يعني ميتا فَلَمَّا أَفاقَ يعني رد عَلَيْه نفسه قالَ موسى: سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ من قولي: رب أرنى أنظر إليك وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ- 143- يعني أول المصدقين بأنك لن تُرى فِي الدُّنْيَا قالَ لَهُ ربه: يَا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي يَقُولُ اخترتك من بني إِسْرَائِيل بالرسالة وبالكلام من غير وحى فَخُذْ ما آتَيْتُكَ بقوة يَقُولُ: ما أعطيتك من التوراة بالجد، والمواظبة عليه وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ- 144- للَّه فِي هَذِهِ النعم يعني الرسالة، والكلام من غَيْر وحي. وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ نقرا كنقش الخاتم وهي تسعة ألواح مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَقَالَ: مَوْعِظَةً من الجهل وَتَفْصِيلًا يعني بيانا لِكُلِّ شَيْءٍ من الأمر، والنهي، والحد، وكتبه اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- بيده «1» فكتب فيها: إني أَنَا اللَّه الَّذِي لا إله إِلَّا أَنَا الرحمن الرحيم،
__________
وقرا حمزة والكسائي: «جعله دكاء» بالمد والتشديد غير منون أى أرضا مستوية كالناقة التي لا سنام لها والجمهور «جَعَلَهُ دَكًّا» بالمصدر أى مدكوكا، ومثله فى المد من سورة الكهف.
- وقد سقط موسى مغشيا عليه كمن أخذته الصاعقة والتجلي إنما كان للجبل دونه فكيف لو كان له.
ثم قال السيد رشيد رضا: «وقد روى فى تفسير هذه الآيات من الأخبار والآثار الواهية والموضوعة غرائب وعجائب أكثرها من الإسرائيليات، ومن أنكر هذه الروايات وأوهاها ما روى عن أنس مرفوعا «لما تجلى الله للجبل طارت لعظمته ستة أجبل فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة ... » .
وذكر أسماءها. قال الحافظ ابن كثير وهذا حديث غريب بل منكر. أقول ولا يدخل من ألفاظ الآية ولا معناها فى شيء» . تفسير المنار: 9/ 124- 126.
(1) عيب على مقاتل أنه أسرف فى التجسيم حتى جعل الله مثل خلقه.
ففي قوله: «وكتب الله- عز وجل- بيده» إسراف فى التجسيم يتنزه الله عن مثله.
قال صاحب المنار «إسناد الكتابة إليه- تعالى- إما على معنى أن ذلك كان بقدرته- تعالى- وصنعه لا كسب لأحد فيه.
وإما على معنى أنها كتبت بأمره ووحيه سواء كان الكاتب لها موسى أو الملك- عليهما السلام.(2/62)
لا تشركوا بي شيئًا، وَلا تقتلوا النَّفْس، وَلا تزنوا، وَلا تقطعوا السبيل، وَلا تسبوا الوالدين، ووعظهم فِي ذَلِكَ، والألواح من زمرد، وياقوت «1» » . يَقُولُ:
فَخُذْها بِقُوَّةٍ يعني التوراة بالجد والمواظبة عَلَيْه وَأْمُرْ قَوْمَكَ بني إِسْرَائِيل:
يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها يعني بأحسن ما فيها، ثُمّ قَالَ قبل ذَلِكَ لبني إِسْرَائِيل:
سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ- 145- سنة أهل مصر، فزعم ابْن عَبَّاس أن الله حين أغرق فرعون [136 ب] وقومه أوحى إلى البحر أن يقذف أجسادهم عَلَى الساحل ففعل البحر ذَلِكَ فنظر إليهم بنو إِسْرَائِيل فأراهم سنة الفاسقين، ثُمّ قَالَ: سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يعني يعملون فيها بالمعاصي: الكبرياء والعظمة، يعني أَهْل مصر يَقُولُ: سأصرف عن التفكير فِي خلق السموات والأرض، وما بَيْنَهُمَا من الآيات: الشمس، والقمر، والنجوم، والسحاب، والرياح، والجبال، والفلك، والبحور، والشجر، والثمار، والنبات، عام بعام «2» . يعني المتكبرين فلا يتفكرون فتكون لهم عبرة تعني لأهل مصر، ثُمّ قَالَ يعنيهم: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ يعني يروا مرة اليد، ومرة العصا، ثُمّ يرون الطوفان، ثُمّ الجراد، ثُمّ القمل، ثُمّ الضفادع،
__________
(1) قال صاحب المنار وأما تلك الروايات الكثيرة فى جوهر الألواح ومقدارها وطولها وعرضها وكتابتها وما كتب فيها فكلها من الإسرائيليات الباطلة التي بثها فى المسلمين أمثال كعب الأحبار ووهب ابن منبه فاغتر بها بعض الصحابة والتابعين إن صحت الرواية عنهم وقد لخص السيوطي منها فى الدر المنثور ثلاث ورقات- أى ست صفحات واسعات من القطع الكبير وليس منها شيء يصح أن يسمى درة إن كان منها أن الألواح من الياقوت أو من الزمرد أو من الزبرجد كما أنها من الحجر ومن الخشب وقد أعجبنى من الحافظ ابن كثير أنه لم يذكر من تلك الروايات شيئا على سعة اطلاعه، وقد تبع فى هذا عمدته فى التفسير ابن جرير- رحمهما الله تعالى- 10. هـ" تفسير المنار: 9/ 190.
(2) هكذا فى أ، ل. [.....](2/63)
ثُمّ الدم، ثُمّ السنين، ثُمّ الطمس، فرأوا كُلّ آية عَلَى حدة فلم يؤمنوا لا يُؤْمِنُوا بِها يعني لا يصدقون بأنها من اللَّه وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ يعنى طريق الهدى لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا يعني لا يتخذوه دينا فيتبعونه وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يعني طريق الضلالة يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا يَقُولُ اتخذوه دينا فيتبعونه ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعنى بالآيات التسع وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ- 146- يعني معرضين وَلَم يتفكروا فيها وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني القرآن وَلِقاءِ الْآخِرَةِ وكذبوا بالبعث الَّذِي فِيهِ جزاء الأعمال حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ التي أرادوا بها وجه اللَّه لأنها كَانَتْ فِي غَيْر إيمان هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كانُوا يَعْمَلُونَ- 147- وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى بني إِسْرَائِيل مِنْ بَعْدِهِ حين انطلقوا إلى الطور مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً يعني صورة عجل جسد يَقُولُ لَيْسَ فِيهِ روح: لَهُ خُوارٌ يعني لَهُ صوت البهائم ثُمّ لَمْ يصوت غَيْر مرة واحدة أَلَمْ يَرَوْا يعني بني إِسْرَائِيل أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ يعني لا يقدر عَلَى أن يكلمهم وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا يعني طريقا إلى الهدى يعني العجل اتَّخَذُوهُ العجل إلها وَكانُوا ظالِمِينَ- 148- يعني مشركين وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ندامة وندموا وَرَأَوْا وعلموا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا عن الهدى قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا يعنى ويتجاوز عنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ- 149- فِي العقوبة فلم يقبل اللَّه توبتهم إِلَّا بالقتل وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ من الجبل غَضْبانَ أَسِفاً يعني حزينا فِي صنع قومه، فِي عبادة العجل، وكان أخبره اللَّه على الطور بأمر العجل، ثُمّ قَالَ: بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ يقول استعجلتم(2/64)
ميقات ربكم أربعين يوما وَأَلْقَى الْأَلْواحَ من عاتقه فذهب منها خمس وبقيت أربعة وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ هارون يَجُرُّهُ إِلَيْهِ يعني إلى نفسه قالَ هَارُون لموسى: ابْنَ أُمَّ «1» إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ- 150- قالَ موسى رَبِّ اغْفِرْ لِي يعني تجاوز عني وَلِأَخِي هَارُون وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ- 151- إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ [137 أ] إلها سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ يعنى عذاب مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ يعنى مذلة فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فصاروا مقهورين إلى يوم الْقِيَامَة. ثُمّ قَالَ: وَكَذلِكَ يعني وهكذا نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ- 152- يعني الَّذِين افتروا فزعموا أن هَذَا إلهكم: يعني العجل، وإله مُوسَى، وكان السامري جمع الحلي بعد خمسة وثلاثين يومًا من يوم فارقهم مُوسَى- عَلَيْه السَّلام. وكان السامري صائغا فصاغ لهم العجل فِي ثلاثة أيام، وَقَدْ علم السامري أنهم يعبدونه لقولهم لموسى- عَلَيْه السَّلام- قبل ذَلِكَ: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ، فعبدوا العجل لتمام تسعة وثلاثين يومًا ثُمّ أتاهم مُوسَى من الغد لتمام الأربعين يومًا وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ يعني الشرك الَّذِين عبدوا العجل ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها أَي بعد الشرك «2» وَآمَنُوا يعني صدقوا بِاللَّه، أَنَّهُ واحد لا شريك لَهُ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها يعني من بعد الشرك لَغَفُورٌ رَحِيمٌ- 153- بهم، قوله: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ يعنى مكن أَخَذَ الْأَلْواحَ بعد ما ألقاها وَفِي نُسْخَتِها فيما بَقِيَ منها هُدىً من الضلالة وَرَحْمَةٌ من العذاب
__________
(1) فى أ: زيادة إلى قوله «الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» ولم يذكر بقية الآية.
(2) فى أ: «ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ» الشرك.(2/65)
لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ- 154- يعني يخافون اللَّه، وأعطي «1» مُوسَى التوراة يوم النحر يوم الجمعة فلم يطق حملها، فسجد للَّه وَجَعَل يدعو ربه ويتضرع حَتَّى خففت عَلَيْه فحملها عَلَى عاتقه وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا من اثني عشر سبطا ستة ستة فصاروا اثنين وسبعين رَجُلا، قَالَ مُوسَى: إِنَّمَا أمرني ربي بسبعين رَجُلا فَمنْ قعد عني فلم يجيء فَلَه الجنة فقعد يوشع بن نون، وكالب بن يوقنا «لِمِيقاتِنا» يعني لميعادنا يعني الأربعين يومًا فانطلق بهم فتركهم فِي أصل الجبل، فَلَمَّا نزل مُوسَى إليهم قَالُوا: أَرِنَا اللَّهَ جهرة، فأخذتهم الرجفة، يعني الموت عقوبة لما قَالُوا، وبقي مُوسَى وحده يبكي فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ ما أقول لبني إِسْرَائِيل إذا رجعت إليهم وَقَدْ أهلكت خيارهم رب: لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ يعنى أمتهم «مِنْ قَبْلُ «2» » وَإِيَّايَ معهم من قبل أن يصحبوني أَتُهْلِكُنا «3» عقوبة بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا وظن مُوسَى- عَلَيْه السَّلام- أنما عوقبوا باتخاذ بني إِسْرَائِيل العجل: فهم السفهاء «4» ، فَقَالَ مُوسَى: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ يعني ما هِيَ إِلَّا بلاؤك تُضِلُّ بِها بالفتنة مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي من الفتنة مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ- 155- قَالَ فلم يعبد العجل منهم إِلَّا اثنا عشر ألفا وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً يعني المغفرة وَفِي الْآخِرَةِ حسنة يعني الجنة إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ
__________
(1) فى أ: أعطى.
(2) ما بين القوسين « ... » ساقطة من أ.
(3) فى أ: أفتهلكنا.
(4) هكذا فى أ، ل، والمراد بقوله: فهم السفهاء، أن من اتخذ العجل إلها من بنى إسرائيل هم السفهاء.(2/66)
يعني تبنا إليك قالَ اللَّه: عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ يعني ملأت كُلّ شيء، قَالَ إبليس: فأنا من كُلّ شيء.
قَالَ اللَّه- تَعَالَى-: فَسَأَكْتُبُها يعني الرحمة لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ فعزل إبليس يعني للذين يوحدون ربهم وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ [137 ب] يعني أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ- 156- يعني بالقرآن، يصدقون أَنَّهُ من اللَّه، قَالَت اليهود: فنحن نتقي اللَّه، ونؤتي الزكاة، فعزل إبليس واليهود، ثُمّ نعتهم فَقَالَ: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ عَلَى دينه يعني محمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني بالأمي الَّذِي لا يقرأ الكتب، وَلا يخطها بيمينه الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ يعنى بالإيمان وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ يعنى الشرك وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ يعني ما حرم اللَّه من اللحوم، والشحوم، وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْخَبائِثَ يعني الميتة، والدم، ولحم الخنزير وَيَضَعُ محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ يعني مما عهد اللَّه إليهم من تحريم اللحوم، والشحوم، ولحم كُلّ ذِي ظفر وَيضع محمد- صلى الله عليه وسلم- الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ واجبة من التغليظ والتشديد، الَّذِي منه أن يقتل قاتل العمد البتة، وَلا يعفى عَنْهُ، وَلا يؤخذ منه الدية، ويقتل قاتل الخطأ إِلَّا أن يشاء وَلِي المقتول فيعفو عَنْهُ ونحوه، ولو صدقوا النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لوضع ذَلِكَ كله عَنْهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ يعني صدقوا النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَزَّرُوهُ يعني أعانوه عَلَى أمره وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ يعنى القرآن الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ فَمنْ فعل هَذَا ف أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ- 157- فَقَالَ مُوسَى عِنْد ذَلِكَ: اللَّهُمَّ اجعلني(2/67)
من أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي الأموات وَيُمِيتُ الأحياء فَآمِنُوا يعني فصدقوا بِاللَّهِ أَنَّهُ واحد لا شريك لَهُ وَرَسُولِهِ «1» - عَلَيْه السَّلام- النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ يعني الَّذِي يصدق بِاللَّه بأنه واحد لا شريك لَهُ، وبآياته، يعني القرآن وَاتَّبِعُوهُ يعني محمدا- عَلَيْه السَّلام- لَعَلَّكُمْ يعني لكي تَهْتَدُونَ- 158- من الضلالة وَمِنْ قَوْمِ مُوسى يعنى بنى إسرائيل أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ يعني عصابة يدعون إلى الحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ- 159- يعني الَّذِين من وراء الصين اليوم «الْقَوْمَ الَّذِينَ» «2» أسرى بهم تحت الأرض، وأخرج لهم نهرا، من الأُرْدُن، من رمل يسمى أردق، من وراء الصين يجري كجري الماء أسرى اللَّه بهم تحت الأرض سنة ونصفا. فإذا نزول عيسى بن مريم كان معه يوشع بن نون وهم من «3» آمن من أَهْل الكتاب.
وَقَطَّعْناهُمُ يعني فرقناهم اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً يعني فرقا وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ فى التيه أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ ففعل وكان من الطور فَانْبَجَسَتْ يعني فانفجرت من الحجر مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً ماء باردا فراتا رواء بإذن اللَّه وكان الحجر خفيفا، كُلّ «4» سِبْط من بني إِسْرَائِيل لهم عين تجري لا يخالطهم غيرهم فيها، فذلك قوله: قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ
__________
(1) فى أ: وبرسوله.
(2) فى أ: الذي، ل: القوم الذين.
(3) الأنسب: ممن، والكلام السابق من الإسرائيليات.
(4) فى أ: لكل.(2/68)
[138 ا] يعني كُلّ سِبْط مشربهم وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ بالنهار يعني سحابة بيضاء لَيْسَ فيها ماء، تقيهم من حر الشمس وهم فِي التيه وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ يعنى الترنجبين وَالسَّلْوى طير أحمر يشبه السمان كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ يعني من حلال ما رَزَقْناكُمْ من المن والسلوى وَلا تطغوا فِيهِ يعني لا ترفعوا منه لغد فرفعوا وقددوا فدود عليهم، يَقُولُ اللَّه وَما ظَلَمُونا يعني وما ضرونا يعني وما نقصونا حين رفعوا وقددوا ودود عليهم وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ- 160- يعنى يضرون وينقصون «1» .
« «2» وَاذكر إِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ بيت المَقْدِس وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا أمرنا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ أَيْ باب القرية سُجَّداً سجود انحناء نَغْفِرْ بالنون والتاء مبنيا للمفعول لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ- 161- بالطاعة ثوابا.
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فقالوا حبة فِي شعرة ودخلوا يزحفون عَلَى استاهم فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً عذابا مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ- 162- «3» » .
__________
(1) سقط فى التفسير آيتان بعد هذه الآية: هما آية 161، 162، وفى حاشية أ، واسألهم إلى آخر الآية ساقط ولا أعلم سببه وأظنه أحاله على ما فى سورة البقرة. للكاتب.
وفى الحاشية خطأ هو أن الآية الساقطة ليست «وَسْئَلْهُمْ» وإنما الساقطة هي: «وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ ... » آية 161 «فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ... يَظْلِمُونَ.» آية 162.
وسبب السقوط هو أن آخر آية 160 كلمة «يظلمون» آخر آية 162 كلمة «يظلمون» فحدث سبق نظر للناقل فترك آية 161، 162 وبدأ من آية «وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ ... » 163.
(2) هذه الآية 161، والآية التي بعدها 162 ساقطتان من تفسير مقاتل وقد نقلتهما من تفسير الجلالين.
(3) نهاية آية: 161، 162. الساقطتين من تفسير مقاتل. وقد نقلتهما من تفسير الجلالين.(2/69)
وَسْئَلْهُمْ «1» عَنِ الْقَرْيَةِ اسمها أيلة، عَلَى مسيرة يومين من البحر بين المدينة والشام مسخوا عَلَى عهد دَاوُد- عَلَيْه السَّلام- قردة، يعني اليهود وإنما أمر اللَّه النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يسألهم أمسخ اللَّه منكم قردة وخنازير؟
لأنهم قَالُوا: إنا أبناء اللَّه وأحباؤه وإن اللَّه لا يعذبنا فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخرة لأنا من سِبْط خليله إِبْرَاهِيم ومن سِبْط إِسْرَائِيل وَهُوَ بَكْر نبيه ومن سِبْط كليم الله موسى، ومن سبط ولده «2» عزيز فنحن من أولادهم، فَقَالَ اللَّه لنبيه- صَلَّى الله عليه وسلم-: «وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ» الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إما عذبهم اللَّه بذنوبهم، ثُمّ أخبر عن ذنوبهم فقال: إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ يعنى يعتدون إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يعنى السمك يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً يعني شارعة من غمرة الماء إلى قريب من الحذاء يعني الشط أمنت أن يصدن «3» وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ يعني حين لا يَكُون يوم السبت لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ يعني هكذا نَبْلُوهُمْ يعني نبتليهم بتحريم السمك فى السبت بِما كانُوا يَفْسُقُونَ- 163- جزاء مِنَّا يعني بما كانوا يعصون وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ يعني عصابة منهم وهي الظلمة للواعظة لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً وذلك أن الواعظة نهوهم عن الحيتان وخوفوهم فلم ينتبهوا فردت عليهم الواعظة قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ- ولعلهم- يعني ولكي ينتهوا فيؤخروا أَوْ يعذبوا فينجوا «4» وَلَعَلَّهُمْ يعني ولكي يَتَّقُونَ- 164- المعاصي فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ
__________
(1) عود إلى تفسير مقاتل. [.....]
(2) الضمير راجع إلى الله لأن اليهود يقولون عزير ابن الله. قاتلهم الله.
(3) أى أمنت الحيتان أن يصدن، فلا تخاف الصيد.
(4) هكذا فى أ، ل.(2/70)
يعني فَلَمَّا تركوا ما وعظوا به من أمر الحيتان أَنْجَيْنَا من العذاب الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ يعنى المعاصي وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني وأصبنا الَّذِين ظلموا بِعَذابٍ يعني المسخ بَئِيسٍ يعنى شديد بِما كانُوا يَفْسُقُونَ- 165- يعني يعصون فَلَمَّا عَتَوْا يعني عصوا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ من الحيتان قُلْنا لَهُمْ ليلا كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ- 166- يعنى صاغرين بعد ما أصابوا الحيتان سنين ثُمّ مسخوا قردة فعاشوا سبعة أيام ثُمّ ماتوا يوم الثامن وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ يعني قَالَ ربك: لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ يعني بني إِسْرَائِيل من يسومهم سوء العذاب فبعث اللَّه المسلمين عليهم إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ما دامت الدُّنْيَا مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ [138 ب] يعني يعذبهم شدة العذاب يعني القتل والجزية إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ- 167- وَقَطَّعْناهُمْ يعنى وفرقناهم فِي الْأَرْضِ أُمَماً يعني فرقا يعني بني إِسْرَائِيل مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ يعنى المؤمنين وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ يعني دون الصالحين فهم الكفار وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ يَقُولُ ابتليناهم بالخصب والشدة لَعَلَّهُمْ يعني لكي يَرْجِعُونَ- 168- إلى التوبة فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ يعنى من بعد بنى إسرائيل فَخَلَفَ السوء وهم اليهود وَرِثُوا الْكِتابَ يعني ورثوا التوراة عن أوائلهم وآبائهم يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وهي الدُّنْيَا لأنها أدنى من الآخرة يعني الرشوة فى الحكم وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا فكانوا يرشون بالنهار ويقولون يغفر لنا بالليل وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يعني رشوة مثله ليلا يَأْخُذُوهُ ويقولون يغفر لنا بالنهار يَقُولُ اللَّه: أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ يعني بغير ما يقولون لقَدْ أَخَذَ عليهم فى التوراة أن لا يستحلوا محرما(2/71)
وأَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ فِي التوراة وَدَرَسُوا يعني وقرءوا ما فِيهِ ما فِي التوراة وَالدَّارُ الْآخِرَةُ يعني الجنة خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ استحلال المحارم أَفَلا تَعْقِلُونَ- 169- ثُمّ ذكر مؤمنيهم فقال: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ يعني يتمسكون بالتوراة ولا يحرفونه عن مواضعه وَلا يستحلون محرما وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ- 170- نزلت فِي ابْن سلام وأصحابه.
وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ يعني وإذ رفعنا الجبل فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وذلك أن مُوسَى- عَلَيْه السَّلام- حين أتاهم بالتوراة وجدوا فيها القتل، والرجم، والحدود، والتغليظ، أبوا أن يقبلوا التوراة، فأمر اللَّه الجبل عِنْد بيت المَقْدِس فانقطع من مكانه فقام فوق رؤوسهم، فأوحى اللَّه إلى مُوسَى أن قل لهم: إن لَمْ يقروا بالتوراة طرحت عليهم الجبل وأرضخ به رءوسهم، فَلَمَّا رأوا ذَلِكَ أقروا بالتوراة ورجع الجبل إلى مكانه، فذلك قوله: وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ يعني وأيقنوا أن الجبل واقع بهم يعني عليهم خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ
ما أعطيناكم من التوراة بالجد والمواظبة وَاذْكُرُوا ما فِيهِ يقول واحفظوا ما فِيهِ من أمره ونهيه لَعَلَّكُمْ يعنى لكم تَتَّقُونَ- 171- المعاصي وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ يَقُولُ وَقَدْ أَخَذَ ربك من بني آدم بنعمان عِنْد عرفات من ظهورهم ذُرِّيَّتَهُمْ «1» وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ بإقرارهم أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى «2» أَنْت ربنا وذلك أن اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- مسح صفحة ظهر آدم اليمنى
__________
(1) فى أ 4 ذرياتهم، وقراءة حفص ذريتهم.
(2) فى أ: قدم جزءا من الآية متأخرا ففسرها هكذا «ذريتهم ألست بربكم وأشهدهم على أنفسهم» .
وصوابها «ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ» .(2/72)
فأخرج منه ذرِّيَّة بيضاء كهيئة الذر يتحركون ثُمّ مسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منه ذرِّيَّة سوداء كهيئة الذر وهم ألف أمة قَالَ: يا آدم هَؤُلاءِ ذريتك أخذنا «1» ميثاقهم [139 ا] عَلَى أن يعبدوني، وَلا يشركوا بي شيئًا، وعليَّ رزقهم. قَالَ آدم: «نعم» «2» يا رب «فلما أخرجهم» «3» قال الله «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ. قالُوا: «بَلى» شَهِدْنا أنك ربنا، قَالَ اللَّه للملائكة: اشهدوا عليهم بالإقرار قَالَت الملائكة قَدْ شهدنا «4» . يَقُولُ اللَّه في الدُّنْيَا لكفار العرب من هَذِهِ الأمة: أَنْ تَقُولُوا «5» يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا الميثاق الَّذِي أَخَذَ علينا غافِلِينَ- 172- وأشهدهم عَلَى أنفسهم أَوْ «6» تَقُولُوا لئلا تقولوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا ونقضوا الميثاق مِنْ قَبْلُ شركنا، ولئلا تقولوا وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ فاقتدينا بهم وبهداهم، لئلا تقولوا أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ- 173- يعني أفتعذبنا بما فعل المبطلون يعني المكذبين بالتوحيد يعنون آباءهم كقوله «7» : إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ «8» ثم أفاضهم إفاضة القدح فقال
__________
(1) فى أ: أخذ، ل: أخذنا.
(2) من: ل.
(3) من: ل، وليست فى أ.
(4) «شهدنا» هذه فوقها خط فى أ. ومعناها أنها قرآن، ويترتب على ذلك أن كلمة شهدنا فى الآية من شهادة الملائكة- وهو خطأ.
وقد أصلحت الخطأ ووضعت كلمة شهدنا العائدة على ذرية آدم بين قوسين، فتكون هي القرآن.
وتكون الشهادة شهادة الذرية لا شهادة الملائكة.
(5) فى أ: لأن لا تقولوا.
(6) فى أ: لئلا وفوقها أو.
(7) فى أ: وقوله، ل: كقوله.
(8) سورة الزخرف: 23.(2/73)
للبيض: هَؤُلاءِ فِي الجنة برحمتي فهم أصحاب اليمين وأصحاب الميمنة. وقَالَ للسود: هَؤُلاءِ للنار وَلا أبالي فهم أصحاب الشمال وأصحاب المشأمة ثُمّ أعادهم جميعًا فِي صلب آدم- عَلَيْه السلام. فأهل القبور محبوسون حَتَّى يَخْرُج اللَّه أَهْل الميثاق كلهم من أصلاب الرجال وأرحام النّساء ثُمّ تقوم الساعة فذلك قوله:
لَقَدْ أَحْصاهُمْ يوم الْقِيَامَة وَعَدَّهُمْ عَدًّا «1» فَمنْ مات منهم صغيرا فَلَه الجنة بمعرفته بربه ومن بلغ منهم العقل أَخَذَ أيضا ميثاقه بمعرفته «لِرَبِّهِ» «2» والطاعة لَهُ فَمنْ لَمْ يؤمن إذا بلغ العقل لم يغن عَنْهُ «3» الميثاق الأول شيئًا وكان العهد والميثاق الأول حجة عليهم. وقَالَ فيمن نقض العهد الأول: وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ يعني من وفاء يعني أكثر وَلَد آدم عليه السلام وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ «4» يعنى لعاصين. وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ يعني هكذا نبين الآيات فِي أمر الميثاق وَلَعَلَّهُمْ يعني لكي يَرْجِعُونَ- 174- إلى التوبة وَاتْلُ عَلَيْهِمْ يعني أَهْل مكة نَبَأَ يعني حديث الَّذِي آتَيْناهُ «آياتِنا» «5» يعني أعطيناه الاسم الأعظم يعني بلعام بن باعورا «6» بن ماث ابن حراز بن آزر من أَهْل عمان وهي البلقاء التي كان فيها الجبارون بالشام فَإِنَّمَا سميت البلقاء من أجل أن «7» أن ملكها رَجُل اسمه بالق وذلك أن الملك واسمه بانوس
__________
(1) سورة مريم: 94، وهي لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا. [.....]
(2) «لربه» من ل.
(3) فى أ: عليه، ل: عنه.
(4) سورة الأعراف: 102.
(5) ما بين القوسين « ... » ساقط من الأصل.
(6) فى أ: بعون، وفى حاشية أ: باعورا.
(7) فى الأصل: أنه.(2/74)
ابن ستشروث قَالَ لبلعام: ادع عَلَى مُوسَى. فَقَالَ بلعام: إنَّه من أَهْل دين لا ينبغي أن يدعَى عَلَيْه. فأمر الملك أن تنحت «1» خشبة ليصلبه «2» عَلَيْهَا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ خرج على أنان لَهُ ليدعو عَلَى مُوسَى- عَلَيْه السَّلام- فَلَمَّا عاين عسكره قامت به الأتان فضربها، فقالت الأتان: لَم تضربني، وهذه نار تتوقد قَدْ منعتني، أن أمشي فارجع. فرجع، فأخبر الملك، فَقَالَ لَهُ الملك: إما أن تدعو «3» ، وإما أن أصلبك فدعا عَلَى مُوسَى- عَلَيْه السَّلام- باسم اللَّه الأعظم ألا يدخل المدينة، فاستجاب اللَّه لَهُ فبلغ مُوسَى- عَلَيْه السَّلام- فدعا اللَّه أن ينزع ذَلِكَ الاسم منه «4» فنزع منه الاسم الأعظم، فذلك قوله [139 ب] : فَانْسَلَخَ مِنْها فنزعها اللَّه منه يعني الآيات فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ- 175- يعنى من الضالين وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ فِي الآخرة بِها بما علمناه من آياتنا يعني الاسم الأعظم فِي الدُّنْيَا وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ يعنى رضى بالدنيا وركن إليها وَاتَّبَعَ هَواهُ أَي هوى الملك مَعَ هواه فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ بنفسك ودابتك «5» تطرده يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ فلا تحمل عَلَيْه شيء يَلْهَثْ إذا أصابه الحر. فهذا مثل الكافر إن وعظته، فهو ضال، وإن تركته، فهو ضال، مثل بلعام والكفار يعني كفار مكة «ذلِكَ» «6» مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني القرآن فَاقْصُصِ الْقَصَصَ يعني القرآن عليهم لَعَلَّهُمْ
__________
(1) فى أ: ينحت.
(2) فى أ: يصلبه.
(3) أى على موسى.
(4) فى أ: عنه.
(5) فى أ: ودابتك، وفى الجلالين «إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ» بالطرد والزجر (يلهث) يدلع لسانه.
(6) «ذلك» ساقطة من: ا، ل.(2/75)
يعني لكي يَتَفَكَّرُونَ- 176- فِي أمثال اللَّه فيعتبروا فيؤمنوا، ثُمّ قَالَ:
ساءَ يعني بئس مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعنى القرآن يعنى كفارة مكة وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ- 177- يعني أنفسهم ضروا بتكذيبهم القرآن مَنْ يَهْدِ اللَّهُ لدينه فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ عن دينه فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ- 178- يعنيهم، ثُمّ قَالَ: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ «1» لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها لقَولِ اللَّه: خَتَمَ «اللَّهُ» «2» عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ «3» فلم تَفْقَه قلوبهم، وَلَم تبصر أعينهم، وَلَم تسمع آذانهم الْإِيمَان، ثُمّ ضرب مثلا فَقَالَ: أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ يأكلون، ويشربون، وَلا يلتفتون إلى الآخرة. كَمَا تأكل الأنعام لَيْسَ للأنعام همة غَيْر الأكل والشرب والسفاد «4» فهي لا تسمع، وَلا تعقل، كذلك الكفار، ثُمّ قَالَ: بَلْ هُمْ يعني كفار مكة أَضَلُّ يعني أضل سبيلا يعني الطريق من الأنعام، ثُمّ قَالَ: أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ- 179- لأن «5» الأنعام تعرف ربها، وتذكره، وهم لا يعرفون ربهم، وَلا يوحدونه وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وذلك أن رَجُلا دعا اللَّه فِي الصَّلاة ودعا الرَّحْمَن، فَقَالَ رَجُل من مشركي مكة وَهُوَ أَبُو جهل: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا، فما بال هذا يدعو ربين اثنين. فأنزل اللَّه:
وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يعني الرَّحْمَن، الرحيم، الملك، القدوس، السَّلام، الْمُؤْمِن،
__________
(1) فى أ: إلى قوله: آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها.
(2) «الله» ساقط من: ا، ل. [.....]
(3) سورة البقرة الآية: 7 وتمامها وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.
(4) فى أ: السعار.
(5) فى أ: أن، وفى حاشية أ: إذ، محمد.(2/76)
المهيمن، الْعَزِيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، ونحوها.
يَقُولُ: فَادْعُوهُ بِها
فدعا النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّجُل فَقَالَ:
ادع اللَّه، وادع الرَّحْمَن، ورغما «1» لأنف المشركين فإنك ما دعوت من هَذِهِ الأسماء فَلَه «2» الأسماء الحسنى.
قال «3» : وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ يعني يميلون فِي أسمائه عن الحق فيسمون الآلهة: اللات، والعزى، وهبل، ونحوها.
وأساف، ونائلة، فمنعهم اللَّه أن يسموا شيئًا من آلهتهم باسم اللَّه ثُمّ قَالَ:
سَيُجْزَوْنَ العذاب فِي الآخرة مَا كانُوا «4» يَعْمَلُونَ- 180- وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ يعني عصبة يدعون إِلَى الحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ- 181-
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَذِهِ لَكُمْ وَقَدْ أعطى اللَّه مُوسَى- عَلَيْه السَّلام-[140 ا] مثلها
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني بالقرآن سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ- 182- يعني سنأخذهم بالعذاب من حيث يجهلون نزلت فِي المستهزئين من قريش وَأُمْلِي لَهُمْ يعني لا أعجل عليهم بالعذاب إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ- 183- يعني إن أخذي شديد قتلهم اللَّه فِي ليلة واحدة.
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ يعني النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني من جنون، وذلك
أن النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صعد الصفا ليلا فدعا قريشا إلى عبادة اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- قَالَ: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ
__________
(1) فى أ: ورغم، ل: ورغما.
(2) فى أ: فلله، ل: فله.
(3) فى أ: فقال، ل: قال.
(4) فى أ: بما كانوا.(2/77)
إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ- 184- يعني ما محمد إِلَّا رسول بيّن، ثُمّ وعظهم ليعتبروا فِي صنيعه فيوحدوه، فَقَالَ: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ من الآيات التي فيها، فيعتبروا أن الَّذِي خلق ما ترون لرب واحد لا شريك لَهُ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ يعنى يكون قد دنا هلاكهم ببدر فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ أَي بعد هَذَا القرآن يُؤْمِنُونَ- 185- يعني يصدقون مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ عن الهدى فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ- 186- يعنى فى ضلالتهم يترددون يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ وذلك أن كفار قريش سألوا النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الساعة أَيَّانَ مُرْساها يعني مَتَى حينها قُلْ لهم إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي وما لي بها من علم لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها يعني لا يكشفها إِلَّا هُوَ إذا جاءت ثُمّ أخبر عن شأنها فَقَالَ:
ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَقُولُ ثقل عَلَى من فيهما علمها لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يعنى فجأة ثم قال: يَسْئَلُونَكَ عنها «1» فى التقديم كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها يقول كأنك قد استحفيت عنها السؤال حَتَّى علمتها قُلْ وما لي بها من علم إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ- 187- يعني أكثر أَهْل مكة لا يعلمون أنها كائنة قُلْ لهم يا محمد: لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا يَقُولُ لا أقدر عَلَى أن أسوق إليها خيرًا، وَلا أدفع عَنْهَا ضرا، يعني سوءا حين ينزل بي فكيف أملك علم الساعة، ثم قال: إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ فيصيبني ذلك وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ يعنى أعلم غيب الضر والنفع
__________
(1) فى أ: «يسألونك عنها» وليس فى المصحف «عنها» ، فجعلتها أ: قرآنا. وقد نقلتها إلى التفسير.(2/78)
إذا جاء لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ يعنى من النفع وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ يعني ما أصابني الضر إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ من النار وَبَشِيرٌ بالجنة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ- 188- يعني يصدقون قوله: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ يعني من نفس آدم- عَلَيْه السَّلام- وحده وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها «لِيَسْكُنَ إِلَيْها» «1» يعني خلق من ضلع آدم زَوْجَه «2» حواء، يوم الجمعة وَهُوَ نائم، فاستيقظ آدم وهي عِنْد رأسه فَقَالَ لها: من أَنْت؟ فقالت بالسريانية: أَنَا امرأة. فَقَالَ آدم: فلم خلقت؟
قَالَتْ: لتسكن إليّ. وكان وحده فِي الجنة، قَالَت الملائكة: يا آدم ما اسمها؟
قَالَ: حواء، لأنها خلقت من حي، وسمي آدم، لأنه خلق من أديم الأرض كلها، من العذبة، والسبخة من الطينة السوداء، والبيضاء، والحمراء، كذلك نسله طيب وخبيث، وأبيض، وأسود، وأحمر، فذلك قوله: فَلَمَّا تَغَشَّاها يعني جامعها آدم حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً هان عَلَيْهَا الحمل فَمَرَّتْ بِهِ يعني استمرت به بالولد يَقُولُ: تقوم، وتقعد، وتلعب «3» ، وَلا تكترث، فأتاها إبليس وغير صورته واسمه الْحَارِث فَقَالَ: يا حواء لعل الَّذِي فِي بطنك بهيمة فقالت:
ما أدري ثُمّ انصرف عَنْهَا فَلَمَّا أَثْقَلَتْ يَقُولُ: فَلَمَّا أثقل الولد فِي بطنها رجع إبليس إليها الثانية فَقَالَ: كيف نجدك يا حواء؟ وهي لا تعرفه قَالَتْ: إني أخاف أن يَكُون فِي جوفي الَّذِي خوفتني به. ما أستطيع القيام إذا قعدت. قَالَ:
أفرأيت إن دعوت اللَّه فجعله إنسانا مثلك ومثل آدم. أتسمينه بي؟ قَالَتْ: نعم ثُمّ انصرف عَنْهَا. فقالت لآدم- عَلَيْه السَّلام-: لقَدْ أتاني آت فزعم أن الَّذِي فِي بطني بهيمة وإني لأجد لَهُ ثقلا وَقَدْ خفت أن يَكُون مثل ما قَالَ: فلم يكن
__________
(1) ما بين القوسين « ... » ساقط من الأصل.
(2) فى أ: زوجها.
(3) فى أ، ل، م: تعلب.(2/79)
لآدم وحواء هَمٌّ غَيْر الَّذِي فِي بطنها فجعلا يدعوان اللَّه «دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما» «1» لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً يَقُولان: لئن أعطيتنا هَذَا الولد سويا صَالِح الخلق لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ- 189- فى هذه النعمة فولدت سويا صالحا فجاءها إبليس وهي لا تعرفه فَقَالَ: لم لا تسميه بي كَمَا وعدتني. قَالَتْ: عَبْد الحرث فكذبها. فسمته عَبْد الْحَارِث فرضي به آدم، فمات الولد. فذلك قوله: فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً يعني أعطاهما الولد صَالِح الخلق جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ يعني إبليس شريكا فِي الاسم سمته عَبْد الْحَارِث «2» فكان الشرك فِي الطاعة من غَيْر عبادة وَلَم يَكُنْ شركا فِي عبادة ربهم ثم انقطع الكلام، فذكر كفار مكة فرجع إلى أول الآية فقال الله:
فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ- 190- يَقُولُ ارتفع عظمة اللَّه عما يشرك مشركو مكة ثُمّ قَالَ: أَيُشْرِكُونَ الآلهة مَعَ اللَّه يعني: اللات، والعزى، ومناة، والآلهة. مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً ذبابا وَلا غيره وَهُمْ يُخْلَقُونَ- 191- يعني الآلهة يعني يصنعونها بأيديهم، وينحتونها فهي لا تخلق شيئًا ثُمّ قَالَ: وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً يَقُولُ لا تقدر الآلهة منع السوء إذا نزل بمن يعبدها من كفار مكة وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ- 192- يَقُولُ وَلا تمنع الآلهة من أراد بها سوءا فكيف تعبدون من هَذِهِ منزلته وتتركون عبادة ربكم ثُمّ قَالَ- للنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَإِنْ تَدْعُوهُمْ يعني كفار مكة إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- وحده سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ إلى الهدى أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ- 193- يعني ساكتون يعني النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنهم لا يتبعوكم ثُمّ أخبر عن الآلهة [141 ا] فقال قل لكفار مكة:
__________
(1) ما بين الأقواس « ... » ساقط من أ، ل.
(2) فى اعبد الحرث.(2/80)
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ يعني تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة إنهم عِبادٌ أَمْثالُكُمْ وليسوا بآلهة فَادْعُوهُمْ يعني فاسألوهم فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ بأنهم آلهة إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 194- بأنها آلهة ثُمّ أخبر عن الآلهة فَقَالَ:
أَلَهُمْ أَرْجُلٌ «1» يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها ثُمّ قَالَ لكفار مكة: قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ يعنى الآلهة ثُمَّ كِيدُونِ أنتم الآلهة جميعًا «2» بشر فَلا تُنْظِرُونِ- 195- إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ يعنى القرآن وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ- 196- ثُمّ قَالَ لكفار مكة: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ يعني يعبدون مِنْ دُونِهِ من الآلهة لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ يقدر الآلهة منع السوء إذا نزل بكم وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ- 197- يَقُولُ وَلا تمنع الآلهة من أرادها بسوء ثم قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-: وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى يعني كفار مكة لا يَسْمَعُوا الهدى وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ- 198- الهدى قوله: خُذِ الْعَفْوَ يَقُولُ للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
خُذْ ما أعطوك من الصدقة وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ يعني بالمعروف وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ- 199- يعني أبا جهل حين جهل عَلَى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنسخت العفو «3» الآية التي فى براءة آية الصدقات «4» .
__________
(1) فى أ: «أَلَهُمْ أَرْجُلٌ ... » إلى قوله: « ... يَسْمَعُونَ بِها» . [.....]
(2) فى: (جميعا) على أنها قرآن.
(3) المراد بالعفو الصدقة.
(4) المراد بالصدقات هنا الزكاة، وهو يشير الى الآية 60 من سورة التوبة وتمامها:
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
ولا نسخ هنا فالزكاة فريضة والصدقة سنة ولا تعارض بينهما.
ويحتمل أن يكون الإشارة إلى الآية 103 من سورة التوبة وهي خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ... الآية.(2/81)
ونسخ الإعراض آية السيف «1» قوله: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ يعني وإما يفتننك من الشَّيْطَان فتنة فِي أمر أَبِي جهل فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ بالاستعاذة عَلِيمٌ- 200- بها- نظيرها فِي حم السجدة «2» -.
ثُمّ وعظ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أمر أَبِي جهل فأخبر عن مصير المؤمنين والكفار فقال: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا الشرك إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ- 201- يَقُولُ إن المتقين إذا أصابهم نزغ من الشَّيْطَان تذكروا وعرفوا أنها معصية ففزعوا منها من مخافة اللَّه ثُمّ ذكر الكافر فَقَالَ: وَإِخْوانُهُمْ يعني وأصحابهم يعني إخوان كفار مكة هم الشياطين فى التقديم يَمُدُّونَهُمْ يعنى يلجونهم فِي الغَيِّ يعني الشرك والضلالة والمعاصي ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ- 202- عَنْهَا وَلا يبصرونها كَمَا قصر المتقون عَنْهَا حين أبصروها وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ يعني بحديث من القرآن، وذلك حين أبطأ التنزيل بمكة قالُوا «3» قَالَ «4» كفار مكة: لَوْلا اجْتَبَيْتَها يعنى هلا
__________
(1) مفهوم النسخ كما هو عند الأصوليين غير متحقق هنا أيضا، فقد كان الإعراض فى مرحلة والسيف فى مرحلة أخرى.
لكن مقاتلا فى ذلك صنو عصره فقد كانوا يطلقون النسخ على كل تقييد أو تخصيص.. حتى سمى الاستثناء نسخا. كان آية السيف حددت الإعراض بوقت معين، فنسخته فى إطلاق القدماء.
أما النسخ عند الأصوليين فهو إزالة الشارع حكما شرعيا سابقا بحكم شرعي لاحق بحيث لا يمكن الجمع بينهما.
وهو غير منطبق على ما ذكره مقاتل.
(2) يشير الآية 26 من سورة حم السجدة (فصلت) وتمامها: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
(3) (قالوا) ليست فى ا.
(4) فى أ: فقال.(2/82)
ابتدعتها من تلقاء نفسك يا محمد لقولهم: - ائت بقرآن غَيْرِ هَذَا أَوْ بدله- من تلقاء نفسك قُلْ لكفار مكة: إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي إذا أمرت بأمر اتبعته هَذَا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ يعني برهان يعني هَذَا القرآن بيان من ربكم وَالقرآن هُدىً من الضلالة وَرَحْمَةٌ من العذاب لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ- 203- يعني يصدقون بأن القرآن من اللَّه وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ «1» فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ- 204- وَاذْكُرْ رَبَّكَ يعنى بالذكر القراءة [141 ب] فى الصلاة فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً مستكينا وَخِيفَةً يعني وخوفا من عذابه وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ يعني دون العلانية بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ يعني بالغداة والعشى وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ- 205- عن القراءة فِي الصَّلاة إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ من الملائكة، وذلك حين قَالَ كفار مكة: «وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا» «2» واستكبروا عن السجود، فأخبر اللَّه أن الملائكة لا يَسْتَكْبِرُونَ يعني لا يتكبرون عَنْ عِبادَتِهِ كفعل كفار مكة وأخبر عن الملائكة فَقَالَ: وَيُسَبِّحُونَهُ يعني يذكرون ربهم وَلَهُ يَسْجُدُونَ- 206- يَقُولُ يصلون.
__________
(1) أ: «وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ ... » إلى قوله: « ... تُرْحَمُونَ» .
(2) سورة الفرقان الآية 60 وتمامها:
«وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً» .(2/83)
سورة الأنفال(2/85)
[سورة الأنفال (8) : الآيات 1 الى 75]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)
كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (5) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (12) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (13) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (14)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (30) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (32) وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34)
وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (37) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)
وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (50) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (52) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (54)
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (58) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59)
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)
وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)(2/87)
[سورة الأنفال] مدنية كلها غير آية واحدة «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ... » الآية «1» .
وهي خمس وسبعون آية كوفية «2»
__________
(1) الآية 30 من سورة الأنفال وتمامها: «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ» .
وفى المصحف: سورة الأنفال مدنية إلا من آية 30 إلى آية 36 فمكية وآياتها 75 آية نزلت بعد سورة البقرة.
وفى كتاب بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي ص 222: اعلم أن هذه السورة مدنية بالإجماع وعدد آياتها خمس وسبعون عند الكوفيين.
وعدد كلماتها (1195) كلمة.
(2) أهداف سورة الأنفال ومقاصدها مقصود سورة الأنفال مجملا هو: قطع الأطماع الفاسدة من الغنيمة التي هي حق لله ورسوله ومدح الخائفين وقت سماع القرآن والإشارة إلى ابتداء حرب بدر وإمداد الله- تعالى- صحابة نبيه بالملائكة المقربين والنهى عن الفرار عند الزحف، ووصية الله المؤمنين بالثبات فى صف القتال، وأمر المؤمنين بإجابة الله ورسوله، والتحذير من الفتنة والنهى عن خيانة الله ورسوله، وذكر مكر كفار مكة فى حق النبي- صلى الله عليه وسلم- وتجاسر قوم منهم باستعجال العذاب، وذكر إضاعة نفقاتهم فى الضلال والباطل، وبيان قسمة الغنائم وتلاقى عسكر الإسلام وعسكر المشركين.
وذم المنافقين فى خذلانهم لأهل الإيمان ونكال ناقضي العهد، ليعتبر بهم آخرون، والميل إلى الصلح عند الدعوة إليه، والمن على المؤمنين بتأليف قلوبهم وبيان عدد عسكر الإسلام، وعسكر الشرك وحكم أسرى بدر ونصرة المعاهدين لأهل الإسلام وتخصيص الأقارب وذوى الأرحام بالميراث فى قوله: «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ... » إلى آخر السورة.
فواصل آيات سورة الأنفال: (ن د م ق ط ر ب) .
يجمعها ندم قطرب.
تفسير مقاتل- 7(2/97)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ وذلك
أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال يوم بدر: إن الله وعدني النصر أو الغنيمة، فمن قتل قتيلا، أو أسر أسيرا» فله من عسكرهم كذا وكذا، إن شاء الله، ومن جاء برأس فله غرة فلما تواقعوا «1» انهزم المشركون وأتباعهم «2» سرعان الناس فجاءوا بسبعين أسيرا وقتلوا سبعين رجلا، فقال أبو اليسر الأنصاري: أعطنا ما وعدتنا من الغنيمة. وكان قتل رجلين وأسر رجلين العباس بن عبد المطلب، وأبا عزة بن عمير بن هشام بن عبد الدار، وكان معه لواء المشركين يوم بدر، قال سعد بن عبادة الأنصاري- من بنى ساعدة- للنبي- صلى الله عليه وسلم-: ما مَنَعَنا أن نطلب المشركين كما طلب هؤلاء زهادةٌ فى الآخرة ولا جبنا عن العدو «3» ولكن خفنا أن نعري «4» صفك فتعطف عليك خيل المشركين أو رجالاتهم فتصاب «5» بمصيبة، فإن تعط «6» هؤلاء ما ذكرت لهم لم يبق لسائر أصحابك كبير شيء، فأنزل الله- عز وجل-: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ»
يعني النافلة التي وعدتهم يعني أبا اليسر اسمه كعب بن عمرو-
__________
(1) فى أ: توافقوا، ل: تواقعوا.
(2) فى أ: واتبعوهم.
(3) فى أ: عدوه، ل: العدو. [.....]
(4) فى أ: نغرر، ل: نعرى.
(5) فى أ: فنصاب، ل: فتصاب.
(6) فى أ: تعطى.(2/99)
الأنصاري من بني سلمة بن جشم بن مالك، ومالك بن دخشم الأنصاري- من بني عوف بن الخزرج، فأنزل الله- عز وجل-: قُلِ لهم يا محمد:
الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ «1» يقول: ليرد بعضكم على بعض الغنيمة وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فى أمر الصلح إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ- 1- يعنى مصدقين بالتوحيد، فأصلحوا، ثم نعتهم فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ في أمر الصلح زادَتْهُمْ إِيماناً يعني تصديقا مع إيمانهم مع تصديقهم بما أنزل الله عليهم قبل ذلك من القرآن وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ- 2- يعنى وبه يثقون [142 أ] ، ثم نعتهم فقال: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ يعني يتمون الصلاة:
ركوعها، وسجودها في مواقيتها. وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ من الأموال يُنْفِقُونَ- 3- في طاعة ربهم أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لا شك في إيمانهم كشك المنافقين لَهُمْ بذلك دَرَجاتٌ يعني فضائل عِنْدَ رَبِّهِمْ في الآخرة في الجنة وَمَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ- 4- يعني حسن في الجنة.
فلما نزلت هؤلاء الآيات قالوا: سمعنا وأطعنا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلم تقسم الغنيمة حتى رجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة فقسم بينهم بالسوية ورفع الخمس منه، قوله: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وذلك
أن عير كفار قريش جاءت من الشام تريد مكة فيها أبو سفيان بن حرب، وعمرو بن العاص، وعمرو بن هشام، ومخرمة بن نوفل الزهري، في العير فبلغهم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يريدهم
__________
(1) ورد ذلك فى أسباب النزول للسيوطي: 104، 105، كما ورد فى أسباب النزول للواحدي: 132.(2/100)
فبعثوا عمرو بن ضمضم الغفاري إلى مكة مستغيثا فخرجت قريش، وبعث «1» النبي- صلى الله عليه وسلم- عدي بن أبي الزغفاء عينا على العير ليعلم أمرهم، ونزل جبريل- عليه السلام- فأخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- بعير أهل مكة فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: «إن الله يعدكم إحدى الطائفتين: إما العير، وإما النصر والغنيمة، فما ترون؟» فأشاروا عليه بل نسير إلى العير وكرهوا القتال، وقالوا: إنا لم نأخذ أهبة القتال وإنما نفرنا إلى العير. ثم أعاد النبي- صلى الله عليه وسلم- المشورة: فأشاروا عليه بالعير. فقال سعد بن عبادة الأنصاري: يا رسول الله، انظر أمرك فامض له فو الله لو سرت بنا إلى عدن ما تخلف عنك رجل من الأنصار. ففرح النبي- صلى الله عليه وسلم- حتى عرف السرور في وجهه فقال المقداد بن الأسود الكندي: إنا معك. فضحك النبي- صلى الله عليه وسلم-، وقال لهم: معروفا. فأنزل الله- عز وجل- «كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ» «2»
وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ- 5- للقتال، فلذلك «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ» في أمر الغنيمة، فيها تقديم، ثم قال: يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ لهم أنك لا تصنع إلا ما أمرك الله كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ- 6- وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ العير أو هزيمة المشركين وعسكرهم «3» «أَنَّها لَكُمْ» وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ
__________
(1) فى أ: فبعث.
(2) فى أ: «كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ ... » إلى قوله « ... لَكارِهُونَ» ، وقد ورد ما ذكره مقاتل فى أسباب النزول للسيوطي: 105.
(3) ما بين القوسين « ... » ساقط من الأصل.(2/101)
يعني العير «تَكُونُ لَكُمْ «1» » وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ يقول يحقق الإسلام بما أنزل إليك وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ- 7- يعني أصل الكافرين ببدر لِيُحِقَّ الْحَقَّ يعني الإسلام وَيُبْطِلَ الْباطِلَ يعني الشرك يعني عبادة الشيطان «وَلَوْ «2» » كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ- 8- يعنى كفار مكة، قوله: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لما رأى «3» المشركين يوم بدر وعلم أنه لا قوة له بهم إلا بالله «4» دعا ربه [142 ب] فقال: اللهم إنك أمرتنى بالقتال ووعدتني النصر وإنك لا تخلف الميعاد. فاستجاب له ربه، فأنزل الله «إذ يستغيثون»
في النصر فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ يوم بدر مُرْدِفِينَ- 9- يعني متتابعين كقوله في المؤمنين: «رُسُلَنا تَتْرا» «5» وقوله: «طَيْراً أَبابِيلَ» «6» وقوله:
«يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً» «7» يعني متتابع قطرها، فنزل جبريل- عليه السلام- في ألف من الملائكة، فقام جبريل- عليه السلام- فى خمسمائة ملك عن ميمنة الناس معهم أبو بكر، ونزل ميكائيل- عليه السلام- فى خمسمائة على ميسرة
__________
(1) ما بين القوسين « ... » ساقط من الأصل.
(2) ما بين القوسين « ... » ساقط من الأصل.
(3) فى أ: زرا.
(4) ورد ذلك فى لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي: 106.
(5) سورة المؤمنون: 44.
(6) سورة الفيل: 3.
(7) سورة هود: 52. [.....](2/102)
الناس، معهم عمر في صور الرجال عليهم البياض وعمائم البيض قد أرخوا أطرافها بين أكتافهم فقاتلت الملائكة يوم بدر «1» .
ولم يقاتلوا يوم الأحزاب، ولا يوم خيبر، ثم قال: وَما جَعَلَهُ اللَّهُ يعني مدد الملائكة إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ يعني لتسكن إليه قلوبكم وَمَا النَّصْرُ وليس النصر إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وليس النصر بقلة العدد ولا بكثرته.
ولكن النصر من عند الله إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «2» - 10- «عزيز» يعني منيع «حكيم» في أمره حكم النصر. وقوله: إِذْ يُغَشِّيكُمُ «3» النُّعاسَ وذلك أن كفار مكة سبقوا النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى ماء بدر، فخلفوا «4» الماء وراء ظهورهم، ونزل المسلمون حيالهم على غير ماء، وبينهم وبين عدوهم بطن واد فيه رمل، فمكث المسلمون يوما وليلة يصلون محدثين مجنبين، فأتاهم إبليس- لعنه الله- فقال لهم: أليس قد زعمتم أنكم أولياء الله على دينه، وقد غلبتم على الماء تصلون على غير طهور وما يمنع القوم من قتالكم إلا ما أنتم فيه من العطش والبلاء، حتى إذا انقطعت رقابكم من العطش قاموا إليكم فلا يبصر بعضكم بعضا، فيقرنونكم بالحبال فيقتلون منكم من شاءوا، ثم ينطلقون بكم إلى مكة، فحزن المسلمون وخافوا «5» وامتنع منهم النوم، فعلم الله ما في قلوب المؤمنين من الحزن،
__________
(1) ذهب أستاذنا الدكتور مصطفى زيد فى كتابه «تفسير سورة الأنفال» إلى أن نزول الملائكة فى غزوة بدر كان لتثبيت المؤمنين وتكثير سوادهم، وإرهاب الكافرين وإلقاء الرعب فى قلوبهم واستبعد أن يكون قتالهم قتالا حسيا.
(2) فى أ: العزيز الحكيم. وفى حاشية أ: الآية التي هنا «إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» .
(3) فى أ: إذ يغشاكم.
(4) خلفوا الماء وراء ظهورهم: أى جعل الكفار الماء خلفهم حتى لا يستطيع المسلمون الوصول إليه، وبذلك يهلكهم العطش.
(5) فى أ: فخافوا.(2/103)
فألقى الله عليهم النعاس أمنة من الله ليذهب همهم، وأرسل السماء عليهم ليلا فأمطرت مطرا جوادا حتى سالت الأودية، وملؤوا الأسقية، وسقوا الإبل، واتخذوا الحياض، واشتدت الرملة، وكانت تأخذ إلى كعبي الرجال وكانت «بماعة» «1» المؤمنين رجال لم يكن معهم إلا فارسان: المقداد بن الأسود، وأبو مرثد الغنوي، وكان معهم ستة أدرع «2» ، فأنزل الله «إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ» أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ من الأحداث، والجنابة وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ يعني الوسوسة التي ألقاها في قلوبكم والحزن وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ بالإيمان من تخويف الشيطان وَيُثَبِّتَ بِهِ يعني بالمطر الْأَقْدامَ- 11- «إِذْ يُوحِي رَبُّكَ» «3» ولما صف القوم أوحى الله- عز وجل- إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا فبشروا الَّذِينَ آمَنُوا بالنصر فكان الملك في صورة بشر في الصف الأول فيقول أبشروا فإنكم كثير وعددهم قليل فالله ناصركم [143 أ] . فيرى الناس أنه منهم، ثم قال: سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بتوحيد الله- عز وجل- يوم بدر، ثم علمهم كيف يصنعون فقال: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ يعني الرقاب تقول العرب لأضربن فوق رأسك يعني الرقاب وَاضْرِبُوا بالسيف مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ- 12- يعنى الأطراف لِكَ
الذي نزل بهم أَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
يعنى عادوا الله ورسوله مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ
يعنى ومن يعاد الله
__________
(1) فى أ: وكانت المؤمنين رجال، وبما أن المؤمنين اسم كان فيجب أن يكون مرفوعا فوجوده منصوبا أو مخفوضا دليل على أن مضافا كان هنا وسقط فزدت كلمة «جماعة» ليستقيم الكلام.
(2) فى أ: أدع، أهـ: وأدرع جمع درع.
(3) ساقطة من أ.(2/104)
رَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ
- 13- إذا عاقب ذلِكُمْ القتل فَذُوقُوهُ يوم بدر في الدنيا ثم قال: وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ بتوحيد الله- عز وجل- مع القتل، وضرب الملائكة الوجوه، والأدبار أيضا- لهم في الآخرة عَذابَ النَّارِ- 14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله- عز وجل- يوم بدر زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ- 15- وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ يعني مستطردا يريد الكرة للقتال أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ يقول أو ينحاز إلى صف «1» النبي- صلى الله عليه وسلم- فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ يقول فقد استوجب من الله الغضب وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ يعني ومصيره جهنم وَبِئْسَ الْمَصِيرُ- 16- فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ يعنى ما قتلتموهم وذلك أن الرجل من المؤمنين كان يقول: فعلت وقتلت فنزلت «فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ» وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- حين صاف «2» المشركين، دعا بثلاث قبضات من حصى الوادي، ورمله، فناوله علي بن أبي طالب فرمى بها في وجوه العدو «3» وقال: اللهم ارعب «4» قلوبهم، وزلزل أقدامهم، فملأ الله وجوههم وأبصارهم من الرمية فانهزموا عند الرمية «5» الثالثة وتبعهم المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم «6» ،
فذلك قوله:
__________
(1) فى أ: الصف.
(2) هكذا فى أ، ل، م: والمواد وقف أمام صفوف المشركين.
(3) فى أ: العدو، ل: القوم.
(4) فى أ: ارعب، ل: أرعد.
(5) فى أ: فانهزموا من الرمية، وفى ل: فانهزموا عند الرمية.
(6) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي: 133، وفى لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي: 106. [.....](2/105)
وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً يعني القتل والأسر إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لدعاء النبي- صلى الله عليه وسلم- عَلِيمٌ- 17- به ذلِكُمْ النصر وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ يعني مضعف كَيْدِ الْكافِرِينَ
- 18- إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وذلك أن عاتكة بنت عبد المطلب رأت في المنام، كأن فارسا دخل المسجد الحرام، فنادى: يا آل فهو من قريش انفروا في ليلة أو ليلتين، ثم صعد فوق الكعبة، فنادى «1» مثلها، ثم صعد أبا قبيس فنادى مثلها. ثم نقض صخرة من الجبل فرفعها المنادى فضرب بها الجبل فانفلقت فلم يبق بيت «2» بمكة إلا دخلت قطعة منه فيه فلما أصبحت أخبرت أخاها العباس وجلا «3» وعنده أبو جهل بن هشام فقال أبو جهل: يا آل قريش ألا تعذرونا من بني عبد المطلب، إنهم لا يرضون أن تنبأ رجالهم حتى تنبأت نساؤهم، ثم قال أبو جهل للعباس: تنبأت رجالكم وتنبأت «4» نساؤكم والله لتنتهن، وأوعدهم «5» ، فقال العباس: إن شئتم ناجزناكم الساعة [143 ب] . فلما قدم ضمضم بن عمرو الغفاري قال: أدركوا العير أولا، تدركوا. فعمد أبو جهل وأصحابه فأخذوا بأستار الكعبة، ثم قال أبو جهل:
اللهم انصر أعلى الجندين «6» وأكرم القبيلتين. ثم خرجوا على كل صعب وذلول ليعينوا
__________
(1) فى أ: ثم صعد فوق الكعبة فنادى، وفى ل: ثم صعد فوق الكعبة فنادى مثلها.
(2) فى أ: بيتا، ل: بيت.
(3) فى ل: رجلا، أ، م: وجلا.
(4) فى أ: حتى تنبأت، ل: وتنبأت.
(5) فى أ: ما وعده، ل: فأوعدهم.
(6) فى أ: اللهم انصرنا على الجندين، وقد أصلحته من كتاب أسباب النزول للواحدي:
134. وقد ورد نحوه فى كتاب لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي.(2/106)
أبا سفيان فترك أبو سفيان الطريق وأغز «1» على ساحل البحر فقدم مكة وسبق أبو جهل النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ مَعَهُ من المشركين إلى ماء بدر، فلما التقوا قال أبو جهل: اللهم اقض بيننا وبين محمد «2» ، اللهم أينا كان أحب إليك، وأرضى عندك فانصره. ففعل الله- عز وجل- ذلك، وهزم المشركين، وقتلهم، ونصر المؤمنين فأنزل الله في قول أبي جهل: «إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ» يقول إن تستنصروا فقد جاءكم النصر فقد نصرت من قلتم «3» وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ من القتال وَإِنْ تَعُودُوا لقتالهم نَعُدْ عليكم بالقتل والهزيمة بما فعلنا ببدر وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً يعني جماعتكم شيئا وَلَوْ كَثُرَتْ فئتكم وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ- 19- فى النصر لهم قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بتوحيد الله- عز وجل- أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فى أمر الغنيمة وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ يعني ولا تعرضوا عنه يعني أمر الرسول- صلى الله عليه وسلم- وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ- 20- المواعظ ثم وعظ المؤمنين فقال: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا الإيمان وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ- 21- يعني المنافقين ثم قال:
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ عن الإيمان الْبُكْمُ يعني الخرس لا يتكلمون بالإيمان ولا يعقلون الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ- 22- يعني ابن عبد الدار بن قصي، وأبو الحارث «4» بن علقمة، وطلحة بن عثمان، وعثمان، وشافع، وأبو الجلاس،
__________
(1) فى أ: وأخذ، ل: وأحز: أى أمعن السير وأسرع فيه من على ساحل البحر، وأغز على ساحل البحر بمعنى أسرع السير أيضا.
(2) فى أ: زيادة (صلّى الله عليه وسلّم) وليس ذلك فى: ل.
(3) فى أ: قاتلتم، ل: قلتم.
(4) فى أ: الحرث.(2/107)
وأبو سعد، والحارث «1» ، والقاسط بن شريح، وأرطاة بن شرحبيل، ثم أخبر عنهم فقال: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ يعني لأعطاهم الإيمان وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ يقول ولو أعطاهم الإيمان لَتَوَلَّوْا يقول لأعرضوا عنه وَهُمْ مُعْرِضُونَ- 23- لما سبق لهم في علم الله من الشقاء وفيهم نزلت «وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً ... » إلى آخر الآية «2» يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ في الطاعة في أمر القتال إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ يعني الحرب التي وعدكم الله يقول: أحياكم بعد الذل، وقواكم بعد الضعف فكان ذلك لكم حياة وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ يقول يحول بين قلب المؤمن، وبين الكفر وبين قلب الكافر وبين الإيمان «وَأَنَّهُ» «3» إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ- 24- في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم وَاتَّقُوا فِتْنَةً تكون من بعدكم، يحذركم «الله» «4» ، تكون مع علي بن أبي طالب لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً فقد أصابتهم يوم الجمل منهم طلحة، والزبير، ثم حذرهم فقال:
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ- 25-[144 أ] إذا عاقب ثم ذكرهم النعم فقال: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ يعنى المهاجرين خاصة مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ يعني أهل مكة تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ يعني كفار مكة نزلت هذه الآية بعد قتال بدر يقول فَآواكُمْ إلى المدينة والأنصار وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ يعني وقواكم بنصره يوم بدر وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ
__________
(1) فى أ: والحرث.
(2) الآية 35 من سورة الأنفال وتمامها: «وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ، بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ» .
(3) فى أ: «وَأَنَّكُمْ» .
(4) من ل. [.....](2/108)
يعني الحلال من الرزق وغنيمة بدر لَعَلَّكُمْ يعني لكي تَشْكُرُونَ- 26- ربكم فِي هَذِهِ النعم التي ذكرها فى هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ يعني أبا لبابة وفيه نزلت هذه الآية «1» نظيرها فى المتحرم «2» «فَخانَتاهُما» يعني فخالفتاهما في الدين ولم يكن في الفرج، واسمه «3» مروان ابن عبد المنذر الأنصاري من بني عمرو بن عوف وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- حاصر يهود قريظة، إحدى وعشرين ليلة، فسألوا الصلح على مثل صلح أهل النضير على أن يسيروا إلى إخوتهم إلى أذرعات، وأريحا في أرض الشام، وأبى النبي- صلى الله عليه وسلم- أن ينزلوا إلا على الحكم فأبوا، وقالوا «4» أرسل إلينا أبا لبابة وكان مناصحهم وهو حليف لهم فبعثه النبي- صلى الله عليه وسلم- إليهم فلما أتاهم قالوا: يا أبا لبابة أننزل على حكم محمد- صلى الله عليه وسلم- فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه: إنه الذبح فلا تنزلوا على الحكم. فأطاعوه، وكان أبو لبابة وولده معهم فغش المسلمين، وخان فنزلت في أبي لبابة «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ» وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ- 27- أنها خيانة، ثم حذرهم فقال: وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
__________
(1) وردت قصة هذه الآية فى أسباب النزول للواحدي، وفى لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي، وكلاهما متفق مع ما أورده مقاتل هنا.
(2) يقصد سورة التحريم الآية 10 وتمامها «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ» .
(3) أى اسم أبى لبابة.
(4) فى أ: فقالوا.(2/109)
يعني بلاء لأنه ما نصحهم إلا من أجل «1» ماله وولده لأنه كان في أيديهم «2» وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ
يعنى جزاء عَظِيمٌ
- 28- يعنى الجنة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ فلا تعصوه يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً يعني مخرجا من الشبهات وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ يعني ويمحو «3» عنكم خطاياكم وَيَغْفِرْ لَكُمْ يقول ويتجاوز عنكم وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ- 29- وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا وذلك أن نفرا من قريش منهم أبو جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وهشام بن عمرو وأبو البختري بن هشام، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبى معيط، عيينة بن حصن الفزاري، والوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث، وأبي بن خلف، اجتمعوا في دار الندوة بمكة يوم وهو يوم السبت ليمكروا بالنبي- صلى الله عليه وسلم- فأتاهم إبليس في صورة رجل شيخ كبير فجلس معهم. فقالوا: ما أدخلك في جماعتنا بغير إذننا.
قال: إنما أنا رجل من أهل نجد، ولست من أهل تهامة، قدمت مكة فرأيتكم حسنة وجوهكم، طيبة ريحكم، نقية ثيابكم، فأحببت أن أسمع من حديثكم، وأستر عليكم، فإن كرهتم مجلسي [144 ب] خرجت من عندكم. فقالوا: هذا رجل من أهل نجد، وليس من أهل تهامة فلا بأس عليكم منه، فتعملوا بالمكر بمحمد «4» فقال أبو البختري بن هشام من بني أسد بن عبد العزى: أما أنا «فرأيى» «5»
__________
(1) فى أ: من أجل، وفى حاشية أ: يحتمل: ما تصحهم إلا من أجل.
(2) ورد فى أسباب النزول للواحدي: 134 وفى لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي:
107. سبب نزول هذه الآية وهو كما ذكره مقاتل.
(3) فى أ: ويمحا.
(4) فى أ: زيادة صلّى الله عليه وسلّم، وليس ذلك فى ل.
(5) ساقطة من أ، ومثبتة فى ل.(2/110)
أن تأخذوا محمدا فتجعلوه في بيت، وتسدوا بابه، وتدعوا له، كوة، يدخل منها طعامه وشرابه حتى يموت، قال إبليس: بئس والله الرأي رأيتم تعمدون إلى رجل له فيكم صغو قد سمع به من حولكم فتحبسونه، فتطعمونه، وتسقونه، فيوشك الصغو الذي له فيكم أن يقاتلكم عليه فيفسد جماعتكم ويسفك دماءكم فقالوا: صدق والله الشيخ.
فقال هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي: أما أنا فرأيي أن تحملوا محمدا «1» على بعير فيخرج من أرضكم فيذهب حيث شاء ويليه غيركم قال: إبليس بئس والله الرأي رأيتم تعمدون إلى رجل قد شتت وأفسد جماعتكم واتبعه منكم طائفة فتخرجوه إلى غيركم فيفسدهم كما أفسدكم فيوشك والله أن يقبل بهم عليكم ويتولى الصغو «2»
الذي له فيكم، قالوا صدق والله الشيخ.
فقال أبو جهل بن هشام المخزومي: أما أنا فرأيي أن تعمدوا إلى كل بطن من قريش فتأخذوا من كل بطن رجلا ثم تعطوا كل رجل منهم سيفا فيضربونه جميعا بأسيافهم فلا يدري قومه من يأخذون به وتؤدي قريش ديته «3» قال: إبليس صدق والله الشاب، إن الأمر لكما قال فتفرقوا على قول أبي جهل فنزل جبريل- عليه السلام- فأخبره بما ائتمر به القوم وأمره بالخروج فخروج النبي- صلى الله عليه وسلم- من ليلته إلى الغار وأنزل الله- عز وجل- «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا» «4» من قريش لِيُثْبِتُوكَ يعني ليحبسوك في بيت يعنى أبا البختري
__________
(1) فى أ: محمدا صلّى الله عليه وسلّم، فى ل: محمدا.
(2) المراد به من يصغون إلى كلامه ويتبعون دينه وهم المسلمون بمكة.
(3) أى أن قريشا تشترك جميعها فى دفع دية محمد إلى بنى عبد مناف.
(4) جاء فى كتاب لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي: 108 اما ذكوه مقاتل بتمامه فى قوله- تعالى-: «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ... » الآية.(2/111)
ابن هشام أَوْ يَقْتُلُوكَ يعني أبا جهل أَوْ يُخْرِجُوكَ من مكة يعنى به هشام ابن عمرو وَيَمْكُرُونَ بالنبي- صلى الله عليه وسلم- الشر وَيَمْكُرُ اللَّهُ بهم حين أخرجهم من مكة فقتلهم ببدر فذلك قوله: وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ- 30- أفضل مكرا منهم وأنزل الله «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً» يقول أم أجمعوا على أمر «فَإِنَّا مُبْرِمُونَ» «1» يقول لنخرجنهم إلى بدر فنقتلهم أو نعجل أرواحهم إلى النار قوله:
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا يعني القرآن قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا القرآن، قال ذلك النضر بن الحارث بن علقمة من بني عبد الدار بن قصي. ثم قال: إِنْ هذا الذي يقول محمد من القرآن: إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ- 31- يعني أحاديث الأولين يعني محمدا- صلى الله عليه وسلم- يحدث عن الأمم الخالية، وأنا أحدثكم عن رستم، وأسفندباز، كما يحدث محمد «2» فقال: عثمان ابن مظعون الجمحي: اتق الله يا نضر فإن محمدا يقول الحق، قال: وأنا أقول الحق، قال عثمان: فإن محمدا يقول: لا إله إلا الله. قال: وأنا أقول لا إله إلا الله. [145 أ] ولكن الملائكة بنات الرحمن «3» فأنزل الله عز وجل في- حم الزخرف- فقال: «قُلْ» يا محمد «إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ» «4» أول الموحدين من أهل مكة فقال عند ذلك: ألا ترون قد صدقني «5» - إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ قال الوليد بن المغيرة: لا والله ما صدقك ولكنه قال:
__________
(1) سورة الزخرف: 79. [.....]
(2) فى أ: محمد صلّى الله عليه وسلّم، ل. محمد.
(3) ورد ذلك لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي، 109.
(4) سورة الزخرف آية: 81.
(5) فى أ: صدقتم.(2/112)
ما كان للرحمن «1» ولد ففطن لها النضر فقال: «وَإِذْ قالُوا» «2» اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا ما يقول محمد هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ يعني القرآن فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ- 32- يعني وجيع فأنزل الله وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ يعني أن يعذبهم وَأَنْتَ فِيهِمْ بين أظهرهم حتى يخرجك عنهم كما أخرجت الأنبياء عن قومهم وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ- 33- يعني يصلون لله كقوله: «وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» «3» يعني يصلون، وذلك أن نفرا من بني عبد الدار قالوا: إنا نصلي عند البيت فلم يكن الله ليعذبنا ونحن نصلي، له ثم قال: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ إذ لم يكن نبى ولا مؤمن بعد ما خرج النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة من أهل مكة وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ المؤمنين وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ يعني أولياء الله إِنْ أَوْلِياؤُهُ يعني ما أولياء الله إِلَّا الْمُتَّقُونَ الشرك يعني المؤمنين أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ- 34- يقول أكثر أهل مكة لا يعلمون توحيد الله- عز وجل- وأنزل الله- عز وجل- في قول النضر أيضا حين قال: «اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ» يعنى وجيع. «أنزل «4» »
__________
(1) أراد النضر أن يجعل إن شرطية. فقال له الوليد بن المغيرة إنها نافية بمعن «ما كان للرحمن ولد فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ لله» .
(2) «وَإِذْ قالُوا» : ساقطة من أ، ل.
(3) سورة الذاريات: 18.
(4) زيارة لتوضيح المعنى: لأن المعنى أنزل الله فى قول النضر: «اللهم ... » ، «سَأَلَ سائِلٌ ... » .
تفسير مقاتل-(2/113)
«سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ... » إلى آيات منها «1» . ثم أخبر عن صلاتهم عند البيت فقال: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ يعني عند الكعبة الحرام إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً يعني بالتصدية الصفير والتصفية، وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلى في المسجد الحرام قام رجلان من بني عبد الدار ابن قصي من المشركين عن يمين النبي- صلى الله عليه وسلم- فيصفران كما يصفر المكاء، يعني به طيرا اسمه المكاء، ورجلان عن يسار النبي- صلى الله عليه وسلم- فيصفقان بأيديهما ليخلطا على النبي- صلى الله عليه وسلم- صلاته وقراءته فقتلهم الله ببدر هؤلاء الأربعة ولهم يقول الله ولبقية بنى عبد الدار:
فَذُوقُوا الْعَذابَ يعني القتل ببدر بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ- 35- بتوحيد الله- عز وجل- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ وذلك أن رؤوس كفار قريش استأجروا رجالا من قبائل العرب أعوانا لهم على قتال النبي- صلى الله عليه وسلم- فأطعموا أصحابهم كل يوم عشر جزائر «2» ويوما تسعة «3» . فنزلت:
«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ» لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني عن دين الله فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يعني ندامة ثُمَّ يُغْلَبُونَ يقول تكون عليهم أموالهم التي أنفقوها ندامة على إنفاقهم ثم يهزمون [145 ب] ثم أخبر بمنزلتهم في الآخرة فقال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله إِلى جَهَنَّمَ
__________
(1) يشير إلى الآيات الأولى من سورة المعارج وهي «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ، لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ، مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ، تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً» الآيات من 1- 7 سورة المعارج.
(2) جمع جزور، ويجمع جزور على جزر أيضا.
(3) وفى أ: ويوم تسعة، ل: ويوما تسعة، والمقصود أن كفار مكة كانوا يطعمون الجيش يوما عشر جزر ويوما تسعة جزر.(2/114)
في الآخرة يُحْشَرُونَ- 36- لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ يعني يميز الكافر من المؤمن ثم قال: وَيَجْعَلَ في الآخرة الْخَبِيثَ أنفسهم بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ- 37- يعني المطعمين في غزوة بدر أبا جهل والحارث ابنا هشام، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج، وأبا البختري بن هشام، والنضر بن الحارث، والحكم بن حزام «1» ، وأبي بن خلف، وزمعة بن الأسود، والحارث «2» ابن عامر بن نوفل. كلهم من قريش قُلْ يا محمد: لِلَّذِينَ كَفَرُوا بالتوحيد إِنْ يَنْتَهُوا عن الشرك ويتوبوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ من شركهم قبل الإسلام وَإِنْ يَعُودُوا لقتال النبي- صلى الله عليه وسلم- ولم يتوبوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ- 38- يعني القتل ببدر فحذرهم العقوبة لئلا يعودوا فيصيبهم مثل ما أصابهم ببدر، ثم قال للمؤمنين: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ يعني شركا ويوحدوا ربهم وَيَكُونَ يعني ويقوم الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ولا يعبد غيره فَإِنِ انْتَهَوْا عن الشرك فوحدوا ربهم فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ- 39- وَإِنْ تَوَلَّوْا يقول وإن أبوا أن يتوبوا من الشرك فَاعْلَمُوا يا معشر المؤمنين أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ يعني وليكم نِعْمَ الْمَوْلى حين نصركم وَنِعْمَ النَّصِيرُ- 40- يعني ونعم النصير لكم.
كما نصركم ببدر وكانت وقعة بدر ليلة الجمعة في سبع عشرة ليلة «3» خلت من
__________
(1) فى أ: وحكم بن حزام.
(2) فى أ: والحرث.
(3) فى أ: فى سبعة عشر ليلة. [.....](2/115)
رمضان. وكانت وقعة أحد في عشر ليال «1» خلت من شوال يوم السبت بينهما سنة. وَاعْلَمُوا يخبر المؤمنين أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ يوم بدر فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى يعني قرابة النبي- صلى الله عليه وسلم- وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ يعني الضيف نازل عليك إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ «بِاللَّهِ» «2» يعني «3» صدقتم بتوحيد الله وصدقتم ب «وَما «4» » أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا من القرآن يَوْمَ الْفُرْقانِ يعني يوم النصر فرق بين الحق والباطل فنصر النبي- صلى الله عليه وسلم- وهزم المشركين ببدر يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ يعني جمع النبي- صلى الله عليه وسلم- ببدر وجمع المشركين فأقروا الحكم لله في أمر الغنيمة والخمس وأصلحوا ذات بينكم وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ- 41- يعني قادر فيما حكم من الغنيمة والخمس ثم أخبر المؤمنين عن حالهم التي كانوا عليها فقال: أرأيتم معشر المؤمنين إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا يعني من دون الوادي على شاطئ «5» مما يلي المدينة وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى من الجانب الآخر مما يلي مكة يعني مشركي مكة فقال: وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ يعنى على ساحل البحر أصحاب العير أربعين راكبا أقبلوا من الشام إلى مكة فيهم أبو سفيان، وعمرو بن العاص، ومخرمة بن نوفل، وعمرو بن هشام: وَلَوْ تَواعَدْتُمْ [146 أ] أنتم والمشركون لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ الله
__________
(1) فى أ: عشرة ليلة، ل: عشر ليلة.
(2) ما بين القوسين « ... » ساقط من الأصل.
(3) فى أ: زيادة يعنى.
(4) فى أ: بما.
(5) هكذا: أ، ل. ولعل أصلها على شاطئ الماء.(2/116)
جمع بينكم وبين عدوكم على غير ميعاد أنتم ومشركو مكة لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً في علمه كانَ مَفْعُولًا يقول: أمرا لا بد كائنا ليعز الإسلام وأهله، ويذل الشرك وأهله لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى بالإيمان مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ- 42- إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ يا محمد في التقديم فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- رأى في المنام أن العدو قليل قبل أن يلتقوا فأخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- أصحابه بما رأى، فقالوا «1» :
رؤيا النبي- صلى الله عليه وسلم- حق والقوم قليل فلما التقوا ببدر قلل الله المشركين في أعين الناس، لتصديق رؤيا النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم قال: وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً حين عاينتموهم لَفَشِلْتُمْ يعني لجبنتم وتركتم الصف وَلَتَنازَعْتُمْ يعني واختلفتم فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ يقول أتم المسلمون أمرهم على عدوهم فهزموهم ببدر إِنَّهُ الله عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ- 43- عليم بما في قلوب المؤمنين من أمر عدوهم وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ يا معشر المسلمين فِي أَعْيُنِهِمْ يعني في أعين المشركين وذلك حين التقوا ببدر قلل الله العدو في أعين المؤمنين وقلل المؤمنين في أعين المشركين ليجترئ بعضهم على بعض فى القتال لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً في علمه كانَ مَفْعُولًا ليقضي الله أمرا لا بد كائنا ليعز الإسلام بالنصر ويذل أهل الشرك بالقتل والهزيمة وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ- 44- يقول مصير الخلائق إلى الله- عز وجل- فلما رأى عدو الله- أبو جهل- قلة المؤمنين ببدر قال: والله لا يعبد الله بعد اليوم فكذبه الله- عز وجل-
__________
(1) فى أ: قالوا.(2/117)
وقتله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بتوحيد الله- عز وجل- إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً يعني كفار مكة ببدر فَاثْبُتُوا لهم وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ يعنى لكي تُفْلِحُونَ- 45- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فيما أمركم به في أمر القتال وَلا تَنازَعُوا يقول ولا تختلفوا عند القتال فَتَفْشَلُوا يعني فتجبنوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ يعني الصبا
لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور»
وَاصْبِرُوا لقتال عدوكم إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ- 46- يعني في النصر للمؤمنين على الكافرين بذنوبهم وبعملهم، ثم وعظ المؤمنين فقال: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ ليذكروا بمسيرهم يعني ابن أمية، وابن المغيرة المخزومي، وذلك أنهم كانوا رءوس المشركين في غزوهم بدر فقال أبو جهل حين نجت العير وسارت إلى مكة فأشاروا عليه بالرجعة قال «1» : لا نرجع حتى ننزل على بدر فننحر الجزر، ونشرب الخمر، وتعزف علينا القيان «2» ، فتسمع العرب بمسيرنا.
فذلك قوله [146 ب] «بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ» ليذكروا بمسيرهم وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يقول ويمنعون أهل مكة عن دين الإسلام وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ- 47- أحاط علمه بأعمالهم وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وذلك أنه بلغهم أن العير قد نجت فأرادوا الرجوع إلى مكة فأتاهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جشعم الكناني من بني مدلج بن الحارث «3» . فقال: لا ترجعوا حتى تستأصلوهم فإنكم كثير وعدوكم
__________
(1) فى أ: فقال.
(2) فى أ: القبائل، ل: القيان.
(3) فى أ: الحرث، ل: الحارث.(2/118)
قليل فتأمن عيركم ويسير «1» ضعيفكم وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ على بني كنانة أنكم لا تمرون بحي منهم إلا أمدكم بالخيل، والسلاح، والرجال، فأطاعوه ومضوا إلى بدر لما أراد الله من هلاكهم فلما التقوا نزلت ملائكة ببدر مدد للمؤمنين عليهم جبريل- عليه السلام- ولما رأى إبليس ذلك نكص على عقبيه يقول استأخر وراءه، فذلك قوله فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ فئة المشركين نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ يقول استأخر وراءه وعلم أنه لا طاقة له بالملائكة فأخذ الحارث بن هشام بيده، فقال: يا سراقة على هذا الحال تخذلنا؟ وَقالَ «2» إبليس: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ فقال الحارث: والله ما نرى إلا خفافيش يثرب. فقال إبليس: إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ- 48- وكذب عدو الله ما كان به الخوف ولكن خذلهم عند الشدة فقال الحارث لإبليس، وهو في صورة سراقة: فهلا كان هذا أمس. فدفع إبليس في صدر الحارث فوقع الحارث وذهب إبليس هاربا فلما انهزم المشركون قالوا: انهزم بالناس سراقة وهو بعض الصف. فلما بلغ سراقة سار إلى مكة، فقال: بلغني أنكم تزعمون بأنى انهزمت بالناس فو الذي يحلف به ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم. قالوا له:
ما أتيتنا يوم كذا وكذا ويوم كذا وكذا. فحلف بالله لهم أنه لم يفعل فلما أسلموا علموا أنما ذلك الشيطان إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني الكفر نزلت في قيس بن الفاكه ولم يتجمع جمع قط منذ يوم كانت الهزيمة أكثر من يوم بدر وذلك أن إبليس جاء بنفسه وجاء كل شيطان موكل بالدنيا إلا شيطان موكل بآدمي، وكفار الجن كلهم، وسبعمائة من المشركين عليهم
__________
(1) فى أ: ويسسل، ل: وسبيل، م: ويسأل.
(2) فى أ: فقال.(2/119)
أبو جهل بن هشام وكان قبل ذلك في ألف رجل فرد منهم أبي بن شريق ثلاثمائة من بني زهرة، وذلك أن أبي بن شريق خلا بأبي جهل فقال: يا أبا الحكم أكذاب محمد- صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: والله ما يكذب محمد- صلى الله عليه وسلم- على الناس، فكيف يكذب على الله وكان يسمى قبل النبوة الأمين لأنه لم يكذب قط. فقال أبو جهل: ولكن إذا كانت السقاية في بني عبد مناف والحجابة والمشورة والولاية حتى النبوة أيضا. فلما سمع أبي بن شريق قول أبي جهل [147 أ] : إن محمدا لم يكذب، رد أصحابه عن قتال محمد- عليه السلام- فخنس فسمي الأخنس بن شريق لأنه خنس بثلاثمائة «1» رجل من بني زهرة يوم بدر عن قتال محمد- عليه السلام- وبقي سبعمائة «2» عليهم أبو جهل ابن هشام، والنبي- صلى الله عليه وسلم- يومئذ فى ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا وسبعين من مؤمني الجن وألف من الملائكة عليهم جبريل- عليه السلام-، فكان جبريل على خمسمائة على ميمنة الناس وميكائيل على خمسمائة في ميسرة الناس ولم تقاتل الملائكة قتالا قط إلا يوم بدر وكانوا يومئذ على صور الرجال وعلى قوة الرجال على خيول بلق وكان جبريل- عليه السلام- يسير أمام صف المسلمين، ويقول: أبشروا فإن النصر لكم وما يرى المسلمون إلا أنه رجل منهم «إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» يعني الكفر نزلت في قيس بن الفاكه بن المغيرة، والوليد بن الوليد بن المغيرة، وقيس بن الوليد بن المغيرة، والوليد بن عتبة بن ربيعة، والعلاء بن أمية بن خلف الجمحي، وعمرو بن أمية ابن سفيان بن أمية، كان هؤلاء المسلمون بمكة ثم أقاموا بمكة مع المشركين
__________
(1) فى ل: بثلاثمائة.
(2) فى أ، ل: سبع مائة.(2/120)
فلم يهاجروا إلى المدينة فلما خرج كفار مكة إلى قتال بدر خرج هؤلاء النفر معهم فلما عاينوا قلة المؤمنين شكوا في دينهم وارتابوا فقالوا: غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ يعنون أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم- يقول الله- عز وجل-:
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ يعني المؤمنين، يعني يثق به في النصر فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ يعني منيع في ملكه حَكِيمٌ- 49- في أمره حكم النصر فلما قتل هؤلاء النفر من المشركين ضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم، فذلك قوله- عز وجل-:
وَلَوْ تَرى يا محمد إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله الْمَلائِكَةُ يعني ملك الموت وحده يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ في الدنيا، ثم انقطع الكلام فلما كان يوم القيامة دخلوا النار، تقول لهم خزنة جهنم وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ- 50- ذلِكَ العذاب بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ من الكفر والتكذيب وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ- 51- يقول ليس يعذبهم على غير ذنب ثم نعتهم فقال: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ يقول كأشباه آل فرعون في التكذيب والجحود وَكأشباه الَّذِينَ «مِنْ قَبْلِهِمْ» «1» أي من قبل فرعون وقومه من الأمم الخالية قوم نوح، وعاد، وثمود، وإبراهيم، وقوم شعيب، كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ يعني بعذاب الله بأنه ليس بنازل بهم في الدنيا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ يعني فأهلكهم الله بِذُنُوبِهِمْ يعني بالكفر والتكذيب إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ في أمره حين عذبهم شَدِيدُ الْعِقابِ- 52- إذا عاقب ذلِكَ العذاب بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ على أهل مكة أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، ثم بعث فيهم محمدا رسوله [147 ب]- صلى الله عليه وسلم-، فهذه النعمة التي غيروها فلم يعرفوا ربها فغير الله ما بهم من النعم
__________
(1) فى أ: «من قبل» ، وفى حاشية أ: الآية «قبلهم» . [.....](2/121)
فذلك قوله: حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ- 53- ثم قال:
كَدَأْبِ يعني كأشباه آلِ فِرْعَوْنَ وقومه في الهلاك ببدر وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني الذين قبل آل فرعون من الأمم الخالية كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ يعني بعذاب ربهم في الدنيا بأنه غير نازل بهم فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ يقول:
فعذبناهم بذنوبهم في الدنيا وبكفرهم وبتكذيبهم وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ يعني آل فرعون والأمم الخالية الذين كذبوا في الدنيا كانُوا ظالِمِينَ- 54- يعني مشركين إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني بتوحيد الله فَهُمْ يعني بأنهم لا يُؤْمِنُونَ- 55- وهم يهود قريظة فمنهم حيى ابن أخطب اليهودي، وإخوته، ومالك بن الضيف، ثم أخبر عنهم فقال:
الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ يا محمد ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وذلك أن اليهود نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين النبي- صلى الله عليه وسلم- وأعانوا مشركي مكة بالسلاح على قتال النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ثم يقولون نسينا وأخطأنا، ثم يعاهدهم الثانية فينقضون العهد فذلك قوله:
«ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ» يعني «فِي كُلِّ «1» » عام مرة وَهُمْ لا يَتَّقُونَ- 56- نقض العهد فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ يقول فإن أدركتهم في الحرب يعني القتال فأسرتهم فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ يقول نكل بهم لمن بعدهم من العدو وأهل عهدك لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ- 57- يقول لكي يذكروا النكال فلا ينقضون العهد، ثم قال: وَإِمَّا تَخافَنَّ يقول وإن تخافن «2» مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً يعني بالخيانة نقض العهد فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ
__________
(1) «فِي كُلِّ» : زيادة من ل، وليست فى أ.
(2) فى ل: «وإن ما تخافن» ، أ: «وإن تخافن» .(2/122)
يقول على أمر بين فارم إليهم بعهدهم إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ- 58- يعنى اليهود وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله يعني كفار العرب سَبَقُوا سابقي الله بأعمالهم الخبيثة إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ- 59- يقول إنهم لن يفوقوا الله بأعمالهم الخبيثة حتى يعاقبهم الله بما يقولون، ثم قال: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ يعني السلاح وهو الرمي وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ يعني كفار العرب وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ يقول لا تعرفهم يا محمد، يقول وترهبون فيما استعددتم «1» به آخرين من دون كفار العرب يعني اليهود لا تعرفهم يا محمد اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ يقول الله يعرفهم يعني اليهود، ثم قال: وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ من أمر السلاح والخيل «فِي سَبِيلِ اللَّهِ «2» » يُوَفَّ إِلَيْكُمْ يقول يوفر لكم ثواب النفقة وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ- 60- يقول وأنتم لا تنقصون يوم القيامة، ثم ذكر يهود قريظة، فقال: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ «لَها» «3» [148 أ] يقول إن أرادوا الصلح فأرده، ثم نسختها الآية التي فى سورة محمد- صلى الله عليه وسلم-: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ «4» ثم قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ يقول وثق بالله فإنه معك في النصر إن نقضوا الصلح إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لما أرادوا من الصلح الْعَلِيمُ- 61- به، ثم قال وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ
__________
(1) فى أ: استعدتم.
(2) ما بين القوسين « ... » من الأصل.
(3) «لها» : ساقطة من الأصل.
(4) سورة محمد: 35، وتمامها « ... وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ» والحق أن القول بالنسخ هنا تجن على روح القرآن ودعواته المتكررة إلى الصلح وإجارة المستجير وقبول السلم عند الدعوة إليه.
وعلى هذا فآية «وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها» محكمة وليست بمنسوخة.(2/123)
يا محمد بالصلح لتكف عنهم حتى إذا «جاء «1» » مشركو العرب أعانوهم عليك يعني يهود قريظة فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ يعنى هو الذي قواك بِنَصْرِهِ يعنى بجبريل «2» - عليه السلام- وبمن معه وَبِالْمُؤْمِنِينَ- 62- من الأنصار يوم بدر وهو فاعل ذلك أيضا وأيدك على يهود قريظة، ثم ذكر الأنصار فقال: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ بعد العداوة التي كانت بينهم في أمر شمير، وحاطب، فقال: لَوْ أَنْفَقْتَ يا محمد على أن تؤلف بين قلوبهم مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ بعد العداوة في دم شمير، وحاطب بالإسلام إِنَّهُ عَزِيزٌ يعني منيع في ملكه حَكِيمٌ- 63- في أمره حكم الألفة بين الأنصار بعد العداوة يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَوحسب مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- 64- بالله- عز وجل-، نزلت بالبيداء في غزاة بدر قبل القتال وفيها تقديم يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ يعني حضض المؤمنين على القتال ببدر إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا يعني يقاتلوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا يعنى يقاتلوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بالتوحيد كفار مكة ببدر بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ- 65- الخبر فجعل الرجل من المؤمنين يقاتل عشرة من المشركين، فلم يكن فرضه الله لا بد منه ولكن تحريض من الله ليقاتل الواحد عشرة فلم يطق المؤمنون ذلك فخفف الله عنهم بعد قتال بدر فأنزل الله الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ يعني بعد قتال بدر وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عدة مِائَةٌ رجل صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ يعنى يقاتلوا مائتين
__________
(1) من: ل، وساقطة من أ.
(2) فى أ: جبريل.(2/124)
وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ رجل يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ- 66- في النصر لهم على عدوهم فأمر الله أن يقاتل الرجل المسلم وحده رجلين من المشركين فمن أسره المشركون بعد التخفيف فإنه لا يفادى من بيت المال إذا كان المشركون مثل المؤمنين، وإن كان المشركون أكثر من الضعف فإنه يفادى من بيت المال. فينبغي للمسلمين أن يقاتلوا الضعف من المشركين إلى أن تقوم الساعة «1» ، وكانت المنزلة قبل التخفيف، لا يفتدى الأسير إلا على نحو ذلك.
ما كانَ لِنَبِيٍّ من قبلك يا محمد أَنْ يَكُونَ «2» لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ عدوه فِي الْأَرْضِ ويظهر عليهم تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا يعني المال وهو الفداء من المشركين نزلت بعد قتال بدر وَاللَّهُ يُرِيدُ لكم الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ يعني منيع في ملكه حَكِيمٌ- 67- في أمره وذلك [148 ب]
__________
(1) أرى أن هذا يكون عند المساواة فى السلاح أو تقارب المساواة عند الفئتين أما إذا كان سلاح العدو أقوى من سلاح المسلمين فلا يجب على المسلمين أن يقاتلوا الضعف، هذا لأن الشريعة معقولة المعنى، - ولأن فحوى الآية وجوب قتال الضعف عند تعادل الأسلحة أو قربها من التعادل، قارن بتفسير المنار: 10/ 89 ط 2 مطبعة دار المنار، حيث يقول: «والآية تدل على أن من شأن المؤمنين أن يكونوا أعلم من الكافرين وأفقه بكل علم وفن يتعلق بحياة البشر وارتقاء الأمم وإن حرمان الكفار من هذا العلم- علم الحقائق المتعلقة بالحرب من مادية وروحية- هو السبب فى كون المائة منهم دون العشرة من المؤمنين الصابرين.
وهكذا كان المسلمون فى قرونهم الأولى والوسطى يعملون بهداية دينهم على تفاوت علمائهم وحكامهم فى ذلك حتى إذا ما فسدوا- بترك هذه الهداية التي سعدوا بها فى دنياهم فكانوا أصحاب ملك واسع وسيادة عظيمة دانث لهم بها الشعوب الكثيرة- زال ذلك المجد والسؤدد، ونزع منهم أكثر ذلك الملك، وما بقي منه فهو على شفا جرف هار.
(2) فى أ: تكون.(2/125)
أن الغنائم لم تحل لأحد من الأنبياء ولا المؤمنين قبل محمد- صلى الله عليه وسلم «1» -، وأخبر الله الأمم «إني أحللت الغنائم للمجاهدين من أمة «2» » محمد- صلى الله عليه وسلم- وكان «3» المؤمنون إذا أصابوا الغنائم جمعوها ثم أحرقوها «4» بالنيران وقتلوا «الناس «5» » والأسارى والدواب وهذا «6» في الأمم الخالية، فذلك قوله:
لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ في تحليل الغنائم لأمة محمد- صلى الله عليه وسلم- في علمه في اللوح المحفوظ، ثم خالفتم المؤمنين من قبلكم لَمَسَّكُمْ يعني لأصابكم فِيما أَخَذْتُمْ من الغنيمة عَذابٌ عَظِيمٌ- 68- ثم طيبها لهم «7» وأحلها فقال: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ ببدر حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ ولا تعصوه إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ذو تجاوز لما أخذتم من الغنيمة قبل حلها رَحِيمٌ- 69- بكم إذ أحلها لكم وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- جعل عمر بن الخطاب، وخباب بن الأرت، أولياء القبض يوم بدر وقسمها النبي- صلى الله عليه وسلم- بالمدينة وانطلق بالأسارى فيهم العباس بن عبد المطلب، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وذلك
أن العباس بن عبد المطلب يوم أسر أخذ منه عشرين أوقية من ذهب فلم تحسب له من الفداء «8» وكان
__________
(1) فى أ: عليه السلام، ل: صلّى الله عليه وسلّم.
(2) بياض فى أ، وفى ل: أنى أحللت الغنائم للمجاهدين لأمة.
(3) فى أ: فكان، ل: وكان.
(4) فى أ، ل: جمعوه ثم أحرقوه. [.....]
(5) «الناس» : زيادة من: ل.
(6) فى أ: ل: وهذه.
(7) فى أ: لكم.
(8) فى أ: الفدى.(2/126)
فداء كل أسير من المشركين أربعين أوقية من ذهب وكان أول من فدى نفسه أبو وديعة ضمرة بن صبيرة «1» السهمي، وسهيل بن عمرو «2» - من بني عامر بن لؤي القرشيان-. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: أضعفوا الفداء «3» على العباس وكلف أن يفتدي ابني «4» أخيه فأدى عنهما ثمانين أوقية من ذهب وكان فداء العباس بثمانين أوقية، وأخذ منه عشرون أوقية، فأخذ منه يومئذ مائة أوقية وثمانون «5» أوقية، فقال العباس للنبي- صلى الله عليه وسلم-: لقد تركتني ما حييت أسأل قريشا بكفي. وقال له- صلى الله عليه وسلم- أين الذهب الذي تركته عند امرأتك أم الفضل فقال العباس: أي الذهب؟ فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: إنك قلت لها إني لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا فإن حدث بي ما حدث فهو لك ولولدك فقال: يا بن أخى من أخبرك؟ قال: الله أخبرنى. قال العباس: أشهد أنك صادق وما علمت أنك رسول قط قبل اليوم قد علمت أنه لم يطلعك عليه إلا عالم السرائر، وأشهد ألا إله إلا الله، وأنك عبده ورسوله وكفرت بما سواه «وأمر ابني أخيه فأسلما ففيهما «6» » نزلت يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى «7»
يعني العباس وابني أخيه إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يعني إيمانا كقوله: «لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً» يعنى إيمانا
__________
(1) فى أ: ضمرة، ل: ضمرة أو صبيرة السهمي.
(2) فى أ: عمر، ل: عمرو.
(3) فى أ: الفدى، ل: الفداء.
(4) فى أ: ابن، ل: ابني.
(5) فى أ: وثمانين، ل: وثمانين أوقية. والسطور السابقة من ل، وهي فى أبتقديم وتأخير.
(6) فى أ: «وأمر ابن أخيه فأسلم ففيهما» .
(7) فى أ: الأسارى.(2/127)
وهذا في هود «1» يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ من الفداء فوعدهم الله أن يخلف لهم أفضل ما أخذ منهم وَيَغْفِرْ «لَكُمْ» «2» ذنوبكم «3» وَاللَّهُ غَفُورٌ «لما كان منهم «4» » من الشرك من ذنوبهم ذو تجاوز رَحِيمٌ- 70- بهم في الإسلام وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ يعني الكفر بعد إسلامهم واستحيائك «5» إياهم فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ [149 أ] يقول فقد كفروا بالله من قبل هذا الذي نزل بهم ببدر فَأَمْكَنَ الله مِنْهُمْ النبي- عليه السلام- يقول: إن خانوا أمكنتك منهم فقتلتهم وأسرتهم كما فعلت بهم ببدر وَاللَّهُ عَلِيمٌ بخلقه حَكِيمٌ- 71- في أمره حكم أن يمكنه «6» منهم.
فقال العباس بعد ذلك: لقد أعطاني الله خصلتين ما من شيء هو أفضل منهما أما أحدهما فالذهب الذي أخذ مني فآتاني الله «خَيْراً «7» مِنْهُ» عشرين عبدا، وأما الثانية فتنجيز «8» موعود «9» الله الصادق وهو المغفرة، فليس أحد أفضل من هذا،
__________
(1) سورة هود الآية 31: «وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ قالُوا يَا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا» .
(2) فى أ: لهم. وفى حاشية أ: الآية «لكم» .
(3) فى أ: ذنوبهم. [.....]
(4) «لما كان منهم» : زيادة من: ل، وليست فى: أ.
(5) فى ل: واستحيابك، أ: واستحبائك.
(6) هكذا فى أ، ل: «يمكنه» والضمير عائد إلى رسوله أى حكم أن يمكن رسوله منهم.
(7) فى أ: منها.
(8) فى أ: فينجز.
(9) فى أ: موعد، ل: موعود.(2/128)
ومن كان من أسارى بدر وليس له فدى فإنه يدفع إليه عشرة غلمان يعلمهم الكتاب «1» فإذا حذقوا برئ الأسير من الفداء وكان أهل مكة يكتبون وأهل المدينة لا يكتبون.
وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- قد استشار أصحابه في أسارى بدر فقال عمر بن الخطاب للنبي- صلى الله عليه وسلم-: اقتلهم فإنهم رءوس الكفر وأئمة الضلال. وقال أبو بكر: لا تقتلهم فقد شفى الله الصدور وقتل المشركين وهزمهم فآدهم «2» أنفسهم وليكن «3» ما نأخذ منهم في قوة المسلمين وعونا «4» على حرب المشركين وعسى الله أن يجعلهم أعوانا لأهل الإسلام فيسلموا. فأعجب النبي- صلى الله عليه وسلم- بقول أبي بكر الصديق «وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- رحيما، وأبو بكر أيضا رحيما، وكان عمر ماضيا «5» » فأخذ النبي- صلى الله عليه وسلم- بقول أبي بكر: ففاداهم فأنزل الله- عز وجل- «توفيقا «6» » لقول عمر «مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ» فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لعمر: احمد الله إن ربك واتاك على قولك. فقال عمر: الحمد لله الذي واتاني على قولي «7» في أسارى بدر.
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: لو نزل عذاب من السماء ما نجا منا أحد
__________
(1) المراد: الكتابة.
(2) فى أ: فآدهم، ل: وأدى. ومعنى فآدهم اقبل منهم دية أنفسهم.
(3) فى أ: وليكون، ل: وليكن.
(4) فى أ: وعون، ل: وعونا.
(5) ما بين القوسين « ... » زيادة من: ل، وليست فى: أ.
(6) «توفيقا» : زيادة من: ل، وليست فى: أ.
(7) فى السطرين السابقين اضطراب فى أ، ل. والقصة فى كتب السيرة، وهي فى كتاب أسباب النزول للواحدي بعدة روايات طوال فى: 136، 137، 138. وفى لباب النقول للسيوطي. تفسير مقاتل- 9(2/129)
إلا عمر بن الخطاب إنه نهاني فأبيت
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بتوحيد اللَّه وَهاجَرُوا إلى المدينة وَجاهَدُوا العدو بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فهؤلاء المهاجرون، ثم ذكر الأنصار، فقَالَ: وَالَّذِينَ آوَوْا النبي- صلى الله عليه وسلم- وَنَصَرُوا النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم جمع المهاجرين والأنصار فقال: أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ في الميراث ليرغبهم بذلك في الهجرة فقال الزبير بن العوام ونفر معه:
كيف يرثنا غير أوليائنا، وأولياؤنا على ديننا فمن أجل أنهم لم يهاجروا لا ميراث بيننا، فقال الله بعد ذلك وَالَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بتوحيد الله وَلَمْ يُهاجِرُوا إلى المدينة مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ في الميراث حَتَّى يُهاجِرُوا إلى المدينة، ثم قال: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ يا معشر المهاجرين إخوانكم الذين لم يهاجروا إليكم، فأتاهم عدوهم من المشركين فقاتلوهم ليردوهم عن الإسلام فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ فانصروهم، ثم استثنى فقال: إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ يقول إن استنصر الذين لم يهاجروا إلى المدينة على أهل عهدكم فلا تنصروهم وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ- 72-[149 ب] .
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ في الميراث «والنصرة «1» » إِلَّا تَفْعَلُوهُ «2» أي إن لم تنصروهم على غير أهل عهدكم من المشركين في الدين تَكُنْ فِتْنَةٌ يعني كفر فِي الْأَرْضِ وَيكن
__________
(1) «والنصرة» : زيادة من الجلالين. [.....]
(2) «إِلَّا تَفْعَلُوهُ» : ساقطة من: أ، ل.(2/130)
فَسادٌ كَبِيرٌ- 73- في الأرض «1» . وَالَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بتوحيد الله وَهاجَرُوا من مكة إلى المدينة وَجاهَدُوا العدو فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني في طاعة الله فهؤلاء المهاجرون وإنما سموا «2» المهاجرين لأنهم هجروا قومهم من المشركين وفارقوهم إذ لم يكونوا على دينهم، قال وَالَّذِينَ آوَوْا يعني ضموا النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى أنفسهم بالمدينة وَنَصَرُوا النبي- صلى الله عليه وسلم- فهؤلاء الأنصار.
ثم جمع المهاجرين والأنصار فقال: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يعني المصدقين حَقًّا لَهُمْ بذلك مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ- 74- يعني رزقا حسنا في الآخرة وهي الجنة، ثم قال بعد ذلك: وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ هؤلاء المهاجرين والأنصار وَهاجَرُوا من ديارهم إلى المدينة وَجاهَدُوا العدو مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ في الميراث.
ثم نسخ هؤلاء الآيات بعد هذه الآية: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ في الميراث فورث المسلمون بعضهم بعضا من هاجر ومن لم يهاجر في الرحم والقرابة فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ- 75- في أمر المواريث حين حرمهم «3» الميراث وحين أشركهم بعد ذلك «4» .
__________
(1) فى الجلالين «إِلَّا تَفْعَلُوهُ» أى تولى المسلمين وقمع الكفار «تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ» بقوة الكفر وضعف الإسلام.
(2) سموا: أنسب ولكنها فى: أ، ل: سمى.
(3) فى أ: أحرمهم، ل: حرمهم.
(4) فى أ: زيادة «قال من بعد» وليس ذلك فى: ل.(2/131)
حدثنا «1» عُبَيْدُ اللَّهِ قال: حدثني أبي قَالَ: حَدَّثَنَا الْهُذَيْلُ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: إِنَّ الْخُمُسَ: كَانَ يُقْسَمَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمْسَةَ أَسْهُمٍ: للَّهِ وَلِرَسُولِهِ سَهْمٌ، وَلِذِي الْقُرْبَى سَهْمٌ، وَلِلْيَتَامَى سَهْمٌ، وَلِلْمَسَاكِينِ سَهْمٌ، وَلابْنِ السَّبِيلِ سَهْمٌ. قَالَ: وَقَسَمَهُ عُمَرُ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، عَلَى ثَلاثَةِ أَسْهُمٍ أَسْقَطُوا «2» سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى، وَقُسِّمَ عَلَى ثَلاثَةِ أَسْهُمٍ، وَإِنَّمَا يُوضَعُ مِنْ أُولَئِكَ فِي أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ لَيْسَ يُعْطَى الأَغْنِيَاءُ شَيْئًا فَهَذَا عَلَى مَوْضِعِ الصَّدَقَةِ.
حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ قال: حدثني أبي قال: حدثنا الْهُذَيْلُ، عن محمد بن عبد الحق عن أبي جعفر محمد بن علي- عليه السلام- قال: قلت له: ما كان رأي علي- عليه السلام- في الخمس. قال: رأي أهل بيته. قال: قلت: فكيف لم يمضه على ذلك حين ولي؟ قال: كره أن يخالف أبا بكر وعمر.
حَدَّثَنَا «3» عبيد الله قال: حدثني أبي قال: حدثنا الْهُذَيْلُ، عَنْ مُقَاتِلٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْخُذُ مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ أَنْ تُقْسَمَ صَفِيًّا لِنَفْسِهِ، وَيَأْخُذُ مَعَ ذَوِي الْقُرْبَى، وَيَأْخُذُ سَهْمَ اللَّهِ- تَعَالَى- وَرَسُولِهِ ثُمَّ يَأْخُذُ مَعَ الْمُقَاتِلةِ فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْ أَرَبْعَةِ وجوه- صلّى الله عليه وسلّم «4» -.
__________
(1) «حدثنا» ساقطة من أ، وهي فى: ل.
(2) فى أ: استقلوا، ل: اسقطوا.
(3) من: ل، وليست فى: أ.
(4) فى ل: صلّى الله عليه وسلّم، أ: عليه السلام.(2/132)
سورة التّوبة(2/133)
[سورة التوبة (9) : الآيات 1 الى 129]
بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (2) وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (9) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)
فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (16) مَا كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (17) إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20)
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (24) لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (29) وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)
اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُواطِؤُا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (37) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)
وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ (48) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (49) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)
قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52) قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ (53) وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ (54) فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (55)
وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (59) إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (65)
لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (66) الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)
فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (78) الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (80)
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (83) وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (84) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (85)
وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87) لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (90)
لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (92) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (95)
يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (96) الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (101) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)
وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (107) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113) وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115)
إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (116) لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) مَا كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120)
وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (121) وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) وَإِذا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (125)
أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) وَإِذا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (127) لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)(2/135)
سورة التوبة «1» [150 أ] سورة براءة مدنية كلها غير آيتين هما قوله تعالى: «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ ... »
__________
(1) «مقصود السورة إجمالا» وسم قلوب الكافرين بالبراءة من الله ورسوله، ورد العهد عليهم وأمان مستمع القرآن، وقهر أئمة الكفر وقتلهم، ومنع الأجانب من عمارة المسجد الحرام، وتخصيصها بأهل الإسلام، والنهى عن موالاة الكفار، والإشارة إلى وقعة حرب حنين ومنع المشركين من دخول الكعبة، والحرم، وحضور الموسم، والأمر بقتل كفرة أهل الكتاب، وضرب الجز عليهم وتقبيح قول اليهود والنصارى فى حق عزيز وعيسى- عليهما السلام، وتأكيد رسالة الرسول الصادق المحق وعيب أحبار اليهود فى أكلهم الأموال بالباطل، وعذاب مانعي الزكاة، وتخصيص الأشهر الحرم من أشهر السنة، وتقديم الكفار شهر المحرم، وتأخيرهم إياه، والأمر بغزوة تبوك، وذم المتخلفين عن الغزو، وخروج النبي- صلّى الله عليه وسلّم- مع الصديق- رضى الله عنه- من مكة إلى الغار بجبل ثور، واحتراز المنافقين من غزوة تبوك، وترصدهم وانتظارهم نكبة المسلمين، ورد نفقاتهم عليهم، وقسم الصدقات على المستحقين، واستهزاء المنافقين بالنبي- صلّى الله عليه وسلّم-، وبالقرآن، وموافقة المؤمنين بعضهم بعضا، ونيلهم الرضوان الأكثر بسبب موافقتهم، وتكذيب الحق للمنافقين فى أيمانهم، ونهى النبي عن الاستغفار لأحيائهم، وعن الصلاة على أمواتهم.
وعيب المقصرين على اعتذارهم بالأعذار الباطلة، وذم الأعراب فى صلابتهم وتمسكهم بالباطل، ومدح بعضهم بصلابتهم فى دين الحق، وذكر السابقين من المهاجرين والأنصار، وذكر المعترفين بتقصيرهم وقبول الصدقات من الفقراء، وقبول توبة التائبين، وذكر بناء مسجد ضرار للغرض الفاسد، وبناء مسجد قباء على الطاعة والتقوى، ومبايعة الحق- تعالى- عبيده باشتراء أنفسهم وأموالهم ومعاوضتهم على ذلك بالجنة، ونهى إبراهيم الخليل من استغفار المشركين، وقبول توبة المتخلف المخلص عن غزوة تبوك، وأمر ناس بطلب العلم والفقه فى الدين، وفضيحة المنافقين، وفتنتهم فى كل وقت، ورأفة الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- ورحمته لأمته، وأمر الله نبيه بالتوكل عليه فى جميع أحواله بقوله: «فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» .(2/153)
إلى آخر السورة «1» ، فإنهما مكيتان وهي مائة وسبع «2» وعشرون آية «3» كوفية «4» .
لما نزلت براءة بعث النبي- صلى الله عليه وسلم- أبا بكر الصديق على حج الناس وبعث معه ببراءة، من أول السورة «5» إلى تسع آيات. فنزل جبريل فقال:
__________
ومجموع فواصل آيات سورة التوبة هي (ل م ن ر ب) يجمعها (لم نرب) وكل آية منها آخرها راء فما قبل الراء ياء.
ولهذه السورة عدة أسماء:
الأول: براءة لافتتاحها بها.
الثاني: سورة التوبة لكثرة ذكر التوبة فيها «ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا» ، «لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ» .
الثالث: الفاضحة، لأن المنافقين افتضحوا عند نزولها.
الرابع: المبعثرة، لأنها تبعثر أسرار المنافقين، وهذان رويا عن ابن عباس.
«مقتبس من كتاب بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز، للفيروزآبادي، تحقيق الأستاذ محمد على النجار: 227- 237.
(1) يشير إلى الآيتين: 128، 129 من سورة التوبة وتمامها «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» .
وفى المصحف: سورة التوبة مدنية إلا الآيتين الأخيرتين فمكيتان.
(2) فى أ: وسبعة.
(3) فى المصحف: وآياتها 129 نزلت بعد المائدة. [.....]
(4) فى كتاب بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي تحقيق الأستاذ محمد على النجار: 227: وعدد آياتها مائة وتسع وعشرون عند الكوفيين وثلاثون عند الباقين وليس فى ل: بيان لعدد الآيات.
وأرى أن فى: أتحريف بدل أن يكتب «مائة وتسع وعشرون» كتب: «مائة وسبع وعشرون» .
(5) فى أ: من أول سورة براءة.(2/154)
يا محمد، إنه لا يؤدي عنك إلا رجل منك، ثم اتبعه علي بن أبي طالب فأدركه بذي الحليفة على ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخذها منه، ثم رجع أبو بكر إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-، فقال له «1» : بأبي أنت، وأمي هل أنزل الله في من شيء؟ قال: لا، ولكن لا يبلغ عني إلا رجل منى، أما ترضى يا أبا بكر أنك صاحبي في الغار وأنك أخي في الإسلام وأنك ترد علي الحوض يوم القيامة. قال:
بلى يا رسول الله. فمضى أبو بكر على الناس ومضى على ببراءة من أول السورة إلى تسع آيات فقام علي يوم النحر بمنى فقرأها «2» على الناس.
__________
(1) فى أ: فقال للنبي- صلّى الله عليه وسلّم.
(2) فى الأصل: فقرأ.(2/155)
بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ من العهد غير أربعة أشهر إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ- 1- نزلت في ثلاثة أحياء من العرب منهم خزاعة ومنهم هلال بن عويمر، وفي مدلج منهم سراقة بن مالك «1» بن خثعم الكناني، وفي بني خزيمة بن عامر وهما حيان من كنانة. كان النبي- صلى الله عليه وسلم- عاهدهم «2» بالحديبية سنتين صالح عليهم المخش بن خويلد ابن عمارة بن المخش، فجعل الله- عز وجل- للذين كانوا في العهد أجلهم أربعة أشهر من يوم النحر إلى عشر من ربيع الآخر فقال: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ يقول سيروا في الأرض أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ آمنين حيث شئتم ثم خوفهم فقال: وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ- 2- فلم يعاهد النبي- صلى الله عليه وسلم- بعد هذه الآية أحدا «3» من الناس ثم ذكر مشركي مكة الذين لا عهد لهم، فقال: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يعني يوم النحر وإنما سمي الحج الأكبر لأن العمرة هي الحج الأصغر، وقال: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ من العهد فَإِنْ تُبْتُمْ يا معشر المشركين من الشرك فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ من الشرك وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ يقول إن أبيتم التوبة فلم تتوبوا فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ
__________
(1) فى أ: ملك.
(2) فى أ: عاهد، ل: عاهدهم.
(3) فى أ: أحد.(2/156)
خوفهم كما خوف أهل العهد: أنكم أيضا غير سابقي الله بأعمالكم:
الخبيثة حتى يجزيكم بها. ثم قال: وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله [150 ب] بِعَذابٍ أَلِيمٍ- 3- يعني وجيع ثم جعل من لا عهد له أجله خمسين يوما من يوم النحر إلى انسلاخ المحرم، ثم رجع إلى خزاعة، وبني مدلج، وبني خزيمة- في التقديم- فاستثنى فقال: إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فلم «1» يبين الله ورسوله من عهدهم في الأشهر الأربعة ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً في الأشهر الأربعة وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً يعني ولم يعينوا على قتالكم أحدا من المشركين يقول الله إن لم يفعلوا ذلك فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ يعني الأشهر الأربعة إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ- 4- الذين يتقون نقض العهد، ثم ذكر من لم يكن له عهد غير خمسين يوما فقال: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ يعني عشرين من ذي الحجة وثلاثين يوما من المحرم فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ يعني هؤلاء- الذين لا عهد لهم إلا خمسين يوما- أين أدركتموهم في الحل والحرم وَخُذُوهُمْ يعني وأسروهم وَاحْصُرُوهُمْ يعني والتمسوهم «2» وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ يقول وأرصدوهم بكل طريق وهم كفار فَإِنْ تابُوا من الشرك وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ يقول فاتركوا طريقهم فلا تظلموهم إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ للذنوب ما كان في الشرك رَحِيمٌ- 5- بهم فى الإسلام.
ثم قال يعني هؤلاء الكفار من أهل مكة وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ يقول فإن استأمنك أحد من المشركين بعد خمسين يوما فأمنه من القتل
__________
(1) أى: فلم يبرأ، وفى أ: يبين.
