عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)
عَلَّمَهُ اى القرآن الرسول اى نزل به عليه وقرأه عليه وبينه له هذا على أن يكون الوحى بمعنى الكتاب وان كان بمعنى الإلهام فتعليمه بتبليغه الى قلبه فيكون كقوله نزل به الروح الامين على قلبك شَدِيدُ الْقُوى من اضافة الصفة الى فاعلها مثل حسن الوجه والموصوف محذوف اى ملك شديد قواه وهو جبريل فانه الواسطة في ابداء الخوارق ويكفيك دليلا على شدة قوته انه قلع قرى قوم لوط من الماء الأسود الذي تحت الثرى وحملها على جناحه ورفعها الى السماء حتى سمع اهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة ثم قلبها وصاح بثمود صيحة فاصبحوا جاثمين ورأى إبليس يكلم عيسى عليه السلام على بعض عقبات الأرض المقدسة فنفخه نفخة بجناحه يعنى باد زد ويرا بجناح خود بادى وألقاه في أقصى جبل في الهند وكان هبوطه على الأنبياء عليهم السلام وصعوده في اسرع من رجعة الطرف ذُو مِرَّةٍ اى حصافة يعنى استحكام في عقله ورأيه ومتانة في دينه قال الراغب أمررت الحبل إذا فتلته والمرير والممر المفتول ومنه فلان ذو مرة كأنه محكم الفتل وفي القاموس المرة بالكسر قوة الخلق وشدة والجمع مرر وإمرار والعقل والاصالة والاحكام والقوة وطاقة الحبل كالمريرة وذو مرة جبريل عليه السلام والمريرة الحبل الشديد الفتل فَاسْتَوى عطف على علمه بطريق التفسير فانه الى قوله ما اوحى بيان لكيفية التعليم اى فاستقام جبريل واستقر على صورته التي خلقه الله عليها وله ستمائة جناح موشحا اى مزينا بالجواهر دون الصورة التي كان يتمثل بها كلما هبط بالوحى كصورة دحية امير العرب وكما اتى ابراهيم عليه السلام في صورة الضيف وداود عليه السلام في صورة الخصم وذلك ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم أحب أن يراه في صورته التي جبل عليها وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بجبل حرآء وهو الجبل المسمى بجبل النور في قرب مكة فقال ان الأرض لا تسعنى ولكن انظر الى السماء فطلع له جبريل من المشرق فسد الأرض من المغرب وملأ الأفق فخر رسول الله كما خر موسى في جبل الطور فنزل جبريل في صورة الآدميين فضمه الى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه وذلك فان الجسد وهو في الدنيا لا يتحمل رؤية ما هو خارج عن طور العقل فمنها رؤية الملك على صورة جبل عليها وأعظم منها رؤية الله تعالى في هذه الدار قيل ما رآه أحد من الأنبياء في صورته غير نبينا عليه السلام فانه رآه فيها مرتين مرة في الأرض ومرة في السماء ليلة المعراج عند سدرة المنتهى لما سيأتى (وروى) ان حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه قال يا رسول الله أرنى جبرائيل في صورته فقال انك لا تستطيع أن تنظر اليه قال بلى يا رسول الله أرنيه فقعد ونزل جبرائيل على خشبة في الكعبة كان المشركون يضعون ثيابهم عليها إذا طافوا فقال عليه السلام ارفع طرفك يا حمزة فانظر فرفع عينيه فاذا قدماه كالزبرجد الأخضر فخر مغشيا عليه (وروى) انه رآه على فرس والدنيا بين كلكلها وفي وجهه أخدود من البكاء لو ألقيت السفن فيه لجرت وانما رآه عليه السلام مرتين ليكمل له الأمر مرة في عالم الكون والفساد واخرى في المحل الأنزه الأعلى وانما قام بصورته ليؤكدان ما يأتيه فى صورة دحية هو هو فانه إذا رآه في صورة نفسه عرفه حق معرفته ولم يبق عليه اشتباه(9/214)
بوجه ما وفي كشف الاسرار فان قيل كيف يجوز أن يغير الملك صورة نفسه وهل يقدر غير الله على تغيير صورة المخلوقين وقد قلتم ان جبرائيل أتى رسول الله مرة في صورة رجل ومرة في صورته التي ابتدأه الله عليها وان إبليس أتى قريشا في صورة شيخ من اهل نجد فالجواب عنه تغيير الصور الذي هو تغيير التركيب والتأليف لا يقدر عليه الا الله واما صفة جبرائيل ففعل الله تعالى تنبيها للمصطفى عليه السلام وليعلم انه امر من الله إذ رآه في صور مختلفة فان ذلك لا يقدر عليه الا الله وهو ان يراه مرة قد سد الأفق واخرى يجمعه مكان ضيق واما إبليس فكان ذلك منه تخييلا للناظرين وتمويها دون التحقيق كفعل السحرة بالعصى والحبال قال الله تعالى فاذا حبالهم وعصيهم يخيل اليه من سحرهم انها تسعى انتهى
ما في الكشف وقال في آكام المرجان قال القاضي ابو يعلى ولا قدرة للشياطين على تغيير خلقهم والانتقال في الصور اى صور الانس والبهائم والطير وانما يجوز ان يعلمهم الله تعالى كلمات وضربا من ضروب الافعال إذا فعله وتكلم به نقله الله من صورة الى صورة فيقال انه قادر على التصور والتخييل على معنى انه قادر على قول إذا قاله او على فعل إذا فعله نقله الله من صورته الى صورة اخرى بجرى العادة واما يصور نفسه فذلك محال لان انتقالها من صورة الى صورة انما يكون بنقض البنية وتفريق الاجزاء وإذا انتقضت بطل الحياة واستحال وقوع الفعل من الجملة فكيف ينقل نفسه قال والقول في تشكيل الملائكة من ذلك انتهى وقال والهى الاسكوبى فيه ان من قال تمثل جبريل وتصور إبليس ليس مراده انهما أحدثا تلك الصورة والمثال عن قدرة أنفسهما بل باقدار الله على التمثيل والتصوير كيف يشاء فلا منافاة بين القولين غاية ما في الباب ان العامل عن طريق أقدار الله به من الأسباب المخصوصة انتهى وقال في انسان العيون فان قيل إذا جاء جبريل على صورة الآدمي دحية او غيره بل هى الروح تتشكل بذلك الشكل وعليه على يصير جسده الأصلي حيا من غير روح أو ميتا أجيب بأن الجائى يجوز أن لا يكون هو الروح بل الجسد لانه يجوز ان الله تعالى جعل في الملائكة قدرة على التطور والتشكل بأى شكل أرادوه كالجن فيكون الجسد واحدا ومن ثمة قال الحافظ ابن حجر ان تمثل الملك رجلا ليس معناه ان ذاته انقلبت رجلا بل معناه انه ظهر بتلك الصورة تأنيسا لمن يخاطبه والظاهر ان القدر الزائد لا يزول ولا يفنى بل يخفى على الرائي فقط وأخذ من ذلك بعض غلاة الشيعة انه لا مانع ولا بعد ان الحق تعالى يظهر في صورة على وأولاده الاثني عشر رضى الله عنهم ويجوز ان يكون الجسد للملك متعددا وعليه فمن الممكن ان يجعل الله لروح الملك قوة يقتدر بها على التصرف في جسد آخر غير جسدها المعهود مع تصرفها في ذلك الجسد المعهود كما هو شأن الابدال لأنهم يرحلون الى مكان ويقيمون فى مكانهم شبحا آخر شبيها لشبحهم الأصلي بدلا منه وقد ذكر ابن السبكى في الطبقات ان كرامات الأولياء انواع وعد منها ان يكون له أجساد متعددة قال وهذا هو الذي يسميه الصوفية بعالم المثال ومنه قصة قضيب البان وغيره اى كواقعة الشيخ عبد القادر الطبحطوطى فقد ذكر الجلال السيوطي انه رفع اليه سؤال في رجل حلف بالطلاق ان ولى الله الشيخ عبد القادر(9/215)
الطبحطوطى بات عنده ليلة كذا فحلف آخر بالطلاق انه بات عنده تلك الليلة بعينها فهل يقع الطلاق على أحدهما فأرسلت قاصدى الى الشيخ عبد القادر فسأله عن ذلك فقال لو قال أربعون انى بت عندهم لصدقوا فأفتيت بأنه لا حنث على واحد منهما لان تعدد الصور بالتخيل والتشكل ممكن كما يقع ذلك للجان قال الشعراني وأخبرني من صحب الشيخ محمد الخضرى انه خطب فى خمسين بلدة في يوم واحد خطبة الجمعة وصلّى بهم اماما واما الشيخ حسين ابو على المدفون بمصر المحروسة فأخبرنى عنه أصحابه ان التطور كان دأبه ليلا ونهارا حتى في صور السباع والبهائم ودخل عليه بعض أعدائه ليقتلوه فوجدوه فقطعوه بالسيوف ليلا ورموه على كوم بعيد ثم أصبحوا فوجدوه قائما يصلى وفي جواهر الشعراني وصورة التطور ان يقدر الله الروح على تدبير ما شاءت من الأجسام المتعددة بخلعة كن فللاولياء ذلك في الدنيا بحكم حرق العادة واما في الآخرة فان نفس نشأة اهل الجنة تعطى ذلك فيدبر الواحد الأجسام المتعددة كما يدبر الروح الواحد سائر أعضاء البدن فتكون تسمع وأنت تبصر وتبطش وتمشى ونحو ذلك وفي الفتوحات المكية والذي أعطاه الكشف الصحيح ان أجسام اهل الجنة تنطوى في أرواحهم فتكون الأرواح ظروفا للاجسام عكس ما كانت في الدنيا فيكون الظهور والحكم في الدار الآخرة للجسم لا للروح ولهذا يتحولون في اى صورة شاؤا كما هو اليوم عندنا للملائكة وعالم الأرواح انتهى وفي انسان العيون عالم المثال عالم متوسط بين عالم الأجساد والأرواح الطف من عالم الأجساد وأكثف من عالم الأرواح فالارواح تتجسد وتظهر في صور مختلفة من عالم المثال وهذا الجواب اولى من جواب ابن حجر بأن جبرائيل كان يندمج بعضه في
بعض وهل مجيئ جبرائيل في صورة دحية كان في المدينة بعد اسلام دحية وإسلامه كان بعد بدر فانه لم يشهدها وشهد المشاهد بعدها إذ يبعد مجيئه على صورة دحية قبل إسلامه قال الشيخ الأكبر رضى الله عنه دحية الكلبي كان أجمل اهل زمانه وأحسنهم صورة فكان الغرض من نزول جبريل على سيدنا محمد في صورته اعلاما من الله تعالى انه ما بينى وبينك يا محمد سفير إلا صورة الحسن والجمال وهى التي عندى فيكون ذلك بشرى له عليه السلام ولا سيما إذا اتى بأمر الوعيد والزجر فتكون تلك الصورة الجميلة تسكن منه ما يحرك ذلك الوعيد والزجر هذا كلامه وهو واضح لو كان لا يأتيه الا على تلك الصورة الا ان يدعى انه من حين أتاه على صورة دحية لم يأته على صورة آدمي غيره بقي هنا كلام وهو ان السهيلي رحمه الله ذكر ان المراد بالاجنحة في حق الملائكة صفة ملكية وقوة روحانية وليست كأجنحة الطير ولا ينافي ذلك وصف كل جناح منها بأنه يسد ما بين المشرق والمغرب انتهى يقول الفقير هذا كلام عقلى ولا منع من ان يجمع الملك بين قوة روحانية وبين جناح يليق بعالمه سوآء كان ذلك كجناح الطير او غيره فان المعقولات مع المحسوسات تدور والجمع انسب بالحكمة والصق بالقدرة وقد أسلفنا مثل هذا في أوائل سورة الملائكة فلا كلام فيه عند اولى الألباب وانما يقتضى المقام ان يبين وجه كون جناح جبريل ستمائة لا أزيد ولا انقص ولم اظفر ببيانه لا في كلام اهل الرسوم ولا في إشارات اهل الحقائق والذي(9/216)
وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)
يدور بالبال إلهاما من الله تعالى لا تعملا وتأملا ان النبي عليه السلام انما عرج ليلة الإسراء بالفناء التام ولذا وقع الإسراء في الليل الذي هو مظهر الفناء دون النهار الذي هو مظهر البقاء وكان مراتب الفناء سبعا على مراتب الأسماء السبعة التي آخرها القيوم القهار وللاشارة الى هذه جعلت منارات الحرم المكي سبعا لان سر البقاء انما ظهر في حرم النبي عليه السلام ولذا جعلت مناراته خمسا على عدد مراتب البقاء التي أشير إليها بالأسماء الخمسة الباقية من الاثني عشر التي آخرها الأحد الصمد وكل واحد من تلك الأسماء السبعة مائة على حسب تفصيلها الى الأسماء الحسنى مع احدية جمعها فيكون مجموعها بهذا الحسب سبعمائة ولما كان جبريل دون النبي عليه السلام في الفناء لم يتجاوز تلك الليلة مقامه الذي هو سدرة المنتهى حتى قال لو دنوت انملة لا حترقت وتجاوزه النبي عليه السلام الى مستوى العرش وقهره وغلب عليه في ذلك فانتهى سير جبريل الى الاسم القيوم فصار مقهورا تحت سير النبي عليه السلام وقائما في مكانه وقائما بوحيه للقلوب ولذا سمى بروح القدس لحياة القلوب بوحيه كحياة الأجساد بالأرواح فله من تلك الاجنحة السبعمائة ستمائة صورة ومعنى وانتهى سير النبي عليه السلام الى الاسم القهار فصار ما حصر الكل من دونه فله سبعمائة جناح معنوية فظهر ان القوة النبوية أزيد من القوة الملكية لانها القوة الالهية وقد قال تعالى يد الله فوق أيديهم وان جبريل لكونه من الأيدي انما يستفيد اليد والقوة من يد النبي عليه السلام وقوته فاعرف ذلك وكن من الموقنين وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى حال من فاعل استوى والأفق هى الدائرة التي تفصل بين ما يرى من الفلك وما لا يرى والأفق الأعلى مطلع الشمس كما ان الأفق الأدنى مغربها والمعنى والحال ان جبريل بأفق الشمس اى أقصى الدنيا عند مطلع الشمس وبالفارسية وبكناره بلندتر بود از آسمان يعنى نزديك مطلع آفتاب ومنه يعلم ان مطلع الشمس ومغربها كرأس الإنسان ورجله وان كانت الدنيا كالكرة على ما سلف وايضا مثل روح الإنسان وجسده فان الروح علوى والجسد سفلى وقد طلع من عالم الأرواح وغرب فى عالم الأجساد ثُمَّ دَنا اى أراد الدنو من النبي عليه السلام حال كونه في جبل حرآء والدنو القرب بالذات او بالحكم ويستعمل في الزمان والمكان والمنزلة كما في المفردات فَتَدَلَّى التدلي استرسال مع تعلق اى استرسل من الأفق الأعلى مع تعلقه به فدنا من النبي عليه السلام يقال تدلت الثمرة ودلى رجليه من السرير وفي الحديث لو دليتم بحبل الى الأرض السفلى لهبط على الله اى على علمه وقدرته وسلطانه في كل مكان وادلى دلوه والدوالي الثمر المعلق وبالفارسية آونك فَكانَ اى مقدار امتداد ما بينهما وهو المسافة قابَ قَوْسَيْنِ من قسى العرب اى مقدار هما في القرب وذكر القوس لان القرآن نزل بلغة العرب والعرب تجعل مساحة الأشياء بالقوس وفي معالم التنزيل معنى قوله كان بين جبرائيل ومحمد عليهما السلام مقدار قوسين انه كان بينهما مقدار ما بين الوتر والقوس كأنه غلب القوس على الوتر وهذا اشارة الى تأكيد القرب وأصله ان الحليفين من العرب كانا إذا أرادا عقد الصفاء والعهد خرجا بقوسيهما فألصقا بينهما يريدان بذلك انهما متظاهران يحامى كل واحد(9/217)
فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14)
منهما عن صاحبه وقيل قدر ذراعين ويسمى الذراع قوسا لانه يقاس به المذروع اى يقدر فلم يكن قريبا قرب التصاق ولا بعيدا بحيث لا يتأتى معه الافادة والاستفادة وهو الحد المعهود في مجالسة الأحباء المتأدبين أَوْ أَدْنى اى على تقديركم ايها المخاطبون كما في قوله او يزيدون فان التشكيك لا يصح على الله فأوللشك من جهة العباد كما ان كلمة لعل كذلك فى مواضع من القرآن اى لو رآهما رائ منكم لقال هو قدر قوسين في القرب او أدنى اى لالتبس عليه مقدار القرب والمراد من قوله ثم دنا الى قوله او أدنى تمثيل ملكة الاتصال وتحقيق استماعه لما اوحى اليه بنفي البعد الملبس وحمله بعضهم على حقيقته حيث قال فكلما دنا جبريل من النبي عليهما السلام انتقص فلما قرب منه مقدار قوسين رآه على صورته التي كان يراه عليها في سائر الأوقات حتى لا يشك انه جبريل وهنا كلام آخر يجيئ بعد تمام الآيات فَأَوْحى
اى جبرائيل إِلى عَبْدِهِ
اى عبد الله تعالى وإضماره قبل الذكر لغاية ظهوره كما في قوله تعالى ما ترك على ظهرها من دابة اى على ظهر الأرض والمراد بالعبد المشرف بالاضافة الى الله هو الرسول عليه السلام كما في قوله تعالى سبحان الذي اسرى بعبده ما أَوْحى
اى من الأمور العظيمة التي لا تفى بها العبارة او فأوحى الله حينئذ بواسطة جبريل ما اوحى ما كَذَبَ الْفُؤادُ اى فؤاد محمد عليه السلام وما نافية ما رَأى ما موصولة وعائدها محذوف اى ما رأه ببصره من صورة جبريل اى ما قال فؤاده لما رأه لم أعرفك ولو قال ذلك لكان كاذبا لانه عرفه بقلبه كما رأه ببصره قال بعضهم كذب مخففا ومشددا بمعنى واحد وقال بعضهم من خفف كذب جعل ما في موضع النصب على نزع الخافض وإسقاطه اى ما كذب فؤاده فيما رأه ببصره اى لم يقل فيه كذبا وانما يقول ذلك ان لو قال له لا أعرفك ولا اعتقد بك أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى اى أتكذبون محمدا عليه السلام فتجادلونه على ما يراه معاينة من صورة جبريل فالفاء للعطف على محذوف او أبعد ما ذكر من أحواله المنافية للمماراة فتمارونه فالفاء للتعقيب وذلك ان النبي عليه السلام لما اخبر برؤية جبريل تعجبوا منه وأنكروا والمماراة والمراء المجادلة بالباطل فكان حقه ان يتعدى بفي يقال جادلته في كذا لكنه ضمن معنى الغلبة فتعدى تعديتها لان الممارى يقصد بفعله غلبة الخصم واشتقاقه من مرى الناقة كأن كلا من المتجادلين يمرى ما عند صاحبه يقال مريت الناقة مريا مسحت ضرعها لتدر ومريت الفرس إذا استخرجت ما عنده من الجري او غيره يقول الفقير كان الظاهر ان يقال على ما رأى وجوابه انه لما كان اثر الرؤية باقيا صح ان يقال يرى وايضا ان رؤية جبريل مستمرة الى وقت الانتقال ولو على غير صورته الاصلية وقال الحسن البصري رحمه الله وجماعة علمه شديد القوى اى علمه الله وهو وصف من الله نفسه بكمال القدرة والقوة ذو مرة اى ذو احكام الأمور والقضايا وبين المكان الذي فيه علمه بلا واسطة فاستوى اى محمد عليه السلام وهو بالأفق الأعلى اى فوق السموات ثم دنا پس نزديك شد حضرت محمد بحضرت احديت يعنى مقرب دركاه الوهيت كشت بمكانت ومنزلت نه بمنزل ومكان فتدلى پس فروتنى كرد يعنى سجده خدمت آورد خدايرا و چون اين مرتبه بواسطه(9/218)
خدمت يافته بود ديگر باره در وظيفه خدمت افزود ودر سجده وعده قرب نيز هست كه اقرب ما يكون العبد من ربه أن يكون ساجدا فكان قاب قوسين او أدنى كنايتست از تأكيد قربت وتقرير محبت وبواسطه تقرب بافهام در صورت تمثيل مؤدى شده چهـ عادت عظماى عرب آن مى بوده كه چون تأكيد عهدى وتوثيق عهدى خواستندى كه بغض بدان راه نيابد هر يك از متعاقدان كمان خود حاضر ساخته با يكديكر انضمام دادندى وهر دو بيكبار قبضتين را كرفته وبيكبار كشيده باتفاق يك تيرازان بينداختندى واين صورت از ايشان اشارت بدان معنى بودى كه موافقت كلى ميان ما تحقق پذيرفت ومصادقت واتحاد أصلي بر وجهى ثبوت يافت كه بعد از ان رضا وسخط يكى عين رضا وسخط آن ديكرست پس گوييا درين آيت با عنايت آن معنى مؤدى شده كه محبت وقربت حضرت پيغمبر با حق سبحانه وتعالى بمثابه تأكيد يافته
كه مقبول رسول مقبول خداوندست ومردود مصطفى مردود درگاه خداست وعلى هذا القياس ونزد محققان دنا اشارت نفس مقدس اوست وتدلى بمنزله دل مطهر او فكان قاب قوسين مقام روح مطيب او أدنى بمرتبه سر منور او ونفس او در مكان خدمت بود ودل او در منزل محبت وروح او در مقام قربت وسر او در مرتبه مشاهدت شيخ ابو الحسين نورى را قدس سره از معنى اين آيت پرسيدند جواب داد جايى كه جبرائيل نكنجند نورى كيست كه از ان سخن تواند كفت
خيمه برون زد ز حدود وجهات ... پرده او شد تتق نور ذات
تيركئ هستى ازو دور كشت ... پردكىء پرده آن نور كشت
كيست كزان پرده شود پرده ساز ... زمزمه كويد از ان پرده باز
ويدل على ان ضمير دنا يعود اليه عليه السلام انه قال في رواية لما اسرى بي الى السماء قربنى ربى حتى كان بينى وبينه كقاب قوسين او أدنى قيل لى قد جعلت أمتك آخر الأمم لأفضح الأمم عندهم اى بوقوفهم على اخبارهم ولا افضحهم عند الأمم لتأخرهم عنهم وقال بعض الكبار ثم دنا اشارة الى العروج والوصول وقوله فتدلى الى النزول والرجوع وقوله فكان قاب قوسين بمنزلة النتيجة اشارة الى الوصول الى عالم الصفات المشار اليه بقوله تعالى الله الصمد وقوله او أدنى اشارة الى الوصول الى عالم الذات المشار اليه بقوله تعالى الله أحد فى صورة الإخلاص فحاصل المعنى ثم دنا اى الى الحق من الخلق فتدلى الى الخلق من الحق فكان قاب قوسين في مرتبة الوحدة الواحدية الجامعة بين شهادة الصفات والخلق وبين غيب الذات والحق او أدنى في الوحدة الاحدية المختصة بغيب ذات الحق واذن هنا أمران الاول الوصول الى مرتبة قاب قوسين وذلك بفناء في الصفات فقط والثاني الوصول الى مرتبة او أدنى وذلك بفناء في الصفات والذات معا فان يسر الله النزول والبقاء يكمل الأمر فى هاتين الجهتين ولعمرى عزيز اهل هذا المقام جدا وقال بعضهم ضمير دنا الى آخره يعود الى الله تعالى قال في كشف الاسرار دنو الله من العبد على نوعين أحدهما بإجابة الدعوة وإعطاء المنية ورفع المنزلة كما في قوله فانى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان والثاني بمعنى القرب(9/219)
فى الحقيقة دون هذه المعاني كقوله ثم دنا فتدلى انتهى فالمعنى ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى اى زاد في القرب حتى كان من محمد عليه السلام قاب قوسين او أدنى فمعنى الدنو والتدلي الواقعين من الله تعالى كمعنى النزول منه الى السماء الدنيا كل ليلة في ثلث الليل الأخير وهو ان ذلك عند اهل الحقائق من مقام التنزل بمعنى انه تعالى يتلطف بعباده ويتنزل في خطابه لهم فيطلق على نفسه ما يطلقونه على أنفسهم فهو في حقهم حقيقة وفي حقه تعالى مجاز كما في انسان العيون قال القاضي ابو الفضل في كتاب الشفاء اعلم ان ما وقع في اضافة الدنو والقرب من الله او الى الله فليس بدنو مكان ولا قرب مدى بل كما ذكرنا عن جعفر الصادق ليس بدنو حد وانما دنو النبي من ربه وقربه منه ابانة عظيم منزلته وتشريف رتبته واشراق أنوار معرفته ومشاهدة اسرار غيبه وقدرته ومن الله له مبرة وتأنيس وبسط وإكرام قال في فتح الرحمن فمن جعل الضمير عائدا الى الله لا الى جبريل على هذا كان قوله فكان إلخ عبارة عن نهاية القرب ولطف المحل واتضاح المعرفة والاشراف على الحقيقة من محمد عليه السلام وعبارة اجابة الرغبة وقضاء المطالب قرب بالاجابة والقبول وإتيان بالإحسان وتعجيل المأمول فأوحى الى عبده ما أوحى قال في الاسئلة المقحمة أجمل ولم يفسره لانه كان يطول ذكر جميع ما أوحى اليه فذكره جملة من غير تعرض الى التفصيل فقال فأوحى الى عبده ما أوحى وقالت الشيوخ ستر الله بعض ما اوحى الى عبده محمد عليه السلام عن الخلق سترا على حاله لئلا يطلع عليه غيره فان ذلك لا يتعلق بغيره وانما ذلك من خواص محبته ومعرفته وعلو درجاته إذ بين الأحباب يجرى من الاسرار مالا يطلع عليه الأجانب والأغيار قال عليه السلام لى وقت مع الله لا يطلع عليه ملك مقرب ولا نبى مرسل وسمعت الشيخ أبا على الفارسي رحمه الله يقول في هذه الآية قولا يطول شرحه وقصاراه يرجع الى انه تعالى ستر بعض ما أوحى الى نبيه عن الخلق لما علم ان علمهم بذلك يفتر عن السير في صراط العبودية اتكالا على محض الربوبية ولهذا قال لمعاذ بن جبل رضى الله عنه حيث قال معاذء أخبر الناس بذلك يا رسول الله فقال لا تخبرهم بذلك لئلا يتكلوا انتهى
لا يكتم السر الاكل ذى خطر ... والسر عند كرام الناس مكتوم
والسر عندى في بيت له غلق ... قد ضاع مفتاحه والباب مختوم
وقيل بين المحبين سر ليس يفشيه ... قول ولا عمل للخلق يحكيه
سر يمازجه انس يقابله ... نور تحير في بحر من التيه
(وقيل) دردى كه من از عشق تو دارم حاصل دل داند ومن دانم ومن دانم ودل (قال الكاشفى) بعض علما كويند كه اولى آنست كه تعرض آن وحي نكنيم ودر پرده بگذاريم وجمعى كويند آنچهـ از ان وحي در چيزى ويا اثرى بما رسيده ذكر ان هيچ نقصان ندارد ودامانت بسيار واقع شده ودر تفسير جواهر بسطى تمام يافته اينجا بسه وجه اختصاص مى يابد أول آنكه مضمون وحي اين بود كه يا محمد لولا انى أحب معاتبة أمتك لما حاسبتهم يعنى اگر نه آنست كه دوست ميدارم معاتبه با امت تو والا بساط محاسبه ايشان(9/220)
طى مى كردم دوم آنكه اى محمد أنا وأنت وما سوى ذلك خلقته لاجلك آن حضرت عليه السلام در جواب فرمودند أنت وأنا وما سوى ذلك تركته لاجلك سوم آنكه امت تو طاعت من بجاى مى آرند وعصيان نيز مى ورزند طاعت ايشان برضاى منست ومعصيت ايشان بقضاي من پس آنچهـ برضاى من از ايشان ثابت شود اگر چهـ اندك وبا قصور بود قبول كنم زيرا كه كريمم وآنچهـ بقضاي من از ايشان در وجود آيد اگر چهـ بزرك وبسيار باشد عفو كنم زيرا كه رحيمم وقيل اوحى اليه ان الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك وقيل كن آيسا من الخلق فليس بأيديهم شيء واجعل صحبتك معى فان مرجعك الى ولا تجعل قلبك معلقا بالدنيا فانى ما خلقتك لها وقيل اوحى اليه الم يجدك يتيما فآوى الى قوله ورفعنا لك ذكرك وقيل أوحى اليه آمن الرسول إلخ بغير واسطة جبريل وقيل اوحى اليه عش ما شئت فانك ميت وأحبب من شئت فانك مفارقه واعمل ما شئت فانك مجزى به (وروى) انه عليه السلام قال شكا الى الله ليلة المعراج من أمتي شكايات الاولى لم أكلفهم عمل الغد وهم يطلبون منى رزق الغد والثانية لا أدفع أرزاقهم الى غيرهم وهم يدفعون عملهم الى غيرى والثالثة انهم يأكلون رزقى ويشكرون غيرى ويخونون معى ويصالحون خلقى والرابعة ان العزة لى وانا المعز وهم يطلبون العزة من سواى والخامسة انى خلقت النار لكل كافر وهم يجتهدون أن يوقعوا أنفسهم فيها قال قل لامتك ان أحببتم أحدا لاحسانه إليكم فأنا اولى به لكثرة نعمى عليكم وان خفتم أحدا من اهل السماء والأرض فأنا اولى بذلك لكمال قدرتى وان أنتم رجوتم أحدا فأنا اولى به لانى أحب عبادى وان أنتم استحبيتم من أحد لجفائكم إياه فأنا اولى به لان منكم الجفاء ومنى الوفاة وان آثرتم أحدا بأموالكم وأنفسكم فانا اولى بذلك لانى معبودكم وان صدقتم أحدا في وعده فانا اولى بذلك لانى أنا الصادق وقيل اوحى الله اليه يا محمد لم اكثر مال أمتك لئلا يطول حسابهم في القيامة ولم اطل أعمارهم لئلا تقسو قلوبهم ولم افجأهم بالموت لئلا يكون خروجهم من الدنيا بدون التوبة وأخرتهم في الدنيا عن الآخرين لئلا يطول في القبور حبسهم قال بعضهم ان ما اوحى اليه مفسر في الاخبار ونطقت به الروايات من اهوال القيامة وغيرها ولهذا قال عليه السلام لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا قال جعفر الصادق رضى الله عنه فأوحى الى عبده ما أوحى بلا واسطة فيما بينه وبينه سرا الى قلبه لا يعلم به أحد سواه بلا واسطة اى في العقبى حين يعطيه الشفاعة لامته وقال البقلى أبهم الله سر ذلك الوحى الخفي على جميع فهوم الخلائق من العرش الى الثرى بقوله ما أوحى لانه لم يبين اى شيء اوحى الى حبيبه لان بين المحب والمحبوب سرا لا يطلع عليه غيرهما وأظن انه لو بين كلمة من تلك الاسرار لجميع الأولين والآخرين لماتوا جميعا من ثقل ذلك الوارد الذي ورد من الحق على قلب عبده احتمل ذلك المصطفى عليه السلام بقوة ربانية ملكوتية لاهوتية البسه الله إياها ولولا ذلك لم يحتمل ذرة منها لانها انباء عجيبة واسرار ازلية لو ظهرت كلمة منها لتعطلت الاحكام ولفنيت الأرواح والأجسام واندرست الرسوم(9/221)
واضمحلت العقول والفهوم والعلوم يقول الفقير لا شك ان ما اوحى اليه عليه السلام تلك الليلة على اقسام قسم اداه الى الكل وهو الاحكام
والشرائع وقسم اداه الى الخواص وهو المعارف الالهية وقسم اداه الى أخص الخواص وهو الحقائق ونتائج العلوم الذوقية وقسم آخر بقي معه لكونه مما خصه الله به وهو السر الذي بينه وبين الله المشار اليه بقوله لى مع الله وقت إلخ فانه تحل مخصوص وسر مكتوم لا يفشى وهكذا كل ورثته فان لهم نصيبا من هذا المقام حيث ان بعض علومهم يرتحل معهم الى الآخرة ولا يوجد له محل يؤدى اليه اما لكونه من خصائصهم واما لفقدان من يستعد لادائه وذلك يحسب الزمان ولذا جاء نبى في الأولين وبقي معه الرسالة ولم يقبلها أحد من أمته لعدم الاستعداد فيهم وفي التأويلات النجمية في هذه الآية يشير الى ان الله تعالى من مقام جمعيته الجامعة لجميع المظهريات من غير واسطة جبريل وواسطة ميكائيل اوحى او تجلى في صورة الوحى لعبده المضاف الى هاء هويته المطلقة بحقائق من مقتضى حكم الوحدة والموحى به هوان وجودك يا محمد عين وجود المتعين بأحدية جمع جميع الأعيان الظاهرة المشهودة والحقائق الباطنة الغيبية المفقودة في عين كونها موجودة مطلقا عن هذا التعين والجمع والإطلاق ما كذب الفؤاد ما رأى اعلم ان المرئي ان كان صورة جبريل عليه السلام فالرؤية من رؤية العين وان كان هو الله تعالى على ما ذهب اليه البعض فقد اختلفوا في انه عليه السلام رأى الله تعالى ليلة الإسراء بقلبه او بعين رأسه فقال بعضهم جعل بصره في فؤاده فرأه في فؤاده فيكون المعنى ما كذب الفؤاد ما رأه الفؤاد اى لم يقل فؤاده له ان ما رأيته هاجس شيطانى وانه ليس من شأنك ان ترى الرب تعالى بل تيقن ان ما رأه بفؤاده حق صحيح وقال بعضهم رأه بعينه لقوله عليه السلام ان الله اعطى موسى الكلام وأعطاني الرؤية وقوله عليه السلام رأيت ربى في احسن صورة اى صفة قال في الكواشي هذا لا حجة فيه لانه يجوز انه أراد الرؤية بالقلب بأن زاده معرفة على غيره يقول الفقير إيراد الرؤية في مقابلة الكلام يدل على رؤية العين لان موسى عليه السلام قد سألها ومنع منها فاقتضى ان يفضل النبي عليه السلام عليه بما منع منه وهو الرؤية البصرية ولا شك ان الرؤية القلبية الحاصلة بالانسلاخ يشترك فيها جميع الأنبياء حتى الأولياء وقد صح ان موسى رأى ربه بعين قلبه حين خر في الطور مغشيا عليه وحملها على زيادة المعرفة لا يجدى نفعا وكانت عائشة رضى الله عنها تقول من زعم بأن محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله قال في كشف الاسرار قول عائشة نفى وقول ابن عباس بأنه رأى اثبات والحكم للمثبت لا للنافى فالنا في انما نفاه لانه لم يسمعه والمثبت انما أثبته لانه سمعه وعلمه انتهى وقول ابى ذر رضى الله تعالى عنه للنبى عليه السلام هل رأيت ربك قال نورانى أراه بالنسبة الى تجرد الذات عن النسب والإضافات اى النور المجرد لا يمكن رؤيته على ما سبق تحقيقه وقال في عين المعاني ولا يثبت مثل هذا اى الرؤية بالعين الا بالإجماع وفي كشف الاسرار قال بعضهم رأه بقلبه دون عينه وهذا خلاف السنة والمذهب الصحيح انه عليه السلام رأى ربه بعين رأسه انتهى وفي الكواشي يستحيل رؤيته هنا عقلا ومعتقد(9/222)
رؤية الله هنا بالعين لغير محمد غير مسلم ايضا انتهى قال ابن الشيخ اعلم ان رؤية الله تعالى جائزة لان دليل الجواز غير مخصوص بالآخرة ولان مذهب اهل السنة الرؤية بالإراءة لا بقدرة العبد فاذا حصل العلم بالشيء من طريق البصر كان رؤية بالإراءة وان حصل من طريق القلب كان معرفة والله تعالى قادر على ان يحصل العلم بخلق مدرك المعلوم في البصر كما قدر ان يحصله بخلق مدرك المعلوم في القلب والمسألة مختلف فيها بين الصحابة والاختلاف في الوقوع مما ينبئ عن الاتفاق على الجواز انتهى وكان الحسن البصري رحمه الله يحلف بالله ان محمدا رأى ربه ليلة المعراج (وحكى) النقاش عن الامام احمد رحمه الله انه قال انا أقول بحديث ابن عباس رضى الله عنهما بعينه رأه رأه حتى انقطع نفس الامام احمد كلام سرمدى بى نقل بشنيد خداوند جهانرا بي جهت ديد
در ان ديدن كه حيرت حاصلش بود ... دلش در چشم و چشمش در دلش بود
قال بعض الكبار الممنوع من رؤية الحق في هذه الدار انما هو
عدم معرفتهم له والافهم يرونه ولا يعرفون انه هو على غير ما يتعقل البصر فالخلق حجاب عليه دائما فانه تعالى جل عن التكييف دنيا واخرى فافهم فهم يرونه ولا يرونه واكثر من هذا الإفصاح لا يكون انتهى يقول الفقير نعم ان الله جل عن الكيفية في الدارين لكن فرق بين الدنيا والآخرة كثافة ولطافة فان الشهود في الدنيا بالسر المجرد لغير نبينا عليه السلام بخلافه في الآخرة فان القلب ينقلب هناك قالبا فيفعل القالب هناك ما يفعله القلب والسر في هذه الدار فاذا كانت لطافة جسم النبي عليه السلام تعطى الرؤية في الدنيا فما ظنك بلطافته ورؤيته في الآخرة فيكون شهوده أكمل شهود في الدارين حيث رأى ربه بالسر والروح في صورة الجسم قال في التأويلات النجمية اتحد بصر ملكوته وبصر ملكه فرأى ببصر ملكوته باطن الحق من حيث اسمه الباطن ورأى ببصر ملكه ظاهر الحق من حيث اسمه الظاهر ورأى بأحدية جمع القوتين الملكوتية والملكية الحقيقة الجمعية المتعينة بجميع التعينات العلوية الروحانية والسفلية الجسمانية مع إطلاقه في عين تعينه المطلق عن التعين واللاتعين والإطلاق واللاإطلاق انتهى هذا وليس ورلء عبادان قرية وقال البقلى رحمه الله ذكر الله رؤية فؤاده عليه السلام ولم يذكر العين لان رؤية العين سر بينه وبين حبيبه فلم يذكر ذلك غيرة عليه لان رؤية الفؤاد عام ورؤية البصر خاص أراه جماله عيانا فرآه ببصره الذي كان مكحولا بنور ذاته وصفاته وبقي فى رؤيته عيانا ما شاء الله فصار جسمه جميعه ابصارا رحمانية فرأى الحق بجميعها فوصلت الرؤية الى الفؤاد فرأى فؤاده جمال الحق ورأى ما رأى عينه ولم يكن بين ما رأى بعينه وبين ما رأه بفؤاده فرق فأزال الحق الإبهام وكشف العيان بقوله ما كذب الفؤاد ما رأى حتى لا يظن الظان ان ما رأى الفؤاد ليس كما رأى بصره اى صدق قلبه فيما رأه من لقائه الذي رأه بصره بالظاهر إذ كان باطن حبيبه هناك ظاهر وظاهره باطنا بجميع شعراته وذرات وجوده وليس في رؤية الحق حجاب للعاشق الصادق بأن يغيب عن الرؤية شيء من وجوده فبالغ الحق في كمال رؤية حبيبه وكذلك قال عليه السلام رأيت ربى بعيني وبقلبي رواه(9/223)
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14)
مسلم في صحيحه قال ابن عطاء ما اعتقد القلب خلاف ما رأته العين وقال ليس كل من رأى سكن فؤاده من إدراكه إذا العيان قد يظهر فيضطرب السر عن حمل الوارد عليه والرسول عليه السلام كان محمولا فيها في فؤاده وعقله وحسه ونظره وهذا يدل على صدق طويته وحمله فيما شوهد به أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى آيا مجادله ميكنيد با محمد بر آنچهـ ديد در شب معراج ومجادله آن بود كه صفت بيت المقدس وخبر كاروان خود پرسيدند وقال بعضهم أفتجادلونه على رؤية الله تعالى اى ان رسول الله عليه السلام رأى الله وهم يجادلونه في ذلك وينكرونها وفي التأويلات النجمية يشير الى مماراة المحتجبين عن الحق بالخلق ومجادلتهم فى شهود الخلق من دون الحق لقيامهم في مقام الكثرة الاعتبارية من غير شهود الوحدة الحقيقية أعاذنا الله وإياكم من عذاب جحيم الاحتجاب ومن شدة لهب النار والالتهاب وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى الضمير البارز في رأه لجبريل ونزلة منصوب نصب الظرف الذي هو مرة لان الفعلة اسم للمرة من الفعل فكانت في حكمها والمعنى وبالله لقد رأى محمد جبريل عليهما السلام على صورته الحقيقية مرة اخرى من النزول وذلك انه كان للنبى عليه السلام في ليلة المعراج عرجات لمسألة التخفيف من اعداد الصلوات المفروضة فيكون لكل عرجة نزلة فرأى جبريل في بعض تلك النزلات عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى وهو مقام جبرائيل وكان قد بقي هناك عند عروجه عليه السلام الى مستوى العرش وقال لو دنوت انملة لاحترقت قال عليه السلام رأيته عند سدرة المنتهى عليه ستمائة جناح يتناثر منه الدر والياقوت وعند يجوز ان يكون متعلقا برأى وان يكون حالا من المفعول المراد به جبرائيل لان جبرائيل لكونه مخلوقا يجوز أن يراه النبي عليه السلام في مكان مخصوص وهو سدرة المنتهى وهى شجرة نبق في السماء السابعة عن يمين العرش ثمرها كقلال هجر وورقها كآذان الفيلة نبع من أصلها الأنهار التي ذكرها الله في كتابه يسير الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها والمنتهى مصدر ميمى بمعنى الانتهاء كما قال الزمخشري او اسم مكان بمعنى موضع الانتهاء كأنها في منتهى الجنة وقيل ينتهى إليها الملائكة ولا يتجاوزونها لان جبرائيل رسول الملائكة إذا لم يتجاوزها فبالحرى أن لا يتجاوزها غيره فاعلاها لجبرآئيل كالوسيلة لنبينا عليه السلام فكما ان خواص الامة يشتركون مع النبي عليه السلام في جنة عدن بدون أن يتجاوزوا الى مقامه المخصوص به فكذا الملائكة يشتركون مع جبرائيل في السدرة بدون أن يتعدوا الى ما خص به من المكان وقيل إليها ينتهى علم الخلائق وأعمالهم ولا يعلم أحد ما وراءها وذلك لان الأعمال الصالحة في عليين ولا تعرج اليه الا على يد الملائكة فتقف عندها كوقوف الملائكة هذا بالنسبة الى اعمال الامة واما خواص الامة فلهم من الأعمال مالا يقف عندها بل يتجاوز الى عالم الأرواح فوق مستوى العرش بل الى ما وراءه حيث لا يعلمه الا الله فمثل هذه الصالحات الناشئة عن خلوص فوق خلوص العامة ليست بيد الملائكة إذ لا يدخل مقامها أحد وقيل ينتهى إليها أرواح الشهداء لانها في ارض الجنان او ينتهى إليها ما يهبط من فوقها من الاحكام ويصعد من تحتها من الآثار وعن ابى هريرة رضى الله عنه لما(9/224)
اسرى بالنبي عليه السلام انتهى الى السدرة فقيل له هذه السدرة ينتهى إليها كل أحد خلا من أمتك على سنتك يعنى ميرسد بدين هر كس از امت تو كه رفته باشد بر سنت تو وقال كعب انها سدرة في اصل العرش على رؤس حملة العرش وإليها ينتهى الخلائق وما خلفها غيب لا يعلمه الا الله وبالجملة هى شجرة طوبى وقال مقاتل السدرة هى شجرة طوبى ولوان رجلا ركب نجيبه وطاف على ساقها حتى أدركه الهرم لما وصل الى المكان الذي ركب منه تحمل لاهل الجنة الحلي والحلل وجميع ألوان الثمار ولو ان ورقة منها وضعت في الأرض لاضاءت أهلها قيل اضافة السدرة الى المنتهى اما اضافة الشيء الى مكانه كقولك أشجار البستان فالمنتهى حينئذ موضع لا يتعداه ملك او اضافة المحل الى الحال كقولك كتاب الفقه والتقدير سدرة عندها منتهى العلوم او اضافة الملك الى المالك على حذف الجار والمجرور اى سدرة المنتهى اليه وهو الله تعالى قال الى ربك المنتهى واضافة السدرة اليه كاضافة البيت اليه
للتشريف والتعظيم وقال بعضهم المرئي هو الله تعالى يعنى ان محمدا عليه السلام رأى ربه مرة اخرى يعنى مرتين كما كلم موسى مرتين وفيه اشعار بأن الرؤية الثانية كانت كالرؤية الاولى بنزول ودنو فقوله عند لا يجوز ان يكون حالا من المفعول المراد به الله تعالى لان الله تعالى منزه عن أن يحل في زمان او مكان فهو متعلق برأى يعنى انه عليه السلام رأى ربه رؤية ثانية عند سدرة المنتهى على أن يكون الظرف ظرفا لرأى ورؤيته لا للمرئى كما إذا قلت رأيت الهلال فقيل لك اين رأيت فتقول عند الشجرة الفلانية وجعل ابن برجان الاسراء مرتين الاولى بالفؤاد وهذه بالعين ولما كان ذلك لا يتأتى الا بتنزل يقطع مسافات البعد التي هى الحجب ليصير به بحيث يراه البشر عبر بقوله نزلة اخرى وعين الوقت بتعيين المكان فقال عند سدرة المنتهى كما في تفسير المناسبات (وروى) عن وكيع عن كعب الأحبار انه قال رأى ربه مرة اخرى فقال ان الله تعالى كلم موسى مرتين ورأه محمد مرتين عليهما السلام فلما بلغ ذلك عائشة رضى الله عنها قالت قد اقشعر جلدى من هيبة هذا الكلام فقيل لها يا أم المؤمنين أليس يقول الله تعالى ولقد رأه نزلة اخرى فقالت انا سألت النبي عليه السلام عن ذلك فقال رأيت جبرائيل نازلا في الأفق على خلقته وصورته انتهى وقال بعضهم رأه بفؤاده مرتين يقول الفقير لما كان هذا المقام لا يخلو عن صعوبة واحتمال وتأويل كفروا من أنكر المعراج الى المسجد الأقصى لثبوته بالنص القطعي وهو قوله تعالى سبحان الذي اسرا بعبده إلخ وضللوا من أنكره الى ما فوقه لثبوته بالخبر المشهور قال الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر ان معراجه عليه السلام اربع وثلاثون مرة واحدة بجسده والباقي بروحه رؤيا رأها وفي التأويلات النجمية يشير الى رد استعجاب اهل الحجاب شهود النبي عليه السلام الحضرة الالهية في المظاهر الكونية والمجالى الغيبية وأنى لهم هذا الاستعجاب والاستغراب وما قيده في حضرة دون حضرة وفي مشهد دون مشهد بل شهرة وعلانية مرة بعد مرة وساعة بعد ساعة بل ما احتجب لحظة منه تعالى وما غاب عنه لمحة مرة شاهده به في مقام أحديته بفنائه عنه ونزلة عاينه في مقام واحديته بالبقاء به عند نزوله من المشهد(9/225)
عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)
الاحدى الى المشهد الواحدي المسمى سدرة المنتهى التي هى شجرة الكثرة لابتداء الكثرة منها وانتهاء مظاهرها إليها بحسب الأعمال والأقوال والافعال والأحوال شبهت السدرة بشجرة الكثرة لكثرة اظلالها وأغصانها كما في شجرة الكثرة التي هى الواحدية لظهور التعينات والتكثرات منها واستظلال المتعينات بها بالوجود العيني الخارجي انتهى وقال البقلى ما الرؤية الثانية بأقل كشفا من الرؤية الاولى ولا الاولى با كشف من الرؤية الثانية اين أنت لو كنت أهلا لقلت لك انه عليه السلام رأى ربه في لحافه بعد أن رجع من الحضرة ايضا في تلك الساعة وما غاب قلبه من تلك الرؤية لمحة وما ذكر سبحانه بيان ان ما رأى في الاولى في الإمكان وما رأى عند سدرة المنتهى كان واحدا لان ظهوره هناك ظهور القدم والجلال وليس ظهوره يتعلق بالمكان ولا بالزمان إذ القدم منزه عن المكان والجهات وكان العبد في المكان والرب في المكان وهذا غاية في كمال تنزيهه وعظيم لطفه إذ تتجلى نفسه لقلب عبده وهو في الإمكان والعبد في مكان والعقل هاهنا مضمحل والعلم متلاش لان العقول عاجزة والأوهام متحيرة والقلوب والهة والأرواح حائرة والاسرار فانية وفي هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه إذ رآه نزلة اخرى عند سدرة المنتهى ظن عليه السلام ان ما رأه في الاولى لا يكون في الكون لكمال علمه بتنزيه الحق فلما رأه ثانية علم انه لا يحجبه شيء من الحدثان وعادة الكبراء إذا زارهم أحد يأتون معه الى باب الدار إذا كان كريما فهذا من الله اظهار كمال حب لحبيبه وحقيقة الاشارة انه سبحانه أراد ان يعرف حبيبه مقام التباس فلبس الأمر واظهر المكر بأن بان الحق من شجرة سدرة المنتهى كما بان من شجرة العناب لموسى ليعرف حبيبه بكمال المعرفة إذ ليس بعارف من لم يعرف حبيبه في البسة مختلفة انتهى ولما أراد سبحانه ان يعظم السدرة ويبين شرفها قال عِنْدَها اى عند السدرة جَنَّةُ الْمَأْوى والجملة حالية قيل الأحسن ان يكون الحال هو الظرف وجنة المأوى مرتفع به بالفاعلية واضافة الجنة الى المأوى مثل اضافة مسجد الجامع اى الجنة التي يأوى إليها المتقون اى تنزل فيها وتصير وتعود إليها أرواح الشهداء وبالفارسية بهشتى كه آرامگاه متقيان يا مأوى ومكان أرواح شهداست أو آوى إليها آدم وحواء عليهما السلام يقال أويت منزلى واليه اويا واويا عدت واويته نزلته بنفسي والمأوى المكان قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر آدم عليه السلام انزل من جنة المأوى التي هى اليوم مقام الروح الامين جبريل عليه السلام وهى اليوم برزخ لذرية آدم ونزل إليها جبرائيل من السدرة بنزول آدم وهذه الجنة لا تقتضى الخلود لذاتها فلذلك أمكن خروج آدم منها ولذلك تأثر بالاشتياق الى ان يكون ملكا بعد سجود الملائكة له بغرور إبليس إياه ووعده في الخلود رغبة في الخلود والبقاء مع جبرائيل والجنة التي عرضها السموات والأرض تقتضى الخلود لذاتها يعلم من دخلها انه لا يمكن الخروج منها إذ لا سبيل للكون والفساد إليها قال تعالى في وصف عطائها انه غير مجذوذ اى غير منقطع انتهى فالجنة التي عرضها السموات والأرض ارضها الكرسي الذي وسع السموات والأرض وسقفها العرش المحيط فهى محيطة بالجنان الثمان وليست هى الجنة التي انزل منها(9/226)
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)
آدم كذا قاله الشيخ ايضا في كتاب تلقيح الأذهان وقال نجم الدين رحمه الله في تأويلاته يشير الى ان الجنة العلية التي يسجن بها المجانين العاشقون عن انا نيتهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر وفي قوله عندها اشارة الى الهوية الظاهرة بالشجرة الواحدية المسماة بسدرة المنتهى لانتهاء أرواح الشهداء المقتولين بسيف الصدق والإخلاص ورمح الرياضات والمجاهدات إليها إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى زيادة في تعظيم السدرة وإذ طرف زمان لرأه لما بعده من الجملة المنفية فان ما النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها والغشيان بمعنى التغطية والستر ومنه الغواشي وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية استحضارا لصورتها البديعة او للايذان باستمرار الغشيان بطريق التجدد والمعنى ولقد رأى محمد جبرائيل عند السدرة وقت ما غشيها وغطاها مالا يكتنهه الوصف ولا يفى به البيان كيفا ولا كما وفي الحديث (وغشيها ألوان لا أدرى ما هى فليس أحد من خلق الله يستطيع ان ينعتها) وعنه عليه السلام (رأيت السدرة يغشاها فراش من ذهب ورأيت على كل ورقة ملكا قائما يسبح الله) وعنه عليه السلام يغشاها رفرف اى جماعة من طيور خضر وقيل يغشاها فراش او جراد من ذهب (كما قال الكاشفى) وكويند بر حوالئ آن فرشتكان طيران ميكردند چون پروانه هاى زرين وقيل يعشاها سبحات أنوار الله حين تجلى لها كما تجلى للجبل لكنها كانت أقوى من الجبل حيث لم يصبها ما أصابه من الدك وذلك لان الجبل كان في عالم الملك الضعيف والسدرة في عالم الملكوت القوى ولذا لم يخر عليه السلام هناك مغشيا عليه حين رأى جبرائيل كما غشى عليه حين رأه في الأفق الأعلى لقوة التمكين وغاية لطافة الجسد الشريف وقيل يغشاها الجم الغفير من الملائكة أمثال الغربان حين يقعن على الشجر يعبدون الله تعالى عندها او يزورونها متبركين بها كما يزور الناس الكعبة وقيل يغشاها الملائكة النازلون للقاء النبي عليه السلام فانهم استأذنوا للقائه فاذن لهم وقيل لا تأتوه بغير نثار فجاء كل واحد منهم بطبق من أطباق الجنة عليه من اللطائف مالا يحصى فنثروه بين يديه تقربا اليه وفي الحديث (انه اعطى رسول الله عندها يعنى السدرة ثلاثا) يعنى سه چيز الصلوات الخمس وخواتيم سورة البقرة وغفر لمن مات من أمته لا يشرك بالله شيأ وفي التأويلات النجمية يشير الى تعظيم المظاهر الاسمائية والصفاتية الجمالية اللطفية والجلالية القهرية الغاشية الساترة شجرة الواحدية المسماة بسدرة المنتهى بحيث لا تعد ولا تحصى لعدم نهاية مصادرها لان الأسماء بحسب الجزئيات غير متناهية وان كانت من حيث كلياتها متناهية وكان حقيقة السدرة وعمودها مغشية مستورة بكثرة أغصانها وأوراقها وازهارها وهذا الوصف يدل على عظمة شأن الشجرة عينها وجلالة قدرها وكيف لا والواحدية من حيث الحقيقة عين الاحدية ومن حيث الاعتبار العقلي غيرها فافهم جدا لا يفوتك الحقيقة بل الطريقة والشريعة انتهى وقال البقلى رحمه الله أبهم ما غشيها لان العقول لا تدرك حقائق ما يغشاها وكيف يغشاها والقدم منزه عن الحلول في الأماكن وكانت الشجرة مرءاة لظهوره سبحانه ما الطف ظهوره لا يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم يقولون بعد عرفانهم به آمنا به ما زاغَ الْبَصَرُ(9/227)
الزيغ الميل عن الاستقامة اى ما مال بصر رسول الله عليه السلام ادنى ميل عما رأه وَما طَغى وما تجاوز مع ما شاهد هناك من الأمور المذهلة مما لا يحصى بل أثبته اثباتا صحيحا متيقنا او ما عدل عن رؤية العجائب التي امر برؤيتها ومكن منها وما جاوزها واستدل على ان رؤية الله كانت بعين بصره عليه السلام يقظة بقوله ما زاغ البصر إلخ لان وصف البصر بعدم الزيغ يقتضى ان ذلك يقظة ولو كانت الرؤية قلبية لقال ما زاغ قلبه واما القول بأنه يجوز ان يكون المراد بالبصر بصر قلبه فلا بدله من القرينة وهى هنها معدومة (قال الكاشفى فى معنى الآية) ميل نكرد چشم محمد عليه السلام وبچپ وراست ننكريست ودر نكذشت از حديكه مقرر بود نكريستن ويرا درين آيت ستايش آن حضرتست بحسن ادب وعلو همت كه دران شب پرتو التفات بر هيچ ذره از ذرات كائنات نيفكند وديده دل بجز مشاهده جمال بى زوال الهى نكشود
در ديده كشيده كحل ما زاغ ... نى راغ نكاه كردونى باغ
ميراند براق عرش پرواز ... تا حجله ناز و پرده راز
پس پرده ز پيش ديده برخاست ... بي پرده بديد آنچهـ دل خواست
وفي التأويلات النجمية يشير الى تحقق النبي عليه السلام بمقام حقيقة الفقر الكلى الذي هو الخلو المطلق عما سواه لانه قال الفقر فخرى واى فقر أعظم وافخم من ان يخرج العبد عن وجوده الكلى المجازى ويقوم بالوجود الحقيقي ويظهر بصفات سيده حتى يقال له عبد الله اى لا عبد غيره يعنى ما مال بصر ملكه الجسماني الى ملك الدنيا وزينتها وزخارفها وجاهها ومالها وما طغى نظر ملكوته الروحاني الى عالم الآخرة ونعيمها ودرجاتها وقرباتها وغرفاتها بل اتحدا واجتماعا اتحادا كليا واجتماعا حقيقيا من غير فتور وقصور على شهود الحق وأسمائه وصفاته وعجائب تجلياته الذاتية وغرائب تنزلانه الصفاتية وايضا ما زاغ عين ظاهره الى الكثرة الاسمائية قائمة بالوحدة الذاتية وغرائب تنزلاته بكمال قيامه بشهود المرتبتين ولاحاطة علمه بوجود المرتبتين فافهم وإلا تندم وقال البقلى رحمه الله هذه الآية فى الرؤية الثانية لان في الرؤية الاولى لم يكن شيء دون الله ولذلك ما ذكر هناك غض البصر وهذا من كمال تمكين الحبيب في محل الاستقامة وشوقه الى مشاهدة ربه إذ لم يمل الى شيء دونه وان كان محل الشرف والفضل وفي كشف الاسرار موسى عليه السلام چون ديدار خواست كه أرني انظر إليك او را بصمصام غيرت لن ترانى جواب دادند پس چون تاوان زده آن سؤال گشت بغرامت تبت إليك واديد آمد باز چون نوبت بمصطفى عليه السلام رسيد ديده ويرا توتياى غيرت لا تمدن عينيك در كشيدند كفتند اى محمد ديده كه بآن ديده ما را خواهى ديكر نكر تا بعاريت بكس ندهى مهتر عصابه عزت ما زاغ البصر وما طغى بر ديده خود بست بزبان حال كفت
بر بندم چشم خويش ونكشايم نيز ... تا روز زيارت تو اى يار عزيز
تا لا جرم چون حاضر حضرت كشت جمال وجلال ذو الجمال والجلال بر ديده او كشف(9/228)
لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)
كردند كه ما كذب الفؤاد ما راى
همه تنم ذكر كردد چون با تو راز كنم ... همه كمال تو بينم چوديده باز كنم
ان تذكرته فكلى قلوب ... او تأملته فكلى عيون
وكفته اند موسى عليه السلام چون از حضرت مناجات بازگشت باوى نور هيبت بود وعظمت لا جرم هر كه در وى ناديست تا بينا كشت باز مصطفى عليه السلام چون از حضرت مشاهدات بازگشت با وى نوارنس بود تا هر كه بروى نكريد بينايئ او بيفزود آن مقام اهل تكوين است واين مقام ارباب تمكين لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى اى وبالله لقد رأى محمد عليه السلام ليلة المعراج الآيات التي هى كبراها وعظماها فأرى من عجائب الملك والملكوت مالا يحيط به نطاق العبارة فقوله من آيات ربه حال قدمت على ذيها وكلمة من للبيان لانه المناسب لمرام المقام وهو التعظيم والمبالغة ولذا لم تحمل على التبعيض على ان يكون هو المفعول ويجوز ان يكون الكبرى صفة للآيات والمفعول محذوف اى شيأ عظيما من آيات ربه وان يكون من مزيدة يعنى على مذهب الأخفش وكان الإسراء ليلة السابع والعشرين من رجب على ما عليه الأكثر في السنة الثانية عشرة من النبوة قبل الهجرة بقليل كما في تفسير المناسبات وفيه إشكال فان هذه السورة نزلت في السنة الخامسة من النبوة على ما مر في أول السورة قال المفسرون رأى عليه السلام اى ابصر تلك الليلة رفرفا اخضر سد أفق السماء فجلس عليه وجاوز سدرة المنتهى والرفرف البساط وهو صورة همته البسيطة العريضة المحيطة بالآفاق مطلقا لانه عليه السلام في سفر العالم البسيط ولا يصل اليه الا من له علو الهمة مثله وقد قال حسان رضى الله عنه في نعته عليه السلام
له همم لا منتهى لكبارها ... وهمته الصغرى أجل من الدهر
ورأى تلك الليلة طوائف الملائكة وسدرة المنتهى وجنة المأوى وما في الجنان لاهل الايمان وما في النيران لاهل الطغيان والظلم والأنوار وما يعجز عنه الافكار وتحار فيه الابصار ومن ذلك ما رأه في السموات من الأنبياء عليهم السلام اشارة بكل نبى الى امر دقيق جليل وحالة شريفة قال الامام ابو القاسم السهيلي رحمه الله في الروض الانف والذي أقول في هذا ان ماخذ فهمه من علم التعبير فانه من علم النبوة واهل التعبير يقولون من رأى نبيا بعينه فى المنام فان رؤياه تؤذن بما يشبه من حال ذلك النبي في شدة او رخاء او غير ذلك من الأمور التي اخبر بها عن الأنبياء في القرآن والحديث مثلا من رأى آدم عليه السلام في مكان على حسنه وجماله وكان للولاية أهلا ملك ملكا عظيما لقوله تعالى انى جاعل في الأرض خليفة ومن رأى نوحا عليه السلام فانه يعيش عيشا طويلا ويصيبه شدة وأذى من الناس ثم يظفر بهم ومن رأى ابراهيم عليه السلام فانه يعق أباه ويرزق الحج وينصر على أعدائه ويناله هول وشدة من ملك جائز ثم ينصر ومن رأى يوسف عليه السلام فانه يكذب عليه ويظلم ويناله شدة ويحبس ثم يملك ملكا ويظفر ومن رأى موسى وهرون عليهما السلام فان الله يهلك على يده جبارا عنيدا ومن رأى سليمان عليه السلام فانه بلى القضاء او الملك او يرزق(9/229)
الفقه ومن رأى عيسى عليه السلام فانه يكون رجلا مباركا نفاعا كثير الخير كثير السفر فى رضى الله ومن رأى نبينا صلّى الله عليه وسلّم وليس في رؤياه مكروه لم يزل خفيف الحال وان رأه في ارض جدب أخصبت او في ارض قوم مظلومين نصروا ومن رأه عليه السلام فان كان مغموما ذهب غمه وان كان مديونا قضى الله دينه وان كان مغلوبا نصر وان كان محبوسا اطلق وان كان عبدا أعتق وان كان غائبا رجع الى اهله سالما وان كان معسرا أغناه الله وان كان مريضا شفاه الله تعالى وحديث الإسراء كان بمكة ومكة حرم الله وامنه وقطانها جيران الله لان فيها بيته فأول من رأه عليه السلام من الأنبياء كان آدم عليه السلام الذي كان في أمن الله وجواره فأخرجه إبليس عدوه منها وهذه القصة تشبهها الحالة الاولى من احوال النبي عليه السلام حين أخرجه أعداؤه من حرم الله وجوار بيته وكربه ذلك وغمه فأشبهت قصته في هذا قصة آدم مع ان آدم تعرض عليه أرواح ذريته البر والفاجر منهم فكان في السماء الدنيا
بحيث يرى الفريقين لان أرواح اهل الشقاء لا تلج في السماء ولا تفتح لهم ابوابها ثم رأى في الثانية عيسى ويحيى عليهما السلام وهما الممتحنان باليهود اما عيسى عليه السلام فكذبته اليهود وآذته وهموا بقتله فرفعه الله واما يحيى عليه السلام.
