
(3) «إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى» : ساقطة من أ، ف، وفى الجلالين: «إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى» من طير وغيره و «إذ» معمولة ل «رآه» .
(4) «ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ» ساقط من أ.
(5) سورة: الصافات: 156.
(6) سورة الروم: 35.
تفسير مقائل ج 4- م 11(4/161)
يعني كتابا لهم فيه حجة إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ يقول «ما لهم من علم «1» بأنها» آلهة إلا ظنا ما يستيفتون بأن اللات والعزى ومناة آلهة وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ يعني القلوب وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى - 23- يعنى القرآن أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى- 24- بأن الملائكة تشفع لهم، وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قرأ سورة النجم، «وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى «2» » «أعلنهما «3» » بمكة فلما بلغ «أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ، وَالْعُزَّى، وَمَناةَ» نعس فألقى الشيطان على لسانه تلك «الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلا «4» » عندها الشفاعة ترتجى «5» يعني الملائكة ففرح كفار مكة ورجوا أن يكون للملائكة شفاعة فلما بلغ آخرها سجد وسجد المؤمنون تصديفا لله- تعالى- وسجد كفار مكة عند ذكر الآلهة غير أن الوليد بن المغيرة [174 أ] وكان شيخا كبيرا فرفع التراب إلى جبهته «فسجد عليه «6» » فقال: يحيا كما تحيا أم أيمن وصواحباتها وكانت أم أيمن خادم النبي- صلى الله عليه وسلم- وأيمن خادم النبي- صلى الله عليه وسلم- قتل يوم خيبر.
وقال في الأنعام: « ... لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ «7» ... » لا شك فيه « ... لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى «8» ... » ،
__________
(1) فى أ: «ما لهم من علم به» .
(2) سورة الليل: 1.
(3) فى أ: «علنها» ، وفى ف: «أعلنهما» .
(4) فى أ: «تلك الغرانيق العلى- تلك الثالثة الأخرى» .
(5) هذه رواية باطلة لا أصل لها وقد ردّها ابن العربي، والقاضي عياض، وغيرهم، على أن المعقول والمنقول يأبيان قبولها وقد حققت الموضوع عند تفسير الآية 52 من سورة الحج فى الجزء الثالث من هذا التفسير: 3/ 132- 133، وانظر لباب المنقول فى أسباب النزول السيوطي: 151.
(6) «فسجد عليه» : ساقطة من أ، وهي من ف.
(7) سورة الأنعام: 12.
(8) سورة النجم: 31.(4/162)
فلما رجوا أن للملائكة شفاعة، أنزل الله- تعالى- فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى - 25- يعني الدنيا والآخرة وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي يقول لا تنفع شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً، ثم استثنى فقال: إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ من بنى آدم فيشفع له، أوَيَرْضى - 26- الله له بالتوحيد إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعني لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى - 27- حين زعموا أن الملائكة إناث وأنها تشفع لهم، يقول الله: وَما لَهُمْ بِهِ بذلك مِنْ عِلْمٍ أنها إناث إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ يقول ما يتبعون إلا الظن وما يستيقنون أنها إناث وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً- 28- فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا يعني عن من أعرض عن الإيمان بالقرآن وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا- 29- ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ يعني من مبلغ رأيهم من العلم أن الملائكة إناث وأنها تشفع لهم إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ يعني عن الهدى من غيره وَهُوَ أَعْلَمُ من غيره بِمَنِ اهْتَدى - 30- منكم، ثم عظم نفسه بأنه غني عن عبادتهم والملائكة وغيرهم عبيد وفى ملكه، فقال: وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا فى الآخرة «الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا» من الشرك فى الدنيا، وذلك «أنه قال «1» » فى الأنعام «2» ، والنساء «3» -
__________
(1) فى أ: «أنهم قالوا» ، وفى ف: «أنه قال» .
(2) سورة الأنعام: 12، وتمامها: «قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» . [.....]