(2) فى أ: والتمسوهم، وفى حاشية أ: واحبسوهم محمد. وفى ل والتمسوهم.(2/157)
حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ يعني القرآن فإن كره أن يقبل ما فى القرآن ثُمَّ أَبْلِغْهُ «1» مَأْمَنَهُ يقول رده من حيث أتاك فإن قاتلك بعد ذلك فقدرت عليه فاقتله ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ- 6- بتوحيد الله، ثم ذكرهم أيضا مشركي مكة فقال: كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ ثم استثنى خزاعة، وبني مدلج، وبني خزيمة «2» ، الذين أجلهم أربعة أشهر. فقال: إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ بالحديبية فلهم العهد فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ بالوفاء إلى مدتهم يعني تمام هذه أربعة الأشهر من يوم النحر فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ بالوفاء إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ- 7- ثم حرض المؤمنين على قتال كفار مكة الذين لا عهد لهم لأنهم نقضوا العهد فقال: كَيْفَ لا تقاتلونهم وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يقول لا يحفظوا فيكم قرابة «3» ولا عهدا يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ يعني بألسنتهم وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وكانوا يحسنون القول للمؤمنين فيرضونهم وفي قلوبهم غير ذلك فأخبر عن قولهم فذلك قوله:
«يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ» يعني بألسنتهم «وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ» وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ- 8-، ثم أخبر عنهم فقال: اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا يعني باعوا إيمانا بالقرآن بعرض من الدنيا يسيرا وذلك أن أبا سفيان كان يعطي الناقة والطعام والشيء ليصد «4» بذلك الناس [151 أ] عن متابعة النبي- صلى الله عليه وسلم- فذلك قوله: فَصَدُّوا «5» الناس عَنْ سَبِيلِهِ «6» أي عن سبيل الله
__________
(1) فى أ: بأبلغه، وفى حاشية أ: التلاوة: ثم أبلغه.
(2) فى أ: جذيمة، ل: تقرأ جذيمة ويمكن أن تقرأ خزيمة.
(3) إلا: قرابة. (الجلالين) .
(4) فى أ، ل: ليصدوا.
(5) فى أ: وصدوا. [.....]
(6) فى أ: «عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» .(2/158)
يعني عن دين الله وهو الإسلام إِنَّهُمْ ساءَ يعني بئس ما كانُوا يَعْمَلُونَ- 9- يعني بئس ما عملوا بصدهم عن الإسلام، ثم أخبر أيضا عنهم فقال:
لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا «1» وَلا ذِمَّةً يعني لا يحفظون في مؤمن قرابة ولا عهدا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ- 10- يقول: فَإِنْ تابُوا من الشرك وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ أي أقروا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ ونبين الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ- 11- بتوحيد الله وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ يعني نقضوا عهدهم وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- واعد كفار مكة سنتين، وأنهم عمدوا فأعانوا كنانة بالسلاح على قتال خزاعة، وخزاعة صلح النبي- صلى الله عليه وسلم- فكان في ذلك نكث للعهد فاستحل النبي- صلى الله عليه وسلم- قتالهم فذلك قوله «وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ» وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فقالوا: ليس دين محمد بشيء فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ يعني قادة الكفر كفار قريش: أبا سفيان «2» بن حرب، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو «3» ، وعكرمة بن أبي جهل، وغيرهم إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لأنهم نقضوا العهد الذي كان بالحديبية، يقول: لَعَلَّهُمْ يعني لكي يَنْتَهُونَ- 12- عن نقض العهد، ولا ينقضون «4» ، ثم حرض المؤمنين على قتالهم فقال: أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ يعني نقضوا عهدهم حين أعانوا كنانة بالسلاح على خزاعة وهم صلح النبي- صلى الله عليه وسلّم- وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- مِنْ
__________
(1) إلا: قرابة.
(2) فى أ: أبو سفيان، وهي مفعول به يجب أن تكون منصوبة.
(3) فى أ: عمر، ل: عمرو.
(4) المراد: ولا ينقضون عهودهم مع المسلمين.(2/159)
مكة حين هموا في دار الندوة بقتل النبي- صلى الله عليه وسلم- أو بوثاقه «1» أو بإخراجه وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بالقتال حين ساروا إلى قتالكم ببدر أَتَخْشَوْنَهُمْ فلا تقاتلونهم فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ فى ترك أمره إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ- 13- به يعني إن كنتم مصدقين بتوحيد الله- عز وجل-، ثم وعدهم النصر فقال: قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ بالقتل وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ- 14- «وذلك أن بني كعب قاتلوا خزاعة» «2» فهزموهم وقتلوا منهم وخزاعة صلح النبي- صلى الله عليه وسلّم-، وأعانهم كفار مكة بالسلاح على خزاعة فاستحل النبي- صلى الله عليه وسلم- قتال كفار مكة بذلك. «وقد «3» » ركب عمرو بن عبد مناة الخزاعي إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- بالمدينة «4» مستعينا به فقال «5» له:
اللهم إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا
كان لنا أبا وكنا ولدا ... نحن ولدناكم فكنتم ولدا
ثمت أسلمنا ولم ننزع يدا ... فانصر رسول الله نصرا أيدا
وادع عباد الله يأتوا مددا ... فيهم رسول الله قد تجردا
فى فيلق كالبحر يجري مزيدا ... إن قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكد ... ونصبوا لي في الطريق مرصدا «6»
__________
(1) أى: أن يلبسوه الوثائق وهو القيد والمراد حبسه.
(2) ما بين القوسين « ... » زيادة، لتصحيح الكلام وليست فى: أ، ولا فى: ل.
(3) وقد: زيادة لتصحيح الكلام.
(4) فى أ: إلى المدينة وهي ساقطة من: ل ومثبتة فى أ.
(5) فى ل: فقال مستغيثا.
(6) فى أ: مرصدا، ل: رصدا.(2/160)
[151 ب] وبيتونا بالوتين هجدا ... وقتلونا ركعا وسجدا
وزعموا أن لست أدعو أحدا ... وهم أذل وأقل عددا
قال: فدمعت عينا «1» النبي- صلى الله عليه وسلم- ونظر إلى سحابة قد بعثها الله- عز وجل- فقال: والذي نفسي بيده، إن هذه السحابة لتستهل بنصر خزاعة على بني ليث بن بكر ثم خرج النبي- صلى الله عليه وسلم- من المدينة فعسكر- وكتب حاطب إلى أهل مكة بالعسكر، وسار النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى مكة فافتتحها وقال لأصحابه: كفوا السلاح إلا عن بني بكر إلى صلاة العصر،
«وقال لخزاعة أيضا كفوا إلا عن بني بكر» «2» فأنزل الله تعالى «وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ» يعني قلوب قوم مؤمنين يعني خزاعة «3» وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وشفى الله قلوب خزاعة من بني ليث بن بكر وأذهب غيظ قلوبهم، ثم قال: وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ فيهديهم لدينه «4» وَاللَّهُ عَلِيمٌ بخلقه حَكِيمٌ- 15- في أمره.
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا على الإيمان ولا تبتلوا بالقتل وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ يعني ولما يرى الله الَّذِينَ جاهَدُوا العدو مِنْكُمْ فى سبيله يقول لا يرى
__________
(1) فى أ: عيني.
(2) ما بين القوسين « ... » : ساقط من ل.
(3) سبعة الأسطر السابقة مضطربة فى أ. وقد قومت الاضطراب اعتمادا على كتب السيرة. [.....]
(4) فى أ: زيادة (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) يعنى من بعد القتل والهزيمة وليس فى هذه الآية (من بعد ذلك) ، وإنما هي فى الآية 27 من سورة التوبة وهي «ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» .
أما الآية 15 من سورة التوبة فليس فيها مِنْ بَعْدِ ذلِكَ ... وتمامها وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
تفسير مقاتل- 11(2/161)
جهادكم حتى «1» تجاهدوا وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا من دون رَسُولِهِ وَلَا من دون الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً يتولجها يعني البطانة من الولاية للمشركين وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ- 16- مَا كانَ لِلْمُشْرِكِينَ يعني مشركي مكة أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ «2» اللَّهِ يعني المسجد الحرام شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ نزلت في العباس بن عبد المطلب، وفي بني أبي طلحة، منهم شيبة بن عثمان صاحب الكعبة، وذلك أن العباس وشيبة وغيرهم أسروا يوم بدر فأقبل عليهم نفر من المهاجرين فيهم علي بن أبي طالب والأنصار وغيرهم فسبوهم وعيروهم بالشرك وجعل علي بن أبى طالب يونج العباس بقتال النبي- صلى الله عليه وسلم- وبقطيعته «3» الرحم وأغلظ له القول، فقال له العباس: ما لكم تذكرون مساوئنا وتكتمون محاسننا. قالوا: وهل لكم محاسن؟ قال: نعم لنحن أفضل منكم أجرا، إنا لنعمر المسجد الحرام ونحجب «4» الكعبة ونسقي الحجيج ونفك العاني- يعني الأسير-، فافتخروا على المسلمين بذلك، فأنزل الله «مَا كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ» أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ [152 أ] يعني ما ذكروا من محاسنهم يعني بطلت أعمالهم في الدنيا والآخرة يقول ليس لهم ثواب في الدنيا ولا في الآخرة لأنها كانت في غير إيمان ولو آمنوا لأصابوا الثواب في الدنيا والآخرة كما قال نوح، وهود، لقومه:
__________
(1) هكذا فى: أ، ل.
(2) فى أ: مسجد الله.
(3) فى أ: ويقطعه، وهي تحريف ل (وبقطعه) وفى ل: وبقطيعته.
(4) أى: نكون حجابا لها، كالحاجب على باب مدير أو وزير.(2/162)
«اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ» بالمطر «مِدْراراً «1» » يعني متتابعا «وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً «2» » فهذا في الدنيا لو آمنوا. ثم قال: وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ- 17- لا يموتون إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ يعني صدق بالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يعني من صدق بتوحيد الله والبعث الذي فيه جزاء الأعمال وَأَقامَ الصَّلاةَ لوقتها: أتم ركوعها وسجودها وَآتَى الزَّكاةَ يعني وأعطى زكاة ماله وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ يعني ولم يعبد إلا الله فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ- 18- من الضلالة، ثم قال يعنيهم: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ يعنى العباس وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ يعني شيبة كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يعني صدق بتوحيد الله واليوم الآخر وصدق بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال يعني عليا ومن معه وَجاهَدَ العدو فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ في الفضل هؤلاء أفضل وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ- 19- يعني المشركين إلى الحجة فما لهم حجة ثم نعت المهاجرين عليا وأصحابه فقال: الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بتوحيد الله وَهاجَرُوا إلى المدينة وَجاهَدُوا العدو فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني طاعة الله بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أولئك أَعْظَمُ دَرَجَةً يعني فضيلة عِنْدَ اللَّهِ من الذين افتخروا فى عمران
__________
(1) هذه مقالة هود لقومه: فى الآية 52 من سورة هود.
(2) وهذه من سورة نوح: الآية 12، وهي مقالة نوح. وقد جمعهما على أنهما آية واحدة ولكني وضحت أن الجزء الأول من سورة هود والجزء الآخر من سورة نوح وجمع بينهما وحدة المعنى ووحدة الموقف، فخلط الناسخ بينهما.(2/163)
البيت وسقاية الحاج وهم كفار، ثم أخبر عن ثواب المهاجرين فقال: وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ- 20- يعني الناجون من النار يوم القيامة يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وهي الجنة وَرِضْوانٍ يعني ورضي الرب عنهم وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ- 21- يعنى لا يزول خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يموتون إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ يعني عند الله أَجْرٌ يعني جزاء عَظِيمٌ- 22- وهي الجنة.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ يعني اختاروا الكفر على الإيمان يعني التوحيد، نزلت في السبعة الذين ارتدوا عن الإسلام فلحقوا بمكة من المدينة فنهى الله عن ولايتهم فقال: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ يا معشر المؤمنين فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ- 23- وهو منهم قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها يعني كسبتموها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها يعني ومنازل ترضونها يعني تفرحون بها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [152 ب] في فتح مكة وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ- 24- لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ يعني يوم بدر، ويوم قريظة، ويوم النضير «1» ، ويوم خيبر، ويوم الحديبية، ويوم فتح مكة، ثم قال: وَنصركم يَوْمَ حُنَيْنٍ وهو واد بين الطائف ومكة إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ يعنى برحبها وسعتها ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ- 25-
__________
(1) فى أ: النضر.(2/164)
لا تلوون على شيء وذلك أن المسلمين كانوا يومئذ أحد عشر ألفا وخمس مائة والمشركون أربعة آلاف، وهوازن، وثقيف، ومالك بن عوف النضري على هوازن، وعلى ثقيف كنانة بن عبد ياليل بن عمرو بن عمير الثقفي، فلما التقوا قال رجل من المسلمين: لن نغلب اليوم من كثرتنا على عدونا ولم يستثن في قوله، فكره النبي- صلى الله عليه وسلم- قوله لأنه كان قال «1» ولم يستثن في قوله فاقتتلوا قتالا شديدا وانهزم المشركون وجلوا عن الذراري، ثم نادى المشركون تجاه النساء اذكروا الفضائح فتراجعوا وانكشف المسلمون فنادى العباس بن عبد المطلب، وكان رجلا صبيا ثباتا: يا أنصار الله وأنصار رسوله الذين آووا ونصروا، يا معشر المهاجرين الذين بايعوا تحت الشجرة هذا رسول الله (ص) فمن كان له فيه حاجة فليأته فتراجع المسلمون ونزلت الملائكة- عليهم البياض على خيول بلق- فوقفوا ولم يقاتلوا فانهزم المشركون، فذلك قوله: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها يعنى الملائكة وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا بالقتل والهزيمة وَذلِكَ العذاب جَزاءُ الْكافِرِينَ- 26- ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ يعني بعد القتل والهزيمة فيهديه لدينه وَاللَّهُ غَفُورٌ لما كان في الشرك رَحِيمٌ- 27- بهم فى الإسلام يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ يعني مشركي العرب والنجس الذي ليس بطاهر، الأنجاس: الأخباث فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ يعنى أرض مكة بَعْدَ عامِهِمْ هذا يعني بعد عام كان أبو بكر على الموسم. قال ابن ثابت «2» : قال أبي: في السنة التاسعة من هجرة
__________
(1) فى أ: يتعالى، ل: قال.
(2) هو عبد الله بن ثابت.(2/165)
النبي- صلى الله عليه وسلم «1» - ثم قال: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً، وذلك أن الله- عز وجل- أنزل بعد غزاة تبوك: «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ... » إلى قوله:
« ... كُلَّ مَرْصَدٍ «2» » فوسوس الشيطان إلى أهل مكة فقال: من أين تجدون ما تأكلون، وقد أمر أنه من لم يكن مسلما «3» أن يقتل ويؤخذ الغنم ويقتل من فيها «4» فقال الله تعالى، امضوا «5» لأمري وأمر رسولي فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ ففرحوا بذلك فكفاهم الله ما كانوا يتخوفون «6» فأسلم أهل نجد، وجرش «7» ، وأهل صنعاء، فحملوا الطعام إلى مكة على الظهر فذلك قوله [153 أ] «وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً» يعني الفقر «فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ» إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ- 28- قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ يعني الذين لا يصدقون بتوحيد الله، ولا بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يعني الخمر، ولحم الخنزير وقد بين أمرهما فى القرآن «8» .
__________
(1) أى أن النهى عن حج المشركين إلى البيت الحرام كان فى السنة التاسعة من الهجرة، فأبيح لهم الحج فى السنة التي كان فيها أبو بكر على الموسم، وبلغهم على أنه لا يحج بعد العام مشرك.
(2) الآية 5 من سورة التوبة: «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» .
(3) فى ل: مسلما، أ: مسلم.
(4) فى أ: ومن فيها، ل: ويقتل من فيها. [.....]
(5) فى أ: لمضوا، وهو تحريف (ليمضوا) .
(6) أى: يتخوفون منه.
(7) فى أ: جرش، ل: حرس.
(8) فى أ: يعنى الخمر والخمر بين فى القرآن. ل: يعنى الخمر ولحم الخنزير فى القرآن.(2/166)
وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ: الإسلام لأن غير دين الإسلام باطل مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعني اليهود، والنصارى حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ يعني عن أنفسهم وَهُمْ صاغِرُونَ- 29- يعني مذلون إن أعطوا عفوا لم يؤجروا وإن أخذوا منهم كرها لم يثابوا وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وذلك أن اليهود قتلوا الأنبياء بعد موسى، فرفع الله عنهم التوراة، ومحاها من قلوبهم، فخرج عزير يسيح في الأرض، فأتاه جبريل- عليه السلام- فقال له: أين تذهب؟ قال: لطلب العلم، فعلمه جبريل التوراة كلها فجاء عزير بالتوراة غضا «1» إلى بني إسرائيل فعلمهم، فقالوا: لم يعلم عزير هذا العلم إلا لأنه «2» ابن الله. فذلك قوله: «وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ» .
ثم قال: وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ يعنون عيسى بن مريم ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يقول هم يقولون بألسنتهم من غير علم يعلمونه يُضاهِؤُنَ يعنى يشبهون قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني قول اليهود مِنْ قَبْلُ قول النصارى لعيسى إنه ابن الله- كما قالت اليهود عزير ابن الله فضاهأت «3» يعني أشبه قول النصارى في عيسى قول اليهود في عزير «4» قاتَلَهُمُ اللَّهُ يعني لعنهم الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ- 30- يعني النصارى من أين يكذبون بتوحيد الله، ثم أخبر عن النصارى فقال: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ يعني علماءهم وَرُهْبانَهُمْ يعني المجتهدين في دينهم: أصحاب الصوامع أَرْباباً يعنى
__________
(1) هكذا: غضا على أنه حال من عزير- ولو كان من التوراة لقال غضة.
(2) فى أ: أنه.
(3) فى أ: فضاهت، ل: فضاهأت.
(4) فى أ: فضاهت: شبهت قول النصارى فى عيسى كقول اليهود فى عزير.(2/167)
أطاعوهم مِنْ دُونِ اللَّهِ وَاتخذوا الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ربا يقول وَما أُمِرُوا يعني وما أمرهم عيسى إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً. وذلك أن عيسى قال لبني إسرائيل- في سورة مريم «1» - وفي حم الزخرف «2» -: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ» «3» .
فهذا قول عيسى لبني إسرائيل، ثم قال: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ- 31- نزه نفسه عما قالوا من البهتان، ثم أخبر عنهم فقال: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ يعني دين الإسلام بألسنتهم بالكتمان وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ يعني يظهر دينه الإسلام وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ- 32- أهل الكتاب: بالتوحيد هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ يعني محمدا- صلى الله عليه وسلم- بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ يعني دين الإسلام لأن غير دين الإسلام باطل لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ يقول ليعلو بدين الإسلام على كل دين [153 ب] وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ- 33- يعنى مشركي العرب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ يعني اليهود وَالرُّهْبانِ يعني مجتهدي النصارى لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ يعنى أهل ملتهم وذلك أنهم
__________
(1) يشير إلى الآية 36 من سورة مريم وتمامها «وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ» .
(2) يشير إلى الآية 64 من سورة الزخرف وتمامها «إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ» .
(3) هذه الآية 64 من سورة الزخرف- أما آية مريم: 36 فتبدأ بقوله «وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ» والثابت فى أ: «اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ» إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مستقيم.(2/168)
كانت لهم مأكلة كل عام من سفلتهم من الطعام والثمار على تكذيبهم بمحمد- صلى الله عليه وسلم- ولو أنهم آمنوا بمحمد- صلى الله عليه وسلم- لذهبت تلك المأكلة، ثم قال: وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يقول يمنعون أهل دينهم عن دين الإسلام وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ يعني بالكنز منع الزكاة وَلا يُنْفِقُونَها يعني الكنوز فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني في طاعة الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ- 34- يعني وجيع في الآخرة، ثم قال: «يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ «1» » فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ- 35- إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ وذلك أن المؤمنين ساروا من المدينة إلى مكة قبل أن يفتح الله على النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: إنا نخاف أن يقاتلنا كفار مكة في الشهر الحرام فأنزل الله عز وجل:
«إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ» اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ «اللَّهِ» «2» يعنى اللوح المحفوظ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ المحرم، ورجب، وذو القعدة، وذو الحجة، ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ يعنى الحساب فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ يعني في الأشهر الحرام يعني بالظلم ألا تقتلوا فيهن أحدا «3» من مشركي العرب إلا أن يبدءوا بالقتل «ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ» يعنى بالدين الحساب المستقيم «4» ، ثم قال: قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ يعني كفار مكة كَافَّةً يعني جميعا كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً يقول إن قاتلوكم في الشهر الحرام فاقتلوهم جميعا
__________
(1) فى أ: زيادة إلى قوله: « ... يكنزون» .
(2) ما بين القوسين « ... » ساقط من الأصل.
(3) فى أ: أحد. [.....]
(4) الأنسب يعنى بالدين: الحساب والقيم: والمستقيم، أو يعنى بالدين القيم: الحساب المستقيم.(2/169)
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ فِي النصر مَعَ الْمُتَّقِينَ- 36- الشرك إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ يعني به في المحرم زيادة فِي الْكُفْرِ وذلك أن أبا ثمامة الكناني:
اسمه جبارة بن عوف بن أمية بن فقيم بن الحارث «1» وهو أول من ذبح لغير الله الصفرة في رجب، كان يقف بالموسم ثم ينادي إن آلهتكم قد حرمت صفر العام «2» فيحرمون فيه الدماء والأموال ويستحلون ذلك في المحرم، فإذا كان من قابل نادى إن آلهتكم قد حرمت المحرم العام فيحرمون فيه الدماء والأموال فيأخذ «3» به هوازن، وغطفان، وسليم، وثقيف، وكنانة، فذلك قوله «إِنَّمَا النَّسِيءُ» يعني ترك المحرم «زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ» يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً يقول «يستحلون المحرم «4» » عاما فيصيبون فيه الدماء والأموال «وَيُحَرِّمُونَهُ عاما» فلا يصيبون فيه الدماء والأموال «ولا يستحلونها فيه «5» » لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا فى المحرم ما حَرَّمَ اللَّهُ فيه من الدماء والأموال زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ- 37- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ نزلت في المؤمنين وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أمر الناس بالسير إلى غزوة تبوك في حر شديد اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ [154 أ] فتثاقلوا عنها أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ- 38- يعنى إلا ساعة من ساعات
__________
(1) فى أ: الحرث.
(2) فى أ: الحام. ل: العام.
(3) فى أ: فأخذ، وفى ل: فيأخذ.
(4) زيادة من: ل.
(5) فى أ: ولا يستحلون عاما.(2/170)
الدنيا، ثم خوفهم إِلَّا تَنْفِرُوا في غزاة تبوك إلى عدوكم يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً يعنى وجيعا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ أمثل منكم، وأطوع لله منكم، وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً يعني ولا تنقصوا من ملكه شيئا بمعصيتكم إياه إنما تنقصون أنفسكم وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ أراده قَدِيرٌ- 39- إن شاء عذبكم «واستبدل بكم قوما غيركم «1» » .
ثم قال للمؤمنين: إِلَّا تَنْصُرُوهُ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ هذه أول آية نزلت من براءة، وكانت تسمى الفاضحة لما ذكر الله «فيها» «2» من عيوب المنافقين إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله من مكة ثانِيَ اثْنَيْنِ فهو النبي- صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال لأبي بكر «لا تَحْزَنْ» إِنَّ اللَّهَ مَعَنا في الدفع عنا وذلك
حين خاف «3» القافة حول الغار، فقال أبو بكر: أتينا يا نبي الله. وحزن «4» أبو بكر فقال: إنما أنا رجل واحد، وإن قتلت أنت تهلك هذه الأمة. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-:
لا تحزن. ثم قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: اللهم اعم أبصارهم عنا.
ففعل الله ذلك بهم فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها يعني الملائكة يوم بدر، ويوم الأحزاب، ويوم خيبر، وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى دعوة الشرك السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ
__________
(1) فى أ: كتب هذه الجملة على أنها قرآن.
(2) زيادة: لتوضيح الكلام.
(3) فى أ: حات، ل: خاف.
(4) فى أ: فحزن.(2/171)
يعني دعوة الإخلاص هِيَ الْعُلْيا يعني العالية وَاللَّهُ عَزِيزٌ في ملكه حَكِيمٌ- 40- حكم إطفاء دعوة المشركين وإظهار التوحيد انْفِرُوا إلى غزاة تبوك خِفافاً وَثِقالًا يعني نشاطا وغير نشاط وَجاهِدُوا العدو بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعنى الجهاد ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ من القعود إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ- 41- لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً يعني غنيمة قريبة وَسَفَراً قاصِداً يعني هينا لَاتَّبَعُوكَ في غزاتك وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا يعني لو وجدنا سعة في المال لَخَرَجْنا مَعَكُمْ في غزاتكم يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ- 42- بأن لهم سعة في الخروج ولكنهم لم يريدوا الخروج منهم جد بن قيس، ومعتب ابن قشير، وهما من الأنصار، ثم قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ في القعود يعني في التخلف حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا في قولهم يعني أهل العذر منهم المقداد بن الأسود الكندي وكان سمينا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ- 43- في قولهم يعني من لا قدر لهم لا يَسْتَأْذِنُكَ في القعود الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يعني الذين يصدقون بتوحيد الله، وبالبعث الذي فيه جزاء الأعمال أنه كائن أَنْ يُجاهِدُوا العدو من غير عذر بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ [154 ب] كراهية الجهاد وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ- 44- الشرك، ثم ذكر المنافقين فقال: إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ في الجهاد وبعد الشقة الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ لا يصدقون بالله، ولا باليوم الآخر يعني لا يصدقون بالله، ولا بتوحيده، ولا بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال وَارْتابَتْ يعني شكت قُلُوبُهُمْ فى الدين فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يعني في شكهم يَتَرَدَّدُونَ- 45- وهم تسعة وثلاثون رجلا، ثم أخبر عن المنافقين فقال:(2/172)
وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ إلى العدو لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً يعني به النية وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ يعني خروجهم فَثَبَّطَهُمْ عن غزاة تبوك وَقِيلَ اقْعُدُوا وحيا إلى قلوبهم مَعَ الْقاعِدِينَ- 46- ألهموا ذلك، يعني مع المتخلفين لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ «1» يعني معكم إلى العدو مَا زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا يعني عيا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يتخلل الراكب الرجلين حتى يدخل بينهما «2» فيقول ما لا ينبغي يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ يعني الكفر وَفِيكُمْ معشر المؤمنين سَمَّاعُونَ لَهُمْ من غير المنافقين «اتخذهم المنافقون «3» » عيونا لهم يحدّثونهم وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ- 47- منهم عبد الله بن أبي، وعبد الله بن نبيل، وجد بن قيس» ورفاعة بن التابوت، وأو ليس بن قيظي، ثم أخبر عن المنافقين فقال: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ يعني الكفر في غزوة تبوك وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ ظهرا لبطن كيف يصنعون حَتَّى جاءَ الْحَقُّ يعنى الإسلام وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ يعني دين الإسلام وَهُمْ كارِهُونَ- 48- للإسلام وَمِنْهُمْ يعني من المنافقين مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أمر الناس بالجهاد إلى غزاة تبوك وذكر بنات الأصفر لقوم وقال: لعلكم تصيبون منهن. قال «4» ذلك ليرغبهم في الغزو، وكان الأصفر رجلا من الحبش، فقضى الله له أن ملك الروم، فاتخذ من نسائهم لنفسه، وولدن له نساءً كنَّ مثلا في الحسن «5» ، فقال جد بن قيس الأنمارى
__________
(1) فى أ: ولو خرجوا فيكم.
(2) فى أ: بينهم.
(3) فى أ: هم المنافقين.
(4) فى أ: فقال. [.....]
(5) فى أ: الحسن، وفى حاشية أ: فى الأصل الحبشي.(2/173)
- من بني سلمة بن جشم-: يا رسول الله قد علمت الأنصار حرصي على النساء وإعجابي بهن وإني أخاف أن أفتتن بهن فأذن لي ولا تفتني ببنات الأصفر وإنما اعتلَّ بذلك كراهية الغزو فأنزل الله- عز وجل «وَمِنْهُمْ» يعني من المنافقين «مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي» يقول الله: أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا يقول ألا في الكفر وقعوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ- 49- ثم أخبر عنهم وعن المتخلفين بغير عذر فقال: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ يعني: الغنيمة في غزاتك يوم بدر تسوءهم وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ بلاء من العدو يوم أحد، وهزيمة، وشدة، يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا في القعود مِنْ قَبْلُ أن تصبك «1» مصيبة وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ- 50- لما أصابك من شدة يقول الله لنبيه- صلى الله عليه وسلم-: قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنا من شدة أو رخاء هُوَ مَوْلانا يعني ولينا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ- 51- يعنى وبالله [155 أ] فليثق الواثقون قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إما الفتح والغنيمة في الدنيا، وإما شهادة فيها الجنة في الآخرة والرزق وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ العذاب والقتل أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ عذاب بِأَيْدِينا فنقتلكم فَتَرَبَّصُوا بنا الشر إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ- 52- بكم العذاب قُلْ يا محمد للمنافقين أَنْفِقُوا طَوْعاً من قبل أنفسكم أَوْ كَرْهاً مخافة القتل لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ النفقة إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ- 53- يعني عصاة وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ بالتوحيد وَكفروا «بِرَسُولِهِ» «2»
__________
(1) فى أ: تصبيك.
(2) ساقطة من أومثبتة فى حاشية أ.(2/174)
بمحمد- صلى الله عليه وسلم- أنه ليس برسول وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى يعنى متناقلين ولا يرونها واجبة عليهم وَلا يُنْفِقُونَ يعني المنافقين الأموال إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ- 54- غير محتسبين فَلا تُعْجِبْكَ يا محمد أَمْوالُهُمْ «وَلا أَوْلادُهُمْ يعني المنافقين إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» «1» بما يلقون في جمعها من المشقة وفيها من المصائب «2» » وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ يعني ويريد أن تذهب أنفسهم على الكفر فيميتهم كفارا فذلك قوله: وَهُمْ كافِرُونَ- 55- بتوحيد الله ومصيرهم إلى النار وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ يعنيهم إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ معشر المؤمنين على دينكم يقول الله:
وَما هُمْ مِنْكُمْ على دينكم وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ- 56- القتل فيظهرون الإيمان، ثم أخبر عنهم فقال: لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً يعنى حرزا «3» يلجأون إليه أَوْ مَغاراتٍ يعني الغيران في الجبال أَوْ مُدَّخَلًا يعني سربا في الأرض لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وتركوك يا محمد وَهُمْ يَجْمَحُونَ- 57- يعني يستبقون إلى الحرز وَمِنْهُمْ يعني المنافقين مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ يعني يطعن عليك- نظيرها «وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ» «4» وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قسم الصدقة وأعطى بعض المنافقين ومنع بعضا وتعرض له أبو الخواص فلم يعطه شيئا فقال أبو الخواص: ألا ترون إلى صاحبكم إنما يقسم صدقاتكم في رعاء الغنم وهو يزعم أنه يعدل فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: لا أبالك، أما كان
__________
(1) فى أ: «وَلا أَوْلادُهُمْ» يعنى المنافقين «فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» فيها تقديم «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها» يعنى أن يعذبهم بها فى الآخرة «وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ» .
(2) ما بين الأقواس « ... » زيادة من الجلالين.
(3) فى أ: حورا، ل: حرزا.
(4) سورة الهمزة: الآية الأولى.(2/175)
موسى راعيا، أما كان داود راعيا. فذهب أبو الخواص فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: احذروا هذا وأصحابه فإنهم منافقون، فأنزل الله «وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ»
يعنى يطعن عليك بأنك لم تعدل في القسمة فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ- 58- وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتاهُمُ يعني ما أعطاهم اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ يعنى سيغنينا الله مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ فيها تقديم إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ- 59- ثم أخبر عن أبي الخواص أن غير أبي الخواص أحق منه بالصدقة وبين أهلها فقال:
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ الذين [155 ب] لا يسألون الناس وَالْمَساكِينِ الذين يسألون الناس وَالْعامِلِينَ عَلَيْها يعطون مما جبوا من الصدقات على قدر ما جبوا من الصدقات وعلى قدر ما شغلوا به أنفسهم عن حاجتهم وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ يتألفهم بالصدقة يعطيهم منها منهم أبو سفيان، وعيينة بن حصن، وسهل ابن عمرو، وقد انقطع حتى المؤلفة اليوم إلا أن ينزل قوم منزلة أولئك فإن أسلموا أعطوا من الصدقات تتألفهم «1» بذلك ليكونوا دعاة إلى الدين وَفِي الرِّقابِ يعني وفي فك الرقاب يعني أعطوا المكاتبين وَالْغارِمِينَ وهو الرجل يصيبه غرم في ماله من غير فساد ولا معصية وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني في الجهاد يعطى على قدر ما يبلغه في غزاته وَابْنِ السَّبِيلِ يعني المسافر المجتاز وبه حاجة يقول: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ لهم هذه القسمة لأنهم أهلها وَاللَّهُ عَلِيمٌ بأهلها حَكِيمٌ- 60- حكم قسمتها
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لا تحل الصدقة لمحمد، ولا لأهله، ولا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي: يعني القوي الصحيح.
وكان المؤلفة قلوبهم: ثلاثة عشر رجلا، منهم أبو سيفان بن حرب بن أمية،
__________
(1) فى أ: تألفهم.(2/176)
والأقرع بن حابس المجاشعي، وعيينة بن حصن الفزاري، وحويطب بن عبد العزى القرشي من بني عامر بن لؤي، والحارث بن هشام المخزومي، وحكيم ابن حزام من بني أسد بن عبد العزى، ومالك بن عوف النضري، وصفوان ابن أمية القرشي، وعبد الرحمن بن يربوع، وقيس بن عدى السهمي، وعمرو ابن مرداس، والعلاء بن الحارث الثقفي، أعطى كل رجل منهم مائة من الإبل ليرغبهم في الإسلام ويناصحون الله ورسوله غير أنه أعطى عبد الرحمن بن يربوع خمسين من الإبل، وأعطى حويطب بن عبد العزى القرشي خمسين من الإبل، وكان أعطى حكيم بن حزام سبعين من الإبل، فقال: يا نبى الله، ما كانت أرى أن أحدا من المسلمين أحق بعطائك مني فزاده النبي- صلى الله عليه وسلم- فكره ثم زاده عشرة فكره «1» فأتمها له مائة من الإبل فقال حكيم: يا رسول الله، عطيتك الأولى التي رغبت عنها أهي خير أم التي قنعت بها؟ فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- الإبل التي رغبت عنها. فقال: والله لا آخذ غيرها. فأخذ السبعين فمات وهو أكثر قريش مالا، فشق «2» النبي- صلى الله عليه وسلم- تلك العطايا، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: إني لأعطي رجلا وأترك آخر، وإن الذي أترك أحب إلي من الذي أعطي، ولكن أتألف هؤلاء بالعطية وأوكل «3» المؤمن إلى إيمانه
__________
(1) فى أ، ل زيادة: فزاده النبي- صلى الله عليه وسلم- عشرة فكر.
وهو خطا سببه سبق النظر: فقد أخذ سبعين ثم زاده النبي عشرة ثم عشرة فصارت تسعين، ثم أتمها مائة. أما لو سرنا على ما هو مكتوب لكان معناه أعطاه سبعين ثم زاده عشرة ثم زاده عشرة فكره- أى أذكره 3 7 100 فلا بد أن هناك جملة من ثم زاده عشرة فكره زائدة بسبب سبق النظر.
(2) هكذا فى: أ، ل والأنسب: وقد شق.
(3) فى أ: وأوكل، ل: وأكل.(2/177)
وَمِنْهُمُ يعني من المنافقين الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- منهم الجلاس بن سويد، وشماس بن قيس، والمخش بن حمير، وسماك بن يزيد، وعبيد بن الحارث، ورفاعة بن زيد، ورفاعة بن عبد المنذر، قالوا: ما لا ينبغي. فقال «1» رجل منهم: لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغ محمدا، فيقع بنا. فقال الجلاس: نقول ما شئنا فإنما محمد أذن «2» [156 أ] سامعة فنأتيه بما نقول فنزلت في الجلاس وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ يعني يصدق بالله، ويصدق المؤمنين وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ يقول محمد رحمة للمؤمنين كقوله: «رَؤُفٌ رَحِيمٌ» «3» يعنى للمصدقين بتوحيد الله رءوف رحيم وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ- 61- يعنى وجيع يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ بعد اليوم منهم عبد الله ابن أبي حلف «4» ألا نتخلف عنك ولنكونن معك على عدوك وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ فيها تقديم إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ- 62- يعني مصدقين بتوحيد الله- عز وجل- أَلَمْ يَعْلَمُوا يعني المنافقين أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يعني يعادي الله ورسوله فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها لا يموت ذلِكَ العذاب الْخِزْيُ الْعَظِيمُ- 63- قوله: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ نزلت فى الجلاس ابن سويد، وسماك بن عمر، ووداعة بن ثابت، والمخش بن حمير الأشجعى، وذلك أن المخش قال لهم: والله لا أدري إني أشر خليفة الله والله لوددت أني جلدت مائة جلدة
__________
(1) فى أ: قال.
(2) فى أ: فإنما محمد أذن، ل: فإنما محمدا أذن.
(3) سورة التوبة: 128. [.....]
(4) فى أ: بن خلف أن لا يتخلف.(2/178)
وأنه لا ينزل فينا ما يفضحنا فنزل «يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ» أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ يعنى براءة تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ من النفاق وكانت تسمى الفاضحة قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مبين ما تَحْذَرُونَ- 64- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ وذلك
حين انصرف النبي- صلى الله عليه وسلم- من غزاة تبوك إلى المدينة وبين يديه هؤلاء النفر الأربعة يسيرون ويقولون إن محمدا يقول أنه نزل في إخواننا الذين تخلفوا في المدينة كذا وكذا وهم يضحكون ويستهزءون. فأتاه جبريل فأخبره بقولهم، فبعث النبي- صلى الله عليه وسلم- عمار بن ياسر وأخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- عمارا أنهم يستهزءون ويضحكون من كتاب الله ورسوله- صلى الله عليه وسلم وإنك إذا سألتهم ليقولن لك إنما كنا «1» نخوض ونلعب فيما يخوض فيه الركب إذا ساروا قال: فأدركهم قبل أن يحترقوا فأدركهم فقال: ما تقولون؟ قالوا: فيما يخوض فيه الركب إذا ساروا. قال عمار: صدق الله ورسوله، وبلغ الرسول- عليه السلام- عليكم غضب الله هلكتم أهلككم الله. ثم انصرف إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فجاء القوم إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- يعتذرون إليه، فقال المخش: كنت أسايرهم والذي أنزل عليك الكتاب ما تكلمت بشيء مما قالوا.
فقال «2» النبي- صلى الله عليه وسلم- ولم ينههم عن شيء مما قالوا وقبل العذر، فأنزل الله- عز وجل- «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ»
يعني ونتلهى قُلْ يا محمد أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ- 65-[156 ب] إذا استهزءوا بمحمد- صلى الله عليه وسلم- وبالقرآن فقد
__________
(1) فى أ: كن.
(2) فى أ، ل: فقال.(2/179)
استهزءوا بالله لأنهما من الله- عز وجل- لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ يعنى المخش الذي لم يخض معهم نُعَذِّبْ طائِفَةً يعني الثلاثة الذين خاضوا واستهزءوا بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ- 66-
«فقال المخش للنبي- صلى الله عليه وسلم- وكيف لا أكون منافقا واسمي وأسمائي أخبث الأسماء، فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم- ما اسمك «1» » قال:
المخش بن حمير الأشجعي حليف الأنصار لبني سلمة بن جشم فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: أنت عبد الله بن عبد الرحمن فقتل يوم اليمامة، ثم أخبر عن المنافقين فقال: الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ
يعني أولياء بعض في النفاق يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ يعني بالتكذيب بمحمد- صلى الله عليه وسلم- وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ يعني الإيمان بمحمد- صلى الله عليه وسلم- وبما جاء به وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ يعني يمسكون عن النفقة في خير نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ يقول تركوا العمل بأمر الله فتركهم الله- عز وجل- من ذكره إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ- 67- وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ يعني مشركي العرب نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها لا يموتون هِيَ حَسْبُهُمْ يقول حسبهم بجهنم شدة العذاب وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ- 68- يعني دائم، هؤلاء المنافقون والكفار كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ يعني من الأمم الخالية كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً يعني بطشا وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ يعني بنصيبهم من الدنيا فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ يعني بنصيبكم من الدنيا كقوله:
«لا خَلاقَ لَهُمْ» «2» يعني لا نصيب لهم ثم قال: كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
__________
(1) ما بين الأقواس « ... » ساقط من أ، ومثبت من ل.
(2) سورة آل عمران: 77، وتمامها: «إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» .(2/180)
من الأمم الخالية بِخَلاقِهِمْ يعني بنصيبهم وَخُضْتُمْ أنتم في الباطل والتكذيب كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ يعني بطلت أعمالهم فلا ثواب لهم فِي الدُّنْيا وَولا في الْآخِرَةِ لأنها كانت في غير إيمان وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ- 69- ثم خوفهم فقال: أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ يعنى حديث الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني عذاب قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ يعني قوم شعيب وَالْمُؤْتَفِكاتِ يعني المكذبات يعني قوم لوط القرى الأربعة أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ تخبرهم أن العذاب نازل بهم في الدنيا فكذبوهم فأهلكوا «1» فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ يعني أن يعذبهم على غير ذنب وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ- 70- ثم ذكر المؤمنين وتقاهم، فقال:
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ يعنى المصدقين بتوحيد الله «الْمُؤْمِناتُ» يعني المصدقات بالتوحيد، يعني أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منهم علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- «2» بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ في الدين يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ يعني الإيمان بمحمد- صلى الله عليه وسلم- «وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» «3» وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ يعني ويتمون الصلوات «4» الخمس وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ يعني ويعطون الزكاة وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ [157 أ] فى ملكه حَكِيمٌ- 71- فى أمره قوله: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ «خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ»
__________
(1) فى أ، ل: يعنى بخبر العذاب فى الدنيا بأنه نازل بهم فكذبوهم فأهلكوا.
(2) فى ل: يعنى المصدقات، يعنى على بن أبى طالب، والمثبت من أ.
(3) ما بين القوسين « ... » ساقطة من: أ، ل.
(4) فى أ: الصلاة.(2/181)
«1» يعني قصور الياقوت والدر فتهب ريح طيبة من تحت العرش بكثبان المسك الأبيض- نظيرها فى «هل أتى» : «نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً» «2» عاليهم «3» كثبان المسك الأبيض، ثم قال: وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ يعني ورضوان الله عنهم أَكْبَرُ يعني أعظم مما أعطوا في الجنة من الخير ذلِكَ الثواب هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ- 72- وذلك أن الملك من الملائكة يأتي باب ولي الله فلا يدخل عليه إلا بإذنه والقصة فى «هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ» قوله:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ يعني كفار العرب بالسيف وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ على المنافقين باللسان ثم ذكر مستقرهم في الآخرة فقال:
وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ يعني مصيرهم جهنم يعني كلا الفريقين وَبِئْسَ الْمَصِيرُ- 73- يعني حين يصيرون إليها يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أقام في غزاة تبوك شهرين ينزل عليه القرآن، ويعيب المنافقين المتخلفين، جعلهم رجسا فسمع من غزا مع النبي- صلى الله عليه وسلم- من المنافقين، فغضبوا لإخوانهم المتخلفين فقال جلاس بن سويد بن الصامت «4» :
وقد سمع عامر بن قيس الأنصاري من بني عمرو بن عوف، الجلاس يقول:
والله لئن كان ما يقول محمد حقا لإخواننا الذين خلفناهم وهم سراتنا وأشرافنا لنحن أشر من الحمير. فقال عامر بن قيس للجلاس: أجل والله، إن محمدا لصادق
__________
(1) «خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ» : ساقطة من أ، ل.
(2) سورة الإنسان: 20.
(3) فى ل: عليهم، أ: عاليهم.
(4) ورد ذلك فى لباب النقول للسيوطي: 119، كما ورد فى أسباب النزول للواحدي: 144.(2/182)
مصدق، ولأنت أشر من الحمار. فلما قدم النبي- صلى الله عليه وسلم- المدينة أخبر عاصم بن عدي الأنصاري عن قول عامر بما قال الجلاس. فأرسل النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى عامر والجلاس، فذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- للجلاس ما قال، فحلف الجلاس بالله ما قال ذلك، فقال عامر: لقد قاله وأعظم منه فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: ما هو؟ قال: أرادوا قتلك فنفر الجلاس وأصحابه من ذلك، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-:
قوما فاحلفا فقاما عند المنبر فحلف الجلاس ما قال ذلك، وأن عامرا كذب ثم حلف عامر بالله إنه لصادق ولقد سمع قوله «1» . ثم رفع عامر يده فقال: اللهم أنزل على عبدك ونبيك تكذيب الكاذب وصدق الصادق فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: آمين، فأنزل في الجلاس «يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا»
وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ يعني بعد إقرارهم بالإيمان وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا من قتل النبي- صلى الله عليه وسلم- بالعقبة وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ فقال الجلاس:
فقد عرض الله على التوبة، أجل والله لقد قلته فصدق عامرا وتاب «2» الجلاس.
وحسنت توبته، ثم قال: «وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا» من قتل النبي- صلى الله عليه وسلم- يعني المنافقين أصحاب العقبة ليلة هموا بقتل النبي- صلى الله عليه وسلم- بالعقبة بغزوة تبوك منهم عبد الله بن أبى [157 ب] ، رأس «3» المنافقين، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وطعمة بن أبيرق، والجلاس بن سويد، ومجمع
__________
(1) أى: سمع قول الجلاس. [.....]
(2) فى أ: فتاب.
(3) فى أ: أشر، ل: رأس.(2/183)
ابن حارثة «1» ، وأبو عامر بن النعمان، وأبو الخواص، ومرارة بن ربيعة، وعامر ابن الطفيل، وعبد الله بن عتيبة، ومليح التميمي، وحصن بن نمير، ورجل آخر، هؤلاء اثنا عشر رجلا. وتاب أبو لبابة بن عبد المنذر، وهلال بن أمية، وكعب بن مالك الشاعر، وكانوا خمسة عشر رجلا.
«وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ» وَإِنْ يَتَوَلَّوْا عن التوبة يُعَذِّبْهُمُ «اللَّهُ» «2» عَذاباً أَلِيماً يعني شديدا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ يمنعهم وَلا نَصِيرٍ- 74- يعني مانع من العذاب وَمِنْهُمْ يعني من المنافقين مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ «3» ولنصلن رحمي وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ «4» - 75- يعني من المؤمنين بتوحيد الله لأن المنافقين لا يخلصون بتوحيد الله- عز وجل- فأتاه الله برزقه وذلك أن مولى لعمر بن الخطاب قتل رجلا من المنافقين خطأ وكان حميما لحاطب فدفع النبي- صلى الله عليه وسلم- دينه إلى ثعلبة بن حاطب «فبخل ومنع حق الله وكان المقتول قرابة «5» بن ثعلبة بن حاطب «6» » يقول الله:
فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ يعني أعطاهم من فضله «7» بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا «وَهُمْ «8» » مُعْرِضُونَ
__________
(1) فى أ: جارية، ل: حارثة.
(2، 3) ما بين القوسين « ... » ساقط من الأصل.
(4) فى أ: «لأصدقن» ولأصلن رحمي ولأكونن ... وفى حاشية أ: التلاوة «لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ» .
(5) فى أ: من.
(6) ما بين الأقواس « ... » ساقط من: ل، مثبت من: أ.
(7) فى أ: إلى قوله « ... يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ» فذكرت نص القرآن.
(8) ما بين القوسين « ... » ساقط من الأصل.(2/184)
- 76- فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ يعني إلى يوم القيامة بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ- 77- لقوله «لئن آتانا الله» يعني أعطاني الله، لأصدقن ولأفعلن، ثم لم يفعل»
. ثم ذكر أصحاب العقبة فقال: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ يعني الذي أجمعوا عليه من قتل النبي- صلى الله عليه وسلم- وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ- 78- ثم نعت المنافقين فقال: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أمر الناس بالصدقة وهو يريد غزاة تبوك وهي غزاة العسرة فجاء عبد الرحمن بن عوف الزهري بأربعة آلاف درهم كل درهم مثقال، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: أكثرت يا عبد الرحمن بن عوف، هل تركت لأهلك شيئا؟ قال: يا رسول الله مالي ثمانية آلاف أما أربعة آلاف فأقرضتها ربي، وأما أربعة آلاف «2» الأخرى فأمسكتها لنفسي، فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم-: بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت، فبارك الله في مال عبد الرحمن حتى أنه يوم مات بلغ ثمن ماله لامرأتيه ثمانين ومائة ألف، لكل امرأة تسعون ألفا،
وجاء أصم بن عدي الأنصاري من بني عمرو بن عوف بسبعين وسقا من تمر وهو حمل بعير فنثره في الصدقة واعتذر إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- من قلته وجاء أبو عقيل [158 أ] بن قيس الأنصاري من بني عمرو «3» بصاع فنثره في الصدقة، فقال: يا نبي الله، بت ليلتي أعمل
__________
(1) ورد ذلك فى لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي: 120- 121، كما ورد فى أسباب النزول للواحدي: 145- 146.
(2) فى أ: الألف.
(3) فى أ: عمر، ل: عمرو.(2/185)
في النخل أجر بالجرين على صاعين، فصاع أقرضته ربي، وصاع تركته لأهلي، فأحببت أن يكون لي نصيب في الصدقة، ونفر من المنافقين جلوس فمن جاء بشيء كثير، قالوا: مراء «1» . ومن جاء بقليل، قالوا: كان هذا أفقر إلى ماله. وقالوا لعبد الرحمن، وعاصم: ما أنفقتم إلا رياء وسمعة. وقالوا لأبي عقيل: لقد كان الله ورسوله غنيين عن صاع أبي عقيل. فسخروا وضحكوا منهم فأنزل الله- عز وجل- «الَّذِينَ يَلْمِزُونَ» يعني يطعنون، يعني معتب بن قيس، وحكيم بن زيد «2» «الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ» يعني عبد الرحمن بن عوف، وعاصم وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ يعني أبا عقيل فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ يعني من المؤمنين سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ يعني سخر الله من المنافقين في الآخرة وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ- 79- يعني وجيع نظيرها «إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ» «3» يعني سخر الله من المنافقين «4» ، اسْتَغْفِرْ لَهُمْ يعني المنافقين أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ- 80-
قال عمر بن الخطاب:
لا تستغفر لهم بعد ما نهاك الله عنه. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-:
يا عمر أفلا أستغفر لهم إحدى وسبعين مرة، فأنزل الله- عز وجل- سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ «5»
من شدة غضبه عليهم فصارت الآية التي
__________
(1) فى أ: مرأى.
(2) ورد ذلك فى أسباب النزول للواحدي: 146- 147 كما ورد فى لباب النقول للسيوطي: 121. [.....]
(3) سورة هود: 38.
(4) فى أ: كرر هذه الجملة مرتين ولعل أحدهما زائدة.
(5) سورة المنافقون: 6.(2/186)
في براءة «1» منسوخة نسختها التي في المنافقين: «أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ «2» » فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ عن غزاة تبوك خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وهم بضع وثمانون رجلا منهم من اعتل بالعسرة وبغير ذلك وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا «3» بعضهم لبعض لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ مع محمد- صلى الله عليه وسلم- إلى غزاة تبوك في سبعة نفر أبو لبابة وأصحابه، قالوا: بأن الحر شديد والسفر بعيد «4» قُلْ يا محمد نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ- 81- في قراءة ابن مسعود «لو كانوا يعلمون» فَلْيَضْحَكُوا في الدنيا قَلِيلًا يعني بالقليل الاستهزاء فإن ضحكهم ينقطع وَلْيَبْكُوا كَثِيراً في الآخرة في النار ندامةً والكثير الذي لا ينقطع جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ- 82- فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ من غزاة تبوك إلى المدينة إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً في غزاة وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ يعني من تخلف من المنافقين وهي طائفة «5» وليس كل من تخلف عن غزاة تبوك منافق فَاقْعُدُوا عن الغزو مَعَ الْخالِفِينَ- 83-[158 ب] منهم عبد الله بن أبي، وجد بن قيس، ومعتب بن قشير، وذلك أن عبد الله بن أبي رأس المنافقين توفي فجاء ابنه إلى
__________
(1) يشير إلى الآية: 80 من سورة التوبة.
(2) ليس هنا نسخ كما ترى فكلتا الآيتين تفيدان معنى واحدا هو عدم المغفرة للمنافقين، وإن تنوع الأسلوب.
(3) فى أ: وقال. وفى حاشية أ: التلاوة: وقالوا.
(4) ورد فى لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي: 121.
(5) الأنسب: وهم طائفة.(2/187)
النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: أنشدك بالله أن تشمت بي الأعداء «1» .
فطلب إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يصلي على أبيه فأراد النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يفعل فنزلت فيه وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ يعني من المنافقين ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ يعنى بتوحيد الله وَكفروا ب رَسُولِهِ بأنه ليس برسول وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ- 84- فانصرف النبي- صلى الله عليه وسلم- فلم يصل عليه «2» وأمر أصحابه فصلوا عليه وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا «3» » وَتَزْهَقَ يقول وتذهب أَنْفُسُهُمْ كفارا يعني يموتون على الكفر فذلك قوله: وَهُمْ كافِرُونَ- 85- وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ يعنى براءة فيها أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ يعني أن صدقوا بالله وبتوحيده وَجاهِدُوا العدو مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ يا محمد أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ يعني أهل السعة من المال منهم يعني من المنافقين وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ- 86- يعني مع المتخلفين عن الغزو منهم جد بن قيس، ومعتب بن قشير، يقول الله: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ يعني مع النساء وَطُبِعَ يعني وختم عَلى قُلُوبِهِمْ بالكفر فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ- 87- التوحيد ثم نعت المؤمنين فقال:
لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا العدو بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
__________
(1) هكذا فى: أ، ل. والأنسب: ألا تشمت بى الأعداء.
(2) ورد ذلك فى لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي: 122 كما ورد فى أسباب النزول للواحدي: 147.
(3) فى أ: «وأولادهم فى الدنيا إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا» فِي الآخرة فيها تقديم، وقد صوبت الآية كما وردت.(2/188)
في سبيل الله يعني في طاعة الله وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ- 88- أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ في الآخرة جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها لا يموتون ذلِكَ الثواب الذي ذكر هو الْفَوْزُ الْعَظِيمُ- 89- وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- لِيُؤْذَنَ لَهُمْ «القعود» «1» وهم خمسون رجلا منهم أبو الخواص الأعرابي وَقَعَدَ عن الغزو الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ يعنى بتوحيد الله وَكذبوا ب رَسُولَهُ أنه ليس برسول سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ يعني المنافقين عَذابٌ أَلِيمٌ- 90- يعني وجيع، ثم رخص فقال: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ يعني الزمنى والشيخ الكبير وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ في القعود إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ لتخلفهم عن الغزو رَحِيمٌ- 91- بهم يعني جهينة، ومزينة، وبني عذرة وَلا حرج عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لهم، يا محمد:
لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا يعني انصرفوا عنك وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ- 92- فى غزاتهم نزلت فى سبع نفر منهم عمرو بن عبسة «2» من بني عمرو بن يزيد بن عوف، وعلقمة بن يزيد «3» ، والحارث «4» من بنى وافد «5» ، وعمرو «6» بن حزام من بني سلمة، وسالم بن عمير من عمرو بن عوف، [159 أ]
__________
(1) بياض فى أ، وفى ل: القعود.
(2) فى أ: غنمة، ل: عبسة.
(3) فى أ: يزيد، ل: زيد. [.....]
(4) فى أ: والحرث، ل: والحارث.
(5) فى أ: واقف، ل: وافد.
(6) فى أ: وعمر، ل: وعمرو.(2/189)
وعبد الرحمن بن كعب من بني النجار «1» ، هؤلاء الستة «2» من الأنصار وعبد الله بن معقل «3» المزني ويكنى أبا ليلى «4» عبد الله. وذلك
أنهم أتوا النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: احملنا فإنا لا نجد ما نخرج عليه. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ «تَوَلَّوْا» انصرفوا من عنده وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون، ثم عاب أهل السعة فقال: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ
يعني مع النساء بالمدينة وهم المنافقون وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ يعني وختم على قلوبهم بالكفر يعني المنافقين فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ- 93- ثم أخبر عنهم فقال:
يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ من غزاتكم يعني عبد الله بن أبي قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ يعني لن نصدقكم بما تعتذرون قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ يقول قد أخبرنا الله عنكم وعن ما قلتم حين قال لنا: «لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا» يعني إلا عيا «وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ» «5» فهذا الذي نبأنا الله من أخباركم، ثم قال: وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ فيما تستأذنون ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ يعني شهادة كل نجوى فَيُنَبِّئُكُمْ في الآخرة بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 94- في الدنيا سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ يعنى إذا رجعتم إِلَيْهِمْ إلى المدينة
__________
(1) فى أ: الحارث، ل: النجار.
(2) فى أ: سبعة، والمذكور سنة فقط غير أنه فى ل ذكر مع الستة كلمة، والحارثة، بدون إعجام.
(3) فى أ: مفضل، ل: معقل.
(4) فى أ: أبا الليل، ل: أبا ليلى.
(5) سورة التوبة: 47.(2/190)
لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ في التخلف فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ- 95- فحلف منهم بضع وثمانون رجلا منهم جد بن قيس، ومعتب بن قشير، وأبو لبابة، وأصحابه يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ وذلك أن عبد الله بن أبي حلف للنبي- صلى الله عليه وسلم- بالله الذي لا إله إلا هو: لا نتخلف عنك ولنكونن معك على عدوك وطلب إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- «بأن يرضى عنه «1» » وأصحابه يقول الله: فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ يعني عن المنافقين المتخلفين «2» فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ- 96- يعنى العاصين،
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم- حين قدموا المدينة: لا تجالسوهم ولا تكلموهم. ثم قال: الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ
يعني سنن ما أنزل الله على رسوله في كتابه يقول: هم أقل فهما بالسنن «3» من غيرهم وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ- 97- وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ في سبيل الله مَغْرَماً لا يحتسبها: كأن «4» نفقته غرم يغرمها وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ يعني يتربص بمحمد الموت يقول يموت فنستريح منه ولا نعطيه أموالنا، ثم قال: عَلَيْهِمْ بمقالتهم دائِرَةُ السَّوْءِ نزلت في أعراب مزينة وَاللَّهُ سَمِيعٌ لمقالتهم عَلِيمٌ- 98- بها وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ [159 ب] وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يعني يصدق بالله أنه واحد لا شريك له واليوم الآخر يعني يصدق بالتوحيد وبالبعث
__________
(1) ما بين القوسين « ... » ساقطة من: أومثبتة فى: ل.
(2) فى أ: المخلفين، ل: المتخلفين.
(3) هكذا فى: أ، ل: والأنسب: السنن.
(4) فى ل: لكأن، أ: كأن.(2/191)
الذي فيه جزاء الأعمال وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ في سبيل الله قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ يعني واستغفار النبي- صلى الله عليه وسلم-، ويتخذ النفقة والاستغفار قربات يعني زلفى «1» عند الله فيها تقديم يقول أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ عند الله، ثم أخبر بثوابهم فقال: سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ يعني جنته إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لذنوبهم رَحِيمٌ- 99- بهم. نزلت في مقرن المزني»
، ثم قال:
وَالسَّابِقُونَ إلى الإسلام الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الذين صلوا إلى القبلتين علي بن أبي طالب- عليه السلام- وعشر نفر من أهل بدر وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ على دينهم الإسلام بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بالطاعة وَرَضُوا عَنْهُ بالثواب وَأَعَدَّ لَهُمْ في الآخرة جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتَهَا الْأَنْهارُ يعني بساتين تجري تحتها الأنهار خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يموتون ذلِكَ الثواب الْفَوْزُ الْعَظِيمُ- 100- وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ يعنى جهينة، مزينة، وأسلم، وغفار، وأشجع، كانت منازلهم حول المدينة وهم منافقون، ثم قال: وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ منافقون مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ يعني حذقوا منهم عبد الله بن أبي، وجد بن قيس، والجلاس، ومعتب بن قشير «3» ، ووحوج بن الأسلت، وأبو عامر بن النعمان الراهب- الذي سماه النبي- صلى الله عليه وسلم- الفاسق «4» وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة- لا تَعْلَمُهُمْ يا محمد نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ يقول
__________
(1) فى أ: زلفة.
(2) ورد ذلك أيضا فى لباب النقول للسيوطي: 123. [.....]
(3) فى أ: قيس، ل: قشير.
(4) فى أ: الراهب، ل: الفاسق.(2/192)
للنبي- صلى الله عليه وسلم- لا تعرف نفاقهم نحن نعرف نفاقهم سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ عند الموت تضرب الملائكة الوجوه والأدبار وفي القبر منكر ونكير ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ- 101- يعني عذاب جهنم وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً يعني غزاة قبل غزاة تبوك مع النبي- صلى الله عليه وسلم- وَآخَرَ سَيِّئاً تخلفهم عن غزاة تبوك نزلت في أبي لبابة: اسمه مروان بن عبد المنذر، وأوس بن حزام «1» ، ووديعة بن ثعلبة، كلهم من الأنصار وذلك حين بلغهم أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قد أقبل راجعا من غزاة تبوك وبلغهم ما أنزل الله- عز وجل- في المتخلفين أوثقوا أنفسهم هؤلاء الثلاثة إلى سواري المسجد «2»
وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا قدم من غزاة صلى في المسجد ركعتين قبل أن يدخل إلى أهله وإذا خرج إلى غزاة صلى ركعتين فلما رآهم موثقين سأل عنهم قيل هذا أبو لبابة وأصحابه ندموا على التخلف وأقسموا ألا يحلوا «3» أنفسهم حتى يحلهم النبي- صلى الله عليه وسلم-، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: وأنا أحلف لا أطلق «4» عنهم حتى أومر ولا أعذرهم حتى يعذرهم الله- عز وجل- فأنزل الله فى أبى لبابة [160 أ] وأصحابه وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً
يعني غزوتهم قبل ذلك وَآخَرَ سَيِّئاً يعني تخلفهم بغير إذن عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
__________
(1) فى أ: حزام، ل: حزام.
(2) ورد ذلك فى لباب النقول للسيوطي: 123، كما ورد فى أسباب النزول للواحدي: 148- 149.
(3) فى أ: أن لا يحلوا.
(4) فى أ: لأطلق.
تفسير مقاتل- 13(2/193)
لتخلفهم رَحِيمٌ- 102- بهم. قال مُقَاتِل: العسى من الله واجب فلما نزلت هذه الآية حلهم النبي- عليه السلام- فرجعوا إلى منازلهم ثم جاءوا بأموالهم إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: هذه أموالنا التي تخلفنا من أجلها عنك فتصدق بها فكره النبي- صلى الله عليه وسلم- «أن «1» يأخذها» فأنزل الله خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ من تخلقهم وَتُزَكِّيهِمْ يعنى وتصلحهم بِها وَصَلِّ «2» عَلَيْهِمْ يعني واستغفر لهم إِنَّ صَلاتَكَ «3» سَكَنٌ لَهُمْ يعني إن استغفارك لهم، سكن لقلوبهم وطمأنينة لهم وَاللَّهُ سَمِيعٌ لقولهم خذ أموالنا فتصدق بها عَلِيمٌ- 103- بما قالوا «4» .
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ يعني ويقبل الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ- 104- فأخذ النبي- صلى الله عليه وسلم- من أموالهم التي جاءوا بها للثلث، وترك الثلثين لأن الله- عز وجل- قال: خذ من أموالهم، ولم يقل خذ أموالهم. فلذلك لم يأخذها كلها، فتصدق بها عنهم وَقُلِ لهم يا محمد اعْمَلُوا فيما تستأنفون فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ «5» وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
__________
(1) أن يأخذها من: ل وليست فى: أ.
(2) فى أ: «تطهرهم بها وتزكيهم،» والآية تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها.
(3) فى أ: صلواتك وهي كذلك فى المصحف وتنطق صلاتك.
(4) وردت قصة الآيتين السابقين: 102، 103 فى كتاب لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطي: 123، 124، وفى كتاب أسباب النزول للواحدي: 149.
(5) فى أ: إلى قوله: «تعملون» .(2/194)
- 105- وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ يعني التوبة عن أمر الله نظيرها «أَرْجِهْ وَأَخاهُ» «1» يعني أوقفه «2» وأخاه حتى ننظر في أمرهما، «وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ» يعني موقوفون للتوبة عن أمر الله مرارة بن ربيعة من بني زيد، وهلال بن أمية من الأنصار من أهل قباء من بني واقب، «3» وكعب بن مالك الشاعر من بني سلمة كلهم من الأنصار من أهل قباء، لم يفعلوا كفعل أبي لبابة لم يذكروا بالتوبة ولا بالعقوبة فذلك قوله: إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ فيتجاوز عنهم وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ- 106- في قراءة ابن مسعود «والله غفور رحيم» ثم قال: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً يعني مسجد المنافقين وَكُفْراً في قلوبهم يعني النفاق وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ نزلت في اثني عشر رجلا من المنافقين وهم من الأنصار كلهم من بني عمرو «4» بن عوف منهم: حرح «5» بن خشف، وحارثة بن عمرو «6» ، وابنه زيد بن حارثة، ونفيل بن الحرث «7» ، ووديعة بن ثابت، وحزام «8» بن خالد «9» ، ومجمع بن حارثة، قالوا: نبني مسجدا نتحدث فيه وتخلوا فيه فإذا رجع أبو عامر الراهب «10»
__________
(1) سورة الأعراف: 111، سورة الشعراء: 36.
(2) فى أ: قفه، ل: أوقفه.
(3) فى أ: واقف وفى ل: من بنى واقد ثم أصلحها فصارت واقب. [.....]
(4) فى أ: عمر، ل: عمرو.
(5) هكذا فى: أ، ل: بدون إعجام.
(6) فى أ: عمر، ل: عمرو.
(7) هكذا: الحرث فى: أ، ل.
(8) فى أ: حزام، ل: حرام.
(9) فى ل: خلد.
(10) فى ل: الزاهد، وليست فى: أ، وفى السيوطي: الراهب.(2/195)
اليهودي من الشام أبو حنظلة- غسيل الملائكة، قلنا له: بنيناه لتكون إمامنا فيه فذلك قوله: وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ يعني أبا عامر الذي كان يسمى الراهب لأنه كان يتعبد ويلتمس العلم فمات كافرا بقنسرين لدعوة النبي- صلى الله عليه وسلم-،
وأنهم أتوا النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يبعد علينا المشي [160 ب] إلى الصلاة «فأذن لنا في بناء مسجد فأذن لهم «1» ففرغوا» منه يوم الجمعة فقالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: من يؤمهم؟
قال رجل منهم. فأمر مجمع بن حارثة أن يؤمهم فنزلت هذه الآية
وحلف مجمع ما أردنا ببناء المسجد إلا الخير فأنزل الله- عز وجل- في مجمع وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ- 107- فيما يحلفون لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً يعني في مسجد المنافقين، إلى الصلاة أبدا فكان النبي- صلى الله عليه وسلم- لا يصلي فيه ولا يمر عليه ويأخذ غير ذلك الطريق وكان قبل ذلك يصلي فيه ثم قال: لَمَسْجِدٌ يعني مسجد قباء وهو أول مسجد بني بالمدينة أُسِّسَ يعني بني عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ يعني أول مرة أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ إلى الصلاة لأنه كان بني من قبل مسجد المنافقين، ثم قال: فِيهِ رِجالٌ يعني فى مسجد قباء يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا من الأحداث والجنابة وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ- 108- نزلت في الأنصار
فلما نزلت هذه الآية انطلق النبي- صلى الله عليه وسلم- حتى قام على باب مسجد قباء وفيه المهاجرون والأنصار. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لأهل المسجد:
أمؤمنون أنتم؟ فسكتوا فلم يجيبوه. ثم قال ثانية: أمؤمنون أنتم؟ قال عمر
__________
(1) فى أ: «إلى الصلاة فأذن لنا فأذن لهم فى بناء المسجد» ، ل: «إلى الصلاة فأذن لنا في بناء مسجد، ففرغوا ... » .(2/196)
ابن الخطاب: نعم. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: أتؤمنون بالقضاء؟
قال عمر: نعم. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: أتصبرون على البلاء؟
قال عمر: نعم. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: أتشكرون على الرخاء؟
فقال عمر: نعم. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: أنتم مؤمنون ورب الكعبة. وقال النبي- صلى الله عليه وسلم- للأنصار: إن الله- عز وجل- قد أثنى عليكم في أمر الطهور. فماذا تصنعون؟ قالوا: نمر الماء على أثر البول والغائط فقرأ النبي- صلى الله عليه وسلم- هذه الآية: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ
ثم إن مجمع بن حارثة «1» حسن إسلامه فبعثه عمر بن الخطاب إلى الكوفة يعلمهم القرآن وهو علم عبد الله بن مسعود لقنه «2» القرآن أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ يعني مسجد قباء عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ يقول مما يراد فيه من الخير ورضى الرب خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ أصل بنيانه عَلى شَفا جُرُفٍ يعني على حرف ليس له أصل هارٍ يعني وقع فَانْهارَ بِهِ
فجر به القواعد فِي نارِ جَهَنَّمَ يقول صار البناء إلى نار جهنم وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ- 109- فلما فرغ القوم من بناء المسجد استأذنوا النبي- صلى الله عليه وسلم- في القيام في ذلك المسجد، وجاء أهل مسجد قباء. فقالوا: يا رسول الله، إنا نحب أن تأتى مسجدنا فتصلي فيه حتى نقتدي بصلاتك فمشى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في نفر من أصحابه وهو يريد مسجد قباء فبلغ ذلك المنافقون فخرجوا يتلقونه فلما بلغ المنتصف «3»
__________
(1) فى أ: جارية.
(2) فى ل: وهو علم ابن مسعود.
(3) فى أ، ل: المنصف.(2/197)
نزل جبريل بهذه الآية أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ [161 أ] يعني أهل مسجد قباء أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ فلما قالها جرف نظر النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد «حتى تهور «1» » في السابعة فكاد يغشى على النبي- صلى الله عليه وسلم- وأسرع الرجوع إلى موضعه وجاء المنافقون يعتذرون بعد ذلك فقبل علانيتهم ووكل سر أثرهم إلى الله- عز وجل- فقال الله: لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ يعني حسرة وحزازة في قلوبهم لأنهم ندموا على بنائه إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ يعني حتى الممات وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ- 110- فبعث النبي- صلى الله عليه وسلم- عمار بن ياسر، ووحشي مولى المطعم بن عدى فخرفاه فخسف به في نار جهنم وأمر أن يتخذ كناسة ويلقي فيه الجيف، وكان مسجد قباء في بني سالم، وبني بعد هجرة النبي- صلى الله عليه وسلم- بأيام، ثم رغب الله في الجهاد فقال: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ يعني بقية آجالهم وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ العدو وَيُقْتَلُونَ ثم يقتلهم العدو وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا حتى ينجز لهم ما وعدهم يعني ما ذكر من وعدهم في هذه الآية وذلك أن الله عهد إلى عباده أن من قتل في سبيل الله فله الجنة ثم قال: فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فليس أحدا أوفى منه عهدا، ثم قال: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ الرب بإقراركم وَذلِكَ الثواب هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ- 111- يعني النجاء العظيم يعني الجنة، ثم نعت أعمالهم فقال: التَّائِبُونَ من الذنوب
__________
(1) فى ل، حتى يلوى.(2/198)
الْعابِدُونَ يعني الموحدين الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ يعني الصائمين الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ في الصلاة المكتوبة الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ يعني بالإيمان بتوحيد الله وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ يعنى عن الشرك وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ يعني ما ذكر في هذه الآية لأهل الجهاد وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ- 112- يعني الصادقين بهذا الشرط بالجنة مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ إلى آخر الآية، وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- سأل بعد ما افتتح مكة: أي أبويه أحدث به عهدا؟ قيل له: أمك آمنة بنت وهب بن عبد مناف. قال: حتى أستغفر لها فقد استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك. فهم النبي- صلى الله عليه وسلم- بذلك فأنزل الله- عز وجل-:
«ما كانَ لِلنَّبِيِّ»
يعني ما ينبغي للنبي «وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ» وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما كانوا «1» كافرين ف تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ- 113- حين ماتوا على الكفر نزلت في محمد- صلى الله عليه وسلم-، وعلي بن أبي طالب- عليه السلام «2» - فقد استغفر إبراهيم لأبيه وكان كافرا فبين الله كيف كانت هذه الآية فقال: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ وذلك أنه كان [161 ب] وعد أباه أن يستغفر له فلذلك استغفر له فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ لإبراهيم أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ حين مات كافرا لم يستغفر له وتَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ يعنى لموقن بلغة الحبشة
__________
(1) فى أ: ما كانوا.
(2) وردت عدة روايات فى أسباب نزول هذه الآية فى كتاب لباب النقول للسيوطي: 127.
وفى أسباب النزول الواحدي: 150.
ومن بين الروايات ما ذكره مقاتل. [.....](2/199)
حَلِيمٌ- 114- يعني تقي زكي وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ وذلك أن الله أنزل فرائض فعمل بها المؤمنون ثم نزل بعدُ ما نسخ به الأمر الأول فحولهم إليه، وقد غاب أناس لم يبلغهم ذلك فيعملوا بالناسخ بعد النسخ وذكروا ذلك للنبي- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا نبي الله، كنا عندك والخمر حلال والقبلة إلى بيت المقدس ثم غبنا عنك فحولت القبلة ولم نشعر بها فصلينا إليها بعد التحويل والتحريم. وقالوا «1» : ما ترى يا رسول الله. فأنزل الله- عز وجل- «وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ»
المعاصي. يقول ما كان الله ليترك قوما حتى يبين لهم ما يتقون حين رجعوا من الغيبة وما يتقون من المعاصي إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ- 115- من أمرهم بنسخ ما يشاء من القرآن فيجعله منسوخا ويقر ما يشاء فلا ينسخه.
إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ الأحياء وَما لَكُمْ معشر الكفار مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ يعني من قريب بنفسكم وَلا نَصِيرٍ- 116- يعني ولا مانع لقول الكفار إن القرآن ليس من عند الله إنما يقوله محمد من تلقاء نفسه نظيرها في البقرة «مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ... » إلى آخر الآية-: «أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ «2» » لَقَدْ تابَ اللَّهُ يعني تجاوز الله عنهم عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ثم نعتهم فقال: الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ يعنى غزاة تبوك وأصاب
__________
(1) فى أ: فقالوا.
(2) سورة البقرة: 106.(2/200)
المسلمين جهد وجوع شديد فكان الرجلان والثلاثة يعتقبون بعيرا سوى ما عليه «1» من الزاد، وتكون التمرة بين الرجلين والثلاثة يعمد أحدهم إلى التمرة فيلوكها ثم يعطيها الآخر فيلوكها ثم يراها آخر فيناشده أن يجهدها ثم يعطيها إياه مِنْ بَعْدِ مَا كادَ يَزِيغُ «2» يعنى تميل قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ يعني طائفة منهم إلى المعصية ألا ينفروا مع النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى غزاة تبوك فهذا التجاوز الذي قال الله: «لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ «3» وَالْأَنْصارِ» ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ يعنى تجاوز عنهم إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ- 117- يعني يرق لهم حين تاب عليهم، يعني أبا لبابة وأصحابه ثم ذكر الذين خلفوا عن التوبة. فقال «4» : وَتاب الله عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا عن التوبة بعد أبي لبابة وأصحابه وهم ثلاثة «5» مرارة بن ربيعة، وهلال بن أمية، وكعب بن مالك، ولم يذكر توبتهم ولا عقوبتهم وذلك أنهم «6» لم يفعلوا كفعل أبي لبابة وأصحابه فلم ينزل فيهم شيء شهرا فكان الناس لا يكلمونهم، ولا يخالطونهم [162 أ] ، ولا يبايعونهم، ولا يشترون منهم، ولا يكلمهم أهلهم، فضاقت عليهم الأرض فأنزل الله- عز وجل- فيهم بعد شهور أو شهر وَتاب أيضا «عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا»
__________
(1) فى ل: ما أسوأ عليه، أ: سواء ما عليه.
(2) فى أ: تزيغ، وقد قرأ حمزة وحفص يزيغ بالياء لأن تأنيث القلوب غير حقيقى، وانظر:
تفسير البيضاوي.
(3) فى أ: على المؤمنين والأنصار. والمثبت من: ل.
(4) فى أ: ثم قال، ل: فقال.
(5) فى أ: بثلاثة وهو، ل: وهو.
(6) الأنسب: وذلك لأنهم.(2/201)
عن التوبة يعني بعد أبي لبابة، وهم «1» مرارة بن ربيعة، وهلال بن أمية، وكعب بن مالك حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ يقول ضاقت الأرض بسعتها لأنه لم يخالطهم أحد وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ يعني وأيقنوا ألا حرز من الله إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا يعني تجاوز عنهم لكي يتوبوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ على من تاب الرَّحِيمُ- 118- بهم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بتوحيد الله- عز وجل- اتَّقُوا اللَّهَ ولا تعصوه في الهجرة وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ- 119- في إيمانهم وقد «2» أخبر عن الصادقين فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ «3» .
ثم ذكر المؤمنين الذين لم يتخلفوا عن غزاة تبوك فقال: مَا كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عن غزاة تبوك وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ يعني عطشا «4» وَلا نَصَبٌ يعني ولا مشقة في أجسادهم وَلا مَخْمَصَةٌ يعني الجوع والشدة فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً من سهل ولا جبل
__________
(1) فى أ: وهو.
(2) فى أ: ثم أخبر عن الصادقين فقال: «أنما المؤمنين ... » ومقتضى كلامه أن هذه الآية من سورة التوبة وترتيبها: 120 التوبة ولكن الواقع أن هذه الآية: 15 من الحجرات.
لهذا بدلت ثم أخبرت بقولي، وقد أخبر،
(3) سورة الحجرات: 15.
(4) هكذا فى أ، ل: عطشا، على تضمن يعنى معنى يقصد، وتكون عطشا مفعول.(2/202)
يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ «1» من عدوهم نَيْلًا من قتل فيهم أو غارة عليهم إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ- 120- يعني جزاء «المحسنين «2» » ولكن يجزيهم بإحسانهم وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً فى سبيل الله صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً يعني قليلا ولا كثيرا وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً من الأودية مقبلين ومدبرين إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما يعني الذي كانُوا يَعْمَلُونَ- 121- وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً وذلك أن الله عاب في القرآن من تخلف عن غزاة تبوك فقالوا: لا يرانا الله أن نتخلف عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غزاته، ولا في بعث «3» سرية، فكان النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا بعث سرية رغبوا فيها رغبة في الأجر فأنزل الله- عز وجل- وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ يعنى ما ينبغي لهم لِيَنْفِرُوا إلى عدوهم كَافَّةً يعني جميعا فَلَوْلا نَفَرَ يعني فهلا نفر مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ يعني من كل عصبة منهم طائِفَةٌ وتقيم طائفة مع النبي- صلى الله عليه وسلم- فيتعلمون ما يحدث الله- عز وجل- على نبيه- صلى الله عليه وسلم- من أمر، أو نهي، أو سنة، فإذا رجع هؤلاء الغيب تعلموا من إخوانهم المقيمين فذلك قوله: لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ يعنى المقيمين وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ يعنى وليحذروا [162 ب] إخوانهم إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ من غزاتهم لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ- 122- يعني لكي يحذروا المعاصي التي عملوا بها قبل النهى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بالله- عز وجل- قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ
__________
(1) فى أ: من عدوهم.
(2) من ل، وليست فى أ. [.....]
(3) فى أ: «وفى بعث» ، ل: «ولا فى بعث» .(2/203)
يعنى الأقرب فالأقرب وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً يعني شدة عليهم بالقول وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ- 123- في النصر لهم على عدوهم وَإِذا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ على النبي- صلى الله عليه وسلم- فَمِنْهُمْ من المنافقين مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ السورة إِيماناً يعنى تصديقا، مع تصديقهم بما أنزل الله- عز وجل- من القرآن من قبل هذه السورة فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ- 124- بنزولها وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني الشك في القرآن وهم المنافقون فَزادَتْهُمْ السورة رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ يعني إثما إلى إثمهم يعني نفاقا مع نفاقهم الذي هم عليه قبل ذلك وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ- 125- ثم أخبر عن المنافقين فقال: أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وذلك أنهم كانوا إذا خلوا تكلموا فيما لا يحل لهم وإذا أتوا النبي- صلى الله عليه وسلم- أخبرهم بما تكلموا به في الخلاء فيعلمون أنه نبي رسول ثم يأتيهم الشيطان فيحدثهم أن محمدا إنما أخبركم بما قلتم لأنه بلغه عنكم فيشكون فيه فذلك قوله:
يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فيعرفون أنه نبي، وينكرون أخرى يقول الله: ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ- 126- فيما أخبرهم النبي- صلى الله عليه وسلم- بما تكلموا به فيعرفوا ولا يعتبروا.
وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ المنافقون بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ يسخرون بينهم «1» يعني يتغامزون فقالوا: هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ يعني أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ انْصَرَفُوا عن الإيمان بالسورة، يقول: أعرضوا عن الإيمان بها صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ عن الإيمان بالقرآن بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ
__________
(1) فى أ: منهم، وفى ل: بينهم.(2/204)
- 127- لَقَدْ جاءَكُمْ يا أهل مكة رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ تعرفونه ولا تنكرونه عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ يقول يعز «1» عليه ما أثمتم «في دينكم «2» » حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بالرشد والهدى بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ- 128- يعني يرق لهم رحيم بهم يعني حين يودهم: كقوله «3» الرأفة يعني الرقة والرحمة يعني مودة بعضكم لبعض، كقوله رُحَماءُ بَيْنَهُمْ «4» يعنى متوادين.
فَإِنْ تَوَلَّوْا عنك يعني فإن لم يتبعوك على الإيمان يا محمد فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ يعني به واثق وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ- 129- يعنى بالعظيم العرش نزلت هاتان الآيتان بمكة، وسائرها بالمدينة.
__________
(1) فى أ: يعنى، ل: يعز.
(2) من: ل وليست فى: أ.
(3) هكذا فى: أ، ل، والأنسب: حذف كقوله، حتى لا يظن أن ما بعدها كلام الله.
(4) سورة الفتح: 29.(2/205)
سورة يونس(2/207)
(10) سورة يونس مكّيّة وآياتها تسع ومائة
[سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 109]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (1) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَساحِرٌ مُبِينٌ (2) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (4)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6) إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (7) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (8) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)
دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10) وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (12) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19)
وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)
وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (27) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (29)
هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ (30) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (31) فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (33) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34)
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (36) وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)
وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (43) إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (45) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى مَا يَفْعَلُونَ (46) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (47) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ مَا شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (49)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52) وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (54)
أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (55) هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59)
وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (60) وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (61) أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)
وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (66) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67) قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (69)
مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74)
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (78) وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (79)
فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83) وَقالَ مُوسى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84)
فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (88) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (89)
وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (92) وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (94)
وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (97) فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (98) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)
وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (100) قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (101) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104)
وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (109)(2/209)
سورة يونس «1»
__________
(1) مقصود سورة يونس إثبات النبوة، وبيان فساد اعتقاد الكفار فى حق النبي- صلى الله عليه وسلم- والقرآن، وذكر جزائهم على ذلك فى الدار الآخرة، وتقدير منازل الشمس والقمر لمصالح الخلق وذم القانعين بالدنيا الفانية عن النعيم الباقي، ومدح أهل الإيمان فى طلب الجنان، واستعجال الكفار بالعذاب، وامتحان الحق- تعالى- خلقه باستخلافهم فى الأرض وذكر عدم تعقل الكفار كلام الله، ونسبته إلى الافتراء والاختلاف والإشارة إلى بطلان الأصنام وعبادها، وبيان المنة على العباد بالنجاة من الهلاك فى البر والبحر وتمثيل الدنيا بنزول المطر، وظهور ألوان النبات والأزهار ودعوة الخلق إلى دار السلام، وبيان ذل الكفار فى القيامة ومشاهدة الخلق فى العقبى ما قدموه من طاعة ومعصية وبيان أن الحق واحد، وما سواه باطل وإثبات البعث والقيامة بالبرهان والحجة الواضحة، وبيان فائدة نزول القرآن والأمر بإظهار السرور والفرح بالصلاة والقرآن، وتمييز أهل الولاية من أهل الجناية، وتسلية النبي- صلى الله عليه وسلم- بذكر شيء من قصة موسى، وواقعة بنى إسرائيل مع قوم فرعون، وذكر طمس أموال القبطيين، ونجاة الإسرائيليين من البحر، وهلاك أعدائهم من الفرعونيين، ونجاة قوم يونس بإخلاص الإيمان فى وقت اليأس، وتأكيد نبوة النبي- صلى الله عليه وسلم- وأمره بالصبر على جفاء المشركين وأذاهم فى قوله: حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ.... وكل آية على الميم قبل الميم ياء. ومجموع فواصلها (مين) .
وسميت سورة يونس لما فى آخرها من ذكر كشف العذاب عن قوم يونس ببركة الإيمان عند اليأس فى قوله فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ الآية 98 يونس.(2/223)
سورة يونس كلها مكية غير آيتين وهما «1» قوله- تعالى-: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ ... إلى قوله: ... فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ «2» ، فإنهما مدنيتان «3» ، وجملتها مائة وتسع آيات في عدد الكوفي «4» .
__________
(1) فى أ: وهي، ل: وهو.
(2) يشير إلى الآيتين 94، 95 من سورة يونس وتمامهما:
فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ، لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ- 94-، وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ- 95-.
(3) وفى المصحف: سورة يونس مكية إلا الآيات 40، 94، 95، 96 فمدنية. وآياتها 109 ونزلت بعد الإسراء.
(4) فى أ: وجملتها مائة وسبع آيات، وهو تصحيف وفى ل: مائة وتسع آيات، وهو موافق للمنقول.
وفى كتاب بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي: 238، سورة يونس مكية بالاتفاق عدد آياتها مائة وعشر آيات عند الشاميين، وتسع عند الباقين.
وعدد كلماتها (1499) كلمة.(2/224)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ- 1- يعني المحكم يقال الألف واللام والراء، فهن آيات الكتاب يعني علامات الكتاب يعني القرآن الحكيم يعني المحكم من الباطل، ولا كذب فيه، ولا اختلاف. أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً يعني بالناس كفار أهل مكة عجبا أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ يعني بالرجل محمدا- صلى الله عليه وسلم- يعرفونه ولا ينكرونه أَنْ أَنْذِرِ يعني حذر النَّاسَ عقوبة الله- عز وجل- ونقمته إذا عصوه وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بمحمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- وبما في القرآن من الثواب أَنَّ لَهُمْ بأعمالهم «1» التي قدموها بين أيديهم قَدَمَ صِدْقٍ يعني سلف خير عِنْدَ رَبِّهِمْ يعني ثواب صدق يقدمون عليه وهو الجنة قالَ الْكافِرُونَ من أهل مكة يعني أبا جهل بن هشام، والوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل السهمي، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأهل مكة قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ يعني محمدا- صلى الله عليه وسلم- مُبِينٌ- 2- يعني بينٌ قوله:
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ يوم الأحد، ويوم الإثنين وَخلق الْأَرْضَ يوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، وما بينهما يوم الخميس، ويوم الجمعة فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ فيها تقديم ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ
__________
(1) فى أ: بأن أعمالهم.(2/225)
«1» ثم خلق السموات والأرض. يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يقضي القضاء وحده لا يدبره غيره مَا مِنْ شَفِيعٍ من الملائكة لبني آدم إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ يعني لا يشفع أحد إلا بإذنه (ولا يشفعون إلا لأهل التوحيد فذلك قوله:
«إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى ... «2» » ) فرضي الله للملائكة أن يشفعوا للموحدين ثم قال: ذلِكُمُ اللَّهُ يعني هكذا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ يعني فوحدوه، ولا تشركوا به شيئا أَفَلا يعني فهلا تَذَكَّرُونَ- 3- في ربوبيته، ووحدانيته ثم قال: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً بعد الموت وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ولم يك شيئا كذلك يعيده من بعد الموت لِيَجْزِيَ يعني لكي يثيب في البعث الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يعني وأقاموا الفرائض بِالْقِسْطِ يعني بالحق وبالعدل «3» وثوابهم الجنة وَيجزى الَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وذلك الشراب قد أوقد عليه «4» منذ يوم خلقها الله- عز وجل- إلى يوم يدخلها أهلها فقد انتهى حرها وَعَذابٌ أَلِيمٌ يعني وجيع نظيرها في الواقعة فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ «5» بِما كانُوا يَكْفُرُونَ- 4- بتوحيد الله- عز وجل- هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً بالنهار لأهل الأرض يستضيئون بها وَالْقَمَرَ نُوراً بالليل [163 ب] وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ يزيد وينقص يعنى
__________
(1) من: ل، وليست فى: أ.
(2) ما بين الأقواس ( ... ) من: ل. وهو مضطرب فى: أ. [.....]
(3) فى أ: (بالقسط) وبالحق يعنى بالعدل.
(4) فى أعليها.
(5) سورة الواقعة: 93.(2/226)
الشمس سراجا والقمر نورا لِتَعْلَمُوا بالليل والنهار عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وقدره منازل لتعلموا بذلك عدد السنين، والحساب، ورمضان، والحج، والطلاق، وما يريدون بين العباد ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ يعني الشمس والقمر إِلَّا بِالْحَقِّ لم يخلقهما عبثا خلقهما لأمر هو كائن يُفَصِّلُ يبين الْآياتِ يعني العلامات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ- 5- بتوحيد الله- عز وجل- أن الله واحد لما يرون من صنعه ثم قال: إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ عليكم وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ- 6- عقوبة الله- عز وجل-، قوله: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا يعني لا يخشون لقاءنا يعني البعث والحساب وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها فعملوا لها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا يعنى ما أخبر فى أول هذه السورة غافِلُونَ- 7- يعني ما ذكر من صنيعه في هؤلاء الآيات لمعرضون فلا يؤمنون «1» ، ثم أخبر بما أعد لهم في الآخرة فقال: أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ يعنى مصيرهم النار بِما كانُوا يَكْسِبُونَ- 8- من الكفر والتكذيب ثم أخبر بما أعد للمؤمنين فقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بالله وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وأقاموا فرائض الله يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ يعني بتصديقهم وتوحيدهم كما صدقوا ووحدوا كذلك يهديهم ربهم إلى الفرائض ويثيبهم الجنة تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يعني تحت قصورهم نور في نور قصور الدر والياقوت، وأنها تجري من غرفهم جَنَّاتِ النَّعِيمِ- 9- لا يكلفون فيها عملا أبدا ولا يصيبهم فيها مشقة أبدا دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ فهذا
__________
(1) فى أ: فلا يموتون، ل: فلا يؤمنون.(2/227)
علم بين أهل الجنة وبين الخدم إذا أرادوا الطعام والشراب دعواهم أن يقولوا في الجنة «سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ» فإذا الموائد قد جاءت فوضعت ميلا في ميل قوائمها اللؤلؤ ودخل عليهم الخدم من أربعة آلاف باب معهم صحاف الذهب سبعون ألف صحفة في كل صحفة لون من الطعام ليس في صاحبتها مثله، كلما شبع ألقى الله عليه ألف باب من الشهوة كلما شبع أتى بشربة تهضم ما قبلها بمقدار أربعين عاما ويؤتون بألوان الثمار وتجيء الطير أمثال البخت مناقيرها لون وأجنحتها لون وظهورها لون، وبطونها لون، وقوائمها لون، تتلألأ نورا حتى تقف بين يديه في بيت طوله فرسخ في فرسخ في غرفة فيها سرر موضونه، والوضن مشبك «1» وسطه بقضبان الياقوت والزمرد الرطب، ألين من الحرير قوائمها «2» اللؤلؤ حافتاه «3» ذهب وفضة عليه من الفرش مقدار سبعين غرفة في دار الدنيا لو أن رجلا وقع من تلك «4» الغرف لم يبلغ قرار الأرض [164 أ] سبعين عاما فيأكلون ويشربون وتقوم «5» الطير وتصطف بين يديه وتقول يا ولي الله رعيت في روضة كذا وكذا وشربت من عين كذا وكذا فأيتهن أعجبه وصفها وقعت على مائدته نصفها قديد «6» سبعون ألف لون من الطير الواحد والنصف شواء فيأكل منها ما أحب ثم يطير فينطلق إلى الجنة لأنه ليس في الجنة من يموت «7» وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وذلك
__________
(1) فى أ: يشك، ل: مشبك.
(2) فى أ، ل: قوائمها.
(3) فى أ: حافاته، ل: حافتاه.
(4) فى أ: ذلك، ل: تلك.
(5) فى أ، ل: وتقول.
(6) فى أ: قدير.
(7) هذا من الإسرائيليات التي نقلها مقاتل فى التفسير، وما كان أغنى كتاب الله عن هذه الأقاويل.(2/228)
أن يأتيه ملك من عند رب العزة فلا يصل إليه حتى يستأذن له حاجب فيقوم بين يديه فيقول: يا ولي الله، ربك يقرأ عليك السلام. وذلك قوله تعالى: وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ من عند الرب- تعالى-، فإذا فرغوا من الطعام والشراب. قالوا:
الحمد لله رب العالمين، وذلك قوله- عز وجل-: وَآخِرُ دَعْواهُمْ يعني قولهم حين فرغوا من الطعام والشراب أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ- 10- وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ وذلك حين قال النضر بن الحارث: «1» فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ «2» فيصيبنا، فأنزل الله- عز وجل-: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ إذا أرادوه فأصابوه يقول الله: ولو استجيب لهم في الشر «كما يحبون أن «3» » يستجاب لهم فى الخير لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ في الدنيا بالهلاك إذا.
«فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا» «4» فنذرهم لا يخرجون أبدا فذلك قوله: فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ- 11- يعني في ضلالتهم يترددون لا يخرجون منها إلا أن يخرجهم الله- عز وجل-، وأيضا ولو يعجل الله للناس: يقول ابن آدم يدعو لنفسه بالخير ويحب أن يعجل الله ذلك، ويدعو على نفسه بالشر، يقول: اللهم إن كنت صادقا فافعل كذا وكذا. فلو يعجل الله ذلك لقضي «5» إليهم أجلهم: يعني العذاب «فَنَذَرُ» يعني فنترك الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا يعنى
__________
(1) فى أ: الحرث.
(2) سورة الأنفال: 32.
(3) فى أ: كما أن، ل: كما يحبون أن. [.....]
(4) ساقط من أ، ل. ومكتوب بدل منها «فنذرهم» على أنها قرآن وليست الآية فنذرهم بل:
فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا.
(5) فى ل: لنعى.(2/229)
لا يخشون لقاءنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ يعني في ضلالتهم يترددون لا يخرجون منها وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ يعني المرض «1» بلاء أو شدة «2» نزلت في أبي حذيفة اسمه هاشم بن المغيرة بن عبد الله المخزومي دَعانا لِجَنْبِهِ يعني لمضجعه في مرضه أَوْ دعانا قاعِداً أَوْ قائِماً كل ذلك لما كان «3» فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ وعوفي من مرضه مَرَّ يعني استمر أي أعرض عن الدعاء كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ ولا يزال يدعونا ما احتاج إلى ربه «4» فإذا أعطي حاجته أمسك عن الدعاء قال الله- تعالى- عند ذلك استغنى عبدي كَذلِكَ يعني هكذا زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ يعني المشركين مَا كانُوا يَعْمَلُونَ- 12- من أعمالهم السيئة يعني الدعاء فى الشدة وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ بالعذاب في الدنيا مِنْ قَبْلِكُمْ يا أهل مكة لَمَّا ظَلَمُوا يعني حين أشركوا يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية لكي لا يكذبوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ يقول أخبرتهم رسلهم بالعذاب أنه نازل بهم في الدنيا، ثم قال: وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا يقول ما كان كفار مكة ليصدقوا بنزول العذاب بهم في الدنيا كَذلِكَ يعني هكذا نَجْزِي بالعذاب الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ- 13- يعني مشركي الأمم الخالية، ثم قال لهذه الأمة:
ثُمَّ جَعَلْناكُمْ يا أمة محمد خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ- 14- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ يعنى القرآن
__________
(1) فى أ: الضر، ل: المرض.
(2) فى أ: بلاء وشدة، ل: بلاء أو شدة.
(3) فى أ: ما كان، ل: لما كان.
(4) فى أ: ربه، وفى حاشية أ: حاجته: محمد، وفى ل: ربه.(2/230)
قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا يعني لا يحسبون «1» لقاءنا يعني البعث ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا ليس فيه قتال أَوْ بَدِّلْهُ فأنزل الله- عز وجل- قُلْ يا محمد: مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ- 15- وذلك أن الوليد بن المغيرة وأصحابه أربعين رجلا أحدقوا بالنبي- صلى الله عليه وسلم- ليلة حتى أصبح فقالوا: يا محمد، اعبد اللات والعزى ولا ترغب عن دين آبائك فإن كنت فقيرا جمعنا لك من أموالنا، وإن كنت خشيت أن تلومك العرب، فقل: إن الله أمرني بذلك، فأنزل الله- عز وجل-: «قُلْ» يا محمد أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ ... إلى قوله: ... بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ يعنى فوحد وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ «2» على الرسالة والنبوة، وأنزل الله- عز وجل- وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ يعنى محمد فزعم أني أمرته بعبادة اللات والعزى لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ يعنى بالحق ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ «3» وهو الحبل المعلق به القلب، وأنزل الله- تعالى- قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ «4» ثم قال لكفار مكة: قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ يعني ما قرأت هذا القرآن عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ يقول ولا أشعركم بهذا القرآن فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً طويلا أربعين سنة مِنْ قَبْلِهِ من قبل هذا القرآن فهل سمعتموني أقرأ شيئا عليكم أَفَلا يعنى فهلا تَعْقِلُونَ- 16- أنه ليس منقول مني ولكنه وحي من الله إلي فَمَنْ أَظْلَمُ
__________
(1) أى لا يحسبون لقاءنا واقعا. أى لا يؤمنون بالبعث.
(2) سورة الزمر: 64، 65، 66.
(3) سورة الحاقة: 44، 45، 46.
(4) سورة الأنعام: 15، سورة الزمر: 13.(2/231)
يعني فمن أشد ظلما لنفسه مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فزعم أن مع الله آلهة أخرى أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ يعني بمحمد- صلى الله عليه وسلم- وبدينه إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ- 17- يعنى إنه لا ينجّى «1» الكافرون من عذاب الله- عز وجل- وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ إن تركوا عبادتهم وَلا يَنْفَعُهُمْ إن عبدوها، وذلك أن أهل الطائف عبدوا اللات، وعبد أهل مكة العزى، ومناة، وهبل، وأساف ونائلة لقبائل قريش، وود لكلب بدومة الجندل، وسواع لهذيل، ويغوث لبني غطيف من مراد بالجرف من سبأ، ويعوق لهمذان ببلخع «2» ، ونسر لذي الكلاع من حمير. قالوا: نعبدها لتشفع لنا يوم القيامة [165 ا] فذلك قوله: وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ- 18- وَما كانَ النَّاسُ في زمان آدم- عليه السلام- إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً يعني ملة واحدة مؤمنين لا يعرفون الأصنام والأوثان ثم اتخذوها «3» بعد ذلك فذلك قوله: فَاخْتَلَفُوا بعد الإيمان وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ قبل الغضب لأخذناهم عند كل ذنب، فذلك قوله: لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ- 19- يعنى فى اختلافاتهم بعد الإيمان.
وَيَقُولُونَ لَوْلا يعني هلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ مما سألوا يعنى فى بنى إسرائيل.
__________
(1) فى أ: لا ينجو، ل: لا ينجى.
(2) فى أ: ببلخع، ل: ببلخع، م: ببلح.
(3) فى أ: اتخذوا.(2/232)
وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً «1» يعني لن نصدقك حتى تخرج لنا نهرا فقد أعيينا من ميح الدلاء من زمزم ومن رءوس الجبال، وإن أبيت هذا فلتكن لك خاصة جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ ... إلى قوله ... كِسَفاً حين قال إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ «2» يعنى قطعا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ عيانا فننظر إليه وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ يعنى من الذهب أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ يعني أو تضع سلما فتصعد إلى السماء وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ. يقول، ولسنا نصدقك حتى تأتي بأربعة أملاك يشهدون أن هذا الكتاب من رب العزة، وهذا قول عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فأنزل الله في قوله: أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ عيانا فننظر إليه.
أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ «3» إذ قالوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً «4» وأنزل الله فيها «5» : بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً «6» .
لقوله: كِتاباً نَقْرَؤُهُ «7» . وأنزل الله:
__________
(1) يشير إلى الآيات 90، 91، 92، 93 من سورة الإسراء وتمامها:
وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً، أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا.
[.....]
(2) سورة سبأ: 9.
(3) سورة البقرة: 108.
(4) سورة النساء: 103.
(5) أى: فى مقالة عبد الله بن المغيرة: - أو تأتى بالله.
(6) سورة المدثر: 52.
(7) أى لقول عبد الله بن المغيرة وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ الإسراء: 93.(2/233)
وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ «1» لأني إذا أرسلت إلى قوم آية ثم كذبوا لم أناظرهم «2» بالعذاب.
وإن شئت يا محمد أعطيت قومك ما سألوا ثم لم أناظرهم بالعذاب قال: يا رب لا، رقةً لقومه، لعلهم يتقون.
ثم قال: فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ وهو قوله: إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ «3» فَانْتَظِرُوا بي الموت إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ- 20- بكم العذاب القتل ببدر. وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ يعني آتينا الناس يعني كفار مكة رَحْمَةً يعنى المطر مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ يعني القحط وذهاب الثمار مَسَّتْهُمْ يعني المجاعة سبع سنين إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا يعني تكذيبا يقول إذ لهم قول في التكذيب بالقرآن واستهزاء قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً يعني الله أشد إخزاء إِنَّ رُسُلَنا من الحفظة يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ- 21- يعني ما تعلمون هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ على ظهور الدواب والإبل ويهديكم لمسالك الطرق والسبل هُوَ يحملكم فى الْبَحْرِ في السفن في الماء ويدلكم فيه بالنجوم. حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ يعنى فى السفن وَجَرَيْنَ بِهِمْ [165 ب] يعني بأهلها بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ يعني غير عاصف ولا قاصف ولا بطيئة وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها يعني السفينة رِيحٌ عاصِفٌ قاصف يعني غير لين يعني ريحا شديدة وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ يعني من بين أيديهم ومن خلفهم ومن فوقهم وَظَنُّوا يعني وأيقنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ يعني أنهم مهلكون يعني مغرقون دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وضلت عنهم آلهتهم التي
__________
(1) سورة الإسراء: 59.
(2) أى: لا أنظر عذابي ولا أؤجله عنهم بل أعجله لهم.
(3) سورة هود: 33.(2/234)
يدعون من دون الله فذلك قوله وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ «1» .
لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ المرة لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ- 22- لا ندعو معك غيرك فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ يعني يعبدون مع الله غيره بِغَيْرِ الْحَقِّ إذ عبدوا مع الله غيره يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ ضرره «2» في الآخرة مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا تمتعون فيها قليلا إلى منتهى آجالكم ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فى الآخرة فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 23- إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ يقول مثل الدنيا كمثل النبت بينا هو أخضر إذا هو قد يبس فكذلك الدنيا إذا جاءت الآخرة.
يقول أنزل الماء من السماء فأنبت به ألوان الثمار لبني آدم وألوان النبات للبهائم حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها يعني حسنها وزينتها وَازَّيَّنَتْ بالنبات وحسنت وَظَنَّ أَهْلُها يعني وأيقن أهلها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها في أنفسهم أَتاها أَمْرُنا يعني عذابنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً يعنى ذاهبا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ يعني تنعم بالأمس كَذلِكَ يعني هكذا تجيء الآخرة فتذهب الدنيا ونعيمها وتنقطع عن أهلها نُفَصِّلُ الْآياتِ يعني نبين العلامات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ- 24- فى عجائب الله وربوبيته.
__________
(1) سورة الإسراء: 67.
(2) فى أ: ضرورة، وفى م: ضرورة، وفى ل: ضرره.(2/235)
وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ يعني دار نفسه وهي الجنة والله هو السلام وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ يعني من أهل التوحيد إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- 25- يعنى دين الإسلام. لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا يعني وحدوا الله الْحُسْنى يعني الجنة وَزِيادَةٌ يعني فضل على الجنة النظر إلى وجه الله الكريم وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ يعني ولا يصيب وجوههم قتر يعني سواد ويقال كسوف ويقال هو السواد وَلا ذِلَّةٌ يعني ولا مذلة في أبدانهم عند معاينة النار أُولئِكَ الذين هم بهذه المنزلة أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ- 26- لا يموتون وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ يعنى عملوا الشرك جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها يعني جزاء الشرك جهنم وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ يعني مذلة في أبدانهم مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ يعني مانع يمنعهم من العذاب كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً يعني سواد الليل أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ- 27- لا يموتون، قوله: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً [166 ا] يعني الكفار وما عبدوا من دون الله ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ يعنى الآلهة فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ يعني فميزنا بين الجزاءين وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ يعني الآلهة وهم الأصنام مَا كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ- 28- فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا يعني لقد كنا عَنْ عِبادَتِكُمْ إيانا لَغافِلِينَ- 29- وقد عبدتمونا وما نشعر بكم، ثم قال:
هُنالِكَ يعنى عند ذلك تَبْلُوا يعنى تختبر كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ يعني ما قدمت وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ- 30- يعني يعبدون في الدنيا من الآلهة.(2/236)
قُلْ لكفار قريش مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ يعنى المطر وَمن الْأَرْضِ يعنى النبات والثمار أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ فيسمعها المواعظ وَالْأَبْصارَ فيريها العظمة وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ يعني النسمة الحية من النطفة وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يعني أمر الدنيا يعني القضاء وحده فَسَيَقُولُونَ «1» فسيقول مشركو قريش اللَّهُ يفعل ذلك فإذا أقروا بذلك فَقُلْ يا محمد أَفَلا يعني أفهلا تَتَّقُونَ- 31- الشرك يعني فهلا تحذرون العقوبة والنقمة.
فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فماذا بعد عبادة الحق والإيمان إلا الباطل فَأَنَّى تُصْرَفُونَ- 32- كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ- 33- فأخبر بعلمه السابق فيهم أنهم لا يؤمنون، ثم قال: قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ يعني الآلهة التي عبدوا من دون الله مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ يقول هل من خالق غير الله يخلق خلقا من النطفة على غير مثال ولا مشورة، أمن يعيد خلقا من بعد الموت سَيَقُولُونَ فى قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ: لِلَّهِ «2» .
قُلْ أنت يا محمد اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ- 34- يقول فمن أين تكذبون بتوحيد الله إذا زعمتم أن مع الله إلها آخر قُلْ للكفار يا محمد: هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ يعني اللات، والعزى، ومناة، آلهتهم التي يعبدون مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ يقول هل منهم أحد إلى الحق يهدي يعنى
__________
(1) فى أ: فسيقول، وفى حاشية أ: التلاوة فَسَيَقُولُونَ.
(2) سورة المؤمنون: 85.(2/237)
إلى دين الإسلام قُلِ اللَّهُ يا محمد يَهْدِي لِلْحَقِّ وهو الإسلام أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي وهي الأصنام والأوثان إِلَّا أَنْ يُهْدى وبيان ذلك في النحل وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ «1» ، ثم عابهم فقال:
فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ- 35- يقول ما لكم كيف تقضون الجور ونظيرها في ن وَالْقَلَمِ «2» : حين زعمتم أن معي شريكا، يقول: وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا يعني الآلهة يقول إن هذه الآلهة تمنعهم من العذاب يقول الله إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي عنهم مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً يعني من العذاب شيئا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ- 36- وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وذلك لأن الوليد بن المغيرة وأصحابه قالوا: يا محمد هذا القرآن [166 ب] هو منك وليس هو من ربك فأنزل الله تعالى: وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ يقول القرآن يصدق التوراة، والزبور، والإنجيل، وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ يعني تفصيل الحلال والحرام لا شك فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ- 37- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ يا محمد على الله قُلْ إن زعمتم أنى افتريته وتقولته فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ مثل هذا القرآن وَادْعُوا يقول استعينوا عليه مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني الآلهة إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 38- أن الآلهة تمنعهم من العذاب يقول الله:
بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ إذ زعموا أن لا جنة، ولا نار، ولا بعث، وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ يعني بيانه كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من
__________
(1) سورة النحل الآية 76 وتمامها: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
[.....]
(2) يشير إلى الآية 36 من سورة القلم وهي قوله تعالى: ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ.(2/238)
الأمم الخالية فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ- 39- يعني المكذبين بالبعث وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ يعني لا يصدق بمحمد- صلى الله عليه وسلم- ودينه ثم أخبر الله أنه قد علم من يؤمن به ومن لا يؤمن به من قبل أن يخلقهم، فذلك قوله: وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ- 40- وَإِنْ كَذَّبُوكَ بالقرآن وقالوا: إنه من تلقاء نفسك فَقُلْ للمستهزئين من قريش عبد الله بن أبي أمية وأصحابه لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ يقول دين الله أنا عليه، ولكم دينكم الذي أنتم عليه أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ- 41- يقول أنتم بريئون من ديني، وأنا بريء من دينكم يعني من كفركم مثلها في هود قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، مِنْ دُونِهِ «1» .
وَمِنْهُمْ يعني مشركي قريش مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ يعني يستمعون قولك أَفَأَنْتَ يا محمد تُسْمِعُ الصُّمَّ يقول كما لا يسمع الصم لا يسمع المواعظ من قد سبقت له الشقاوة في علم الله- تعالى- وَلَوْ يعني إذ كانُوا لا يَعْقِلُونَ- 42- الإيمان وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ يا محمد أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ يعنى إذ كانُوا لا يُبْصِرُونَ- 43- الهدى إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ- 44- يقول نصيبهم ينقصون بأعمالهم إذا حرموا أنفسهم ثواب المؤمنين وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ من قبورهم إلى القيامة كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يعنى يوما
__________
(1) سورة هود الآية 54، 55 وتمامها:
إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ، قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ.(2/239)
واحدا من أيام الدنيا يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ يعني يعرفون بعضهم بعضا وتبيان ذلك في الفصل فى سَأَلَ سائِلٌ «1» يُبَصَّرُونَهُمْ «2» يعني يعرفونهم قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ يعنى البعث وَما كانُوا مُهْتَدِينَ- 45- وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ يوم بدر أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل يوم بدر فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ في الآخرة فأنتقم منهم ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ- 46- من الكفر والتكذيب وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ يعنى بالحق [167 ا] وهو العدل وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ- 47- وذلك أن الله بعث الرسل إلى أممهم يدعون إلى «عبادة «3» » الله وترك عبادة الأصنام والأوثان فمن أجابهم إلى ذلك أثابه الله الجنة، ومن أبى جعل ثوابه النار فذلك قوله: قُضِيَ «4» بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وذلك عند وقت العذاب وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ يعني وهم لا ينقصون من محاسنهم ولا يزادون على مساوئهم ما لم يعملوها وَيَقُولُونَ يعني الكفار لنبيهم مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 48- وذلك قوله: ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ «5» .
__________
(1) سورة المعارج وهي السورة رقم 70 فى ترتيب المصحف، وأولها سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ، لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ» .
(2) يشير إلى الآية 11 من سورة المعارج وتمامها: يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ.
(3) زيادة ليست فى: أ، وليست فى: ل.
(4) فى أ، ل: وقضى.
(5) سورة العنكبوت: 29.(2/240)
قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا يعني سوءا وَلا نَفْعاً يعني في الآخرة إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ وقت يقول: لكل أجل وقت لأنه سبقت الرحمة الغضب إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ يعني وقت العذاب فَلا «1» يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ- 49- يقول لا يؤخر عنهم ساعة ولا يصيبهم قبل الوقت قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً يعني صباحا أَوْ نَهاراً مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ- 50- أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ يعنى قول القرآن آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ حين لم تنفعكم وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ يعني بالعذاب تَسْتَعْجِلُونَ- 51- ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا يعني كفروا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ- 52- من الشرك يقول: جزاء الشرك جهنم «2» .
وَيَسْتَنْبِئُونَكَ يقول يسألونك أَحَقٌّ هُوَ؟ يعني العذاب الذي تعدنا به، ويقال القرآن الذي أنزل إليك أحق هو؟ قُلْ إِي وَرَبِّي يعني نعم وإلهي إِنَّهُ يعني العذاب لَحَقٌّ يعني لكائن وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ- 53- يعني بسابقي بأعمالكم الخبيثة في الدنيا قبل الآخرة، قوله: وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ كافرة ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ مالا لَافْتَدَتْ بِهِ نفسها يوم القيامة من عذاب جهنم وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يعني حين رأوا العذاب وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ يعني بالعدل وصاروا إلى جهنم بشركهم وصار المؤمنون إلى الجنة بإيمانهم وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ- 54- قوله: أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يقول هو رب من فيهما أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أن من وحده أثابه الجنة ومن كفر به عاقبه بالنار وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ- 55- يعنى من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحد
__________
(1) «فَلا» : فى الأصل «لا» .
(2) فى أ: يقول الشرك جهنم، ل: يقول جزاء الشرك جهنم.(2/241)
إلى الجنة، ثم أخبر بصنيعه ليوحد، فقال: هُوَ يُحيِي من النطف وَيُمِيتُ من بعد الحياة فاعبدوا من يحيى ويميت وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ- 56- من بعد الموت فيجزيكم فى الآخرة يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ يعني بينة مِنْ رَبِّكُمْ وهو ما بين الله في القرآن وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ من الكفر والشرك وَهذا القرآن هُدىً من الضلالة وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ- 57- لمن أحل حلاله، وحرم حرامه قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ يعني القرآن وَبِرَحْمَتِهِ الإسلام فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا معشر المسلمين [167 ا] هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ- 58- من الأموال. فلما نزلت هذه الآية قرأها النبي- صلى الله عليه وسلم- مرات.
قُلْ لكفار قريش، وخزاعة، وثقيف، وعامر بن صعصعة، وبني مدلج، والحارث «1» ابني عبد مناة، قل لهم: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ يعني البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا يعني حرمتم منه ما شئتم وَحَلالًا يعني وحللتم منه ما شئتم قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ- 59- وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ في الدنيا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ فزعموا أن له شريكا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ حين لا يؤاخذهم عند كل ذنب وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ- 60- هذه النعم وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ «2» وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً يعني إلا وقد علمته قبل أن تعملوه
__________
(1) فى أ: والحرث.
(2) فى أ: وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ ... إلى قوله ... عَلَيْكُمْ شُهُوداً.
وفى ل: ذكر نص الآية، فالمثبت من آية 61 من: ل.(2/242)
إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وأنا شاهدكم يعني إذ تعملونه وَما يَعْزُبُ يعني وما يغيب عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ يعني وزن ذرة فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ- 61- يعني اللوح المحفوظ أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ أن يدخلوا جهنم وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ- 62- أن يخرجوا من الجنة أبدا الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا وَكانُوا يَتَّقُونَ- 63- الكبائرهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
الرؤيا الصالحات فِي الْآخِرَةِ
إذا خرجوا من قبورهم تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ
يعني لوعد الله أن من اتقاه ثوابه الجنة ومن عصاه عقابه النارلِكَ
البشرى «1» وَالْفَوْزُ الْعَظِيمُ
- 64- وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ يا محمد يعني أذاهم إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ يعني إن القوة لله جَمِيعاً في الدنيا والآخرة هُوَ السَّمِيعُ لقولهم الْعَلِيمُ- 65- بهم أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ يقول هو ربهم وهم عباده، ثم قال: وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ يعنى يعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ يعني الملائكة إِنْ يَتَّبِعُونَ يعني ما يتبعون إِلَّا الظَّنَّ يعني ما يستيقنون بذلك وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ- 66- الكذب ثم دل على نفسه بصنعه ليعتبروا فيوحدوه، فقال: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ يعني لتأووا فيه من نصب النهار وَالنَّهارَ مُبْصِراً ضياء ونورا لتتغلبوا فيه لمعايشكم إِنَّ فِي ذلِكَ يعني في هذا لَآياتٍ يعني لعلامات لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ- 67- المواعظ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً فنزه نفسه عن ذلك «2» ، فقال: سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ أن يتخذ ولدا لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا
__________
(1) هكذا فى: أ، ل، ذلك اسم إشارة للمذكر، البشرى مؤنثة فلعله ضمنها معنى التبشير.
(2) فى أ: فنزه عن ذلك، ل: فنزه نفسه عن ذلك.(2/243)
يقول فعندكم حجة بما تزعمون أنه له ولد أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ- 68- قُلْ يا محمد إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ- 69- يعني لا يفوزون إذا صاروا إلى النار مَتاعٌ فِي الدُّنْيا يعني بلاغ في الحياة الدنيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ [168 أ] في الآخرة ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ- 70- بقولهم إن الملائكة ولد الله. وَاتْلُ عَلَيْهِمْ يعني واقرأ عليهم نَبَأَ نُوحٍ يعني حديث نوح إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ يعني عظم عليكم مَقامِي يعني طول مكثي فيكم وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ يعني تحذيري إياكم عقوبة الله فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ يعني بالله احترزت فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ وآلهتكم ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً يعنى سوءا ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ يعني ميلوا إلي وَلا تُنْظِرُونِ- 71- يعني ولا تمهلون فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ يعني عصيتم فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ يعني من جعل إِنْ أَجْرِيَ يعني ثوابي إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ- 72- يعني من الموحدين فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ من المؤمنين فِي الْفُلْكِ يعني السفينة وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ في الأرض من بعد نوح وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني بنوح وما جاء به فَانْظُرْ يا محمد كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ- 73- يعنى المحذرين ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ يعني من بعد نوح رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ثم أخبر بعلمه فيهم، فقال:
فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا يعنى ليصدقوا بِما كَذَّبُوا بِهِ يعني العذاب مِنْ قَبْلُ نزول العذاب كَذلِكَ نَطْبَعُ يعني هكذا نختم عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ- 74- يعنى الكافرين ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ من بعد الأمم مُوسى وَهارُونَ(2/244)
إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآياتِنا
يعني بعلاماتنا: اليد والعصا فَاسْتَكْبَرُوا يعني فتكبروا عن الإيمان وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ- 75- يعني كافرين فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا يعني موسى وما جاء به من الآيات قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ «1» - 76- يعنى بين قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ اليد والعصا لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ- 77- فى الدنيا والآخرة قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا يعنى لتصدنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا يعني عما كانت آباؤنا تعبد وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ يعني موسى وهارون: الكبرياء يعني الملك فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ- 78- يعني بمصدقين وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ- 79- فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ- 80- يعني الحبال والعصي فَلَمَّا أَلْقَوْا الحبال والعصي سحروا أعين الناس قالَ مُوسى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ يعني إن الله سيدحضه ويقهره إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ- 81- يعني إن الله لا يعطي أهل الكفر والمعاصي الظفر وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ يقول يحق الله الدين بالتوحيد والظفر لنبيه- صلى الله عليه وسلم- وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ- 82- فَما آمَنَ لِمُوسى يعني فما صدق لموسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ يعني أهل بيت أمهاتهم من بني إسرائيل وآباؤهم من القبط [168 ب] عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ «يعني ومن معه الأشراف من قومه «2» » الأبناء «3» أَنْ يَفْتِنَهُمْ يعنى أن يقتلهم
__________
(1) فى أ: «ما هذا» إلا «لَسِحْرٌ مُبِينٌ» . [.....]
(2) ما بين الأقواس « ... » ساقط من: ل.
(3) تطلق الأبناء على الرؤساء والسادة وكان الفرس يلقبون بأبناء الأبناء أى أبناء الأحرار والسادة قال الشاعر يمدح سيف بن ذى يزن:
حتى أتى ببني الأبناء يقدمهم ... تخالهم فوق متن الأرض أجبالا(2/245)
وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ يعنى جبارا فى الأرض وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ- 83- يعني المشركين.
وَقالَ مُوسى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا يعنى احترزوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ- 84- يعني إن كنتم مقرين بالتوحيد فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ- 85- يعني الذين كفروا يقول ولا تعذبهم من أجلنا، يقول إن عذبتهم فلا تجعلنا لهم فتنة وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ- 86-.
( «حدثنا «1» » عُبَيْدُ اللَّهِ قال: سمعت أبي عن الْهُذَيْلِ في قوله: «رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» قال: سمعت أبا صالح «2» يقول: ربنا لا تظفرهم بنا فيظنوا أنهم على حق وأنا على باطل. قال: سمعته مرة أخرى يقول: لا تختبرنا ببلاء فيشمت بنا أعداؤنا من ذلك وعافنا منه. قال: وسمعته «3» مرة أخرى يقول:
لا تبسط لهم في الرزق وتفتنا بالفقر فنحتاج إليهم فيكون ذلك فتنة لنا ولهم «4» ) .