فقتلوه ورسول الله عليه السلام بعد انتقاله الى المدينة صار الى حالة ثانيه من الامتحان وكانت محنته فيها باليهود آذوه وظاهروا عليه وهموا بإلقاء الصخرة عليه ليقتلوه فنجاه الله كما نجى عيسى منهم ثم سموه في الشاة فلم تزل تلك الاكلة تعاوده حتى قطعت أبهره كما قال عند الموت (وفي المثنوى)
چون سفيهانراست اين كار وكيا ... لازم آمد يقتلون الانبيا
ومما يؤثر عن سعيد ابن المسيب رحمه الله الدنيا بذلة تميل الى الابذال ومن استغنى بالله افتقر اليه الناس واما لقاؤه ليوسف عليه السلام في السماء الثالثة فانه يؤذن بحالة ثالثة تشبه حالة يوسف عليه السلام وذلك ان يوسف ظفر بأخوته بعد ما أخرجوه من بين ظهرانيهم فصفح عنهم وقال لا تثريب عليكم اليوم الآية وكذلك نبينا عليه السلام اسر يوم بدر جملة من أقاربه الذين أخرجوه فيهم عمه العباس وابن عمه عقيل فمنهم من اطلق ومنهم من فداه ثم ظهر عليهم بعد ذلك عام الفتح فجمعهم فقال لهم أقول ما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم ثم لقاؤه لادريس عليه السلام في السماء الرابعة وهو المكان الذي سماه الله مكانا عليا وإدريس أول من آتاه الله الخط بالقلم فكان ذلك مؤذنا بحالة رابعة وهو علو شأنه عليه السلام حتى أخاف الملوك وكتب إليهم يدعوهم الى طاعته حتى قال ابو سفيان وهو عند ملك الروم حين جاءه كتاب النبي عليه السلام ورأى ما رأى من خوف هر قل كسبحل وزبرج لقد امر امر ابن ابى كبشة حين أصبح يخافه ملك ابن ابى الأصفر وكتب عليه بالقلم الى جميع ملوك الأرض فمنهم من اتبعه على دينه كالنجاشى بالتخفيف وملك عمان ومنهم من هادنه واهدى اليه وأتحفه كهر قل والمقوقس سلطان مصر ومنهم من تعصى عليه فأظفره الله به فهذا مقام على وخط بالقلم جلى نحوما اوتى إدريس ولقاؤه في السماء السادسة لموسى عليه السلام يؤذن(9/230)
بحالة تشبه حالة موسى حين امر بغزوة الشام وظهر على الجبابرة الذين كانوا فيها وادخل بنى إسرائيل البلد الذي خرجوا منه بعد إهلاك عدوهم وكذلك غزا رسول الله عليه السلام تبوك من ارض الشام وظهر على صاحب دومة الجندل حتى صالحه على الجزية بعد ان أتى به أسيرا وافتتح مكة وادخل أصحابه البلد الذي خرجوا منه ثم لقاؤه في السماء السابعة لابراهيم عليه السلام لحكمتين إحداهما انه رأه عند البيت المعمور مسندا ظهره اليه والبيت المعمور حيال الكعبة اى بإزائها ومقابلتها واليه تحج الملائكة كما ان ابراهيم هو الذي بنى الكعبة واذن في الناس بالحج إليها والحكمة الثانية ان آخر احوال النبي عليه السلام حجه الى البيت الحرام وحج معه ذلك العام نحو من سبعين الفا من المسلمين ورؤية ابراهيم عليه السلام عند اهل التأويل تؤذن بالحج لانه الداعي اليه والرافع لقواعد الكعبة المحجوجة قال الامام ان هذه الآية تدل على ان محمدا عليه السلام ير الله ليلة المعراج وانما رأى آيات الله وفيه خلاف ووجه الدلالة انه ختم قصة المعراج هاهنا برؤية الآيات وقال في موضع آخر سبحان الذي اسرى بعبده ليلا الى أن قال لنريه من آياتنا ولو كان رأه لكان ذلك أعظم ما يمكن من الكرامة فكان حقه أن يختم به قصة المعراج انتهى يقول الفقير رؤية الآيات مشتملة على رؤية الله تعالى كما قال الشيخ الكبير رضى الله عنه في الفكوك انما تتعذر الرؤية والإدراك باعتبار تجرد الذات عن المظاهر والنسب والإضافات فاما في المظاهر ومن ورلء حجابية المراتب فالادراك ممكن كما قيل
كالشمس تمنعك اجتلاءك وجهها ... فاذا اكتست برقيق غيم أمكنا انتهى
واما اشتمال إراءة الآيات على إراءة الله تعالى فلما كانت تلك الآيات الملكوتية فوق الآيات الملكية أشهده تعالى في تلك المشاهد ليكمل له الرؤية في جميع المراتب والمشاهد ومن المحال أن يدعو كريم كريما الى داره ويضيف حبيب حبيبا في قصره ثم يتستر عنه ولا يريه وجهه وفي التأويلات النجمية يشير الى ان الله تعالى آيات كبرى وصغرى اما الآيات الكبرى فهى الصفات القديمة الازلية المسماة عند القوم بالائمة السبعة كالحياة والعلم والقدرة والارادة والسمع والبصر والكلام والآيات الصغرى هى الأسماء الالهية التي قال الله تعالى ولله الأسماء الحسنى وانما سميت الاولى بالكبرى والثانية بالصغرى لان الصفات مصادر الأسماء
مراجعها كما ان الحي يرجع في الوجود الى الحياة والعليم الى العلم والقادر الى القدرة ولان الأسماء مظاهر الصفات كما ان الحي يرجع في الوجود الى الافعال والافعال مظاهر الأسماء والآثار مظاهر الافعال واما التخصيص بالكبرى دون الصغرى وان كانت من آيات الله كما قال تعالى قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى لان شهود الآيات الكبرى يستلزم شهود الآيات الصغرى لان الله تعالى إذا تجلى لعبده بصفة الحياة والعلم والقدرة لا بد للعبد أن يصير حيا بحياته عليما بعلمه قديرا بقدرته تلخيص المعنى ان النبي صلّى الله عليه وسلّم لما عرج به الى سماء الجمعية الوحدانية وأدرج في نور الفردانية تجلى الحق سبحانه اولا بصورة هذه الصفات الكبرى التي هي مفاتيح الغيب لا يعلمها الا هو(9/231)
أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)
بحيث صارت حياته مادة حياة العالم كله علويه وسفليه روحانية وجسمانية معدنيه ونباتيه وحيوانيه وانسانيه كما قال وما أرسلناك الا رحمة للعالمين وقال لو لاك لما خلقت الافلاك وقال عليه السلام أنا من الله والمؤمنون منى وكذا صار علمه محيطا بجميع المعلومات الغيبية الملكوتية كما جاء في حديث اختصام الملائكة انه قال فوضع كفه على كتفى فوجدت بردها بين ثديى فعلمت علم الأولين والآخرين وفي رواية علم ما كان وما سيكون وكذا قدرته كسر بها أعناق الجبابرة وضرب بالسيف رقاب الا كاسرة وخرب حيطانهم وحصونهم فما بقين ولا بقوا وببركة هذا التجلي الجمعى الكلى الاحاطى صار آدم بتبعيته وخلافته خليفة العالم كما اخبر في كتابه العزيز انى جاعل في الأرض خليفة واسجد الله الملائكة لتلألؤ نوره الوحدانى في وجه آدم هذا تحقيق قوله لقد رأى من آيات ربه الكبرى اللام جواب القسم ومن مزيدة انتهى وقال البقلى رحمه الله أراه سبحانه من آياته العظام مالا يقوم برؤيتها أحد سواه اى المصطفى عليه السلام وذلك بأن البسه قوة الجبارية الملكوتية كما قال لقد رأى من آيات ربه الكبرى وذلك ببروز أنوار الصفات في الآيات وتلك الآيات لو رأها أحد لاستغرق في رؤيتها فكان من كمال استغراقه في بحر الذات والصفات لم يكبر عليه رؤية الآيات قال ابن عطاء رأى الآيات فلم تكبر في عينه لكبر همته وعلو محله ولاتصاله بالكبير المتعال قال جعفر شاهد من علامات المحبة ما كبر عن الاخبار عنها أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى هى أصنام كانت لهم فاللات كانت لثقيف بالطائف أصله لوية فاسكنت الياء وحذفت لالتقاء الساكنين فبقيت لوة فقلبت الواو الفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت لاة فهى فعلة من لوى لانهم كانوا يلوون عليها ويطوفون بها وكانت على صورة آدمي قال سعدى المفتى فان قلت هذا يختص بقراءة الكسائي فانه يقف على اللاة بالهاء واما الباقون فيقفون عليها بالتاء فلا يجوز ان تكون من تلك المادة قلت لا نسلم ذلك فانهم انما يقفون بهاء مراعاة لصورة الكتابة لا غير انتهى والعزى تأنيث الأعز كانت لغطفان وهى سمرة كانوا يعبدونها فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خالد بن الوليد فقطعها وهو يقول يا عزى كفرانك لا سبحانك انى رأيت الله قد أهانك فخرجت من أصلها شيطانة ناشرة شعرها واضعة يدها على رأسها وهى تولول فجعل خالد يضربها بالسيف حتى قتلها فاخبر رسول الله عليه السلام فقال تلك لن تعبد ابدا وفي القاموس العزى صنم او سمرة عبدتها غطفان أول من اتخذها ظالم بن اسعد فوق ذات عرق الى البستان بتسعة أميال بنى عليها بيتا وسماه بسا وكانوا يسمعون فيها الصوت فبعث إليها رسول الله خالد بن الوليد فهدم البيت واحرق السمرة انتهى ومناة صخرة لهذيل وخزاعة سميت مناة لان دماء المناسك تمنى عندها اى تراق ومنه منى وفي انسان العيون مناة صنم كان للاوس والخزرج أرسل رسول الله عليه السلام سعد بن زيد الأشهلي رضى الله عنه في عشرين فارسا الى مناة ليهدم محلها فلما وصلوا الى ذلك الصنم قال السادن لسعد ما تريد قال هدم مناة قال أنت وذاك فأقبل سعد الى ذلك الصنم فخرجت اليه امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالويل(9/232)
تضرب صدرها فقال لها السادن مناة دونك بعض عصاتك فضربها سعد فقتلها وهدم محلها انتهى ووصف مناة بالثالثة تأكيدا لانها لما عطفت عليهما علم انها ثالثتهما والاخرى صفة ذم لها وهى المتأخرة الوضيعة المقدار اى مناة الحقيرة الذليلة لان الاخرى تستعمل في الضعفاء كقوله تعالى قالت أخراهم لاولاهم اى ضعفاؤهم لرؤسائهم قال ابن الشيخ الاخرى تأنيث الآخر بفتح الخاء وهو في الأصل من التأخر في الوجود نقل في الاستعمال الى المغايرة مع الاشتراك مع موصوفه فيما اثبت له ولا يصح حمل الاخرى في الآية على هذا المعنى العرفي إذ لا مشاركة لمناة في كونها مناة ثالثة حتى توصف بالأخرى احترازا عنها فلذلك حمل على المعنى المذكور انتهى وقد جوز ان تكون الاولية والتقدم عندهم للات والعزى فتكون مناة من التأخر الرتبى يعنى ان العزى شجرة وهى لكونها من اقسام النبات اشرف من مناة التي هى صخرة وجماد فهى متأخرة عنها رتبة ويقال ان المشركين أرادوا أن يجعلوا لآلهتهم من الأسماء الحسنى فأرادوا أن يسمعوا
واحدا منها الله فجرى على ألسنتهم اللات وأرادوا أن يسموا واحدا منها العزيز فجرى على ألسنتهم العزى وأرادوا أن يسموا واحدا منها المنان فجرى على ألسنتهم المناة وقال الراغب اصل اللات اللاه فحذفوا منه الهاء وادخلوا التاء فيه فانثوه تنبيها على قصوره عن الله وجعلوه مختصا بما يتقرب به الى الله في زعمهم وقال السهيلي اصل هذا الاسم اى اللات لرجل كان يلت السويق للحجاج بسمن وإقط إذا قدموا وكانت العرب تعظم ذلك الرجل باطعامه في كل موسم فلما مات اتخذ مقعده الذي كان يلت فيه السويق منسكا ثم سنح الأمر بهم الا أن عبدوا تلك الصخرة التي كان يقعد عليها ومثلوها صنما وسموها اللات اعنى ملت السويق ذكر ذلك كثير ممن الف في الاخبار والتفسير انتهى وهذا على قراءة من يشدد اللات اى التاء منه وقد قرأ به اى بالتشديد ابن عباس وعكرمة وجماعة كما في القاموس ثم انهم كانوا مع ما ذكر من عبادتهم لها يقولون ان الملائكة وتلك الأصنام بنات الله فقيل لهم توبيخا وتبكيتا أفرأيتم والهمزة للانكار والفاء لتوجيهه الى ترتيب الرؤية على ما ذكر من شؤون الله المنافية لها غاية المنافاة وهى قلببة ومفعولها الثاني محذوف لدلالة الحال عليه فالمعنى أعقيب ما سمعتم من آثار كمال عظمة الله في ملكه وملكوته وجلاله وجبروته واحكام قدرته ونفاذ امره في الملأ الأعلى وما تحت الثرى وما بينهما رأيتم هذه الأصنام مع غاية حقارتها بنات له تعالى قال بعضهم كانوا يقولون ان الملائكة بنات الله وهذه الأصنام استوطنها جنيات هن بناته تعالى او هذه الأصنام هياكل الملائكة التي هن بناته تعالى وفي التأويلات النجمية يخاطب عبدة الأصنام صنم لات النفس وصنم عزى الهوى ومناة الدنيا الدنية الخسيسة الحقيرة الواقعة في أدنى المراتب لخسة وضعها ودناءة قدرها ويستفهم منهم انكار الهم وردا عليهم أخبروني عن حال آلهتكم التي اتخذتموها معبودات وتمكنتم على عبوديتها هل وجدتم فيها صفة من صفات الالهية من الإيجاد والاعدام والنفع والضر وأمثالها لا والله بل اتخذتموها آلهة لغاية ظلو ميتكم على أنفسكم ونهاية جهوليتكم بالإله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن(9/233)
أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23) أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25)
له كفؤا أحد (قال المغربي رحمه الله)
بود وجود مغربى لات ومنات او بود ... نيست بتى چوبود او در همه سو منات تو
أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى توبيخ مبنى على التوبيخ الاول والمعنى بالفارسية آيا شما را فرزندان نر باشند ومر خدايرا ماده تِلْكَ اشارة الى القسمة المنفهمة من الجملة الاستفهامية إِذاً آن هنگام كه چنين باشد قِسْمَةٌ ضِيزى اى جائرة معوجة حيث جعلتم له تعالى ما تستنكفون منه وهى فعلى من الضيز وهو الجور يعنى ان أصله ضيزى بضم الضاد من ضاز في الحكم يضيز ضيزا اى جار وضازه حقه يضيزه اى بخسه ونقصه لكن كسر فاؤه لتسلم الياء كما فعل في البيض فان أصله بيض بضم الباء لانه جمع ابيض كحمر في جمع احمر وذلك لان فعلى بالكسر لم يأت فى الوصف وفيه اشارة الى استنكار شركهم وتخصيصهم الشرك ببعض الظاهر دون بعض يعنى أتخصصون ذكر الروح لكم وان كان ميتا باستيلاء ظلمة نفوسكم الظلمانية عليه وتجعلون أنثى النفس في عبوديتها واتباع مراداتها وانقياد اوامرها ونواهيها شريكا له تعالى الله عما يقول الظالمون الذين وضعوا الجور موضع العدل وبالعكس ما هذا إلا قسمة الجور والجائر لا قسمة العدل والعادل إِنْ هِيَ الضمير للاصنام اى ما الأصنام باعتبار الالوهية التي تدعونها اى باعتبار اطلاق اسم الإله إِلَّا أَسْماءٌ اى اسماء محضة ليس تحتها مسميات اى ما تنبئ هى عنه من معنى الالوهية شيء ما أصلا كما إذا أردت ان تحقر من هو ملقب بما يشعر بالمدح وفخامة الشان تقول ما هو الاسم (قال المولى الجامى)
مرد جاهل جاه كيتى را لقب دولت نهد ... همچنان آماس بيند طفل كويد فربهست
(وقال في ذم أبناء الزمان)
شكل ايشان شكل انسان فعل شان فعل سباع ... هم ذئاب في ثياب او ثياب في ذئاب
ويجوز الحمل على الادعاء سَمَّيْتُمُوها صفة لاسماء وضميرها لها لا للاصنام والمعنى جعلتموها اسماء لا جعلتم لها اسماء فان التسمية نسبة بين الاسم والمسمى فاذا قيست الى الاسم فمعناها جعله اسما للمسمى وإذا قيست الى المسمى فمعناها جعله مسمى للاسم وانما اختير هاهنا المعنى الاول من غير تعرض للمسمى لتحقيق ان تلك الأصنام التي يسمونها آلهة اسماء مجردة ليس لها مسميات قطعا كما في قوله تعالى ما تعبدون من دونه الا اسماء سميتموها لا ان هناك مسميات لكنها لا تستحق التسمية اى ما هى الا اسماء خالية من المسميات وضعتموها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ بمقتضى أهوائكم الباطلة ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها اى بصحة تسميتها مِنْ سُلْطانٍ برهان تتعلقون به جميع القرآن انزل بالألف الى في الأعراف فانه نزل بالتشديد إِنْ يَتَّبِعُونَ التفات الى الغيبة للايذان بأن تعداد قبائحهم اقتضى الاعراض عنهم وحكاية جناياتهم لغيرهم ما يتبعون فيما ذكر من التسمية والعمل بموجبها إِلَّا الظَّنَّ الا توهم ان ما هم عليه حق توهما باطلا وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ اى تشتهيه أنفسهم الامارة بالسوء فما موصولة ويجوز كونها مصدرية والالف واللام بدل الاضافة وهو معطوف على الظن وفي التأويلات النجمية يقول ليست هذه الأصنام التي تعبدونها بضلالة(9/234)
نفوسكم الدنية الشهوانية وجهالة عقولكم السخيفة الهيولانية الا اسماء صور وهمية لا مسميات لها اوجدتها أوهامكم الضعيفة وأدركتها عقولكم المريضة المشوبة بالوهم والخيال التي هى بمرتبة آبائكم ليس لها عند اصحاب الطلب وارباب الكشف والقرب وجود ولا نمو بل هى خشب مسندة ما جعل الله في تلك الأصنام النفسية والهوائية والدنيوية ولا ركب فيها التصرف فى الأشياء في الإيجاد والاعدام والقهر واللطف والنفع والضر والأشياء علويها وسفليها جمادها ونباتها حيوانها وإنسانها كلها مظاهر الأسماء الالهية ومجالى الصفات الربانية الجمالية والجلالية اى اللطيفة والقهرية تجلى الحق في الكل بحسب الكل لا بحسبه الا الإنسان الكامل فانه تجلى فيه بحسب الكلية المجموعية وصار خليفة الله في الأرض وأنتم ايها الجهلة الظلمة ما تتبعون تلك الصفات الالهية وما تشهدون في الأشياء تلك الحقائق الروحانية والاسرار الربانية المودعة في كل حجر ومدر بل أعرضتم باتباع الشهوات الحيوانية وملازمة الجسمانية الظلمانية عن ادراك تلك اللطائف الروحانية وشهود تلك العواطف الرحمانية واتبعتم مظنونات ظنكم الفاسد وموهومات وهمكم الكاسد واثرتم هوى النفس المشئومة على رضى الحق وذلك هو الخسران المبين وان الظن لا يغنى من الحق شيأ انتهى وقال الجنيد
قدس سره رأيت سبعين عارفا قد هلكو بالتوهم اى توهموا انهم عرفوه تعالى فالكل معزولون عن ادراك حقيقة الحق وما أدركوا فهو أقدارهم وجل قدر الحق عن ادراكهم قال تعالى وما قدروا الله حق قدره ولذلك اجترأ الواسطي رحمه الله في حق سلطان العارفين ابى يزيد البسطامي قدس سره بقوله كلهم ماتوا على التوهم حتى ابو يزيد مات على التوهم وقال البقلى يا عاقل احذر مما يغوى اهل الغرة بالله من الاشكال والمخاييل التي تبدو في غواشى أدمغتهم وهم يحسبون انها مكاشفات الغيوب ونوادر القلوب ويدعون انها عالم الملكوت وأنوار الجبروت وما يتبعون الا أهواء نفوسهم ومخاييل شياطينهم التي تصور عندهم أشكالا وتمثالا ويزبنون لهم انها الحق والحق منزه عن الاشكال والتمثال إياك يا صاحبى وصحبة الجاهلين الحق الذين يدعون في زماننا مشاهدة الله ومشاهدة الله حق للاولياء وليست بمكشوفة للاعداء وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى حال من فاعل يتبعون او اعتراض وأيا ما كان ففيه تأكيد لبطلان اتباع الظن وهوى النفس وزيادة تقبيح لحالهم فان اتباعهما من اى شخص كان قبيح وممن هداه الله بإرسال الرسول وإنزال الكتاب أقبح فالهدى القرآن والرسول ولم يهتدوا بهما وفيه اشارة الى إفساد استعدادهم الفطري الغير المجعول بواسطة تلبسهم بملابس الصفات الحيوانية العنصرية وانهما كهم في الغواشي الظلمانية الطبيعية فانهم مع ان جاءهم من ربهم اسباب الهدى وموجباته وهو النبي عليه السلام والقرآن وسائر المعجزات الظاهرة والخوارق الباهرة الدالة على صدق نبوته وصحة رسالته اشتغلوا بمتابعة النفس وموافقة الهوى واعرضوا عن التوجه الى الولي والمولى وذلك لان هداهم ما جاءهم الا في يوم الدنيا لا في يوم الأزل ومن لم يجعل الله له نورا في يوم الأزل فما له من نور الى يوم الابد واعلم ان الهدى ضد الهوى فلا بد من المتابعة للهدى قال بعض الكبار ليس لولى كرامة(9/235)
أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25)
الا بحكم الإرث لمن ورثه من الأنبياء عليهم السلام ولذلك لم يقدر من هو وارث عيسى عليه السلام ان يمشى في الهولء والماء ومن هو وارث لمحمد عليه السلام له المشي على الهولء والماء لعموم مقامه وفي الحديث لو ازداد عيسى يقينا لمشى في الهولء اى بموجب قوة يقينية لا بموجب صدق اتباعى ولا نشك ان عيسى عليه السلام أقوى يقينا من سائر الأولياء الذين يمشون في الهولء بما لا يتقارب فانه من اولى العزم من الرسل فعلمنا قطعا ان مشى الولي منا فى الهولء انما هو بحكم صدق التبعية لا بزيادة اليقين على يقين عيسى عليه السلام وعيسى اصدق في تبعيته لمحمد عليه السلام من جميع الأولياء فله القدرة بذلك على المشي على الهولء وان ترك ذلك من نفسه وبالجملة فلا يمشى في الهولء الا من ترك الهوى
هوى وهوس را نماند ستيز ... چوبيند سر پنجه عقل تيز
أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى أم منقطعة وما فيها من معنى بل للانتقال من بيان ان ما هم عليه غير مستند الا الى توهمهم وهوى نفسهم الى بيان ان ذلك مما لا يجدى نفعا أصلا والهمزة للانكار والنفي والتمني تقدير شيء في النفس وتصويره فيها وذلك قد يكون عن تخمين وظن وقد يكون عن رؤية وبناء على اصل لكن لما كان أكثره عن تخمين صار الكذب له املك فأكثر التمني تصوير مالا حقيقة له والمعنى ليس للانسان كل ما يتمناه وتشتهيه نفسه من الأمور التي من جملتها اطماعهم الفارغة في شفاعة الآلهة ونظائرها التي لا تكاد تدخل تحت الوجود
ما كل ما يتمنى المرء يدركه ... تجرى الرياح بما لا تشتهى السفن
(وقال الكاشفى) آيا هست مر انسان را يعنى كافر را آنچهـ آرزو برداز شفاعت بتان يا آنكه كويد چرا نبوت بفلان وفلان ندادند وقيل أم للانسان ما اشتهى من طول الحياة وان لا بعث ولا حشر وفي الآية اشارة الى ان للانسان استعداد الكمال وهو الفناء عن انانيته والبقاء بهوية الله تعالى لكن بسبب اشتغاله باللذات الجسمانية والروحانية يحصل له في بعض الأوقات آفات العلائق الجسمانية وفترات العوائق الروحانية فيحرم من بلوغ مطلوبه ولا يتهيأ له كل ما تمناه إذ كل ميسر لما خلق له فمن خلق مظهر اللطف بيده اليمنى لا يقدر أن يجعل نفسه مظهر القهر ومن خلق مظهر القهر بيده اليسرى لا يمكن أن يجعل نفسه مظهر اللطف
توان پاك كردن زژنك آينه ... وليكن نيايد ز سنك آينه
وانما تمنى لما ليس له مخلوقية على صورة من جمع الضدين بقوله هو الاول والآخر والظاهر والباطن اى هو الاول في عين آخريته والظاهر في عين باطنيته وسئل الخراز قدس سره بم عرفت الله قال بالجمع بين الضدين لان الحقيقة متوحدة والتعين والظهور متعدد وتنافى التعينات لا يقدح في وحدة الهوية المطلقة كما ان تنافى الزوجية والفردية لا يقدح في العدد وتضاد السواد والبياض لا يقدح في اللون المطلق قال الحسين رحمه الله الاختيار طلب الربوبية والتمني الخروج من العبودية وسبب عقوبة الله عباده ظفرهم بمنيتهم فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى تعليل لانتقاء ان يكون للانسان ما يتمناه حتما فان اختصاص امور الآخرة والاولى جميعا به(9/236)
وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30)
تعالى مقتض لانتفاء ان يكون له امر من الأمور وفي التأويلات النجمية يشير الى قهرمانيه الحق تعالى على العالم كله ملكه وملكوته الأخروي والدنيوي يعنى لا يملك الإنسان شيأ حتى يتمكن من تحصيل ما تتمناه نفسه بل ملك الآخرة تحت تصرف يده اليمنى المقتضية لموجبات حصول الآخرة من الأعمال الصالحة والافعال الحسنة يهبه بالاسم الواهب لمن يشاء ان يكون مظهر لطفه وجماله وملك الدنيا تحت تصرف يده اليسرى المستدعية لاسباب حصول الدنيا من حب الدنيا الدنية المنتجة للخطيئة ومتابعة النفس الخبيثة وموافقة الطبيعة اللئيمة يجعله باسمه المقسط لمن يشاء ان يكون مظهر صفة قهره وجلاله ولا ذلك يزيد فى ملكه ولا هذا ينقص من ملكه وكلتا يدى الرحمن ملأى سحاء وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً اقناط لهم مما علقوا به اطماعهم من شفاعة الملائكة لهم موجب لاقناطهم عن شفاعة الأصنام بطريق الاولوية وكم خبرية مفيدة للتكثير محلها الرفع على الابتداء والخبر هى الجملة المنفية وجمع الضمير في شفاعتهم مع افراد الملك باعتبار المعنى اى وكثير من الملائكة لا تغنى شفاعتهم عند الله شيأ من الإغناء في وقت من الأوقات اى لا تنفع شيأ من النفع وهو القليل منه او شيأ اى أحدا وليس المعنى انهم يشفعون فلا تنفع شفاعتهم بل معناه انهم لا يشفعون لانه لا يؤذن لهم كما قال تعالى إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لهم في الشفاعة لِمَنْ يَشاءُ ان يشفعون اله وَيَرْضى ويراه أهلا للشفاعة من اهل التوحيد والايمان واما من عداهم من اهل الكفر والطغيان فهم من اذن الله بمعزل ومن الشفاعة بألف منزل فاذا كان حال الملائكة في باب الشفاعة كما ذكر فما ظنهم بحال الأصنام وفي الآية اشارة الى ان ملك الروح يشفع في حق النفس الامارة بالسوء رجاء الانسلاخ عن أوصافها الذميمة والترقي الى مقام الفناء والبقاء ولكن لا تنفع شفاعته في حقها لعلمه القديم الأزلي بعدم استعدادها للترقى من مقامها اللهم الا ان تقبل شفاعته في حق نفس رقيق الحجاب مستعد لقبول الفيض الا لهى لصفاء فطرته الاولى وبقاء قابليته الكبرى للترقى في المقامات العلية بالخروج من موافقة الطبع ومخالفة الشرع والدخول في موافقة الشريعة ومخالفة الطبيعة إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وبما فيها من العقاب على ما يتعاطونه من الكفر والمعاصي لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ المنزهين عن سمات النقصان على الإطلاق اى كل يسمون كل واحد منهم تَسْمِيَةَ الْأُنْثى منصوب على انه صفة مصدر محذوف اى تسمية مثل تسمية الأنثى فان قولهم الملائكة بنات الله قول منهم بان كلا منهم بنته سبحانه وهى التسمية بالأنثى فاللام في الملائكة للتعريف الاستغراقى وفي تعليقها بعدم الايمان بالآخرة اشعار بأنها في الشناعة والفظاعة واستتباع العقوبة فى الآخرة بحيث لا يجترى عليها الا من لا يؤمن بها رأسا قال ابن الشيخ فان قيل كيف يصح أن يقال انهم لا يؤمنون بالآخرة مع انهم كانوا يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله وكان من عادتهم أن يربطوا مركوب الميت على قبره ويعتقدون انه يحشر عليه أجيب بأنهم ما كانوا يجزمون به بل كانوا يقولون لا نحشر فان كان فلنا شفعاء بدليل ما حكى الله عنهم وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت الى ربى ان لى عنده للحسنى وايضا ما كانوا يعترفون بالآخرة على وجه الذي(9/237)
وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29)
ورد به الرسل فهم لا يؤمنون بها على وجهها واعلم ان الملائكة ليسوا بذكور ولا إناث وفي الحديث جبرائيل أتاني في أول ما أوحى الى فعلمنى الوضوء والصلاة قلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من الماء فنضح بها فرجه اى رش بها فرجه اى محل الفرج من الإنسان بناء على انه لا فرج له وكون الملك لا فرج له لو تصور بصورة الإنسان دليل على انه ليس ذكرا ولا أنثى وفيه نظر لانه يجوز ان يكون له آلة ليست كآلة الذكر وكآلة الأنثى كما قيل بذلك في الخنثى ويقال لذلك فرج وبعضهم حمل الفرج على ما يقابل الفرج من الإزار وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ حال من فاعل يسمون اى يسمونهم والحال انه لا علم لهم بما يقولون أصلا إِنْ يَتَّبِعُونَ اى ما يتبعون في ذلك ليس بتكرار لان الاول متصل بعبادتهم اللات والعزى ومناة والثاني بعبادتهم الملائكة إِلَّا الظَّنَّ الفاسد وَإِنَّ الظَّنَّ اى جنس الظن كما يلوح به الإظهار في موقع الإضمار لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً من الإغناء فان الحق الذي هو عبارة عن حقيقة الشيء لا يدرك إدراكا معتبرا الا بالعلم والظن لا اعتداد به في شأن المعارف الحقية وانما يعتدبه في العمليات وما يؤدى إليها كمسائل علم اصول الفقه وفيه ذم للظن ودلالة على عدم ايمان المقلد وقيل الحق بمعنى العلم اى لا يقوم الظن مقام العلم وقيل الحق بمعنى العذاب اى ان ظنهم لا ينقذهم من العذاب وحقيقية هذه الآية العزيزة تحريض السالكين والطالبين على السعى والاجتهاد في السير الى الله بقطع المنازل السفلية وتصحيح المقامات العلوية الى ان يصلوا الى عين الجمع ويغرقوا في بحر التوحيد ويشهدوا الحقائق والمعاني المجردة بنور الوحدة الحقيقة الذاتية الدافعة ظلمة الكثرة النسبية لاسماء الله تعالى ثم ان الافراد يتفاوتون في حضرة الشهود مع كونهم على بساط الحق الذي لا نقص فيه لانهم انما يشهدون في حقائقهم ولو شهدوا عين الذات لتساووا في الفضيلة قال بعض الكبار اصحاب الكشف الخيالى غلطهم اكثر من أصابتهم لان الخيال واسع والذي يظهر فيه يحتمل التأويلات المختلفة فلا يقع القطع بما يحصل منه الا بعلم آخر ورلء ذلك وانما كان الخيال بهذا الحكم لكونه ليست له حقيقة ونفسه بل هو امر برزخى بين حقيقتين وهما المعاني المجردة والمحسوسات فلهذا يقع الغلط في الخيال لكونه ليست له حقيقة في نفسه وانظر الى إشارته عليه السلام في الكشف الخيالى وكونه يقبل الاصابة والغلط لما أتاه جبرائيل بصورة عائشة رضى الله عنها في سرفة من حرير وقال له هذه زوجتك فقال عليه السلام ان يكن من عند الله يمضه بخلاف ما لو اتاه ذلك بطريق الوحى المعهود المحسوس له او بطريق المعاني المجردة الموجبة ليقين وللعلم فانه إذا لا يمكنه الجواب بمثل ذلك الجواب الذي يشعر بالتردد المحتمل الذي يقتضيه حضرة الخيال بحقيقتها
سيراب كن ز بحر يقين جان تشنه را ... زين بيش خشك لب منشين بر سراب ريب
فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا اى فاعرض يا محمد عن دعوة من اعرض عن ذكرنا المفيد للعلم اليقيني ولم يؤمن به وهو القرآن المنطوى على علوم الأولين والآخرين المذكر لأمور الآخرة ولا تتهالك على إسلامه او عن ذكرنا كما ينبغى فان ذلك مستتبع لذكر الآخرة وما فيها من الأمور المرغوب فيها والمهروب عنها وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا راضيا بها(9/238)
ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30)
قاصرا نظره على جمع حطامها وجلب منافعها فالمراد النهى عن دعوته والاعتناء بشأنه فان من اعرض عما ذكر وانهمك في الدنيا بحيث كانت منتهى همته وقصارى سعيه لا تزيده الدعوة الى خلافها الا عنادا واصرارا على الباطل والنهى عن الدعوة لا يستلزم نهى الآية بآية القتال بل الاعراض عن الجواب والمناظرة شرط الجواز المقاتلة فكيف يكون منسوخا بها فالمعنى اعرض عنهم ولا تشتغل باقامة الدليل والبرهان فانهم لا ينتفعون به وقاتلهم واقطع دابرهم قال بعضهم ضيع وقته من اشتغل بموعظة طالبى الدنيا والراغبين فيها لان أحدا لا يقبل على الدنيا الا بعد الاعراض عن الله
با سيه دل چهـ سود كفتن وعظ ... نرود ميخ آهنين در سنك
قال ابن الشيخ اعلم ان النبي عليه السلام كالطبيب للقلوب فأمره الله تعالى في معالجة القلوب بما عليه الأطباء في معالجة المرضى فان المرض إذا أمكن علاجه بالغذاء لا يستعملون في إزالته الدواء وإذا أمكن إزالته بالدواء الضعيف لا يستعملون الدواء القوى والكي فلذلك امر عليه السلام بالذكر الذي هو غذآء القلوب حيث قال قولوا لا اله الا الله فان بذكر الله تطمئن القلوب كما ان بالغذاء تطمئن النفوس فانتفع به ابو بكر ومن كان مثله رضى الله عنهم ومن لم ينتفع بالحمل على الذكر والأمر به ذكر لهم الدليل وقال او لم يتفكروا قل انظروا أفلا ينظرون فلما لم ينتفعوا أتى بالوعيد والتهديد فلما لم ينفعهم قال اعرض عن المعالجة واقطع الفاسد لئلا يفسد الصالح فقوله عمن تولى إلخ اشارة الى ما قلنا فان التولي عن ذكره كناية عن ملزمه الذي هو ترك النظر في دلائل وجوده ووحدته وسائر صفاته وقوله ولم يرد إلخ اشارة الى انكارهم الحشر ومن لم يقل بالحشر والحساب لا يخاف ولا يرجع عما هو عليه ترك النظر في دلائل الله لا يعرفه فلا يتبع رسوله فلا ينفعه كلامه فلا يبقى في الدعاء فائدة فلم يبق إلا ترك المعالجة والمسارعة الى المقاتلة انتهى كلامه ثم اعلم ان كل ما يبعد البعد عن حضرة سيده فهو من الحياة الدنيا فمن قصد بالزهد والورع والتقى والكشف والكرامات وخوارق العادات قبول الناس والشهرة عندهم وحصول الجاه والمال فهو ممن لم يرد الا الحياة الدنيا فضاع جميع أحواله وكسد جملة أقواله وأفعاله إذ لا ربح له عند الله ولا ثمرة
ز عمرو اى پسر چشم اجرت مدار ... چودر خانه زيد باشى بكار
ولا يغترن هذا بحصول بعض الكشوف واقبال اهل الدنيا عليه فانه ثمرة عاجلة له وماله فى الآخرة من خلاق ألا ترى ان إبليس عبد الله تعالى تسعة آلاف سنة ثم لما كفر وقال أنظرني الى يوم يبعثون أمهله الله تعالى فكانت تلك المهلة ثمرة عاجلة له في حياته الدنيوية ذلِكَ اى امر الدنيا وفي بحر العلوم اى ارادة الدنيا وايثارها على الآخرة وفي الإرشاد اى ما أداهم الى ما هم فيه من التولي وقصر الارادة على الحياة الدنيا مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ لا يكادون يجاوزونه الى غيره حتى يجديهم الدعوة والإرشاد كقوله تعالى يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون فمبلغ اسم مكان وجمع الضمير في مبلغهم باعتباره معنى من كما ان افراده فيما سبق باعتبار لفظها والمراد بالعلم مطلق الإدراك المنتظم للظن الفاسد(9/239)
والجملة اعتراض مقرر لقصر همتهم على الدنيا الدنية التي هى ابغض الخلق الى الله تعالى بشهادة قوله عليه السلام ان الله لم يخلق خلقا هو ابغض اليه من الدنيا وما نظر إليها منذ خلقها بغضالها رواه ابو هريرة رضى الله عنه ومعنى هو ان الدنيا على الله سبحانه انه تعالى لم يجعلها مقصودة لنفسه بل جعلها طريقا موصلة الى ما هو المقصود لنفسه ولذلك قال عليه السلام الدنيا قنطرة فاعبروها لا تعمروها فما ورد من اباحة لعن الدنيا فباعتبار ما كان منها مبعدا عن الله تعالى وشاغلا عنه كما قال بعض اهل الحقيقة ما ألهاك عن مولاك فهو دنياك ومشئوم عليك واما ما يقرب الى الله ويعين الى عبادته فممدوح كما قال عليه السلام لا تسبوا الدنيا فنعمت مطية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر ان العبد إذا قال لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله أعصانا لربه (وفي المثنوى)
چيست دنيا از خدا غافل بدن ... نى قماش ونقره وميزان وزن
مال را كز بهر دين باشى حمول ... نعم مال صالح خواندش رسول
آب در كشتى هلاك كشتى است ... آب اندر زير كشتى پشتى است
چونكه مال وملك را از دل براند ... زان سليمان خويش جر مسكين نخواند
قال بعض الكبار من ذم الدنيا فقد عق امه لان جميع الانكاد والشرور التي ينسبها الناس الى الدنيا ليس هو فعلها وانما هو فعل أولادها لان الشر فعل المكلف لا فعل الدنيا فهى مطية العبد عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر فهى تحب ان لا يشقى أحد من أولادها لانها كثيرة الحنو عليهم وتخاف أن تأخذهم الضرة الاخرى على غير اهبة مع كونها ما ولدتهم ولا تعبث في تربيتهم فمن عقوق أولادها كونهم ينسبون جميع افعال الخير الى الآخرة ويقولون اعمال الآخرة والحال انهم ما عملوا تلك الأعمال الا في الدنيا فللدنيا اجر المصيبة التي في أولادها ومن أولادها فما أنصف من ذمها بل هو جاهل بحق امه ومن كان كذلك فهو بحق الآخرة أجهل انتهى واعلم ان الارادة والنية واحد وهو قصد قلبى ينبعث الى قلب الإنسان بالبعث الإلهي فهذا البعث الإلهي ان كان بالفجور على ما قال تعالى فألهمها فجورها وتقواها فهو من اسم المضل وقبضة الجلال ويد القهر وسادنه هو الشيطان وان كان بالتقوى فهو من اسم الهادي وققبضة الجمال ويد اللطف وسادنه هو الملك والاول من عالم العدل والثاني من عالم الفضل وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ثم ان نية الإنسان لا تخلو اما أن يكون متعلقها في لسانه وجنانه هو الدنيا فهو سيئ نية وعملا واما أن يكون متعلقها في لسانه هو الآخرة وفي جنانه هو الدنيا فهو أسوأ نية وعملا واما أن يكون متعلقها في لسانه وجنانه هو الآخرة فهو حسن نية وعملا واما أن يكون متعلقها في لسانه وجنانه هو وجه الله فهو احسن نية وعملا فالاول حال الكفار والثاني حال المنافقين والثالث حال الأبرار والرابع حال المقربين وقد أشار الحق سبحانه وتعالى الى احوال المقربين عبارة والى احوال غيرهم اشارة في قوله تعالى انا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم احسن عملا والمقربون قد فروا الى الله من جميع ما في ارض الوجود ولم يلتفتوا الى شيء سوى وجهه الكريم ولم يريدوا أمن المولى غير(9/240)
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35)
المولى فكانوا احسن نية وعملا هذا صراط مستقيم اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى تعليل للامر بالاعراض وتكرير قوله وهو اعلم لزيادة التقرير والإيذان بكمال تباين المعلومين والمراد بمن ضل من أصر عليه ولم يرجع الى الهدى أصلا وبمن اهتدى من من شأنه الاهتداء في الجملة اى هو المبالغ في العلم بمن لا يرعوى عن الضلال ابدا وبمن يقبل الاهتداء في الجملة لا غيره فلا تتعب نفسك في دعوتهم فانه من القبيل الاول وفيه اشارة الى النفس الكافرة ويهود صفاتها فانهم لا يقبلون الدعوة لانتفاء استعدادهم لقبولها فمن كان مظهر القهر في الأزل لا يكون مظهر اللطف في الابد وبالعكس وفي الحديث القدسي (خلقت الجنة وخلقت لها أهلا وخلقت النار وخلقت لها أهلا فطوبى لمن جعلته أهلا للجنة وويل لمن جعلته أهلا للنار) قال بعض الكبار النفس لا تفعل الشر الا لجاجة من القرين واللجاج ممن لا قدرة على منعه ومخالفته بمنزلة الإكراه والمكره غير مؤاخذ بالشرع والعقل ولذا قال عليه السلام الخير عادة والشر لجاجة فهو بشارة عظيمة من العالم بالأمور عليه السلام فانه اخبر ان النفس خيرة بالذات لان أباها الروح القدسي الطاهر وما نقبل الشر الا لجاجة من القرين فلم يجعل عليه السلام الشر من ذاتها وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ اى خلقا وملكا لا لغيره أصلا لا استقلالا ولا اشتراكا لِيَجْزِيَ إلخ متعلق بما دل عليه اعلم إلخ وما بينهما اعتراض مقرر لما قبله فان كون الكل مخلوقا له تعالى مما يقرر علمه تعالى بأحوالهم ألا يعلم من خلق كأنه قيل فيعلم ضلال من ضل واهتداء من اهتدى ويحفظهما ليجزى الَّذِينَ أَساؤُا بد كردند بِما عَمِلُوا اى بعقاب ما عملوا من الضلال الذي عبر عنه بالاساءة بيانا لحاله او بسبب ما عملوا شبه نتيجة علمه بكل واحد من الفريقين وهى مجازاته على حسب حاله بعلته الغائبة فأدخل لام العلة عليها وصح بذلك تعلقها بقوله اعلم
هين مراقب باش گر دل بايدت ... كز پى هر فعل چيزى زايدت
وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا اى اهتدوا بِالْحُسْنَى اى بالمثوبة الحسنى التي هى الجنة فالحسنى للزيادة المطلقة والباء لتعدية الجزاء او بسبب أعمالهم الحسنى فالباء للسببية والمقابلة الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ صفة للذين أحسنوا او بدل منه لكن قال سعدى المفتى لا حسن في جعل الذين إلخ مقصودا بالنسبة وجعل الذين أحسنوا في حكم المتروك ولو كان النظم على العكس لكان لها وجه انتهى يقول الفقير الاجتناب من باب التخلية بالمعجمة وهى اقدم فلذا جعلت مقصودة بالنسبة وصيغة الاستقبال في صلته دون صلة الموصوف او المبدل منه للدلالة على تجدد الاجتناب واستمراره يعنى للاشعار بأن ترك المعصية سوآء كانت بارتكاب المحرمات او بترك الواجبات ينبغى أن يستمر عليه المؤمن ويجعل الاجتناب عنها دأبا له وعادة حتى يستحق المثوبة الحسنى فان من اجتنب عنها مرة وانهمك عليها في باقى الأزمان لا يستحقها بخلاف الحسنات المتطوع بها فان من أتى بها ولو مرة يؤجر عليها وكبائر(9/241)
الإثم ما يكبر عقابه من الذنوب وهو ما رتب عليه الوعيد بخصوصه كالشرك والزنى مطلقا خصوصا بحليلة جاره وقتل النفس مطلقا لا سيما الأولاد وهى الموءودة وقال ابن جبير هى مالا يستغفر منه لقوله عليه السلام لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع اصرار وفي الحديث إياكم والمحقرات من الذنوب قال ابن عباس رضى الله عنهما هى الى سبعين اقرب وتمام التفصيل سبق في حمعسق في نظير الآية وَالْفَواحِشَ وما فحش من الكبائر خصوصا الزنى والقتل بغير حق وغيرهما فهو من قبيل التخصيص بعد التعميم قال الراغب الفحش والفحشاء والفاحشة ما عظم قبحه من الافعال والأقوال إِلَّا اللَّمَمَ اللمم مقاربة المعصية ويعبر به عن الصغيرة من قولك ألممت بكذا اى نزلت به وقاربته من غير مواقعة وألم الغلام قارب البلوغ والاستثناء منقطع لان المراد باللمم الصغائر وهى لا تدخل في الكبائر والمعنى الا ما قل وصغر فانه مغفور ممن يجتنب الكبائر يعنى ان الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر قال تعالى ان الحسنات يذهبن السيئات
وقال ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وقيل هى النظر بلا تعمد فان أعاد النظر فليس بلمم وهو مذنب والغمزة والقبلة كما روى ان نبهان التمار أتته امرأة لتشترى التمر فقال لها ادخلى الحانوت فعانقها وقبلها فقالت المرأة خنت أخاك ولم تصب حاجتك فندم وذهب الى رسول الله عليه السلام فنزلت وقيل هى الخطرة من الذنب اى ما خطره من الذنب على القلب بلا عزم واز قوت بفعل نيايد وقيل كل ذنب لم يذكر الله عليه حدا ولا عذابا وقال بعضهم اللمم والإلمام ما يعمله الإنسان الحين بعد الحين ولا يكون له عادة ولا اقامة عليه قال محمد بن الحنفية كل ما هممت به من خير وشر فهو لمم دليله قوله عليه السلام ان للشيطان وللملك لمة فلمة الشيطان الوسوسة ولمة الملك الإلهام وقال ابن عباس رضي الله عنهما معناه الا أن يلم بالفاحشة مرة ثم يتوب ولم يثبت عليها فان الله يقبل توبته ويؤيده قوله عليه السلام ان تغفر اللهم فاغفر جما واى عبدلك لا الما فالاستثناء على هذا متصل وقال ابن عباس رضى الله عنهما ما رأيت شيأ أشبه باللمم مما نقله ابو هريرة رضى الله عن رسول الله عليه السلام ان الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى فزنى العينين النظر وزنى اللسان النطق وزنى الشفتين القبلة وزنى اليدين البطش وزنى الرجلين المشي والنفس تتمنى وتشتهى والفرج يصدق ذلك كله او يكذبه فان تقدم فرجه كان زانيا والا فهو اللمم وفي الاسئلة المقحمة الذنوب كلها كبائر على الحقيقة لان الكل تتضمن مخالفة امر الله تعالى لكن بعضها اكبر من بعض عند الاضافة ولا كبيرة أعظم من الشرك واما اللمم فهو من جملة الكبائر والفواحش ايضا الا ان الله تعالى أراد باللمم الفاحشة التي يتوب عنها مرتكبها ومجترحها وهو قول مجاهد والحسن وجماعة من الصحابة منهم ابو هريرة رضى الله عنه إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ حيث يغفر الصغائر باجتناب الكبائر فالجملة تعليل لاستثناء اللمم وتنبيه على ان إخراجه من حكم المؤاخذة به ليس لخلوه عن الذنب في نفسه بل لسعة المغفرة الربانية وفي التأويلات النجمية كبائر الإثم ثلاث مراتب محبة النفس الامارة بالسوء ومحبة الهوى النافخ في نيران(9/242)
النفس ومحبة الدنيا التي هى رأس كل خطيئة ولكل واحدة من هذه المحبات الثلاث فاحشة لازمة غير منفكة عنها اما فاحشة محبة النفس الامارة بالسوء فموافقة الطبيعة ومخالفة الشريعة واما فاحشة محبة الهوى فحب الدنيا وشهواتها واما فاحشة محبة الدنيا فالاعراض عن الله والإقبال على ما سواه قوله الا اللمم اى الميل اليسير الى النفس والهوى والدنيا بحسب الضرورة البشرية من استراحة البدن ونيل قليل من حظوظ الدنيا بحسب الحقوق لا بحسب الحظوظ فان مباشر الحقوق مغفور ومبادر الحظوظ مغرور كما قال ان ربك واسع المغفرة ومن سعة غفرانه ستر ظلمة الوجود المجازى بنور الوجود الحقيقي بالفناء عن ناسوتيته والبقاء بلا هوتيته انتهى قال بعض الكبار من استرقه الكون بحكم مشروع كالسعى في مصالح العباد والشكر لاحد من المخلوقين من جهة نعمة أسداها اليه فهو لم يبرح عن عبوديته لله تعالى لانه في أداء واجب أوجبه الحق عليه واما تعبد العبد فمخلوق عن امر الله لا يقدح فى العبودية بخلاف من استرقه الكون لغرض نفسى ليس للحق فيه رائحة امر فان ذلك يقدح في عبوديته لله تعالى ويجب عليه الرجوع الى الحق تعالى وقال بعض العارفين من المحال ان يأتى مؤمن معصية توعد الله عليها بالعقوبة فيفرغ منها الا ويجد في نفسه الندم على وقوعها منه وقد قال صلّى الله عليه وسلّم الندم توبة وقد قام بهذا المؤمن الندم فهو تائب بلا شك فسقط حكم الوعيد لهذا الندم فانه لا بد للمؤمن أن يكره المخالفة ولا يرضى بها فهو من كونه كار هالها ومؤمنا بأنها معصية ذو عمل صالح وهو من كونه فاعلا لها ذو عمل سيئ فهو من الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا وقد قال تعالى فيهم عيسى الله أن يتوب عليهم يعنى ليتوبوا والله غفور رحيم انتهى فعلى العاقل أن يندم على المعاصي الواقعة منه ولا يغتر بالرب الكريم وان كان الله واسع المغفرة فانه تعالى ايضا شديد البطش والاخذ نسأ
الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة هُوَ تعالى أَعْلَمُ منكم بِكُمْ اى بأحوالكم يعلمها إِذْ أَنْشَأَكُمْ اى خلقكم في ضمن إنشاء أبيكم آدم عليه السلام مِنَ الْأَرْضِ إنشاء اجماليا وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ ووقت كونكم اجنة فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ على أطوار مختلفة مترتبة لا يخفى عليه حال من أحوالكم وعمل من أعمالكم التي من جملتها اللمم الذي لولا المغفرة الواسطة لاصابكم وباله وضروره والاجنة جمع جنين مثل اسرة وسرير والجنين الولد ما دام في البطن وهو فعيل بمعنى مفعول اى مدفون مستتر والجنين الدفين في الشيء المستتر فيه من جنه إذا ستره وإذا خرج من بطن امه لا يسمى الا ولدا او سقطا وفي الأشباه هو جنين ما دام في بطن امه فاذا انفصل ذكرا فصبى ويسمى رجلا كما في آية الميراث الى البلوغ فغلام الى تسعة عشر فشاب الى أربعة وثلاثين فكهل الى أحد وخمسين فشيخ الى آخر عمره هذا في اللغة وفي الشرع يسمى غلاما الى البلوغ وبعده شابا وفتى الى ثلاثين فكهل الى خمسين فشيخ وتمامه في ايمان البزازية فان قيل الجنين إذا كان اسما له مادام في البطن فما فائدة قوله تعالى في بطون أمهاتكم قلنا فائدته المبالغة في بيان كمال علمه وقدرته فان بطون الأمهات في غاية الظلمة ومن علم حال الجنين فيها لا يخفى عليه(9/243)
شيء من أحواله فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ الفاء لترتيب النهى عن تزكية النفس على ما سبق من أن عدم المؤاخذة باللمم ليس لعدم كونه من قبيل الذنوب بل لمحض مغفرته تعالى مع علمه بصدوره عنكم اى إذا كان الأمر كذلك فلا تثنوا عليها بالطهارة من المعصية بالكلية او بما يستلزمها من زكاء العمل ونماء الخير بل اشكروا الله تعالى على فضله ومغفرته وبالفارسية پس ستايش مكنيد نفسهاى خود را به بي كناهى وبسيارى خير وخوبى أوصاف وقال الحسن رحمه الله علم الله من كل نفس ما هى صانعة والى ماهى صائرة فلا تزكوا أنفسكم ولا تطهروها من الآثام ولا تمدحوها بحسن الأعمال لان كل واحد من التخلية والتحلية انما يعتدبه إذا كان خالصا الله تعالى وإذا كان هو أعلم بأحوالكم منكم فأى حاجة الى التزكية
همان به كر آبستن كوهرى ... كه همچون صدف سر بخود در برى
اگر مسك خالص ندارى مكوى ... وكر هست خود فاش كردد ببوى
منه آب زر جان من بر پشيز ... كه صراف دانا نكيرد بچيز
واما من زكاه الغير ومدحه فقد ورد فيه احثوا في وجه المداحين اى الذين يمدحون بما ليس في الممدوح التُّرابِ على حقيقته او هو مجاز عن ردهم عن المدح لئلا يغتر الممدوح فيتجبر وقيل المراد به أن لا يعطوهم شيأ لمدحهم او معناه الأمر بدفع المال إليهم لينقطع لسانهم ولا يشتغلوا بالهجو وفيه اشارة الى أن المال حقير في الواقع كالتراب قال ابو الليث فى تفسيره المدح على ثلاثة أوجه الاول أن يمدحه في وجهه فهو الذي نهى عنه والثاني أن يمدحه بغير حضرة ويعلم انه يبلغه فهذا ايضا ينهى عنه ومدح يمدحه في حال غيبته وهو لا يبالى بلغه او لم يبلغه ومدح يمدحه بما هو فيه فلا بأس بهذا انتهى (وفي المثنوى)
خلق مادر صورت خود كرد حق ... وصف ما از وصف او كيرد سبق
چونكه آن خلاق شكر وحمد جوست ... آدمي را مدح جويى نيز خوست
خاصه مرد حق كه در فضلست چست ... پر شود زان باد چون خيك درست
ور نه باشد اهل زان باد دروغ ... خيك بدريدست كى كيرد فروغ
واما المدح بعد الموت فلا بأس به إذا لم يجاوز الحد كالروافض في مدح اهل البيت هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى المعاصي جميعا وهو استئناف مقرر للنهى ومشعر بأن فيهم من يتقيها بأسرها وقيل كان ناس يعملون أعمالا حسنة ثم يقولون صلاتنا وصيامنا وحجنا فنزلت وهذا إذا كان بطريق الاعجاب او الرياء فأما من اعتقد أن ما عمله من الأعمال الصالحة من الله تعالى وبتوفيقه وتأييده ولم يقصد به التمدح لم يكن من المزكين أنفسهم فان المسرة بالطاعة طاعة وذكرها شكر وفي التأويلات النجمية يشير به الى أن علم الإنسان بنفسه علم اجمالى وعلمه تعالى به تفصيلى والعلم التفصيلي أكمل وأشمل من العلم الإجمالي وايضا علم الإنسان بنفسه علم مقيد بقواه البشرية وهو متناه بحسب تناهى قواه البشرية وعلمه تعالى به علم مطلق إذ علمه عين ذاته في مقام الواحدية غير ذاته في مقام الواحدية والعلم المطلق أحوط وأجمع من العلم المقيد وايضا الإنسان مخلوق على صورة الله كما قال عليه السلام ان الله خلق آدم على صورته وفي رواية اخرى على صورة(9/244)
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35)
الرحمن والله تعالى عالم بصورته المنزهة عن الشكل المقدسة عن الهيئة والإنسان غير عالم بها على كيفية علم الله إذ لا يعلم الله الا الله كما قال وما قدروا الله حق قدره اللهم الا أن يفنى عن علمه المقيد ويبقى بعلمه المطلق هذا هو تحقيق اعلمية الحق تعالى وقوله وهو اعلم بمن اتقى اى بمن اتقى بالله عما سواء بحيث جعل الله تعالى وقاية نفسه لينسب كل ما يصدر عنه من العلم والعمل اليه فانه هو المؤثر في الوجود ومنه كل فيض وفضل وخير وجود أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى اى اعرض عن اتباع الحق والثبات عليه وبالفارسية آيا ديدى آن كسى را كه از پيروى حق روى بگردانيد وَأَعْطى قَلِيلًا اى شيأ قليلا من ماله وإعطاء قليلا وبالفارسية وبداد اندكى از مال خود براى رشوت تحمل عذاب ازو وَأَكْدى اى قطع عطيته وامسك بخلا من قولهم أكدى الحافر اى حافر البئر إذا بلغ الكدية اى الصلابة كالصخرة فلا يمكنه أن يحفر ثم استعمل في كل من طلب شيأ فلم يصل اليه ولم يتممه ولم يبلغ آخره وفي القاموس أكدى بخل او قل خيره او قلل عطاءه وفي تاج المصادر قوله تعالى وأكدى اى قطع القليل قالوا نزلت في الوليد بن المغيرة كان يتبع رسول الله عليه السلام يعنى در پى حضرت رسالت ميرفت واستماع كلام وى ميكند در مجلس او وطمع النبي عليه السلام في إسلامه فعيره بعض المشركين وعاتبه وقال له تركت دين الأشياخ وضللتهم فقال أخشى عذاب الله فضمن أن يتحمل عنه العذاب وكل شيء يخافه في الآخرة ان أعطاه بعض ماله فارتد وتولى عن الوعظ واستماع الكلام النبوي وأعطاه بعض المشروط وبخل بالباقي فالذم آيل الى سبب القطع وهو البخل فلا يتوهم ان الآية مسوقة لذم فعل المتولى وقطع العطاء عن المتحمل المذكور ليس بمذموم وقال الكاشفى وأكدى وبازداشت باقى را پس جهل وبخل با يكديكر جمع كرد يقول الفقير الظاهر ان الآية مسوقة لذم التولي وسوء الاعتقاد في نفع التحمل يوم القيامة كما دلت عليه الآية الآتية وقوله وأعطى قليلا وأكدى مجرد بيان الحال المتولى والمعطى فيما جرى بينه وبين المتحمل لاذم لبخله في ذلك لكن لا يخلو عن التهكم حيث انه بخل فيما اعتقد نفعه وقال مقاتل أنفق الوليد على اصحاب محمد عليه السلام بنفقة قليلة ثم انتهى عن ذلك انتهى ولا يخفى انه ليس لهذا المعنى ارتباط بما بعد من الآيات وفيه اشارة الى السالك المنقطع في أثناء السلوك الراجع من السير الى الله الى نفسه البشرية واستيفاء لذاتها الحيوانية بسبب سآمنه المشئومة من المجاهدات البدنية والرياضات النفسانية بعد أن صرف في طريق السير والسلوك فلسا من رأس مال عمره ثم بخل به وقطعه عن الصرف فى طريق السعى والاجتهاد في الله وصرف بقية رأس مال عمره في تحصيل لذات النفس الحيوانية البشرية واستيفاء شهواتها وحب الدنيا الدنية الخسيسة وهذا كله لعدم استعداده للوصول والوصال نعوذ بالله من الحور بعد الكور ومن النكرة بعد المعرفة
اندرين ره مى تراش ومى خراش ... تا دم آخر دمى فارغ مباش
أَعِنْدَهُ آيا نزديك اوست عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى الفاء للسببية والرؤية قلبية اى أعنده علم بالأمور الغيبية التي من جملتها تحمل صاحبه عنه يوم القيامة فهو يعلم ان صاحبه(9/245)