(3) سورة النساء: 87، وتمامها: «اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً» .(4/163)
«لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ» يعني لا شك في البعث أنه كائن «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا» من الشرك في الدنيا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا التوحيد في الدنيا بِالْحُسْنَى- 31- وهي الجنة، ثم نعت المتقين فقال: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ يعني كل ذنب يختم بالنار وَالْفَواحِشَ يعني كل ذنب فيه حد إِلَّا اللَّمَمَ يعني ما بين الحدين نزلت في نبهان التمار وذلك
أنه كان له حانوت يبيع فيه التمر، فأتته امرأة تريد تمرا، فقالت لها: ادخلي الحانوت، فإن فيه تمرا جيدا. فلما دخلت راودها عن نفسها، فأبت عليه، فلما رأت الشر خرجت فوثب إليها، فضرب عجزها بيده، فقال: والله، ما نلت مني حاجتك، ولا حفظت غيبة أخيك المسلم. فذهبت المرأة وندم الرجل، فأتى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَه بصنيعه [174 ب] . فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم- ويحك يا نبهان، فلعل زوجها «غاز «1» » في سبيل الله، فقال: الله ورسوله أعلم. فقال: أما علمت أن الله يغار للغازي ما لا يغار للمقيم، فلقي أبا بكر- رضي الله عنه- فأعلمه، فقال: ويحك فلعل زوجها «غاز «2» » في سبيل الله. فقال: الله أعلم. ثم رجع فلقي عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فأخبره، فقال: ويحك لعل زوجها «غاز «3» » في سبيل الله. قال: الله أعلم. فصرعه عمر فوطئه، ثم انطلق به إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إخواننا غزاة في سبيل الله تكسر الرماح في صدورهم يخلف هذا ونحوه أهليهم بسوء، فاضرب عنقه.
__________
(1) فى أ: «غازى» ، وفى ف: «غزا» .
(2) فى أ: «غازى» ، وفى ف: «غاز» .
(3) فى أ «غازى» ، وفى ف: «غاز» .(4/164)
فضحك النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال أرسله يا عمر فنزلت فيه «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ»
يعني ضربه عجزيتها بيده إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ لمن تاب، ثم قال: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ من غيره إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ يعني خلقكم من تراب وَهو أعلم بكم إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ يعنى جنين الذي يكون فى بطن أمه فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ قال وقال ناس من المسلمين: صلينا وصمنا وفعلنا فزكوا أنفسهم، فقال الله- تعالى-: «فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ» هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى - 32- أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى- 33- عن الحق يعني الوليد بن المغيرة وَأَعْطى قَلِيلًا من الخير بلسانه وَأَكْدى - 34- يعني قطع أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ بأن الله لا يبعثه فَهُوَ يَرى - 35- الإقامة على الكفر نظيرها في الطور، «1» وفي ن «أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ «2» » .
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ يعنى يحدث بِما فِي صُحُفِ مُوسى - 36- يعنى التوراة كتاب موسى وَصحف إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى- 37- لله بالبلاغ وبلغ قومه ما أمره الله- تعالى- أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى - 38- يقول لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ فى الآخرة إِلَّا ما سَعى - 39- يعني إلا ما عمل في الدنيا وَأَنَّ سَعْيَهُ يعني عمله في الدنيا سَوْفَ يُرى - 40- في الآخرة حين ينظر إليه ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى - 41- يوفيه جزاء عمله في الدنيا كاملا، ثم أخبر عن هذا الإنسان
__________
(1) سورة الطور: 41، وتمامها: «أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ» .
(2) سورة القلم: 47.(4/165)
الذي قال «له «1» » فقال: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى - 42- ينتهى إليه بعمله، ثم أخبره عن صنعه فقال: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى «2» - 43- يقول أضحك واحدا وأبكى آخر، وأيضا أضحك أهل الجنة وأبكى أهل النار وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ الأحياء وَأَحْيا- 44- الموتى وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الرجل والمرأة كل واحد منهما زوج بالآخر الذَّكَرَ وَالْأُنْثى - 45- خلقهما مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى - 46- يعني «إذا تدفق «3» » المني وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى - 47- يعني الخلق الآخر يعني البعث في الآخرة «بعد الموت «4» » وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى - 48- يقول مول وأرضى هذا الإنسان بما أعطى «ثم قال» : «5» وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى - 49- قال مُقَاتِلُ: الشعرى اليمانية النيرة الجنوبية كوكب مضيء وهي التي تتبع «الجوزاء «6» » ويقال لها المزن والعبور، كان «أناس «7» » من الأعراب من خزاعة، وغسان، وغطفان، يعبدونها وهي الكوكب «الذي «8» » يطلع بعد الجوزاء،
__________
(1) «له» : ساقطة من أ.
(2) الآيات من 40- 43 بها أخطاء فى أ، ف.
(3) فى أ: «إذا أنفق» ، وفى ف: «إذا أنفق» .
(4) فى أ: «بعد موت الأول، وفى ف: «بعد الموت الخلق الأول» .