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بني إسرائيل بِمِصْرَ بُيُوتاً يعني مساجد وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً يقول اجعلوا مساجدكم قبل المسجد الحرام وَأَقِيمُوا في تلك البيوت الصَّلاةَ لمواقيتها وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ- 87- وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً يعني الملك وَأَمْوالًا يعني أنواع الأموال فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ
__________
(1) زيادة ليست فى: أ، والأثر الاتى كل ساقط من: ل.
(2) أبا صالح: هو الهذيل فالأثر يرويه عبيد الله بن ثابت عن أبيه عن الهذيل.
(3) فى أ: وسمعت.
(4) الأثر السابق بين القوسين ( ... ) : ساقط من: ل.(2/246)
يعني إنما أعطيتهم ليشكروا ولا يكفروا بدينك «1» . قال موسى:
رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ قال هارون: آمين وَاشْدُدْ يعني اختم عَلى قُلُوبِهِمْ قال هارون: آمين فَلا يُؤْمِنُوا يعني فلا يصدقوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ- 88- فإذا رأوا العذاب الأليم آمنوا ولم يغن عنهم «2» شيئا قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما إلى الله فصار الداعي والمؤمن شريكين وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ يعني طريق الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ- 89- بأن الله وحده لا شريك له- يعني أهل مصر وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ بيان ذلك في طه فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى «3» لا تخاف أن يدركك فرعون، ولا تخشى أن تغرق فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً ظلما وَعَدْواً يعني اعتداء حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ يعني صدقت وذلك حين غشيه الموت أَنَّهُ «4» لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ يعني بالذي صدقت به بنو إسرائيل من التوحيد وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ- 90- فأخذ جبريل- عليه السلام- كفا من حصباء البحر فجعلها فى فيه «5» ، فقال: آلْآنَ عند الموت تؤمن وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ
__________
(1) وفى الجلالين لِيُضِلُّوا فى عاقبته عَنْ سَبِيلِكَ دينك.
(2) فى أ، ل: لم يغن.
(3) سورة طه: 77.
«فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ» تفسيرها مضطرب فى أ، ل.
(4) فى أ: يعنى صدقت أَنَّهُ وذلك حين غشيه الموت لا إِلهَ إِلَّا ... ، والمثبت من: ل.
(5) فى حاشية أ: عاب فى الكشاف هذا الرأى وقال كلاما حاصله: كيف يليق أن يمنع السيد جبريل شخصا يريد الإيمان من الإيمان.(2/247)
[169 ا] أي قبل نزول العذاب وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ- 91- يعنى من العاصين فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ وذلك أنه لما غرق القوم قالت بنو إسرائيل: إنهم لم يغرقوا فأوحى الله إلى البحر فطفا بهم على وجهه فنظروا إلى فرعون على الماء فمنذ يومئذ إلى يوم القيامة تطفوا الغرقى على «1» الماء، فذلك قوله: لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً يعني لمن بعدك إلى يوم القيامة آية يعني علما وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا يعني عجائبنا وسلطاننا لَغافِلُونَ- 92- يعني لاهون وَلَقَدْ بَوَّأْنا يعني أنزلنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ منزل صدق وهو بيت المقدس وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ يعني المطر والنبت فَمَا اخْتَلَفُوا يعني أهل التوراة والإنجيل في نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم- حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ حتى بعثه الله- عز وجل- فلما بعث كفروا به وحسدوه إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ «2» فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ- 93- فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ يا محمد مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ عبد الله بن سلام وأصحابه،
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- عند ذلك لا أشك ولا أسأل بعد، أشهد أنه الحق من عند الله
لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ- 94- يعنى من المشركين في القرآن بأنه جاء من الله- تعالى.
ثم حذر النبي- صلى الله عليه وسلم- وأوعز إليه حين قالوا: إنما يلقنه الري «3» على لسانه، فقال: وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ يعنى
__________
(1) مرد ذلك إلى تفاعلات فسيولوجية فى جسم الغريق يطفو بسببها على وجه الماء بعد فترة من زمن الغرق ولا يمنع أن يكون الله هو الذي أحكم تدبير هذه التفاعلات الفسيولوجية حتى يعثر الناس على جثة الغريق.
(2) فى أ: القيامة القيامة.
(3) الري: الشيطان، وفى أ: الرويا، وفى ل: الري. [.....](2/248)
القرآن كما كذب به كفار مكة فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ- 95- ثم قال «1» :
إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ يعني وجبت عليهم كلمة العذاب يقول: أي سبقت لهم الشقاوة من الله- عز وجل- في علمه لا يُؤْمِنُونَ- 96- يعني لا يصدقون وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ- 97- كما سألوا «في» «2» بني إسرائيل حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ...
إلى آخر الآيات «3» .
وكقوله «4» فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ «5» قال: كل شيء في القرآن فلولا: فهلا «6» إلا ما فى يونس «7» وهود «8» .
__________
(1) فى أ: وفى ل:
فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْد ذلك لا أشك ولا أسأل بل أشهد أنه الحق فقال: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ....
(2) ساقطة من: أ، ومثبتة فى: ل.
(3) فى أ، ل: إلى آخر الآية.
والسياق يقتضى إلى آخر الآيات، وهي الآيات 90، 91، 92، 93 من سورة الإسراء وتمامها: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا» .
(4) فى أ: كقوله.
(5) سورة هود: 116.
(6) أى معنا فهلا.
(7) يشير إلى الآية 98 من سورة يونس: فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ.
(8) يشير إلى الآية 116 من هود: فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ.(2/249)
فَلَوْلا كانَتْ «1» قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها: الإيمان عند نزول العذاب إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا يعني صدقوا وتابوا وذلك أن قوم يونس- عليه السلام- لما نظروا إلى العذاب فوق رءوسهم على قدر ميل وهم في قرية تسمى نينوى «2» من أرض الموصل تابوا، فلبس «3» المسوح بعضهم، ونثروا الرماد على رءوسهم وعزلوا الأمهات من الأولاد والنساء من الزواج ثم عجوا إلى الله فكشف الله عنهم العذاب كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ- 98- إلى منتهى آجالهم فأخبرهم يا محمد، أن التوبة لا تنفعهم عند نزول العذاب وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ «4» مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ- 99- هذا منسوخ نسختها آية السيف في براءة «5» .
ثم دل على نفسه بصنعه ليعتبروا فيوحدوه فقال: وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يعنى أن تصدق بتوحيد الله حتى بأذن الله في ذلك وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ يعني الإثم عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ- 100- ثم وعظ كفار مكة فقال: قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ يعني الشمس، والقمر، والنجوم، والسحاب، والمطر وَالْأَرْضِ والجبال، والأشجار، والأنهار، والثمار، والعيون، ثم أخبر عن علمه فيهم فقال: وَما تُغْنِي الْآياتُ يعنى العلامات
__________
(1) فى أ: «فلو كانت» . وفى حاشية أ: التلاوة «فَلَوْلا» .
(2) فى أ: نينون، م: نينوى، ل: نينون.
(3) فى أ: فلبسوا، ل: فلبس.
(4) فى أ: إلى قوله « ... مؤمنين» .
(5) ليس معنى آية السيف الإكراه على الدين، فلا تعارض بينها وبين هذه الآية، وبالتالى فليست ناسخة لها.(2/250)
وَالنُّذُرُ يعني الرسل عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ- 101- ثم خوفهم بمثل عذاب الأمم الخالية فقال: فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ يعني قوم نوح، وعاد، وثمود، والقرون المعذبة، قُلْ فَانْتَظِرُوا الموت إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ- 102- بكم العذاب ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا معهم كَذلِكَ يعني هكذا حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ- 103- في الآخرة من النار وفي الدنيا بالظفر قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي الإسلام فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ يعني أوحد الله الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- 104- يعني المصدقين وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً يعنى مخلصا وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ- 105- بالله وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني ولا تعبد مع الله إلها غيره ما لا يَنْفَعُكَ يقول ما إن احتجت إليه لم ينفعك وَلا يَضُرُّكَ يعني فإن تركت عبادته في الدنيا لا يضرك وإن لم تعبده فَإِنْ فَعَلْتَ فعبدت غير الله فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ- 106- يعنى من المشركين، ثم خوفه ليتمسك بدين الله وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ يعنى بمرض فَلا كاشِفَ لَهُ لذلك الضر إِلَّا هُوَ يعني الرب نفسه وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ بعافية وفضل فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يعني فلا دافع لقضائه يُصِيبُ بِهِ بذلك الفضل مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ- 107- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ
يعني القرآن فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ عن إيمان بالقرآن فَإِنَّما(2/251)
يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ
- 108- نسختها آية السيف «1» وَاتَّبِعْ مَا يُوحى إِلَيْكَ يعني الحلال والحرام ثم أوعز إلى نبيه- عليه السلام- ليصبر على تكذيبهم إياه وعلى الأذي فقال: وَاصْبِرْ يا محمد على الأذي حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ- 109- فحكم الله عليها بالسيف فقتلهم ببدر. وعجل الله أرواحهم إلى النار فصارت منسوخة نسختها آية السيف «2» .
__________
(1) ، (2) لا نسخ فى الآية 108 ولا فى الآية 109.
فقد أمر- عليه السلام- بتبليغ دعوته لأهل مكة بالحكمة والموعظة الحسنة كما أمر بالصبر والتحمل.
وهذه مرحلة من مراحل الدعوة ناسبها التبليغ والاحتمال.
وفى مرحلة المدينة: أمر المسلمون بالدفاع عن أنفسهم.
فلما وقف مشركو العرب فى طريق الدعوة وكونوا قوة لصد الناس عنها أمر المسلمون بقتال مشركي العرب خاصة.
فالأمر إما تدرج فى التشريع، أو تخصيص للعام، لا نسخا. [.....](2/252)
سورة هود(2/253)
(11) سورة هود مكّيّة وآياتها ثلاث وعشرون ومائة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة هود (11) : الآيات 1 الى 123]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (5) وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (6) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (8) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9)
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (16) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (17) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (19)
أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ مَا كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ (21) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (23) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (24)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27) قالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (28) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالا إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (29)
وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (30) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31) قالُوا يَا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (39)
حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (40) وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (42) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)
وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (45) قالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (46) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (47) قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (48) تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)
وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (50) يَا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (51) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) قالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54)
مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (60) وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قالُوا يَا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (64)
فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68) وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)
فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (71) قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74)
إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يَا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79)
قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها مَا أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84)
وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) قالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى مَا أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89)
وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) قالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (91) قالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (94)
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (96) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104)
يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خالِدِينَ فِيها مَا دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ مَا شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ مَا شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109)
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111) فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113) وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (114)
وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (117) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)
وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)(2/255)
سورة هود «1» مكية كلها غير هذه الآيات الثلاث: فإنهن نزلن بالمدينة فالأولى قوله
__________
(1) المقصود الإجمالى من سورة هود بيان حقيقة القرآن، واطلاع الحق سبحانه على سائر الخلق وضمائرهم، وضمانه تعالى لأرزاق الحيوانات، والإشارة إلى خلق العرش وابتداء حاله، وتفاوت أحوال الكفار وأقوالهم، وتحدى النبي- صلى الله عليه وسلم- العرب بالإتيان بمثل القرآن، وذم طلاب الدنيا المعرضين عن العقبى، ولعن الظالمين، وطردهم، وقصة أهل الكفر والإيمان، وتفصيل قصة نوح، وذكر الطوفان، وحديث هود، وإهلاك عاد، وقصة صالح، وثمود، وبشارة الملائكة لإبراهيم وسارة بإسحاق، وحديث لوط وإهلاك قومه، وذكر شعيب، ومناظرة قومه إياه، والإشارة إلى قصة موسى وفرعون يكون مقدم قومه إلى جهنم، وذكر جميع أحوال القيامة وتفصيل الفريقين والطريقين، وأمر الرسول- صلى الله عليه وسلم- بالاستقامة، والتجنب من أهل الظلم والضلال والمحافظة على الصلوات الخمس، والطهارة] ، وذكر الرحمة فى اختلاف الأمة، وبيان القصص، وأنباء الرسل لتثبيت قلب النبي- صلى الله عليه وسلم- والأمر بالتوكل على الله فى كل حال.
مجموع فواصل سورة هود: (ق ص د ت ل ن ظ م ط ب ر ز د) .
يجمعها قولك (قصدت لنظم طبرزد) والطبرزى السكر.
وسميت سورة هود لاشتمالها على قصة هود- عليه السلام- وتفاصيلها.
(انظر بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي: 246) .(2/269)
تعالى: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحى إِلَيْكَ «1» وقوله تعالى: أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ... «2» نزلت في ابن سلام وأصحابه، وقوله: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ... «3» نزلت في رهبان النصارى، والله أعلم.
وهي مائة وثلاث وعشرون آية «4» .
__________
(1) الآية 12 من سورة هود وتمامها: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ.
(2) الآية 17 من سورة هود وتمامها: أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ.
(3) الآية 114 من سورة هود وتمامها: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ.
(4) هذا موافق لما فى المصحف وفيه ما يأتى:
سورة هود مكية إلا الآيات 12، 17، 114، فمدنية وآياتها 123 نزلت بعد سورة يونس.(2/270)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ من الباطل يعني آيات القرآن ثُمَّ فُصِّلَتْ يعني بينت: أمره، ونهيه، وحدوده، وأمر ما كان، وما يكون مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ يقول من عند حكيم لأمره خَبِيرٍ- 1- بأعمال الخلائق، أَلَّا تَعْبُدُوا يعني ألا توحدوا إِلَّا اللَّهَ يعني كفار مكة إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ يعني من الله نَذِيرٌ من عذابه وَبَشِيرٌ- 2- بالجنة وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ من الشرك ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ منه «1» يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً يعني يعيشكم عيشا حسنا في الدنيا في عافية ولا يعاقبكم بالسنين ولا بغيرها إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يعني إلى منتهى آجالكم وَيُؤْتِ فى الآخرة كُلَّ ذِي فَضْلٍ في العمل في الدنيا فَضْلَهُ في الدرجات وَإِنْ تَوَلَّوْا يعني تعرضوا عن الإيمان فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ- 3- يعني عظيم فلم يتوبوا فحبس الله عنهم المطر سبع سنين حتى أكلوا العظام، والموتى، والكلاب، والجيف، إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ فى الآخرة لا يغادر منكم أحد وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من البعث وغيره قَدِيرٌ- 4- أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ يعني يلوون وذلك أن كفار مكة كانوا إذا سمعوا القرآن نكسوا رءوسهم على صدورهم كراهية استماع القرآن لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ يعني من النبي- صلى الله عليه وسلم- فالله قد علم ذلك منهم، ثم قال: أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يعنى يعلم ذلك
__________
(1) فى أ: منها.(2/271)
يَعْلَمُ الله حين يغطون رءوسهم بالثياب مَا يُسِرُّونَ في قلوبهم، وذلك الخفي وَما يُعْلِنُونَ بألسنتهم إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ- 5- يعني بما في القلوب من الكفر وغيره وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها حيثما توجهت وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها بالليل وَمُسْتَوْدَعَها حيث تموت كُلٌّ نفس كل المستقر والمستودع فِي كِتابٍ مُبِينٍ- 6- يقول هو بين في اللوح المحفوظ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى على العرش: يعني استقر على العرش «1» وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ قبل خلق السموات والأرض وقبل أن يخلق شيئا لِيَبْلُوَكُمْ يعني خلقهما لأمر هو كائن. خلقهما وما فيهما من الآيات، ليختبركم. [170 ب] أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا لربه وَلَئِنْ قُلْتَ يا محمد لكفار مكة إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا من أَهْل مكة إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ- 7- يقول ما هَذَا الذي يقول محمد- صلى الله عليه وسلم- إلا سحر بين. حين «2» يخبرنا «3» أنه يكون البعث بعد الموت وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ يعنى كفار مكة إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ يعني إلى سنين معلومة. نظيرها في يوسف
__________
(1) هذا من تجسيم مقاتل، لأن الاستقرار إنما يكون بعد حركة سابقة، والحركة والسكون من صفات الحوادث، والله لا يوصف بصفة من صفات الحوادث. فالحدوث نقص، والنقص على الله- تعالى- محال.
(2) فى أ: خبر، ل: حين.
(3) فى أ: غير واضحة، م: أنه، ل: يخبر أنه.(2/272)
وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ «1» يعني بعد سنين، يعني القتل ببدر «2» لَيَقُولُنَّ يا محمد مَا يَحْبِسُهُ عنا يعنون العذاب تكذيبا يقول الله أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ العذاب لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ يقول ليس أحد يصرف العذاب عنهم وَحاقَ يعنى ودار بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يعنى بالعذاب يَسْتَهْزِؤُنَ- 8- بأنه ليس بنازل بهم وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ يعني آتينا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً يعني نعمة يقول أعطينا الإنسان خيرا وعافية ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ عند الشدة من الخير كَفُورٌ- 9- لله في نعمة الرخاء وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ يقول ولئن آتيناه خيرا وعافية بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ يقول بعد شدة وبلاء أصابه يعني الكافر «3» لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي الضراء الذي كان نزل به إِنَّهُ لَفَرِحٌ يعني لبطر في حال الرخاء والعافية، ثم قال: فَخُورٌ- 10- في نعم الله- عز وجل- إذ لا يأخذها بالشكر، ثم استثنى فقال: إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا على الضر وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ليسوا كذلك «أُولئِكَ»
» لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَأَجْرٌ كَبِيرٌ- 11- يعني وأجر عظيم في الجنة فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وذلك أن كفار قريش قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- فى يونس: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا ليس فيه ترك عبادة آلهتنا ولا عيبها أَوْ بَدِّلْهُ «5»
__________
(1) سورة يوسف الآية 45 وتمامها: وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ.
(2) أى: إذا أجلنا عنهم العذاب إلى سنين معلومة وهي سنى قتلى بدر وما بعدها.
(3) فى أ: ليعني الكافر، ل: يعنى الكافر.
(4) «أولئك» ساقطة من: أ.
(5) سورة يونس: 15. [.....](2/273)
أنت من تلقاء نفسك، فهم النبي- صلى الله عليه وسلم- أن لا يسمعهم عيبها رجاء أن يتبعوه فأنزل الله- تعالى- فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ يعني ترك ما أنزل إليك من أمر الآلهة وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ في البلاغ «1» أراد أن يحرضه على البلاغ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا يعنى هلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ يعني المال من السماء فيقسمه بيننا أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ يعينه ويصدقه بقوله «2» : إن كان محمد صادقا في أنه رسول ثم رجع إلى أول هذه الآية فقال: «3» بلغ يا محمد إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ- 12- يعني شهيد بأنك رسول الله- تعالى- أَمْ يعني بل يَقُولُونَ إن محمدا افْتَراهُ قالوا: إنما يقول محمد هذا القرآن من تلقاء نفسه قُلْ لكفار مكة فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ يعنى مختلقات مثله يعني مثل القرآن وَادْعُوا يعني واستعينوا عليه مَنِ اسْتَطَعْتُمْ من الآلهة التي تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 13- بأن محمدا تقوَّله من تلقاء نفسه قال فى هذه السورة فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ فلم يأتوا، ثم قال فى سورة يونس: فَأْتُوا بِسُورَةٍ «4» واحدة، وفي البقرة أيضا: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ «5» فقال الله فى التقديم ولن
__________
(1) فى أ: لمن البلاغ، وفى ل: فى البلاغ.
(2) فى أ: بقوله يقول، ل: بقوله.
(3) فى أ: فبلغ، ل: بلغ.
(4) سورة يونس: 38 وتمامها أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
(5) سورة البقرة: 23 وتمامها وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.(2/274)
تفعلوا البتة أن تجيئوا بسورة: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا «1» يعنى فإذا لم تفعلوا وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- وحده يقول فإن لم يفعلوا ذلك يا محمد فقل لهم يا معشر كفار مكة:
فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ هذا القرآن بِعِلْمِ اللَّهِ يعني بإذن الله، وقراءة ابن مسعود «أنما أنزل بإذن الله» وَاعلموا أَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ بأنه ليس له شريك إن لم يجيئوا بمثل هذا القرآن قل لهم: فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ- 14- يعنى مخلصين بالتوحيد مَنْ كانَ من الفجار يُرِيدُ بعمله الحسن الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها لا يريد وجه الله نُوَفِّ يعني نوفي إِلَيْهِمْ ثواب أَعْمالَهُمْ فِيها يعني في الدنيا من الخير والرزق نظيرها في «حم عسق «2» » ثم قال: وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ- 15- نسختها الآية التي في بني إسرائيل- عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ «3» يقول وهم في الدنيا لا ينقصون من ثواب أعمالهم «4» ثم أخبر بمنزلتهم في الآخرة فقال: أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها يقول بطل في الآخرة ما عملوا في الدنيا وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ- 16- فلم يقبل منهم أعمالهم لأنهم عملوها للدنيا فلم تنفعهم «5» أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ يعنى القرآن شاهِدٌ مِنْهُ يقول
__________
(1) فى أ: إنها من الآية التي معنا، والواقع أنها جزء من الآية 24 من سورة البقرة.
(2) يشير إلى الآية 20 من سورة الشورى وهي: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ.
(3) سورة الإسراء: 18 وتمامها مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً.
(4) فى أ، ل: ل ينقصون ثواب أعمالهم.
(5) فى أ: أنهم عملوه للدنيا فلم ينفهم.(2/275)
يقرؤه جبريل- عليه السلام- على محمد- صلى الله عليه وسلم- وهو شاهد لمحمد أن الذي يتلوه محمد من القرآن أنه جاء من الله- تعالى «1» - ثم قال: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى يقول ومن قبل كتابك يا محمد قد تلاه جبريل على موسى يعني التوراة. إِماماً يقتدى به يعني التوراة وَرَحْمَةً لهم من العذاب لمن آمن به أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ يعني أهل التوراة يصدقون بالقرآن كقوله في الرعد: فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ «2» بِهِ يعني بقرآن محمد- صلى الله عليه وسلم- أنه من الله- عز وجل- وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ بالقرآن مِنَ الْأَحْزابِ يعني ابن أمية، وابن المغيرة، وابن عبد الله المخزومي، وآل أبى طلحة ابن عبد العزى فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ يقول ليس الذي عمل على بيان من ربه كالكافر بالقرآن موعده النار ليسوا بسواء فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ «مِنْهُ» «3» وذلك أن كفار قريش قالوا: ليس القرآن من الله. إنما تقوله محمد وإنما يلقيه الري «4» ، وهو شيطان يقال له الري، على لسان محمد- صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله:
فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ يقول في شك من القرآن إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ إنه من
__________
(1) هكذا فى أ، ل، وفى العبارة ركاكة.
(2) يشير إلى الآية 36 من سورة الرعد وضبطها: وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ.
وفى سورة البقرة: 121 الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ.
وفى سورة البقرة: 146 الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ.
وفى سورة البقرة: 146 الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ. كما ورد مثل ذلك فى سورة الأنعام: 20 الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ.
وفى سورة القصص: 52 الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ.
(3) «منه» : ساقطة من الأصل.
(4) فى أ: الريا، م: الريا، ل: الري. [.....](2/276)
الله- عز وجل- وإن القرآن حق من ربك وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ- 17- يعني ولكن أكثر أهل مكة لا يصدقون بالقرآن أنه من عند الله- تعالى. ثم ذكرهم فقال: وَمَنْ أَظْلَمُ يقول [171 ب] فلا أحد أظلم مِمَّنِ افْتَرى يعني تقول «1» عَلَى اللَّهِ كَذِباً بأن معه شريكا أُولئِكَ الكذبة يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ يعني الأنبياء ويقال الحفظة ويقال الناس مثل قول الرجل: علي رءوس الأشهاد هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ يعني بالأشهاد يعني الأنبياء فإذا عرضوا على ربهم قالت الأنبياء: نحن نشهد عليكم أنا شهدنا بالحق فكذبونا ونشهد أنهم كذبوا على ربهم. وقالوا: إن مع الله شريكا أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ- 18- يعني المشركين نظيرها في الأعراف: أَنْ «2» لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ «3» ثم أخبر عنهم فقال: الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني دين الإسلام وَيَبْغُونَها عِوَجاً يقول ويريدون بملة الإسلام زيفا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ يعني بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال هُمْ كافِرُونَ- 19- يعني بأنه ليس بكائن ثم نعتهم فقال:
أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ يعني بسابقي الله فِي الْأَرْضِ هربا حتى يجزيهم «4» بأعمالهم الخبيثة وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يعني أقرباء يمنعونهم من الله، يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ يعني ما كانوا على سمع إيمان بالقرآن وَما كانُوا يُبْصِرُونَ- 20- الإيمان بالقرآن لأن الله جعل في آذانهم وقرا، وعلى أبصارهم غشاوة. ثم نعتهم فقال:
__________
(1) فى أ: يقول.
(2) «أن» : وردت فى أ، م، ل: «ألا» .
(3) سورة الأعراف 44.
(4) غير معجمة فى، أ: فتحتمل: يخزيهم أو يجزيهم» .(2/277)
أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
يعني غبنوا أنفسهم وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ
- 21- لا جَرَمَ حقا أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ- 22- ثم أخبر عن المؤمنين وما أعد لهم فقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ يعني وأخلصوا إلى ربهم أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ- 23- لا يموتون ثم ضرب مثلا للمؤمنين والكافرين فقال: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ المؤمن والكافر كَالْأَعْمى عن الإيمان لا يبصر وَالْأَصَمِّ عن الإيمان فلا يسمعه يعني الكافر ثم ذكر المؤمن فقال: وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ للإيمان «1» هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا يقول هل يستويان في الشبه فقالوا: لا. فقال:
أَفَلا تَذَكَّرُونَ- 24- أنهما لا يستويان فتعتبروا ولما كذب كفار مكة محمدا بالرسالة أخبر الله محمدا- عليه السلام- أنه أرسله رسولا كما أرسل نوحا، وهودا، وصالحا، ولوطا، وشعيبا، فى هذه السورة فقال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فقال لهم: إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ من العذاب في الدنيا مُبِينٌ- 25- يعني بين نظيرها فى- سورة نوح «2» - ثم قال: أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ فى الدنيا عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ- 26- يعني وجيع فَقالَ الْمَلَأُ الأشراف الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا [172 ا] يعني إلا آدميا مثلنا لا تفضلنا بشيء وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا يعني الرذالة من الناس السفلة بادِيَ الرَّأْيِ يعني بدا لنا أنهم سفلتنا وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ في ملك ولا مال ولا شيء فنتبعك يعنون نوحا بَلْ نَظُنُّكُمْ يعني نحسبك من ال كاذِبِينَ- 27- حين
__________
(1) فى أ: وَالسَّمِيعِ للإيمان وَالْبَصِيرِ.
(2) يشير إلى الآية الثانية من سورة نوح وهي قالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ.(2/278)
تزعم أنك رسول نبي قالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي يعني بيان من ربي وَآتانِي رَحْمَةً يعني وأعطاني نعمة مِنْ عِنْدِهِ وهو الهدى فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ يعني فخفيت عليكم الرحمة أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها يعني الرحمة وهي النعمة والهدى كارِهُونَ- 28- وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا يعني جعلا على الإيمان إِنْ أَجرِيَ يعني ما جزائي إِلَّا عَلَى اللَّهِ في الآخرة وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا يعني وما أنا بالذي لا أقبل الإيمان من السفلة عندكم، ثم قال: إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ فيجزيهم بإيمانهم كقوله إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ «1» يعني لو تعلمون إذا لقوه وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ- 29- ما آمركم به وما جئت به وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي يمنعني مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ يعنى إن لم أقبل منهم الإيمان أي من السفلة «2» أَفَلا يعني أفهلا تَذَكَّرُونَ- 30- أنه لا مانع لأحد من الله وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ يعني مفاتيح الله بأنه يهدي السفلة دونكم وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ يقول: ولا أقول لكم عندي غيب ذلك إن الله يهديهم، وذلك قول نوح في الشعراء: وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ «3» ثم قال لهم نوح: وَلا أَقُولُ لكم إِنِّي مَلَكٌ من الملائكة إنما أنا بشر لقولهم مَا نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا ... إلى آخر الآية «4» وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ يعنى السفلة لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً يعني إيمانا وإن كانوا عندكم سفلة اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ
__________
(1) سورة الشعراء: 113.
(2) فى الأصل السلفة.
(3) سورة الشعراء: 112.
(4) يشير إلى الآية 27 من سورة هود وتمامها: فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ.(2/279)
يعني بما في قلوبهم يعني السفلة من الإيمان قال نوح: إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ- 31- إن لم أقبل منهم الإيمان قالُوا يَا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا يعني ماريتنا «1» فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا يعني مراءنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ- 32- بأن العذاب نازل بنا لقوله في هذه الآية الأولى: إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ «2» وذلك أن الله أمر نوحا أن ينذرهم العذاب فى سورة نوح فكذبوه فقالوا: فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ بأن العذاب نازل بنا فرد عليهم نوح: قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وليس ذلك بيدي وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ- 33- يعني بسابقي الله بأعمالكم الخبيثة حتى يجزيكم بها وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي فيما أحذركم من العذاب إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ يعنى يضلكم عن الهدى [172 ب] ف هُوَ رَبُّكُمْ ليس له شريك وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ- 34- بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم ثم ذكر الله- تعالى- كفار أمة «3» محمد- صلى الله
__________
(1) من المراء وهو الجدال،
وفى الحديث عن أبى أمامة الباهلي- رضى الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونحن نتمارى فى شيء من أمر الدين فغضب غضبا شديدا لم يغضب مثله ثم قال: يا أمة محمد ذروا المراء فإن المراء لا يأتى بخير، ذروا المراء فإن الممارى قد تمت خسارته، ذروا المراء فكفى إثما ألا تزال مماريا، ذروا المراء فإن أول ما نهاني عنه ربى بعد عبادة الأوثان المراء.
(2) الآية 26: من سورة هود، ومعنى الآية الأولى أنها أول آية فى حديث نوح مع قومه.
(3) فى أ: كفار مكة، م: كفار مكة، ل: كفار أمة.(2/280)
عليه وسلم- من أهل مكة، فقال: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ نظيرها في «حم» الزخرف: «أَمْ أَنَا خَيْرٌ» يعني بل أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ «1» .
«افْتَراهُ» قالوا: محمد يقول هذا القرآن من تلقاء نفسه وليس من الله قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ يعني تقولته من تلقاء نفسي فَعَلَيَّ إِجْرامِي فعلي خطيئتي بافترائي على الله وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ- 35- يعنى برئ من خطاياكم يعني كفركم بالله- عز وجل-، ثم ذكر نوحا فقال: وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ يعني إلا من صدق بتوحيد الله فَلا تَبْتَئِسْ يعني فلا تحزن بِما كانُوا يَفْعَلُونَ- 36- يعني بكفرهم بالله- عز وجل- وَاصْنَعِ الْفُلْكَ يعني السفينة واعمل فيها بِأَعْيُنِنا يعني بعلمنا وَوَحْيِنا كما نأمرك فعملها نوح فى أربعمائة سنة وكانت السفينة من ساج وَلا تُخاطِبْنِي يقول ولا تراجعني فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني الذين أشركوا وهو ابنه كنعان بن نوح فإنه من الذين ظلموا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ- 37- لقول نوح رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ «2» وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ يعني يعمل فيها وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ يعني كلما أتى عليه مَلَأٌ يعني أشراف مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ حين يزعم أنه يصنع بيتا يسير على الماء ولم يكونوا رأوا سفينة قط قالَ لهم نوح: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا لصنعنا «3» السفينة فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ
__________
(1) سورة الزخرف: 52. [.....]
(2) فى أ: يقول نوح: رَبِّ إِنَّ ابْنِي ... إلى ... الْحاكِمِينَ وهي الآية 45 من سورة هود.
(3) فى أ: لصنعتنا.(2/281)
إذا نزل بكم الغرق كَما تَسْخَرُونَ- 38- فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ هذا وعيد مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ يعني يذله يعني الغرق وَيَحِلُّ عَلَيْهِ ويجب عليه عَذابٌ مُقِيمٌ- 39- يعني في الآخرة دائما لا يزول عن أهله حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا يعني قولنا في نزول العذاب بهم وَفارَ التَّنُّورُ فار الماء من التنور الذي يخبز فيه وكان بأقصى دار نوح بالشام بعين وردة «1» قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يعني صنفين اثنين ذكرا وأنثى فهو زوجان ولولا أنه قال: اثنين لكان الزوجان «2» أربعة. وَاحمل أَهْلَكَ واسمها والغة، واسم امرأة لوط والهة في السفينة إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ يعني العذاب في اللوح المحفوظ من أهلك، يعني كنعان بن نوح فلا تحملهم معك فاستثنى من «3» أهله ابنه وامرأته وَمَنْ آمَنَ يعني ومن صدق بتوحيد الله فاحمله في السفينة، يقول الله تعالى: وَما آمَنَ مَعَهُ مع نوح إِلَّا قَلِيلٌ- 40- يقال بأنهم أربعون رجلا وأربعون امرأة عددهم ثمانون نفسا واسم القرية اليوم قرية الثمانين وهي بالجزيرة قريبة من الموصل «4» وهي بافردي «5» .
وَقالَ ارْكَبُوا فِيها في السفينة بِسْمِ اللَّهِ إذا ركبتموها فقولوا باسم الله مَجْراها حين تجري وَمُرْساها حين تحبس إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ
__________
(1) هكذا فى: أ، ل، م: والمراد أن التنور كان فى آخر مكان فى دار نوح، وكانت دار نوح بالشام فى منطقة تسمى عين وردة.
(2) فى أ: الزوجين، ل: الزوجان.
(3) فى أ: منهم، م: من، ل: من.
(4) الموصل مدينة بشمال العراق وتلتقى أطرافها بأطراف مدينة حلب إحدى مدن الشام.
(5) فى أ، م: بأفردى، ل: بأفردا.(2/282)
للذنوب رَحِيمٌ- 41- بنا حين نجانا من العذاب «وَهِيَ تَجْرِي «1» » بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ كنعان سبع مرات وكان ابنه من صلبه وَكانَ فِي مَعْزِلٍ كان معتزلا عنه يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ- 42- فتغرق معهم قالَ ابنه سَآوِي يعني سأنضم إِلى جَبَلٍ أصعده يَعْصِمُنِي يعني يمنعني مِنَ غرق الْماءِ قالَ نوح:
لا عاصِمَ الْيَوْمَ يعني لا مانع اليوم «مِنْ أَمْرِ اللَّهِ» «2» يعني به الغرق ثم استثنى فقال: إِلَّا مَنْ رَحِمَ ربي. يقول من عصم من المؤمنين فركب معي في السفينة فإنه لن يغرق يقول الله- تعالى-: وَحالَ يعني وحجز بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ يعني بين نوح وابنه كنعان «فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ- 43- وغضب الله على كنعان «3» » حين ظن أن الجبل يمنعه من الله فلا يغرق وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ بعد ما غرقتهم «4» أجمعين. فابتلعت الأرض ما خرج منها من الماء وَيا سَماءُ أَقْلِعِي يعني أمسكي قال: فلم تقع قطرة.
وَغِيضَ الْماءُ يعني ونقص الماء وطهرت الجبال وَقُضِيَ الْأَمْرُ يعني العذاب بالغرق على الكافرين فغرقوا وَاسْتَوَتْ السفينة عَلَى الْجُودِيِّ شهرا وهو جبل قريب من الموصل، لأن الجبال تطاولت وتواضع الجودي وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ- 44- يعني المشركين يعني بالبعد الهلاك وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ يعني دعا نوح ربه فيها تقديم «5» فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي
__________
(1) فى أ: وَهِيَ تَجْرِي ... إلى قوله ... نُوحٌ ابْنَهُ.
(2) فى أ: «من عذاب الله» . وفى حاشية أ: التلاوة «مِنْ أَمْرِ اللَّهِ» .
(3) ما بين كنعان الأولى وكنعان الثانية ساقط من: أ، ومثبت فى: ل.
(4) فى أ: غرقها، ل: غرقتهم.
(5) تقدم ذكر هذه الآية فيما سبق.(2/283)
الذين «1» وعدتني أن تنجيهم من الغرق وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ يعنى الصدق ولا خلف له فى النجاة «2» وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ- 45- يعني خير الحاكمين لا تجور في القضاء قالَ الله- تعالى-: يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ الذين «3» وعدتك أن أنجيهم إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ يعنى عمل شركا «4» فَلا تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ يعنى أؤدبك «5» أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ- 46- لسؤالك إياي قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ بعد النهي مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي ذنبي يعني مقالي وَتَرْحَمْنِي فلا تعذبني «6» أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ- 47- فى العقوبة قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ من السفينة بِسَلامٍ مِنَّا فسلمه الله ومن معه من الغرق ثم قال: وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ في السفينة يعني بالبركة أنهم توالدوا وكثروا بعد ما خرجوا من السفينة ثم قال: وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ في الدنيا إلى آجالهم ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا يقول يصيبهم منا عَذابٌ أَلِيمٌ- 48- يعني وجيع يعني بالأمم قوم هود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وشعيب، الذين أهلكهم الله فى
__________
(1) فى أ، ل: الذي وهي مصحفة عن الذين.
(2) فى أ: النجا، ل: النجاة. [.....]
(3) فى أ: الذي.
(4) قرأ الكسائي، ويعقوب «إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ» أى عمل عملا غير صالح. وقراءة حفص «إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ، وأصله أنه ذو عمل فاسد. فجعل ذاته ذات العمل كقول الخنساء تصف ناقة ترتع:
ترعى إذا غفلت حتى إذا ادكرت ... فإنما هي إقبال وإدبار
(البيضاوي: 297)
(5) فى أ: أوريك، ل: أؤدبك.
(6) فى أ: فلا تهدنى، ل: فلا تعذبني.(2/284)
الدنيا بالعذاب بعد قوم نوح ثم قال: تِلْكَ القصة مِنْ أَنْباءِ يعني من أحاديث الْغَيْبِ غاب عنك. لم تشهدها يا محمد ولم تعلمها إلا بوحينا [173 ب] «نُوحِيها «1» » إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ يا محمد وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا القرآن حتى أعلمناك أمرهم في القرآن يعني الأمم الخالية قوم نوح، وهود، وصالح، وغيرهم فَاصْبِرْ على تكذيب كفار مكة وعلى أذاهم إِنَّ الْعاقِبَةَ يعني الجنة لِلْمُتَّقِينَ- 49- الشرك.
وَإِلى عادٍ أرسلنا أَخاهُمْ هُوداً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ يعني وحدوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ يعني ليس لكم رب غيره إِنْ أَنْتُمْ يعني ما أنتم إِلَّا مُفْتَرُونَ- 50- الكذب حين تقولون إن لله شريكا وذلك أنهم قالوا لأنبيائهم تريدون أن تملكوا علينا في أموالنا، فذلك قول الأنبياء لهم يَا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً «2» يعنى ما جزائي إِلَّا عَلَى اللَّهِ.
وذلك قول قوم هود: يَا قَوْمِ «3» لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ يعني ما جزائي إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي يعني خلقني أَفَلا تَعْقِلُونَ- 51- أنه ليس مع الله شريك وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ من الشرك ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً يعني المطر متتابعا وقد كان الله- تعالى- حبس عنهم المطر ثلاث سنين وحبس عنهم الولد، فمن ثم قال: وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ يعني عددا إلى عددكم وتتوالدون «4» وتكثرون، ثم قال لهم هود:
__________
(1) «نُوحِيها» : ساقطة من أ، ل، وهي فى حاشية أ.
(2) سورة الشعراء: 127.
(3) فى أ: ويا قوم.
(4) فى أ: فتوالدون، ل: وتوالدون.(2/285)
وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ- 52- يقول ولا تعرضوا عن التوحيد مشركين قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ يعني ببيان أنك رسول إلينا من الله وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ يعنون عبادة الأوثان وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ- 53- يعني بمصدقين بأنك رسول إِنْ يعني ما نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ يعنون جنونا أصابك به بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ يعنون أنه يعتريك من آلهتنا الأوثان بجنون أو بخبل. ولا نحب أن يصيبك أو يعتريك ذلك فاجتنبها سالما.
«قال عبد الله قال الفراء الخبل مسكنة الباء العلة المانعة من الحركة المعطلة للبدن. والخبل: الجنون محركة الباء «1» » . فرد عليهم هود: قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ- 54- مِنْ دُونِهِ من الآلهة فَكِيدُونِي جَمِيعاً أنتم والآلهة ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ- 55- يعني ثم لا تناظرون يعني لا تمهلون.
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ يعني وثقت بالله رَبِّي وَرَبِّكُمْ حين «2» خوفوه آلهتهم أنها تصيبه ما مِنْ دَابَّةٍ يعنى ما من شيء إِلَّا وهُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها يقول إلا الله يميتها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- 56- يعني على الحق المستقيم فَإِنْ تَوَلَّوْا يعني «فإن تعرضوا عن الإيمان «3» » فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ
__________
(1) ما نقله عبد الله عن الفراء زيادة منه وليس من كلام مقاتل. فإن الفراء هو أبو زكرياء يحيى بن زياد الفراء المتوفى سنة 207 هـ وله كتاب معاني القرآن. وقد طبع منه الجزء الأول سنة 1955 ثم طبع منه الجزء الثاني حديثا- أما مقاتل صاحب هذا التفسير فقد توفى سنة 150 هـ.
وهذه الزيادة فى: أ. وليست فى: ل لأن ل اقتصرت على تفسير مقاتل، أما أ: ففيها إضافات من الرواة.
(2) فى ل: حين، أ، م: حتى.
(3) فى أ، ل: فإن تعرضوا عن الإيمان: وفى البيضاوي فَإِنْ تَوَلَّوْا فإن تتولوا.(2/286)
من نزول العذاب بكم في الدنيا وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي بعد هلاككم قَوْماً غَيْرَكُمْ أمثل وأطوع لله منكم وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً يقول ولا تنقصونه من ملكه شيئا إنما تنقصون أنفسكم إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ [174 ا] من أعمالكم حَفِيظٌ «1» - 57- وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا يعني قولنا في نزول العذاب نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ من العذاب بِرَحْمَةٍ مِنَّا يعني بنعمة منا عليهم «2» وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ- 58- يعني شديد وهي الريح الباردة لم تفتر عنهم حتى أهلكتهم وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ يعني كفروا بعذاب الله بأنه غير نازل بهم في الدنيا وَعَصَوْا رُسُلَهُ يعني هودا وحده وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ- 59- يعني متعظما عن التوحيد، فهم الأتباع اتبعوا قول الكبراء في تكذيب هود «عَنِيدٍ» يعني معرضا عن الحق، وكان هذا القول من الكبراء للسفلة فى سورة المؤمنين «3» «ما هذا» يعني هودا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ «4» من الشراب.
وقال للأتباع «5» وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ «6» يعني لعجزة فهذا قول الكبراء للسفلة. فاتبعوهم على قولهم: وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً
__________
(1) فى أ: محيط، وفى ل: حفوظ.
(2) فى ل: منا عليهم، أ: عليكم.
(3) اضطراب فى: أ، ل. [.....]
(4) يشير إلى الآية 33 من سورة المؤمنون وصوابها ما هذا إِلَّا بَشَرٌ وتمامها: وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ.
(5) فى أ: وقال الأتباع، ل: وقالوا للأتباع.
(6) سورة المؤمنون: 34.(2/287)
يعني العذاب وهي الريح التي أهلكتهم وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يعني عذاب النار أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ يعني بتوحيد ربهم أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ- 60- فى الهلاك وَإِلى ثَمُودَ أرسلنا أَخاهُمْ صالِحاً ليس بأخيهم في الدين ولكنه أخوهم في النسب وهو صالح بن آسف «1» قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ يعني وحدوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ يعني هو خلقكم من الأرض وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها يعني وعمركم في الأرض فَاسْتَغْفِرُوهُ من الشرك ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ منه»
إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ منكم فى الاستجابة مُجِيبٌ- 61- للدعاء كقوله: فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ «3» قالُوا يَا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا يعني مأمولا قبل هذا كنا نرجو أن ترجع إلى ديننا، فما هذا الذي تدعونا إليه؟
أَتَنْهانا «4» أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا من الآلهة وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ من التوحيد مُرِيبٍ- 62- يعني بالمريب أنهم لا يعرفون شكهم قالَ صالح يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي يعني على بيان من ربي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً يقول أعطاني نعمة من عنده وهو الهدى فَمَنْ يَنْصُرُنِي يعني فمن يمنعني مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ يعنى إن رجعت إلى دينكم لقولهم صالح «قد كنت فينا مرجو قبل هذا الذي تدعونا إليه» فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ- 63- يقول فما تزيدونني إلا خسارا.
__________
(1) فى أ، ل: أسف.
(2) فى أ، ل: منها.
(3) سورة البقرة الآية 186 وتمامها وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ.
(4) فى أ: وتنهانا، وفى حاشية أ: التلاوة أَتَنْهانا.(2/288)
قال عبد الله: قال الفراء: المعنى كلما دعوتكم زدتموني تباعدا مني فأنتم بذلك تخسرون يعني تهلكون «1» .
وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً يعني عبرة فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ لا تكلفكم مؤنة ولا علفا وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ يقول ولا تصيبوها بعقر فَيَأْخُذَكُمْ في الدنيا عَذابٌ قَرِيبٌ- 64- منكم لا تمهلون حتى تعذبوا فَعَقَرُوها [174 ب] ليلة الأربعاء بالسيف فماتت فَقالَ لهم صالح: تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ يعني محلتكم في الدنيا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ العذاب وَعْدٌ من الله غَيْرُ مَكْذُوبٍ- 65- ليس فيه كذب. بأن العذاب نازل بهم بعد ثلاثة الأيام «2» فأهلكهم الله صبيحة يوم الرابع يوم السبت فذلك قوله: فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا يعني قولنا في العذاب «نَجَّيْنا صالِحاً «3» » وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا يعني بنعمة عليهم منا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ يعني ونجيناهم من عذاب يومئذ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ في نصر أوليائه الْعَزِيزُ- 66- يعني المنيع في ملكه وسلطانه حين أهلكهم وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني الذين أشركوا الصَّيْحَةُ صيحة جبريل- عليه السلام- فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ- 67- يعني في منازلهم خامدين كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها يقول كأنهم لم يكونوا في الدنيا قط أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا بتوحيد رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ- 68- فى الهلاك وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا
__________
(1) هذه زيادة من عبد الله نقلها عن الفراء. وليست من كلام مقاتل. وما نقله عبد الله عن الفراء فى: أ، وليس فى: ل.
(2) فى الأصل: الثلاثة أيام.
(3) «نَجَّيْنا صالِحاً» : ساقطة من: أ، ومثبتة فى: ل(2/289)
وهو جبريل ومعه ملكان وهما ملك الموت وميكائيل «1» إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى في الدنيا الولد: بإسحاق ويعقوب «2» .
قالُوا سَلاماً قالوا تحية «3» لإبراهيم فسلموا على إبراهيم فرد إبراهيم عليهم ف قالَ سَلامٌ يقول رد إبراهيم خيرا «4» وهو يرى أنهم من البشر فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ إبراهيم بِعِجْلٍ حَنِيذٍ- 69- يعنى الحنيذ النضيج لأنه كان البقر أكثر أموالهم والحنيذ الشواء الذي أنضج بحر النار من غير أن تمسه النار بالحجارة تحمى وتجعل في سرب فتشوى فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ أي إلى العجل نَكِرَهُمْ يعني أنكرهم وخاف شرهم وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً يقول فوقع عليه الخوف منهم فرعد قالُوا «5» أي قالت الملائكة: لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ- 70- بهلاكهم ولوط بن حازان «6» وامرأة سارة بنت حازان «7» أخت لوط وإبراهيم عم لوط وختنه على أخته «وَامْرَأَتُهُ» «8» وهي سارة قائِمَةٌ وإبراهيم جالس فَضَحِكَتْ من خوف إبراهيم ورعدته من ثلاثة نفر وإبراهيم في حشمه وخدمه فقال جبريل- عليه السلام- لسارة: إنك ستلدين غلاما
__________
(1) فى أ: وهو ميكائيل وملك آخر- عليهم السلام. وفى ل: وهو ملك الموت وميكائيل.
(2) فى أ: بالولد الصالح بإسحاق ويعقوب. ثم شطب على الصالح، وفى م: بالولد الصالح.
وفى ل: الولد: بإسحاق ويعقوب.
(3) فى أ: جبرا، ل: حيوا لإبراهيم.
(4) فى ل: وحيوا، أ: خيرا، أى خيرا من تحيتهم وأحسن منها. [.....]
(5) فى أ: قالت الملائكة، وفى حاشية أ: التلاوة: «قالوا» .
(6) فى أ: بحران، ل: حازان.
(7) فى أ: حران، ل: حازان.
(8) «وَامْرَأَتُهُ» : ساقطة من أ، ل، ومثبتة فى حاشية: أ.(2/290)
فذلك قوله: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ- 71- قالَتْ سارة: يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً وهو ابن سبعين سنة إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ- 72- يعني لأمر عجيب أن يكون الولد من الشيخين الكبيرين «قالُوا» «1» قال جبريل لها: أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أن يخلق ولدا من الشيخين رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ يعني نعمة الله وبركاته عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ يعني بالبركة ما جعل الله منهم من الذرية إِنَّهُ حَمِيدٌ في خلقه مَجِيدٌ- 73- يعني كريم فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ يعني الخوف وَجاءَتْهُ الْبُشْرى في الولد يُجادِلُنا [175 ا] يعنى يخاصمنا إبراهيم فِي قَوْمِ لُوطٍ- 74- كقوله فى الرعد:
يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ «2» ومثل قوله: قالُوا يَا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا «3» .
وخصومة إبراهيم- عليه السلام- أنه قال: يا رب أتهلكهم إن كان في «4» قوم لوط خمسون «5» رجلا مؤمنين؟ قال جبريل- عليه السلام-: لا فما زال إبراهيم- عليه السلام- ينقص خمسة خمسة حتى انتهى إلى خمسة أبيات قال- تعالى-: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ يعني لعليم أَوَّاهٌ يعني موقن مُنِيبٌ- 75- مخلص «6» .
__________
(1) «قالوا» : ساقطة من: أ، ل.
(2) سورة الرعد: 13.
(3) فى أ: جدالنا ومراءنا، ويشير إلى الآية 32 من سورة هود.
(4) فى: ساقطة من أ، وهي فى ل.
(5) فى أ: خمسين.
(6) هذه الآية: 75، فسرت بعد الآية 76. فأعدتها إلى مكانها.(2/291)
وقال جبريل لإبراهيم: يَا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا الجدال حين قال: أتهلكهم إن كان فيهم كذا وكذا. ثم قال جبريل- عليه السلام-:
إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ يعني قول ربك في نزول العذاب بهم وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ- 76- يعني غير مدفوع عنهم يعني الخسف والحصب بالحجارة.
قوله: وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت لُوطاً سِيءَ بِهِمْ يعني كرههم لصنيع قومه بالرجال مخافة أن يفضحوهم وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ جبريل «1» هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ- 77- يعنى فظيع فاش شره عليهم وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ يعني يسرعون إليه مشاة إلى لوط وَمِنْ قَبْلُ أن نبعث لوطا كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ يعني نكاح الرجال وقالَ لوط يَا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي ريثا، وزعوثا فتزوجوهما هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ يعني أحل لكم من إتيان الرجال. فَاتَّقُوا اللَّهَ في معصيته وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ- 78- يقول ما منكم رجل مرشد قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ يعنون من حاجة وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ- 79- أنهم يريدون الأضياف قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً يعني بطشا أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ- 80- يعني منيع يعني رهط يعني عشيرة لمنعتكم مما تريدون.
قالُوا يَا لُوطُ قال جبريل للوط: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ بسوء «لأنهم قالوا للوط إنا نرى معك رجالا سحروا أبصارنا فستعلم غدا
__________
(1) الأنسب أن هذا قول لوط لا جبريل. (انظر البيضاوي) .(2/292)
ما تلقى أنت في أهلك «1» » فقال جبريل- عليه السلام-: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ يعني امرأته وابنتيه بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ يعني ببعض الليل وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ البتة إِلَّا امْرَأَتَكَ فإنها تلتفت، يقول لا ينظر منكم أحد وراءه ثم استثنى إِلا امْرَأَتَكَ تلتفت إِنَّهُ مُصِيبُها من العذاب مَا أَصابَهُمْ يعني قوم لوط فالتفتت فأصابها حجر فقتلها، ثم قال:
إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ثم يهلكون قال لوط لجبريل: عجل علي بهلاكهم الآن فرد عليه جبريل أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ؟ - 81- يقول الله فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا يعني قولنا فى نزول العذاب جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها يعني الخسف وَأَمْطَرْنا عَلَيْها يعني على أهلها من كان خارجا من المدائن الأربع حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ يعنى حجارة خالطها الطين [175 ب] مَنْضُودٍ- 82- يعني ملزق الحجر بالطين مُسَوَّمَةً يعني معلمة عِنْدَ رَبِّكَ يعني جاءت من عند الله- عز وجل- ثم قال: وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ- 83- لأنها قريب من الظالمين يعني من مشركي مكة فإنها تكون قريبا، يخوفهم منها. وسيكون ذلك في آخر الزمان يعني ما هي ببعيد لأنها قريب منهم والبعيد ما ليس بكائن «2» فذلك قوله: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً «3» يعنى كائنا.
قوله: وَإِلى مَدْيَنَ وهو ابن إبراهيم خليل الرحمن «4» ، وشعيب بن نويب ابن مدين بن إبراهيم «وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ» يعنى أرسلنا أَخاهُمْ شُعَيْباً
__________
(1) ما بين الأقواس « ... » : زيادة من أ، وليست فى ل.
(2) فى أ، ل: والبعيد ليس بكائن.
(3) سورة المعارج: 6- 7. [.....]
(4) فى ل زيادة: لصلبه.(2/293)
وليس بأخيهم في الدين ولكن في النسب قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ يعني وحدوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ يقول ليس لكم رب غيره وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إذا كلتم ووزنتم إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ يعني موسرين في نعمة وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ فى الدنيا عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ- 84- يعني «1» أحاط بهم العذاب فلم ينج منهم أحد وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ يعنى بالعدل وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ يعني ولا تنقصوا الناس حقوقهم وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ- 85- يقول لا تعملوا فيها المعاصي، يعني بالفساد نقصان الكيل والميزان. بَقِيَّتُ اللَّهِ يعني ثواب الله في الآخرة خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يعني لو كنتم مؤمنين بالله- عز وجل- لكان ثوابه خير لكم من نقصان الكيل والميزان كقوله: مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ «2» يعني ثوابه باق. وَما أَنَا عَلَيْكُمْ يعني على أعمالكم بِحَفِيظٍ- 86- يعني برقيب والله الحافظ لأعمالكم قالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ يعني أن نعتزل مَا كان يَعْبُدُ آباؤُنا وكانوا يعبدون الأوثان أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا يعنون إن شئنا نقصنا الكيل والميزان وإن شئنا وفينا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ يعنون السفيه الرَّشِيدُ- 87- يعنون الضال، قالوا ذلك لشعيب استهزاء. قالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً يعني الإيمان وهو الهدى وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ يعني وما أريد أن أنهاكم عن أمر ثم أركبه، لقولهم لشعيب في الأعراف: «أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا
__________
(1) فى أ: قال، ل: يعنى.
(2) سورة النحل: 96.(2/294)
«1» » ثم قال: إِنْ أُرِيدُ يعني ما أريد إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي في الإصلاح بالخير إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ يقول به وثقت لقولهم لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ والذين آمنوا معك من قريتنا وَإِلَيْهِ أُنِيبُ- 88- وإليه المرجع بعد الموت وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي يقول لا تحملنكم عداوتي أَنْ يُصِيبَكُمْ من العذاب في الدنيا مِثْلُ مَا أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ من الغرق أَوْ قَوْمَ هُودٍ من الريح أَوْ قَوْمَ صالِحٍ [176 ا] من الصيحة وَما قَوْمُ لُوطٍ «أي ما أصابهم من «2» » الخسف والحصب «3» مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ- 89- كان عذاب قوم لوط أقرب العذاب إلى قوم شعيب من غيرهم وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ من الشرك ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ منها «4» إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ لمن تاب وأطاعه وَدُودٌ- 90- يعني مجيب قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ يعنى ما نعقل كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ لنا من التوحيد ومن وفاء الكيل والميزان وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً يعني ذليلا لا قوة لك ولا حيلة وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ يعني عشيرتك وأقرباءك لقتلناك وَما أَنْتَ عَلَيْنا يعني عندنا بِعَزِيزٍ- 91- يعني بعظيم مثل قول السحرة «بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ «5» » يعنون بعظمة
__________
(1) سورة الأعراف 88، وتمامها: قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ.
(2) ما بين الأقواس « ... » زيادة من المحقق اقتضاها السياق.
(3) فى: (وَما قَوْمُ لُوطٍ) الحصب والخسف. أ: الخسف والحصب.
(4) فى حاشية أ: هنا وفى باقى ما تقدم قدر بعد قوله- تعالى-: تُوبُوا إِلَيْهِ قوله منها وبتأنيث الضمير العلة بتأويله توبوا إليه من معصية الشرك، ظهر الكاتب.
(5) سورة الشعراء: 44.(2/295)
فرعون يقولون أنت علينا هين قالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ يعني أعظم عندكم من الله- عز وجل- وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا يقول أطعتم قومكم ونبذتم الله وراء ظهوركم فلم تعظموه فمن لم يوحده لم يعظمه إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ- 92- يعني من نقصان الكيل والميزان يعني أحاط علمه بأعمالكم وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ هذا وعيد يعني على جديلتكم التي أنتم عليها «إِنِّي عامِلٌ «1» » سَوْفَ تَعْلَمُونَ هذا وعيد مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ يعنى يذله وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ بنزول العذاب بكم أنا أو أنتم لقولهم ليس بنازل بنا وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ- 93- يعني انتظروا العذاب فإني منتظر بكم العذاب في الدنيا وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا يعني قولنا في العذاب نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا يعني بنعمة منا عليهم وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ يعني صيحة جبريل- عليه السلام- فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ- 94- يعني في منازلهم موتى «2» كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها يعني كأن لم يكونوا فى الدنيا قط أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ فى الهلاك كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ- 95- يعني كما هلكت ثمود لأن كل واحدة منهما هلكت بالصيحة فمن ثم اختص ذكر ثمود من بين الأمم. وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا يعني اليد والعصى وَسُلْطانٍ مُبِينٍ- 96- إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ يعنى أشراف قومه فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ فى
__________
(1) «إِنِّي عامِلٌ» : ساقطة من النسخ.
(2) فى أ: يعنى منازلهم موتى.(2/296)
المؤمن «1» حين قال: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرى «2» فأطاعوا فرعون في قوله، يقول الله- عز وجل- وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ- 97- لهم يعني بهدي «3» يَقْدُمُ قَوْمَهُ القبط يَوْمَ الْقِيامَةِ يعني فرعون قائدهم إلى النار ويتبعونه كما يتبعونه في الدنيا فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ فأدخلهم وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ- 98- المدخل المدخول وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً يعني العذاب وهو الغرق وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لعنة أخرى فى النار «4» بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ- 99- فكأن اللعنتين أردفت «5» إحداهما الأخرى ذلِكَ يعنى هذا الخبر الذي أخبرت مِنْ أَنْباءِ يعني من حديث الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ فحذر قومك مثل عذاب الأمم الخالية مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ- 100- يقول من القرى ما ينظر إليها ظاهرة [176 ب] ومنها خامدة قد ذهبت ودرست وَما ظَلَمْناهُمْ فنعذبهم على غير ذنب وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني التي يعبدون من دون الله مِنْ شَيْءٍ حين عذبوا لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ يعني حينما جاء قول ربك في العذاب وَما زادُوهُمْ يعني الآلهة غَيْرَ تَتْبِيبٍ- 101- يعني غير تخسير حيث لم ينفعوهم عند الله.
__________
(1) يعنى فى سورة المؤمن وتسمى سورة غافر أيضا.
(2) سورة غافر: 29.
(3) فى ل: (بِرَشِيدٍ) لهم: بهدى، أ: (بِرَشِيدٍ) يعنى بهدى.
(4) فى أ: وهو النار، فى ل: فى النار. [.....]
(5) فى أ: أردف، ل: أردفت،(2/297)
قَالَ عبد الله «1» : قال الفراء: نحن أعز من أن نظلم «وَما ظَلَمْناهُمْ» نحن أعدل من أن نظلم وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ أي مشركة إِنَّ أَخْذَهُ يعني بطشة أَلِيمٌ يعني وجيع شَدِيدٌ- 102- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً يعني إن في هلاك القرى لعبرة لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ- 103- شهد الرب والملائكة لعرض الخلائق وحسابهم وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ- 104- يعني وما نؤخر يوم القيامة إلا لأجل موقوت. يَوْمَ يَأْتِ ذلك اليوم لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ بإذن الله- تعالى- فَمِنْهُمْ يقول الله- تعالى- فمن الناس شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ- 105- ثم بين ثوابهم فقال: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها في الخلود زَفِيرٌ يعني آخر نهيق الحمار قال: وَشَهِيقٌ- 106- في الصدور يعني أول نهيق الحمار.
«قال أبو محمد يعني عبد الله بن ثابت: قال أبو العباس ثعلب: الزفير من البدن كله والشهيق من الصدر «2» » .
خالِدِينَ فِيها لا يموتون ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ يقول كما تدوم السموات والأرض لأهل الدنيا، ولا يخرجون
__________
(1) عبد الله: ساقطة من أ- والإسناد ومتنه ساقط من: ل.
(2) من: ل. وفى أ: قال عبد الله بن ثابت: قال أبو العباس أحمد بن يحيى: الزفير من البدن كله والشهيق من الصدر.(2/298)
منها «1» فكذلك يدوم الأشقياء في النار ثم قال: إِلَّا مَا شاءَ رَبُّكَ فاستثنى الموحدين الذين يخرجون من النار لا يخلدون يعني الموحدين إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ- 107- قال عبد الله بن ثابت: قال الفراء: إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ يعنى سوى ما شاء ربك من زيادة الخلق في النار وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها مَا دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ كما تدومان لأهل الدنيا ثم لا يخرجون منها «2» . وكذلك السعداء في الجنة، ثم استثنى فقال:
إِلَّا مَا شاءَ رَبُّكَ يعني الموحدين الذين يخرجون من النار «3» ثم قال: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ- 108- يعني غير مقطوع عنهم أبدا فَلا تَكُ يا محمد فِي مِرْيَةٍ يعني في شك مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ يعني كفار مكة أنها ضلال «4» مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ الأولون مِنْ قَبْلُ يعني من قبلهم وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ يقول إنا لموفون لهم حظهم من العذاب غَيْرَ مَنْقُوصٍ- 109- عنهم وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يعنى أعطينا
__________
(1) فى أ، ل. ويخرجون منها، وفى حاشية الجمل على الجلالين ما يؤيد أن المراد ثم لا يخرجون منها، قال الجمل: وهو وجه حسن لأن فيه التأبيد بما يعلمه المخاطبون بالمشاهدة ويعترفون به وهو دوام الدنيا. ثم نقل الجمل أن فى الآية ثلاثة عشر وجها للمفسرين، وذكر بعض هذه الوجوه ومنها ما نقل عن ابن تيمية وابن عمر وابن عمرو وابن مسعود من القول بفناء النار قال الجمل: وهو مذهب متروك وقول مهجور لا يصار إليه ولا يعول عليه وقد أوّل ذلك كله الجمهور.
(2) فى الأصل: ثم لا يخرجون منها وفى ل: ثم يخرجون.
(3) فى ل: فاستثنى الموحدين الذين يخرجون من النار.
والمثبت من: أ. وهو شبيه بما فى: البيضاوي، حيث ذكر أن الاستثناء هنا من الخلود فى النار لأن بعض فساق الموحدين يخرجون منها وذلك كاف فى صحة الاستثناء.. إلخ.
(4) فى أ، ل: إنهم ضلال. وفى البيضاوي: من حال ما يعبدونه فى أنه يضر ولا تنفع.(2/299)
موسى التوراة فَاخْتُلِفَ فِيهِ يعني من بعد موسى يقول آمن بالتوراة بعضهم وكفر بها بعضهم وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ يا محمد في تأخير العذاب عنهم إِلَى وقت لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ في الدنيا بالهلاك حين اختلفوا في الدين وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ [177 ا] يعني من الكتاب الذي أوتوه مُرِيبٍ- 110- يعني بالمريب الذين لا يعرفون شكهم ثم رجع إلى أول الآية فقال:
وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ ولما هاهنا صلة يقول يوفر لهم ربك جزاء أعمالهم إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ- 111- فَاسْتَقِمْ يعني فامض يا محمد بالتوحيد كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ من الشرك فليستقيموا معك فامضوا على التوحيد وَلا تَطْغَوْا فيه يقول ولا تعصوا الله فى التوحيد فتخلطوه بشك إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ- 112- وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني ولا تميلوا إلى أهل الشرك يقول ولا تلحقوا بهم «1» فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ يعني فتصيبكم النار وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يعني من أقرباء يمنعونكم يقول لا يمنعونكم من النار ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ- 113- وَأَقِمِ الصَّلاةَ يعنى وأتم الصلاة يعنى ركوعها وسجودها طَرَفَيِ النَّهارِ يعني صلاة الغداة، وصلاة الأولى والعصر ثم قال: وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ يعني صلاة المغرب والعشاء إِنَّ الْحَسَناتِ يعني الصلوات الخمس يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ يعني يكفرن الذنوب ما اجتنبت الكبائر.
نزلت في أبي مقبل واسمه عامر بن قيس الأنصاري من بني النجار أتته امرأة تشتري منه تمرا فراودها ثم أنى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: إني خلوت بامرأة
__________
(1) فى أ: ولا تحلفوا بهم، ل: ولا تلحقوا بهم، وفى حاشية أ: ولا تحلفوا لهم: محمد.(2/300)
فما شيء يفعل بالمرأة إلا وفعلته بها إلا أني لم أجامعها فنزلت «وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ... » إلى آخر الآية. ثم عمد الرجل فصلى المكتوبة وراء النبي- صلى الله عليه وسلم- فلما انصرف النبي- صلى الله عليه وسلم- قال له: أليس قد توضأت وصليت معنا. قال: بلى. قال: فإنها كفارة لما صنعت ثم قال:
ذلِكَ الذي ذكره من الصلاة طرفي النهار، وزلفى من الليل من الصلاة ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ
- 114- كقوله لموسى: «وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي «1» » وَاصْبِرْ يا محمد على الصلاة فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ- 115- يعني جزاء المخلصين فَلَوْلا كانَ يعني لم يكن مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ يعني الشرك فِي الْأَرْضِ يقول لم يكن من القرون من ينهى عن المعاصي في الأرض بعد الشرك، ثم استثنى فقال:
إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ يعني مع الرسل من العذاب، مع الأنبياء. فهم الذين كانوا ينهون عن الفساد في الأرض وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا يقول وآثر الذين ظلموا دنياهم مَا أُتْرِفُوا فِيهِ يعني ما أعطوا فيه من دنياهم على آخرتهم وَكانُوا مُجْرِمِينَ- 116- يعني الأمم الذين كذبوا فى الدنيا وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ يعني ليعذب في الدنيا الْقُرى بِظُلْمٍ يعني على غير ذنب يعني القرى التي ذكر الله- تعالى- فى هذه السورة الذين عذبهم الله وهم قوم نوح، وعاد، [177 ب] وثمود، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وقوم شعيب، ثم قال:
وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ- 117- يعني مؤمنون يقول لو كانوا مؤمنين ما عذبوا وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً يعني عَلَى مَلَّة الْإِسْلام وحدها، ثم قال وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ- 118- يقول لا يزال أهل الأديان مختلفين
__________
(1) سورة طه: 14 وتمامها «إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» .(2/301)
في الدين غير دين الإسلام، ثم استثنى بعضهم إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ: أهل التوحيد «1» لا يختلفون في الدين وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ يعني للرحمة خلقهم يعني الإسلام وَتَمَّتْ يقول وحقت كَلِمَةُ رَبِّكَ العذاب على المختلفين والكلمة التي تمت قوله: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ- 119- يعني الفريقين جميعا وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ وأممهم وما يذكر فى هذه السورة ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ يعني قلبك أنه حق، فذلك قوله: وَجاءَكَ فِي هذِهِ السورة الْحَقُّ مما ذكر من أمر الرسل وأمر قومهم وَمَوْعِظَةٌ يعني ما عذب الله به الأمم الخالية وما ذكر في هذه السورة فهو موعظة يعني مأدبة «2» لهذه الأمة وَذِكْرى يعني وتذكرة لِلْمُؤْمِنِينَ- 120- يعني للمصدقين بتوحيد الله وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ يعني لا يصدقون بما في القرآن اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ هذا وعيد يقول اعملوا على جديلتكم التي أنتم عليها إِنَّا عامِلُونَ- 121- على جديلتنا التي نحن عليها وَانْتَظِرُوا العذاب إِنَّا مُنْتَظِرُونَ- 122- بكم العذاب يعني القتل ببدر وضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم وتعجيل أرواحهم إلى النار وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يقول ولله غيب نزول العذاب وغيب ما فى الأرض وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ يعني أمر العباد يرجع إلى الله يوم القيامة وذلك قوله «وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ» يعني أمور العباد فَاعْبُدْهُ يعني وحده وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ يقول وثق بالله وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ- 123- هذا وعيد.
__________
(1) هكذا فى أ، ل. والأنسب: من أهل التوحيد.
(2) هكذا فى: أ، ل، أى: تأديبا.(2/302)
سورة يوسف(2/303)
[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 111]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (3) إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (4)
قالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (9)
قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (10) قالُوا يَا أَبانا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (12) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (13) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (14)
فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (15) وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (16) قالُوا يَا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (17) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى مَا تَصِفُونَ (18) وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يَا بُشْرى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (19)
وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)
وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ مَا جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (25) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (26) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (29)
وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (33) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)
ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (38) يَا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (39)
مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40) يَا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (41) وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42) وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (43) قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ (44)
وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)
وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ مَا بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (52) وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)
قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (57) وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59)
فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (60) قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (61) وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يَا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (63) قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)
وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يَا أَبانا مَا نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66) وَقالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (68) وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (69)
فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (70) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (73) قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (74)
قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ مَا كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (77) قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (79)
فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (80) ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (81) وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (82) قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يَا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)
قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (85) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (86) يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (87) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (89)
قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (91) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)
قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (95) فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (96) قالُوا يَا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (97) قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99)
وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (104)
وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (105) وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (107) قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109)
حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ مَا كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)(2/305)
سورة يوسف مكية كلها وهي مائة وإحدى عشرة آية كوفى وحسبنا الله ونعم الوكيل «1»
__________
(1) المقصود الإجمالى من سورة يوسف ما يأتى:
عرض العجائب التي تتضمنها: من حديث يوسف، ويعقوب، والوقائع التي فى هذه القصة: من تعبير الرؤيا، وحسد الإخوة، وحيلهم فى التفريق بين يوسف وأبيه. وتفصيل الصبر الجميل من جهة يعقوب، وبشارة مالك بن دعر بوجدان يوسف. وبيع الإخوة أخاهم بثمن بخس، وعرضه على البيع والشراء، بسوق مصر، ورغبة زليخا وعزيز مصر فى شرائه، ونظر زليخا إلى يوسف، واحتراز يوسف منها، وحديث رؤية البرهان، وشهادة الشاهد، وتعبير النسوة زليخا، وتحيرهن فى حسن يوسف، وجماله، وحبسه فى السجن، ودخول الساقي والطباخ إليه، وسؤالهما إياه ودعوته إياهما إلى التوحيد ونجاة الساقي، وهلاك الطباخ، ووصية يوسف للساقي بأن يذكره عند ربه. وحديث رؤيا مالك بن الريان، وعجز العابرين عن تعبير رؤياه. وتذكر الساقي يوسف، وتعبيره لرؤياه فى السجن، وطلب مالك يوسف، وإخراجه من السجن، وتسليم مقاليد الخزائن إليه، ومقدم إخوته لطلب الميرة، وعهد يعقوب مع أولاده، ووصيتهم فى كيفية الدخول إلى مصر وقاعدة تعريف يوسف نفسه لبنيامين، وقضائه حاجة الإخوة، وتغييبه الصاع فى أحمالهم، وتوقيف بنيامين بعلة السرقة، واستدعائهم منه توقيف غيره من الإخوة مكانه، ورده الإخوة إلى أبيهم، وشكوى يعقوب من جور الهجران، وألم الفراق وإرسال يعقوب إياهم فى طلب يوسف وأخيه، وتضرع الإخوة بين يدي يوسف، وإظهار يوسف لهم ما فعلوه معه من الإساءة وعفوه عنهم، وإرساله بقميصه صحبتهم إلى يعقوب، وتوجه يعقوب من كنعان إلى مصر، وحوالة يوسف ذنب إخوته على مكايد الشيطان، وشكره لله- تعالى- على ما خوله من الملك، ودعائه وسؤاله حسن الخاتمة، وجميل العاقبة، وطلب السعادة، والشهادة، وتعبير الكفار على الإعراض عن الحجة، والإشارة إلى أن فى قصة يوسف عبرة للعالمين فى قوله: «لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ» .
(بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي: 257)(2/317)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ- 1- يعنى بين ما فيه إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ يعني لكي تَعْقِلُونَ- 2- ما فيه لو كان القرآن غير عربي ما فهموه ولا عقلوه نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ يعنى القرآن بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ بالذي أوحينا إليك نظيرها في يس «بِما غَفَرَ لِي رَبِّي «1» » هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ يعني من قبل نزول القرآن عليك لَمِنَ الْغافِلِينَ- 3- عنه إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يعقوب يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ في المنام أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ [178 ا] هبطوا إلى الأرض من السماء ف رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ- 4- فالكواكب الأحد عشر إخوته والشمس أم يوسف وهي راحيل بنت لاتان، ولاتان هو خال يعقوب، والقمر أبوه يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وقد علم تعبير ما رأى يوسف قالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فيحسدوك إضمار فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً فيعلموا بك شرا إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ- 5- يعني بين. وقال «2» يعقوب ليوسف: وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ يقول وهكذا يستخلصك ربك بالسجود وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يعني ويعلمك تعبير الرؤيا: وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ يعنى بآل
__________
(1) سورة يس: 27 وتمامها «بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ» .
(2) فى أ: قال. [.....](2/318)
يعقوب: هو وامرأته وإخوته الأحد عشر بالسجود لك كَما أَتَمَّها يعني النعمة عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ يعني بأبويه إِبْراهِيمَ حين رأى في المنام أن يذبح ابنه إسحاق، وألقي إبراهيم في النار فنجاه الله- تعالى- منها وأراد ذبح ابنه فخلصه الله بالسجود «1» وَإِسْحاقَ في رؤيا إبراهيم في ذبح إسحاق إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ بتمامها حَكِيمٌ- 6- يعني القاضي لها لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ يعني علامات لِلسَّائِلِينَ- 7- وذلك أن اليهود لما سمعوا ذكر يوسف- عليه السلام- من النبي- صلى الله عليه وسلم- منهم كعب بن الأشرف، وحيي وجدي ابنا أخطب، والنعمان بن أوفى، وعمرو، وبحيرا، وغزال «2» بن السموأل، ومالك بن الضيف، فلم يؤمن بالنبي- صلى الله عليه وسلم- منهم غير جبر غلام بن الحضرمي، ويسار أبو فكيهة «3» ، وعداس، فكان ما سمعوا من النبي- صلى الله عليه وسلم- من ذكر يوسف وأمره «آياتٌ لِلسَّائِلِينَ» وذلك أن اليهود سألوا النبي- صلى الله عليه وسلم- عن أمر يوسف فكان ما سمعوا علامة لهم وهم السائلون عن أمر يوسف- عليه السلام- وكان يوسف قد فضل في زمانه بحسنه على الناس كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب إِذْ قالُوا إخوة يوسف وهو روبيل أكبرهم سنا، ويهوذا أكبرهم في العقل وهو الذي قال الله «قالَ كَبِيرُهُمْ «4» » في العقل ولم يكن كبيرهم في السن، وشمعون، ولاوى، ونفتولن،
__________
(1) هكذا فى: ا، ل، ولا أرى له معنى.
(2) فى ل، عرال، ا: غزال.
(3) فى أ: ويسار فكيهة، ل: ويسار أبو فكيهة.
(4) سورة:(2/319)
وربولن «1» ، وآشر «2» ، واستاخر، وجاب «3» ودان، ويوسف، وبنيامين «4» ، بعضهم لبعض لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ وهو بنيامين أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ يعني عشرة إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ- 8- يعني خسران مبين يعني في شقاء بين نظيرها فى سورة القمر «إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ «5» » يعني في شقاء، من حب يعقوب لابنه يوسف وذكره ثم قال بعضهم لبعض: اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً بعيدة: يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ فيقبل عليكم بوجهه وَتَكُونُوا يعني وتصيروا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ- 9- يعني يصلح أمركم وحالكم عند أبيكم قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ وهو يهوذا بن يعقوب [178 ب] لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ فإن قتله عظيم وَلكن أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ على طريق الناس فيأخذونه فيكفونكم أمره. يعني الزائغة «6» من البئر ما يتوارى عن العين ولا يراه أحد فهو غيابت الجب «7» يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ فيذهبوا به فيكفونكم أمره إِنْ كُنْتُمْ لا بد فاعِلِينَ- 10- من الشر الذي تريدون به فأتوا يعقوب ف قالُوا يَا أَبانا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ- 11- أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ يعني ينشط ويفرح والعرب تقول: رتعت لك يعنى فرحت لك وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ- 12-
__________
(1) فى أ: وربولن، ل: وربوان.
(2) فى ل: وآسر، ا: وآشر.
(3) فى ل: وجاد، ا: وجاب.
(4) أى تمام الاثنى عشر، ولم يشترك يوسف وبنيامين فى مقالة الإخوة.
(5) سورة القمر: 47.
(6) فى ل: البراتقه، ا: الزائغة.
(7) فى الجلالين: غيابت الجب: مظلم البئر.(2/320)
من الضيعة قال يعقوب لهم: إني أخاف عليه فقالوا لأبيهم «مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ» في الحفظ له قالَ أبوهم: إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ- 13- لا تشعرون به، وكانت أرضا مذئبة فمن ثم قال يعقوب: «أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ» قالُوا أي العشرة»
لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ يعنى ونحن جماعة إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ- 14- يعنى لعجزة فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ بيوسف وَأَجْمَعُوا أمرهم أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ على رأس ثلاثة «2» فراسخ فألقوه في الجب والماء يومئذ كدر غليظ فعذب الماء وصفا حين ألقي فيه وقام على صخرة في قاصية البئر فوكل الله به ملكا يحرسه في الجب ويطعمه وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ- 15- وذلك أن الله أوحى إلى يوسف- عليه السلام- بعد ما انصرف إخوته إنك ستخبر «3» إخوتك بأمرهم هذا الذي ركبوا «4» منك ثم قال: «وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ» أنك يوسف حين تخبرهم فأنبأهم يوسف بعد ذلك حين قال لهم: وضرب «5» الإناء. فقال: إن الإناء ليخبرني بما فعلتم «6» بيوسف من الشر ونزع الثياب.
__________
(1) فى أ: قال العشرة.
(2) فى أ: ثلاث.
(3) فى أ: تخبر. [.....]
(4) هكذا فى: ا، ل.
(5) الأنسب: وقد ضرب، والواو فى وضرب واو الحال أى كلمهم حال كونه قد ضرب الإناء بيده.
(6) فى أ، ل: ما فعلتم.(2/321)
«قال أبو محمد عبد الله بن ثابت «1» » وسمعت أبي يحدثني عن الْهُذَيْلِ عن مُقَاتِلٍ في قوله: «وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ» «قال لا يشعرون «2» » أنك يوسف.
قال: وذلك أن يوسف لما استخرج الصاع من وعاء «3» أخيه بنيامين قطع بالقوم وتحيروا فأحضرهم وأخذ بنيامين مكان سرقته ثم تقدم إلى أمينه. فقال له: أحضر الصاع إذا حضروا وانقره ثلاث نقرات واستمع طنين كل نقرة حتى تسكن ثم قل في النقرة الأولى كذا، وفي الثانية كذا، وفي الثالثة كذا، وأوهمهم «4» أنك إنما تخبرني عن شيء تفهمه من طنين الصاع قال: فأمر بهم فجمعوا. ثم قال يوسف للذي استخرج الصاع: وهو أمينه أحضر الصاع الذي سرقوه وتقدم إليه ألا يكتمنا من أخبارهم شيئا فإنه غضبان عليهم ويوشك أن يصدق عنهم، قال: «فأحضره والقوم «5» » وقال له الأمين: أيها الصاع، إن الملك يأمرك [179 أ] أن تبين له أمر هؤلاء القوم ولا تكتمه شيئا من أمرهم ثم نقره نقرة شديدة وأصغى إليه يسمعه كأنه يستمع منه شيئا فقال: أيها الملك، إن الصاع يقول لك: إنهم أخبروك أنهم لأم واحدة، وأنهم لأمهات شتى ولذلك وقع بينهم ما يقع بين الأولاد العتاة.
__________
(1) ما بين القوسين « ... » : من ل. وفى أ: عبد الله.
(2) «قال لا يشعرون» : ساقطة من أ، وهي فى: ل.
(3) فى أ: رحل، ل: وعاء.
(4) فى أ: ووهمهم، ل: وأهمهم.
(5) من ل. وفى أ: فأحضره القوم.(2/322)
قال: قل له لا يكتمنا من أخبارهم شيئا، ثم نقره الثانية وأصغى إليه يسمعه. فلما سكن قال: أيها الملك، إنهم أخبروك أن لهم أخا مفقودا ولن تنصرم الأيام والليالي حتى يأتي ذلك الغلام فيتبين الناس أخبارهم.
قال: مره ألا يكتمنا من أخبارهم شيئا، قال: فطن الثالثة فلما سكن قال:
أيها الملك «1» إنه ما دخل على أبيهم غم ولا هم ولا حزن إلا بسببهم وجرائرهم، قال:
أوعز «2» إليه ألا يكتمنا من أخبارهم شيئا.
قال: فنظر بعضهم إلى بعض وخافوا أن يظهر عليهم ما كتموه من أمر يوسف- عليه السلام- فقاموا إليه بجمعهم يقبلون رأسه وعينيه ويقولون:
بالذي أشبهك بالنبيين وفضلك على العالمين ألا أقلت العثرة وسترت العورة وحفظتنا في أبينا يعقوب فرق لهم، وقال: لولا حفاظي لكم في أبيكم لنكلت بكم ولألحقتكم بالسراق واللصوص اعزبوا عني فلا حاجة لي فيكم.
قال: فلما قدموا على أبيهم أخبروه بأخبارهم، قال فردهم بالبضاعة المزجاة «3» وكتب معهم كتابا إليه فيه بسم الله الرحمن الرحيم من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله إلى عزيز مصر سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني ما سرقت ولا ولدت سارقا ولكنا أهل بيت البلاء موكل بنا، أما جدي فألقي في النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما.
__________
(1) من: ل. وفى أ: إن.
(2) من: ا. وفى ل: أوح.
(3) قال فى الجلالين: بضاعة مزجاة: مدفوعة يدفعها كل من رآها لرداءتها، وكانت دراهم زيوفا أو غيرها.(2/323)
وأما أبي فأضجع للذبح ففداه الله بذبح عظيم، وأما أنا فبليت بفقد حبيبي وقرة عيني يوسف.
قال: فلما وصلوا إليه أوصلوا كتابه فلما قرأ كتابه انتحب، فقيل له: كأنك صاحب الكتاب. قال: أجل، فذلك قوله «لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ» ثم تعرف إليهم فعرفوه.
وَجاؤُ أَباهُمْ يعقوب عِشاءً يَبْكُونَ- 16- صلاة العتمة قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ يعنى نتصيد وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا ليحفظه فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا يعنى بمصدق لنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ- 17- بما تقول وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ يعني على قميص يوسف بِدَمٍ كَذِبٍ وذلك أنهم حين ألقوه في البئر انتزعوا ثيابه وهو قميصه ثم عمدوا إلى سخلة فذبحوها على القميص ليروا أباهم يعقوب، فلما رأى أباهم القميص صحيحا اتهمهم وكان لبيبا عاقلا فقال: ما أحلم «1» هذا السبع حين خلع القميص [179 ب] كراهية أن يتمزق «2» ثم بكى ف قالَ بَلْ سَوَّلَتْ يقول بل زينت لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً وكان الذي أردتم هو منكم فَصَبْرٌ جَمِيلٌ يعني صبري صبرا حسنا لا جزع فيه وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ
- 18- يقول بالله أستعين على ما تقولون حين تزعمون أن الذئب أكله. فبكى عليه يعقوب- عليه السلام- حتى امتنع عن النوم ومن أهل بيته «3» فكان يبكى ويئود
__________
(1) من: ل، وفى أ: هلا حلم.
(2) من: ل، وفى أ: يتخرق.
(3) هكذا فى: ا، ل. [.....](2/324)
فمن هناك تئود اليهود إذا قرءوا التوراة وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ وهي العير وقالوا:
رفقة من العرب فنزلوا على البئر يريدون مصر فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فبعثوا رجلين مالك بن دعر، وعود بن عامر، إلى الماء فَأَدْلى أحدهم دَلْوَهُ واسمه مالك بن دعر بن مدين بن إبراهيم خليل الرحمن فتعلق يوسف بالدلو فصاح مالك قالَ فقال: يا عود للذي يسقى «1» ، وهو عود بن عامر بن الدرة «2» ابن حزام يَا بُشْرى يقول: يا مالك أبشر «3» هَذَا غُلامٌ والجب بواد في أرض الأردن يسمى ادنان «4» .
فبكى يوسف- عليه السلام- وبكى الجب لبكائه وبكى مد صوته من الشجر، والمدر، والحجارة، وكان إخوته لما دلوه في البئر «5» تعلق يوسف في شفة البئر فعمدوا إليه فخلصوا قميصه وأوثقوا يده فقال: يا إخوتاه ردوا على القميص أتوارى به في البئر. فقالوا «6» له: ادع الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر يؤنسونك. فلما انتصف في الجب ألقوه حتى وقع في البئر فأدلوه في قعرها فأراد أن يموت فدفع الله عنه. ودعا يوسف ربه حين أخرجه مالك أن يهب لمالك ولدا فولد له أربعة وعشرون ولدا قوله: وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً يعني أخفوه من أصحابهم الذين مروا على الماء في الرفقة وقالوا: هو بضاعة لأهل الماء نبيعه لهم
__________
(1) من ا، وفى ل: الذي يستقى.
(2) فى أ: المدرة، ل: الدرة.
(3) من: ل، وفى أ: يقول ما البشرى.
(4) فى ل: والجب بأرض الأردن فى واد يسمى إدمان.
(5) من: ل، ا.
(6) فى ا: فقال.(2/325)
بمصر لأنهما لو قالا: إنا وجدناه أو اشتريناه سألوهما الشركة فيه وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ- 19- يعني بما يقولون من الكذب «1» .
يقول الله تعالى: وَشَرَوْهُ يعني وباعوه بِثَمَنٍ بَخْسٍ بثمن حرام لا يحل لهم بيعه لأنه حر وثمن الحر حرام وبيعه حرام «2» دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وهي عشرون درهما وكانت العرب تبايع بالأقل فإذا كانت أربعين فهي أوقية وما كان دون الأربعين فهي دراهم معدودة وَكانُوا فِيهِ يعني الذين باعوه كانوا في يوسف مِنَ الزَّاهِدِينَ- 20- حين باعوه ولم يعلموا منزلة يوسف عند الله. ومن أبوه. ولو علموا ذلك ما باعوه فانطلق القوم حتى أتوا به مصر فبينا هو قريب منها إذ مر براكب منها يقال له: مالك بن دعر اللخمي «3» ، قال له يوسف: أين تريد أيها الراكب؟ قال: أريد أرض كنعان. قال: إذا أتيت كنعان فأت الشيخ يعقوب [180 ا] فأقرئه السلام، وصفني له وقل له: إني لقيت غلاما بأرض مصر. ووصفه له، وهو يقرئك السلام، فبكى يعقوب- عليه السلام- ثم قال: هل لك إلى الله حاجة. قال: نعم عندي امرأة وهي من أحب الخلائق إلي لم تلد مني ولدا قط، فوقع يعقوب ساجدا فدعا الله فولد له أربعة وعشرون ذكرا وكان يوسف- عليه السلام- بأرض مصر فأنزل الله عليهم البركة ثم باعه
__________
(1) من ل. وفى أ: «والله عليم بما يقولون» من الكذب.
(2) فى حاشية أ: يقال إنه لم يكن فيما تقدم أحد من بنى آدم يباع إلا البهائم.
(3) الذي أدلى الدلو فتعلق به يوسف هو مالك بن دعر بن مدين بن إبراهيم.
ولعله بعد أن باع يوسف توجه راكبا إلى أرض كنعان فحمله يوسف السلام إلى والده يعقوب.
والدليل أنهما شخص واحد: البائع ومن بلغ السلام، أن دعوة يوسف لمالك كانت أن يرزقه الله ولدا. وكذلك كانت دعوة يعقوب له.(2/326)
المشتري من قطفير بن ميشا، فقال يوسف: من يشترى «1» ويبشر فاشتراه قطفير ابن ميشا بعشرين دينارا وزيادة حلة ونعلين وأخذ البائع قيمة الدنانير دراهم «2» وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ وهو قطفير بن ميشا لِامْرَأَتِهِ زليخا بنت يمليخا أَكْرِمِي مَثْواهُ يعني أحسني منزلته وولايته عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أو نصيب منه خيرا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ الملك والسلطان في أرض مصر وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يعني من تعبير الرؤيا وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ يعني والله متم ليوسف أمره الذي هو كائن مما لا يعلمه الناس فذلك قوله: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ- 21- ذلك وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ يعني ثماني عشرة سنة آتَيْناهُ حُكْماً يقول أعطيناه فهما وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ- 22- يعني وهكذا نجزي المخلصين بالفهم والعلم وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ على نفسها وعلى يوسف في أمر الجماع وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ يعني هلم لك نفسي تريد المرأة الجماع فغلبته «3» بالكلام قالَ مَعاذَ اللَّهِ يعني أعوذ بالله إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ يقول إنه سيدي يعني زوجها أكرم مثواي يعني منزلتي إِنَّهُ لا يُفْلِحُ يعني لا يفوز الظَّالِمُونَ- 23- إن ظلمته في أهله وألقي عليها شهوة أربعين إنسانا وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ يقول همت المرأة
__________
(1) فى ل: من يشترينى، أ: من يشترى.
(2) هكذا فى: أ، ل.
(3) هكذا فى أ، ل.(2/327)
بيوسف حتى استلقت «1» للجماع وَهَمَّ بِها «2» يوسف حين حل سراويله وجلس
__________
(1) من ل، وفى أ: استقلت.
(2) أورد ابن الطبري آثارا متعددة عن السلف خلاصتها أن زليخا همت بيوسف تريد منه الزنا وأن يوسف هم بها واستعد لتلبية طلبها حتى خلع سراويله، لولا أن رأى صورة أبيه أو رأى صورة زوجها أو رأى آيات من القرآن تنهى عن الزنا وبعد أن ساق الطبري نصوصا وآثارا وآراء، مع أسانيدها فى تفسير الآية فى ست صفحات من تفسيره عقب عليها بقوله:
«وأولى الأقوال فى ذلك بالصواب أن يقال: إن الله- جل ثناؤه- أخبر عن هم يوسف وامرأة العزيز كل واحد منهما بصاحبه لولا أن رأى يوسف برهان ربه وذلك آية من آيات الله زجرته عن ركوب ما هم به يوسف من الفاحشة وجائز أن تكون تلك الآية صورة يعقوب وجائز أن تكون صورة الملك وجائز أن يكون الوعيد فى الآيات التي ذكرها الله فى القرآن على الزنا، والصواب أن يقال ما قاله الله- تبارك وتعالى- والإيمان به وترك ما عدا ذلك إلى عالمه «10 هـ تفسير الطبري: 12/ 113 طبعة بولاق الطبعة الأولى 1328 هـ.
وعند تأمل الآيات نجد أن الله قد أخبرنا عن رغبة المرأة فى يوسف وأخبرنا عن عصمة يوسف ونفوره من الزنا.
قال تعالى: «وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ» .
وقد أخبر القرآن عن عفة يوسف ونزاهته، قال تعالى: «كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ» سورة يوسف: 24. وأخبر عن زليخا أنها قالت «وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ» سورة يوسف: 32. وقالت أيضا «الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ» سورة يوسف: 61.
ولكن بعض الروايات نسبت إلى يوسف أنه هم بالزنا وذلك لا يتفق مع عصمة الأنبياء. قال فى تفسير المنار (ونقل رواة الإسرائيليات عن زليخا وعن يوسف من الوقاحة ما يعلم بالضرورة أنه كذب فإن مثله لا يعلم إلا من الله- تعالى- أو بالرواية الصحيحة عنها أو عنه ولا يستطيع أن يدعى هذا أحد) تفسير المنار: 12/ 276.
وقد فسر صاحب المنار الآيات بما يفيد أن زليخا عرضت نفسها على يوسف فلم يلتفت إليها فصرحت له يقصدها وقالت هيت لك فاستعاذ يوسف بالله وذكرها بحق زوجها ونفرها من الظلم فاستبدت بها الثورة وهمت به لتنتقم منه، وهم بها ليفر بها أو يدفعها عن نفسه لولا أن رأى برهان [.....](2/328)
بين رجليها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ يعني آية ربه لواقعها والبرهان مثل له يعقوب عاض على إصبعه فلما رأى ذلك ولى دبرا واتبعته المرأة كَذلِكَ يعنى
__________
ربه بأن فتحت له الأبواب أمامه فأسرع منها وأسرعت خلفه وأمسكت بقميصه فانقطع فى يدها وقد ساق صاحب المنار العديد من الأدلة على نزاهة يوسف كما انتقد الروايات التي تنسب إليه الاستعداد الزنا أو أنه جلس بين رجليها فقال:
(رأى الجمهور فى همت به وهم بها وبيان بطلانه) ذهب الجمهور المخدوعون بالروايات إلى أن المعنى أنها همت بفعل الفاحشة ولم يكن لها معارض ولا مانع منها، وهم هو بمثل ذلك ولولا أنه رأى برهان ربه لاقترفها، ولم يستح بعضهم أن يروى من أخبار اهتياجه ونهوكه فيه ووصف انهماكه وإسرافه فى تنفيذه وتهتك المرأة فى تبذلها بين يديه مالا يقع مثله إلا من أوقع الفساق المسرفين المستهترين، الذين طال عليهم عهد استباحة الفواحش وألفتها حتى خلعوا العذار، وتجردوا من جلابيب الحياء، وأمسوا عراة من لباس التقوى وحال الأدب ...
فإن مثل هذا الذي افتروه فى قصة هذا النبي الكريم لا يقع مثله ممن ابتلى بالمعصية أول مرة من سليمى الفطرة، ولا من سذج الأعراب الذين لم تغلبهم سورة الشهوة الجامحة على حيائهم الفطري وإيمانهم وحيائهم من نظر ربهم إليهم فضلا عن نبى عصمه الله ووصفه بما وصف وشهد له بما شهد، وقد بلغ ببعضهم الجهل بالدين والوقاحة وقلة الأدب أن يزعموا أن يوسف- عليه السّلام- لم ير برهانا واحدا بل رأى عدة براهين من رؤية والده متمثلا له منكرا عليه، وتكرار وعظه له، ومن رؤية بعض الملائكة ونزولهم عليه بأشد زواجر القرآن بآيات من سورة فلم تنهنه من سبقه، ولم تنهه عن غيه، حتى كان أن خرجت شهوته من أظافره، ومعنى هذا أنه لم يكف إلا عجزا عن الإمضاء، أفبهذا صرف الله عنه السوء والفحشاء وكان من عباد الله المخلصين، وأنبيائه المصطفين الأخيار؟
ولئن كان عقلاء المفسرين أنكروا هذه الروايات الإسرائيلية الحمقاء، حماية لعقيدة عصمة الأنبياء فإنه لم يكد يسلم أحد من تأثير بعضها فى أنفسهم، وتسليمهم أن الهمم من الجانبين كان بمعنى العزم على الفاحشة تفسير المنار: 12/ 280، 281.
وقد ساق صاحب المنار قصة لمصور سورى هاجر إلى أمريكا ودفع جعلا لفتاة وجعل يصورها فى أوضاع مختلفة ثم راودها عن نفسها فأبت وامتنعت فسألها عن سبب هذا الامتناع؟
فقالت سببه أننى عاهدت رجلا يحبني وأحبه على أن يكون كل منا للآخر لا يشرك فى الاستمتاع به أحدا، ولا يبتغى به بدلا.(2/329)
هكذا لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ يعني الإثم وَالْفَحْشاءَ يعني المعاصي إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ- 24- بالنبوة والرسالة نظيرها «إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ «1» » يعنى بالنبوة وَاسْتَبَقَا الْبابَ ويوسف أمامها هارب منها وهي ورائه تتبعه لتحبسه على نفسها فأدركته قبل أن ينتهي إلى الباب وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ يقول فمزقت قميصه من ورائه حتى سقط القميص عن يوسف وَأَلْفَيا يقول وجدا كقوله «أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا «2» » يعنى وجدا سَيِّدَها [180 ب] يعني زوجها لَدَى الْبابِ يعني عند الباب ومعه ابن عمها يمليخا بن زليخا «3» قالَتْ مَا جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً يعنى الزنا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ حبسا في نصب «4» أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ- 25- يعني ضربا وجيعا قالَ يوسف للزوج: هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها وهو يمليخا ابن عم المرأة فتكلم بعقل ولب قال: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ- 26- أي إن كان يوسف هو الذي راودها، فقدت- يعني فمزقت قميصه من قبل يعني من قدامه- فصدقت- على يوسف، ويوسف من الكاذبين في قوله. وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ- 27- أي وإن كان يوسف هو الهارب منها فأدركته فقدت قميصه من دبر فكذبت على يوسف، ويوسف من الصادقين في قوله وقد سمعا جلبتهما وتمزيق القميص من وراء الباب فَلَمَّا رَأى الزوج
__________
(1) سورة ص: 46.
(2) سورة البقرة: 17.
(3) من: ل. وفى أ: زليخا.
(4) هكذا فى: أ، ل.(2/330)
قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ يقول مزق من ورائه قالَ لها: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ يقول تمزيق القميص من فعلكن يعني امرأته ثم قال: إِنَّ كَيْدَكُنَّ يعني فعلكن عَظِيمٌ- 28- لأن المرأة لا تزال بالرجل حتى يقع في الخطيئة العظيمة ثم قال الشاهد ليوسف: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا الأمر الذي فعلت بك ولا تذكره لأحد ثم أقبل الشاهد على المرأة فقال: وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ يعني واعتذري إلى زوجك واستعفيه ألا يعاقبك إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ- 29- وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ وهن خمس نسوة. امرأة الخباز، وامرأة الساقي، وامرأة صاحب السجن، وامرأة صاحب الدواب، وامرأة صاحب الإذن، قلن: امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها العبراني يعني عبدها الكنعاني عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا يعني غلبها حبا شديدا هلكت عليه إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ- 30- يعني في خسران بين يعني شقاء من حب يوسف- عليه السلام- حتى فشا عليها فَلَمَّا سَمِعَتْ زليخا بِمَكْرِهِنَّ يعني بقولهن لها أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ فجئنها وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وهو الأترج وكل شيء يحز بالسكين فهو متكأ وَآتَتْ يعني وأعطت كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وأمرت يوسف- عليه السلام- فتزين وترجل، وكان أعطي يوسف في زمانه ثلث الحسن وآتاه الحسن من قبل جده إسحاق من قبل أمه سارة، وورثت سارة «حسنها «1» » من قبل حواء امرأة آدم- عليه السلام- وحسن حواء من آدم لأنها خلقت منه.
وقال مُقَاتِلُ: كل ذكر أحسن من الأنثى، من الأشياء كلها «2» ، وفضل يوسف في زمانه بحسنه على الناس كفضل القمر ليلة البدر على الكواكب.
__________
(1) من: ل. وهي ساقطة من أ:.
(2) هكذا فى: أ، ل.(2/331)
وَقالَتِ أي ثم قالت: يا يوسف اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ من البيت فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ يعني أعظمنه وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ يعني وحززن أصابعهن [181 ا] بالسكين حين نظرن إليه وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ يعني معاذ الله مَا هَذَا بَشَراً إنسانا إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ- 31- يعني حسن فأعجبها ما صنعن وما قلن قالَتْ زليخا: فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ الذي افتتنتن به وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ يعني فامتنع عن الجماع وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ- 32- يعني المذلين. قالت النسوة «1» : يا يوسف ما يمنعك أن تقضي لها حاجتها فدعى يوسف ربه: قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ من الزنا حين قلن ليوسف ما يحملك على ألا تقضي لها حاجتها وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ يقول أفضى إليهن وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ- 33- يعني من المذنبين فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ يعني مكرهن وشرهن إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لدعاء يوسف الْعَلِيمُ- 34- به ثُمَّ بَدا لَهُمْ يعني ثم بدا للزوج مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ يعني من بعد ما رأوا العلامات في تمزيق القميص من دبر أنه برىء لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ- 35- وذلك أنها قالت لزوجها حين لم يطاوعها يوسف: احبس يوسف في السجن لا يلج «2» علي فصدقها فحبسته. فقال له صاحب السجن: من أنت؟ قال: ولم تسألني من أنا؟ قال: لأني أحبك. قال: أعوذ بالله من حبك، أحبنى والدي
__________
(1) فى أ: قلن.
(2) من: ل، وفى أ: يولج.(2/332)
فلقيت من إخوتي ما لقيت، وأحبتني امرأة العزيز فلقيت من حبها ما لقيت فلا حاجة لي في حب أحد إلا في إلهي الذي في السماء. قال: أخبرني من أنت؟
قال: أنا يوسف- نبي الله- ابن يعقوب- صفي الله- ابن إسحاق- ذبيح الله- ابن إبراهيم خليل الله. وكان يوسف في السجن يؤنس الحزين ويطمئن الخائف ويقوم على المريض ويعبر لهم الرؤيا ورقى إلى الملك أن غلامه الخباز يريد أن يجعل في طعامه سما ورقى إليه في غلامه الساقي مثل ذلك فذلك قوله: وَدَخَلَ مَعَهُ «السِّجْنَ «1» » فَتَيانِ الخباز والساقي اسم أحدهما شرهم أقم «2» وهو الساقي، واسم الخباز شرهم أشم قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي في المنام كأني أَعْصِرُ خَمْراً يعني عنبا قال كأني دخلت البستان فإذا فيه أصل كرم وعليه ثلاث عناقيد فكأني أعصرهن وأسقي الملك وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي رأيت في المنام «3» كأني أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً ثلاث سلال وأعلاهن جفنة من خبز فوق رأسى مثل قوله: «فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ «4» » ومثل قوله: «اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ» «5» يعني أعلى الأرض تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ يقول أخبرنا بتفسير ما رأينا في المنام إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ- 36- وكان إحسانه في السجن أنه كان يعود مرضاهم [181 ب] ويداويهم ويعزي مكروبهم ورآه متعبدا لربه فهذا إحسانه قالَ
__________
(1) ساقط من الأصل.
(2) هكذا فى أ، ل.
(3) مكررة فى: أ.
(4) سورة الأنفال: 12.
(5) سورة إبراهيم: 26. [.....](2/333)
يوسف ألا أخبركما بأعجب من الرؤيا التي رأيتما قال: لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ إلا أخبرتكما بألوانه قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما الطعام فقالوا ليوسف: إنما يعلم هذا «1» الكهنة، والسحرة، وأنت لست في هيئة ذلك فقال يوسف لهما: ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ أولئك الكهنة، والسحرة، يعني أهل مصر لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ يعني لا يصدقون بتوحيد الله ولا بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ- 37- وَاتَّبَعْتُ «2» مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ- 38- ثم دعاهما إلى الإسلام وهما كافران فقال:
يَا صاحِبَيِ السِّجْنِ يعني الخباز والساقي أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أآلهة شتى تعبدون خير يعني أفضل أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ- 39- لخلقه لأن الآلهة مقهورة كقوله في النمل «3» : «آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ «4» » من الآلهة ثم قال يوسف- عليه السلام-: ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ من الآلهة إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ أنها آلهة «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ «5» » إِنِ الْحُكْمُ يعني القضاء إِلَّا لِلَّهِ في التوحيد أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ يقول أمر الله أن يوحد، ويعبد وحده، له التوحيد ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
__________
(1) فى ل: هذا، ا: هذه.
(2) الآية 38 ساقطة من الأصل هي وتفسيرها.
(3) من: ل، وفى أ: النحل.
(4) سورة النمل: 59.
(5) ما بين القوسين « ... » ساقط من الأصل.(2/334)
يعني المستقيم وغيره من الأديان ليس بمستقيم وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يعني أهل مصر لا يَعْلَمُونَ- 40- بتوحيد ربهم يَا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وهو الساقي قال له يوسف: تكون في السجن ثلاثة أيام ثم تخرج فتكون على عملك فتسقي سيدك خمرا وَأَمَّا الْآخَرُ وهو الخباز فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ واسمه شرهم أشم، قال له يوسف:
تكون في السجن ثلاثة أيام ثم تخرج فتصلب فتأكل الطير من رأسك فكره الخباز تعبير رؤياه، فقال: ما رأيت شيئا إنما كنت ألعب. فقال له يوسف:
قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ- 41- يقول رأيتما أو لم تريا فقد وقع بكما ما عبرت لكما وَقالَ يوسف: لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا من القتل إضمار وهو الساقي اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ يعني سيدك فإنه يسرني أن يخرجني من السجن، يقول الله: فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ يعني يوسف دعاء ربه «فلم يدع يوسف ربه الذي في السماء «1» » ليخرجه من السجن واستغاث بعبد مثله يعني الملك فأقره الله في السجن عقوبة حين رجا أن يخرجه غير الله- عز وجل- فذلك قوله: فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ- 42- يعني خمس سنين حتى رأى الملك الرؤيا وكان في السجن قبل ذلك سبع سنين وعوقب ببضع سنين يعني خمس سنين فكان فى السجن اثنتا عشرة سنة فذلك قوله [182 ا] : «ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ
«2» »
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: لو أن يوسف ذكر ربه ولم يستغث بالملك لم يلبث فى السجن بضع
__________
(1) من: ل.
(2) سورة يوسف: 35.(2/335)
سنين ولخرج من يومه ذاك «1» . قال: وأتى جبريل يوسف حين استغاث بالملك «2» وترك دعاء ربه، فقال له: إن الله يقول لك: يا بن يعقوب من حببك إلى أبيك وأنت أصغرهم «3» ؟. قال: أنت يا إلهي. قال: إن الله يقول: من عصمك من الخطيئة وقد هممت بها؟ قال: أنت يا إلهي. قال: فكيف تركتني، واستغثت بعبد مثلك؟ فلما سمع يوسف ذكر الخطيئة قال: يا إلهي إن كان خلق وجهي عندك من أجل خطيئتي فأسألك بوجه أبي وجدي أن تغفر لي خطيئتي.
وَقالَ الْمَلِكُ وهو الريان بن الوليد، للملأ من قومه: إِنِّي أَرى فى المنام سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ أى بقرات عِجافٌ وَرأيت سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ ثم قال: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ وهم علماء أهل الأرض وكان أهل مصر «من أمهر «4» » الكهنة والعرافين إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ- 43- ولم يعلموا تأويل رؤياه ف قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ يعني أحلام مختلطة كاذبة، ثم علموا أن لها تعبيرا وأنها ليست من الأحلام المختلطة، فمن ثم قالوا: وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ- 44- وجاءه «5» جبريل- عليه السّلام- فأخبره أنه
__________
(1) من ل، وفى أ: ويخرج من يومه ذلك.
(2) فى أ، ل: وأتاه جبريل- عليه السّلام- حين استغاث يوسف بالملك.
(3) هكذا فى: ا، ل.
(4) فى أ: وكان أهل مصر الكهنة والعرافين، وفى ل: وكانت أهل مصر والكهنة والعرافين.
(5) من ل، وفى أ: وجاء.(2/336)
يخرج من السجن غدا وأن الملك قد رأى رؤيا فلما نظر يوسف إلى جبريل عليه «1» البياض مكلل باللؤلؤ.
قال مُقَاتِلُ: قال له: أيها الملك الحسن وجهه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه. أي رسل ربي أنت؟ قال: أنا جبريل. قال: ما أتى بك؟ قال: أبشرك «2» بخروجك. قال: ألك علم بيعقوب أبي ما فعل؟ قال:
نعم، ذهب بصره من الحزن عليك.
قال: أيها الملك الحسن وجهه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، ما بلغ من حزنه؟ قال: بلغ حزنه حزن سبعين مثكلة بولدها. قال: أيها الملك الحسن وجهه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، فما له من الأجر؟ قال أجر مائة شهيد «3» وألف مثكلة «4» موجعة «5» . قال: أيها الملك الحسن وجهه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، هل رأيت «6» يعقوب؟
قال: نعم. قال: أيها الملك من ضم إليه بعدي؟ قال: أخاك بنيامين. قال يوسف: يا ليت السباع تقسمت لحمى، ولم يلق يعقوب فى سببى ما لقي، فلما سمع الساقي رؤيا الملك ذكر تصديق عبارة «7» يوسف- عليه السلام- في نفسه وفي الخباز فذلك قوله: وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما من القتل وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ
__________
(1) عليه: ساقطة من أ، وهي فى: ل.
(2) فى أ: أبشر، ل: أبشرك. [.....]
(3) من ل. وفى اتصحيف إلى: أجر مر شهيد.
(4) فى حاشية أ: الثكلى هي التي ليس لها إلا ولد واحد ويموت.
(5) فى أ: مرجعه، وفى حاشية ا. تقول إنا لله وإنا إليه راجعون، وفى ل: موجعه.
(6) من ل. وفى أ: برئ.
(7) أى: تعبيره الرؤيا.(2/337)
يعني وذكر بعد حين أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ [182 ب] يعني بتعبيره فَأَرْسِلُونِ- 45- إلى يوسف فلما أتى يوسف قال له الساقي: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ يعني أيها الصادق فيما عبرت لي ولصاحبي أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ قال: أما البقرات السبع السمان، والسنبلات الخضر، فهن «1» سبع سنين مخصبات.
وأما البقرات العجاف السبع، والسنبلات السبع الأخر اليابسات، فهن المجدبات.
ثم قال الساقي: لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ يعني أهل مصر لَعَلَّهُمْ يعني لكي يَعْلَمُونَ- 46- تعبيرها يعني تعبير هذه الرؤيا، ثم علمهم كيف يصنعون؟ قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً يعني دائبين في الزرع ثم علمهم يوسف ما يصنعون فقال: فَما حَصَدْتُمْ من حب فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ «2» فإنه أبقى له لئلا يأكله السوس «3» إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ- 47- فتشقونه «4» ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ يعني من بعد السنين المخصبات سَبْعٌ شِدادٌ يعنى مجدبات يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ يعني ما ذخرتم لهن في هذه السنين الماضية «5» إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ- 48- يعني مما تدخرون فتحرزونه ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ يعني من بعد السنين المجدبات عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ يعني أهل مصر بالمطر وَفِيهِ يَعْصِرُونَ- 49- العنب، والزيت من
__________
(1) من ل، وفى أ: فهو.
(2) فى ا، ل: يعنى فى كعبره.
(3) فى أ، ل: يعنى فى كعبره فإنه أبقى له لا يتكل. وفى القرطبي: لئلا يأكله السوس.
(4) فى الجلالين: فادرسوه، وفى أ. فتشقونه، وهي ساقطة من: ل.
(5) من: ل، وفى أ: الماضيات.(2/338)
الخصب. هذا من قول يوسف وليس من رؤيا الملك فرجع الرسول فأخبره فعجب وَقالَ الْمَلِكُ واسمه الريان بن الوليد: ائْتُونِي بِهِ يعنى بيوسف فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ يعني رسول الملك وهو الساقي قالَ له ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ يعنى سيدك فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ الخمس اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ يعني حززن أصابعهن بالسكين إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ يعني بقولهن عَلِيمٌ- 50- حين قلن ما يمنعك أن تقضى لها حاجتها، أراد يوسف- عليه السلام- أن يستبين عذره عند الملك قبل أن يخرج من السجن ولو خرج يوسف حين أرسل إليه الملك قبل أن يبرئ نفسه لم يزل متهما في نفس الملك فمن ثم «قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ مَا بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ» فيشهدن أن امرأة العزيز قالت: «لَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ «1» » فلما سألهن الملك قالَ لهن: مَا خَطْبُكُنَّ يعني ما أمركن كقوله: «فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ «2» » يعني ما أمركم إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ وذلك أنهن قلن حين خرج عليهن يوسف من البيت «3» ما عليك أن تقضي لها حاجتها فأبى عليهن فرددن على الملك قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ يعني معاذ الله مَا عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ يعني الزنا فلما سمعت زليخا قول النسوة. قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ عند ذلك الْآنَ حَصْحَصَ يعني الآن تبين الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ يوسف لَمِنَ الصَّادِقِينَ- 51-[183 ا] في قوله فأتاه الرسول في السجن فأخبره بقول النسوة عند الملك قال يوسف:
__________
(1) سورة يوسف: 32.
(2) سورة الحجر: 57، وسورة الذاريات: 31.
(3) فى ل زيادة: فى الفيطور وهي الخزانة. وفى ازيادة: يعنى القيطون وهي الخزانة.(2/339)
ذلِكَ لِيَعْلَمَ يقول هذا ليعلم سيده أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ في أهله ولم أخالفه فيهن «1» وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ- 52- يعني لا يصلح عمل الزناة يقول يخذلهم فلا يعصمهم من الزنا، فأتاه الملك- وهو جبريل- بالبرهان الذي رأى فقال ليوسف: أين ما هممت به أولا حين حللت سراويلك وجلست بين رجليها؟ فلما ذكر الملك ذلك قال عند ذلك: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي يعني قلبي من الهم لقد هممت بها إِنَّ النَّفْسَ يعني القلب لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ للجسد «2» يعني بالإثم، ثم استثنى فقال: إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي يعني إلا ما عصم ربي فلا تأمر بالسوء إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ لما هم به من المعصية رَحِيمٌ- 53- به حين عصمه وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي يعني أتخذه فَلَمَّا أتاه يوسف وكَلَّمَهُ «3» أي كلم الملك قالَ ليوسف: إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ يقول عندنا وجيه أَمِينٌ- 54- على ما وكلت به كقوله: عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ «4» ثم قالَ يوسف للملك: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ بمصر إِنِّي حَفِيظٌ لما وكلتني به عَلِيمٌ- 55- يعني عالم بلغة الناس كلها.
قَالَ مُقَاتِلُ: قَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-: لو قال: «إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ» إن شاء الله- لملك من يومه ذلك.
وقال ابن عباس: لبث بعد ذلك سنة ونصفا ثم ملك أرض مصر.
وقال مُقَاتِلُ:
قَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عجبت من صبر يوسف، وكرمه، والله يغفر
__________
(1) فى ل: فيهن، ا: فيهم. [.....]
(2) فى ل: الجسد، ا: للجسد.
(3) «كَلَّمَهُ» : ساقطة من: ا: ل.
(4) سورة التكوير: 20 وتمامها «ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ» .(2/340)
له، لو كنت أنا لبادرت الباب «1» . حين بعث إليه الملك يدعوه.
وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ يعني وهكذا مكنا ليوسف الملك فِي الْأَرْضِ في أرض مصر ل يَتَبَوَّأُ يقول ينزل مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا يعني سعتنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ- 56- يعني نوفيه جزاءه، فجزاه الله بالصبر على البلاء والصبر عن المعصية بأن ملكه على مصر، ثم قال: وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ يعني أكبر يعني جزاء الآخرة أفضل مما أعطي في الدنيا من الملك لِلَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بالتوحيد وَكانُوا يَتَّقُونَ- 57- الشرك مثل الذي اتقى يوسف- عليه السلام- وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ من أرض كنعان فَدَخَلُوا عَلَيْهِ أي على يوسف بمصر «2» فَعَرَفَهُمْ يوسف وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ- 58- يقول وهم لا يعرفون يوسف. فقال: من أنتم؟ قالوا:
نحن بنو يعقوب، نحن من أهل كنعان: قال: كم أنتم؟ قالوا: نحن أحد عشر. قال: ما لي لا أرى الأحد عشر: قالوا واحد منا عند أبينا. قال: ولم ذلك؟ قالوا: إن أخاه لأمه أكله الذئب، فلذلك تركناه عند أبينا فهو يستريح إليه «3» وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ يوسف بِجَهازِهِمْ يعني في أمر الطعام قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ يعني بنيامين وكان أخاهم من أبيهم وكان أخا يوسف «4» [183 ب] لأبيه وأمه أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي يعنى أوفى لكم
__________
(1) هذا جزءا من حديث فى صحيح البخاري.
(2) فى أ، ل: (فدخلوا على) يوسف بمصر.
(3) فى أ، ل: «قالوا: إن أخاه أكله الذئب لأم الذي تركناه عند أبينا فلذلك تركناه عنده فهو يستريح إليه.
(4) فى أ: وكان أخوهم من أبيهم، وكان أخو يوسف. وفى ل: بالنصب.(2/341)
الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ- 59- وأنا أفضل من يضيف بمصر فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ يعني فلا بيع لكم عِنْدِي من الطعام وَلا تَقْرَبُونِ- 60- بلادي قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ يعقوب وَإِنَّا لَفاعِلُونَ- 61- ذلك بأبيه وَقالَ يوسف: لِفِتْيانِهِ يعني لخدامه وهم يكيلون لهم الطعام اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ يعني دراهمهم فِي رِحالِهِمْ يعني في أوعيتهم «لَعَلَّهُمْ يعني لكي يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ «1» » يعني لكي يَرْجِعُونَ- 62- إلينا فلا يحبسهم عنا حبس الدراهم إذا ردت إليهم «2» ، لأنهم كانوا أهل ماشية فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ يعني منع كيل الطعام فيه إضمار فيما يستأنف فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا بنيامين نَكْتَلْ الطعام بثمن وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ- 63- من الضيعة قالَ أبوهم: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ في قراءة ابن مسعود: «هل تحفظونه إلا كما حفظتم أخاه يوسف من قبل» بنيامين فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً يعنى فالله خير حفظا منكم وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ- 64- يعني أفضل الراحمين وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ يعني حلوا أوعيتهم وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ يعني دراهمهم فيها إضمار رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يَا أَبانا ما نَبْغِي بعد هذِهِ إضمار فإنهم قد ردوا علينا الدراهم. هذه بِضاعَتُنا يعني دراهمنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا الطعام وَنَحْفَظُ أَخانا بنيامين من الضيعة «3» وَنَزْدادُ من أجله كَيْلَ بَعِيرٍ
__________
(1) «لَعَلَّهُمْ ... » إلى ... لَعَلَّهُمْ» : ساقطة من: أ. وهي من: ل.
(2) هكذا فى: أ، ل.
(3) مكررة مرتين فى: أ.(2/342)
وكان أهل مصر يبيعون الطعام على عدة الرجال ولا يبيعون على عدة الدواب وكان الطعام عزيزا «1» فذلك قوله «وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ» من أجله ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ- 65- سريع لا حبس فيه قالَ أبوهم: لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ يعني تعطوني عهدا من الله لَتَأْتُنَّنِي بِهِ يعني بنيامين ولا تضيعوه كما ضيعتم أخاه يوسف إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ يعني يحيط بكم الهلاك فتهلكوا جميعا فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ يعني عهدهم قالَ يعقوب:
اللَّهُ عَلى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ- 66- يعني شهيدا بيني وبينكم نظيرها في القصص «وَاللَّهُ عَلى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ «2» » فلما سرح بنيامين معهم خشي عليهم العين وكان بنوه لهم جمال وحسن وَقالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مصر مِنْ بابٍ واحِدٍ يعني من طريق واحد وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ من طرق شتى ثم قال:
وَما أُغْنِي عَنْكُمْ إذا جاء قضاء الله مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يعني ما القضاء إلا لله عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ يقول به أثق وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ- 67- يعني به فليثق الواثقون وَلَمَّا دَخَلُوا مصر مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ من طرق شتى أخذ كل واحد منهم في طريق على حدة «3» .
يقول الله تعالى: مَا كانَ يعقوب يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها [184 ا] كقوله
__________
(1) فى الأصل: عزيز.
(2) سورة القصص: 28 وتمامها «قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ» .