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40)
يتحمل عنه قال ابن الشيخ أرأيت بمعنى أخبرت وأ عنده علم العيب مفعوله الثاني اى أخبرت أن هذا المعطى المكدى هل عنده علم ما غاب عنه من أحوال الآخرة فهو يعلم ان صاحبه يتحمل أوزاره على ان قوله يرى بمعنى يعلم حذف مفعولاه لدلالة المقام عليهما أَمْ أهو جاهل لَمْ يُنَبَّأْ لم يخبر بِما فِي صُحُفِ مُوسى اى اسفار التوراة قال الراغب الصحيفة المبسوطة من كل شيء كصحيفة الوجه والصحيفة التي كان يكتب فيها وجمعها صحائف وصحف والمصحف ما جعل جامعا للصحف المكتوبة وقال القهستاني المصحف مثلث الميم ما جمع فيه قرآن والصحف وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى عطف على موسى اى وبما في صحف ابراهيم الذي وفي اى وفروأتم ما ابتلى به من الكلمات كما مر في سورة البقرة او أمر به من غير إخلال وإهمال يقال أوفاه حقه ووفاه بمعنى اى أعطاه تاما وافيا ويجوز أن يكون التشديد فيه للتكثير والمبالغة في الوفاء بما عاهد الله اى بالغ في الوفاء بما عاهد الله وتخصيصه بذلك لاحتماله ما لم يحتمل غيره كالصبر على نار نمرود حتى انه أتاه جبريل حين ألقى في النار فقال ألك حاجة فقال اما إليك فلا وعلى ذبح الولد وعلى الهجرة وعلى ترك اهله وولده فى واد غير ذى زرع ويروى انه كان يمشى كل يوم فرسخا يرتاد ضيفافان وجده أكرمه وإلا نوى الصوم ونعم ما قيل وفي ببذل نفسه للنيران وقلبه للرحمن وولده للقربان وماله للاخوان وعن النبي عليه السلام وفي عمل كل يوم بأربع ركعات وهى صلاة الضحى وفي الحديث القدسي ابن آدم اركع الى أربع ركعات من اول النهار كفك آخره وروى الا أخبركم لم سمى الله خليله الذي وفي كان يقول إذا أصبح وأمسى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون حتى يختم الآيتين ذكره احمد في مسنده الآيات الثلاث في عين المعاني وعن ابى ذر الغفاري رضى الله عنه قال قلت يا رسول الله كم من كتاب انزل الله قال مائة كتاب واربعة كتب أنزل الله على آدم عشر صحائف وعلى شيث خمسين صحيفة وعلى إدريس ثلاثين صحيفة وعلى ابراهيم عشر صحائف وأنزل الله التوراة والإنجيل والزبور والفرقان قلت يا رسول الله ما كانت صحف ابراهيم قال كانت أمثالا منها ايها الملك المبتلى المغرور انى لم أبعثك فتجمع الدنيا بعضها الى بعض ولكن بعثتك كيلا ترد دعوة المظلوم فانى لا أردها وان كانت من كافر وكان فيها أمثال منها وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ساعات ساعة يناجى فيها ربه ويفكر في صنع الله وساعة يحاسب نفسه فيما قدم واخر وساعة يخلو فيها بحاجته من الحلال في المطعم والمشرب وغيرهما وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شانه حافظا للسانه ومن علم ان كلامه من عمله قل كلامه الا فيما يعنيه ويأتى ما نقل من صحف موسى في آخر سورة سبح اسم ربك الأعلى كذا في فتح الرحمن وتقديم موسى لما أن صحفه التي هى التوراة أشهر عندهم واكثر يقول الفقير وايضا هو من باب الترقي من الأقرب الى الأبعد لكون الأقرب اعرف وايضا ان موسى صاحب كتاب حقيقة بخلاف ابراهيم أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أصله أن لا تزر على ان ان هى المخففة من الثقيلة وضمير الشأن هو(9/246)
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)
اسمها محذوف والجملة المنفية خبرها ومحل الجملة الجر على انها بدل مما في صحف موسى او الرفع على انها خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل ما في صحفهما فقيل هو انه اى الشأن لا تحمل نفس من شأنها الحمل حمل نفس اخرى من حيث تقعرى؟؟؟ منه المحمول عنها ولا يؤاخذ أحد بذنب غيره ليتخلص الثاني من عقابه فالمراد بالوازرة هى التي يتوقع منها الوزر والحمل لا لتى وزرت وحملت ثقلا والا فكان المقام أن يقال لا تحمل فارغة وزر اخرى إذ لا تحمل مثقلة بوزرها غير الذي عليها وفي هذا ابطال قول من ضمن للوليد بن المغيرة أن يحمل عنه الإثم ولا يقدح في ذلك قوله تعالى كتبنا على بنى إسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا إذ ليس المعنى ان عليه اثم مباشرة سائر القاتلين بل المعنى ان عليه فوق اثم مباشرته للقتل المحظور اثم دلالته وسببيته لقتل هؤلاء وهما ليستا الا من أوزاره فهو لا يحمل إلا وزر نفسه وكذا قوله عليه السلام من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة فان ذلك وزر الإضلال الذي هو وزره وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى ان مخففة من الثقيلة كأختها معطوفة عليها وللانسان خبر ليس والا ما سعى اسمها مصدرية ويجوز أن تكون موصولة والسعى المشي الذريع وهو دون العدو ويستعمل للجد في الأمر خيرا كان او شرا والمعنى وانه اى الشأن ليس للانسان فى الآخرة الا سعيه في الدنيا من العمل والنية اى كما لا يؤاخذ أحد بذنب الغير لا يثاب بفعله فهو بيان لعدم انتفاع الإنسان بعمل غيره من حيث جلب النفع اثر بيان عدم انتفاعه من حيث دفع الضرر عنه وظاهر الآية يدل على انه لا ينفع أحدا عمل أحد واختلفوا فى تأويلها فروى عن ابن عباس رضى الله عنهما عدم اثابة الإنسان بسعى غيره وفعله وهذا منسوخ الحكم في هذه الشريعة بقوله تعالى الحقنا بهم ذريتهم فيدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء ويجعل الولد الطفل يوم القيامة في ميزان أبيه ويشفع الله الآباء في الأبناء والأبناء فى الآباء يدل على ذلك قوله تعالى آباؤكم وابناؤكم لا تدرون أيهم اقرب لكم نفعا قال عكرمة كان ذلك لقوم ابراهيم وموسى واما هذه الامة فلهم ما سعوا وما سعى لهم غيرهم لما روى ان امرأة رفعت صبيا لها من محفة وقالت يا رسول الله ألهذا حج قال نعم ولك اجر وقال رجل للنبى عليه السلام ان أمي افتلتت نفسها اى ماتت فجأة فهل لها أجر ان تصدقت عنها قال نعم وقال الربيع بن انس وان ليس للانسان الا ما سعى يعنى الكافر واما المؤمن فعله ما سعى وما سعى له غيره وكثير من الأحاديث يدل على هذا القول ويشهد له ان المؤمن يصل اليه ثواب العمل الصالح من غيره (روى) ان عائشة رضى الله عنها اعتكفت عن أخيها عبد الرحمن رضى الله عنه بعد موته واعتقت عنه وقال سعد للنبى عليه السلام ان أمي توفيت أفأتصدق عنها قال نعم قال فأى الصدقة أفضل قال سقى الماء فحفر بئرا وجعلها فى سبيل الله وقال القرطبي في تذكرته ويحتمل أن يكون قوله وان ليس للانسان الا ما سعى خالصا في السيئة بدليل قوله عليه السلام قال الله إذا هم عبدى بحسنة ولم يعملها كتبتها عشرا الى سبعمائة ضعف وإذا هم بسيئة ولم يعملها لم اكتبها عليه فان عملها كتبتها سيئة واحدة(9/247)
والقرآن دال على هذا قال تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وهذا ونحوه تفضل من الله وطريق العدل وان ليس للانسان الا ما سعى الا ان الله يتفضل عليه بما لم يجب له كما ان زيادة الأضعاف فضل منه كتب لهم بالحسنة الواحدة عشرا الى سبعمائة ضعف الى الف الف حسنة وقد تفضل الله على الأطفال بإدخالهم الجنة بغير عمل والحاصل ما كان من السعى فمن طريق العدل والمجازاة وما كان من غير السعى فمن طريق الفضل والتضعيف فكرامة الله تعالى أوسع وأعظم من ذلك فانه يضاعف الحسنات ويتجاوز عن السيئات فمرتبة النفس والطبيعة وكذا الشريعة والطريقة من الطريق الاولى ومرتبة الروح والسر وكذا المعرفة
والحقيقة من الطريقة الثانية قال في الاسئلة المقحمة اشارت الآية الى اصل النجاة المعهودة فى حكم الشريعة فان النجاة الاصلية الموعودة في الكتاب والسنة بالعمل الصالح وهى النجاة بشرط المجازاة والمكافاة فاما التي هى من غير طريق المجازاة والمكافاة فهى بطريق تفضل الله وبطوله وعميم رحمته وكريم لطفه وقد فسرها رسول الله عليه السلام حيث قال ادخرت شفاعتى لاهل الكبائر من أمتي أترونها للمؤمنين المتقين لا ولكنها للخطائين الملوثين وبيان الكتاب الى الرسول عليه السلام وسمعت الامام أبا بكر الفارسي بسمرقند يقول سمعت الأستاذ أبا اسحق الأسفراييني يقول ان عبد الله بن طاهر امير خراسان قال للحسن بن الفضل البجلي أشكلت على ثلاث آيات أريد أن تكشف عنى وتشفى العليل أولاها قوله تعالى في قصة ابن آدم فأصبح من النادمين وصح الخبر بأن الندم توبة ولم يكن هذا الندم توبة في حق قابيل وثانيتها قوله تعالى كل يوم هو في شأن وصح الخبر بأن القلم جف بما هو كائن الى يوم القيامة وثالثتها قوله تعالى أضعافا مضاعفة فأجابه وقال اما الآية الاولى فالندم لم يكن توبة في شريعة من الشرائع وانما صار توبة في شريعة محمد عليه السلام تخصيصا له على ان ندم قابيل لم يكن على قتل هابيل وانما كان على حمله حين حمله على عاتقه أياما فلم يعلم ماذا يعمل به لانه كان أول قتل حتى بعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يوارى سوأة أخيه واما الآية الثانية فان الشان المذكور فيها ما هو التقدير بطريق الابتداء وانما هو سوق المقادير الى المواقيت واما الآية الثالثة فهو انه ليس للانسان الا ما سعى من طريق العدل والمجازاة وله أن يجزيه بواحدة عشرا وأضعافا مضاعفة بطريق الفضل والطول لا على سبيل العدل والجزاء فقام عبد الله بن طاهر وقبل رأسه وسوغ خراجه وكان خمسين الف درهم وقد ذكر الخرائطي في كتاب الثبور قال سنة في الأنصار إذا حملوا الميت ان يقرأوا معه سورة البقرة يقول الفقير فيه دليل على سنية الذكر عند حمل الجنازة لان الذكر من القرآن ولذا كان على الذاكر أن ينوى التلاوة والذكر معا حتى يثاب بثواب التلاوة فحيث سن القرآن سن الذكر المأخوذ منه ولقد احسن من قال في أبيات
زر والديك وقف على قبريهما ... فكأننى بك قد حملت إليهما
الى قال في آخرها وقرأت من آي الكتاب بقدر ما ... تسطيعه وبعثت ذاك إليهما
قال الشيخ تقى الدين ابو العباس من اعتقد أن الإنسان لا ينتفع الا بعمله فقد خرق الإجماع(9/248)
وذلك باطل من وجوه كثيرة أحدها ان الإنسان ينتفع بدعاء غيره وهو انتفاع بعمل الغير والثاني ان النبي عليه السلام يشفع لاهل الموقف في الحساب تم لاهل الجنة في دخولها ولاهل الكبائر في الإخراج من النار وهذا الانتفاع بسعى الغير والثالث ان كل نبى وصالح له شفاعة وذلك انتفاع بعمل الغير والرابع ان الملائكة يدعون ويستغفرون لمن في الأرض وذلك منفعة بعمل الغير والخامس ان الله تعالى يخرج من النار من لم يعمل خيرا قط بمحض رحمته وهذا انتفاع بغير عملهم والسادس ان أولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل آبائهم وذلك انتفاع بمحض عمل الغير وكذا الميت بالصدقة عنه وبالعتق بنص السنة والإجماع وهو من عمل غيره وان الحج المفروض يسقط عن الميت بحج وليه عنه بنص السنة وكذا تبرأ ذمة الإنسان من ديون الخلق إذا قضاها عنه قاض كما قال الشافعي إذا أنامت فليغسلنى فلان اى من الدين وذلك انتفاع بعمل الغير وكذا من عليه تبعات ومظالم إذا حلل منها سقطت عنه وان الجار الصالح ينتفع بجواره في الحياة والممات كما جاء في الأثر وان جليس اهل الذكر يرحم بهم وهو لم يكن منهم ولم يجلس معهم لذلك بل لحاجة اخرى والأعمال بالنيات وكذا الصلاة على الميت والدعاء له فيها ينتفع بها الميت مع ان جميع ذلك انتفاع بعمل الغير ونظائر ذلك كثيرة لا تحصى والآيات الدالة على مضاعفة الثواب كثيرة ايضا فلا بد من توجيه قوله تعالى وان ليس للانسان الا ما سعى فانه لاشتماله على النفي والاستثناء يدل على ان الإنسان لا ينتفع الا بعمل نفسه ولا يجزى على عمله الا يقدر سعيه ولا يزداد وهو يخالف الأقوال الواردة في انتفاعه بعمل غيره وفي مضاعفة ثواب اعماله ولا يصح أن يؤول بما يخالف صريح الكتاب والسنة واجماع الامة فأجابوا عنه بوجوه منها انه منسوخ ومنها انه في حق الكافر ومنها انه بالنسبة الى العدل لا الفضل وقد ذكرت ومنها ان الإنسان انما ينتفع بعمل غيره إذا نوى الغير أن يعمل له حيث صار بمنزلة الوكيل عنه القائم مقامه شرعا فكان سعى الغير بذلك كأنه سعيه وايضا ان سعى الغير انما لم ينفعه إذا لم يوجد له سعى قط فاذا وجد له سعى بان يكون مؤمنا صالحا كان سعى الغير تابعا لسعيه فكأنه سعى بنفسه فان علقة الايمان وصلة وقرابة كما قال عليه السلام مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وقال عليه السلام المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ثم شبك بين أصابعه فاذا سعى أحد في الايمان والعمل الصالح فكأنه سعى بتأييد عضو أخيه وسد ثلمته فكان سعيه سعيه والحاصل انه لما كان مناط منفعة كل ما ذكر من الفوائد عمله الذي هو الايمان والصالح ولم يكن لشيء منه نفع ما بدونهما جعل النافع نفس عمله وان كان بانضمام غيره اليه وفي أول باب الحج عن الغير من الهداية الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة او صوما او صدقة او غيرها عند اهل السنة والجماعة وفي فتح الرحمن واختلف الائمة فيما يفعل من القرب كالصلاة والصيام وقراءة القرآن والصدقة ويهدى ثوابه للميت المسلم فقال ابو حنيفة واحمد يصل ذالك اليه ويحصل له نفعه بكرم الله ورحمته وقال مالك والشافعي يجوز ذلك في الصدقة والعبادة(9/249)
المالية وفي الحج واما غير ذلك من الطاعات كالصلاة والصوم وقراءة القرآن وغيره لا يجوز ويكون ثوابه لفاعله وعند المعتزلة ليس للانسان جعل ثواب عمله مطلقا لغيره ولا يصل اليه ولا ينفعه لقوله تعالى وان ليس للانسان الا ما سعى ولان الثواب الجنة وليس في قدرة العبد أن يجعلها لنفسه فضلا عن غيره واختلفوا فيمن مات قبل أن يحج فقال ابو حنيفة ومالك يسقط عنه الحج بالموت ولا يلزم الحج عنه الا أن يوصى بذلك وقال الشافعي
واحمد لا يسقط عنه ويلزم الحج عنه من رأس ماله واختلفوا فيمن لم يحج عن نفسه هل يصح أن يحج عن غيره فقال ابو حنيفة ومالك يصح ويجزى عن الغير مع الكراهة وقال الشافعي واحمد لا يصح ولو فعل وقع عن نفسه واما الصلاة فهى عبادة بدنية لا تصح فيها النيابة بمال ولا بدن بالاتفاق وعند ابى حنيفة إذا مات وعليه صلوات يعطى لكل صلاة نصف صاع من بر او صاع من تمر او شعير او قيمة ذلك فدية تصرف للمساكين وليس للمدفوع اليه عدد مخصوص فيجوز ان يدفع لمسكين واحد الفدية عن عدة صلوات ولا يجوز أن تدفع فدية صلاة لا كثر من مسكين ثم لا بد من الإيصاء بذلك فلو تبرع الورثة بذلك جاز من غير لزوم وذلك عند ابى حنيفة خلافا للثلاثة (وروى) ان رجلا سأل النبي عليه السلام فقال كان لى أبوان أبرهما حال حياتهما فكيف أبرهما بعد موتهما فقال ان من البر بعد الموت أن تصلى لهما مع صلاتك وتصوم لهما مع صومك رواه الدار قطنى عن على رضى الله عنه وهذا الحديث حجة لابى حنيفة في تجويزه جعل العبادة البدنية ايضا لغيره خلافا للشافعى كما مر (وروى) ايضا من مر على المقابر قرأ قل هو الله أحد عشر مرات ثم وهب أجرها للاموات أعطى من الاجر بعدد الأموات رواه الدار قطنى عن انس بن مالك رضى الله عنه مرفوعا فهذا ايضا حجة له في تجويزه جعل ثواب التلاوة للغير خلافا للشافعى (وروى) عن النبي عليه السلام انه ضحى بكبشين أملحين أحدهما عن نفسه والآخر عن أمته المؤمنين متفق عليه اى جعل ثوابه لها وهذا تعليم منه عليه السلام بأن الإنسان ينفعه عمل غيره والاقتداء به عليه السلام هو الاستمساك بالعروة الوثقى وكذا قال الحسن البصري رحمه الله رأيت عليا رضى الله عنه يضحى بكبشين وقال ان رسول الله أوصاني أن أضحى عنه وكان الشيخ الفقيه القاضي الامام مفتى الأنام عز الدين بن عبد السلام يفتى بانه لا يصل الى الميت ثواب ما يقرأ ويحتج بقوله وان ليس للانسان الا ما سعى فلما توفى رأه بعض أصحابه ممن يجالسه وسأله عن ذلك وقال له انك كنت تقول لا يصل الى الميت ثواب ما يقرأ ويهدى اليه فكيف الأمر فقال له كنت أقول ذلك في دار الدنيا والآن قد رجعت عنه لما رأيت من كرم الله في ذلك انه يصل اليه ذلك وقد قيل ان ثواب القراءة للقارئ وللميت ثواب الاستماع ولذلك تلحقه الرحمة قال الله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون قال القرطبي ولا يبعد من كرم الله أن يلحقه ثواب القراءة والاستماع جميعا ويلحقه ثواب ما يهدى من قراءة القرآن وان لم يسمعه كالصدقة والاستغفار ولان القرآن دعاء واستغفار وتضرع وابتهال وما تقرب المتقربون الى الله بمثل(9/250)
القرآن انتهى يقول الفقير فيه حجة على من أنكر من اهل عصرنا جهر آية الكرسي أعقاب الصلوات وأوجب إخفاءها وتلاوتها لكل واحد من الجماعة وذلك لان استماع القرآن أتوب من تلاوته فاذا قرأ المؤذن واستمع الحاضرون كانوا كأنهم قرأوا جميعا وإذا جاؤ وصول ثواب القراءة والاستماع جميعا الى الميت فماظنك بالحي أصلحنا الله وإياكم (وروى) ان بعض النساء توفيت فرأتها في المنام امرأة كانت تعرفها وإذا عندها تحت السرير آنية من نور مغطاة فسألتها ما في هذه الاوعية فقالت فيها هدية أهداها الى ابو أولادي البارحة فلما استيقظت المرأة ذكرت ذلك لزوج الميتة فقال قرأت البارحة شيئا من القرآن واهديته إليها وفي الحديث إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له قال القرطبي القراءة في معنى الدعا وذلك صدقة من الولد ومن الصاحب والصديق والمؤمنين قال ابن الملك في شرح الحديث (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله) اى تجدد الثواب له (الا من ثلاث صدقة جارية) كالاوقاف (او علم ينتفع به) قيل هو الاحكام المستنبطة من النصوص والظاهر انه عام متناول ما خلفه من تصنيف او تعليم في العلوم الشرعية وما يحتاج اليه في تعلمها قيد العلم بالمنتفع به لان مالا ينتفع به لا يثمر اجرا (او ولد صالح يدعو له) قيد بالصالح لان الاجر لا يحصل من
غيره واما الوزر فلا يلتحق بالأب من سيئة ولده إذا كانت نيته في تحصيل الخير وانما ذكر الدعاء له تحريضا للولدلان الاجر يحصل للوالد من ولده الصالح كلما عمل عملا صالحا سوآء دعا لابيه اولا كمن غرس شجرة يحصل له من أكل ثمرتها ثواب سوآء دعا له من أكلها او لم يدع وكذلك الام قال بعض الكبار النكاح سنة نبيك فلا ترغب عنه واطلب من الله من يقوم مقامك بعد موتك حتى لا ينقطع عملك بموتك فان ابن آدم إذا مات انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم بثه في الناس او ولد صالح يدعو له وفي لفظ الصدقة الجارية اشارة الى افضلية الماء ولذا حفر سعد بئرا لامه فان قلت ما التوفيق بين هذا الحديث وبين قوله عليه السلام من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها الى يوم القيامة وقوله عليه السلام من مات يختم على عمله الا المرابط في سبيل الله فانه ينموله عمله الى يوم القيامة قلنا السنة المسنونة من جملة العلم المنتفع به ومعنى حديث المرابط ان ثواب عمله الذي قدمه في حياته ينمو الى يوم القيامة واما الثلاثة المذكورة في الحديث فانها اعمال تحدث بعد وفاته لا تنقطع عنه لانه سبب لها فليحقه منها ثواب والحاصل ان المراد بهذا الحديث عمله المضاف الى نفسه فهو منقطع واما العمل المضاف الى غيره فلا ينقطع فللغير أن يجعل ماله من أجر عمله الى من أراد وقال بعضهم في الآية ليس كل عمل للانسان انما بعضه الله مثل الصوم كما قال الصوم لى وأنا أجزى به فثوابه فضل الله وهو رؤيته وتمسك بعض العلماء بهذا الحديث وظن ان الصيام مختص بعامله موفر له اجره لا يؤخذ منه شيء لمظلمة ظلمها وهذا القول مردود فان الحقوق تؤخذ من جميع الأعمال صياما كان او غيره وقيل ان الصوم إذا لم يكن معلوما لاحد ولا مكتوبا في الصحف هو الذي يستره الله ويخبأه لعامله حتى يكون له جنة من العذاب فتطرح أولئك عليه سيئاتهم فتنصرف(9/251)
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40)
عنهم ويقيه الصوم فلا تضر بأصحابها لزوالها عنهم ولا به لان الصوم جنته وهذا تأويل حسن دافع للتعرض قال البقلى رحمه الله في تأويل الآية ليس للصورة الانسانية الا ما سعت من الأعمال الزكية عن الرياء والسمعة يؤول ثوابها إليها من درجات الجنان اما ما يتعلق بفضل الله وجوده من مشاهدته وقربته فهو للروح والروحاني الذي في تلك الصورة فانه إذا استوفى درجات الجنان التي هى جزاء اعماله الصالحة تمتع ايضا بما يجد روحه من فضل الله المتعلق بكشف حجاب جماله وايضا ليس للانسان الا ما يليق بالإنسان من الأعمال واما الفضل كالمشاهدة والقربة فهو لله يؤتيه من يشاء فاذا وصل الى مشاهدة الله وتمتع بها فليس ذلك له انما ذلك الله وان كان هو متمتعابه وقال ابن عطاء ليس للانسان من سعيه الا ما نواه ان كان سعيه لرضى الرحمن فان الله يرزقه الرضوان وان كان سعيه للثواب والعطاء والأعواض فله ذلك وقال النصرآبادي سعى الإنسان في طريق السلوك لا في طريق التحقيق فاذا تحقق يسعى به ولا يسعى هو بنفسه واما قول العارف الجامى
سالكان بي كشش دوست بجايى نرسند ... سالها كر چهـ درين راه تك وبوى كنند
فقد لا ينافيه فانه لا فائدة في السعى بدون الجذبة الالهية فالسعى منسوب الى السالك والجذبة مضافة الى الله تعالى واما المنتهى فالسعى والجذبة بالنسبة اليه كلا هما من الله تعالى إذ ليس بمتحقق من لم يكن حركاته وسكناته بالله ثم ان الطريق قد يثنى كطريق الحج من البر والبحر واما طريق الحق فمفرد اى من حيث الجمعية الوحدانية والا فالطرق الى الله بعدد أنفاس الخلائق فعند النهاية يحصل الالتقاء ولذا قال تعالى وان الى ربك المنتهى مع انه فرق بين وصول ووصول كالناظرين كل ينظر بحسب قوة نور بصره وضعفه وان كان المرئي واحدا ثم ان الله يوصل السالك بعد موته الى محل همته لانه كانه حاصل بسعيه وقد مر تحقيقه فى محله نسأل الله الوصول الى غاية المطالب بحرمة اسمه الواهب وَأَنَّ سَعْيَهُ اى سعى الإنسان وهو عمله كما في قوله تعالى ان سعيكم لشتى وهو مع خبره معطوف على ما قبله من ألا تزر إلخ على معنى ان المذكورات كلها في الصحف سَوْفَ يُرى اى يعرض عليه ويكشف له يوم القيامة في صحيفته وميزانه من أريته الشيء عرضته عليه وفيه اشارة الى ان الإنسان له مراتب في السعى وبحسب كل مرتبة يجد سعيه في الحال لا يزيد ولا ينقص وايضا فى المآل وأول مراتبه في السعى مرتبة النفس وسعيه في هذه المرتبة تزكية النفس عن المخالفات الشرعية والموافقات الطبيعية بالموافقات الشرعية والمخالفات الطبيعية إذ العلاج بضدها واثر هذا السعى ونتيجته حصول الجنات التي تجرى من تحتها الأنهار والحور والقصور والغلمان كما اخبر الكتاب العزيز في غير موضع والمرتبة الثانية والسعى فيها تصفية القلب عن صدأ الظلمات البشرية وغطاء الكدورات الطبيعية واثر هذا السعى ونتيجته ترك حب الدنيا وشهواتها ولذاتها وزخارفها ومالها وجاهها والمرتبة الثالثة والسعى فيها تحلية السر بالصفات الالهية والأخلاق الربانية واثر هذا السعى ونتيجته حصول شواهد التجليات الصفاتية والاسمائية والمرتبة الرابعة والسعى فيها تحلية الروح بالتجليات(9/252)
ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44)
الذاتية والمشاهدات الحقانية واثر هذا السعى ونتيجته هو الفناء عن انانيته والبقاء بهويته الاحدية المطلقة عن التقييد والإطلاق واللاتقييد واللاإطلاق وقال الواسطي في الآية انه لم يكن مما يستجلب به شيء من الثواب وقال سهل سوف يرى سعيه فيعلم انه لا يصلح للحق ويعلم ما الذي يستحق بسعيه وانه لو لم يلحقه فضل ربه لهلك بسعيه ثُمَّ يُجْزاهُ اى يجزى الإنسان بسعيه اى جزاء عمله يقال جزاء الله بعمله وجزاه على عمله بحذف الجار وإيصال الفعل الْجَزاءَ الْأَوْفى اى الأوفر الأتم ان خيرا فحير وان شرا فشر وهو مفعول مطلق مبين للنوع قال الوراق وان ليس للانسان الا ما سعى ذلك في بدايته وان سعيه سوف يرى ذلك في توسط أمروه ثم يجزاه الجزاء الا وفي ذلك في نهاياته وله نهايتان باعتبار الفناء والبقاء ففى الفناء يحصل الجزاء الذي هو الشهود وفي البقاء يحصل الجزاء الذي هو تربية الجسد والوجود وذلك باستيفاء ما ترك في بداية سلوكه من المباحات المشروعة من الاكل والشرب والملبس والمنكح والتوسعة في معايش الدنيا وأسبابها فبعد تحققه بعالم الوحدة يرد الى عالم الكثرة ولكن لا تضره الكثرة إذا أصلا وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى مصدر بمعنى الانتهاء اى انتهاء الخلق في رجوعهم الى الله تعالى بعد الموت لا الى غيره لاستقلالا ولا اشتراكا فيجازيهم بأعمالهم وفي الحقيقة انتهاء الخلق اليه تعالى في البداية والنهاية ألا الى الله تصير الأمور إذ لا اله الا هو (وفي المثنوى)
دست بر بالاى دست اين تا كجا ... تا بيزدان كه اليه المنتهى
كان يكى درياست بي غور وكران ... جمله درياها چوسيلى پيش آن
حيلها و چارها كر اژدهاست ... پيش الا الله انها جمله لاست
قال ابن عطاء من كان منه مبدأه كان اليه منتهاه وإذا وصل العبد الى معرفة الربوبية ينحرف عنه كل فتنة ولا يكون له مشيئة غير اختيار الله له قيل للحسين ما التوحيد قال أن تعتقد انه معلل الكل بقوله هو الاول وعند ذلك تطلب المعلولات منه الابتداء واليه الانتهاء ذهبت المعلولات وبقي المعلل بها قال بعض الكبار من ادل دليل على توحيد الله تعالى عند من لا كشف عنده كونه تعالى عند النظار والفلاسفة علة العلل وهذا توحيد ذاتى ينتفى معه الشريك بلا شك غير ان اطلاق هذا اللفظ عليه تعالى لم يرد به الشرع فلا ندعوه به ولا نطلقه عليه فاعلم ذلك وَأَنَّهُ تعالى هُوَ وحده أَضْحَكَ وَأَبْكى الضحك انبساط الوجه وتكشر الأسنان من سرور النفس ولظهور الأسنان عنده سميت مقدمات الأسنان الضواحك والبكاء بالمد سيلان الدمع عن حزن وعويل يقال إذا كان الصوت اغلب كالرغاء وسائر هذه الابنية الموضوعة للصوت وبالقصر يقال إذا كان الحزن اغلب وقوله فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا اشارة الى الفرح والترح وان لم يكن مع الضحك قهقهة ولا مع البكاء اسالة دمع كما في المفردات والمعنى هو خلق قوتى الضحك والبكاء في الإنسان منهما ينبعث الضحك والبكاء والإنسان لا يعلم ما تلك القوة او هما كنايتان عن السرور والحزن كأنه قيل افرح واحزن لان الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء او عما يسر(9/253)
وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44)
ويحزن وهو الأعمال الصالحة والأعمال الصالحة او اضحك في الدنيا اهل النعمة وابكى اهل الشدة والمصيبة او اضحك في الجنة أهلها وابكى في النار أهلها او اضحك الأرض بالنبات وابكى السماء بالمطر أو الأشجار بالأنوار والسحاب بالامطار او القراطيس بالارقام والأقلام بالمداد او اضحك القرد وابكى البعيرا واضحك بالوعد وابكى بالوعيد او اضحك المطيع بالرضى وابكى العاصي بالسخط او اضحك قلوب العارفين بالحكمة وابكى عيونهم بالحزن والحرقة او اضحك قلوب أوليائه بأنوار معرفته وابكى قلوب أعدائه بظلمات سخطه او اضحك المستأنسين بنرجس مودته وياسمين قربته وطيب شمال جماله وابكى المشتاقين بظهور عظمته وجلاله او اضحك بالإقبال على الحق وابكى بالادبار عنه او اضحك الأسنان وابكى الجنان او بالعكس قال الشاعر
السن تضحك والاحشاء تحترق ... وانما ضحكها زور ومختلق
يا رب باك بعين لا دموع لها ... ورب ضاحك سن ما به رمق
او اضحك بتجليه اللطفى الجمالي القلب المنور بنور اللطف والجمال وابكى بتجليه القهرى الجلالي النفس المظلمة بظلمة القهر والجلال او اضحك بتجليه الجلالي النفس على القلب عند استيلاء ظلمة النفس على القلب وابكى بتجليه الجمالي القلب على النفس عند غلبة أنوار القلب على النفس وفي الآية دلالة على أن كل ما يعمله الإنسان فبقضائه وخلقه حتى الضحك والبكاء قالت عائشة رضى الله عنها مر النبي عليه السلام على قوم يضحكون فقال لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا فنزل عليه جبريل عليه السلام فقال ان الله تعالى يقول وانه هو اضحك وابكى فرجع إليهم فقال ما خطوت أربعين خطوة حتى أتانى جبريل فقال ائت هؤلاء فقل لهم ان الله يقول هو اضحك وابكى وسئل طاهر المقدسي أتضحك الملائكة فقال ما ضحك من دون العرش منذ خلقت جهنم وقال النبي عليه السلام لجبرآئيل مالى لم أر ميكائيل ضاحكا قط قال ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار وقيل لعمر رضى الله عنه هل كان اصحاب رسول الله عليه السلام يضحكون قال نعم والله والايمان اثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي وعن سماك بن حرب قال قلت لجابر بن سمرة رضى الله عنه أكنت تجالس النبي عليه السلام قال نعم وكان أصحابه يجلسون فيتناشدون الشعر ويذكرون أشياء من امر الجاهلية فيضحكون ويتبسم معهم إذا ضحكوا يعنى النبي عليه السلام ولقى يحيى عيسى عليهما السلام فتبسم عيسى في وجه يحيى فقال ما لي أراك لاهيا كأنك آمن فقال مالى أراك عابسا كأنك آيس فقالا لا نبرح حتى ينزل علينا الوحى فأوحى الله تعالى احبكما الى احسنكما ظنا بي (وروى) احبكما الى الطلق البسام وقال الحسن يا ابن آدم تضحك ولعل كفنك خرج من عند القصار وبكى نوح عليه السلام ثلاثمائة سنة بقوله ان ابني من أهلي وقال كعب لأن ابكى من خشية الله حتى تسيل دموعى على وجنتي أحب الى من ان أتصدق بجبل ذهب والنافع بكاء القلب لا العين فقط.
بر ان از دو سرچشمه ديده جوى ... ور الايشى دارى از خود بشوى
وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا لا يقدر على الاحياء والاماتة غيره لا خلقا ولا كسبا فان اثر(9/254)
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48)
القاتل نقض البنية وتفريق الاتصال وانما يحصل الموت عنده بفعل الله على العادة فللعبد نقض البنية كسبا دون الاماتة وبالفارسية قادر بر أماته وأحيا اوست وبس مى ميراند بوقت أجل در دنيا وزنده ميسازد در قبر يا او سازنده اسباب موت وحياتست وكفته ايد مرده ميسازد كافرانرا بنكرت وزنده ميكند مؤمنانرا بمعرفت وبقول بعض أماته وأحيا بجهل وعلم است يا ببخل وجود يا بعدل وفضل يا به منع واعطا وقيل الخصب والجدب او الآباء والأبناء او ايقظ وأنام او النطفة والنسمة ونزد محققان بهيبت وانس يا باستتار وتجلى وامام قشيرى فرموده كه بميراند نفوس زاهد انرا بآثار مجاهدت وزنده كرداند قلوب عارفانرا بانوار مشاهدت يا هر كه را مرتبه فنا في الله رساند جرعه از ساغر بقا بالله چشاند. او أمات النفس عن الشهوات الجسمانية واللذات الحيوانية واحيى القلب بالصفات الروحانية والأخلاق الربانية او أمات النفس بغلبة القلب عليها واحيائه او أمات القلب باستيلاء النفس عليه وإحيائها وهذه الاحكام المختلفة مادام القلب في مقام التلوين فاما إذا ترقى الى مقام الاطمئنان والتمكين فلا يصير القلب مغلوبا للنفس بل تكون النفس مغلوبة للقلب ابدا لآباد الى ان تموت تحت قهره بأمر ربه يقول الفقير قدم الاماتة على الاحياء رعاية للفاصلة ولان النطفة قبل النسمة ولان موت القلب قبل حياته ولان موت الجسد قبل حياته في القبر وايضا في تقديم الاماتة تعجيل لاثر القهر لينتبه المخاطبون وايضا ان العدم قبل الوجود ثم ان مآل الوجود الى الفناء والعدم فلا ينبغى الاغترار بحياة بين الموتين ووجود بين العدمين والله الموفق وَأَنَّهُ وآنكه خداى تعالى خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ بيافريد از انسان دو صنف وفي بعض التفاسير من كل الحيوان وفيه ان كل حيوان لا يخلق من النطفة بل بعضه من الريح كالطير فان البيضة المخلوقة منها الدجاجة مخلوقة من ريح الديك الذَّكَرَ وَالْأُنْثى نر وماده مِنْ نُطْفَةٍ هى الماء الصافي ويعبر بها عن ماء الرجل كما في المفردات إِذا تُمْنى تدفق في الرحم وتصب وبالفارسية از آب منى وقتى كه ريخته شود در رحم وآدم وحوا وعيسى عليهما السلام ازين مستثنى اند فهو من امنى يمنى أمناء وهو بالفارسية منى آوردن قال تعالى أفرأيتم ما تمنون وفي القاموس منى وامنى ومنى بمعنى او معنى تمنى يقدر منها الولد من مناه الله يمنيه قدره إذ ليس كل منى يصير ولدا وفيه اشارة الى انه تعالى خلق زوج ذكر الروح موصوفا بصفة الفاعلية وخلق زوجة أنثى النفس موصوفة بصفة القابلية ليحصل للقلب من مقدمتى الروح والنفس نتيجة صادقة صالحة لحصول المطالب الدنيوية والاخروية من نطفة واقعة كائنة مستقرة في رحم الارادة الازلية إذا تمنى إذا تحرك وتدفق في رحم الارادة القديمة او إذا قدر المقدر بالحكمة البالغة قدم الذكر رعاية للفاصلة ولشرفه الرتبى وان كان الأصل فى العالم الأنوثة ولذلك سرت فيه باسره ولكن لما كانت في النساء اظهر حببت للاكابر حتى آجر موسى عليه السلام نفسه في مهر امرأة عشر سنين وحتى ان أعظم ملوك الدنيا يكون عند الجماع كهيئة الساجد فاعلم ذلك فلما كان لا يخلوا لعوالم عن نكاح صورى او معنوى كان نصف الخلق الذكر ونصفه الأنثى وان شئت قلت الفاعل والقابل والإنسان برزخ(9/255)
وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48)
هاتين الحقيقتين وَأَنَّ عَلَيْهِ اى على الله تعالى النَّشْأَةَ الْأُخْرى اى الخلقة الاخرى وهو الاحياء بعد الموت وفاء بوعده لا لانه يجب على الله كما يوهمه ظاهر كلمة على وفيه تصريح بأن الحكمة الالهية اقتضت النشأة الثانية الصورية للجزاء والمكافأة وإيصال المؤمنين بالتدريج الى كما لهم اللائق بهم ولو أراد تعجيل أجورهم في هذه الدار لضاقت الدنيا بأجر واحد منهم فما ظنك بالباقي ومن طلب تعجيل نتائج اعماله وأحواله في هذه الدار فقد أساء الأدب وعامل الموطن بما لا يقتضيه حقيقته واما إذا استقام العبد في مقام عبوديته وعجل له الحق نتيجة ما او كرامة فان من الأدب قبولها ان كانت مطهرة من شوآئب الحظوظ وبالجملة فالخير فيما اختاره الله لك ثم ان النشأة الاخرى الصورية مترتبة على كمال الفناء الصوري مع الاستعداد والتهيؤ لقبول الروح فكذا النشأة الاخرى المعنوية وهى البقاء والاتصاف بالصفات الالهية موقوفة على تمام الفناء المعنوي والانسلاخ عن الأوصاف البشرية بالكلية مع الاستعداد والتهيؤ لقبول الفيض وبالجملة فلا بد في كلتا النشأتين من صحة المزاج ألا ترى ان الجنين إذا فسد في الرحم سقط بل الرحم إذا فسدت لم تقبل العلوق والى الولادة الثانية التي هى النشأة الاخرى أشار عيسى عليه السلام بقوله لن يلج ملكوت السموات من لم يولد مرتين ومعنى ملكوت السموات حقائقها وأنوارها واسرارها فكل نبى وولى وارث متحقق بهذا الولوج والولادة الثانية وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى اعطى الغنى للناس بالأموال وَأَقْنى واعطى القنية وهى ما يتأثل من الأموال اى يتخذ أصلا ويدخر بان يقصد حفظه استثمارا واستنماء وان لا يخرج عن ملكه وفي المثل لا تقتن من كلب سوء جروا يقال قنوت الغنم وغيرها وقنيتها قنية وقنية أذا اقتنيتها لنفسك لا للتجارة وفي تاج المصادر الإقناء سرمايه دادن وخشنود كردن قال بعضهم اغنى الناس بالكفاية والأموال واعطى القنية وما يدخرونه بعد الكفاية وقال الضحاك اغنى بالذهب والفضة والثياب والمسكن واقنى بالإبل والبقر والغنم والدواب وافراد القنية بالذكر اى بعد قوله اغنى لانها اشرف الأموال وأفضلها او معنى اقنى ارضى وتحقيقه جعل الرضى له قنية والأوفق لما تقدمه من الآي المشتملة على مراعاة صنعة الطباق ان يحمل على معنى أفقر على ان تكون الهمزة ى في اقنى للارالة كما قاله سعدى المفتى قال الجنيد قدس سره اغنى قوما به وأفقر قوما منه وقال بعضهم فيه اشارة الى افاضة الفيض الإلهي على القلب السليم المستقيم الثابت على دين الله كما قال عليه السلام اللهم ثبت قلبى على دينك وابقاء ذلك الفيض الإلهي عليه بحيث لا يستهلك الفيض ولا يضمحل تحت غلبة ظلمة النفس الامارة بالسوء لتمكن ذلك القلب وعدم تلونه بخلاف القلب المتلون فانه لعدم تمكنه في بعض الأوقات يتكدر بظلمة النفس ويزول عنه ذلك النور المفاض عليه المضاف اليه وهو المعنى بقوله اقنى اى جعل فيه ذلك النور قنية ثم ان الآية دلت على اباحة التأثل من الأموال النافعة دون غيرها ولذا نهى عن اقتناء الكلب اى إمساكه بلا فائدة من جهة حفظ الزرع او الضرع او نحو ذلك والنفس الامارة أشد من الكلب العقور ففى اقتناء الروح النامي مندوحة عن اقتنائها ابتر عقيم لا خير فيها(9/256)
وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55)
الا ترى ان مرتبة النفس والطبيعة تبقى هنا ولا تستصحب الإنسان الكامل في النشأة الجنانية إذا لجنان كالمرعى الطيب والروض الانف فلا يرعى فيها الا الروح الطيب والجسد النظيف وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى اى رب معبود هم فاعبدوا الرب دون المربوب والشعرى كوكب نير خلف الجوزاء يقال لها العبور بالمهملة كالصبور وهى أشد ضياء من الغميصاء بالغين المعجمة المضمومة وفتح الميم والصاد المهملة وهى احدى الشعريين يعنى ان الشعرى شعريان إحداهما الشعرى اليمانية وتسمى ايضا الشعر العبور وثانيتهما الشعرى الشامية وتسمى ايضا الشعرى الغميصاء فصلت المجرة بينهما تزعم العرب ان الشعريين أختا سهيل وان الثلاثة كانت مجتمعة فانحدر سهيل نحو اليمن وتبعته العبور فعبرت المجرة ولقيت سهيلا واقامت الغميصاء فبكت لفقد سهيل فغمصت عينها اى كانت اقل نورا من العبور وأخفى والغمض فى العين ما سال من الرمص يقال غمصت عينه بالكسر غمصا وكانت خزاعة تعبد الشعرى سن لهم ذلك ابو كبشة رجل من اشرافهم فقال لقومه ان النجوم تقطع السماء عرضا وهذه تقطعها طولا فليس شيء مثلها فعبدتها خزاعة وخالف ابو كبشة قريشا في عبادة الأوثان ولذلك كانت قريش يسمون الرسول عليه السلام ابن ابى كبشة لا يريدون بذلك اتصال نسبه اليه وان كان الأمر كذلك اى لان أبا كبشة أحد أجداد النبي عليه السلام من قبل امه بل يريدون به موافقته عليه السلام له في ترك عبادة الأوثان واحداث دين جديد فالنبى عليه السلام كما وافق أبا كبشة في مخالفة قريش بترك عبادة الأصنام خالفه ايضا بترك عبادة الشعرى وهو اشارة الى شعرى النفس المسماة بكلب الجبار التي عبدها خزاعة اهل الأهواء وابو كبشة اهل البدع من الفلاسفة والزنادقة وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى هى قوم هود عليه السلام اهلكوا بريح صرصر وعاد الاخرى ارم وقيل الاولى القدماء لانهم اولى الأمم هلاكا بعد قوم نوح اى المراد بعاد جميع من انتسب الى عاد بن ارم بن عوص بن سام بن نوح ووصفهم بالاولية ليس للاحتراز عن عاد الاخيرة بل لتقدم هلاكهم بحسب الزمان على هلاك سائر الأمم بعد قوم نوح قال في التكملة وصف عاد بالأولى يدل على ان لها ثانية فالاولى هى عاد بن ارم قوم هود والثانية من ولدها وهى التي قاتلها موسى عليه السلام بأريحاء كانوا تناسلوا من الهزيلة بنت معاوية وهى التي نجت من قوم عاد مع بنيها الاربعة عمر وعمرو وعامر والعتيد وكانت الهزيلة من العماليق وَثَمُودَ عطف على عادا لان ما بعده لا يعمل فيه لمنع ما النافية عن العمل وهم قوم صالح عليه السلام أهلكهم الله بالصيحة فَما أَبْقى اى أحدا من الفريقين ويجوز ان يكون المعنى فما أبقى عليهما فالابقاء على هذا المعنى الترحم وهو بالفارسية بخشودن وانما لم يترحم عليهم لكونهم من اهل الغضب ورحمة الله لاهل اللطف دون القهر وفيه اشارة الى التربية فأولا باللطف وثانيا بالعتاب وثالثا بالعقاب فان لم يحصل التنبه فبالازالة والإهلاك وهكذا عادة الله في خلقه فليتنبه العباد وليحافظوا على المراتب في تربية عبيدهم وامائهم وخدمهم مطلقا وَقَوْمَ نُوحٍ عطف عليه ايضا مِنْ قَبْلُ اى من قبل إهلاك عاد وثمود إِنَّهُمْ اى قوم(9/257)
وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55)
نوح كانُوا هُمْ أَظْلَمَ لنبيهم وَأَطْغى من الفريقين حيث كانوا يؤذونه وينفرون الناس عنه وكانوا يحذرون صبيانهم ان يسمعوا منه وكانوا يضربونه عليه السلام حتى لا يكون به حراك وما اثرت فيهم دعوته قريبا من الف سنة وما آمن معه الا قليل
با سيه دل چهـ سود كفتن وعظ ... نرود ميخ آهنين در سنك
وفيه اشارة الى إهلاك صفات القلب من قبل ان يتمكن في سفينة التوحيد فانهم كانوا مذبذبين منقلبين بين القلب وبين النفس ظالمين على القلب بمشاهدة الكثرة طاغين عليه بالميل الى النفس وصفاتها وَالْمُؤْتَفِكَةَ هى قرى قوم لوط عليه السلام يعنى شهرستان قوم لوط عليه السلام ائتفكت بأهلها اى انقلبت بهم وهو منصوب عطفا على عادا اى وأهلك المؤتفكة وقيل هو منصوب بقوله أَهْوى اى أسقطها الى الأرض مقلوبة بعد ان رفعها على جناح جبريل الى السماء فالاهواء بمعنى انداختن وقال الزجاج القاها فى الهاوية فَغَشَّاها ما غَشَّى من فنون العذاب (وقال الكاشفى) پس بپوشانيد آن شهرها را آنچهـ بپوشانيد يعنى سنكهاى نشان داده بر ان بارانيد وفيه من التهويل والتفظيع ما لا غاية وراءه قوله ما غشى مفعول ثان ان قلنا ان التضعيف للتعدية اى البس الله المؤتفكة ما البسها إياه من العذاب كالحجارة المنضودة المسومة فمفعولا الفعل الاول مذكوران والثاني محذوفان وان قلنا انه للمبالغة والتكثير فهو فاعل كقوله فغشيهم من اليم ما غشيهم وفي الآية اشارة الى قرية القالب وانقلابها من أعلى الكمال الى أسفل النقصان ومن اعتدال المزاج الى انحرافه وذلك سبب ظلم النفس الامارة عليها باستيفاء الحظوظ والشهوات كما قال تعالى وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها الآية فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى الآلاء النعم واحدها الى والى والى كما في القاموس والتمارى والامتراء والمماراة المحاجة فيما فيه مرية اى شك وتردد قال في تاج المصادر التمارى بشك شدن وبا يكديكر بستيهبدن واسناد فعل التمارى الى الواحد باعتبار تعدده بحسب تعدد متعلقه والخطاب للرسول عليه السلام فهو من باب الالهاب والتعريض بالغير على طريقة قوله تعالى لئن أشركت ليحبطن عملك او لكل واحد وجعل الأمور المعدودة آلاء مع ان بعضها نقم لما انها ايضا نعم من حيث انها نصرة للانبياء والمؤمنين وانتقام لهم وفيها عظات وعبر للمعتبرين قال في بحر العلوم وهلاك أعداء الله والنجاة من صحبتهم وشرهم والعصمة من مكرهم من أعظم آلائه الواصلة الى المؤمنين قال المتنبي
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... عدواله ما من صداقته بد
وقد امر نوحا بالحمد على ذلك في قوله فقل الحمد الله الذي نجانا من القوم الظالمين وقد حمد هو بنفسه على ذلك في موضع آخر تعليما لعباده حيث قال فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين وقد سجد عليه السلام سجدة الشكر حين رأى رأس ابى جهل قد قطعت في غزوة بدر وفي التأويلات النجمية يشير الى استحقاق الشكر الجزيل على آلائه التي عددها وسماها آلاء لاشتمالها على نعم المواعظ ونعم الزواجر واستبعاد الشك والمماراة فيها والخطاب لافراد الامة(9/258)
هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)
لاشتمال النبي عليه السلام على أمته كما قال ان ابراهيم كان أمته قانتا انتهى ومعنى الآية إذا عرفت يا محمد هذه المذكورات فبأى نعمة من نعم ربك تتشكك بأنها ليست من عند الله او في كونها نعمة وبالفارسية پس بكدامين از نعمتهاى آفريدگار خود شك مى آرى وجدال ميكنى فكما نصرت اخوانك من الأنبياء الماضين ونصرت أولياءهم وأهلكت أعدائهم فكذلك افعل بك فلا يكن قلبك في ضيق وحرج مما رأيت من اصرار هؤلاء القوم وعنادهم واستكبارهم هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى هذا اما اشارة الى القرآن والنذير مصدر اى هذا القرآن الذي تشاهدونه إنذار كائن من قبيل الانذارات المتقدمة التي سمعتم عاقبتها او الى الرسول والنذير بمعنى المنذر اى هذا الرسول نذير من جنس المنذرين الأولين والاولى على تأويل الجماعة لمراعاة الفواصل وقد علمتم احوال قومهم المنذرين وفي التأويلات النجمية يشير الى القرآن او الى الرسول وشبه انذارهما بانذار الكبت الماضية والرسول المتقدمة يقول الفقير فيه اشارة الى نذارة كمل ورثته عليه السلام فان كل نذير متأخر فهو من قبيل النذر الاولى لاتحاد كلمتهم ودعوتهم الى الله على بصيرة وكذا ما ألهموا به من الانذارات بحسب الاعصار والمشارب فطوبى لاهل المتابعة وويل لاهل المخالفة
بكوى آنچهـ دانى سخن سودمند ... وكر هيچ كس را نيايد پسند
كه فردا پشيمان بر آرد خروش ... كه آوخ چرا حق نكردم بكوش
بكمراه كفتن نيكو ميروى ... كناه بزركست وجور قوى
مكو شهد شيرين شكر فايقست ... كسى را كه سقمونيا لا يقست
چهـ خوش كفت يكروز دار وفروش ... شفا بايدت داروى تلخ نوش
أَزِفَتِ الْآزِفَةُ فى إيراده عقيب المذكورات اشعار بأن تعذيبهم مؤخر الى يوم القيامة تعظيما للنبى عليه السلام وان كانوا معذبين في الدنيا ايضا في الجملة واللام للعهد فلذا صح الاخبار بدونها ولو كانت للجنس لما صح لانه لا فائدة في الاخبار بقرب آزفة ما فان قلت الاخبار بقرب الآزفة المعهودة لا فائدة فيه ايضا قلت فيه فائدة وهو التأكيد وتقرير الانذار والأزف ضيق الوقت لقرب وقت الساعة وعلى ذلك عبر عن القيامة بالساعة يقال أزف الترحل كفرح ازفا وأزوفا دنا والأزف محركة الضيق كما في القاموس والمعنى دنت الساعة الموصوفة بالدنو فى نحو قوله تعالى اقتربت الساعة اى في الدلالة على كمال قربها لما في صيغة الافتعال من المبالغة ففى الآية اشارة الى كمال قربها حيث نسب القرب الى الموصوف به لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ اى ليس لها انفس قادرة على كشفها اى إزالتها وردها عند وقوعها في وقتها المقدر لها الا الله لكنه لا يكشفها من كشف الضر اى ازاله بالكلية فالكاشفة اسم فاعل والتاء للتأنيث والموصوف مقدر او ليس لها الآن نفس كاشفة بتأخير ها الا الله فانه المؤخر لها يعنى لو وقت الآن لم يردها الى وقتها أحد الا الله فالكشف بمعنى الازالة لا بالكلية بل بالتأخير الى وقتها او ليس لها كاشفة لوقتها الا الله اى عالمة به من كشف الشيء إذا عرف حقيقته او مبينة له متى تقوم وفي القرآن لا يجليها لوقتها الا هو او ليس لها من غير الله كشف(9/259)
أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)
على ان كاشفة مصدر كالعاقبة والخائنة واما جعل التاء للمبالغة كتاء علامة فالمقام يأباه لا يهامه ثبوت اصل الكشف لغيره وفي الآية اشارة الى قرب القيامة الكبرى ووقوع الطامة العظمى وهى ظهور الحقيقة المثلى لأهل الفناء عن نفوسهم والإقبال على الله بجمع الهمة وقوة العزيمة ليس لها من دون الله كاشفة بالنسبة الى اهل الحجاب لانهم مستغرقون فى بحر الغفلة مستهلكون في أسر الشهوة والإنسان فان في كل آن وزمان وماله شعور بذلك فياليته كشف عن غطائه وتشرف برؤية الله ولقائه وقد قالوا قيامة العارفين دائمة اى لانهم في شهود الأمر على ما كان عليه ولا يتوقف شهودهم على وقوع القيامة الظاهرة ومن هنا قال الامام على كرم الله وجهه لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا فطوبى لمن زاد يقينه ووصل الى حق اليقين وتمكن في مقام التحقيق والله المعين أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ آيا ازين سخن كه قرآنست تَعْجَبُونَ
إنكارا قال الراغب العجب والتعجب حالة تعرض للانسان عند الجهل بسبب الشيء ولهذا قال بعض الحكماء العجب ما لا يعرف سببه وَتَضْحَكُونَ استهزاء مع كونه ابعد شيء من ذلك قال الراغب واستعير الضحك للسخرية فقيل ضحكت منه وَلا تَبْكُونَ حزنا على ما فرطتم في شانه وخوفا من أن يحيق بكم ما حاق بالأمم المذكورة (روى) انه عليه السلام لم ير ضاحكا بعد نزول هذه الآية وعن ابى هريرة رضى الله عنه لما نزلت هذه الآية بكى اهل الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم فلما سمع رسول الله عليه السلام حنينهم بكى معهم فبكينا لبكائه فقال عليه السلام لا يلج النار من بكى من خشية الله ولا يدخل الجنة مصر على معصية الله ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون ثم يغفر لهم (وروى) ان النبي عليه السلام نزل عليه جبريل وعنده رجل يبكى فقال له من هذا فقال فلان فقال جبرائيل انا نزن اعمال بنى آدم كلها الا البكاء فان الله ليطفئ بالدمعة بحورا من نيران جهنم وفي الحديث (ان هذا القرآن نزل بحزن فاذا قرأ تموه فابكوا فان لم تبكوا فتباكوا) وذلك فان الحزن يؤدى الى السرور والبكاء الى الضحك (قال الصائب)
منال اى ساكن بيت الحزن از چشم تاريكى ... كه خواهد صيقلى كشت از جمال روشن يوسف
(وقال)
خنده كردن رخنه در قصر حيات افكندنست ... خانه در بسته باشد تا غمين باشد كسى
وَأَنْتُمْ سامِدُونَ اى لاهون او مستكبرون من سمد البعير في مسيره إذا رفع رأسه قال الراغب السامد اللاهي الرافع رأسه او مغنون لتشغلوا الناس عن استماعه من السمود بمعنى الغناء على لغة حمير وكانوا إذا سمعوا القرآن عارضوه بالغناء واللهو ليشغلوهم عن الاستماع او خاشعون جامدون من السمود بمعنى الجمود والخشوع والجملة حال من فاعل لا تبكون خلا ان مضمونها على الوجه الا خير قيد للمنفى والإنكار وأراد على نفى البكاء والسمود معا وعلى الوجوه الاول قيد للنفى والإنكار متوجه الى نفى البكاء ووجود السمود والاول او في بحق المقام فتدبر كما في الإرشاد فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا الفاء لترتيب الأمر(9/260)
او موجبه على ما تقرر من بطلان مقابلة القرآن بالإنكار واستهزاء ووجوب تلقيه بالايمان مع كمال الخضوع والخشوع اى وإذا كان الأمر كذلك فاسجدوا لله الذي أنزله واعبدوه ولا تعبدوا غيره من ملك او بشر فضلا عن جماد لا يضر ولا ينفع كالاصنام والكواكب قال في عين المعاني فاسجدوا اى في الصلاة والأصح انه على الانفراد وهى سجدة التلاوة انتهى وهذا محل سجود عند ابى حنيفة والشافعي واحمد وهو قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه لانه صح عن رسول الله عليه السلام انه سجد بالنجم يعنى بعد تلاوته هذه السورة على قريش سجد وسجد معه المؤمن والمشرك والانس والجن كما سبق وليس يراها مالك لما روى عن زيد بن ثابت رضى الله عنه انه قرأ على النبي عليه السلام والنجم فلم يسجد فيها (قال الكاشفى) اين سجده دوازدهم است از سجدات قرآنى در فتوحات اين را سجده عبادت كفتند كه امر آلهى بذلت ومسكنت مقترنست بوى وجز سالكان طريقت عبادت وعبوديت بسر منزل سر اين سخن نرسيده اند وفي التأويلات البقلى اى إذا قرب ايام الوصال فاشتاقوا وسارعوا في بذل الوجود ووضع الخدود
على التراب واعبدوا رب الأرباب لوجود كشف النقاب قال شيخى وسندى روح الله روحه في كتاب البرقيات له يعنى اسجدوا لله واعبدوا الله بالله لا بالنفس إذا سجدتم وعبدتم له بسجدة القالب بالانقياد وعبادته بالإذعان فى مرتبة الشريعة وبسجدة القلب بالفناء وعبادته بالاستهلاك في مرتبة الحقيقة حتى تكون سجدتكم وعبادتكم محض قربة الى الله في المرتبة الاولى وصرف وصلة الى الله في المرتبة الثانية وتكونوا من المقربين اولا ومن الواصلين ثانيا هذا شأن عباد الله الموحدين المخلصين الفانين في الله الباقين بالله واما طاعة من عداهم فبأنفسهم وهواهم لعدم تخلصهم من الشوائب النفسانية في مقام الشريعة ومن الشوائب الغيرية في مقام الحقيقة واعلم ان سجدة القالب وعبادته منقطعة لانقطاع سببها ومحلها وموطنها لانها حادثة فانية زائلة واما سجدة القلب وعبادته وهى فناؤه في الله ازلا وابدا بحسب نفسه وان كان باقيا بالله بحسب تحلية الوجود فغير منقطعة بل هى دائمة لدوام سببها وباقية لبقاء محلها وموطنها ازلا وابدا والمقصود من وضع السجدة والعبادة القالبية هو الوصول الى شهود السجدة والعبادة القلبية ولذا حبب الى النبي عليه السلام ثلاث الطيب والنساء والصلاة اما الاول فلأنه يوجد في نفسه ذوق الانس والمحاضرة واما الثاني فلأنه يوجد فيه ذوق القربة والوصلة واما الثالث فلأنه يوجد فيه ذوق المكاشفة والمشاهدة وهذه الأذواق انما يتحقق بها من الانس من هو الإنسان الحقيقي المتحقق بسر الحضرة الاحدية والمتنور بنور الحضرة الواحدية وهو المنتفع بانسانيته انتفاعا تاما واما الإنسان الحيواني فلاحظ له من ذلك التحقق ولا نصيب له من هذا الانتفاع بل حظه ونصيبه انما هو الشهوات الطبيعية والإنسان الاول فى أعلى عليين والثاني في أسفل السافلين وبينهما بون بعيد كما بين الأوج والحضيض وبكمال علو الاول قد يستغنى عن الاكل والشرب كالملائكة بالاذواق الروحانية والتجليات الربانية وذلك مدة كثيرة كما وقع لبعضهم ولتمام تسفل الثاني يأكل كما تأكل الانعام فلا(9/261)