(5) فى أ، ف: «ثم قال فى التقديم لهذا الإنسان فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى يعنى ما ذكّر من صنعه يقول فبأى نعماء ربك تشك فيه أنه ليس من الله- عز وجل-» وفيه كما ترى تفسير الآية 55 بعد الآية 48 ثم كرر الآية 55 فى مكانها.
(6) فى أ: «الجوزي» ، وفى ف: «الجوزاء» .
(7) فى أ: «ناسا» ، وفى ف: «أناس» .
(8) فى أ: «التي» . [.....](4/166)
قال الله- تعالى- أنا ربها فاعبدوني «1» وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى - 50- بالعذاب، وذلك أن أهل عاد وثمود وأهل السواد وأهل الموصل وأهل العال كلها من ولد «إرم «2» » بن سام بن نوح- عليه السلام- فمن ثم قال «أَهْلَكَ عَادًا الْأُولى» يعنى قوم هود بالعذاب.
وَأهلك ثَمُودَ بالعذاب فَما أَبْقى - 51- منهم أحد وَأهلك قَوْمَ نُوحٍ بالغرق مِنْ قَبْلُ هلاك عاد وثمود إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى - 52- من عاد وثمود وذلك أن نوحا دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما فلم يجيبوه، حتى إن الرجل منهم كان يأخذ بيد ابنه فينطلق به إلى نوح- عليه السلام- فيقول له: احذر هذا، فإنه كذاب، فإن أبي قد مشى بي إلى هذا وأنا مثلك، فحذرني منه فاحذره فيموت الكبير على الكفر وينشؤ الصغير على وصية أبيه، فنشأ قرن بعد قرن على الكفر، هم كانوا أظلم وأطغى فبقي من نسلهم، بعد عاد أهل السواد، وأهل الجزيرة، وأهل العال، فمن ثم قال: «عاداً الْأُولى» ، ثم قال: وَأهلك الْمُؤْتَفِكَةَ يعني الكذبة أَهْوى - 53- يعني «قرى «3» » قوم لوط، وذلك أن جبريل- عليه السلام- أدخل جناحه تحتها فرفعها إلى السماء حتى «سمعت «4» » ملائكة سماء الدنيا أصوات الديكة، ونباح الكلاب، ثم قلبها فهوت من السماء إلى الأرض مقلوبة قال: فَغَشَّاها ما غَشَّى
__________
(1) وبذلك تعرف مر قوله- تعالى- «وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى» مع أنه فى الحقيقة رب كل شيء، ولكن لما كان بعض الأعراب يعبدونها خصها بالذكر ليبين لهم أنه هو ربها وخالفها، فالعبادة له لا لما خلقه بقدرته.
(2) فى أ: «آدم» ، وفى ف: «إرم» .
(3) فى أ، ف: «قريات لوط» .
(4) فى أ، ف: «سمع» ، والأنسب: «سمعت» .(4/167)
- 54- يعني الحجارة التي غشاها من كان خارجا من القرية، أو كان في زرعه، أو فى ضرعه، ثم قال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ يعني بأي نعمة ربك تَتَمارى - 55- يعني يشك فيها ابن آدم «1» هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى - 56- فيها تقديم، يقول هذا الذي أخبر عن هلاك الأمم الخالية يعني قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط، يخوف كفار مكة ليحذروا معصيته أَزِفَتِ الْآزِفَةُ- 57- يعنى اقتربت الساعة [175 ب] لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ- 58- يقول لا يكشفها أحد إلا الله يعني الساعة لا يكشفها أحد من الآلهة إلا الله- تعالى- الذي يكشفها أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ يعني القرآن تَعْجَبُونَ- 59- تكذيبا به وَتَضْحَكُونَ استهزاء وَلا تَبْكُونَ- 60- يعني كفار مكة مما فيه من الوعيد وَأَنْتُمْ سامِدُونَ- 61- يعني لاهون عن القرآن- بلغة اليمن- فَاسْجُدُوا لِلَّهِ يعني «صلوا «2» » الصلوات الخمس وَاعْبُدُوا- 62- يعني وحدوا الرب- تعالى-.
__________
(1) فى أزيادة: «فيها تقديم لقوله: خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ... إلى قوله:
«أَغْنى وَأَقْنى» .
(2) «صلوا» : زيادة اقتضاها السياق ليست فى أ، ولا فى ف.(4/168)
سورة القمر(4/169)
[سورة القمر (54) : الآيات 1 الى 62]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)
حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9)
فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (14)
وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19)
تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24)
أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (29)
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (34)
نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (39)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40) وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44)
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (46) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (49)
وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54)
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الرَّحْمنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسانَ (3)
عَلَّمَهُ الْبَيانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (6)(4/171)
[سورة القمر «1» ] سورة القمر مكية عددها خمس وخمسون آية «2» .