(3) على حدة: فى أ، وليست فى ل.(2/343)
«وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً «1» » وهذا من كلام العرب يعني إلا أمرا شجر في نفس يعقوب وَإِنَّهُ يعني أباهم لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ لأن الله- تعالى- علمه أنه لا يصيب بنيه إلا ما قضى الله عليهم وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ- 68- وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ يعني ضم إليه أخاه قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ- 69- يقول فلا تحزن بما سرقوك، وجاءوا بالدراهم التي كانت في أوعيتهم فردوها إلى يوسف- عليه السلام- فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ يقول فلما قضى في أمر الطعام حاجتهم جَعَلَ السِّقايَةَ وهي الإناء الذي يشرب به الملك فِي رَحْلِ أَخِيهِ بنيامين ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ يعني نادى مناد، اسمه بعرايم بن بربري، من فتيان يوسف:
أَيَّتُهَا الْعِيرُ يعني الرفقة إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ- 70- فانقطعت ظهورهم وساء ظنهم ف قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ فيها تقديم «2» يقول وأقبلوا على المنادي ثم قالوا: مَاذَا تَفْقِدُونَ- 71- قالُوا «3» المنادي «ومن معه» لإخوة يوسف: نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ يعني إناء الملك وكان يكال به كفعل أهل العساكر وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ يعنى وقر بعير وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ- 72- يعني به كفيل، فرد الإخوة القول على المنادي قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ يعني أرض مصر بالمعاصي وَما كُنَّا سارِقِينَ
__________
(1) سورة الحشر: 9 وتمامها «وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» . [.....]
(2) أى أن الإقبال على المنادى كان مقدما على القول، وهذا معنى فيها تقديم.
(3) فى أ: «قال» المنادى. وفى حاشية أ: قالوا. وفى ل. قال. ثم صلحت إلى «قالوا» المنادى.(2/344)
- 73- وقد رددنا «1» عليكم الدراهم التي كانت في أوعيتنا ولو كنا سارقين ما رددناها عليكم قالُوا «2» أي المنادي «ومن معه» : فَما جَزاؤُهُ أى السارق إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ- 74- قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ يعني في وعائه يعني المتاع فَهُوَ جَزاؤُهُ يعني هو مكان سرقته كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ- 75- يعني هكذا نجزي السارقين كقوله في المائدة «فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ «3» » يعني بعد سرقته وكان الحكم بأرض مصر أن يغرم السارق عبدا يستخدم على قدر ضعف ما سرق ويترك «4» ، وكان الحكم بأرض كنعان أن يتخذ السارق عبدا يستخدم على قدر سرقته ثم يخلى سبيله فيذهب حيث شاء فحكموا بأرض مصر بقضاء أرضهم.
فَبَدَأَ المنادي بِأَوْعِيَتِهِمْ فنظر فيها فلم ير شيئا قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثم انصرف ولم ينظر في وعاء بنيامين فقال: ما كان هذا الغلام ليأخذ الإناء قال إخوته لا ندعك حتى تنظر في وعائه فيكون أطيب لنفسك فنظر فإذا هو بالإناء ثُمَّ «اسْتَخْرَجَها «5» » مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ يعني من متاع أخيه وهو أخو يوسف لأبيه وأمه كَذلِكَ كِدْنا يعني هكذا صنعنا لِيُوسُفَ أن يأخذ أخاه خادما بسرقته في دين الملك يعني في سلطان الملك، فذلك قوله:
__________
(1) فى أ: ردنا، وعليها علامة تمريض. وفى ل: رددنا.
(2) فى أ: «قال» المنادى، وفى حاشية أ، الآية: «قالوا» .
(3) سورة المائدة: 39.
(4) فى ل: أن يغرم السارق ضعف ما سرك ويترك.
وفى البيضاوي (فِي دِينِ الْمَلِكِ) ملك مصر لأن عينه الضرب وتغريم ضعف ما أخذ دون الاسترقاق وهو بيان للكيد: 320.
(5) فى أ، ل: فاستخرجها.(2/345)
ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ يعنى ليحبس أخاه فِي دِينِ الْمَلِكِ يعني حكم الملك، لأن حكم الملك أن يغرم السارق ضعف ما سرق [184 ب] ثم يترك «1» إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ ذلك ليوسف نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ يعني فضائل يوسف حين أخذ أخاه، ثم قال: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ- 76- يقول الرب- تعالى- عالم «وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ» يقول يوسف أعلم إخوته. ثم قال إخوة يوسف:
قالُوا «2» إِنْ يَسْرِقْ بنيامين فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ بنيامين يعنون يوسف- عليه السلام- وذلك أن جد يوسف أبا أمه كان اسمه لاتان كان يعبد الأصنام، فقالت راحيل لابنها يوسف- عليه السلام-: خذ الصنم ففر به من البيت لعله يترك عبادة الأوثان وكان من ذهب ففعل ذلك يوسف- عليه السلام- فتلك سرقة يوسف التي قالوا. فلما سمع يوسف مقالتهم «3» فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ ولم يظهرها لهم قالَ في نفسه أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً ولم يسمعهم قال أنتم أسوأ صنعا فيما صنعتم بيوسف وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ- 77- يعني بما تقولون من الكذب أن يوسف سرق، فعندها قالوا: ما لقينا من ابني راحيل يوسف وأخيه؟ فقال بنيامين: ما لقي ابنا راحيل منكم؟ أما يوسف فقد فعلتم به ما فعلتم، وأما أنا فسرقتموني. قالوا: فمن جعل الإناء في متاعك؟
قال: جعله في متاعي الذي جعل الدراهم في أمتعتكم. فلما ذكر الدراهم شتموه وقالوا: لا تذكر الدراهم مخافة أن يؤخذوا «4» بها.
__________
(1) من ل. وفى أ: ثم يبرأ.
(2) «قالوا» : ساقطة من ا. وهي فى ل: قال.
(3) فى أ، ل: قولهم، ثم تغير فى ترتيب الآية وتفسير للجزء الأخير قبل الوسط. ففسرها هكذا- «قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً» . «فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ» .
(4) فى ل: يأخذوا، أ: يأخذ.(2/346)
قالُوا «1» أى إخوة يوسف ليوسف يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ وذلك أن أرض مصر صارت إليه وهو خازن الملك إِنَّ لَهُ يعنى لبنيامين أَباً شَيْخاً كَبِيراً حزينا على ابن مفقود فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ- 78- إلينا إن فعلت بنا ذلك قالَ يوسف: مَعاذَ اللَّهِ يقول نعوذ بالله أَنْ نَأْخُذَ يعني أن نحبس بالسرقة إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ- 79- أن نأخذ البريء مكان السقيم «2» فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ يقول يئسوا من بنيامين خَلَصُوا نَجِيًّا يعني خلوا يتناجون بينهم على حدة وقال بعضهم لبعض: قالَ كَبِيرُهُمْ يعني عظيمهم في أنفسهم وأعلمهم، وهو يهوذا، ولم يكن أكبرهم في السن أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ يعني في أمر بنيامين لتأتينه به وَمِنْ قَبْلُ بنيامين ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ يعنى ضيعتم فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ يعني أرض مصر حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي فى الرجعة أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي فيرد علي بنيامين وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ- 80- يعني أفضل القاضين ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ يعني بنيامين وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا يعني رأينا، الصواع حين أخرج من متاعه «3» .
وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ- 81- يعنى وما كنا نرى أنه يسرق [185 ا] ولو علمنا ما ذهبنا به معنا وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ يعنى مصر الَّتِي كُنَّا فِيها أنه سرق وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ- 82-
__________
(1) فى أ، ل: «وقال» .
(2) هكذا فى: أ، ل، والمراد: المذنب.
(3) من ل. وفى أ: لما رأينا، الصواع أخرج من متاعه. [.....](2/347)
فيما نقول. قال لهم يعقوب كلما ذهبتم نقص منكم واحد وكان يوسف- عليه السلام- حبس بنيامين وأقام شمعون ويهوذا فاتهمهم يعقوب- عليه السلام- ف قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ يعني ولكن زينت لكم أَنْفُسُكُمْ أَمْراً كان هو منكم هذا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ يعني صبرا حسنا لا جزع فيه عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً يعني بنيه الأربعة إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ بخلقه الْحَكِيمُ- 83- يعني الحاكم فيهم ولم يخبر الله يعقوب بأمر يوسف ليختبر صبره وَتَوَلَّى عَنْهُمْ يعني وأعرض يعقوب عن بنيه ثم أقبل على نفسه وَقالَ يا أَسَفى يعني يا حزناه عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ ست سنين لم يبصر بهما مِنَ الْحُزْنِ على يوسف فَهُوَ كَظِيمٌ- 84- يعني مكروب يتردد الحزن في قلبه قالُوا أي قال بنوه يعيرونه تَاللَّهِ تَفْتَؤُا يعني والله ما تزال تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً يعنى الدنف أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ- 85- يعنى الميتين قالَ
لهم أبوهم: إنَّما أَشْكُوا بَثِّي
يعنى ما بثه فى الناس حُزْنِي
يعنى ما بطن لَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ
يعني من تحقيق رؤيا يوسف أنه كائن الا تَعْلَمُونَ
- 86- يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يعني فابحثوا عن يُوسُفَ وَأَخِيهِ بنيامين وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ يعني من رحمة الله إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ يعني من رحمة الله إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ- 87- وذلك أن يعقوب- عليه السلام- رأى ملك الموت في المنام فقال له: هل قبضت روح يوسف؟ قال: لا، وبشره.
فلما أصبح قال: «يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا» فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ يوسف قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ يعني الشدة والبلاء من الجوع(2/348)
وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ يعني دراهم «1» نفاية فجوزها «2» عنا فَأَوْفِ يعني فوفر لَنَا الْكَيْلَ بسعر «3» الجياد وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا يقول: تكون هذه صدقة منك يعنون معروفا أن تأخذ النفاية وتكيل لنا الطعام بسعر الجياد إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ- 88- لمن كان على ديننا إضمار ولو علموا أنه مسلم لقالوا: إن الله يجزيك بصدقتك فلما سمع ما ذكروا من الضر قالَ لهم:
هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ يعني بي وبأخي بنيامين إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ- 89- يعني مذنبين قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا يقول قد أنعم الله علينا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ الزنا وَيَصْبِرْ على الأذى فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ- 90- يعني جزاء من أحسن حتى يوفيه جزاءه قالُوا تَاللَّهِ يعني والله لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا يعني اختارك كقوله في طه: «لَنْ نُؤْثِرَكَ «4» » [185 ب] يعني لن نختارك، علينا عند يعقوب وأعطاك وملكك الملك وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ- 91- في أمرك فأقروا بخطيئتهم قالَ يوسف: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يقول لا تعيير عليكم، لم يثرب عليهم بفعلهم القبيح يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ما فعلتم وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ- 92- من غيره اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً بعد البياض وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ- 93- فلا يبقى منكم أحد وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ من مصر إلى كنعان ثمانين فرسخا
__________
(1) فى ل: جزاهم، أ: دراهم.
(2) فى أ: تجوزها، ل: فجوزها.
(3) فى أ: سعر، ل: بسعر.
(4) سورة طه: 72.(2/349)
قالَ أَبُوهُمْ يعقوب لبني بنيه: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ- 94- يعني لولا أن تجهلون قالُوا بنو بنيه: تَاللَّهِ والله إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ- 95- مثل قوله «إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ» «1» يقول في شقاء «2» وعناء، يعني في شقاء من حب يوسف وذكره فما تنساه وقد أتى عليه أربعون سنة «فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ» «3» فلما أتاه البشير وهو الذي ذهب بالقميص الأول الذي كان عليه الدم، وألقى القميص على وجه يعقوب فَارْتَدَّ يعني فرجع بَصِيراً بعد البياض قالَ يعقوب:
يا بني أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ- 96- وذلك أن يعقوب قال لهم: ِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ
«4» » من تحقيق رؤيا يوسف قالُوا يَا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ- 97- في أمر يوسف قالَ أبوهم: إني سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي سحرا من الليل إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ للذنوب الرَّحِيمُ- 98- بالمؤمنين فَلَمَّا دَخَلُوا «5» يعني يعقوب وأهله أرض مصر عَلى يُوسُفَ آوى يعنى ضم إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ لهم: ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ- 99- من الخوف فدخل منهم اثنان وسبعون إنسانا من ذكر وأنثى وَرَفَعَ يوسف أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ يعني على السرير وجعل أحدهما عن يمينه،
__________
(1) سورة القمر: 24.
(2) فى أ: شقاق، ل: شقاء.
(3) ما بين القوسين « ... » : ساقط من أ، ل، ومكثوبة بالمعنى وليس بنص الآية.
(4) سورة يوسف: 86.
(5) فى أزيادة: عليه، وليست فى ل.(2/350)
والآخر عن يساره، وكانت أمه راحيل قد ماتت وخالته تحت يعقوب «1» - عليه السلام- وهي التي رفعها على السرير وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً أبوه، وخالته، وإخوته قبل أن يرفعهما على السرير في التقديم «2» . قال أبو صالح: هذه سجدة التحية لا سجدة العبادة، وَقالَ يوسف: يَا أَبَتِ هَذَا السجود تَأْوِيلُ يعني تحقيق رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا يعني صدقا وكان بين رؤيا يوسف وبين تصديقها أربعون «3» سنة وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ كانوا أهل عمود ومواشى مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ «4» يعني أزاغ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ حين أخرجه من السجن ومن البئر وجمع بينه وبين أهل بيته [186 ا] بعد التفريق فنزع من قلبه نزع الشيطان على إخوته بلطفه إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ- 100- مات يعقوب قبل يوسف بسنتين، ودفن يعقوب والعيص بن إسحاق في قبر واحد وخرجا من بطن واحد في ساعة واحدة، فلما جمع الله ليوسف شمله فأقر بعينه وهو مغموس في الملك والنعمة اشتاق إلى الله وإلى آياته فتمنى الموت.
حدثنا عبيد الله قال: حدثني أبي قال: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ قَالَ «5» : قال مُقَاتِلُ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «6» : لَمْ يَتَمَنَّ الموت نبى قط غير يوسف-
__________
(1) فى حاشية ل: لا حاجة إلى هذه الرواية لأن النصوص الظاهرة تدل على أن أمه حية مثل قوله: «آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ» ، «وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ» والرؤيا تدل عليه وحمله على التغليب إنما يمكن بدليل قوى يدل على أن أمه ماتت فلم يوجد، والله أعلم. ظهر لي.
(2) أى: أن معنى الجملة مقدم على التي قبلها: فقد سجد له أبواه قبل أن يرفعهما على السرير.
(3) فى ل: أربعين سنة، ا: أربعون سنة.
(4) فى أ، ل: أزاغوا.
(5) السند السابق: ساقط من ل. ويبدأ فى ل: قال مقاتل. [.....]
(6) قال: ساقطة من أ، وهي من ل.(2/351)
عليه السّلام- قال: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي يعنى قد أعطيتنى مِنَ الْمُلْكِ عَلَى أَهْلِ مِصْرَ ثَمَانِينَ سَنَةً وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ من «1» هاهنا صلة، يعنى تعبير الرؤيا فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَعْنِي خَالِقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كُنْ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً يعنى مخلصا بتوحيدك وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ- 101- يَعْنِي أَبَاهُ يَعْقُوبَ، وَإِسْحَاقَ، وَإِبْرَاهِيمَ، ذلِكَ الخبر مِنْ أَنْباءِ يعني من أحاديث الْغَيْبِ غاب يا محمد أمر يوسف، ويعقوب، وبنيه، عنك حتى أعلمناك نُوحِيهِ إِلَيْكَ لم تشهده ولم تعلمه وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ يعني عند إخوة يوسف إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ- 102- بيوسف- عليه السّلام- وَما أَكْثَرُ النَّاسِ يعنى كفار مكة وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ- 103- يعنى بمصدقين.
فيها تقديم. وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ يعني على الإيمان من جعل إِنْ هُوَ يعنى القرآن إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ- 104- وَكَأَيِّنْ يعنى وكم مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ الشمس، والقمر، والنجوم، والسحاب، والرياح، والمطر، وَالْأَرْضِ الجبال «2» ، والبحور، والشجر، والنبات، عاما بعد عام يَمُرُّونَ عَلَيْها يعني يرونها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ- 105- أفلا يتفكرون فيما يرون من صنع الله فيوحدونه وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ أي أكثر «3» أهل مكة بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ- 106- في إيمانهم فإذا سئلوا: من خلقهم وخلق الأشياء كلها؟ قالوا: الله. وهم في ذلك يعبدون الأصنام فخوفهم فقال: أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ
__________
(1) فى أ، ل: المن.
(2) فى ل: الجبال، ا: والجبال.
(3) فى أ، ل: أكثر.(2/352)
يعني أن تغشاهم عقوبة مِنْ عَذابِ اللَّهِ فى الدنيا أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً يعني فجأة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ- 107- بإتيانها هذا وعيد قُلْ هذِهِ ملة الإسلام سَبِيلِي يعني سنتي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ يعني إلى معرفة الله وهو التوحيد عَلى بَصِيرَةٍ يعني على بيان أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي على ديني «1» وَسُبْحانَ اللَّهِ نزه الرب نفسه عن شركهم وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ- 108- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى لأن أهل الريف أعقل وأعلم من أهل العمود «2» وذلك [186 ب] حين قال كفار مكة بألا بعث الله ملكا رسولا أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني من قبل أهل مكة كان عاقبتهم الهلاك في الدنيا يعني قوم عاد، وثمود، والأمم الخالية وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ يعني أفضل من الدنيا لِلَّذِينَ اتَّقَوْا الشرك أَفَلا تَعْقِلُونَ- 109- أن الآخرة أفضل من الدنيا حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ من إيمان «3» قومهم، أوعدتهم رسلهم العذاب في الدنيا، بأنه «4» نازل بهم وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا حسب قوم الرسل قد كذبوهم العذاب في الدنيا بأنه نازل بهم يقول: جاءَهُمْ يعني الرسل نَصْرُنا فَنُجِّيَ «5» مَنْ نَشاءُ
__________
(1) فى أ، ل: «أنا ومن اتبعنى على بصيرة» فقدم جزءا من الآية على مكانه.
(2) هكذا فى: أ، ل. والمراد: أهل الحضر.
(3) فى أ: إيمان إيمان.
(4) فى أ: أنه، ل: بأنه.
(5) فى أ: فننجى.(2/353)
من المؤمنين من العذاب مع رسلهم فهذه مشيئته وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا يقول لا يقدر أحد أن يرد عذابنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ- 110- لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ يعني في خبرهم يعني نصر الرسل وهلاك قومهم حين خبر الله عنهم في كتابه في- طسم- الشعراء «1» ، وفى- اقتربت الساعة «2» -، وفى سورة هود «3» ، وفي الأعراف «4» ، ماذا لقوا من الهلاك عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ يعني لأهل اللب والعقل مَا كانَ هذا القرآن حَدِيثاً يُفْتَرى يعني يتقول لقول كفار مكة إن محمدا تقوله من تلقاء نفسه وَلكِنْ تَصْدِيقَ الكتاب الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ يقول: يصدق «5» القرآن الذي أنزل على محمد «6» الكتب التي قبله كلها أنها من الله وَتَفْصِيلَ يقول فيه بيان كُلِّ شَيْءٍ وَهو هُدىً من الضلالة وَرَحْمَةً من العذاب لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ- 111- يعني يصدقون بالقرآن أنه من الله- عز وجل.
__________
(1) اشتملت سورة الشعراء على: قصة موسى من الآية 10- 68، وقصة إبراهيم من الآية 69- 104، وقصة نوح 105- 122، وقصة عاد 123- 140، وقصة ثمود 141- 159، وقصة لوط 160- 175، وقصة شعيب 176- 191.
(2) انظر سورة القمر وفيها حديث عن: نوح، وعاد قوم هود، وثمود قوم صالح، وعن قوم لوط.
(3) تحدثت سورة هود عن قصة نوح من الآية 25: 49، وعن قصة عاد قوم هود من الآية 50- 60، وعن قصة ثمود قوم صالح من الآية 61: 68، وعن قصة إبراهيم خليل الله من الآية 69- 76، وعن لوط من الآية 77- 82، وعن قصة مدين قوم شعيب من الآية 84- 95، وعن قصة موسى وفرعون من الآية 96- 100.
(4) فى سورة الأعراف: قصة آدم من الآية 19- 25، وقصة هود مع قومه من الآية 65- 72، وقصة صالح من الآية 73- 79، وقصة لوط من الآية 80- 84، وقصة شعيب من الآية 85- 102، وقصة موسى من الآية 103- 171.
(5) ا: الصدق، ل: يصدق. [.....]
(6) فى أ، ل زيادة: يعنى.(2/354)
سورة الرّعد(2/355)
(13) سورة الرّعد مدنيّة وآياتها ثلاث وأربعون(2/357)
[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 113]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (1) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)
وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (5) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (6) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (7) اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (9)
سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (10) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (11) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (14)
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (15) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (16) أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ (17) لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (18) أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19)
الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)
وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ (26) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (27) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29)
كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (30) وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (31) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (32) أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (34)
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (35) وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (37) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (38) يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (39)
وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (40) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (43) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10)
قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى مَا آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15)
مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (17) مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (18) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20)
وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ (21) وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (22) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (23) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَها مِنْ قَرارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشاءُ (27) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30)
قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (31) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (33) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35)
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (40)
رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (41) وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (45)
وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (46) فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (49) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)
لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (51) هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1) رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (2)
ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (4) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (5) وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7)
مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (11) كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12)
لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13) وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (16)(2/358)
سورة الرعد «1» مكية ويقال مدنية «2» وهي ثلاث وأربعون آية. كوفية
__________
(1) «مقصود سورة الرعد» المقصود الإجمالى لهذه السورة ما يأتى:
بيان حجة التوحيد فى خلق السموات، والأرض، واستخراج الأنهار، والأشجار والثمار، وتهديد الكفار ووعيدهم، وذكر خلق الأولاد فى أرحام الأمهات، على تباين الدرجات ومع النقصان والزيادات، الأيام والساعات. واطلاع الحق- تعالى- على بواطن الأسرار، وضمائر الأخيار والأشرار، وذكر السحاب والرعد، والبرق، والصواعق. والرد على عبادة الأصنام. وقصة نزول القرآن من السماء، والوفاء بالعهد ونقض الميثاق، ودخول الملائكة بالتسليم على أهل الجنان. وأنس أهل الإيمان بذكر الرحمة وبيان تأثير القرآن فى الآثار والأعيان وكون عاقبة أهل الإيمان إلى الجنان.
ومرجع الكفار إلى النيران، والمحو والإثبات فى اللوح بحسب مشيئة الديان، وتقدير الحق فى أطراف الأرض بالزيادة والنقصان، وتقرير نبوة المصطفى بنزول الكتاب وبيان القرآن فى قوله: «وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا، قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ» .
وفواصل آيات سورة الرعد (ن ق ر د ع ب ل) (نقر دعبل) .
ومعظم الآيات التي على الباء تسبقها ألف، نحو مآب مناب.
(2) فى المصحف المتداول سورة الرعد مدنية وآياتها 43 نزلت بعد سورة محمد.
وفى كتاب بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي: السورة مكية، وتسمى سورة الرعد لقوله فيها:
يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ، وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ الآية 13.(2/365)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ لقول كفار مكة: إن محمدا تقول القرآن من تلقاء نفسه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يعني أكثر كفار لا يُؤْمِنُونَ- 1- بالقرآن أنه من الله اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها فيها تقديم ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ قبل خلقهما وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يعني إلى يوم القيامة يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يقضي القضاء يُفَصِّلُ الْآياتِ يعني يبين صنعه الذي ذكره «1» في هذه الآية لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ- 2- بالبعث إذا رأيتم صنعه في الدنيا فتعتبروا فى البعث وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ يعني بسط الأرض من تحت الكعبة فبسطها بعد الكعبة بقدر ألفى سنة [187 أ] فجعل طولها مسيرة «2» خمسمائة عام وعرضها مسيرة خمسمائة عام وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ يعني الجبال أثبت بهن الأرض لئلا تزول بمن عليها وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يعني ظلمة الليل وضوء النهار إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ يعني فيما ذكر من صنعه عبرة لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ- 3- في صنع الله فيوحدونه وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ يعنى بالقطع الأرض السبخة، والأرض
__________
(1) فى أ، ل: ذكر.
(2) مسيرة: ساقطة من: ا، وهي من ل.(2/366)
العذبة مُتَجاوِراتٌ يعني قريب بعضها «1» من بعض وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ يعنى الكرم وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ يعني النخيل التي رءوسها متفرقة وأصلها في الأرض واحد وَغَيْرُ صِنْوانٍ وهي «2» النخلة أصلها وفرعها واحد يُسْقى هذا كله بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ يعني في الحمل فبعضها أكبر حملا «3» من بعض إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ يعني ما ذكر من صنعه لعبرة لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ- 4- فيوحدون ربهم وَإِنْ تَعْجَبْ يا محمد بما أوحينا إليك من القرآن كقوله في الصافات: «بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ «4» » ثم قال: فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ يعني كفار مكة يقول لقولهم عجب فعجبه «5» من قولهم يعني ومن تكذيبهم بالبعث حين قالوا: أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ تكذيبا بالبعث ثم نعتهم فقال: أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ- 5- لا يموتون وَيَسْتَعْجِلُونَكَ وذلك أن النضر بن الحارث قال اللَّهُمَّ: «إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ «6» » فقال الله- عز وجل:
«وَيَسْتَعْجِلُونَكَ» يعني النضر بن الحارث بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ يعنى
__________
(1) فى ل: بعضها، أ: بعضهم.
(2) فى ل: فهي، ا: وهي.
(3) حملا: ساقطة من أ، وهي من ل.
(4) سورة الصافات: 12.
(5) من ل، وفى أ: أفعجبت.
(6) سورة الأنفال: 32 وتمامها وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ.(2/367)
بالعذاب قبل العافية كقول صالح لقومه: «لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ» يعنى بالعذاب «قَبْلَ الْحَسَنَةِ «1» » يعنى العافية وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ يعني أهل مكة الْمَثُلاتُ يعني العقوبات في كفار الأمم الخالية فسينزل بهم ما نزل بأوائلهم، ثم قال: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ يعنى ذو تجاوز لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ يعني على شركهم «2» بالله «3» في تأخير العذاب عنهم إلى وقت، يعني الكفار فإذا جاء الوقت عذبناهم بالنار، فذلك قوله: وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ- 6- إذا عذب وجاء الوقت، نظيرها فى حم- السجدة «4» وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله لَوْلا يعني هلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ: على محمد «5» آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ محمد يقول الله: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ يا محمد هذه الأمة وليست الآية «6» بيدك وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ- 7- يعني لكل قوم فيما خلا داع مثلك يدعو إلى دين الله يعني الأنبياء. اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى من ذكر وأنثى كقوله في لقمان:
«وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ «7» » سويا أو غير سوى ذكرا أو أنثى ثم قال [187 ب] :
وَما تَغِيضُ يعني وما تنقص الْأَرْحامُ كقوله «وَغِيضَ الْماءُ «8» »
__________
(1) سورة النمل: 46.
(2) فى أ: يعنى شركهم، ل: يعنى على شركهم.
(3) «بالله» : ساقطة من أ، وهي من ل. [.....]
(4) هي سورة فصلت، ويشير إلى ما جاء فى الآيات: 40، 50، 53، 54.
(5) فى أ، ل «أنزل على» محمد.
(6) من ل، وفى أ: وليست هذه الأمة.
(7) سورة لقمان: 34.
(8) سورة هود: 44.(2/368)
يعني ونقص الماء، يعني وما تنقص الأرحام من الأشهر التسعة وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ من تمام الولد والزيادة في بطن أمه عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ- 8- يعني قدر خروج الولد من بطن أمه وقد مكنه في بطنها إلى خروجه فإنه يعلم ذلك كله ثم قال: عالِمُ الْغَيْبِ يعني غيب الولد في بطن أمه «ويعلم غيب كل شيء «1» » وَالشَّهادَةِ يعني شاهد الولد وغيره يقول الله إذا علمت هذا فأنا:
الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ- 9- يعني العظيم لا أعظم منه الرفيع فوق خلقه سَواءٌ مِنْكُمْ عند الله مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ يعني بالقول «2» وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ- 10- يقول من هو مستخف بالمعصية في ظلمه الليل، ومنتشر بتلك المعصية بالنهار معلن بها «3» فعلم ذلك كله عند الله- تعالى- سواء، ثم قال لهذا الإنسان المستخفي «4» بالليل، السارب «5» بالنهار مع علمي بعمله لَهُ مُعَقِّباتٌ من الملائكة مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ يعني بأمر الله من الإنس والجن مما لم يقدر أن يصيبه حتى تسلمه المقادير فإذا أراد الله أن يغير ما به لم «6» تغن عنه المعقبات شيئا. ثم قال: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ من النعمة حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ يعني كفار مكة نظيرها من الأنفال «ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ ... » إلى آخر الآية «7» . والنعمة أنه بعث فيهم رسولا
__________
(1) فى أزيادة: «قال ويعلم ... » .
(2) فى أزيادة: «من أعلن بالسر وأسره منكم» وليست فى ل.
(3) فى أ: فعلن بها، ل: معلن بها.
(4) فى أ: المستخف، ل: المستخفى.
(5) هكذا فى: أ، ل. والأنسب: والسارب.
(6) هكذا فى: أ، ل.
(7) سورة الأنفال: 53. وتمامها «ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» .
تفسير مقاتل- 24(2/369)
من أنفسهم، وأطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، فغيروا هذه النعمة فغير الله ما بهم، فذلك قوله: وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً يعني بالسوء العذاب فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ- 11- يعني ولي يرد عنهم العذاب هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً للمسافر من الصواعق وَطَمَعاً للمزارع «1» المقيم في رحمته يعني المطر وَيُنْشِئُ يعني ويخلق مثل قوله: «وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ «2» » يعني المخلوقات السَّحابَ الثِّقالَ- 12- من الماء وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ يقول ويذكر الرعد بأمره يحمده «3» والرعد ملك من الملائكة اسمه الرعد وهو موكل بالسحاب صوته تسبيحه، يزجر السحاب ويؤلف بعضه إلى بعض ويسوقه بتسبيحه إلى الأرض التي أمر الله- تعالى- أن تمطر فيها، ثم قال: «وَ» تسبح الْمَلائِكَةُ بزجرته مِنْ خِيفَتِهِ يعني من مخافة الله- تعالى- فميز بين الملائكة وبين الرعد وهما سواء كما ميز بين جبريل، وميكائيل في البقرة «4» وكما ميز بين الفاكهة، وبين النخل، والرمان، وهما سواء ثم قال: وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ هذا أنزل «5» في أمر عامر، والأربد بن قيس حين أراد «6» قتل النبي- صلى الله عليه وسلم- وذلك
أن عامر بن الطفيل العامري دخل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «أسلم على أن ذلك المدر ولي الوبر» فقال
__________
(1) محذوفة من ل. هكذا (وطمعا) للمقيم.
(2) سورة الرحمن الآية: 24. [.....]
(3) من ل، والجملة ساقطة من أ: «يحمده ... إلى ... يجمده» .
(4) يشير إلى الآية: 98 من سورة البقرة وتمامها: «مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ» .
(5) فى ل: هذا أنزل، أ: هذا نزل.
(6) فى ل: أراد، أ: أرادوا.(2/370)
له النبي- صلى الله عليه وسلم-: «إنما أنت امرؤ [188 أ] من المسلمين لك ما لهم وعليك ما عليهم» . قال: «فلك الوبر ولي المدر» «1» فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم-: مثل ذلك. قال: «فلي الأمرين من بعدك» قال له النبي صلى الله عليه وسلم-: مثل قوله الأول «لك ما لهم وعليك ما عليهم» . فغضب عامر فقال: «لأملأنها عليك خيلا، ورجالا، ألف أشقر عليها ألف أمرد» ثم خرج مغضبا فلقي ابن عمه أربد بن قيس العامري، فقال عامر لأربد:
«ادخل بنا على محمد فألهيه في الكلام وأنا أقتله، وإن شئت ألهيته بالكلام وقتلته أنت» قال أربد: «ألهه أنت وأنا أقتله» . فدخلا على النبي- صلى الله عليه وسلم- فأقبل عامر على النبي- صلى الله عليه وسلم- يحدثه وهو ينظر «2» إلى أربد متى يحمل عليه فيقتله، ثم طال مجلسه فقام عامر وأربد فخرجا فقال عامر لأربد: «ما منعك من قتله؟» قال: «كلما أردت قتله وجدتك تحول بيني وبينه» وأتى جبريل النبي- صلى الله عليه وسلم «3» - فأخبره بما أرادا فدعا النبي- صلى الله عليه وسلم- عليهما فقال: «اللهم اكفني عامرا وأربدا واهد بني عامر «4» »
فأما أربد فأصابته صاعقة فمات، فذلك قوله- تعالى-:
«وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ» فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ يعني أربد بن قيس وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ يعني يخاصمون في الله. وذلك أن عامرا قال للنبي- صلى الله
__________
(1) من: ل، وفى أ: والمدر.
(2) من: ل، وفى أ: وينظر.
(3) فى ل: وأتى جبريل- عليه السّلام- النبي- صلى الله عليه وسلم- وفى أ: وأتى جبريل النبي- عليهما السلام.
(4) فى أ: عامر، ل: عامرا.(2/371)
عليه وسلم-: «أخبرني عن ربك أهو من ذهب «1» ، أو من فضة، أو من نحاس «2» ، أو من حديد، أو ما هو؟» فهذا القول خصومته فأنزل الله- تعالى-:
«قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ «3» » يقول ليس هو من نحاس ولا من غيره. وسلط الله عليه الطاعون في بيت امرأة من بني سلول فجعل يقول عامر قتيل بغير سلاح غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية ابرز يا ملك الموت «4» حتى أقاتلك، فذلك قوله: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ- 13- يعني الرب- تعالى- نفسه. يعني شديد الأخذ إذا أخذ نزلت في عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ يعني كلمة الإخلاص وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ يعني والذين يعبدون من دون الله من الآلهة وهي الأصنام لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ يقول لا تجيب الآلهة من يعبدها ولا تنفعهم كما لا ينفع العطشان الماء «يبسط يده إلى الماء وهو على شفير بئر يدعوه أن يرتفع إلى فيه «5» » لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ حتى يموت من العطش فكذلك لا تجيب «6» الأصنام، ثم قال: فادعوا يعني فادعوا الأصنام وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ يعني وما عبادة الكافرين إِلَّا فِي ضَلالٍ- 14- يعني خسران وباطل وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ
__________
(1) فى أ: أمن ذهب، ل: أهو من ذهب.
(2) فى أ: أو من نحاس، ل: أو نحاس.
(3) سورة الإخلاص.
(4) الموت: ساقطة من أ، وهي من ل.
(5) ما بين القوسين « ... » زيادة من الجلالين والبيضاوي لتصحيح المعنى.
وفى أ، ل: حين يرفع الماء بيده إلى فيه. اهـ وتلاحظ أنه تفسير غير المراد من الآية.
(6) من ل. وفى أ: لا يجيبون. [.....](2/372)
يعني الملائكة وَالْأَرْضِ طَوْعاً يعني المؤمنين ثم قال: وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ يعني ظل الكافر كرها يسجد لله وهو بِالْغُدُوِّ حين تطلع الشمس وَالْآصالِ- 15- يعني بالعشي إذا زالت الشمس يسجد ظل الكفار لله وإن كرهوا قُلْ يا محمد لكفار مكة [188 ب] مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ فِي قراءة أَبِي بن كَعْب، وابن مسعود «قالوا الله» : قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ الله «1» أَوْلِياءَ تعبدونهم يعني الأصنام لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ يعني الأصنام لا يقدرون لأنفسهم نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى عن الهدى وَالْبَصِيرُ بالهدى يعني الكافر والمؤمن أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ يعني الشرك وَالنُّورُ يعني الإيمان ولا يستوي من كان فى الظلمة كمن كان في النور ثم قال يعنيهم: أَمْ جَعَلُوا يعني وصفوا لِلَّهِ شُرَكاءَ من الآلهة خَلَقُوا كَخَلْقِهِ يقول خلقوا كما خلق الله فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ يقول فتشابه ما خلقت الآلهة والأصنام وما خلق الله عليهم، فإنهم لا يقدرون أن يخلقوا، فكيف يعبدون ما لا يخلق شيئا، ولا يملك، ولا يفعل، كفعل الله- عز وجل- قُلْ لهم يا محمد: اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ لا شريك له الْقَهَّارُ- 16- والآلهة مقهورة وذليلة. ثم ضرب الله- تعالى- مثل الكفر والإيمان، ومثل الحق والباطل فقال: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها وهذا مثل القرآن الذي علمه المؤمنون وتركه الكفار «2» فسال الوادي الكبير على قدر كبره «منهم من حمل منهم كبيرا «3» » والوادي الصغير على قدره
__________
(1) فى أ، ل: من دون الله.
(2) فى أ، ل: علمه المؤمنين وتركه الكفار.
(3) هكذا فى أ، ل. والأنسب حذف هذه الجملة أو يقال (منهم من حمل منه كبيرا) .(2/373)
فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ يعني سيل الماء زَبَداً رابِياً يعني عاليا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ أيضا ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ يعني الذهب، والفضة ثم قال: أَوْ مَتاعٍ يعني المشبه «1» ، والصفر، والحديد، والرصاص، له أيضا زَبَدٌ مِثْلُهُ فالسيل زبد لا ينتفع به، والحلي، والمتاع له أيضا زبد، إذا أدخل النار أخرج خبثه، ولا ينتفع به، والحلي، والمتاع له أيضا زبد، إذا أدخل النار أخرج خبثه، ولا ينتفع به، والذهب والفضة والمتاع ينتفع به، ومثل الماء مثل القرآن وهو الحق، ومثل الأودية مثل القلوب، ومثل السيل مثل الأهواء. فمثل الماء، والحلي، والمتاع، الذي ينتفع به مثل الحق الذي في القرآن، ومثل زبد الماء، وحيث المتاع، الذي لا ينتفع به مثل الباطل فكما ينتفع بالماء وما خلص من الحلي والمتاع الذي ينتفع به أهله في الدنيا فكذلك الحق ينتفع به أهله في الآخرة. وكما لا ينتفع بالزبد وخبث الحلي والمتاع أهله في الدنيا فكذلك الباطل لا ينتفع أهله في الآخرة كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً يعني يابسا لا ينتفع به الناس كما لا ينتفع بالسيل وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ فيستقون ويزرعون عليه وينتفعون به يقول: كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ- 17- يعني الأشباه فهذه الثلاثة الأمثال ضربها «2» الله في مثل واحد لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى لهم في الآخرة وهي الجنة وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ [189 أ] بالإيمان وهم الكفار لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ فقدروا على أن يفتدوا به أنفسهم من العذاب لَافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ يعني شدة الحساب حين لا يتجاوز عن شيء من ذنوبهم وَمَأْواهُمْ يعنى مصيرهم
__________
(1) هكذا فى: أ، ل. ولعل المراد ما يشبه الحلية.
(2) هكذا فى: أ، ل. والأولى فهذه الأمثال الثلاثة أو ثلاثة الأمثال.(2/374)
جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ- 18- يعني بئس ما مهدوا لأنفسهم ثم ضرب مثلا آخر فقال: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ يعنى القرآن نزل فى عمار ابن ياسر كَمَنْ هُوَ أَعْمى عن القرآن لا يؤمن بما أنزل من القرآن فهو أبو حذيفة بن المغيرة المخزومي لا يستويان هذان «1» وليسا بسواء ثم قال: إِنَّما يَتَذَكَّرُ فى هذا الأمر أُولُوا الْأَلْبابِ- 19- يعني عمار بن ياسر، يعني أهل اللب والعقل نظيرها في الزمر «هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ «2» » نزلت في عمار وأبي حذيفة «3» بن المغيرة الاثنين جميعا ثم نعت الله أهل اللب فقال:
الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ فى التوحيد وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ- 20- الذي أخذ الله عليهم على عهد آدم- عليه السلام- ويقال: هم مؤمنو أهل الكتاب وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ «أَنْ يُوصَلَ «4» » من إيمان بمحمد- صلى الله عليه وسلم- والنبيين والكتب كلها وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ في ترك الصلة وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ- 21- يعني شدة الحساب حين لا يتجاوز عن شيء من ذنوبهم وَالَّذِينَ صَبَرُوا على ما أمر الله نزلت في المهاجرين والأنصار ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الأموال سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ يعني ويدفعون بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ إذا أذاهم كفار مكة فيردون عليهم معروفا أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ- 22-
__________
(1) فى أ: هذا مثلا، ل: هذه وتشبه هذان.
(2) سورة الزمر: أ.
(3) فى ل: وحذيفة، أ: وأبى حذيفة.
(4) «أن يوصل» : ساقطة من أ، وهي فى ل.(2/375)
يعني عاقبة الدار فقال: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ يعني ومن آمن «1» بالتوحيد بعد هؤلاء مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ يدخلون عليهم أيضا معهم جنات عدن نظيرها في «حم» المؤمن ثم «2» قال: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ- 23- على مقدار أيام الدنيا ثلاث عشرة مرة، معهم التحف من الله- تعالى-، من جنة عدن ما ليس في جناتهم، من كل باب، فقالوا لهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ في الدنيا على أمر الله فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ- 24- يثني الله على الجنة عقبى الدار. عاقبة حسناهم دار الجنة، ثم قال: وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ يعني كفار أهل الكتاب مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ يعني من بعد إقرارهم بالتوحيد يوم آدم- عليه السلام- وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ من الإيمان بالنبيين وبالتوحيد وبالكتاب وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ هؤلاء، يعنى يعملون فيها بالمعاص «3» أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ- 25- يعني شر الدار جهنم، اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ يعني يوسع الرزق على من يشاء وَيَقْدِرُ يعنى ويقتر على من يشاء [189 ب] وَفَرِحُوا يعني ورضوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ- 26- يعني إلا قليل وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة وهم القادة لَوْلا أُنْزِلَ يعني هلا أنزل عَلَيْهِ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ عن
__________
(1) فى أ: أمر، ل: آمن.
(2) يشير إلى الآية 8 من سورة غافر وتمامها: «رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» .
(3) هكذا فى أ، ل، والأنسب بالمعاصي.(2/376)
الهدى وَيَهْدِي إِلَيْهِ «1» إلى دينه مَنْ أَنابَ- 27- يعني من راجع التوبة «2» ثم نعتهم فقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ يقول وتسكن قلوبهم بالقرآن يعني بما في القرآن من الثواب والعقاب يقول الله تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ- 28- يقول ألا بالقرآن تسكن القلوب ثم أخبر بثوابهم فقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ يعني حسنى لهم وهي بلغة العرب «3» ، وَحُسْنُ مَآبٍ- 29- يعني وحسن مرجع وطوبى شجرة في الجنة لو أن رجلا ركب فرسا أو نجيبة وطاف على ساقها لم يبلغ المكان الذي ركب منه حتى يقتله الهرم، ولو أن طائرا طار من ساقها لم يبلغ فرعها حتى يقتله الهرم، كل ورقة منها تظل أمة من الأمم على كل ورقة منها ملك يذكر الله- تعالى- ولو أن ورقة منها وضعت في الأرض لأضاءت الأرض نورا كما تضيء الشمس تحمل هذه الشجرة لهم ما يشاءون من ألوان الحلي، والثمار غير الشراب «4» كَذلِكَ يعني هكذا أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ يعني قد مضت قبل أهل مكة، يعني الأمم الخالية»
، لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يعني لتقرأ عليهم القرآن وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ
نزلت يوم الحديبية حين صالح النبي- صلى الله عليه وسلم- أهل مكة فكتبوا «6» بينهم كتابا وولى
__________
(1) فى أ: «ويهدى إلى دينه» .
(2) هكذا فى أ، ل. [.....]
(3) هكذا فى أ، ل.
(4) هذا الوصف من الإسرائيليات التي وضعها مقاتل فى تفسيره، ولينه لم يفعل.
(5) من ل. وفى أ: قيل كفار مكة، أمة يعنى الأمم الخالية.
(6) فى أ: وكتبوا، وفى ل: فكتبوا.(2/377)
الكتاب علي بن أبي طالب فكتب بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل بن عمرو القرشي: ما نعرف الرحمن «1» إلا مسيلمة ولكن اكتب باسمك اللهم. فأمره النبي- صلى الله عليه وسلم-، أن «2» يكتب باسمك اللهم. ثم قال له النبي- صلى الله عليه وسلم-: اكتب هذا ما صالح «3» عليه محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أهل مكة. فقالوا: ما نعرف أنك رسول الله، لقد ظلمناك إذا إن كنت رسول الله ثم نمنعك عن دخول المسجد الحرام. ولكن اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله. فغضب أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- وقالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: دعنا نقاتلهم. فقال: لا. ثم قال لعلي: اكتب الذي يريدون أما إن لك يوما مثله، وقال «4» النبي- صلى الله عليه وسلم-: أنا محمد بن عبد الله، وأشهد أني رسول الله فكتب هذا صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة على أن ينصرف محمد من عامه هذا، فإذا كان القابل «5» دخل مكة فقضى عمرته وخلى «6» أهل مكة [190 أ] بينه وبين مكة ثلاث ليال.
فأنزل الله- تعالى- في قول «7» سهيل وصاحبيه مكرز بن حفص بن الأحنف، وحويطب بن عبد العزى، كلهم من قريش حين قالوا: ما نعرف الرحمن- إلا مسيلمة فقال تعالى: «وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ» قُلْ هُوَ رَبِّي يا محمد قل: الرحمن، الذي يكفرون به هو ربى
__________
(1) فى ل: الرحمن الرحيم،: الرحمن.
(2) من ل، وهي ساقطة من أ.
(3) من ل، وفى أ: هذا كتابا صالح عليه.
(4) فى أ، ل: فقال.
(5) هكذا فى أ، ل. والمراد: العام القابل.
(6) فى، ل: وخلا.
(7) فى ل: فى، أ: من.(2/378)
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ يقول به أثق وَإِلَيْهِ مَتابِ- 30- يعني التوبة نظيرها في الفرقان «فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً» «1» وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ وذلك
أن أبا جهل بن هشام «2» المخزومي قال لمحمد- صلى الله عليه وسلم-: سير لنا بقرآنك هذا الجبل عن مكة فإنها أرض ضيقة فنتسع فيها ونتخذ فيها المزارع والمصانع كما سخرت لداود- عليه السلام- إن كنت نبيا كما تزعم. قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: لا أطيق ذلك. قال أبو جهل:
فلا عليك فسخر لنا هذه الريح فنركبها إلى الشام فنقضي ميرتنا ثم نرجع من يومنا فقد شق علينا طول السفر كما سخرت لسليمان كما زعمت، فلست بأهون على الله من سليمان إن كنت نبيا كما تزعم وكان يركبها سليمان وقومه غدوة فيسير مسيرة شهر. قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: لا أطيق ذلك، قال أبو جهل:
فلا عليك ابعث لنا رجلين أو ثلاثة ممن مات من آبائنا منهم قصي بن كلاب فإنه كان شيخا صدوقا، فنسأله عما أمامنا مما تخبرنا «3» أنه كائن «4» بعد الموت أحق ما تقول أم باطل. فقد كان «5» عيسى يفعل ذلك بقومه، كما زعمت، فلست بأهون على الله من عيسى إن كنت نبيا كما تزعم. قال النبي- صلى الله عليه وسلم-:
ليس إليَّ ذلك. قال أبو جهل: فإن كنت غير فاعل فلا ألفينك تذكر آلهتنا بسوء، فأنزل الله- تعالى-: «وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ»
__________
(1) سورة الفرقان: 71.
(2) ابن هشام: ساقطة من أ، وهي فى ل.
(3) فى أ: عن أمامنا عما تخبرنا. [.....]
(4) فى أ: كائن، ل: كان.
(5) فى أ: فكان، حاشية أ: فقد كان، ص. م: فكان.(2/379)
أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى يقول لو أن قرآنا فعل ذلك به قبل هذا القرآن لفعلناه بقرآن محمد- عليه السلام- ولكنه «1» شيء أعطيه رسلي فذلك قوله: بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً يقول بل جميع ذلك الأمر كان من الله ليس من قبل القرآن أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ يقول تصيبهم بما كفروا بالله بائقة وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان لا يزال يبعث سراياه «2» فيغيرون حول مكة فيصيبون من أنفسهم، ومواشيهم، وأنعامهم، فيها تقديم، ثم قال: أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ يقول أو تنزل يا محمد بحضرتهم يوم الحديبية قريبين «3» حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ في فتح «4» مكة وكان الله- تعالى- وعد النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يفتح عليه مكة فذلك قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ- 31-[190 ب] وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ: من الرسل قبل محمد- صلى الله عليه وسلم- أخبروا قومهم بنزول العذاب عليهم في الدنيا فكذبوهم واستهزءوا منهم بأن العذاب ليس بنازل بهم «5» فلما أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- كفار مكة استهزءوا منه فأنزل الله- تعالى- يعزي نبيه- عليه السلام- ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب «وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ» فَأَمْلَيْتُ يعنى فأمهلت
__________
(1) مكررة فى أ.
(2) فى أ، ل: سرية.
(3) فى أ: مرتين، ل: قريبين.
(4) فى أ: وفتح، وفى حاشية أ: وهو فتح محمد.، ل: فى فتح.
(5) فى أ: لهم، ل: بهم.(2/380)
لِلَّذِينَ كَفَرُوا فلم أعجل عليهم بالعقوبة ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ بالعذاب فَكَيْفَ كانَ عِقابِ- 32- يعني عذاب. أليس وجدوه حقا؟ أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ من خير وشر يقول الله قائم على كل بر وفاجر، على الله رزقهم وطعامهم وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ يعني وصنعوا لله شبها وهو أحق أن يعبد من غيره قُلْ لهم يا محمد: سَمُّوهُمْ يقول ما أسماء هؤلاء الشركاء وأين مستقرهم يعني الملائكة لأنهم عبدوهم، ويقال الأوثان. ولو سموهم لكذبوا. ثم قال: أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ بأن معه شريكا أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ يقول: بل «1» بأمر باطل كذب كقوله.
في الزخرف «2» : «أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي» يقول بل أنا خير، ثم قال:
بَلْ يعني لكن «3» زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة مَكْرُهُمْ يعني قول الشرك وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ يعني وصدوا الناس عن السبيل يعني دين الله الإسلام «4» وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ يقول ومن يضله الله فَما لَهُ مِنْ هادٍ- 33- إلى دينه لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
يعنى القتل ببدر وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ
مما أصابهم من القتل ببدر وضرب الملائكة الوجوه والأدبار وتعجيل أرواحهم النار وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ
- 34- يعنى بقي العذاب عنهم مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ يعني شبه الجنة في الفضل والخير كشبه النار
__________
(1) بل: ساقطة من ل.
(2) فى أ: كقوله فى قوله، والآية رقم 52: من سورة الزخرف وتمامها: «أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ» .
(3) فى أ: لكي، ل: لكن.
(4) هكذا فى: أ، ل.(2/381)
في شدة العذاب. ثم نعت الجنة فقال: «تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ» «1» أُكُلُها دائِمٌ يعني طعامها لا يزول ولا ينقطع وهكذا وَظِلُّها ثم قال: تِلْكَ الجنة عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا عاقبة حسناهم الجنة وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ- 35- يعني وعاقبة الذين كفروا بتوحيد الله النار وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يقول أعطيناهم التوراة، وهم «2» عبد الله بن سلام وأصحابه مؤمنو أهل التوراة يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ من القرآن ثم قال: وَمِنَ الْأَحْزابِ يعني ابن أمية، وابن المغيرة، وآل أبي طلحة بن عبد العزى بن قصي، مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ أنكروا الرحمن، والبعث، ومحمدا- عليه السلام- قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ يعنى أوحد الله وَلا أُشْرِكَ بِهِ شيئا إِلَيْهِ أَدْعُوا يعني إلى معرفته وهو التوحيد أدعو وَإِلَيْهِ مَآبِ- 36- يعني وإليه المرجع وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ [191 أ] يعني حين دعى إلى ملة آبائه بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ يعني من البيان مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ يعني قريبا «3» ينفعك وَلا واقٍ- 37- يعني يقي العذاب عنك وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ يعني الأنبياء قبلك وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً يعني النساء والأولاد وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ وذلك أن كفار مكة سألوا النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يأتيهم بآية فقال الله- تعالى-: «وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ» إلى قومه إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يعني إلا بأمر الله لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ- 38-
__________
(1) «تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ» : ساقطة من الأصل.
(2) فى أ: فهم، ل: فهو، والأنسب هنا: وهم.
(3) فى أ: قريب، ل: قريبا. [.....](2/382)
يقول لا ينزل من السماء كتاب إلا بأجل يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ يقول ينسخ «1» الله ما يشاء من القرآن وَيُثْبِتُ يقول ويقر من حكم الناسخ ما يشاء فلا ينسخه وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ
- 39- يعني أصل الكتاب يقول الناسخ من الكتاب والمنسوخ فهو «2» في أم الكتاب يعني بأم الكتاب اللوح المحفوظ.
وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ يعني وإن نرينك يا محمد في حياتك بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ من العذاب في الدنيا يعني القتل ببدر وسائر بهم العذاب بعد الموت «3» .
ثم قال: أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ يقول أو نميتك يا محمد قبل أن نعذبهم في الدنيا، يعني كفار مكة فَإِنَّما عَلَيْكَ يا محمد الْبَلاغُ من الله إلى عباده وَعَلَيْنَا الْحِسابُ- 40- يقول وعلينا الجزاء الأوفى في الآخرة كقوله- عز وجل- في الشعراء «إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي «4» » يعنى ما جزاءهم إلا على ربى أَوَلَمْ يَرَوْا يعني كفار مكة أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ يعنى أرض مكة نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها يعني ما حولها يقول لا يزال النبي- صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون يغلبون على ما حول مكة من الأرض فكيف لا يعتبرون بما يرون أنه ينقص من أهل الكفر ويزاد في المسلمين «5» وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ يقول والله يقضي لا راد لقضائه في نقصان ما حول مكة ونصر محمد- صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ- 41- يقول كأنه قد جاء فحاسبهم وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
__________
(1) فى أ: ينسئ. وفى حاشية أ: ينسخ محمد. وفى ل: ينسخ، وفى م: ينسئ.
(2) هكذا فى أ، ل.
(3) من ل. وفى أ: وسائر العرب ينزل بهم بعد الموت.
(4) سورة الشعراء: 113.
(5) هكذا فى أ، ل.(2/383)
يعني قبل كفار مكة من الأمم الخالية يعني قوم صالح- عليه السلام- حين أرادوا قتل صالح- عليه السلام- فهكذا كفار مكة حين أجمع أمرهم على قتل محمد- صلى الله عليه وسلم- في دار الندوة يقول الله- عز وجل-: فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يقول جميع ما يمكرون بإذن الله- عز وجل- والله يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ يعني ما تعمل كل نفس بر وفاجر من خير أو شر وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ: كفار مكة فى الآخرة لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ- 42- يعني دار الجنة ألهم أم للمؤمنين وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا يقول قالت اليهود: لَسْتَ مُرْسَلًا يا محمد «1» لم يبعثك الله رسولا فأنزل الله- عز وجل- قُلْ لليهود: كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً فلا شاهد أفضل من الله- عز وجل- بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ بأنى نبى رسول [191 ب] وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ- 43- يقول ويشهد من عنده التوراة»
عبد الله بن سلام فهو يشهد أني نبي رسول مكتوب فى التوراة.
__________
(1) فى أزيادة: صلى الله عليه وسلم. وليست فى ل.
(2) هكذا فى: أ، ل. والمراد من عنده علم التوراة، أو معرفة أحكام التوراة.(2/384)
سورة ابراهيم(2/385)
(14) سورة إبراهيم مكّيّة وآياتها ثنتان وخمسون
[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 52]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)
قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى مَا آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (14)
وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (17) مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (18) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19)
وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ (21) وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (22) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (23) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (24)
تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَها مِنْ قَرارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشاءُ (27) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (29)
وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (31) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (33) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (39)
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (41) وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (44)
وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (46) فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (49)
سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (51) هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52)(2/387)
سورة إبراهيم «1» «عليه السلام «2» » مكية «3» كلها غير قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً ... »
__________
(1) مقصود سورة إبراهيم من مقاصد سورة إبراهيم ما يأتى:
بيان حقيقة الإيمان، وبرهان النبوّة، وأن الله- تعالى- أرسل كل رسول بلغة قومه، وذكر الامتنان على بنى إسرائيل بنجاتهم من فرعون، وأن القيام بشكر النعم يوجب المزيد، وكفرانها يوجب الزوال، وذكر معاملة القرون الماضية مع الأنبياء، والرسل الغابرين، وأمر الأنبياء بالتوكل على الله عند تهديد الكفار إياهم، وبيان مذلة الكفار فى العذاب، والعقوبة وبطلان أعمالهم، وكمال إذلالهم فى القيامة، وبيان جزعهم من العقوبة، وإلزام الحجة عليهم، وإحالة إبليس اللائمة عليهم، وبيان سلامة أهل الجنة، وكرامتهم، وتشبيه الإيمان والتوحيد بالشجرة الطيبة وهي النخلة، وتمثيل الكفر بالشجرة الخبيثة وهي الحنطة. وتثبيت أهل الإيمان على كلمة الصواب عند سؤال منكر ونكير.
والشكوى من الكفار بكفران النعمة، وأمر المؤمنين بإقامة الصلوات، وذكر المنة على المؤمنين بالنعم السابقات ودعاء إبراهيم بالأمن للحرم المكي، وتسليمه إسماعيل إلى كرم الحق- تعالى- ولطفه، ثم شكره الله على إعطائه الولد.
وفى آخر السورة نجد التهديد العظيم للظالمين بمذلتهم فى القيامة، وأن الكفار قرناء الشياطين فى العذاب والإشارة إلى أن القرآن أبلغ واعظ وأعظم ذكرى للعقلاء فى قوله- تعالى-:
«هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ» .
(2) فى أ: صلى الله عليه وسلم، ل: عليه السّلام.
(3) «مكية» : ساقطة من ل، وهي من أ.(2/395)
الآيتين مدنيتين «1» ، وهي اثنتان وخمسون آية كوفية «2» .
__________
(1) يقصد الآيتين 28، 29 من سورة إبراهيم وهما قوله- تعالى-: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ. جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ» .
وفى ل: كلها غير قوله: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ» .
وفى بداية المصحف:
(14) سورة إبراهيم مكية إلا آيتي 28، 29 فمدنيتان وآياتها 52 نزلت بعد سورة نوح.
(2) وفى كتاب بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي سورة إبراهيم مكية إجماعا غير آية واحدة «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً ... » الآية.
وعدد آياتها 55 عند الشاميين، 52 عند الكوفيين.
ومجموع فواصل آياتها (آدم نظر. صب ذل) .(2/396)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ يا محمد- صلى الله عليه وسلم- لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ يعني من الشرك إلى الإيمان بِإِذْنِ رَبِّهِمْ يعني بأمر ربهم إِلى صِراطِ يعني إلى دين الْعَزِيزِ في ملكه الْحَمِيدِ- 1- في أمره عند خلقه. ثم دل على نفسه- تعالى ذكره- فقال: الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ من أهل مكة بتوحيد الله «1» مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ- 2- ثم أخبر عنهم فقال تعالى: الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا الفانية عَلَى الْآخِرَةِ الباقية وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني عن دين الإسلام وَيَبْغُونَها عِوَجاً يعني سبيل الله عوجا يقول ويريدون بملة الإسلام زيغا وهو الميل أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ- 3- يعني في خسران طويل وذلك أن رءوس كفار مكة كانوا ينهون الناس عن اتباع محمد- صلى الله عليه وسلم- «وعن اتباع دينه «2» » ثم قال- سبحانه: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ يعني بلغة قومه ليفهموا قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذلك قوله- سبحانه: لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ على ألسنة الرسل عن دينه الهدى وَيَهْدِي إلى دينه الهدى على ألسنة الرسل مَنْ يَشاءُ ثم رد- تعالى ذكره- المشيئة إلى نفسه فقال: وَهُوَ الْعَزِيزُ
__________
(1) أى: الكافرين بتوحيد الله.
(2) فى أ، ل: وعن دينه. [.....](2/397)
في ملكه الْحَكِيمُ- 4- حكم الضلالة والهدى لمن يشاء وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا اليد والعصا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ يعني أن ادع قومك بني إسرائيل مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ يعني من الشرك إلى الإيمان وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ يقول عظهم وخوفهم بمثل عذاب الأمم الخالية فيحذروا فيؤمنوا إِنَّ فِي ذلِكَ يقول إن في هلاك الأمم الخالية لَآياتٍ يعني لعبرة لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ- 5- يعني المؤمن صبور على أمر الله- عز وجل- عند البلاء الشديد شكور لله- تعالى- في نعمه وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ بني إسرائيل اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ يعنى أنقذكم مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يعني أهل مصر يَسُومُونَكُمْ يعني يعذبونكم سُوءَ يعني شدة الْعَذابِ ثم بين العذاب فقال: وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ فى حجور [192 أ] أمهاتهم وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ يعني قتل البنين وترك البنات قتل فرعون منهم ثمانية عشر طفلا وَفِي ذلِكُمْ يعني فيما أخبركم من قتل الأبناء وترك البنات بَلاءٌ يعني نقمة مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ- 6- كقوله سبحانه «إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ «1» » يعني النعمة «2» البينة، وكقوله: «وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ «3» » يعنى نعمة بينة «4» وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ نظيرها في الأعراف «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ «5» » وإذ قال ربكم:
__________
(1) سورة الصافات: 106.
(2) فى البيضاوي: المراد، بالبلاء النعمة. وفى الجلالين (بلاء) أنعام أو ابتلاء.
(3) سورة الدخان: 33.
(4) نعمة بينة: من ل. وفى أ: نقمة بين.
(5) سورة الأعراف: 167.(2/398)
لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ يعني لئن وحدتم الله- عز وجل- كقوله سبحانه:
«وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» «1» يعني الموحدين، لأزيدنكم خيرا في الدنيا وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ بتوحيد الله إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ- 7- لمن كفر بالله- عز وجل- في الآخرة وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عن عبادة خلقه حَمِيدٌ- 8- عن خلقه في سلطانه ثم خوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية لئلا يكذبوا بمحمد- صلى الله عليه وسلم- فقال سبحانه: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا يعني حديث الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ من الأمم حديث قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ من الأمم التي عذبت عاد، وثمود، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وغيرهم لا يَعْلَمُهُمْ يعني لا يعلم عدتهم أحد إِلَّا اللَّهُ- عز وجل- جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ يعني أخبرت الرسل قومهم بنزول العذاب بهم نظيرها في الروم «وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ «2» » يعني بنزول العذاب بهم في الدنيا فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ يقول وضع الكفار أيديهم في أفواههم، ثم «3» قالوا للرسل: اسكتوا فإنكم كذبة يعنون الرسل وأن العذاب ليس بنازل بنا في الدنيا وَقالُوا للرسل: إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ يعني بالتوحيد وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ- 9- يعني بالريبة أنهم لا يعرفون شكهم قالَتْ لهم رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ يقول أفي التوحيد لله شك فاطِرِ يعني خالق السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ إلى معرفته لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ
والمن هاهنا
__________
(1) سورة آل عمران: 144.
(2) سورة الروم: 9.
(3) ثم: ساقطة من أ، وهي من ل.(2/399)
صلة كقوله سبحانه: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ «1» » وَيُؤَخِّرَكُمْ في عافية إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يقول إلى منتهى آجالكم فلا يعاقبكم بالسنين «2» فردوا على الرسل قالُوا لهم: إِنْ أَنْتُمْ يعني ما أنتم إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا لا تفضلونا فى شيء تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا يعنى تمنعونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا يعنى دين آبائهم فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ- 10- يعني بحجة بينة قالوا للرسل ائتونا من عند الله بكتاب فيه حجة بأنكم رسله، فإن أتيتمونا كان لكم حجة بأنكم رسله «3» . قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ يعني ما نحن إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ يعني ينعم عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فيخصه بالنبوة والرسالة وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ [192 ب] يعني بكتاب من الله بالرسالة إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يعني إلا بأمر الله وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ يقول وبالله فليثق الْمُؤْمِنُونَ- 11- لقولهم للرسل لنخرجنكم من أرضنا ثم قال سبحانه: وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ يعني وما لنا ألا نثق بالله وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا يعنى لدينا «4» وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى مَا آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ- 12- يعنى وبالله فليثق الواثقون وكان أذاهم للرسل أن قالوا: «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ «5» » لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا يعني دينهم الكفر فهذا الأذى الذي صبروا عليه فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ
__________
(1) سورة الشورى: 13.
(2) فى أ، ل: فلا يعاقبكم بالسنين ولا بغيرها إلى آجالكم.
(3) فى أ: إن كانت لكم حجة بأنكم رسله فأتوا بها، ل: فإن أتيتمونا كان لكم حجة بأنكم رسله.
(4) هكذا فى: أ، ل.
(5) ما بين القوسين « ... » : ساقط س: أ، ل.(2/400)
يعني إلى الرسل لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ- 13- يعني المشركين في الدنيا ولننصرنكم يعني وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ يعني هلاكهم ذلِكَ الإنسان في الدنيا لِمَنْ خافَ مَقامِي يعني مقام ربه- عز وجل- فى الآخرة وَلمن خافَ وَعِيدِ- 14- في الآخرة. وَاسْتَفْتَحُوا يعني دعوا ربهم واستنصروا وذلك أن الرسل أنذروا قومهم العذاب في الدنيا فردوا عليهم إنكم كذبة. ثم قالوا: اللهم إن كانت رسلنا صادقين فعذبنا، فذلك قوله تعالى: «فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ «1» » فذلك قوله سبحانه:
«وَاسْتَفْتَحُوا» يعني مشركي مكة وفيهم أبو جهل يعني ودعوا ربهم يقول الله- تعالى- لنبيه- صلى الله عليه وسلم- وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ- 15- يعني وخسر عند نزول العذاب كل متكبر عن توحيد الله- عز وجل- نزلت في أبي جهل «عَنِيدٍ» يعني معرض عن الإيمان مجانبا له. ثم قال لهذا الجبار وهو فى الدنيا: مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ من بعدهم يعني من بعد موته وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ- 16- يعنى خليطة القيح والدم الذي يخرج من أجداث الكفار يسقى الأشقياء «2» يَتَجَرَّعُهُ تجرعا وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ البتة نظيرها «إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها «3» » يقول لا يراها البتة وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ في النار مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ هذا يعني ومن بعد إحدى وعشرين ألف سنة يفتح عليهم باب يقال له الهيهات فتأكل ناره نار جهنم، وأهلها، كما تأكل نار الدنيا القطن المندوف ويأتيه الموت في النار من كل
__________
(1) سورة الأعراف: 70، وسورة هود: 32، وسورة الأحقاف: 22. [.....]
(2) هكذا فى أ، ل.
(3) سورة النور: 40.(2/401)
مكان وما هو بميت. ومن ورائه عَذابٌ غَلِيظٌ- 17- يعني شديد لا يفتر عنهم مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يعني بتوحيد ربهم مثل أَعْمالُهُمْ الخبيثة في غير إيمان كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ فى يوم [193 أ] شديد الريح فلم ير منه شيء فكذلك أعمال الكفار لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ يقول لا يقدرون على ثواب شيء مما عملوا في الدنيا ولا تنفعهم أَعْمَالَهُمْ لأنها لم تكن في إيمان. ثم قال: ذلِكَ الكفر هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ- 18- يعني الطويل أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ لم يخلقهما باطلا لغير شيء ولكن خلقهما لأمر هو كائن، ثم قال- سبحانه- لكفار هذه الأمة: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ بالهلاك إن عصيتموه وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ- 19- يعني بخلق غيركم أمثل وأطوع لله منكم وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ- 20- يقول هذا على الله هين يسير «إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ» نظيرها فى الملائكة «1» ، ثم قال- سبحانه-: وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً
يقول وخرجوا من قبورهم إلى الله جميعا يعني بالجميع أنه لم يغادر منهم أحد إلا بعث بعد موته فَقالَ الضُّعَفاءُ وهم الأتباع من كفار بني آدم لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا يعني للذين تكبروا عن الإيمان بالله- عز وجل- وهو التوحيد وهم الكبراء في الشرف والغنى القادة إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً لدينكم في الدنيا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا معشر الكبراء مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ باتباعنا إياكم قالُوا يعني قالت الكبراء للضعفاء: لَوْ هَدانَا اللَّهُ لدينه لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا ذلك أن أهل النار قال بعضهم لبعض: تعالوا نجزع
__________
(1) سورة فاطر الآيات: 15، 16، 17 وهي: «يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ، إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ، وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ» .(2/402)
من العذاب لعل ربنا يرحمنا، فجزعوا مقدار خمسمائة عام فلم يغن عنهم الجزع شيئا.
ثم قالوا: تعالوا نصبر لعل الله يرحمنا فصبروا مقدار خمسمائة عام فلم يغن عنهم الصبر شيئا. فقالوا عند ذلك: «سَواءٌ عَلَيْنا» أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ- 21- من مهرب عنها وَقالَ الشَّيْطانُ يعني إبليس لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ يعني حين قضى العذاب وذلك أن إبليس لما دخل هو ومن معه على أثره «1» النار «2» . قام خطيبا في النار فقَالَ: يا أهل النار: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ على ألسنة الرسل وَعْدَ الْحَقِّ يعني وعد الصدق أن هذا اليوم كائن وَوَعَدْتُكُمْ أنه ليس بكائن فَأَخْلَفْتُكُمْ الوعد وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ يعني من ملك في الشرك فأكرهكم على متابعتي يعني على ديني إلا في الدعاء فذلك قوله- عز وجل-: إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ يعني إلا أن زينت لكم فَاسْتَجَبْتُمْ لِي بالطاعة وتركتم طاعة ربكم فَلا تَلُومُونِي باتباعكم إياي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ بترككم أمر ربكم مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ يقول ما أنا بمغيثكم وما أنتم بمغيثي إِنِّي كَفَرْتُ يقول تبرأت اليوم بِما أَشْرَكْتُمُونِ مع الله في الطاعة مِنْ قَبْلُ في الدنيا إِنَّ الظَّالِمِينَ يعني إن المشركين لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ- 22- يعني وجيع وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا [193 ب] يعني صدقوا بتوحيد الله- عز وجل- وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وأدوا الفرائض جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يعني تجري العيون من تحت بساتينها خالِدِينَ فِيها لا يموتون بِإِذْنِ رَبِّهِمْ يعني بأمر ربهم أدخلوا الجنةَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ- 23- يقول تسلم الملائكة عليهم فى الجنة
__________
(1) فى أ: على أثر، ل: على أثره.
(2) النار: ساقطة من ل.(2/403)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً يعني حسنة يعني كلمة الإخلاص وهي التوحيد كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ يعني بالطيبة الحسنة كما أنه ليس في الكلام شيء أحسن ولا أطيب من الإخلاص قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له «1» فكذلك ليس في الثمار شيء أحلى ولا أطيب من الرطبة وهي النخلة أَصْلُها ثابِتٌ في الأرض وَفَرْعُها يعني رأسها فِي السَّماءِ- 24- يقول هكذا الإخلاص ينبت «2» في قلب المؤمن كما تنبت النخلة في الأرض إذا تكلم بها المؤمن فإنها تصعد إلى السماء كما أن النخلة رأسها في السماء، كما أن النخلة لها فضل على الشجرة في الطول، والطيب، والحلاوة، فكذلك كلمة الإخلاص لها فضل على سائر الكلام تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ يقول إن النخلة تؤتي ثمرها كل ستة أشهر بِإِذْنِ رَبِّها يعني بأمر ربها فهكذا المؤمن يتكلم «3» بالتوحيد ويعمل الخير ليلا، ونهارا، غدوة، وعشيا بمنزلة النخلة وهذا مثل المؤمن ثم قال- سبحانه-: وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ يعني ويصف الله الأشياء للناس لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ- 25- أي يتفكرون في أمثال الله- تعالى- فيوحدونه ثم ضرب مثلا آخر للكافرين فقال- سبحانه-: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ يعني دعوة الشرك كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ في المرارة يعني الحنظل اجْتُثَّتْ يعني انتزعت مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ- 26- يقول ما لها من أصل فهكذا كلمة الكافر ليس لها أصل كما أن الحنظل أخبث الطعام فكذلك كلمة الكفر أخبث
__________
(1) ما بين القوسين « ... » : ساقط من: ل، وهي من: أ.
(2) فى ل: ينبت، أ: يثبت.
(3) المؤمن يتكلم: فى ل. وفى حاشية: أ.(2/404)
الدعوة وكما أن الحنظل ليس فيه ثمر وليس لها بركة ولا منفعة فكذلك الكافر لا خير فيه، ولا فرع له في السماء يصعد فيه عمله، ولا أصل له في الأرض، بمنزلة الحنظلة يذهب بها «1» الريح، وكذلك الكافر، فذلك قوله- سبحانه-:
«كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ «2» » هاجت يمينا وشمالا مرة هاهنا ومرة هاهنا. ثم ذكر المؤمنين بالتوحيد في حياتهم وبعد موتهم فقال- سبحانه-: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ وهو التوحيد فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثم قال: وَيثبتهم فِي الْآخِرَةِ يعني في قبره «3» في أمر منكر ونكير بالتوحيد وذلك أن المؤمن يدخل عليه ملكان أحدهما منكر والآخر نكير فيجلسانه في القبر فيسألانه «4» : من ربك؟ وما دينك؟ ومن رسولك؟ [194 أ] فيقول: ربي الله- عز وجل-، وديني الإسلام، ومحمد- صلى الله عليه وسلم- رسولي، فيقولان له: وقيت وهديت. ثم يقولان: اللهم إن عبدك أرضاك فأرضه، فذلك قوله- سبحانه-: «وَفِي الْآخِرَةِ» أي «5» يثبت الله قول الذين آمنوا، ثم ذكر الكافر فى قبره حين يدخل عليه منكر ونكير يطئان «6» في أشعارهما ويحفران الأرض بأنيابهما وينالان الأرض بأيديهما، أعينهما كالبرق الخاطف وأصواتهما كالرعد القاصف، ومعهما مرزبة من حديد لو اجتمع عليها أهل منى أن يقلوها ما أقلوها، فيقولان
__________
(1) فى ل: بها، أ: به.
(2) سورة إبراهيم: 18.
(3) هكذا فى أ، ل.
(4) فى أ: فيسلانه.
(5) أى: ليست فى أ، ولا فى ل.
(6) فى أ: يطيان، ل: يطيران. [.....](2/405)
له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: لا أدري. فيقولان له: لا دريت ولا تليت. ثم يقولان: اللهم إن عبدك قد أسخطك فاسخط عليه، فيضربانه بتلك المرزبة ضربة ينهشم كل عضو في جسده، ويلتهب قبره نارا، ويصيح صيحة يسمعها كل شيء غير الثقلين، فيلعنونه، فذلك قوله- عز وجل-:
«وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ «1» » حتى إن شاة القصاب والشفرة على حلقها لا يهمها ما بها، فتقول: لعن الله هذا، كان يحبس عنا الرزق بسببه، هذا لمن يضله الله- عز وجل- عن التوحيد. فذلك قوله: وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ يعني المشركين حيث لا يوفق لهم ذلك حين يسأل في قبره من ربك؟ وما دينك؟
ومن نبيك؟ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشاءُ- 27- فيهما فمشيئته أن يثيب المؤمنين ويضل الكافرين أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً هذه مدنية إلى آخر الآيتين وبقية السورة مكية «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً» وهم بنو أمية، وبنو المغيرة المخزومي، وكانت النعمة أن الله أطعمهم من جوع «2» ، وآمنهم من خوف، يعني القتل والسبي، ثم بعث فيهم رسولا يدعوهم إلى معرفة رب هذه النعمة- عز وجل-، فكفروا بهذه النعمة، وبدلوها، ثم قال الله- عز وجل-: وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ- 28- يعني دار الهلاك بلغة عمان، فأهلكوا قومهم ببدر، ثم يصيرون بعد القتل إلى جهنم يوم القيامة، فذلك قوله- عز وجل-: جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ- 29- يعني وبئس المستقر، ثم ذكر كفار قريش فقال- تعالى-: وَجَعَلُوا
__________
(1) سورة البقرة: 159.
(2) من جوع: من ل، وليست فى أ.(2/406)
يعني ووصفوا لِلَّهِ أَنْداداً يعني شركاء لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ يعني ليستنزلوا عن دينه الإسلام قُلْ تَمَتَّعُوا في داركم قليلا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ- 30- قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الأموال سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ يعني لا فداء «1» وَلا خِلالٌ- 31- يعني ولا خلة، لأن الرجل إذا نزل به ما يكره في الدنيا قبل موته قبل منه الفداء أو يشفع له خليله، والخليل المحب. وليس في الآخرة من ذلك شيء وإنما هي أعمالهم [194 ب] يثابون عليها، اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً يعني المطر فَأَخْرَجَ بِهِ يعني بالمطر مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ يعني السفن لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ- 32- وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ إلى يوم القيامة وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ- 33- في هذه «2» منفعة لبني آدم وَآتاكُمْ يقول وأعطاكم مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ يعني ما لم تسألوه ولا طلبتموه ولكن أعطيتكم من رحمتي يعني ما ذكر مما سخر للناس في هؤلاء الآيات فهذا كله من النعم، ثم قال- سبحانه-: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ لنفسه في خطيئته كَفَّارٌ- 34- يعني كافر في نعمته التي ذكر فلم يعبده.
__________
(1) فى أ: فداء، ل: لا فداء.
(2) هكذا فى أ، ل. والأنسب: وفى هذه.(2/407)
«حدثنا «1» عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: سمعت أبا صالح في قوله- عز وجل-: «مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ» قال أعطاكم «2» ما لم تسألوه. ومن قراءة «كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ» بدون من يقول استجاب لكم فأعطاكم ما سألتموه. والله أعلم «3» » .
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً يعني مكة فكان أمنا لهم في الجاهلية وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ يعني وولدي أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ- 35- وقد «4» علم أن ذريته مختلفون في التوحيد قال: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ يعني الأصنام كَثِيراً مِنَ النَّاسِ يعني أضللن بعبادتهن كثيرا من الناس فَمَنْ تَبِعَنِي على ديني فَإِنَّهُ مِنِّي على ملتي وَمَنْ عَصانِي فكفر فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ- 36- أن تتوب عليه فتهديه إلى التوحيد نظيرها- في الأحزاب «وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً «5» » رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي يعني إسماعيل ابني خاصة بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ يعني لا حرث فيها ولا ماء يعني مكة عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ حرمه لئلا يستحل فيه ما لا يحل، فيها تقديم رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ يعني اجنبني وبني أن نعبد الأصنام لكي يصلوا لك عند بيتك المحرم ويعبدونك فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ يقول اجعل قوما من الناس تهوي إليهم يعني إلى إسماعيل وذريته وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ- 37-
__________
(1) «حدثنا ... » وما بعدها ساقط من: ل، وهو من: أ
(2) فى أ: ما أعطاكم.
(3) وفى القرطبي: أى أعطاكم من غير سؤال أى كلما سألتموه أعطاكم سؤلكم واستجاب لكم.
(4) فى ل: وقد، أ: قد.
(5) سورة الأحزاب: 24.(2/408)
ولو قال اجعل أفئدة الناس تهوي إليهم لازدحم عليهم الحرز «1» والديلم ولكنه قال: اجعل أفئدة من الناس رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي يعني ما نسر من أمر إسماعيل في نفسي من الجزع عليه أنه في غير معيشة، ولا ماء في أرض غربة، ثم قال: وَما نُعْلِنُ يعني من قوله: «رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ «2» » يعنى مكة فهذى الذي أعلن وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ- 38- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ بالأرض «3» المقدسة بعد ما هاجر إليها إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ ووهب لي إسماعيل من هاجر جاريته وإبراهيم يومئذ [195 أ] ابن ستين سنة ووهب له إسحاق وهو ابن سبعين سنة فالأنبياء كلهم من إسحاق غير نبينا محمد «4» - صلى الله عليه وسلم- فإنه من ذرية إسماعيل «5» ، ثم قال إبراهيم: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ- 39- رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي فاجعلهم أيضا مقيمين الصلاة رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ- 40- يقول ربنا واستجب دعائي في إقامة الصلاة لنفسه ولذريته رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ يعنى أبويه وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ- 41- وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ يا محمد «6» غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ «7» الظَّالِمُونَ يعنى مشركي مكة إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ عن
__________
(1) فى ل: الحزر، أ: الخزر.
(2) سورة إبراهيم: 37.
(3) فى الأصل: بأرض.
(4) فى ل: غير محمد، أ: غير نبينا محمد.
(5) فى أ: إسماعيل- صلى الله عليه وسلم، ل: إسماعيل. [.....]
(6) فى أ: يا محمد- صلى الله عليه وسلم، ل: يا محمد.
(7) فى أ: يقول، وفى حاشية أ: الآية «بعمل» . وفى ل: يعمل.(2/409)
العذاب في الدنيا لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ- 42- يعني فاتحة شاخصة أعينهم وذلك أنهم إذا عاينوا النار فيها تقديم في الآخرة شخصت أبصارهم فى يطرفون. فيها تقديم، وذلك قوله- سبحانه: لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ يعني لا يطرفون، ثم قال: مُهْطِعِينَ يعني مقبلين إلى النار ينظرون إليها، ينظرون في غير طرف مُقْنِعِي يعنى رافعي رُؤُسِهِمْ إليها لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ «1» وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ- 43- وذلك أن الكفار إذا عاينوا النار شهقوا شهقة زالت منها قلوبهم عن أماكنها فتنشب في حلوقهم، فصارت قلوبهم «هواء» «2» بين الصدور والحناجر فلا تخرج من أفواههم ولا ترجع إلى أماكنها فذلك قوله- سبحانه-: في «حم» المؤمن إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ «3» يعني مكروبين فلما بلغت القلوب الحناجر ونشبت في حلوقهم انقطعت أصواتهم وغصت «4» ألسنتهم وَأَنْذِرِ يا محمد- صلى الله عليه وسلم- النَّاسَ يعني كفار مكة يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ في الآخرة فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني مشركي مكة فيسألون الرجعة إلى الدنيا فيقولون في الآخرة رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ لأن الخروج من الدنيا إلى قريب «5» نُجِبْ دَعْوَتَكَ إلى التوحيد وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال لهم: أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ يعني حلفتم مِنْ قَبْلُ في الدنيا إذا
__________
(1) ما بين القوسين « ... » ساقطة من: أ، ل. اعتمادا على ذكرها قبل. الآية.
(2) من ل، وليست فى: ا.
(3) سورة غافر: 18.
(4) فى ل: وعصت، أ: وغصت.
(5) هكذا فى أ، ل.(2/410)
متم ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ- 44- إلى البعث بعد الموت وذلك قوله- سبحانه- في النحل: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ «1» وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ يعني ضروا بأنفسهم يعني الأمم الخالية الذين عذبوا في الدنيا يعني قوم هود وغيرهم وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ يقول كيف عذبناهم وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ- 45- يعني ووصفنا لكم الأشياء يقول وبينا لكم العذاب لتوحدوا ربكم- عز وجل- يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية لئلا يكذبوا بمحمد- صلى الله عليه وسلم- ثم أخبر عن فعل نمروذ بن كنعان الجبار فقال: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ [195 ب] يقول فعلهم. يعني التابوت فيها الرجلان اللذان كانا في التابوت والنسور الأربعة وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ «2» يقول عند الله مكرهم يعني فعلهم وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ- 46- نظيرها في بني إسرائيل وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ «3» يعني وقد كادوا. وقد كان «4» نمروذ بن كنعان الذي حاج إبراهيم في ربه وهو أول من ملك الأرض كلها وذلك أنه بنى صرحا ببابل زعم ليتناول إله السماء فخر عليهم السقف وهو البناء من فوقهم.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ «5» ، قَالَ: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل عن مقاتل عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دَانْيَالَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ الله عنه-
__________
(1) سورة النحل: 38.
(2) فى أ: «وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ» .
(3) سورة الإسراء: 73.
(4) فى ل: يعنى وقد كان نمروذ، أ: يعنى وقد كادوا وهو نمروذ.
(5) فى ل: عبد الله.(2/411)
فى قوله- سبحانه-: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ قَالَ: أَمَرَ «1» نُمْرُوذُ بْنُ كَنْعَانَ عَدُوُّ اللَّهِ فَنُحِتَ التَّابُوتُ وَجَعَلَ لَهُ بَابًا مِنْ أَعْلاهُ وَبَابًا مِنْ أَسْفَلِهِ ثُمَّ صَعِدَ إِلَى أَرْبَعِ نُسُورٍ ثُمَّ أَوْثَقَ «2» كُلَّ نَسْرٍ بِقَائِمَةِ التَّابُوتِ ثُمَّ جَعَلَ فِي أَعْلَى التَّابُوتِ لَحْمًا شَدِيدَ الْحُمْرَةِ فِي «أَرْبَعَةِ نَوَاحِي التَّابُوتِ» «3» حِيَالَ النُّسُورِ ثُمَّ جَعَلَ رَجُلَيْنِ فِي التَّابُوتِ فَنَهَضَتِ النُّسُورُ تُرِيدُ اللَّحْمَ فَارْتَفَعَ التَّابُوتُ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ لِصَاحِبِهِ: افْتَحْ بَابَ التَّابُوتِ الأَسْفَلَ، فَانْظُرْ، كَيْفَ ترى الأرض؟
نفتح فَنَظَرَ. قَالَ: أَرَاهَا كَالْعُرْوَةِ الْبَيْضَاءِ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: افْتَحِ الْبَابَ الأَعْلَى فَانْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ، هَلِ ازْدَدْنَا مِنْهَا قُرْبًا؟ قَالَ: فَفَتَحَ الْبَابَ الأَعْلَى، فَإِذَا هِيَ كَهَيْئَتِهَا، وَارْتَفَعَتِ النُّسُورُ تُرِيدُ اللَّحْمَ، فَلَمَّا ارْتَفَعَا جِدًّا لَمْ تَدَعْهُمَا الرِّيحُ أَنْ يَصْعَدَا. فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: افْتَحِ الْبَابَ الأَسْفَلَ فَانْظُرْ، كَيْفَ تَرَى الأَرْضَ؟ قَالَ فَفَتَحَ قَالَ: إِنَّهَا سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ، وَلا أَرَى مِنْهَا شَيْئًا. قَالَ: ارْدُدِ الْبَابَ الأَسْفَلَ، وَافْتَحِ الْبَابَ الأَعْلَى، فَانْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ، هَلِ ازْدَدْنَا مِنْهَا قُرْبًا؟ فَفَتَحَ الْبَابَ الأَعْلَى فَقَالَ «4» : أَرَاهَا كَهَيْئَتِهَا قَالَ لِصَاحِبِهِ: نَكِّسِ التَّابُوتَ فَنَكَّسَهُ فَتَصَوَّبَ «5» اللَّحْمُ وَصَارَتِ النُّسُورُ فَوْقَ التَّابُوتِ وَاللَّحْمُ أَسْفَلُ ثُمَّ هَوَتِ النُّسُورُ مُنْصَبَّةٌ تُرِيدُ اللَّحْمَ فَسَمِعَتِ الْجِبَالُ حَفِيفَ التَّابُوتِ وَحَفِيفَ أَجْنِحَةِ النُّسُورِ فَفَزِعَتْ وَظَنَّتْ أَنَّهُ أَمْرٌ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ فَكَادَتْ أَنْ تَزُولَ مِنْ أَمَاكِنِهَا مِنْ مَخَافَةِ اللَّهِ- عَزَّ وجل-
__________
(1) أمر: ساقطة من أ، وهي من: ل.
(2) فى أ: وثق. [.....]
(3) الأنسب: فى نواحي التابوت الأربعة.
(4) هكذا فى أ، ل. والأنسب: فقال.
(5) فى ل: فتصوب، أ، فصوب. أهو المراد صار اللحم صوب الأرض أى إلى أسفل.(2/412)
فَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ
ثم خوف كفار مكة، فقال- سبحانه-: فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ يا محمد مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ في نزول العذاب بكفار مكة في الدنيا إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ يعني منيع في مكة ذُو انتِقامٍ- 47- من أهل معصيته يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ يقول تبدل صورة الأرض التي عليها بنو آدم بأرض بيضاء نقية [196 أ] لم يسفك عليها دم ولم يعمل عليها معصية وهي أرض الصراط وعمق الصراط خمسمائة عام وَتبدل السَّماواتُ فلا تكون «1» شيئا وَبَرَزُوا لِلَّهِ يقول وخرجوا من قبورهم، ولا يستترون من الله بشيء في أرض مستوية مثل الأدم ممدودة ليس عليها جبل، ولا بناء، ولا نبت ولا شيء الْواحِدِ لا شريك له الْقَهَّارِ- 48- يعني القاهر لخلقه وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يعني كفار مكة يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ- 49- يعني موثقين في السلاسل والأغلال صفدت أيديهم إلى أعناقهم في الحديد سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ يعني قمصهم من نحاس ذائب «2» وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ- 50- لأنهم يتقون النار بوجوههم لِيَجْزِيَ «3» أى ليجزيهم اللَّهُ فيها تقديم يقول وبرزوا من قبورهم لكي يجزي الله كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ يقول كل نفس بر وفاجر ما كسبت يعني ما عملت من خير أو شر إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ- 51- يقول كأنه قد جاء الحساب يخوفهم فإذا أخذ الله- عز وجل- فى حسابهم فرغ من حساب
__________
(1) فى أ: فلا تكن، ل: فلا تكون.
(2) هكذا فى: أ: ل، وفى حاشية أ: الظاهر والله أعلم أن قوله من نحاس ذائب إنما هو على قراءة من قرأ «قطر» أى من نحاس آن، ظهر للكاتب.
(3) فى أ، ل: «ليجزيهم» .(2/413)
الخلائق على مقدار نصف يوم من أيام الدنيا هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ يعني كفار مكة وَلِيُنْذَرُوا بِهِ يعني لينذروا بما في القرآن. وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ «1» لا شريك له «2» وَلِيَذَّكَّرَ فيما يسمع من مواعظ القرآن أُولُوا الْأَلْبابِ- 52- يعنى أهل اللب والعقل.
__________
(1) ساقطة من: أ.
(2) ساقطة من: أ.(2/414)
سورة الحجر
[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 99]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1) رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (4)
مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (5) وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (11) كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13) وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14)
لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (17) إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (18) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)
وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (22) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24)
وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (27) وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (29)
فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34)
وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (35) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39)
إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قالَ هَذَا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (47) لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (48) نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)
وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)
قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (55) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ (56) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59)
إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (60) فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (64)
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ (69)
قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ (70) قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74)
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (79)
وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (81) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَما أَغْنى عَنْهُمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ (84)
وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (86) وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89)
كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91) فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (93) فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)
إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)(2/415)
[سورة الحجر] «1» مكية كلها «2» وهي تسع وتسعون آية باتفاق
__________
(1) مقصود السورة إجمالا:
بيان حقيقة القرآن، وبرهان النبوة، وحفظ الحق كتابه العزيز من التغيير والتبديل، وتزيين السموات بمواكب الكواكب، وحفظها برجوم النجوم من استراق الشياطين السمع، وتقديره- تعالى- الماء والسحاب من خزائن بره ولطفه، وعلمه- تعالى- بأحوال المتقدمين فى الطاعة والمتأخرين عنها وبيان الحكمة فى تخليق آدم، وأمر الملائكة والمقربين بالسجود له، وتعبير إبليس وملامته على تأبيه واستكباره وجحوده، واستحقاقه اللعنة من الله بعصيانه، وجرأته بالمناظرة لخالقه ومعبوده. وإخبار الله- تعالى- عباده بالرحمن والغفران، وتهديدهم بالعذاب والعقاب، والإشارة إلى ذكر أضياف الخليل- عليه السّلام، والنهى عن القنوط من الرحمة، وذكر آل لوط، وسكرتهم فى طريق العماية والضلالة، وتسلية النبي- صلى الله عليه وسلم- عن جفاء الكفار.
وبذي أقوالهم، والمن عليه- صلى الله عليه وسلم- بنزول السبع المثاني، وسور القرآن العظيم، والشكوى من الطاعنين فى القرآن، وذكر القسم بوقوع السؤال فى القيامة، وأمر الرسول- صلى الله عليه وسلم- بإظهار الدعوة، والمن عليه بإهلاك أعداء دينه، ووصيته بالعبادة إلى يوم الحق واليقين فى قوله: «وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» .
(2) فى المصحف: سورة الحجر مكية إلا آية 87 فمدنية وآياتها 99 نزلت بعد سورة يوسف، وفى كتاب بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي:
السورة مكية إجماعا وعدد آياتها تسع وتسعون بلا خلاف. وتسمى سورة الحجر لاشتمالها على قصتهم وقوله: «وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ» .(2/423)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ- 1- يعني بين ما فيه رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة في الآخرة لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ- 2- يعني مخلصين في الدنيا بالتوحيد، وذلك قوله- سبحانه: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا يقول خل يا محمد- صلى الله عليه وسلم- عن كفار مكة إذا كذبوك يأكلوا وَيَتَمَتَّعُوا في دنياهم وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ يعني طول الأمل عن الآخرة فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ- 3- هذا وعيد، ثم خوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية فقال- سبحانه: وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ يقول وما عذبنا من قرية إِلَّا وَلَها بهلاكها كِتابٌ مَعْلُومٌ- 4- يعني موقوت «1» في اللوح المحفوظ إلى أجل وكذلك كفار مكة عذابهم إلى أجل معلوم يعني القتل ببدر مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ عذبت أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ- 5- يقول ما يتقدمون من أجلهم ولا يتأخرون عنه «2» وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ يعني القرآن إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ- 6- يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- نزلت في عبد الله بن أمية بن المغيرة المخزومي، والنضر بن الحارث هو ابن علقمة من بني عبد الدار [196 ب] بن قصي ونوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، كلهم من قريش والوليد بن المغيرة، قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: إنك
__________
(1) فى أ: موقوف.
(2) فى ل: عنه، أ: عنها.(2/424)
لمجنون. وقالوا له: لَوْ ما تَأْتِينا يعني أفلا تجيئنا بِالْمَلائِكَةِ فتخبرنا بأنك نبي مرسل إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ- 7- بأنك نبي مرسل ولو نزلت الملائكة لنزلت إليهم بالعذاب مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ «1» وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ- 8- يقول لو نزلت الملائكة بالعذاب إذا لم يناظروا حتى يعذبوا يعني كفار مكة، يقول الله- عز وجل-: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ يعني القرآن على محمد- صلى الله عليه وسلم- وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ- 9- لأن الشياطين لا يصلون إليه لقولهم للنبي- صلى الله عليه وسلم- إنك لمجنون يعلمك الري «2» وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ يا محمد- صلى الله عليه وسلم- الرسل فِي شِيَعِ يعني في فرق الْأَوَّلِينَ- 10- يعني الأمم الخالية وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ ينذرهم بالعذاب في الدنيا إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ- 11- بأن العذاب ليس بنازل بهم كَذلِكَ نَسْلُكُهُ يعني هكذا نجعله يعني الكفر بالعذاب فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ- 12- يعنى كفار مكة لا يُؤْمِنُونَ بِهِ يعني بالعذاب، ثم قال- سبحانه: وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ- 13- بالتكذيب لرسلهم بالعذاب يعني الأمم الخالية الذين أهلكوا بالعذاب في الدنيا وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ يعني على كفار مكة بَابًا مِنَ السَّماءِ فينظرون إلى الملائكة عيانا كيف يصعدون إلى السماء فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ- 14- يقول فمالوا في الباب يصعدون، ولو عاينوا ذلك لَقالُوا من كفرهم: إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا مخففة يعني سدت ولقالوا «3» : بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ- 15- يقول إذا لقالوا قد سحرنا.
__________
(1) ساقط من أ، ل.
(2) فى ل: الري، أ: الدنى. [.....]
(3) فى أ، ل: لقالوا.(2/425)
حدثنا عبيد الله قال: حدثني أبي، قال: حَدَّثَنِي الْهُذَيْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُقَاتِلٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ حَسَّانٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ:
سُئِلَ عَنْ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ «1» فَقَالَ: الْكَوَاكِبِ، وَسُئِلَ عَنِ «2» «الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً» «3» قَالَ: الْكَوَاكِبُ، مِثْلُ الْبُرُوجِ مُشَيَّدَةٌ «4»
قَالَ الْقُصُورُ وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً قال الكواكب وَزَيَّنَّاها يعني السماء بالكواكب لِلنَّاظِرِينَ- 16- إليها يعني أهل الأرض وَحَفِظْناها يعني السماء بالكواكب مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ- 17- يعني ملعون لئلا يستمعوا إلى كلام الملائكة ثم استثنى من الشياطين فقال سبحانه: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ يعني من اختطف السمع من كلام الملائكة فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ- 18- يعني الكوكب المضيء وهو الثاقب ونظيرها في الصافات: فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ «5» ثاقب يعنى مضيء «6» وَالْأَرْضَ مَدَدْناها يعنى بسطناها يعنى مسيرة خمسمائة عام طولها وعرضها وغلظها مثله فبسطها من تحت الكعبة، ثم قال- عز وجل-:
وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ يعنى الجبال [197 أ] الراسيات في الأرض الطوال أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ «7» يقول لئلا تزول بكم الأرض وتمور بمن عليها وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ- 19- يقول وأخرجنا من الأرض كل شيء موزون يعني من كل ألوان النبات معلوم وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها يعني في الأرض مَعايِشَ مما عليها من النبات، ثم قال سبحانه: وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ- 20-
__________
(1) سورة البروج: 1.
(2) عن: ساقطة من أ، وهي من ل.
(3) سورة الفرقان: 61.
(4) سورة النساء: 178.
(5) سورة الصافات: 10.
(6) فى أ، ل: المضيء.
(7) أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ: جزء من 15: النحل، 31: الأنبياء، 10: لقمان.(2/426)
يقول لستم أنتم ترزقونهم ولكن أنا أرزقهم يعني الدواب، والطير معايشهم مما في الأرض من رزقي، ثم قال سبحانه: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ يقول ما من شيء من الرزق إلا عندنا مفاتيحه وهو بأيدينا ليس بأيديكم وَما نُنَزِّلُهُ يعني الرزق وهو المطر وحده إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ- 21- يعنى موقوت وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ وذلك أن الله يرسل الريح فتأخذ الماء بكيل معلوم من سماء الدنيا ثم تثير الرياح والسحاب فتلقي الريح السحاب بالماء الذي فيها من ماء النبت ثم تسوق تلك الرياح السحاب إلى الأرض التي أمر الرعد أن يمطرها، فذلك قوله سبحانه: فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً يعني المطر فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ يعني يا بني آدم لَهُ بِخازِنِينَ- 22- يقول لستم أنتم بخازنيها فتكون مفاتيحها بأيديكم ولكنها بيدي «1» وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ يقول الله- تعالى-: أنا أحى الموتى، وأميت الأحياء وَنَحْنُ الْوارِثُونَ- 23- يعني ونميت الخلق ويبقى الرب- تعالى- ويرثهم وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ يعني من بني آدم من مات منكم وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ- 24- يقول من بقي منكم فلم يمت ونظيرها في «ق والقرآن» : قَدْ عَلِمْنا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ «2» وَإِنَّ رَبَّكَ يا محمد- صلى الله عليه وسلم- هُوَ يَحْشُرُهُمْ يعني من تقدم منهم ومن تأخر يقول وهو يجمعهم في الآخرة إِنَّهُ حَكِيمٌ حكم البعث، ثم قال: عَلِيمٌ- 25- ببعثهم وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ يعني آدم مِنْ صَلْصالٍ.
__________
(1) من ل، وفى أ: بخازنيه فيكون مفاتيحه بأيديكم ولكنه بيدي.
(2) سورة ق: 4.(2/427)
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي الْهُذَيْلُ عَنْ مُقَاتِلٍ، وَالضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الصَّلْصَالُ الطين الجيد يعنى الحر إِذَا ذَهَبَ عَنْهُ الْمَاءُ تَشَقَّقَ، فَإِذَا «حُرِّكَ» «1» تَقَعْقَعَ مِنْ حَمَإٍ يعني الأسود مَسْنُونٍ- 26- يعني المنتن فكان التراب مبتلا «2» فصار أسود منتنا، ثم قال: وَالْجَانَّ يعني إبليس خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ آدم مِنْ نارِ السَّمُومِ- 27- يعنى صافى «3» ليس فيه دخان وهو المارج من نار يعني الجان وإنما سمي إبليس الجان لأنه من حي من الملائكة يقال لهم الجن، والجن جماعة والجان «4» واحد. وَإِذْ قالَ يعني وقد قال: رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ الذين في الأرض منهم إبليس قال لهم قبل أن يخلق آدم- عليه السّلام-: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً يعنى آدم مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ يعني أسود مَسْنُونٍ- 28- يعني منتن فَإِذا سَوَّيْتُهُ يعنى سويت خلقه [197 ب] وَنَفَخْتُ فِيهِ يعني آدم مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ- 29- يقول فاسجدوا لآدم فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ الذين هم في الأرض كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ- 30- ثم استثنى من الملائكة إبليس، فقال سبحانه: إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ- 31- لآدم- عليه السلام- قالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ في السجود مَعَ السَّاجِدِينَ- 32- يعني الملائكة الذين سجدوا لآدم- عليه السلام- قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ يعنى آدم خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ يعنى
__________
(1) «حرك» من ل. وهي ساقطة من أ
(2) فى ل: مبتلا، أ: مبتل.
(3) هكذا فى: أ، ل، والأنسب: صاف.
(4) فى أ: والجن، ل: والجان. [.....](2/428)
الطين مِنْ حَمَإٍ يعني أسود مَسْنُونٍ- 33- يعني منتن فأول ما خلق من آدم- عليه السلام- عجب الذنب ثم ركب فيه سائر خلقه، وآخر ما خلق من آدم- عليه السلام- أظفاره وتأكل الأرض عظام الميت كلها غير عجب الذنب- غير عظام «1» الأنبياء- عليهم السلام- فإنها لا تأكلها الأرض. وفي العجب يركب بنو آدم يوم القيامة ثم: قالَ فَاخْرُجْ مِنْها يعني من ملكوت السماء فَإِنَّكَ رَجِيمٌ- 34- يعني ملعون وهو إبليس وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ- 35- قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ- 36- يعني يبعث الناس بعد الموت يقول أجلني إلى يوم النفخة الثانية كقوله سبحانه: فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ «2» يعني فأجله إلى ميسرة قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ 37- لا تموت إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ- 38- يعني إلى أجل موقوت وهي النفخة الأولى وإنما أراد عدو الله الأجل إلى يوم يبعثون لئلا يذوق الموت لأنه قد علم أنه لا يموت بعد البعث قالَ إبليس: رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي يقول أما إذ أضللتني لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ- 39- يعني ولأضلنهم عن الهدى أجمعين، ثم استثنى عدو الله إبليس فقال: إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ- 40- يعني أهل التوحيد وقد علم إبليس أن الله استخلص عبادا لدينه ليس له عليهم سلطان، فذلك قوله سبحانه: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ يعنى ملك أن تضلهم عن الهدى وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا «3» يعنى حرزا ومانعا لعباده قالَ
__________
(1) هكذا فى: أ، ل: والأنسب: وغير عظام.
(2) سورة البقرة: 280.
(3) سورة الإسراء: 65.(2/429)
الله- تعالى: هذا صِراطٌ عَلَيَّ يقول هذا طريق الحق الهدى إلي مُسْتَقِيمٌ- 41- يعني الحق «1» كقوله: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ «2» يعني للناس. نظيرها في هود قوله: إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «3» يعني المستقيم الحق المبين «4» . ثم قال سبحانه: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ- 42- يعني من المضلين وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ- 43- يعني كفار الجن والإنس وإبليس وذريته لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ بعضها أسفل من بعض كل باب أشد حرا من الذي فوقه بسبعين جزءا بين كل بابين سبعين سنة أولها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم الجحيم، ثم الهاوية، ثم سقر. لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ [198 أ] جُزْءٌ مَقْسُومٌ- 44- يعني عدد معلوم من كفار الجن والإنس يعني الباب الثاني يضعف على الباب الأعلى «5» في شدة العذاب سبعين ضعفا إِنَّ الْمُتَّقِينَ الشرك فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ- 45- يعني بساتين وأنهار جارية ادْخُلُوها بِسَلامٍ سلم «6» الله- عز وجل- لهم أمرهم وتجاوز عنهم نظيرها- في الواقعة- ثم قال: آمِنِينَ- 46- من الخوف وَنَزَعْنا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ يقول أخرجنا ما في قلوبهم من الغش الذي كان في الدنيا بعضهم لبعض فصاروا متحابين إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ- 47- فى الزيارة يرى بعضهم بعضا
__________
(1) يعنى الحق: ساقطة من أ، وهي من ل.
(2) سورة البقرة: 143.
(3) سورة هود: 56.
(4) من ل، وفى أ: يعنى على الحق المستقيم.
(5) فى أ: على الباب الأعلى، ل: على الأعلى.
(6) فى أ: يسلم، ل: سلم.(2/430)
متقابلين على الأسرة يتحدثون ثم أخبر عنهم- سبحانه- فقال: لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ يقول لا تصيبهم فيها مشقة في أجسادهم كما كان في الدنيا وَما هُمْ مِنْها من الجنة بِمُخْرَجِينَ- 48- أبدا ولا بميتين أبدا قال الله- تعالى- للنبي- صلى الله عليه وسلم-: نَبِّئْ عِبادِي يقول أخبر عبادي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ لذنوب المؤمنين الرَّحِيمُ- 49- لمن تاب منهم وَأخبرهم أَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ- 50- يعني الوجيع لمن عصاني وَنَبِّئْهُمْ يعني وأخبرهم عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ- 51- ملكان أحدهما جبريل، والآخر ميكائيل إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ على إبراهيم «1» فَقالُوا سَلاماً «2» فسلموا عليه وسلم عليهما قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ- 52- يعني خائفين وذلك أن إبراهيم- عليه السلام- قرب إليهم العجل فلم يأكلوا منه فخاف إبراهيم- عليه السلام- وكان في زمان إبراهيم- عليه السلام- إذا أكل الرجل عند الرجل طعاما أمن من شره، فلما رأى إبراهيم- عليه السلام- أيديهم لا تصل إلى العجل خاف شرهم قالُوا «3» قال له جبريل- عليه السلام-: لا تَوْجَلْ يقول لا تخف إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ- 53- وهو إسحاق- عليه السلام- قالَ لهم إبراهيم- عليه السلام-: أَبَشَّرْتُمُونِي بالولد عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ على كبر سني فَبِمَ تُبَشِّرُونَ- 54- قال ذلك إبراهيم- عليه السلام- تعجبا لكبره وكبر امرأته قالُوا «4» قال جبريل- عليه السلام-: بَشَّرْناكَ يعني نبشرك
__________
(1) فى أ، ل: (إذ دخلوا) على إبراهيم.
(2) «فَقالُوا سَلاماً» : ساقطة من أ، ل.
(3) «قالوا» : ساقطة من أ، ل.
(4) «قالوا» : ساقطة من: أ، ل.(2/431)
بِالْحَقِّ يعني بالصدق أن الولد لكائن فَلا تَكُنْ بإبراهيم مِنَ الْقانِطِينَ- 55- يعني لا تيأس «1» قالَ «2» إبراهيم- عليه السلام-: وَمَنْ يَقْنَطُ يعني ومن ييئس مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ- 56- يعنى المشركين قالَ إبراهيم: فَما خَطْبُكُمْ يعني فما أمركم أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ- 57- قالُوا «3» أي قال جبريل- عليه السلام-: إِنَّا أُرْسِلْنا بالعذاب إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ- 58- إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ- 59- ثم استثنى جبريل- عليه السلام- امرأة لوط، فقال: إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ- 60- يعني الباقين في العذاب فخرجوا من عند إبراهيم- عليه السلام- بالأرض المقدسة «4» فأتوا لوطا بأرض سدوم من ساعتهم فلم يعرفهم لوط- عليه السّلام-[198 ب] وظن أنهم رجال، فذلك قوله- سبحانه-:
فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ- 61- فيها تقديم يقول جاء المرسلون إلى لوط قالَ لهم لوط: إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ- 62- أنكرهم ولم يعلم أنهم ملائكة لأنهم كانوا في صورة الرجال قالُوا بَلْ «5» قال جبريل- عليه السلام-: قد «6» جِئْناكَ يا لوط بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ- 63- يعني بما كان «7» قومك بالعذاب يمترون يعني يشكون في العذاب أنه ليس بنازل بهم
__________
(1) فى أ: لا تأيس، ل: لا يبئس. [.....]
(2) فى أ، ل: «يقول» .
(3) فى أ، ل: قال جبريل- عليه السّلام.
(4) فى أ، ل: بأرض المقدسة.
(5) «قالوا بل» : ساقطة من: أ، ل.
(6) فى حاشية أ: بل.
(7) فى أ: بما كانوا. وعليها علامة تمريض. وفى ل: بما كان.(2/432)
في الدنيا وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ جئناك بالصدق وَإِنَّا لَصادِقُونَ- 64- بما تقول إنا جئناهم بالعذاب فقالوا للوط: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ يعنى امرأته وابنته ريثا وزعوثا «1» بِقِطْعٍ يعنى بعض وهو السحر مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ يعني سر من وراء أهلك تسوقهم وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ البتة يقول ولا ينظر أحد منكم وراءه وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ- 65- إلى الشام وَقَضَيْنا إِلَيْهِ يقول وعهدنا إلى لوط ذلِكَ الْأَمْرَ يعني أمر العذاب أَنَّ دابِرَ يعني أصل هؤُلاءِ القوم مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ- 66- يقول إذا أصبحوا نزل بهم العذاب وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ- 67- بدخول الرجال منزل لوط. ثم قالَ لهم لوط: إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ- 68- فيهم ولوط- عليه السلام- يرى أنهم رجال وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ
- 69- فيهم قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ- 70- أن تضيف منهم أحدا لأن لوطا كان يحذرهم «2» لئلا يؤتون في أدبارهم فعرض عليهم ابنتيه من الحياء تزويجا واسم إحداهما ريثا والأخرى زعوثا فذلك قوله:
«قالَ» «3» هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ- 71- لا بد فتزوجوهن يقول الله- عز وجل-: لَعَمْرُكَ كلمة من كلام العرب إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ- 72- يعنى لفي ضلالتهم يترددون فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ يعني صيحة جبريل- عليه السّلام- مُشْرِقِينَ- 73- يعنى
__________
(1) من أ، وفى ل: ريثاوز عرثا.
(2) فى أ: يحرر، ل: يحذرهم.
(3) «قال» : ساقطة من أ، ل.(2/433)
حين طلعت الشمس فَجَعَلْنا المدائن الأربع عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ سدوم، ودامورا، وعاموا، وصابورا، وأمطرنا على من كان خارجا من المدينة حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ- 74- ولعل الرجل منهم يكون في قرية أخرى فيأتيه الحجر فيقتله «مِنْ سِجِّيلٍ» يعني الحجارة خلطها الطين إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ يقول إن في هلاك قوم لوط لعبرة لِلْمُتَوَسِّمِينَ- 75- يقول للناظرين من بعدهم فيحذرون مثل عقوبتهم وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ- 76- يعني قرى لوط التي أهلكت بطريق مستقيم يعني واضح مقيم يمر عليها أهل مكة وغيرهم وهي بين مكة والشام إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً يعني إن في هلاك قوم لوط لعبرة لِلْمُؤْمِنِينَ- 77- يعني للمصدقين بتوحيد الله- عز وجل- لمن بعدهم فيحذرون عقوبتهم يخوف كفار مكة بمثل عذاب [199 أ] الأمم الخالية وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ- 78- يعني لمشركين فهم قوم شعيب- عليه السلام- والأيكة الغيضة «1» من الشجر وكان أكثر الشجر «2» الدوم وهو المقل فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ بالعذاب وَإِنَّهُما يعني قوم لوط، وقوم شعيب لَبِإِمامٍ يعني طريق مُبِينٍ- 79- يعني مستقيم وكان عذاب قوم شعيب- عليه السلام- أن الله- عز وجل- حبس عنهم الرياح فأصابهم حر شديد لم ينفعهم من الحر شيء وهم في منازلهم، فلما أصابهم ذلك الحر خرجوا من منازلهم إلى الغيضة ليستظلوا «3» بها من الحر فأصابهم من الحر أشد مما أصابهم في منازلهم ثم بعث الله- عز وجل- لهم سحابة فيها عذاب فنادى بعضهم بعضا
__________
(1) فى أ: الغبطة، ل: الغبضة.
(2) من ل، وفى أ: من الشجر وهو الدوم وهو المقل.
(3) من: ل، وفى أ: يستظلوا.(2/434)
ليخرجوا من الغيضة فيستظلون «1» تحت السحابة لشدة حر الشمس يلتمسون بها «2» الروح فلما لجئوا إليها أهلكهم الله- عز وجل- فيها حرا وغما تحت السحابة.
قال: حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، سمعت أبي، قال: سمعت أبا صالح «3» ، يقول: غلت أدمغتهم فى رءوسهم، كما يغلى الماء في المرجل على النار من شدة الحر تحت السحابة «4» فذلك قوله سبحانه: فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ «5» .
وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ- 80- يعني قوم صالح واسم القرية الحجر وهو بوادي القرى، يعني بالمرسلين صالحا «6» وحده- عليه السلام- يقول كذبوا صالحا وَآتَيْناهُمْ آياتِنا يعني الناقة آية لهم فكانت ترويهم من اللبن في يوم شربها من غير أن يكلفوا مؤنة فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ- 81- حين لم يتفكروا في أمر الناقة وابنها فيعتبروا، فأخبر عنهم، فقال سبحانه: وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ- 82- من أن تقع عليهم الجبال إذا نحتوها وجوفوها فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ يعني صيحة جبريل- عليه السلام- مُصْبِحِينَ- 83- يوم السبت فخمدوا أجمعون «7» يقول الله- عز وجل-:
__________
(1) فى ل: ليستظلوا، أ: فيستظلون.
(2) فى ل: بها، أ: فيها. [.....]
(3) فى أ: قال أبا صالح.
(4) من «حدثنا عبيد الله ... » إلى هنا: ساقط من ل، وهو: من أ.
(5) سورة الشعراء: 189.
(6) فى أ: صالح، ل: صالحا.
(7) هكذا فى أ، ل.(2/435)
فَما أَغْنى عَنْهُمْ من العذاب الذي نزل بهم مَا كانُوا يَكْسِبُونَ- 84- من الكفر والتكذيب فعقروا الناقة يوم الأربعاء فأهلكهم الله يوم السبت وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ يقول لم يخلفهما الله- عز وجل- باطلا خلقهما «1» لأمر هو كائن وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ يقول القيامة كائنة فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ- 85- يقول للنبي- صلى الله عليه وسلم- فأعرض عن كفار مكة الإعراض الحسن فنسخ السيف الإعراض والصفح «2» إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ لخلقه في الآخرة بعد الموت الْعَلِيمُ- 86- ببعثهم وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي يعني ولقد أعطيناك فاتحة الكتاب وهي سبع آيات وَالْقُرْآنَ كله مثاني ثم قال: الْعَظِيمَ- 87- يعني سائر القرآن كله [199 ب] لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ يعنى أصنافا منهم من المال وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ إن تولوا عنك وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ- 88- يقول لين جناحك للمؤمنين فلا تغلظ لهم وَقُلْ لكفار مكة: إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ- 89- من العذاب قال سبحانه: كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ- 90- فيها تقديم يقول أنزلنا المثاني والقرآن العظيم كما أنزلنا التوراة والإنجيل على النصارى واليهود فهم المقتسمون فاقتسموا الكتاب فآمنت اليهود بالتوراة وكفروا بالإنجيل والقرآن وآمنت النصارى بالإنجيل وكفروا بالقرآن والتوراة هذا الذي اقتسموا آمنوا ببعض ما أنزل إليهم من الكتاب وكفروا ببعض ثم نعت اليهود والنصارى فقال
__________
(1) هكذا فى أ، ل. وفى غير هذا الموضوع كثيرا ما عبر بقوله «بل خلقهما» .
(2) ليس نسخا ولكنه من المنسأ وهو ما تأخر نزوله لحكمة.(2/436)
- سبحانه-: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ- 91- جعلوا القرآن أعضاء كأعضاء الجزور. فرقوا الكتاب ولم يجتمعوا على الإيمان بالكتب كلها فأقسم الله- تعالى- بنفسه للنبي- صلى الله عليه وسلم- قال- سبحانه:
فَوَ رَبِّكَ يا محمد- صلى الله عليه وسلم- لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ- 92- عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ- 93- من الكفر والتكذيب فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أسر النبوة وكتمها سنتين فقال الله- عز وجل- لنبيه- صلى الله عليه وسلم: «فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ» يقول امض لما تؤمر من تبليغ الرسالة فلما بلغ عن ربه- عز وجل- استقبله كفار مكة بالأذى والتكذيب في وجهه فقال تعالى: وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ- 94- يعني عن أذى المشركين إياك فأمره الله- عز وجل- بالإعراض والصبر على الأذى ثم نسختها آية السيف. ثم قال- سبحانه-: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ- 95- وذلك
أن الوليد بن المغيرة المخزومي حين حضر الموسم قال، يا معشر قريش إن محمدا «1» قد علا أمره في البلاد وما أرى الناس براجعين حتى يلقونه وهو رجل حلو الكلام إذا كلم الرجل ذهب بعقله وإني لا آمن أن يصدقه بعضهم فابعثوا رهطا من ذوي الحجى والرأي فليجلسوا على طريق مكة مسيرة ليلة أو ليلتين فمن سأل عن محمد فليقل «2» بعضهم: إنه ساحر يفرق بين الاثنين.
ويقول «3» بعضهم: إنه كاهن يخبر بما يكون في غد لئلا تروه خير من أن
__________
(1) فى ل: محمدا، أ: محمدا صلى الله عليه وسلم.
(2) فى أ: فليقل بعضهم، ل: فليقل.
(3) هكذا فى أ، ل.(2/437)
تروه فبعثوا في كل طريق بأربعة من قريش وأقام الوليد بن المغيرة بمكة فمن دخل مكة في غير طريق سالك يريد النبي- صلى الله عليه وسلم- تلقاهم «1» الوليد فيقول هو ساحر كذاب. ومن دخل من طريق لقيه الستة عشر فقالوا:
هو شاعر [200 أ] ، وكذاب، ومجنون. ففعلوا ذلك وانصدع الناس عن قولهم فشق ذلك على النبي- صلى الله عليه وسلم- وكان يرجو أن يلقاه الناس فيعرض عليهم أمره فمنعه هؤلاء المستهزءون من قريش ففرحت قريش حين تفرق الناس عن قولهم وقالوا: ما عند صاحبكم إلا غرورا. يعنون النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالت «2» قريش: هذا دأبنا ودأبك فذلك قوله- سبحانه:
«وَإِذا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» «3» وكان منهم من يقول: بئس وافد القوم أنا إن انصرفت قبل أن ألقى صاحبي فيدخل مكة فيلقى المؤمنين.
فيقول: ما هذا الأمر؟ فيقولون: خيرا أنزل الله- عز وجل- كتابا وبعث رسولا، فذلك قوله سبحانه: «مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً» «4» فنزل جبريل- عليه السلام- والنبي- صلى الله عليه وسلم- عند الكعبة فمر به الوليد بن المغيرة بن عبد الله.
فقال جبريل- عليه السلام- للنبي- صلى الله عليه وسلم- كيف تجد هذا؟ فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- بئس «5» عبد الله هذا فأهوى جبريل بيده إلى فوق كعبه، فقال: قد كفيتك، فمر الوليد في حائط فيه نبل لبنى المصطلق وهي حي من خزاعة
__________
(1) هكذا فى أ، ل.
(2) فى أ، ل: فقالت. والأنسب: وقالت.
(3) سورة النحل: 24
(4) سورة النحل: 30 [.....]
(5) بئس: ساقطة من أ، وهي من ل.(2/438)
يتبختر فيهما فتعلق السهم بردائه قبل أن يبلغ منزله فنفض السهم وهو يمشي برجله فأصاب السهم أكحله «1» فقطعه فلما بات تلك الليلة انتفضت به جراحته، ومر به العاص بن وائل، فقال جبريل «2» : كيف تجد هذا؟ قال: بئس عبد الله «3» هذا.
فأهوى جبريل بيده إلى باطن قدمه، فقال: قد كفيتك. وركب العاص حمارا من مكة يريد الطائف، فاضطجع الحمار به على شبرقة «4» ذات شوك، فدخلت شوكة في باطن قدمه، فانتفخت فقتله الله- عز وجل- تلك الليلة. ومر به الحارث بن قيس بن عمرو بن ربيعة بن سهم. فقال جبريل- عليه السلام-:
كيف تجد هذا؟ فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- بئس عبد الله «5» هذا. فأهوى جبريل- عليه السلام- إلى رأسه، فانتفخ رأسه فمات منها، ومر به الأسود ابن عبد العزى بن وهب بن عبد مناف بن زهرة، فقال جبريل- عليه السلام- كيف تجد هذا؟ فقال النبي- صلى الله عليه وسلم: بئس عبد الله «6» هذا إلا أنه ابن خالي. فأهوى جبريل- عليه السلام- بيده إلى بطنه، فقال: قد كفيتك «7» .