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)
يقتنع في اليوم والليلة بمرة من الاكل بل يحتاج الى مرات منها والا يقع في الاضطراب والذبول والنحول وربما تؤدى قلة الاكل الى هلاكه كما حكى ان شخصين أحدهما سمين والآخر هزيل حبسا في تهمة ومنع عنهما الغذاء اسبوعا فبعد الأسبوع تبين ان ليس لهما جرم فاذا السمين قدمات والهزيل حى وذلك لان من اعتاد الاكل إذا لم يجده هلك تمت سورة النجم بعون الله تعالى في الحادي عشر من شهر رمضان المنتظم في سلك شهور سنة اربع عشرة ومائة والف
تفسير سورة القمر
وآيها خمس وخمسون وهى مكية عند الجمهور والله اعلم بسم الله الرحمن الرحيم
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ الاقتراب نزديك آمدن والساعة جزء من اجزاء الزمان عبر بها عن القيامة تشبيها لها بذلك لسرعة حسابها أو لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا او لانها ساعة خفيفة يحدث فيها امر عظيم او لغير ذلك كما بين فيما سبق والمعنى دنت القيامة وقرب قيامها ووقوعها لانه ما بقي من الدنيا الا قليل كما قال عليه السلام ان الله جعل الدنيا كلها قليلا فما بقي منها قليل من قليل ومثل ما بقي مثل الثعب اى الغدير شرب صفوه وبقي كدره فالاقتراب يدل على مضى الأكثر ويمضى الأقل عن قريب كما مضى الأكثر وبيانه انه مضى من يوم السنبلة وهو سبعة آلاف سنة وقد صح ان مدة هذه الامة تزيد على الف بنحو اربعمائة سنة الى خمسمائة سنة ولا يجوز الزيادة الى خمسمائة سنة بعد الالف لعدم ورود الاخبار في ذلك ولاقتضاء البراهين والشواهد عند اهل الظواهر والبواطن من اهل السنة وقد قال عليه السلام الآيات بعد المائتين والمهدى بعد المائتين فتنتهى دورة السنبلة بظهور عيسى عليه السلام فيكون آدم فاتحها وعيسى خاتمها فعلى هذا فآدم ونبينا عليهما السلام اى وجودهما من اشراط الساعة كما قال عليه السلام مثلى ومثل الساعة كفرسى رهان فاذا كان وجوده من اشراط الساعة فمعجزاته من انشقاق القمر ونحوه تكون كذلك يقول الفقير فان قلت فكم عمر الدنيا بأسرها وما قول العلماء فيه قلت اتفقوا على حدوث الدنيا وما قطعوا بشيء في مدتها والذي يلوح لى والله اعلم بحقيقة المدة انها ثلاثمائة وستون الف سنة وذلك لانه قد مثل دور السنبلة بجمعة من جمع الآخرة اى سبعة ايام وكل يوم من ايام الآخرة الف سنة كما قال تعالى وان يوما عند ربك كألف سنة ولا شك ان بالجمعة اى الأسبوع يتقدر الشهر وبالشهر تتقدر السنة وعليه يحمل ما ورد عن ابن عباس رضى الله عنهما الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة فقد مضى ستة آلاف سنة ومائة سنة وليأتين عليها زمن من سنين ليس عليها من يوحد وقد خاطبت الدنيا آدم عليه السلام فقالت يا آدم جئت وقد انقضى شبابى يعنى انقضى من عمرها ستون الف سنة تقريبا وهى إجمال ما ذكرنا من المدة ولا شك ان ما بين الستين والسبعين دقاقة الرقاب فآدم انما جاء الى الدنيا وقد انقضى عمرها وبقي شيء قليل منها وعلى هذا المعنى يحمل قول من قال ان عمر الدنيا(9/262)
سبعون الف سنة فاعرف جدا فالساعة مقتربة عند الله وعند الناس لان كل آت قريب وان طالت مدته فكيف إذا قصرت واما قوله تعالى انهم يرونه بعيدا ونراه قريبا فبالنسبة الى الغافلين المنكرين ولا عبرة بهم والحكمة في ذكر اقتراب الساعة تحذير المكلف وحثه على الطاعة تنبيها لعباده على ان الساعة من أعظم الأمور الكونية على خلقه من اهل السموات والأرض واما تعيين وقت الساعة فقد انفرد الحق تعالى بعلمه وأخفاه عن عباده لانه أصلح لهم ولذا كان كل نبى قد انذر أمته الدجال وفي الحديث (ان بين يدى الساعة كذا بين فاحذر وهم) والمراد بالكذابين الدجاجلة وهم الائمة المضلون يقول الفقير لا شك ان إنذار الأنبياء عليهم السلام حقيقة من أمثال هؤلاء الدجاجلة من أممهم إذ لم يخل قرن منهم والا فهم يعرفون ان الساعة انما تقوم بعد ظهور ختم النبيين وختم الأمم وان الدجال الأعور الكذاب متأخر عن زمانه وانما يخرج في الالف الثاني بعد المائتين والله اعلم فكل كذاب بين يدى الساعة سوآء كان قبل مبعث النبي عليه السلام او بعده فانما هو من مقدمات الدجال المعروف كما ان كل اهل صدق من مقدمات المهدى رضى الله عنه وَانْشَقَّ الْقَمَرُ الانشقاق شكافته شدن دلت صيغة الماضي على تحقق الانشقاق فى زمن النبي عليه السلام ويدل عليه قراءة حذيفة رضى الله عنه وقد انشق القمر اى اقتربت الساعة وقد حصل من آيات اقترابها ان القمر قد انشق وقد خطب حذيفة بالمدائن ثم قال الا ان الساعة قد اقتربت وان القمر قد انشق على عهد نبيكم وحذيفة ابن اليمان رضى الله عنه صاحب سر رسول الله عليه السلام كابن مسعود رضى الله عنه وعلى هذا القول عامة الصحابة ومن بعدهم وبه أخذ اكثر المفسرين
فلا عبرة بقول من قال انه سينشق يوم القيامة كما قال تعالى إذا السماء انشقت والتعبير بالماضي للدلالة على تحققه على انا نقول يجوز أن يكون انشقاقه مرتين مرة في زمانه عليه السلام اشارة الى قرب الساعة ومرة يوم القيامة حين انشقاق السماء وفي فتح الباري لابن حجر حنين الجذع وانشقاق القمر نقل كل منهما نقلا مستفيضا يفيد القطع عند من يطلع على طرق الحديث انتهى وقال الطيبي أسند ابو اسحق الزجاج عشرين حديثا الا واحدا في تفسيره الى رسول الله عليه السلام في انشقاق القمر وفي شرح الشريف للمواقف هذا متواتر رواه جمع كثير من الصحابة كابن مسعود وغيره قال سعدى المفتى فيه انهم لم يجعلوا حديث من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار وقد رواه ستون او اكثر من الصحابة وفيهم العشرة من المتواتر فكيف يجعل هذا منه انتهى يقول الفقير قد جعل ابن الصلاح ومن تبعه ذلك الحديث اى حديث من كذب إلخ من المتواتر كما في اصول الحديث على انه يجوز أن لا يكون بعض ما رواه جمع كثير من المتواتر لعدم استجماع شرائطه (امام زاهد رحمه الله) آورده كه شبى ابو جهل وجهودى بحضرت پيغمبر عليه السلام رسيدند ابو جهل كفت اى محمد آيتي بمن نماى والاسر تو بشمشير برميدارم آن حضرت فرمود كه چهـ ميخواهى ابو جهل بجب وراست نكريست كه چهـ خواهد كه وقوع آن متعذر باشد يهودى گفت او ساحرست او را بكوى كه ماه را(9/263)
بشكافد كه سحر در زمين متحقق ميشود وساحر را در آسمان تصرف نيست ابو جهل كفت اى محمد ماه را براى ما بشكاف آن حضرت انكشت شهادت بر آورد واشارت فرمود ماه را بشكافت في الحال دو نيم شد يك نيم بر جاى خود قرار كرفت ويكى ديكر جايى ديكر رفت وباز كفت بكوى تا ملتئم شود اشارت كرد هر دو نيمه بهم پيوستند
شق كشت ماه چارده بر لوح سبز چرخ ... چون خامه دبير ز تيغ بنان او
(قال العطار قدس سره)
ماه را انكشت او بشكافته ... مهر از فرمانش از پس تافته
(وفي المثنوى)
پس قمر كه امر بشنيد وشتافت ... پس دو نيمه كشت بر چرخ وشكافت
(وقال الجامى)
چومه را بر سر تير اشارت ... زد از سبابه معجز بشارت
دو نون شد ميم دور حلقه ماه ... چهل را ساخت او شصت از دو پنجاه
بلى چون داشت دستش بر قلم پشت ... رقم زد خط شق بر مه بر انكشت
يهودى ايمان آورد وابو جهل لعين كفت چشم ما بسحر رفته است وقمر را منشق بما نموده وقال بعض المفسرين اجتمع بعض صناديد قريش فقالوا ان كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين ووعدوا الايمان وكانت ليلة البدر فرفع عليه السلام إصبعه وامر القمر بأن ينشق نصفين فانفلق فلقتين اى شقين فلقة ذهبت عن موضع القمر وفلقة بقيت في موضعه وقال ابن مسعود رضى الله عنه رأيت حرآء بين فلقى القمر فعلى هذا فالنصفان ذهبا جميعا عن موضع القمر فقال بعضهم نصف ذهب الى المشرق ونصف الى المغرب واظلمت الدنيا ساعة ثم طلعا والتقيا في وسط السماء كما كان أول مرة فقال عليه السلام اشهدوا اشهدوا وعند ذلك قال كفار قريش سحركم ابن ابى كبشة فقال رجل منهم ان محمدا ان كان سحر القمر بالنسبة إليكم فانه لا يبلغ من سحره أن يسحر جميع اهل الأرض فاسألوا من يأتيكم من البلاد هل رأوا هذا يعنى از جماعت مسافران كه از أطراف آفاق برسند سؤال كنيد تا ايشان ديده اند يا نه فسألوا اهل الآفاق فأخبروا كلهم بذلك يعنى چون از آينده ورونده پرسيدند همه جواب دادند كه در فلان شب ماه را دو نيمه ديديم وهذا الكلام كما لا يخفى يدل على انه لم يختص برؤية القمر منشقا اهل مكة بل راه كذلك جميع اهل الآفاق وبه يرد قول بعض الملاحدة لو وقع انشقاق القمر لاشترك اهل الأرض كلهم في رؤيته ومعرفته ولم يختص بها اهل مكة ولا يحسن الجواب عند بأنه طلبه جماعة فاختصت رؤيته بمن اقترح وقوعه ولا بانه قد يكون القمر حينئذ في بعض المنازل التي تظهر لبعض اهل الآفاق دون بعض ولا بقول بعضهم ان انشقاق القمر آية ليلية جرى مع طائفة في جنح ليلة ومعظم الناس نيام كما في انسان العيون وقال في الاسئلة المقحمة لا يستبعد اختفاؤه عن قوم دون قوم بسبب غيم او غيره يمنع من رؤيته اى فكان انشقاق(9/264)
القمر صحيحا لكنه لم ينقل بطريق التواتر ولم يشترك فيه العرب والعجم في جميع الأقطار القاصية والدانية ولذا وقع فيه الاختلاف كما وقع في المعراج والرؤية والى انشقاق القمر أشار الامام السبكى في تائيته بقوله
وبدر الدياجي انشق نصفين عند ما ... أرادت قريش منك اظهار آية
وصاحب القصيدة البردية بقوله ... أقسمت بالقمر المنشق ان له
من قلبه نسبة مبرورة القسم
يعنى لو أقسم أحد أن للقمر المنشق نسبة وشبها بقلبه المنشق يكون بارا وصادقا وصاحب الهمزية بقوله
شق عن صدره وشق له البد ... ر ومن شرط كل شرط جزاء
اى شق عن صدره عليه السلام وشق لاجله القمر ليلة اربع عشرة وانما شق له لان من شرط كل شرط جزاء لانه لما شق صدره جوزى على ذلك بأعظم مشابه له في الصورة وهو شق القمر الذي هو من أظهر المعجزات بل أعظمها بعد القرآن (كما قال الصائب)
هر محنتى مقدمه راحتى بود ... شد همزبان حق چوزبان كليم سوخت
موسى كليم را انفلاق بحر بود ومصطفى حبيب را انشقاق قمر بود چهـ عجب كر بحر بر موسى بضرب عصا شكافته شد كه بحر مركوب وملموس است دست آدمي بدو رسد وقصد آدمي بوى اثر دارد اعجوبه مملكت انشقاق قمر است كه عالميان از دريافت آن عاجز ودست جن وانس از رسيدن بوى قاصر وبيان شق الصدر انه قالت حليمة امه عليه السلام من الرضاعة وهى من بنات بنى سعد بن بكر أسلمت مع أولادها وزوجها بعد البعثة لما كان يوم من الأيام خرج محمد مع اخوته من الرضاعة وكان يومئذ ابن خمس سنين على ما قال ابن عباس رضى الله عنهما فلما انتصف النهار إذا أنا يا بنى حمزة يعدو وقد علاه العرق باكيا ينادى يا أماه يا أبتاه أدركا أدركا أخي القرشي فما أراكما تلحقانه إلا ميتا قلت وما قصته قال بينا نحن نترامى بالجلة إذا أتاه رجل فاختطفه من بيننا وعلابه ذروة الجبل وشق صدره الى عانته فما أراه الا مقتولا قالت فأقبلت انا وزوجى نسعى سعيا فاذا أنابه قاعد على ذروة الجبل شاخص بعينه نحو السماء يتبسم فانكبيت عليه وقبلت بين عينيه فقلت له فداك نفسى ما الذي دهاك قال خيريا امه بينا انا الساعة قائم مع إخوتي نتقاذق بالجملة إذ أتاني رجلان عليهما نياب بيض وفي رواية فأقبل الى طيران أبيضان كأنهما نسران وفي رواية كركيان والمراد ملكان وهما جبرائيل وميكائيل وفي رواية أتانى ثلاثة رهط اى وهم جبرائيل وميكائيل واسرافيل لان جبريل ملك الوحى الذي به حياة القلوب وميكائيل ملك الرزق الذي به حياة الأجساد واسرافيل مظهر الحياة مطلقا في يد أحدهم إبريق من فضة وفي يد الثاني طست من زمرد اخضر مملوء ثلجا وهو ثلج اليقين فأخذونى من بين أصحابي وانطلقوا بي الى ذروة الجبل وفي رواية الى شفير الوادي فأضجعنى بعضهم على الجبل اضجاعا لطيفا ثم شق صدرى وانا انظر اليه فلم أجد لذلك حسا ولا الما ثم ادخل يده في جوفى فأخرج(9/265)
أحشاء بطني فغسلها بذلك الثلج فأنعم غسلها اى بالغ في غسلها ثم أعادها مكانها وقام الثاني وقال للاول تنح فقد أنجزت ما أمرك الله فدنا منى فأدخل يده في جوفى فانتزع قلبى وشقه باثنين فأخرج منه علقة سوداء فرمى بها وقال هذا حظ الشيطان اى محل غمزه ومحل ما يلقيه من الأمور التي لا ننبغى لان تلك العلقة خلقها الله في قلوب البشر قابلة لما يلقيه الشيطان فيها فأزيلت من قلبه وبعض ورثته الكمل يقيئ دما اسود محترقا من نور التوحيد فيحصل به شرح الصدر وشق القلب ايضا ولا يلزم من وجود القابل لما يلقيه الشيطان حصول الإلقاء بالفعل قبل هذا الشق فانه عليه السلام معصوم على كل حال فان قلت فلم خلق الله هذا القابل في هذه الذات الشريفة وكان من الممكن أن لا يخلق فيها قلت لانه من جملة الاجزاء الانسانية فخلقت تكملة للخلق الإنساني ثم تزعت تكرمة له اى لانه لو خلق خاليا عنها لم تظهر تلك الكرامة وفيه انه يرد على ذلك ولادته عليه السلام من غير قلفة وهى جلدة الذكر التي يقطعها الخاتن وأجيب بالفرق بينهما لان القلفة لما كانت تزال ولا بد من كل أحد مع ما يلزم على إزالتها من كشف العورة كان نقص الخلقة الانسانية عنها عين الكمال قال عليه السلام ثم حشا قلبى بشيء كان معه وهو الحكمة والايمان ورده مكانه ثم ختمه بخاتم من نوريحا الناظرون دونه وفي رواية واقبل الملك وفي يده خاتم له شعاع فوضعه بين كتفيه وثدييه ولا مانع من تعدد الختم فختم القلب لحفظ ما فيه وبين الكتفين مبالغة في
حفظ ذلك لان الصدر وعاؤه القريب وجسده وعاؤه البعيد وخص بين الكتفين لانه اقرب اليه من القلب من بقية الجسد وهو موضع نفوذ خرطوم إبليس لان العدو يجيئ من ورلء ولذا سن الحجامة فيه ثم قال عليه السلام انا الساعة أجد برد الخاتم في عروقى ومفاصلى وقام الثالث فقال تنحيا فقد أنجز تماما امر الله فيه فدنا منى وأمر يده على مفرق صدرى الى منتهى الشق فالتأم وانا انظر اليه وكانوا يرونه اثرا كأثر المخيط في صدره وهو اثر مرور يد جبريل ثم انهضنى من الأرض إنهاضا لطيفا ثم قال الاول الذي شق صدرى زنه بعشرة من أمته فوزننى فرجحتهم ثم قال زنه بعشرين فرجحتهم ثم قال زنه بمائة فرجحتهم ثم قال زنه بألف فرجحتهم ثم قال دعه فلو وزنتموه بامته كلهم لرجحهم يقول الفقير هذا يدل على انه عليه السلام كما انه أفضل من كل فرد فرد من افراد الموجودات فكذا أفضل من المجموع ولا عبرة بقول من قال في كونه أفضل من المجموع توقف لانه جهل بشأنه العالي وانه احدية مجموع الأسماء الالهية وبرزخيتها فاعرف قال عليه السلام ثم انكبوا على وقبلوا رأسى وما بين عينى وقالوا ياحبيباه انك لو تدرى ما يراد بك من الخير لقرت عيناك وتركونى قاعدا في مكانى هذا وجعلوا يطيرون حتى دخلوا خلال السماء وانا انظر إليهم ولو شئت لارينك موضع دخولهم واعلم ان صدره الشريف شق مرار امرة لاخراج حظ الشيطان كما مر لانه لا يليق به وعند مجيئ الوحى لتحمل ثقله وعند المعراج لتحمل أسراره ففى شرح الصدر مرارا مزيد تقوية لباطنه وهذا الشرح معنوى لأكامل أمته ولا بد منه في حصول الفيض الإلهي يسره الله لى ولكم ثم انه بقي هنا معنى آخر كما(9/266)
وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2)
قاله البعض وهو ان انشقاق القمر مجاز عن وضوح الأمر ولا يبعد ان يحمل بيت المثنوى على ذلك وهو
سايه خواب آرد ترا همچون سمر ... چون بر آيد شمس انشق القمر
اى وضح الآمر واستبان وذلك لانه عند اقتراب الساعة ينكشف كل خفى ويظهر كل مستور ويستبين الحق من الباطل من كل وجه ويدل على هذا المعنى قوله عليه السلام إذا تقارب الزمان لم تكدرؤيا المؤمن تكذب فان المراد وضوح الأمر في آخر الزمان وظهور حقيقته ولذا يصير الناس بحيث ينكشف لأدنى سالك منهم في مدة قليلة ما لم ينكشف للامم الماضية في مدة طويلة وذلك لان الله تعالى قال في حق يوم القيامة يوم تبلى السرائر فاذا قرب الزمان من ذلك اليوم يأخذ حكمه فيكون كشف الأمور اكثر والخفايا اظهر وقال البقلى رحمه الله علم الله انتظار أرواح الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين والأولياء العارفين وجميع الصالحين كشف جماله وقرب وصاله والدخول في جواره فبشرهم الله تعالى بأنه مقرون بقدوم محمد عليه السلام فلما خرج بالنبوة شك فيه المشركون فأراهم الله صدق وعده بانشقاق القمر حتى يعرفوا ان الله تعالى يريد بالعالمين إتيان الساعة التي فيها كشوف العجائب وظهور الغرائب من آيات الله وصفاته وذاته وفي التأويلات النجمية اعلم ان الساعة اى القيامة ساعتان الكبرى وهى عامة بالنسية الى جميع الخلائق وهى التي اقتربت والصغرى وهى خاصة بالنسبة الى السالكين الى الله برفع الأوصاف البشرية وقطع العلائق الطبيعية السائرين في الله بالتجلى بالأوصاف الالهية والأخلاق الربانية الراجعين من الحق الى الخلق بالبقاء الحقانى بعد الفناء الخلقاني وبالجمع بعد الفرق وهى أعنى الساعة الصغرى واقعة اليوم فى كل آن ولله تجلى جلالى يفنى وجمالى يبقى واليه اشارة قوله عليه السلام من مات فقد قامت قيامته فقد انشق قمر قلب السالك عن ظلمة النفس المظلمة باستيلاء نور شمس فلك الروح عليها فلا جرم وقعت الساعة بالنسبة الى القلب الحي المنور بالنور الإلهي ووقعت القيامة الخاصة الشاملة على الموت والحشر والنشور فافهم ولا تعجب لئلا تكون ممن قال تعالى فيهم أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون والله الموفق والمعين وَإِنْ يَرَوْا يعنى قريشا آيَةً من آيات الله دالة على قدرته وصدق نبوة حبيبه عليه السلام مثل انشقاق القمر ونظائره ومعنى تسمية ما جاءت به الأنبياء معجزة هو ان الخلق عجزوا عن الإتيان بمثلها يُعْرِضُوا عن التأمل فيها ليقفو على حقيقتها وعلو طبقتها فيؤمنوا وَيَقُولُوا هذا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ مطرد دائم يأتى به محمد عليه السلام على ممر الزمان لا يكاد يختلف بحال كسائر انواع السحر فالاستمرار بمعنى الاطراد يقال اطرد الشيء تبع بعضه بعضا وجرى وهو يدل على انهم رأوا قبله آيات اخرى مترادفة حتى قالوا ذلك وفيه تأييد ان انشقاق القمر قد وقع لا انه سينشق يوم القيامة كما قاله بعضهم وذلك لانه لو لم يكن الانشقاق من جنس الآيات لم يكن ذكر هذا القول مناسبا للمقام او مطردا بالنسبة الى جميع الاشخاص والبلاد حيث رأوه منشقا وقال بعضهم آن جاد وييست دائم ورونده از زمين تا بآسمان(9/267)
وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)
ويجوز أن يكون مستمر من المرة بالكسر بمعنى القوة امررته فاستمر إذا أحكمته فاستحكم فالاستمرار بمعنى الاستحكام اى قوى مستحكم لا يمكن إزالته او قوى شديد يعلو كل سحر وقيل مستمر ذاهب يزول ولا يبقى عن قريب تمنية لأنفسهم وتعليلا فهو من المرور وَكَذَّبُوا اى بالنبي عليه السلام وما عاينوه من معجزات التي أظهرها الله على يده وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ التي زينها الشيطان لهم من رد الحق بعد ظهوره او كذبوا الآية التي هى انشقاق القمر واتبعوا أهواءهم وقالوا سحر القمر او سحر أعيننا والقمر بحاله ولم يصبه شيء او انه خسوف في القمر وظهور شيء من جانب آخر من الجو يشبه نصف القمر فهذه أهواؤهم الباطلة
بد كمانى لازم بد باطنان افتاده است ... كوشه از خلق جا كردم كمين پنداشتند
وذكرهما بلفظ الماضي اى بعد يعرضوا ويقولوا بلفظ المستقبل للاشعار بأنهما من عادتهم القديمة وفيه اشارة الى المحجوبين المستغرقين في بحر الدنيا وشهواتها فانهم إذا ظهر لهم خاطر رحمانى بالإقبال على الله ومتابعة الرسول وترك حب الدنيا ورفع شهواتها يعرضوا عن هذا الخاطر الرحمانى وينفوه ولا يلتفتوا اليه ولا يعتبروه بل يزدادوا فيماهم عليه من حب الدنيا ومتابعة النفس وموافقة الهوى ويرموه بالكذب وربما يرى بعضهم في منامه انه لبس خرقة الفقراء من خارج ولكن تحتها قميص حرير فهذا يدل على ان تجرده ليس من باطنه فتجرده الظاهري وملاحظة الفناء القشرى ليس بنافع له جدا وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ اى وكل امر من الأمور مستقر اى منته الى غاية يستقر عليها لا محالة ومن جملتها امر النبي عليه السلام فسيصير الى غاية يتبين عندها حقيقته وعلو شأنه وإبهام المستقر عليه للتنبيه على كمال ظهور الحال وعدم الحاجة الى التصريح به او كل امر من أمرهم وامره عليه السلام مستقر اى سيثبت ويستقر على حالة خذلان او نصرة في الدنيا وشقاوة او سعادة في الآخرة فان الشيء إذا انتهى الى غايته ثبت واستقر يعنى ان الاستقرار كناية عن ملزومه وهو الانتهاء الى الغاية فان عنده يتبين حقيقة كل شيء من الخير والشر والحق والباطل والهوى والحجة وينكشف جلية الحال ويضمحل الشبه والالتباس فان الحقائق انما تظهر عند العواقب فهذا وعيد للمشركين ووعد وبشارة للرسول والمؤمنين ونظيره لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون اى كل نبأ وان طالت مدته فلا بد ان ينتهى الى غايته وتنكشف حقيقته من حق وباطل وفي عين المعاني وكل امر وعدهم الله كائن في وقته اى لا يتغير شيء عن مراد الله ولا يغيره أحد دون الله فهو يمضيه على الخلق في وقته لانه مستقر لا يزول وفيه اشارة الى ان امر محمد الروح وامر ابى جهل النفس له نهاية وغاية يستقر فيها اما الى السعادة الابدية بواسطة التخلق بالأخلاق الالهية واما الى الشقاوة السرمدية بسبب الاتصاف بالصفات البشرية الحيوانية وَلَقَدْ جاءَهُمْ اى وبالله لقد جاء اهل مكة في القرآن مِنَ الْأَنْباءِ جمع نبأ وهو خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم او غلبة ظن ولا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة اى انباء القرون الخالية او انباء(9/268)
حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)
الآخرة وما وصف من عذاب الكفار فاللام عوض عن المضاف اليه وهو حال مما بعده ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ اى ازدجار من تعذيب ان أريد بالانباء انباء القرون الخالية او وعيد أريد بها انباء الاخرة او موضع ازدجار على ان في تجريدية والمعنى انه في نفسه موضع ازدجار ومظنة له كقوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة اى هو في نفسه أسوة حسنة وتاء الافتعال تقلب دالا مع الدال والذال والزاى للتناسب في المخرج او لتحصيل التناسب فان التاء مهموسة وهذه الحروف مجهورة يعنى ان أصله مزتجر لانه مفتعل من الزجر قلبت التاء ذالا لان الزاى حرف مجهور والتاء حرف مهموس والذال تناسب الزاى في الجهر وتناسب التاء في المخرج يقال زجره وازدجره اى نهاه عن السوء ووعظه غير ان افتعل ابلغ في المعنى من فعل قال الراغب الزجر طرد بصوت يقال زجرته فانزجر ثم يستعمل في الطرد تارة وفي الصوت تارة وقوله تعالى مزدجر اى طرد ومنع عن ارتكاب المأثم حِكْمَةٌ بالِغَةٌ غايتها متناهية في كونها حكمة لا خلل فيها او قد بلغت الغاية في الانذار والنهى والموعظة وهو بدل من ما او خبر لمحذوف وفي القاموس الحكمة بالكسر العدل والعلم والحلم والنبوة والقرآن وفي المفردات الحكمة إصابة الحق بالعلم والفعل فالحكمة من الله معرفة الأشياء او إيجادها على غاية الاحكام ومن الإنسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات وإذا وصف القرآن بالحكيم فلتضمنه الحكمة وهى علمية وعملية والحكمة المنطوق بها هى العلوم الشرعية والطريقة والحكمة المسكوت عنها هى اسرار الحقيقة التي لا يطلع عليها علماء الرسوم والعوام على ما ينبغى فتضرهم او تهلكهم فَما تُغْنِ النُّذُرُ نفى للاغناء فمفعول تغنى محذوف اى لم تغن النذر شيئا او استفهام انكار فما منصوبة على انها مفعول مقدم لتغنى اى فأى إغناء تغنى النذر إذا خالفو او كذبوا اى لا تنفع كقوله وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون جمع نذير بمعنى المنذر او مصدر بمعنى الانذار وفيه اشارة الى عدم انتفاع النفوس المتمردة بانذار منذر الروح وإنذار منذر القلب إذ الروح مظهر منذر القرآن والقلب مظهر منذر الحقيقة فَتَوَلَّ عَنْهُمْ لعلمك بان الانذار لا يؤثر فيهم البتة ولا ينفع فالفاء للسببية وبالفارسية پس روى بگردان از ايشان تا وقت امر بقتال ومنتظر باش جزاى ايشانرا يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ أصله يوم يدعو الداعي بالواو والياء لما حذف الواو من يدعو في التلفظ لاجتماع الساكنين حذفت في الخط ايضا اتباعا للفظ وأسقطت الياء من الداعي للاكتفاء بالكسرة تخفيفا قال بعضهم حذفت الياء من الداعي مبالغة في التخفيف إجراء لأل مجرى ما عاقبها وهو التنوين فكما يحذف الياء مع التنوين كذلك مع ما عاقبه ويوم منصوب بيخرجون او باذكر والداعي اسرافيل عليه السلام ينفخ في الصور قائما على صخرة بيت المقدس ويدعو الأموات وينادى قائلا أيتها العظام البالية واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة ان الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء او ان اسرافيل ينفخ وجبريل يدعو وينادى بذلك وعلى كلا القولين فالدعاء على حقيقته وقال بعضهم هو مجاز كالامر في قوله تعالى كن فيكون يعنى ان الدعاء في البعث والاعادة مثل كن في التكوين والابتداء بأن لا يكون ثمة داع من(9/269)
خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)
اسرافيل او غيره بل يكون الدعاء عبارة عن نفاذ مشيئته وعدم تخلف مراده عن إرادته كما لا يتخلف اجابة دعاء الداعي المطاع يقول الفقير الاولى بقاؤه على حقيقته لان اسرافيل مظهر الحياة وبيده الصور والله تعالى ربط الأشياء بعضها ببعض وان كان الكل بأرادته ومشيئته إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ بضمتين صفة على فعل وقرئ بسكون الكاف وكلاهما بمعنى المنكر اى منكر فظيع ينكره النفوس لعدم العهد بمثله وهو هول يوم القيامة ومنه منكر ونكير لفتانى القبر لانه لم يعهد عند الميت مثلهما خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ حال من فاعل يَخْرُجُونَ والتقديم لان العامل فعل فعل متصرف اى يخرجون مِنَ الْأَجْداثِ جمع جدث محركة وهو القبر اى من قبورهم حال كونهم اذلة أبصارهم من شدة الهول خاضعة عند رؤية العذاب والخشوع ضراعة واكثر ما يستعمل فيما يوجد في الجوارح والضراعة اكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب كما روى إذا ضرع القلب خشعت الجوارح وخص الابصار بالخشوع لانه فيها اظهر منه فى سائر الجوارح وكذلك سائر ما في نفس الإنسان من حياء او خوف ونحوه انما يظهر في البصر كَأَنَّهُمْ جَرادٌ اى يشبهن الجراد وهو بالفارسية ملخ سمى بذلك لجرده الأرض من النبات يقال ارض مجرودة اى أكل ما عليها حتى تجردت كما في المفردات مُنْتَشِرٌ فى الكثرة والتموج والتفرق في الأقطار ومثله قوله كالفراش المبثوث مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ حال ايضا اى مسرعين الى جهة الداعي مادى أعناقهم اليه او ناظرين اليه لا يقلعون بأبصارهم يقال هطع الرجل إذا أقبل ببصره على الشيء لا يقلع عنه وأهطع إذا مد عنقه وصوب رأسه وأهطع في عدوه إذا اسرع كما في الجوهري وفيه اشارة الى ذلة أبصار النفوس وعلتها فأنهار مدت من حب الدنيا وانطفاء أبصار القلوب عن شواهد الحق وانطماس أبصار الأرواح عن شهود الحق والى ان هذه النفوس الرديئة تخرج من قبور صفاتها الرذيلة كالجراد الحريص على أكل زروع مزارع القلب من الأخلاق الروحانية منتشرين في مزارع الروح ومغارس القلب بالفساد والإفساد وترى هذه النفوس الخبيثة مسرعة الى اجابة داعى الشهوات النفسانية واللذات الجسمانية راغبة الى دعوته مقبلة على طلبه يَقُولُ الْكافِرُونَ استئناف وقع جوابا عما نشأ من وصف اليوم بالاهوال واهله بسوء الحال كأنه قيل فماذا يكون حينئذ فقيل يقول الكافرين هذا يَوْمٌ عَسِرٌ اى صعب شديد علينا فيمكثون بعد الخروج من القبور واقفين أربعين سنة يقولون أرحنا من هذا ولو الى النار ثم يؤمرون بالحساب وفي اسناد القول المذكور الى الكفار تلويح بأن المؤمنين ليسوا في تلك المرتبة من الشدة بل ذلك اليوم يوم يسير لهم ببركة ايمانهم وأعمالهم بل المطهرون المحفوظون الذين ما تدنست بواطنهم بالشبه المضلة ولا ظواهرهم ايضا بالمخالفات الشرعية آمنون يغبطهم النبيون في الذي هم عليه من الامن لما هم والنبيون عليه من الخوف على أممهم يعنى ان الأنبياء والرسل عليهم السلام يخافون على أممهم للشفقة التي جبلهم الله عليها للخلق فيقولون في ذلك اليوم سلم سلم وان كان لا يحزنهم الفزع الأكبر لانهم آمنون من خوف العاقبة وفيه اشارة الى(9/270)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9)
كفار النفوس اللئيمة يقولون بلسان الحال ولا ينفعهم المقال يوم قيامة اضطرابهم لما رأوا الفضيحة والقطعية هذا يوم عسر صعب خلاصنا ومناصنا منه لا نجاة لنا ولا منجاة الا الاستمساك بعروة وثقى الروح والقلب وما يقدرون على ما يقولون لافساد استعداد هم بيد الأماني الكاذبة واختيار تلك الأماني الفاسدة الدنيوية على المطالب الصالحة الاخروية فعلى العاقل أن يختار الباقي على الفاني ولا يغتر بالأماني بل يجتهد قبل الموت بأسباب الخلاص والنجاة لكى يحصل له في الآخرة النعيم والدرجات والا فاذا خرج الوقت من اليد وبقيت اليد صفرا في الغد فلا ينفع الأسف والويل نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من الذين أجابوا داعى الله ورسوله وتشرفوا بالعمل بالقرءان وقبوله وييسر لنا الفناء المعنوي قبل الفناء الصوري ويهيئ لنا من أمرنا رشدا فانا آمنا به ولم نشرك بربنا أحدا وهو المعين في الآخرة والاولى وبيده الأمور ردا وقبولا كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ اى فعل التكذيب قبل قومك يا محمد قوم نوح او كذبوا نوحا فالمفعول محذوف وهو شروع في تعداد بعض الانباء الموجبة للازدجار وتسلية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فَكَذَّبُوا عَبْدَنا نوحا تفسير لذلك التكذيب المبهم كما في قوله تعالى ونادى نوح ربه فقال رب إلخ فالمكذب في المقامين واحد والفاء تفسيرية تفصيلية تعقيبية في الذكر فان التفصيل يعقب الإجمال وفي ذكره بعنوان العبودية مع الاضافة الى نون العظمة تفخيم له عليه السلام ورفع لمحله وزيادة تشنيع لمكذبيه فان تكذيب عبد السلطان اشنع من تكذيب عبد غيره وفيه اشارة الى انه لا شيء اشرف من العبودية فان الذلة الحقيقية التي يقابلها مقام الربوبية مختصة بالله تعالى فكذا العبودية مختصة بالعبد وهى المرادة بالتواضع وهى غير التملق فان التملق لا عبرة به وفي الحديث (انا سيد ولد آدم ولا فخر) اى ليس الفخر لى بالرسالة وانما الفخر لى بالعبودية وخصوصا بالفقر الذي هو الخروج عن الوجود المجازى بالكلية وَقالُوا فى حقه هو او قالوا له انك مَجْنُونٌ اى لم يقتصروا على مجرد التكذيب بل نسبوه الجنون واختلال العقل وهو مبالغة في التكذيب لان من الكاذبين من يخبر بما يوافق العقل ويقبله والمجنون لا يقول الا مالا يقبله العقل ويأباه وَازْدُجِرَ عطف على قالوا فهو من كلام الله اى وزجر عن التبليغ بأنواع الاذية مثل الشتم والضرب والخنق والوعيد بالرجم قال الراغب وازدجر اى طرد واستعمال الزجر فيه لصياحهم بالمطرود نحو ان يقال اعزب عنى وتنح ووراءك وقيل هو من جملة ما قالوه اى هو مجنون وقد ازدجرته الجن وتخبطته اى أفسدته وتصرفت فيه وذهبت بلبه وطارت بقلبه وفيه اشارة الى ان كل داع حق لا بد وان يكذب لكثرة اهل البطلان وغلبة اهل البدع والأهواء والطغيان وذلك في كل عصر وزمان وايضا قوم نوح الروح وهم النفس الامارة وصفاتها لا يقبلون دعوته الى الله لانهما كهم في الشهوات واللذات وصعوبة الفطام عن المألوفات والله المعين في جميع الحالات والمقامات
اين جهان شهوتى بتخانه ايست ... انبيا وكافران را لانه ايست
ليك شهوت بنده پاكان بود ... زر نسوزد زانكه نقد كان بود(9/271)
فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)
ذلة الأرواح من أشباحها ... عزة الأشباح من أرواحها
كم نشين بر اسب توسن بي لكام ... عقل ودين را پيشوا كن والسلام
فَدَعا رَبَّهُ اى لما زجروا نوحا عن الدعوة وبلغ مدة التبليغ تسعمائة وخمسين سنة دعا ربه أَنِّي اى بأنى مَغْلُوبٌ من جهة قومى مالى قدرة على الانتقام منهم فَانْتَصِرْ اى فانتقم لى منهم وذلك بعد تقرر يأسه منهم بعد الليتا والتي فقد روى ان الواحد منهم كان يلقاه فيخنقه حتى يخر مغشيا فيفيق ويقول اللهم اغفر لقومى فانهم لا يعلمون فلما اذن الله له في الدعاء للاهلاك دعا فاجيب كما قال في الصفات ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ اى طرقها وبالفارسية پس بگشاديم براى عذاب ايشان درهاء آسمان را از طرف مجره كما قال على رضى الله عنه بِماءٍ مُنْهَمِرٍ الهمر صب الدمع والماء يقال همره يهمره ويهمره صبه فانهمر هو وانهمر اى انسكب وسال والمعنى بماء كثير منصب انصبابا شديدا كما ينصب من أفواه القرب لم ينقطع أربعين يوما وكان مثل الثلج بياضا وبردا وهو تمثيل لكثرة الأمطار وشدة انصبابها سوآء جعل الباء في قوله بماء للاستعانة وجعل الماء كالالة لفتح أبواب السماء وهو ظاهر او للملابسة وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً اى جعلنا الأرض كلها كأنها عيون منفجرة اى جارية وكان ماء الأرض مثل الحميم حرارة وأصله وفجرنا عيون الأرض فغير عن المفعولية الى التمييز قضاء لحق المقام من المبالغة لان قولنا فجرنا عيون الأرض يكفى في صحة تفجر ما فيها من العيون ولا مبالغة فيه بخلاف فجرنا الأرض عيونا فان معناه فجرنا اجزاء الأرض كلها بجعلها عيون الماء ولا شك فى انه ابلغ فَالْتَقَى الْماءُ اى ماء السماء وماء الأرض وارتفع على أعلى جبل في الأرض ثمانين ذراعا والافراد حيث لم يقل الماءان لتحقيق ان التقاء الماءين لم يكن بطريق المجاورة والتقارب بل بطريق الاختلاط والاتحاد عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ اى كائنا على حال قد قدره الله من غير تفاوت او على حالة قدرت وسويت وهو ان قدر ما انزل من السماء على قدر ما اخرج من الأرض او على امر قدره الله وهو هلاك قوم نوح بالطوفان فكلمة على على هذا للتعليل يقول الفقير انما وقع العذاب بالطوفان العام لان الماء اشارة الى العلم فلما لم ينتفعوا بعلم نوح عليه السلام في المدة الطويلة ولم تغرق أرواحهم فيه أخذوا بالماء حتى غرقت أجسادهم وتأثير الطوفان يظهر في كل ثلاثين سنة مرة واحدة لكن على الخفة فيقع مطر كثير ويغرق بعض القرى والبيوت من السيل وَحَمَلْناهُ اى نوحا ومن آمن معه عَلى ذاتِ أَلْواحٍ اى سفينة صاحبة أخشاب عريضة فان الألواح جمع لوح وهو كل صحيفة عريضة خشبا او عظما وكانت سفينة نوح من ساج وهو شجر عظيم ينبت في ارض الهند او من خشب شمشاد ويقال من الجوز وَدُسُرٍ ومسامير جمع دسار من الدسر وهو الدفع الشديد بقهر يقال دسره بالرمح (وروى) انه ليس في العنبر زكاة انما هو شى دسره البحر سمى به المسمار لانه يدسر به منفذه اى يدفع قال في عين المعاني دسرت بها السفينة اى شدت أو لأنها تدسراى تدفع بالدق فقوله ذات الواح ودسر صفة للسفينة أقيمت مقامها(9/272)
تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19)
بأن يكنى بها عنها كما يكنى عن الإنسان بقولهم هو مستوى القامة عريض الأظفار تَجْرِي بِأَعْيُنِنا اى تجرى السفينة وتسير بمرأى منا اى محفوظة بحفظنا ومنه قولهم للمودع عين الله عليك وقيل بأوليائنا يقال مات عين من عيون الله اى ولى من أوليائه جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ مفعول له لما ذكر من فتح أبواب السماء وما بعده وكفر من كفران النعمة اى فعلنا ذلك المذكور اجرا وثوابا لنوح لانه كان نعمه كفروها فان كل نبى نعمة من الله على أمته ورحمة اى نعمة ورحمة فكان نوح نعمة مكفورة ومن هذا المعنى ما حكى ان رجلا قال للرشيد الحمد لله عليك فقال ما معنى هذا الكلام فقال أنت نعمة حمدت الله عليها وَلَقَدْ تَرَكْناها اى السفينة آيَةً يعتبر بها من يقف على خبرها وقال قتادة أبقاها الله بباقردى من بلاد الجزيرة وقيل على الجودي دهرا طويلا حتى نظر إليها او آئل هذه الامة وكم من سفينة كانت بعد قد صارت رمادا وفي تفسير ابى الليث قال بعضهم يعنى ان تلك السفينة كانت باقية على الجبل قريبا من خروج النبي عليه السلام وقيل بقيت خشبة من سفينة نوح هى في الكعبة الآن وهى ساجة غرست حتى ترعرت أربعين سنة ثم قطعت فتركت حتى يبست أربعين سنة وقيل بقي بعض خشبها على الجودي الى هذه الأوقات يقول الفقير لعل بقاء بعض خشبها لكونها آية وعبرة والا فهو ليس بأفضل من أخشاب منبر نبينا صلّى الله عليه وسلّم في المدينة وقد احترقت او اكلتها الارضة فاتخذت مشطا ونحوه مما يتبرك به ألا ترى ان مقام ابراهيم عليه السلام مع كونه حجرا صلدا لم يبق اثره بكثرة مسح الأيدي ثم لم يبق نفسه ايضا على ما هو الأصح والمعروف بالمقام الآن هو مقام ذلك المقام فاعرف وفي عين المعاني ولقد تركناها اى الغرق العام وهو إضمار الآية قبل الذكر كقوله انها تذكرة وقال بعضهم يعنى جنس السفينة صارت عبرة لان الناس لم يعرفوا قبل ذلك سفينة واتخذوا السفن بعد ذلك في البحر فلذلك كانت آية للناس يقول الفقير كيف يعرفونها ولم يكن في الدنيا قبل الطوفان الا البحر المحيط وذلك ان الله تعالى امر الأرض بعد الطوفان فابتلعت ماءها وبقي ماء السماء لم تبتلعه الأرض فهذه البحور على وجه الأرض منها واما البحر المحيط فغير ذلك بل هو جرز عن الأرض حين خلق الله الأرض من زبده واليه الاشارة بقوله وكان عرشه على الماء اى العذب والبحور سبعة منها البحر المحيط وبعضهم لم يعد المحيط منها بل هو غير السبعة وكان نوح عليه السلام نجارا فجاء جبريل وعلمه صنعة السفينة فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ اى معتبر بتلك الآية الحقيقة بالاعتبار فيخاف من الله ويترك المعصية وأصله مذتكر على وزن مفتعل من الذكر فأدغمت الذال في التاء ثم قلبت دالا مشددة فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ استفهام تعظيم وتعجيب اى كانا على كيفية هائلة لا يحيط بها الوصف والنذر جمع نذير بمعنى الانذار أصله نذرى بالياء حذفت اكتفاء بالكسرة وحد العذاب وجمع الانذارات اشارة الى غلبة الرحمة لان الانذار اشفاق ورحمة فقال الانذارات التي هى نعم ورحمة تواترت عليهم فلما لم تنفع وقع العذاب وقعة واحدة فكانت النعم كثيرة والنقمة واحدة وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ إلخ جملة قسمية(9/273)
كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19)
وردت في اواخر القصص الأربع تنبيها على ان كل قصة منها مستقبلة بايجاب الادكار كافية في الازدجار ومع ذلك لم تقع واحدة في حيز الاعتبار اى وبالله لقد سهلنا القرآن لقومك بأن أنزلنا على لغتهم كما قال فانما يسرناه بلسانك ووشحنا بانواع المواعظ والعبر وصرفنا فيه من الوعيد والوعد لِلذِّكْرِ اى للتذكير والاتعاظ وعن الحسن عن النبي عليه السلام لولا قول الله ولقد يسرنا القرآن للذكر لما اطاقت الألسن أن تتكلم به فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ انكار ونفى للمتعظ على ابلغ وجه وآكده حيث يدل على انه لا يقدر أحد أن يجيب المستفهم بنعم وعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال قرأت على النبي عليه السلام فهل من مذكر بالذال فقال عليه السلام فهل من مدكر بالدال قال في برهان القرآن قوله فكيف كان إلخ ختم به قصة نوح وعاد وثمود ولوط لما في كل واحدة منها من التخويف والتحذير وما حل بهم فيتعظ به حافظ القرآن وتاليه ويعظ غيره وفي الآيات اشارة الى مغلوبية نوح القلب في يد النفس الامارة بغلبات الصفات البشرية عليه حتى دعا ربه فأجابه الله حتى غلبت صفاته الروحانية النورانية على صفاتها الحيوانية الظلمانية وأفاض من سماء الأرواح العلوية مياه الرأفة والرحمة والكرامة ومن ارض البشرية عيون المعارف والحقائق فأهلك قومه المعبر عنهم بالنفس وصفاتها ونجاه على سفينة صفاته الروحانية وفيه اشارة اخرى وهى انه إذا زاد الكشف والعيان تستشرف الأرواح على الفناء فيدخلها الله في سفن العصمة ويجريها بشمال العناية وايضا ان الأنبياء والأولياء سفن عنايته تعالى يتخلص العباد بهم من الاستغراق في بحار الضلالة وظلمات الشقاوة لانهم محفوظون بحسن عنايته وعين كلاءته ومن استن بسنتهم نجا من الطغيان والنيران ودخل في جوار الرحمن (وفي المثنوى)
اينچنين فرمود آن شاه رسل ... كه منم كشتى درين درياى كل
يا كسى كودر بصيرتهاى من ... شد خليفه راستى بر جاى من
كشتئ نوحيم در دريا كه تا ... رو نگردانى ز كشتى اى فتى
نسأل الله سبحانه أن يحفظنا في سفينة الشريعة من الاعتماد على العقل والخيال ويعصمنا من الزيغ والضلال كَذَّبَتْ عادٌ اى هودا عليه السلام ولم يتعرض لكيفية تكذيبهم له روما للاختصار ومسارعة الى بيان ما فيه الازدجار من العذاب فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ هو لتوحيه قلوب السامعين نحو الإصغاء الى ما يلقى إليهم قبل ذكره لالتهويله وتعظيمه وتعجيبهم من حاله بعد بيانه كما قبله وما بعده كأنه قيل كذبت عاد فهل سمعتهم او فاسمعوا كيف كان عذابى وانذاراتى لهم فالنذر جمع نذير بمعنى الانذار إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً استئناف ببيان ما أجمل اولا وصرصر من الصر وهو البرد او من صر الباب والقلم اى صوت اى أرسلنا وسلطنا عليهم ريحا باردة او شديدة الصوت والهبوب وهى ريح الدبور وتقدم تفصيله في فصلت وغيرها فِي يَوْمِ نَحْسٍ النحس ضد السعد اى شؤم مُسْتَمِرٍّ صفة ليوم او نحس اى مستمر شؤمه عليهم او ابد الدهر(9/274)
تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24)
فان الناس يتشاءمون بأربعاء آخر الشهر قال ابن الشيخ واشتهر بين بعض الناس التشاؤم بالأربعاء الذي يكون في آخر الشهر بناء على قوله تعالى في يوم نحس مستمر ومعلوم ان ليس المراد انه نحس على المصلحين بل على المفسدين حيث لم تظهر نحو سنته في حق الأنبياء والمؤمنين وفي الروضة الأربعاء مشؤم عندهم والذي لا يدور وهو آخر أربعاء في الشهر أشأم وعن ابن عباس رضى الله عنهما يرفعه آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر قال الشاعر
لقاؤك للمبكر قال سوء ... ووجهك أربعاء لا يدور
وقيل يحمد في الأربعاء الاستحمام فانه يقال يخلط في ذلك اليوم ماء من الجنة مع المياه وكذا يحمد ابتداء الأمور والمعنى مستمر عليهم شؤمه ونحو سته ازمنة ممتدة الى أن اهلكهم فاليوم بمعنى الحين والا فاليوم الواحد لا يمكن أن يستمر سبع ليال وثمانية ايام والاستمرار على هذين الوجهين يحسب الزمان او المعنى شامل لجميعهم كبيرهم وصغيرهم فالمستمر بمعنى المطرد بالنسبة الى الاشخاص او مشتد مرارته اى بشاعته وكان ابتداؤه يوم الأربعاء آخر الشهر يعنى كانت ايام العجوز من صبيحة أربعاء آخر الشهر الى غروب الأربعاء الآخر (وروى) انه كان آخر ايامهم الثمانية في العذاب يوم الأربعاء وكان سلخ صغر وهى الحسوم فى سورة الحاقة تَنْزِعُ النَّاسَ صفة لريحا اى ريحا تقلعهم روى انهم دخلوا الشعاب والحفر وتمسك بعضهم ببعض فنزعتهم الريح وصرعتهم موتى وقال مقاتل تنزع أرواحهم من أجسادهم وقال السهيلي دامت عليهم سبع ليال وثمانية ايام كيلا تنجو منهم أحد ممن في كهف او سرب فأهلكت من كان ظاهرا بارزا وانتزعت من البيوت من كان في البيوت او هدمتها عليهم وأهلكت من كان في الكهوف والأسراب بالجوع والعطش ولذلك قال فهل ترى لهم من باقية اى فهل يمكن أن يبقى بعد هذه الثمانية الأيام باقية منهم كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ حال من الناس والاعجاز جمع عجز وعجز الإنسان مؤخره وبه شبه مؤخر غيره ومنه العجز لانه يؤدى الى تأخر الأمور والنخل من الجنس الذي يفرق بينه وبين واحده بالتاء واللفظ مفرد لكنه كثيرا ما يسمى جمعا نظرا الى المعنى الجنسي والمنقعر المنقلع عن أصله يقال قعرت النخلة قلعتها من أصلها فانقعرت اى انقعلت وفي المفردات منقعر اى ذاهب في قعر الأرض وانما أراد تعالى ان هؤلاء اجتثوا كما اجتث النخل الذاهب في قعر الأرض فلم يبق لهم رسم ولا اثر انتهى والمعنى منقلع عن مغارسه قيل شبهوا بأعجاز النخل وهى أصولها بلا فروع لان الريح كانت تقلع رؤسهم فتبقى أجسادا وجثثا بلا رؤوس وقال بعضهم كانت الريح تقعلهم وتصرعهم على رؤوسهم فتدق رقابهم فيبين الرأس من الجسد وفيه اشارة الى قوتهم وثباتهم في الأرض فكأنهم بحسب قوتهم وجسامتهم يجعلون أرجلهم غائرة نافزة في الأرض ويقصدون به المقاومة على الريح ثم ان الريح لما صرعتهم فكأنها قلعت اعجاز نخل منقعر وقال ابو الليث صرعتهم وكبتهم على وجوههم كأنهم اصول نخل منقلعة من الأرض فشبههم لطولهم بالنخل الساقطة قال مقاتل كان طول كل واحد منهم(9/275)
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24)
اثني عشر ذراعا وقال في رواية الكلبي كان طول كل واحد منهم سبعين ذراعا فاستهزأوا حين ذكر لهم الريح فخرجوا الى الفضاء وضربوا بأرجلهم وغيبوا في الأرض الى قريب من الركبة فقالوا قالا للريح حتى ترفعنا فجاءت الريح فدخلت تحت الأرض وجعلت ترفع كل اثنين وتضرب أحدهما بالآخر بعد ما ترفعهما في الهواء ثم تلقيهما في الأرض والباقون ينظرون إليهما حتى رفعتهم كلهم ثم رمت بالرمل والتراب عليهم وكان يسمع أنينهم من تحت التراب كذا وكذا يوما وتذكير صفة نخل للنظر الى اللفظ كما ان تأنيثها في قوله اعجاز نخل خاوية للنظر الى المعنى وكذا قوله جاءتها ريح عاصف ولسليمان الريح عاصفة فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ تهويل لهما وتعجيب من أمرهما بعد بيانهما فليس فيه شائبة تكرار كما في الإرشاد وقال في برهان القرآن أعاد في قصة عاد فكيف كان عذابى ونذر مرتين لان الاول في الدنيا والثاني في العقبى كما قال في هذه القصة لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة اخزى وقيل الاول لتحذيرهم قبل هلاكهم والثاني لتحذير غيرهم بعد هلاكهم انتهى وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ الكلام فيه كالذى مر فيما سبق وفيه اشارة الى اهل النفوس الامارة فانهم بواسطة انهما كهم في الشهوات الجسمانية احتجبوا عن الله وموآئد كرمه فأرسل الله عليهم صرصر ريح اهوائهم الظلمانية وبدعهم الشيطانية في يوم نحوسة الاحتجاب وسلطها عليهم فسقطوا على ارض الهوان والخذلان كأنهم اعجاز نخل منقلع عن تخوم الأرض ساقط على وجه الأرض مثل أجساد جامدة بلا رؤوس نعوذ بالله من تجليات قهره وتسلط عذابه وغضبه في يومه وشهره فعلى العاقل أن يتذكر بهذه الذكرى ويعتبر بهذه الآية الكبرى
چوبرگشته بختي در افتد به بند ... از ونيكبختان بگيرند پند
تو پيش از عقوبت در عفو كوب ... كه سودى ندارد فغان زير چوب
فلو آمن ايمان يأس او تاب توبة يأس لم يقبل
فراشو چوبينى در صلح باز ... كه ناكه در توبه كردد فراز
مرو زير بار كناه اى پسر ... كه حمال عاجز بود در سفر
كما ورد خفف الحمل فان العقبة كؤود
پى نيك مردان ببايد شتافت ... كه هر كين سعادت طلب كرد يافت
وليكن تو دنبال ديو خسى ... ندانم كه در صالحان كى رسى
ثم ان سبب هلاك عاد بالريح اعتماد هم على قوتهم والريح أشد الأشياء قوة فاستأصلهم الله بها حتى يحصل الاعتبار لمن بعدهم من القرون فلا يعتمدوا على قواهم وفيه اشارة الى أن الريح هو الهولء المتحرك فالخلاص من ذلك الهولء انما هو بترك الهوى ومتابعة الهدى نسأل الله من فضله ذلك كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ اى الانذارات والمواعظ التي سمعوها من صالح عليه السلام او بالرسل فان تكذيب أحدهم تكذيب للكل لاتفاقهم على الشرائع فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا اى كائنا من جنسنا وانتصابه بفعل يفسره ما بعده فأداة الاستفهام(9/276)
أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29)
داخلة على الفعل وان كان تقديرا كما هو الأصل واحِداً اى منفردا لاتبع له او واحد من آحادهم لا من اشرافهم وتأخير هذه الصفة عن منا للتنبيه على ان كلا من الجنسية والوحدة مما يمنع الاتباع ولو قدمت عليه لفاتت هذه النكتة نَتَّبِعُهُ فى امره إِنَّا إِذاً اى على تقدير اتباعنا له وهو منفرد ونحن امة جمة وايضا ليس بملك لما كان في اعتقاد الكفرة من التنافي بين الرسالة والبشرية لَفِي ضَلالٍ عن الصواب وَسُعُرٍ اى جنون فان ذلك بمعزل عن مقتضى العقل وقيل كان يقول لهم ان لم تتبعونى كنتم في ضلال عن الحق وسعراى نيران جمع سعير فعكسوا عليه لغاية عتوهم فقالوا ان اتبعناك كنا اذن كما تقول أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ اى الكتاب والوحى عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا وفينا من هو أحق بذلك والاستفهام للانكار ومن بيننا حال من ضمير عليه اى أخص بالرسالة منفردا من بين آل ثمود والحال ان فيهم من هو اكثر مالا واحسن حالا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ اى ليس الأمر كذلك بل هو كذا وكذا حمله بطره على الترفع علينا بما ادعاه وأشر اسم فاعل مثل فرح بمعنى خود پسند وستيزنده وسبكسار وبابه علم والأشر التجبر والنشاط يقال فرس أشر إذا كان مرحا نشيطا سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ كيست فهو استفهام الْكَذَّابُ الْأَشِرُ حكاية لما قاله تعالى لصالح عليه السلام وعدا له ووعيد القومة والسين لتقريب مضمون الجملة وتأكيده والغد اليوم الذي يلى يومك الذي أنت فيه والمراد به وقت نزول العذاب في الزمان المستقبل لا يوم بعينه ولا يوم القيامة لان قوله انا مرسلوا الناقة استئناف لبيان مبادى الموعود حتما والمعنى سيعلمون البتة عن قريب من الكذاب الأشر الذي حمله أشره وبطره على الترفع والتجبر أصالح أم من كذبه وفيه تشريف لصالح حيث ان الله تعالى سلب عنه بنفسه الوصف الذي أسندوه اليه من الكذب والأشر فان معناه لست أنت بكذاب أشر بل هم إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ مخرجوها من الهضبة التي سألوا والهضبة الجبل المنبسط على الأرض او جبل خلق من صخرة واحدة او الجبل الطويل الممتنع المنفرد ولا يكون الا في حمر الجبال كما في القاموس (روى) انهم سألوه متعنتين ان يخرج من صخرة منفردة في ناحية الجبل يقال لها الكاثبة ناقة حمراء جوفاء وبرآء عشراء وهى التي أتت عليها عشرة أشهر من يوم أرسل عليها الفحل فاوحى الله اليه انا مجرجوا الناقة على ما وصفوا فِتْنَةً لَهُمْ اى امتحانا فان المعجزة محنة واختبار إذ بها يتميز المثاب من المعذب فَارْتَقِبْهُمْ فانتظرهم وتبصر ما يصنعون وَاصْطَبِرْ على اذيتهم صبرا بليغا وَنَبِّئْهُمْ أخبرهم أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ مقسوم لها يوم ولهم يوم فالمآء قسمة من قبيل تسمية المفعول بالمصدر كضرب الأمير وبينهم لتغليب العقلاء كُلُّ شِرْبٍ اى كل نصيب من الماء ونوبة الانتفاع منه مُحْتَضَرٌ يحضره صاحبه في نوبته فليس معنى كون الماء مقسوما بين القوم والناقة انه جعل قسمين قسم لها وقسم لهم بل معناه جعل الشرب بينهم على طريق المناوبة يحضره القوم يوما وتحضره الناقة يوما وقسمة الماء إما لأن الناقة عظيمة الخلق ينفر منها حيواناتهم او لقلة الماء فَنادَوْا پس بخواندند قوم ثمود صاحِبَهُمْ هو(9/277)