__________
(1) معظم مقصود السورة:
التخويف بهجوم القيامة، والشكوى من عبادة أهل الضلالة، وذلهم فى وقت البعث وقيام الساعة، وخبر الطوفان وهلاك الأمم المختلفة، وقصة ناقة صالح، وإهلاك جبريل قومه بالصيحة، وحديث قوم لوط، وتماديهم فى المعصية، وحديث فرعون، وتعديه فى الجهالة، وتقرير القضاء، والقدر، واظهار علامة القيامة، ونزول المتقين «فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ» سورة القمر: 55.
(2) فى المصحف:
(54) سورة القمر مكية إلا الآيات 44، 45، 46، فمدنية، وآياتها 55 نزلت بعد سورة الطارق.
وسميت سورة القمر لاشتمالها على ذكر انشقاق القمر.(4/175)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ يعني القيامة، «ومن علامة ذلك «1» » خروج النبي- صلى الله عليه وسلم-، والدخان، وانشقاق القمر، وذلك أن كفار مكة سألوا النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يريهم آية فانشق القمر نصفين فقالوا: هذا عمل السحرة.
يقول الله- تعالى-: «وَانْشَقَّ الْقَمَرُ» «2» - 1- وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يعني انشقاق القمر يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ- 2- يعني سحر ذاهب، فاستمر، ثم التأم القمر بعد ذلك، يقول الله- تعالى-: وَكَذَّبُوا بالآية يعنى بالقمر أنه ليس من الله- تعالى- وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ هذا وعيد مُسْتَقِرٌّ- 3- يعني لكل حديث منتهى وحقيقة، يعني العذاب في الدنيا القتل ببدر، ومنه في الآخرة عذاب النار وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ يعني جاء أهل مكة من حديث القرآن ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ- 4- يعني موعظة لهم، وهو النهي عن المعاصي جاءهم حِكْمَةٌ بالِغَةٌ يعني القرآن نظيرها في يونس: « ... وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ «3» » يقول أرسلت إليهم وأنذرتهم فكفروا بما جاءهم من البيان فَما تُغْنِ النُّذُرُ- 5- فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يعني فأعرض عن كفار مكة إلى يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ وهو
__________
(1) «ومن علامة ذلك» : زيادة اقتضاها السابق.
(2) «وَانْشَقَّ الْقَمَرُ» : ليست فى أ، ولا فى ف.
(3) سورة يونس: 101.
تفسير مقاتل ج 4- م 12(4/177)
إسرافيل ينفخ الثانية «قائما «1» » على صخرة بيت المقدس إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ- 6- يعنى إلى أمر فظيع «خُشَّعاً» «2» يعني ذليلة خافضة أَبْصارُهُمْ عند معاينة النار يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ يعنى القبور كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ- 7- حين انتشر من معدنه فشبه الناس بالجراد إذا خرجوا من قبورهم مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يعني مقبلين سراعا إذا خرجوا من القبور إلى صوت إسرافيل القائم على الصخرة التي ببيت المقدس، فيهون على المؤمنين الحشر، كأدنى صلاتهم، والكفار يكبون على وجوههم، فلا يقومون مقاما، ولا يخرجون مخرجا إلا عسر عليهم في كل موطن شدة ومشقة، فذلك قوله: يَقُولُ الْكافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ- 8- كَذَّبَتْ «قَبْلَهُمْ» «3» قبل أهل مكة قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا نوحا [176 أ] وَقالُوا لنوح: مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ- 9- يعني استطار القلب منه وأوعدوه بالقتل وضربوه فَدَعا رَبَّهُ «أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ» «4» - 10- بعد ما كان يضرب في كل يوم مرتين حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال:
«اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون» .
قال أبو محمد: قال أبو العباس: «وَازْدُجِرَ» : دفع عما أراد منهم.
فأجابه الله- تعالى- فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ أربعين يوما بِماءٍ مُنْهَمِرٍ- 11- يعني منصب كثير وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ أربعين يوما عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ- 12- وذلك أن ماء السماء وماء الأرض قدر الله
__________
(1) فى أ، ف: «قائم» .
(2) فى أ: «خاشعا» .
(3) فى أ: «قبل» . [.....]
(4) «أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ» : ساقط من أ، ف.(4/178)