فعطش فلم يروا من الشراب حتى مات. ومر الأسود بن عبد المطلب بن المنذر ابن عبد العزى بن قصي فقال جبريل «8» : كيف تجد هذا؟ قال النبي- صلى الله
__________
(1) فى أ: أبجله وهو الأكحل، وفى ل: الأكحل. وفى حاشية ل: أكحله وهو الأكحل.
(2) فى ل: جبريل، أ: جبريل عليه السّلام.
(3) فى ل: عبد الله، أ: لعبد الله
(4) هكذا فى أ، ل وعليها فى أعلامة تمريض. والشبرق نبات به شوك.
(5) فى أ: لعبد الله.
(6) فى أ: العبد لله، ل: عبد الله.
(7) فى أ: كفيتك، ل: قد كفيتك.
(8) فى أ: جبريل- عليه السّلام، ل: جبريل.(2/439)
عليه وسلم- بئس عبد الله «1» هذا- قال: قد كفيتك أمره. ثم ضرب ضربة بحبل «2» من تراب، رمى في وجهه فعمي فمات منها. وأما بعكك، وأحرم فهما أخوان [200 ب] ابنا الحجاج بن السياق بن عبد الدار بن قصي. فأما أحدهما فأخذته الدبيلة، وأما الآخر فذات الجنب فماتا كلاهما فأنزل الله- عز وجل-:
«إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ»
يعني هؤلاء السبعة من قريش «3» ، ثم نعتهم، فقال سبحانه: الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ- 96- هذا وعيد لهم بعد القتل «4» .
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ- 97- حين قالوا: إنك ساحر، ومجنون، وكاهن، وحين قالوا: هذا دأبنا ودأبك. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ يقول فصل بأمر ربك وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ- 98- يعني المصلين وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ- 99- فإن عند الموت يعاين الخير والشر «5» .
__________
(1) فى أ: العبد لله، ل: عبد الله.
(2) فى ل: فضربه بحر ل، أ: بحبل.
(3) ورد هذا الكلام مجملا فى لباب النقول للسيوطي: 133.
(4) من ل، وفى أ: هذا وعيدهم بالقتل.
(5) هكذا فى أ، ل. [.....](2/440)
سورة النّحل(2/441)
[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 128]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)
وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (9)
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)
وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (19)
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)
لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ مَا يَزِرُونَ (25) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)
وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (34)
وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (35) وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (37) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (39)
إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)
أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (47) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49)
يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (50) وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (53) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54)
لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (59)
لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (61) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)
وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (74)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (80) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (83) وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84)
وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (87) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (88) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (89)
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (94)
وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95) مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (97) فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)
إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (102) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (104)
إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ (105) مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (107) أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (108) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (109)
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (113) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)
إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا مَا قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)
إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)
ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)(2/443)
سورة النحل «1» مكية كلها
__________
(1) مقاصد سورة النحل من مقاصد سورة النحل ما يأتى:
تخويف العباد بمجيء القيامة، وإقامة حجة الوحدانية وذكر ما فى الأنعام من المنافع والنعم، وما فى المراكب من التجمل والزينة، وتسخير الشمس والقمر، وتثبيت الأرض والجبال، وهداية الكواكب فى السفر والحضر. والنعم الزائدة عن العد والإحصاء. والإنكار على أهل الإنكار، وجزاء مكر الكافرين، ولعنة الملائكة للظالمين. وسلامهم على المؤمنين عند الوفاة. وبيان أحوال الأنبياء والمرسلين مع الأمم الماضية، وذكر التوحيد، وتعريف المنعم ونعمه السابقات. ومذمة المشركين بوأد البنات، وبيان فوائد النحل وذكر ما اشتمل عليه: من عجيب الحالات، وبيان حال المؤمن والكافر، وتسخير الطيور فى الجو صافات، والمنة بالمساكن والظلال والثياب، وذم المتكبرين وذكر ما أعد لهم من العقوبة، والأمر بالعدل والإحسان، والنهى عن نقض العهد والخيانة. والأمر بالاستعاذة بالله عند تلاوة القرآن، ورد سلطان الشيطان عن المؤمنين والمؤمنات، وتبديل الآيات بالآيات لمصالح المسلمين والمسلمات. والرخصة بالتكلم بكلمة الكفر عند الإكراه والضرورة. وبيان التحريم والتحليل وذكر إبراهيم الخليل وما منح من الدرجات. وذكر السبت، والدعاء إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة. والأمر بالعدل فى المكافأة والعقوبة، والدعوة إلى الصبر على البلاء. ووعد المتقين والمحسنين بأعظم المثوبة فى قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ» سورة النحل.
(بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي)(2/457)
غير قوله تعالى: «وَإِنْ عاقَبْتُمْ ... » إلى آخر السورة «1» .
وقوله تعالى: «ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا ... » الآية «2» .
وقوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ ... الآية «3» .
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ هاجَرُوا ... الآية «4» .
وقوله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً ... الآية «5» .
فإن هذه الآيات مدنيات.
وهي مائة وثمان «6» وعشرون آية كوفية.
__________
(1) الآيات 126، 127، 128.
(2) الآية: 110.
(3) الآية: 106.
(4) الآية: 41.
(5) الآية: 75.
(6) فى أ: وثمانية والمعروف ثمان لأن العدد مؤنث.(2/458)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَتى أَمْرُ اللَّهِ وذلك أن كفار مكة لما أخبرهم النبي- صلى الله عليه وسلم- الساعة فخوفهم بها أنها كائنة فقالوا: متى تكون تكذيبا بها؟ فأنزل الله- عز وجل- يا عبادي: «أَتى أَمْرُ اللَّهِ» فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ «1» أي فلا تستعجلوا وعيدي أنزل الله- عز وجل- أيضا في قولهم «حم عسق» يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها «2» فلما سمع النبي- صلى الله عليه وسلم- من جبريل- عليه السلام- «أَتى أَمْرُ اللَّهِ» وثب قائما وكان جالسا مخافة الساعة فقال جبريل- عليه السلام-: «فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ» فاطمأن النبي- صلى الله عليه وسلم- عند ذلك، ثم قال: سُبْحانَهُ نزه الرب- تعالى- نفسه عن شرك أهل مكة، ثم عظم نفسه- جل جلاله- فقال: وَتَعالى يعني وارتفع عَمَّا يُشْرِكُونَ- 1- يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ يعني جبريل- عليه السلام- بِالرُّوحِ يقول بالوحي مِنْ أَمْرِهِ يعني بأمره عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ من الأنبياء- عليهم السلام- ثم أمرهم الله- عز وجل- أن ينذروا «3» الناس فقال: أَنْ أَنْذِرُوا «4» ) أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ- 2- يعنى فاعبدون خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يقول لم يخلقهما باطلا لغير شيء ولكن
__________
(1) فى أ، ل: (فلا تستعجلوا) وعيدي.
(2) سورة الشورى: 18.
(3) فى الأصل: ينذر.
(4) فقال «أَنْ أَنْذِرُوا» : زيادة ليست فى أ، ولا فى ل.(2/459)
خلقهما لأمر هو كائن تَعالى يعني ارتفع عَمَّا يُشْرِكُونَ- 3- به خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ يعني أبي بن خلف الجمحي قتله النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم أحد فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ- 4- قال للنبي [201 أ]- صلى الله عليه وسلم-: كيف يبعث الله هذه العظام وجعل يفتها ويذريها في الريح نظيرها فى آخر- يس-: «قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ» «1» ثم قال- تعالى-: وَالْأَنْعامَ يعني الإبل، والبقر، والغنم. خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ يعني ما تستدفئون به من أصوافها، وأوبارها، وأشعارها أثاثا وَمَنافِعُ في ظهورها، وألبانها وَمِنْها تَأْكُلُونَ- 5- يعني من لحم الغنم وَلَكُمْ فِيها يعني فى الأنعام جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ يعني حين تروح من مراعيها إليكم عند المساء وَحِينَ تَسْرَحُونَ- 6- من عندكم بكرة إلى الرعي وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ يعني الإبل، والبقر إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ يعنى بجهد الأنفس إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ يعني لرفيق رَحِيمٌ- 7- بكم فيما جعل لكم من الأنعام من المنافع، ثم ذكرهم النعم: وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً يقول لكم في ركوبها جمال وزينة يعني الشارة الحسنة وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ- 8- من الخلق كقوله- تعالى: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ «2» يعني في شارته، قال سبحانه: وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ يعني بيان الهدى وَمِنْها جائِرٌ يقول ومن السبيل ما تكون «3» جائرة على الهدى
__________
(1) سورة يس: 87.
(2) سورة القصص: 79.
(3) فى أ، ل: يكون. [.....](2/460)
وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ- 9- إلى دينه هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ يعني المطر لكم منه شراب وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ- 10- يعني وفيه ترعون أنعامكم يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ بالمطر الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً فيما ذكر لكم من النبات لعبرة لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ- 11- في توحيد الله- عز وجل- وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ يقول فيما سخر لكم في هذه الآيات «1» لعبرة لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ- 12- في توحيد الله- عز وجل- وَما ذَرَأَ لَكُمْ يعني وما خلق لكم فِي الْأَرْضِ من الدواب، والطير، والشجر مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ يعني فيما ذكر من الخلق في الأرض لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ- 13- في توحيد الله- عز وجل- وما ترون من صنعه وعجائبه وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وهو السمك ما أصيد «2» أو ألقاه الماء وهو حي وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها يعني اللؤلؤ وَتَرَى الْفُلْكَ يعني السفن مَواخِرَ فِيهِ يعني في البحر مقبلة ومدبرة بريح واحد وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ يعني سخر لكم الفلك لتبتغوا من فضله وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ- 14- ربكم في نعمه- عز وجل- وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ يعني الجبال أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ يعني لئلا تزول بكم الأرض فتميل بمن عليها وَأَنْهاراً تجري وَسُبُلًا يعني وطرقا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ- 15- يعنى تعرفون طرقها
__________
(1) يقول: فيما ذكر لكم فى هذه البينات.
(2) هكذا فى الأصل، والأنسب: ما صيد.(2/461)
وَعَلاماتٍ يعنى الجبال [201 ب] كقوله سبحانه: «كَالْأَعْلامِ» «1» يعنى الجبال وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ- 16-.
حدثنا عبيد الله قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الْهُذَيْلُ، قال مُقَاتِلُ: هي بنات نعش، والجدي، والفرقدان، والقطب قال: بعينها لأنهن لا يزلن عن أماكنهن شتاء ولا صيفا يعني بالجبال والكواكب يهتدون وبها يعرفون الطرق في البر والبحر، كقوله سبحانه: لا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا «2» يعني لا يعرفون، ثم قال- عز وجل-: أَفَمَنْ يَخْلُقُ هذه الأشياء من أول السورة إلى هذه الآية كَمَنْ لا يَخْلُقُ شيئا من الآلهة اللات، والعزى، ومناة، وهبل، التي تعبد من دون الله- عز وجل- أَفَلا تَذَكَّرُونَ- 17- يعني أفلا تعتبرون في صنعه فتوحدونه- عز وجل- وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ في تأخير العذاب عنهم رَحِيمٌ- 18- بهم حين لا يعجل عليهم بالعقوبة وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ في قلوبكم يعني الخراصين الذي أسروا «الكيد» بالبعثة «3» في طريق مكة ممن «4» يصد الناس عن النبي- صلى الله عليه وسلم- بالموسم وَيعلم ما تُعْلِنُونَ- 19- يعني يعلم ما تظهرون بألسنتكم حين قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: هذا دأبنا ودأبك. ثم ذكر الآلهة فقال- سبحانه- لكفار مكة: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ يعنى
__________
(1) سورة الرحمن: 24.
(2) سورة النساء: 98.
(3) فى أ: بالبعثة، ل: بالنعمة.
(4) فى ل: ممن، أ: من.(2/462)
يعبدون «1» مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني اللات، والعزى، ومناة، وهبل، لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً ذبابا ولا غيرها وَهُمْ يُخْلَقُونَ- 20- وهم ينحتونها بأيديهم ثم وصفهم فقال تعالى: أَمْواتٌ لا تتكلم، ولا تسمع، ولا تبصر «2» ، ولا تنفع، ولا تضر غَيْرُ أَحْياءٍ لا أرواح فيها، ثم نعت كفار مكة فقال: وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ- 21- يعنى متى يبعثون نظيرها فى سورة النمل لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ «3» وهم الخراصون ثم قال سبحانه: إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فلا تعبدوا غيره ثم نعتهم- تعالى- فقال: فَالَّذِينَ «4» لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعني لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال، ثم نعتهم فقال- سبحانه: قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ لتوحيد الله- عز وجل- أنه واحد وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ- 22- عن التوحيد لا جَرَمَ قسما أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ في قلوبهم حين أسروا وبعثوا في كل طريق من الطرق رهطا ليصدوا الناس عن النبي- صلى الله عليه وسلم- وَما يُعْلِنُونَ حين أظهروا للنبي- صلى الله عليه وسلم- وقالوا: هذا دأبنا ودأبك إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ- 23- يعنى المتكبرين عن التوحيد، ثم وصفهم فقال سبحانه: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ يعني الخراصين «5» مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ- 24- وذلك أن الوليد بن المغيرة المخزومي قال لكفار
__________
(1) فى أ: «والذين تدعون» يعنى تعبدون.
(2) فى أ: ولا تنصر، ل: ولا تبصر.
(3) سورة النمل: 65.
(4) فى أ: «والذين» .
(5) فى أ: الخراصون، ل: الخراصين.(2/463)
قريش: إن محمدا- صلى الله عليه وسلم-: حلو اللسان، إذا كلم الرجل ذهب بعقله، فابعثوا رهطا من ذوى الرأى منكم والحجا فى طريق مكة [202 أ] على مسيرة ليلة أو ليلتين، إني لا آمن أن يصدقه بعضهم فمن سأل عن محمد- صلى الله عليه وسلم- فليقل بعضهم: إنه ساحر يفرق بين الاثنين، وليقل بعضهم: إنه لمجنون يهذي في جنونه، وليقل «1» بعضهم: إنه شاعر لم يضبط الروى، وليقل بعضهم: إنه كاهن يخبر بما يكون في غد.
وإن لم تروه خيرا «2» من أن تروه، لم «3» يتبعه على دينه إلا العبيد والسفهاء، يحدث عن حديث الأولين، وقد فارقه خيار قومه وشيوخهم، فبعثوا ستة عشر رجلا من قريش في أربع طرق على كل طريق أربعة نفر، وأقام الوليد بن المغيرة بمكة على الطريق فمن جاء يسأل عن النبي- صلى الله عليه وسلم- لقيه الوليد فقال له: مثل مقالة الآخرين فيصدع «4» الناس عن قولهم، وشق ذلك على النبي- صلى الله عليه وسلم-، وكان يرجو أن يتلقاه الناس فيعرض عليهم أمره، ففرحت «5» قريش حين تفرق الناس عن قولهم وهم يقولون: ما عند صاحبكم خير «6» . يعنون النبي- صلى الله عليه وسلم- وما بلغنا عنه إلا الغرور، وفيهم المستهزءون «7» من قريش، فأنزل الله- عز وجل- فيهم:
__________
(1) فى ل: وليقل، أ: ويقول.
(2) فى ل: خيرا، أ: خير.
(3) فى أ: لم، ل: وإن لم. [.....]
(4) فى أ: فيصد، ل: فيصدع.
(5) هكذا فى أ، ل، والأنسب: وفرحت.
(6) فى أ، ل: حبر.
(7) فى أ: المستهزئين.(2/464)
«وَإِذا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» يعني حديث الأولين وكذبهم يقول الله- تعالى- قالوا ذلك: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ يعني يحملوا خطيئتهم كاملة يوم القيامة وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يعني من خطايا الذين يُضِلُّونَهُمْ يعني يستنزلونهم بِغَيْرِ عِلْمٍ يعلمونه فيها تقديم قال- عز وجل- أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ- 25- يعني ألا بئس ما يحملون يعني يعملون، ثم قال النبي- صلى الله عليه وسلم- قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ يعني قد فعل الذين مِنْ قَبْلِهِمْ يعني قبل «1» كفار مكة: يعني نمروذ بن كنعان الجبار الذي ملك الأرض، وبنى الصرح ببابل، ليتناول فيما زعم إله السماء- تبارك وتعالى. وهو الذي حاج إبراهيم في ربه- عز وجل- وهو أول من ملك الأرض كلها. وملك الأرض «2» كلها ثلاثة نفر، نمروذ بن كنعان، وذو القرنين واسمه الإسكندر قيصر ثم تبع بن أبى شراحيل الحميري «3» ، فلما بنى نمروذ الصرح طوله في السماء فرسخين فأتاه جبريل- عليه السلام- في صورة شيخ كبير «فقال: ما تريد» «4» أن تصنع؟
قال: أريد أن أصعد إلى السماء، فأغلب أهلها، كما غلبت أهل الأرض. فقال له جبريل- عليه السلام-: إن بينك وبين السماء مسيرة خمسمائة عام، والتي تليها مثل ذلك، وغلظها مثل ذلك، وهي سبع سموات، ثم كل سماء كذلك. فأبى إلا أن يبني، فصاح جبريل- عليه السلام-: صيحة فطار رأس الصرح فوقع في البحر ووقع البقية عليهم، فذلك قوله- عز وجل: فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ
__________
(1) قبل: من ل، وهي ساقطة من أ.
(2) الأرض: من ل. وهي ساقطة من أ.
(3) فى ل زيادة: وسليمان بن داود، ويلاحظ أنه ذكر أن ثلاثة ملكوا الأرض ثم ذكر أربعة فى ل.
(4) هكذا فى أ، ل، والأنسب: «فقال له: ما تريد» .(2/465)
يعني من الأصل فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ يعني فوقع عليهم البناء الأعلى من فوق رءوسهم [202 ب] وَأَتاهُمُ يعني وجاءهم الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ- 26- من بعد ذلك وبعد ما اتخذ النسور وهي الصيحة من جبريل- عليه السّلام- ثم رجع إلى الخراصين في التقديم، فقال سبحانه:
ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ يعني يعذبهم كقوله سبحانه: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ «1» يعني لا يعذب الله النبي والمؤمنين وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ يعني تحاجون فيهم قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وهم الحفظة من الملائكة إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ يعني الهوان وَالسُّوءَ يعني العذاب عَلَى الْكافِرِينَ- 27- ثم نعتهم فقال: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ
يعني ملك الموت وأعوانه ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ وهم ستة، ثلاثة يلون أرواح المؤمنين، وثلاثة يلون أرواح الكافرين فَأَلْقَوُا السَّلَمَ يعني الخضوع والاستسلام، ثم قالوا: ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ يعني من شرك لقولهم في الأنعام: وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ «2» فكذبهم الله- عز وجل-، فردت «3» عليهم خزنة جهنم من الملائكة فقالوا: بَلى قد عملتم السوء إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 28- يعني بما كنتم مشركين، قالت الخزنة لهم:
فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها من الموت فَلَبِئْسَ مَثْوَى يعني مأوى الْمُتَكَبِّرِينَ- 29- عن التوحيد فأخبر الله عنهم في الدنيا، وأخبر بمصيرهم فى الآخرة، ثم قال تعالى: وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا يعني الذين عبدوا ربهم
__________
(1) سورة التحريم: 8.
(2) سورة الأنعام: 23.
(3) فى أ، ل: فرد.(2/466)
مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أنزل خَيْراً وذلك أن الرجل كان يبعثه قومه وافدا إلى مكة، ليأتيهم بخبر محمد- صلى الله عليه وسلم، فيأتي الموسم فيمر على هؤلاء الرهط من قريش الذين على طريق مكة، فيسألهم عن النبي- صلى الله عليه وسلم-: فيصدونه عنه لئلا يلقاه. فيقول: بئس الرجل الوافد أنا لقومي أن أرجع قبل أن ألقى محمدا- صلى الله عليه وسلم- وأنا منه على مسيرة ليلة أو ليلتين وأسمع منه فيسير حتى يدخل مكة فيلقى المؤمنين فيسألهم عن النبي- صلى الله عليه وسلم-، وعن قولهم «1» ، فيقولون للوافد: أنزل الله- عز وجل- خيرا بعث رسولا- صلى الله عليه وسلم- وأنزل كتابا يأمر فيه بالخير وينهى عن الشر ففيهم نزلت «وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً» ثم انقطع الكلام. يقول الله سبحانه: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا العمل فِي هذِهِ الدُّنْيا لهم حَسَنَةٌ في الآخرة يعني الجنة وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ يعني الجنة أفضل من ثواب المشركين في الدنيا الذي ذكر في هذه الآية الأولى «2» يقول الله- تعالى:
وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ- 30- الشرك يثني على الجنة، ثم بين لهم الدار فقال سبحانه: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يعني الأنهار تجري تحت البساتين لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ يعني في الجنان كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ- 31- الشرك، ثم أخبر عنهم، فقال جل ثناؤه: الَّذِينَ [203 أ] تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ في الدنيا يعني ملك الموت وحده، ثم انقطع الكلام، ثم أخبر سبحانه عن قول خزنة الجنة من الملائكة في الآخرة لهم:
يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 32- فى دار الدنيا
__________
(1) هكذا فى: أ، ل.
(2) هكذا فى: أ، ل.(2/467)
ثم رجع إلى كفار مكة فقال: لْ
يعنى مانْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ
بالموت يعني ملك الموت وحده- عليه السلام-وْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ
يعنى العذاب فى الدنياذلِكَ
يعنى هكذاعَلَ الَّذِينَ
يعنى لعن الذين نْ قَبْلِهِمْ
ونزل العذاب بهم قبل كفار مكة من الأمم الحالية ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ
فعذبهم على غير ذنب لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
- 33- فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ يعني عذاب مَا عَمِلُوا يعني في الدنيا وَحاقَ بِهِمْ يعني ودار بهم العذاب ما كانُوا بِهِ بالعذاب يَسْتَهْزِؤُنَ- 34- بأنه غير نازل بهم في الدنيا وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا مع الله غيره يعني كفار مكة لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ من الآلهة نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ من الحرث والأنعام ولكن الله أمرنا بتحريم ذلك، يقول الله- عز وجل-: كَذلِكَ يعني هكذا فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم الخالية برسلهم كما كذبت كفار مكة، وتحريم ما أحل الله من الحرث والأنعام، فلما كذبوا النبي- صلى الله عليه وسلم- قال الله- عز وجل-: فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ- 35- يقول ما على الرسول إلا أن يبلغ ويبين لكم أن الله- عز وجل- لم يحرم الحرث والأنعام، ثم قال- عز وجل-: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ يعني أن وحدوا الله وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ يعني عبادة الأوثان فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ إلى دينه وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ يعني وجبت الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ- 36- رسلهم بالعذاب الذين حقت عليهم الضلالة في الدنيا يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية ليحذروا عقوبته ولا يكذبوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- وقال(2/468)
سبحانه-: إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ يا محمد- صلى الله عليه وسلم- فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي إلى دينه مَنْ يُضِلُّ يقول من أضله الله فلا هادي له وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ- 37- يعنى ما نعين من العذاب وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ يقول جهدوا في أيمانهم حين حلفوا بالله- عز وجل- يقول الله سبحانه. إن القسم بالله لجهد «1» أيمانهم يعني كفار مكة لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ فكذبهم الله- عز وجل- فقال: بَلى يبعثهم الله- عز وجل- وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا نظيرها في الأنبياء كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ «2» يقول الله تعالى كما بدأتهم فخلقتهم ولم يكونوا شيئا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يعني أهل مكة [203 ب] لا يَعْلَمُونَ- 38- أنهم مبعوثون من بعد الموت، يبعثهم الله لِيُبَيِّنَ لَهُمُ يعني ليحكم الله بينهم في الآخرة الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ يعني البعث وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا بالبعث أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ- 39- بأن الله لا يبعث الموتى، ثم قال سبحانه: إِنَّما قَوْلُنا يعني أمرنا في البعث لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ مرة واحدة كُنْ فَيَكُونُ- 40- لا يثني قوله مرتين، ثم قال سبحانه: وَالَّذِينَ هاجَرُوا قومهم إلى المدينة واعتزلوا بدينهم من المشركين فِي اللَّهِ وفروا إلى الله- عز وجل- مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا يعني من بعد ما عذبوا على الإيمان بمكة نزلت في خمسة نفر:
عمار بن ياسر مولى أبي حذيفة بن المغيرة المخزومي، وبلال بن أبي رباح المؤذن، وصهيب بن سنان مولى عبد الله بن جدعان بن النمر بن قاسط، وخباب بن الأرت
__________
(1) من ل، وفى أ: إن المقسم بالله يجهد. [.....]
(2) سورة الأنبياء: 104.(2/469)
وهو عبد الله «1» بن سعد بن خزيمة بن كعب مولى لأم أنمار امرأة الأخنس بن شريق.
لَنُبَوِّئَنَّهُمْ يعني لنعطينهم فِي الدُّنْيا حَسَنَةً يعني بالحسنة الرزق الواسع وَلَأَجْرُ يعني جزاء الْآخِرَةِ يعني الجنة أَكْبَرُ يعني أعظم مما أعطوه في الدنيا من الرزق لَوْ كانُوا يعني أن لو كانوا يَعْلَمُونَ- 41-، ثم نعتهم فقال سبحانه: الَّذِينَ صَبَرُوا على العذاب في الدنيا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ- 42- يعني وبه يثقون وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ نزلت في أبي جهل بن هشام، والوليد بن المغيرة، وعقبة بن أبي معيط، وذلك أنهم قالوا في سبحان: أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا «2» يأكل، ويشرب، وترك الملائكة فأنزل الله- عز وجل: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ يا محمد- صلى الله عليه وسلم «إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ» ثم قال: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ يعني التوراة إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ- 43- بأن الرسل كانوا من البشر فسيخبرونكم أن الله- عز وجل- لم يبعث رسولا إلا من الإنس يعني بِالْبَيِّناتِ بالآيات «3» وَالزُّبُرِ يعني حديث الكتب وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ يعني القرآن لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ من ربهم وَلَعَلَّهُمْ يعني لكي يَتَفَكَّرُونَ- 44- فيؤمنوا ثم خوف كفار مكة فقال سبحانه: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ يعنى الذين قالوا الشرك
__________
(1) فى ل: وهو ابن عبد الله، أ: وهو عبد الله.
(2) سورة الإسراء: 94.
(3) فى أ، ل: فسر بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ آية 44 قبل فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ آية 43.(2/470)
أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ يعني جانبا منها أَوْ يَأْتِيَهُمُ غير الخسف الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ- 45- يعني لا يعلمون أنه يأتيهم منه أَوْ يَأْخُذَهُمْ العذاب فِي تَقَلُّبِهِمْ في الليل والنهار فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ- 46- يعني سابقي الله- عز وجل- بأعمالهم الخبيثة حتى يجزيهم بها أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ يقول يأخذ أهل هذه القرية بالعذاب ويترك الأخرى قريبا منها لكي يخافوا فيعتبروا، يخوفهم بمثل ذلك فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ يعني يرق لهم رَحِيمٌ- 47- بهم حين لا يعجل عليهم بالعقوبة، ثم وعظ [204 أ] كفار مكة ليعتبروا فى صنعه، فقال سبحانه: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فى الأرض يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً وذلك أن الشجر، والبنيان، والجبال، والدواب، وكل شيء، إذا طلعت عليه الشمس يتحول ظل كل شيء عن اليمين قبل المغرب، فذلك قوله سبحانه: «يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ» يعني يتحول الظل فإذا زالت الشمس، تحول الظل عن الشمال قبل المشرق كسجود كل شيء في الأرض لله- تعالى- ظله فى النهار سجدا اللَّهُ يقول وَهُمْ داخِرُونَ- 48- يعني صاغرون وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ من الملائكة وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ أيضا يسجدون.
«قال: قال مُقَاتِلُ- رحمه الله-: إذا قال: «ما فِي السَّماواتِ» يعنى من لملائكة وغيرهم وكل شيء في السماء، والأرض «1» ، والجبال، والأشجار، وكل شيء في الأرض. وإذا قال: «من في السموات» يعني كل ذي روح من
__________
(1) هكذا فى أ، والقول كله ليس فى ل.(2/471)
الملائكة، والآدميين، والطير، والوحوش، والدواب، والسباع، والهوام، والحيتان. في الماء، وكلُّ ذي روح أيضا» «1» يسجدون.
ثم نعت الله الملائكة فقال: «وَالْمَلائِكَةُ» «2» وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ- 49- يعني لا يتكبرون عن السجود يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ الذي هو فوقهم لأن الله- تعالى- فوق كل شيء، خلق العرش «3» ، والعرش فوق كل شيء وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ- 50- وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ وذلك أن رجلا من المسلمين، دعا الله- عز وجل- في صلاته، ودعا الرحمن.
فقال رجل من المشركين: أليس يزعم محمد- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا، فما بال هذا يدعو ربين اثنين. فأنزل الله- عز وجل- فى قوله: «لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ» إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ- 51- يعني إياي فخافون في ترك التوحيد فمن لم يوحد فله النار ثم عظم الرب- تبارك وتعالى- نفسه من أن يكون معه إله آخر. فقال- عز وجل- وَلَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من الخلق عبيده وفي ملكه وَلَهُ الدِّينُ واصِباً يعني الإسلام دائما أَفَغَيْرَ اللَّهِ من الآلهة تَتَّقُونَ- 52- يعنى تعبدون يعنى كفار مكة ثم ذكرهم النعم. فقال سبحانه: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ليوحدوا رب هذه النعم يعني بالنعم الخير، والعافية ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ
__________
(1) النص من أ، وهو ساقط من ل.
(2) ساقطة من أ، ل
(3) هكذا فى أ. وفى ل: لأن الله فوق كل خلق على العرش.
وقد اتهم مقاتل بالتشبيه والتجسيم، وانظر ما كتبته فى الدراسة عن مقاتل وعلم الكلام.(2/472)
يعني الشدة وهو الجوع، والبلاء وهو قحط المطر بمكة سبع سنين فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ- 53- يعني تضرعون بالدعاء لا تدعون غيره أن يكشف عنكم ما نزل بكم من البلاء والدعاء حين قالوا في حم الدخان: رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ «1» يعني مصدقين «2» بالتوحيد ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ يعني الشدة وهو الجوع، وأرسل السماء بالمطر مدرارا إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ- 54- يعنى يتركون التوحيد لله- تعالى-[204 ب] في الرخاء فيعبدون غيره وقد وحدوه في الضر لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ يعني لئلا يكفروا بالذي أعطيناهم من الخير والخصب في كشف الضر عنهم وهو الجوع فَتَمَتَّعُوا إلى آجالكم قليلا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ- 55- هذا وعيد نظيرها في الروم «3» ، وإبراهيم «4» ، والعنكبوت «5» .
وَيَجْعَلُونَ يعني ويصفون لِما لا يَعْلَمُونَ من الآلهة أنها آلهة نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الحرث والأنعام تَاللَّهِ قل لهم يا محمد «6» : والله لَتُسْئَلُنَّ فى الآخرة عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ- 56- حين زعمتم أن الله أمركم بتحريم الحرث والأنعام، ثم قال يعنيهم: وَيَجْعَلُونَ يعني ويصفون
__________
(1) سورة الدخان: 12.
(2) فى أ: مصدقون، ل: مصدقين.
(3) يشير إلى 34 من سورة الروم وهي: لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ.
(4) يشير إلى الآيات الأخيرة من سورة إبراهيم من 42 إلى 52 فى ختام السورة حيث يقول سبحانه: هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ.
(5) يشير إلى 66 من سورة العنكبوت وهي لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ.
كما ورد هذا الوعيد فى سورة المائدة 14، والأنعام: 135 والحجر: 2، 96، والنحل: 55، والفرقان: 42. والصافات: 170. والتكاثر: 3، 4.
(6) فى أ: يا محمد- صلى الله عليه وسلم، ل: يا محمد. [.....](2/473)
لِلَّهِ الْبَناتِ حين زعموا أن الملائكة بنات الله- تعالى سُبْحانَهُ نزه نفسه عن قولهم ثم قال- عز وجل-: وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ- 57- من البنين، ثم أخبر عنهم فقال سبحانه: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى فقيل له ولدت لك ابنة ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا يعني متغيرا وَهُوَ كَظِيمٌ- 58- يعني مكروبا «1» يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ يعني لا يريد أن يسمع تلك البشرى أحدا، ثم أخبر عن صنيعه بولده فقال سبحانه: أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ. فأما الله فقد علم أنه صانع أحدهما لا محالة «2» أَمْ يَدُسُّهُ وهي حية فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ- 59- يعنى ألا بئس ما يقضون حين يزعمون أن لي البنات وهم يكرهونها لأنفسهم، ثم أخبر عنهم فقال سبحانه:
لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعني لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال مَثَلُ السَّوْءِ يعني شبه السوء وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى لأنه- تبارك وتعالى- ربا واحدٌ، لا شريك له، ولا ولد وَهُوَ الْعَزِيزُ في ملكه جل جلاله، لقولهم إن الله لا يقدر على البعث، الْحَكِيمُ- 60- في أمره حكم البعث، ثم قال- عز وجل-: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ يعني كفار مكة بِظُلْمِهِمْ يعني بما عملوا من الكفر والتكذيب، لعجل لهم العقوبة، مَا تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ يعني فوق الأرض من دابة يعني يقحط المطر فتموت الدواب وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى الذي وقت لهم في اللوح المحفوظ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ يعني وقت عذابهم في الدنيا
__________
(1) فى أ: مكروب.
(2) هكذا فى أ، ل. والأنسب: تأخيرها إلى ختام الآية.(2/474)
لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ- 61- يعني لا يتأخرون عن أجلهم حتى يعذبوا في الدنيا وَيَجْعَلُونَ يعني ويصفون لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ من البنات يقولون لله البنات، وَتَصِفُ يعني وتقول، أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ ب أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى البنين وله البنات، لا جَرَمَ قسما حقا، أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ- 62- يعني متروكون في النار لقولهم لله البنات، تَاللَّهِ يعني والله لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فكذبوهم فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ الكفر والتكذيب [205 أ] فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ يعني الشيطان وليهم في الآخرة وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ- 63- يعنى وجيع وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ يا محمد- صلى الله عليه وسلم- الْكِتابَ يعني القرآن إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وذلك أن أهل مكة اختلفوا في القرآن فآمن به بعضهم وكفر بعضهم وَهُدىً من الضلالة وَرَحْمَةً من العذاب لمن آمن بالقرآن فذلك قوله: لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ- 64- يعني يصدقون بالقرآن أنه جاء من الله- عز وجل- ثم ذكر صنعه ليعرف توحيده فقال تعالى:
وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً يعني المطر فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها بالنبات إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً يقول إن في المطر والنبات لعبرة وآية، لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ- 65- المواعظ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً يعني التفكر نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً من القذر سائِغاً لِلشَّارِبِينَ- 66- يسيغ من يشربه وهو لا يسيغ الفرث والدم، ثم قال سبحانه: وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً يعنى(2/475)
بالثمرات لأنها جماعة ثمر «1» يعني بالسكر ما حرم من الشراب مما يسكرون من ثمره يعني النخيل والأعناب وَرِزْقاً حَسَناً يعني طيبا نسختها الآية التي في المائدة «2» كقوله- عز وجل-: قَرْضاً حَسَناً «3» يعني طيبة بها «4» أنفسهم، بما لا يسكر منها من الشراب وثمرتها فهذا الرزق الحسن، ثم قال سبحانه: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ- 67- يعني فيما ذكر من اللبن والثمار «5» لعبرة لقوم يعقلون بتوحيد الله- عز وجل- ثم قال: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ إلهاما «6» من الله- عز وجل- يقول قذف فيها «7» أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ- 68- يعني ومما يبنون من البيوت ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي يقول فادخلي سُبُلَ رَبِّكِ في الجبال وخلل الشجر ذُلُلًا لأن الله- تعالى- ذلل لها طرقها حيثما توجهت يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ يعني عملا مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ أبيض وأصفر، وأحمر فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ يعني العسل شفاء لبعض الأوجاع إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً يعني فيما ذكر من أمر
__________
(1) من أ، وفى ل: يعنى بالثمرات لأنها جماعة، فكلمة «ثمر» فى أ، ليست فى ل.
(2) يشير إلى قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ سورة المائدة: 90، 91.
والآيتان تفيدان تحريم الخمر تحريما قاطعا لأنهما ذكرا أن الخمر رجس من عمل الشيطان وأمر الله باجتنابها ونهى عن شربها، وسلك أبلغ الأساليب فى الزجر عنها وبيان تحريمها.
(3) سورة البقرة: 245، المائدة: 12، الحديد: 18، التغابن: 17، المزمل: 20.
(4) فى أ، ل: بها، والأنسب: به.
(5) من ل، وفى أ: من الثمار واللبن.
(6) فى ل: إلهام، أ: إلهاما.
(7) من ل، وفى أ: يقول فيها.(2/476)
النحل وما يخرج من بطونها لعبرة لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ- 69- في توحيد الله- عز وجل- ثم قال سبحانه: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ولم تكونوا شيئا لتعتبروا في البعث ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ عند آجالكم وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ يعني الهرم لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بالبعث أنه كائن قَدِيرٌ- 70- يعنى قادرا «1» عليه وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ يعني جعل بعضكم أحرارا، وبعضكم عبيدا فوسع على بعض الناس وقتر على بعض فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا يعنى الرزق من الأموال «2» بِرَادِّي رِزْقِهِمْ [205 ب] يقول برادي أموالهم عَلى مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ يعني عبيدهم يقول أفيشركونهم وعبيدهم في أموالهم فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ فيكونون فيه سواء «3» ، بأنهم قوم لا يعقلون شيئا أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ- 71- يعني ينكرون بأن الله يكون واحدا لا شريك له وهو رب هذه النعم، يقول: كيف أشرك الملائكة وغيرهم في ملكي وأنتم لا ترضون الشركة من عبيدكم في أموال فكما لا تدخلون عبيدكم في أموالكم فكذلك لا أدخل معي شريكا في ملكي وهم عبادي، وذلك حين قال كفار مكة في إحرامهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكا «4» هو لك تملكه، وما ملك. نظيرها في الروم: «ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ ... » إلى آخر الآية «5» وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً يقول بعضكم من بعض وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً يعني بالبنين الصغار والحفدة الكفار يحفدون أباهم بالخدمة وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يخدمهم أولادهم قال- عز وجل-:
__________
(1) فى أ: قادر، ل: قادرا.
(2) هكذا فى أ، ل. والأنسب: يعنى فى الرزق من الأموال.
(3) فى أ: سواء، ل: سوا.
(4) من ل، وفى أ: إلا شريك.
(5) سورة الروم: 28. [.....](2/477)
وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ يعني الحب والعسل ونحوه وجعل رزق غيركم من الدواب والطير لا يشبه أرزاقكم في الطيب والحسن أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ يعني أفبالشيطان يصدقون بأن مع الله- عز وجل- شريكا وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف هُمْ يَكْفُرُونَ- 72- بتوحيد الله أفلا يؤمنون برب هذه النعم فيوحدونه ثم رجع إلى كفار مكة ثم ذكر عبادتهم الملائكة، فقال سبحانه: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ يعني ما لا يقدر لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ يعني المطر وَالْأَرْضِ يعني النبات شَيْئاً منه وَلا يَسْتَطِيعُونَ- 73- ذلك فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ يعني الأشباه فلا تصفوا مع الله شريكا فإنه لا إله غيره إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أن ليس له شريك وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ- 74- أن لله شريكا، ثم ضرب للكفار مثلا ليعتبروا فقال: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ» «1» من الخير والمنفعة في طاعة الله- عز وجل- نزلت في أبي الحواجر مولى هشام بن عمرو «2» ابن الحارث بن ربيعة القرشي من بني عامر بن لؤي يقول فكذلك الكفار لا يقدر أن ينفق خيرا لمعاده، ثم قال- عز وجل-: وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً يعني واسعا وهو المؤمن هشام فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ فيما ينفعه في آخرته سِرًّا وَجَهْراً يعني علانية هَلْ يَسْتَوُونَ الكافر الذي لا ينفق خيرا
__________
(1) «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً» : ساقط من أ.
(2) فى أ: عمر.(2/478)
لمعاده، والمؤمن الذي ينفق في خير لمعاده «1» ثم جمعهم فقال تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ- 75- بتوحيد الله- عز وجل- ثم قال سبحانه:
وَضَرَبَ اللَّهُ يعني وصف الله مثلا آخر لنفسه- عز وجل- والصنم ليعتبروا فقال [206 أ] : «وَضَرَبَ اللَّهُ» مَثَلًا يعني شبها رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ يعني الأخرس الذي لا يتكلم وهو الصنم لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ من المنفعة والخير وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ يعني الصنم عيال على مولاه الذي يعبده ينفق عليه ويكنه من الحر والشمس ويكنفه أَيْنَما يُوَجِّهْهُ يقول أينما يدعوه من شرق أو غرب من ليل أو نهار لا يَأْتِ بِخَيْرٍ يقول لا يجيئه بخير هَلْ يَسْتَوِي هُوَ يعنى هذا الصنم وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ يعني الرب نفسه- عز وجل- يأمر بالتوحيد وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- 76- يعني الرب نفسه- عز وجل- يقول أنا على الحق المستقيم ويقال أحد الرجلين عثمان بن عفان- رضوان الله عليه- والآخر أبو العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن زهرة وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وذلك أن كفار مكة سألوا النبي- صلى الله عليه وسلم- متى الساعة؟ فأنزل الله- عز وجل- «وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» وغيب الساعة ليس ذلك إلى أحد من العباد ثم قال سبحانه: وَما أَمْرُ السَّاعَةِ يعني أمر تأتي يعني البعث إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ يعنى كرجوع الطرف أَوْ هُوَ أَقْرَبُ يقول بل هو
__________
(1) وفى البيضاوي: (مثل ما يشرك به بالمملوك العاجز عن التصرف رأسا ومثل نفسه بالحر المالك الذي رزقه الله ما لا كثيرا فهو يتصرف وينفق منه كيف شاء واحتج بامتناع الإشراك والتسوية بينهما مع تشاركهما فى الجنسية والمخلوقية على امتناع التسوية بين الأصنام التي هي أعجز المخلوقات وبين الله الغنى القادر على الإطلاق وقيل هو تمثيل للكافر المخذول والمؤمن الموفق) . (وهذا قول مقاتل) .(2/479)
أسرع من لمح البصر إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من البعث وغيره قَدِيرٌ- 77- وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً فعلمكم بعد ذلك الجهل وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ يعني القلوب لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ- 78- رب هذه النعم- تعالى ذكره- فى حسن خلقكم فتوحدونه ثم وعظ كفار مكة ليعتبروا فقال- عز وجل: - أَلَمْ يَرَوْا يعني ألا ينظروا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ يعنى فى كيد السماء مَا يُمْسِكُهُنَّ عند بسط الأجنحة وعند قبضها أحد إِلَّا اللَّهُ تبارك وتعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ يعني إن في هذه لعبرة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ- 79- يعني يصدقون بتوحيد الله- عز وجل- ثم ذكرهم النعم فقال سبحانه: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً تسكنون فيه وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً يعني مما على جلودها من أصوافها، وأوبارها، وأشعارها تتخذون منها بيوتا يعني الأبنية والخيم، والفساطيط، وغيرها تَسْتَخِفُّونَها في الحمل يَوْمَ ظَعْنِكُمْ يعني حين رحلتكم وأسفاركم وتستخفونها وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ حين تقيمون في الأسفار وتستخفونها يعني الأبيات التي تتخذونها ولا يشق عليكم ضرب الأبنية، ثم قال سبحانه: وَمِنْ أَصْوافِها يعني الضأن وَأَوْبارِها يعني الإبل وَأَشْعارِها يعني المَعَزَ أَثاثاً يعني الثياب التي تتخذ منها وَمَتاعاً إِلى حِينٍ- 80- يعنى بلاغا إلى أن تبلى، ثم قال: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا يعني البيوت والأبنية وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً لتسكنوا فيها يعنى البيوت والأبنية [206 ب] وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ(2/480)
يعني القمص تقيكم الْحَرَّ يعني من الكتان، والقطن «1» ، والصوف وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ من القتل والجراحات يعني درع الحديد بإذن الله- عز وجل- كَذلِكَ يعني هكذا يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ- 81- يعني لكي تسلموا نظيرها في سبأ «2» ، والأنبياء «وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ» «3» يعني فهل أنتم مخلصون لكي تخلصوا إليه بالتوحيد فَإِنْ تَوَلَّوْا يقول فإن أعرضوا عن التوحيد فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ- 82- يقول عليك يا محمد- صلى الله عليه وسلم- أن تبلغ وتبين لهم أن الله- عز وجل- واحد لا شريك له.
يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ التي ذكرهم في هؤلاء الآيات من قوله- عز وجل-: «جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً ... » إلى أن قال « ... لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ» «4» فتعرفون هذه النعم أنها كلها من الله- عز وجل- وذلك أن كفار مكة كانوا إذا سئلوا من أعطاكم هذا الخير، قالوا: الله أعطانا. فإن دعوا إلى التوحيد
__________
(1) فى حاشية أما يأتى: فى القطن ثلاث لغات ضم الطاء وإسكانها وتشديد النون مع الضم للطاء أيضا وشبهه الجبن والبدن.
(2) يشير إلى الآيات: 15، 16، 17، 18، 19 من سورة سبأ.
(3) سورة الأنبياء الآية: 80. وليس فى سورة سبأ ما يماثل هذه الآية فى اللفظ. وإن كانت الآيات 15- 19 تقرب منها فى المعنى.
(4) الآيتان 80، 81 من سورة النحل وهما:
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً، وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ. وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ.(2/481)
للذي أعطاهم، قالوا إنما ورثناه عن آبائنا، فذلك قوله- عز وجل-:
ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ- 83- بتوحيد رب هذه النعم- تعالى ذكره- ثم قال- جل اسمه: وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً يعنى نبيها شاهدا على أمته بالرسالة أنه بلغهم «1» ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا فى الاعتذار وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ- 84- نظيرها «يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ» «2» وَإِذا رَأَى يعني وإذا عاين الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني كفروا الْعَذابَ يعني النار فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ يعني العذاب وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ- 85- يعني ولا يناظر بهم فذلك قوله- سبحانه:
يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ «3» وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ من الأصنام اللات، والعزى، ومناة، قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ يعني نعبد من دونك فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ فردت شركاؤهم عليهم القول إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ- 86- ما كنا لكم آلهة وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ يعني كفار مكة استسلموا له وخضعوا له وَضَلَّ عَنْهُمْ في الآخرة مَا كانُوا يَفْتَرُونَ- 87- يعني يشركون من الكذب في الدنيا بأن مع الله شريكا الَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعنى منعوا الناس من دين الله الإسلام وهم القادة في الكفر يعني كفار مكة زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ- 88- يعني يعملون في الأرض بالمعاصي وذلك أنه يجري من تحت العرش على رءوس أهل النار خمسة أنهار من نحاس ذائب. ولهب من نار.
__________
(1) فى أ: ثم قال.
(2- 3) سورة غافر الآية 52 وتمامها: «يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ» .(2/482)
نهران يجريان على مقدار نهار الدنيا وثلاثة أنهار على مقدار ليل الدنيا فتلك الزيادة [207 أ] فذلك قوله سبحانه: «يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ» «1» وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ يعني نبيهم وهو شاهد على أمته أنه بلغهم الرسالة وَجِئْنا بِكَ يا محمد شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ يعني أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- أنه بلغهم الرسالة وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ من أمره، ونهيه، ووعده، ووعيده، وخبر الأمم الخالية وهذا القرآن وَهُدىً «2» من الضلالة وَرَحْمَةً من العذاب لمن عمل به وَبُشْرى يعني ما فيه من الثواب لِلْمُسْلِمِينَ- 89- يعني المخلصين. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ بالتوحيد وَالْإِحْسانِ يعني العفو عن الناس وَإِيتاءِ يعني وإعطاء ذِي الْقُرْبى المال يعني صلة «3» قرابة الرجل كقوله: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ «4» يعني صلته، ثم قال سبحانه: وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ يعني المعاصي وَالْمُنْكَرِ يعني الشرك وما لا يعرف من القول وَالْبَغْيِ يعني ظلم الناس يَعِظُكُمْ يعني يؤدبكم لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ- 90- يعني لكي تذكروا فتتأدبوا «5» . لما نزلت هذه الآية بمكة قال أبو طالب ابن عبد المطلب: يا آل غالب «6» اتبعوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- تفلحوا
__________
(1) سورة الرحمن: 35.
(2) فى أ: «هدى» .
(3) فى أ: صلته.
(4) سورة الإسراء: 26.
(5) فى أ: فيتأدبوا. [.....]
(6) فى أ، ل: غالب. ولعلها محرفة عن طالب.(2/483)
وترشدوا والله إن ابن أخي ليأمر بمكارم الأخلاق، وبالأمر الحسن، ولا يأمر إلا بحسن الأخلاق، والله لئن كان محمد- صلى الله عليه وسلم- صادقا أو كاذبا ما يدعوكم إلا إلى الخير، فبلغ ذلك الوليد بن المغيرة فقال: إن كان محمد- صلى الله عليه وسلم- قاله، فنعم ما قال، وإن إلهه قاله، فنعم ما قال، فأتنا بلسانه ولم يصدق محمدا- صلى الله عليه وسلم- بما جاء به ولم يتبعه، فنزلت «أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطى قَلِيلًا» بلسانه «وَأَكْدى» «1» يعني وقطع ذلك، ثم قال- عز وجل-: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها يقول لا تنقضوا الأيمان بعد تشديدها وتغليظها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا يعني شهيدا في وفاء العهد إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ- 91- في الوفاء والنقض، ثم ضرب مثلا لمن ينقض العهد، فقال سبحانه: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها يعني امرأة من قريش حمقاء مصاحبة «2» أسلمت بمكة تسمى ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم ابن مرة، وسميت جعرانة لحماقتها، وكانت إذا غزلت الشعر أو الكتان نقضته قال الله- عز وجل-: لا تنقضوا العهود بعد توكيدها كما نقضت المرأة الحمقاء غزلها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ من بعد ما أبرمته أَنْكاثاً يعني نقضا، فلا هي تركت الغزل فينتفع به، ولا هي كفت عن العمل. فذلك الذي يعطي العهد، ثم ينقضه، لا هو حين أعطى العهد وفى به، ولا هو ترك العهد فلم يعطه- من بعد قوة- يعنى [207 ب] من بعد جده ولم يأثم بربه، ثم قال سبحانه: تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ
__________
(1) سورة النجم: 33- 34.
(2) ورد فى لباب النقول للسيوطي: 134. أنها كانت مجنونة تجمع الشعر والليف، فنزلت هذه، وفى أ، ل: مصاحبة.(2/484)
يعني العهد دَخَلًا بَيْنَكُمْ يعني مكرا وخديعة يستحل به نقض «1» العهد أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ يعني إنما يبتليكم الله بالكثرة وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يعنى من لا يفي منكم بالعهد يعني وليحكمن بينكم يَوْمَ الْقِيامَةِ «مَا كُنْتُمْ» «2» فِيهِ من الدين تَخْتَلِفُونَ- 92- ثم قال سبحانه:
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً يعني على ملة الإسلام وَلكِنْ يُضِلُّ عن الإسلام مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إلى الإسلام مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ يوم القيامة عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 93- في الدنيا، ثم قال سبحانه: وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ يعني العهد دَخَلًا بَيْنَكُمْ بالمكر والخديعة فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها يقول إن ناقض العهد يزل في دينه كما تزل قدم الرجل بعد الاستقامة وَتَذُوقُوا السُّوءَ يعني العقوبة بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني بما منعتم الناس عن دين الله الإسلام وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ- 94- في الآخرة. ثم وعظهم فقال سبحانه: وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا يقول ولا تبيعوا الوفاء بالعهد فتنقضونه بعرض يسير من الدنيا إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ من الثواب لمن وفى منكم بالعهد هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ من العاجل إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ- 95- ثم زهدهم في الأموال فقال سبحانه: ما عِنْدَكُمْ من الأموال إضمار يَنْفَدُ يعني يفنى وَما عِنْدَ اللَّهِ في الآخرة من الثواب باقٍ يعني دائم لا يزول عن أهله وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا على أمر الله- عز وجل- في وفاء العهد في الآخرة أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كانُوا يعنى بأحسن الذي كانوا يَعْمَلُونَ
__________
(1) فى أ: بعض.
(2) فى أ: (فيما كنتم) .(2/485)
- 96- في الدنيا ويعفو عن سيئاتهم فلا يجزيهم بها أبدا. نزلت في امرئ القيس بن عباس الكندي، حين حكم عبدان بن أشرع الحضرمي في أرضه وراده على حقه. ثم قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ يعني مصدق بتوحيد الله- عز وجل- فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً يعني حياة حسنة في الدنيا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ يعني جزاءهم في «1» الآخرة بأحسن مَا كانُوا بأحسن الذي كانوا يَعْمَلُونَ- 97- في الدنيا، ولهم مساوئ لا يجزيهم بها أبدا، فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ في الصلاة فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ- 98- يعني إبليس الملعون إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ يعني ملك عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا في علم الله في الشرك فيضلهم عن الهدى وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ- 99- يقول بالله يتقون إِنَّما سُلْطانُهُ يعنى ملكه عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ يعني يتبعونه على أمره فيضلهم عن دينهم الإسلام وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ يعني بالله مُشْرِكُونَ- 100- كقوله سبحانه: وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ «2» [208 أ] من ملك يعني إبليس على أمره. قوله- عز وجل: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ يعني وإذا حولنا آية فيها شدة «3» فنسخناها وجئنا مكانها بغيرها ألين منها وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ من التبديل من غيره قالُوا «4» قال كفار مكة للنبي- صلى الله عليه وسلم-: إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ يعني متقول على الله الكذب من تلقاء نفسك قلت
__________
(1) فى أ: يعنى جزاؤهم.
(2) سورة إبراهيم: 22.
(3) فى أ: تقديم، ل: شدة.
(4) فى أ، ل: (قال) .(2/486)
كذا وكذا ثم نقضته وجئت بغيره «1» بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ- 101- أن الله أنزله فإنك لا تقول إلا ما قد قيل لك قُلْ يا محمد لكفار مكة هذا القرآن نَزَّلَهُ عليَّ رُوحُ الْقُدُسِ يعني جبريل- عليه السّلام- مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لم ينزله باطلا لِيُثَبِّتَ يعني ليستيقن «2» الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا بما في القرآن من الثواب وَهُدىً من الضلالة وَبُشْرى لما فيه من الرحمة لِلْمُسْلِمِينَ- 102- يعني المخلصين بالتوحيد وأنزل الله- عز وجل «يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ» من القرآن «وَيُثْبِتُ» فينسخه ويثبت الناسخ «وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ» «3» وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ وذلك أن غلاما لعامر بن الحضرمي القرشي يهوديا أعجميا كان يتكلم بالرومية يسمى يسار ويكنى أبا فكيهة كان كفار مكة إذا رأوا النبي- صلى الله عليه وسلم- يحدثه قالوا: إنما يعلمه يسار، أبو فكيهة «4» ، فأنزل الله- تعالى «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ» ، ثم أخبر عن كذبهم فقال سبحانه: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ يعني يميلون كقوله- سبحانه: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ «5» يعني يميل أَعْجَمِيٌّ رومي يعني أبا فكيهة وَهذا القرآن لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ- 103- يعني بين يعقلونه نظيرها في «حم السجدة» قوله- سبحانه:
وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ «6» لقالوا محمد
__________
(1) فى أ، ل زيادة: «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ» من التبديل وغيره. وليس هذا مكانها، فأرجعتها إلى مكانها.
(2) فى أ: ليستعين.
(3) سورة الرعد: 39.
(4) هكذا فى أ، ل.
(5) سورة الحج: 25. [.....]
(6) سورة فصلت: 44.(2/487)
- صلى الله عليه وسلم- عربي والقرآن أعجمي فذلك قوله سبحانه: قُرْآناً أَعْجَمِيًّا ...
إلى آخر الآية. فضربه سيده فقال: إنك تعلم محمدا- صلى الله عليه وسلم- فقال أبو فكيهة: بل هو يعلمني. فأنزل الله- عز وجل- في قولهم: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ «1» لقولهم إنما يعلم محمدا- صلى الله عليه وسلم- يسار أبو فكيهة. ثم قال: إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ «بِآياتِ اللَّهِ» «2» يعني لا يصدقون بالقرآن أنه جاء من الله- عز وجل- ويزعمون إن محمدًا- صلى الله عليه وسلم- يتعلم من أبي فكيهة لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ لدينه وَلَهُمْ في الآخرة عَذابٌ أَلِيمٌ- 104- يعني وجيع، ثم رجع إلى قول المشركين حين قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- إنما أنت مفتر تقول هذا القرآن من تلقاء نفسك، فأنزل الله تعالى: إِنَّما يَفْتَرِي يعني يتقول الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ يعني لا يصدقون بالقرآن أنه جاء من الله- عز وجل- وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ- 105-[208 ب] في قولهم للنبي- صلى الله عليه وسلم- إنه مفتر مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ نزلت في عبد الله بن سعد بن أبى سرح القرشي، ومقيس ابن ضبابة الليثي، وعبد الله بن أنس بن حنظل من بني تميم بن مرة، وطعمة بن أبيرق الأنصاري من بني ظفر بن الحارث، وقيس بن الوليد بن المغيرة المخزومي، وقيس بن الفاكه بن المغيرة المخزومي، قتلا ببدر، ثم استثنى فقال: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ على الكفر وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ يعني راض بِالْإِيمانِ كقوله-
__________
(1) سورة الشعراء: 192، 193.
(2) ساقطة من أ، ل.(2/488)
عز وجل-: فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ «1» نزلت فى جبر غلام عامر بن الحضرمي كان يهوديا فأسلم حين سمع أمر يوسف وإخوته فضربه سيده حتى يرجع إلى اليهودية، ثم قال- عز وجل-: وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ من وسع بِالْكُفْرِ صَدْراً إلى أربع آيات يعني عبد الله بن سعد بن أبي سرح وهؤلاء المسلمين فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ- 106- في الآخرة ذلِكَ الغضب والعذاب بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا يعني اختاروا الْحَياةَ الدُّنْيا الفانية، عَلَى الْآخِرَةِ الباقية وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي إلى دينه الْقَوْمَ الْكافِرِينَ- 107- ثم أخبر عنهم فقال سبحانه: أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ يعني ختم الله عَلى قُلُوبِهِمْ بالكفر وَعلى سَمْعِهِمْ وَعلى أَبْصارِهِمْ فهم لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ- 108- عن الآخرة، لا جَرَمَ قسما حقا أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ- 109- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا من مكة إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- بالمدينة مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا يعني من بعد ما عذبوا على الإيمان بمكة ثُمَّ جاهَدُوا مع النبي- صلى الله عليه وسلم- وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها يعني من بعد الفتنة لَغَفُورٌ لما سلف من ذنوبهم رَحِيمٌ- 110- بهم فيها. نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وأبي جندل بن سهيل بن عمرو القرشي من بني عامر بن لؤي، وسلمة بن هشام ابن المغيرة، والوليد بن المغيرة المخزومي، وعبد الله بن أسيد الثقفي، يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ يعنى تخاصم عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى يعنى وتوفر «2» كُلُّ نَفْسٍ
__________
(1) سورة الحج: 11
(2) فى أ: وتوفر وتنبا، ل: وتوفى.(2/489)
بر وفاجر مَا عَمِلَتْ في الدنيا من خير أو شر وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ- 111- في أعمالهم ولا تسأل الرجعة كل نفس في القرآن إلا كافرة وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا يعني وصف الله شبها قَرْيَةً يعني مكة كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً أهلها من القتل والسبي يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً يعنى ما شاءوا «1» مِنْ كُلِّ مَكانٍ يعني من كل النواحي من اليمن، والشام، والحبش ثم بعث فيهم محمد- صلى الله عليه وسلم- رسولا يدعوهم إلى معرفة رب هذه النعم وتوحيده- جل ثناؤه- فإنه من لم يوحده لا يعرفه فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ حين لم يوحدوه [209 أ] وقد جعل الله لهم «2» الرزق، والأمن في الجاهلية نظيرها في القصص والعنكبوت قوله سبحانه:
يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ «3» وقوله- عز وجل- في العنكبوت أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ «4» فَأَذاقَهَا اللَّهُ في الإسلام ما كان دفع عنها في الجاهلية لِباسَ الْجُوعِ سبع سنين وَالْخَوْفِ يعني القتل بِما كانُوا يَصْنَعُونَ- 112- يعني بما كانوا يعملون من الكفر والتكذيب وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ يعني محمدا- صلى الله عليه وسلم- مِنْهُمْ يعرفونه ولا ينكرونه فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ يعني الجوع سبع سنين وَهُمْ ظالِمُونَ- 113- فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ يا معشر المسلمين ما حرمت «5» قريش، وثقيف، وخزاعة، وبنو مدلج، «وعامر بن
__________
(1) فى أ: ما يشاءوا، ل: ما شاءوا.
(2) فى أ: لكم، ل: لهم.
(3) سورة القصص: 57.
(4) سورة العنكبوت: 67.
(5) فى أ، ل: ما حرمت.(2/490)
صعصعة، والحارث، وعامر بن عبد مناة، للآلهة من الحرث» «1» والأنعام حَلالًا طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ فيما رزقكم من تحليل الحرث والأنعام إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ- 114- ولا تحرموا ما أحل اللَّه لَكُمْ من الحرث والأنعام ثُمّ بين ما حرم قال- عز وجل-: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ يعنى وما ذبح لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ من الآلهة فَمَنِ اضْطُرَّ إلى شيء مما حرم الله- عز وجل- في هذه الآية غَيْرَ باغٍ يستحلها في دينه وَلا عادٍ يعني ولا معتد «2» لم يضطر إليه فأكله فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لما أصاب من الحرام رَحِيمٌ- 115- بهم حين أحل لهم عند الاضطرار ثم عاب من حرم ما أحل الله- عز وجل- فقال سبحانه: وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ يعني لما تقول أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ يعني ما حرموا للآلهة من الحرث والأنعام وما أحلوا منها لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يعني يزعمون أن الله- عز وجل- أمرهم بتحريم الحرث والأنعام، ثم خوفهم فقال سبحانه:
إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ بأنه أمر بتحريمه لا يُفْلِحُونَ- 116- في الآخرة يعني لا يفوزون ثم استأنف فقال سبحانه: مَتاعٌ قَلِيلٌ يتمتعون في الدنيا وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ- 117- يقول في الآخرة يصيرون إلى عذاب وجيع، ثم بين ما حرم على اليهود فقال سبحانه: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا مَا قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ فى سورة الأنعام قبل سورة النحل قال سبحانه-
__________
(1) ما بين الأقواس من ل. وهو ساقط من: أ.
(2) فى أ، ل: ولا معتدى.(2/491)
«وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ «1» ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا» يعنى المبعر «أَوْ مَا اخْتَلَطَ» من الشحم «بِعَظْمٍ» «2» فهو لهم حلال من قبل سورة النحل وَما ظَلَمْناهُمْ بتحريمنا عليهم الشحوم واللحوم وكل ذي ظفر وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ- 118- بقتلهم الأنبياء واستحلال الربا والأموال وبصدهم الناس عن دين الله- عز وجل- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ نزلت [209 ب] في جبر غلام ابن الحضرمي أكره على الكفر بعد إسلامه وقلبه مطمئن بالإيمان يقول راض بالإيمان فعمد النبي- صلى الله عليه وسلم- فاشتراه وحل وثاقه. وتاب من الكفر وزوجه مولاة لبني عبد الدار فأنزل الله- عز وجل- فيه «ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ» فكل ذنب من المؤمن فهو جهل منه ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ السوء وَأَصْلَحُوا العمل إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ يعني من بعد الفتنة لغفور لما سلف من ذنوبهم رَحِيمٌ- 119- بهم فيما بقى إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً يعني معلما يعني إماما يقتدى به في الخير قانِتاً مطيعا لِلَّهِ حَنِيفاً يعني مخلصا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ- 120- يهوديا ولا نصرانيا شاكِراً لِأَنْعُمِهِ يعني لأنعم الله- عز وجل- اجْتَباهُ يعني استخلصه للرسالة والنبوة وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- 121- يعني إلى دين مستقيم وهو الإسلام وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً
__________
(1) فى أ: على.
(2) سورة الأنعام الآية 146 وتمامها: «وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ» . [.....](2/492)
يقول وأعطينا إبراهيم في الدنيا مقالة حسنة بمضيته وصبره على رضا ربه «1» - عز وجل- حين ألقي في النار وكسر الأصنام وأراد ذبح ابنه إسحاق، والثناء الحسن «2» من أهل الأديان كلهم يتولونه جميعا «ولا يتبرأ منه أحد منهم» «3» وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ- 122- ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يا محمد أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً يعني الإسلام حنيفا يعني مخلصا وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ- 123- إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ يوم السبت وذلك أن موسى- عليه السلام- أمر بني إسرائيل أن يتفرغوا كل سبعة أيام للعبادة، يعني يوم الجمعة، وأن يتركوا فيه عمل دنياهم. فقالوا لموسى- عليه السلام-:
نتفرغ يوم السبت، فإن الله- تعالى- لم يخلق يوم السبت شيئا فاجعل لنا السبت عيدا نتعبد فيه. فقال موسى- عليه السلام-: إنما أمرت بيوم الجمعة. فقال أحبارهم: انظروا إلى ما يأمركم به نبيكم فانتهوا «4» إليه، وخذوا به.
فأبوا إلا يوم السبت فلما رأى موسى- عليه السلام- حرصهم على يوم السبت واجتماعهم عليه أمرهم به، فاستحلوا فيه المعاصي، فذلك قوله- عز وجل-:
«إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ» يقول إنما أمر بالسبت على الذين كان اختلافهم فيه حين قال بعضهم: يوم السبت. وقال بعضهم: اتبعوا أمر نبيكم في الجمعة. ثم قال- سبحانه-: وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ يعني ليقضي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يعنى فى السبت يَخْتَلِفُونَ
__________
(1) فى أ: رضا به، ل: رضا ربه.
(2) فى أ: فى، ل: من.
(3) من ل، وفى أ: ولا يبرأ منه أحد.
(4) فانتهوا: ساقطة من ل.(2/493)
- 124- ثم إن الله- عز وجل- قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-:
ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ يعني دين ربك وهو الإسلام بِالْحِكْمَةِ يعني بالقرآن وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ يعني بما فيه من الأمر والنهى [210 أ] وَجادِلْهُمْ يعني أهل الكتاب بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ بما في القرآن من الأمر والنهي إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ يعنى دينه الإسلام وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ- 125- يعني بمن قدر الله له الهدى من غيره وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وذلك أن كفار مكة قتلوا يوم أحد طائفة من المؤمنين ومثلوا بهم منهم حمزة بن عبد المطلب، عم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقروا بطنه وقطعوا مذاكيره وأدخلوها فى فيه، وحنظلة ابن أبي عامر غسيل الملائكة فحلف المسلمون للنبي- صلى الله عليه وسلم- «لئن دالنا الله- عز وجل- منهم «1» » لنمثان بهم أحياء فأنزل الله- عز وجل: «فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ» يقول مثلوا هم بموتاكم لا تمثلوا بالأحياء منهم وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ عن المثلة لَهُوَ «2» خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ- 126- من المثلة نزلت فى الأنصار ثم قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-: وكانوا مثلوا بعمه حمزة ابن عبد المطلب- عليه السلام- وَاصْبِرْ على المثلة البتة وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ يقول أنا ألهمك حتى تصبر
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- للأنصار: إني قد أمرت بالصبر البتة أفتصبرون؟ قالوا: يا رسول الله، أما إذ صبرت وأمرت بالصبر فإنا نصبر
يقول الله تعالى: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ إن تولوا عنك
__________
(1) فى ل: لئن أدالنا الله عز وجل عليهم. أ: دالنا الله عز وجل.
(2) فى أ: فهو.(2/494)
فلم يجيبوك إلى الإيمان وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ- 127- يقول لا يضيقن صدرك مما يمكرون يعني مما يقولون يعني كفار مكة حين قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: أيام الموسم هذا دأبنا ودأبك وهم الخراصون وهم المستهزءون. فضاق صدر النبي- صلى الله عليه وسلم- بما قالوا. يقول الله- عز وجل-: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا الشرك في العون والنصر لهم وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ- 128- يعنى فى إيمانهم.(2/495)
سورة الإسراء(2/497)
[سورة الإسراء (17) : الآيات 1 الى 111]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (3) وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (4)
فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (5) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً (7) عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (8) إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9)
وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (10) وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (11) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (12) وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (13) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14)
مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (16) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (17) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19)
كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (21) لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (22) وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24)
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (28) وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29)
إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (30) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (31) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (32) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (34)
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35) وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (36) وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (37) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38) ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (39)
أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (41) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (42) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (44)
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (45) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (48) وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (49)
قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (50) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (52) وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (53) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (54)
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (55) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (56) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (57) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (58) وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (59)
وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً (60) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (61) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (62) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (64)
إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (65) رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (66) وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (69)
وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (70) يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71) وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72) وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74)
إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (75) وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً (77) أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (79)
وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (80) وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (81) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (82) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (84)
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85) وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (86) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (87) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88) وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (89)
وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (93) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً (94)
قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (95) قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (96) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (97) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (99)
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (100) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسى مَسْحُوراً (101) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (102) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (103) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (104)
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109)
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111)(2/499)
سورة الإسراء «1» «2»
__________
(1) أهداف السورة ومقاصدها يمكن أن نجمل مقاصد سورة الإسراء فيما يأتى:
تنزيه الحق- تعالى- والإسراء بالنبي- صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد الأقصى، شكر نوح- عليه السلام-، وفساد حال بنى إسرائيل، ومكافأة الإحسان والإساءة، وتقويم القرآن الخلائق، وتخليق الليل والنهار، وبيان الحكمة فى سير الشمس والقمر ودورهما، وقراءة الكتب فى القيامة، وبيان الحكمة فى إرسال الرسل، والشكوى من القرون الماضية، وذكر طلب الدنيا والآخرة، وتفضيل بعض الخلق على بعض، وجعل بر الوالدين بعد التوحيد، والأمر بالإحسان إلى الأقارب، وترك الإسراف، وذم البخل والنهى عن قتل الأولاد وعن الزنا، وعن قتل النفس ظلما، وعن أكل مال اليتيم، وعن التكبر، وكراهية جميع ذلك، والسؤال عن المقول والمسموع، والرد على المشركين، وتسبيح الموجودات وتعبير الكفار بطعنهم فى القرآن، ودعوة الحق الخلق، وإجابتهم له- تعالى- وتفضيل بعض الأنبياء على بعض، وتقرب المقربين إلى حضرة الحلال، وإهلاك القرى قبيل القيامة، وفتنة الناس برؤيا النبي- صلى الله عليه وسلم-، وإباء إبليس من السجدة لآدم، وتسليط الله إياه على الخلق، وتعديد النعم على العباد، وإكرام بنى آدم، بيان أن قل أحد يدعى فى القيامة بكتابه، ودينه، وإمامه، وقصد المشركين إلى إضلال الرسول- صلى الله عليه وسلم- وإذلاله، والأمر بإقامة الصلوات الخمس فى أوقاتها، وأمر الرسول- صلى الله عليه وسلم- بقيام الليل، ووعده بالمقام المحمود، وتخصيصه بمدخل صدق، ومخرج صدق، ونزول القرآن بالشفاء والرحمة، وبيان أن كل أحد يصدر منه ما يليق به، والإشارة إلى جواب مسألة الروح، وعجز الخلق عن الإتيان بمثل القرآن، واقتراحات المشركين على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وتفضيل حالهم فى عقوبات الآخرة: وبيان معجزات موسى، ومناظرة فرعون إياه، وبيان الحكمة فى تفرقة القرآن، وتنزيه الحق- تعالى- عن الشريك والولد فى: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً» .
(بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي: 288)
(2) فى المصحف «سورة الإسراء» ولكنها فى النسخ «سورة بنى إسرائيل» .(2/511)
سورة بني إسرائيل مكية كلها إلا هذه الآيات فإنهن مدنيات وهي قوله- تعالى:
«وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ ... » «1» الآية.
وقوله- تعالى-: «إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ ... » إلى قوله « ... خُشُوعاً «2» » .
وقوله- تعالى-: «إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ ... «3» » الآية.
وقوله- تعالى-: «وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ... «4» » الآية.
وقوله- تعالى-: «وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ ... «5» » الآيتين.
وقوله- تعالى-: «وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ....» «6» الآية.
عددها مائة وإحدى عشرة آية كوفية.
__________
(1) الآية 80 من سورة الإسراء.
(2) الآيات 107، 108، 109.
(3) الآية 60.
(4) الآية 73.
(5) آية 74، 75.
(6) آية 71. [.....](2/512)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سُبْحانَ يعنى عجب الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ في رجب يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى يعني بيت المقدس «1» قبل الهجرة بسنة وفرضت عليه الصلوات الخمس تلك الليلة وعرضت
__________
(1) فى أزيادة كالآتى:
حدثنا عبيد الله قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الْهُذَيْلِ، قَالَ: قَالَ مُقَاتِلُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا لثلاث: المسجد الحرام ومسجدى هذا والمسجد الأقصى) يعنى مسجد بيت المقدس. قال وإن أول بقعة يبست من الأرض موضع صخرة بيت المقدس وهي أقرب إلى السماء بثمانية عشر ميلا، وضحرة بيت المقدس موصولة بالصخرة التي ذكر الله- عز وجل- فى القرآن وقال إن الله- عز وجل- تكفل لمن سكن بيت المقدس إن فاته المال لم يفته الرزق. ومن مات مقيما محتسبا بيت المقدس فكأنما مات فى السماء ومن مات حول بيت المقدس فكأنما مات فى بيت المقدس. وما نقص من الأرضين زيد فى الأرض التي حول بيت المقدس والمياه العذبة كلها تخرج من تحت صخرة بيت المقدس. وأول أرض بارك الله فيها أرض بيت المقدس وجعل الرب- تبارك وتعالى- مقامه يوم القيامة فى أرض بيت المقدس (كذا) وجعل صفوته من الأرضين كلها أرض بيت المقدس، وأرض بيت المقدس الأرض التي ذكرها الله- عز وجل- فى القرآن، فقال- سبحانه: «إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ» وقال الله- عز وجل- لموسى بن عمران- عليه السلام- «انطلق إلى أرض بيت المقدس فإن فيها ناري ونوري وتنورى» يعنى وفار التنور، وكلم الله تعالى موسى فى أرض بيت المقدس، ورأى موسى- عليه السلام- نور رب العالمين- جل جلاله- فى أرض بيت المقدس وتجلى للجبل فى أرض بيت المقدس- والصخرة التي فى بيت المقدس هي أوسط الأرضين كلها فإذا قال الرجل للرجل انطلق بنا إلى بيت المقدس ففعلا يقول الله- عز وجل- طوبى للقائل والمقول له. وتاب الله- عز وجل- على داود، وسليمان- عليهما السلام- وغفر ذنوبهما ببيت المقدس، وغفر الله- عز وجل- خطايا بنى إسرائيل ببيت تفسير مقاتل- 33(2/513)
__________
المقدس وبشر الله- عز وجل- إبراهيم، وسارة، بإسحاق ببيت المقدس، وفهم الله- تبارك وتعالى- سليمان الحكم، والعلم، وأعطاه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ببيت المقدس، وسخر الله- عز وجل- الريح، والشياطين لسليمان ببيت المقدس، وتسورت الملائكة على داود- عليه السلام- ببيت المقدس وكانت الأنبياء تقرب إلى الله- عز وجل- القربان ببيت المقدس وتهبط الملائكة كل ليلة إلى بيت المقدس، وأوتيت مريم- عليها السلام- فاكهة الصيف فى الشتاء وفاكهة الشتاء فى الصيف ببيت المقدس، وأجرى الله- عز وجل- لها نهرا من الأردن إلى بيت المقدس وأثبت الله- عز وجل- لها النخلة ببيت المقدس وكلم عيسى- عليه السلام- الناس فى [221 أ] المهد ببيت المقدس وولد عيسى- عليه السلام- فى بيت المقدس ورفع إلى السماء ببيت المقدس وينزل عيسى- عليه السلام- من السماء فى أرض بيت المقدس، ونزلت عليه المائدة فى أرض بيت المقدس، وتغلب يأجوج ومأجوج على الأرض كلها غير بيت المقدس، ويهلك الله- عز وجل- يأجوج ومأجوج ببيت المقدس وينظر الله- عز وجل- كل يوم بخير إلى بيت المقدس، وأعطى الله- عز وجل- البراق سليمان بأرض بيت المقدس.
وأوصى آدم- عليه السلام حين مات بأرض الهند أن يدفن ببيت المقدس، وأوصى إبراهيم وإسحاق ويعقوب- عليهم السلام- حين ماتوا أن يدفنوا ببيت المقدس، وأوصى يوسف- عليه السلام- حين مات بمصر أن يدفن ببيت المقدس، وهاجر إبراهيم- عليه السلام- من كوثى؟؟؟ إلى بيت المقدس وتكون الهجرة فى آخر الزمان إلى بيت المقدس، ورفع التابوت والسكينة من أرض بيت المقدس وصلى النبي- صلى الله عليه وسلم- والمسلمون زمانا إلى بيت المقدس، ورأى النبي- صلى الله عليه وسلم- مالكا خارن النار ببيت المقدس، وركب النبي- صلى الله عليه وسلم- البراق إلى بيت المقدس وأسرى به من مكة إلى بيت المقدس وصلى بالنبيين كلهم حين مثلوا له ببيت المقدس وبأرض بيت المقدس المحشر والمنشر ويأتى الله- عز وجل- فى ظلل من الغمام مع الملائكة بأرض بيت المقدس وينصب الصراط من أرض بيت المقدس إلى الجنة والنار، وتوضع الموازين ببيت المقدس، إلى الجنة والنار، وتوضع الموازين ببيت المقدس وصفوف الملائكة يوم القيامة ببيت المقدس. وتصير الخلائق ترابا غير الثقلين ببيت المقدس، والعرض والحساب ببيت المقدس وطوبى لمن أتى بيت المقدس متعمدا ليصلى فيه ركعتين فإن سليمان بن داود- عليه السلام- سأل ربه أن يغفر لمن أتى بيت المقدس ليصلى فيه محتسبا، ويزف البيت الحرام والحجر الأسود إلى بيت(2/514)
على النبي- صلى الله عليه وسلم-[211 ب] ثلاثة أنهار: نهر من لبن، ونهر من عسل، ونهر من خمر، فلم يشرب النبي- صلى الله عليه وسلم- الخمر فقال «جبريل» (جبريل: ساقطة أ، ل) : أما إن الله حرمها على أمتك الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ يعنى
__________
المقدس ويشهد لمن استلمه (فى أ: استخلصه، وفيها تشطيب. وفى نسخة حميدية: استخلصه.) مخلصا بالوفاء ويخرج المحرمون (فى أ: المحرمون، وفى حميدية: المجرمون.) من قبورهم يلبون نحو بيت المقدس، وينفخ إسرافيل- عليه السلام- فى الصور من صخرة بيت المقدس، وقوله «أيتها العظام البالية، واللحوم المتمزقة والأشعار الساقطة والجلود المتمزقة والعروق المتقطعة اخرجوا إلى حساب ربكم لينفخ أرواحكم وتجازون بأعمالكم» ويتفرق الناس من بيت المقدس إلى الجنة والنار، فذلك قوله- سبحانه:
«يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ» (سورة الروم: 13) ، «يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ» (سورة الروم: 43) فريق فى الجنة وفريق فى السعير.
أهـ أقول ورد هذا الوصف فى نسخة أحمد الثالث (أ) وفى نسخة حميدية وأمانة، ولم يرد فى نسخة كوبريلى (ل) .
وهو فى جملته مأخوذ من الإسرائيليات.
ولا يصح لنا منه سوى حديث أخرجه البخاري. وهو «لا تشد الرحال إلا لثلاث ... » الحديث.
ولهذا آثرت أن ينقل فى الهامش لا فى أصل التفسير.(2/515)
بالبركة الماء، والشجر والخير لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا فكان مما رأى من الآيات «1» البراق والرجال «2» والملائكة وصلى بالنبيين تلك إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ- 1- وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أصبح بمكة ليلة أسري به من مكة، فقال لأم هانئ بنة أبي طالب وزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي. لقد رأيت الليلة عجبا. قالت: وما ذلك؟ بأبي أنت وأمي. قال:
لقد صليت في مصلاي هذا صلاة العشاء، وصلاة الفجر، وصليت فيما بينهما في بيت المقدس. فقالت: وكيف فعلت؟ قال أتاني جبريل- عليه السلام-: وقد أخذت مضجعي من الفراش قبل أن أنام وأخذ بيدي وأخرجني من الباب، وميكائيل- عليه السلام- بالباب ومعه دابة فوق الحمار ودون البغل ووجهها كوجه الإنسان وخدها كخد الفرس وعرفها كعرف الفرس بلقاء سيلاء مضطربة الخلق لها جناحان ذنبها كذنب البقر وحافرها كأظلاف البقر خطوها عند منتهى بصرها كان سليمان بن داود- عليه السلام- يغدو عليها مسيرة شهر فحملاني عليها ثم أخذا يزفان «3» بي حتى أتيت بيت المقدس، ومثل لي النبيون فصليت بهم ورأيت ورأيت. فلما أراد النبي- صلى الله عليه وسلم-
__________
(1) فى ل: فكان مما رأى من الآيات، وفى أ: فكان أدنى الآيات.
(2) فى ل: الرجال، أ: الدجال.
(3) فى ل: يرفان. وفى أ، وحميدية: يدقان بى، وعليها علامة تمريض فى أ.
ولعل الأصل «يزفان بى» أى يسرعان بى ويمسكان بركابى- وقد ورد فى الحديث- أن جبريل كان فى ركاب النبي ليلة الإسراء. وفى المصباح: 1/ 272 [زف الرجل يزف] من باب ضرب:
أسرع، والاسم الزفيف، [وزفت العروس إلى زوجها زفا] من باب قتل، والاسم [الزفاف] مثل كتاب وهو إهداؤها إليه.(2/516)
أن يقوم فيخرج أخذت أم هانئ بحبرته قالت: أين تخرج؟ قال: أخرج إلى قريش، فأخبرهم بالذي رأيت فقالت: لا تفعل فوالله ليجترأن «1» عليك المكذب وليمترين «2» فيك المصدق. قال: وإن كذبوني لأخرجن ونزع يدها من حبرته فخرج إلى المسجد، فإذا فيه شيوخ من شيوخ قريش جلوس في الحجر. فقام عليهم فقال: ألا أحدثكم بالعجب. قالوا: أخبرنا فإن أمرك كله عجب.
قال: لقد صليت في هذا الوادي صلاة العشاء، وصلاة الفجر، وصليت فيما بينهما ببيت المقدس، ومثل لي النبيون فصليت بهم وكلمت بعضهم، فصدقه المؤمنون، وكذبه المشركون. فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف:
ما ثكلتني يدي «3» على هذا الكذاب ألا لن أكون ذلك اليوم جزعا «4» فآخذك بيدي أخذا، تخبرنا أنك صليت ببيت المقدس ورجعت من ليلتك ونحن لا نبلغه إلا في أربعين ليلة بعد شق الأنفس، أشهد أنك كذاب ساحر، فبينما هم كذلك إذ جاء أبو بكر الصديق- رضوان الله عليه- فقالت قريش: يا أبا بكر ألا تسمع ما يقول صاحبك، يزعم أنه صلى العشاء الآخرة والفجر بمكة، وصلى فيما بينهما ببيت المقدس، قال أبو بكر الصديق- رضي الله عنه-: إن كان قال ذلك فقد صدق [212 أ] «5» وقال أبو بكر- رضي الله عنه- للنبي- صلى
__________
(1) فى أ، ل: ليجترين.
(2) من ل، وفى أ: وليجترين.
(3) فى أ: ما ثكلثنى، ل: يا ثكلثى. وهي غير واضحة فيهما. وفى المصباح: 1/ 91 «ثكلت المرأة ولدها فقدته» فالمعنى ما فقدتني يدي.
(4) فى أ: جزعا، ل: جدعا، والمقصود أل؟؟؟ سأستغل يدي فى إيذاء محمد والتشهير به.
وفى المصباح: جزع فهو جزع إذا ضعفت منته عن حمل ما نزل به ولم يجد صبرا.
(5) فى أ: فقال، ل: وقال.(2/517)
الله عليه وسلم-: بأبي أنت وأمي حدثني عن باب بيت المقدس، وعن البيت وعن سواريه وعن الصخرة وعن هذا كله. فأخبره النبي- صلى الله عليه وسلم- فالتزمه أبو بكر «1» فقال: أشهد أنك صادق. فسمي يومئذ الصديق اسمه عتيق ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن مرة فقال المسلمون: يا رسول الله، كيف رأيت الأنبياء- عليهم السلام-؟ قال: رأيت عيسى بن مريم- صلى الله عليه وسلم- رجلا «2» أبيض فوق الربعة ودون الطويل ظاهر الدم عريض الصدر جعد الرأس يعلوه صهوبة «3» ، أشبه الناس بعروة بن معتب الثقفي.
ورأيت موسى- عليه السلام- رجلا طويلا آدم شديد الأدمة ضرب اللحم سبط الشعر أشعر كأنه من رجال أزد شنوءة لو لبس قميصين لرؤى «4» شعره منهما.
ورأيت إبراهيم- عليه السلام- أشبه الناس بي خَلقا وخُلقا فبدأني بالسلام والمصافحة والترحم.
ورأيت الدجال رجلا جسيما لحيما آدم جعد الرأس كث اللحية ممسوح العين أحلى الجبهة «5» براق الثنايا مكتوب بين عينيه كافر، شبيه بفطن «6» بن عبد العزى.
__________
(1) من ل، وفى أ: فالتزمه الصديق أبو بكر- صلى الله عليه.
(2) فى أ: رجل، وفى ل: رجلا.
(3) فى أ: صهوبة، وفى ل صهوبه، بدون إعجام الباء، والصهوبة: إحمرار الشعر. [.....]
(4) فى أ: لرأى، ل: لرؤى.
(5) هكذا فى أ، ل.
(6) فى أ: قطن، ل قطن بدون إعجام.(2/518)
ورأيت عمرو بن ربيعة بن يحيى بن قمعة بن خندف الخزاعي، والحارث ابن كعب بن عمرو وعليهما وفرة يجران قصبهما فى النار يعنى أمعاء هما «1» . قيل للنبي- صلى الله عليه وسلم-: ولم؟ قال: لأنهما أول من سيبا «2» السائبة، واتخذا البحيرة والوصيلة والحام، وأول من سميا اللات والعزى، وأمرا بعبادتهما، وغيرا دين الحنيفية ملة إبراهيم- عليه السلام- ونصبا الأوثان حول الكعبة، فأما عمرو بن ربيعة فهو رجل قصير أشبه الناس به هذا يعني أكثم بن الجون الخزاعي. فقال أكثم: يا رسول الله أيضرني شبهه؟ قال: لا أنت مؤمن وهو كافر، فقال رجل من كفار قريش للمطعم بن عدي: عجلت على ابن أخيك، ثم قال كهيئة المستهزئ: رويدك يا محمد حتى نسألك عن عيرنا: هل رأيتها في الطريق؟ قال: نعم. قال: فأين رأيتها؟ قال: رأيت عير بني فلان بالروحاء نزولا قد ضلت لهم ناقة وهم في طلبها فمررت على رجالهم وليس بها أحد منهم، فوجدت في إناء لهم ماء فشربت منه وتوضأت، فاسألوهم إذا أتوكم، هل كان ذلك؟ قالوا: هذه آية. قال ومررت على عير بني فلان، في وادي كذا وكذا، في ساعة كذا وكذا من الليل، ومعي جبريل وميكائيل- عليهما السلام- فنفرت منا إبلهم فوقعت ناقة حمراء فانكسرت فهم يجبرونها، فاسألوهم إذا أتوكم. هل كان ذلك؟ قالوا: نعم، هذه آية. قال رجل منهم [212 ب] :
فأين تركت عيرنا؟ قال: تركتها بالتنعيم قبيل «3» ، قال: فإن كنت صادقا فهي
__________
(1) فى أ، ل: أمعاهما.
(2) فى ل: سيب.
(3) فى أ: قبل، وفى ل: قبيل. [وقيل] خلاف بعد ظرف مبهم لا يفهم معناه إلا بالإضافة لفظا أو تقديرا. المصباح.(2/519)
قادمة الآن. قال: نعم. قال: فأخبرنا بعدتها وأحمالها وما فيها. قال: كنت عن ذلك مشغولا غير أن برنسا كان لهم على البعير الذي يقدم الركب فسقط البرنس فرجع حبشي من القوم فأصابه فوضعه على آخر الركاب. فاسألوهم، إذا أتوكم هل كان ذلك فبينا هو- صلى الله عليه وسلم- يحدثهم إذ مثل الله- عز وجل- له كل شيء حتى نظر إلى عدتها وأحمالها ومن فيها، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: أين السائل آنفا عن إبله فإن عدتها وأحمالها ومن فيها كذا وكذا ويقدمها جمل أورق وهي قادمة الآن فانطلقوا يسعون فإذا هي منحدرة من عتبة التنعيم، وإذا «1» هي وأحمالها وعدتها وما فيها كما قال النبي- صلى الله عليه وسلم.
فقال المشركون: لقد صدق الوليد بن المغيرة، إن هذا لساحر مبين. وما يدرى محمد- صلى الله عليه وسلم- وهو بين أظهرنا متى تقدم عيرنا وما حالها وأحمالها ومن فيها فكفوا بعض الأذى سنة، ثم قال سبحانه:
وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يقول أعطينا موسى التوراة وَجَعَلْناهُ هُدىً يعني التوراة هدى لِبَنِي إِسْرائِيلَ من الضلالة أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا- 2- يعني وليا فيها تقديم يا ذُرِّيَّةَ آدم مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ في السفينة ألا تتخذوا من دوني وكيلا يعني الأهل يعني وليا ثم أثنى على نوح بن لمك النبي- صلى الله عليه وسلم «2» - فقال سبحانه: إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً- 3- فكان من شكره أنه كان يذكر الله- عز وجل- حين يأكل، ويشرب، ويحمد الله- تعالى- حين يفرغ، ويذكر الله- سبحانه-
__________
(1) فى أ: فإذا.
(2) هكذا فى أ، ل. والمراد أن نوحا نبيا- صلى الله عليه وسلم-.(2/520)
حين يقوم، ويقعد، ويذكر الله- جل ثناؤه- حين يستجد الثوب الجديد، وحين يخلق، ويذكر الله- عز وجل- حين يدخل، ويخرج، وينام، ويستيقظ، ويذكر الله- جل ثناؤه- بكل خطوة يخطوها، وبكل عمل يعمله، فسماه الله- عز وجل- عبدا شكورا. ثم قال سبحانه:
وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ يقول وعهدنا إليهم في التوراة لَتُفْسِدُنَّ لتهلكن فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ فكان بين الهلاكين مائتا سنة وعشر سنين وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً- 4- يقول ولتقهرن قهرا شديدا حتى تذلوا وذلك بمعصيتهم «1» الله- عز وجل-. فذلك قوله- تعالى «2» : فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما يعني وقت أول الهلاكين بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ بختنصر المجوسي ملك بابل وأصحابه فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ يعني فقتل «3» الناس في الأزقة وسبى ذراريهم وخرب بيت المقدس وألقى فيه الجيف وحرق التوراة ورجع بالسبي إلى بابل، فذلك قوله سبحانه: وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا- 5- يعني وعدا كائنا لا بد منه فكانوا ببابل سبعين سنة ثم إن الله- عز وجل- استنقذهم [213 أ] على يد كروس «4» بن مزدك «5» الفارس فردهم إلى بيت المقدس، فذلك قوله- عز وجل-:
__________
(1) أ: بمعاصيهم، ل: بمعصيتهم.
(2) من ل، وفى أ: فقال سبحانه.
(3) فى أ، ل: فقتلوا.
(4) من ل، وفى أ: زيادة ويقال كرووس وعلى الواو الأولى علامة تمريض؟؟؟، أقول والصواب أنه كورش أو قورش. انظر خطر اليهودية: 24.
(5) فى أ: مدرك، ل: مزدك.(2/521)
ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ حتى كثروا، فذلك قوله- عز وجل-: وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً- 6- يعني أكثر رجالا منكم قبل ذلك فكانوا بها مائتي سنة وعشر سنين، فيهم أنبياء «1» ، ثم قال سبحانه: إِنْ أَحْسَنْتُمْ العمل لله بعد هذه المرة أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فلا تهلكوا وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها يعني وإن عصيتم فعلى أنفسكم فعادوا إلى المعاصي الثانية فسلط الله عليهم أيضا انطباخوس بن سيس «2» الرومي ملك أرض نينوى، فذلك قوله- عز وجل-:
فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ يعنى وقت آخر الهلاكين لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ يعني ليقبح وجوهكم، فقتلهم وسبى ذراريهم وخرب بيت المقدس وألقى فيه الجيف وقتل علماءهم وحرق التوراة، فذلك قوله- عز وجل-: وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ يعنى بيت المقدس أنطياخوس بن سيس «3» ومن معه بيت المقدس كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ يقول كما دخله بختنصر المجوسي وأصحابه قبل ذلك، قال سبحانه: وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً- 7- يقول- عز وجل- وليدمروا ما علوا يقول ما ظهروا عليه تدميرا، كقوله سبحانه في الفرقان:
وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً «4» يعني وكلا دمرنا تدميرا ثم قال: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ فلا يسلط عليكم القتل والسبي. ثم إن الله- عز وجل- استنقذهم على يدي المقياس «5» فردهم إلى بيت المقدس فعمروه، ورد الله- عز وجل-
__________
(1) هكذا فى أ، ل. [.....]
(2) فى أ: تسنس، ل بيس. والكلمة فى كلاهما غير واضحة وعليها علامة تمريض فى أ.
(3) فى ل: سيس، أ: سس بدون إعجام وتشبه سيس.
(4) سورة الفرقان: 39.
(5) فى أ، ل: المقياس.(2/522)
إليهم ألفتهم وبعث فيهم أنبياء ثم قال لهم: وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا يقول وإن عدتم إلى المعاصي عدنا عليكم بأشد مما أصابكم يعني من القتل والسبي فعادوا إلى الكفر وقتلوا يحيى بن زكريا فسلط الله عليهم ططس بن استاتوس «1» الرومي، ويقال اصطفابوس «2» فقتل على دم يحيى بن زكريا مائة ألف وثمانين ألفا «3» من اليهود فهم الذين قتلوا الرقيب على عيسى الذي كان شبه لهم وسبى ذراريهم وأحرق التوراة وخرب بيت المقدس وألقى فيه الجيف وذبح فيه الخنازير فلم يزل خرابا حتى جاء الإسلام فعمره «4» المسلمون وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً- 8- يعني محبسا لا يخرجون منها أبدا كقوله- عز وجل-: «لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا» «5» يعني حبسوا في سبيل الله إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي يعنى يدعو لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ يعني أصوب وَيُبَشِّرُ القرآن الْمُؤْمِنِينَ يعني المصدقين الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ من الأعمال بما فيه «6» من الثواب، فذلك قوله سبحانه: أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً- 9- يعني جزاء عظيما في الآخرة «وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ» «7» يعني بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً [213 ب]- 10- يعنى عذابا
__________
(1) فى أ: اشبانوس، ل: استنانوس.
(2) فى أ: اصطفابوس، ل: افطنابوس.
(3) فى أ: ألف، ل: ألفا.
(4) فى أ: فعمروه.
(5) سورة البقرة: 273.
(6) هكذا فى أ، ل. والمراد بما فيه أى بما فى العمل من الثواب والأنسب بما فيها.
(7) ما بين الأقواس « ... » : ساقط من أ، هو موجود فى ل.(2/523)
وجيعا وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ على نفسه يعني النضر بن الحارث حين قال:
«ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ» »
دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ كدعائه بالخير لنفسه وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا- 11- يعنى دم- عليه السلام- حين نفخ فيه الروح من قبل رأسه فلما بلغت الروح وسطه عجل فأراد أن يجلس قيل أن تتم الروح وتبلغ إلى قدميه، فقال الله- عز وجل-: «وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا» وكذلك النضر يستعجل بالدعاء على نفسه كعجلة آدم- عليه السلام- في خلق نفسه، إذ أراد أن يجلس قبل أن يتم دخول الروح فيه فتبلغ الروح إلى قدميه، فعجله «2» الناس كلهم ورثوها عن أبيهم آدم- عليه السلام- فذلك قوله سبحانه:
«وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا» وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ يعني علامتين مضيئتين فكان ضوء القمر مثل ضوء الشمس، فلم يعرف الليل من النهار، يقول «3» الله- تعالى: فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ يعني علامة القمر فالمحو السواد الذي في وسط القمر، فمحى من القمر تسعة وستين «4» جزءا فهو جزء واحد من سبعين جزءا «5» من الشمس فعرف «6» الليل من النهار وَجَعَلْنا آيَةَ يعني علامة النَّهارَ وهي الشمس مُبْصِرَةً يعني أقررنا «7» ضوءها فيها لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ يعني رزقا وَلِتَعْلَمُوا بها عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا- 12- يعني بيناه تبيانا وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ يعنى عمله
__________
(1) سورة الأنفال: 32.
(2) فى أ: فعجلت.
(3) فى أ: لقول. [.....]
(4) فى أ، ل: وستون.
(5) فى ل: فمحى من القمر تسعة وستون حروا فهو على حرو واحد من سبعين حروا.
(6) فى ل: فعرف، أ: يعرف.
(7) فى أ: قررنا، ل: أقررنا.(2/524)
الذي عمل خيرا كان أو شرا فهو فِي عُنُقِهِ لا يفارقه حتى يحاسب عليه وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً- 13- وذلك أن ابن آدم إذا ما طويت صحيفته التي فيها عمله فإذا كان يوم القيامة نشر كتابه فدفع إليه منشورا، ثم يقال له: اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً- 14- يعني شهيدا فلا شاهد عليك أفضل من نفسك وذلك حين قالوا: وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ «1» ختم الله على ألسنتهم، ثم أمر الجوارح فشهدت عليه «2» بشركه وتكذيبه، وذلك قوله سبحانه: كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً، وذلك قوله- عز وجل-: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
«3» يعني جوارحهم حين شهدت عليهم أنفسهم وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ الخير وَمَنْ ضَلَّ عن الهدى فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها «4» أي على نفسه، يقول فعلى نفسه إثم ضلالته وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى يقول لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ فى الدنيا أحدا حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا- 15- لينذرهم بالعذاب في الدنيا بأنه نازل بهم، كقوله سبحانه: وَما أَهْلَكْنا في الدنيا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ «5» وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً
بالعذاب فى الدنيا أَمَرْنا مُتْرَفِيها
[214 أ] يقوله أكثرنا جبابرتها فيطروا في المعيشة فَفَسَقُوا فِيها
يقول فعصوا في القرية
__________
(1) سورة الأنعام: 23.
(2) هكذا فى: أ، ل فشهدت عليه بشركه وتكذيبه فأعاد الضمير على المفرد.
(3) سورة القيامة: 14.
(4) فى أ: (على) نفسه.
(5) سورة الشعراء: 208.(2/525)
فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
يعني فوجب عليهم الذي سبق لهم في علم الله- عز وجل- فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً
- 16- يقول فأهلكناها بالعذاب هلاكا يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية، فقال سبحانه: وَكَمْ أَهْلَكْنا بالعذاب في الدنيا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ يقول كفار مكة خَبِيراً بَصِيراً- 17- يقول الله- عز وجل- فلا أحد أخبر بذنوب العباد من الله- عز وجل- يعني كفار مكة مَنْ كانَ يُرِيدُ فى الدنيا الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها يعني في الدنيا مَا نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ من المال ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يقول ثم نصيره إلى جهنم يَصْلاها مَذْمُوماً عند الله مَدْحُوراً- 18- يعني مطرودا في النار نزلت في ثلاثة نفر من ثقيف في: فرقد بن يمامة، وأبى «1» فاطمة بن البختري، وصفوان، وفلان، وفلان وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ من الأبرار بعمله الحسن وهو مؤمن يعني بالدار الآخرة «2» وَسَعى لَها سَعْيَها يقول عمل للآخرة عملها وَهُوَ مُؤْمِنٌ يعني مصدق بتوحيد الله- عز وجل- فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً- 19- فشكر الله- عز وجل- سعيهم فجزاهم بعملهم الجنة نزلت في بلال المؤذن وغيره. ثم قال- سبحانه: كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ البر والفاجر يعني هؤلاء النفر من المسلمين وهؤلاء النفر من ثقيف مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ يعني رزق ربك وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ يعني رزق ربك مَحْظُوراً- 20- يعني ممسكا يعني ممنوعا انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ يعنى الفجار
__________
(1) فى ل: وأبى، أ: وأبو.
(2) فى أ: الآخرة، ل: يعنى الدار الآخرة.(2/526)
يعني من كفار ثقيف على بعض في الرزق في الدنيا يعني الأبرار بلال بن رباح ومن معه وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ في الآخرة يعني أعظم فضائل وَأَكْبَرُ يعني وأعظم تَفْضِيلًا- 21- من فضائل الدنيا فلما صار «1» هؤلاء إلى الآخرة أعطى هؤلاء المؤمنون بلال ومن معه أعطوا في الآخرة فضلا كبيرا أكثر مما أعطي «2» الفجار في الدنيا يعني ثقيفا لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ يقول للنبي- صلى الله عليه وسلم- لا تضف مع الله إلها وذلك حين دعى النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى ملة آبائه فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً ملوما تلام عند الناس مَخْذُولًا- 22- فى عذاب الله- تعالى.
حدثنا عبيد اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْهُذَيْلِ، عَنْ مقاتل، عن الضحاك، عن ابن مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ فِي الْمُصْحَفِ وَوَصَّى رَبُّكَ فالتزق الواو بالصاد «3» ، فقال: وَقَضى رَبُّكَ يَعْنِي وَعَهِدَ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ يَعْنِي أَلا تُوَحِّدُوا غَيْرَهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً بِرًّا بهما إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ يعنى أبويه [214 أ] يَعْنِي سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ أَحَدُهُما يَعْنِي أَحَدَ الأَبَوَيْنِ أَوْ كِلاهُما فَبَرَّهُمَا فَلا «4» تَقُلْ لَهُما أُفٍّ يَعْنِي الْكَلامَ الرَّدِيءَ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَرِحْنِي مِنْهُمَا أَوْ تُغْلِظُ عَلَيْهِمَا فِي الْقَوْلِ عِنْدَ كبرهما ومعالجتك إياهما وعند ميط الْقَذَرِ عَنْهُمَا وَلا تَنْهَرْهُما عِنْدَ الْمُعَالَجَةِ يَعْنِي تُغْلِظُ لَهُمَا الْقَوْلَ وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً- 23- يعنى حسنا لينا
__________
(1) فى أ: صاروا، ل: صار.
(2) فى أ: أعطو، ل: أعطى.
(3) فى أ: الضاد، ل: الصاد. [.....]
(4) فى أ: (ولا) .(2/527)
وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ يقول تلين جناحك لهما رحمة بهما وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما عند ما تعالج منهما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً- 24- يعنى كما عالجا ذلك منى صغيرا فالطف بهما، واعصهما في الشرك فإنه ليس معصيتك إياهما في الشرك قطيعة لهما، ثم نسخت رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً، مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى «1» ثم قال تعالى:
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ يقول هو أعلم بما في نفوسكم منكم من البر للوالدين عند كبرهما، فذلك قوله تعالى: إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ يعني محتسبين مما تعالجون منهما أو لا تحتسبون «2» فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً- 25- يعنى المتراجعين «3» من الذنوب إلى طاعة الوالدين غفورا. وَآتِ يعنى فأعط ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ يعني صلته ثم قال تعالى: وَالْمِسْكِينَ يعني السائل فتصدق عليه وَحق ابْنَ السَّبِيلِ أن تحسن «4» إليه وهو الضيف نازل عليه، قوله سبحانه: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً- 26- يعني المنفقين في غير حق، ثم قال: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ يعني المنفقين- يعني كفار مكة- فى غير حق كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ في المعاصي وَكانَ الشَّيْطانُ يعني إبليس وحده لِرَبِّهِ كَفُوراً- 27- يعنى عاص ثم رجع
__________
(1) سورة التوبة: 113.
(2) فى أزيادة: نسخت «رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً» ، «مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى» . أهـ أقول وهي مكررة فقد سبق أن ذكرت قبل سطرين.
(3) فى ل: الراجعين، أ: المتراجعين، والأنسب: للمتراجعين.
(4) ليست فى ل، وهي من أ.(2/528)
إلى المسكين وابن السبيل فقال: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ نزلت في خباب، وبلال، ومهجع، وعمار، ونحوهم من الفقراء كانوا يسألون النبي- صلى الله عليه وسلم- فلا يجد ما يعطيهم فيعرض عنهم، فيسكت، ثم قال- عز وجل-:
ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها يعني انتظار رزق من ربك «تَرْجُوها» من الله أن يأتيك فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً- 28- يقول اردد عليهم معروفا يعني العدة الحسنة: أنه سيكون فأعطيكم، ثم علمه كيف يعمل في النفقة؟ فقال- سبحانه: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ يقول ولا تمسك يدك من البخل عن النفقة فى حق وَلا تَبْسُطْها يعني في العطية كُلَّ الْبَسْطِ فلا تبقي عندك فإن سئلت لم تجد ما تعطيهم كقوله: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ «1» .
فَتَقْعُدَ مَلُوماً يلومك الناس مَحْسُوراً- 29- يعني منقطعا بك كقوله- سبحانه- «فى تبارك الملك» : [215 أ] وَهُوَ حَسِيرٌ «2» يعني منقطع به إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ يعنى يوسع الرزق لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ يعني ويقتر على من يشاء إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بأمر الرزق بالسعة والتقتير بَصِيراً- 30- به وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ يعني دفن البنات وهن أحياء خَشْيَةَ إِمْلاقٍ يعني مخافة للفقر نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً يعني إثما كَبِيراً- 31- قوله- سبحانه:
وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً يعنى معصية وَساءَ سَبِيلًا
__________
(1) سورة المائدة آية 64، وأولها: وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ، مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ....
(2) سورة الملك: 4.(2/529)
- 32- يعني المسلك لم يكن يومئذ في الزنا حد حتى نزل الحد بالمدينة فى سورة النور. وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ قتلها يعني باغيا «1» إِلَّا بِالْحَقِّ الذي يقتل فيقتل به وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ يعني ولي المقتول سُلْطاناً يعني مسلطا على القتلى إن شاء قتله، وإن شاء عفا عنه، وإن شاء أخذ الدية، ثم قال لولي المقتول: فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً- 33- من أمر الله- عز وجل- في كتابه جعل الأمر إليه ولا تقتلن غير القاتل فإن من قتل غير القاتل فقد أسرف لقوله سبحانه: إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلا لتنمى ماله بالأرباح نسختها إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ «2» حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ يعني ثماني عشرة سنة «3» وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ فيما بينكم وبين الناس إِنَّ الْعَهْدَ إذا نقض كانَ مَسْؤُلًا- 34- يقول الله سائلكم عنه في الآخرة وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ يعني بالميزان بلغة الروم الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ الوفاء خَيْرٌ من النقصان وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا- 35- يعني وخير عاقبة في الآخرة وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ يقول ولا ترم «4» بالشرك فإنه ليس لك به علم أن لي شريكا ثم حذرهم إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ يعنى
__________
(1) فى ل: عيا، وفى أ: باغيا. أهـ. والمراد لا تقتل النفس باغيا معتديا.
(2) سورة البقرة: 220. بينا فى دراستنا عن تفسير مقاتل أن هذا ليس نسخا. فالآيتان يلتقيان على معنى واحد وهو الأمر برعاية اليتيم واستثمار ماله بأحسن الطرق.
(3) فى أ: ثمانية عشر سنة، ل: ثماني عشرة سنة.
(4) فى أ، ل: ولا ترم. والمراد ولا تقل بالشرك ولا تذهب فيذهب المشركون.(2/530)
القلب كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا- 36- يعني عن الشرك مسئولا في الآخرة وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً يعني بالعظمة، والخيلاء، والكبرياء إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ إذا مشيت بالخيلاء، والكبرياء وَلَنْ تَبْلُغَ رأسك الْجِبالَ طُولًا- 37- إذا تكبرت كُلُّ ذلِكَ يعنى كل ما «1» أمر الله- عز وجل- به ونهى عنه في هؤلاء الآيات كانَ سَيِّئُهُ يعني ترك ما أمر الله- عز وجل- به ونهى عنه في هؤلاء الآيات. أي «وركوب ما نهى عنه كان عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً- 38- ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ أي ذلك الذي أمر الله به ونهى عنه في هؤلاء الآيات مِنَ الْحِكْمَةِ «2» » التي أوحاها إليك يا محمد، ثم قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-: وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فإن فعلت فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً تلوم نفسك يومئذ مَدْحُوراً- 39- يعني مطرودا في النار كقوله سبحانه: وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً «3» يعني طردا، قل يا محمد لكفار مكة أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ نزلت هذه الآية بعد قوله: قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ «4» إلى آيات [215 ب] يعني مشركي العرب حين قالوا الملائكة بنات الرحمن. وَاتَّخَذَ لنفسه مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً يعنى البنات إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً- 40- حين تقولون إن الملائكة
__________
(1) فى أ: كلما.
(2) ما بين الأقواس « ... » من ل، وهو ساقط من أ. كما أن (مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ) ساقطة من ل أيضا.
(3) سورة الصافات: 8- 9. [.....]
(4) سورة الإسراء: 42.(2/531)
بنات الله- عز وجل- وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ في أمور شتى»
لِيَذَّكَّرُوا فيعتبروا وَما يَزِيدُهُمْ القرآن إِلَّا نُفُوراً- 41- يعني إلا تباعدا عن الإيمان بالقرآن كقوله تعالى: بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ «2» يعني تباعدا «3» قُلْ لكفار مكة لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ حين يزعمون أن الملائكة بنات الرحمن فيعبدونهم ليشفعوا لهم عند الله- عز وجل- في الآخرة «4» إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا- 42- ليغلبوه ويقهروه كفعل ملوك الأرض بعضهم ببعض يلتمس بعضهم أن يقهر صاحبه ويعلوه، ثم قال: سُبْحانَهُ نزه نفسه- تعالى- عن قول البهتان فقال: وَتَعالى يعني وارتفع عَمَّا يَقُولُونَ من البهتان عُلُوًّا كَبِيراً- 43- نظيرها في المؤمنين «5» ثم عظم نفسه- جل جلاله- فقال سبحانه: تُسَبِّحُ لَهُ يعنى تذكره السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ يعني وما من شيء إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ يقول إلا يذكر الله بأمره يعني من نبت «6» إذا كان في معدنه يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ «7» كقوله سبحانه:
__________
(1) فى أ، زيادة حسبها من القرآن هنا وليست منه، ونص الزيادة: (من كل) شيء (مثل) يعنى من كل شبه.
وهذه الزيادة جزء من الآية 54 من سورة الكهف وهي: وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا.
(2) سورة الملك: 21.
(3) فى ل: تباعدا، أ: تباعد.
(4) فى ل: حين زعموا أن الملائكة بنات الرحمن فيعبدوا ربهم ليشفعوا لهم عند الله فى الآخرة.
(5) يشير إلى الآية 91 من سورة المؤمنون: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ ... الآية.
(6) هكذا فى أ، ل.
(7) الزمر: 75، غافر: 7، الشورى: 5 وكلها (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) بدون الواو.(2/532)
وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ «1» يعني بأمره، من نبت، أو دابة، أو خلق «2» وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ يقول ولكن لا تسمعون ذكرهم الله- عز وجل- إِنَّهُ كانَ حَلِيماً عنهم يعني عن شركهم غَفُوراً- 44- يعني ذو تجاوز عن قولهم لقوله: لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كما يزعمون إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا بأن الملائكة بنات الله حين لا يعجل عليهم بالعقوبة، «غفورا» في تأخير العذاب عنهم إلى المدة «3» مثلها فى سورة الملائكة قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا ... «4» آخر الآية.
«إِنَّهُ كانَ حَلِيماً» يعنى ذو تجاوز عن شركهم «غفورا» في تأخير العذاب عنهم إلى المدة «5» .
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ في الصلاة أو غير الصلاة جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعني لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال حِجاباً مَسْتُوراً- 45- نزلت في أبي لهب وامرأته، وأبى البختري، وزمعة اسمه عمرو بن الأسود، وسهيل، وحويطب، كلهم من قريش يعنى بالحجاب المستور، قوله- تعالى: وَجَعَلْنا «6» عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً يعني الغطاء على القلوب أَنْ يَفْقَهُوهُ لئلا يفقهوا القرآن وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً يعنى
__________
(1) سورة الرعد: 13.
(2) أو خلق: فى أ، ل، وعليها علامة تمريض فى أ.
(3) فى أ، ل: المدة- أهـ والمعنى إلى المدة المحددة لنزوله.
(4) سورة فاطر: 41.
(5) تكرر تفسير «إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً» فى أ، ل، أى فسرت مرتين.
(6) فى أ، ل: «إنا جعلنا» . [.....](2/533)
ثقلا لئلا يسمعوا «1» القرآن وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ فقلت لا إله إلا الله وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً- 46- يعنى أعرضوا عن التوحيد ونفروا عنه «2» [216 أ] كراهية التوحيد وذلك حين
قال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم دخلوا على أبي طالب وهم الملأ فقال: قولوا لا إله إلا الله تملكون بها العرب وتدين لكم العجم
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ يا محمد وأنت تقرأ القرآن وَإِذْ هُمْ نَجْوى فبين نجواهم فى سورة الأنبياء: «وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» يعني فيما بينهم هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ «3» . فذلك قوله سبحانه: إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ يعني الوليد بن المغيرة وأصحابه إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً- 47- يعني بالمسحور المغلوب على عقله نظيرها في الفرقان:
وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً «4» انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ يعني كيف وصفوا لك الأنبياء حين قالوا أنك ساحر فَضَلُّوا عن الهدى فَلا يَسْتَطِيعُونَ يعنى فلا يجدون سَبِيلًا- 48- يعنى لا يقدرون على مخرج مما قالوا لك بأنك ساحر وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً يعني ترابا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ بعد الموت خَلْقاً جَدِيداً- 49- يعني البعث وقُلْ لهم يا محمد: كُونُوا حِجارَةً في القوة أَوْ حَدِيداً- 50- في الشدة فسوف يميتكم ثم يبعثكم ثم تحيون من الموت أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ
__________
(1) فى أ: يستمعوا، ل: يسمعوا.
(2) فى أ، ل: نفروا عنه أهـ. فضمن نفر معنى ابتعد.
(3) سورة الأنبياء: 3.
(4) سورة الفرقان: 8.(2/534)
يعني مما يعظم في قلوبكم، قل لو كنتم أنتم الموت لأمتكم ثم بعثتكم في الآخرة فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا يعني من يبعثنا أحياء من بعد الموت قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ يعني خلقكم أول مرة في الدنيا ولم تكونوا شيئا فهو الذي يبعثكم في الآخرة فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ يعني يهزون إليك رُؤُسَهُمْ استهزاء وتكذيبا بالبعث وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ يعنون البعث قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ البعث قَرِيباً- 51- ثم أخبر عنهم، فقال- سبحانه-: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ من قبوركم في الآخرة فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ يعني تجيبون الداعي بأمره وَتَظُنُّونَ يعني وتحسبون إِنْ يعني ما لَبِثْتُمْ في القبور إِلَّا قَلِيلًا- 52- وذلك أن إسرافيل قائم على صخرة بيت المقدس يدعو أهل القبور في قرن: فيقول أيتها اللحوم المتفرقة، وأيتها العروق المتقطعة، وأيتها الشعور المتفرقة، اخرجوا إلى فصل القضاء لتنفخ فيكم أرواحكم وتجازون بأعمالكم فيخرجون ويديم المنادي الصوت، فيخرجون من قبورهم ويسمعون الصوت فيسعون إليه، فذلك قوله- سبحانه-: فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ «1» وَقُلْ لِعِبادِي يعني عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ليرد خيرا على من شتمه وذلك أن رجلا من كفار مكة شتمه فهم به عمر- رضي الله عنه- فأمره الله- عز وجل- بالصفح والمغفرة نظيرها في الجاثية: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا ... إلى آخر الآية «2» [216 ب] إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ يعنى يغرى بينهم
__________
(1) سورة يس: 53.
(2) سورة الجاثية 14 وتمامها: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.(2/535)
إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً- 53- رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ من غيره إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ فيتوب عليكم أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ فيميتكم على الكفر نظيرها في الأحزاب: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ «1» وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا- 54- يعني مسيطرا عليهم وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ منهم من كلم الله، ومنهم من اتخذه الله خليلا، ومنهم من سخر الله له الطير، والجبال، ومنهم من أعطي ملكا عظيما، ومنهم من يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، ومنهم من رفعه الله- عز وجل- إلى السماء، فكل واحد منهم فضل بأمر لم يعطه غيره فهذا تفضيل بعضهم على بعض، ثم قال سبحانه: وَآتَيْنا يعني وأعطينا داوُدَ زَبُوراً- 55- مائة وخمسين سورة ليس فيها حكم، ولا حد، ولا فريضة، ولا حلال، ولا حرام، وإنما هو شاء على الله- عز وجل- وتمجيد، وتحميد «2» قُلِ لكفار مكة ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنهم آلهة مِنْ دُونِهِ من دون الله يعني الملائكة فليكشفوا الضر عنكم يعني الجوع سبع سنين إذا نزل بكم، ثم أخبر عن الملائكة الذين عبدوهم، فقال- سبحانه-:
فَلا يَمْلِكُونَ يعني لا يقدرون على كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ يعني الجوع الذي أصابهم بمكة سبع سنين حتى أكلوا الميتة، والكلاب، والجيف، فيرفعونه عنكم وَلا تَحْوِيلًا- 56- يقول ولا تقدر الملائكة على تحويل هذا الضر عنكم إلى غيره فكيف تعبدونهم. مثلها فى سورة سبأ: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ
__________
(1) سورة الأحزاب: 73.
(2) فى: وتمجيدا وتحميدا، ل: وتمجيد وتحميد.(2/536)
«1» يعني أصغر النمل التي لا تكاد أن ترى من الصغر وهي النملة الحمراء. ثم قال يعظهم: أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يقول أولئك الملائكة الذين تعدونهم يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ يعني الزلفة وهي القربة بطاعتهم أَيُّهُمْ أَقْرَبُ إلى الله درجة مثل قوله سبحانه: وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ «2» يعني القربة إلى الله- عز وجل- وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ يعني جنته نظيرها في البقرة أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ «3» يعني جنة الله- عز وجل- وَيَخافُونَ عَذابَهُ يعني الملائكة إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً- 57- يقول يحذره الخائفون له. فابتغوا إليه الزلفة كما تبتغي الملائكة وخافوا أنتم عذابه كما يخافون وارجوا أنتم رحمته كما يرجون إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ «4» كانَ مَحْذُوراً وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ يقول وما من قرية طالحة أو صالحة إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً فأما الصالحة فهلاكها بالموت وأما الطالحة فيأخذها العذاب في الدنيا كانَ ذلِكَ يعني هلاك الصالحة بالموت وعذاب الطالحة في الدنيا فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً- 58- يعنى فى أم الكتاب مكتوبا «5» [217 أ] يعني اللوح المحفوظ فتموت أو ينزل بها ذلك وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ مع محمد- صلى الله عليه وسلم- وذلك أن عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة والحارث بن هشام بن المغيرة المخزوميين
__________
(1) سورة سبأ: 22.
(2) سورة المائدة: 35.
(3) سورة البقرة: 218.
(4) ربك: ساقطة من أ.