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37)
قدار بن سالف بضم القاف والدال المهملة وهو مشئوم آل ثمود ولذا كانت العرب تسمى الجزار قدارا تشبيها له بقدار بن سالف لانه كان عاقر الناقة كما سيجيئ وكان قصيرا شريرا أزرق أشقر احمر وكان يلقب بأحيمر ثمود تصغير احمر تحقيرا وفي كشف الاسرار يقال له احمر ثمود وقيل أشأم عاد يعنى عادا الآخرة وهى ارم تشاءم به العرب الى يوم القيامة ومن هذا يظهر الجواب عما قال السجاوندى في عين المعاني وقد ذكره زهير في شعره
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم ... كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
قيل هو غلط وهو احمر ثمود انتهى فَتَعاطى فَعَقَرَ التعاطي مجاز عن الاجتراء لان التعاطي هو تناول الشيء بتكلف وما يتكلف فيه لا بد أن يكون امرا هائلا لا يباشره أحد الا بالجراءة عليه وبهذا المجاز يظهر وجه التعقيب بالفاء في فعقر والا فالعقر لا يتفرع على نفس مباشرة القتل والخوض فيه والعقر بالفارسية پى كردن يقال عقر البعير والفرس بالسيف فانعقر اى ضرب به قوائمه وبابه ضرب والمعنى فاجترأ صاحبهم قدار على تعاطى الأمر العظيم غير مكترث له فاحدث العقر بالناقة (قال الكاشفى) محرك عقر ناقه دوزن بودند عنيزة أم غنم وصدوق بنت المختار وفي التفاسير صدقة بدل صدوق وذلك لما كانت الناقة قد اضرب بمواشيها پس صدوق ابن عم خود مصدع بن دهر را بوصال خود وعده داد وعنيزه يكى از دختران خود را نامزد قدار كرده وهر دو براه كذر ناقه كمين كردند چون ناقه از آب باز كشت أول بمصدع رسيده او تيرى بيفكند كه پايهاى ناقه بهم دوخت قدار نيز از كمين كاه بيرون آمده بشمشير ناقه را پى كرد فمعنى فنادوا صاحبهم فنبهوه على مجيئها وقربها من مكمنه او انه لما هم بها هابها فناداه أصحابه فشجعوه او نادى مصدع بعد ما رماها بسهم دونك الناقة فاضربها فضربها و چون از پاى در آمد او را قطعه قطعه كردند وميان قوم منقسم ساختند وبچهـ او حنوبر آمده سه بانك كرد واز آنجا بآسمان رفت وكفتند او نيز كشته شد وبعد از سه روز عذاب ثمود نازل شد فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ الكلام فيه كالذى مرفى صدر قصة عاد إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً هى صيحة جبريل عليه السلام وذلك لانها هى الجزاء الوفاق لفعلهم فانهم صاروا سببا لصيحة الولد بقتل امه وفي الحديث (لا نوله والدة بولدها) اى لا تجعل والهة وذلك في السبايا بأن يفرق بينها وبين ولدها وفي الحديث (من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة) كما في المقاصد الحسنة للسخاوى فَكانُوا اى فصاروا لاجل تلك الصيحة بعد ان كانوا في نضارة وطيب عيش كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ الهشم كسر الشيء الرخو كالنبات والهشيم بمعنى المهشوم اى المكسور وهو اليابس المتكسر من الشجر وغيره والحظر جمع الشيء في حظيرة والمحظور الممنوع والمحتظر بكسر الظاء الذي يعمل الحظيرة ويتخذها قال الجوهري الحظيرة التي تعمل للابل من الشجر لتقيها البرد والريح والمعنى كالشجر اليابس الذي يتخذه من يعمل الحظيرة او كالحشيش اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لما شيته فى الشتاء وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ وفي الآيات اشارة الى ثمود(9/278)
النفس الامارة بالسوء ومعاملتها مع نذير القلب فانه يدعوها الى الانسلاخ عن الصفات البشرية والتلبس بالصفات الروحانية وهى تدعى المجانسة معه إذ النفس والروح بل النفس اخت القلب من جانب أيسر البطن وكذا تدعى تقدم رتبتها على القلب وتصرفها في القالب وما يحتوى عليه من القوى البشرية والطبيعية وتأخر رتبة القلب لانه حصل بعد ازدواج الروح مع النفس فبسبب تقدم رتبة النفس على القلب استنكفت النفس عن اتباعه وامتثال لاوامره وما عرفت ان تقدم الشرف والحسب أعلى وأفضل من تقدم الشرف والنسب ولذ قالت الحكماء توانكرى بهنرست نه بمال وبزركى بعقلست نه بسال وقال بعضهم
وما ينفع الأصل من هاشم ... إذا كانت النفس من باهله
وهى قبيلة عرفت بالدناة والخساسة جدا فخطأت النفس نذير القلب مع ان الخاطئة نفسها وامتحنته بإخراج الناقة وذلك ان حقيقة النفس واحدة غير متعددة لكن بحسب توارد الصفات المختلفة عليها تسمى بالأسماء المختلفة فاذا توجهت الى الحق توجها كليا تسمى بالمطمئنة وإذا توجهت
الى الطبيعة البشرية توجها كليا تسمى بالامارة وإذا توجهت الى الحق تارة والى الطبيعة اخرى تسمى اللوامة فثمود النفس الامارة طلبت على جهة المكر والاستكبار من صالح رسول القلب المرسل من حضرة الروح أن يظهر ناقة النفس المطمئنة من شاهق جبل النفس الامارة بان يبدل صفتها من الامارية الى الاطمئنان فسأل صالح رسول القلب من حضرة الروح مسؤلها فأجابته إظهارا للقدرة والحكمة حتى غلبت أنوار الروح وانطمست ظلمة النفس كما ينطمس عند طلوع الشمس ظلام الليل وكان للنفس المطمئنة شرب خاص من المعارف والحقائق كما كان للنفس الامارة شرب خاص من المشارب الجسمانية فنادى الهوى وأعوانه بعضهم بعضا باستخلاص النفس الامارة من استيلاء نور الروح عليها مخافة أن ينغمس الهوى ايضا تحت هذا النور فتعاطى بعض اصحاب الهوى ذلك وكانت النفس الامارة ما تمكنت في مقام الاطمئنان تمكنا مستحكما بحيث لا تتأثر بل كان لها بقية تلوين فقتلوها بابطال طمأنينتها فرجعت القهقرى فانقهرت النفس والهوى تحت صيحة القهر وصارت متلاشية في حضرة القهر والخذلان محترقة بنار القطيعة والهجران كما قال فكيف كان عذابى ونذر فمن كان اهل الذكر والقرآن اى الشهود الجمعى يعتبر بهذا الفراق ويجتهد الى أن يصل الى نهاية الاطمئنان على الإطلاق فان النفس وان تبدلت صفتها الامارية الى المطمئنة لا يؤمن مكرها وتبدلها من المطمئنة الى الامارية ولو وكلت الى نفسها طرفة عين لعادت المشئومة الى طبعها وجبلتها كما كان حال بلعام وبرصيصا ولذا قال عليه السلام لا تكلنى الى نفسى طرفة عين ولا اقل من ذلك وقال الجنيد قدس سره لا تألف النفس الحق ابدا ألا ترى ان الذمي وان قبل الخراج فانه لا يألف المسلم الفة مسلم وفرخ الغراب وان ربى من الصغر وعلم فانه لا يخلو من التوحش فالنفس ليست باهل الاصطناع والمعروف والملاطفة ابدا وانما شأنها تضييقها ومجاهدتها ورياضتها الى مفارقة الروح من الجسد (ولذا قال في المثنوى)(9/279)
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37)
اندرين ره مى خراش ومى تراش ... تا دم آخر دمى فارغ مباش
ومنه يعلم سر قولهم ان ورد الاستغفار لا يسقط بحال ولذا قال تعالى فسبح بحمد ربك واستغفره مع ظهور الفتح المطلق نسأل الله تعالى أن يجعلنا من العلماء العاملين والأدباء الكاملين بسر النبي الامين كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ اى بالإنذارات او بالمنذرين كما سبق إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً اى ريحا تحصبهم اى ترميم بالحصباء وهى حجارة دون ملئ الكف فالحصب الرمي بالحصى الصغار ومنه المحصب موضع الجمار وقول عمر رضى الله عنه حصبوا المسجد والحاصب اسم فاعل بمعنى رامى الحصباء وتذكيره مع اسناده الى ضمير الريح وهى مؤنث سماعى لتأويلها بالعذاب يقول الفقير لعل سر تعذيبهم بالحجارة لانهم حجروا ومنعوا من اللواطة فلم يمتنعوا بل رموا نطفهم الى غير محل الحرث فرماهم الله بالحجر ومن ثمة ذهب احمد بن حنبل رحمه الله الى أن حكم اللوطي أن يرجم وان كان غير محصن وايضا انهم يجلسون في مجالسيهم وعند كل رجل منهم قصعة فيها حصى فاذا مربهم عابر سبيل حذفوه فأيهم أصابه كان اولى به واما الريح فلانهم كانوا يضرطون في مجالسهم علانية ولا يتحاشون واما انقلاب قراهم فلانهم كانوا يقلبون المرد عند اللواطة فجازاهم الله بحسب أعمالهم وايضا قلبوا الحقيقة وعكسوها بأن تركوا محل الحرث وأتوا الأدبار إِلَّا آلَ لُوطٍ وهم اهل بيته الذين نجوا من العذاب وكانوا ثلاثة عشر وقيل يعنى لوطا وابنتيه وفي كشف الاسرار يعنى بناته ومن آمن به من أزواجهن نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ اى في سحر من الاسحار وهو آخر الليل او السدس الأخير منه وفي المفردات السحر اختلاط ظلام آخر الليل بصفاء النهار وجعل اسماء لذلك الوقت ويجوز أن يكون حالا اى ملتبسين بسحر (روى) ان الله امره حتى خرج بهم بقطع من الليل فجاء العذاب قومه وقت السحر والاستثناء منقطع لانه مستثنى من الضمير في عليهم وهو للمكذبين من قوم لوط ولا يدخل فيهم آل لوط لان المراد به من تبعه على دينه نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا اى انعاما كائنا منا وهو علة لنجينا ويجوز أن يكون مصدرا من فعله او من معنى نجيناهم لان تحبيتهم انعام كَذلِكَ اى مثل ذلك الجزاء العجيب نَجْزِي مَنْ شَكَرَ نعمتنا بالايمان والطاعة يعنى كذلك ننجى المؤمنين وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ لوط بَطْشَتَنا اى أخذتنا الشديدة بالعذاب فَتَمارَوْا فكذبوا بِالنُّذُرِ متشاكين فتماروا ضمن معنى التكذيب فعدى تعديته من المرية وأصله تماريوا على وزن تفاعلوا وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ المراودة أن تنازع غيرك في الارادة فترود غير ما يروده وسبق تحقيقها في وسورة يوسف والضيف بالفارسية مهمان والمعنى ولقد أرادوا من لوط تمكينهم ممن أتاه من أضيافه وهم الملائكة في صورة الشبان ومعهم جبريل وقصدوا الفجور بهم ظنا منهم انهم بشر فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ الطمس المحو واستئصال اثر الشيء اى فمسحناها وسويناها كسائر الوجه بحيت لم ير لها شق (روى) انهم لما دخلوا داره عنوة صفقهم جبريل بجناحه صفقة فتركتهم يترددون لا يهتدون الى الباب حتى أخرجهم لوط والصفق الضرب الذي ليس له صوت فَذُوقُوا اى فقلنا لهم على ألسنة الملائكة ذوقوا(9/280)
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40) وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42)
عَذابِي وَنُذُرِ والمراد به الطمس فانه من جملة ما انذروه من العذاب وفيه اشارة الى أن طمس الابصار كان من نتائج مسح الابصار ولذا ورد في القرآن ونحشره يوم القيامة أعمى لانه اعرض عن ذكر الله ولم يلتفت اليه أصلا وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً التصبيح بامداد بنزديك كسى آمدن اى جاءهم وقت الصبح عَذابٌ اى الخسف والحجارة مُسْتَقِرٌّ يستقر بهم ويثبت لا يفارقهم حتى يفضى بهم الى النار يعنى عذاب دائم متصل بعذاب الآخرة وفي وصفه بالاستقرار ايماء الى ان ما قبله من عذاب الطمس ينتهى به والحاصل ان العذاب الذي هو قلب قريتهم عليهم وجعل أعلاها أسفلها ورميهم بالحجارة غير العذاب الذي نزل بهم من طمس الأعين فانه عذاب دنيوى غير موصول بعذاب الآخرة واما عذاب الخسف والحجارة فموصول به لانهم بهذا العذاب ينتقلون الى البرزخ الموصول بالآخرة كما أشار اليه قوله عليه السلام من مات فقد قامت قيامته اى من حيث اتصال زمان الموت بزمان القيامة كما ان ازمنة الدنيا يتصل بعضها ببعض فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ حكاية لما قيل لهم حينئذ من جهته تعالى تشديدا للعذاب وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ مر ما فيه من الكلام وفيه استئناف للتنبيه والإيقاظ لئلا يغلبهم السهو والغفلة وكذا تكرير قوله تعالى فبأى آلاء ربكما تكذبان وويل يومئذ للمكذبين ونحو هما من الانباء والقصص والمواعيد والزواجر والقواطع فان في التكرير تقريرا للمعانى فى الاسماع والقلوب وتثبيتا لها في الصدور وكلما زاد تكرير الشيء وترديده كان أقر له في القلب وأمكن في الصدر وارسخ في الفهم واثبت للذكروا بعد من النسيان وفي القصة اشارة الى معاملة لوط الروح مع قوم النفس الامارة ومعاملة الله بهم من إنجاء لوط الروح بسبب صفاته الروحانية وإهلاك قومه بسبب صفاتهم البشرية الطبيعية وكل من غلب عليه الشهوة البهيمية التي هى شهوة الجماع يجب عليه أن يقهر تلك الصفة ويكسرها بأحجار ذكر لا اله الا الله ويعالج تلك الصفة بضدها وهو العفة التي هى هيئة للقوة الشهوية متوسطة بين الفجور الذي هو افراط هذه القوة والخمود الذي هو تفريطها فالعفيف من يباشر الأمور على وفق الشرع والمروءة بخلاف اهل الشهوة فان الشهوة حركة للنفس طلبا للملائم وحال النفس اما افراط او تفريط فلابد من إصلاحها من جميع القوى والصفات فانها هى التي حملت الناس على الفجور وإيقاع الفتنة بينهم وتحريك الشرور
نمى تازد اين نفس سر كش چنان ... كه عقلش تواند كرفتن عنان
نسأل الله العون والتوفيق والثبات في طريق التحقيق وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ اكتفى بذكرهم عن ذكره للعلم بأنه اولى بالنذر اى وبالله لقد جاءهم الانذارات من جهة موسى وهرون عليهما السلام كأنه قيل فماذا فعلوا حينئذ فقيل كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها يعنى الآيات التسع وهى اليد والعصا والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وحل عقدة من لسانه وانفلاق البحر فَأَخَذْناهُمْ بالعذاب عند التكذيب أَخْذَ عَزِيزٍ لا يغالب يعنى كرفتن غالبى كه مغلوب نكردد در كرفتن مُقْتَدِرٍ لا يعجزه شيء والمقصود(9/281)
أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)
ان الله تعالى هو العزيز المقتدر ولذا أخذهم بتكذيبهم ولم يمنعه من ذلك مانع والمراد بالعذاب هو الإغراق في بحر القلزم او النيل يقول الفقير لعل سر الغرق ان فرعون وصل الى موسى بسبب الماء الذي ساقه اليه في تابوته فلم يشكر لا نعمة الماء ولا نعمة موسى فانقلب الحال عليه بضد ذلك حيث أهلكه الله وقومه بالماء الذي هو سبب الحياة لغيرهم ووجه إدخال الطمس في العذاب بالنسبة الى قوم لوط ودرج الطوفان ونحوه في الآيات بالاضافة الى آل لوط ظاهر لان المقصود هو العذاب المتعلق بالوجود والطمس كذلك دون بعض آيات فرعون أَكُفَّارُكُمْ يا معشر العرب خَيْرٌ عند الله قوة وشدة وعدة وعدة مِنْ أُولئِكُمْ الكفار المعدودين قوم نوح وهود وصالح ولوط وآل فرعون والمعنى انه أصابهم ما أصابهم مع ظهور خيريتهم منكم فيما ذكر من الأمور فهل تطمعون أن لا يصيبكم مثل ذلك وأنتم شر منهم مكانا وأسوأ حالا أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ إضراب وانتقال من التبكيت بما ذكر الى التبكيت بوجه آخر اى بل الكم براءة وأمن من عذاب الله بمقابلة كفركم ومعاصيكم نازلة في الكتب السماوية فلذلك تصرون على ما أنتم عليه وتأمنون بتلك البراءة والمعنى به الإنكار يعنى لم ينزل لكم في الكتب السماوية ان من كفر منكم فهو فى أمن من عذاب الله أَمْ يَقُولُونَ جهلا منهم نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ تبكيت والالتفات للايذان باقتضاء حالهم للاعراض عنهم وإسقاطهم عن رتبة الخطاب وحكاية قبائحهم لغيرهم يقال نصره من عدوه فانتصر اى منعه فامتنع اى بل أيقولون واثقين بشوكتهم نجن أولوا حزم ورأى أمرنا مجتمع لانرام ولا نضام او منتصر من الأعداء منتقم لا نغلب او متناصر بنصر بعضنا بعضا على أن يكون افتعل بمعنى تفعل كاختصم والافراد في منتصر باعتبار لفظ الجميع قال ابو جهل وقد ركب يوم بدر فرسا كميتا كان يعلفه كل يوم فرقا من ذرة وقد حلف انه يقتل محمدا صلّى الله عليه وسلّم نحن تنتصر اليوم من محمد وأصحابه فقتلوه يومئذ وجر رأسه الى رسوله الله ابن مسعود رضى الله عنه وفيه اشارة الى كفار صفات النفس واختلاف أنواعها مثل البهيمية والسبعية والشيطانية والهوائية والحيوانية وتناصر بعضها بنصر بعض وتعاون بعض بمعاونة بعض سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ رد وابطال لذلك والسين للتأكيد اى سيهزم جمع قريش البتة وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ اى الأدبار والتوحيد لارادة الجنس يعنى ينصرفون عن الحرب منهزمين وينصر الله رسوله والمؤمنين وقد كان كذلك يوم بدر قال سعيد بن المسيب سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول لما نزلت سيهزم الجمع ويولون الدبر كنت لا أدرى اى جمع فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله عليه السلام يلبس الدرع ويقول سيهزم الجمع ويولون الدبر فعرفت تأويلها وهذا من معجزات رسول الله عليه السلام لانه اخبر عن غيب فكان كما اخبر قال ابن عباس رضى الله عنهما كان بين نزول هذه الآية وبين يوم بدر سبع سنين فالآية على هذا مكية بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ اى ليس هذا تمام عقوبتهم بل القيامة موعد اصل عذابهم وهذا من طلائعه وَالسَّاعَةُ إظهارها في موقع اضمارها لتربية تهويلها أَدْهى أعظم داهية(9/282)
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)
وفي أقصى غاية من الفظاعة والداهية الأمر الفظيع لا يهتدى الى الخلاص منه وَأَمَرُّ أشد مرارة وفي أقصى نهاية من المرارة وحاصله ان موقف القيامة اهول من موقف بدر وعذابها أشد وأعظم من عذابه لان عذاب الدنيا مثل الاسر والقتل والهزيمة ونحوها أنموذج من عذاب الآخرة كما ان نارها جزؤ من سبعين جزأ من نارها إِنَّ الْمُجْرِمِينَ اى المشركين من الأولين والآخرين فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ اى في هلاك ونيران مسعرة والتسعير آتش نيك افروختن وقيل في ضلال عن الحق في الدنيا ونيران في الآخرة يَوْمَ يُسْحَبُونَ منصوب اما بما يفهم من قوله في ضلال اى كائنون في ضلال وسعر يوم يجرون فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ واما بقوله مقدر بعده اى يوم يسحبون يقال لهم ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ سقر علم لجهنم ولذلك لم يصرف وقيل اسم لطبقتها الخامسة من سقرته النار إذا بوخته اي غيرته والمس كاللمس وهو ادراك بظاهر البشرة والمعنى قاسوا حرها وألمها فان مسها سبب للتألم بها فمس سقر مجاز عن ألمها بعلاقة السببية وفي القاموس ذوقوا مس سقر اى أول ما ينالكم منها كقولك وجد مس الحمى انتهى وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم أول الناس يقضى فيه يوم القيامة رجل استشهد أتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما عملت فيها قال قاتلت فى سبيلك حتى استشهدت قال كذبت انما أردت أن يقال فلان جريئ فقد قيل فأمربه فسحب على وجه حتى ألقى في النار وجل تعلم العلم وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما عملت فيها فقال تعلمت العلم وقرأت القرآن وعملت قال كذبت انما أردت فلان عالم وفلان قارئ فقد قيل فأمر به فسحب وجهه حتى ألقى في النار ورجل آتاه الله تعالى من انواع المال فأتى به فعرفه نعمة فعرفها فقال ما عملت فيها قال ما تركت من شيء يجب ان ينفق فيه لك قال كذبت انما أردت أن يقال فلان جواد فقد قيل فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار وعن عطاء السلمى قال خرجت يوما مع أصحابي نستسقى فلقينى سعدون فقال يا عطاء هل خرجتم بقلوب سماوية او بقلوب ارضية قلت بل بقلوب سماوية فقال يا عطاء لا تتعوج فان الناقد بصير فخجلت منه فلما دعونا ولم نمطر قلت له ادع الله حتى يسقينا فرفع رأسه الى السماء فقال بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال بحرمة ما كان بينى وبينك البارحة أن تسقينا فلم يفرغ من كلامه حتى مطرنا ثم بكى ورجع والكلام في تصحيح النية وتطهير القلب عن الغير والإخلاص لله تعالى ومن بقي في صفات نفسه واعرض عن الحق وأقبل على الدنيا وشهواتها فهو يجر في نار جهنم البعد والطرد ويذوق حر نار الهجران والخذلان إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ من الأشياء وهو منصوب بفعل يفسره ما بعده خَلَقْناهُ حال كون ذلك الشيء ملتبسا بِقَدَرٍ متعين اقتضته الحكمة التي عليها يدور امر التكوين فقدر بمعنى التقدير وهو تسوية صورته وشكله وصفاته الظاهرة والباطنة على مقدار مخصوص اقتضته الحكمة وترتبت عليه المنفعة المنوطة بخلفه او خلقناه مقدرا مكتوبا في اللوح قبل وقوعه لا يغير ولا يبدل (مصرع)
قضى الله امرا وجف القلم ... سر بر خط لوح ازلى دار وخموش(9/283)
وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)
كز هر چهـ قلم رفته قلم در نكشند فالمراد بالقدر تقديره في علمه الأزلي وكتبه في اللوح المحفوظ وهو القدر المستعمل في جنب القضاء فالقضاء وجود جميع المخلوقات في اللوح المحفوظ مجتمعة والقدر وجودها في الأعيان بعد حصول شرائطها ولذا عبر بالخلق فانه انما يتعلق بالوجود الظاهري في الوقت المعين وفي الحديث (كتب الله مقادير الخلائق كلها قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين الف سنة وعرشه على الماء) وعنه عليه السلام (كل شيء بقدر الله حتى العجز والكيس) وعنه عليه السلام (لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع يشهد لا اله الا الله وانى رسول الله بعثني بالحق ويؤمن بالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر خيره وشره) اى حلوه ومره قال في كشف الاسرار مذهب اهل سنت آنست كه نيكى وبدى هر چند فعل بنده است وبنده بدان مثاب ومعاقب است اما بخواست الله است وبقضا وتقدير او چنانكه رب العزة كفت (قل كل من عند الله) وقال تعالى (انا كل شيء خلقناه بقدر) وقال عليه السلام القدر خيره وشره من الله ففى الآية رد على القدرية والمعتزلة والخوارج وفي التأويلات النجمية خلقنا كل شيء اى موجود علمى وعينى في الأزل بمقدار معين مثل ما قال الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى اى كل شيء مخلوق على مقتضى استعداده الذاتي وقابليته الاصلية الازلية لا زائد فيه ولا ناقص كما قال الغزالي رحمه الله ليس في الإمكان أبدع من هذا الوجود لانه لو كان ولم يظهر لكان بخيلا وهو جواد ولكان عاجزا وهو قادر وَما أَمْرُنا لشيء نريد تكوينه إِلَّا واحِدَةٌ اى كلمة واحدة لا تثنى سريعة التكوين وهو قوله تعالى كن او إلا فعلة واحدة وهو الإيجاد بلا معالجة ومعاناة كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ فى اليسر والسرعة فان اللمح النظر بالعجلة فمعنى كلمح كنظر سريع قال في القاموس لمح اليه كمنع اختلس النظر كألمح وفي المفردات اللمح لمعان البرق ورأيته لمحة برق قال ابن الشيخ لما اشتملت الآيات السابقة على وعيد كفار اهل مكة بالإهلاك عاجلا وآجلا والوعد للمؤمنين بالانتصار منهم جيئ بقوله إنا كل شيء خلقناه بقدر تأكيدا للوعيد والوعيد يعنى ان هذا الوعيد والوعد حق وصدق والموعد مثبت في اللوح مقدر عند الله لا يزيد ولا ينقص وذلك على الله يسير لان قضاءه في خلقه اسرع من لمح البصر وقيل معنى الآية معنى قوله تعالى وما امر الساعة الا كلمح البصر قال بعض الكبار ليس المراد بكلمة كن حرف الكاف والنون انما المراد بها المعنى الذي به كان ظهور الأشياء فكن حجاب للمعنى لمن فهم وكل انسان له في باطنه قوة كن وماله في ظاهره الا المعتاد وفي الآخرة يكون حكم كن منه في الظاهر وقد يعطى الله ذلك لبعض الرجال في هذه الدار بحكم الإرث لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فانه تصرف بها في عدة مواطن منها قوله في غزوة تبوك كن أباذر فكان أباذر ثم لا يخفى انه لم يعط أحد من الملائكة وغيرهم حرف كن انما هى خاصة بالإنسان لما انطوى عليه من الخلافة والنيابة وفي التأويلات النجمية وما امر تجلينا للاشياء كلها علويها وسفليها إلا جعل واحد اى وحداني الوصف لا كثرة فيه لكن يتكثر بحسب المتجلى له ويظهر فيه بحسبه ظهور الصورة(9/284)
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)
الواحدة في المرائى المتكثرة يظهر في الكبير كبيرا وفي الصغير صغيرا وفي المستطيل مستطيلا وفي مستدير مسديرا والصورة على حالتها المخلوقة عليها باقية لا تغير ولا تبدل بها كما يلمح الناظر ويرى في اللمحة الواحدة ما يحاذى بصره وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ اى اشباهكم فى الكفر من الأمم جمع شيعة وهو من يتقوى به الإنسان وينشر عنه كما في المفردات وقال فى القاموس شيعة الرجل بالكسر اتباعه وأنصاره والفرقة على حدة ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ متعظ يتعظ بذلك فيخاف وفيه اشارة الى انا بقدرتنا الازلية وحكمتنا البالغة أهلكنا وأفنينا اشباهكم وأمثالكم يا ارباب النفوس الامارة ويا اصحاب القلوب الجوالة اما بالموت الطبيعي واما بالموت الإرادي فهل من معتبر يعتبر هذا وهذا ويختار لنفسه الأليق والأحرى وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ من الكفر والمعاصي مكتوب على التفصيل فِي الزُّبُرِ اى في ديوان الحفظة جمع زبور بمعنى الكتاب فهو بمعنى مزبور كالكتاب بمعنى مكتوب وقال الغزالي رحمه الله كل شيء فعله الأمم في كتب أنبيائهم المنزلة عليهم كأفعال كفار زماننا في كتابنا وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ من الأعمال مُسْتَطَرٌ مسطور في اللوح المحفوظ بتفاصيله يقال استطره كتبه كما في القاموس قال يحيى بن معاذ رحمه الله من علم أن أفعاله تعرض عليه في مشهد الصدق وانه مجازى عليها اجتهد في إصلاح أفعاله واخلاص اعماله ولزم الاستغفار لما سلف من افراطه وقد روى ان النبي عليه السلام ضرب لصغائر الذنوب مثلا فقال انما محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بفلاة من الأرض وحضر جميع القوم فانطلق كل واحد منهم يحطب فجعل الرجل يجيئ بالعود والآخر بالعود حتى جمعوا سوادا وأججوا نارا فشووا خبرهم وان الذنب الصغير يجتمع على صاحبه فيهلكه الا أن يغفر الله اتقوا محقرات الذنوب فان لها من الله طالبا ولقدا حسن من قال
خل الذنوب صغيرها ... وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق را ... ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة ... ان الجبال من الحصى
إِنَّ الْمُتَّقِينَ اى من الكفر والمعاصي فِي جَنَّاتٍ اى بساتين عظيمة الشان بحيث لا يوصف نعيمها وما أعد فيها لاهلها وَنَهَرٍ اى انهار كذلك يعنى انهار الماء والخمر والعسل واللبن والافراد للافراد للاكتفاء باسم الجنس مراعاة للفواصل فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ خبر بعد خبر وهو من اضافة والصدق بمعنى الجودة والمعنى في مكان مرضى ومجلس حق سالم من اللغو والتأثيم بخلاف مجالس الدنيا فقل ان سلمت من ذلك عِنْدَ مَلِيكٍ المراد من العندية قرب المنزلة والمكانة دون قرب المكان والمسافة والمليك ابلغ من المالك وهو بالفارسية پادشاه والتنكير للتعظيم والمعنى حال كونهم مقربين عند عزيز الملك واسعه لا يقادر قدر ملكه فلا شيء الا وهو تحت ملكوته فأى منزلة أكرم من تلك واجمع للغبطة كلها والسعادة بأسرها مُقْتَدِرٍ قادر لا يعجزه شيء عال امره في الاقتدار وفي التأويلات النجمية يعنى المتقين بالله عما سواه في جنات الوصلة وانهار مياه المعرفة والحكمة(9/285)
ينغمسون فيها ويخرجون منها درر المعارف ولآلئ العوارف في مقعد صدق هو مقام الوحدة الذاتية في مقام العندية كما قال عليه السلام أتيت عند ربى يطعمني ويسقينى ودر كشف الاسرار آورده كه كلمة عند رقم تقريب وتخصيص دارد يعنى اهل قرب فردادران سرايدان اختصاص خواهند داشت وحضرت پيغمبر عليه السلام امروز درين سرا مخصوص بآن بوده كه (أبيت عند ربى) و چون رتبه كه فردا خواص بأن نازند امروز پاى ادناى وى بوده پس از مرتبه اعلاى فرداى او كه نشان تواند داد
اى محرم سر لا يزالى ... مرآت جمال ذى الجلالي
مهمان أبيت عند ربى ... صاحب دل لا ينام قلبى
از قربت حضرت الهى ... هستى بمثابه كه خواهى
قربى كه عبارتش نسنجد ... در حوصله خرد نكنجد
كم كشته بود عبارت آنجا ... بلكه نرسد عبارت آنجا
وفي الآية اشارة الى ان تقوى توصل العبد الى جنات الدرجات وانهار العلوم والمعارف الحقيقية الالهية ثم الى مقام الصديقين ثم الى مقام الوحدة الذاتية المشار إليها بالعندية قال الامام جعفر الصادق رضى الله عنه مدح الله المكان بالصدق فلا يقعد فيه الا اهل الصدق وهو المقام الذي يصدق الله فيه وعده لاوليائه بأن يبيح لهم النظر الى وجهه الكريم قيمت وعز ان بقعه نه بمرع بريان وجوى روان وحيرات حسان است بلكه بديدار چنانكه قيمت صدف بدر شاهوار كما قيل
وما عهدى بحب تراب ارض ... ولكن من يحل بها حبيب
اى خوشا عيشا كه مؤمنانراست در ان مجلس انس وحظيره قدس باديه انتظار بريده بكعبه وصال رسيده خلعت رضا پوشيده شربت سرور از چشمه وفا نوشيده عيش بي عتاب ونعمت بي حساب وديدار بي حجاب يافته (روى) صالح بن حبان عن عبد الله بن بريدة انه قال فى هذه الآية ان اهل الجنة يدخلون كل يوم مرتين على الجبار تعالى فيقرأون عليه القرآن وقد جلس كل امرئ منهم مجلسه الذي له ومجلسى على منابر الدر والياقوت والزمرد والذهب والفضة أعمالهم فلم تقر أعينهم بشيء قط كما تقر أعينهم بذلك ولم يسمعوا شيأ أعظم ولا أحسن منه ثم ينصرفون الى رحالهم ناعمين قريرة أعينهم الى مثلها من الغد قال بعضهم المراد بمن في الآية هم الذين لا تحجبهم الجنة ولا النعيم ولا شيء عنه تعالى قال البقلى يا أخى هؤلاء غرباء الله في الدنيا والآخرة أدخلهم في اغرب المنازل وهو مقام المجالسة معه بحيث لا يطلع عليه الا اهل الصدق في طلبه وهم فقراء المعرفة الذين قال عليه السلام فيهم الفقراء جلساء الله سئل ابو يزيد البسطامي قدس سره عن الغريب قال الغريب من إذا طالبه الخلق في الدنيا لم يجدوه ولو طالبه مالك في النار لم يجده ولو طالبه رضوان فى الجنة لم يجده فقيل اين يكون يا أبا يزيد فقال ان المتقين في جنات إلخ فلابد من الصدق وحدمة الصادقين حتى يصل الإنسان الى هذا المطلب الجليل وهو على وجوه ومراتب اما الصدق(9/286)
فى القول فبصون اللسان عن الكذب الذي هو أقبح الذنوب قال عليه السلام التجار هم الكفار فقيل أليس الله قد أحل البيع قال نعم ولكنهم يحلفون فيأثمون ويحدثون فيكذبون وقال عليه السلام الكذب ينقص الرزق وفي الحديث (اربع من كن فيه فهو منافق وان صام وصلّى وزعم انه مسلم إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا ائتمن خان وإذا خاصم فجر) واما الصدق في الحال فبصون الحال عما ينقصه مثلا إذا عزم على امر وحال من التسليم والتوكل وغير هما فصدقه بالاستمرار على عزيمته والاحتراز عن النقض واهل السلوك تهتمون فى صدق الحال أشد الاهتمام (روى) ان واحدا منهم كان كثير الوجد والزعقات فجاء يوما واوداع خرقته عند الشيخ في الحرم الشريف وقال ان صيحتى الآن لامرأة عشقتها فأنا لا أريد أن أكون كاذبا في حالى بأن ألبس لباس العشاق وانا على تلك الحال ثم انه بعد ايام جاء وأخذ خرقته وقال الحمد الذي خلصنى منها وعدت الى حالى ومن قبيل الصدق في الحال صدق لمريد في إرادته فانه إذا وقع منه حركة مخالفة لارادة الشيخ فهو كاذب في إرادته فان المريد من أفنى إرادته في ارادة الشيخ ففى اى مرتبة من القال والحال وجد الصدق كان سبب النجاة وباعثا لرفع الدرجات قال الشاعر
سيعطى الصادقين بفضل صدق ... نجاة في الحياة وفي الممات
وسبب هذا الشعران ثلاثة اخوة من الشام كانوا يغزون فأسرهم الروم مرة فقال لهم الملك انى أجعلكم ملوكا وأزوجكم بناتي ان قبلتم النصرانية فأبوا وقالوا يا محمداه فادخل اثنين في الزيت المغلى وأخذ الثالث علج وسلط عليه ابنته وكانت من أجمل النساء فأخذ الشاب فى صيام النهار وقيام الليل فآمنت البنت وخرجا الى الشام فجاء أخواه الشهيدان مع الملائكة ليلة وزوجاه المرأة وسألهما أخوهما عن حالهما فقالا ما كانت الا التي رأيت حتى دخلنا في الفردوس وان الله تعالى أرسلنا إليك نشهد تزويجك بهذه الفتاة وكانا مشهورين بالشام حتى قال الشعراء فيهما أبياتا منها ما ذكرناه (وروى) جنيد البغدادي قدس سره عن امير
المؤمنين على رضى الله عنه انه قال الصوف ثلاثة أحرف فالصاد صدق وصبر وصفاء والواو ود وورد وو فاء والفاء فقر وفرد وفناء فاذا لم توجد هذه الصفات في لا يكون صوفيا قال سهل رحمه الله أول خيانة الصديقين حديثهم مع أنفسهم وسئل فتح الموصلي رحمه الله عن الصادق فأدخل يده في كير الحديد واخرج حديدة محماة ووضعها على كفه وقال هذا هو الصدق قال جنيد البغدادي رحمه الله الصادق ينقلب في اليوم أربعين مرة والمرائى يثبت على حالة واحدة أربعين سنة وذلك لان مطلب العارفين من الله الصدق والعبودية والقيام بحق الربوبية من غير مراعاة حظ النفس وكل من عداهم من العابد والزاهد او العالم لا يفارقون الحظوظ والأغراض نسأل الله العافية تمت سورة القمر بعون خالق القوى والقدر في العشر الثالث من العشر الثالث من شوال المنتظم في سلك شهور سنة اربع عشرة ومائة والف(9/287)
الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)
تفسير سورة الرحمن
وتسمى عروس القرآن مكية او مدينة وآيها ست او سبع او ثمان وسبعون بسم الله الرحمن الرحيم
الرَّحْمنُ مبتدأ خبره ما بعده اى الذي له الرحمة الكاملة كما جاء في بعض الدعاء رحمان الدنيا ورحيم الآخرة لانه عم الرزق في الدنيا كما قيل
أديم زمين سفره عام اوست ... برين خوان يغما چهـ دشمن چهـ دوست
وخص المؤمنين بالعفو في الآخرة وبالفارسية خداوند بخشايش بسيار كه رحمت او همه چيز را رسيده والرحمة في الحقيقة العف والحنوا عنى الميل الروحاني ومنه الرحم لانعطافها الحسى على ما فيها وأريد بها بالنسبة الى الله تعالى ارادة الخير او الانعام لان عطف على أحد أصابه بأحدهما قال الامام الغزالي رحمه الله الرحمن هو العطوف على العباد بالإيجاد اولا وبالهداية الى الايمان واسباب السعادة ثانيا والإسعاد بالآخرة ثالثا والانعام بالنظر الى وجه الكريم رابعا انتهى ولما كانت هذه السورة الكاملة شاملة لتعداد النعم الدنيوية والاخروية والجسمانية والروحانية طرزها بطراز اسم الرحمن الذي هو اسم الذات المشتمل على جميع الأسماء والصفات ليسند اليه النعم المختلفة بعده ولما كان القرآن أعظم النعم شأنا لانه مدار جميع السعادات ولذا قال عليه السلام اشراف أمتي حملة القرآن اى ملازموا قراءته واصحاب الليل وقال خيركم من تعلم القرآن وعلمه وفيه جميع حقائق الكتب السماوية وكان تعليمه من آثار الرحمة الواسعة وأحكامها بدأبه فقال عَلَّمَ محمدا صلّى الله عليه وسلّم الْقُرْآنَ بواسطة جبريل عليه السلام وبواسطة محمد عليه السلام غيره من الامة (قال الكاشفى) يعنى آسان كردانيده مر او را آموختن وديكر انرا آموزانيدن قال ابن عطاء رحمه الله لما قال الله تعالى وعلم آدم الأسماء كلها أراد ان يخص امة محمد بخاصة مثله فقال الرحمن علم القرآن اى الذي علم آدم الأسماء وفضله بها على الملائكة هو الذي علمكم القرآن وفضلكم به على سائر الأمم فقيل له متى علمهم قال علمهم حقيقة في الأزل واظهر لهم تعليمه وقت الإيجاد وفيه إشارة الى أن تعليم القرآن وان كان في الصورة بواسطة جبريل من الوجه العام لكنه كان بلا واسطة في المعنى من الوجه الخاص على ما سنريد وضوحا في محله ان شاء الله تعالى وقال بعضهم علم القرآن اى أعطى الاستعداد الكامل في الأزل لجميع المستعدين ولذلك قال علم القرآن ولم يقل علم الفرقان كما في قوله تعالى تبارك الذي نزل الفرقان فان الكلام الإلهي قرآن باعتبار الجمع والبداية وفرقان باعتبار الفرق والنهاية فهو بهذا المعنى لا يتوقف على خلق الإنسان وظهوره في هذا العالم وانما الموقوف عليه تعليم البيان ولذا قدم تعليم القرآن على خلق الإنسان وخلقه على تعليم البيان انتهى وفي الآية اشارة الى أن التعليم والتسهيل انما هو من الله تعالى لا من المعلمين والحافظين وقد علم آدم الأسماء ووفقه لتعلمها وسهله باذنه وعلم داود صنعة الدرع كما قال وعلمناه صنعة لبوس لكم وعلم عيسى علم الطب كما قال ويعلمه الكتاب والحكمة وعلم الخضر العلم اللدني كما قال وعلمناه من لدنا علما(9/288)
خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)
وعلم نبينا عليه السلام القرآن واسرار الالوهية كما قال وعلمك ما لم تكن تعلم وعلم الإنسان البيان قال في فتح الرحمن ومن الدليل على ان القرآن غير مخلوق ان الله تعالى ذكره في كتابه العزيز في اربعة وخمسين موضعا ما فيها موضع صرح فيه بلفظ الخلق ولا أشار اليه وذكر الإنسان في ثمانية عشر موضعا كلها يدل على خلقه وقد اقترنا في هذه السورة على هذا النحو قاله المولى ابو السعود رحمه الله ثم قيل خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ تبيينا للمعلم وكيفية التعليم والمراد بخلق الإنسان انشاؤه على ما هو عليه من القوى الظاهرة والباطنة والبيان هو التعبير عما في الضمير قال الراغب البيان الكشف عن الشيء وهو أعم من النطق لان النطق مختص بالإنسان وسمى الكلام بيانا لكشفه عن المعنى المقصود وإظهاره انتهى وليس المراد بتعليمه مجرد تمكين الإنسان من بيان نفسه بل منه ومن فهم بيان غيره ايضا إذ هو الذي يدور عليه تعليم القرآن والمراد به جنس الإنسان الشامل لجميع اصنافه وافراده وفي بحر العلوم خلق الإنسان اى آدم وعلمه الأسماء واللغات كلها وكان آدم يتكلم بسبعمائة الف لغة أفضلها العربية انتهى يقول الفقير فيه اشارة الى ان الله تعالى قد تكلم بجميع اللغات سوآء كان التعليم بواسطة أم لا فان قلت كيف يتكلم الله باللغات المختلفة والكلام النفسي عار عن جميع الاكسية قلت نعم ولكنه في مراتب التنزلات والاسترسالات لا بد له من الكسوة فالعربية مثلا كسوة عارضة بالنسبة الى الكلام في نفسه وقد ذقنا في أنفسنا انه يجيئ الإلهام والخطاب تارة باللفظ العربي واخرى بالفارسي وبالتركى مع كونه بلا واسطة ملك لان الاخذ عن الله لا ينقطع الا يوم القيامة وذلك بلا واسطة وان كان الغالب وساطة الملك من حيث لا يرى فاعرف ذلك الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ مبتدأ وخبر والحسبان بالضم مصدر بمعنى الحساب كالغفران والرجحان يقال حسبه عده وبابه نصر حسابا بالكسر وحسبانا بالضم واما الحسبان بالكسر فبمعنى الظن من حسب بالكسر بمعنى ظن والمعنى يجريان بحساب مقدر في بروجهما ومنازلهما بحيث ينتظم بذلك امور الكائنات السفلية ويختلف الفصول والأوقات ويعلم السنون والحساب فالسنة القمرية ثلاثمائة واربعة وخمسون يوما والشمسية ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم او اقل وفيه اشارة الى شمس فلك البروج وفمركرة القلب سيرانهما في بروج التجليات الذاتية ومنازل التجليات الاسمائية والصفاتية وكل ذلك السيران بحسب استعداد كل واحد منهما بحساب معلوم وامر مقسوم وَالنَّجْمُ اى النبات الذي ينجم اى يطلع من الأرض ولا ساق له مثل الكرم والقرع ونحو ذلك وَالشَّجَرُ الذي له ساق وفي المنتقى كل نابت إذا ترك حتى يبرز انقطع فليس بشجر وكل شيء يبرز ولا ينقطع من سنته فهو شجر يَسْجُدانِ اى ينقاد ان له تعالى فيما يريد بهما طبعا انقياد الساجد من المكلفين طوعا او يسجد ظلهما على ما بين في قوله تعالى يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجد الله وكفته اند ما را بر سجود ايشان وقوف نيست چنانچهـ بر تسبيح ايشان كما قال تعالى (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) ذكر في مقابلة النعمتين السماويتين اللتين هما الشمس والقمر نعمتين ارضيتين وهما النجم والشجر(9/289)
وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10)
وكلاهما من قبيل النبات الذي هو اصل الرزق من الحبوب والثمار والحشيش للدواب واخلاء الجمل الاولى عن العطف لو رودها على منهاج التعديد تنبيها على تقاعده في الشكر كما في قولك زيد أغناك بعد فقر أعزك بعد ذل كثرك بعد قلة فعل بك ما لم يفعل أحد بأحد واما عطف جملة والنجم على ما قبلها فلتناسبها من حيث التقابل لما ان الشمس والقمر علويان والنجم والشجر سفليان ومن حيث ان كلا من حال علويين وحال السفليين من باب الانقياد لامر الله تعالى ولما كانت هذه الاربعة مغايرة لجنس الإنسان في ذاته وصفاته غير النظم بايرادها فى صورة الاسمية تحقيقا للتغاير بينهما وضعا وطبعا صورة ومعنى وفيه اشارة الى سجود نجم العقل الذي به يهتدى الى معرفة الأشياء واستهلاكه وتلاشية عند النظر الى الحقائق الالهية والمعارف الربانية لعدم قوة إدراكه إياها مستعدا بنفسه غير مستفيض من الفيض الإلهي بطريق الكشف والشهود والى سجود شجر الفكر المتشجر بالقوى الطبيعية والقوى الوهمية والخيالية وانحصاره في القوة المزاجية العنصرية وعدم تمكنه من ادراك الحقائق على ما هى عليه كما قيل العقل والفكر جالا حول سرادق الكون فاذا نظرا الى المكون ذابا وكيف لا وهما مخلوقان محصوران تحت حصر الخلقية والحدوث وانى للخلق المحدث معرفة الخالق القديم وما قدروا الله حق قدره وَالسَّماءَ رَفَعَها انتصابه بمحذوف يفسره المذكور اى خلقها مرفوعة محلا كما هو محسوس مشاهد وكذا رتبة حيث جعلها منشأ أحكامه وقضاياه وتنزل أوامره ومحل ملائكته وقال بعضهم رفعها من السفل الى العلو سقفا لمصالح العباد وجعل ما بينهما مسيرة خمسمائة عام وذلك لان السماء دخان فاربه موج الماء الذي كان في الأرض وَوَضَعَ الْمِيزانَ اى شرع العدل وامر به بأن وفر كل مستحق لما استحقه ووفى كل ذى حق حقه حتى انتظم به امر العالم واستقام كما قال عليه السلام بالعدل قامت السموات والأرض قيل فعلى هذا الميزان هو القرآن وقيل هو ما يعرف به مقادير الأشياء من ميزان وميكال ونحوهما فالمعنى خلق كل ما توزن به الأشياء ويعرف مقاديرها موضوعا مخفوضا على الأرض حيث علق به احكام عباده وقضاياهم وما تعبدهم به من التسوية والتعديل في أخذهم واعطائهم قال سعدى المفتى وأنت خبير بأن قوله أن لا تطغوا فى الميزان واقيموا الوزن أشد ملاءمة لهذا المعنى ولهذا اقتصر عليه الزمخشري (قال الكاشفى) ووضع الميزان وبيافريد يا منزل كردانيد ترازو را يا الهام داد خلق را بكيفيت إيجاد آن ليتوصل به الا الانصاف والانتصاف وكان ذلك في زمان نوح عليه السلام إذ لم يكن قبله كيل ووزن وذراع قال قتادة في هذه الآية اعدل يا ابن آدم كما تحب أن يعدل عليك وأوف كما تحب أن يوفى لك فأن العدل صلاح الناس أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ ان ناصبة ولا نافية ولام العلة مقدرة متعلقة بوضع الميزان اى وضعه لئلا تطغوا فيه ولا تعتدوا ولا تتجاوزوا الانصاف وبالفارسية از حد نكذريد در ترازو بوقت داد وستد يعنى از عدل تجاوز نكنيد وبراستى معامله نمايد قال ابن الشيخ الطغيان مجاوزة الحد فمن قال الميزان العدل قال طغيانه الجور ومن قال انه الميزان الذي هو آلة التسوية قال طغيانه البخس اى(9/290)
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10)
النقص
چون ترازوى تو كج بود ودغا ... راست چون جويى ترازوى جزا
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ قوموا وزنكم بالعدل اى اجعلوه مستقيما به وفي المفردات الوزن معرفة قدر الشيء والمتعارف في الوزن عند العامة ما يقدر بالقسطاس والقبان وقوله واقيموا الوزن بالقسط اشارة الى مراعاة المعدلة في جميع ما يتحراه الإنسان من الافعال والأقوال وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ يقال خسرت الشيء بالفتح وأخسرته نقصته وبابه ضرب واما خسر في البيع فبالكسر كما في المختار وقال في القاموس خسر كفرح وضرب ضل والخسر والاخسار النقص اى لا تنقصوه لان من حقه أن يسوى لانه المقصود من وضعه قال سعدى المفتى المراد لا تنقصوا الموزون في الميزان لا الميزان نفسه امر اولا بالتسوية ثم نهى عن الطغيان الذي هو اعتداء وزيادة ثم عن الخسران الذي هو تطفيف ونقصان وكرر لفظ الميزان تشديدا للتوصية به وتأكيدا للامر باستعماله والحث عليه (قال الكاشفى) اين همه تأكيد اهل ترازو را جهت آنست كه بوقت وضع ميزان قيامت شرمنده نشوند
هر جو وهر حبه كه بازوى تو ... كم كند از كيد ترازوى تو
هست يكايك همه بر جاى خويش ... روز جزا جمله بيارند پيش
با تو نمايند نهانيت را ... كم دهى وبيش ستانيت را
روى عن مالك بن دينار رحمه الله انه دخل على جار له احتضر فقال يا مالك جبلان من نار بين يدى أكلف الصعود عليهما قال فسألت اهله فقالوا كان له مكيالان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر فدعوت بهما فضربت أحدهما بالآخر حتى كسرتهما ثم سألت الرجل فقال ما يزداد الأمر على إلا عظما وفي المفردات قوله ولا تخسروا الميزان يجوز أن يكون اشارة الى تحرى العدالة في الوزن وترك الحيف فيما يتعاطاه في الوزن ويجوز أن يكون ذلك اشارة الى تعاطى مالا يكون ميزانه به يوم القيامة خاسرا فيكون ممن قال فيه فمن خفت موازينه وكلا المعنيين يتلازمان وكل خسران ذكره الله في القرآن فهو على هذا المعنى الأخير دون الخسران المتعلق بالقنيات الدنيوية والتجارات البشرية يقول الفقير وجه توسيط الميزان بين رفع السماء ووضع الأرض هو الاشارة الى انه بالعدل قامت السموات والأرض كما ورد في الحديث والى انه لا بد من ميزان العقل بين الروح والجسد حتى يعتدلا ولا يتجاوز أحدهما الآخر والاعتدال الحقيقي هو الوقوف بين طرفى الافراط والتفريط المذمومين عقلا وشرعا وعرفا والموزونات هى الأمور العلمية والعلمية المعدلة بالعقل المبنى على الاستعداد الذاتي وَالْأَرْضَ وَضَعَها اى خفضها مدحوة على الماء اى مبسوطة لِلْأَنامِ اى لمنافع الأنام وهو جمع لا واحد له من لفظه بمعنى الخلق والجن والانس مما على الأرض كما فى القاموس فهى كالمهاد والفراش لهم يتقلبون عليها ويتصرفون فوقها وقال ابن عباس رضى الله عنهما رب الناس ويدل عليه وقوله
مبارك الوجه يستسقى الغمام به ... ما في الأنام له عدل ولا مثل(9/291)
فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17)
وقال قتادة كل ذى روح لانه ينام وقيل من ونم الذباب همس وفيه اشارت الى بسط ارض البشرية لتنتعش كل قبيلة بما يلائم طبعها اما انتعاش اهل النفوس البشرية فبأستيفاء الشهوات الحيوانية واللذات الجسمانية واما انتعاش اصحاب القلوب المعنوية فبالوا إرادات القلبية والإلهامات الغيبية واما انتعاش ارباب الأرواح العلوية فبالتجليات الروحانية والمحاضرات الربانية واما انتعاش صناديد الاسرار اللاهوتية القدسية فبالتجليات الذاتية الاحدية المفنية لكل ما سواه فِيها فاكِهَةٌ ضروب كثيرة مما يتفكه به ويتلذذ ففاكهة تشعر باختلاف الأنواع وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ وهى اوعية الثمر وغلفها قبل التفتق يعنى خوشهاى آن در غلاف جمع كم بالكسر وهو الغلاف الذي يكون فيه الثمر أول ظهوره تا مادامكه مغشق نشده در غلاف باشد ومعنى النخل بالفارسية يعنى درخت خرما او هو اى الكم كل ما يكم بضم الكاف من باب نصر اى يغطى من ليف وسعف وكفرى فانه مما ينتفع به كما ينتفع من المكموم من ثمره وجماره وجذوعه فالليف يغطى الجذع والسعف الجمار وهو كرمان شحم النخل بالفارسية دل درخت خرما والكفرى الثمر وَالْحَبُّ ودر زمين دانه است وهو كل ما يتغذى به ويقتات كالحنطة والشعير وغيرهما ذُو الْعَصْفِ هو ورق الزرع او ورق النبات اليابس كالتبن (قال الكاشفى) وعصف كياهيست كه ازو دانه جدا ميشود وفي المفردات العصف والعصيفة الذي يعصف من الزرع قال في تاج المصادر العصف برك كشت ببريدن وَالرَّيْحانُ قال في المفردات الريحان ماله رائحة وقيل الرزق ثم يقال للحب المأكول ريحان كما في قوله والحب ذو العصف وقيل الاعرابى الى اين قال اطلب ريحان الله اى رزقه والأصل ما ذكرنا انتهى قال ابن عباس ومجاهد والضحاك هو الرزق بلغة حمير فالمراد بالريحان هنا اما الرزق او المشموم كما قال الحسن الريحان هو ريحانكم هذا الذي يشم وهو كل ما طابت رائحته من النبات او الشاهسفرم وعند الفقهاء الريحان مالساقه رائحة طيبة كما لورقه كالآس والورد مالورقه رائحة طيبة فقط كالياسمين كذا في المغرب قال ابن الشيخ كل بقلة طيبة الرائحة سميت ريحانا لان الإنسان يراح لها رائحة طيبة اى يشم يقال راح الشيء يراحه ويرحه وأراح الشيء يريحه إذا وجد ريحه وفي الحديث (من قتل نفسا معاهدة لم يرح رائحة الجنة) ويروى لم يرح من راحه يريحه والريحان في الأصل ريوحان كفعيلان من روح فقلبت الواو ياء وادغم ثم خفف بحذف عين الكلمة كما في ميت او كفو علان قلبت واوه ياء للتخفيف او للفرق بينه وبين الروحان وهو ماله روح فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ الحطاب للثقلين المدلول عليهما بقوله تعالى للانام لعمومه لهما واشتماله عليهما وسينطق به قوله تعالى ايها الثقلان وكذا في ذكر أبوي الفريقين بقوله خلق الإنسان وخلق الجان اشعار بأن الخطاب لهما جميعا والآلاء النعم واحدها الى والى والو والى والى كما في القاموس قال في بحر العلوم الآلاء النعم الظاهرة والباطنة الواصلة الى الفريقين وبهذا يظهر فساد ما قيل من ان الآلاء هى النعم الظاهرة فحسب والنعماء هى النعم الباطنة والصواب انهما من الألفاظ المترادفة كالأسود(9/292)
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14)
والليوث والفلك والسفن وفي التأويلات النجمية الآلاء هى النعمة الظاهرة والنعماء الباطنة والآيات المتوالية تدل على هذا لانها نعمة ظاهرة بالنسبة الى اهل الظاهر ومعنى تكذيبهم بالآلاء كفرهم بها والتعبير عن الكفر بالتكذيب لما أن دلالة الآلاء المذكورة على وجوب الايمان والشكر شهادة منها بذلك فكفرهم بها تكذيب بها لا محالة اى فاذا كان الأمر كما فصل فبأى فرد من افراد آلاء مالككما ومربيكما بتلك الآلاء تكذبان مع ان كلا منها ناطق بالحق شاهد بالصدق فالاستفهام للتقرير اى للحمل على الإقرار بتلك النعم ووجوب الشكر عليها (روى) عن جابر رضى الله عنه انه قال قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم سورة الرحمن حتى ختمها قال مالى أراكم سكوتا للجن كانوا احسن منكم ردا ما قرأت عليهم هذه الآية مرة فبأى آلاى ربكما تكذبان الا قالوا ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد قال في بحر العلوم وفيه دلالة بينة على ان الآلاء أراد بها النعم المطلقة الشاملة للظاهرة والباطنة لا المقيدة بالظاهرة كما سبق اليه بعض الأوهام انتهى قال في آكام المرجان دلت الآية على ان الجن كلهم مكلفون ولا خلاف فيه بين اهل النظر وزعمت الحشوية انهم مضطرون الى أفعالهم وانهم ليسوا مكلفين والدليل على انهم مكلفون ما في القرآن من ذم الشياطين ولعنهم والتحذير من غوائلهم وشرهم وذكر ما أعده الله لهم من العذاب وهذه الخصال لا يفعلها الله الا لمن خالف الأمر والنهى وارتكب الكبائر وهتك المحارم مع تمكنه من ان لا يفعل ذلك وقدرته على فعل خلافه ويدل على ذلك ايضا انه كان من دين النبي عليه السلام لعن الشياطين والبيان عن حالهم وانهم يدعون الى الشر والمعاصي ويوسوسون بذلك وتكرار هذه الآية في هذه الصورة لطرد الغفلة وتأكيد الحجة وتذكير النعمة وتقرير الكرامة من قولهم كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وكقولك لرجل أحسنت اليه بأنواع الأيادي وهو ينكرها ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ألم تكن عريانا فكسوتك أفتنكر هذا ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا وقال الشاعر
لا تقطعن الصديق ما طرفت ... عيناك من قول كاشح أشر
ولا تملن من زيارته ... زره وزره زر ثم زر وزر
وقال في برهان القرآن تكررت الآية احدى وثلاثين مرة ثمان منها ذكرها عقيب آيات فيها تعداد عجائب خلق الله وبدائع صنعه ومبدأ الخلق ومعادهم ثم سبع منها عقيب آياب فيها ذكر النار وشدائدها على عدد أبواب جهنم وحسن ذكر الآلاء عقيبها لان في خوفها ودفعها نعما توازى النعم المذكورة أو لأنها حلت بالأعداء وذلك يعد من اكبر النعماء وبعد هذه السبع ثمان في وصف الجنات وأهلها على عدد أبواب الجنة وثمان اخرى بعدها للجنتين اللتين دونها فمن اعتقد الثماني الاولى وعمل بموجبها استحق كلتا الثمانيتين من الله ووقاه الله السبع السابقة يقول الفقير من لطائف اسرار هذا المقام ان لفظ ال في أول اسم الرحمن المعنون به هذه السورة الجليلة دل على تلك الاحدى والثلاثين خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ بيافريد انسان را از كل خشك مانند سفال پخته كه دست(9/293)
وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17)
يروى زنى آواز كند الصلصال الطين اليابس الغير المطبوخ الذي له صلصلة اى صوت يسمع من يبسه وصح عن رسول الله عليه السلام انه قال إذا تكلم الله بالوحى سمع اهل السموات لصوته صلصلة كصلصلة الجرس على الصفوان والفخار الخزف اى الطين المطبوخ بالنار وتشبيهه بالفخار لصوته باليبس إذا نقر كأنه صور بصورة من يكثر التفاخر أو لأنه أجوف وقد خلق الله آدم عليه السلام من تراب جعله طينا ثم جمأ مسنونا ثم صلصالا ثم صب عليه ماء الأحزان فلا ترى ابن آدم الا يكابد حزنا فلا تنافى بين الآية الناطقة بأحدها وبين ما نطق بأحد الآخرين وَخَلَقَ الْجَانَّ اى الجن او أبا الجن او إبليس وبه قال الضحاك وفي الكشف الجان ابو الجن كما ان الإنسان ابو الانس وإبليس ابو الشياطين مِنْ مارِجٍ اى من لهب صاف من الدخان وقال مجاهد المارج هو المختلط بعضه ببعض من اللهب الأحمر والأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا وقدت من مرج امر القوم إذا اختلط واضطرب فمعنى من مارج من لهب مختلط مِنْ نارٍ بيان لمارج فانه في الأصل للمضطرب من مرج إذا اضطرب وفي كشف الاسرار خلق الجن من مارج من نار والملائكة من نورها والشياطين من دخانها وقال بعضهم من النار التي بين الكلة الرقيقة وبين السماء وفيها يكون البرق ولا ترى السماء الا من وراء تلك الكلة در باب نهم از سفر نانئ فتوحات مذكور است كه مارج آتشست ممتزج بهوا كه آنرا هواى مشتعل كويند پس جان مخلوقست إذ دو عنصر آتش وهو وآدم آفريده شده از دو عنصر آب وخاك چون آب وخاك بهم شوند آنرا طين كويند و چون هوا وآتش مختلط كردد آنرا مارج خوانند و چنانكه تناسل در بشر بإلقاء آبست در رحم تناسل در جن بإلقاء هواست در رحم أنثى وميان آفرينش جان وآدم شصت هزار سال بود فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مما أفاض عليكما في تضاعيف خلقكما من سوابغ النعم حتى صيركما أفضل المركبات وخلاصة الكائنات وفيه اشارة الى ان الحق سبحانه تجلى لحقيقة انسان الروح بصورة صفة صلصال اللطف والجمال ولحقيقة إبليس النفس بصورة صفة مارج القهر والجلال فصار أحدهما مظهرا لصورة لطفه والآخر لصورة قهره فبأى آلاء ربكما تكذبان ايها الروح اللطيف والنفس الخبيثة لان كل واحد منكما قد ذاق ما جبل عليه من اللطف والقهر والطيب والخبث رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ خبر مبتدأ محذوف اى الذي فعل ما ذكر من الأفاعيل البديعة رب مشرقى الصيف والشتاء ومغربيهما ومن قضيته ان يكون رب بينهما من الموجودات قاطبة يعنى ان ذكر غاية ارتفاعهما وغاية انحطاطهما اشارة الى ان الطرفين يتناولان ما بينهما كما إذا قلت في وصف ملك عظيم الملك له المشرق والمغرب فانه يفهم منه ان له ما بينهما ايضا قال في كشف الاسرار أحد المشرقين هو الذي تطلع منه الشمس فى أطول يوم من السنة والثاني الذي تطلع منه في اقصر يوم وبينهما مائة وثمانون مشرقا وكذا الكلام في المغربين وقيل أحد المشرقين للشمس والثاني للقمر وكذا المغربان واما قول عبد الله بن عمر رضى الله عنهما ما بين المشرق والمغرب قبلة يعنى لاهل المشرق وهو(9/294)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (23) وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (25) كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26)
أن تجعل مغرب الصيف على يمينك ومشرق الشتاء على يسارك فتكون مستقبل القبلة فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مما في ذلك من فوائد لا تحصى من اعتدال الهولء واختلاف الفصول وحدوث ما يناسب كل فصل في وقته الى غير ذلك مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ اى أرسلهما من مرجت الدابة إذا أرسلتها وخليتها للرعى والمعنى أرسل البحر الملح والبحر العذب وبالفارسية راه داد دو دريا را كه يكى خوش وشيرين ويكى تلخ وشور يَلْتَقِيانِ حال من البحرين قريبة من الحال المقدرة اى يتجاوران ويتماس سطوحهما لا فصل في مرأى العين وذلك كدجلة تدخل البحر فتشقة فتجرى في خلاله فراسخ لا يتغير طعمها وقيل أرسل بحر فارس والروم يلتقيان في المحيط لانهما خليجان يتشعبان منه قال سعدى المفتى وعلى هذا فقوله يلتقيان اما حال مقدرة ان كان المراد إرسالهما الى المحيط او المعنى اتحاد أصليهما ان كان المراد إرسالهما منه فلكل وجه بَيْنَهُما بَرْزَخٌ اى حاجز من قدرة الله او من الأرض والبرزخ الحائل بين الشيئين ومنه سمى القبر برزخا لانه بين الدنيا والآخرة وقيل للوسوسة برزخ الايمان لانها طائفة بين الشك واليقين لا يَبْغِيانِ اى لا يبغى أحدهما على الآخر بالممازجة وابطال الخاصية مع أن شأنهما الاختلاط على الفور بل يبقيان على حالهما زمانا يسيرا مع ان شأنهما الاختلاط وانفعال كل واحد منهما عن الآخر على الفور او لا يتجاوزان حديهما بإغراق ما بينهما من الأرض لتكون الأرض بارزة يتخذها أهلها مسكنا ومهادا فقوله لا يبغيان اما من الابتغاء وهو الطلب اى لا يطلبان غير ما قدر لهما او من البغي وهو مجاوزة كل واحد منهما ما حد له فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وليس من البحرين شيء يقبل التكذيب لما فيه من الفوائد والعبر يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ اللؤلؤ الدر والمرجان الخرز الأحمر المشهور يقال يلقيه الجن في البحر وقال فى خريدة العجائب اللؤلؤ يتكون في بحر الهند وفارس والمرجان ينبت في البحر كالشجر وإذا كلس المرجان عقد الزئبق فمنه ابيض ومنه احمر ومنه اسود وهو يقوى البصر كحلا وينشف رطوبة العين انتهى وقيل اللؤلؤ كبار الدر والمرجان صغاره واعلم انه ان أريد بالبحرين هنا بحر فارس وبحر الروم فلا حاجة في قوله منهما الى التأويل إذا للؤلؤ والمرجان بمعنييه يخرجان منهما لان كلا منهما ملح ولا عذب في البحار السبعة الأعلى قول من قال فى الآية يخرج من مالح بحرى فارس والروم ومن عذب بحر الصين وفي بحر العلوم ان اللؤلؤ يخرج من بحر فارس والمرجان من بحر الروم يعنى لا من كليهما وان أريد بهما البحر الملح والبحر العذب فنسبة خروجهما حينئذ الى البحرين مع انهما انما يخرجان من البحر الملح او مع انهما لا يخرجان من جميع البحر ولكن من بعضه كما يقال يخرج الولد من الذكر والأنثى وانما تلده الأنثى وهو الأظهر أو لأنهما لا يخرجان الا من ملتقى الملح والعذب وهذا يحتمل معنيين أحدهما ان الملتقى اسم مكان والخروج بمعنى الانتقال من الباطن الى الظاهر فانه قال الجمهور يخرج من الأجاج من المواضع التي يقع فيها الأنهار والمياه العذبة فناسب اسناد ذلك إليهما وهذا مشهور عند الغواصين والثاني انه مصدر ميمى(9/295)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (23)
بمعنى الالتقاء والخرج بمعنى الحدوث والحدوث بمعنى الوجود فانه يحدث ويتكون من التقائهما واجتماعهما كما قال الرازي يكون العذب كاللقاح للملح ونقل عن ابن عباس وعكرمة مولاه ان تكون هذه الأشياء في البحر بنزول المطر لان الصدف تفتح أفواهها للمطر فيكون الاصداف كالارحام للنطف وماء البحر كالجسد الغاذى ويدل على انه من المطر ما اشتهر من أن السنة إذا أجدبت هزلت الحيتان وقلت الاصداف والجواهر وعلى هذا فضمير منهما للبحرين باعتبار الجنس فتأمل فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ زيرا آن جوهرها كه بدان آرايش كنيد واز خريد وفروخت آن فوائد يابيد نعم ظاهره است پس بكدام ازين نعمتهاى پروردگار خرد تكذيب مينماييد وكفته اند مراد بحر آسمان وبحر زمين است كه هر سال متلاقى شوند وابر حاجزست كه منع ميكند درياى آسمان را از نزول ودرياى زمين را از صعود ودرياى فلك قطرات بر درياى زمين ريخته بدهان صدف درمى آيد واز ان در منعقد كردد وقيل البحران على وفاطمة رضى الله عنهما والبرزخ النبي صلّى الله عليه وسلّم ويخرج منهما الحسن والحسين رضى الله عنهما وقيل هما العقل والهوى والبرزخ بينهما لطف الله ويخرج منهما التوفيق والعصمة وقيل هما المعرفة والمعصية والحاجز العصمة ويخرج منهما الشوق والتوبة لا يبغيان لا تؤثر المعصية في المعرفة وقيل هما الدنيا والآخرة والبرزخ القبر وقيل الحياة والوفاة والبرزخ الاجل وقيل الحجة والشبهة والبرزخ النظر ويخرج منهما الحق والصواب امام قشيرى رحمه الله فرموده كه بحرين خوف ورجاست يا قبض وبسط وبرزخ قدرت بي علت ولؤلؤ احوال صافيه ومرجان لطايف وافيه صاحب كشف الاسرار شرح ميكند كه بحر خوف ورجا عامه مسلمان راست واز آن كوهر زهد وورع وطاعت وتقوى بيرون آيد وبحر قبض وبسط خواص مؤمنانراست واز آن جواهر فقر ووجد زايد وبحر انس وهيبت انبيا وصديقانرا كه از آن كوهر فنا روى نمايد تا صاحبش بمنزل بقا بياسايد
ز قعر بحر فنا كوهر فنا يابى ... وگرنه غوطه خورى اين كهر كجا يابى
وقال بعض الكبار يشير الى مروج بحر روح وحركته بالتجليات الذاتية والى مروج بحر القلب وحركته بالتجليات الصفاتية والتقائهما في مقام الوحدة مع بقاء برزخ معنوى بين هذين البحرين المشار بهما الى ما ذكر بحيث لا يبغى بحر الروح على بحر القلب لعدم نزوله بالكلية لئلا يفنى خاصية بحر القلب ولا يغلب بحر القلب على بحر الروح لعدم عروجه بالكلية لئلا يفنى خاصية بحر الروح كما قال وما منا الا له مقام معلوم يخرج لؤلؤ التجليات الذاتية من باحة بحر الروح ومرجان التجليات الصفاتية من لجة بحر القلب ويجوز أن يخرجا مجتمعين من اتحاد بحر الروح وبحر القلب مع بقاء امتياز ما بينهما وقال بعضهم يشير الى بحر القدم والحدوث وبحر القدم عذب من حيث القدم وبحر الحدوث ملح من حيث علل الحدوثية وبينهما حاجز عزة وحدانيته بحيث لا يختلط أحدهما بالآخر لانه منزه عن الحلول في الأماكن والاستقرار في المواطن يخرج من بحر القدم القرآن والأسماء والنعوت(9/296)
وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (25) كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26)
ومن بحر الحدوث العلم والمعرفة والفطنة وايضا يشير الى بحر القلب الذي هو بحر الأخلاق المحمودة وبحر النفس الذي هو بحر الأخلاق المذمومة ولا يختلطان بحيث يصير القلب نفسا والنفس قلبا لان بينهما العقل والعلم والشريعة والطريقة فاذا صارت النفس مطمئنة يخرج منها ومن القلب الايمان والإيقان والصفاء والنور والطمأنينة وقال ابن عطاء رحمه الله بين العبد وبين الرب بحران عميقان أحدهما بحر النجاة وهو القرآن من تعلق به نجا لان الله تعالى يقول واعتصموا بحبل الله جميعا وبحر الهلاك وهو الدنيا من ركن إليها هلك انتهى وَلَهُ الْجَوارِ هذه اللام لها معنيان أحدهما انها لام الملك والثاني انها لام الاستحسان والتعجب كقولهم لله أنت لله درك كما في كشف الاسرار والجوار بكسر الراء أصله الجواري بالياء بمعنى السفن جمع جارية أقيمت الصفة مقام الموصوف قال ابن الشيخ اعلم ان الأركان اربعة التراب والماء والهولء والنار فالله تعالى بين بقوله خلق الإنسان من صلصال ان التراب اصل لمخلوق شريف مكرم عجيب الشان وبين بقوله وخلق الجان من مارج من نار ان النار ايضا اصل لمخلوق آخر عجيب الشان وبين بقوله يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ان الماء ايضا اصل لمخلوق آخر له قدر وقيمة ثم ذكر ان الهولء له تأثير عظيم في جرى السفينة كالاعلام فقال وله الجوار وخصها بالذكر لان جريانها في البحر لا صنع للبشر فيه وهم معترفون بذلك فيقولون لك الفلك ولك الملك وإذا خافوا الغرق دعوا الله خاصة وسميت السفينة جارية لان شأنها الجري في البحر وان كانت واقفة في الساحل والمراسى كما تسمى المملوكة ايضا جارية لان شأنها الجري والسعى في حوائج سيدها الْمُنْشَآتُ المرفوعات الشرع على أن يكون من أنشأه إذا رفعه والشرع بضمتين جمع شراع وهو الذي يسمى بالفارسية بادبان ولا يبعد أن يكون المنشأت بمعنى المرفوعات على الماء فتكون جارية على ما هى له كما في حاشية سعدى المفتى والمعنى المنشأت المصنوعات اى المخلوقات على أن يكون من أنشأه الله اى خلقه فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ جمع علم وهو الجبل الطويل اى كالجبال الشاهقة عظما وارتفاعا وهو حال من ضمير المنشأت والسفن فى البحر كالجبال في البر كما ان الإبل في البر كالسفن في البحر فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ من خلق مواد السفن والإرشاد الى أخذها وكيفية تركيبها وإجرائها في البحر يابسات لقطع المسافات الكثيرة في الأوقات القليلة وحصول المعاملات والتجارات لا يقدر على خلقها وجمعها وترتيبها غيره سبحانه وفيه اشارة الى جريان سفن الشريعة والطريقة المرفوعات الشرع باحكام الشريعة وآداب الطريقة في بحر الوحدة الحقيقية كالجبال العظام مشحونات بمنافع كثيرة من الطاعات والعبادات على مقتضى علم الشريعة والواردات القلبية والإلهامات الغيبية على قانون ارباب الطريقة كما في التأويلات النجمية كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ الهاء كناية عن غير مذكور كقولهم إذا نهى السفيه جرى اليه والمعنى كل من على الأرض من الحيوانات والمركبات ومن للتغليب على الوجهين او من الثقلين فان اى هالك لا محالة يعنى سرانجام كار فانى شوند ولما نزلت هذه الآية قالت الملائكة هلكت بنوا آدم فلما(9/297)
وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28) يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31)
نزلت كل نفس ذائقة الموت أيقنوا بهلاك أنفسهم فان لهم أجساما لطيفة وأرواحا متعلقة بتلك الأجسام كأرواح الإنسان واما الأرواح المجردة المهيمة العالية فلا تفنى وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ اى ذاته ومنه كرم الله وجهه اى ذاته فالوجه العضو المعروف استعير للذات لانه اشرف الأعضاء ومجمع المشاعر وموضع السجود ومظهر آثار الخشوع قال القاضي ولو استقريت جهات الموجودات وتفحصت وجوهها وجدتها بأسرها فانية في حد ذاتها الا وجه الله الذي يلى جهته انتهى قال سعدى المفتى في حاشية هذا المحل هذا اشارة الى وجه آخر وهو أن يكون الوجه بمعنى القصد اى ما يقصد وينوى به الله والجهات بمعنى المقاصد وفي العبارة نوع تسامح وقوله يلى جهته اى مقصده والاضافة للبيان اى يتوجه اليه انتهى وقال ابن الشيخ اشارة الى ان الوجه يجوز أن يكون كناية عن الجهة بناء على ان كل جهة لا تخلو عن وجهه يتوجه إليها كما ذكر في قوله في جنب الله اى كل من عليها من الثقلين واما اكتسبوه من الأعمال هالك الا ما توجهوا به جهة الله وعملوه ابتغاء لمرضاته انتهى وقال الشيخ ابن نور الدين رحمه الله الماهيات تنقسم الى ثلاثة اقسام واجب الوجود وممتنع الوجود وممكن الوجود اما الواجب فهو وجود بحت واما الممتنع فهو عدم محض واما الممكن فهو مركب منهما وذلك لان له وجودا وماهية عارضة على وجوده فماهيته امر اعتباري معدوم في الخارج لا يقبل الوجود فيه من حيث هو هو ووجوده موجود لا يقبل العدم من حيث هو هو فكان الممكن موجودا ومخلوقا من وجود وعدم وهذه الجمعية تقبل الوجود والعدم ومن هذا ظهر حقيقة ما قال البيضاوي ولو استقريت إلخ وما قاله الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر فى تفسير قوله تعالى كل شيء هالك الا وجهه حيث قال الضمير راجع الى الشيء انتهى ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ صفة وجه اى ذو الاستغناء المطلق او العظمة في ذاته وصفاته وذو الفضل التام وهذه من عظائم صفاته تعالى ولقد قال عليه السلام ألظوا بيا ذا الجلال ولاكرام يعنى ملازم بگوييد يا ذا الجلال والإكرام وفي تاج المصادر الالظاظ ملازم كرفتن ودائم شدن باران والإلحاح ايضا وفي القاموس اللظ اللزوم والإلحاح وعنه عليه السلام انه مر برجل وهو يصلى ويقول يا ذا الجلال والإكرام فقال استجيب لك الدعاء فالدعاء بهاتين الكلمتين مرجو الاجابة وفي وصفه تعالى بذلك بعد ذكر فناء الخلق وبقائه تعالى إيذان بأنه تعالى يفيض عليهم بعد فنائهم ايضا آثار لطفه وكرمه حسبما ينبئ عنه قوله تعالى فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فان احياءهم بالحياة الابدية واثابتهم بالنعيم المقيم أجل النعماء وأعظم الآلاء قال الطيبي كيف أفرد الضمير في قوله وجه ربك وثناه في ربكما والمخاطب واحد قلت اقتضى الاول تعميم الخطاب لكل من يصلح للخطاب لعظم الأمر وفخامته فيندرج فيه الثقلان اندراجا أوليا ولا كذلك الثاني فتركه على ظاهره وفي قوله كل من عليها فان اشارة الى فناء كل من على ارض البشرية اما بالموت الطبيعي منغمسا فى بحر الشهوات الحيوانية واللذات الجسمانية واما بالموت الإرادي منسلخا عن الصفات البشرية ملتبسا بالصفات الروحانية وتغليب من اشارة الى ذوى العقول السليمة عن آفات(9/298)
يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)
القوة الوهمية والخيالية فانهم بذكاء فطرتهم وبقاء طينتهم يفنون عن الاحكام الطبيعية ويبقون بالتجليات الالهية وبقوله ويبقى وجه إلخ اشارة الى فناء الكثرة النسبية الاسمائية وبقاء الوحدة الحقيقية الذاتية الموصوفة بالصفة الجلالية القهرية والجمالية اللطفية فبأى آلاء ربكما تكذبان مما ذكرنا من إفناء الحياة المجازية وابقاء الحياة الحقيقية واظهار الصفة اللطفية فى حق مستحقى اللطف واظهار الصفة القهرية في حق مستحقى القهر لعلمه المحيط باستحقاقها وقال بعضهم لو نظرت بنظر التحقيق في الكون واهله لرأيت حقيقة فنائه وفناء اهله وان كان في الظاهر على رسم الوجود لان من يكون قيامه بغيره فهو فان في الحقيقية إذ لا يقوم بنفسه ولا نفس له في الحقيقية فان الوجود الحقيقي وجود القدم لذلك اثنى على نفسه بقوله ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام (قال الشيخ المغربي)
سايه هستى مينمايد ليك اندر اصل نيست ... نيست را از هست بشناختى يابى نجات
(وقال المولى الجامى)
تو در ميانه هيچ نه هر چهـ هست اوست ... هم خود الست كويد وهم خود بلى كند
وفي ذكر وجهه الباقي تسلية لقلوب العشاق اى أنا أبقى لكم ابدا لا تغتموا فان لكم ما وجدتم في الدنيا من كشف جمالى ويتسرمد ذلك لكم بلا حجاب ابدا وفي ذكر الجلال تهييج لاهل المحبة والهيبة وفي كاف الوحدة اشارة الى حبيبه عليه السلام يعنى كشف الوجه باق لك ابدا اريتك وجهى خاصة ثم العشاق اتباع لك في النظر الى وجهى فأول الكشف لك ثم للعموم واعلم ان وجود الباقي جميعه وجه وبين التجليات تفاوت وفي الحديث ان الله يتجلى لابى بكر خاصة ويتجلى للمؤمنين عامة يَسْئَلُهُ ميخواهند او را يعنى ميطلبند از وى مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قاطبة ما يحتاجون اليه في ذواتهم ووجوداتهم حدوثا وبقاء وسائر أحوالهم سؤالا مستمرا بلسان المقال وبلسان الحال فانهم كافة من حيث حقائقهم الممكنة بمعزل عن استحقاق الوجود وما يتفرع عليه من الكمالات بالمرة بحيث لو انقطع ما بينهم وبين العناية الالهية من العلائق لم يشموا رائحة الوجود أصلا فهم في كل آن مستمرون على الاستدعاء والسؤال وعن ابن عباس رضى الله عنهما فأهل السماء يسألونه المغفرة واهل الأرض يسألونه الرزق والمغفرة وفي كشف الاسرار مؤمنان دو كروه اند عابدان وعارفان هر سؤال بر يكى بر قدر همت او ونواخت هر يكى سزاى حوصله او
هر كسى از همت والاى خويش ... سود برد در خور كالاى خويش
عابد همه از خواهد عارف خود او را خواهد احمد بن ابى الجواري حق را بخواب ديد كفت جل جلاله يا احمد كل الناس يطلبون منى الا أبا يزيد فانه يطلبنى
فسرت إليك في طلب المعالي ... وسار سواى في طلب المعاش
كُلَّ يَوْمٍ اى كل وقت من الأوقات وهو اليوم الإلهي الذي هو الآن الغير المنقسم وهو بطن الزمان في الحقيقة هُوَ تعالى فِي شَأْنٍ من لشؤون التي من جملتها إعطاء(9/299)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31)
ما سألوا فانه تعالى لا يزال ينشيء اشخاصا ويفنى آخرين ويأتى بأحوال ويذهب بأحوال من الغنى والفقر والعزة والذلة والنصب والعزل والصحة والمرض ونحو ذلك حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح البالغة وفي الحديث (من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين) قال الحسين بن الفضل هو سوق المقادير الى المواقيت وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال خلق الله تعالى لوحا من درة بيضا دفناه ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه نور ينظر فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة يخلق ويرزق ويحيى ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء فذلك قوله تعالى كل يوم هو في شأن وهو مأخوذ من قوله عليه السلام ان الرب لينظر الى عباده كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة يبدئ ويعيد وذلك من حبه خلقه ويدل على هذا الحب ما يقال من ان الله تعالى يحيى كل يوم الفا وواحدا يميت الفا فالحياة الفانية إذا كانت خيرا لتحصيل الحياة الباقية فما ظنك بفضيلة الحياة الباقية وعن عبينة الدهر كله عند الله يومان أحدهما اليوم الذي هو مدة الدنيا فشأنه فيه الأمر والنهى والاماتة والاحياء والإعطاء والمنع والآخر يوم القيامة فشأنه فيه الجزاء والحساب والثواب والعقاب قال مقاتل نزلت الآية في اليهود حين قالوا ان الله لا يقضى يوم السبت شيأ ففيها رد لهم وقوله كل ظرف لما دل عليه هو في شأن اى يقلب الأمور كل يوم او يحدثها كل يوم او نحوه كما في بحر العلوم فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مع مشاهدتكم لما ذكر من إحسانه وفي بحر الحقائق يشير الى تجلى الحق في كل زمن فرد ونفس فرد على حسب المتجلى له واستعداده ولا نهاية للتجليات فبأى آلاء ربكما تكذبان من تجلى الحق بصور مطلوبكم وإيجاده من كتم العدم ووجود محبوبكم
كل يوم في شأن چهـ شانست بدو ... هر زمان جلوه ديكر شود از پرده عيان
جلوه حسن ترا غايت و پايانى نيست ... يعنى أوصاف كمال تو ندارد پايان
قال البقلى يسأله من في السموات من الملائكة كلهم على قدر مقاماتهم يسأله الخائف النجاة من العبد والحجاب ويسأله الراجي الوصول الى محل الفرح ويسأله المطيع قوة عبادته وثواب طاعته ويسأله المحب أن يصل اليه ويسأله المشتاق أن يراه ويسأله العاشق أن يقرب منه ويسأله العارف أن يعرفه بمزيد المعرفة ويسأله الموحد أن يفنى فيه ويستغرق في بحر شهوده ويسأله الجاهل علم ما يحجبه عنه ويسأله العالم ويعرفه به وكذا كل قوم على قدر مراتبهم ودرجاتهم وهو تعالى في كل يوم هو في شأن والشان الحال والأمر العظيم سَنَفْرُغُ لَكُمْ اى سنتجرد لحسابكم وجزائكم وذلك يوم القيامة عند انتهاء شؤون الخلق المشار إليها بقوله تعالى كل يوم هو في شأن فلا يبقى حينئذ الشأن واحد هو الجزاء فعبر عنه بالفراغ لهم على المجاز المرسل فان الفراغ يلزمه التجرد والا فليس المراد الفراغ من الشغل لانه تعالى لا يشغله شأن عن شأن وقيل هو مستعار من قول المهدد لصاحبه سأفرغ لك اى سأتجرد للايقاع بك من كل ما يشغلنى عنه والمراد التوفر على النكاية فيه والانتقام منه فالخطاب للمجرمين منهما بخلافة على الاول أَيُّهَ الثَّقَلانِ قال الراغب(9/300)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39)
الثقل والخفة متقابلان وكل ما يترجح على ما يوزن به او يقدر به يقال هو ثقيل وأصله في الأجسام ثم يقال في المعاني أثقله الغرم والوزر انتهى والمراد هنا الانس والجن سميا بذلك لانهما ثقلا الأرض يعنى انهما شبها بثقلى الدابة وفي حواشى ابن الشيخ شبه الأرض بالحمولة التي تحمل الأثقال والانس والحن جعلا أثقالا محمولة عليها وجعل ما سواهما كالعلاوة او لرزانة آراهما او لانهما مثقلان بالتكليف او لعظم قدرهما في الأرض كما في الحديث (انى خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتى) وقال الصادق رضى الله عنه سيما ثقلين لانهما يثقلان بالذنوب او لما فيهما من الثقل وهو عين تأخرهما بالوجود لان من عادة الثقيل الإبطاء كما ان من عادة الخفيف الاسراع والانس أثقل من الجن للركن الأغلب عليهم فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما التي من جملتها التنبيه على ما سيلقونه يوم القيامة للتحذير عما يؤدى الى سوء الحساب تُكَذِّبانِ بأقوالكما واعمالكما قال في كشف الاسرار اعلم ان بعض هذه السورة ذكر فيه الشدائد والعذاب والنار والنعمة فيها من وجهين أحدهما في صرفها عن المؤمنين الى الكفار وتلك النعمة عظيمة تقتضى شكرا عظيما والثاني ان في التخويف منها والتنبيه عليها نعمة عظيمة لان اجتهاد الإنسان رهبة مما يؤلمه اكثر من اجتهاده رغبة فيما ينعمه يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ هما الثقلان خوطبا باسم جنسهما لزيادة التقرير ولان الجن مشهورون بالقدرة على الا فاعيل الشاقة فخوطبوا بما ينبئ عن ذلك لبيان أن قدرتهم لا تفى بما كلفوه والمعشر الجماعة العظيمة سميت به لبلوغه غاية الكثرة فان العشر هو العدد الكامل الكثير الذي لا عدد بعده إلا بتركيبه بما فيه من الآحاد تقول أحد عشر واثنا عشر وعشرون وثلاثون اى اثنتا عشرات وثلاث عشرات فاذا قيل معشر فكأنه قيل محل العشر الذي هو الكثرة الكاملة وقدم الجن على الانس في هذه الآية لتقدم خلقه والانس على الجن فى قوله تعالى قل لئن اجتمعت الانس والجن لفضله فان التقديم يقتضى الافضلية قال ابن الشيخ لما بين الله تعالى انه سيجيئ وقت يتجرد فيه لمحاسبتهم ومجازاتهم وهددهم بما يدل على شدة اهتمامه بها كان مظنة ان يقال فلم ذلك مع ماله من كمال الاهتمام به فأشار الى جوابه بما محصوله انهم جميعا في قبضة قدرته وتصرفه لا يفوثه منهم أحد فلم يتحقق باعث يبعثه على الاستعجال لان ما يبعث المستعجل انما هو خوف الفوت وحيث لم يخف ذلك قسم الدهر كله الى قسمين أحدهما مدة ايام الدنيا والآخر يوم القيامة وجعل المدة الاولى ايام التكليف والابتلاء والمدة الثانية للحساب والجزاء وجعل كل واحدة من الدارين محل الرزايا والمصائب ومنبع البلايا والنوائب ولم يجعل لواحد من الثقلين سبيلا للفرار منهما والهرب مما قضاه فيهما فقوله يا معشر الجن متعلق بقوله سنفرغ لكم فكانا بمنزلة كلام واحد إِنِ اسْتَطَعْتُمْ لم يقل ان استطعتما لان كل واحد منهما فريق كقولهم فاذاهم فريقان يختصمون اى كل فريق منهم يختصم فجمع الضمير هنا نظرا الى معنى الثقلين وثناه فى قوله يرسل عليكما كما سيأتى نظرا الى اللفظ اى ان قدرتم على أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قال في القاموس النفاذ جواز الشيء عن الشيء والخلوص منه كالنقوذ(9/301)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39)
ومخالطة السهم جوف الرمية وخروج طرفه من الشق الآخر وسائره فيه كالنفذ ونفذهم جازهم وتخلفهم كأنفذهم والنافذ الماضي في جميع أموره انتهى والأقطار جمع قطر بالضم وهو الجانب والمعنى أن تخرجوا من جوانب السموات والأرض هاربين من الله فارين من قضائه فَانْفُذُوا فاخرجوا منها وخلصوا أنفسكم من عقابى وهو امر تعجيز والمراد انهم لا يفوتونه ولا يعجزونه حتى لا يقدر عليهم لا تَنْفُذُونَ لا تقدرون على النفوذ إِلَّا بِسُلْطانٍ اى بقوة وقهر وأنتم من ذلك بمعزل بعيد (روى) ان الملائكة تنزل فتحيط بجميع الخلائق فيهرب الانس والجن فلا يأتون وجها الا وجدوا الملائكة أحاطت به فتقول لهم الملائكة ذلك فكما لا يقدر أحد على الفرار يوم القيامة كذلك لا يقدر فى الدنيا فيدركه الموت والقضاء لا محالة فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ اى من التنبيه والتحذير والمساهلة والعفو مع كمال القدرة على العقوبة يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ هو لهب خالص لا دخان فيه او دخان النار وحرها كما في القاموس قال سعدى المفتى والله اعلم انها استئناف جوابا عن سؤال الداعي الى الهرب والفرار وان ذلك حين يساق الى المحشر كما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما اى يرسل عليكما لهب بلا دخان ليسوقكم الى المحشر مِنْ نارٍ متعلق بيرسل والتنوين فيهما للتفخيم وَنُحاسٌ اى دخان او صفر مذاب يصب على رؤسهم وفي المفردات النحاس اللهب بلا دخان وذلك تشبيه في اللون بالنحاس وفي القاموس النحاس مثلثة عن ابى العباس الكواشي القطر والنار وما سقط من شرار الصفر او الحديد إذا طرق فَلا تَنْتَصِرانِ اى لا تمنعان من ذلك العذاب فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ من بيان عاقبة الكفر والمعاصي والتحذير عنها فانها لطف ونعمة واى لطف ونعمة فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ اى انصدعت يوم القيامة وانفك بعضها من بعض لقيام الساعة او انفرجت فصارت أبوابا لنزول الملائكة كقوله تعالى ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا وفي الخبر من نار جهنم إذا كشف عنها فَكانَتْ وَرْدَةً كوردة حمراء في اللون وهى الزهرة المعروفة التي تشم والغالب على الورد الحمرة قال
ولو كنت وردا لونه لعشقتنى ... ولكن ربى شاننى بسواديا
وقيل لأن اصل لون السماء الحمرة وانما ترى زرقاء للعبد والحوائل ولان لون النار إذا خالط الا زرق كساه حمرة كَالدِّهانِ خبرثان لكانت اى كدهن الزيت فكانت في حمرة الوردة وفي جريان الدهن اى تذوب وتجرى كذوبان الدهن وجريه فتصير حمراء من حرارة جهنم وتصير مثل الدهن في رقته وذوبانه وهو اما جمع دهن او اسم لما يدهن به كالادام لما يؤتدم به وجواب إذا محذوف اى يكون من الأحوال والأهوال مالا يحيط به دائرة المقال قال سعدى المفتى ناصب إذا محذوف اى كان ما كان من الأمر الهائل الذي لا يحيط به نطاق العبارة او رأيت امرا عظيما هائلا وبهذا الاعتبار تتسبب هذه الجملة عما قبلها لان إرسال الشواظ يكون سببا لحدوث الأمر الهائل او رؤيته في ذلك الوقت فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مع عظم شأنها فَيَوْمَئِذٍ اى يوم إذ انشقت السماء حسب ما ذكر(9/302)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44)
لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ لانهم يعرفون بسيماهم فلا يحتاج في تمييز المذنب عن غيره الى ان يسأل عن ذنبه ان أراد أحد أن يطلع على أحوال أهل المحشر وذلك أول ما يخرجون من القبور ويحشرون الى الموقف فوجا فوجا على اختلاف مراتبهم واما قوله فوربك لنسألنهم أجمعين ونحوه ففى موقف المناقشة والحساب وعن ابن عباس رضى الله عنهما لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا فانه أعلم بذلك منهم ولكن يسألهم لم عملتم كذا وكذا وعنه ايضا ويسألون سؤال شفاء وراحة وانما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ وضمير ذنبه للانس لتقدمه رتبة وافراده لما أن المراد فرد من الانس كأنه قيل لا يسأل عن ذنبه انسى ولا جنى وأراد بالجان الجن كما يقال تميم ويراد ولده فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مع كثرة منافعها فان الاخبار بما ذكر مما يزجركم عن الشر المؤدى اليه وفيه اشارة الى شعاشع أنوار الطاعة والعبادة على صفحات وجنات انس الروح والى تراكم ظلمات المعصية والمتمرد وسلاسل الطغيان وأغلال العصيان على صفحات وجوه جن النفس المظلمة وأعناقهم المتمردة الآبية عن الطاعة والانقياد فبأى آلاء ربكما تكذبان بما أنعم الله على عباده المنقادين فى هذا اليوم ومما انتقم من عباده المتمردين في ذلك اليوم فان الانتقام من الأعداء نعمة على الأحباب ولذا ورد الحمد عقيبه كما قال تعالى فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين وكمال الانتقام بافناء أوصاف النفس الامارة بالكلية يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ السيما والسيماء بالكسر والقصر والمد العلامة والجملة استئناف يجرى مجرى التعليل لعدم السؤال قيل يعرفون بسواد الوجوه وزرقة العيون وقيل بما يعلوهم من الكآبة والحزن كما يعرف الصالحون باضداد ذلك فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ النواصي جمع ناصية وهى مقدم الرأس والمراد هنا شعرها والجار والمجرور هو القائم مقام الفاعل يقال أخذه إذا كان المأخوذ مقصودا بالأخذ ومنه قوله تعالى خذوا حذركم ونحوه وأخذ به إذا كان المأخوذ شيأ من ملابسات المقصود بالأخذ ومنه قوله تعالى لا تأخذ بلحيتي ولا برأسى وقول المستغيث خذ بيدي أخذ الله بيدك والمعنى تأخذ الملائكة بنواصيهم اى بشعور مقدم رؤسهم وأقدامهم فيقذفونهم في النار أو تسحبهم الملائكة الى النار تارة تأخذ بالنواصي وتجرهم على وجوههم او يجمع بين نواصيهم وأقدامهم في سلسلة من ورلء ظهورهم فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ من المواعظ والزواجر هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ على ارادة القول اى يقال لهم ذلك بطريق التوبيخ يَطُوفُونَ بَيْنَها اى يدرون بين النار يحرقون بها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ اى ماء بالغ من الحرارة أقصاها يصب عليهم او يسقون منه اى يطوفون من النار الى الحميم ومن الحميم الى النار دهشا وعطشا ابدا من أنى يأنى فهو آن مثل قضى يقضى فهو قاض إذا انتهى في الحر والفيح قال ابو الليث يسلط عليهم الجوع فيؤتى بهم الى الزقوم الذي طلعها كرؤس الشياطين فأكلوا منها فأخذت في حلوقهم فاستغاثوا بالماء فأوتوا به من الحميم فاذا قربوه الى وجوههم تناثر لحم وجوههم ويشربون فتغلى أجوافهم ويخرج جميع ما فيها ثم يلقى عليهم الجوع فمرة يذهب بهم الى الحميم ومرة الى الزقوم وقال كعب الأحبار ان واديا من اودية(9/303)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45) وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52)
جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار فينطلق بهم في الاغلال فيغمسون فيه حتى تنخلع او صالهم ثم يخرجون منه وقد أحدث الله لهم خلقا جديدا فيلقون في النار فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وقد أشير الى سركون بيان أمثال هذه الأمور من قبيل الآلاء مرارا فالآلاء في أمثالها حكاياتها فقط للانزجار مما يؤدى الابتلاء بها من الكفر والمعاصي بخلاف ما فصل في أول السورة الى قوله كل يوم إلخ فانها نعم واصلة إليهم في الدنيا وكذلك حكاياتها من حيث إيجابها للشكر والمثابرة على ما يؤدى الى استدامتها وفي الآية اشارة الى الكاسبين بقدم مخالفة الشرع وموافقة الطبع الصفات الذميمة واخلاق الرذيلة وهم يطوفون بين نار المخالفات الشرعية والموافقات الطبيعية وبين حميم الجهل فانه لا يقطع العطش ولا يروى الظمآن وانما ينفع للانسان في الدنيا والآخرة العلم القطعي والكشف الصحيح ألا ترى الى علوم أهل الجدل فانها في حكم الجهل لان أهلها منغمسون في الشهوات واللذات مستغرقون في الأوهام والخيالات ولما نبه الله الامام الغزالي رحمه الله وأيقظه ونظر فاذا علومه التي صرف شطرا من عمره فى تعلمها وتعليمها لا تنقذه في الآخرة رجع الى كتب الصوفية فتيقن انه ليس أنفع من علومهم لكون معاملاتها ذات الله وصفاته وأفعاله وحقائق القرآن وأسراره فترك التدريس ببغداد وخرج الى طلب أهل تلك العلوم حتى يكون منها على ذوق بسبب صحبتهم فوفقه الله فكان من امره ما كان وقد قال ابو يزيد البسطامي قدس سره أخذتم علمكم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت وقال الامام فخر الدين للشيخ نجم الدين قدس سره بم عرفت ربك قال بواردات ترد على القلوب فتعجز النفوس في تكذيبها فالنفس كجهنهم فيها نار الشهوات وحميم الجهالات فمن زكاها في الدنيا عن أوصافها نجا يوم القيامة من الاحتراق والافتراق نعوذ بالله من سوء الحال وسيئات الأعمال وقبائح الأحوال
نمى تازد اين نفس سركش چنان ... كه عقلش تواند كرفتن عنان
كه با نفس وشيطان برآيد بزور ... مصاف پلنگان نيايد زمور
وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وبراى كسى كه بترسد از ايستادن پيش خداى تعالى وهو شروع فى تعداد النعم الفائضة عليهم في الآخرة بعد تعداد ما وصل إليهم في الدنيا من الآلاء الدينية والدنيوية والمقام اسم مكان ومقامه تعالى موقفه الذين يقف فيه العباد للحساب كما قال يوم يقوم الناس لرب العالمين فالاضافة للاختصاص الملكي إذ لا ملك يومئذ الا لله تعالى قال في عين المعاني نزلت في أبى بكر رضى الله عنه حين شرب لبنا على ظمأ فأعجبه ثم أخبر أنه من غير حل فاستقاء فقال صلّى الله عليه وسلّم لما سمعه رحمك الله لقد أنزلت فيك آية ودخل فيه من يهم بالمعصية فيذكر الله فيدعها من مخافة الله جَنَّتانِ جنة للخائف الانسى وجنة للخائف الجنى على طريق التوزيع فان الخطاب للفريقين والمعنى لكل خائفين منكما او لكل واحد جنة لعقيدته واخرى لعمله او جنة لفعل الطاعات واخرى لترك المعاصي او جنة يثاب بها وأخرى يتفضل بها عليه او روحانية وجسمانية وكذا ما جاء مثنى بعد وقال في الموضح دو باغ دهد ايشانرا در بهشت كه يكى از ايشان صد ساله راه طول وعرض داشته باشد(9/304)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47)
ودر ميان هر باغ سراهاى خوش وحوران دلكش وقال الأستاذ القشيري رحمه الله جنة معجلة هى لذة المناجاة والتلذذ بحقائق المشاهدات وما يرد على قلوبهم من صدقه الواردات وجنة مؤجلة وهى الموعودة في الآخرة وفي بحر العلوم قيل جنة للخائف الانسى وجنة للخائف الجنى لان الخطاب للثقلين وفيه نظر لقوله عليه السلام ان مؤمن الجن لهم ثواب وعليهم عقاب وليسوا من أهل الجنة مع امة محمد هم على الأعراف حائط الجنة تجرى فيه الأنهار وتنبت فيه الأشجار والثمار يقول الفقير قد سبق في أو آخر الأحقاف ان المذهب ان الجن في حكم بنى آدم ثوابا وعقابا لانهم مكلفون مثلهم وان لم نعلم كيفية ثوابهم فارجع الى التفصيل في تلك السورة فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قال محمد بن الحسن رحمه الله بينا كنت نائما ذات ليلة إذا أنا بالباب يدق ويقرع فقلت انظروا من هو فقالوا رسول الخليفة يدعوك فخفت على روحى فقمت ومضيت اليه فلما دخلت عليه قال دعوتك في مسألة ان أم محمد يعنى زبيدة قلت لها انى امام العدل وامام العدل في الجنة فقالت انك ظالم عاص قد شهدت لنفسك بالجنة فكذبت بذلك على الله تعالى وحرمت عليك فقلت له يا أمير المؤمنين إذا وقعت فى معصية فهل تخاف الله في تلك الحال او بعدها فقال اى والله أخافه خوفا شديدا فقلت له أنا أشهد ان لك جنتين لا جنة واحدة قال تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان فلا طفنى وأمرنى بالانصراف فلما رجعت الى دارى رأيت البدر متبادرة الى قال بعضهم هو المقام الذي يقوم بين يدى ربه يوم القيامة عند كشف الستور وظهور حقائق الأمور وسكوت الكل من الأنبياء والأولياء لظهور القدرة والجبروت فلابد من الخوف من القيام في ذلك المقام الهائل مالك بن دينار كفته دلى كه در وخوف نه همچون خانه كه درو خداوند نه خانه كه درو خداوند نبود عنقريب آن خانه خراب شود ودلى كه درو خوف بود علامتش آنست كه خاطر را از حرمت پر كند واخلاق را مهذب كرداند وأطراف بأدب دارد ابو القاسم حكيم كفته كه ترس از خالق ديكر است وترس از مخلوق ديكر هر كه از مخلوق ترسد از وى بگريزد وهر كه از خالق ترسد با وى كريزد يقول الله تعالى (ففرو الى الله) ترس از الله با شهوت ودينار نسازد هر كه أسير شهوت كشت ترس از دل وى رخت برداشت ودر دست ديو افتاد تا بهر درى كه ميخواهد او را مى كشت در آثار بيارند كه يحيى عليه السلام بر إبليس رسيده ودر دست إبليس بندها ديد از هر جنس وهر رنك كفت اى شقى اين چهـ بندهاست كه در دست تو مى بينم گفت اين انواع شهوات فرزند آدم است كه ايشانرا باين در بند آدم وبر مراد خويش مى دارم كفت يحيى را هيچ چيز شناسى كه بآن دروى طمع كنى كفت نه مكر يك چيز كه هر كه كه طعام سير خورد كرانى طعام او را ساعتى از نماز وذكر الله مشغول دارد يحيى گفت از خداى عز وجل پذيرفتم وبا وى عهد بستم كه هركز طعام سير نخورم بزركى را پرسيدند كه خداى تعالى با اندوه كنان وترسندكان چهـ خواهد كفت اگر اندوه براى او دارند ومحمل ترس از بهرا او كشند هنوز نفس ايشان منقطع نشده باشد كه جام رحيق بر دستشان نهند بر ان نبشته كه ان لا تخافوا(9/305)
ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52)
ولا تخزنوا وأبشروا بالجنة
اندوه غريبان بسر آيد روزى ... در كار غريبان نظر آيد روزى
ترسند كانرا واندوه كنانرا چهار بهشت است دو بهشت سيمين ودو بهشت زرين كما قال عليه السلام جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وفي التأويلات النجمية يشير الى من يخاف مقام الشهود ابقاء على نفسه لان الشهود الحقيقي يفنى الشاهد عن شاهديته في المشهود ويبقيه بالمشهود من آخر مراتب المشاهدة إذ لا لذة في أوائل المشاهدة واليه أشار عليه السلام بقوله اللهم ارزقنا لذة النظر الى لقائك وبهذا المعنى كان يقول لعائشة رضى الله عنها حين يغيب عن حسه كلمينى يا حميراء للتبليغ والإرشاد وقوله جنتان اى جنته الفناء في نعمة المشهود وجنة البقاء بالمشهود قوله مقام ربه اى مقام شهود ربه بحذف المضاف فباى آلاء ربكما تكذبان من نعمة الفناء في الله ونعمة البقاء بالله ذَواتا أَفْنانٍ صفة لجنتان وما بينهما اعتراض وسط بينهما تنبيها على ان تكذيب كل من الموصوف والصفة موجب للانكار والتوبيخ وذواتا تثنية ذات بمعنى صاحبة وفي تثنيتها لغتان الرد على الأصل فان أصلها ذوية لانها مؤنثة ذوى والتثنية على اللفظ أن يقال ذاتا والأفنان جمع فن اى ذواتا انواع من الأشجار والثمار او جمع فنن وهو الغصن المستقيم طولا او الذي ينشعب من فروع الشجرة اى ذواتا أغصان متشعبة من فروع الشجرة وتخصيصها بالذكر لانها التي تورق وتثمر وتمد الظل وتجتنى منها الثمار يعنى ان في الوصف تذكيرا لها على سبيل الكناية كأنه قيل ذواتا أوراق واثمار واظلال فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وليس فيها شيء يقبل التكذيب فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ صفة اخرى لجنتان فصل بينهما بقوله فبأى إلخ مع انه لم يفصل به بين الصفات الكائنة من قبيل العذاب حيث قال يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس مع ان إرسال النحاس غير إرسال الشواظ اى في كل واحدة منهما عين من ماء غير آسن تجرى كيف يشناء صاحبها في الأعالي والأسافل لما علم من وصف انهار الجنة لا من حذف المفعول وقيل تجريان من جبل من مسك عن ابن عباس والحسن رضى الله عنهم تجريان بالماء الزلال إحداهما التسنيم والاخرى السلسبيل وقال ابو بكر الوراق رحمه الله فيهما عينان تجريان لمن كانت عيناه في الدنيا تجريان من مخافة الى الله تعالى
بر ان از دو سر چشمه ديده جوى ... ور آلايشى دارى از خود بشوى
نريزد خدا آبروى كسى ... كه ريزد كناه آب چشمش بسى
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وفيه اشارة الى أن في جنة الفناء عينا يجرى فيها ماء الحياة وهى البقاء بعد الفناء وفي جنة البقاء عينا يجرى فيها ماء العلم والمعرفة والحكمة والبقاء بعد الفناء يستلزم أنواع المعارف والحكم واصناف الموائد والنعم فبأى آلاء ربكما تكذبان يا اصحاب السكر والغيبة ويا ارباب الصحور والحضو كما في التأويلات النجمية فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ صنفان معهود وغريب لم يره أحد ولم يسمع او رطب ويابس او حلو وحامض ويقال لونان وقيل في المنظر دون المطعم وعن ابن عباس رضى الله عنهما ما في الدنيا(9/306)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)
حلوة ولا مرة الا وهى في الجنة حتى الحنظل الا انه حلو وذلك لان ما في الجنة خلق من حلاوة الطاعات فلا يوجد فيها المر المخلوق من مرارة السيئات كزقوم جهنم ونحوه ولكون الجنة دار الجمال لا يوجد فيها اللون الأسود ايضا لانه من آثار الجلال والجملة صفة اخرى لجنتان فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ اى من هذه النعم اللذيذة مُتَّكِئِينَ حال من الخائفين لان من خاف في معنى الجمع والمعنى يحصل لهم جنتان متكئين اى جالسين جلسة الملوك جلوس راحة ودعة معتمدين عَلى فُرُشٍ جمع فراش بالكسر وهو ما يفرش ويبسط ويستمهد للجلوس والنوم بَطائِنُها جمع بطانة وهى بالكسر من الثوب خلاف ظهارته بالفارسية آستر مِنْ إِسْتَبْرَقٍ قرأ ورش عن نافع ورويس عن يعقوب من إستبرق بحذف الالف وكسر النون لالقاء حركة الهمزة عليها والباقون بإسكان النون وكسر الالف وقطعها والإستبرق ما غلظ من الديباج قيل هو استفعل من البريق وهو الاضاءة وقيل من البرقة وهو اجتماع ألوان وجعل اسما فاعرب إعرابه وقد سبق شرحه في الدخان والمعنى من ديباج ثخين وحيث كانت بطائنها كذلك فما ظنك بظهائرها يعنى ان الظهارة كانت أشرف وأعلى كما قال عليه السلام لمناديل سعد بن معاذ في الجنة احسن من هذه الحلة فذكر المنديل دون غيره تنبيها بالأدنى على الأعلى وقيل ظهائرها من سندس او من نور او هو مما قال الله تعالى فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ جنى اسم بمعنى المجنى كالقبض بمعنى المقبوض لقول على رضى الله عنه
هذا جناى وخياره فيه ... وكل جان يده الى فيه
ودان من الدنو وهو القرب أصله دانو مثل غاز واى ما يجتنى من أشجارها من الثمار قريب يناله القائم والقاعد والمضطجع وبالفارسية وميوه درختان آن دو بهشت نزديكست كه دست قائم وقاعد ومضطجع بدان رسد وقال ابن عباس رضى الله عنهما تدنو الشجرة حتى يجتبيها ولى الله ان شاء قائما وان شاء قاعدا وان شاء مضطجعا وقال قتادة لا يرد بده بعد ولا شؤك وكفته اند كسانى كه تكيه دارند وميوه آرزو كنند شاخ درخت سر فرو دارد وآن ميوه كه خواهد بدهان وى درآيد يقول الفقيران البعد انما نشأ من كثافة الجسم ولا كثافة فى الجنة وأهلها أجسام لطيفة نورانية في صور الأرواح وقد قال من قال (مصرع) بعد منزل نبود در سفر روحانى وايضا ان الطاعات في الدنيا كانت في مشيئة المطيع فثمراتها ايضا في الجنة تكون كذلك فيتناولها بلا مشقة بل لا تناول أصلا فان سهولة التناول تصوير لسهولة الاكل فتلك الثمار تقع في الفم بلا أخذ على ما قال البعض فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ من هذه الآلاء اللذيذة الباقية فِيهِنَّ اى في الجنان المدلول عليها بقوله جنتان لما عرفت انهما لكل خائفين من الثقلين او لكل خائف حسب تعدد عمله وقد اعتبر الجمعية في قوله متكئين قاصِراتُ الطَّرْفِ من اضافة اسم الفاعل الى منصوبه تخففا ومتعلق القصر وهو على أزواجهن محذوف للعلم به والمعنى نساء يقصرن أبصارهن على أزواجهن لا ينظرن الى غيرهم وتقول كل منهن لزوجها وعزة ربى ما أرى في الجنة شيأ أحسن منك فالحمد لله(9/307)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58)
الذي جعلك زوجى وجعلنى زوجك وقصر الطرف ايضا من الحياء والغنج و چون قصر الطرف بر معناى حيا وعنج بود معنى قاصرات الطرف آنست كه كنيزكان بهشتى نازنينان اند از ناز فرو شكسته چشمان اند وقد يقال المعنى قاصرات طرف غيرهن عليهن اى إذا رآهن أحد لم يتجاوز طرفه الى غيرهن لكمال حسنهن لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ الجملة صفة لقاصرات الطرف لان اضافتها لفظية يقال طمث المرأة من باب ضرب إذا افتضها بالتدمية اى أخذ بكارتها فالطمث الجماع المؤدى الى خروج دم البكر ثم اطلق على كل جماع طمث وان لم يكن معه دم وفي القاموس الطمث المس والمعنى لم يمس الانسيات أحد من الانس ولا الجنيات أحد من الجن قبل أزواجهن المدلول عليهم بقاصرات الطرف يعنى حوران كه براى انس مقرراند دست آدمي بدامن ايشان نرسيده باشد وآنانكه براى جن مقرراند جن نيز در ايشان تصرف نكرده باشد فهن كالرياض الانف وهى التي لم ترعها الدواب قط وفيه ترغيب لتحصيلهن إذ الرغبة للابكار فوق الرغبة للثيبات ودليل على ان الجن من أهل الجنة وانهم يطمثون كما يطمث الانس فان مقام الامتنان يقتضى ذلك إذ لو لم يطمثوا كمن قبلهم لم يحصل لهم الامتنان به ولكن ليس لهم ماء كماء الإنسان بل لهم هواء بدل الماء وبه يحصل العلوق في أرحام إناثهم كما في الفتوحات المكية وهذا يستدعى أن لا تصح المناكحة بين الانس والجن وكذا العكس وقد ذهب الى صحتها جم غفير من العلماء منهم صاحب آكام المرجان واما قول ابن عباس رضى الله عنهما المخنثون أولاد الجن لان الله ورسوله نهيا أن يأتى الرجل امرأته وهى حائض فاذا أتاها سبقه إليها الشيطان فحملت فجاءت بالمخنث وكذا قول مجاهد إذا جامع الرجل ولم يسم انطوى الجان على إحليله فجامع معه فلا يدل دلالة قطعية على أن جماعهم كجماع الانس وان من جماعهم الانس يحصل العلوق بل فيه دلالة على شركة الجن معه بسبب الحيض وعدم التسمية كشركة الشيطان فى الطعام الذي لم يسم عليه ونحو فهوه إفساد بالخاصية وإضرار بما يليق بمقامه والعلم عند الله تعالى ثم ان هؤلاء اى قاصرات من حور الجنة المخلوقات فيها ما يبتذلن ولم يمسسن وهذا قول الجمهور وقال الشعبي والكلبي من نساء الدنيا اى لم يجامعهن بعد النشأة الثانية أحد سواءكن في الدنيا ثيبات او أبكارا فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ من هذه النعم التي هى لتمتع نفوسكم وفيه اشارة الى أن في الجنات للفانين في الله الباقين به حورا من التجليات الذاتية والمعارف الالهية والحكم الربانية مستورات عن عيون الأغيار لا يتبرجن ولا يظهرن على غير اربابهن لم يطلع عليهن انس الروح ولا جان النفس لبقائهم بهم وظلمة نفسهم وكثافة طينتهم كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ صفة لقاصرات الطرف قد سبق بيان المرجان واما الياقوت فهو حجر صلب شديد اليبس رزين صاف منه احمر وابيض وأصفر وأخضر وازرق وهو حجر لا تعمل فيه النار لقلة دهنيته ولا يثقب لغلظة رطوبته ولا تعمل فيه المبارد لصلابته بل يزداد حسنا على مر الليالى والأيام وهو عزيز قليل الوجود سيما الأحمر وبعده الأصفر أصبر على النار من سائر اصنافه واما الأخضر منه فلاصبر له على(9/308)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)