(5) فى أ: يعنى أم الكتاب مكتوب. ل: يعنى فى الكتاب مكتوبا.(2/537)
سألا النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يريهم الله الآيات كما فعل بالقرون الأولى وسؤالهما «1» النبي- صلى الله عليه وسلم- أنهما قالا فى هذه السورة: «وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ... » إلى آخر الآيات «2» فأنزل الله- عز وجل-: «وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ» إلى قومك كما سألوا إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ يعني الأمم الخالية فعذبتهم ولو جئتهم بآية فردوها وكذبوا بها أهلكناهم، كما فعلنا بالقرون الأولى، فلذلك أخرنا الآيات عنهم، ثم قال سبحانه: وَآتَيْنا يعني وأعطينا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً يعني معاينة يبصرونها فَظَلَمُوا بِها يعني فجحدوا بها أنها ليست من الله- عز وجل- ثم عقروها، ثم قال- عز وجل-: وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً- 59- للناس فإن لم يؤمنوا بها عذبوا في الدنيا وَإِذْ يعني وقد قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ يعني حين أحاط علمه بأهل مكة أن يفتحها على النبي- صلى الله عليه وسلم-، ثم قال سبحانه: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ يعني الإسراء ليلة أسري به إلى بيت المقدس فكانت لأهل مكة فتنة، ثم قال سبحانه: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ يعني شجرة الزقوم، ثم قال سبحانه: وَنُخَوِّفُهُمْ بها يعني بالنار والزقوم فَما يَزِيدُهُمْ التخويف إِلَّا طُغْياناً يعني إلا ضلالا كَبِيراً- 60- يعني شديدا، وقال أيضا في الصافات «3» لقولهم الزقوم: التمر
__________
(1) فى أ: فى سؤالهما، ل: وسؤالهم. [.....]
(2) سورة الإسراء: 90- 93.
(3) فى أ: والصافات، ل: الصافات والآية من سورة الصافات: 62- 63.(2/538)
والزبد «إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ، طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ» ولا يشبه طلع النخل وذلك أن الله- عز وجل- ذكر شجرة الزقوم في القرآن فقال أبو جهل: يا معشر قريش إن محمدا «1» يخوفكم بشجرة الزقوم ألستم تعلمون أن النار تحرق الشجر ومحمد «2» يزعم أن النار تنبت الشجرة. فهل تدرون ما الزقوم؟
فقال عبد الله بن الزبعري السهمي: إن الزقوم بلسان بربر التمر والزبد. قال أبو الجهل: يا جارية ابغنا «3» تمرا فجاءته. فقال لقريش وهم حوله تزقموا من هذا الزقوم الذي يخوفكم به محمد «4» فأنزل الله تبارك- وتعالى «وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً» يعني شديدا.
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ منهم إبليس فَسَجَدُوا ثم استثنى فقال: إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً- 61- وأنا خلقتني من نار يقول ذلك تكبرا، ثم قالَ إبليس لربه- عز وجل- أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ يعنى فضلته على بالسجود يعنى آدم. أنا ناري [217 ب] وهو طيني لَئِنْ أَخَّرْتَنِ يقول لئن متعتني إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ يعني لأحتوين ذُرِّيَّتَهُ ذرية آدم إِلَّا قَلِيلًا- 62- حتى يطيعوني يعني بالقليل الذي أراد الله- عز وجل- فقَالَ: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ «5» يعنى ملكا. ثم قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ على دينك يعنى من
__________
(1) فى أ: إن محمدا صلى الله عليه وسلم، ل: إن محمدا.
(2) فى ل: ومحمد، أ: ومحمد- صلى الله عليه وسلم.
(3) فى ل: أبغينا، أ: ابعثى.
(4) فى أ: محمد- صلى الله عليه وسلم.
(5) سورة الحجر: 42.(2/539)
ذرية آدم فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ بأعمالكم الخبيثة جَزاءً يعني الكفر جزاء مَوْفُوراً- 63- يعني وافرا لا يفتر عنهم من عذابها شيء. ثم قال- سبحانه: وَاسْتَفْزِزْ يقول واستزل مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ يعني بدعائك وَأَجْلِبْ يعني واستعن عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ يعني كل راكب يسير في معصيته وَرَجِلِكَ يعني كل راجل «1» يمشي في معصية الله- عز وجل «2» - من الجن والإنس من يطيعك منهم وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ يقول زين لهم في الأموال يعني كل مال حرام، وما حرموا من الحرث والأنعام وَالْأَوْلادِ.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ الْهُذَيْلِ، عَنْ مُقَاتِلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ الزِّنَا، وَالْغَصْبَ «3» ، وَالأَوْلادَ، يَعْنِي كُلَّ وَلَدٍ مِنْ حَرَامٍ، فَهَذَا كُلُّهُ مِنْ طَاعَةِ إِبْلِيسَ وَشِرْكَتِهِ.
ثم قال سبحانه: وَعِدْهُمْ يعنى ومنيهم الغرور ألا بعث وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً- 64- يعني باطلا الذي ليس بشيء إِنَّ عِبادِي المخلصين لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ملك في الكفر والشرك أن تضلهم عن الهدى وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا- 65- يعني حرزا ومانعا فلا أحد أمنع من الله- عز وجل- فلا يخلص إليهم إبليس رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ يعني يسوق لكم الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ الرزق إنّه «كان» «4»
__________
(1) فى ل: راجل، أ: رجل.
(2) فى ل: الله، أ: الله- عز وجل.
(3) فى أ: الغضب، ل: الغضب، وفى الحديث ( ... فإن الغضب من الشيطان) .
(4) «كان» : ساقطة من الأصل.(2/540)
بِكُمْ رَحِيماً- 66- وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ يقول إذا أصابكم «1» فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ يعني بطل مثل قوله- عز وجل: أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ «2» يعني أبطل، من تدعون من الآلهة يعني تعبدون فلا تدعونهم إنما تدعون الله- عز وجل-، فذلك قوله سبحانه: إِلَّا إِيَّاهُ يعني نفسه- عز وجل- فَلَمَّا نَجَّاكُمْ الرب- جل جلاله- من البحر إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ عن الدعاء في الرخاء فلا تدعون الله- عز وجل- وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً- 67- للنعم حين أنجاه الله- تعالى- من أهوال البحر إلى البر فلم يعبده، ثم خوفهم فقال سبحانه: أَفَأَمِنْتُمْ إذ أخرجتم من البحر إلى الساحل أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ يعني ناحية من البر أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ في البر حاصِباً يعني الحجارة ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا- 68- يقول ثم لا تجدوا مانعا يمنعكم من الله- عز وجل-، ثم قال سبحانه: أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ في البحر تارَةً أُخْرى يعني مرة أخرى نظيرها في طه: وَفِيها «3» نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى «4» فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً يعني عاصفا مِنَ الرِّيحِ وهي الشدة فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ النعم حين أنجاكم [218 ا] من الغرق ونقضتم العهد وأنتم في البر ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً- 69- يقول لا تجدوا علينا به تبعة مما أصبناكم به من العذاب، ثم ذكرهم النعم فقال- سبحانه: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ يقول فضلناهم على غيرهم من الحيوان غير الملائكة حين أكلوا
__________
(1) فى أ: أصابكم، ل: أصابتكم.
(2) سورة محمد: 1.
(3) فى أ، ل: فيها. [.....]
(4) سورة طه: 55.(2/541)
وشربوا بأيديهم وسائر الطير والدواب يأكلون بأفواههم، ثم قال- عز وجل-:
وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ على الرطب «1» يعنى الدواب وَحملناهم فى الْبَحْرِ على اليابس يعني السفن وَرَزَقْناهُمْ من غير رزق الدواب مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا من الحيوان تَفْضِيلًا- 70- يعني بالتفضيل أكلهم بأيديهم «2» يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ «3» يعني كل أمة بكتابهم الذي عملوا في الدنيا من الخير والشر، مثل قوله- عز وجل- في يس: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ «4» وهو اللوح المحفوظ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ الذي عملوه في الدنيا وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا- 71- يعني بالفتيل القشر الذي يكون في شق النواة وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ النعم أَعْمى يعني الكافر، عمي عنها وهو معاينها فلم يعرف أنها من الله- عز وجل- فيشكو ربها فيعرفه فيوحده- تبارك وتعالى- فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى يقول فهو عما غاب عنه من أمر الآخرة من البعث والحساب والجنة والنار أعمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا- 72- يعني وأخطأ طريقا.
وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ يعني ثقيفا يقول وقد كادوا أن يفتنوك يعني قد هموا أن يصدوك عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كقوله- سبحانه- فى المائدة
__________
(1) فى أ: الركب ثم أصلحها الرطب، وفى ل: الرطب، وفى م: الرطب.
(2) فى أ، ل: فسر هذه الآية بعد أن خالف ترتيبها فقدم آخرها على وسطها هكذا: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ والبحر وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا، ورزقناهم» وقد أعدت ترتيب الآية كما وردت فى المصحف.
(3) فى أ، ل: فسر الآية اللاحقة قيل هذه الآية أى فسر آية 72 من سورة الإسراء قبل الآية 71. وقد أعدت ترتيب الآيات والتفسير.
(4) سورة يس: 12.(2/542)
وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ يعني يصدوك عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ «1» وذلك
أن ثقيفا أتوا النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: نحن إخوانك، وأصهارك، وجيرانك ونحن خير أهل نجد لك سلما، وأضره عليك حربا فإن نسلم تسلم نجد كلها وإن نحاربك يحاربك من وراءنا، فأعطنا الذي نريد. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: وما تريدون؟ قالوا: نسلم على ألا نجش «2» ولا نعش «3» ولا نحنى. يقولون: على ألا نصلي، ولا نكسر أصنامنا «4» بأيدينا، وكل ربا لنا على الناس فهو لنا، وكل ربا للناس فهو عنا موضوع ومن وجدناه في وادي وج يقطع شجرها انتزعنا عنه ثيابه، وضربنا ظهره وبطنه، وحرمته كحرمة مكة وصيد، وطيره وشجره، وتستعمل على بني مالك رجلا وعلى الأحلاف «5» رجلا وأن تمتعنا باللات، والعزى سنة ولا نكسرها بأيدينا من غير أن نعبدها ليعرف الناس كرامتنا عليك وفضلنا عليهم. فقال لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:
أما قولكم لا تجشي ولا نعشي والربا فلكم [218 ب] ، وأما قولكم لا نحنى فإنه لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود. قالوا: نفعل ذلك وإن كان علينا فيه دناءة. وأما قولكم لا نكسر أصنامنا بأيدينا فإنا سنأمر من يكسرها غيركم.
ثم سكت النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالوا تمتعنا باللات سنة فأعرض عنهم وجعل يكره أن يقول لا فيأبون الإسلام. فقالت ثقيف للنبي- صلى الله عليه
__________
(1) سورة المائدة الآية 49، وقد وردت هكذا: «واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أوحينا إليك» .
(2) فى ل: على ألا نحمس، ا: نجش.
(3) فى ل: ولا نعشر، ا: نعش.
(4) فى أ: أصناما، ل: أصنامنا.
(5) فى أ: الأحلاف، ل: الأخلاف.(2/543)
وسلم-: إن كان بك ملامة العرب في كسر أصنامهم وترك أصنامنا، فقل لهم:
إن ربي أمرني أن أقر «1» اللات بأرضهم سنة. فقال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- عند ذلك أحرقتم قلب النبي- صلى الله عليه وسلم- بذكر اللات أحرق الله أكبادكم، لا، ولا نعمة، غير أن الله- عز وجل- لا يدع الشرك في أرض يعبد الله- تعالى- فيها، فإما أن تسلموا كما يسلم الناس وإما أن تلحقوا بأرضكم فأنزل الله- عز وجل-: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ
يقول وإن كادوا ليصدونك عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ يقول سبحانه لتقول علينا غيره ما لم نقل لقولهم للنبي- صلى الله عليه وسلم- قل:
إن الله أمرني أن أقرها. وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا- 73- يعني محبا نظيرها في الفرقان فُلاناً خَلِيلًا «2» يعني محبا «لطواعيتكم إياهم على ما أرادوك عليه، إذا لأحبوك» «3» وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ يا محمد بالسكوت، فأمرت بكسر «4» الآلهة إذا لركنت إلى المعصية لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ يقول لقد هممت سويعة أن تميل إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا- 74- يعني أمرا يسيرا، يقول: لقد هممت سويعة كقوله «5» فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ «6» يعني بميله أمرا يسيرا يقول لقد هممت سويعة أن تميل إليهم ولو أطعتهم فيما سألوك إِذاً لَأَذَقْناكَ العذاب فى الدنيا والآخرة
__________
(1) هكذا فى أ، ل، أى اترك.
(2) سورة الفرقان: 28.
(3) من: ل، وفى أ: لو أطعتهم على ما أرادوا عليه لأحبوك.
(4) هكذا فى أ، ل، وقد يكون أصلها بعدم كسر. [.....]
(5) كقوله: ساقطة من أ، وهي من ل.
(6) سورة الذاريات: 39.(2/544)
فذلك قوله- سبحانه: إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ يقول سبحانه: إذا لأذقناك ضعف «1» العذاب في الدنيا في حياتك، وفي مماتك بعد «2» ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً- 75- يعنى مانعا يمنعك منا وَإِنْ يعنى وقد كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ يعنى ليستزلونك مِنَ الْأَرْضِ يعني أرض المدينة نزلت في حيي بن أخطب واليهود وذلك أنهم كرهوا قدوم النبي- صلى الله عليه وسلم- المدينة وحسدوه وقالوا: يا محمد إنك لتعلم أن هذه الأرض ليست بأرض الأنبياء إنما أرض الأنبياء والرسل أرض المحشر أرض الشام ومتى رأيت الله بعث «3» الأنبياء في أرض تهامة فإن كنت نبيا فأخرج إليها فإنما يمنعك منها مخافة أن يغلبك الروم، فإن كنت نبيا فسيمنعك الله كما منع الأنبياء قبلك فخرج النبي- صلى الله عليه وسلم- متوجها إلى الشام فعسكر على رأس ثلاثة أميال بذي الحليفة لتنضم «4» إليه أصحابه فأتاه جبريل [219 ا]- عليه السّلام- بهذه الآية وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا- 76- يقول- سبحانه- لو فعلوا ذلك لم ينظروا من بعدك إلا يسيرا حتى يعذبوا في الدنيا فرجع النبي- صلى الله عليه وسلم- سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا يقول الله- سبحانه- كذلك سنة الله- عز وجل- في أهل المعاصي يعني الأمم الخالية إن كذبوا رسلهم أن يعذبوا وَلا «5» تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا- 77- إن قوله حق في أمر العذاب يقول السنة واحدة فيما مضى
__________
(1) ضعف: ساقطة أ، وهي من ل.
(2) هكذا فى: ا، ل، والمراد وفى مماتك بعد حياتك.
(3) من ل، وفى أ: ومتى رأيت بعث الله- عز وجل-.
(4) فى ل: لينام، ا: لتعلم.
(5) فى حاشية أ: فى الأصل: ولن، وفى ل: ولن.(2/545)
وفيما بقي أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ يعنى إذا زالث الشمس عن بطن السماء يعني عند صلاة الأولى والعصر إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ يعني ظلمة الليل إذا ذهب الشفق يعني صلاة المغرب والعشاء وَقُرْآنَ الْفَجْرِ يعنى قرآن صلاة الغداة إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً- 78- تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، جمع صلاة «1» الخمس في هذه الآية كلها «2» . ثم قال- عز وجل-:
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ بعد المغفرة لأن الله- عز وجل- قد غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تأخر، فما كان من عمل فهو نافلة، مثل قوله سبحانه:
وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ حين سأل الولد وَيَعْقُوبَ نافِلَةً «3» يعني فضلا على مسألته عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً- 79- يعني مقام الشفاعة في أصحاب الأعراف يحمده الخلق كلهم والعسى من الله- عز وجل- واجب. فرجع النبي- صلى الله عليه وسلم- وقال له جبريل- عليه السلام-: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي المدينة مُدْخَلَ صِدْقٍ يعني آمنا على رغم أنف اليهود وَأَخْرِجْنِي من المدينة إلى مكة مُخْرَجَ صِدْقٍ يعني آمنا على رغم أنف كفار مكة ظاهرا عليهم وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ يعني من عندك سُلْطاناً نَصِيراً- 80- يعني النصر على أهل مكة ففعل الله- تعالى- ذلك به فافتتحها فلما افتتحها رأى ثلاثمائة وستين صنما حول الكعبة وأساف، ونائلة، أحدهما عند الركن، والآخر عند الحجر الأسود وفي يدي النبي- صلى الله عليه وسلم- قضيب فجعل
__________
(1) فى أ، ل: صلاة والأنسب الصلوات.
(2) كلها راجعة إلى الصلاة: أى جمع الصلوات الخمس كلها فى هذه.
(3) سورة الأنبياء: 73.(2/546)
النبي- صلى الله عليه وسلم- يضرب رؤوسهم ويقول: «وَقُلْ» «1» جاءَ الْحَقُّ يعني الإسلام وَزَهَقَ الْباطِلُ يعني وذهب عبادة الشيطان يعني الأوثان إِنَّ الْباطِلَ يعني إن عبادة الشيطان يعني عبادة الأصنام كانَ زَهُوقاً- 81- يعني ذاهبا مثل قوله سبحانه: فَإِذا هُوَ زاهِقٌ «2» يعنى ذاهب وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ للقلوب يعني بيانا «3» للحلال والحرام وَرَحْمَةٌ من العذاب لمن آمن بالقرآن، قوله «4» - سبحانه-: «وَرَحْمَةٌ» لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ القرآن الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً- 82- يعنى خسرانا وَإِذا أَنْعَمْنا [219 ب] عَلَى الْإِنْسانِ يعني الكافر بالخير يعني الرزق أَعْرَضَ عن الدعاء وَنَأى بِجانِبِهِ يقول وتباعد بجانبه وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ يعنى وإذا أصابه الفقر كانَ يَؤُساً- 83- يعني آيسا من الخير قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ المحسن والمسيء على شاكلته على جديلته التي هو عليها فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا- 84- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ نزلت في أبي جهل وأصحابه قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وهو ملك عظيم على صورة إنسان أعظم من كل مخلوق غير العرش فهو حافظ على الملائكة وجهه كوجه الإنسان، ثم قال سبحانه: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا- 85- عندي كثيرا عندكم وذلك أن اليهود قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- إن في التوراة علم كل شيء وقال الله- تبارك وتعالى- للنبي- صلى الله عليه وسلم- قل لليهود
__________
(1) ليست فى أ، ولا فى ل.
(2) سورة الأنبياء: 18.
(3) فى أ: بيان، ل: بيانا.
(4) فى أ، ل: قوله، والأنسب: فذاك قوله. [.....](2/547)
وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا عندي كثيرا عندكم وعلم التوراة عندكم كثير،
فقالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: من قال هذا؟ فو الله ما قاله لك إلا عدو لنا يعنون جبريل- عليه السلام-، ثم قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-:
خاصة لنا أنا لم نؤت من العلم إلا قليلا. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم:
بل الناس كلهم عامة. فقالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: ولا أنت ولا أصحابك. فقال: نعم. فقالوا: كيف تجمع بين هاتين؟ تزعم أنك أوتيت الحكمة ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وتزعم أنك لم نؤت من العلم إلا قليلا. فنزلت وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ... إلى آخر الآية «1» ،
ونزلت قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً ... إلى آخر الآية «2» . ثم قال سبحانه: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ من القرآن وذلك حين دعى النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى دين آبائه ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا- 86- يعني مانعا يمنعك منا فاستثنى- عز وجل- إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ يعني القرآن كان رحمة من ربك اختصك بها إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً- 87- يعني عظيما حين اختصك بذلك قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ وذلك أن الله- عز وجل- أنزل في سورة هود: قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ «3» فلم يطيقوا ذلك. فقال الله- تبارك وتعالى- لهم فى سورة يونس فَأْتُوا بِسُورَةٍ «4»
__________
(1) سورة لقمان 27.
(2) سورة الكهف: 109.
(3) سورة هود: 13.
(4) سورة يونس 38، والنص فيها.. قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ...(2/548)
واحدة مثله، فلم يطيقوا ذلك، وأخبر الله- تبارك وتعالى- النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ فعان بعضهم بعضا عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ يقول لا يقدرون على أن يأتوا بمثله وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً- 88- يعنى معينا وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ يعنى ضربنا فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ يعني من كل شبه في أمور شتى فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً- 89- يعني إلا كفرا بالقرآن وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً [220 أ]- 90- يعني من أرض مكة ينبوعا يعني عينا تجري وذلك
أن أبا جهل قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-: سير «1» لنا الجبال، أو ابعث لنا الموتى فنكلمهم، أو سخر لنا الريح، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم: - لا أطيق ذلك
، فقال عبد الله بن أبي أمية «2» بن المغيرة المخزومي، وهو ابن عم أبي جهل، والحارث بن هشام، وهما ابنا عم فقالا: يا محمد، إن كنت لست «3» فاعلا لقومك شيئا مما سألوك فأرنا كرامتك على الله بأمر تعرفه «4» فجر لبني أبيك، ينبوعا بمكة مكان زمزم فقد شق علينا الميح أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ يعني بستانا مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً- 91- يقول تجري العيون في وسط النخيل والأعناب والشجر أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا- 92- أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ
__________
(1) فى أ: تسير، ل: سير.
(2) فى أ: بن أمية، ل: بن أبى أمية.
(3) لست: من ل، وليست فى ا.
(4) فى ل: بأمر نعرفه، ا: بأمر نعرفه.(2/549)
يعني من ذهب فإن لم تستطع شيئا من هذا فأسقط السماء كما زعمت «1» علينا كسفا يعني جانبا من السماء كما زعمت فى سورة سبأ: إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً يعني جانبا مِنَ السَّماءِ «2» ، ثم قال: والذي يحلف به عبد الله لا أصدقك ولا أؤمن بك حتى تسند سلما فترقى فيها «3» إلى السماء وأنا أنظر إليك فتأتي بكتاب من عند الله- عز وجل- بأنك رسوله أو يأمرنا باتباعك وتجيء الملائكة يشهدون أن الله كتبه «4» . ثم قال:
والله ما أدري إن فعلت ذلك أؤمن بك أم لا «5» . فذلك قوله سبحانه: «أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ» معاينة فيخبرنا أنك نبي رسول أو تأتي وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا يعني كفيلا يشهدون بأنك رسول الله- عز وجل-، فذلك قوله: «أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى» «6» تُنَزِّلَ «7» عَلَيْنا يعني من السماء كِتاباً نَقْرَؤُهُ من الله- عز وجل- بأنك رسوله خاصة، فأنزل الله- تعالى قُلْ لكفار مكة سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا- 93- نزه نفسه- جل جلاله- عن تكذيبهم إياه لقولهم لم يبعث محمدا- صلى الله عليه وسلم- رسولا، يقول ما أنا إلا رسول من البشر وَما مَنَعَ النَّاسَ يعني رءوس كفار مكة أَنْ يُؤْمِنُوا يعني أن يصدقوا بالقرآن إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى
__________
(1) كما زعمت: من ل، وليست: فى ا.
(2) سورة سبأ: 9.
(3) فى أ، ل: فيها، والأنسب: فيه.
(4) من ل، وفى ا: أن كتبه الله.
(5) أم لا: ساقطة من أ، وهي من ل.
(6) ما بين القوسين « ... » : ساقط من: ا، ل، وترتيب الآيات مضطرب فيهما فكلاهما قدمت جزءا من 93 على 92. [.....]
(7) فى أ: «أو تنزل علينا» .(2/550)
يعني البيان وهو القرآن لأن القرآن هدى من الضلالة إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا- 94- نزلت فى المستهزئين والمطعمين ببدر فأنزل- تبارك وتعالى- قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ يعني مقيمين بها، مثل قوله- سبحانه- في النساء: فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ يقول فإذا أقمتم فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ «1» . لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا- 95- قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ يقول فلا أحد أفضل من الله شاهدا بأني رسول الله إليكم إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً- 96- حين اختص محمدا- صلى الله عليه وسلم- بالرسالة وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ لدينه فَهُوَ الْمُهْتَدِ «2» وَمَنْ يُضْلِلْ عن دينه فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ يعنى أصحابا من دون الله [220 ب] يهدونهم إلى الإسلام من الضلالة وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ بعد الحساب عَلى وُجُوهِهِمْ
قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: «كيف يمشون على وجوههم؟ قال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم-: من أمشاهم على أقدامهم؟ قالوا: الله أمشاهم. قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: فإن الذي أمشاهم على أقدامهم هو الذي يمشيهم على وجوههم،
ثم قال- سبحانه: عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا وذلك إذا قيل لهم اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ «3» فصاروا فيها «4» عميا لا يبصرون أبدا، وصما لا يسمعون أبدا، ثم قال: مَأْواهُمْ يعني مصيرهم جَهَنَّمُ، قوله سبحانه:
__________
(1) سورة النساء: 103
(2) فى أ: المهتدى.
(3) سورة المؤمنون: 108.
(4) فى أ: فيه، ل: فيها.(2/551)
كُلَّما خَبَتْ وذلك إذا أكلتهم النار فلم يبق منهم غير العظام وصاروا فحما سكنت النار هو الخبت «1» زِدْناهُمْ سَعِيراً- 97- وذلك أن النار إذا أكلتهم بدلوا جلودا غيرها جددا «في «2» » النار، فتسعر عليهم، فذلك قوله- سبحانه-:
«زِدْناهُمْ سَعِيراً» يعنى وقودا فهذا أمرهم أبدا، وذلِكَ العذاب والنار «جَزاؤُهُمْ» «3» بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا يعنى بآيات القرآن وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً يعني ترابا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً
- 98- يعنون البعث سيرة الخلق الأول «4» منهم أبي بن خلف، وأبو الأشدين، يقول الله ليعتبروا: أَوَلَمْ يَرَوْا يقول أو لم يعلموا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ يعني مثل خلقهم في الآخرة. يقول لأنهم مقرون بأن الله خلقهم وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ «5» . ولا يقدرون أن يقولوا غير ذلك وهم مع «6» ذلك يعبدون غير الله- عز وجل- كما خلقهم في الدنيا، فخلق السموات والأرض أعظم وأكبر من خلق الإنسان لأنهم مقرون بأن الله خلقهم وخلق السموات والأرض وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا مسمى يبعثون فيه لا رَيْبَ فِيهِ يعني لا شك فيه في البعث أنه كائن فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً- 99- يعنى إلا كفرا بالبعث يعنى مشركي
__________
(1) الأنسب: وهو الخبت.
(2) فى أ، ل: جدد النار، فجعلتها جددا فى النار.
(3) جزاؤهم: ساقطة من أ، ل.
(4) هكذا فى أ، ل.
(5) سورة لقمان: 25.
(6) فى أ، ل: فى، وقد جعلتها: مع.(2/552)
مكة قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي يعني مفاتيح الرزق يعني مقاليد السموات يقول لو كان الرزق بأيديكم وكنتم تقسمونه إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ لأمسكتموه مخافة الفقر والفاقة وَكانَ الْإِنْسانُ يعني الكافر قَتُوراً- 100- يعني بخيلا ممسكا عن نفسه وَلَقَدْ آتَيْنا يعني أعطينا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ يعني واضحات اليد، والعصا بالأرض المقدسة وسبع آيات بأرض مصر الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والسنين والطمس على الدنانير، والدراهم، أولها العصا وآخرها الطمس فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ عن ذلك إِذْ جاءَهُمْ موسى بالهدى فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ [221 أ] يقول إنى لأحسبك يا مُوسى مَسْحُوراً- 101- يعني مغلوبا على عقله قالَ موسى لفرعون: لَقَدْ عَلِمْتَ يا فرعون مَا أَنْزَلَ هؤُلاءِ هؤلاء الآيات التسع إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ يعني تبصره وتذكرة ولن يقدر أحد على أن يأتى أحد بآية واحدة مثل هذه وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يعني لأحسبك يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً- 102- يعني ملعونا اسمه فيطوس فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ يعني أن يخرجهم من أرض مصر مثل قوله سبحانه: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها «1» يعني أرض المدينة فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً- 103- من الجنود وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ يعني من بعد فرعون لِبَنِي إِسْرائِيلَ وهم سبعون ألفا من وراء نهر الصين معهم التوراة اسْكُنُوا الْأَرْضَ وذلك من بعد موسى ومن بعد «2» يوشع
__________
(1) سورة الإسراء: 76.
(2) فى ل: ومن بعد، ا: وبعد.(2/553)
ابن نون فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ يعني ميقات الآخرة يعني يوم القيامة جِئْنا بِكُمْ وبقوم موسى لَفِيفاً- 104- يعني جميعا فهم وراء الصين «1» فساروا من بيت المقدس في سنة ونصف سنة ستة آلاف فرسخ وبينهم وبين الناس نهر من رمل يجري اسمه أردف، يجمد كل سبت وذلك أن بني إسرائيل قتلوا الأنبياء وعبدوا الأوثان، فقال المؤمنون منهم: اللهم «2» فرق بيننا وبينهم فضرب الله- عز وجل- سربا في الأرض من بيت المقدس إلى وراء «3» الصين فجعلوا يسيرون فيه يفتح أمامهم ويسد خلفهم وجعل لهم عمودا من نار فأنزل الله- عز وجل- عليهم المن والسلوى كل ذلك في المسير وهم الذين ذكرهم «4» الله- عز وجل- في الأعراف: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ «5» فلما أسرى بالنبي- صلى الله عليه وسلم- تلك الليلة أتاهم فعلمهم الأذان والصلاة وسورا من القرآن فأسلموا فهم القوم المؤمنون ليست لهم ذنوب وهم يجامعون نساءهم بالليل وأتاهم جبريل- عليه السلام- مع النبي- صلى الله عليه وسلم- فسلموا عليه قبل أن يسلم عليهم، فقالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: لولا الخطايا التي في أمتك لصافحتهم الملائكة وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ لما كذب كفار مكة يقول الله- تبارك وتعالى-: وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ من اللوح المحفوظ يعني القرآن على محمد- صلى الله عليه وسلم- وَبِالْحَقِّ نَزَلَ به جبريل- عليه السلام- لم ينزله باطلا لغير شيء وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً بالجنة وَنَذِيراً
__________
(1) فى أ، ل: الصين. [.....]
(2) فى أ: الله، ل: اللهم.
(3) فى أ، ل: وراء، والأنسب: ما وراء.
(4) فى أ: ذكر.
(5) سورة الأعراف: 159.(2/554)
- 105- من النار وَقُرْآناً فَرَقْناهُ يعني قطعناه يعني فرقناه بين أوله وآخره عشرون سنة تترى «1» لم ننزله جملة واحدة مثلها فى الفرقان [221 ب] لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً «2» ل كي لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ يعني على ترتيل للحفظة وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا- 106- في ترسل آيات ثم بعد آيات «3» يعني القرآن قُلْ لكفار مكة: آمِنُوا بِهِ يعني القرآن أَوْ لا تُؤْمِنُوا يقول صدقوا بالقرآن أو لا تصدقوا به إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ بالتوراة مِنْ قَبْلِهِ يعني من قبل هذا القرآن إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يعني القرآن يعني عبد الله بن سلام وأصحابه يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يعنى يقعون لوجوههم سُجَّداً- 107- وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا الذي أنزله يعني القرآن أنه من الله- عز وجل- إِنْ كانَ يعني لقد كان «4» وَعْدُ رَبِّنا في التوراة لَمَفْعُولًا- 108- أنه «5» منزله على محمد- صلى الله عليه وسلم- فكان فاعلا «6» وَيَخِرُّونَ يعني ويقعون «لِلْأَذْقانِ» «7» لوجوههم سجدا يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً- 109- يقول يزيدهم القرآن تواضعا، لما في القرآن من الوعد والوعيد قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ وذلك أن رجلا من المسلمين دعا الله- عز وجل- ودعا الرحمن في صلاته فقال أبو جهل بن هشام: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا فما بال هذا يدعو ربين اثنين أو لستم تعلمون أن الله اسم، والرحمن اسم. قالوا:
بلى، فأنزل الله- تبارك وتعالى قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ
فدعا النبي-
__________
(1) فى أ: تعرى، ل تترى.
(2) سورة الفرقان: 32.
(3) من ل، وفى أ: آيات ثم آيات.
(4) من أ، وفى ل: لو كان.
(5) من ا، وفى ل: أنه له.
(6) السطور السابقة مضطربة فى: ل، وهي من اوحدها.
(7) «للأذقان» : ساقطة من أ، ل، وهي فى حاشية ا.(2/555)
صلى الله عليه وسلم- الرجل فقال: يا فلان ادع الله أو ادع الرحمن ورغم لآناف «1» المشركين
أَيًّا «2» ما تَدْعُوا يقول فأيهما تدعو فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يعني الأسماء الحسنى التي في آخر الحشر وسائر ما فى القرآن وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان بمكة يصلي إلى جانب دار أبي سفيان «3» عند الصفا فجهر بالقرآن في صلاة الغداة فقال أبو جهل: لم تفتري على الله، فإذا سمع ذلك منه خفض صوته فلا يسمع أصحابه القرآن. فقال أبو جهل:
ألم تروا يا معشر قريش، ما فعلت بابن أبي كبشة حتى خفض صوته فأنزل الله- تعالى ذكره-: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ يعنى بقراءتك فى صلاتك فيسمع المشركون فيؤذوك «4» وَلا تُخافِتْ بِها يقول ولا تسر بها يعني بالقرآن فلا يسمع أصحابك وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا- 110- يعني مسلكا يعني بين الخفض والرفع وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وذلك أن اليهود قالوا عزير ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله، وقالت العرب إن لله- عز وجل- شريكا من الملائكة فأكذبهم الله- عز وجل- فيها فنزه نفسه- تبارك وتعالى- مما قالوا فأنزل الله جل جلاله: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي علمك هذه الآية الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً عزيرا وعيسى وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ من الملائكة فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ يعني صاحبا ينتصر به مِنَ الذُّلِّ كما يلتمس الناس النصر إن فاجأهم أمر يكرهونه وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً- 111- يقول وعظمه يا محمد تعظيما فإنه من قال إن لله- عز وجل- ولدا أو شريكا لم يعظمه. يقول: نزهه عن هذه الخصال التي قالت النصارى واليهود والعرب «5» .
__________
(1) فى أ: لأنف، ل: لآناف.
(2) فى أ: «فأيما» .
(3) هكذا فى: أ، ل. [.....]
(4) فى أ: فيؤذوك، ل: فيؤذونك.
(5) النصارى واليهود والعرب: ساقطة من أ، وهي من ل.(2/556)
سورة الكهف(2/557)
[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 110]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (4)
مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (5) فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6) إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7) وَإِنَّا لَجاعِلُونَ مَا عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (8) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (9)
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (10) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (11) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (13) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (14)
هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (15) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (18) وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (19)
إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (20) وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (21) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (22) وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (24)
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26) وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (29)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (33) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَراً (34)
وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (35) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (36) قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38) وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَداً (39)
فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (40) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى مَا أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً (43) هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (44)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (45) الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (46) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (47) وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (48) وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49)
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (50) مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (51) وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (53) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (54)
وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (55) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (56) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (58) وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (59)
وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (60) فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (61) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هَذَا نَصَباً (62) قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (63) قالَ ذلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (64)
فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (65) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69)
قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (70) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (71) قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (72) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (73) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (74)
قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (75) قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (76) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (77) قالَ هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (79)
وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82) وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (84)
فَأَتْبَعَ سَبَباً (85) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (86) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (89)
حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (90) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (92) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (93) قالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
قالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ نَارًا قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (96) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (97) قالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (99)
وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (100) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104)
أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (105) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (106) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (107) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (108) قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (109)
قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)(2/559)
سورة الكهف «1» مكية كلها وفيها من المدني قوله تعالى: من أولها إلى قوله: ... أَحْسَنُ عَمَلًا «2» .
عددها مائة وعشر آيات «3» .
__________
(1) المقصود الإجمالى لسورة الكهف مقصود سورة الكهف ما يأتى:
بيان نزول القرآن على سنن السداد، وتسلية النبي- صلى الله عليه وسلم- فى تأخر الكفار عن الإيمان، وبيان عجائب حديث الكهف، وأمر النبي- صلى الله عليه وسلم- بالصبر على الفقراء وتهديد الكفار بالعذاب، والبلاء، ووعد المؤمنين بحسن الثواب، وتمثيل الدنيا بماء السماء ونبات الأرض، وبيان أن الباقي من الدنيا طاعة الله فقط، وذكر أحوال القيامة وقراءة الكتب، وعرض الخلق على الحق، وإباء إبليس من السجود، وذل الكفار ساعة دخولهم النار، وجدال أهل الباطل مع المحقين الأبرار، والتخويف بإهلاك الأمم الماضية وإذلالهم، وحديث موسى، ويوشع، والخضر، وعجائب أحوالهم، وقصة ذى القرنين، وإتيانه إلى المشرقين والمغربين، وبنائه لسد يأجوج، ومأجوج، وما يتفق لهم آخر الزمان من الخروج. وذكر رحمة أهل القيامة، وضياع عمل الكفار، وثمرات مساعى المؤمنين الأبرار، وبيان أن كلمات القرآن بحور علم لا نهاية لها ولا غاية لأمدها، والأمر بالإخلاص فى العمل الصالح أبدا فى قوله: فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً.
(2) من أول السورة إلى غاية الآية السابعة أى 7 آيات من أول السورة مدنية والباقي مكي.
فى نسخة (ل) كوبريلى: «وفيها من المدني» أولها إلى قوله: ... إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها ... (الآية 7) .
وقوله ... ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ ... إلى آخر الآية (آية 5) .
وقوله: إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ... إلى آخر الآية (آية 30) .
هذه الآيات مدنيات.
وفى المصحف المتداول بأيدينا: «سورة الكهف مكية إلا آية 38، ومن آية 83 إلى غاية 101 فمدنية وآياتها 110 نزلت بعد الغاشية» .
وفى بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي: (سورة الكهف مكية بالاتفاق) ، والمختلف فيها- أى بين مكية ومدنية- إحدى عشرة آية هي:
الآية 13، 22، 23، 32، 35، 84، 85، 86، 89، 92، 103.
(3) من: أ، وهي: ساقطة من ل، وهي فى أ: مائة وعشرة آيات.(2/571)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وذلك أن اليهود قالوا: يزعم محمد «1» أنه لا ينزل عليه الكتاب مختلفا فإن كان صادقا بأنه من الله- عز وجل- «فلم يأت به مختلفا» «2» «فإن التوراة نزلت كل فصل على ناحية» «3» فأنزل الله في قولهم «4» «الْحَمْدُ لِلَّهِ» الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ يعنى القرآن وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً- 1- يعني مختلفا، أنزله قَيِّماً مستقيما لِيُنْذِرَ محمد- صلى الله عليه وسلم- بما في القرآن بَأْساً يعنى عذابا شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ يعني من عنده،
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لليهود: أدعوكم إلى الله- عز وجل- وأنذركم بأسه فإن تتوبوا يكفر عنكم سيئاتكم، ويؤتكم أجوركم مرتين.
فقال كعب ابن الأشرف، وكعب بن أسيد، وحيي بن أخطب، وفنحاص اليهودي، من أهل قينقاع: أليس عزير ولد الله فأدعوه ولدا لله؟
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: أعوذ بالله أن أدعو لله- تبارك وتعالى- ولدا.
ولكن عزير عبد الله داخر: يعني صاغرا «5» ، قالوا فإنا «6» نجده في كتابنا وحدثتنا به آباؤنا، فاعتزلهم النبي
__________
(1) فى أ: محمد- صلى الله عليه وسلم-، ل: محمد.
(2) زيادة اقتضاها السياق، فإن جواب الشرط.
(3) ما بين القوسين « ... » من ل، وليس فى ا.
(4) قولهم: من ل، وليست فى ا.
(5) صاغرا: من ل، وفى أ: ولكن عزير عبد الله داخرا صاغرا.
(6) فى أ: فإنه، ل: فإنا.(2/572)
- صلى الله عليه وسلم- حزينا، فقال أبو بكر، وعمر، وعثمان بن مظعون، وزيد بن حارثة، رضي الله عنهم، للنبي- صلى الله عليه وسلم-: لا يحزنك قولهم وكفرهم، إن الله معنا فأنزل الله- عز وجل- وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ بثواب ما في القرآن يعني هؤلاء النفر الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً- 2- يعني جزاء كريما يعني الجنة ماكِثِينَ فِيهِ يعني الجزاء في الجنة يقول مقيمين فيها أَبَداً- 3- ثم ذكر اليهود فقال: وَيُنْذِرَ محمد- صلى الله عليه وسلم- الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً- 4- يعنون عزيرا «1» يقول الله- تبارك وتعالى-: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ لقولهم نجده في كتابنا، وحدثتنا به آباؤنا، قال الله- تعالى: كَبُرَتْ يعني عظمت كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يعنى ما يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً- 5- لقولهم عزيز ابن الله- عز وجل- ثم قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-[222 ب] حين أحزنه قولهم، قال- سبحانه-: فَلَعَلَّكَ يعني فعساك باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ يعني قاتلا نفسك على آثارهم يعني عليهم أسفا يعنى حزنا نظيرها فى الشعراء فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ «2» يقول قاتل نفسك حزنا في التقديم: إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ يعني لم يصدقوا بالقرآن أَسَفاً- 6- إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ من النبت عاما «3» بعام زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ يعني لنختبرهم أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا- 7- وَإِنَّا لَجاعِلُونَ في الآخرة مَا عَلَيْها يعني ما على الأرض من شيء صَعِيداً يعنى مستويا
__________
(1) فى أ: عزير، ل: عزيرا.
(2) سورة الشعراء: 3.
(3) فى أ: عام، ل: عاما. [.....](2/573)
جُرُزاً- 8- يعني ملساء ليس عليها جبل ولا نبت كما خلقت أول مرة أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ والكهف نقب «1» يكون في الجبل كهيئة الغار واسمه بانجلوس وَالرَّقِيمِ «2» كتاب كتبه رجلان قاضيان صالحان أحدهما ماتوس، والآخر أسطوس كانا يكتمان إيمانهما وكانا في منزل دقيوس الجبار وهو الملك الذي فر منه الفتية وكتبا أمر الفتية في لوح من رصاص ثم جعلاه في تابوت من نحاس ثم جعلاه في البناء الذي سدوا به باب الكهف، فقالا: لعل الله- عز وجل- أن يطلع على هؤلاء الفتية ليعلموا إذا قرءوا الكتاب، قال- سبحانه: كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً- 9- يقول- سبحانه- أوحينا إليك من أمر الأمم الخالية، وعلمناك «3» من أمر الخلق، وأمر ما كان وأمر ما يكون قبل أصحاب الكهف، فهو أعجب من أصحاب الكهف وليس أصحاب الكهف بأعجب مما أوحينا إليك «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ» يعني بالرقيم الكتاب الذي كتبه القاضيان مثل قوله- عز وجل-: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ، وَما أَدْراكَ مَا سِجِّينٌ، كِتابٌ مَرْقُومٌ «4» يعني كتاب مكتوب كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً يخبره به. وذلك أن أبا جهل قال لقريش:
ابعثوا نفرا منكم إلى يهود يثرب فيسألونهم عن صاحبكم أنبي هو أم كذاب؟ فإنا نرى أن ننصرف عنه فبعثوا خمسة نفر منهم النضر بن الحارث، عقبة بن أبي معيط: فلما قدموا المدينة، قالوا لليهود: أتيناكم لأمر حدث فينا لا يزداد
__________
(1) فى أ: نقب، وفى ل: بدون إعجام فتحتمل: نقب أو ثقب.
(2) فى أ: كتابا، ل: كتاب.
(3) فى أ: وعلمناكه.
(4) سورة المطففين الآيات 7، 8، 9.(2/574)
إلا نماء، وإنا له كارهون، وقد خفنا أن يفسد علينا ديننا، ويلبس علينا أمرنا، وهو حقير فقير يتيم يدعو إلى، الرحمن ولا نعرف الرحمن إلا مسيلمة الكذاب، وقد علمتم أنه لم يأمر قط إلا بالفساد والقتال، ويأتيه بذلك زعم جبريل- عليه السلام- وهو عدولكم، فأخبرونا هل تجدونه في كتابكم؟ قالوا: نجد نعته كما تقولون؟ قالوا: إن في قومه من هو أشرف منه، وأكبر سنا فلا نصدقه.
قالوا: نجد قومه أشد الناس عليه وهذا زمانه الذي يخرج فيه. قالوا: إنما يعلمه الكذاب مسيلمة، فحدثونا بأشياء نسأله «عنها» «1» لا يعلمها مسيلمة ولا يعلمها إلا نبي. قالوا: «سلوه» «2» عن ثلاث خصال، فإن أصابهن فهو نبي، وإلا فهو كذاب، سلوه عن أصحاب الكهف، فقصوا عليهم أمرهم، وسلوه «3» من عن ذي القرنين، فإنه كان ملكا وكان أمره كذا وكذا، وسلوه عن الروح فإن أخبركم عنه بقليل أو كثير فهو كذاب فقصوا عليهم، فرجعوا بذلك وأعجبهم.
فأتوا النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال أبو جهل: يا بن عبد المطلب: إنا سائلوك عن ثلاث خصال، فإن علمتهن فأنت صادق وإلا فأنت كاذب فذر ذكر آلهتنا. فَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا هن «4» سلوني عما شئتم، قالوا نسألك عن أصحاب الكهف فقد أخبرنا عنهم، ونسألك عن ذي القرنين فقد أخبرنا عنه بالعجب، ونسألك عن الروح فقد ذكر لنا من أمره عجب، فإن علمتهن فأنت معذور، وإن جهلتهن فأنت مغرور مسحور. فقال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم
__________
(1) عنها: من ل، وليست فى ا.
(2) سلوه: من ل، وليست فى ا.
(3) فى ا: وسألوا: وفى ل: وسلوه.
(4) فى أ: ما هو، ل: ما هن.(2/575)
- ارجعوا إلي غدا أخبركم، ولم يستثن «1» فمكث النبي- صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أيام، ثم أتاه جبرئيل- عليه السلام-، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: يا جبريل، إن القوم سألوني عن ثلاث خصال. فقال جبريل- عليه السلام- بهن أتيتك، إن الله- عز وجل- يقول: «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً»
ثم أخبر عنهم فقال- سبحانه-:
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً من عندك رحمة يعني رزقا وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً- 10- يعني تيسيرا فيها تقديم فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ رقودا فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً- 11- يعنى ثلاثمائة سنة وتسع سنين ثُمَّ بَعَثْناهُمْ من بعد نومهم «لِنَعْلَمَ» «2» أَيُّ الْحِزْبَيْنِ يعني لنرى مؤمنهم ومشركهم أَحْصى لِما لَبِثُوا في رقودهم أَمَداً- 12- يعني أجلا فكان مؤمنوهم «3» الذين كتبوا أمر الفتية هم أعلم بما لبثوا من كفارهم، فلما بعثوا يعني الفتية من نومهم أتوا القرية فأسلم أهل القرية كلهم نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ يعني صدقوا بتوحيد ربهم وَزِدْناهُمْ هُدىً- 13- حين فارقوا قومهم وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ بالإيمان إِذْ قامُوا على أرجلهم قياما فَقالُوا رَبُّنا هو رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا يعنى لن نعبد مِنْ دُونِهِ إِلهاً يعني ربا غير الله- عز وجل- كفعل قومنا ولئن فعلنا [223 ب] لَقَدْ قُلْنا إِذاً على الله شَطَطاً- 14- يعنى جورا نظيرها
__________
(1) أى لم يقل إن شاء الله، أو إلا أن يشاء الله.
(2) فى أ: لنعلم.
(3) فى أ: مؤمنوهم، ل: مؤمنيهم.(2/576)
فى ص وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا «1» وفى سورة الجن وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً «2» ، ثم قال- سبحانه-: هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً يعبدونها لَوْلا يعني هلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ يعني على الآلهة بحجة بينة بأنها آلهة فَمَنْ يعني فلا أحد أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً- 15- بأن معه آلهة، ثم قال الفتية بعضهم لبعض: وَإِذِ «3» اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَاعتزلتم ما يَعْبُدُونَ من دون الله من الآلهة، ثم استثنوا فقالوا: إِلَّا اللَّهَ فلا تعتزلوا معرفته لأنهم عرفوا أن الله- تعالى- ربهم، وهو خلقهم وخلق الأشياء كلها، ثم قال بعضهم لبعض: فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يعني انتهوا إلى الكهف، كقوله سبحانه: إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ «4» يَنْشُرْ لَكُمْ يعني يبسط لكم رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ رزقا وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً- 16- يعنى ما يرفق بكم فهيأ «5» الله «6» لكم «7» الرقود في الغار فكان هذا من قول الفتية، يقول الله- تبارك وتعالى-: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ يعني تميل عن كهفهم فتدعهم ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ الشمس تَقْرِضُهُمْ يعنى
__________
(1) سورة ص: 22.
(2) سورة الجن: 4.
(3) فى أ: وإذا. [.....]
(4) سورة الكهف: 63.
(5) فى أ: فيها، ل: فهيأ.
(6) فى أ: الله- عز وجل-، وفى ل: الله.
(7) فى أ: لهم، ل: لكم.(2/577)
تدعهم ذاتَ الشِّمالِ «1» وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ يعني في زاوية «2» من الكهف ذلِكَ يعني هذا الذي ذكر من أمر الفتية مِنْ آياتِ اللَّهِ يعني من علامات الله وصنعه مَنْ يَهْدِ اللَّهُ لدينه فَهُوَ الْمُهْتَدِ «3» وَمَنْ يُضْلِلْ عن دينه الإسلام فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا يعني صاحبا مُرْشِداً- 17- يعني يرشده إلى الهدى لأن وليه مثله في الضلالة وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً حين يقلبون «4» وأعينهم مفتحة.
حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، قال: حدثنا أبي عن الْهُذَيْلِ، قال: قال مُقَاتِلُ عن الضحاك: كان يقلبهم جبريل- عليه السلام- كل عام مرتين، لئلا تأكل الأرض لحومهم، وَهُمْ رُقُودٌ يعني نيام وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ على جنوبهم وهم وقود لا يشعرون وَكَلْبُهُمْ اسمه قمطير باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ يعني الفضاء الذي على باب الكهف وكان الكلب لمكسلمينا، وكان راعي غنم، فبسط الكلب ذراعيه على باب الكهف ليحرسهم وأنام الله- عز وجل- الكلب في تلك السنين كما أنام الفتية. يقول للنبي- صلى الله عليه وسلم-: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ حين نقلبهم لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً- 18- وَكَذلِكَ يعني وهكذا بَعَثْناهُمْ من نومهم فقاموا لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ [224 أ] ف قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ
__________
(1) من ل، وفى ا: «تَقْرِضُهُمْ ذاتَ» يعنى تدعهم «الشمال» .
(2) فى أ: زاوية، وفى حاشية أ: فى الأصل رابعة، وفى ل: رابعة.
أقول: وقد تكون محرفة عن زاوية.
(3) فى أ: المهتدى.
(4) من ل، وفى أ: يعنى «يقلبون» بدون إعجام وهي أشبه ب يقلبون.(2/578)
وهو مكسلمينا وهو أكبرهم سنا كَمْ لَبِثْتُمْ رقودا قالُوا لَبِثْنا يَوْماً وكانوا دخلوا الغار غدوة وبعثوا من آخر النهار، فمن ثم قالوا: أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا يعني الأكبر وهو مكسلمينا وحده رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ في رقودكم منكم فردوا العلم إلى الله- عز وجل-، ثم قال مكسلمينا: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ يعني الدراهم هذِهِ التي معكم إِلَى الْمَدِينَةِ فبعثوا يمليخا فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً يعني أطيب طعاما فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ يعني «وليترفق حتى لا يفطن «1» له» وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً- 19- يعني ولا يعلمن بمكانكم أحدا من الناس إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ يعنى يقتلوكم أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ يعني في دينهم الكفر وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً- 20- «كان هذا» «2» من قول مكسلمينا يقوله «3» للفتية، فلما ذهب يمليخا إلى القرية أنكروا دراهم دقيوس الجبار، الذي فر «4» منه الفتية، فلما رأوا ذلك قالوا هذا رجل وجد كنزا فلما خاف أن يعذب أخبرهم «5» بأمر الفتية فانطلقوا معه إلى الكهف فلما انتهى يمليخا إلى الكهف ودخل سد الله- عز وجل- باب الكهف عليهم فلم يخلص إليهم أحد وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا يقول وهكذا أطلعنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا يعني ليعلم كفارهم ومكذبوهم بالبعث إذا نظروا إليهم «6»
__________
(1) فى أ: وليترفق لا يفطن له، ل: وليترفق لا يفطن له.
(2) كان هذا: من ل، وهي ساقطة من ا.
(3) فى أ: لقوله. وفى حاشية أ: يقوله محمد. وفى ل: يقوله.
(4) فى أ: فروا.
(5) فى ا. أمرهم، ل: أخبرهم.
(6) فى أ: فنظروا إليهم، ل: إذا نظروا إليهم. [.....](2/579)
أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فى البعث أنه كائن وَليعلموا أَنَّ السَّاعَةَ آتية يعني قائمة لا رَيْبَ فِيها يعني لا شك فيها. في القيامة بأنها كائنة إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ يعنى إذ يخلفون في القول في أمرهم فكان التنازع بينهم أن قالوا: كيف نصنع بالفتية؟ قال بعضهم:
«نبني عليهم بنيانا وقال بعضهم» «1» وهم المؤمنون: «قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ» «2» لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً- 21- فبنوا مسجدا على باب الكهف «3» .
سَيَقُولُونَ يعني نصارى نجران: الفتية ثَلاثَةٌ نفر رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ يقول الله- عز وجل-: رَجْماً بِالْغَيْبِ يعني قذفا بالظن لا يستيقنونه وَيَقُولُونَ هم سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ وإنما صاروا بالواو واو لأنه انقطع الكلام. «قال أبو العباس ثعلب» «4» :
ألفوا هذه الواو الحال، كان المعنى وهذه حالهم عند ذكر الكلب. هذا قول نصارى نجران السيد، والعاقب ومن معهما من المار يعقوبيين وهم حزب النصارى قُلْ للنصارى [224 ب] رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ من غيره مَا يَعْلَمُهُمْ يعني عدتهم ثم استثنى إِلَّا قَلِيلٌ قل ما يعلم عدة الفتية إلا قليل من النسطورية وهم حزب من النصارى «وأما الذين غلبوا على أمرهم
__________
(1) زيادة ليست فى أ، ولا فى ل اقتضاها السياق. وانظر البيضاوي.
(2) ما بين القوسين « ... » ساقطة من أ، ل.
(3) فى ازيادة: ربهم أعلم بهم فى التقديم. وفى البيضاوي: «حكى أن المبعوث لما دخل السوق وأخرج الدراهم وكان عليها اسم دقيانوس» اتهموه بأنه وجد كنزا فذهبوا به إلى الملك وكان نصرانيا موحدا فقص عليه القصص، فقال بعضهم: إن آباءنا أخبرونا أن فتية فروا بدينهم من دقيانوس فلعل هؤلاء منهم فانطلق الملك وأهل المدينة من مؤمن وكافر فأبصروهم وكلموهم، ثم ماتوا فدفنهم الملك فى الكهف: 289.
(4) فى الأصل: «قال أبو العباس ثعلب قال» .(2/580)
فهم المؤمنون» «1» الذين كانوا يقولون ابنوا عليهم بنيانا بنداسيس الصلح ومن معه «فَلا تُمارِ فِيهِمْ» «2» يعني لا تمار يا محمد النصارى في أمر الفتية إِلَّا مِراءً ظاهِراً يعني حقا بما في القرآن، يقول- سبحانه- حسبك بما قصصنا عليك من أمرهم. وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ «مِنْهُمْ» «3» أَحَداً- 22- يقول ولا تسأل عن أمر الفتية أحدا من النصارى وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً- 23- إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وذلك حين سأل أبو جهل وأصحابه عن أصحاب الكهف
فقال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم-: ارجعوا إلي غدا حتى أخبركم ولم يستثن فأنزل الله- عز وجل- وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ
وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ يقول إذا ذكرت الاستثناء فاستثن يقول الله قل إِنْ شاءَ اللَّهُ قبل أن ينزل الوحي إليك في أصحاب الكهف وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ «4» رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً- 24-
لقول النبي- صلى الله عليه وسلم- لهم ارجعوا إلي غدا حتى أخبركم عما سألتم فقال- عز وجل- للنبي- صلى الله عليه وسلم-: «وَقُلْ لَهُمْ» «5» عسى أن يرشدني ربي لأسرع من هذا الميعاد رشدا.
ثم قالت النصارى أيضا: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ رقودا «6» ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً- 25- فيها تقديم لا تتغير ألوانهم، ولا أشعارهم،
__________
(1) من ل، وليس فى ا. وفى ل: «وأما الذين عملوا» أهـ. ولفظ القرآن غلبوا ويلاحظ أن هذه الجملة كانت ساقطة من أ، ل فى مكانها، ثم تداركتها ل هنا.
(2) من ل، وفى أ: «فَلا تُمارِ» يا محمد «فيهم» .
(3) «منهم» : ساقط من الأصل.
(4) فى أ: يهديني.
(5) «وَقُلْ لَهُمْ» : من ل، وليست فى ا.
(6) فى ل: رقود، وليست فى ا.(2/581)
ولا ثيابهم. قُلِ لنصارى نجران: يا محمد اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا فى رقودهم لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني ما يكون في السموات والأرض أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ يقول لا أحد أبصر من الله- عز وجل- بما لبثوا في رقودهم ولا أحد أسمع مَا لَهُمْ يعني النصارى مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ يعني قريبا ينفعهم وَلا يُشْرِكُ الله فِي حُكْمِهِ أَحَداً- 26- وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ
يقول أخبر كفار مكة الذين سألوا عن أصحاب الكهف بما «1» أوحينا إليك من أمرهم لا تنقص ولا تزيد لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ يقول لا تحويل لقوله لأن قوله- تعالى ذكره- حق ثم حذر الله- عز وجل- نبيه- صلى الله عليه وسلم- إن زاد أو نقص، ثم قال- سبحانه: وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً- 27- يعني مدخلا «2» يقول لا تقل «3» في أصحاب الكهف إلا ما قد قيل لك فإن فعلت فإنك لن تجد من دون الله- عز وجل- ملجأ تلجأ إليه ليمتعك منا وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ يعني يعبدون ربهم يعني بالصلاة له بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ طرفي النهار يُرِيدُونَ وَجْهَهُ يعني يبتغون بصلاتهم وصومهم وجه ربهم وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا نزلت فى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو الفزاري وذلك أنه دخل على النبي- صلى الله عليه وسلم- وعنده الموالي وفقراء العرب منهم بلال بن رباح المؤذن، وعمار بن ياسر، وصهيب بن سنان، وخباب
__________
(1) فى أ: مما.
(2) فى أ: مدخلا، ل: مرحلا.
(3) فى أ، ل: لا تقول، والصواب: لا تقل.(2/582)
ابن الأرت، وعامر بن فهيرة، ومهجع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب، - وهو أول شهيد قتل يوم بدر- رضي الله عنهم-، وأيمن بن أم أيمن.
ومن العرب أبو هريرة الدوسي، وعبد الله بن مسعود الهذلي، وغيرهم وكان على بعضهم شملة قد عرق فيها فقال عيينة بن حصن للنبي- صلى الله عليه وسلم: إن لنا شرفا وحسبا، فإذا دخلنا عليك فاعرف لنا ذلك، فأخرج هذا وضرباءه «1» عنا فو الله إنه ليؤذينا ريحه يعني جبته «2» آنفا، فإذا خرجنا من عندك فأذن لهم إن بدا لك أن يدخلوا عليك، «فاجعل لنا مجلسا ولهم مجلس» «3» .
فأنزل الله- عز وجل-: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا يعني القرآن وَاتَّبَعَ هَواهُ يعني وآثر هواه وَكانَ أَمْرُهُ الذي يذكر من شرفه وحسبه فُرُطاً- 28- يعني ضائعا في القيامة مثل قوله ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ «4» يعني ما ضيعنا وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ يعني القرآن فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ هذا وعيد نظيرها في حم السجدة اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ «5» يعني من شاء فليصدق بالقرآن ومن شاء فليكفر بما فيه ثم ذكر مصير الكافر والمؤمن فقال: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وذلك أنه يخرج عنق من النار فيحيط بهم، فذلك
__________
(1) فى أ: وضرباه ومن شأنه أن يحذف الهمزة تخفيفا، وفى ل: وضرباه، أيضا وكثيرا بل هائما ما تحذف الهمزة منهما فى مثل هذا الموضع. [.....]
(2) هكذا فى: ا، ل والمعنى ريح جبته.
(3) «فاجعل لنا مجلسا ولهم مجلس» : من ل، وفى أ: «واجعل لنا مجلسا» .
(4) سورة الأنعام: 38.
(5) سورة فصلت: 45.(2/583)
السرادق، ثم قال- سبحانه: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يقول أسود غليظ كدردي الزيت يَشْوِي الْوُجُوهَ وذلك أنه إذا دنا من فيه اشتوى وجهه من شدة حر الشراب، ثم قال- سبحانه: بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً- 29- يقول وبئس المنزل، ثم ذكر مصير المؤمنين فقال- سبحانه [225 ب] : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا- 30- يقول لا نضيع أجر من أحسن العمل ولكنا نجزيه بإحسانه أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يقول تجري الأنهار من تحت البساتين يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وأساور من لؤلؤ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ يعني الديباج بلغة فارس مُتَّكِئِينَ فِيها في الجنة عَلَى الْأَرائِكِ يعني الحجال مضروبة على السرر نِعْمَ الثَّوابُ الجنة يثني عليها عمل الأبرار «1» وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً- 31- فيها تقديم يقول إنا لا نضيع عمل الأبرار لا تضيع جزاء من أحسن عملا.
وَاضْرِبْ لَهُمْ يعني وصف لهم يعني لأهل مكة مَثَلًا يعني شبها رَجُلَيْنِ أحدهما مؤمن واسمه يمليخا، والآخر كافر واسمه فرطس، وهما أخوان من بني إسرائيل مات أبوهما، فورث كل واحد منهما عن أبيه أربعة آلاف دينار، فعمد المؤمن فأنفق ماله على الفقراء، واليتامى، والمساكين.
وعمد الكافر فاتخذ المنازل، والحيوان، والبساتين، فذلك قوله سبحانه:
جَعَلْنا لِأَحَدِهِما يعني الكافر جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً- 32- كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها يعنى أعطت ثمراتها
__________
(1) هكذا فى: ا، ل.(2/584)
كلها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً يعني ولم تنقص من الثمر شيئا يعني جمله «1» وافرا نظيرها في البقرة وَما ظَلَمُونا «2» يعنى وما نقصونا وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً- 33- يعني أجرينا النهر وسط الجنتين وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ يقول وكان للكافر مال من الذهب، والفضة وغيرها من أصناف الأموال فلما افتقر المؤمن أتى أخاه الكافر متعرضا لمعروفه فقال له المؤمن: إني أخوك. وهو ضامر البطن رث الثياب.
والكافر ظاهر الدم غليظ الرقبة جيد المركب والكسوة. فقال الكافر للمؤمن:
إن كنت كما تزعم أنك أخي فأين مالك الذي ورثت من أبيك قال أقرضته إلهي الملي الوفي فقدمته لنفسي ولولدي «3» «فقال: وإنك لتصدق أن الله يرد دين العباد» «4» . «هيهات هيهات ضيعت نفسك وأهلكت مالك» «5» ، فذلك قوله سبحانه:
فَقالَ الكافر لِصاحِبِهِ وهو المؤمن «6» وَهُوَ يُحاوِرُهُ يعنى يراجعه بقول:
أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً- 34- يعني وأكثر ولدا وَدَخَلَ الكافر جَنَّتَهُ وهو بستانه وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ مَا أَظُنُّ يعني ما أحسب أَنْ تَبِيدَ يعني أن تهلك هذِهِ الجنة أَبَداً- 35- قال: وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً يعنى القيامة كائنة كما تقول [226 ا] وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي
__________
(1) فى أ: جله، ل: جملة.
(2) سورة البقرة: 57.
(3) من ل، وليست فى ا.
(4) هذه الجملة من أ، وليست فى ل. وهي فى اكما يأتى. «وإنك لا تصدق أن دين الله العباد» . فيها تحريف كما ترى.
(5) من أ، وليست فى ل.
(6) كذا فى: ا، ل، والأنسب: «لِصاحِبِهِ» المؤمن.(2/585)
فى الآخرة لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها يعني أفضل منها من جنتي «1» مُنْقَلَباً- 36- يعني مرجعا فرد عليه: قالَ لَهُ صاحِبُهُ المؤمن وَهُوَ يُحاوِرُهُ يعني يراجعه أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ يعني آدم- عليه السلام- لأن أول خلقه التراب ثم قال: ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ يعني خلقك فجعلك رَجُلًا- 37- لكِنَّا أقول هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً- 38- ثم قال المؤمن للكافر: وَلَوْلا يعني هلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ يعني بستانك قُلْتَ مَا شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ يعني فهلا قلت بمشيئة الله أعطيتها بغير حول مني ولا قوة، ثم قال المؤمن للكافر يرد عليه: إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا «2» وَوَلَداً- 39- فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً يعنى أفضل مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها يعني على جنتك حُسْباناً يعني عذابا مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ جنتك صَعِيداً يعني مستويا ليس فيه شيء زَلَقاً- 40- يعنى أملسا أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً يعني يغور في الأرض فيذهب فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً- 41- يقول فلن تقدر «3» على الماء ثم افترقا فأرسل الله- عز وجل- على جنته بالليل عذابا من السماء فاحترقت وغار ماؤها بقوله وما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا، وَمَا أَظُنُّ الساعة قائمة «4»
__________
(1) فى أ، ل: جنتي. اهـ والله سماها جنتين فى الأول. وسماها جنة باعتبار الجنس، وأعاد الضمير عليها، أى الجنة مفردة حيث قال: «لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها» .
(2) سقط من ل من تفسير هذه الآية إلى آية «وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ» أى من تفسير آية 39 إلى نهاية 57 من سورة الكهف ساقط من ل. من كلمة «مالا» فى آية/ 39 إلى بداية «وَرَبُّكَ الْغَفُورُ» آية/ 57، ممسوح بعضه ومحذوف بعضه.
(3) فى أ: يقدر. [.....]
(4) فى ازيادة: «فلما أصبح» ، وعليها خط يرجح أنه شطب عليها.(2/586)
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ الهلاك «فلما أصبح ورأى جنته هالكة ضرب» «1» بكفه على الأخرى ندامة على ما أنفق فيها، فذلك قوله- سبحانه-: فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ يعني يصفق بكفيه ندامة عَلى مَا أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها يقول ساقطة من فوقها «وَيَقُولُ «2» يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً- 42- يقول الله- تعالى-: وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني جندا يمنعونه من عذاب الله الذي نزل بجنته وَما كانَ مُنْتَصِراً- 43- يعني ممتنعا هُنالِكَ الْوَلايَةُ يعني السلطان ليس في ذلك اليوم سلطان غيره مثل قوله- عز وجل-: وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ «3» ليس في ذلك اليوم أمر إلا لله- عز وجل- والأمر أيضا في الدنيا لكن جعل في الدنيا ملوكا يأمرون، ومن قرأها بفتح الواو جعلها من الموالاة. هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لله يعني البعث الذي كفر به فرطس لِلَّهِ «الْحَقِّ» «4» وحده، لا يملكه أحد «5» ولا ينازعه أحد هُوَ خَيْرٌ ثَواباً يعني أفضل ثوابا وَخَيْرٌ عُقْباً- 44- يعني أفضل عاقبة لهذا المؤمن من عاقبة هذا الكافر الذي جعل مرجعه إلى النار وَاضْرِبْ لَهُمْ لكفار مكة مَثَلَ يعني شبه الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ يعنى بالماء نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ النبت هَشِيماً يعني يابسا تَذْرُوهُ الرِّياحُ يقول-
__________
(1) فى أ: فأصبح ورأى جنته هالكة ضرب.
(2) فى أ: فقال، وفى حاشية أ: ويقول.
(3) سورة الانفطار: 19.
(4) «الحق» : ساقطة من ا.
(5) فى أ: لا يملكه وحده، وعلى كلمة «يملكه» علامة تمريض وكذلك على كلمة «وحده» .(2/587)
- سبحانه- مثل الدنيا كمثل النبت [226 ب] بينما هو أخضر إذ هو قد يبس وهلك فكذلك تهلك الدنيا إذا جاءت الآخرة. وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من البعث وغيره مُقْتَدِراً- 45- الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا يعني حسنها وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ يعني سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خَيْرٌ يعني أفضل عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً في الآخرة وَخَيْرٌ أَمَلًا- 46- يعني وأفضل رجاء مما يرجو الكافر فإن ثواب الكافر من الدنيا النار ومرجعهم «1» إليها.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْهُذَيْلِ، عَنْ مقاتل بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ وَغَيْرِهِ، عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قَالَ: الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ للَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ.
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ من أماكنها وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً من الجبال والبناء والشجر وغيره «وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً» «2» - 47- فلم يبق منهم أحد إلا حشرناه عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا
يعني جميعا نظيرها في طه ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا «3» يعنى جميعاقَدْ جِئْتُمُونا
فرادى ليس معكم من دنياكم شي ءما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
حين ولدوا وليس لهم شي ءلْ زَعَمْتُمْ
فى
__________
(1) هكذا فى أ: أعاد ضمير الجمع على جنس الكافر. وكان الأنسب هنا مرجعه بضمير المفرد، والآيات (39- 57) : ساقطة من ل.
(2) ما بين القوسين « ... » : ساقطة من ا.
(3) سورة طه: 64.(2/588)
الدنيالَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً
- 48- يعني ميقاتا في الآخرة تبعثون فيه وَوُضِعَ الْكِتابُ بما كانوا عملوا في الدنيا بأيديهم «1» فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ من المعاصي وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنا دعوا بالويل ما لِهذَا «2» الْكِتابِ لا يُغادِرُ يعني لا يبقي سيئة صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها يعني إلا أحصى الكتاب السيئات وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا يعني تعجل له عمله كله حاضِراً لا يغادر منه شيئا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً- 49- في عمله الذي عمل حتى يجزيه به وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ يعني وقد قلنا للملائكة اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا ثم استثنى فقال: إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ «3» وهو حي من الملائكة يقال لهم الجن فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ يعني فعصى تكبرا «4» عن أمر ربه حين أمره بالسجود لآدم قال الله- عز وجل-:
أَفَتَتَّخِذُونَهُ يعني إبليس وَذُرِّيَّتَهُ يعنى الشياطين أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي يعني آلهة من دوني وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ يعني إبليس والشياطين لكم معشر بني آدم عدو بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ يعني المشركين بَدَلًا- 50- يقول بئس ما استبدلوا بعبادة الله- عز وجل- عبادة إبليس فبئس البدل هذا مَا أَشْهَدْتُهُمْ يعنى ما أحضرتهم خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ يعني إبليس وذريته ثم قال- تعالى: وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً- 51-
__________
(1) فى أ: فى أيديهم.
(2) فى ل: «ما لهذا» .
(3) فى أ: وهو. وفى كثير من المواضع السابقة واللاحقة قال: وهم.
(4) فى أ: تكبر.(2/589)
الذين أضلوا بنى آدم [227 ا] وذريته «1» «عَضُدًا» يعني عزا وعونا فيما خلقت من خلق السموات والأرض ومن خلقهم وَيَوْمَ يَقُولُ للمشركين نادُوا شُرَكائِيَ سلوا الآلهة الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنهم معي شركاء أهم آلهة؟ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ يقول فسألوهم فلم يجيبوهم بأنها آلهة وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وبين شركائهم مَوْبِقاً- 52- يعني واديا عميقا في جهنم وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ «2» فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها يعني فعلموا أنهم مواقعوها يعني داخلوها نظيرها في براءة وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ «3» يعنى وعلموا، وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً- 53- يقول لم يقدر أحد من الآلهة أن يصرف النار عنهم وَلَقَدْ صَرَّفْنا يعني لونا يعني وصفنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ من كل شبه في أمور شتى وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا «4» - 54- وَما مَنَعَ النَّاسَ يعني المستهزئين والمطعمين في غزاة بدر أَنْ يُؤْمِنُوا يعني أن يصدقوا بالقرآن إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى يعني البيان وهو القرآن وهو هدى من الضلالة وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ من الشرك إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ يعني أن ينزل بهم مثل عذاب الأمم الخالية في الدنيا فنزل ذلك بهم في الدنيا ببدر من القتل وضرب الملائكة الوجوه والأدبار
__________
(1) فى أ: بنى آدم وذريته. والأنسب: آدم وذريته. [.....]
(2) «النار» : ساقطة من ا.
(3) سورة التوبة: 118.
(4) فى أ: جملة زائدة هنا وهي: أن يصدقوا بالقرآن. وقد ذكرت بعد سطر واحد أيضا مما يدل على أن ذكرها هنا سبق نظر من الناسخ.(2/590)
وتعجيل أرواحهم إلى النار، ثم قال سبحانه: أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا- 55- يعني عيانا وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ بالجنة وَمُنْذِرِينَ من النار لقول كفار مكة للنبي- صلى الله عليه وسلم- في بني إسرائيل أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا «1» وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة بِالْباطِلِ وجدالهم بالباطل قولهم للرسل مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا، وَمَا أنتم برسل الله «2» لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ يعني ليبطلوا بقولهم الحق الذي جاءت به الرسل- عليهم السلام- ومثله قوله- سبحانه- فى حم المؤمن: لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ «3» يعني ليبطلوا به الحق وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً- 56- يعني آيات القرآن وما أنذروا فيه من الوعيد استهزاء منهم أنه ليس من الله- عز وجل- يعني القرآن والوعيد ليسا بشيء وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها يقول فلا أحد أظلم ممن وعظ بآيات ربه يعني القرآن نزلت في المطعمين والمستهزئين، فأعرض عن الإيمان بآيات الله القرآن فلم يؤمن بها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ يعني ترك ما سلف من ذنوبه فلم يستغفر منها، من الشرك إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً يعنى الغطاء على القلوب [227 ب] أَنْ يَفْقَهُوهُ يعني القرآن وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً لئلا يسمعوا القرآن وَإِنْ تَدْعُهُمْ يا محمد إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً- 57- من
__________
(1) سورة الإسراء: 94.
(2) فى أ: الله- عز وجل.
(3) سورة غافر: 5.(2/591)
أجل الأكنة والوقر يعني كفار مكة وَرَبُّكَ الْغَفُورُ «1» يعني إذا تجاوز عنهم في تأخير العذاب عنهم ذُو الرَّحْمَةِ يعني ذا النعمة «2» حين لا يعجل بالعقوبة لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا من الذنوب لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ في الدنيا بَلْ العذاب لَهُمْ مَوْعِدٌ يعني ميقاتا يعذبون «3» فيه لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا- 58- يعني ملجأ يلجئون «4» إليه وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا بالعذاب في الدنيا يعني أشركوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ بالعذاب مَوْعِداً- 59- يعني ميقاتا وهكذا وقت هلاك كفار مكة ببدر وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ يوشع بن نون وهو ابن أخت موسى، من سبط يوسف بن يعقوب- عليهم السلام- لا أَبْرَحُ يعني لا أزال أطلب الخضر وهو من ولد عاميل من بني إسرائيل حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ يقال لأحدهما الرش وللآخر «5» الكر فيجتمعان فيصيران نهرا واحدا ثم يقع في البحر من وراء أذربيجان أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً- 60- يعني دهرا ويقال الحقب ثمانون سنة فَلَمَّا بَلَغا يعني موسى، ويوشع بن نون مَجْمَعَ بَيْنِهِما بين البحرين نَسِيا حُوتَهُما وذلك أن موسى- عليه السلام- لما علم ما في التوراة وفيها تفصيل كل شيء قال له رجل من بني إسرائيل: هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا، ما بقي أحد
__________
(1) ابتداء من هذه الآية تشترك ل مع ا، وأما من آية 39 إلى آية 57: فغير موجود فى ل، ويبدأ الموجود فى ل من آية «وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ... » آية 58.
(2) فى أ، ل: يعنى ذو الرحمة.
(3) فى أ: يعدون، ل: يعذبون.
(4) فى أ: يلجون.
(5) فى أ: والآخر، ل: وللآخر.(2/592)
من عباد الله، هو أعلم مني. فأوحى الله- عز وجل- إليه أن رجلا من عبادي يسكن جزائر «1» البحر، يقال له الخضر هو أعلم منك. قال: فكيف لي به؟
قال جبريل- عليك السلام-: احمل معك سمكة مالحة فحيث تنساها تجد الخضر هنالك فسار موسى ويوشع بن نون ومعهما خبز وسمكة مالحة في مكتل على ساحل البحر فأوى إلى الصخرة ليلا، والصخرة بأرض تسمى مروان على ساحل بحر أيلة وعندها عين تسمى عين الحياة فباتا عندها تلك الليلة وقرب موسى المكتل من العين وفيها السمكة فأصابها الماء فعاشت ونام موسى فوقعت السمكة في البحر فجعل لا يمس صفحتها شيء من الماء إلا انفلق «2» عنه «3» فقام الماء من كل جانب وصار أثر الحوت في الماء كهيئة السرب في الأرض واقتصد «4» الحوت في مجراه ليلحقاه، فذلك قوله- سبحانه-: فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً- 61- يعني الحوت اتخذ سبيله يعني طريقه في البحر سربا يقول كهيئة فم القربة فلما أصبحا ومشيا [228 ا] نسي يوشع بن نون أن يخبر موسى- عليه السلام- بالحوت حتى أصبحا وجاعا «فَلَمَّا جاوَزا» «5» قالَ موسى «لِفَتاهُ» «6» ليوشع آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً- 62- يعني مشقة في أبداننا، مثل قوله سبحانه: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ «7» يعنى مشقة
__________
(1) فى أ: جزاير.
(2) فى أ: تفلق، ل: انفلق.
(3) فى ل: عندها، ا: عنه. [.....]
(4) فى ل: واقتصد، وأ: واقتصه.
(5) «فَلَمَّا جاوَزا» : ساقطة من ا.
(6) «لِفَتاهُ» : من المصحف وليست فى النسخ.
(7) سورة ص: 41.(2/593)
قالَ يوشع لموسى أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ يعني انتهينا إلى الصخرة وهي في الماء فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ أن أذكر لك أمره وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ يعني موسى- عليه السلام- طريقه فِي الْبَحْرِ عَجَباً- 63- فعجب موسى من أمر الحوت فلما أخبر يوشع موسى- عليه السلام- بأمر الحوت قالَ موسى ذلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً- 64- يقول فرجعا يقصان آثارهما كقوله سبحانه في القصص قُصِّيهِ «1» يعني اتبعى أثره، فأخذا يعني موسى ويوشع في البحر في أثر الحوت حتى لقيا الخضر- عليه السلام- في جزيرة «في» «2» البحر، فذلك قوله سبحانه: فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا قائما يصلى آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا يقول أعطيناه النعمة وهي النبوة وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً- 65- يقول من عندنا علما وعلى الخضر- عليه السلام- جبة صوف واسمه اليسع، وإنما سمي اليسع لأن علمه وسع ست سموات وست أرضين فأتاه موسى ويوشع من خلفه فسلما عليه فأنكر الخضر «3» السلام بأرضه وانصرف «4» فرأى موسى فعرفه، فقال: وعليك السلام: يا نبي بني إسرائيل فقال موسى: وما يدريك أني نبي بني إسرائيل؟ قال: أدراني الذي أرشدك إلي وأدراك بي. قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً- 66- يعني علما قال الخضر- عليه السلام- كفى بالتوراة علما وببني إسرائيل شغلا فأعاد موسى
__________
(1) سورة القصص 11 وتمامها: «وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ» .
(2) «فى» : ساقطة من أ، وهي ل.
(3) فى أ: الخضر- عليه السلام-، ل: الخضر السلام.
(4) فى أ: وانصرف، ل: فانصرف.(2/594)
الكلام ف قالَ الخضر إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً- 67- قال موسى:
ولم؟ قال: لأني أعمل أعمالا لا تعرفها ولا تصبر على ما ترى من العجائب «1» حتى تسألني عنه وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً- 68- يعني علما قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً قال مُقَاتِلُ: فلم يصبر موسى ولم يأثم بقوله سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً على ما أرى من العجائب فلا أسألك عنها وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً- 69- فيما أمرتني به أو نهيتني عنه قالَ الخضر- عليه السلام-: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً- 70-[228 ب] يقول حتى أبين لك بيانه «فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها» «2» : «فمرت سفينة» «3» فيها ناس فقال الخضر:
يا أهل السفينة احملونا معكم في بحر أيلة. قال بعضهم: إن هؤلاء لصوص «4» فلا تحملوهم معنا. قال صاحب السفينة: أرى وجوه أنبياء وما هم بلصوص فحملهم بأجر فعمد الخضر فضرب ناحية السفينة بقدوم فخرقها فدخل الماء فيها فعمد موسى فأخذ ثيابا فدسها في خرق السفينة فلم يدخل الماء وكان موسى- عليه السلام- ينكر الظلم، فقام موسى إلى الخضر- عليهما السلام- فأخذ بلحيته وقالَ له موسى: أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً- 71- يعني لقد أتيت أمرا منكرا فالتزمه الخضر وذكره الصحبة وناشده بالله وركب الخضر على الخرق لئلا يدخلها الماء قالَ له الخضر: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً- 72-
__________
(1) فى أ: العجايب.
(2) ما بين القوسين « ... » : ساقط من أ، ل.
(3) فى أ: فمرت به سفينة، ل: فمرت سفينة.
(4) فى أ: للصوص، ل: لصوص.(2/595)
على ما ترى من العجائب قال يوشع لموسى: اذكر العهد الذي أعطيته من نفسك قالَ موسى: لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي يعنى تغشينى مِنْ أَمْرِي عُسْراً- 73- يعني من قولي عسرا ثم قعد موسى مهموما يقول في نفسه لقد كنت غنيا عن اتباع هذا الرجل وأنا في بني إسرائيل أقرئهم كتاب الله- عز وجل- غدوة وعشيا، فعلم الخضر ما حدث به «1» موسى نفسه وجاء طير يدور «2» يرون أنه خطاف حتى وقع على ساحل البحر فنكث بمنقاره في البحر ثم وقع على صدر السفينة ثم صوت، فقال الخضر لموسى: أتدرك ما يقول هذا الطائر قال موسى: لا أدري «3» . قال الخضر يقول: ما علم الخضر وعلم موسى في علم الله إلا كقدر ما رفعت بمنقاري «4» من ماء البحر في قدر البحر «5» ثم خرجا من السفينة على بحر أيلة «فَانْطَلَقا حَتَّى «إِذا» «6» لَقِيا «7» غُلاماً سداسيا فَقَتَلَهُ الخضر بحجر أسود واسم الغلام حسين بن كازري واسم أمه سهوى «8» ، فلم يصبر موسى حين رأى المنكر ألا ينكره ف قالَ للخضر: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً يعني لا ذنب لها ولم يجب عليها القتل بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً- 74- يقول أتيت أمرا فظيعا قال يوشع لموسى: اذكر العهد الذي
__________
(1) به: من ل، وليست فى ا.
(2) يدور: من ل، وليست فى ا. [.....]
(3) فى أ: لا أدرى، ل: لا.
(4) فى أ: بمنقاري، ل: شعاري.
(5) فى أ: اضطراب، قدم سطورا من تفسير الآية القادمة فى هذه الآية وترتيب الكلام من ل.
(6) «فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا» : ساقطة من أ، ل.
(7) فى أ، ل: فلقيا.
(8) فى أ: سهوي، ل: سهري.(2/596)
أعطيته عن نفسك قالَ الخضر لموسى- عليهما السلام: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً- 75- وإنما قال: ألم أقل لك لأنه كان قد تقدم «1» إليه قبل ذلك «بقوله» «2» : «إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً» على ما ترى من العجائب قالَ موسى: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها يعنى [229 أ] بعد قتل النفس فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً- 76- يقول لقد أبلغت «3» في العذر إلي فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها الطعام تسمى القرية «باجروان» «4» ويقال أنطاكية.
قال مُقَاتِلُ: قال قتادة: هي القرية «5» فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما يعني أن يطعموهما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ كانوا بَلُّوا الطينَ «6» فَأَقامَهُ الخضر جديدا فسواه قالَ موسى عمدت إلى قوم لم يطعمونا ولم يضيفونا فأقمت لهم جدارهم فسويته لهم بغير أجر يعني بغير طعام ولا شيء لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً- 77- أي لو شئت أعطيت عليه شيئا قالَ الخضر: هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ يعني بعاقبة مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً- 78- كقوله سبحانه-: يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ «7» يعني عاقبته ثم قال الخضر لموسى- عليهما السلام: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها
__________
(1) فى أ: يقدم، ل: قد تقدم، وهذا القول مكرر فى ا. فقد ذكر فى تفسير الآية السابقة.
(2) بقوله: زيادة اقتضاها المقام، ليست فى ا، ل.
(3) فى أ: بلغت، ل: أبلغت.
(4) فى أ: باجروان، ل: بدون إعجام.
(5) أى أنطاكية.
(6) من ل، وفى أ: كانوا بلول الطين.
(7) سورة الأعراف: 53.(2/597)
يعنى أن أخرقها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يعني أمامهم كقوله سبحانه: وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلًا «1» واسم الملك مبدلة «2» بن جلندي الأزدي يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صالحة صحيحة سوية غَصْباً- 79- كقوله سبحانه: فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً «3» يعني سويا، يعني غصبا من أهلها يقول فعلت ذلك لئلا ينتزعها من أهلها ظلما وهم لا يضرهم خرقها وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ
وكان الغلام كافرا، يقطع الطريق، ويحدث الحدث، ويلجأ إليهما ويجادلان عنه ويحلفان بالله ما فعله وهم يحسبون أنه برئ من الشر قال الخضر: فَخَشِينا يعني فعلمنا كقوله سبحانه: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً «4» يعني علمت، وكقوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما «5» يعني علمتم أَنْ يُرْهِقَهُما يعني يغشيهما طُغْياناً يعني ظلما وَكُفْراً- 80- وفي قراءة أبي بن كعب «فخاف ربك» يعني فعلم ربك فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما «6» رَبُّهُما يعني لأبويه لقتل الغلام، والعرب تسمى الغلام غلاما ما لم تستو «7» لحيته فأردنا أن يبدلهما ربهما يعني يبدل والديه خَيْراً مِنْهُ زَكاةً يعني عملا وَأَقْرَبَ رُحْماً- 81- يعني وأحسن منه برا بوالديه وكان في شرف وعده.
وبلغنا عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن الله- عز وجل-
__________
(1) سورة الإنسان: 27. [.....]
(2) من ل، ومكانها بياض فى ا.
(3) سورة الأعراف: 190.
(4) سورة النساء: 128.
(5) سورة النساء: 35.
(6) فى أ: يبدلهما.
(7) فى أ: تستوي.(2/598)
أبدلهما غلاما مكان المقتول ولو عاش المقتول لهلكا في سببه
وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ يعني في قرية تسمى باجروان ويقال هي أنطاكية وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما.
حدثنا عبيد الله قال [229 ب] : حدثنا أبي عن الهذيل عن مقاتل عن الضحاك ومجاهد قال: صحفا فيها العلم ويقال المال وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً يعني ذا أمانة اسم الأب كاشح واسم الأم دهنا، واسم أحد الغلامين أصرم، والآخر صريم فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما والأشد ثماني «1» عشرة سنة رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ يقول نعمة من ربك للغلامين وَما فَعَلْتُهُ وما فعلت هذا «2» عَنْ أَمْرِي ولكن الله أمرني به ذلِكَ تَأْوِيلُ يعني عاقبة مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً- 82- يعني هذا عاقبة ما رأيت من العجائب نظيرها هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ «3» يعني عاقبة ما ذكر الله- تعالى- في القرآن من الوعيد وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ يعنى الإسكندر وقيصر ويسمى «4» الملك القابض على قاف وهو جبل محيط بالعالم ذو القرنين «5» ، وإنما سمى ذو القرنين «6» لأنه أتى قرني الشمس المشرق والمغرب قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ يا أهل مكة ذِكْراً- 83- يعني علما إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً- 84-
__________
(1) فى ل: ثماني، ا: ثمان.
(2) فى أ: (وما فعلت) هذا.
(3) سورة الأعراف: 53.
(4) فى أ: وسماء، وفى ل: ويسمى.
(5) هكذا فى أ، ل. والمراد أن اسم الملك القابض على جبل ق ذو القرنين.
(6) فى أ: ذا القرنين، ل: ذو القرنين.(2/599)
يعني علم أسباب منازل الأرض وطرقها فَأَتْبَعَ سَبَباً- 85- حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ يعني حارة سوداء قال ابن عباس: إذا طلعت الشمس «1» أشد حرا منها إذا غربت وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ أوحى الله- عز وجل- إليه جاءه جبريل- عليه السلام- فخبره: «قلنا» «2» فقال: إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً- 86- يقول: وإما «3» أن تعفو عنهم كل «4» هذا مما أمره الله- عز وجل- به «5» وخيره قالَ ذو القرنين: أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ يعني نقتله ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ في الآخرة بالنار عَذاباً نُكْراً- 87- يعني فظيعا وَأَمَّا مَنْ آمَنَ يعني صدق بتوحيد اللَّه- عَزَّ وجل- وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى يعني الجنة وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً- 88- يقول سنعده معروفا فلم يؤمن منهم غير رجل واحد ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً- 89- يعني علم منازل الأرض وطرقها حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً- 90- يعني من دون الشمس سترا كانوا يستقرون في الأرض في أسراب من شدة الحر وكانوا في مكان لا يستقر عليهم البناء «6» فإذا زالت الشمس خرجوا إلى معايشهم ثم قال:
__________
(1) فى ل: هي إذا طلعت، ا: إذا طلعت الشمس.
(2) فى أ، ل: فقال. [.....]
(3) فى أ، ل: أما.
(4) فى أ: كان، وفى ل: كل.
(5) به: ساقطة من أ، وهي من ل.
(6) هكذا فى أ، ل.(2/600)
كَذلِكَ يعني هكذا بلغ مطلع الشمس كما بلغ مغربها «1» ، ثم استأنف فقال «2» - سبحانه-: وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً- 91- يعني بما عنده علما ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً- 92- يعنى علم منازل الأرض وطرقها [230 أ] حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ يعني بين الجبلين وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا- 93- يعني لم يكن أحد يعرف لغتهم قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وهما أخوان من «3» ولد يافث بن نوح مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ يعني بالفساد القتل، يعني أرض «4» المسلمين فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً يعني جعلا عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا- 94- لا يصلون إلينا قالَ ذو القرنين: مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ يقول ما أعطاني ربي من الخير خير من جعلكم يعني أعْطِيَتكُم فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ يعني بعدد رحال «5» مثل قوله- عز وجل- فى سورة هود: وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ «6» يعني عددا إلى عددكم أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً- 95- لا يصلون إليكم آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ يعني قطع الحديد حَتَّى إِذا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ يعني حشى بين الجبلين بالحديد، والصدفين الجبلين وبينهما واد عظيم ف قالَ انْفُخُوا على الحديد حَتَّى إِذا جَعَلَهُ نَارًا قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً- 96-
__________
(1) فى أ: مطلعها، ل: مغربها.
(2) فقال: من أ، وليست فى ل.
(3) من: فى ل: وليست فى ل.
(4) فى أ: بأرض، ل: يعنى أرض.
(5) هكذا فى أ، ل. والأنسب بعدد من الرجال.
(6) سورة هود: 52.(2/601)
قال أعطوني الصفر المذاب أصبه «1» عليه ليلحمه فيكون «2» أشد له.
قال رجل للنبي- صلى الله عليه وسلم: قد رأيت سد يأجوج ومأجوج. قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: انعته لي. قال: هو كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء «3» . قال النبي- صلى الله عليه وسلم: نعم قد رأيته
يقول الله- عز وجل- فَمَا اسْطاعُوا يعني فما قدروا أَنْ يَظْهَرُوهُ على أن يعلوه من فوقه مثل قوله فى الزخرف مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ «4» يعنى يرتقون وَمَا اسْتَطاعُوا يعني وما قدروا لَهُ نَقْباً- 97-.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ مُقَاتِلٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- عَلَيْهِ السَّلامُ-: إِنَّهُمْ خَلْفَ الرَّدْمِ لا يَمُوتُ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى يُولَدَ لَهُ أَلْفُ ذَكَرٍ لِصُلْبِهِ، وَهُمْ يَغْدُونَ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ وَيُعَالِجُونَ الرَّدْمَ، فَإِذَا أَمْسَوْا يَقُولُونَ نَرْجِعُ فَنَفْتَحُهُ غَدًا «5» وَلا يَسْتَثْنُونَ حَتَّى يُولَدَ فِيهِمْ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَإِذَا غَدَوْا إِلَيْهِ، قَالَ لَهُمُ الْمُسْلِمُ: قُولُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَيُعَالِجُونَ حَتَّى يَتْرُكُوهُ «6» رَقِيقًا كَقِشْرِ الْبَيْضِ، وَيَرَوْا «7» ضَوْءَ الشَّمْسِ، فَإِذَا أَصْبَحُوا غَدَوْا «8» عَلَيْهِ، فَيَقُولُ لَهُمُ الْمُسْلِمُ نَرْجِعُ غَدًا- إِنْ شاء الله- فنفتحه فإذا غدوا عليه،
__________
(1) فى أ: أصب، ل: أصبه.
(2) فى أ: فنكون.
(3) فى أ، ل: سودا وطريقة حمرا.
(4) سورة الزخرف: 33. [.....]
(5) فى أ: صبيحة غدا، ل: فنفتحه غدا.
(6) فى الأصل: يتركونه.
(7) فى أ: ومروا، ل: ويروا.
(8) فى أ: جدوا، ل: غدوا، والجملة زائدة فيما أرى وحذفها أنسب.(2/602)
قَالَ لَهُمُ الْمُسْلِمُ: قُولُوا بِاسْمِ اللَّهِ فَيَنْقُبُونَهُ فَيَخْرُجُونَ مِنْهُ فَيَطُوفُونَ «1» الأَرْضَ وَيَشْرَبُون مَاءَ الْفُرَاتِ فيجيء «2» آخرهم فيقول قد كان هاهنا مَرَّةً مَاءٌ وَيَأْكُلُونَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الشَّجَرَ [230 ب] وَلا يَأْتُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ غَيْرِهَا إِلا فاموه «3» .
فلما فرغ ذو القرنين من بناء الردم
قالَ هَذَا يعني هذا الردم رَحْمَةٌ يعني نعمة مِنْ رَبِّي للمسلمين فلا يخرجون إلى أرض المسلمين فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي في الرد وقع الردم، فذلك قوله جَعَلَهُ دَكَّاءَ يعني الردم وقع فيخرجون إلى أرض المسلمين «4» وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا- 98- في وقوع الردم يعني صدقا فإذا خرجوا هرب ثلث أهل الشام، ويقاتلهم الثلث، ويستسلم لهم الثلث. ثم أخبر سبحانه فقال «5» : وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ يعني يوم فرغ ذو القرنين من الردم «يَمُوجُ فِي بَعْضٍ» يعني من وراء الردم لا يستطيعون الخروج منه وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً- 99- يعنى بالجمع لم يغادر منهم أحد إلا حشره وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ بالقرآن من أهل مكة عَرْضاً- 100- يعني بالعرض كشف الغطاء عنهم الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي يعني عليها غشاوة الإيمان بالقرآن لا يبصرون الهدى بالقرآن وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً- 101- يعنى الإيمان
__________
(1) من ل، وفى أ: فيطبقون.
(2) فى أ: فيمر، ل: فيجيء.
(3) هكذا فى: ا، ل. وقد يكون أصلها إلا أكلوه.
(4) فى ازيادة: قال الله- عز وجل- «وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ» حين فراغ الردم «يموج فى بعضه» قال ذو القرنين، اهـ. وهي زيادة سابقة عن مكانها فأرجعتها إلى مكانها.
أما فى ل: فقد أسقط تفسير باقى الآية 98.
(5) فى أ: ثم أخبر فقال سبحانه، وفى ل: ثم أخبر فقال.(2/603)
بالقرآن سمعا، كقوله سبحانه: إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً «1» يعنى ثقلا أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ يعنى بالآلهة بأن ذلك نافعهم وأنها تشفع لهم، ثم أخبر بمنزلتهم في الآخرة، فقال- سبحانه: إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا- 102- يعني منزلا قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا- 103- يعني أصحاب الصوامع من النصارى، ثم نعتهم فقال: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ يعني حبطت أعمالهم التي عملوها «فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» «2» وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً- 104- أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ يعني القرآن وَلِقائِهِ يعني بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ يعني فبطلت أعمالهم الحسنة فلا تقبل منهم لأنها كانت في غير إيمان فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً- 105- من خير قدر مثقال جناح بعوضة ذلِكَ جَزاؤُهُمْ يقول هذا جزاؤهم جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا بالقرآن وَاتَّخَذُوا آياتِي يعني القرآن وَرُسُلِي يعني محمدا- صلى الله عليه وسلم- هُزُواً- 106- يعني استهزاء بهما أنهما ليسا من الله- عز وجل- ثم ذكر المؤمنين وما أعد لهم، فقال- سبحانه-: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا يعني صدقوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ من الأعمال كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا- 107- بلغة الروم يعني البساتين «3» عليها الحيطان خالِدِينَ فِيها لا يموتون لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا- 108-[231 ا] يعنى تحولا «4» إلى غيرها.
__________
(1) سورة الكهف: 57.
(2) فى أ: (فى دار الدنيا) ، وفى حاشية أ: الحياة الدنيا.
(3) فى أ: بالبساتين، وفى ل: البساتين.
(4) فى أ: تحولا، ل: متحول.(2/604)
وذلك «1» أن اليهود قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: تزعم أنك أوتيت الحكمة، والحكمة العلم كله وتزعم أنه لا علم لك بالروح وتزعم أن الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي «2» فكيف يكون هذا فقال الله- تعالى- ذكره لنبيه- صلى الله عليه وسلم-:
إنك أوتيت علما وعلمك فى علم الله قليل. فقال- سبحانه- لليهود: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي يعني علم ربي جل جلاله لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي يعني علم ربي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً- 109- بخبر الناس أنه لا يدرك أحد علم الله- عز وجل. قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ يقول ربكم رب واحد «3» فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ يقول من كان يخشى البعث في الآخرة. نزلت في جندب بن زهير الأزدي،
ثم العامري قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-:
إنا لنعمل العمل «4» نريد به وجه الله- عز وجل- فيثنَى به علينا، فيعجبنا ذلك.
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: إن الله «5» لغني «6» لا يقبل ما شورك فيه فأنزل الله- عز وجل- «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ»
فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً- 110-.
__________
(1) فى أ: وله ذلك، ل: وذلك [.....]
(2) سورة الإسراء 85 وتمامها: «وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا» .
(3) من ل، والجملة ساقطة من ا.
(4) العمل: ساقطة من أ، وهي من ل.
(5) فى أ: الله- عز وجل-، فى ل: الله.
(6) لغنى: من ل، وليست فى ا.(2/605)
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حَدَّثَنَا الْهُذَيْلُ عَنْ مُقَاتِلٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: يقول الله- عز وَجَلَّ-: أَنَا خَيْرُ شَرِيكٍ «1» مَنْ أَشْرَكَنِي فِي عَمَلٍ جَعَلْتُ الْعَمَلَ كُلَّهُ لِشَرِيكِي وَلا أَقْبَلُ إِلا مَا كَانَ لِي خَالِصًا.
حدثنا»
عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي «3» أَبِي عَنِ الْهُذَيْلِ، عَنْ شيبان أبي معاوية التميمي قال «4» : إن الله- عز وجل- ليحفظ الصالحين في أبنائهم لقوله- عز وجل- وكان أبوهما صالحا.
قال: اسم الكهف بانجلوس، واسم القرية اللوس واسم المدينة أفسوس.
واسم الكلب قطمير واسم القاضيين أحدهما مارنوس والآخر اسطوس، واسم الملك دقيوس، وأسماء أهل الكهف: دوانس «5» ، ونواس، مارطونس، رسارنوس، وقاطلس، وطسططنوس «6» ، ومكسلمينا ويمليخا.
وحدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ قال: وحدثني أبي عن الْهُذَيْلِ، عن غياث بن إبراهيم، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير قال: ما في الأرض لغة إلا أنزلها الله في القرآن. وقال: اسم جبريل عبد الله واسم ميكائيل عُبَيْدُ الله.
__________
(1) فى أ: من، ل: فمن.
(2) فى أ: وحدثنا، ل: حدثنا.
(3) فى أ: وحدثني، ل: حدثني.
(4) قال: من ل، وهي ساقطة من ا.
(5) فى أ: داونس، ل: دوانس.
(6) فى ل: كسططنوس، فى أ: طسططنوس.(2/606)
قال: وحدثني أبي عن الْهُذَيْلِ، عن الليث بن سعد «1» ، عن عطاء بن خالد، قال: يحج عيسى إذا نزل في سبعين ألفا «2» فيهم أصحاب الكهف فإنهم لم يموتوا ولم يحجوا «3» .
__________
(1) هو الإمام المصري الليث بن سعد فقيه أهل مصر. كان إمام وقته بلا مدافعة ولد سنة 92 هـ ومات سنة 175 هـ، انظر الإمام المصري الليث بن سعد بقلم عبد الله محمود شحاتة، سلسلة مذاهب وشخصيات، العدد 124. طبع الدار القومية للطباعة والنشر القاهرة.
(2) ألفا: من ل، وليست فى ا
(3) فى أ: زيادة: عليهم السلام، وليست فى ل. [.....](2/607)
سورة مريم(2/609)
[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 98]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (3) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (9)
قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) يَا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (14)
وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (17) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (19)
قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (22) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (23) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هارُونَ مَا كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)
قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)
مَا كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (38) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (39)
إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (40) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (44)
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (45) قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (49)
وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (51) وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (53) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (54)
وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (56) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (57) أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (58) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)
إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (63) وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (67) فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (69)
ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (72) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (74)
قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَداً (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (78) كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (79)
وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (80) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84)
يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (86) لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (87) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (89)
تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (91) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94)
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (95) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (98)(2/611)
سورة مريم «1» مكية كلها. إلا آية سجدتها فإنها مدنية «2» ، وهي ثمان وتسعون آية كوفى «3»
__________
(1) مقصود السورة مقصود السورة إجمالا ما يأتى:
وعد الله العباد بالكفاية والهداية، وإجابة دعاء زكريا والمنة عليه بولده يحيى، وإعطائه علم الكتاب، وذكر عجائب ولادة عيسى وأمه والخبر عن أحوال القيامة ونصيحة إبراهيم لآزر ومناظرة آزر له والإشارة إلى قربة موسى، وذكر صدق إسماعيل، وبيان رفعة درجة إبليس، وحكاية أهل الجنة، وذل الكفار فى القيامة، ومرور الخلق على عقبة الصراط، وابتلاء بعضهم بالعذاب والرد على الكفار فى افتخارهم بالمال وذل الأصنام، وعبادها فى القيامة، وبيان حال أهل الجنة والنار، وصعوبة قول الكفار فى جرأتهم على إثبات الولد والشريك للواحد القهار.
والمنة على الرسول بتيسير القرآن على لسانه وتهديد الكفار بعقوبة مثل عقوبة القرون الماضية فى قوله: هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً سورة مريم: 98.
مجموع فواصل آياتها (مدن) .
(2) هي الآية 58 من سورة مريم، وتمامها قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا.
(3) وهو موافق لما فى مصحفنا على قراءة حفص الكوفي.(2/619)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كهيعص- 1- كاف «1» هاد «2» عالم صادق.
هذا ثناء الرب- تبارك وتعالى- على نفسه يقول كافيا لخلقه هاديا لعباده، الياء من الهادي «3» ، عالم ببريته «4» ، صادق فى قوله- عز وجل-، ثم قال سبحانه:
ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ يعني نعمة ربك يا محمد عَبْدَهُ زَكَرِيَّا- 2- ابن برخيا وذلك أن الله- تعالى- ذكر «5» عبده زكريا بالرحمة إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا- 3- يقول إذ دعا ربه دعاء سرا، وإنما دعا ربه- عز وجل- سرا لئلا يقول الناس انظروا إلى هذا الشيخ الكبير يسأل الولد على كبره قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي يعني ضعف العظم مني وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً يعني بياضا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا- 4- يعني خائبا فيما خلا، كنت تستجيب لي فلا تخيبني في دعائي إياك بالولد وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً يقول خفت الكلالة وهم العصبة من بعد موتي أن يرثوا مالي فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا- 5- يعني من عندك ولدا «يَرِثُنِي» «6» يرث مالي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ابن ماثان علمهم ورياستهم فى الأحبار، وكان
__________
(1) فى أ: كافى، ل: كاف.
(2) فى أ: هادي، ل: هاد
(3) فى أ: هادي، ل: الهادي.
(4) فى أ: بريته، ل: ببريته.
(5) من أ، وفى ل: أنه ذكر.
(6) فى أ، ل: يرث.(2/620)
يعقوب وعمران «أبو مريم» «1» أخوين ابنا ماثان ومريم ابنة عمران بن ماثان وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا- 6- يعني صالحا فاستجاب الله- عز وجل- لزكريا في الولد، فأتاه جبريل «2» وهو يصلي فقال: يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا- 7- لم يكن أحد من الناس فيما خلا يسمى يحيى، وإنما سماه يحيى لأنه «3» أحياه من بين شيخ كبير وعجوز عاقر فلما بشر ميتين بالولد «4» قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ يعني من أين يكون لي غلام وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً أيليشفع لا تلد وَقَدْ بَلَغْتُ أنا مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا- 8- يعني بؤسا وكان زكريا يومئذ ابن خمس وسبعين سنة قالَ له جبريل- عليه السلام-: كَذلِكَ يعني هكذا قالَ رَبُّكَ إنه ليكون لك غلام «هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ «5» » وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ أن تسألني الولد وَلَمْ تَكُ شَيْئاً- 9- قالَ زكريا: رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً يعني علما للحبل «6» فسأل الآية بعد مشافهة جبريل «7» قالَ جبريل- عليه السلام- آيَتُكَ «8» إذا جامعتها «9» على طهر فحبلت فإنك تصبح تلك الليلة لا تستنكر من
__________
(1) من ل، وليس فى: ا.
(2) فى أ: جبريل- عليهما السلام، ل: جبريل.
(3) هكذا فى أ، ل. والضمير عائد على الله- تعالى.
(4) هكذا فى أ، وفى ل: وإنما سمى يحيى لأنه أحياه من بين ميتين: شيخ كبير وعجوز عاقر.
(5) «هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ» : ساقط من أ، ل. وهو فى حاشية ا. [.....]
(6) قال: فى ازيادة. وليست فى ل.
(7) فى أ: جبريل- عليهما السلام، ل: جبريل.
(8) من ل. وفى أ: فقال «آيتك» .
(9) الضمير عائد على غير مذكور يفهم من سياق الكلام. والتقدير إذا جامعت زوجك.(2/621)
نفسك خرسا ولا مرضا ولكن لا تستطيع الكلام «أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ «1» » ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا- 10- أنت فيهن سوي صحيح فأخذ بلسانه عقوبة حين سأل الآية بعد مشافهة جبريل- عليهما السلام- ولم يحبس الله- عز وجل- لسانه عن ذكره ولا عن الصلاة فَخَرَجَ زكريا عَلى قَوْمِهِ بني إسرائيل مِنَ الْمِحْرابِ يعني من المسجد فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا- 11-[222 ا] يقول كتب كتابا بيده وهو الوحي إليهم أن صلوا بالغداة والعشي يَا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ يعني التوراة بِقُوَّةٍ يعني بجد ومواظبة عليه «2» وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا- 12- يعني وأعطينا يحيى العلم والفهم وهو ابن ثلاث سنين وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا يقول رحمة من عندنا وَزَكاةً يعني جعله صالحا وطهره «3» من الذنوب وَكانَ تَقِيًّا- 13- يعني مسلما وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ
يقول وجعلناه مطيعا لوالديه وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً
يعني متكبرا عن عبادة الله- عز وجل- عَصِيًّا
- 14- يعنى ولا عاص لربه وَسَلامٌ عَلَيْهِ
يعني على يحيى- عليه السلام- يَوْمَ وُلِدَ
يعني حين ولد، مثل قوله سبحانه: فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ «4» يعني «حين» «5» خلق السموات، قال عيسى- صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا»
- يعني حين أموت وحين أبعث «وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ»
__________
(1) «أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ» : ليس فى أ، ولا فى ل.
(2) هكذا فى أ، ل. والضمير عائد على الكتاب.
(3) فى أ: وحوله، ل: وطهره. وفى حاشية أ: طهره محمد.
(4) سورة التوبة: 36.
(5) زيادة اقتضاها السياق. وحين: ليست فى أ، والجملة كلها: ليست فى ل.
(6) سورة مريم 33 وتمامها: «وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا» .(2/622)
«وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا»
«1» - 15- يعنى حين يبعث بعد الموت وَاذْكُرْ
لأهل مكة فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ
يعني في القرآن ابنة عمران بن ماثان ويعقوب بن ماثان من نسل سليمان بن داود- عليهم السلام- إِذِ انْتَبَذَتْ
يعني إذ انفردت مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا
- 16- فجلست في المشرقة لأنه كان الشتاء فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً
يعني جبلا فجعلت الجبل بينها وبينهم فلم يرها أحد منهم كقوله في ص: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ «2» يعني الجبل وهو دون ق بمسيرة سنة والشمس تغرب من ورائه فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا
يعني جبريل- عَلَيْهِ السَّلامُ- فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا
- 17- يعني إنسانا سويا يعني سوي الخلق على صورة شاب أمرد جعد الرأس فلما رأته حسبته إنسانا قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا
- 18- يعني مخلصا لله- عز وجل- تعبده قالَ
جبريل- عليه السلام- إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ
بأمر الله- عز وجل- غُلاماً زَكِيًّا
- 19- يعني مخلصا يقول صالحا.
قالَتْ مريم أَنَّى من أين يَكُونُ لِي غُلامٌ «3» وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ يعني ولم يكن لي زوج وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا- 20- يعني ولم أركب فاحشة قالَ جبريل- عليه السلام-: كَذلِكِ يعني هكذا قالَ رَبُّكِ إنه يكون لك ولد من غير زوج هُوَ عَلَيَّ على الله «4» هَيِّنٌ يعني يسير أن يخلق فى بطنك ولدا
__________
(1) ما بين القوسين ( ... ) : ساقط من أ، وهو: من ل.
(2) سورة ص: 32.
(3) فى حاشية أ: فى الأصل ولد. ولعله تفسير لغلام. وفى ل: ولد.
(4) فى أ، ل: «وهو على» الله. [.....](2/623)
من غير بشر وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً يقول ولكي نجعله عبرة لِلنَّاسِ يعني في بني إسرائيل وَرَحْمَةً يعني ونعمة مِنَّا لمن تبعه على دينه، مثل قوله- سبحانه-:
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «1» يعنى بالرحمة «2» نعمة لمن اتبعه «3» على دينه وَكانَ عيسى- صلى الله عليه- من غير بشر أَمْراً مَقْضِيًّا- 21- قد قضى الله- عز وجل- في اللوح المحفوظ أنه كائن لا بد «4» فَحَمَلَتْهُ [232 ب] أمه مريم- عليها السلام- وهي ابنة ثلاث عشرة سنة «5» ومكثت مع عيسى- عليه السلام- ثلاثا وثلاثين سنة وعاشت بعد ما رفع عيسى «6» ست سنين فماتت ولها اثنتان «7» وخمسون سنة فحملته أمه في ساعة واحدة وصور في ساعة واحدة وأرضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها وقد كانت حاضت حيضتين قبل «8» حمله فَانْتَبَذَتْ بِهِ يعني فانفردت بعيسى- صلى الله عليه وسلم- مَكاناً قَصِيًّا- 22- يعني نائيا من أهلها من وراء الحيل فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ يعني فألجأها ولم يكن لها سعف قالَتْ مريم: يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا الولد حياء من الناس، ثم قالت: وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا- 23- يعني كالشيء الهالك الذي لا يذكر فينسى فَناداها جبريل- عليه السلام- مِنْ تَحْتِها يعني من أسفل منها في الأرض وهي فوقه على رابية «9» وجبريل
__________
(1) سورة الأنبياء: 107.
(2) فى أ: بالترجمة، ل: بالرحمة.
(3) فى أ: تبعه، ل: اتبعه.
(4) هكذا فى أ، ل.
(5) فى أ، ل: ثلاثة عشر سنة.
(6) فى أ: عيسى- صلى الله عليه، ل: عيسى.
(7) فى أ، ل: اثنان.
(8) فى أ: قبله.
(9) فى أ: رأسه، ل: رابية، حميدية: رابية.(2/624)
- عليه السلام «1» - يناديها بهذا «2» الكلام أَلَّا تَحْزَنِي ذلك حين تمنت الموت قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا- 24- يعني الجدول الصغير من الأنهار وقال جبريل- عليه السلام- لها: «وَهُزِّي إِلَيْكِ» «3» يعني وحركي إليك بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا- 25- يعني بالجني ما ترطب به من البسر وكانت شجرة يابسة فاخضرت وهي تنظر، وحملت الرطب مكانها وهي تنظر، ثم نضجت وهي تنظر، ثم أجرى الله- عز وجل- لها نهرا من الأردن حتى جاءها فكان بينهما وبين جبريل- عليه السلام- وهذا كلام جبريل لها وإنما جعل الله- عز وجل- ذلك لتؤمن بأمر عيسى- صلى الله عليه- ولا تعجب منه.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، قال: قال مُقَاتِلُ: وَأُخْبِرْتُ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
«إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً» يَعْنِي صَمْتًا. فَكُلِي من النخلة وَاشْرَبِي من الماء العذب وَقَرِّي عَيْناً بالولد فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً يعنى صمتا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا- 26- فى عيسى- صلى الله عليه- فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها بالولد تَحْمِلُهُ إلى بني إسرائيل في حجرها ملفوفا في خرق قالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا- 27- يقول أتيت أمرا منكرا يَا أُخْتَ هارُونَ الذي هو أخو موسى.
__________
(1) فى أ، ل، حميدية: زيادة: على هبطة. وفى حاشية أ: على هضبة. وفى البيضاوي:
«فَناداها مِنْ تَحْتِها» عيسى وقيل جبريل كان يقبل الولد. وقيل تحتها أسفل من مكانها.
(2) فى الأصل: بعد.
(3) فى أ، ل: «هزي» .(2/625)
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي عن الْهُذَيْلِ، قَالَ: قَالَ مُقَاتِلُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّمَا عَنَوْا هَارُونَ أَخَا مُوسَى لأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ نَسْلِهِ.
مَا كانَ أَبُوكِ عمران امْرَأَ سَوْءٍ يعنى بزان كقوله [223 ا] سبحانه-: مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً «1» يعني الزنا، وكقوله- سبحانه-:
مَا عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ «2» وكان عمران من عظماء بني إسرائيل وَما كانَتْ أُمُّكِ حنة بَغِيًّا- 28- بزانية فمن أين هذا الولد؟ فَأَشارَتْ إِلَيْهِ يعني إلى ابنها عيسى- صلى الله عليه- أن كلموه «قالُوا» «3» قال قومها: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ يعني من هو فِي الْمَهْدِ يعني في حجر أمه ملفوفا في خرق صَبِيًّا- 29- فدنا زكريا من الصبي، فقال تكلم يا صبي بعذرك إن كان لك عذر ف قالَ الصبي وهو يومئذ ولد «4» إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وكذبت النصارى فيما يقولون فأول ما «5» تكلم به «6» الصبي أنه «7» أقر لله «8» بالعبودية آتانِيَ الْكِتابَ يعني أعطاني الإنجيل فعلمنيه وَجَعَلَنِي نَبِيًّا- 30- وَجَعَلَنِي مُبارَكاً يعني معلما مؤدبا في الخير أَيْنَ ما كُنْتُ من الأرض وأوصانى ب إقامة الصلاة وإيتاء الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا- 31- وَبَرًّا بِوالِدَتِي يقول وأوصانى أن
__________
(1) سورة يوسف: 25.
(2) سورة يوسف: 51. [.....]
(3) فى أ: (قال) وفى حاشية أ: الآية «قالوا» .
(4) هكذا: فى أ، ل. والأنسب: وليد.
(5) فى أ: من، وفى ل: ما.
(6) به: من أ، وليست فى ل.
(7) أنه: من ل، وليست فى ا.
(8) فى أ: لله- عز وجل، ل: لله.(2/626)
أكون برا بوالدتي يعني مطيعا لأمي مريم وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً يعني متكبرا عن عبادة الله شَقِيًّا- 32- يعني عاصيا لله- عز وجل- وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ فلما ذكر الوالدة ولم يذكر الوالد ضمه زكريا إلى صدره، وقال: أشهد أنك عبد الله ورسوله، «وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ» يعني حين ولدت وَيَوْمَ أَمُوتُ يعني وحين أموت وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا- 33- يعني وحين أبعث حيا بعد الموت في الآخرة، ثم لم يتكلم بعد ذلك حتى كان بمنزلة غيره من الصبيان فلما قال: «وَبَرًّا بِوالِدَتِي» ضمه زكريا. يقول الله- عز وجل-: ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ يعنى هذا عيسى بن مريم قول العدل يعني الصدق الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ- 34- يعني الذي فيه يشكون في أمر عيسى- صلى الله عليه- وهم النصارى مَا كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ يعنى عيسى- صلى الله عليه- سُبْحانَهُ نزه نفسه- عز وجل- إِذا قَضى أَمْراً كان في علمه يعني عيسى- صلى الله عليه- فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ- 35- مرة واحدة لا يثني القول فيه مرتين.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي عن الْهُذَيْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُقَاتِلٌ عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابن عباس أنه قال: كن فيكون بِالْفَارِسِيَّةِ: لا يُثَنِّي الْقَوْلَ مَرَّتَيْنِ، إِذَا قَالَ مَرَّةً كَانَ.
ثم قال عيسى- صلى الله عليه- لبني إسرائيل: وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ يعني فوحدوه هَذَا التوحيد صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ- 36- يعني دين الإسلام مستقيم وغير دين الإسلام أعوج ليس بمستقيم فَاخْتَلَفَ(2/627)
الْأَحْزابُ
[332 ب] يعني النصارى «مِنْ بَيْنِهِمْ» «1» تحزبوا في عيسى- صلى الله عليه- ثلاث فرق النسطورية قالوا عيسى ابن الله- وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً «2» والمار يعقوبية قالوا عيسى هو الله- سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ «3» والملكانيون قالوا: إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ «4» .
يقول الله: «وحده لا شريك له «5» » : فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا يعني تحزبوا في عيسى- صلى الله عليه- مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ- 37- لديه، يعني يوم القيامة «6» أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يقول هم يوم القيامة «7» أسمع قوم «8» وأبصر بما كانوا فيه من الوعيد وغيره يَوْمَ يَأْتُونَنا في الآخرة، فذلك قوله- سبحانه-:
رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ «9» ، ثم قال سبحانه: لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ- 38- يعني المشركين اليوم في الدنيا في ضلال مبين فلا يسمعون اليوم، ولا يبصرون ما يكون في الآخرة وَأَنْذِرْهُمْ يعني كفار مكة يَوْمَ الْحَسْرَةِ يوم يذبح الموت كأنه كبش أملح.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْهُذَيْلِ، عَنْ مُقَاتِلٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: يُجْعَلُ الْمَوْتُ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ،
__________
(1) «مِنْ بَيْنِهِمْ» : ساقطة من أ، ل.
(2) «تَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً» : من أ، وليس فى ل. والآية رقم 43 من سورة الإسراء.
(3) «سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ» : من أ، وليس: فى ل، الآية رقم 43 من سورة الإسراء.
(4) سورة المائدة: 73.
(5) فى أ: يقول الله- وحده لا شريك له-، ل: يقول الله.
(6) فى أ: يعنى لشدته يوم القيامة، ل: لديه، يعنى يوم القيامة.
(7) من أ، وفى ل: هم يومئذ يوم القيامة.
(8) فى أ: قوما، ل: قوم. [.....]