النار أصلا وفي الطب أجود اليواقيت وأغلاها قيمة الياقوت الرماني وهو الذي يشا به النار فى لونه ومن تختم بهذه الأصناف أمن من الطاعون وان عم الناس وأمن ايضا من إصابة الصاعقة والغرق ومن حمل شيأ منها او تختم به كان معظما عند الناس وجيها عند الملوك وأكل معجون الياقوت يدفع ضرر السم ويزيد في القوة ومعنى الآية مشبهات بالياقوت في حمرة الوجنة والمرجان اى صغار الدر في بياض البشرة وصفائها فان صغار الدر انصع بياضا من كباره وقال قتادة في صفاء الياقوت وبياض المرجان (روى) عن أبى سعيد في صفة أهل الجنة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لكل رجل منهم زوجتان على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ سوقهن دون لحمها ودمها وجلدها وعنه عليه السلام أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين على اثرهم كأشد كوكب اضاءة قلوبهم على قلب رجل واحد لا اختلاف بينهم ولا تباغض لكل امرئ منهم زوجتان كل واحدة منهما يرى مخ ساقها من ورلء لحمها من الحسن يسبحون الله بكرة وعشيا لا يسقمون ولا يمتخطون ولا يبصقون آنيتهم الذهب والفضة وامشاطهم الذهب ووجور مجامرهم الالوة وريحهم المسك وعنه عليه السلام ان المرأة من اهل الجنة ليرى بياض ساقها من ورلء سبعين حلة من حرير ومخها ان الله يقول كأنهن الياقوت والمرجان فاما الياقوت فانه حجر لو ادخلت فيه سلكا ثم استصفيته لرأيته من ورائه وقال عمرو بن ميمون ان المرأة من الحور العين لتلبس سبعين حلة فيرى مخ ساقها من قدامها كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ من النعم المتعلقة بالنظر والتمتع وفيه اشارة الى ان هذه الحوراء العرفانية والحسناء الاحسانية ياقوت تجليات البسط والانشراح ومرجان تجليات الجمال والكمال من لطافة الوجنة كالياقوت الأحمر ومن طراوة الفطرة كالمرجان الأبيض فبأى آلاء ربكما تكذبان أبا لمشبه أم بالمشبه به هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ هل يجيئ على اربعة أوجه الاول بمعنى قد كقوله تعالى هل أتى والثاني بمعنى الأمر كقوله تعالى فهل أنتم منتهون اى فانتهوا والثالث بمعنى الاستفهام كقوله تعالى فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا والرابع بمعنى ما الجحد كما في هذه الآية اى ما جزاء الإحسان في العمل الا الإحسان فى الثواب وعن انس رضى الله عنه انه قال قرأ رسول الله عليه السلام هل جزاء إلخ ثم قال هل تدرون ما قال ربكم قالوا الله ورسوله اعلم قال يقوله هل جزاء من أنعمت عليه بمعرفتي وتوحيدى الا أن اسكنه جنتى وحظيرة قدسى برحمتي (قال الكاشفى) حاصل آيت آنست جزاى نيكى نيكست پس جزا دهند طاعات را درجات ومكافات كنند شكرها بزياده ونفوس را بفرح وتوبه را بقبول ودعا را باجابت وسؤال بعطا واستغفار را بمغفرت وخوف دنيا را بأمن آخرت وجزاء فنا في الله بقا با الله
هر كه در راه محبت شد فنا ... يافت از بحر لقا در بقا
هر كرا شمشير شوقش سر بريد ... ميوه وصل از درخت شوق چيد
فغاية الإحسان من العبد الفناء في الله وموالمولى إعطاء الوجود الحقانى إياه فعليك بالإحسان(9/309)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61) وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)
كل آن وحين فان الله لا يضيع اجر المحسنين (حكى) ان ذا النون المصري قدس سره رأى عجوزا كافرة تنفق الحبوب للطيور وقت الشتاء فقال انه لا يقبل من الجنبي فقالت افعل قبل او لم يقبل ثم انه رأها في حرم الكعبة فقالت يا ذالنون احسن الى نعمة الإسلام بقبضة من الحبة (وروى) ان مخلوقا مهيبا اعترض في طريق الحج فمنع القافلة عن المرور فقال بعضهم لعله عطشان فأخذ بيد سيفا وبيد قربة ماء حتى دنا اليه فصب في فمه قربة الماء حتى ارتوى وغاب ثم انه نام في الرجوع من الحج فلما استيقظ رأى القافلة قد ذهبت فبقى وحيدا في البرية وفي تلك الحيرة جاءه رجل معه راحلة وأمره بالقيام فركبها حتى لحق الحجاج فأقسم عليه من هو فقال أنا الذي رفعت عطشى بقربة الماء (وروى) ان امرأة أعطت لقمة للسائل فاخذ ذئب ولدها في الصحراء فظهر شخص فأخرجه من فم الذهب وأعطاها إياه وقال هذه اللقمة بتلك اللقمة قال الحسن الإحسان أن يعم ولا يخص فيكون كالمطر والريح والشمس والقمر قال بعض اهل التحقيق الجنة جزاء الأعمال واما جزاء التوحيد فرؤية الملك المتعال فذكر الله تعالى احسن صنوف الإحسان (يروى) ان العبد إذا قال لا اله الا الله أتت اى هذه الكلمة الى صحيفته فلا تمر على خطيئة إلا محتها حتى تجد حسنة مثلها فتجلس الى جنبها وعن أبى ذر رضى الله عنه قال يا رسول الله دلنى على عمل يدخلنى الجنة ويباعدنى عن النار فقال عليه السلام إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة فانها بعشر أمثالها فقال يا رسول الله لا اله الا الله من الحسنات فقال عليه السلام هى احسن الحسنات ويكفى فى شرف التوحيدان الايمان الذي هو اصل الطاعات وتنوير القلب الذي هو محل نظرا الحق وتصفية الباطن من اكدار السوي انما يحصل به فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ من نعمه الواصلة في الدنيا والآخرة وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ مبتدأ وخبراى ومن دون تينك الجنتين الموعودتين للخائفين المقربين جنتان أخريان لم دونهم من أصحابه اليمين فالخائفون قسمان المقربون واصحاب اليمين وهم دون المقربين بحسب الفضائل العلمية والعملية فدون بمعنى الأدنى مرتبة ومنزلة لا بمعنى غير فالجنتان الاوليان أفضل من الأخريين كفضل المقربين على الأبرار وقيل ليس دون من الدناءة بل من الدنو وهو القرب اى ومن دون هاتين الجنتين الى العرش اى اقرب اليه وارفع منهما وحمله بعض المفسرين على ومعنى الغير (كما قال الكاشفى) وبجز اين بوستان كه مذكور شد دو بوستان ديكرست وكفته اندد وبوستان أول از زرست براى سابقان واين دو بوستان از نقره براى اصحاب يمين وأطلقهما صاحب كشف الاسرار حيث قال من دون الجنتين الأوليين جنتان أخريان جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ولكل رجل وامرأة من اهل الجنة جنتان إحداهما جزاء عمله والاخرى ورثوها عن الكفار وقيل لكل واحد منهم اربع جنان في الجهات الأربع ليتضاعف له السرور بالتنقل من جنة الى جنة ويكون أمتع لانه ابعد من الملل فيما طبع عليه البشر وجملة معانى من دونهما فوقهما او من دون صفتيهما او من دونهما في الدرج او امامهما او قبلهما (وفلاة من دونها سفرطا ل وميل يفضى الى أميال) ويؤيد معنى الأدنى مرتبة قول الشيخ(9/310)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)
نجم الدين في تأويلاته يشير الى جنتى الأبرار القائمين بالأعمال الصحيحة والأقوال المستقيمة الناظرين الى المراتب السنية الطالبين للمراتب والمقامات العلية يعنى ان لهم جنتين من دون جنتى المذكورين اعنى الفانين عن ناسوتيتهم والباقين بلا هو تيته فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مما ذكر من الجنتين مُدْهامَّتانِ صفة لجنتان يقال ادهام الشيء يدهام ادهيماما فهو مدهام اسود وفي تاج المصادر في باب الافعيلال الادهيمام سياه شدن لان الدهمة بالضم السواد والأدهم الأسود ومنه قوله تعالى مدهامتان اى سوداوان يعنى علالونها دهمة وسواد من شدة الخضرة والري وان شئت قلت خضرا وان تضربان الى السواد من شدة الخضرة وبالفارسية دو بهشت سبز از بسيارى سبزى بسياهى رسيده والنظر الى الخضرة يجلو البصر كما قال عليه السلام ثلاث يجلون البصر النظر الى الخضرة والى الماء الجاري والى الوجه الحسن قال ابن عباس رضى الله عنهما والإثمد عند النوم وهو الكحل الأسود وأجوده الاصفهانى وهو بارد يابس ينفع العين اكتحالا ويقوى أعصابها ويمنع عنها كثيرا من الآفات والأوجاع سيما الشيوخ والعجائز وان جعل معه شيء من المسك كان غاية في النفع وينفع من حرق النار طلاء مع الشحم ويقطع النزف ويمنع الرعاف إذا كان من اغشية الدماغ وفي الحديث (خيرا كحالكم الإثمد ينبت الشعر ويجلو البصر) كما في خريدة العجائب وفي قوله مدهامتان اشعار بأن الغالب على هاتين الجنتين النبات والرياحين المنبسطة على وجه الأرض وعلى الأوليين الأشجار والفواكه ودل هذا على فضل الأوليين على الأخريين قال في التأويلات النجمية يشير به الى غلبة القوة النباتية على اصحاب هاتين الجنتين وهم اصحاب اليمين والى غلبة القوة الروحانية على اصحاب الجنتين الأوليين لان فيهما كثرة الأشجار والفواكه وهم المقربون فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ حيث تتمتع أبصاركم بخضرة نباتات هاتين الجنتين وتنتفع انوفكم بشم رياحينهما قال الفقهاء إذا قرأ في الصلاة آية واحدة هى كلمة واحدة نحو قوله تعالى مدهامتان او حرف واحد نحوق وص ون فان كل حرف منها آية عند البعض فالاصح انه لا يجزى عن فرض القراءة لانه لا يسمى قارئا لان القراءة ضم الحروف والكلمات بعضها الى بعض في الترتيل يهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ
يقال نضخه كمنعه رشه ونضخ الماء اشتد فورانه من ينبوعه كما في القاموس اى فوارتان بالماء لا تنقطعان وبالفارسية جوشنده بآب يعنى هر چند ازو بر دارند ديكر جوشد وهذا يدل ايضا على فضل الأوليين على الأخريين لانه تعالى قال في الأوليين عينان تجريان وفي الأخريين نضاختان والنضخ دون الجري لان النضخ هو الفوران وهو يتحقق بان يكون الماء بحيث كلما أخذ منه شيء فار آخر مكانه ولا يكفى هذا القدر في جريانه فلا شك ان الجري ابلغ منه وقال ابن عباس رضى الله عنهما نضاختان بالمسك والعنبر وقال الكلبي بالخير والبركة فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ حيث يحصل لكم الري من شراب تينك العينين فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ عطف الأخيرين على الفاكهة كعطف جبريل وميكائيل على الملائكة بيانا لفضلهما فان ثمرة النخل فاكهة وغذاء والرمان بالفارسية أنار فاكهة(9/311)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74)
ودواء يعنى بحسب حال الدنيا وإلا فالكل في الجنة للتفكه ومن هذا قال ابو حنيفة رحمه الله من حلف لا يأكل فاكهة فأكل رمانا او رطبا لم يحنث خلافا لصاحبيه يعنى ان أبا حنيفة لا يجعلهما من الفاكهة بخلاف صاحبيه وغيرهما فلا يحنث من حلف أن لا يأكل فاكهة فأكل تمرا او رمانا عنده وكذا الحكم عنده في العنب من جعلهما من الفاكهة حملهما على التحصيص بذكرهما بيانا لفضلهما كما مر آنفا وقد سبق بيان النخل مفصلا قال ابن عباس رضى الله عنهما نخل الجنة جذوعها زمرد أخضر وكربها ذهب احمر وسعفها كسوة لاهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم وتمرها أمثال القلال او الدلاء أشد بياضا من اللبن واحلى من العسل وألين من الزبد ليس له عجم كلما نزعت ثمرة عادت مكانها اخرى وأنهارها تجرى في غير حدود والرمان من الأشجار التي لا تقوى الا بالبلاد الحارة (روى) عن ابن عباس رضى الله عنهما ما لقحت رمانة قبل إلا بحبة من الجنة وقال الامام على رضى الله عنه إذا أكلتم الرمان فكلوه ببعض شحمه فانه دباغ للمعدة وما من حبة منه تقيم في جوف مؤمن الا أنارت قلبه وأخرجت شيطان الوسوسة منه أربعين يوما وفي الحديث (من أكل رمانا أنار الله قلبه أربعين يوما) ولا يخفى ما فى جمع الرمان مع أنار من اللطافة وأجوده الكبار الحلو المليس وهو حار رطب يلين الصدر والحلق ويجلوا لمعدة وينفع من الخفقان ويزيد في الباءة وقشره تهرب منه الهوام وفي التأويلات النجمية يشير الى ضعف استعداد اصحاب اليمين بالنسبة الى المقربين لان الرمان للدواء لا للتفكه وتهيئة الدواء في البيت تدل على ضعف مزاج ساكن البيت فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ حيث هيأ لكم ما به تتلذذون من الفواكه فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ صفة اخرى لجنتان كالجملة التي قبلها والكلام في جمع الضمير كالذى مر فيما مر وخيرات مخففة من خيرات جمع خيرة لان خير الذي بمعنى أخير لا يجمع فلا يقال فيه خيرون ولا خيرات ومعناها بالفارسية زنان برگزيده وقيل في تفسير الخيرات اى لسن بدمرات ولا بخرات الدمر النتن والبخر بالتحريك النتن في الفم والإبط وغيرهما ولا متطلعات التطلع چشم داشتن وقولهم عافى الله من لم يتطلع في فمك اى لم يتعقب كلامك (ولا متشوفات) التصوف خويشتن آراستن و چشم داشتن ويعدى بالى وفي القاموس شفته شوفا جلوته وشيفت الجارية تشاف زينت وتشوف تزين والى الخير تطلع ومن السطح تطاول ونظر وأشرف (رلاذربات) يقال ذرب كفرح ذربا وذرابة فهو ذرب حد والذربة بالكسر السليطة اللسان (ولا سليطات) السلط والسليط الشديد والطويل اللسان (ولا طنماحات) يقال طمح بصره اليه كمنع ارتفع والمرأة طمحت فهى طامح وككتاب النشوز (ولا طوافات في الطرق) اى دوارت (حسان) جمع حسنة وحسناء اى حسان الخلق والخلق يعنى نيكو رويان ونيكو خويان وهن من الحور وقيل من المؤمنات الخيرات ويدل على الاول ما بعد الآية وفي الحديث (لو أن امرأة من نساء اهل الجنة اطلعت على السموات والأرض لاصاءت ما بينهما ولملأت ما بينهما ريحا ولعصابتها على رأسها خير من الدنيا وما فيها) وروى لو أن حوراء بزقت في بحر لعذب ذلك البحر من عذوبة ريقها(9/312)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74)
(وروى انهن يقلن نحن الناعمات فلا نبأس) يعنى ماييم با نعمت كه درويش نمى شويم (الراضيات فلا تسخط) يعنى ماييم راضى كه غضب نمى كنيم (نحن الخالدات فلا نببد) يعنى ماييم جاويد كه هلاك نمى شويم (طوبى لمن كناله وكان لنا) وفي الأثر إذا قلن هذه المقالة اجابتهن المؤمنات من نساء الدنيا نحن المصليات وما صليتن ونحن الصائمات وما صمتن ونحن المتصدقات وما تصدقتن فغلبنهن والله غلبنهن وفيه بيان ان هاتين الجنتين دون الأوليين لانه تعالى قال في الأوليين في صفة الحور العين كأنهن الياقوت والمرجان وفي الأخريين فيهن خيرات حسان وليس كل حسن كحسن الياقوت والمرجان قال في التأويلات النجمية فيهن خيرات حسان من المعاملات الفاضلات والمكاشفات العاليات وهذا الوصف ايضا يدل على ان جنة المقربين أفضل من جنة الأبرار واصحاب اليمين لان ثمرة تلك الجنة الفناء والبقاء وثمرة هذه الجنة المعاملات وتحسين الأخلاق فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وقد أنعم عليكم بما به تستمعون من النساء حُورٌ بدل من خيرات جمع حوراء وهى البيضاء ووصفت في غير هذه الآية بالعين وهى جمع عيناء بمعنى عظيمة العين وقال بعضهم شديدة سواد العين يعنى سياه چشمان اند مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ قصرن في خدورهن وحبسن (قال الكاشفى) از چشمهاى بيكانكان نكاه داشته ودر خيمها بداشته وفيه اشارة الى انهن لا يظهرن لغير المحارم وان لم تكن الجنة دار التكليف وذلك لانهن من قبيل الإسرار وهى تصان عن الأغيار غيرة عليها يقال امرأة قصيرة وقصورة اى مخدرة مستورة لا تخرج ومقصورات الطرف على أزواجهن لا يبغين بهم بدلا والاخيام جمع خيمة وهى القبة المضروبة على الأعواد هكذا جمع خيام الدنيا وهى لا تشبه خيام الجنة الا بالاسم فانه قد قيل ان الخيمة من خيامهن درة مجوفة عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها اهلون ما يرون الا حين يطوف عليهم المؤمنون وقال ابن مسعود لكل زوجة خيمة طولها ستون ميلا وكفته اند مراد خانهاست يعنى مستورات في الحجال وحجله خانه بود براى داماد وعروس قال في القاموس الحجلة محركة كالقبة موضع يزين بالثياب والستور للعروس والجمع حجل وحجال قال البقلى رحمه الله وصف الله جوارى جنانه التي خلقهن لخدمة أوليائه وألبسهن لباس نوره وأجلسهن على سرير أنسه في حجال قدسه وضرب عليهن خيام الدر والياقوت ينتظرن أزواجهن من العارفين والمؤمنين المتقين لا يصرفن أبصارهن في انتظار هن عن مسلك الأولياء من أزواجهن الى غيره وفي الآية اشارة الى ان الأسماء تنقسم بالقسمة الاولى قسمين بعضها كونية اى لها مظاهر في الكون وبعضها غير كونية اى ليس لها مظاهر في الكون بل هى من المستأثرات الغيبية كما جاء في دعاء النبي عليه السلام اللهم انى اسألك بكل اسم سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك او علمته أحدا او استأثرت به في علم غيبك المكنون وقوله حور مقصورات يعنى ان من خصائص هاتين الجنتين ان فيهما معانى وحقائق ما ظهرت مظاهرها في هذا العالم بل بعد في خيام الغيب المكنون في جنة السر فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وقد خلق من النعم ما هى مقصورة ومحبوسة لكم لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ(9/313)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)
كالذى مر في نظيره في جميع الوجوه وقال بعضهم اى قبل اصحاب الجنتين دل عليهم ذكر الجنتين قال في كشف الاسرار كرر ذلك زيادة في التشويق وتأكيدا للرغبة وفيه انه ليس بتكرير لان الاول في ازواج المقربين وهذا في ازواج الأبرار قال محمد بن كعب ان المؤمن يزوج ألف ثيب وألف بكر وألف حوراء فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مع انها ليست كنعم الدنيا إذ قد تطمث المرأة في الدنيا ثم يتزوجها آخر ثيبا فهن نعم باكورة فيالها من طيب وصالها ويا لها من حسنها وبراعة جمالها لا يقدر أحد على حكايتها ولا يبلغ وصف الى نهايتها والعقول فيها حيارى والقلوب سكارى مُتَّكِئِينَ حال صاحبه محذوف يدل عليه الضمير في قبلهم عَلى رَفْرَفٍ اما اسم جنس او اسم جمع واحده رفرفة قيل هو ما تدلى من الاسرة من عالى الثياب او ضرب من البسط او الوسائد قال في المفردات الرفرف ضرب من الثياب مشبه بالرياض انتهى ومن معانى الرفرف الرياض وكان بساط انوشروان ستين ذراعا في ستين ذراعا يبسط له في ايوانه منظوما باللؤلؤ والجواهر الملونة على ألوان زهر الربيع وينشر إذا عدمت الزهور وفي القاموس الرفرف ثياب خضر تتخذ منها المحابس وتبسط وفضول المحابس والفرش وكل ما فضل فثنى والفراش والرقيق من الديباج خُضْرٍ نعت لرفرف جمع أخضر والخضرة أحد الألوان بين البياض والسواد وهو الى السواد أقرب فلهذا اسمى الأسود أخضر والأخضر أسود وَعَبْقَرِيٍّ عطف على رفرف والمراد الجنس ولذا وصف بالجمع وهو قوله حِسانٍ حملا على المعنى وهو جمع حسن والعبقري منسوب الى عبقر تزعم العرب انه اسم بلد كثير الجن فينسبون اليه كل شيء عجيب وقال قطرب ليس هو من المنسوب بل هو بمنزلة كرسى وبختي قال في القاموس عبقر موضع كثير الجن وقرية ثيابها في غاية الحسن والعبقري ضرب من البسط كالعباقرى انتهى وفي المفردات قيل هو موضع للجن ينسب اليه كل نادر من انسان وحيوان وثوب قال الله تعالى وعبقرى حسان وهو ضرب من الفرش جعله الله مثلا لفرش الجنة وفي التكملة عبقر اسم موضع يصنع فيه الوشي كانت العرب إذا رأت شيأ نسبته اليه فخاطبهم الله على عادتهم وفي فتح الرحمن العبقري بسط حسان فيها صور وغير ذلك والعرب إذا استحسنت شيأ واستجادته قالت عبقرى قال ابن عطية ومنه قول النبي عليه السلام رأيت عمر بن الخطاب فى المنام يستقى من بئر فلم أر عبقر يا يفرى فريه اى سيدا يعمل عمله وقيل عبقر اسم رجل كان بمكة يتخذ الزرابي ويجيدها فنسب اليه كل شيء جيد حسن وبالفارسية وبساطى قيمتى در غايت نيكويى قوله تعالى في الأوليين متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وترك ذكر الظهارة لرفعة شأنها وخروجها عن كونها مدركة بالعقول والافهام وفي الأخريين متكئين على رفرف خضر وعبقرى وبه يعلم تفاوت ما بينهما وقيل الإستبرق ديباج والعبقري موشى والديباج أعلى من الموشى قال ابن الشيخ الرفرف فراش إذا استقر عليه الولي طاربه من فرحه وشوقه اليه يمينا وشمالا وحيثما يريده الولي (وروى) فى حديث المعراج ان رسول الله عليه السلام لما بلغ سدرة المنتهى جاءه الرفرف فتناوله من جبريل وطاربه الى سيد العرش(9/314)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)
فذكر عليه السلام انه طاربى يخفضنى ويرفعنى حتى وقف بي على ربى ولما حان الانصراف تناوله فطاربه خفضا ورفعا يهوى به حتى اداه الى جبريل فالرفرف خادم بين يدى الله من جملة الخدم مختص بخواص الأمور في محل الدنو والقربة كما أن البراق دابة يركبها الأنبياء مخصوصة بذلك فهذا الرفرف الذي سخره لاهل الجنتين هو متكأهم وفرشهم يرفرف بالولى ويطير به على حافات تلك الأنهار وحيث يشاء من خيامه وأزواجه وقصوره انتهى وهذا التقرير على تقدير أن يكون دون من الدنو ومعنى من دونهما ارفع منهما كما لا يخفى ويدل عليه ان الرفرف أعظم خضرة من الفرش المذكورة في قوله متكئين على فرش فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وقد هيا لكم ما تتكئون عليه فتستريحون تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ تنزيه وتقديس له تعالى فيه تقرير لما ذكر في السورة الكريمة من آلائه الفائضة على الأنام اى تعالى اسمه الجليل الذي من جملته ما صدرت به السورة من اسم الرحمن المنبئ عن افاضة الآلاء المفصلة وارتفع عما يليق بشأنه من الأمور التي من جملتها جحود نعمائه وتكذيبها وإذا كان حال اسمه بملابسة دلالته عليه كذلك فما ظنك بذاته الأقدس الا على وقيل الاسم بمعنى الصفة وقيل مقحم مثل ثم اسم السلام عليكما اى ثم السلام عليكما قال فى فتح الرحمن وهذا الموضع مما أريد فيه بالاسم مسماه وفي التأويلات النجمية هذا يدل على ان الاسم هو المسمى لان المتعالي هو المسمى في ذاته لا الاسم وان كان فتبعيته وكذا الموصوف بالقهر واللطف والجلال والإكرام هو المسمى فحسبه انتهى وفي الأمالي وليس الاسم غيرا للمسمى وفي شرح الأسماء الحسنى للزروقى الصحيح ان الاسم غير المسمى وأباه قوم وفصل آخرون وتوقف آخرون امتناعا لكن السلف لم يتكلموا في الاسم والمسمى ولا في الصفة والموصوف ولا في التلاوة والمتلو طلبا للسلامة وحذرا على الغير وهو ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ وصف به الرب تكميلا لما ذكر من التنزيه والتقرير كفته اند أول چيزى كه از قرآن در مكه بر قريش آشكارا خواندند بعضى آيات از أول اين سوره بود روايت كردند از عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه كفت صحابه رسول عليه السلام محتمع شدند كفتند تا اين غايت مردم قريش از قرآن هيچ نشنيدند در ميان ما كيست كه ايشانرا قرآن بشنواند آشكارا عبد الله بن مسعود كفت آنكس من باشم كه قرآن آشكارا بر ايشان خوانم اگر چهـ از ان رنج وكزند آيد پس بيامد ودر انجمن قريش بيستاد وابتداء سوره رحمن در كرفت ولختى از ان آيات بر خواند قريش چون آن بشنيدند از سر غيظ وعداوت او را زخمها كردند ورنجانيدند پس چون بعضى خوانده او را فرا كذاشتند وبنزديك اصحاب باز كذشت فقالوا هذا الذي خشينا عليك يا ابن مسعود وعن عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا سلم من الصلاة لم يقعد إلا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام كما في كشف الاسرار قال الزروقى ذو الجلال والإكرام هو الذي له العظمة والكبرياء والإفضال التام المطلق من عرف انه ذو الجلال والإكرام هابه لمكان الجلال وانس به لمكان الإكرام فكان بين خوف ورجاء وهو اسم الله الأعظم(9/315)
إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5)
وقال بعضهم اسماء الله تعالى كلها أعظم لدلالتها على العظيم فانه إذا عظم الذات والمسمى عظم الأسماء والصفات وانما الكلام في ذكرها بالحضور والشهود والاستغراق في بحر الجود وهو ذكر الكمل من افراد الإنسان نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذاكرين له ظاهرا وباطنا اولا وآخرا تمت سورة الرحمن بعون الملك المنان في اواخر ذى القعدة الشريف من شهور سنة اربع عشرة ومائة والف
تفسير سورة الواقعة
مكية وآيها تسع وتسعون بسم الله الرحمن الرحيم
إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ انتصاب إذا بمضمر اى إذا قامت القيامة وحدثت وذلك عند النفخة الثانية يكون من الأهوال ما لا يفى به المقال سماها واقعة مع ان دلالة اسم الفاعل على الحال والقيامة مما سيقع في الاستقبال لتحقق وقوعها ولذا اختير إذا وصيغة الماضي فالواقعة من اسماء القيامة كالصاخة والطامة والآزفة لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ قال الراغب يكنى عن الحرب بالوقعة وكل سقوط شديد يعبر عنه بذلك قال ابو الليث سميت القيامة الواقعة لصوتها والمعنى لا يكون عند وقوعها نفس تكذب على الله وتفترى بالشريك والولد والصحابة وبانه لا يبعث الموتى لان كل نفس حينئذ مؤمنة صادقة مصدقة واكثر النفوس اليوم كاذبة مكذبة فاللام للتوقيت والكاذبة اسم فاعل او ليس لاجل وقعتها او في حقها كذب بل كل ما ورد فى شأنها من الاخبار حق صادق لا ريب فيه فاللام للتعليل والكاذبة مصدر كالعاقبة خافِضَةٌ اى هى خافضة لا قوام رافِعَةٌ لآخرين وهو تقرير لعظمتها على سبيل الكناية فان الوقائع العظام يرتفع فيها أناس الى مراتب ويتضع أناس وتقديم الخفض على الرفع للتشديد في التهويل قال بعضهم خافضة لاعداء الله الى النار رافعة لاولياء الله الى الجنة او تحفض أقواما بالعدل وترفع أقواما بالفضل او تخفض أقواما بالدعاوى وترفع أقواما بالحقائق وعن ابن عباس رضى الله عنهما تخفض أقواما كانوا مرتفعين في الدنيا وترفع اقواء كانوا متضعين فيها آن روز بلال درويش را رضى الله عنه مى آرند با تاج وحله ومركب بردابرد ميزنند تا بفردوس أعلى برند وخواجه او را امية بن خلف با أغلال وأنكال وسلاسل بروى مى كشند تا بدرك أسفل برند آن طيلسان پوش منافق را بآتش مى برند وآن قبابسته مخلص را به ببهشت مى فرستندان پير مباحاتى مبتدع را بآتش قهر مى سوزند وآن جوان خراباتى معتقد را بر تخت بخت مى نشانند
بسا پير مباحاتى كه بي مركب فرو ماند ... بسارند خراباتى كه زين بر شير نر بندد
إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا الرج تحريك الشيء وإزعاجه والرجرجة الاضطراب اى خافضة رافعة إذا حركت الأرض تحريكا شديدا بحيث ينهدم ما فوقها من بناء وجبل ولا تسكن زلزلتها حتى تلقى جميع ما في بطنها على ظهرها وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا اى فتت حتى صارت(9/316)
فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9)
مثل السويق الملتوت من بس السويق اذالته والبسيسة سويق يلت فيتخذ زادا او سيقت وسيرت من أماكنها من بس الغنم إذا ساقها فَكانَتْ اى فصارت بسبب ذلك هَباءً اى غبارا وهو ما يسطع من سنابك الخيل او الذي يرى في شعاع الكوة او الهباء ما يتطاير من شرر النار او ماذرته الريح من الأوراق مُنْبَثًّا اى منتشرا متفرقا وفي التفسيران الله تعالى يبعث ريحا من تحت الجنة فتحمل الأرض والجبال وتضرب بعضها ببعض ولا تزال كذلك حتى تصير غبارا ويسقط ذلك الغبار على وجوه الكفار كقوله تعالى وجوه يومئذ عليها غبرة وقال بعضهم ان هذه الغبرة هى التراب الذي أشار اليه تعالى بقوله يا ليتنى كنت ترابا وسيجيئ تحقيقه في محله وفي الآية اشارة الى قيامة العارفين وهى قيامة العشق وسطوته وجذبة التوحيد وصدمته وهى تخفض القوى الجسمانية البشرية المقتضية لاحكام الكثرة وترفع القوى الروحانية الالهية المستدعية لانوار الوحدة وصرصر هذه القيامة إذا ضربت على ارض البشرية ومرت على جبال الانانية الانسانية جعلت تعينهما متلاشيا فانيا في ذاتهما وصفاتهما لا اسم لهما ولا رسم ولا اثر ولا عين بل هباء منبثالا حقيقة له في الجود كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيأ ووجد الله عنده واليه الاشارة بقولهم إذا تم الفقر فهو اليه ولا بد في سلوك طريق الحق من ارشاد أستاذ حاذق وتسليك شيخ كامل مكمل حتى تظهر حقيقة التوحيد بتغليب القوى الروحانية على القوى الجسمانية كما قال العارف الرباني ابو سعيد الخر از قدس سره حين سئل عن التوحيدان الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا اعزة أهلها اذلة وَكُنْتُمْ اما خطاب للامة الحاضرة والأمم السالفة تغليبا وللحاضرة فقط أَزْواجاً اى أصنافا ثَلاثَةً اثنان في الجنة وواحد في النار وكل صنف يكون مع صنف آخر في الوجود او في الذكر فهو زوج فردا كان او شفعا فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ تقسيم للازواج الثلاثة فأصحاب الميمنة مبتدأ خبره ما أصحاب الميمنة على ان ما الاستفهامية مبتدأ ثان ما بعده خبره والأصل ما هم اى اى شيء هم في حالهم وصفتهم والمراد تعجيب المسامع من شأن الفريقين في الفخامة والفظاعة كأنه قيل ما عرفت حالهم اى شيء فاعرفها وتعجب منها فأصحاب الميمنة في غاية حسن الحال واصحاب المشأمة في نهايه سوء الحال نحو زيد وما زيد حيث لا يقال الا في موضع التعظيم والتعجب واصحاب الميمنة اصحاب المنزلة السنية واصحاب المشامة اصحاب المنزلة الدنية أخذا من تيمنهم بالميامن اى بطرف اليمين وتشؤمهم بالشمائل اى بجانب الشمال كما تقول فلان منى باليمين والشمال إذا وصفته عندك بالرفعة والضعة تريد ما يلزم من جهتى اليمين والشمال من رفعة القدر وانحطاطه او الذين يؤتون صحائفم بايمانهم والذين يؤتونها بشمائلهم او الذي يكونون يوم القيامة على يمين العرش فيأخذون طريق الجنة والذين يكونون على شمال العرش فيفضى بهم الى النار او اصحاب اليمين واصحاب الشئوم فان السعداء ميامين على أنفسهم بطاعتهم والأشقياء مشائيم عليها بمعاصيهم او اصحاب الميمنة الذين كانوا على يمين آدم يوم الميثاق قال الله تعالى في حقهم هؤلاء من اهل الجنة ولا أبالى واصحاب المشأمة الذين كانوا على شماله وقال الله تعالى(9/317)
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)
فيهم هؤلاء من اهل النار ولا أبالى وفي القاموس اليمن البركة كالميمنة يمن فهو ميمون وايمن والجمع ميامين وأيامن واليمين ضد اليسار والجمع ايمن وايمان وأيامن وايامين والبركة والقوة والشؤم ضد اليمن والمشأمة ضد الميمنة وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ هم القسم الثالث من الأزواج الثلاثة اخر ذكرهم ليقترن ببيان محاسن أحوالهم واصل السبق التقدم في السير ثم تجوز به في غيره من التقدم والجملة مبتدأ وخبر والمعنى والسابقون هم الذين اشتهرت أحوالهم وعرفت محاسنهم كقوله انا ابو النجم وشعرى شعرى او السابقون الاول مبتدأ والثاني تأكيد له كرر تعظيما لهم والخبر جملة قوله أولئك إلخ وفي البرهان التقدير عند بعضهم السابقون ما السابقون فحذف ما لدلالة ما قبله عليه وهم الذين سبقوا الى الايمان والطاعة عند ظهور الحق من غير تلعثم وتوان فالمراد بالسبق هو السبق بالزمان او الذين سبقوا في حيازة الكمالات الدينية والفضائل القينية فالمراد بالسبق هو السبق بالشرف كما قال الراغب يستعار السبق لاحراز الفضل وعلى ذلك والسابقون السابقون اى المتقدمون الى ثواب الله وجنته بالأعمال الصالحة أُولئِكَ الموصوفون بذلك النعت الجليل وهو مبدأ خبره قوله الْمُقَرَّبُونَ اى الذين قربت الى العرش العظيم درجاتهم وأعليت مراتبهم ورقيت الى حظائر القدس نفوسهم الزكية يقول الفقير عرف هذا المعنى من قوله عليه السلام إذا سألتم الله فاسالوه الفردوس فانه اوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن فانه يظهر منه ان الفردوس مقام المقربين لقربه من العرش الذي هو سقف الجنة ولم يقل أولئك المتقربون لانهم بتقريب ربهم سبقوا لا بتقرب أنفسهم ففيه اشارة الى الفضل العظيم في حق هؤلاء يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ متعلق بالمقربون او بمضمر هو حال من ضميره اى كائنين في جنات النعيم يعنى در بوستانهاى مشتمل بر انواع نعمت قيل السابقون اربعة سابق امة موسى عليه السلام وهو خربيل مؤمن آل فرعون وسابق امة عيسى وهو حبيب النجار صاحب انطاكية وسابقا امة محمد عليه السلام وهما ابو بكر وعمر رضى الله عنهما وقال كعب هم اهل القرآن المتوجون يوم القيامة فانهم كادوا أن يكونوا أنبياء الا انه لا يوحى إليهم والمراد باهل القرآن الملازمون لقرآءته والعاملون به وكان خلق النبي عليه السلام القرآن وقيل الناس ثلاثة فرجل ابتكر الخير في حداثة سنة ثم داوم عليه حتى خرج من الدنيا فهو السابق المقرب ورجل ابتكر عمره بالذنب وطول الغفلة ثم تراجع بتوبة فهذا صاحب اليمين ورجل ابتكر الشر في حداثة سنه ثم لم يزل عليه حتى خرج من الدنيا فهذا صاحب الشمال وقال حضرة شيخى وسندى قدس سره في بعض تحريراته العباد ثلاثة اصناف صنف هم اهل النسيان وصنف هم اهل الذكر وصنف هم اهل الإحسان والصنف الاول اهل الفتور مطلقا وليس فيه بوجه من الحضور شيء أصلا وهم اهل البعد قطعا وليس لهم من القرب شيء جدا وهم اصحاب المشأمة واصحاب المشأمة ما اصحاب المشأمة وهم ارباب الغضب والقهر والجلال ولهم في نار الجحيم عذاب اليم وماء حميم والصنف الثاني اهل الفتور من وجه واهل الحضور من وجه وهم اهل البعد بوجه واهل القرب بوجه وهم اصحاب الميمنة(9/318)
واصحاب الميمنة ما اصحاب الميمنة وهم ارباب الرحمة واللطف والجمال ولهم في نور النعيم ثواب عظيم وسرور مقيم والصنف الثالث اهل الحضور مطلقا وليس فيهم بوجه من الفتور شيء أصلا وهم اهل القرب مطلقا وليس لهم من البعد شيء أصلا وهم السابقون والسابقون السابقون أولئك المقربون وهم اصحاب كمال الرضى والاجتباء والاصطفاء ولهم في سر نعيم جنة الوصال دوام الصحبة والمشاهدة والمعاينة وبقاء تجلى الوجه الحق والجمال المطلق وهم ارباب الكمال المتوجه بوجه الجمال والجلال والصنف الاول قفا بلا وجه في الظاهر والباطن والثاني وجه بلا قفا في الظاهر وقفا بلا وجه في الباطن والثالث وجه بلا قفا في الظاهر والباطن لكونهم على تعين الوجه المطلق وفي رسالته العرفانية اصحاب اليمين ممن سوى المقربين وجه بلا قفا في الظاهر لحصول الرؤية لهم وقفا بلا وجه في الباطن اى لعدم انكشاف
البصيرة لهم واصحاب الشمال قفا بلا وجه في الظاهر اى باعتبار البداية ووجه بلا قفا في الباطن اى باعتبار النهاية وقال في اللائحات البرقيات له ذكر بعضهم بمجرد اللسان فقط وهم فريق الغافلين من الفجار ولهم رد مطلقا فانهم يقولونه بأفواهم ما ليس في قلوبهم وذكر بعضهم بمجرد اللسان والعقل فقط وهم فريق المتيقظين من الأبرار ولهم قبول بالنسبة الى من تحتهم لا بالنسبة الى من فوقهم وذكر بعضهم بمجرد اللسان والعقل والقلب فقط وهم فريق اهل البداية من المقربين وقبولهم نسبى ايضا وذكر بعضهم بمجرد اللسان والعقل والقلب والروح فقط وهم اهل الوسط من المقربين وقبولهم إضافي ايضا وذكر بعضهم كان مطلقا حيث تحقق لهم ذكر اللسان وفكر المذكور ومطالعة الآثار بالعقل وحضور المذكور ومكاشفة الأطوار بالقلب وانس المذكور ومشاهدة الأنوار بالروح والفناء في المذكور ومعاينة الاسرار بالسر فلهم قبول مطلقا وليس لهم رد أصلا لأن كمالهم وتمامهم كان حقيقيا جدا وهم ارباب النهاية من المقربين من الأنبياء والمرسلين واولياء الكاملين الأكملين وفي التأويلات النجمية يشير الى مراتب أعاظم المملكة الانسانية ومقامات اكابرها وصناديدها وهم الروح السابق المقرب وجود او رتبة والقلب المتوسط صاحب الميمنة والنفس الاخيرة صاحبة المشأمة اما تسمية الروح بالسابق فلسبقه بالتجليات الذاتية الرحمانية والتزلات الربانية وبقاء طهارته ونزاهته ابتداء وانتهاء ووصف القلب بصاحب الميمنة ليمنه والتيمن به وغلبة التجليات الصفاتية والاسمائية عليه ووصف النفس بصاحبه المشأمة لشؤمها وميشوميتها وتلعثمها عند اجابة دواعى الحق بالانقياد من غير عناد واعتناد واما تقديم القلب والنفس على الروح فلسعة الرحمانية الواسعة كل شيء كما قال ورحمتى وسعت كل شيء وقال رحمتى سبقت غضبى إذ جعل النفس برزخابين القلب والروح لتستفيد برحمته مرة من هذا وتارة من هذا وتصير منصبغة بنور انيتهما وتؤمن بهما ان شاء الله تعالى كما قال تعالى الا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وبقوله في جنات النعيم يشير الى جنة الذات وجنة الصفات وجنة الافعال لان السابقين المقربين هم الفانون في الله بالذات والصفات والافعال والباقون بالله بالذات والصفات والافعال ولصاحب كل مقام من هذه(9/319)
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)
المقامات الثلاثة جنة مختصة به جزاء وفاقا هذه الجنات كلها شاملة للنعيم الدنيوي واخروى ان فهمت الرموز الالهية فزت بالكنوز الرحمانية ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ اى هم امم كثيرة من الأولين غير محصورة العدد وهم الأمم السالفة من لدن آدم الى نبينا عليهما السلام وعلى من بينهما من الأنبياء العظام وهذا التفسير مبنى على أن يراد بالسابقين غير الأنبياء واشتقاق الثلة من الثل وهو الكسر وجماعة السابقين مع كثرتهم مقطوعة مكسورة من جملة بنى آدم وقال الراغب الثلة قطعة مجتمعة من الصوف ولذلك قيل للغنم ثلة ولاعتبار الاجتماع قيل ثلة من الأولين اى جماعة وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ اى من هذه الامة ولا يخالفه قوله عليه السلام (ان أمتي يكثرون سائر الأمم) اى يغلبونهم بالكثرة فان أكثرية سابقى الأمم السالفة من سابقى هذه الامة لا تمنع أكثرية تابعي هؤلاء من تابعي أولئك مثل ان يكون سابقو هم ألفين وتابعوهم ألفا فالمجموع ثلاثة آلاف ويكون سابقوا هذه الامة الفا وتابعوهم ثلاثة آلاف فالمجموع اربعة آلاف فرضا وهذا المجموع اكثر من المجموع الاول وفي الحديث (انا اكثر الناس تبعا يوم القيامة) ولا يرده قوله تعالى في اصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الآخرين لان كثرة كل من الفريقين في أنفسهما لا تنافى أكثرية أحدهما من الآخر وسيأتى ان الثلثين من هذه الامة وقد روى مرفوعا ان الأولين والآخرين هاهنا ايضا متقدموا هذه الامة ومتأخروهم وهو المختار كما في بحر العلوم فالمتقدمون مثل الصحابة والتابعين رضى الله عنهم ولما نزلت بكى عمر رضى الله عنه فنزل قوله ثلة من الأولين وثلة من الآخرين يعنى كريان شد وكفت يا نبى الله ما با تو كرويديم وتصديق كرديم واز ما اهل نجات نيامد مكر اندك اين آيت آمد كه وثلة من الآخرين حضرت صلّى الله عليه وسلّم آيت بروى خواند وعمر فرمود كه رضينا من ربنا وفي الحديث (أترضون أن يكونوا ربع اهل الجنة قلنا نعم قال أترضون ان تكونوا ثلث اهل الجنة قلنا نعم قال والذي نفس محمد بيده انى لارجو أن تكونوا نصف اهل الجنة وذلك ان الجنة يعنى كونكم نصف أهلها بسبب انها لا يدخلها الأنفس مسلمة وما أنتم في اهل الشرك الا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود وكالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر أي فلا يستبعد دخول كلهم الجنة وقد ترقى عليه السلام في حديث آخر من النصف الى الثلثين وقال ان اهل الجنة مائة وعشرون صفا وهذه الامة منها ثمانون قال السهيلي رحمه الله في كتاب التعريف والاعلام قال عليه السلام نحن الآخرون السابقون يوم القيامة فهم إذا محمد صلّى الله عليه وسلّم وأمته وأول سابق الى باب الجنة محمد عليه السلام وفي الحديث (انا أول من يقرع باب الجنة فأدخل ومعى فقراء المهاجرين) واما آخر من يدخل الجنة وآخر اهل النار خروجا منها رجل اسمه جهينة فيقول اهل الجنة تعالوا نسأل جهينة فعنده الخبر اليقين فيسألونه هل بقي أحد في النار ممن يقول لا اله الا الله
نماند بزندان دوزخ أسير ... كسى را كه باشد چنين دستكير
يقول الفقير هذه خلاصة ما أورده اهل التفسير في هذا المقام والذي يلوح لى ان المقربين وان كانوا داخلين في اصحاب اليمين الا ان المراد بقوله تعالى وثلة من الآخرين هى الثلة التي من(9/320)
عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21)
اصحاب اليمين وهم هنا غير المقربين بقرينة تقسيم الأزواج وتبيين كل فريق منهم على حدة وكلا منافى المقربين خصوصا اعنى السابقين من هذه الامة هل هم اقل من سابقى الأمم كما يدل عليه ظاهر قوله تعالى وقليل من الآخرين او هم اكثر كما يدل عليه بعض الشواهد والظاهر أنهم اكثر مثل اصحاب اليمين والآية محمولة على مقدمى هذه الامة ومتأخريها كما أشير اليه سابقا وذلك لان النبي عليه السلام شبه علماء هذه الامة بانبياء بنى إسرائيل ولا شك ان الأنبياء كلهم من المقربين وعلماء هذه الامة لا نهاية لهم دل عليه ان اولياء في كل عصر من اعصار هذه الامة عدد الأنبياء وهم مائة ألف واربعة وعشرون ألفا وقد يزيد عددهم على عدد الأنبياء بحسب نورانية الزمان وقد ثبت ان كل أربعين مؤمنا في قوة ولى عرفى فاذا كان صفوف هذه الامة يوم القيامة ثمانين فظاهر أن عددهم يزيد على عدد الأولين وبزيادة العدد يزيد الأولياء اصحاب اليمين وبزيادتهم يزيد الأولياء المقربين السابقون فان في العدد المذكور منهم الغوث والاقطاب والكمل فاعرف وفي تأويلات النجمية يشير بقوله ثلة من الأولين الى كثرة ارباب القلوب صواحب التجليات الجزئية الصفاتية والاسمائية وكثرة اصحاب اللذات النفسانية الظلمانية وبقوله وقليل من الآخرين المحمديين يشير الى ارباب الأرواح الظاهرة صواحب التجليات الذاتية المقدسة عن كثرات الأسماء والصفات الاعتبارية عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ حال اخرى من المقربين والسر رجع سرير بالفارسية تحت والموضونة المنسوجة بالذهب مشبكة بالدر والياقوت او المتواصلة من الوضن وهو نسج الدرع ثم استعير لكل نسج محكم مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ
حالان من الضمير المستكن فيما تعلق به على سرر والتقابل أن يقبل بعضهم على بعض اما بالذات واما بالعناية والمودة اى مستقرين على سرر متكئين عليها اى قاعدين قعود الملك للاستراحة متقابلين لا ينظر بعضهم من أقفاء بعض وهو وصف لهم بحسن العشرة وتهذيب الأخلاق والآداب وقال ابو الليث متقابلين في الزيارة (وقال الكاشفى) برابر يكديكر يعنى روى با روى تا بديدان يكديگر مستأنس ومسرور باشند يَطُوفُ عَلَيْهِمْ اى يدور حولهم للخدمة حال الشرب وغيره وِلْدانٌ جمع وليد وخدمة الوليد أمتع من خدمة الكبير يعنى خدمت كودك زيباترست از خدمت كبار مُخَلَّدُونَ مبقون ابدا على شكل الولدان وطراوتهم لا يتحولون عنها لانهم خلقوا للبقاء ومق خلق للبقاء لا يتغير قال فى الاسئلة المقحمة هؤلاء هل يدخلون تحت قوله تعالى كل نفس ذائقة الموت والجواب انهم لا يموتون فيها بل يلقى عليهم بين النفختين نوم انتهى وازين معلوم شد كه اين كودكان را حق تعالى بمحض كرم خود آفريده باشد براى خدمت بهشتيان فهم للخدمة لا غير والحور العين للخدمة والمتعة وقيل هم أولاد اهل الدنيا لم يكن لهم حسنات فيثابون عليها ولا سيئات فيعاقبون عليها وفي الحديث (أولاد الكفار خدام اهل الجنة) ولفظ الولدان يشهد لابى حنيفة رحمه الله في أن أطفال المشركين خدم اهل الجنة لان الجنة لا ولادة فيها ويجوز أن يكون معنى مخلدون مقرطون يعنى آراستگان به گوشوارهاى زرين والخلد السوار والقرط كالخلدة محركة والجمع كقردة وولدان مخلدون مقرطون او مسورون(9/321)
بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21)
او لا يهرمون ابدا ولا يجاوزون حد الوصافة كما في القاموس وقال في كشف الاسرار الخلادة لغة قحطانية بِأَكْوابٍ من الذهب والجواهر اى بآنية لا عرى لها ولا خراطيم وهى الأباريق الواسعة الرأس لا خرطوم لها ولا يعوق الشارب منها عائق عن شرب من اى موضع أراد منها فلا يحتاج أن يحول الإناء من الحالة التي تناوله بها ليشرب وَأَبارِيقَ جمع إبريق وهو الذي له عروة وخرطوم يبرق لونه من صفائه وقيل انها أعجمية معربة آبريز اى بآنية ذات عرى وخراطيم ويقال الكوب للماء وغيره والإبريق لغسل الأيدي والكأس لشرب الخمر كما قال وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ اى وبكأس من خمر جارية من العيون اخبر ان خمر الآخرة ليست كخمر الدنيا تستخرج بتكلف وعلاج وتكون فى اوعية بل هى كثيرة جارية كما قال وانهار من خمر والكأس القدح إذا كان فيها شراب والا فهو قدح يقال معن الماء إذا جرى فهو فعيل بمعنى الفاعل او ظاهرة تراها العيون فى الأنهار كالماء المعين وهو الظاهر الجاري فيكون بمعنى مفعول من المعاينة من عانه إذا شخصه وميزه بعينه قال في القاموس المعن الماء الظاهر ومعن الماء اساله وأمعن الماء جرى والمعنان بالضم مجارى الماء في الوادي فان قلت كيف جمع الأكواب والأباريق وأفرد الكأس فالجواب ان ذلك على عادة اهل الشرب فانهم يعدون الخمر في الأواني المتعددة ويشربون بكأس واحدة لا يُصَدَّعُونَ عَنْها الصدع شق في الأجسام الصلبة كالزجاج والحديد ونحو هما ومنه استعير الصداع وهو الانشقاق في الرأس من الوجع ومنه الصديع للفجر اى لا ينالهم بسبب شربها صداع كما ينالهم ذلك من خمر الدنيا وحقيقته لا يصدر صداعهم عنها قال ابن عباس رضى الله عنهما في الخمر أربع خصال السكر والصداع والقيء والبول وليست في خمر الجنة بل هى لذة يلا أذى وَلا يُنْزِفُونَ اى لا يسكرون يعنى لا تذهب عقولهم او ينفد شرابهم من انزف الشارب إذا نفد عقله او شرابه فالنفاد اما للعقل وهو من عيوب خمر الدنيا او للشراب فان بنفادها تختل الصحبة وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ يقال تخيرت الشيء أخذت خيره اى يختارونه ويأخذون خيره وأفضله من ألوانها وكلها خيار وهو عطف على بأكواب اى يطوف عليهم ولدان بفاكهة وهو ما يؤكل من الثمار تلذذ الا لحفظ الصحة لاستغنائهم عن حفظ الصحة بالغذاء في الجنة وليس ذلك كقوت الدنيا الذي يتناوله من يضطر اليه ويضيق عليه لتأخره عنه وهو اشارة الى انه يتناول المأكولات التي يتنعم بها ثم ذكر اللحم الذي هو سيد الادام وكانت العرب يتوسعون بلحمان الإبل ويعز عندهم لحم الطير الذي هو أطيب اللحوم ويسمعون بها عند الملوك فوعدوها فقيل وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ اى يتمنون مشويا او مطبوخا يتناولونها مشتهين لها لا مضطرين ولا كارهين وآن آن بود كه مؤمنان بر خوان نشسته باشند مرغ بيايد ودر پيش ايشان بر شاخ طوبى نشيند وآواز دهد كه من آنم كه هيچ چشمه نيست در بهشت كه از آن نچشيده ام وهيچ درختى نيست كه من از ميوه آن نخورده ام گوشت من خوشترين همه كوشتهاست پس بهشتى كوشت ويرا آرزو كند مرغ از ان شاخ طوبى در كردد وبر سر خوان افتد سه(9/322)
وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)
قسمت شود يكى پخته ويكى قديد ويكى بريان پس بهشتى چندانكه خواهد بخورد ديكر باره بقدرت حق زنده شود وبر پرد وفي الاسئلة المقحمة انما قال وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون فغاير بين اللفظين والجواب لان الفواكه كما تكون للاكل تكون ايضا للنظر والشم واما لحم الطير فمختلف الشهوات في أكل بعض اجزائه دون البعض ولما لم يكن بعد الاكل والشرب أشهى من الجماع قال وَحُورٌ عِينٌ عطف على ولدان او مبتدأ محذوف الخبر أي وفيها أولهم حور عين اى نساء وحور جمع حوراء وهى البيضاء او الشديدة بياض العين والشديدة سوادها وعين جمع عيناء وهى الواسعة الحسنة العين وهن خلقن من تسبيح الملائكة كما في عين المعاني كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ صفة لحور او حال اى الدر المخزون في الصدف لم تمسه الأيدي ولم تره الأعين او المصون عما يضربه ويدنسه في الصفاء والنقاء ولما بالغ في وصف جزائهم بالحسن والصفاء دل على ان أعمالهم كانت كذلك لان الجزاء من جنس العمل فقال جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ مفعول له اى يفعل بهم ذلك كله جزاء بأعمالهم الصالحة في الدنيا فما جزاء الإحسان الا الإحسان فالمنازل منقسمة على قدر الأعمال واما نفس دخول الجنة فبفضل الله ورحمته لا بعمل عامل فمن طمع في أن يدخل الجنة ويأكل من اللحم اللذيذ ويشرب من الشراب الهنيء ويستمتع بالحور العين آثر وجه زواجها (ويروى) ان الحوراء إذا مشت سمع تقديس الجلاجل من ساقيها وتمجيد الا سورة من ساعديها وان عقد الياقوت يضحك فى نحرها وفي رجليها نعلان من ذهب شراكهما من لؤلؤ تصران اى تصوتان بالتسبيح على كل امرأة سبعون حلة ليست منها حلة على لون الاخرى وسبعون لونا من الطيب ليس منها لون على لون الآخر لكل امرأة سبعون سريرا من ياقوت احمر منسوجة بالدر على كل سرير سبعون فراشا بطائنها من إستبرق وفوق السبعين فراشا سبعون أريكة لكل امرأة منهن سبعون وصيفة بيد كل وصيفة صحفتان من ذهب فيهما لون من طعام يجد لآخر لقمة منه لذة لا يجدها لاولها ويعطى زوجها مثل ذلك على سرير من ياقوت احمر عليه سواران من ذهب موشح بياقوت احمر وكان يحيى بن معاذ رحمه الله يقول اخطب زوجة لا تسلبها منك المنايا وأعرس بها في دار لا يخربها دوران البلايا واسبك لها حجلة لا تحرقها نيران الرزايا (وروى) انهن خلقن من الزعفران كما في كشف الاسرار لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً اى باطلا قال في القاموس اللغو واللغا السقط ومالا يعتدبه من كلام وغيره وفي المفردات اللغو من الكلام مالا يعتد به هو الذي يورد لا عن روية وفكر فيجرى مجرى اللغا وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور وَلا تَأْثِيماً ولا نسبة الى الإثم اى لا يقال لهم أثمتم اى لا لغو فيها ولا تأثيم ولا سماع والإثم اسم للافعال المبطئة عن الثواب والجمع آثام إِلَّا قِيلًا اى قولا سَلاماً سَلاماً بدل من قيلا والاستثناء منقطع اى لكنهم يسمعون فيها قولا سلاما سلاما او هو من باب لا يذوقون فيها الموت الا الموتة الاولى فى انه من التعليق بالمحال ومعنى سماعهم السلام انهم يفشون السلام فيسلمون سلاما بعد(9/323)
وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)
سلام او لا يسمع كل من المسلم والمسلم عليه الإسلام الآخر بدأ أوردا وفي الآية اشارة الى ان جنات السابقين المقربين صافية عن الكدورات المنغصة لساكنيها فارغة عن العاملات المعبسة لقاطنيها لا يقول أهلها الا مع الحق ولا يسمعون الا من الحق تجلى الحق لهم عن اسمه السلام المشتمل على السلامة من النقائص والآفات المتضمن للقربات والكرامات اعلم ان أعز السلام سلام الله على عباده كما قال سلام قولا من رب رحيم ثم سلاح الأرواح العالية كما حكى عن بعض الصالحين انه قال كان لى ابن استشهد فلم أره في المنام إلا ليلة توفى عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه وهو سابع الخلفاء الاثني عشر تراءى لى تلك الليلة فقلت يا بنى ألم تكن ميتا فقال لا ولكنى استشهدت وانا حى عند الله ارزق فقلت له ما جاء بك فقال نودى في اهل السماء ألا لا يبقى نبى ولا صديق ولا شهيد الا ويحضر الصلاة على عمر بن عبد العزيز فجئت لا شهد الصلاة ثم جئتكم لا سلم عليكم يقول الفقير شاهدت في الحرمين الشريفين حضور الأرواح للصلوات والطواف وسلام بعضهم على بعض حتى سلمت انا في السحر الأعلى عند مقام جبرائيل على الخلفاء الاربعة والملائكة اربعة ولله الحمد على ذلك
سلام من الرحمن نحو جنابه ... لان سلامى لا يليق ببابه