(9) سورة السجدة: 12.(2/628)
فَيَذْبَحُهُ جِبْرِيلُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَيُقَالُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ فِيهَا «1» . وَلأَهْلِ النَّارِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ فِيهَا «2» ، فَلَوْلا مَا قَضَى اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى أَهْلِ النَّارِ مِنْ تَعْمِيرِ «3» أَرْوَاحِهِمْ فِي أَبْدَانِهِمْ لَمَاتُوا مِنَ الْحَسْرَةِ- ثم قال سبحانه: إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ يعني إذا قضي العذاب وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ اليوم وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ- 39- يعني لا يصدقون بما يكون في الآخرة إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها يعني نميتهم ويبقى الرب- جل جلاله- ونرث أهل السماء وأهل الأرض، ثم قال- سبحانه-: وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ- 40- يعني في الآخرة بعد الموت وَاذْكُرْ يا محمد لأهل مكة فِي الْكِتابِ يعني في القرآن أمر إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً يعني مؤمنا بالله تعالى نَبِيًّا- 41- مثل قوله سبحانه: وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ «4» يعني مؤمنة إِذْ قالَ لِأَبِيهِ
آزر يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ
الصوت وَلا يُبْصِرُ
شيئا يعني الأصنام وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً
- 42- في الآخرة يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ يعنى البيان ما لَمْ يَأْتِكَ يعني ما يكون من بعد الموت فَاتَّبِعْنِي على ديني أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا- 43- يعني طريقا عدلا يعني دين الإسلام يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ يعني لا تطع «5» الشيطان في العبادة إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا- 44- يعني عاصيا ملعونا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ يعني أن يصيبك عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ في الآخرة
__________
(1) فيها: ساقطة من أ، ومن حميدية، وهي فى ل.
(2) فى ل: خلود لا موت فيها، ا، ح: فلا موت فيها.
(3) فى أ: تغميم، ل: تعمير.
(4) سورة المائدة: 75.
(5) فى أ: لا تطبع، ل: لا تطع.(2/629)
فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا- 45- يعنى قريبا فى [234 ا] الآخرة فرد عليه أبوه ف قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ يعني لئن لم تسكت لأشتمنك وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا- 46- يعني أيام حياتك ويقال طويلا واعتزلني وأطل هجراني وكل شيء في القرآن لأرجمنك يعني به القتل غير هذا.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ مُقَاتِلٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَاعْتَزِلْنِي سَالِمَ الْعِرْضِ لا يُصِيبُكَ مِنِّي مَعَرَّةٌ قالَ إِبْرَاهِيمُ: سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا- 47- يَعْنِي لَطِيفًا رَحِيمًا وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ «وأعتزل ما تعبدون» «1» من دون الله «من» «2» الآلهة فكان اعتزاله إياهم أنه فارقهم من كوثا فهاجر منها إلى الأرض المقدسة، ثم قال إبراهيم: وَأَدْعُوا رَبِّي في الاستغفار لك عَسى أَلَّا «3» أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا- 48- يعني خائبا بدعائي لك بالمغفرة فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَواعتزل ما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة وهي الأصنام وذهب مهاجرا منها وَهَبْنا لَهُ بعد الهجرة إلى الأرض المقدسة إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا- 49- يعنى إبراهيم، وإسحاق، يعقوب وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا يعني من نعمتنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا- 50- يعني ثناء حسنا رفيقا يثني عليهم جميع أهل الأديان بعدهم وَاذْكُرْ لأهل مكة فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً يعنى مسلما موحدا وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا- 51-
__________
(1) فى أ، ل: واعتزل قوما تعبدون.
(2) «من» : زيادة اقتضاها المقام ليست فى أ، ل.
(3) فى أ: أن لا.(2/630)
وَنادَيْناهُ يعني دعوناه ليلة الجمعة مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ يعني من ناحية الجبل وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا- 52- يعني كلمناه من قرب وكان بينهما حجاب خفي سمع صرير القلم ويقال صريف القلم وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا- 53- فوهب الله- عز وجل- له أخاه هارون وذلك حين «1» سأل موسى- عليه السلام- ربه- عز وجل- فقال- وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي «2» وحين قال فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ «3» وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ يعني واذكر لأهل مكة فى القرآن أمر إِسْماعِيلَ بن إبراهيم لصلبه إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وذلك أن إسماعيل- عليه السلام- وعد رجلا أن يقيم مكانه حتى يرجع إليه. فأقام ثلاثة أيام للميعاد حتى رجع الرجل إليه وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا- 54- وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ كقوله- سبحانه- فى طه: وَأْمُرْ أَهْلَكَ «4» يعني قَوْمَكَ بِالصَّلاةِ وفي قراءة ابن مسعود «وكان يأمر قومه بالصلاة» وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا- 55- وَاذْكُرْ لأهل مكة فِي الْكِتابِ يعني القرآن إِدْرِيسَ وهو جد أبي نوح واسمه أخنوخ- عليه السلام-[234 ب] إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً يعني مؤمنا بتوحيد الله- عز وجل- نَبِيًّا- 56- وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا- 57- يعني في السماء الرابعة، وفيها مات وذلك حين دعا للملك الذي يسوق الشمس «5» أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بالنبوة مِنَ النَّبِيِّينَ
__________
(1) فى أ: أن حين، ل: حين.
(2) سورة طه: 29- 30.
(3) سورة الشعراء: 13.
(4) سورة طه: 132.
(5) من ل، وفى أ: وذلك حين دعا ربه الملك الذي يسوقه الشمس. [.....](2/631)
يعني هؤلاء «1» الذين سموا في هؤلاء الآيات مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ «2» ثم إدريس وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ في السفينة يقول ومن ذرية من حملنا مع نوح في السفينة وهو إبراهيم وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب وَمن ذرية إِسْرائِيلَ وهو يعقوب، وموسى، وهارون، وَمِمَّنْ هَدَيْنا للإسلام وَاجْتَبَيْنا واستخلصنا للرسالة والنبوة إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ يعني إذا قرئ عليهم كلام الرحمن يعني القرآن خَرُّوا سُجَّداً على وجوههم وَبُكِيًّا- 58- يعني يبكون نزلت في مؤمني أهل التوراة عبد الله بن سلام وأصحابه نظيرها في بني إسرائيل يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً «3» ، وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ «4» فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ يعني من بعد النبيين خلف السوء يعني اليهود، فهذا مثل ضربه الله- عز وجل- لأمة محمد- صلى الله عليه وسلم- يقول: ولا تكونوا خلف السوء مثل اليهود، ثم نعتهم فقال- سبحانه-: أَضاعُوا الصَّلاةَ يعني أخروها عن مواقيتها وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ يعني الذين استحلوا تزويج بنت الأخت من الأب نظيرها في النساء الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ «5» يعنى الزنا فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا- 59- في الآخرة وهو واد في جهنم إِلَّا مَنْ تابَ من الشرك وَآمَنَ بمحمد- صلى الله عليه وسلم- يعني وصدق بتوحيد الله- عز وجل- وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ يعنى ولا ينقضون شَيْئاً- 60- من أعمالهم
__________
(1) فى ل: هؤلاء، ا: بهؤلاء.
(2) فى أ: فهو، ل: ثم.
(3) سورة الإسراء: 107.
(4) سورة الإسراء: 109.
(5) سورة النساء: 27.(2/632)
الحسنة حتى يجازوا بها فيجزيهم ربهم جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ المؤمنين على ألسنة الرسل في الدنيا بِالْغَيْبِ ولم يروه إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا- 61- يعني جائيا لا خلف له لا يَسْمَعُونَ فِيها يعني في الجنة لَغْواً يعني الحلف إذا شربوا الخمر يعني لا يحلفون كما يحلف أهل الدنيا إذا شربوا.
نظيرها في الواقعة «1» ، وفي الصافات، ثم قال: إِلَّا سَلاماً يعني سلام الملائكة عليهم فيها وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا- 62- يعني بالرزق الفاكهة على مقدار طرفي النهار في الدنيا، ثم أخبر عنهم فقال سبحانه: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا- 63- يعني مخلصا لله- عز وجل- وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ وذلك
أن جبريل- عليه السلام- احتبس على «2» النبي- صلى الله عليه وسلم- أربعين يوما، ويقال ثلاثة أيام فقال مشركو «3» مكة [235 أ] : قد ودعه ربه وقلاه. فلما نزل جبريل- عليه السلام- قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: يا جبريل ما جئت حتى اشتقت إليك.
قال: وأنا إليك كنت أشد شوقا.
ونزل في قولهم وَالضُّحى، وَاللَّيْلِ إِذا سَجى، أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ ... جميعا «4» . وقال جبريل- عليه السلام-: «وَما نَتَنَزَّلُ» من السماء «إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ» ، لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينا من أمر الآخرة وَما خَلْفَنا من أمر الدنيا وَما بَيْنَ ذلِكَ يعني ما بين الدنيا والآخرة، يعني ما بين النفختين وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا- 64- لقول كفار مكة نسيه ربه وقلاه، يقول: لم ينسك ربك يا محمد رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعنى
__________
(1) سورة الواقعة: 25 وتمامها لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً.
(2) هكذا فى أ، ل، والأنسب: عن.
(3) فى أ: مشركي، مشركو. وأمام الواو ألف.
(4) أى نزلت سورة الضحى، وألم نشرح لك، جميعهما، للرد على المشركين.(2/633)
والأرضين وَما بَيْنَهُما من الخلق فَاعْبُدْهُ يعني فوحده وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ يقول واصبر على توحيد الله- عز وجل- ولا تعجل حتى يأتيك أمري، ثم قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا- 65- يقول- جل جلاله- هل تعلم من الآلهة من شيء «1» اسمه الله- عز وجل-، لأن الله- تعالى ذكره- يمنعهم من ذلك. «وَيَقُولُ الْإِنْسانُ وهو أبى بن خلف الجمحي أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا- 66- من الأرض بعد الموت «2» » يقول ذلك تكذيبا بالبعث «3» .
يقول الله- عز وجل- يعظه ليعتبر أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ يقول أو لا يتذكر الإنسان في خلق نفسه أَنَّا خَلَقْناهُ أول مرة يعني أول خلق خلقناه «مِنْ قَبْلُ «4» » وَلَمْ يَكُ شَيْئاً- 67- فأقسم الرب- عز وجل- ليبعثنهم فى الآخرة فقال: فَوَ رَبِّكَ يا محمد لَنَحْشُرَنَّهُمْ يعني لنجمعنهم وَالشَّياطِينَ معهم الذين أضلوهم في الآخرة ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ يعني في جهنم جِثِيًّا- 68- يعني جميعا على الركب ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ يقول لنخرجن ثم نبدأ بهم من كل ملة أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا- 69- يعني عتوا في الكفر يعني القادة فيعذبهم في النار ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا- 70-
__________
(1) فى أ: شيئا، ل: شيء، تعلم من أخوات ظن تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، إذا كانت بمعنى اعلم فإن كانت بمعنى تعلم الحساب ونحوه تعدت لواحد (منهج السالك إلى ألفية ابن مالك) : 182.
(2) تفسير الآية 66: ساقط من أ، وهو من ل.
(3) فى ل: بالبعث، ا: بالبعث أنه لا يبعث.
(4) «من قبل» : ساقطة من أ، ل.(2/634)
يعني من هو أولى بها يعني القادة فى الكفر وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها يعني وما منكم أحد إلا داخلها يعني جهنم البر والفاجر.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: حدثني أبي، قال: حَدَّثَنَا الْهُذَيْلُ عَنْ مُقَاتِلٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ الأَزْرَقِ: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْوُرُودِ فَقَالَ:
يَا نَافِعُ، أَمَّا أَنَا وَأَنْتَ فَنَدْخُلُهَا فَانْظُرْ هَلْ نَخْرُجُ مِنْهَا أَمْ لا «1» .
حَدَّثَنَا عبيد الله قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل عن مقاتل، عن الضحاك، عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ: لِلْوُرُودِ «2» . فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَةُ «3» مَوَاضِعَ يَعْنِي بِهِ الدُّخُولَ.
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها «4» يعنى داخلها.
فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ «5» يَعْنِي فَأَدْخَلَهُمْ.
حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ «6» يَعْنِي دَاخِلُونَ.
لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوها «7» يعنى ما دخلوها.
__________
(1) فى حاشية أ: وهذا كما أشار إليه بعضهم فقال: إنّى خائف لأنه- تعالى- ذكر الورود ولم يذكر الصدور وهذا وإن لم يذكر فى الآية هذه فهو مأخوذ من آيات أخر، وأحاديث كثيرة، بعدم خلود الموحدين ولو كانوا من أصحاب الكبائر.
وإنما قال هذا من قاله خوفا من سوء العاقبة، ظهر للكاتب. [.....]
(2) فى أ: للورود، ل: الورود.
(3) فى أ: أربع، ل: أربعة.
(4) سورة مريم: 71.
(5) سورة هود: 98.
(6) سورة الأنبياء: 98.
(7) سورة الأنبياء: 99.(2/635)
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثني الهذيل عن مقاتل، قال:
[234 ب] يجعل الله النار على المؤمنين يومئذ بردا وسلاما، كما جعلها على إبراهيم- عليه السلام-، فذلك قوله- عز وجل- كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا- 71- قال قضاء واجبا قد قضاه في اللوح المحفوظ، أنه كائن لا بد غير الأنبياء- عليهم السلام- فتكون على المؤمنين بردا وسلاما ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا الشرك منها يعني أهل التوحيد فنخرجهم منها وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ يعني المشركين فِيها يعني في جهنم جِثِيًّا- 72- على الركب وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا يعني القرآن بَيِّناتٍ يعني واضحات قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا وهم النضر بن الحارث بن علقمة وغيره لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وذلك أنهم لبسوا أحسن الثياب، ودهنوا الرءوس، ثم قالوا للمؤمنين أي الفريقين نحن أو أنتم خير يعني أفضل مقاما للمساكن من مساكن «1» مكة ومثله في حم الدخان وَمَقامٍ كَرِيمٍ «2» يعني ومساكن طيبة وَأَحْسَنُ نَدِيًّا- 73- يعني مجالسا، كقوله سبحانه: وَتَأْتُونَ «3» فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ «4» يعني في مجالسكم يقول الله- عز وجل- يخوفهم: وَكَمْ أَهْلَكْنا بالعذاب في الدنيا قَبْلَهُمْ قبل أهل مكة مِنْ قَرْنٍ يعني أمة كقوله- عز وجل-:
أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ «5» يعنى الأمم الخالية هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً يعنى ألين متاعا
__________
(1) فى أ، ل: للمساكين وهو تحريف.
(2) سورة الدخان: 26، وتمامها: «وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ» .
(3) فى أ: تأتون.
(4) سورة العنكبوت: 29.
(5) سورة يونس الآية 13 وتمامها «وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ» .(2/636)
وَرِءْياً- 74- وأحسن منظرا من أهل مكة فأهلك الله- عز وجل- أموالهم وصورهم قُلْ لهم مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ يعني من هو في الشرك فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا في الخير لقولهم للمؤمنين «أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً» حَتَّى إِذا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ في الدنيا يعني القتل ببدر وَإِمَّا السَّاعَةَ يعني القيامة فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً يعني شر منزلا وَأَضْعَفُ جُنْداً- 75- يعني وأقل فئة هم أم المؤمنون وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً من الضلالة يعني يزيدهم إيمانا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ وهي أربع كلمات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، من قالها فهو خَيْرٌ يعني أفضل عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَالآخرة خَيْرٌ مَرَدًّا- 76- يعني أفضل مرجعا من ثواب الكافر «1» النار ومرجعهم إليها. أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا آيات القرآن نزلت في العاص بن وائل بن هشام بن سعد بن سعيد بن عمرو بن هصيص بن كعب ابن لؤي السهمي وذلك أن خباب بن الأرت صاغ له شيئا «2» من الحلي. فلما طلب منه الأجر قال لخباب- وهو مسلم حين طلب أجر الصياغة-: ألستم تزعمون أن في الجنة الحرير والذهب والفضة وولدان «3» [236 ا] مخلدون. قال خباب ابن الأرت: نعم. قال العاص: فميعاد ما بيننا الجنة. وَقالَ «4» لَأُوتَيَنَّ في الجنة يعني في الآخرة مَالا وَوَلَداً- 77- أفضل مما أوتيت في الدنيا،
__________
(1) فى أ، ل: الكافر. والأنسب الكافرين.
(2) فى أ: شيء، ل: شيئا.
(3) فى أ: الولدان، ل: وولدان. [.....]
(4) فى أ، ل: ثم «قال» .(2/637)
فأقضيك في الآخرة يقول ذلك مستهزئا لأنه «1» لا يؤمن بما في القرآن من الثواب والعقاب يقول الله- تعالى-: أَطَّلَعَ على الْغَيْبَ يعني العاص حين يقول أنه «2» يعطى في الآخرة ما يعطى المؤمنون أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً- 78- يقول أم اعتقد عند الرحمن التوحيد كَلَّا لا يعطى العاص ما يعطي المؤمنون، ثم استأنف فقال سبحانه: سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ يعنى من الحفظة من الملائكة تكتب ما يقول العاص أنه يعطى ما يعطى المؤمنون في الجنة، وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا- 79- يعني الذي لا انقطاع له وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ أنه يعطى في الجنة ما يعطى المؤمنون فنرثه عنه ويعطاه غيره، ثم قال- سبحانه-:
وَيَأْتِينا فَرْداً- 80- العاص في الآخرة ليس معه شيء من دنياه. ثم ذكر كفار مكة العاص، والنضر، وأبا جهل، وغيرهم فقال سبحانه: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً يعني اللات، والعزى، ومناة، وهبل، لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا- 81- يعني منعا يمنعونهم من الله- عز وجل- نظيرها في يس وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ «3» يعني يمنعون، يقول الله- عز وجل-: كَلَّا لا تمنعهم الآلهة من الله، ثم استأنف فقال: سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ يقول ستبرأ الآلهة في الآخرة من كل من كان يعبدها في الدنيا وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا- 82- يقول تكون آلهتهم يومئذ لهم أعداء، كقوله سبحانه: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ «4» يعنى للناس، وكقوله
__________
(1) فى أ: بالآية، ل: لأنه.
(2) فى أ: «يعطا» ، بالألف.
(3) سورة يس: 74.
(4) سورة البقرة: 143.(2/638)
سبحانه: وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ «1» يعني للنصب أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ يعني المستهزئين من قريش حين قال سبحانه لإبليس وهو الشيطان وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ... «2» يعني بدعائك إلى آخر الآية، ثم قال سبحانه: تَؤُزُّهُمْ أَزًّا- 83- يعني تزعجهم إزعاجا وتغريهم إغراء تزين لهم الذي هم عليه من الشرك ويقول إن الأمر الذي أنتم عليه لأمر حق فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ يقول للنبي- صلى الله عليه وسلم- فلا تستعجل لهم بالعذاب إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ آجالهم عَدًّا- 84- يعني الأنفاس ثم ننزل بهم العذاب يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ الشرك يعنى الموحدين إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً- 85- على النجائب على رحلاتها «3» منابر «4» الحضر وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً- 86- يرونها فى الدخول [236 ب] وهم عطاش لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ يقول لا تقدر الملائكة «5» على الشفاعة لأحد، ثم استثنى فقال: إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً- 87- يعني إلا من اعتقد التوحيد عند الرحمن- جل جلاله- وهي شهادة ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً- 88- من الملائكة حين قالوا إنهن بنات الله- تعالى- منهم النضر ابن الحارث، يقول الله- عز وجل-: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا- 89- يقول قلتم قولا عظيما نظيرها في بني إسرائيل: إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً «6» حين
__________
(1) سورة المائدة: 3.
(2) سورة الإسراء: 64.
(3) فى أ: رحالتها، ل: رحلاتها.
(4) فى أ: المياثر الخضر، ل: منابر الحضر.
(5) فى أ، ل: المليكة.
(6) سورة الإسراء: 40.(2/639)
قالوا الملائكة بنات الرحمن- عز وجل- تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ يعني مما قالوا أن الملائكة بنات الرحمن وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ من أطرفها وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا- 90- يعني وقعا «1» وإنما ذكر السموات، والأرض، والجبال لعظمهن وشدتهن، مما قالوا من البهتان أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً- 91- أن قالوا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً- 92- إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من الملائكة وغيرهم وعزير، وعيسى، ومريم، وغيرهم فهؤلاء في الأرض إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً- 93- يقول إلا وهو مقر له بالعبودية لَقَدْ أَحْصاهُمْ يقول أحصى أسماءهم في اللوح المحفوظ وَعَدَّهُمْ عَدًّا- 94- يقول- سبحانه- علم عددهم وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يقول وكل من فيهما «2» جائيه في الآخرة يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً- 95- يعني وحده ليس معه من دنياه شيء إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا- 96- يقول يجعل محبتهم في قلوب المؤمنين فيحبونهم فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ يقول فإنما بيناه على لسانك يا محمد يعني القرآن لِتُبَشِّرَ بِهِ يعني بما في القرآن الْمُتَّقِينَ الشرك يعني الموحدين وَتُنْذِرَ بِهِ يعني بما في القرآن من الوعيد قَوْماً لُدًّا- 97- يعنى جدلاء خصماء بالبطل نظيرها فى البقرة وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ «3» يعني جدلا خصما بالباطل: الأخنس بن شريق ثم خوف كفار مكة فقال- سبحانه-:
__________
(1) فى أ، ل: وقعا. والأنسب: وقوعا.
(2) فى أ، ل: فيها.
(3) سورة البقرة: 204 وتمامها: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ» . [.....](2/640)
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ يعني بالعذاب في الدنيا مِنْ قَرْنٍ يعني قبل كفار مكة من أمة هَلْ تُحِسُّ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول هل ترى مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً- 98- يعني صوتا يحذر بمثل عذاب الأمم الخالية لئلا يكذبوا محمدا- صلى الله عليه وسلم.
آخر الجزء الأول من تفسير مقاتل بن سليمان.
يليه «1» فى أول الجزء الثاني أول سورة طه.
__________
(1) نسخة ل (كوبريلى) نسخة متصلة ليس فيها جزء أول وثان.
أما نسخة ا (أحمد الثالث) فجزءان. جزء أول من أول القرآن إلى آخر سورة مريم. والثاني من سورة طه إلى القرآن.
وقد جاء فى آخر الجزء الأول من نسخة أ (أحمد الثالث) فى الحاشية ما يأتى:
والحمد لله رب العالمين. نقلت هذا الجزء من نسخة المحمودية بالقاهرة المحروسة وليس فيها بل ولا فى غيرها القرآن مميزا بالأحمر، وإن وجد فنادر فرأيت تميزه عن التفسير لتسهل مراجعته، وما كان فيه التقدير بارز بين المعطوفات، كما فى قوله تعالى فى سورة مريم- وقد مر قريبا- «خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ» الآخرة «خَيْرٌ مَرَدًّا» فإن كان صوابا فمن فضل الله، وإن كان غير ذلك فليصلح بالأسود، وفيه أيضا مواضع القرآن فيها متروك فربما ظن ظان أنه سقط من الكاتب. وقد كتبت بعض ذلك على الهامش فليعلم، والحمد لله وحده.
وكتبه العبد الفقير محمد أحمد عمر السنبلاوينى الشافعي مذهبا. الأشعرى معتقدا بالقاهرة المحروسة غفر الله له، ولوالديه ولجميع المسلمين آمين.
وكان الفراغ من تعلقته يوم الإثنين المبارك خامس عشر ذى الحجة الحرام سنة ست وثمانمائة وحسبنا الله ونعم الوكيل.
أقول، ومن هذا التعليق نعرف أن كاتب نسخة أحمد الثالث محمد أحمد عمر. قد ميز القرآن بالخط الأحمر.
تفسير مقاتل- 41(2/641)
__________
ونعرف كذلك أن النسخة الأصلية- وهي نسخة المحمودية- كانت خلوا من هذا التمييز.
وفى مواضع متعددة تجد القرآن قد أدمج فى التفسير وسبك به من غير تميز للقرآن فكان الكاتب كتبه على ذلك فى الحاشية حينا ويترك التنبيه أحيانا. وقد وضحت كل هذا أثناء التحقيق والحمد لله.
كما نعرف أن القرآن كان يختلط بغيره فى النسخة الأصلية- التي نقل عنها الناسخ. فعمد الناسخ إلى إظهار القرآن وتميزه عن المقدر بين المعطوفات. مثل «خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ» الآخرة «خَيْرٌ مَرَدًّا» فقد كانت كلمة الآخرة تختلط بالقرآن. فميزها.
تم الجزء الثاني من تفسير مقاتل بن سليمان ويليه الجزء الثالث وأوله تفسير سورة طه(2/642)
[الجزء الثالث]
سورة طه(3/7)
[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 135]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
طه (1) مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (2) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (3) تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (4)
الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5) لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (7) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (8) وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (9)
إِذْ رَأى نَارًا فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (10) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يَا مُوسى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14)
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (15) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (16) وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسى (17) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (18) قالَ أَلْقِها يَا مُوسى (19)
فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (20) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (23) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (24)
قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29)
هارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (34)
إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (35) قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (37) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ مَا يُوحى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (39)
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يَا مُوسى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44)
قَالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (46) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48) قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يَا مُوسى (49)
قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (50) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (51) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (52) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (54)
مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (55) وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (56) قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يَا مُوسى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (58) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59)
فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (60) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (61) فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (62) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (64)
قالُوا يَا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (65) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (67) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (69)
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (70) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (71) قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى مَا جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (74)
وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (79)
يَا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (82) وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسى (83) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (84)
قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قالُوا مَا أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هَذَا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (88) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (89)
وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (91) قالَ يَا هارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)
قالَ فَما خَطْبُكَ يَا سامِرِيُّ (95) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (97) إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (98) كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (99)
مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (100) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (101) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (102) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (104)
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (105) فَيَذَرُها قَاعًا صَفْصَفاً (106) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً (108) يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (109)
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (110) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (112) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (113) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114)
وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (115) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (116) فَقُلْنا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (117) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (119)
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (120) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (121) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (122) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (124)
قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (126) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (128) وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)
فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (130) وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (132) وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولى (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (134)
قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (135)(3/9)
سورة طه «1» (13) سورة مكية «2» وهي خمس وثلاثون ومائة آية كوفى.
__________
(1) المقصود الإجمالى للسورة:
معظم ما اشتملت عليه سورة طه هو ما يأتى:
تيسير الأمر على الرسول- صلّى الله عليه وسلم-، وذكر الاستواء، وعلم الله- تعالى- بالقريب والبعيد، وذكر حضور موسى- عليه السلام- بالوادي المقدس، وإظهار عجائب عصاء واليد البيضاء، وسؤال شرح الصدر وتيسير الأمر وإلقاء التابوت فى البحر وإثبات محبة موسى فى القلوب، واصطفاء الله- تعالى- موسى، واختصاصه بالرسالة إلى فرعون، وما جرى بينهما من المكالمة، والموعد يوم الزينة، وحيل فرعون وسحرته بالحبال والعصىّ، وإيمان السحرة وتعذيب فرعون لهم، والمنة على بنى إسرائيل بنجاتهم من الغرق، وتعجيل موسى: والمجيء إلى الطور، ومكر السامري فى صنعه العجل وإضلال القوم، وتعبير موسى هارون بسبب ضلالتهم، وحديث القيامة، وحال الكفار فى عقوبتهم، ونسف الجبال، وانقياد المنكرين فى ربقة طاعة الله الحي القيوم، وآداب قراءة القرآن، وسؤال زيادة العلم والبيان، وتعبير آدم بسبب النسيان، وتنبيهه على الوسوسة ومكر الشيطان، وبيان عقوبة نسيان القرآن، ونهى النبي عن النظر إلى أحوال الكفار وأهل الطغيان، والالتفات إلى ما خولوا: من الأموال، والولدان، وإلزام الحجة على المنكرين بإرسال الرسل بالبرهان، وتنبيه الكفار على انتظار أمر الله فى قوله: «قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ ... » إلى آخر السورة.
(2) فى المصحف المطبوع (20) سورة طه مكية إلا آيتي 130، 131 فمدنيتان، وآياتها 135 نزلت بعد سورة مريم.(3/19)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ طه- 1- مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى - 2- وذلك
أن أبا جهل والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث والمطعم بن عدي قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: إنك لتشقى حين تركت دين آبائك فائتنا «1» ببراءة أنه ليس مع إلهك إله، فقال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم-، بل بعثت رحمة للعالمين
قالوا بل أنت شقي فأنزل الله- عز وجل- في قولهم للنبي- صلى الله عليه وسلم- «طه» يعني يا رجل وهو بالسريانية، ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى يعني ما أنزلناه عليك «2» إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى - 3- الله تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ كلها وَالسَّماواتِ السبع الْعُلى «3» - 4- يعني الرفيع «4» من الأرض الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى - 5- فى التقديم قبل خلق السموات والأرض
__________
(1) فى أ: فاتنا.
(2) «عليك» : من فيض الله، ف.
(3) فى أ: العلا، ف: العلى.
(4) كذا فى أ (أحمد الثالث) ، ل (كوير يلي) ، ف (فيض الله) ، م (أمانة) ، ح (حميدية) : والمراد المرتفعة فوق الأرض، قال النسفي فى تفسيره: «والعلى جمع العلياء، تأنيث الأعلى» ووصف السموات بالعلى دليل ظاهر على عظم قدرة خالقها) .(3/20)
يعني استقر «1» ، ثم عظم الرب- عز وجل- نفسه فقال- سبحانه-: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى - 6- يعني بالثرى الأرض السفلى وتحتها الصخرة والملك والثور والحوت والماء والريح تهب في الهواء «2» وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم-، وإن تعلن بالقول فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ يعني ما أسر العبد في نفسه وَما أَخْفى - 7- من السر «ما لا يعلم العبد أنه يعلمه وهو عامله، فيعلم الله ذلك كله «3» » . ثم
__________
(1) الله- تعالى- منزه عن مشابهة الحوادث، وهذا الوصف للرحمن بأنه استقر على العرش فيه مشابهة بالحوادث، يتنزه الله عن ذلك.
قال، فى ظلال القرآن: ( «الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» الاستواء على العرش كناية عن غاية السيطرة والاستعلاء. فأمر الناس إذن إلى الله وما على الرسول إلا التذكرة لمن يخشى) .
وقال ابن جرير الطبري: ( «الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» يقول- تعالى ذكره- الرحمن على عرشه ارتفع وعلا) .
وقال النسفي: ( «الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» أى استولى عن الزجاج ونبه بذكر العرش وهو أحد المخلوقات على غيره.
وقيل لما كان الاستواء على العرش سرير الملك مما يرادف الملك جعلوه كناية عن الملك فقالوا استوى فلان على العرش أى ملك، وإن لم يقعد على السرير البتة وهذا كقولك به فلان مبسوطة أى جواد وإن لم يكن له يد رأسا.
والمذهب قول على ... رضى الله عنه- الاستواء غير مجهول والتكليف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عند بدعة لأنه- تعالى- كان ولا مكان فهو قبل خلق المكان لم يتغير عما كان.
(انظر تفسير النسفي م: 48) .
(2) فى أ: الهوى، والكلمة ساقطة من (ز) وفى ف: الهواء.
(3) من ز، وفى أ: وما لا يعلمه العبد أنه يعمله فهو عالمه وعالم يعمله وهو عالمه فيعلم الله- عز وجل- ذلك» .
وفى ل: «ما لا يعلم العبد أنه يعمله فهو عالمه» وما لم يعمله وهو عامله فيعلم ذلك» .
وفى ف: «ما لا يعلمه العبد أنه يعلم فهو عالمه، وما لم يعلمه وهو عامله وهو عامله (كذا) فيعلم الله ذلك كله» .(3/21)
وحد نفسه- تبارك وتعالى- إذ لم «يوحده» «1» كفار مكة فقال- سبحانه-:
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى - 8- وهي التي فى آخر سورة الحشر «2» ونحوه لقولهم ائتنا ببراءة أنه ليس مع إلهك إله وَهَلْ أَتاكَ يقول «وقد جاءك «3» » حَدِيثُ مُوسى - 9- إِذْ رَأى ناراً ليلة الجمعة في الشتاء بأرض المقدسة «4» فَقالَ لِأَهْلِهِ يعني امرأته وولده امْكُثُوا مكانكم إِنِّي آنَسْتُ ناراً يعني إني رأيت نارا وهو نور رب العالمين- تبارك وتعالى- لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ فأقتبس النار لكي «5» تصطلون من البرد أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً- 10- يعني من يرشدني إلى الطريق وكان موسى- عليه السلام- قد تحير ليلا وضل الطريق فلما انتهى إليها سمع تسبيح الملائكة ورأى نورا عظيما فخاف وألقى الله- عز وجل- عليه السكينة فَلَمَّا أَتاها انتهى إليها [2 ب] نُودِيَ يَا مُوسى - 11- إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ من قدميك وكانتا من جلد حمار ميت غير ذكى «6» فخلعهما موسى
__________
(1) ن ز، وفى ل: يوحدوه.
(2) يشير إلى الآيات 22، 23، 24 من سورة الحشر وهي: «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ، هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»
(3) فى أ: قد جاءك، ر: وقد أتاك. [.....]
(4) فى أ، ز، ل، ف: بأرض المقدسة، والأنسب بالأرض المقدسة.
(5) فى الأصل: لعلكم لكي.
(6) فى كتب الفقه يطهر الجلد ونحوه بالدبغ، فالمقصود أن الجلد كان غير مدبوغ أو غير طاهر، وفى أ: ذكى، ز: زكى، أهـ.
أقول: والزكاة فى اللغة النماء والطهارة لأنها تنمى المال وتطهره.
- فعن غير زكى أى غير طاهر، ويسمى الذبح: الذكاة قال- تعالى- إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ سورة المائدة: 3. أى ذبحتم.(3/22)
- عليه السلام- وألقاهما من وراء الوادي إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ يعني بالوادي المطهر طُوىً- 12- وهو اسم الوادي وَأَنَا اخْتَرْتُكَ يا موسى للرسالة فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى - 13- يعني للذي يوحى إليك والوحي ما ذكر الله- عز وجل-: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي قال: حدثنا الهذيل عن مقاتل، عن علقمة ابن مرثد، عن كعب: أن موسى- عليه السلام- كلمه ربه مرتين، ورأى محمد- صلى الله عليه وسلم ربه- جل جلاله- مرتين، وعصى آدم- عليه السلام- ربه- تعالى- مرتين.
حدثنا عبيد الله، قال: وحدثني أبي عن الهذيل، عن حماد بن عمرو النصيبي «1» عن عبد الحميد بن يوسف قال صياح الدراج: «الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى «2» » .
حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْهُذَيْلِ، عَنْ صيفي بن سالم، عن عمرو ابن عبيد عن الحسن، في قوله- عز وجل- « ... أَكادُ أُخْفِيها ... » «قال أخفيها «3» » من نفسي قال هذيل ولم أسمع مقاتلا.
قوله- سبحانه-: فَاعْبُدْنِي يعني فوحدني فإنه ليس معي إله، ثم قال- تعالى- وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي- 14- يقول لتذكرني بها يا موسى ثم استأنف إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ يقول إن الساعة جائية لا بد أَكادُ أُخْفِيها من نفسي في قراءة ابن مسعود فكيف يعلمها أحد وقد كدت أن
__________
(1) ف: النصيبي، أ: البصبى، ل: النصبى، وهذه الأسانيد كلها موجودة فى أ، ل، ق وساقطة من ز.
(2) سورة الرحمن: 5.
(3) قال أخفيها: من ل، وليست فى أ.(3/23)
أخفيها من نفسي لئلا يعلمها مخلوق لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ يقول- سبحانه- الساعة آتية لتجزى كل نفس بر وفاجر «1» بِما تَسْعى - 15- إذا جاءت الساعة يعني بما تعمل في الدنيا فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها يا محمد يعني عن إيمان بالساعة مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها يعني من لا يصدق بها أنها كائنة وَاتَّبَعَ هَواهُ ثم قال للنبي- صلى الله عليه وسلم- فَتَرْدى - 16- يعني فتهلك إن صدوك عن الإيمان بالساعة، فيها تقديم، ثم قال- عز وجل- في مخاطبته لموسى- عليه السلام- وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسى - 17- يعني عصاه كانت بيده اليمنى، قال ذلك لموسى «2» - عليه السلام- وهو يريد أن يحولها حية قالَ موسى- عليه السلام-: هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها يقول أعتمد عليها إذا مشيت وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي يقول أخبط بها الشجر فيتهاش الورق في الأرض فتأكله غنمي إذا رعيتها وكانت صغارا «3» لا تعلون «4» الشجر، وكان «5» [13] موسى- عليه السلام- يضرب بعصاه الشجر فيتهاش «6» الورق في الأرض فتأكله غنمه «7» .
وَلِيَ فِيها يعني في العصا مَآرِبُ أُخْرى - 18- يعني حوائج أخرى وكان موسى- عليه السلام- يحمل زاده وسقاءه على عصاه ويضرب الأرض بعصاه فيخرج
__________
(1) كذا فى أ، ل، ف، وفى ؤ: (لتجزى كل بر وفاسق) ولعل كلمة سقطت منها فالراجح أن أصلها (لتجزى كل «نفس» بر وفاجر) .
(2) من ل، وفى أ: قال ذلك وجل لموسى، ولعل أصله- عز وجل-.
(3) فى أ: وكانت صفارا، ل: وكن صفارا.
(4) فى أ: ل، ف: لا تعلون.
(5) فى أ: وكان، ف: فكان.
(6) فى ف: فيتهاوش، أ: فيتهاش.
(7) فى ف: غنمي، أ: غنمه.(3/24)
ما يأكل يومه ويركزها في الأرض فيخرج الماء فإذا رفعها ذهب الماء وتضيء بالليل في غير قمر ليهتدي بها ويرد بها غنمه عليه فتقيه بإذن الله- عز وجل- من الآفات ويقتل بها الحيات والعقارب بإذن الله- عز وجل-.
حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الْهُذَيْلِ، عَنْ مُقَاتِلٍ، قال: دفع جبريل- عليه السلام- «العصا» «1» إلى موسى- عليه السلام- وهو متوجه إلى مدين بالليل، واسم العصا نفعة «2» .
قالَ الله- عز وجل-: أَلْقِها يا مُوسى - 19- فَأَلْقاها من يده اليمنى فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى - 20- على بطنها ذكرا أشعر له عرف فخاف موسى- عليه السلام- أن يأخذها ف قالَ له وبه- عز وجل-:
خُذْها وَلا تَخَفْ منها سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى - 21- يعني سنعيدها عصا كهيئتها الأولى عصا، كما كانت أول مرة، فأهوى موسى بيده إلى ذنبها فقبض عليها فصارت عصا كما كانت وَاضْمُمْ يَدَكَ يعني كفك إِلى جَناحِكَ يعني عضدك تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ يعني من غير برص، فأخرج يده من مدرعته وكانت مضربة «3» فخرجت بيضاء لها شعاع كشعاع الشمس يعنى البصر، ثم قال: آيَةً أُخْرى - 22- يعني اليد آية أخرى سوى العصا لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى - 23- يعني اليد كانت أكبر وأعجب أمرا من العصا فذلك قوله- سبحانه- «فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى «4» يعني اليد اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى - 24-
__________
(1) العصا: من ل، وليست فى أ. [.....]
(2) كذا فى أ، ل، ف.
(3) فى ل: مصرية، ف: مصرية، وفى أ: مضربة، وقد يكون معناها تضرب إلى سواه.
(4) سورة النازعات: 20.(3/25)
يقول إنه عصى، فادعوه إلى عبادتي، واعلم أني قد ربطت على قلبه، فلم يؤمن فأتاه ملك خازن من خزان الريح، فقال له: انطلق لما أمرت قالَ موسى: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي- 25- يقول أوسع لي قلبي قال له الملك: انطلق لما «1» أمرت به فإن هذا «2» قد عجز عنه جبريل وميكائيل وإسرافيل- عليهم السلام-، ثم قال موسى: وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي- 26- يقول وهون علي ما أمرتني به من البلاغ إلى فرعون وقومه ولا تعسره علي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي وكان في لسانه رتة يعني الثقل، هذا الحرف عن محمد بن هانئ «3» .
يَفْقَهُوا قَوْلِي- 28- يعنى [3 ب] كلامي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً يقول بالدخول «4» إلى فرعون يعني عونا مِنْ أَهْلِي- 29- لكي يصدقني فرعون هارُونَ أَخِي- 30- اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي- 31- يقول اشدد به ظهري وليكون عونا لي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي- 32- الذي أمرتني به، يتعظون لأمرنا ونتعاون كلانا جميعا «5» كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً- 33- في الصلاة وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً- 34- باللسان إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً- 35- يقول ما أبصرك بنا قالَ- عز وجل-: قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى - 36-.
ومسألتك لنفسك خيرا، عن العقدة في اللسان ولأخيك وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ يعني أنعمنا عليك مع النبوة مَرَّةً أُخْرى - 37- ثم بين النعمة فقال-
__________
(1) فى أ: لما، ل: بما.
(2) كذا فى أ، ل، والأنسب فإن هذا الأمر.
(3) من هنا ساقط من (ف) إلى قوله- تعالى-: «قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا» .
(4) كذا فى أ، ل.
(5) كذا فى أ، ل، م.(3/26)
سبحانه-: إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ مَا يُوحى - 38- واسمها يوخاند «1» أَنِ اقْذِفِيهِ أن اجعليه فِي التَّابُوتِ والمؤمن الذي صنع التابوت اسمه خربيل بن صابوث «2» فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ يعني في نهر مصر وهو النيل فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ على شاطئ البحر يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ يعني فرعون عدو الله- عز وجل- وعدو لموسى- عليه السلام- وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي فألقى الله- عز وجل- على موسى- عليه السلام- المحبة فأحبوه حين رأوه فهذه النعمة الأخرى وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي- 39- حين قذف التابوت «3» في البحر وحين التقط وحين غذي فكل ذلك بعين الله- عز وجل- فلما التقطه جعل موسى لا يقبل ثدي امرأة إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ مريم فَتَقُولُ لآل فرعون: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ يعني على من يضمه ويرضعه لكم، فقالوا: نعم. فذهبت أخته فجاءت بالأم فقبل ثديها، فذلك قوله- سبحانه-: فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ «4» يعنى كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ عليك وَقَتَلْتَ حين بلغ أشده ثماني عشرة سنة «5» نَفْساً بمصر فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ يعني من القتل، وكان مغموما مخافة أن يقتل مكان القتيل وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً يعني ابتليناك ببلاء على أثر بلاء، يعني بالبلاء النقم منذ يوم ولد إلى أن بعثه الله- عز وجل- رسولا فَلَبِثْتَ سِنِينَ يعني عشر سنين فِي أَهْلِ مَدْيَنَ حين كان مع شعيب- عليهما السلام- ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ
يعنى
__________
(1) فى أ، ل: يوخاند، وذكرت فى مواضع أخرى يوكابد.
(2) من ز، وفى أ، ل: وصنع التابوت لموسى- عليه السلام- جبريل وهو المؤمن من آل فرعون.
(3) فى الأصل: فى التابوت.
(4) كذا فى أ، ل، «يعنى» ساقطة من ز.
(5) من ل، وفى أ: ثمان عشرة سنة.(3/27)
ميقات يَا مُوسى - 40- وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي- 41- وهو ابن أربعين سنة يقول واخترتك لنفسي رسولا اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ هارون بِآياتِي يعني اليد والعصا، وهارون يومئذ غائب بمصر فالتقيا موسى وهارون- عليهما السلام- من قبل أن يصلا إلى فرعون وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي- 42- يقول ولا تضعفا [4 ا] في أمري، في قراءة ابن مسعود «ولا تهنا في ذكري في البلاغ إلى فرعون» يجرئهما «1» على فرعون اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى - 43- يقول عصى الله- عز وجل- أربعمائة سنة فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً يقول ادعواه بالكنية يعني بالقول اللين- هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى، وَأَهْدِيَكَ إِلَى ربك فتخشى- «لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى» «2» - 44- قَالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا يعني أن يعجل علينا بالقتل أَوْ أَنْ يَطْغى - 45- يعنى يستعصى. قالَ لا تَخافا القتل إِنَّنِي مَعَكُما في الدفع عنكما، فذلك قوله- سبحانه-: « ... فلا يصلون إليكما ... «3» » ثم قال: أَسْمَعُ جواب فرعون وَأَرى - 46- يقول وأعلم ما يقول، كقوله: « ... لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بما أراك الله «4» ... » يعني بما أعلمك الله- عز وجل- فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فانقطع كلام الله- عز وجل- لموسى- عليه السلام- فلما أتيا فرعون، قال موسى لفرعون: «فَأَرْسِلْ» «5» مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ يقول
__________
(1) فى ل: يجرئهما، أ: يجيريهما، وفى حاشية أ: يجرئهما من الجراءة. [.....]
(2) ما بين القوسين « ... » ساقط من أ، ل، ز
(3) سورة القصص: 35.
(4) سورة النساء: 105.
(5) فى أ: أرسل، وفى حاشية أ: التلاوة فأرسل.(3/28)
ولا تستعبدهم بالعمل يعني بقوله «معنا» يعني معنا يعني نفسه وأخاه قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ يعني بعلامة مِنْ رَبِّكَ وهي اليد والعصا وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى - 47- يقول والسلام على من آمن بالله- عز وجل- إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ فى الآخرة عَلى مَنْ كَذَّبَ بتوحيد الله- عز وجل- وَتَوَلَّى- 48- يعني وأعرض عنه. قالَ فرعون: فَمَنْ رَبُّكُما يَا مُوسى - 49- قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ من الدواب خَلْقَهُ يعني صورته التي تصلح له ثُمَّ هَدى - 50- يقول هداه إلى معيشته ومرعاه فمنها ما يأكل الحب، ومنها ما يأكل اللحم قالَ فرعون: يا موسى فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى - 51- يقول مؤمن آل فرعون في حم المؤمن « ... يَا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ، مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ... «1» » في الهلاك، فلما سمع ذلك فرعون من المؤمن، قال لموسى: «فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى» فلم يعلم موسى ما أمرهم؟ لأن التوراة إنما أنزلت على موسى- عليه السلام- بعد هلاك فرعون وقومه، فمن ثم رد عليه موسى ف قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ يعنى اللوح المحفوظ لا يَضِلُّ رَبِّي يعني لا يخطئ «2» ذلك الكتاب ربي وَلا يَنْسى - 52- ما فيه. فلما أنزل الله- عز وجل- عليه التوراة أعلمه وبين له فيها القرون الأولى، ثم ذكر موسى- عليه السلام- صنع الله- عز وجل- ليعتبر به فرعون، فقال: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ «مَهْداً» «3» [4 ب] يعني فراشا وَسَلَكَ لَكُمْ يعني وجعل لكم فِيها سُبُلًا
__________
(1) سورة غافر: 30- 31.
(2) فى أ: لا يخطئ ربى، وفى ل: لا يخطئ.
(3) فى أ: مهادا، ز: مهدا.(3/29)
يعني طرقا في الأرض وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ يعنى بالمطر أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى- 53- من الأرض يعني مختلفا من كل لون من النبات منها للدواب ومنها للناس كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ يعني فيما ذكر من هذه الآية لَآياتٍ يعني لعبرة لِأُولِي النُّهى - 54- يعني لذوي العقول في توحيد الله- عز وجل-. هذا قول موسى- عليه السلام- لفرعون، ثم قال الله- عز وجل-: مِنْها خَلَقْناكُمْ يعني أول مرة خلقكم من الأرض من التراب الذي ذكر في هذه الآية التي قبلها وَفِيها نُعِيدُكُمْ إذا متم وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ
يوم القيامة أحياء بعد الموت تارَةً أُخْرى - 55- يعني مرة أخرى وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها يعني فرعون، الآيات السبع:
الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والطمس، والسنين، والعصا، واليد «فَكَذَّبَ» «1» بها، بأنها ليست من الله- عز وجل- وَأَبى - 56- أن يصدق بها وزعم أنها سحر قالَ فرعون لموسى:
أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى - 57- اليد والعصا فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ يعني بمثل سحرك فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً يعني وقتا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً- 58- يعني ميقاتا يعني عدلا كقوله سبحانه: « ... أَصْحَابُ الصراط السوي ... » «2» يعني العدل قالَ موسى لفرعون: مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ يعني يوم عيد لهم في كل سنة يوم واحد وهو يوم النيروز وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى- 59- يعنى نهارا فى اليوم الذي فيه
__________
(1) فى أ: فكذبوا.
(2) سورة طه: 135.(3/30)
العيد، مثل قوله: « ... بَأْسُنا ضُحًى ... «1» »
يعني نهارا. وبعث فرعون شرطة «2» فحشرهم للميعاد فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ يقول أعرض فرعون عن الحق الذي دعى إليه فَجَمَعَ كَيْدَهُ يعني سحرته ثُمَّ أَتى - 60- قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً لقولهم إن اليد والعصا ليستا «3» من الله- عز وجل- وإنها سحر فَيُسْحِتَكُمْ يعني فيهلككم جميعا بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ يعني وقد خسر «4» مَنِ افْتَرى - 61- وقال الكذب على الله- عز وجل- فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ يعني اختلفوا في قولهم بينهم نظيرها في الكهف « ... إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ... » «5» وَأَسَرُّوا النَّجْوى - 62- من موسى وهارون- عليهما السلام- فنجواهم أن قالُوا [5 أ] إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ يعني أرض مصر بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى - 63- يقول يغلبانكم على الرجال والأمثال، جمع أمثل وهو الممتاز من الرجال «6» ، من أهل العقول والشرف، فيتبعون موسى وهارون ويتركون فرعون فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ يعني سحركم هذا قول فرعون لوجوه سحرة قومه ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا يعني جميعا وَقَدْ أَفْلَحَ يعني وقد سعد الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى - 64- يعني من غلب قالُوا يَا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ عصاك من يدك وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نحن أَوَّلَ مَنْ أَلْقى - 65- قالَ بَلْ أَلْقُوا فلما ألقوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ
__________
(1) سورة الأعراف: 98.
(2) فى ل: شرطة، ا: شرطه.
(3) فى الأصل: ليست.
(4) فى ز: وقد خسر، أ: وخسر.
(5) سورة الكهف: 21. [.....]
(6) من ل. وفى أ: يلعبانكم على الرجال، والأمثل من أهل العقول والشرف.(3/31)
يعني إلى موسى مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها «تَسْعى - «1» - 66- وكانت حبالا وهي لا تتحرك فَأَوْجَسَ يعني فوقع فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى - 67- يعني خاف موسى إن صنع القوم مثل صنعه أن يشكوا فيه فلا يتبعوه ويشك «2» فيه من تابعه «3» قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى - 68- يعنى الغالب نظيرها ... وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ... «4» الغالبون هذا قول جبريل لموسى- عليه السلام- عن أمر ربه- عز وجل- وهو على يمينه تلك الساعة وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ يعني عصاه ففعل فإذا هي حية تَلْقَفْ يقول تلقم مَا صَنَعُوا من السحر حتى تلقمت الحبال والعصي إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ يقول إن الذي عملوا هو عمل ساحر يعني كبيرهم وما صنع موسى فليس بسحر وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى - 59- أينما «5» كان الساحر فلا يفلح فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً لله- تبارك وتعالى- وكانوا ثلاثة وسبعين ساحرا أكبرهم اسمه شمعون «6» ، فلما التقمت الحبال والعصي ألقاهم الله- عز وجل- على وجوههم سجدا قالُوا آمَنَّا يعني صدقنا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى - 70- قالَ فرعون:
آمَنْتُمْ لَهُ يعني صدقتم لموسى قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ يقول قبل أن آمركم بالإيمان لموسى إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ يعني لعظيمكم في السحر هو الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ
__________
(1) من 66 إلى 83 طه، ساقط من ز،.
(2) من ل، وفى أ: «ويشكو» ثم أصلحها ثانيا إلى «ويشك» .
(3) فى ل زيادة: (والله أعلم) .
(4) سورة آل عمران: 139، سورة محمد: 35.
(5) فى ل: أينما، أ، إنما.
(6) فى ل: اسمه شمعون، أ: شمعون.(3/32)
يعني اليد اليمنى والرجل اليسرى وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ مثل قوله- تعالى- «أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ... » «1» يعني عليه وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى - 71- أنا أو رب موسى وهارون «وَأَبْقَى» وأدوم عذابا «قالُوا» «2» يعني قالت السحرة: لَنْ نُؤْثِرَكَ» «3» يعني لن نختارك عَلى مَا جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ يعنون اليد والعصا وَلا على الَّذِي فَطَرَنا يعني خلقنا يعنون ربهم- عز وجل- الذي خلقهم فَاقْضِ يعني فاحكم فينا مَا أَنْتَ قاضٍ يعني حاكم من القطع والصلب إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا- 72- إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا [5 ب] يقول إنا صدقنا بتوحيد الله- عز وجل- لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا يقول سحرنا وَيغفر لنا «ما» «4» الذي «أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ» «5» يعني ما جبرتنا عليه مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى - 73- يقول الله- جل جلاله- أفضل منك وأدوم منك يا فرعون فإنك تموت ويبقى الرب وحده- تعالى جده-، لقول فرعون: « ... أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى» «6» إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً يعني مشركا في الآخرة وأنت هو يا فرعون
__________
(1) سورة الطور: 38.
(2) فى أ، ل: «قالت» .
(3) فى أزيادة: على ما، ثم كبرها ثانيا.
(4) فى أ: «الذي» وفى حاشية أ: الآية «وما» .
(5) فى أ: زيادة: «من» ، وليست فى ل.
(6) سورة طه: 71.(3/33)
فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها فيستريح وَلا «يَحْيى» «1» - 74- فتنفعه الحياة، نظيرها في «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى» «2» وَمَنْ يَأْتِهِ في الآخرة مُؤْمِناً يعني مصدقا بتوحيد الله- عز وجل- قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ من الأعمال فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى - 75- يعني الفضائل الرفيعة في الجنة من الأعمال جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يعني تحت البساتين الأنهار خالِدِينَ فِيها لا يموتون وَذلِكَ جَزاءُ يعني الخلود جزاء مَنْ تَزَكَّى- 76- وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي ليلا بأرض مصر فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً من آل فرعون من ورائك وَلا تَخْشى - 77- الغرق في البحر أمامك، لأن بني إسرائيل قالوا لموسى: هذا فرعون قد لحقنا بالجنود وهذا البحر قد غشينا فليس لنا منفذ «3» ، فنزلت «لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى» أوجب ذلك على نفسه- تعالى-: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ- 78- يعنى الغرق وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ القبط وَما هَدى - 79- يقول وما هداهم وذلك أن فرعون قال لقومه في حم المؤمن: « ... مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ «4» الرَّشادِ «5» فأضلهم ولم يهدهم فذلك قوله- عز وجل-: «وَما هَدى» ، كما قال- تعالى-: يَا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ فرعون وقومه
__________
(1) فى أ: «ولا يحيى» بالياء طبقا لتشكيل المصحف. [.....]
(2) سورة الأعلى: 13 وتمامها: «ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى» .
(3) فى أ: منقذ، ل: منفذ.
(4) فى أ: إلا فى سبيل، ل: إلا سبيل.
(5) سورة غافر: 29.(3/34)
وَواعَدْناكُمْ «1» جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ «2» يعني حين سار موسى مع السبعين عن يمين الجبل فأعطي التوراة وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى - 80- في التيه أما المن فالترنجبين كان بين أعينهم بالليل على شجرهم أبيض كأنه الثلج حلو مثل العسل فيغدون عليه فيأخذون منه ما يكفيهم يومهم ذلك ولا يرفعون منه لغد ويأخذون يوم الجمعة ليومين لأن السبت كان عندهم لا يسيحون «3» فيه ولا يعملون فيه هذا لهم وهم في التيه مع موسى- عليه السلام- وتنبت ثيابهم مع أولادهم، أما الرجال فكانت ثيابهم لا تبلى ولا تخرق ولا تدنس، وأما السلوى وهو [6 أ] الطير وذلك أن بني إسرائيل سألوا موسى اللحم وهم في التيه فسأل موسى- عليه السلام- ربه- عز وجل- ذلك، فقال الله: لأطعمنهم أقل الطير لحما فبعث الله- سبحانه- سحابا «4» فأمطرت «5» سمانا- وجمعتهم الريح الجنوب- وهي «6» طير حمر تكون في طريق مصر، فمطرت قدر ميل في عرض الأرض وقدر طول رمح في السماء يقول الله- تعالى- ذكره كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ يعني بالطيبات الحلال من الرزق وَلا تَطْغَوْا فِيهِ يقول ولا تعصوا في الرزق، يعني فيما رزقناكم من المن والسلوى فترفعوا منه لغد وكان الله- سبحانه- قد نهاهم أن يرفعوا منه لغد فعصوا الله- عز وجل- ورفعوا منه وقددوا فتدود ونتن ولولا صنيع بني إسرائيل لم يتغير الطعام أبدا،
__________
(1، 2) فى أ: ووعدناكم.
(3) من أ، وفى ل: لا يسحمون.
(4) سحابا: من ل، وليست فى أ.
(5) فى الأصل: فمطرت.
(6) كذلك فى أ، ل. والضمير عائد على السمان.(3/35)
ولولا حواء زوج آدم- عليهما السلام- لم تخن أنثى زوجها الدهر، فذلك قوله: «وَلا تَطْغَوْا فِيهِ» كقوله- تعالى- لفرعون «1» : « ... إِنَّهُ طَغى «2» يعنى عصى فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي يعني فيجب عليكم عذابي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي عذابي فَقَدْ هَوى - 81- يقول ومن وجب عليه عذابي فقد هلك وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ من الشرك عن عبادة العجل وَآمَنَ يعني وصدق بتوحيد الله- عز وجل- وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى - 82- يعني عرف أن لعمله ثوابا يجازى به كقوله سبحانه: «وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ «3» يعني يعرفون الطريق وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى - 83- «4» يعني السبعين الذين اختارهم موسى حين ذهبوا معه إلى الطور ليأخذوا التوراة من ربه- عز وجل- فلما ساروا عجل موسى- عليه السلام- شوقا إلى ربه- تبارك وتعالى- وخلف السبعين وأمرهم أن يتبعوه إلى الجبل فقال الله- عز وجل- له- «وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ» ؟ - السبعين قالَ لربه- جل وعز-:
هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي يجيئون من بعدي وَعَجِلْتُ يعني أسرعت إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى - 84- يقول حتى ترضى عني قالَ الله- جل جلاله-:
فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ يعنى الذين خلفتهم مع هارون على ساحل البحر سوى السبعين مِنْ بَعْدِكَ بالعجل وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ- 85- حين أمرهم
__________
(1) لفرعون: يعنى عن فرعون.
(2) سورة طه: 24- سورة طه: 43.
(3) سورة النحل: 16.
(4) من تفسير 66 إلى 83 من سورة طه ساقط من ز.(3/36)
بعبادة العجل وكانوا اثني عشر ألفا» «1» فَرَجَعَ مُوسى من الجبل إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ عليهم أَسِفاً حزينا لعبادتهم العجل قالَ لهم يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً يعني حقا كقوله سبحانه في البقرة: « ... وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ... » «2» يعني حقا في محمد- صلى الله عليه وسلم- أن يعطيكم «3» التوراة [6 ب] فيها بيان كل شيء والوعد حين قال- عز وجل-: « ... وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ ... » «4» حين سار موسى مع السبعين ليأخذوا التوراة فطال عليهم العهد يعني ميعاده إياهم أربعين يوما، فذلك قوله- تعالى-: أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ يعني أن يجب عليكم عذاب، كقوله- تعالى-:
« ... قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ... » «5» يعنى عذاب من ربكم فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي- 86- يعني الأربعين يوما وذلك أنهم عدوا الأيام والليالي فعدوا عشرين يوما وعشرين ليلة، ثم قالوا لهارون: قد تم الأجل الذي كان بيننا وبين موسى، فعند ذلك أضلهم السامري قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا ونحن نملك أمرنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً يعني خطايا، لأن ذلك حملهم على صنع العجل وعبادته مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ يقول من حلي آل فرعون الذهب والفضة، وذلك أنه لما مضى خمسة وثلاثون يوما، قال لهم السامري وهو من بني إسرائيل: يا أهل مصر إن موسى لا يأتيكم فانظروا هذا الوزر وهو الرجس
__________
(1) فى أ، ل: اثنى عشر ألفا بيد أن مكان «ألفا» بياض فى أ. [.....]
(2) سورة البقرة: 83.
(3) كذا فى أ، ل. وقد يكون المراد أن عندكم التوراة فيها بيان كل شيء وفيها أمر محمد ورسالته فلا تكتموه.
(4) سورة طه: 80.
(5) سورة الأعراف: 71.(3/37)
الذي على نسائكم وأولادكم من حلي آل فرعون الذي أخذتموه منهم غصبا فتطهروا منه واقذفوه في النار. ففعلوا ذلك وجمعوه فعمد السامري، فأخذه ثم صاغه عجلا لست وثلاثين يوما وسبعة وثلاثين يوما وثمانية وثلاثين يوما، فصاغه في ثلاثة أيام ثم قذف القبضة التي أخذها من أثر حافر فرس «1» جبريل- عليه السلام- فخار العجل خورة واحدة، ولم يثن فأمرهم السامري بعبادة العجل لتسعة وثلاثين يوما، ثم أتاهم موسى- عليه السلام- من الغد لتمام أربعين يوما، فذلك قوله- سبحانه- فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ «يعني هكذا أَلْقَى السَّامِرِيُّ» «2» - 87- الحلي في النار فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً يعني بالجسد أنه لا روح فيه لَهُ خُوارٌ يعني له صوت فَقالُوا «3» قال السامري وحده: هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى معشر بني إسرائيل، وذلك أن بني إسرائيل لما عبروا البحر مروا على العمالقة وهم عكوف على أصنام لهم، قالوا لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة فاغتنمها السامري فلما اتخذه قال: هذا إلهكم وإله موسى معشر بني إسرائيل فَنَسِيَ- 88- يقول فترك موسى ربه وهو هذا، وقد ذهب موسى يزعم خطاب ربه «4» ، يقول الله- جل جلاله- أَفَلا يعني أفهلا يَرَوْنَ أنه «5» أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا أنه لا يكلمهم العجل وَلا يَمْلِكُ يقول لا يقدر لَهُمْ ضَرًّا يقول لا يقدر العجل على أن
__________
(1) فى أ: فرس الرسول. وعلى الرسول خط يشبه الشطب، والكلمة ليست فى ل.
(2) ما بين القوسين « ... » : ساقط من أ، ل. وفى أ: «يعنى هكذا السامري فى النار ألقى الحلي، أهـ والقرآن غير مميز.
(3) فى أ، ل، فقالوا. وفى حاشية أ: الأصل فقال السامري.
(4) فى أ: ربا، ل: ربه.
(5) فى الأصل: «يرون أنه» .(3/38)
يرفع عنهم سوءا وَلا نَفْعاً- 89- يقول ولا يسوق إليهم خيرا وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ أن يأتيهم موسى من الطور [7 أ] يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ يعني ابتليتم بالعجل وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي على ديني وَأَطِيعُوا أَمْرِي- 90- يعني قولي قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ قالوا لن نبرح على العجل واقفين نعبده، كقوله- سبحانه-: « ... لا أبرح» يعني لا أزال «حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ... » «1» حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى - 91- فلما رجع موسى قالَ لهارون: «يَا هارُونُ» «2» ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا- 92- يعني أشركوا «أَلَّا تَتَّبِعَنِ» «3» يقول ألا اتبعت أمري فأنكرت عليهم أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي- 93- يقول افتركت قولي، كقوله- سبحانه-:
«وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ» «4» الَ
هارون موسى- عليهما السلام-:
َا بْنَ أُمَّ»
«5» تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي فإنى لو أنكرت عليهم لصاروا حزبين يقتل بعضهم بعضا وِنِّي خَشِيتُ»
«6» نْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي- 94- يقول ولم تحفظ وصيتي في الأعراف قوله «7» - سبحانه- لهارون: « ... اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ... » «8» وكان هارون أحب
__________
(1) سورة الكهف: 60.
(2) «يا هارون» : ساقطة من أ، ل.
(3) فى أ: ألا تتبعني.
(4) سورة الشعراء: 151.
(5) «يبنؤم» : كما فى الصحف. [.....]
(6) فى أ: ولخشيت.
(7) فى أ: قوله سبحانه، ل: قوله.
(8) سورة الأعراف: 142.(3/39)
بني إسرائيل من موسى- صلى الله عليهما- ولقد سمت بنو إسرائيل على اسم هارون سبعين ألفا من حبه- عليه السلام- قالَ فَما خَطْبُكَ يعني فما أمرك؟ يَا سامِرِيُّ- 95- يقول فما حملك على ما أرى قالَ السامري: بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ يقول بما لم يفطنوا به «1» يقول عرفت ما لم يعرفوه من أمر فرس جبريل- عليه السلام- فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ فرس الرَّسُولِ يعني تحت فرس جبريل- عليه السلام- فَنَبَذْتُها في النار على أثر الحلي وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي- 96- يقول هكذا زينت لي نفسي أن أفعل ذلك قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ إلى أن تموت أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ يعني لا تخالط الناس وَإِنَّ لَكَ في الآخرة مَوْعِداً يعني يوم القيامة لَنْ تُخْلَفَهُ يقول لن تغيب عنه وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ يعنى العجل الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً يقول أقمت عليه عابدا له لَنُحَرِّقَنَّهُ بالنار وبالمبرد ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً- 97- يقول لنبذنه في اليم نبذا إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ يعني ملأ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً- 98- فعلمه- تبارك وتعالى.
حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الْهُذَيْلُ، عن مُقَاتِلٍ، قال: علم- عز وجل- من يعبده ومن لا يعبده قبل خلقهم، جل جلاله.
كَذلِكَ يعني هكذا نَقُصُّ عَلَيْكَ يا محمد مِنْ أَنْباءِ يعني من أحاديث ما قَدْ سَبَقَ من قبلك من الأمم الخالية وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً- 99- يقول قد أعطيناك [7 ب] من عندنا تبيانا يعنى القرآن
__________
(1) فى أ: به، ل: له، ز: به.(3/40)
مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ يعني عن إيمان بالقرآن فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً- 100- يعني إثما بإعراضه عن القرآن يحمله على ظهره خالِدِينَ فِيهِ يعني في الوزر في النار وَساءَ لَهُمْ يعني وبئس لهم يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا- 101- يعني إثما والوزر هو الخطأ الكبير يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يعني المشركين إلى النار يَوْمَئِذٍ زُرْقاً- 102- زرق الأعين يَتَخافَتُونَ يعني يتساءلون بَيْنَهُمْ يقول بعضهم لبعض: إِنْ يعني ما لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً- 103- يعني عشر ليال» «1» نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً يعني أمثلهم نجوى ورأيا إِنْ لَبِثْتُمْ في القبور إِلَّا يَوْماً- 104- واحدا وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ نزلت في رجل من ثقيف فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً- 105- من الأرض من أصولها فَيَذَرُها قَاعًا لا تراب فيها صَفْصَفاً- 106- لا نبت فيها لا تَرى فِيها عِوَجاً يعني خفضا وَلا أَمْتاً- 107- يعني رفعا يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ يعني صوت الملك الذي هو قائم على صخرة بيت المقدس وهو إسرافيل- عليه السلام- حين ينفخ في الصور يعني «2» في القرن لا يزيغون ولا يروغون عنه يمينا ولا شمالا يعني لا يميلون عنه، كقوله- سبحانه-: « ... تَبْغُونَها عِوَجاً ... » «3»
يعني زيغا وهو الميل لا عِوَجَ لَهُ «يعني عنه، يستقيمون قبل الصوت» «4» نظيرها « ... وَلَمْ يجعل له عوجا ... » «5» وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً- 108-
__________
(1) فى أ: لبثتم عشر ليال.
(2) يعنى: من ز، وهي ساقطة من أ.
(3) سورة آل عمران: 99.
(4) ما بين القوسين « ... » : من ز فقط.
(5) سورة الكهف: 1.(3/41)
إلا خفيا من الأصوات مثل وطء الأقدام يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ يعني شفاعة الملائكة إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ أن يشفع له وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا- 109- يعني التوحيد يَعْلَمُ الله- عز وجل- مَا «بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ» «1» يقول ما كان قبل أن يخلق الملائكة وما كان بعد خلقهم وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً- 110- يعني بالله- عز وجل- علما هو أعظم من ذلك وَعَنَتِ الْوُجُوهُ يعني استسلمت الوجوه لِلْحَيِّ الذي لا يموت الْقَيُّومِ يعني القائم على كل شيء وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً- 111- يقول وقد خسر من حمل شركا يوم القيامة على ظهره وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ مصدق بتوحيد الله- عز وجل- فَلا يَخافُ ظُلْماً في الآخرة «2» يعني أن تظلم حسناته كلها حتى لا يجازى بحسناته كلها وَلا هَضْماً- 112- يعني ولا ينقص منها شيئا، مثل قوله- عز وجل-: « ... فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً «3» وَكَذلِكَ يعنى وهكذا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا ليفقهوه وَصَرَّفْنا يعني وصنفنا فِيهِ يعني لونا فيه يعني في القرآن مِنَ ألوان الْوَعِيدِ للأمم الخالية في الدنيا من الحصب والخسف والغرق والصيحة فهذا الوعيد لهم [8 أ] لَعَلَّهُمْ يعني لكي يَتَّقُونَ يعني لكي يخلصوا التوحيد بوعيدنا في القرآن أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ يعني الوعيد ذِكْراً- 113- عظة فيخافون فيؤمنون فَتَعالَى اللَّهُ يعنى
__________
(1) ما بين القوسين « ... » ساقط من أوهو من ز.
(2) فى أ: الأرض، ز: الآخرة.
(3) سورة الجن: 13.(3/42)
ارتفع الله الْمَلِكُ الْحَقُّ لأن غيره- عز وجل- وما سواه من الآلهة باطل وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ وذلك أن جبريل- عليه السلام- كان إذا أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- بالوحي لم يفرغ جبريل- عليه السلام- من آخر الكلام، حتى يتكلم النبي- صلى الله عليه وسلم- بأوله فقال الله- عز وجل-: «وَلا تَعْجَلْ» بقراءة القرآن مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ يقول من قبل أن يتمه لك جبريل- عليه السلام- وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً- 114- يعني قرآنا وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ محمد- صلى الله عليه وسلم- ألا يأكل من الشجرة فَنَسِيَ يقول فترك آدم العهد، كقوله: « ... وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ» «1» يقول ترك، وكقوله- سبحانه-:
« ... إِنَّا نَسِيناكُمْ ... » «2» يقول تركناكم، وكقوله « ... فَنَسُوا حَظًّا ... » «3» يعني تركوا فلما نسي العهد سمي الإنسان، فأكل منها وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً- 115- يعني صبرا عن أكلها وَإِذْ قُلْنا يعني وقد قلنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ إذ نفخ فيه الروح فَسَجَدُوا، ثم استثنى فقال: إِلَّا إِبْلِيسَ لم يسجد ف أَبى «4» - 116- أن يسجد فَقُلْنا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ حواء فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى - 117- بالعمل بيديك «5» وكان يأكل من الجنة رغدا من غير أن يعمل بيده شيئا فلما أصاب الخطيئة أكل من عمل يده
__________
(1) سورة طه: 88.
(2) سورة السجدة: 14. [.....]
(3) سورة المائدة: 14.
(4) فى حاشية أ: الإباء أشد من الامتناع.
(5) فى ز: بيدك، أ: بيديك.(3/43)
فكان يعمل ويأكل إِنَّ لَكَ يا آدم أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى - 118- وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها يعني لا تعطش في الجنة وَلا تَضْحى - 119- يقول لا يصيبك حر الشمس فيؤذيك فتفرق» «1» فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ يعني إبليس وحده ف قالَ يَا آدَمُ «هَلْ أَدُلُّكَ» «2» يقول ألا أدلك عَلى شَجَرَةِ «الْخُلْدِ» «3» من أكل منها خلد في الجنة فلا يموت وَعلى مُلْكٍ لا يَبْلى - 120- يقول لا يفنى فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما يقول ظهرت لهما عورتهما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما يقول وجعلا يخصفان يقول يلزقان الورق بعضه على بعض «مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ» » «4» ورق التين ليستتروا به في الجنة وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى - 121- يعني فضل وتولى عن طاعة ربه- عز وجل- ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ يعني استخلصه ربه- عز وجل- فَتابَ عَلَيْهِ من ذنبه وَهَدى - 122- يعني وهداه للتوبة قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً يعنى آدم وإبليس بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ يقول إبليس وذريته عدو لآدم وذريته [8 ب] فَإِمَّا يعني فإن يَأْتِيَنَّكُمْ يعني ذرية آدم مِنِّي هُدىً يعني رسلا معهم كتب فيها البيان فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ يعني رسلي وكتابي فَلا يَضِلُّ في الدنيا وَلا يَشْقى - 123- في الآخرة وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي يعني عن إيمان بالقرآن نزلت في الأسود بن عبد الأسود المخزومي قتله حمزة بن عبد المطلب يوم بدر على الحوض فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً
__________
(1) فى ز: «كقوله- تعالى-: «وَالشَّمْسِ وَضُحاها» يعنى وحرها، والآية سورة الشمس:
وليس فى أ.
(2) فى أ: ( «أدلك» يعنى أدلك) ، وفى ز: ( «هل أدلك» يقول ألا أدلك) .
(3) «الخلد» : ساقطة من أ، وهي من ز.
(4) ما بين القوسين « ... » ساقط من النسخ.(3/44)
يعني معيشة سوء لأنها في معاصي الله- عز وجل- الضنك والضيق وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى - 124- عن حجته قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى عن حجتي وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً- 125- في الدنيا عليما «1» بها، وهذا مثل قوله- سبحانه-: «هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ «2» يعني ضلت عني حجتي، وهذا قوله حين شهدت عليه الجوارح بالشرك والكفر قالَ الله- تعالى-:
كَذلِكَ يعني هكذا أَتَتْكَ آياتُنا يعني آيات القرآن فَنَسِيتَها يعني فتركت إيمانا بآيات القرآن وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى - 126- في الآخرة تترك في النار ولا تخرج منها ولا نذكرك وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ يعني وهكذا نجزي «3» من أشرك في الدنيا بالنار في الآخرة وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ يقول ولم يؤمن بالقرآن وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ مما أصابه في الدنيا من القتل ببدر وَأَبْقى - 127- يعنى وأدوم من عذاب الدنيا ثم خوف كفار مكة فقال- سبحانه-: أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ يقول أو لم نبين لهم كَمْ أَهْلَكْنا بالعذاب قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ يقول يمرون في قراهم فيرون هلاكهم يعني عادا وثمودا «4» وقوم لوط وقوم شعيب إِنَّ فِي ذلِكَ يعني إن في هلاكهم بالعذاب في الدنيا «لَآياتٍ» «5» لعبرة لِأُولِي النُّهى - 128- يعني لذوي العقول فيحذرون مثل عقوبتهم وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ
__________
(1) فى أ: عليم، ل: عليما.
(2) سورة الحاقة: 29.
(3) فى أزيادة: يقول هكذا تجزى، والمثبت من ل.
(4) فى أ: عاد وثمود، ل: عادا وثمودا.
(5) «لآيات» : ساقطة من الأصل.(3/45)
في تأخير العذاب عنهم إلى تلك المدة «لَكانَ لِزاماً» «1» وَأَجَلٌ مُسَمًّى- 129- يعني يوم القيامة «لَكَانَ لِزَامًا» للزمهم العذاب في الدنيا كلزوم الغريم الغريم «2» فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ من تكذيبهم إياك بالعذاب وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ يعني صل بأمر ربك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يعني الفجر وَقَبْلَ غُرُوبِها يعني الظهر والعصر وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ يعني المغرب والعشاء فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى - 130- يا محمد في الآخرة بثواب الله- عز وجل-.
قال مُقَاتِلُ: كانت الصلاة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي فلما عرج بالنبي- صلى الله عليه وسلم- فرضت عليه خمس صلوات ركعتين ركعتين غير المغرب، فلما هاجر إلى المدينة أمر [9 أ] بتمام الصلوات ولها ثلاثة أحوال «3» .
وَلا تَمُدَّنَّ» «4» عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ يعني كفار مكة من الرزق أصنافا- منهم- من الأموال فإنها زَهْرَةَ يعني زينة الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ يقول أعطيناهم ذلك لكي نبتليهم وَرِزْقُ رَبِّكَ في الآخرة يعني الجنة خَيْرٌ وَأَبْقى - 131- يعني أفضل وأدوم وأبقى مما أعطي كفار مكة وَأْمُرْ أَهْلَكَ يعنى قومك بِالصَّلاةِ كقوله-
__________
(1) «لَكانَ لِزاماً» : ساقطة من أ، ل.
(2) جاء فى أبعد انتهاء. [.....]
(3) المراد بقوله لها ثلاثة أحوال: أن الصلوات الخمس منها ما هو ركعتان، ومنها ما هو ثلاث ركعات، ومنها ما هو أربع، فتلك ثلاثة أحوال. الصبح ركعتان، الظهر والعصر والعشاء أربع ركعات، المغرب ثلاث ركعات.
(4) فى أ: لا تمدن.(3/46)
سبحانه-: «وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ «1» ... » يعني قومه وَاصْطَبِرْ عَلَيْها يعني الصلاة فإنا لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً إنما نسألك العبادة نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى - 132- يعني عاقبة التقوى دار الجنة، لقوله- عز وجل-: «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ» «2» إنما أريد منهم العبادة وَقالُوا أي كفار مكة» «3» :
لَوْلا يعني هلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ فتعلم أنه نبي رسول كما كانت الأنبياء تجيء بها إلى قومهم يقول الله- عز وجل-: أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولى - 133- يعني بيان كتب» «4» إبراهيم وموسى الذي كان «5» قبل كتاب» «6» محمد- صلى الله عليهم أجمعين- وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ في الدنيا مِنْ قَبْلِهِ يعني من قبل هذا القرآن في الآخرة «لَقالُوا رَبَّنا» «7» لَوْلا يعنى هلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا معه كتاب فَنَتَّبِعَ آياتِكَ يعني آيات القرآن مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ يعني نستذل وَنَخْزى - 134- يعني ونعذب في الدنيا نظيرها فى القصص» «8» قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ وذلك أن كفار
__________
(1) سورة مريم: 55.
(2) سورة الذاريات: 56- 57.
(3) ما بين القوسين « ... » ، من ل، فى أ: (وقال) كفار مكة.
(4) فى: كتب، ل: كتابي.
(5) فى أ، ل: الذي، والأولى التي كانت.
(6) فى أ: كنا، ل: كتاب.
(7) «لقالوا ربنا» : ساقط من أ، ل.
(8) يشير إلى 47 من سورة القصص وتمامها: «وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» .(3/47)
مكة قالوا نتربص بمحمد- صلى الله عليه وسلم- الموت لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- أوعدهم العذاب في الدنيا، فأنزل الله- عز وجل- «قُلْ» لكفار مكة «كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ» أنتم بمحمد الموت ومحمد يتربص بكم العذاب في الدنيا فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ إذا نزل بكم العذاب في الدنيا مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ يعني العدل» «1» أنحن أم أنتم وَمَنِ اهْتَدى - 135- منا ومنكم» «2» .
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْهُذَيْلِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْوَاقِدِيَّ- وَلَمْ أسمع مقاتلا- يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي قَوْلِهِ- عَزَّ وَجَلَّ-: « ... خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً» «3» قال أعقبت بعد ذلك غلاما «4» .
__________
(1) فى أ: العذاب، ل: العدل.
(2) انتهى إلى هنا تفسير سورة طه- والقصص القادمة آثار تتعلق بسورة الكهف ومكانها الطبيعي هو آخر سورة الكهف إلا أن أصول المخطوطة أوردتها كما تشاهد فى آخر سورة طه.
وتلحظ أن سورة الكهف هي آخر الجزء الأول فى الأصول- وسورة طه هي بداية الجزء الثاني.
وربما كان المفسر قد استدرك بهذه النصوص، بعد أن أتم الجزء الأول وأكمله، فألحق هذه النصوص فى آخر السورة الأولى من الجزء الثاني وهي سورة طه.
وتلاحظ أنه أورد بعد ذلك نصوصا عامة تتعلق بالقرآن والإسلام.
(3) سورة الكهف: 81.
وكان الأنسب ذكر هذا السند فى سورة الكهف لا فى سورة طه، وفى (ز) عدة أسانيد تتعلق بآيات من سور أخرى.
(4) فى أ، ل: العقب عند ذلك غلاما. [.....](3/48)
حدثنا عبيد اللَّهِ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْهُذَيْلِ، عَنْ المسيب عن السدي» «1» ، ومُقَاتِلٍ، عن حذيفة، أنه لما حان للخضر وموسى- عليهما السلام- أن يفترقا:
قال له الخضر: يا موسى، لو صبرت لأتيت على ألف عجيبة أعجب مما رأيت. قال: فبكى موسى على فراقه.
فقال موسى للخضر: أوصني يا نبي الله. قال له: الخضر يا موسى اجعل همك في معادك، ولا تخض فيما لا يعينك ولا تأمن الخوف في أمنك، ولا تيأس» «2» من الأمن في خوفك، ولا تذر الإحسان في قدرتك، وتدبر الأمور في عاقبتك.
قال له موسى- عليه السلام- زدني رحمك الله.
قال له الخضر: إياك والإعجاب بنفسك، والتفريط فيما بقي من عمرك، «واحذر» «3» من لا يغفل عنك. قال له موسى- صلى الله عليهما-: زدني رحمك الله.
قال له الخضر: إياك واللجاجة، ولا تمش في غير حاجة، ولا تضحك من غير عجب، ولا تعيرن أحدا من الخاطئين بخطاياهم بعد الندم، وابك على خطيئتك يا ابن عمران.
قال له موسى- صلى الله عليه وسلم- قد أبلغت في الوصية فأتم الله عليك نعمته، وغمرك في رحمته، وكلأك من عدوه.
__________
(1) فى أ: عن المسيب بن سويك، وفى حاشية أ، كذا الكاف ظاهرة.
ولم يحتمل سويد ويحتمل ابن شريك إلا أن الواو ظاهرة.
وفى ل: عن المسيب عن الرتل ومقاتل عن نفيه، وجميع الأسانيد ليست فى ف، وفى ز:
إسناد فيه عن المسيب عن السدى.
(2) فى أ: تأيس.
(3) «ر احذر» : من ز، ولبست فى أ.(3/49)
قال له الخضر آمين، فأوصني يا موسى.
قال له موسى: إياك والغضب إلا في الله- تعالى-، ولا ترض عن أحد إلا في الله- عز وجل-، ولا تحب لدنيا، ولا تبغض لدنيا تخرجك من الإيمان وتدخلك في الكفر.
قال الخضر- عليهما السلام-: قد أبلغت في الوصية فأعانك الله على طاعته، وأراك السرور في أمرك، وحببك إلى خلقه، وأوسع عليك من فضله.
قال له موسى: آمين. فبينما هما جلوس على ساحل البحر إذ انقضت «خطافة» «1» فنقرت بمنقارها من البحر نقرتين.
قال موسى للخضر- عليهما السلام-: يا نبي الله، هل تعلم ما نقص من البحر؟
قال له الخضر: لولا ما نراد» «2» فيه لأخبرتك.
قال موسى للخضر: يا نبي الله، هل من شيء ليس فيه بركة؟
قال له الخضر: نعم يا موسى، ما من شيء إلا وفيه بركة ما خلا آجال العباد، ومدتهم ولولا ذلك لفنى «الناس» «3» .
قال موسى: وكيف ذلك؟
قال له الخضر: لأن كل شيء ينقص منه فلا يزاد فيه ينقطع.
قال له موسى» «4» : يا نبي الله، من أجل أي شيء أعطاك الله- عز وجل-
__________
(1) «خطافة» : كذا فى أ، ل.
(2) فى أ: نراك، ل: نراد.
(3) «الناس» : زيادة اقتضاها السياق.
(4) «قال له موسى» : مكررة فى أ.(3/50)
من بين العباد «أن» «1» لا تموت حتى نسأل الله- تعالى-، واطلعت على ما في قلوب العباد تنظر بعين الله- عز وجل-.
قال له الخضر: يا موسى، بالصبر» «2» عن معصية الله- عز وجل-، والشكر لله- عز وجل- فى نعمته، وسلامة القلب لا أخاف [10 أ] ولا أرجو دون الله أحدا.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْهُذَيْلِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْقُدُّوسِ يُحَدِّثُ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: «فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً»
«3» قَالَ جَارِيَةً مَكَانَ الْغُلامِ.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ الْهُذَيْلِ، عَنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ- عز وجل-: « ... وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما ... » قَالَ كَانَ لَوْحًا» «4» مِنْ ذَهَبٍ مَكْتُوبٍ فِيهِ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَحْمَدُ رَسُولُ اللَّهِ، عَجِبْتُ لِمَنْ يُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ كَيْفَ يَحْزَنُ؟ وَعَجِبْتُ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ حَقٌّ كَيْفَ يَفْرَحُ؟ وَعَجِبْتُ لِمَنْ يَرَى الدنيا وتصريف أهلهما كَيْفَ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا؟
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْهُذَيْلِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عن الحسن ابن عُمَارَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ- عَزَّ وَجَلَّ-:
« ... لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ ... » قَالَ: لَمْ يَنْسَ وَلَكِنْ هَذَا مِنْ مَعَارِيضِ الْكَلامِ.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهُذَيْلُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمُسَيَّبَ يُحَدِّثُ عَنْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عَلِيٍّ- رضى الله عنه- وقد لقيه،
__________
(1) أن: زيادة اقتضاها السياق.
(2) فى أ: على الصبر.
(3) سورة الكهف: 81.
(4) فى أ، ل: لوح.(3/51)
قَالَ: إِنَّ التُّرْكَ سَرِيَّةٌ خَرَجُوا مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يُغِيرُونَ عَلَى النَّاسِ فَرَدَمَ ذُو الْقَرْنَيْنِ دُونَهُمْ فَبَقُوا.
قال مُقَاتِلُ: إِنَّمَا سُمُّوا التُّرْكَ لأَنَّهُمْ تُرِكُوا خَلْفَ الرَّدْمِ.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل عن أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: انْتَهَى ذُو الْقَرْنَيْنِ إِلَى مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الأَرْضِ، فَقَالَ لِذِي الْقَرْنَيْنِ: إِنَّكَ قَدْ بَلَغْتَ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ، وَقَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّ عِنْدَكَ عِلْمًا، وَأَنَا سَائِلُكَ عَنْ خِصَالٍ أَرْبَعٍ فَإِنْ أَنْتَ أَخْبَرْتَنِي عَنْهُمْ عَلِمْتُ أَنَّكَ عَالِمٌ. مَا اثْنَانِ قَائِمَانِ؟ وَاثْنَانِ سَاعِيَانِ؟ وَاثْنَانِ مُشْتَرِكَانِ؟ وَاثْنَانِ مُتَبَاغِضَانِ؟
قَالَ لَهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ: أَمَّا الاثْنَانِ الْقَائِمَانِ فَالسَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ لَمْ يَزُولا مُنْذُ خَلَقَهُمَا اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ-، وَأَمَّا الاثْنَانِ السَّاعِيَانِ فَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَمْ يَزَالا «دائِبَيْنِ» «1» مُنْذُ خَلَقَهُمَا اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ-، وَأَمَّا الاثْنَانِ الْمُشْتَرِكَانِ فَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، وَأَمَّا الاثْنَانِ الْمُتَبَاغِضَانِ فَالْمَوْتُ» «2» وَالْحَيَاةُ لا يُحِبُّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَبَدًا، قَالَ صَدَقْتَ فَإِنَّكَ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الأَرْضِ.
حدثنا عبيد اللَّهِ، قَالَ حَدَّثَنِي: أَبِي عَنِ الْهُذَيْلِ، عَنْ المسعودي عن عون بن عبد الله المزني عن مطرف بن الشخير، أنه قال: فضل العلم خير من فضل العمل وخير العمل [10 ب] أوسطه والحسنة بين السيئتين» «3» .
قوله- سبحانه-: « ... وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها» سيئة «وابتغ بين ذلك سبيلا» «4» حسنة. قال الهذيل ولم أسمع مقاتلا.
__________
(1) فى الأصل دائبان.
(2) فى أ: الموت، ل: فالموت.
(3) من أ، ل: بين الستين. [.....]
(4) سورة الإسراء: 110.(3/52)
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: الْهُذَيْلُ قال مُقَاتِلُ: تفسير آدم- عليه السلام- لأنه خلق من أديم الأرض، وتفسير حواء لأنها خلقت من حي» «1» ، وتفسير نوح لأنه ناح على قومه، وتفسير إبراهيم أبو الأمم، ويقال أب رحيم، وتفسير» «2» إسحاق لضحك سارة، ويعقوب لأنه» «3» خرج من بطن أمه قابض على عقب العيص، وتفسير يوسف زيادة في الحسن، وتفسير يحيى: أحيى من بين مبتين، لأنه خرج من بين شيخ كبير وعجوز عاقر- صلى الله عليهم أجمعين.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثني الهذيل عَنْ مُقَاتِلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «عَلَى ابْنَةِ عَمَّتِهِ أُمِّ هَانِئٍ» «4» فَنَعَسَ، فَوَضَعَتْ لَهُ وِسَادَةً، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ، «فَبَيْنَا» «5» هُوَ نَائِمٌ إِذْ ضَحِكَ فِي مَنَامِهِ ثُمَّ وَثَبَ فَاسْتَوَى جَالِسًا فَقَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: لَقَدْ سَرَّنِي مَا رَأَيْتُ فِي وَجْهِكَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنَ الْبُشْرَى. فَقَالَ: يَا أُمَّ هَانِئٍ، إِنَّ جِبْرِيلَ- عَلَيْهِ السَّلامُ- أَخْبَرَنِي فِي مَنَامِي أَنَّ رَبِّي- عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ وَهَبَ لِي أُمَّتِي كُلَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ: لِي لَوِ اسْتَوْهَبْتَ غَيْرَهُمْ لاَعْطَيْنَاكَهُمْ، فَفَرِحْتُ لِذَلِكَ وَضَحِكْتُ.
ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ فَضَحِكَ، ثُمَّ وَثَبَ فَجَلَسَ، فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ هَانِئٍ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لقد سرني ما رأيت من البشرى في وجهك. قال: يا أم هانئ، أتانى
__________
(1) فى أ: حية، ل: حي.
(2) فى أ: تفسير.
(3) لأنه: ليست فى أ.
(4) من ل، وفى أ: بيت بنت عمته بنت أبى طالب فنعس.
(5) «فبينا» : كذا فى أ، ل.(3/53)
جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلامُ- فَأَخْبَرَنِي أَنَّ الْجَنَّةَ تَشْتَاقُ إِلَيَّ وَإِلَى أُمَّتِي فَضَحِكْتُ مِنْ ذَلِكَ وَفَرِحْتُ.
قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: يَحِقُّ لَكَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْ تَفْرَحَ.
ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ فَضَحِكَ فِي مَنَامِهِ، فَاسْتَوَى جَالِسًا، فَقَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: لَقَدْ سَرَّنِي مَا رَأَيْتُ مِنَ الْبُشْرَى فِي وَجْهِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: يَا أُمَّ هَانِئٍ، عُرِضَتْ عَلَيَّ أُمَّتِي فَإِذَا مَعَهُمْ قُضْبَانُ النُّورِ، إِنَّ الْقَضِيبَ مِنْهَا» «1» لَيُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ- عَلَيْهِ السَّلامُ- عَنْ تِلْكَ الْقُضْبَانِ الَّتِي فِي أَيْدِيهِمْ، فَقَالَ ذَلِكَ الإِسْلامُ يَا مُحَمَّدُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ- وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فِي مَنَامِي فَنَظَرْتُ إِلَى دَاخِلِهَا مِنْ خَارِجِهَا فَإِذَا فِيهَا قُصُورُ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ فَقُلْتُ لِمَنْ هَذِهِ؟ فَقَالَ:
لَكَ يَا مُحَمَّدُ وَلأُمَّتِكَ وَلَقْد زَيَّنَهَا اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- لك ولأمتك قبل أن يخلقك [11 أ] بِأَلْفَيْ عَامٍ، فَضَحِكْتُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: يَحِقُّ لَكَ أَنْ تَضْحَكَ وَتَفْرَحَ» «2» هَنِيئًا لَكَ مَرِيئًا، يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بِمَا أَعْطَاكَ رَبُّكَ.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهُذَيْلُ عَنْ مُقَاتِلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- جَنَّةَ الْفِرْدَوْسِ وَغَرَسَهَا بِيَدِهِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا، لَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ مِثْلُهَا وَمَا فِيهَا، فَقَالَ لَهَا- تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: تَزَيَّنِي. فَتَزَيَّنَتْ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: تَزَيَّنِي. فَتَزَيَّنَتْ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي. فَتَكَلَّمَتْ قالت «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ» «3» قَالَ لَهَا: مَنْ هُمْ؟ قَالَتِ: الْمُوَحِّدُونَ أمة محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
__________
(1) فِي أ: فيها.
(2) فى أ: يحق لك أن تفرح وتفرح، ل: يحق لك أن تضحك وتفرح.
(3) سورة المؤمنون الآية الأولى.(3/54)
«أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ» «1» ثُمَّ أَغْلَقَ بَابَهَا فَلا يُفْتَحُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَا يَجِيئُهُمْ مِنْ طِيبِ الشَّجَرِ» «2» فَهُوَ مِنْ خِلالِ بَابِهَا وَالْحُورُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى بَابِهَا وَأَنَا قَائِمٌ عَلَى الْحَوْضِ أَرُدُّ عَنْهُ أمم الكفار كما يرى الرَّاعِي غَرَائِبَ الإِبِلِ حَتَّى تَأْتِيَ أُمَّتِي غُرًّا» «3» مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ أَعْرِفُهُمْ فَيَشْرَبُونَ مِنْ ذَلِكَ الْحَوْضِ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا، فَقَالَ مُعَاذٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ سَعِدَ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ مِنْ ذَلِكَ الْحَوْضِ. فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا مُعَاذُ، مَنْ خُلِّقَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مُوَحِّدًا، وَيُؤْمِنُ بِرَسُولِهِ فَهُوَ يَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْحَوْضِ، وَيَدْخُلُ الْفِرْدَوْسَ. قَالَ مُعَاذٌ: مَا أَكْثَرَ مَا يُخْلَقُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مُشْرِكًا ثُمَّ يُولَدُ وَهُوَ مُشْرِكٌ ثُمَّ يَمُوتُ مُؤْمِنًا. فَقَالَ: يَا مُعَاذُ وَيْحَكَ مَنْ مَاتَ مُسْلِمًا فَقَدْ خُلِقَ فِي ظَهْرِ آدَمَ مُسْلِمًا ثُمَّ تَدَاوَلَتْهُ ظُهُورُ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى أَدْرَكَنِي فَآمَنَ بِي فَأُولَئِكَ إِخْوَانِي وَأَنْتُمْ أَصْحَابِي، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ» «4» .
__________
(1) سورة المؤمنون: 10، 11.
(2) فى ل: فما يجيئكم من طيب السحر.
(3) فى أ: غر محجلون، ل: غرا محجلين.
(4) سورة الحجر: 47.(3/55)
سورة الأنبياء(3/57)
سورة الأنبياء
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 112]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4)
بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (7) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9)
لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (10) وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (12) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (13) قالُوا يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (14)
فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (15) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19)
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (20) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (34)
كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (35) وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (36) خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (39)
بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (40) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (41) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43) بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (44)
قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا مَا يُنْذَرُونَ (45) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (47) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49)
وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50) وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (51) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (52) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (53) قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (54)
قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (55) قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)
قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (60) قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنا يَا إِبْراهِيمُ (62) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64)
ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (65) قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (67) قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (68) قُلْنا يَا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (69)
وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (71) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ (72) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (73) وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (74)
وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (77) وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (79)
وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (80) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (82) وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (84)
وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89)
فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (90) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (91) إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (94)
وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (95) حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (98) لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (99)
لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (101) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (102) لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (104)
وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (106) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109)
إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (111) قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (112)(3/59)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ نزلت في كفار مكة وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ- 1- لا يؤمنون به يعني بالحساب يوم القيامة، ثم نعتهم فقال- سبحانه-: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ يعني من بيان من ربهم يعني القرآن مُحْدَثٍ يقول الذي يحدث الله- عز وجل- إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- من القرآن «لا محدث عند الله- تعالى» «1» إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ- 2- يعني لاهين» «2» عن القرآن لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ يعني غافلة قلوبهم عنه وَأَسَرُّوا النَّجْوَى [11 ب] الَّذِينَ ظَلَمُوا فهو أبو جهل، والوليد بن المغيرة، وعقبة بن أبي معيط، قالوا سرا فيما بينهم: هَلْ هَذَا يعنون محمدا- صلى الله عليه وسلم- إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ لا يفضلكم» «3» بشيء فتتبعونه أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ يعني القرآن وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ- 3- أنه سحر «قالَ» «4» لهم محمد- صلى الله عليه وسلم- رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ يعني السر الذي فيما بينهم فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ لسرهم الْعَلِيمُ- 4- به بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ يعنى جماعات أحلام يعنون القرآن
__________
(1) «لا محدث عند الله- تعالى-» : من أوليست فى ل ولا فى ز. [.....]
(2) فى أ: لاهون، ز، ل: لاهين.
(3) فى أ: لا يعلمكم، ل، ز: لا يفضلكم.
(4) فى أ: «قل» لهم يا محمد.(3/69)
سورة الأنبياء «1» مكية وهي مائة واثنتا عشرة آية، كوفية» «2»
__________
(1) المقصود الإجمالى لسورة الأنبياء:
التنبيه على الحساب فى القيامة، وقرب زمانها، ووصف الكفار بالغفلة، وإثبات النبوة، واستيلاء أهل الحق على أهل الضلالة، وحجة الوحدانية، والإخبار عن الملائكة وطاعتهم، وخلق الله السموات والأرض بكمال قدرته، وسير الكواكب ودور الفلك، والإخبار عن موت الخلائق وفنائهم وحفظ الله- تعالى- وحراسته العبد من الآفات، وذكر ميزان العدل فى القيامة، وذكر إبراهيم بالرشد والهداية، وإنكاره الأصنام وعبّادها، وسلامة إبراهيم من النار، ونجاة لوط من قومه أولى العدوان، ونجاة نوح ومتابعيه من الطوفان، وحكم داود، وفهم سليمان، وذكر تسخير الشيطان، وتضرع أيوب، ودعا. يونس، وسؤال زكريا، وصلاح مريم، وهلاك قرى أفرطوا فى الطغيان، وفتح سد يأجوج ومأجوج فى آخر الزمان وذل الكفار والأوثان، فى دخول النسران، وعز أهل اطاعة والإيمان من الأزل إلى الأبد فى جميع الأزمان، على علالي الجنان، وطي السموات فى ساعة القيامة، وذكر الأمم الماضية، والمنزل من الكتب فى سالف الأزمان، وإرسال المصطفى- صلى الله عليه وسلم- بالرأفة والرحمة والإحسان، وتبليغ الرسالة على حكم السوية من غير نقصان ورجحان، وطلب حكم الله- تعالى- على وفق الحق، والحكمة فى قوله:
«رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ» : 112.
وفى كتاب بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي: 317 ما يأتى:
سميت سورة الأنبياء لاشتمالها على قصصهم: على إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ولوط، ونوح، وسليمان، وداود، وأيوب، وإسماعيل، وصالح، ويونس، وزكريا، ويحيى، وعيسى.
(2) وفى المصحف المتداول: (21) سورة الأنبياء مكية وآياتها 112 نزلت بعد سورة إبراهيم.(3/70)
قالوا هي أحلام كاذبة مختلطة يراها محمد- صلى الله عليه وسلم- في المنام فيخبرنا بها، ثم قال: بَلِ افْتَراهُ يعنون بل يخلق محمد- صلى الله عليه وسلم- القرآن من تلقاء نفسه، ثم قال: بَلْ هُوَ يعني محمدا- صلى الله عليه وسلم- شاعِرٌ فإن كان صادقا فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ- 5- من الأنبياء- عليهم السلام- بالآيات إلى قومهم، كل هذا من قول هؤلاء النفر، كما أرسل موسى وعيسى وداود وسليمان- عليهم السلام- بالآيات والعجائب يقول الله- عز وجل- مَا آمَنَتْ يقول ما صدقت بالآيات قَبْلَهُمْ يعني قبل كفار مكة مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها بالعذاب في الدنيا يعني كفار الأمم الخالية أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ- 6- يعني كفار مكة أفهم يصدقون بالآيات، فقد كذبت بها الأمم الخالية من قبلهم، بأنهم لا يصدقون» «1» ، ثم قالوا في الفرقان: « ... أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ... » «2» يأكل ويشرب وترك الملائكة فلم يرسلهم، فأنزل الله- عز وجل- في قولهم: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا يا معشر كفار مكة أَهْلَ الذِّكْرِ يعني مؤمني أهل التوراة إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ- 7- أن الرسل كانوا من البشر فسيخبرونكم أن الله- عز وجل- ما بعث رسولا إلا من البشر، ونزل في قولهم « ... أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا» يأكل ويشرب ويترك» «3» الملائكة فلا يرسلهم فقال- سبحانه-: وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً يعنى الأنبياء- عليهم
__________
(1) كذا فى أ، ل.
(2) سورة الفرقان: 4، وقد وردت فى جميع النسخ: «أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا» وهي من سورة الإسراء: 94.
(3) كذا، والأولى: وترك الملائكة فلم يرسلهم.(3/71)
السلام-، والجسد الذي ليس فيه روح، كقوله- سبحانه-: « ... عِجْلًا جَسَداً» «1» ... »
لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ ولا يشربون ولكن جعلناهم جسدا» «2» فيها أرواح، يأكلون الطعام، ويذوقون الموت، وذلك قوله- سبحانه: وَما كانُوا خالِدِينَ- 8- فى الدنيا ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ يعني الرسل الوعد يعني العذاب في الدنيا إلى قومهم فَأَنْجَيْناهُمْ يعني الرسل من العذاب وَمَنْ نَشاءُ من المؤمنين وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ- 9- يقول وعذبنا المشركين في الدنيا. قال أبو محمد: قال [12 أ] أبو العباس ثعلب: قال الفراء «وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً» إلا ليأكلوا» «3» الطعام.
لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ يا أهل مكة كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ يعني شرفكم أَفَلا تَعْقِلُونَ- 10- مثل قوله- تعالى-: «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ» «4» ... » يعنى شرفا لك ولقومك وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ يعني أهلكنا من قرية بالعذاب في الدنيا قبل أهل مكة كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها يقول وجعلنا بعد هلاك الأمم الخالية قَوْماً آخَرِينَ- 11- يعني قوما كانوا باليمن في قرية تسمى حضور» «5» وذلك أنهم قتلوا نبيا من الأنبياء- عليهم السلام- فسلط الله- عز وجل- جند بخت نصر» «6» فقتلوهم، كما سلط بخت نصر» «7» والروم على اليهود
__________
(1) سورة طه: 88.
(2) كذا فى أ، ل، ز.
(3) فى الأصل: ليأكلون.
(4) سورة الزخرف: 44.
(5) فى ز: حضور، أ، ل: حصفورا.
(6) فى ز، ل: بخت نصر، أ: بخت ناصر. [.....]
(7) من ز، ل، وفى أ: بخت ناصر.(3/72)
ببيت المقدس فقتلوهم، وسبوهم حين قتلوا يحيى بن زكريا وغيره من الأنبياء- عليهم السلام-، فذلك قوله- عز وجل-: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا يقول فلما رأوا عذابنا يعني أهل حضور إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ- 12- يقول إذا هم من القرية يهربون قالت لهم الملائكة كهيئة الاستهزاء لا تَرْكُضُوا يقول لا تهربوا وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ يعني إلى ما خولتم فيه من الأموال وَإلى مَساكِنِكُمْ يعنى قريتكم التي هربتم منها لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ- 13- كما سئلتم الإيمان قبل نزول العذاب فلما رأوا العذاب قالُوا يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ- 14- يقول الله- عز وجل-: فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ يقول فما زال الويل قولهم حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ- 15- يقول أطفأناهم بالسيف فحمدوا مثل النار إذا طفئت فحمدت وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ يعني السموات السبع والأرضين السبع وَما بَيْنَهُما من الخلق لاعِبِينَ- 16- يعني عابثين لغير شيء ولكن خلقناهما لأمر هو كائن لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً يعني ولدا وذلك أن نصارى نجران السيد والعاقب ومن معهما قالوا عيسى ابن الله فقال الله- عز وجل-:
«لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً» «1» لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا يعني من عندنا من الملائكة لأنهم أطيب وأطهر من عيسى ولم نتخذه من أهل الأرض، ثم قال- سبحانه-:
إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ- 17- يقول ما كنا فاعلين ذلك أن نتخذ ولدا، مثلها
__________
(1) تفسير «لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً» من ز، وهو ناقص، ومضطرب فى أ، ففي أ: يعنى معهما، قالوا عيسى- صلى الله عليه وسلم- ابن الله، فقال الله- عز وجل-: «لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً» يعنى ولدا.(3/73)
في الزخرف «1» بَلْ نَقْذِفُ بل نرمي بِالْحَقِّ الذي قال الله- عز وجل-:
«إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ» عَلَى الْباطِلِ الذي «2» قالوا أن لله- عز وجل- ولدا فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ يعنى ذاهب وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ- 18- يقول لكم الويل في الآخرة مما تقولون من «3» [12 ب] البهتان بأن لله ولدا، ثم قال- سبحانه-: وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عبيده وفى ملكه، وعيسى بن مريم، وعزيز، والملائكة ... وغيرهم، ثم قال- سبحانه-: وَمَنْ عِنْدَهُ من الملائكة لا يَسْتَكْبِرُونَ يعني لا يتكبرون عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ- 19- يعني ولا يعيون، كقوله- عز وجل-:
« ... وَهُوَ حَسِيرٌ «4» وهو معى، «5» ثم قال- تعالى ذكره-: يُسَبِّحُونَ يعني يذكرون الله- عز وجل- اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ- 20- يقول لا يستريحون من ذكر الله- عز وجل- ليست لهم فترة ولا سآمة أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ- 21- لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ يعني آلهة كثيرة إِلَّا اللَّهُ يعني غير الله- عز وجل- لَفَسَدَتا يعني لهلكتا يعني السموات والأرض وما بينهما فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ- 22- نزه الرب نفسه- تبارك وتعالى- عن قولهم بأن مع الله
__________
(1) كذا فى أ، وفى ز: مثلها فى الزمر «لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ ... » (سورة الزمر: 4) ، وانظر الآيات: 59- 64 من سورة الزخرف ففيها هذه الفكرة بمعناها لا يلفظها.
(2) فى ز: الذي، أ: الذين.
(3) فى أ: من من.
(4) سورة الملك: 4.
(5) فى ز: يعنى معيا.(3/74)
- عز وجل- إلها، ثم قال- سبحانه-: لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ يقول لا يسأل الله- تعالى- عما يفعله فى خلقه وَهُمْ يُسْئَلُونَ- 23- يقول- سبحانه- يسأل الله الملائكة في الآخرة « ... أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ «1» ؟ ويسألهم، ويقول للملائكة: « ... أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ «2» أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ لكفار مكة: هاتُوا بُرْهانَكُمْ يعني حجتكم، أن مع الله- عز وجل- إلها كما زعمتم هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي يقول هذا القرآن فيه خبر من معي، وخبر من قبلي من الكتب، ليس فيه أن مع الله- عز وجل- إلها كما زعمتم بَلْ أَكْثَرُهُمْ يعني كفار مكة لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ يعني التوحيد فَهُمْ مُعْرِضُونَ- 24- عنه عن التوحيد، كقوله- عز وجل- «بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ ... «3» »
يعني بالتوحيد وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ- 25- يعني فوحدون «وَقالُوا أي كفار مكة» «4» منهم النضر بن الحارث: اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً قالوا إن الملائكة بنات الله- تعالى- فنزه الرب- جل جلاله- نفسه عن قولهم، فقال: سُبْحانَهُ بَلْ هم يعني الملائكة عِبادٌ مُكْرَمُونَ- 26- لعبادة ربهم وليسوا ببنات «5» الرحمن ولكن الله أكرمهم بعبادته، ثم أخبر عن الملائكة «فقال» «6» : لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ
__________
(1) سورة الفرقان: 17.
(2) سورة سبأ: 40.
(3) سورة الصافات: 37.
(4) فى ز: « (وقالوا أ] كفار مكة» ، وفى أ: « (وقال) كفار مكة» .
(5) فى أ: بينات، ز: بنات.
(6) «فقال» : من ز، وليست فى أ.(3/75)
يعني الملائكة لا يسبقون ربهم بأمر، يقول الملائكة لم تأمر كفار مكة بعبادتهم إياها، ثم قال: وَهُمْ يعني الملائكة بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ- 27- يقول لا تعمل الملائكة إلا بأمره، فأخبر الله- عز وجل- عن الملائكة أنهم عباد يخافون ربهم ويقدسونه ويعبدونه يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ يقول الرب- عز وجل- يعلم ما كان قبل أن يخلق الملائكة، ويعلم ما كان بعد خلقهم وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى يقول لا تشفع الملائكة إلا لمن رضي الله أن يشفع له يعني من أهل التوحيد» «1» «الذين لا يقولون أن الملائكة بنات الله- عز وجل- لأن كفار مكة زعموا أن الملائكة تشفع لهم في الآخرة إلى الله- عز وجل-، ثم قال: سبحانه- يعني «2» الملائكة «3» وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ- 28- يعنى خائفين وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ يعني من الملائكة إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ يعني من دون الله- عز وجل- فَذلِكَ يعني فهذا الذي يقول أني إله من دونه نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ- 29- النار حين زعموا أن مع الله- عز وجل- إلها ولم يقل ذلك أحد من الملائكة غير إبليس عدو الله رأس الكفر أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا يقول أو لم يعلم الذين كفروا من أهل مكة أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً يعنى ملتزقين، وذلك أن الله- تبارك وتعالى- أمر بخار الماء فارتفع فخلق منه السموات السبع فأبان إحداهما من الأخرى، فذلك قوله فَفَتَقْناهُما ثم قال- سبحانه-: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ
__________
(1) فى أ: (ولا يشفعون) الملائكة. والمثبت من ز. [.....]
(2) يعنى بمعنى يقصد.
(3) ما بين الأقواس « ... » من أ، وليس فى ز.(3/76)
يقول وجعلنا الماء حياة كل شيء يشرب الماء أَفَلا يُؤْمِنُونَ- 30- يقول أفلا يصدقون بتوحيد الله- عز وجل- مما يرون من صنعه وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ يعني الجبال أرسيت في الأرض فأثبتت الأرض بالجبال «1» أَنْ تَمِيدَ «بِهِمْ» «2» لئلا تزول الأرض بهم «3» وَجَعَلْنا فِيها يعني في الجبال فِجاجاً يعني كل شعب في جبل فيه منذ سُبُلًا يعني طرقا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ- 31- يقول لكي يعرفوا طرقها وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً يعنى المرفوع مَحْفُوظاً من الشياطين لئلا يسمعوا إلى كلام الملائكة فيخبروا «4» الناس وَهُمْ عَنْ آياتِها يعني الشمس والقمر والنجوم وغيرها مُعْرِضُونَ- 32- فلا يتفكرون فيما يرون من صنعه- عز وجل- فيوحدونه وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ- 33- يقول يدخلان من قبل المغرب فيجريان تحت الأرض حتى يخرجا «5» من قبل المشرق، ثم يجريان «6» في السماء إلى المغرب، فذلك قوله- سبحانه-: «كُلٌّ» «7» - يعني الشمس والقمر «فِي فَلَكٍ» يعني في دوران «يَسْبَحُونَ» يعني يجرون فذلك دورانهما.
__________
(1) من ز، وفى أ: فأثبتناها بالجبال.
(2) فى ز، أ: «بكم» .
(3) فى أ، ز: بكم.
(4) فى أ، ل: فيخبرون، ز: فيخبروا.
(5) فى أ: يخرجان، ز: يخرجا.
(6) فى ز: يجريان، أيخرجان.
(7) «كل» : من ز، وليست فى أ.(3/77)
وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ [13 ب] وذلك أن قوما قالوا: إن محمدا- صلى الله عليه وسلم- لا يموت. فأنزل الله- عز وجل- «وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ» يعني لنبي من الأنبياء مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ في الدنيا فلا يموت فيها، بل يموتون
فلما نزلت هذه الآية، قال النبي- صلى الله عليه وسلم- لجبريل عليه السلام-:
فمن يكون في أمتي من بعدي، فأنزل الله- عز وجل- «أَفَإِنْ» «1» مِتَ
يعني محمدا- صلى الله عليه وسلم- فَهُمُ الْخالِدُونَ- 34- فإنهم «2» يموتون أيضا، ثم قال- عز وجل-: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ «يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- وغيره «3» وَنَبْلُوكُمْ يقول ونختبركم «4» بِالشَّرِّ يعني بالشدة لتصبروا «5» وَب الْخَيْرِ فِتْنَةً تعنى بالرخاء لتشكروا «6» «فتنة» يقول هما بلاء يبتليكم بهما «7» وَإِلَيْنا في الآخرة تُرْجَعُونَ- 35- بعد الموت فنجزيكم بأعمالكم وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني أبا جهل إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- مر على أبي سفيان بن حرب، وعلى أبي جهل بن هشام، فقال أبو جهل لأبي سفيان كالمستهزئ:
انظروا إلى نبي بني عبد مناف. فقال أبو سفيان لأبي جهل حمية- وهو من بني عبد شمس بن عبد مناف- وما تنكر أن يكون نبيا في بني عبد مناف «8» فسمع
__________
(1) «أفإين» كما وردت فى تشكيل المصحف.
(2) فى أ، ز: بأنهم، ولكنها ليست فى أ.
(3) ما بين القوسين « ... » من ل، ز، وليس فى أ.
(4) فى ز: ونختبركم، أ: ونبتليكم.
(5) فى ز: لتصبروا، أ: فتصبروا. [.....]
(6) من ز، وفى أ: اضطراب.
(7) من أ: وحدها.
(8) من ز، وفى أ: وما تنكر أن يكون نبى فى بنى عبد مناف.(3/78)
النبي- صلى الله عليه وسلم- قولهما، فقال لأبي جهل: ما أراك منتهيا حتى ينزل الله- عز وجل- بك ما نزل بعمك الوليد بن المغيرة، وأما أنت يا أبا سفيان فإنما قلت الذي قلت حمية، فأنزل الله- عز وجل- «وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا»
يعني أبا جهل «إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً» استهزاء. وقال أبو جهل حين رأى النبي- صلى الله عليه وسلم-: أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ اللات والعزى ومناة بسوء يقول الله- عز وجل- وَهُمْ بِذِكْرِ يعني بتوحيد الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ- 36- وذلك أن أبا جهل قال: إن الرحمن مسيلمة بن حبيب الحنفي الكذاب خُلِقَ الْإِنْسانُ يعنى آدم أبو البشر مِنْ عَجَلٍ وذلك أن كفار قريش استعجلوا بالعذاب في الدنيا من قبل أن يأتيهم تكذيبا به كما استعجل آدم- عليه السلام- الجلوس «1» من قبل أن تتم فيه الروح من قبل رأسه- يوم الجمعة «2» «فأراد أن يجلس من قبل أن تتم فيه الروح إلى قدميه فلما بلغت الروح وسطه ونظر إلى حسن خلقه أراد أن يجلس ونصفه طين «3» » فورث الناس كلهم العجلة من آدم- عليه السلام- لم تجد منفذا فرجعت من أنفه فعطس، فقال: «الحمد لله رب العالمين» [14 أ] فهذه أول كلمة تكلم بها:
وبلغنا أن الله- عز وجل- رد عليه «فقال: لهذا خلقتك يرحمك ربك» «4» فسبقت رحمته غضبه فلما استعجل كفار مكة العذاب في الدنيا نزلت «خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ» لأنهم من ذريته يقول الله- عز وجل- لكفار مكة
__________
(1) فى أ، ل: الجلوس ز، للجلوس.
(2) من ز، وفى أ، وفى ل: الروح- يوم الجمعة- من قبل رأسه.
(3) ما بين القوسين « ... » من أ، ل، وليس فى ز.
(4) ما بين القوسين « ... » من ز وفى أرد عليه يرحمك الله.(3/79)
ف سَأُرِيكُمْ آياتِي يعني عذابي القتل فَلا تَسْتَعْجِلُونِ- 37- يقول فلا تعجلوا بالعذاب وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 38- وذلك أن كفار مكة قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: متى هذا العذاب الذي «1» تعدنا، إن كنت صادقا، يقولون ذلك مستهزئين تكذيبا بالعذاب فأنزل الله- عز وجل- لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وذلك أن أيديهم تغل إلى أعناقهم «وتجعل فى أعناقهم ضحرة من الكبريت فتشتعل النار فيها فلا يستطيعون أن يتقوا النار إلا بوجوههم «2» .
فذلك قوله- سبحانه-: «أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ ... » «3»
وذلك قوله: «حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ» لو علموا ذلك ما استعجلوا بالعذاب، ثم قال- سبحانه-: وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ- 39- يقول ولا هم يمنعون من العذاب، ثم قال- تعالى-: بَلْ تَأْتِيهِمْ الساعة بَغْتَةً يعنى فجأة فَتَبْهَتُهُمْ يقول» «4» فتفجأهم فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها يعني أن يردوها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ- 40- يقول ولا يناظر بهم العذاب حتى يعذبوا وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ كما استهزئ بك يا محمد يعزي نبيه- صلى الله عليه وسلم- ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب وذلك أن مكذبي الأمم الخالية كذبوا رسلهم بأن العذاب ليس بنازل بهم فى الدنيا
__________
(1) فى أ: التي، والتفسير كله مختصر فى ز، وليس موجودا بها.
(2) ما بين القوسين « ... » : ليس فى ز، وهو من أ.
(3) سورة الزمر: 24.
(4) فى أ: يقول، ز: يعنى.(3/80)
فلما أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- كفار مكة استهزءوا منه تكذيبا بالعذاب يقول الله- عز وجل-: فَحاقَ «بِالَّذِينَ» «1» يعنى فدا ربهم «سَخِرُوا مِنْهُمْ» «2» ما يعنى الذي كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ- 41- بأنه غير نازل بهم قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ يقول من يحرسكم بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ عذاب الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ- 42- يعني القرآن، معرضون عنه، ثم قال- سبحانه-: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ نزلت في الحارث بن قيس السهمي وفيه نزلت أيضا في الفرقان «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ... » «3» فقال- سبحانه-: «أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ» تَمْنَعُهُمْ من العذاب مِنْ دُونِنا يعني من دون الله- عز وجل- فيها تقديم ثم أخبر عن الآلهة فقال- تعالى-:
لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ يقول لا تستطيع الآلهة [14 ب] «أن» «4» تمنع نفسها من سوء أريد بها، ثم قال- سبحانه-: وَلا هُمْ يعني من يعبد الآلهة مِنَّا يُصْحَبُونَ- 43- يعني ولا هم منا يجارون يقول الله- تعالى- لا يجيرهم مني «ولا يؤمنهم مني» «5» أحد بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ يعني كفار مكة وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ يعنى أفهلا يرون أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ يعنى أرض مكة نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها «يعنى نغلبهم
__________
(1) فى أ، ل، ز «بهم» لكنها فى القرآن «بالذين» .
(2) «سخروا منهم» : ساقطة من الأصل.
(3) سورة الفرقان 43 وتلاحظ أن أ، ل، ز، أوردت الآية «أفرأيت ... » وصوابها «أفرأيت ... » . [.....]
(4) أن: من ز، وساقطة من أ.
(5) ما بين القوسين « ... » من ز، وليس فى أ.(3/81)
على ما حول أرض مكة» «1» أَفَهُمُ الْغالِبُونَ- 44- يعني كفار مكة أو النبي- صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون؟ بل النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه- رضي الله عنهم هم الغالبون لهم، «وربه محمود» «2» قُلْ لكفار مكة: إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ بما في القرآن من الوعيد وَلا يَسْمَعُ يا محمد الصُّمُّ الدُّعاءَ هذا مثل ضربه الله- عز وجل- للكفار يقول إن الأصم إذا ناديته لم «3» يسمع فكذلك الكافر لا يسمع الوعيد والهدى إِذا ما يُنْذَرُونَ- 45- وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ يقول ولئن أصابتهم عقوبة مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ
- 46- وَنَضَعُ الأعمال في الْمَوازِينَ الْقِسْطَ يعني العدل لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فجبريل- عليه السلام- يلي موازين أعمال بنى آدم فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً يقول لا ينقصون شيئا من أعمالهم وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ يعني وزن حبة مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها يعني جئنا بها «بالحبة» «4» وَكَفى بِنا حاسِبِينَ- 47- يقول- سبحانه- وكفى بنا من سرعة الحساب وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ يعني التوراة وَضِياءً يعني ونورا من الضلالة يعني التوراة وَذِكْراً يعني وتفكرا لِلْمُتَّقِينَ- 48- الشرك ثم نعتهم فقال- سبحانه-: الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ فأطاعوه ولم يروه وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ- 49- يعنى من القيامة خائفين وَهذا
__________
(1) ما بين القوسين « ... » من ز، وفى أ: يعنى تغلب على مكة ثم على أخرى.
(2) ما بين القوسين « ... » من ز، وفى أ: والله- عز وجل- محمود.
(3) لم: من ز، وهي مشطوبة فى أ.
(4) «بالجنة» : فى الأصل.(3/82)
القول ذِكْرٌ يعني بيان مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ يا أهل مكة لَهُ مُنْكِرُونَ- 50- يقول- سبحانه- «لا تعرفونه فتؤمنون به «1» .
وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ يقول ولقد أعطينا إبراهيم هداه فى السرب وهو صغير من قبل موسى وهارون وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ- 51- يقول الله- عز وجل- وكنا بإبراهيم عالمين بطاعته لنا إِذْ قالَ لِأَبِيهِ آزر: وَقَوْمِهِ مَا هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ- 52- تعبدونها «2» «قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ» «3» - 53- قالَ لهم إبراهيم: لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ- 54- قالُوا أَجِئْتَنا يإبراهيم بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ- 55- قالوا أجد هذا القول منك [15 أ] أم لعب يإبراهيم قالَ إبراهيم: بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ يعنى الذي خلقهن وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ يعني على ما أقول لكم مِنَ الشَّاهِدِينَ- 56- بأن ربكم الذي خلق السموات والأرض وَتَاللَّهِ يقول والله، لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بالسوء يعني أنه يكسرها، وهي اثنان وسبعون صنما من ذهب وفضة ونحاس «وحديد» «4» وخشب بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ- 57- يعنى ذاهبين إلى عيدكم «وكان
__________
(1) «لا تعرفونه فتؤمنون به» : من ز، وفى أ: «لا يعرفونه فيؤمنون به» .
(2) «تعبدونها» من ز، وفى أ: يقول التي أنتم لها عابدين، وعليها علامة تمريض.
(3) «قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ» : من ز، وهي ساقطة من أ.
(4) «وحديد» : من ز، وليست فى أ.(3/83)
لهم» «1» عيد في كل سنة يوما واحدا «2» «وكانوا إذا خرجوا قربوا إليها الطعام ثم يسجدون» «3» لها ثم يخرجون، ثم إذا جاءوا من عيدهم بدءوا بها فسجدوا لها ثم تفرقوا إلى منازلهم «4» .
فسمع قول إبراهيم- صلى الله عليه وسلم- رجل منهم، حين قال:
«وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ» فلما خرجوا دخل إبراهيم على الأصنام والطعام بين أيديها فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً يعني قطعا، كقوله- سبحانه- « ... عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» «5» يعني غير مقطوع، ثم استثنى إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ يعني أكبر الأصنام فلم يقطعه وهو من ذهب ولؤلؤ وعيناه ياقوتتان حمراوان تتوقدان في الظلمة لهما بريق كبريق النار وهو في مقدم البيت، فلما كسرهم وضع الفأس بين يدي الصنم الأكبر، ثم قال: لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ- 58- يقول إلى الصنم الأكبر يرجعون من عيدهم، فلما رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام فإذا هي «6» مجذوذة قالُوا يعني نمروذ بن كنعان وحده، هو الذي قال:
مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ- 59- لنا حين انتهك هذا منا قال الرجل الذي كان يسمع قول إبراهيم- عليه السلام- حين قال:
«وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ ... «7» قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ بسوء، فذلك قوله
__________
(1) «وكان لهم» من ز، فى أ: وكل له.
(2) يوما واحدا: من ز، فى أ: يوم واحد.
(3) يسجدون: من ز، ل» فى أ: يسجدوا.
(4) ما بين الأقواس « ... » : من أ، وليس فى ز. [.....]
(5) سورة هود: 108.
(6) فى أ: هن، ز: هي.
(7) سورة الأنبياء: 57.(3/84)
يعني الرجل وحده قال سمعت فتى يذكرهم بسوء إضمار يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ- 60- قالُوا قال نمروذ الجبار «1» : فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ يعني على رءوس الناس لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ- 61- عليه بفعله ويشهدون عقوبته فلما جاءوا به قالُوا قال نمروذ: أَأَنْتَ فَعَلْتَ «هَذَا» «2» بِآلِهَتِنا يَا إِبْراهِيمُ- 62- يعنى أنت كسرتها: قالَ إبراهيم: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا يعني أعظم الأصنام الذي في يده الفأس غضب حين سويتم بينه وبين الأصنام الصغار فقطعها فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ- 63- يقول سلوا الأصنام المجذوذة من «3» قطعها؟ إن قدروا على الكلام فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ [15 ب] فلاموها فَقالُوا فقال بعضهم لبعض: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ- 64- لإبراهيم حين «4» تزعمون أنه قطعها والفأس في يد الصنم الأكبر، ثم قالوا بعد ذلك كيف يكسرها «وهو مثلها» «5» ، فذلك قوله- سبحانه-: ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ يقول رجعوا عن قولهم الأول فقالوا لإبراهيم لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ- 65- فتخبرنا من كسرها.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ، قَالَ: الْهُذَيْلُ سمعت عبد القدوس- ولم أسمع مقاتلا- يحدث عن الحسن «ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ» يعنى على الرؤساء والأشراف.
__________
(1) الجبار: من ز، وليس فى أ.
(2) «بهذا» : فى الأصل.
(3) فى الأصل: فى.
(4) حين: من ز، وليست فى أ.
(5) من ز، وفى أ: وإنما هو مثلها.(3/85)
قالَ لهم إبراهيم عند ذلك: أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً إن عبدتموهم وَلا يَضُرُّكُمْ- 66- إن لم تعبدوهم، ثم قال لهم إبراهيم: أُفٍّ لَكُمْ يعني بقوله أف لكم، الكلام الرديء «1» وَلِما تَعْبُدُونَ من الأصنام مِنْ دُونِ اللَّهِ- عز وجل- أَفَلا يعني أفهلا تَعْقِلُونَ- 67- أنها ليست بآلهة قالُوا حَرِّقُوهُ بالنار وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ يقول انتقموا منه إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ- 68- ذلك به فألقوه في النار، يعني إبراهيم- صلى الله عليه وسلم- ويقول الله- عز وجل- قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً من الحر وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ- 69- يقول وسلميه من البرد ولو لم يقل «وسلاما» لأهلكه بردها وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً يعني بإبراهيم حين خرج من النار، فلما نظر إليه الناس بادروا ليخبروا نمروذ فجعل بعضهم يكلم بعضا فلا يفقهون كلامهم فبلبل الله ألسنتهم على سبعين لغة، فمن ثم سميت بابل، وحجزهم الله عنه «فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ» «2» - 70- وَنَجَّيْناهُ يعني إبراهيم وَلُوطاً من أرض كوثا ومعهما سارة من شر نمروذ بن كنعان الجبار إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ- 71- يعني الناس إلى الأرض المقدسة وبركتها الماء والشجر والنبت وَوَهَبْنا لَهُ يعني لإبراهيم إِسْحاقَ، ثم قال: وَيَعْقُوبَ نافِلَةً يعني فضلا على مسألته في إسحاق وَكُلًّا جَعَلْنا يعني إبراهيم وإسحاق ويعقوب جعلناهم صالِحِينَ- 72- وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا يقول جعلناهم قادة للخير يدعون الناس إلى أمر الله- عز وجل- وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ يعنى الأعمال الصالحة
__________
(1) فى أ: الرديء، ز: القبيح.
(2) ما بين القوسين « ... » ساقط من النسخ.(3/86)
وَإِقامَ الصَّلاةِ [16 أ] وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ- 73- يعنى موحدين وَلُوطاً آتَيْناهُ يعني أعطيناه حُكْماً يعني الفهم والعقلي وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ يعنى سدوم الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ يعني السيئ» «1» من العمل إتيان الرجال في أدبارهم فأنجى الله لوطا وأهله، وعذب القرية» «2» بالخسف والحصب إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ- 74- وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا يعني نعمتنا وهي النبوة كقوله- عز وجل- «إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ ... » «3» بالنبوة إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ- 75- وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ إبراهيم ولوطا وإسحاق وكان نداؤه حين قال:
« ... أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ» «4» فَاسْتَجَبْنا لَهُ دعاءه فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ- 76- يعني الهول الشديد يعني الغرق وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ في قراءة أبي بن كعب «ونصرناه على القوم» الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني كذبوا بنزول العذاب عليهم في الدنيا وكان نصره هلاك قومه إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ- 77- لم ننج منهم أحدا وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ يعني الكرم إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ يعني النفش بالليل والسرح بالنهار» «5» وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ- 78- يعني داود وسليمان- صلى الله عليهما- وصاحب الغنم وصاحب
__________
(1) فى أ: السيئات، ز: السيء.
(2) فى أ، ل: وعذبناها.
(3) سورة الزخرف: 59.
(4) سورة القمر: 10، وتمامها: «فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ» . [.....]
(5) من أو فى ز: يعنى تنفش بالليل وتسرح بالنهار.(3/87)
الكرم، وذلك أن راعيا جمع غنمه بالليل إلى جانب كرم رجل فدخلت الغنم الكرم فأكلته وصاحبها لا يشعر بها فلما أصبحوا أتوا داود النبي- عليه السلام- فقصوا عليه أمرهم، فنظر داود ثمن الحرث، فإذا هو قريب من ثمن الغنم، فقضى بالغنم لصاحب الحرث فمروا بسليمان فقال: كيف قضى لكم نبي الله؟
فأخبراه، فقال سليمان: نعم ما قضى نبي الله وغيره أرفق للفريقين فدخل رب الغنم على داود» «1» فأخبره بقول سليمان فأرسل داود إلى سليمان فأتاه فعزم عليه بحقه بحق النبوة، لما أخبرتني فقال عدل الملك، وغيره أرفق فقال داود: وما هو؟
قال سليمان: تدفع الغنم إلى صاحب الحرث، فله أولادها وأصوافها وألبانها وسمنها، وعلى رب الغنم أن يزرع لصاحب الحرث مثل حرثه، فإذا بلغ وكان مثله يوم أفسده دفع إليه حرثه وقبض غنمه» «2» ، قال: داود نعم ما قضيت» «3» فأجاز قضاءه» «4» ، وكان هذا ببيت المقدس، يقول الله- عز وجل- فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ يعني القضية ليس يعني به الحكم ولو كان الحكم لقال ففهمناه وَكُلًّا يعني داود وسليمان آتَيْنا يعنى أعطينا حُكْماً وَعِلْماً [16 ب] يعني الفهم والعلم فصوب قضاء سليمان ولم يعنف داود وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ يعني يذكرن الله- عز وجل- كلما ذكر داود ربه- عز وجل- ذكرت الجبال ربها معه وَسخرنا له الطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ- 79- ذلك بداود وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ يعني الدروع من حديد وكان داود أول من
__________
(1) فى أ، دود، ز، ل: داود.
(2) فى ز: أفسده، دفع إليه غنمه.
(3) فى أ: نعما قضيت، ل، ز: نعم ما قضيت.
(4) من ل، ز، وفى أ: وأدار قضاءه.(3/88)
اتخذها لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ يعني من حربكم من القتل والجراحات فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ- 80- لربكم في نعمه فتوحدونه استفهام. قال الفراء: يعني فهل أنتم شاكرون؟ معنى الأمر أي اشكروا، ومثله « ... فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ» «1» أى انتهوا وَسخرنا لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً يعني شديدة تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها يعني الأرض المقدسة يعني بالبركة الماء والشجر وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ مما أعطيناهما عالِمِينَ- 81- وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ لسليمان في البحر فيخرجون له اللؤلؤ، وهو أول من استخرج اللؤلؤ من البحر وَيَعْمَلُونَ له عَمَلًا دُونَ ذلِكَ يعني غير الغياصة من تماثيل ومحاريب وجفان كالجراب وقدور راسيات وَكُنَّا لَهُمْ يعني الشياطين حافِظِينَ- 82- على سليمان لئلا يتفرقوا عنه.
وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ يعني دعا ربه- عز وجل- أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ يعني أصابني البلاء وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ- 83- فَاسْتَجَبْنا لَهُ دعاءه فَكَشَفْنا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ فأحياهم الله- عز وجل- وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ وكانت امرأة أيوب ولدت قبل البلاء سبع بنين وثلاث بنات فأحياهم الله- عز وجل- ومثلهم معهم رَحْمَةً يقول نعمة مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ- 84- يقول وتفكرا للموحدين فأعطاه الله- عز وجل- مثل كل شيء ذهب له يعني أيوب، وكان أيوب من أعبد الناس فجهد إبليس ليزيله عن عبادة ربه- عز وجل- فلم يستطع.
__________
(1) سورة المائدة الآية 91 وتمامها: «إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ» .(3/89)
وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ- 85- وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا يعني في نعمتنا وهي النبوة إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ- 86- يعني من المؤمنين.
وَذَا النُّونِ يعني يونس بن متى- عليه السلام- إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً يعني مراغما لقومه، لحزقيل بن أجار» «1» ومن معه من بني إسرائيل ففارقهم من غير أن يؤمنوا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فحسب يونس أن لن نعاقبه بما صنع فَنادى يقول فدعا ربه فِي الظُّلُماتِ يعني ظلمات ثلاث ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، فنادى: أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ [17 أ] يوحد ربه- عز وجل- سُبْحانَكَ نزه- تعالى- أن يكون ظلمه» «2» ، ثم أقر على نفسه بالظلم، فقال: إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ- 87- يقول يونس- عليه السلام-: إني ظلمت نفسي فَاسْتَجَبْنا لَهُ دعاءه وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ يعني من بطن الحوت وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ- 88-.
قال أبو محمد» «3» : قال أبو العباس ثعلب: قال الفراء: «أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ» ونقدر عليه، لمعنى واحد، وهو من قوله قدرت الشيء، لا قدرت» «4» ، معناه من التقدير لا من القدر، ومثله فى سورة الفجر « ... فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ... » «5» من التقدير
__________
(1) فى أ: لحزقيا بن أجان، ز: لحزقيل بن أجار.
(2) فى أ: يظلمه، ز: ظلمه.
(3) «قال أبو محمد ... » وما بعدها ليس فى ل، ولا فى ز، وهو من أوحدها.
(4) كذا فى أ.
(5) سورة الفجر: 16.(3/90)
والتقدير لا من القدرة،
بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: مكث يونس- عليه السلام- في بطن الحوت ثلاثة أيام. وعن كعب قال: أربعين يوما» «1» .
وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ يعني دعا ربه في آل عمران» «2» ، وفي مريم» «3» قال:
رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً يعني وحيدا وهب لي وليا يرثني وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ- 89- يعني أنت خير من يرث العباد فَاسْتَجَبْنا لَهُ دعاءه وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ يعني امرأته فحاضت وكانت لا تحيض من الكبر إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ يعني أعمال الصالحات، يعني زكريا وامرأته وَيَدْعُونَنا رَغَباً في ثواب الله- عز وجل- وَرَهَباً من عذاب الله- عز وجل وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ- 90- يعني لله- سبحانه- متواضعين.
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها من الفواحش، لأنها قذفت وهي مريم «بنة» «4» عمران أم عيسى- صلى الله عليهما- فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا نفخ جبريل- عليه السلام- في جيبها فحملت من نفخة جبريل بعيسى- صلى الله عليهم- وَجَعَلْناها وَابْنَها عيسى- صلى الله عليه- آيَةً لِلْعالَمِينَ- 91- يعني عبرة لبني إسرائيل، فكانا آية إذ حملت مريم- عليها السلام- من غير بشر، وولدت عيسى من غير أب- صلى الله عليه-.
__________
(1) من ز، وفى أ، ل: ويقال أربعين يوما عن كعب. أ. هـ.
وما يروى عن كعب من الإسرائيليات التي لا يجوز النظر إليها خصوصا إذا ورد عن المعصوم (ص) ما يخالفه.
(2) سورة آل عمران: 38 وتمامها هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ.
(3) سورة مريم: 2- 6، وتمامها ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا، إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا، قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا، وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا» .
[.....]
(4) «ابنت» : فى الأصل.(3/91)
إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً يقول إن هذه ملتكم التي أنتم عليها، يعني شريعة الإسلام هي ملة واحدة كانت عليها الأنبياء والمؤمنون الذين نجوا من عذاب الله- عز وجل- وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ- 92- يعنى فوحدون وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ فرقوا دينهم الإسلام الذي أمروا به فيما» «1» بينهم فصاروا زبرا يعني فرقا «كُلٌّ» «2» : كل أهل تلك الأديان إِلَيْنا راجِعُونَ- 93- في الآخرة فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ يقول وهو مصدق بتوحيد الله- عز وجل- فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ يعني لعمله يقول يشكر الله- عز وجل- عمله وَإِنَّا لَهُ [17 ب] كاتِبُونَ- 94- يكتب له سعيه الحفظة من الملائكة وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ فيما خلا أَهْلَكْناها بالعذاب في الدنيا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ- 95- يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية فى الدنيا حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يعني أرسلت يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وهما أخوان لأب وأم وهما من نسل يافث بن نوح وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ- 96- يقول من كل مكان يخرجون من كل جبل وأرض وبلد، وخروجهم عند اقتراب الساعة، فذلك قوله- عز وجل-: وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ يعني وعد البعث أنه حق كائن فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ يعنى فاتحة أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا بالبعث لا يطرفون مما يرون من العجائب، يعني التي كانوا يكفرون بها في الدنيا قالوا: يَا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا اليوم، ثم ذكر قول الرسل لهم في الدنيا أن البعث كائن،
__________
(1) فى أ: فيها، وفى حاشية أ: فيما، وفى ز: فيما.
(2) فى أ، ز، ل «كل» .(3/92)
فقالوا: بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ- 97- أخبرنا بهذا اليوم فكذبنا به إِنَّكُمْ يعني كفار مكة وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ يعني رميا في جهنم ترمون فيها أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ- 98- يعني داخلون لَوْ كانَ هؤُلاءِ الأوثان آلِهَةً ما وَرَدُوها يعني ما دخلوها يعني جهنم لامتنعت من دخولها وَكُلٌّ يعني الأوثان ومن يعبدها فِيها يعني في جهنم خالِدُونَ- 99- نزلت في بني سهم منهم العاص بن وائل والحارث وعدي ابني قيس وعبد الله بن الزبعري بن قيس، وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد الحرام ونفر من بني سهم جلوس فى الحطيم، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما، فأشار بيده إليهم فقال: «إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» يعني الأصنام «حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ ... » إلى آيتين» «1» ثم خرج فدخل ابن الزبعري، وهم يخوضون فيما ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- لهم ولآلهتهم، فقال: ما هذا الذي تخوضون؟ فذكروا له قول النبي- صلى الله عليه وسلم-. فقال ابن الزبعري: والله، لئن قالها بين يدي لأخصمنه. فدخل النبي- صلى الله عليه وسلم- من ساعته، فقال ابن الزبعري: أهي لنا ولآلهتنا خاصة أم لنا ولآلهتنا ولجميع الأمم ولآلهتهم؟ فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم ولآلهتهم. قال: خصمتك» «2» ورب الكعبة، ألست تزعم أن عيسى نبي وتثني عليه وعلى أمه خيرا، وقد علمت أن النصارى يعبدونها، وعزير يعبد والملائكة تعبد، فإن كان هؤلاء معنا قد رضينا أنهم
__________
(1) سورة الأنبياء: 98- 99.
(2) فى ل: خصمتك، أأخصمتك.(3/93)
معنا، فسكت النبي- صلى الله عليه وسلم» «1»
- ثم قال- سبحانه» «2» -: لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ يعني آخر نهيق الحمار وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ- 100- الصوت، وذلك حين يقال لأهل النار اخسئوا فيها ولا تكلمون، فصاروا بكما وعميا وصما.
ثم استثنى ممن كان يعبد أنهم» «3» لا يدخلون جهنم [18 أ] فقال- سبحانه-:
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى الجنة أُولئِكَ عَنْها يعني جهنم مُبْعَدُونَ- 101- يعني عيسى وعزيرا ومريم والملائكة- عليهم السلام- لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها يقول لا يسمع أهل الجنة صوت جهنم حين يقال لهم اخسئوا فيها، ولا تكلموا فتغلق عليهم أبوابها فلا تفتح عنهم أبدا ولا يسمع أحد صوتها وَهُمْ يعني هؤلاء فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ- 102- يعني لا يموتون فلما سمع بنو سهم بما استثنى الله- عز وجل- ممن يعبد من الآلهة، عزير وعيسى ومريم والملائكة، قالوا للنبي» «4» - صلى الله عليه وسلم- هلا استثنيت هؤلاء حين سألناك، فلما خلوت تفكرت» «5» .
__________
(1) فى ز: رواية مختصرة فى الهامش نصها:
«فقال عبد الله بن الزبعرى يا رسول الله النصارى قد عبدوا عيسى، واليهود قد عبدوا العزير. فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم-: ما أجهلك بلغة قومك.
أراد أن ما، لما لا يعقل، ومن لمن يعقل، ثم أسلم وكان من الشعراء الرسول» .
(2) فى أ، ل: ثم قال- سبحانه-: «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ... » أى أن فيهما تفسير الآية 101 بعد 99، وقد عدلت التفسير حسب ترتيب الآيات.
(3) فى أ: أنهم، ل: أنه، وهذا الكلام فى أ، ل، بعد تفسير 99 فترك 100 ثم فسرها بعد 101.
(4) فى ل: عزيرا وعيسى ومريم، بالنصب.
وفى أ: عزيز ومريم وعيسى.
وفى ز: فلما سمعت بنو سهم من استثنى الله ممن يعبد قالوا للنبي.
(5) فى ز: فلما خصمت خلوت فذكرت. أهـ.(3/94)
قوله- سبحانه-: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ حدثنا أبو محمد، قال: حدثني أبي، قال: حَدَّثَنَا الْهُذَيْلُ، عَنْ مُقَاتِلٍ، عَنْ نُعْمَانَ» «1» ، عَنْ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ: مَا تَقُولُونَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآية «لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ» ؟ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ. فَقَالَ: تَفْسِيرُ هَذِهِ الآيَةِ أَنَّ اللَّهَ- عَزَّ وَجَلَّ- إِذَا أَدْخَلَ أَهْلَ الْجَنَّةِ، وَرَأَوْا مَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ ذَكَرُوا الْمَوْتَ فَيَخَافُونَ أَنْ يَكُونَ آخِرَ ذَلِكَ الْمَوْتُ فَيُحْزِنُهُمْ ذَلِكَ، وَأَهْلُ النَّارِ إِذَا دَخَلُوا النَّارَ وَرَأَوْا مَا فِيهَا مِنَ الْعَذَابِ يَرْجُونَ أَنْ يَكُونَ آخِرَ ذَلِكَ الْمَوْتُ، فَأَرَادَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يَقْطَعَ حُزْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَيَقْطَعَ رَجَاءَ أَهْلِ النَّارِ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- مَلَكًا وَهُوَ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلامُ- وَمَعَهُ الْمَوْتُ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُشْرِفُ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُنَادِي: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ. فَيُسْمِعُ أَعْلاهَا دَرَجَةً وَأَسْفَلَهَا دَرَجَةً، وَالْجَنَّةُ دَرَجَاتٌ، فَيُجِيبُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟
فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ. قَالَ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ بِهِ إِلَى النَّارِ فَيُشْرِفُ بِهِ عَلَيْهِمْ فَيُنَادِي أَهْلَ النَّارِ، فَيُسْمِعُ أَعْلاهَا دَرَكًا وَأَسْفَلَهَا دَرَكًا، وَالنَّارُ دَرَكَاتٌ، فَيُجِيبُونَهُ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، قَالَ: ثُمَّ يَرُدُّهُ إِلَى مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُ: الْمَلَكُ إِنَّا ذَابِحُوهُ. فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ بأجمعهم: نعم لكي يأمنوا الموت، ويقول [18 ب] أَهْلُ النَّارِ بِأَجْمَعِهِمْ لا، لِكَيْ يَذُوقُوا الْمَوْتَ، قَال فَيَعْمِدُ الْمَلَكُ إِلَى الْكَبْشِ الأَمْلَحِ وَهُوَ الْمَوْتُ فَيَذْبَحُهُ وَأَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَيُنَادِي الْمَلَكُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ لا مَوْتَ فِيهِ» «2» فَيَأْمَنُونَ الْمَوْتَ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ- تعالى- «لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ»
__________
(1) فى أ: النغمن، ل نعمان.
(2) فى ل: فيه، أ: فيها.(3/95)
ثُمَّ يُنَادِي الْمَلَكُ: يَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ لا مَوْتَ فِيهِ. قَال ابْنُ عَبَّاسٍ:
فَلَوْلا مَا قَضَى اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الْخُلُودِ فِي الْجَنَّةِ، لَمَاتُوا مِنْ فَرْحَتِهِمْ تِلْكَ، وَلَوْلا مَا قَضَى اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى أَهْلِ النَّارِ مِنْ تَعْمِيرِ» «1» الأَرْوَاحِ فِي الأَبْدَانِ لَمَاتُوا حُزْنًا. فَذَلِكَ قَوْلُهُ- عَزَّ وَجَلَّ-: «وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ ... » «2» يَعْنِي إِذْ وَجَبَ لَهُمُ الْعَذَابُ يَعْنِي ذَبْحَ الْمَوْتِ فَاسْتَيْقَنُوا الْخُلُودَ فِي النَّارِ وَالْحَسْرَةَ وَالنَّدَامَةَ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ- لِلْمُؤْمِنيَن «لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ» يعنى الموت بعد ما دخلوا الجنة وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ يعني الحفظة الذين كتبوا أعمال بني آدم، حين خرجوا من قبورهم قالوا للمؤمنين: هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ- 103- فيه الجنة، ثم قال: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ يعني كطي الصحيفة فيها الكتاب، ثم قال- سبحانه-: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وذلك أن كفار مكة أقسموا بالله جهد أيمانهم فى سورة النحل « ... لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ ... » «3»
فأكذبهم الله- عز وجل- فقال- سبحانه- بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا: «كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ» يقول هكذا نعيد خلقهم في الآخرة كما خلقناهم في الدنيا وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ- 104- وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ يعني التوراة والإنجيل والزبور مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ يعني اللوح المحفوظ أَنَّ الْأَرْضَ لله «يَرِثُها» «4» عِبادِيَ الصَّالِحُونَ- 105- يعنى المؤمنون إِنَّ فِي هذا
__________
(1) كذا فى أ، ل: أى تظل معمرة وخالدة فى أجسادهم.
(2) سورة مريم: 39. [.....]
(3) سورة النحل: 38.
(4) فى حاشية أ: فى الأصل «يورثها» .(3/96)
القرآن لَبَلاغاً إلى الجنة لِقَوْمٍ عابِدِينَ- 106- يعني موحدين وَما أَرْسَلْناكَ يا محمد إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ- 107- يعنى الجن والإنس فمن تبع محمدا ... صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى دينه فهو له رحمة كقوله- سبحانه-: لعيسى بن مريم- صلى الله عليه- « ... وَرَحْمَةً مِنَّا» «1» ... » لمن تبعه على دينه» «2» ومن لم يتبعه على دينه صرف عنهم البلاء ما كان بين أظهرهم.
فذلك قوله- سبحانه-: «وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ... » «3» كقوله لعيسى بن مريم- صلى الله عليه- «وَرَحْمَةً مِنَّا» لمن تبعه على دينه.
قال أبو جهل- لعنه الله- للنبي- صلى الله عليه وسلم-: اعمل أنت لإلهك يا محمد ونحن لآلهتنا. قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ يقول إنما ربكم رب واحد فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ- 108- يعني مخلصون فَإِنْ تَوَلَّوْا يقول فإن أعرضوا عن الإيمان فَقُلْ لكفار مكة:
آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ يقول ناديناكم على أمرين وَقل لهم: إِنْ أَدْرِي يعني ما أدري أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ- 109- بنزول العذاب بكم فى الدنيا، وقل لهم: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ يعني العلانية مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ- 110- يعني ما تسرون من تكذيبهم بالعذاب، فأما الجهر فإن كفار مكة حين أخبرهم النبي- صلى الله عليه وسلم بالعذاب كانوا يقولون:
__________
(1) سورة مريم: 21.
(2) فى أزيادة: ومن لم يتبعه على دينه صرف عنهم البلاء ما كان بين أظهرهم، فذلك قول الله- سبحانه- «وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ» كقوله لعيسى بن مريم صلى الله عليه « ... وَرَحْمَةً مِنَّا ... » لمن تبعه على دينه. وليست هذه الزيادة فى ل. والمرجح لدى أنها سقطت سهوا منه بسبب سبق النظر.
(3) الأنفال: 33.(3/97)
«مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» «1» ... » - والكتمان أنهم قالوا إن العذاب ليس بكائن وَقل لهم: يا محمد، إِنْ أَدْرِي يقول ما أدري لَعَلَّهُ يعني فلعل تأخير العذاب عنكم في الدنيا يعني القتل ببدر فِتْنَةٌ لَكُمْ نظيرها فى سورة الجن» «2» فيقولون لو كان حقا لنزل بنا العذاب وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ- 111- يعني وبلاغا إلى آجالكم، ثم ينزل بكم العذاب ببدر قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ يعني اقض بالعدل بيننا وبين كفار مكة فقضى الله لهم القتل ببدر وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ- 112- فأمر الله- عز وجل- النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يستعين به- عز وجل- على ما يقولون من تكذيبهم بالبعث والعذاب.
قال الْهُذَيْلُ: قال الشماخ في الجاهلية:
النبع منبته بالصخر ضاحية والنخل ينبت بين الماء والعجل يعني الطين» «3» .
قال: وحدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، قال: حدثنا أبى، قال: حدثنا أبو رزق في قوله- عز وجل- «وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ» قال التطوع ولم أسمع الهذيل» «4» .
__________
(1) سورة سبا: 29، سورة يس: 48.
(2) سورة الجن: 10.
(3) فى أ: يعنى العجل الطين، وفى ل، ز: يعنى الطين.
(4) من ل، وفى أ: ولم أسمع مقاتلا. وفى ز: ولم أسمع مقاتلا ثم شطب فوقها وكتب هذيلا.(3/98)
سورة الحج(3/99)
[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 78]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (4)
يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ مَا نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (8) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (9)
ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (10) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (14)
مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (15) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (18) هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)
يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (24)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (25) وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)
ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (31) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)
الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (44)
فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49)
فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (51) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)
وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (57) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59)
ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (65) وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ (66) لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69)
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)
اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)(3/101)
سورة الحج «1» مكية، إلا عشر آيات فإنها نزلت بالمدينة، من قوله: «يا أَيُّهَا ... » إلى قوله- تعالى-: «» «2» ... شَدِيدٌ»
نزلت في غزوة بني المصطلق بالمدينة.
وإلا قوله- تعالى-: «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ ... » «3» الآية، نزلت في عبد الله بن أنس بن خطل.
وقوله- تعالى-: «وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ... » «4» الآية نزلت في أهل التوراة.
وقوله- تعالى-: «وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا ... »
الآيتين» «5» .
__________
(1) المقصود الإجمالى لسورة الحج.
من مقاصد السورة الوصية بالتقوى، والطاعة، وبيان هول الساعة، وزلزلة القيامة، وإثبات الحشر والنشر وجدال أهل الباطل مع أهل الحق، والشكابة من أهل النفاق وعيب الأوثان وعبادتها، وذكر نصرة الرسول- صلى الله عليه وسلم-، وإقامة البرهان والحجة، وخصومة المؤمن والكافر فى دين التوحيد، وأذان إبراهيم بالحج، وتعظيم الحرمات والشعائر، والمنة على العباد يدفع فساد أهل الفساد، وحديث البئر المعطلة وذكر نسيان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسهوه حال تلاوة القرآن، وأنواع الحجة على إثبات القيامة وعجز الأصنام وعبادها واختبار الرسول من الملائكة والإنس وأمر المؤمنين بأنواع العبادة والإحسان، والمنة عليهم باسم المسلمين، والاعتصام بحفظ الله وحياطته فى قوله: «وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ» سورة الحج: 78.
(2) سورة الحج: 1- 2.
(3) سورة الحج: 25.
(4) سورة الحج: 54.
(5) الآيتين بالجر معناه إلى آخر الآيتين وهما 58، 59 من سورة الحج. [.....](3/111)
وقوله- تعالى-: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ ... » إلى قوله:
« ... لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ» «1» .
وقوله: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ ... » «2» الآية.
__________
(1) من سورة الحج: 39- 40.
(2) سورة الحج: 11.
وفى المصحف المتداول. (22) سورة الحج مدنية، إلا الآيات 52، 53، 54، 55، فبين مكة والمدينة. وآياتها 78 نزلت بعد سورة النور.
وفى كتاب بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي:
السورة مكية بالاتفاق سوى ست آيات منها فهي مدنية من الآية 19 إلى آخر الآية 24.
وسميت سورة الحج لاشتمالها على مناسك الحج، وتعظيم الشعائر وتأذين إبراهيم للناس بالحج.(3/112)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حدثنا عبيد اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْهُذَيْلِ، عَنْ مقاتل، يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ يخوفهم يقول اخشوا ربكم إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ- 1- يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ
يقول تدع البنين لشدة الفزع من الساعة وذلك قبل النفخة الأولى ينادي مناد «1» من السماء الدنيا يأيها الناس جاء أمر الله فيسمع صوته أهل الأرض جميعا فيفزعون فزعا شديدا، ويموج بعضهم في بعض ويشيب فيها الصغير ويسكر فيها الكبير وتضع الحوامل ما في بطونها وتدع المراضع البنين من الفزع الشديد، فذلك قوله- عز وجل-: «يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ»
عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها
النساء والدواب حملها من شدة الفزع وَتَرَى النَّاسَ سُكارى
من الخوف وَما هُمْ بِسُكارى
من الشراب وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ
- 2-.
نزلت هاتان الآيتان ليلا والناس يسيرون في غزاة بنى المصطلق وهم حي من خزاعة، فقرأها النبي- صلى الله عليه وسلم- تلك الليلة على الناس ثلاث مرات، ثم «2» قال: هل تدرون أي يوم هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا يوم يقول الله- عز وجل- لآدم «- عليه السلام- قم «3» » فابعث بعث
__________
(1) فى أ: مناد، ز: ملك.
(2) ثم: من ز، وليست فى أ.
(3) «- عليه السلام- قم» : من ز، وليست فى أ.(3/113)
النار من ذريتك. فيقول: يا رب وما بعث النار، قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون «1» إلى النار وواحد إلى الجنة، فلما سمع القوم ذلك اشتد عليهم وحزنوا، فلما أصبحوا أتوا النبي- صلى الله عليه- فقالوا: «وما توبتنا وما حيلتنا «2» » . فقال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم-: أبشروا فإن معكم خليقتين لم يكونا في أمة قط إلا كثرتها يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون- ما أنتم في الناس إلا كشعرة بيضاء في ثور أسود، أو كشعرة سوداء في ثور «3» أبيض، أو كالرقم في ذراع الدابة، أو كالشامة في سنام البعير، فأبشروا وقاربوا وسددوا واعملوا. ثم قال: أيسركم أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قالوا: من أين لنا ذلك يا رسول الله؟ قال: أفيسركم أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قالوا: من أين لنا ذلك يا رسول الله؟ قال: أيسركم أن تكونوا شطر أهل الجنة؟ قالوا: من أين لنا ذلك يا رسول الله، قال: فإنكم أكثر أهل الجنة، أهل الجنة عشرون ومائة صف، أمتي من ذلك ثمانون صفا وسائر أهل الجنة [20 أ] أربعون صفا ومع هؤلاء أيضا سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب مع كل رجل سبعون ألفا.
فقالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون. فقام عكاشة بن محصن الأسدي، فقال:
يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. قال: فإنك منهم، فقام رجل آخر من رهط ابن مسعود من هذيل، فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. قال:
سبقك بها عكاشة.
__________
(1) فى أ: وتسعون، ل، ز: وتسعين.
(2) «وما توبتنا وما حيلتنا» : من ز، وفى أ: ما أخبرتنا بآية هي أشد علينا من هذه الآية.
(3) فى ز أ: الثور.(3/114)
قوله- سبحانه-: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ يعلمه نزلت في النضر بن الحارث القرشي وأمه اسمها صفية بنت الحارث بن عثمان بن عبد الدار بن قصي، قال: وَيَتَّبِعُ النضر كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ- 3- يعني مارد كُتِبَ عَلَيْهِ يعني قضي عليه يعنى الشيطان أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ يعني من اتبع الشيطان فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ عن الهدى وَيَهْدِيهِ يعنى ويدعون إِلى عَذابِ السَّعِيرِ- 4-. يعنى الوقود ثم ذكر صنعه ليعتبروا في البعث، فقال- سبحانه-: يا أَيُّهَا النَّاسُ يعني كفار مكة إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ يعني في شك من البعث بعد الموت فانظروا إلى بدء خلقكم فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ولم تكونوا شيئا ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ مثل الدم ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ يعنى من النطفة مخلقة وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ
يعني السقط يخرج من بطن أمه مصورا وغير مصور «لِنُبَيِّنَ لَكُمْ» «1» وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ فلا يكون سقطا «2» إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يقول خروجه من بطن أمه ليعتبروا في البعث ولا يشكوا فيه أن الذي بدأ خلقكم لقادر على أن يعيدكم بعد الموت، ثم قال- سبحانه-: ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ من بطون أمهاتكم طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثماني عشرة سنة «3» إلى أربعين سنة وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى من قبل أن يبلغ أشده وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ بعد الشباب إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ يعني الهرم لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ كان يعلمه شَيْئاً فذكر بدء الخلق ثم ذكر الأرض الميتة كيف يحيها ليعتبروا في البعث فإن البعث ليس بأشد من بدء الخلق ومن
__________
(1) «لنبين لكم» : ساقطة من أ.
(2) فى أ: سقط، ز: سقطا.
(3) فى أ، ل: ثماني عشرة سنة، ز: ثمان عشرة سنة.(3/115)
الأرض حين يحيها من بعد موتها، فذلك قوله- سبحانه-: وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً يعني ميتة ليس فيها نبت يعني متهشمة «1» فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ يعني المطر اهْتَزَّتْ الأرض يعني تحركت بالنبات [20 ب] (كقوله: «تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ» «2» أي تحرك كأنها حية) «3» . ثم قال للأرض «4» : وَرَبَتْ يعني وأضعفت النبات وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ- 5- يعني من كل صنف من النبات حسن ذلِكَ يقول هذا الذي فعل، هذا الذي «5» ذكر من صنعه، يدل على توحيده بصنعه بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وغيره من الآلهة باطل وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى في الآخرة وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ- 6- من البعث وغيره قدير وَأَنَّ السَّاعَةَ «آتِيَةٌ» «6» لا رَيْبَ يعني لا شك فِيها أنها كائنة وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ في الآخرة مَنْ فِي الْقُبُورِ- 7- من الأموات فلا تشكوا فى البعث وَمِنَ النَّاسِ يعني النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن السياف «7» ابن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ يعني يخاصم في الله- عز وجل- أن الملائكة بنات الله- تعالى- وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ- 8- «وَلا هُدًى» - ولا بيان معه من الله- عز وجل- بما يقول «ولا كتاب» من الله- تعالى- «مُنِيرٍ» يعني مضيئا «8» فيه حجة بأن الملائكة بنات الله فيخاصم بهذا.
__________
(1) فى ز: يعنى ميتة متهشمة ليس فيها نبت.
(2) سورة القصص: 31.
(3) ما بين القوسين ( ... ) : من ز: وفى أ: كقوله للحية «تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ» لم تزل. [.....]
(4) اللام بمعنى عن، والأنسب: ثم قال عن الأرض.
(5) الذي: من ز، وليست فى أ.
(6) فى أ: لآتية، ز: آتية.
(7) فى ل: السياف، ز: الساق، ا: السابق ولعلها محرفة عن السباق.
(8) فى ز: مضيئا، ا: مضيء.(3/116)
قال الفراء وأبو عبيدة في قوله- عز وجل-: «ثانِيَ عِطْفِهِ» يقول يتبختر في مشيته تكبرا.
ثم أخبر عن النضر فقال- سبحانه-: ثانِيَ عِطْفِهِ- يقول يلوي «1» عنقه عن الإيمان لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يقول ليستزل عن دين الإسلام لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ يعني القتل ببدر وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ- 9- يعني نحرقه بالنار ذلِكَ العذاب بِما قَدَّمَتْ يَداكَ من الكفر والتكذيب وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ- 10- فيعذب على غير ذنب وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ يعني على شك «نزلت في أناس من أعراب أسد بن خزيمة وغطفان «2» .
قال مُقَاتِلُ: إذا سألك رجل على كم حرف تعبد الله- عز وجل- فقل:
لا أعبد الله على شيء من الحروف، ولكن أعبد الله- تعالى- ولا أشرك به شيئا لأنه واحد لا شريك له «3» .
كان الرجل يهاجر إلى المدينة فإن أخصبت أرضه، ونتحبت فرسه، وولد له غلام، وصح بالمدينة، وتتابعت عليه الصدقات، قال: هذا دين حسن.
يعني الإسلام، فذلك قوله- تعالى-: فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ يقول رضي بالإسلام وإن أجدبت أرضه، ولم تنتج فرسه، وولدت «4» له جارية،
__________
(1) فى أ: ملوى، ز: يلوى.
(2) ما بين القوسين « ... » من ز، وفى أ: نزلت فى رجل من غطفان.
(3) قول مقاتل هذا من أ، وليس فى ز.
(4) فى ز: وولدت، ا: وولد.(3/117)
وسقم بالمدينة، ولم يجد عليه بالصدقات قال: هذا دين سوء، ما أصابني من ديني هذا الذي كنت عليه إلا شرا فرجع عن دينه، فذلك قوله- سبحانه-:
وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ يعني بلاء انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ يقول رجع إلى دينه الأول [21 أ] كافرا خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ خسر دنياه التي كان يحبها، فخرج منها ثم أفضي إلى الآخرة وليس له فيها شيء، مثل قوله «1» -: « ... إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ... » «2» يقول الله- عز وجل-:
ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ- 11- يقول ذلك هو الغبن البين، ثم أخبر عن هذا المرتد عن الإسلام، فقال- سبحانه-: يَدْعُوا يعني يعبد «3» مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني الصنم مَا لا يَضُرُّهُ في الدنيا إن لم يعبده وَما لا يَنْفَعُهُ في الآخرة إن عبده ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ- 12- يعني الطويل يَدْعُوا يعني يعبد لَمَنْ ضَرُّهُ في الآخرة أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ في الدنيا لَبِئْسَ الْمَوْلى يعني الولي وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ- 13- يعني الصاحب، كقوله- سبحانه- «/ ... وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ... » «4» يعني وصاحبوهن بالمعروف، ثم ذكر ما أعد للصالحين فقال- سبحانه-: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يقول تجري العيون من تحت البساتين إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ- 14- مَنْ كانَ يَظُنُّ يعني يحسب أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ
__________
(1) من ز، وليس فى أ.
(2) سورة الزمر: 15.
(3) فى أ: يعبدون، ز: يعبد.
(4) سورة النساء: 19.(3/118)
يعني النبي «1» - صلى الله عليه وسلم- فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ يعني بحبل إلى سقف البيت ثُمَّ لْيَقْطَعْ يعنى ليختنق فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ يقول فعله بنفسه إذا فعل ذلك، هل يذهبن ذلك ما يجد في قلبه من الغيظ بأن محمد لا ينصر ما يَغِيظُ- 15- هل يذهب ذلك ما يجد في قلبه من الغيظ.
نزلت في نفر من أسد وغطفان قالوا: إنا نخاف ألا ينصر محمد فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود فلا يجيرونا ولا ياوونا.
وَكَذلِكَ يعنى وهكذا أَنْزَلْناهُ يعنى القرآن آياتٍ بَيِّناتٍ يعنى واضحات وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي إلى دينه مَنْ يُرِيدُ- 16- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ قوم يعبدون الملائكة ويصلون للقبلة «2» ويقرءون الزبور وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ يعبدون الشمس والقمر والنيران «3» وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا يعني مشركي العرب يعبدون الأوثان فالأديان ستة فواحد لله- عز وجل- وهو الإسلام وخمسة للشيطان إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ يعني يحكم بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من أعمالهم شَهِيدٌ- 17- أَلَمْ تَرَ يعني ألم تعلم أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ من الملائكة وغيرهم وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ سجود هؤلاء الثلاثة حين تغرب الشمس «4» قبل المغرب [21 ب] لله- تعالى- تحت العرش.
__________
(1) المراد: من يظن أن الله لا ينصر محمدا. [.....]
(2) من ل وفيها القبلة، وأما أ: فقد جعلت هذا الوصف للنصارى، وهو خطأ.
(3) كذا فى أ، ل، ز، والمراد النار.
(4) من ز، وليست فى أ.(3/119)
وَيسجد الْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ: ظلهم حين تطلع الشمس وحين تزول إذا تحول ظل كل شيء فهو سجوده، «1» ثم قال- سبحانه-: وَيسجد كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يعنى المؤمنين وَيسجد كَثِيرٌ ممن حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ من كفار الإنس والجن سجودهم هو سجود ظلالهم «2» .
وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ- 18- في خلقه فقرأ النبي- صلى الله عليه وسلم- هذه الآية فسجد لها هو وأصحابه- رضي الله عنهم- هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ نزلت في المؤمنين وأهل الكتاب» «3» ثم بين ما أعد للخصمين، فقال: فَالَّذِينَ كَفَرُوا يعنى اليهود والنصارى قُطِّعَتْ لَهُمْ يعنى جعلت لهم ثِيابٌ مِنْ نارٍ يعني قمصا من نحاس من نار فيها تقديم يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ- 19- إذا ضربه الملك بالمقمعة ثقب رأسه ثم صب فيه الحميم الذي قد انتهى حره يُصْهَرُ يعنى يذاب بِهِ يعنى بالحميم ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ- 20- يقول وتنضج الجلود وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ- 21- كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وذلك إذا جاء جهنم ألقت الرجال في أعلى الأبواب فيريدون الخروج فتعيدهم الملائكة يعني الخزان فيها بالمقامع وتقول لهم الخزنة إذا ضربوهم بالمقامع «وَذُوقُوا» «4» عَذابَ الْحَرِيقِ- 22-
__________
(1) فى ز، وفى أ، ل: نقص.
(2) فى أ، ل: سجودهم ظلهم، ز: سجودهم ظلالهم.
(3) أخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس أنها نزلت فى أهل الكتاب قالوا للمؤمنين:
نحن ولى بالله منكم، وأقدم كتابا ونبينا قبل نبيكم. فقال المؤمنون: نحن أحق بالله، آمنا بمحمد بينكم، وبما أنزل الله من كتاب، وأخرج ابن أبى حاتم عن قتادة مثله. وانظر لباب النقول سيوطى: 151.
(4) فى أ، ل، ز «ذوقوا» .(3/120)
يعني النار ثم ذكر ما أعد الله- عز وجل- للمؤمنين، فقال- سبحانه-: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يقول تجري العيون من تحت البساتين يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ «وَلُؤْلُؤاً» «1» أي أساور من لؤلؤ وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ- 23- مما يلي الجسد الحرير وأعلاه السندس والإستبرق وَهُدُوا فى الدنيا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ يعني التوحيد وهو قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كقوله « ... كَلِمَةً طَيِّبَةً «2» ... » يعنى التوحيد وَهُدُوا إِلى صِراطِ يعنى دين الإسلام الْحَمِيدِ- 24- عند خلقه يحمده أولياؤه إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يقول ويمنعون الناس عن دين الله- عز وجل- وَعن الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ يعني المقيم في الحرم وهم أهل مكة وَالْبادِ يعني من دخل مكة من غير أهلها وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ يقول من لجأ إلى الحرم يميل فيه بشرك نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ- 25- يعنى وجيعا نزلت في عبد الله بن أنس «3» بن خطل القرشي من بنى تيم [22 أ] ابن مرة وذلك أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعث عبد الله مع رجلين أحدهما مهاجر والآخر من الأنصار فافتخروا في الأنساب فغضب ابن خطل فقتل الأنصاري ثم هرب إلى مكة كافرا ورجع المهاجر إلى المدينة، فأمر النبي- صلى الله عليه
__________
(1) فى أ، ل، ز: وأساور من (لؤلؤ) .
(2) سورة إبراهيم: 24.
(3) فى أ، ز: أنس، وفى لباب النقول للسيوطي ص 151: أنيس.(3/121)
وسلم- بقتل عبد الله يوم فتح مكة فقتله أبو برزة الأسلمي وسعد «1» بن حريث القرشي أخو عمرو بن حريث.
قوله- عز وجل- وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ المعمور قال دللنا إبراهيم عليه فبناه مع ابنه إسماعيل- عليهما السلام- وليس له أثر ولا أساس، كان الطوفان محا أثره، ورفعه الله- عز وجل- ليالي الطوفان «2» إلى السماء فعمرته الملائكة وهو البيت المعمور، قال الله- عز وجل- لإبراهيم: أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ من الأوثان لا تنصب حوله وثنا «3» لِلطَّائِفِينَ بالبيت وَالْقائِمِينَ يعني المقيمين بمكة من أهلها وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ- 26- يعني في الصلوات الخمس وفي الطواف حول البيت من أهل مكة وغيرهم والبيت الحرام اليوم مكان البيت المعمور ولو أن حجرا وقع من البيت المعمور وقع على البيت الحرام، وهو في العرض والطول مثله إلا أن قامته كما بين السماء والأرض «4» وَأَذِّنْ يإبراهيم فِي النَّاسِ يعنى المؤمنين بِالْحَجِّ فصعد أبا قبيس وهو الجبل الذي الصفا في أصله «5» فنادى يأيها الناس أجيبوا ربكم إن الله- عز وجل- يأمركم أن تحجوا بيته فسمع نداء إبراهيم- عليه السلام- كل مؤمن على ظهر الأرض، ويقال في أصلاب الرجال وأرحام النساء فالتلبية اليوم جواب نداء إبراهيم- عليه السلام- عن أمر ربه- عز وجل-، فذلك قوله
__________
(1) وسعد: من ز، وفى أ: وسعيد.
(2) كذا فى أ، ل، وليس فى ز.
(3) فى أ: وثن، ز: وثنا.
(4) ما بين القوسين « ... » من ز، وليس فى أ. [.....]
(5) من أ، ل، وليس فى ز.(3/122)
- سبحانه-: يَأْتُوكَ رِجالًا يعني على أرجلهم مشاة وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يعني الإبل يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ- 27- يعني يجيء من كل مكان بعيد لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ يعني الأجر في الآخرة في مناسكهم وَلكي يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ يعني ثلاثة أيام، يوم النحر ويومين بعده إلى غروب الشمس عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ يعنى الضرير الزمن الْفَقِيرَ- 28- الذي ليس له شيء ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ يعنى حلق الرأس والذبح والجمار وَلْيُوفُوا يعنى لكي يوفوا نُذُورَهُمْ في حج أو عمرة بما أوجبوا على أنفسهم من هدي أو غيره «1» وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ- 29- أعتق في الجاهلية من القتل والسبي والخراب.
«قال الفراء: أعتق من الفرق ومن أن يدعي ملكه أحد من الجبابرة، ويقال العتيق القديم «2» .
ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ يعني أمر المناسك كلها فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ [22 ب] عِنْدَ رَبِّهِ فى الآخرة وَأُحِلَّتْ لَكُمُ بهيمة الْأَنْعامُ التي حرموا للآلهة فى سورة الأنعام إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ من التحريم فى أول سورة المائدة فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ فيها تقديم يقول اتقوا عبادة اللات والعزى ومناة وهي الأوثان وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ- 30- يقول اتقوا الكذب وهو الشرك.
__________
(1) فى أ: أو عمرة، ز، ل: أو غيره.
(2) قول الفراء، ليس فى ل، ولا فى ز، وإنما فى أوحدها. وفيها هذه الزيادة أيضا: «الكنون المكنون من القتل والسبي والخراب» .(3/123)
حدثنا أبو محمد «1» ، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الْهُذَيْلُ عن مُقَاتِلٍ، عن محمد بن علي، في قوله- تعالى-: «وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» قال الكذب وهو الشرك في التلبية، وذلك أن الخمس قريش وخزاعة وكنانة وعامر بن صعصعة في الجاهلية كانوا يقولون في التلبية: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك» يعنون الملائكة التي تعبد هذا هو قول الزور لقولهم: «إلا شريكا «2» هو لك» .
وكان أهل اليمن في الجاهلية يقولون في التلبية: «نحن عرايا «3» عك عك إليك عانية، عبادك اليمانية، كيما نحج الثانية، على القلاص الناجية» .
وكانت تميم تقول في إحرامها: «لبيك ما نهارنا نجره، إدلاجه وبرده وحره، لا يتقي شيئا ولا يضره، حجا لرب مستقيم بره.
وكانت ربيعة تقول: «لبيك اللهم حجا حقا، تعبدا ورقا، لم نأتك للمناحة «4» ، ولا حبا «5» للرباحة» .
وكانت قيس عيلان تقول: «لبيك لولا أن بكرا دونكا، بنو أغيار وهم يلونكا، ببرك الناس ويفخرونكا، ما زال منا عجيجا «6» يأتونكا «7» » .
__________
(1) فى أ: أبو محمد، ز: محمد.
(2) فى أ: إلا شريك.
(3) فى النسخ غرابا، وفى غير هذا الموضع فى أ: عرايا.
(4) فى أ: للمناحة، ز: للمناحة، ولعل المراد طلب المنح والعطايا.
(5) فى أ: ولا جا، ل: ولا حبا.
(6) فى ل: عجيجا، ز: عثج.
(7) ما بين الأقواس « ... » ساقط من أ، وهو من ل، ز.(3/124)
وكانت جرهم تقول في إحرامها: «لبيك إن جرهما عبادك، والناس طرف وهم تلادك، وهم لعمري عمروا بلادك، لا يطاق ربنا يعادك، وهم الأولون على ميعادك، وهم «1» يعادون «2» كل من يعادك، حتى يقيموا الدين في وادك» .
وكانت قضاعة تقول: «لبيك رب الحل والإحرام، ارحم مقام عبد وآم، أتوك يمشون على الأقدام» .
وكانت أسد وغطفان تقول في إحرامها- بشعر اليمن: «لبيك، إليك»
تعدوا قلقا وضينها، معترضا في بطنها جنينها، مخالفا «4» دين النصارى دينها» .
وكانت «5» النساء تطفن «6» بالليل «7» عراة، وقال بعضهم: لا بل نهارا تأخذ إحداهن حاشية برد تستر به «8» وتقول: اليوم يبدوا بعضه أو كله، وما بدا منه فلا أحله، كم من لبيب عقله يضله، وناظر ينظر فما يمله ضخم من الجثم «9» عظيم ظله.
وكانت تلبية آدم- عليه السلام-: «لبيك الله لبيك [23 أ] عبد خلقته بيديك، كرمت فأعطيت، قربت فأدنيت، تباركت وتعاليت، أنت رب البيت.
__________
(1) فى أ: فان، ز: وهم.
(2) فى الأصل: يعادوا.
(3) «إليك» من ز، وليست فى أ.
(4) فى أ: مخالفا، ز: مخالف. [.....]
(5) فى أ، ز: وكن.
(6) فى النسخ: يطفن.
(7) فى أ: بالبيت عراة تأخذ إحداهن، والمذكور من ز،
(8) فى أ، ل، ز: به. والأنسب بها لأن الضمير يعود على مؤنث.
(9) كذا فى أ، ل، ز بالثاء لا بالسين وقد يكون أصلها الجسم.(3/125)
فأنزل الله- عز وجل-: «وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» «1» يعني الكذب وهو الشرك في الإحرام، حُنَفاءَ لِلَّهِ يعني مخلصين لله بالتوحيد غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ، ثم عظم الشرك فقال: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ يعني فتذهب به الطير النسور أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ- 31- يعنى بعيدا فهذا مثل الشرك في البعد من الله- عز وجل- ذلِكَ يقول هذا الذي أمر اجتناب الأوثان وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ يعني البدن من أعظمها وأسمنها فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ- 32- يعنى من إخلاص القلوب. لَكُمْ فِيها فى البدن مَنافِعُ فى ظهورها وألبانها إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يقول إلى أن تقلد أو تشعر أو تسمى هدايا [25 ب] فهذا الأجل المسمى فإذا فعل ذلك بها لا يحمل عليها إلا مضطرا ويركبها بالمعروف ويشرب فضل ولدها من اللبن ولا يجهد الحلب حتى لا ينهك أجسامها «2» ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ- 33- يعني منحرها إلى أرض الحرم كله (كقوله- سبحانه-: « ... فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ... » «3» يعنى أرض الحرم «4» كله) ثم ينحروا يأكل ويطعم إن شاء نحر الإبل وإن
__________
(1) فى أ: زيادة: «حين قالوا لا شريك لك إلا شريكا تملكه وما ملك، ثم كتب عنوانا هو: تلبية العرب فى الجاهلية: ونقل تلبية قريش وعك، وتلبية من نسك لود وسواع ونسر، ... إلخ ورقتين كاملتين هما [23 أ، ب] ، [24 أ، ب] ، والنصف الأول من ورقة [25 أ] .
ولم أجد هذه الزيادة فى ل، ولا فى ز، ولا فى ف، وهي النسخ الأصلية المعتبرة، وقد انفرد بنقلها أ، ح، م، فرأيت ألا أجعل ذلك فى قلب التفسير بل أجعله فى ملاحق الرسالة. خصوصا أن هذه الزيادة جلها تصحيف وتحريف، وآمل أن أجد فى المستقبل نسخة أصلية بها هذه الزيادة حتى يتسنى لي المقابلة بينهما.
(2) فى أ: من أجسامها، ز: أجسامها.
(3) سورة التوبة: 28.
(4) ما بين القوسين ( ... ) : من أوليس فى ز.(3/126)
شاء ذبح الغنم أو البقر ثم تصدق به كله، وإن شاء أكل وأمسك منه، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون شيئا من البدن، فأنزل الله- عز وجل- «فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا» فليس الأكل بواجب ولكنه رخصة، كقوله- سبحانه- « ... وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا «1» ... » وليس الصيد بواجب ولكنه رخصة وَلِكُلِّ أُمَّةٍ يعني لكل قوم من المؤمنين فيما خلا، كقوله- سبحانه-:
« ... أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ «2» ... » أن يكون قوم أكثر من قوم، ثم قال:
جَعَلْنا مَنْسَكاً يعني ذبحا يعني هراقة الدماء لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ وإنما خص الأنعام من البهائم لأن من البهائم ما ليس من الأنعام، وإنما سميت البهائم لأنها لا تتكلم فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ليس له شريك يقول فربكم رب واحد فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ- 34- يعني المخلصين بالجنة، ثم نعتهم فقال: الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ يعني خافت قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى مَا أَصابَهُمْ من أمر الله وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ- 35- من الأموال. قوله- عز وجل- وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ يعني من أمر المناسك لَكُمْ فِيها خَيْرٌ يقول لكم في نحرها أجر في الآخرة ومنفعة في الدنيا، وإنما سميت البدن لأنها تقلد وتشعر وتساق إلى مكة «والهدى الذي ينحر بمكة ولم يقلد ولم يشعر والجزور البعير الذي ليس ببدنة ولا بهدى «3» » .
__________
(1) سورة المائدة: 2.
(2) سورة النحل: 92.
(3) ما بين القوسين « ... » : من أوليس فى ر.(3/127)
فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها إذا نحرت صَوافَّ يعني معقولة يدها اليسرى قائمة على ثلاثة قوائم مستقبلات «1» القبلة.
قال الفراء: صواف يعني يصفها ثم ينحرها فهذا تعليم من الله- عز وجل- فمن شاء نحرها على جنبها.
فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها يعني فإذا خرت لجنبها على الأرض بعد نحوها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ يعني الراضي الذي يقنع بما يعطى «2» وهو السائل وَالْمُعْتَرَّ الذي يتعرض للمسألة ولا يتكلم فهذا تعليم من الله- عز وجل- فمن شاء أكل ومن لم [26 أ] يشأ لم يأكل، ومن شاء أطعم، ثم قال- سبحانه-:
كَذلِكَ سَخَّرْناها يعنى هكذا ذللناها لَكُمْ يعنى المدن لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ- 36- ربكم- عز وجل- في نعمه لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وذلك أن كفار العرب كانوا في الجاهلية إذا نحروا البدن عند زمزم أخذوا «3» دماءها فنضحوها قبل الكعبة، وقالوا: اللهم تقبل منا. فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك فأنزل الله- عز وجل- «لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها» وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ يقول النحر هو تقوى «4» منكم فالتقوى هو الذي ينال الله ويرفعه إليه فأما اللحوم والدماء فلا يرفعه إليه. كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ يعنى البدن لِتُكَبِّرُوا لتعظموا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ لدينه وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ- 37- بالجنة فمن فعل ما ذكر الله في هذه الآيات فقد أحسن. قوله- عز
__________
(1) فى أ: مستقبلة، ز: مستقبلات.
(2) فى أ: يعطى، ز: أعطى. [.....]
(3) من ل، وليست فى أ.
(4) فى أ، ز: فالتقوى، ل: والتقوى.(3/128)
وجل-: إِنَّ اللَّهَ «يُدافِعُ» «1» كفار مكة عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا بمكة، هذا حين أمر المؤمنين بالكف عن كفار مكة قبل الهجرة حين آذوهم، فاستشاروا النبي- صلى الله عليه وسلم- في قتالهم في السر فنهاهم الله- عز وجل «2» ثم قال: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ يعنى كل عاص كَفُورٍ- 38- بتوحيد الله- عز وجل- يعني كفار مكة. فلما قدموا المدينة أذن الله- عز وجل- للمؤمنين في القتال بعد النهي بمكة، فقال- سبحانه-:
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ فى سبيل الله بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ظلمهم كفار مكة وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ- 39- فنصرهم- الله- تعالى- على كفار مكة بعد النهي، ثم أخبر عن ظلم كفار مكة، فقال- سبحانه-: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وذلك أنهم عذبوا منهم طائفة وآذوا بعضهم بالألسن حتى هربوا من مكة إلى المدينة «بِغَيْرِ حَقٍّ» «3» إِلَّا أَنْ يَقُولُوا يقول لم يخرج كفار مكة المؤمنين من ديارهم «إلا أن يقولوا» رَبُّنَا اللَّهُ فعرفوه ووحدوه، ثم قال- سبحانه-: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ يقول لولا أن يدفع الله المشركين بالمسلمين لغلب المشركون فقتلوا المسلمين لَهُدِّمَتْ يقول لخربت صَوامِعُ الرهبان وَبِيَعٌ النصارى وَصَلَواتٌ يعنى اليهود وَمَساجِدُ المسلمين «يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً» «4» : كل هؤلاء الملل يذكرون الله كثيرا في مساجدهم فدفع الله- عز وجل- بالمسلمين
__________
(1) فى أ، ز: يدفع.
(2) فى أ: الله- عز وجل-، ز: النبي- صلى الله عليه وسلم-.
(3) ما بين القوسين « ... » ساقط من أ، ز.
(4) ما بين القوسين « ... » : ساقط من أ، ز وهو فى حاشية أ.(3/129)
عنها «1» ، ثم قال- سبحانه وتعالى-: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ على عدوه مَنْ «يَنْصُرُهُ يعني من يعينه حتى يوحد «2» الله» - عز وجل- إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ فى نصر أوليائه عَزِيزٌ- 40- يعني منيع في ملكه وسلطانه نظيرها في الحديد ( ... وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ «3» ... يعني من يوحده «4» ، وغيرها في الأحزاب، وهود. وهو- سبحانه- أقوى وأعز من خلقه [26 ب] الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ يعني أرض المدينة وهم المؤمنون بعد القهر بمكة، ثم أخبر عنهم فقال- تعالى-: أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ يعني التوحيد الذي يعرف وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ الذي لا يعرف وهو الشرك وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ- 41- يعني عاقبة أمر العباد إليه في الآخرة وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ يا محمد يعزي نبيه- صلى الله عليه وسلم- ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ يعني قبل أهل مكة قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ- 42- وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ- 43- وَأَصْحابُ مَدْيَنَ يعني قوم شعيب- عليه السلام- كل هؤلاء كذبوا رسلهم وَكُذِّبَ مُوسى يعني عصي موسى- عليه السلام- لأنه ولد فيهم كما ولد محمد- صلى الله عليه وسلم- فيهم فَأَمْلَيْتُ يعنى فأمهلت لِلْكافِرِينَ فلم أعجل عليهم بالعذاب ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ بعد الإمهال بالعذاب فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ- 44- يعني تغييري أليس وجدوه حقا فكذلك كذب كفار مكة كما كذبت مكذبي الأمم
__________
(1) فى أ، ل، ز: عنها، أى عن هذه العلل.
(2) من ل وفى ز: «مَنْ يَنْصُرُهُ» يعنى من يوحده يعنى نفسه حتى يوحد الله.
(3) سورة الحديد: 25.
(4) ما بين القوسين « ... » : من ز وحدها.(3/130)
الخالية فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ يعني وكم من قرية أهلكناها بالعذاب في الدنيا أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ يعنى خربة عَلى عُرُوشِها يعني ساقطة من فوقها، يعني بالعروش سقوف البيت، أي ليس فيها مساكن وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ يعنى خالية لا تستعمل «1» وَقَصْرٍ مَشِيدٍ- 45- يعنى طويلا «2» في السماء ليس له أهل أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ يقول فلو ساروا في الأرض فتفكروا «فَتَكُونَ» «3» لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها المواعظ «أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها» «4» فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ- 46- وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ نزلت في النضر بن الحارث القرشي يقول الله- تعالى-: وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ في العذاب بأنه كائن ببدر يعني القتل وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ- 47- وهي الأيام الست التي خلق الله فيهن السموات والأرض وإنما قال الله- تعالى- ذلك لاستعجالهم بالعذاب فاليوم عند الله- عز وجل- كألف سنة، فمن ثم قال: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها يعني أمهلت لها فلم أعجل عليها بالعذاب وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها بعد الإملاء بالعذاب وَإِلَيَّ إلى الله الْمَصِيرُ- 48- يقول إلى الله يصيرون قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ يعني كفار مكة إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ- 49- يعني بين فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ- 50- وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ يعنى فى القرآن مثبطين يعنى كفار
__________
(1) لا تستعمل: من أ، وفى ز: ليس لها ساكن.
(2) فى أ: طويل، ز: طويلا.
(3) فى أ، ز: حتى نكون، وفى حاشية أ: الآية «فتكون» .
(4) ما بين القوسين « ... » : ساقط من أ، وهو فى ز. [.....](3/131)
مكة يثبطون الناس عن الإيمان بالقرآن أُولئِكَ [27 أ] أَصْحابُ الْجَحِيمِ- 51- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى يعني إذا حدث نفسه أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ يعني في حديثه مثل قوله: ... وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ «1» ... يقول إلا ما يحدثوا عنها يعني التوراة وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الصلاة عند مقام إبراهيم- صلى الله عليه وسلم- فنعس فقال: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى، تلك الغرانيق العلى، عندها الشفاعة ترتجى، فلما سمع كفار مكة أن لآلهتهم شفاعة فرحوا، ثم رجع النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: «أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى، أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى «2» »
فذلك قوله- سبحانه-: فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ على
__________
(1) سورة البقرة: 178.
(2) هذه رواية باطلة لا أصل لها كما ذكر ذلك المحققون مثل ابن العربي والقاضي عياض وغيرهم.
على أن المنقول والمعقول يأبيان قبولها. فالقرآن صرح بأن الله تكفل بحفظ القرآن فى قلب النبي وسلامة قرامة على لسانه قال- تعالى-: «لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ» . سورة طه: 114.
ثم ألا يأتى النعاس على النبي إلا عند ذكر آلهة المشركين. وإذا جاز للشيطان أن يجرى هذا الكلام على لسان النبي تطرق الشك والاحتمال إلى غيره. وقد صرح القرآن بخلافه قال تعالى-: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ سورة الحجر: 9.
ومن حفظ القرآن، صيانته من الاختلاط بغيره خصوصا ما يخالف عقيدة المسلمين.
وقد ورد فى ذلك روايات منها ما جاء فى لباب النقول للسيوطي: 151:
«أخرج ابن أبى حاتم وابن جرير وابن المنذر من طريق بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال قرأ النبي- صلى الله عليه وسلم- بمكة «والنجم» فلما بلغ « ... أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ... » ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى، فقال المشركون:
ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا فنزلت «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ... » الآية. -(3/132)
لسان محمد- صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ من «1» الباطل الذي يلقي الشيطان على لسان محمد- صلى الله عليه وسلم- وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ- 52- لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ على لسان النبي- صلى الله عليه وسلم- وما يرجون من شفاعة آلهتهم فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعنى الشك وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ يعني الجافية قلوبهم عن الإيمان فلم تلن له وَإِنَّ الظَّالِمِينَ يعنى كفار مكة لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ- 53- يعني لفي ضلال بعيد يعني طويل، ثم ذكر المؤمنين- سبحانه- وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ بالله- عز وجل- أَنَّهُ يعني القرآن الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ
__________
- وأخرجه البزار وابن مردويه من وجه آخر عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فيما أحسبه، وقال: لا يروى متصلا إلا بهذا الإسناد، وتفرد بوصله أمية بن خالد وهو ثقة مشهور، وأخرجه البخاري عن ابن عباس بسند فيه الواقدي وابن مردويه من طريق الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس وأورده ابن إسحاق فى السيرة عن محمد بن كعب وموسى بن عاقبة عن ابن شهاب وابن جرير عن محمد بن قيس وابن أبى حاتم عن السدى كلهم بمعنى واحد، إما ضعيفة أو منقطعة، سوى طريق سعيد بن جبير الأولى.
قال الحافظ بن حجر: لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصل مع أن لها طريقين صحيحين مرسلين أخرجهما ابن جرير: أحدهما من طريق الزهري عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والآخر من طريق داود بن هند عن أبى العالية، ولا عبرة بقول ابن العربي وعياض إن هذه الروآيات باطلة لا أصل لها. انتهى وعلق المصحح بقوله العقيدة اليقين أو ما يقاربه فى السند لأنها يقين فى موضعها، وإذن الحق مع عياض وابن العربي وغيرهم من المحققين، بل العقل فى هذا الموضوع ينفر كل النفور من صحة هذه الروآية.
(1) فى أ: أن، ل: من، وليست فى ز.(3/133)
يعنى فيصدقوا به فَتُخْبِتَ يعني فتخلص لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- 54- يعني دينا مستقيما» «1» .
وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة أبو جهل وأصحابه فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ يعني في شك من القرآن حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً يعني فجأة أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ- 55- يعني بلا رأفة ولا رحمة القتل ببدر، ثم قال في التقديم «2» :
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يعني يوم القيامة لا ينازعه فيه أحد واليوم في الدنيا ينازعه غيره في ملكه يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ثم بين حكمه في كفار مكة، فقال: - سبحانه-:
فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ- 56- وَالَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله وَكَذَّبُوا بِآياتِنا بالقرآن بأنه ليس من الله- عز وجل- فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ- 57- يعني الهوان وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلى المدينة ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ فى الآخرة رِزْقاً حَسَناً يعني كريما وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ- 58- وذلك أن نفرا من المسلمين قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- نحن نقاتل المشركين فنقتل منهم ولا نستشهد [27 ب] فما لنا شهادة فأشركهم الله- عز وجل- جميعا في الجنة، فنزلت فيهم آيتان «3» ، فقال: لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ لقولهم حَلِيمٌ
__________
(1) من ز، وفى أ: زيادة: «فلم يلتفتوا إلى ما ألقى على لسان النبي- صلى الله عليه وسلم» .
وقد أورد البيضاوي فى تفسيره عدة وجوه فى تفسير الآية منها الوجه الذي فسريه مقاتل الآية ثم قال البيضاوي: وهو مردود عند المحققين، وإن صح فابتلاء تمييز به الثابت على الإيمان من المتزلزل فيه.
وتفسير الجلالين للآية موافق تماما لتفسير مقاتل. وكلاهما موضع نظر كما سبق.
(2) أى ملك ذلك اليوم الذي تقدم الحديث عنه.
(3) فى أزيادة: نظيرها، الآية، 100 من سورة النساء، وتمامها: «وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ-(3/134)
- 59- عنهم، «لقولهم إنا نقاتل ولا نستشهد» «1» ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ وذلك أن مشركي مكة لقوا المسلمين «لليلة بقيت من المحرم «2» » ، فقال بعضهم لبعض. إن أصحاب محمد «3» يكرهون القتال في الشهر الحرام فاحملوا عليهم فناشدهم المسلمون أن يقاتلوهم في الشهر الحرام «4» فأبى المشركون إلا القتال. فبغوا على المسلمين فقاتلوهم وحملوا عليهم وثبت المسلمون فنصر الله- عز وجل- المسلمين عليهم فوقع «5» في أنفس المسلمين من القتال في الشهر الحرام، فأنزل الله- عز وجل «ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ» هذا جزاء من عاقب بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ عنهم غَفُورٌ- 60- لقتالهم فى الشهر الحرام ذلِكَ يعني هذا الذي فعل من قدرته، ثم بين قدرته- جل جلاله- فقال- سبحانه:
ذلك بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ يعني انتقاص كل واحد منهما من الآخر حتى يكون النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات في كل سنة وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بأعمالهم بَصِيرٌ- 61- بها ذلِكَ يعني هذا الذي فعل ذلك، يدل على توحيده بصنعه بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ يعني يعبدون من دونه من الآلهة هُوَ الْباطِلُ الذي
__________
- الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً» وفى ز: فنزلت فيهم آيتان فقال:
«لَيُدْخِلَنَّهُمْ ... » ، الآية.
أقول والمراد بالآيتين الآية السابقة رقم 58، وهذه الآية 59 سورة الحج.
(1) ما بين القوسين « ... » : من ز، وليس فى أ.
(2) لليلة بقيت من المحرم: من ز، وفى أ: فى ليلتين بقينا من المحرم.
(3) فى أ، ز، ل: صلى الله عليه وسلم.
(4) أى أن المسلمين ناشدوا الكفار أن لا يقاتلوهم.
(5) فى أ: فوقع، ز: فوقر.(3/135)
ليس بشيء ولا ينفعهم «1» عبادتهم، ثم عظم نفسه- تبارك اسمه- فقال:
وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ يعنى الرفيع فوق خلقه الْكَبِيرُ- 62- فلا شيء أعظم منه أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً يعنى المطر فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً من النبات إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ باستخراج النبت خَبِيرٌ- 63- ثم قال- تعالى- لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ عبيده وفي ملكه وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ «2» الْغَنِيُّ من عبادة خلقه الْحَمِيدُ- 64- عند خلقه في سلطانه أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ يعنى ذلك لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ يقول وسخر الفلك يعني السفن تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ يقول لئلا تقع على الأرض إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ يعنى لرفيق رَحِيمٌ- 65- بهم فيما سخر لهم، وحبس عنهم السماء فلا تقع عليهم فيهلكوا وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ يعني خلقكم ولم تكونوا شيئا ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عند آجالكم ثُمَّ يُحْيِيكُمْ بعد موتكم في الآخرة إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ- 66-[28 أ] لنعم الله- عز وجل- في حسن خلقه حين لا يوحده، ثم قال- سبحانه-: لِكُلِّ أُمَّةٍ يعني لكل قوم فيما خلا جَعَلْنا مَنْسَكاً يعني ذبحا يعني هراقة الدماء ذبيحة «3» في عيدهم هُمْ ناسِكُوهُ يعنى ذابحوه كقوله: « ... إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي ... » «4» يعنى ذبيحتي. فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ يعني في أمر الذبائح «5» فإنك أولى بالأمر منهم «أى من كفار
__________
(1) «ولا ينفعكم» : فى أ، والجملة ليست فى ز. [.....]
(2) فى أ: هو.
(3) فى أ: فى ذبيحته، ز: ذبيحة.
(4) سورة الأنعام: 162.
(5) فى أ، ز: الذبائح، ل: الدنيا.(3/136)
خزاعة وغيرهم» «1» نزلت في بديل بن ورقاء الخزاعي وبشر بن سفيان الخزاعي ويزيد ابن الحليس من بني الحارث بن عبد مناف لقولهم للمسلمين، في الأنعام «2» ، ما قتلتم أنتم بأيديكم فهو حلال وما قتل الله فهو حرام يعنون الميتة، ثم قال- سبحانه-:
وَادْعُ إِلى رَبِّكَ يعني إلى معرفة ربك وهو التوحيد إِنَّكَ لَعَلى هُدىً يعنى لعلى دين مُسْتَقِيمٍ- 67- وَإِنْ جادَلُوكَ في أمر الذبائح يعني هؤلاء النفر فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ- 68- وبما نعمل وذلك حين اختلفوا في أمر الذبائح، فذلك قوله- عز وجل-: اللَّهُ يَحْكُمُ يعني يقضي بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ- 69- من الدين. نسختها آية السيف «3» .
قوله- عز وجل-: أَلَمْ تَعْلَمْ يا محمد أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ «4» إِنَّ ذلِكَ العلم فِي كِتابٍ يعني اللوح المحفوظ إِنَّ ذلِكَ الكتاب عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ- 70- يعنى هينا.
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً يعني ما لم ينزل به كتابا «5» من السماء لهم فيه حجة بأنها آلهة وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ
__________
(1) ما بين القوسين « ... » : من أوحدها.
(2) «فى الأنعام» : من أ، وليس فى ز.
(3) راجع ما كتبته عن النسخ عند مقاتل، وفيه أن هذا ليس من النسخ عند الأصوليين بل هو من المنسأ.
(4) فى أ: زيادة: وذلك أن الله خلق فلما من نور طوله خمسمائة عام، وخلق اللوح طوله خمسمائة عام وعرضه خمسمائة عام، فقال الله- عز وجل- للقلم: أكتب. قال: رب، وما أكتب؟ قال: علمي فى خلقي، وما يكون إلى يوم القيامة. فجرى القلم فى اللوح بما هو كائن إلى يوم القيامة، فذلك قوله- سبحانه-: «أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ» ، وهي زيادة أشبه بخرافات بنى إسرائيل. وليست هذه الزيادة فى ز، مما يجعل نسخة ز فى نظرنا أعلى قدرا.
(5) فى أ، ز: كتابا. على أنه مفعول ينزل.(3/137)
أنها آلهة وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ- 71- يقول وما للمشركين من مانع من العذاب وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ يعني واضحات تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ ينكرون القرآن «1» أن يكون من الله- عز وجل- يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا [28 ب] يقول يكادون يقعون بمحمد- صلى الله عليه وسلم- من كراهيتهم للقرآن وقالوا ما شأن محمد وأصحابه أحق بهذا الأمر منا والله إنهم لأشر خلق الله، فأنزل الله- عز وجل- قُلْ لهم يا محمد: أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه «النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا» «2» : من وعده الله النار وصار إليها يعني الكفار فهم شرار الخلق وَبِئْسَ الْمَصِيرُ- 72- النار حين يصيرون إليها ونزل فيهم في الفرقان «الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلًا «3» ... » يا أَيُّهَا النَّاسُ يعنى كفار مكة ضُرِبَ مَثَلٌ يعنى شبها وهو الصنم فَاسْتَمِعُوا لَهُ ثم أخبر عنه، فقال- سبحانه-: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الأصنام يعني اللات والعزى ومناة وهبل لَنْ يستطيعوا أن يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ يقول لو اجتمعت الآلهة على أن يخلقوا ذبابا ما استطاعوا ثم قال- عز وجل-: وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً مما على الآلهة من ثياب أو حلي أو طيب لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ يقول لا تقدر الآلهة أن تستنقذ من الذباب
__________
(1) فى ز: أمر النبي- صلى الله عليه وسلم.
(2) ما بين الأقواس « ... » : ساقط من أ، ز.
(3) الفرقان الآية 34، وفى أ، ز: سقط (على وجوههم) من الآية.(3/138)
ما أخذ منها، ثم قال: ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ «1» - 73- فأما الطالب فهو الصنم وأما المطلوب فهو الذباب، فالطالب هو «2» الصنم الذي يسلبه الذباب ولا يمتنع منه والمطلوب هو الذباب، فأخبر الله عن الصنم أنه لا قوة له ولا حيلة فكيف تعبدون ما لا يخلق ذبابا ولا يمتنع من الذباب، قوله- عز وجل-: ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ يقول ما عظموا الله حق عظمته حين أشركوا به ولم يوحدوه إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ فى أمره عَزِيزٌ- 74- أي منيع في ملكه، قوله- عز وجل- اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وهم: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت والحفظة الذين يكتبون أعمال بني آدم وَمِنَ النَّاسِ رسلا، منهم محمد- صلى الله عليه- فيجعلهم أنبياء إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بمقالتهم بَصِيرٌ- 75- بمن يتخذه رسولا يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ يقول يعلم ما كان قبل خلق الملائكة والأنبياء ويعلم ما يكون من بعدهم وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ- 76- فى الآخرة.
قوله- عز وجل- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [29 أ] يأمرهم بالصلاة وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ يعنى وحدوا ربكم وَافْعَلُوا الْخَيْرَ الذي أمركم به لَعَلَّكُمْ يعنى لكي تُفْلِحُونَ- 77- يقول من فعل ذلك فقد أفلح وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ يأمرهم بالعمل حَقَّ جِهادِهِ يقول اعملوا لله بالخير حق عمله نسختها «3» الآية التي في التغابن وهي فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ «4» ....
__________
(1) تفسيرها من ز، وهو مضطرب فى أ، ل.
(2) فى أ، ز: فهو. [.....]
(3) انظر النسخ عند مقاتل فى الدراسة التي قدمتها لهذا التفسير وستجد أنه لا نسخ هنا عند الأصوليين.
(4) سورة التغابن: 16.(3/139)
ثم قال هُوَ اجْتَباكُمْ يقول الله- عز وجل- استخلصكم لدينه وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ يعنى فى الإسلام مِنْ حَرَجٍ يعني من ضيق ولكن جعله واسعا هو مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ يقول الله- عز وجل- سماكم الْمُسْلِمِينَ فيها تقديم مِنْ قَبْلُ قرآن محمد- صلى الله عليه وسلم- في الكتب الأولى وَفِي هذا القرآن أيضا سماكم المسلمين لِيَكُونَ الرَّسُولُ يعنى النبي- صلى الله عليه وآله سلم- شَهِيداً عَلَيْكُمْ أنه بلغ الرسالة وَتَكُونُوا أنتم يا معشر أمة محمد- صلى الله عليه وسلم-، يعني مؤمنيهم شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ يعني شهداء للرسل أنهم بلغوا قومهم الرسالة فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ يقول أتموها وَآتُوا الزَّكاةَ يقول أعطوا الزكاة من أموالكم وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ يقول وثقوا بالله فإذا فعلتم ذلك «هُوَ مَوْلاكُمْ» «1» فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ- 78- يقول نعم المولى هو لكم ونعم النصير هو لكم «2» .
__________
(1) «هُوَ مَوْلاكُمْ» : ساقط من أ، ز.
(2) انتهى تفسير سورة الحج فى أ، وأما ز، ففي آخرها هذه الزيادة:
حدثنا محمد، قال:
حدثنا أبو القاسم عن الهذيل، عن معمر بن راشد، عن إسماعيل بن أمية، عن الأعرج قال: كان من تلبية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لبيك إله الحق، قال الهذيل: ولم أسمع مقاتلا.
تلبية رسول الله- صلى الله عليه وسلم:
«لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ قَالَ: قال الهذيل: وحدثني بعض المشيخة أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لما كثر الناس زاد فى تلبية: «العيش عيش الآخرة» .
الحمد لله وحده وصلواته على محمد وآله، وسلم تسليما.(3/140)
سورة المؤمنون(3/141)
سورة المؤمنون(3/142)
[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 118]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (9)
أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (11) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (14)
ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (16) وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (17) وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (18) فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (19)
وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (21) وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (23) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (24)
إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (26) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29)
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (32) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (34)
أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35) هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (39)
قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (40) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (42) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (43) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ مَا جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (44)
ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (45) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (46) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (47) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49)
وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (50) يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54)
أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (55) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (56) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59)
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (60) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (61) وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (62) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (63) حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (64)
لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (67) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69)
أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (70) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (74)
وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75) وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (78) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79)
وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (80) بَلْ قالُوا مِثْلَ مَا قالَ الْأَوَّلُونَ (81) قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83) قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84)
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)
بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94)
وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (95) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (96) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99)
لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (104)
أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (105) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (106) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (107) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (113) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114)
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (117) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)(3/143)
سورة المؤمنون «1» سورة المؤمنين مكية «كلها» «2» ، «وهي مائة وثماني عشرة آية كوفية «3»
__________
(1) مقصود السورة إجمالا:
معظم ما اشتملت عليه السورة ما يأتى:
الفتوى بفلاح المؤمنين والدلالة على أخلاق أهل الإسلام وذكر العجائب فى خلق الأولاد فى الأرحام، والإشارة إلى الموت والبعث، ومنة الحق على الخلق بإنبات الأشجار وإظهار الأنهار، وذكر المراكب، والإشارة إلى هلاك قوم نوح ومذمة الكفار، وأهل الإنكار، وذكر عيسى ومريم، وإيوائهما إلى ربوة ذات قرار، وإمهال الكفار فى المعاصي، والمخالفات، وبيان حال المؤمنين فى العبادات، والطاعات، وبيان حجة التوحيد وبرهان النبوات، وذل الكفار بعد الممات، وعجزهم فى جهنم حال العقوبات، ومكافأتهم فى العقبى على حسب أعمالهم فى الدنيا، وتهديد أهل اللهو، واللغو والغفلات، وأمر الرسول- صلى الله عليه وسلم- بدعاء الأمة وسؤال المغفرة لهم والرحمات فى قوله: «وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ» : 118.
(2) «كلها» : من ز وحدها.
(3) ما بين القوسين « ... » : من أوحدها والموجود فى أ: وهي مائة وثمانية عشر آية فأصلحتها وفى المصحف:
(23) سورة المؤمنون مكية وآياتها 118 نزلت بعد سورة الأنبياء.
وسميت سورة المؤمنين لافتتاحها بفلاح المؤمنين.(3/151)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ- 1- يعني سعد المؤمنون يعني المصدقين بتوحيد الله- عز وجل-، ثم نعتهم فقال- سبحانه-: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ- 2- يقول متواضعون يعني إذا صلى لم يعرف من عن يمينه ومن عن شماله وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ- 3- يعني اللغو:
الشتم والأذى إذا سمعوه من كفار مكة لإسلامهم، وفيهم نزلت « ... مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ... » «1» يعني معرضين عنه وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ- 4- يعني زكاة أموالهم وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ- 5- عن الفواحش، ثم استثنى فقال- سبحانه-: إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ يعنى حلائلهم أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ من الولائد فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ- 6- يعني لا يلامون على الحلال «2» فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ- 7- يقول فمن ابتغى [29 ب] الفواحش بعد الحلال فهو معتد وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ- 8- يقول يحافظون على أداء الأمانة ووفاء العهد وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ- 9- على المواقيت، ثم أخبر بثوابهم فقال: أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ- 10- ثم بين ما يرثون فقال:
الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ يعنى البستان عليه الحيطان، بالرومية
__________
(1) سورة الفرقان: 72.
(2) فى ر: الحلال، أ: الحلائل.(3/152)
هُمْ فِيها خالِدُونَ- 11- يعنى فى الجنة لا يموتون، قوله- عز وجل-:
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ يعنى آدم- صلى الله عليه- مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ- 12- والسلالة: إذا عصر الطين انسل الطين والماء من بين أصابعه ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً يعنى ذرية آدم فِي قَرارٍ مَكِينٍ- 13- يعني الرحم: تمكن النطفة في الرحم ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً يقول تحول الماء فصار دما فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً يعني فتحول الدم فصار لحما «1» مثل المضغة فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ يقول خلقناه، خَلْقاً آخَرَ يعني الروح ينفخ فيه بعد خلقه،
فقال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قبل أن يتم النبي- صلى الله عليه وسلم- الآية- «فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ» - فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- هكذا أنزلت يا عمر.
فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ- 14- يقول هو أحسن المصورين يعني من الذين خلقوا التماثيل وغيرها التي لا يتحرك منها شيء ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ الخلق بعد ما ذكر من تمام خلق الإنسان لَمَيِّتُونَ- 15- عند آجالكم ثُمَّ إِنَّكُمْ بعد الموت يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ- 16- يعني تحيون بعد الموت وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ يعنى سموات غلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماء مسيرة خمسمائة عام وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ- 17- يعني عن خلق السماء وغيره وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ ما يكفيكم من المعيشة يعني العيون فَأَسْكَنَّاهُ يعنى فجعلنا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ- 18- فيغور «2» في الأرض يعني فلا يقدر عليه فَأَنْشَأْنا يعني فخلقنا لَكُمْ بِهِ بالماء جَنَّاتٍ يعنى البساتين
__________
(1) فى أ: لحما، ز: دما.
(2) فى أ: فنعود به، ز فيغور.(3/153)
مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ- 19- ثم قال: وَخلقنا شَجَرَةً يعنى الزيتون وهو أول زيتونة خلقت تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ يقول تنبت في أصل الجبل الذي كلم الله- عز وجل- عليه موسى- عليه السلام- تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ يعني تخرج بالذي فيه الدهن «1» [30 أ] يقول هذه الشجرة تشرب الماء وتخرج الزيت فجعل الله- عز وجل- في هذه الشجرة أدما ودهنا وَهي صِبْغٍ لِلْآكِلِينَ- 20- وكل جيلى يجمل الثمار فهو سيناء يعني الحسن وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ يعني الإبل والبقر والغنم لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها يعنى اللبن وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ يعني في ظهورها وألبانها وأوبارها وأصوافها وأشعارها وَمِنْها تَأْكُلُونَ- 21- يعني من النعم «2» ، ثم قال: عَلَيْها
يعنى الإبل عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ
- 22- على ظهورها في أسفاركم ففي هذا الذي ذكر من هؤلاء الآيات عبرة في توحيد الرب- عز وجل.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ يعني وحدوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ليس لكم رب غيره أَفَلا تَتَّقُونَ- 23- يقول أفلا تعبدون الله- عز وجل- فَقالَ الْمَلَأُ يعني الأشراف الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا يعنون نوحا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ليس له عليكم فضل في شيء فتتبعونه يُرِيدُ نوح أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ يعني لأرسل مَلائِكَةً إلينا فكانوا رسله مَا سَمِعْنا بِهذا التوحيد فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ- 24-
__________
(1) فى حاشية ا: وأما الذهن بكسر الذال المعجمة فهو الشحم وغيره.
(2) فى ز: الغنم، وفى أ: النعم، وفى حاشية أ: فى الأصل الغنم.(3/154)
إِنْ هُوَ يعنون نوحا إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ يعنى جنونا فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ- 25- يعنون الموت قالَ نوح: رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ- 26- يقول انصرني بتحقيق قولي في العذاب بأنه نازل بهم في الدنيا فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ يقول اجعل السفينة «1» بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا كما نأمرك فَإِذا جاءَ أَمْرُنا يقول- عز وجل- فإذا جاء قولنا في نزول العذاب بهم في الدنيا يعني الغرق وَفارَ الماء من التَّنُّورُ وكان التنور في أقصى مكان من دار نوح وهو التنور الذي يخبز فيه «وكان في الشام بعين وردة» «2» فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ذكر وأنثى وَأَهْلَكَ فاحملهم معكم في السفينة، ثم استثنى من الأهل إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ يعني من سبقت عليهم كلمة العذاب فكان ابنه وامرأته ممن سبق عليه القول من أهله، ثم قال- تعالى-: وَلا تُخاطِبْنِي يقول ولا تراجعني فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني أشركوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ- 27- يعني بقوله ولا تخاطبني. قولَ نوحٍ- عليه السلام- لربه- عز وجل- « ... إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ... «3» » يقول الله ولا تراجعني في ابنك كنعان، فإنه من الذين ظلموا [30 ب] ، ثم قال- سبحانه-: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ من المؤمنين عَلَى الْفُلْكِ يعني السفينة فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ- 28- يعنى المشركين وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي من السفينة مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ- 29- من غيرك يعنى بالبركة
__________
(1) من ز، وفى أ: أن اجعل الفلك. [.....]
(2) «وكان فى الشام بعين وردة» : من أ، وليست فى ز.
(3) سورة هود: 45.(3/155)
أنهم توالدوا وكثروا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ يقول إن في هلاك قوم نوح «بالغرق» «1» لعبرة لمن بعدهم، ثم قال: وَإِنْ يعني وقد كُنَّا لَمُبْتَلِينَ- 30- بالغرق، ثُمَّ أَنْشَأْنا يعنى خلقنا مِنْ بَعْدِهِمْ يعني من بعد قوم نوح قَرْناً آخَرِينَ- 31- وهم قوم هود- عليه السلام- فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يعني من أنفسهم أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ يعني أن وحدوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ يقول ليس لكم رب غيره أَفَلا تَتَّقُونَ- 32- يعني أفهلا تعبدون الله- عز وجل- وَقالَ الْمَلَأُ يعني الأشراف مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا بتوحيد الله- عز وجل- وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ يعني بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال وَأَتْرَفْناهُمْ يعني وأغنيناهم فِي الْحَياةِ الدُّنْيا مَا هَذَا يعنون هودا- عليه السلام- إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ليس له عليكم فضل يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ- 33- وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ- 34- يعني لعجزة مثلها في يوسف «2» - عليه السلام-.
أَيَعِدُكُمْ هود أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ- 35- من الأرض أحياء بعد الموت هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ- 36- يقول هذا حديث قد درس فلا يذكر إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا يعني نموت نحن ويحيا آخرون من أصلابنا فنحن كذلك أبدا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ- 37-
__________
(1) «بالغرق» : من ز، وفى أ: «فى الغرق» .
(2) يشير إلى الآية 14 من سورة يوسف وهي «قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ» .(3/156)
بعد الموت مثلها في الجاثية» «1» . «إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ» «2» - 38- «قالَ» «3» هو: «رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ- 39- وذلك أن هودا- عليه السلام- أخبرهم أن العذاب نازل بهم في الدنيا فكذبوه، فقال: رب انصرني بما كذبون في أمر العذاب. قالَ عَمَّا قَلِيلٍ قال عن قليل لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ- 40- فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ يعني صيحة جبريل- عليه السلام- فصاح صيحة واحدة فماتوا أجمعين فلم يبق منهم أحد فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً يعني كالشيء البالي من نبت الأرض يحمله السيل، فشبه أجسادهم بالشيء البالي فَبُعْداً في الهلاك لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ- 41- يعني المشركين ثُمَّ أَنْشَأْنا يعني خلقنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ- 42- يعنى قوما آخرين فأهلكناهم [31 أ] بالعذاب في الدنيا مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ- 43- عنه ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا يعني الأنبياء تترا: بعضهم على أثر بعض كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فلم يصدقوه فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً في العقوبات وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ لمن بعدهم من الناس يتحدثون بأمرهم وشأنهم فَبُعْداً في الهلاك لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ- 44- يعني لا يصدقون بتوحيد الله- عز وجل- ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ- 45- إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ يعني الأشراف واسم فرعون قيطوس بآياتنا: اليد
__________
(1) يشير إلى الآية 24 من سورة الجاثية وهي: «وَقالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ» .
(2) الآية 38 ساقطة من ا، ل، ز.
(3) فى ا، ل: فقال، ز: قال.(3/157)
والعصا وسلطان مبين يعني حجة بينة «1» فَاسْتَكْبَرُوا يعني فتكبروا عن الإيمان بالله- عز وجل- وَكانُوا قَوْماً عالِينَ- 46- يعني متكبرين عن توحيد الله فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا يعني أنصدق إنسانين مثلنا ليس لهما علينا فضل وَقَوْمُهُما يعني بني إسرائيل لَنا عابِدُونَ- 47- فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ- 48- بالغرق وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يعني التوراة لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ- 49- من الضلالة يعني بني إسرائيل لأن التوراة نزلت بعد هلاك فرعون وقومه، قوله- عز وجل-: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ يعني عيسى وأمه مريم- عليهما السلام- آيَةً يعني عبرة لبني إسرائيل لأن «2» مريم حملت من غير بشر وخلق ابنها من غير أب وَآوَيْناهُما من الأرض المقدسة إِلى رَبْوَةٍ يعني الغوطة من أرض الشام بدمشق يعني بالربوة المكان المرتفع من الأرض ذاتِ قَرارٍ يعنى استواء وَمَعِينٍ- 50- يعنى الماء الجاري يا أَيُّهَا الرُّسُلُ يعني محمدا- صلى الله عليه وسلم- كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ الحلال من الرزق وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ- 51- وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً يقول هذه ملتكم التي أنتم عليها يعني ملة الإسلام ملة واحدة عليها كانت الأنبياء- عليهم السلام- والمؤمنون الذين نجوا من العذاب، «الذين ذكرهم الله- عز وجل- في هذه السورة «3» » ثم قال- سبحانه-: وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ- 52-
__________
(1) «بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ» : جزء من آية أخرى لا من هذه الآية، وقد فسر هذا الجزء فى أ، ل، ز.
(2) فى أ: أن، ز: لأنها.
(3) ما بين القوسين « ... » : من أ، وليس فى ز.(3/158)
يعنى فاعبدون بالإخلاص فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ يقول فارقوا دينهم الذي أمروا به فيما بينهم، ودخلوا في غيره زُبُراً يعني قطعا «1» كقوله «آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ... » «2» يعني قطع الحديد يعني فرقا فصاروا أحزابا «3» يهودا، ونصارى وصابئين ومجوسا وأصنافا شتى كثيرة، ثم قال- سبحانه-: كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ- 53- يقول كل أهل بما عندهم من الدين راضون به «4» ، ثم ذكر كفار مكة فقال- تعالى-[31 ب] للنبي- صلى الله عليه وسلم- فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ- 54- يقول خل عنهم في غفلتهم إلى أن أقتلهم ببدر، ثم قال- سبحانه-: أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ يعنى نعطيهم مِنْ مالٍ وَبَنِينَ- 55- نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ يعني المال والولد لكرامتهم على الله- عز وجل- يقول: بَلْ لا يَشْعُرُونَ- 56- أن الذي أعطاهم من المال والبنين هو شر لهم: ... إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً ... » «5» ثم ذكر المؤمنين فقال- سبحانه-: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ
- 57- يعني من عذابه وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ- 58- يعني هم يصدقون بالقرآن أنه من الله- عز وجل «6» -، ثم قال- تعالى-: وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ- 59- معه غيره
__________
(1) فى ز: كقوله فى الكهف.
(2) سورة الكهف: 96.
(3) فى أ: أديانا، ز: أحزابا.
(4) فى أ: بياض، ز: به. [.....]
(5) سورة آل عمران: 178.
(6) من ز، وفى أ: يقول الذين بالقرآن يصدقون بأنه من الله- عز وجل-.(3/159)
«ولكنهم يوحدون ربهم» «1» وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا يعني يعطون ما أعطوا من الصدقات والخيرات «وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ» «2» يعني خائفة لله من عذابه يعلمون أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ- 60- في الآخرة فيعملون على علم فيجزيهم بأعمالهم، فكذلك المؤمن ينفق ويتصدق وجلا من خشية الله- عز وجل-، ثم نعتهم فقال: أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ يعني يسارعون في الأعمال الصالحة التي ذكرها لهم في هذه الآية وَهُمْ لَها سابِقُونَ- 61- الخيرات التي يسارعون إليها وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها يقول لا نكلف نفسا» «3» من العمل إلا ما أطاقت «وَلَدَيْنا يعني وعندنا كِتابٌ يعني أعمالهم التي يعملون في اللوح المحفوظ» «4» يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ- 62- في أعمالهم بَلْ قُلُوبُهُمْ يعني الكفار فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا يقول في غفلة من إيمان بهذا القرآن وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ يقول لهم أعمال خبيثة دون الأعمال الصالحة يعني غير الأعمال الصالحة التي ذكرت عن المؤمنين في هذه الآية وفي الآية الأولى «هُمْ لَها عامِلُونَ» «5» - 63- يقول هم لتلك الأعمال الخبيثة «6» عاملون التي هي فى اللوح المحفوظ أنهم سيعلمونها لا بد لهم من أن يعملوها.
حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ يعنى أغنياءهم وجبابرتهم بِالْعَذابِ يعنى القتل
__________
(1) ما بين القوسين « ... » من أ، وليس فى ز.
(2) تفسيرها من ز، وهو مضطرب فى أ.
(3) فى أ: نفس، ز: لا نكلفها من العمل إلا ما أطاقت.
(4) ما بين القوسين « ... » : من أ، وفى ز: «ولدينا» يقول وعندنا «كتاب» نسخة أعمالهم التي يعملون مكتوب فى اللوح المحفوظ.
(5) فى أ، «وَهُمْ لَها سابِقُونَ» ، وفى ز: «صواب» .
(6) فى أ: الحسنة، ز: الخبيثة.(3/160)
ببدر إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ- 64- إذا هم يضجون إلى الله- عز وجل- حين نزل بهم العذاب يقول الله- عز وجل- لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ لا تضجوا اليوم إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ- 65- يقول لا تمنعون منا حتى تعذبوا بعد «1» القتل ببدر قَدْ كانَتْ آياتِي يعني القرآن تُتْلى عَلَيْكُمْ يعني على كفار مكة فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ- 66- يعنى تتأخرون «2» [32 أ] عن إيمان به، تكذيبا بالقرآن، ثم نعتهم فقال- سبحانه-: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ «يعني آمنين بالحرم بأن لهم البيت الحرام» «3» سامِراً بالليل- إضمار في الباطل- وأنتم آمنون فيه، ثم قال: تَهْجُرُونَ- 67- القرآن فلا تؤمنون به نزلت في الملأ من قريش الذين مشوا إلى أبي طالب. أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ يعني أفلم يستمعوا القرآن أَمْ جاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ- 68- يقول قد جاء أهل مكة النذر كما جاء آباءهم وأجدادهم الأولين أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ يعني محمدا- صلى الله عليه وسلم- بوجهه ونسبه فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ- 69- فلا يعرفونه بل يعرفونه أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ قالوا: إن بمحمد جنونا، يقول الله- عز وجل-: بَلْ جاءَهُمْ محمد- صلى الله عليه وسلم- بِالْحَقِّ يعني بالتوحيد وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ يعني التوحيد كارِهُونَ- 70-، يقول الله- عز وجل-: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ يعني لو اتبع الله أهواء كفار مكة فجعل مع نفسه شريكا لَفَسَدَتِ يعني لهلكت السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ من الخلق بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ يعنى بشرفهم يعنى القرآن
__________
(1) فى أ: بعد، ز: يعنى.
(2) فى أ: تتأخرون، ز: تستأخرون.
(3) ما بين القوسين « ... » : من ز، وفى أ: يعنى بالحرم ويقال بالبيت.(3/161)
فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ- 71- يعني القرآن «معرضون عنه فلا يؤمنون به «1» » أَمْ تَسْأَلُهُمْ يا محمد خَرْجاً أجرا على الإيمان بالقرآن فَخَراجُ رَبِّكَ يعني فأجر ربك خَيْرٌ يعني أفضل من خراجهم وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ- 72- وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- 73- يعني الإسلام لا عوج فيه وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعني لا يصدقون بالبعث عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ- 74- يعني عن الدين لعادلون وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ يعني الجوع الذي أصابهم بمكة سبع سنين، لقولهم في حم الدخان رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ «2» فليس قولهم باستكانة ولا توبة، ولكنه كذب منهم، كما كذب فرعون وقومه حين قالوا لموسى: ... لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ... «3» .
فأخبر الله- عز وجل- عن كفار مكة، فقال سبحانه- «وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ من ضر» لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ- 75- يقول لتمادوا في ضلالتهم يترددون فيها وما آمنوا.
ثم قال- تعالى-: وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ يعنى الجوع فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ يقول فما استسلموا يعني الخضوع «لربهم» «4» وَما يَتَضَرَّعُونَ- 76- يعني «وما كانوا يرغبون «5» إلى الله- عز وجل- في الدعاء. حَتَّى إِذا فَتَحْنا
__________
(1) ما بين القوسين « ... » من أ، وليس فى ز.
(2) سورة الدخان: 12.
(3) سورة الأعراف: 134. [.....]
(4) «لربهم» : من ز، وليست فى أ.
(5) فى أ: وما يرغبون، ز: وما كانوا يرغبون.(3/162)
يعني أرسلنا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذابٍ شَدِيدٍ يعنى الجوع إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ- 77- يعني آيسين من الخير والرزق نظيرها في سورة الروم «1» وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ يعنى خلق لكم السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ يعني القلوب فهذا من النعم قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ- 78- يعني بالقليل أنهم لا يشكرون رب هذه النعم فيوحدونه، وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ يعنى خلقكم فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ- 79- فى الآخرة، وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي الموتى وَيُمِيتُ الأحياء وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ- 80- توحيد ربكم فيما ترون من صنعه فتعتبرون، بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ- 81- يعني كفار مكة قالوا مثل قول الأمم الخالية قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ- 82- قالوا ذلك تعجبا وجحدا وليس باستفهام، نزلت في آل طلحة بن عبد العزى منهم شيبة وطلحة وعثمان وأبو سعيد ومشافع وأرطاة وابن شرحبيل والنضر بن الحارث وأبو الحارث بن علقمة لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هَذَا مِنْ قَبْلُ يعني البعث إِنْ هَذَا الذي يقول محمد- صلى الله عليه وسلم إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ- 83- يعني أحاديث الأولين وكذبهم قُلْ لكفار مكة: لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها من الخلق حين كفروا بتوحيد الله- عز وجل- إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ- 84- خلقهما سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ- 85- في توحيد الله- عز وجل- فتوحدونه قُلْ لهم: مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ- 86- سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ- 87- يعني أفلا تعبدون الله- عز وجل- قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ يعني خلق كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ
__________
(1) يشير إلى الآية 49 من سورة الروم وهي «وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ» .(3/163)
يقول يؤمن ولا يؤمن عليه أحد «1» إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ- 88- سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ- 89- قل فمن أين سحرتم فأنكرتم أن «2» الله- تعالى- واحد لا شريك له وأنتم مقرون بأنه خلق الأشياء كلها، فأكذبهم الله- عز وجل- حين أشركوا به فقال- سبحانه-: بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ يقول بل جئناهم بالتوحيد وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ- 90- في قولهم إن الملائكة بنات الله- عز وجل- يقول الله- تعالى-: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ يعني الملائكة وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ يعني من شريك فلو كان معه إله إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ كفعل ملوك الدنيا يلتمس بعضهم قهر بعض، ثم نزه الرب نفسه- جل جلاله- عن مقالتهم فقال- تعالى- سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ- 91- يعني عما يقولون بأن الملائكة بنات الرحمن عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ يعني غيب ما كان وما يكون. وَالشَّهَادَةِ «3» فَتَعالى يعني فارتفع عَمَّا يُشْرِكُونَ- 92- لقولهم الملائكة بنات الله. قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي [23 أ] ما يُوعَدُونَ- 93- من العذاب يعني القتل ببدر وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أراد أن يدعو على كفار مكة،
__________
(1) من ز، ومثلها ف. وفى ل: يؤمن ولا يؤمن أحد، وفى أ: يؤمر ولا يؤمر عليه أحدا.
وفى النسفي 3: 97 «وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ» أجرت فلان على فلان إذا أغثته منه ومنعته.
يعنى وهو يغيث من يشاء ممن يشاء، ولا يغيث أحد منه أحدا.
وفى الجلالين: 290 يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ» يحمى ولا يحمى عليه.
(2) فى أ، ز: بأن.
(3) فى الجلالين «عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ» ما عاب وما شوهد بالجر صفة وبالرفع خبر ب محذوف.
وكذا فى البيضاوي.(3/164)
ثم قال: «رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» «1» - 94- وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ من العذاب لَقادِرُونَ- 95-، ثم قال الله- عز وجل- يعزي نبيه- صلى الله عليه وسلم- ليصبر على الأذى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نزلت في النبي- صلى الله عليه وسلم- وأبى جهل- لعنه الله- حين جهل عَلَى النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ- 96- من الكذب ثم أمره أن يتعوذ من الشيطان، فقال- تعالى- وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ- 97- يعني الشياطين في أمر أبي جهل، وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ- 98- حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ يعنى الكفار قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ- 99- إلى الدنيا حين «2» يعاين ملك الموت يؤخذ بلسانه فينظر «3» إلى سيئاته قبل الموت، «فلما» «4» هجم على الخزي سأل الرجعة إلى الدنيا ليعمل صالحا فيما ترك، فذلك قوله- سبحانه-: «رَبِّ ارْجِعُونِ» إلى الدنيا لَعَلِّي يعني لكي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ من العمل الصالح يعني الإيمان، يقول- عز وجل- «5» - كَلَّا لا يرد إلى الدنيا، ثم استأنف فقال: إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها يعني بالكلمة قوله «6» : «رَبِّ ارْجِعُونِ» ، ثم قال- سبحانه-: وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ يعني ومن بعد الموت أجل إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ- 100- يعنى
__________
(1) ما بين القوسين « ... » ساقط من الأصل.
(2) فى ز، ل: حين، ا: حتى.
(3) فى أ: وينظر، ل: فينظر.
(4) «فلما» : زيادة ليست فى أ، ل، ز، ف: وقد اقتضاها السياق.
(5) عز وجل: من ز، وفى أ: يقول: «كلا» .
(6) فى أ: قوله- سبحانه، ز: قوله(3/165)
يحشرون «1» بعد الموت فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ يعنى النفخة الثانية فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يعني لا نسبة بينهم عم وابن عم وأخ وابن أخ وغيره يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ- 101- يقول ولا يسأل حميم حميما فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ بالعمل الصالح يعني المؤمنين فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ- 102- يعنى الفائزين «2» وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ يعنى الكفار فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا يعنى غبنوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ- 103- لا يموتون تَلْفَحُ يعني تنفخ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ- 104- عابسين شفته العليا قالصة لا تغطى أنيابه، وشفته السفلى تضرب بطنه وثناياه خارجة من فيه [33 ب] بين شفتيه أربعون ذراعا بذراع الرجل الطويل من الخلق الأول كل ناب له مثل أحد ويقال «3» لكفار مكة: أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ يقول ألم يكن القرآن يقرأ عليكم في أمر هذا اليوم وما هو كائن فيكم فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ- 105- نظيرها في الزمر «4» قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا التي كتبت علينا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ- 106- عن الهدى، ثم قالوا رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها يعني من النار فَإِنْ عُدْنا إلى الكفر والتكذيب فَإِنَّا ظالِمُونَ- 107- ثم رد مقدار
__________
(1) فى أ: زيادة ليست فى ل، ف، ز، وهي: «حدثنا محمد، قال: حدثني أبى قال: قال الكسائي فى قوله- تعالى-: «رب ارجعون» العرب تخاطب الواحد بمخاطبة الجمع من ذلك قوله: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ... » مخاطبة له والحكم لغيره. ومنه قوله- عز وجل-: « ... عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ ... » والمدركون فرعون وغيره، والخوف منه ومن غيره.
والآية الأولى من سورة الطلاق: 1، والآية الثانية من سورة يونس: 83.
(2) فى أ: الفائزون، ز: الفائزين. [.....]
(3) فى أ: فقال، ز: قل، ل: يقال.
(4) يشير إلى 71 من سورة الزمر وهي:
«وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ ... » الآية.(3/166)
الدنيا منذ خلقت إلى أن تفنى سبع مرات قالَ اخْسَؤُا فِيها يقول اصغروا في النار وَلا تُكَلِّمُونِ- 108- فلا يتكلم أهل النار بعدها أبدا غير أن لهم زفيرا أول نهيق الحمار، وشهيقا «1» آخر نهيق الحمار، ثم قال- عز وجل-: إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي المؤمنين يَقُولُونَ، رَبَّنا آمَنَّا يعني صدقنا بالتوحيد فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ- 109- فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا وذلك أن رءوس كفار قريش المستهزئين: أبا جهل وعتبة والوليد وأمية ونحوهم اتخذوا فقراء أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- سخريا يستهزءون بهم ويضحكون من خباب وعمار وبلال وسالم مولى أبي حذيفة ونحوهم من فقراء العرب فازدروهم، ثم قال: حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي حتى ترككم الاستهزاء بهم عن الإيمان بالقرآن وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ يا معشر كفار قريش من الفقراء تَضْحَكُونَ- 110- استهزاء بهم نظيرها في ص «2» ، يقول الله- عز وجل-:
إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ في الآخرة بِما صَبَرُوا على الأذى والاستهزاء يعني الفقراء من العرب والموالي أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ- 111- يعنى هم الناجون قالَ- عز وجل- للكفار: كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ في الدنيا يعني في القبور عَدَدَ سِنِينَ- 112- قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ استقلوا ذلك يرون أنهم لم يلبثوا في قبورهم إلا يوما أو بعض يوم، ثم قال الكفار لله- تعالى- أو لغيره فَسْئَلِ الْعادِّينَ- 113- يقول فسل الحساب يعني ملك الموت وأعوانه قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ في القبور إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ- 114-
__________
(1) فى ز، ل: وشهيق.
وفى أ: غير أن لهم فيها زفيرا آخر نهيق الحمار، وشهيق أول نهيق الحمار، والمثبت فى الصدر عن ز، ل.
(2) يشير إلى الآية 63 مق سورة ص وهي: «أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ» .(3/167)
إذا لعلمتم أنكم لم تلبثوا إلا قليلا ولكنكم كنتم لا تعلمون كم لبثتم في القبور يقول الله- عز وجل- أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً يعني لعبا وباطلا لغير شيء:
أن «1» لا نعذبوا إذا كفرتم وَحسبتم أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ- 115- فى الآخرة فَتَعالَى اللَّهُ يعنى ارتفع [34 أ] الله- عز وجل- الْمَلِكُ الْحَقُّ أن يكون خلق شيئا عبسا ما خلق شيئا إلا لشيء يكون، لقولهم أن معه إلها، ثم وحد الرب نفسه- تبارك وتعالى- فقال: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ- 116- وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ يعني ومن يصف مع الله إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ يعني لا حجة له بالكفر ولا عذر يوم القيامة، نزلت في الحارث بن قيس السهمي أحد المستهزئين فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ- 117- يقول جزاء الكافرين، أنه لا يفلح يعني لا يسعد في الآخرة عند ربه- عز وجل وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ الذنوب وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ- 118- من غيرك يقول من كان يرحم أحدا «2» فإن الله- عز وجل- بعباده أرحم وهو خير يعني أفضل رحمة من أولئك الذين لا يرحمون «3» .
__________
(1) فى أ: ألا، ز: أن لا.
(2) فى ز: أحدا، أو شيئا، أ: أحدا
(3) فى أ: لا يرحمون، ل، ز، ف: يرحمون.(3/168)
سورة النور(3/169)
[سورة النور (24) : الآيات 1 الى 64]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4)
إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (7) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (8) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10) إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (13) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (14)
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هَذَا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19)
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (20) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24)
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (29)
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)
اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (39)
أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (40) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (44)
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)
أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (52) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (54)
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)
وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)(3/171)
[سورة النور «1» ] سورة النور مدنية وهي أربع «2» وستون آية كوفية «3» .
__________
(1) مقصود السورة إجمالا:
اشتملت سورة النور على ما يأتى:
بيان فرائض مختلفة، وآداب حد الزاني والزانية، والنهى عن قذف المحصنات، وحكم القذف، واللعان وقصة إفك الصديقة، وشكاية المنافقين، وخوضهم فيه وحكاية حال المخلصين فى حفظ اللسان، وبيان عظمة عقوبة البهتان، وذم إشاعة الفاحشة والنهى عن متابعة الشيطان والمنة بتزكية الأحوال على أهل الإيمان، والشفاعة لمسطح إلى الصديق فى ابتداء الفضل والإحسان، ومدح عائشة بأنها حصان رزان، وبيان أن الطيبات الطيبين، ولعن الخائضين فى حديث الافك، والنهى عن دخول البيوت بغير إذن وإيذان، والأمر بحفظ الفروج وغض الأبصار، والأمر بالتوبة لجميع أهل الإيمان، وبيان النكاح وشرائطه، وكراهة الإكراه على الزنا وتشبيه المعرفة بالسراج والقنديل، وشجرة الزيتون، وتمثيل أعمال الكفار، وأحوالهم، وذكر الطيور وتسبيحها وأورادها، وإظهار عجائب صنع الله فى إرسال المطر، وتفصيل أصناف الحيوان، والانقياد لأمر الله- تعالى- بالتواضع والإذعان، وخلافة المؤمنين فى الأرض، وصلابتهم فى الشدة وبيان استئذان الصبيان والعبيد، ورفع الحرج عن الأعمى والأعرج والزمن، والأمر بحرمة سيد الإنس والجان، وتهديد المنافقين، وتحذيرهم من العصيان، وختم السورة بأن لله الملك والملكوت بقوله: «أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» : 64.
(2) فى أ: أربعة.
(3) وفى المصحف (24) سورة مدنية وآياتها 64 نزلت بعد الحشر.(3/181)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سُورَةٌ يريد فريضة وحكم أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها يعني وبيناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ يعني- عز وجل- آيات القرآن بينات يعني واضحات يعني حدوده- تعالى- وأمره ونهيه لَعَلَّكُمْ يعني لكي تَذَكَّرُونَ- 1- فتتبعون ما فيه من الحدود والنهى الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي إذا لم يحصنا فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ يجلد الرجل على بشرته وعليه إزار، وتجلد المرأة جالسة عليها درعها وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ يعني رقة في أمر الله- عز وجل- من تعطيل الحدود عليهما إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الذي فيه جزاء الأعمال فلا تعطلوا الحد وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما يعني جلدهما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- 2- يعني رجلين فصاعدا يكون ذلك نكالا لهما وعظة للمؤمنين، قال الفراء: الطائفة الواحد فما فوقه الزَّانِي من أهل الكتاب لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً من أهل الكتاب أَوْ ينكح مُشْرِكَةً من غير أهل الكتاب من العرب يعني الولائد اللاتي يزنين بالأجر علانية منهن أم شريك جارية عمرو بن عمير المخزومي، وأم مهزول جارية ابن أبى السائب بن عاند «1» ،
__________
(1) فى أ: ابن أم الشايب بن عايد، ف: ابن أبى السايب بن عايذ، ز، ل: جارية أبى السائب بن عائد.(3/182)
وشريفة جارية زمعة بن الأسود وجلالة جارية سهيل «1» بن عمرو، وقريبة جارية هشام بن عمرو، وفرشي «2» جارية عبد الله بن خطل، وأم عليط «3» جارية صفوان بن أمية، وحنة «4» القبطية جارية العاص بن وائل [34 ب] ، وأميمة جارية عبد الله بن أبي، ومسيكة بنت أمية جارية عبد الله بن نفيل كل امرأة منهن رفعت علامة على بابها كعلامة البيطار ليعرف أنها زانية، وذلك أن نفرا من المؤمنين سألوا النبي- صلى الله عليه وسلم- عن تزويجهن بالمدينة، قالوا: ائذن لنا في تزويجهن فإنهن أخصب أهل المدينة وأكثر خيرا، والمدينة غالية السعر، والخبز بها قليل، وقد أصابنا الجهد، فإذا جاء الله- عز وجل- بالخير طلقناهن وتزوجنا مسلمات فأنزل الله- عز وجل- «الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً «5» » أَوْ مُشْرِكَةً.
وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ يقول وحرم تزويجهن عَلَى الْمُؤْمِنِينَ- 3- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ يعني نساء المؤمنين بالزنا ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ من الرجال على قولهم فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً
__________
(1) فى أ: سهيل، ف: سهيل، ل، ز: صهيب.
(2) من ز، وفى ف، ا: وجارية عبد الله.
(3) فى ف: عليط، ا، ز: غليظ. [.....]
(4) فى أ: وجنة، ز: وحنة.
(5) جاء فى حاشية ز ما يأتى: «وكان فى الجاهلية ينكح الرجل الزانية ويتخذها مأكلة فرغب رجل من المسلمين فى نكاح أم مهزول واشترطت له أن تنفق عليه فأنزل الله هذه الآية.
وكان ابن مسعود يحرم نكاح الزانية ويقول إذا تزوج الزاني الزانية فهما زانيان، وقيل إن المرأة الفاجرة لا ترغب فى الصالح وإنما ترغب فى الفاجر مثلها.(3/183)