وَأَصْحابُ الْيَمِينِ شروع في تفصيل ما أجمل عند التقسيم من شؤونهم الفاضلة اثر تفصيل شؤون السابقين وهو مبتدأ خبره جملة قوله ما أَصْحابُ الْيَمِينِ اى لا تدرى ما لهم من الخير والبركة بسبب فواضل صفاتهم وكوامل محاسنهم فِي سِدْرٍ اى هم فى سدر مَخْضُودٍ ى غيرذى شوك لا كسدر الدنيا فان سدر الدنيا مخلوق بشوك وسدر الحنة بلا شوك كأنه خضد شوكه اى قطع ونزع عنه فقوله سدر مخضود اما من باب المبالغة في التشبيه او مجاز بعلاقة السببية فان الخضد سبب لانقطاع الشوك وقيل مخضود اى مثنى أغصانه لكثرة حمله من خضد الغصن إذا ثناه وهو رطب فمخضود على هذا الوجه من حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه والسدر شجر النبق وهو ثمر معروف محبوب عند العرب يتخذون من ورقة الحرض وفي المفردات السدر شجر قليل الغذاء عند الاكل وقد يخضد ويستظل به فجعل ذلك مثل لظل الجنة ونعيمها قال بعضهم ليس شيء من ثمر الجنة في غلف كما يكون في الدنيا من الباقلاء وغيره بل كلها مأكول ومشروب ومشموم ومنظور اليه وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ قد نضد حمله وتراكب بعضه على بعض من أسفله الى إعلاء ليست له سوق بارزة وهو شجر الموز وهو شجر له أوراق كبار وظل بارد كما ان أوراق السدر صغار أو هو أم غيلان وله أنوار كثيرة منتظمة طيبة الرائحة يقصد العرب منه النزهة والزينة وان كان لا يؤكل منه شيء وعن السدى شجر يشبه طلح الدنيا ولكن له ثمر احلى من العسل وعن مجاهد كان لاهل الطائف واد معجب فيه الطلح والسدر فقالوا يا ليت لنا في الجنة مثل هذا الوادي فنزلت هذه الآية وقد قال تعالى وفيها ما تشتهى الأنفس وتلذ الأعين فذكر لكل قوم ما يعجبهم ويحبون مثله وفضل طلح الجنة وسدرها على ما في الدنيا كفضل سائر ما في الجنة على ما في الدنيا وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ممتد(9/324)
وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35)
لا ينتقص ولا يتفاوت كظل ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس والعرب تقول للشيء الذي لا ينقطع ممدود وفي الحديث (فى الحنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها) وعن ابن عباس رضى الله عنهما شجرة في الجنة على ساق يخرج إليها اهل الجنة فيتحدثون فى أصلها ويتذكر بعضهم ويشتهى لهو الدنيا فيرسل الله ريحا من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا وقال في كشف الاسرار ويحتمل ان الظل عبارة عن الحفظ تقول فلان في ظل فلان اى في كنفه لانه لا شمس هناك انتهى يقول الفقير بل المراد منه الراحة كما في قوله تعالى وندخلهم ظلا ظليلا لانه انما يجلس المرء في الظل للاستراحة وكانت العرب يرغبون فيه لقلته في بلادهم وغلبة حرارة الشمس ومنه قوله عليه السلام السلطان ظل الله في ارضه يأوى اليه كل مظلوم اى يستريح عند عدله ومنه قولهم مد الله ظلاله اى ظلال عدله ورأفته حتى يصل اثر الاستراحة الى الناس كلهم وَماءٍ مَسْكُوبٍ يسكب لهم ويصب أينما شاؤا وكيفما أرادوا بلا تعب او مصبوب سائل يجرى على الأرض في غير أخدود لا ينقطع يعنى كون الماء مسكوبا كثيرا اما عبارة عن كونه ظاهرا مكشوفا غير مختص ببعض الأماكن والكيفيات او عن كونه جاريا واكثر ماء العرب من الآبار والبرك فلا ينسكب فلا يصلون الى الماء الا بالدلو والرشاء فوعدوا بالماء الكثير الجاري حتى يجرى فى الهولء على حسب الاشتهاء كأنه مثل حال السابقين بأقصى ما يتصور لأهل المدن وحال اصحاب اليمين بأكمل ما يتصور لأهل البواد إيذانا بالتفاوت بين الحالين فكما ان بينهما تفاوتا فكذا بين حاليهما وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ بحسب الأنواع والأجناس لا مَقْطُوعَةٍ فى وقت من الأوقات كفواكه الدنيا وَلا مَمْنُوعَةٍ عن متناوليها بوجه من الوجوه كبعد المتناول وانعدام ثمن يشترى به وشوك في الشجر يؤذى من يقصد تناولها وحائط يمنع الدخول ونحوها من المحظورات وفي الحديث ما قطعت ثمرة من ثمار الجنة الا أبدل الله مكانها ضعفين وَفُرُشٍ جمع فراش وهو ما يبسط ويفرش اى هم في بسط مَرْفُوعَةٍ اى رفيعة القدر أو مرتفعة وارتفاعها كما بين السماء والأرض وهو مسيرة خمسمائة عام او مرفوعة على الاسرة وقيل الفرش هى النساء حيث يكنى بالفراش وباللباس والإزار عن المرأة وفي الحديث (الولد للفراش) فسمى المرأة فراشا وارتفاعها كونهن على الأرائك دل عليه قوله تعالى إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً وعلى الاول أضمر هن لدلالة ذكر الفرش التي هى المضاجع عليهن دلالة بينة والمعنى ابتدأنا خلقهن ابتداء جديدا من غير ولاد ابداء وإعادة اما الإبداء فكما في الحور لانهن انشأهن الله في الجنة من غير ولادة واما الاعادة فكما فى نساء الدنيا المقبوضة عجائز وفي الحديث (هن اللواتى قبض في دار الدنيا عجائز شمطا) جمع شمطاء والشمط بياض شعر الرأس يخالطه سواد (رمصا) جمع رمصاء والرمص بالتحريك وسخ يجتمع في الموق جعلهن الله تعالى بعد الكبر أترابا على ميلاد واحد فى الاستواء كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكارا فلما سمعت عائشة رضى الله عنها ذلك قالت وأوجعاه فقال عليه السلام ليس هناك وجع وقد فعل الله في الدنيا بزكريا عليه السلام(9/325)
فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)
فقال تعالى وأصلحنا له زوجه سئل الحسن عن ذلك الصلاح فقال جعلها شابة بعد أن كانت عجوزا وولودا بعد ان كانت عقيما وذلك قوله تعالى فَجَعَلْناهُنَّ بعد أن كن عجائز أَبْكاراً اى عذارى جمع بكر والمصدر البكارة بالفتح قال الراغب البكرة أول النهار وتصور منها معنى التعجيل لتقدمها على سائر اوقات النهار فقيل لكل متعجل بكر وسميت التي لم تفتض بكرا اعتبارا بالثيب لتقدمها عليها فيما يراد له النساء قال سعدى المفتى ان أريد بالانشاء معنى الإبداء فالجعل بمعنى الخلق وقوله أبكارا حال وان أريد به الاعادة فهو بمعنى التصبير وأبكارا مفعوله الثاني قال بعضهم دل قوله فجعلناهن أبكارا على ان المراد بهن نساء الدنيا لان المخلوقة ابتداء معلوم انها بكر وهن أفضل واحسن من حور الجنة لانهن عملن الصالحات في الدنيا بخلاف الحور وعن الحسن رضى الله عنه قالت عجوز عند عائشة رضى الله عنها من بنى عامر يا رسول الله ادع الله أن يدخلنى الجنة فقال يا أم فلان ان الجنة لا يدخلها عجوز فولت وهى تبكى فقال عليه السلام اخبروها انها ليست يومئذ بعجوز وقرأ الآية عُرُباً جمع عروب كرسل جمع رسول وهى المتحببة الى زوجها الحسنة التنقل واشتقاقه من أعرب إذا بين والعرب تبين محبتها لزوجها بشكل وغنج وحسن وفي المفردات امرأة عروبة معربة بحالها عن عفتها ومحبة زوجها وفي بعض التفاسير عربا كلامهن عربى أَتْراباً جمع ترب بالكسر وهى اللدة والسن ومن ولد معك وهى تربى اى مستويات فى سن بنت ثلاث وثلاثين سنة وكذا أزواجهن والقامة ستون ذراعا في سبعة اذرع على قامة أبيهم آدم شباب جرد مكحولون أحسنهم كالقمر ليلة البدر وآخرهم كالكوكب الدري فى السماء يبصر وجه في وجهها وتبصر وجهها في وجهه لا يبزقون ولا يتمخطون وما كان فوق ذلك من الأذى فهو ابعد وفي الحديث (ان الرجل ليفتض في الغداة سبعين عذراء ثم ينشئهن الله أبكارا) وقال عليه السلام (ان الرجل من اهل الجنة ليزوج خمسمائة حوراء واربعة آلاف ثيب وثمانية آلاف بكر يعانق كل واحدة منهن مقدار عمره في الدنيا) ودر تبيان آورده كه جمله را ببهشت آرند بدين سن سازند وبشو هرد هند وعجوزه را نيز رد كنند بدين سن اگر شوهر نداشته باشد در دنيا ببعض از اهل بهشت دهند واگر شوهر داشته باشد اما شوهر او از اهل بهشت نبوده چون امرأه فرعون او را بيكى از بهشتيان دهند واگر زوج او بهشتى بود باز بدو ارزانى دارند واگر زياده از يك شوهر داشته باشد وهمه بهشتى باشند بزوج آخرين نامزد كنند وفي الحديث (أدنى اهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم واثنتان وسبعون زوجة وينصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية الى صنعاء) الجابية بالجيم بلد بالشام وصنعاء بلد باليمن كثيرة الأشجار والمياه تشبه دمشق وفي الحديث (تقول الحوراء لولى الله كم من مجلس من مجالس ذكر الله قد أكرمك به العزيز أشرفت عليك بدلالى وغنجى وأترابي وأنت قاعد بين أصحابك تخطبنى الى الله فترى شوقك كان يعدل شوقى أوجدك كان يعدل جدى والذي أكرمني بك وأكرمك بي ما خطبتنى الى الله مرة الا خطبتك الى الله سبعين مرة فالحمد لله الذي أكرمني بك وأكرمك بي(9/326)
لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)
لِأَصْحابِ الْيَمِينِ متعلقة بانشأنا ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ اى هم امة من الأولين وامة من الآخرين وفي الحديث (هم جميعا من أمتي) اى الثلثان من أمتي فعلى هذا التابعون بإحسان ومن جرى مجراهم ثلة اولى وسائر الامة ثلة اخرى في آخر الزمان وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوما فقال عرضت على الأمم فجعل يمر النبي معه الرجل والنبي معه الرجلان معه الرهط والنبي ليس معه رهط والنبي ليس معه أحد ورأيت سوادا كثيرا سد الأفق فقيل لى انظر هكذا وهكذا فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق فقيل لى هؤلاء أمتك ومع هؤلاء سبعون الفا يدخلون الجنة بغير حساب وفي رواية عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال عرضت على الأنبياء الليلة بأتباعها حتى أتى على موسى فى كبكبة من بتى إسرائيل اى في جماعة منهم فلما رأيتهم اعجبونى فقلت اى رب من هؤلاء قيل هذا أخوك موسى ومن معه من بنى إسرائيل فقلت فأين أمتي قيل انظر عن يمينك فاذا ظراب مكة قد سدت بوجوه الرجال وهو جمع ظرب ككتف وهو مانتأ من الحجارة وحد طرفه والجبل المنبسط او الصغير كما في القاموس قيل هؤلاء أمتك أرضيت قلت رب رضيت رب رضيت قيل انظر عن يسارك فاذا الأفق سد بوجوه الرجال قيل هؤلاء أمتك أرضيت قلت رب رضيت رب رضيت فقيل ان مع هؤلاء سبعين الفا يدخلون الجنة بلا حساب عليهم فقال نبى الله صلّى الله عليه وسلّم ان استطعتم أن تكونوا من السبعين فكونوا وان عجزتم وقصرتم فكونوا من اهل الظراب وان عجزتم فكونوا من الأفق فانى قد رأيت ثمة أناسا يتهاوشون كثيرا يعنى اگر عاجز آييد پس باشيد از اهل أفق كه من ديدم آنجا مردم بسيار مختلط بودند قال في القاموس الهوش العدد الكثير والهوشة الاختلاط والهويشة الجماعة المختلطة والهواشات بالضم الجماعات من الناس والتهاوش في الحديث جمع تهواش مقصور من التهاويش تفعال من الهوش وتهوشوا اختلطوا كتهاوشوا وعليه اجتمعوا وهاوشهم وخالطهم (وروى) انه قال صلّى الله عليه وسلّم انى لارجو أن تكونوا شطر اهل الجنة ثم تلاثلة من الأولين وئلة من الآخرين يقول الفقير الذي يتحصل من هذا ان الأبرار كثير من هذه الامة في أوائلها وأواخرها وكذا من الأمم السابقة واما السابقون فكثير من هذه الامة فى أوائلها دون او آخرها كما دلت عليه الآية المتقدمة وكذا قول الحسن البصري رحمه الله حيث قال رأيت سبعين بدريا كانوا فيما أحل الله لهم ازهد منكم فيما حرم الله عليكم وكانوا بالبلاء أشد منكم فرحا بالرخاء لو رأيتموهم قلتم مجانين ولو رأوا اخياركم قالوا ما لهؤلاء من خلاق ولو رأوا أشراركم حكموا بأنهم لا يؤمنون بيوم الحساب ان عرض عليهم الحلال من المال تركوه خوفا من فساد قلوبهم انتهى واما السابقون من الأمم السالفة فان انضم إليهم الأنبياء فهم اكثر من سابقى هذه الامة والا فلا كما حققناه سابقا وذلك ان زهاد الأمم وان كانوا اكثر من زهاد هذه الامة لكنهم لعدم استقرار أكثرهم على اليقين قلوا واما هذه الامة فمن قلتهم بالنسبة إليهم كثروا لثباتهم على اليقين والاعتقاد والاعتصام بالقرءان كما ورد في(9/327)
وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46)
بعض الاخبار وَأَصْحابُ الشِّمالِ شروع في تفصيل أحوالهم وهم الكفار لقوله تعالى والذين كفروا بآياتنا هم اصحاب المشأمة عليهم نار مؤصدة ما أَصْحابُ الشِّمالِ اى لا تدرى ما لهم من الشر وشدة الحال يوم القيامة فِي سَمُومٍ اى هم في حر نار تنفذ في المسام وهى ثقب البدن وتحرق الأجساد والأكباد قال في القاموس السموم الريح الحارة تكون غالبا في النهار والحرور الريح الحارة بالليل وقد تكون بالنهار وَحَمِيمٍ وهو الماء المتناهي في الحرارة وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ من دخان اسود بهيم فان اليحموم الدخان والأسود من كل شيء كما فى القاموس يفعول من الحمة بالضم وهو الفحم تقول العرب اسود يحموم إذا كان شديد السواد قال الضحاك النار سوداء وأهلها سود وكل شيء فيها اسود ولذا لا يكون في الجنة الأسود الا الخال وأشفار العين والحاجب يقول الفقير فيه تحذير عن شرب الدخان الشائع في هذه الاعصار فانه يرتفع حين شربه ويكون كالظل فوق شاربه مع ما لشربه من الغوائل الكثيرة ليس هذا موضع ذكرها فنسأل الله العافية لمن ابتلى به إذ هو مما يستخبثه الطباع السليمة وهو حرام كما عرف في التفاسير لا بارِدٍ كسائر الظلال وَلا كَرِيمٍ ولا نافع من أذى الحر لمن يأوى اليه نفى بذلك ما أوهم الظل من الاسترواح يعنى انه سماه ظلا ثم نفى عنه وصيفة البرد والكرم الذي عبربه عن دفع الذي الحر لتحقيق انه ليس بظل والكرم صفة لكل ما يرضى ويجرى في بابه والظل يقصد لفائدتين لبرودته ودفع أذى الحر وان لم تحصل الاستراحة بالبرد لعدمه كمن في البيوت المسدودة الأطراف بحيث لا يتحرك فيها الهواء فان من يأوى إليها يتخلص بها من أذى حر الشمس وان لم يستروح ببردها وفيه تهكم باصحاب المشأمة وانهم لا يستأهلون للظل البارد والكريم الذي هولأ ضدادهم في الجنة إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ تعليل لابتلائهم بما ذكر من العذاب يقال ترف كفرح تنعم وأترفته النعمة أطغته وانعمته وفلان أصر على البغي والمترف كمكرم المتروك يصنع ما يشاء فلا يمنع كما في القاموس اى انهم كانوا قبل ما ذكر من سوء العذاب في الدنيا منعمين بانواع النعم من المآكل والمشارب والمساكن الطيبة والمقامات الكريمة منهمكين في الشهوات فلا جرم عذبوا بنقائضها وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ اى الذنب العظيم الذي هو الشرك ومنه قولهم بلغ الغلام الحنث اى الحلم ووقت المؤاخذة بالذنب وحنث في يمينه خلاف برفيها وقال بعضهم الحنث هنا الكذب لانهم كانوا يحلفون بالله مع شركهم لا يبعث الله من يموت يقول الفقير يدل على هذا ما يأتى من قوله ثم انكم ايها الضالون المكذبون والحكمة في ذكر سبب عذابهم مع انه لم يذكر فى اصحاب اليمين سبب ثوابهم فلم يقل انهم كانوا قبل ذلك شاكرين مذعنين التنبيه على ان ذلك الثواب منه تعالى فضل لا تستوجبه طاعة مطيع وشكر شاكر وان العقاب منه تعالى عدل فاذا لم يعلم سبب العقاب يظن ان هناك ظلما وفي الآية اشارة الى سموم نار البعد والحجاب وحميم القهر والغضب وظل شجرة الجهل ما فيه برد اليقين كسائر الظلال ولا يسكن حرارة عطشهم من طلب الدنيا ولذاتها وما فيه كرم الهمة ايضا حتى يعينهم على ترك الدنيا وزينتها وزخار فهابل لا يزالون يطلبون من الدنيا ما ليس فيها من الاستراحة والاسترواح انهم كانوا قبل ذلك(9/328)
وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53)
مترفين يعنى ما كان استظلالهم بشجرة الجهل المركب التي ليس فيها برد اليقين ولا كرم الهمة الا بسبب استعداداتهم الذاتية المجبولة على جب الشهوات واللذات قبل دخولهم في الوجود العيني وايضا كان استظلالهم بشجرة الجهل لانهم كانوا في محبة النفس والدنيا متمكنين في الأزل إذ الحنث العظيم هو حب النفس وحب الدنيا كما قال صلّى الله عليه وسلّم (حب الدنيا رأس كل خطيئة)
مر اطاعت نفس شهوت برست ... كه هر ساعتش قبله ديكر است
بر مرد هشيار دنيا خست ... كه هر مدتى جاى ديكر كسست
وَكانُوا مع شركهم يَقُولُونَ لغاية عتوهم وعنادهم أَإِذا مِتْنا آيا وقتى كه بميريم وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً اى كان بعض اجزائنا من اللحم والجلد ترابا وبعضها عظاما نخرة وتقديم التراب لعراقته في الاستبعاد وانقلابه من الاجزاء البادية وإذا ممحضة للظرفية والعامل فيها ما دل عليه قوله تعالى أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ لانفسه لان ما بعد أن واللام والهمزة لا يعمل فيما قبلها وهو البعث وهو المرجع للانكار وتقييدها بالوقت المذكور ليس لتخصيص إنكاره به فانهم منكرون للاحياء بعد الموت وان كان البدن على حاله بل لتقوية الإنكار للبعث بتوجيهه اليه في حالة منافية له بالكلية وليس مدار انكار هم كونهم ثابتين في المبعوثية بالفعل في حال كونهم ترابا وعظاما بل كونهم بعرضية ذلك واستعداد هم له ومرجعه الى انكار البعث بعد تلك الحالة أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ الواو للعطف على المستكن في لمبعوثون يعنى آيا مادران و پدران پيشين ما نيز مبعوث شوند قُلْ رد الإنكار هم وتحقيقا للحق إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ من الأمم الذين من جملتهم أنتم وآباؤكم وبالفارسية بدرستى كه پيشينيان از آباى شما وغير آن و پيشينيان از شما وغير شما وفي تقديم الأولين مبالغة في الرد حيث كان انكار هم لبعث آبائهم أشد من انكار هم لبعثهم مع مراعاة الترتيب الوجودي لَمَجْمُوعُونَ بعد الموت وكأنه ضمن الجمع معنى السوق فعدى تعديته بالى ولذا قال إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ الى ما وقتت به الدنيا وحدت من يوم معلوم لله معين عنده وهو يوم القيامة والاضافة بمعنى من كخاتم فضة والميقات هو الوقت المضروب للشيء ينتهى عنده او يبتدأ فيه ويوم القيامة ميقات تنتهى الدنيا عنده وأول جزء منه فالميقات الوقت المحدود وقد يستعار للمكان ومنه مواقيت الإحرام للحدود التي لا يتجاوزها من يريد دخول مكة إلا محرما ثُمَّ إِنَّكُمْ الخطاب لاهل مكة واضرابهم عطف على ان الأولين داخل تحت القول وثم للتراخى زمانا او رتبة أَيُّهَا الضَّالُّونَ عن الحق والهدى الْمُكَذِّبُونَ اى البعث لَآكِلُونَ بعد البعث والجمع ودخول جهنم مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ
من الاولى لابتداء الغاية والثانية لبيان الشجر وتفسيره اى مبتدئون الاكل من شجر هو الزقوم وهو شجر كريه المنظر والطعم حارفى اللمس منتن فى الرائحة وهى الشجرة الملعونة في القرآن قال اهل الحقيقة سدرة المنتهى أغصانها نعيم لاهل الجنة وأصولها زقوم لاهل النار فهى مبدأ اللطف والقهر والجمال والجلال فَمالِؤُنَ پس پر كنندكان باشيد يقال ملأ الإناء فهو مملوء من باب قطع والملئ بالكسر مقدار ما يأخذه الإناء إذا امتلأ مِنْهَا اى من ذلك الشجر والتأنيث باعتبار المعنى الْبُطُونَ اى(9/329)
فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58)
بطونكم من شدة الجوع او بالقسر وفيه بيان لزيادة العذاب وكماله اى لا يكتفى منكم بنفس الاكل كما لا يكتفى من يأكل الشيء تحلة القسم بل تلزمون بان تملأوا منها البطون اى يملأكل واحد منكم بطنه او بطون الأمعاء والاول اظهر والثاني ادخل في التعذيب فَشارِبُونَ عَلَيْهِ اى على شجر الزقوم اى عقيب ذلك بلا ريث لعطشكم الغالب وتذكير ضمير الشجر باعتبار اللفظ مِنَ الْحَمِيمِ اى الماء الحار في الغاية فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ كالتفسير لما قبله اى لا يكون شربكم شربا معتادا بل يكون مثل شرب الهيم وهى الإبل التي بها الهيام وهوداء يصيبها يشبه الاستسقاء فتشرب ولا تروى الى ان تموت او تسقم سقما شديدا جمع اهيم وهيماء فاصله هيم كأحمر وحمر وفقلبت الضمة كسرة لتصح الياء والمعنى انه يسلط عليهم من الجوع والتهاب النار في احشائهم ما يضطرهم الى أكل الزقوم الذي هو كالمهل فاذا ملأوا منه بطونهم وهو في غاية الحرارة والمرارة سلط عليهم من العطش ما يضطرهم الى شرب الحميم الذي يقطع أمعاءهم فيشربونه شرب الإبل العطاش وفيه بيان لزيادة العذاب ايضا اى لا يكون شربكم ايها الضالون كشرب من يشرب ماء حارا منتنا فانه يمسك عنه إذا وجده مؤلما معذبا بخلاف شربكم فانكم تلزمون بان تشربوا منه مثل ما يشرب الجمل الأهيم فانه يشرب ولا يروى وفي الآية اشارة الى افراط النفس والهوى في شرب ماء حميم الجهل والضلال وفي أكل زقوم المشتهيات المورثة للوبال ولغاية حرصها لا تزيد الا جوعا وعطشا ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب
كجا ذكر كنجد در انبان آز ... بسختى نفس ميكند پادراز
هذا الذي ذكر من الزقوم والحميم أول ما يلقونه من العذاب نُزُلُهُمْ اى رزقهم المعد لهم اى كالنزل الذي يعد للنازل مما حضر مكرمة له يَوْمَ الدِّينِ اى يوم الجزاء فاذا كان ذلك نزلهم فما ظنك بحالهم بعد ما استقر لهم القرار واطمأنت بهم الدار في النار وفيه من التهكم ما لا يخفى كما في قوله تعالى فبشرهم بعذاب أليم لان ما يعدلهم في جهنم ليس مكرمة لهم والجملة مسوقة من جهته تعالى بطريق الفذلكة مقررة لمضمون الكلام الملقن غير داخلة تحت القول نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ اى فهلا تصدقون أيها الكفرة بالخلق فان مالا يحققه العمل ولا يساعده بل ينبئ عن خلافه ليس من التصديق في شيء او بالبعث فان من قدر على الإبداء قدر على الاعادة اعلم ان الله تعالى إذا اخبر عن نفسه بلفظ الجميع يشير به الى ذاته وصفاته وأسمائه كما قال انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون وكما قال انا أنزلناه وإذا اخبر عن نفسه بلفظ المفرد يشير الى ذاته المطلقة كما قال انى انا الله رب العالمين هذا إذا كان القائل المخبر هو الله تعالى واما إذا كان العبد فينبغى أن يقول أنت يا رب لا أنتم لايهامه الشرك المنافى لتوحيد القائل ولذا يقال أشهد أن لا اله الا الله ليدل على شهادته بخصوصه فبتعين توحيده ويظهر تصديقه أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ اى تقذفونه وتصبونه في أرحام النساء من النطف التي يكون منها الولد فقوله أفرأيتم بمعنى أخبروني وما تمنون مفعوله الاول والجملة الاستفهامة مفعوله الثاني يقال امنى الرحل يمنى لا غير ومنيت(9/330)
أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62)
الشيء امنيه إذا قضيته وسمى المنى منيا لان الخلق منه يقضى أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ اى تقدرونه وتصورونه بشرا سويا في بطون النساء ذكرا او أنثى أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ له من غير دخل شيء فيه وأم قيل منقطعة لان ما بعدها جملة فالمعنى بل أنحن الخالقون على ان الاستفهام للتقرير وقيل متصلة ومجيئ الخالقون بعد نحن بطريق التأكيد لا بطريق الخبرية أصالة وفيه اشارة الى معنى ان وقوع نطف الأعمال والافعال وموادها في أرحام قلوبكم ونفوسكم بخلقي وإرادتي لا بخلقكم وارادتكم ففيه تخصيص مواد لخواطر المقتضية للافعال والأعمال والأقوال الى نفسه وقدرته وسلبها عن الخلق نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ اى قسمناه عليكم ووقتنا موت كل أحد بوقت معين حسبما تقتضيه مشيئتنا المبنية على الحكم البالغة فمنهم من يموت صغيرا ومنهم من يموت كبيرا يقول الفقير قيل لى في بعض الاسحار اصبر ولا يكون الا ما قدر الله تعالى فمرضت بعد ايام ابنتي امة الله حتى ماتت جعلها الله فرطا وذخرا وشافعة ومشفعة وقد ثبت ان ابراهيم عليه السلام تعلق باسمعيل فابتلى بذبحه وكذا يعقوب عليه السلام تعلق بيوسف فابتلى بالفراق فهذه كلها مقادير يحب الرضى بها وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ اى انا قادرون عَلى أَنْ نُبَدِّلَ
منكم أَمْثالَكُمْ
لا يغلبنا أحد على أن نذهبكم ونأتى مكانكم بأشباهكم من الخلق يقال سبقته على كذا اى غلبته عليه وغلب فلان فلانا على الشيء إذا اخذه منه بالغلبة وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ
من الخلق والأطوار لا تعهدون بمثلها وقال الحسن البصري رحمه الله اى نجعلكم قردة وخنازير كمن مسخ قبلكم ان لم تؤمنوا برسلنا يعنى لسنا عاجزين عن خلق أمثالكم بدلا منكم ومسخكم من صوركم الى غيرها ويحتمل ان الآية تنحو الى الوعيد فالمراد اما انشاؤهم فى خلق لا يعلمونها أو صفات لا يعلمونها يعنى كيفيات من الألوان والاشكال وغيرها وفي الحديث (ان اهل الجنة جرد مرد وان الجهنمى ضر سه مثل أحد) وفي الآية اشارة الى ان الله تعالى ليس بعاجز عن تبديل الصفات البشرية بالصفات الملكية وجعل السالكين مظهر الصفات غير صفاتهم التي هم عليها إذ توارد الصفات المختلفة المتباينة على نفس واحدة على مقتضى الحكمة البالغة ليس من المحال ألا ترى الى الجوهر الواحد فانه يصير تارة فضة واخرى ذهبا بطرح الإكسير وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ اى الخلقة الْأُولى هى خلقتهم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة وقيل هى فطرة آدم من التراب فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ فهلا تتذكرون ان من قدر عليها قدر على النشأة الاخرى حتما فانها اقل صنعا لحصول المواد وتخصص الاجزاء وسبق المثال
آنكه ما را ز خلوت نابود ... مى كشد تا بجلوه كاه وجود
بار ديكر كه از سموم هلاك ... روى پوشيم زير پرده خاك
هم تواند بامر كن فيكون ... كارد از كوشه لحد بيرون
وفي الخبر عجبا كل العجب للمكذب بالنشأة الآخرة وهو يرى النشأة الاولى وعجبا للمصدق بالنشأة الآخرة وهو يسعى لدار الغرور وفي الآية دليل على صحة القياس حيث جهلهم(9/331)
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67)
فى ترك قياس النشأة الاخرى على الاولى وترك القياس إذا كان جهلا كان القياس علما وكل ما كان من قبيل العلم فهو صحيح (وفي المثنوى)
مجتهد هر كه كه باشد نص شناس ... اندر آن صورت نينديشد قياس
چون نيايد نص اندر صورتى ... از قياس آنجا نمايد عبرتى
اين قياسات وتحرى روز ابر ... تا بشت مر قبله را كردست حبر
ليك با خورشيد وكعبه پيش رو ... اين قياس واين تحرى مجو
ومنه يعلم بطلان قياس إبليس فانه قياس على خلاف الأمر عنده وروده (كما قال في المثنوى)
أول آنكس كين قياسكها نمود ... پيش أنوار خدا إبليس بود
كفت نار از خاك بي شك بهترست ... من ز نار واو ز خاك اكدرست
پس قياس فرع بر اصلش كنيم ... او ز ظلمت ما ز نور روشنيم
كفت حق نى بلكه لا انساب شد ... زهد وتقوى فضل را محراب شد
وفيه اشارة الى انا إذا قدرنا على إنشاء النشأة الاولى البشرية الطبيعية الدنيوية مع عدم مادة من المواد الصفاتية فمن استعجز قردة الله فقد كفر ألا ترى الى محرومى البداية مرزوقى النهاية مثل ابراهيم بن أدهم وفضيل بن عياض ومالك بن دينار وغيرهم قدس الله أسرارهم فان الله تعالى انشأهم نشأة اخرى ولو بعد حين أَفَرَأَيْتُمْ أخبروني وبالفارسية اخبار كنيد ما تَحْرُثُونَ اى تبذرونه من الحب وتعملون في ارضه بالسقي ونحوه والحرثه إلقاء البذر في الأرض وتهيئتها للزرع أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ تنبتونه وتردونه نباتا يربو وينمو الى أن يبلغ الغاية أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ اى المنبتون لا أنتم والزرع الإنبات وحقيقة ذلك يكون بالأمور الالهية دون البشرية ولذا نسب الحرث إليهم ونفى عنهم الزرع ونسبه الى نفسه وفي الحديث (لا يقولن أحدكم زرعت وليقل حرثت فان الزارع هو الله) والحاصل ان الحرث فعلهم من حيث ان اختيارهم له مدخل في الحرث والزرع خالص فعل الله فان إنبات السنبل والحب لا مدخل فيه لاختيار العبد أصلا وإذا نسب الزرع الى العبد فلكونه فاعلا للاسباب التي هى سبب الزرع والإنبات في الاسئلة المقحمة الأصح ان الحرث والزرع واحد كقوله تعالى ولا تسقى الحرث فهلا أضاف الحرث الى نفسه ايضا والجواب ان اضافة الحرث إلينا اضافة الاكتساب وإضافته الى نفسه اضافة الخلق والاختراع كقوله تعالى وما رميت إذ رميت قال الحليمي يستحب لكل من ألقى في الأرض بذرا أن يقرأ بعد الاستعاذة أفرأيتم الى قوله بل نحن محرومون ثم يقول الله الزارع والمنبت والمبلغ اللهم صلّى على محمد وعلى آل محمد وارزقنا ثمره وجنبنا ضرره واجعلنا لأنعمك من الشاكرين ويقال ان هذا القول أمان لذلك الزرع من جميع الآفات الدود والجراد وغير ذالك وفي الآية امتنان ليشكروا على نعمة الزرع واستدلال بان من قدر على الإنبات قدر على الاعادة فكما انه ينبت الحب في الأرض وينبت بذر النطفة في الرحم فكذا ينبت من حب عجب الذنب فى القبر فان كلها حب وذلك لان بذر النطفة وكذا عظم عجب الذنب شيء كخردلة كما(9/332)
لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67)
أسلفناه لَوْ نَشاءُ لو للمضى وان دخل على المضارع ولذا لا يجزمه فهو شرط غير جازم اى لو أردنا لَجَعَلْناهُ اى الزرع بمعنى المزروع حُطاماً الحطم كسر الشيء مثل الهشم ونحوه ثم استعمل لكل كسر متناه والمعنى هشيما اى يابسا متكسرا متفتتا بعد ما انبتناه وصار بحيث طمعتم في حيازة غلاله وجمعها فَظَلْتُمْ اى فصرتم بسبب ذلك تَفَكَّهُونَ تتعجبون من سوء حاله اثر ما شاهدتموه على أحسن ما يكون من الحال او تندمون على فعلتم فيه من الاجتهاد وأنفقتم عليه او تندمون على ما أصبتم لاجله من المعاصي فتتحدثون فيه والتفكه التنقل بصنوف الفاكهة وقد استعير للتنقل بالحديث وقرئ تفكنون بالنون والتفكن التعجب والتفكر والتندم ومنه الحديث مثل العالم كمثل الحمة يأتيها البعداء ويتركها القرباء فبيناهم إذ غار ماؤها فانتفع بها قوم يتفكنون اى يتندمون والحمة العين الحارة من الحميم وهو الماء الحار يستشفى به الاعلاء والمرضى إِنَّا لَمُغْرَمُونَ حال من فاعل تفكهون اى قائلين انا لملزمون غرامة ما أنفقنا والغرامة ان يلزم الإنسان ما ليس في ذمته وعليه كما في المغرب او مهلكون بهلاك رزقنا او بشؤم معاصينا من الغرام وهو الهلاك بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ حرمنا رزقنا او محدودون لا مجدودون اى ممنوعون من الحد وهو المنع لاحظ لنا ولا جد ولا بخت ولو كنا مجدو دين لما فسد علينا هذا (روى) عن انس ابن ابن مالك رضى الله عنه قال مر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأرض الأنصار فقال ما يمنعكم من الحرث قالوا الجدوبة قال أفلا تفعلون فان الله تعالى يقول أنا الزارع ان شئت زرعت بالماء وان شئت زرعت بالريح وان شئت زرعت بالبذر ثم تلا رسول الله عليه السلام أفرأيتم ما تحرثون الآية ففى الحديث اشارة الى ان الله تعالى هو الذي يعطى ويمنع بأسباب وبغيرها فالتوحيد هو أن يعتقد أن التأثير من الله تعالى لا من غيره كالكوكب ونحوه فانه يتهم النفس بالمعصية القاطعة للرزق وفي الحديث ما سنة بأمطر من اخرى ولكن إذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك الى غيرهم فاذا عصوا جميعا صرف الله ذلك الى الفيافي والبحار وفي الحديث (دم على الطهارة يوسع عليك الرزق) فاذا كان تودسيع الرزق في الطهارة فتضييقه في خلافها والرزق ظاهر وباطن وكذا الطهارة والنجاسة فلا بد لطالب الرزق مطلقا أن يكون على طهارة مطلقة دائما فان قلت فما حال اكثر السلف فانهم كانوا فقراء مع دوام الطهارة قلت كان السلف في الرزق المعنوي اكثر من الخلف وهو المقصود الأصلي من الرزق وانما كانوا فقراء في الظاهر لكمال افتقارهم الحقيقي كما قال عليه السلام اللهم أغننى بالافتقار إليك فمنعوا عنى الغنى الصوري تطبيقا لكل من الظاهر والباطن بالآخر فهم اغنى الأغنياء في صورة الفقراء وما عداهم ممن ليس على صفتهم أفقر الفقراء في صورة الأغنياء فالمرزوق من رزق عذاء الروح من الواردات والعلوم والفيوض والمحروم من حرمه فاعرفه (وفي المثنوى)
فهم نان كردن نه حكمت اى رهى ... زانكه حق كفت كلوا من رزقه
رزق حق حكمت بود در مرتبت ... كان كلو كيرت نباشد عاقبت
آن دهان بستى دهانى باز شد ... كه خورنده لقمهاى راز شد(9/333)
أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73)
كرز شير ديوتن را پرورى ... در فطام او بسى نعمت خورى
أَفَرَأَيْتُمُ خبر نماييد الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ عذابا فراتا وتخصيص هذا الوصف بالذكر مع كثرة منافعه لان الشرب أهم المقاصد المنوطة به أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ اى من السحاب واحده مزنة وقيل هو السحاب الأبيض وماؤه أعذب أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ له بقدرتنا والرؤية ان كانت بمعنى العلم فمعلقة بالاستفهام وان كانت بمعنى الابصار او المعرفة فالجملة الاستفهامية استئناف وهذا هو اختيار الرضى لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً ملحا زعاقا لا يمكن شربه وحذف اللام فى الشرطية الاولى للفرق بين المطعوم والمشروب في الاهمية وصعوبة الفقد يعنى ان امر المطعوم هاهنا مع إثباتها مقدم على امر المشروب وان الوعيد بفقده أشد وأصعب من قبل ان المشروب انما يحتاج اليه تبعا للمطعوم فَلَوْلا تَشْكُرُونَ فهلا تشكرون ما ذكر جميعا من المطعوم والمشروب بتوحيد منعمه وإطاعة امره او فلولا تشكرون على ان جعلناه عذاب وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان تحت العرش بحرا تنزل منه أرزاق الحيوانات يوحى الله اليه فيمطر ما شاء من سماء الى سماء حتى ينتهى الى سماء الدنيا ويوحى الى السماء ان غربيله فتغربله فليس من قطرة تقطر الا معها ملك يضعها موضعها ولا ينزل من السماء قطرة إلا بكيل معلوم ووزن معلوم الا ما كان من يوم الطوفان فانه نزل بغير كيل ولا وزن وقال بعض الحكماء ان المطر يأخذه قوس الله من البحر الى السحاب ثم ينزل من السحاب الى الأرض قال بعضهم هو أدخل فى القدرة لان ماء البحر مر فيصعد ملحا وينزل عذبا وفي الآية اشارة الى ان بعض بلاد العرب ليس لها آبار ولا انهار جارية فلا يشرب أهلها الا من المطر في المصانع فمنها القدس الشريف وينبع وجدة المحروسة ونحوها وللماء العذب مزيد فضل في هذه البلاد ولذا امتن الله به على العباد وفيها اشارة الى ماء معرفة والعلم الإلهي فانه ليس بالكسب والاجتهاد بل بمحض عطاء الله تعالى ولو شاء الله لجهل الماء العذب الجاري من مشرب الكشف والشهود ماء ملحا جاريا من مشرب الحجاب والاحتجاب والجهالة والضلالة فلابد من الشكر على نعم المعارف والحقائق والحكم واعلم ان من حفر بئرا فاما أن يصل الى الماء اولا فان وصل فاما أن يكون ذلك الماء مالحا او عذبا فعلى تقدير كونه عذبا ليس كالمطر الحاصل بلا اسباب فانه طيب طاهر خالص فهذا مثل علم علماء الرسوم ومثل علم علماء الحقيقة فان الأنبياء والأولياء ملهمون من عند الله تعالى ولا خطأ في لوحى والإلهام أصلا ولذا نقول ان علم الصوفية هو العلم الصواب كله فعلمهم تذكرى ليس لهم احتياج الى ترتيب المقدمات بخلاف علماء الرسوم فان علمهم تفكرى هتاج الى ذلك ولا بد لطالب الفيض من تهيئة المحل قبل وروده ألا ترى الى صاحب الحرث فانه يشتغل بتهيئة الأرض وإلقاء البذر ولا يدرى من ينزل المطر فاذا نزل أصاب محزه ثم اعلم ان الروح ينزل بالمطر وله تعين فى كل نشأة بما يناسبه فعند تمام الخلقة في الرحم ينفخ الله تعالى الروح وهو عبارة عن تعين الروح وظهوره لكن عبر عنه بالنفخ لان العقل قاصر عن دركه وكان عليه السلام يكشف رأسه عند نزول المطر ويقول حديث عهد بربه فالروح اى روح كان سبب للحياة مطلقا(9/334)
أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73)
فينبغى تلقى التجليات الواردة من قبل الحق بهيئة المحل كما ان النبي عليه السلام كشف رأسه وهيأ محل نزول المطر وذلك لان المطر ينزل من العلو فيلقى على أعلى شيء في الإنسان وهو الرأس أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ الإيراء آتش از آتش زنه بيرون كردن اى تقدحونها وتستخرجونها من الزناد والعرب تقدح بعودين تحك أحدهما على الآخر ويسمون الأعلى الزند والأسفل الزندة شبهوهما بالفحل والطروقة يقال ناقة طروقة اى بلغت أن يضربها الفحل لان الطرق الضرب أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها التي منها الزناد وهى المرخ والعفار كما مر في صورة يس أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ لها بقدرتنا نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً استئناف مبين لمنافعها اى جعلنا نار الزناد تذكير النار جهنم من حيث عقلنا بها اسباب المعاش لينظروا إليها ويذكروا ما أوعدوا به من نار جهنم او تذكرة وموعظة وأنموذجا من جهنم لما روى عن النبي عليه السلام (ناركم هذه التي يوقدها بنوا آدم جزؤ من سبعين جزأ من حر جهنم) وقيل تبصرة في امر البعث فانه ليس أبدع من إخراج النار من الشيء الرطب وفي عين المعاني وهو حجة على منكرى عذاب القبر حيث تضمن النار مالا يحرق ظاهره وَمَتاعاً ومنفعة وبلغة لان حمل النار يشق لِلْمُقْوِينَ للذين ينزلون القواء بالفتح وهو القفر الخالي عن الماء والكلاء والعمارة وهم المسافرون وتخصيصهم بذلك لانهم أحوج إليها ليهرب منها السباع ويسطلوا من البرد ويجففوا ثيابهم ويصلحوا طعامهم فان المقيمين او النازلين بقرب منهم ليسوا بمضطرين الى الاقتداح بالزناد وتأخير هذه المنفعة للتنبيه على ان الأهم هو النفع الأخروي يقال أقوى الرجل إذا نزل في الأرض القواء كأصحر إذا دخل فى الصحراء وفي الحديث (قال النبي عليه السلام لجبريل مالى أر ميكائيل ضاحكا قط قال ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار) وعن انس رضى الله عنه يرفعه ان أدنى اهل النار عذابا الذي يجعل له نعلان يغلى منهما دماغه في رأسه وفيه بيان شدة نار جهنم وانها ليست كنار الدنيا وقانا الله وإياكم منها وفي الآية اشارة الى نار المحبة المشتعلة الموقدة بمقدح الطلب فى حراقة قلب المحب الصادق في سلوك طريق الحق وشجرتها هى العناية الالهية السر مدية يدل هذا التأويل قول العارف أبى الحسين المنصور قدس سره حين سئل عن حقيقة المحبة هى العناية الالهية السر مدية لولاها ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان نحن جعلناها تذكرة لأرباب النفوس البشرية ليهتدوا بنورها الى سلوك طريق الحق ومتاعا للمقوين اى غذآء لأرواح المحبين الطاوين أياما وليالى عن الطعام والشراب كما حكى عن سهل التستري رحمه الله انه كان يطوى ثلاثين يوما وعن أبى عقيل المغربي قدس سره انه ما أكل سنتين وهو مجاور بمكة وعن كثير من المرتاضين السالكين وانما رفع إدريس عليه السلام الى السماء الرابعة لمبالغته في التجريد والترويح حتى ان الروحانية غلبت عليه فخلع يدنه وخالط الملائكة واتصل بروحانية الا فلاك وترقى الى عالم القدس وقد اقامه ستة عشر عاما لم ينم ولم يطعم شيأ ولم يتزوج قط لزوال الشهوة بالكلية حتى صار عقلا مجردا من كثرة الرياضة ورفع الى أعلا الامكنة وهو المكان الذي يدور عليه رحى عالم الافلاك وهو فلك الشمس ثم(9/335)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)
ان نار المحبة أشد النيران قال الجنيد قدس سره قالت النار يا رب لو لم أطعك هل كنت تعذبنى بشيء هو أشد منى قال نعم كنت أسلط عليك نارى الكبرى قالت هل نار أعظم منى قال نعم نار محبتى أسكنها قلوب أوليائي المؤمنين كما في فتح القريب
مهر جانان آتش است عشاق را ... مى بسوزد هستئ مشتاق را
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ لم يقل فسبح ربك لان سبح منزل منزلة اللازم ولم يعتبر تعلقه بالمفعول ومعناه فأحدث التسبيح بذكر اسمه تعالى إضمار المضاف شكرا على تلك النعم وان جحدها الجاحدون أو بذكره على المجاز فان اطلاق الاسم للشيء ذكر له والباء للاستعانة او الملابسة والمراد بذكر ربه هنا تلاوة القرآن والعظيم صفة للاسم او الرب قال ابن عطاء رحمه الله سبحه ان الله أعظم من أن يلحقه تسبيحك او يحتاج الى شيء منك لكنه شرف عبيده بأن امر هم أن يسبحوه ليطهروا أنفسهم بما ينزهونه به فَلا أُقْسِمُ اى فاقسم ولا مزيدة للتأكيد وتقوية الكلام كما في قوله تعالى لئلا يعلم اهل الكتاب وما قيل ان المعى فلا أقسم إذ الأمر أوضح من أن يحتاج الى قسم خصوصا الى مثل هذا القسم العظيم فيأباه تعيين المقسم به وتفخيم شأن المقسم به بِمَواقِعِ النُّجُومِ اى بمساقطها وهى مغاربها وتخصيصها بالقسم لما في غروبها من زوال اثرها والدلالة على وجود مؤثر دائم لا يتغير أو لأن ذلك وقت قيام المتهجدين والمبتهلين اليه تعالى وأوان نزول الرحمة والرضوان عليهم او بمنازلها ومجاريها فان له تعالى في ذلك من الدليل على عظم قدرته وكمال حكمته مالا يحيط به البيان وقيل النجوم نجوم القرآن ومواقعها اوقات نزولها واليه ذهب ابن عباس رضى الله عنهما وقيل النجوم الصحابة والعلماء الهادون بعدهم ومواقعهم القبور وقيل غير ذلك وَإِنَّهُ اى القسم بالمذكور لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ لما في المقسم به من الدلالة على عظم القدرة وكمال الحكمة وفرط الرحمة ومن مقتضيات رحمته أن لا يترك عباده سدى بغير كتاب قوله لو تعلمون اعتراض بين الصفة والموصوف لتأكيد تعظيم المحلوف به وجوابه متروك أريد به نفى علمهم او محذوف ثقة بظهوره اى لعظمتموه او لعملتم بموجبه ففيه تنبيه على تقصير المخاطبين في الأمر وعظيم صفة قسم وهذه الجملة ايضا اعتراض بين القسم وجوابه الذي هو قوله تعالى إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ هو المقسم عليه اى لكتاب كثير النفع لاشتماله على اصول العلوم المهمة في صلاح المعاش والمعاد على أن يستعار الكرم ممن يقوم به الكرم من ذوى العقول الى غيرهم او حسن مرضى في جنسه من الكتب او كريم عند الله وقال بعضهم كريم لانه يدل على مكارم الأخلاق ومعالى الأمور وشرائف الافعال وقيل كريم لنزوله من عند كريم بواسطة الكرام الى الكرم الخلق فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ اى مصون عن غير المقربين من الملائكة اى لا يطلع عليه من سواهم وهو اللوح المحفوظ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ اما صفة اخرى للكتاب فالمراد بالمطهرين الملائكة المنزهون عن الكدورات الجسمانية واوضار الأوزار او للقرءآن فالمراد المطهرون من الأحداث مطلقا فيكون نفيا بمعنى النهى اى لا ينبغى أن يمسه الا من كان على طهارة من الأدناس كالحدث والجنابة ونحوهما(9/336)
على طريقة قوله عليه السلام المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه اى لا ينبغى له أن يظلمه او يسلمه الى من يظلمه فالمراد من القرآن المصحف سماه قرءانا على قرب الجوار والاتساع كما روى ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى أن يسافر بالقرءان الى ارض العدو وأراد به المصحف وفي الفقه لا يجوز لمحدث بالحدث الأصغر وهو ما يوجب الوضوء مس المصحف إلا بغلافه المنفصل الغير المشرز كالخريطة ونحوها لان مسه ليس مس القرآن حقيقة لا المتصل في الصحيح وهو الجلد المشرز لانه من المصحف يعنى تبع له حتى يدخل فى بيعه بلا ذكر وهذا اقرب الى التعظيم وكره المس بالكم لانه تابع للحامل فلا يكون حائلا ولهذا لو حلف لا يجلس على الأرض فجلس وذيله بينه وبين الأرض حنث وانما منع الأصغر عن مس المصحف دون تلاوته لانه حل اليد دون الفم ولهذا لم يجب غسله فى الوضوء والجنابة كانت حالة كليهما ولا يرد العين لان الجنب حل نظره الى مصحف بلا قراءة وكذا لا يجوز لمحدث مس درهم فيه
سورة إلا بصرته ولا لجنب دخول المسجد الا لضرورة فان احتاج الى الدخول تيمم ودخل لانه طهارة عند عدم الماء ولا قراءة القرآن ولو دون آية لان ما دونها شيء من القرآن ايضا الا على وجه الدعاء او الثناء كالبسملة والحمد لة وفي الأشباه لو قرأ الفاتحة في صلاته على الجنازة ان قصد الدعاء والثناء لم يكره وان قصد التلاوة كره وفيه اشارة الى ان حكم القراءة يتغير بالقصد ويجوز للجنب الذكر والتسبيح والدعاء والحائض والنفساء كالجنب في الاحكام المذكورة ويدفع المصحف الى الصبى إذ فى الأمر بالوضوء حرج بهم وفي المنع تضيع حفظ القرآن إذ الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر وفي الأشباه ويمنع الصبى من مس المصحف انتهى والتوفيق ظاهر وفي كشف الاسرار واما الصبيان فلا صحابنا فيهم وجهان أحدهما انهم يمنعون منه كالبالغين والثاني انهم لا يمنعون لمعنيين أحدهما ان الصبى لو منع ذلك ادى الى أن لا يتعلم القرآن ولا يحفظه لان وقت تعلمه وحفظه حال الصغر والثاني ان الصبى وان كانت له طهارة فليست بكاملة لان النية لا تصح منه فاذا جاز أن يحمله على غير طهر كامل جاز أن يحمله محدثا ودر أنوار مذكور است كه جنب وحائض را بقول ابى يوسف جائزست كتابت قرآن وقتى كه لوح بر زمين بود نه بر كنار ونزد محمد بهيج وجه روا نيست ومحمد بن فضل رحمه الله فرموده كه مراد ازين طهارت توحيدست يعنى بايد كه از غير موحدان كسى قرآن نخواند وابن عباس رضى الله عنه نهى ميكرد از انكه يهود ونصارى را تمكين دهند از قراءت قرآن وقال بعضهم يجوز للمؤمن تعليم القرآن للكافر رجاء هدايته الى الإسلام ومحققان كفته اند مراد از مس اعتقادست يعنى معتقد نباشد قرآنرا اگر پاكيزه دلان كه مؤمنانند ويا تفسير وتأويل آن ندانند الا آنها كه سر ايشان پاك باشد از ما سوى الله
جمال حضرت قران نقاب انكه بر اندازد ... كه دار الملك معنى را مجرد بينداز غوغا
ودر بجز الحقائق فرموده كه مكاشف نشود باسرار قرآن مكر كسى كه پاكيزه كردد از لوث توهم غير وبرسد بمقام شهود حق در مرآى خلق واين معنى ميسر نشود جز بفناى(9/337)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85)
مشاهد وشهود در مشهود
چون تجلى كردد أوصاف قديم ... پس بسوزد وصف حادث را كليم
وتحقيقه ان الهاء اشارة الى الهوية الالهية فانه لا يمس سرها الا المطهرون عن جنابة كل مقام من المقامات الوجودية وهى التعلق به والبعد بواسطته عن الحق المطلق والمطهر بالفتح لا بد له من المطهر بالكسر وهو الله تعالى فالعبد لا يطهر نفسه ولا يزكيها وانما يطهره الله ويزكيه فاذا طهره الله وزكاه فهم مراد القرآن ولذا قال بعض الكبراء ان القرآن بكر اى بالنسبة الى علماء الظاهر والرسم فان الذي فهموه من القرآن انما هو ظاهره ومزاياه المتعلقة به وانما حل عقدته علماء الباطن والحقيقة لان الله تعالى قال واتقوا الله ويعلمكم الله فهم اهل التقوى الحقيقي ولذا علمهم الله ما لم يعلم أحدا من العالمين وان كان القرآن لا تنقضى عجائبه وقس عليه الحديث فان مراد رسول الله عليه السلام على الحقيقة لا يفهمه الا أهل الحقيقة ومن ثمة اقتصر علماء الحديث وشراحه على بيان الاعراب والمفهوم الظاهري من غير أن يتعرضوا لحقائقه فأين شرح النووي والكرماني وابن حجر ونحوهم من شرح الصدر القنوى ونحوه رضى الله عنهم تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ صفة اخرى للقرءآن وهو مصدر نعت به حتى جرى مجرى اسمه يعنى ان التنزيل بمعنى المنزل سمى المنزل تنزيلا على اتساع اللغة كما يقال للمقدور قدر وللمخلوق خلق على قول من يجيزه أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ الذي ذكرت نعوته الجليلة الموجبة لاعظامه وإجلاله وهو القرآن الكريم وسماه حديثا لان فيه حوادث الأمور كما في كشف الاسرار وهو متعلق بقوله مدهنون وجاز تقديمه على المبتدأ لان عامله يجوز فيه ذلك والأصل أفأنتم مدهنون بهذا الحديث أَنْتُمْ يا اهل مكة مُدْهِنُونَ الادهان في الأصل مثل التدهين لكن جعل عبارة عن المداراة والملاينة وترك الجد والمعنى متهاونون به ومستحقرون كمن يدهن في الأمر اى يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاونا به وفي تاج المصادر الادهان مداهنت كردن وغسل كردن قال في الاحياء الفرق بين المداهنة والمداراة بالغرض الباعث على الإغضاء فان أغضيت السلامة دينك ولما ترى فيه من إصلاح أخيك بالإغضاء فانت مدار وان أغضيت لحظ نفسك واجتلاب شهواتك وسلامة جاهك فأنت مداهن قال ابو الدرداء رضى الله عنه انا لنبش في وجوه أقوام وان قلوبنا لتعلنهم وهذا معنى المدارة وهو منع شر من يخاف شره وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ اى شكر رزقكم بتقدير المضاف ليصح المعنى والرزق في الأصل مصدر سمى به ما يرزق والمراد نعمة القرآن أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ اى تضعون التكذيب لرازقه موضع الشكر او تجعلون شكر رزقكم الصوري انكم تكذبون بكونه من الله حيث تنسبونه الى الأنواء وكان عليه السلام يقول لو حبس الله القطر عن أمتي عشر سنين ثم انزل لا صبحت طائفة منهم يقولون سقينا بنوء كذا وقال عليه السلام أخوف ما أخاف على أمتي حيف الائمة والتكذيب بالقدر والايمان بالنجوم (روي) انه عليه السلام صلّى صلاة الصبح بالحديبية في اثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا(9/338)
فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85)
قال ربكم قالوا الله ورسوله اعلم قال أصبح من عبادى مؤمن بي وكافر فاما من قال مطرنا بفضل الله وبرحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب واما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب وفي الحديث (ثلاث من امر الجاهلية الطعن في الأنساب والنياحة والأنواء) فالطعن معروف والنياحة البكاء على الميت مع تعديد محاسنه والأنواء جمع نوء المنازل الثماني والعشرون للقمر والعرب كانت تعتقد ان الأمطار والخير كله يجيئ منها وفي حواشى ابن الشيخ في سورة الفرقان الأنواء النجوم التي يسقط واحد منها فى جانب المغرب وقت طلوع الفجر ويطلع رقيبه في جانب المشرق من ساعته والعرب كانت تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد الى الساقط منها وقيل الى الطالع منها انتهى وفي القاموس النوء النجم مال للغروب او سقوط النجم في المغرب مع الفجر وطلوع آخر يقابله من ساعته في المشرق انتهى فظهر ان التأثير من الله تعالى في الأشياء فيجيب على المؤمن أن يعتقده منه تعالى لا من الافلاك والنجم والدهر ونحوها وفي هدية المهديين لو صاحت الهامة او طير آخر فقال رجل يموت المريض يكفر ولو خرج الى السفر ورجع فقال ارجع لصياح العقعق كفر عند بعضهم وقيل لا ولو قال عند صياح الطير غله كران مى خواهد شد فقد اختلف المشايخ في كفره وجه الكفر ظاهر لانه ادعى الغيب انتهى والناس يتشاءمون بأصوات بعض الطيور كالهامة والبوم (كما قال الشيخ سعدى)
بلبلا مژده بهار بيار ... خبرى بد ببوم باز كذار
فان يكن هناك اعتقاد التأثير منها فذلك كفر والا فمجرد التشاؤم لا يوجب الكفر خصوصا إذا كان القول بطريق الاستدلال من الأمارات والأليق بحال المؤمن حمل مثل ذلك على التنبيهات الالهية فان لله في كل شيء حكمة لا القطع على المقدورات والجزم فيما لا يبلغ علمه كنهه فان الله يحيى ويميت ويوقظ وينيم بأسباب وبغيرها فَلَوْلا پس چرا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ لولا للتحضيض لاظهار عجزهم وإذا ظرفية والحلقوم مجرى الطعام وفي كشف الاسرار مجرى النفس والبلعوم مجرى الطعام اى فهلا إذا بلغت النفس اى الروح او نفس أحدكم وروحه الحلقوم وتداعت الى الخروج وهو كناية عن غير مذكور وفي الحديث (ان ملك الموت له أعوان يقطعون العروق ويجمعون الروح شيأ فشيا حتى ينتهى بها الى الحلقوم فيتوفاها ملك الموت وَأَنْتُمْ الواو للحال من فاعل بلغت اى والحال أنتم أيها الحاضرون حول صاحبها حِينَئِذٍ آن هنكام تَنْظُرُونَ الى ما هو فيه من الغمرات ولكم تعطف عليه ووفور رغبة في انجائه من المهالك وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ اى الى المحتضر علما وقدرة وتصرفا قال بعضهم عبر عن العلم بالقرب الذي هو أقوى سبب الاطلاع مِنْكُمْ حيث لا تعرفون حاله الا ما تشاهدونه من آثار الشدة من غير أن تقفوا على كنهها وكيفيتها وأسبابها ولا أن تقدروا على دفع أدنى شيء منها ونحن المتولون لتفاصيل أحواله بعلمنا وقدرتنا او بملائكة الموت الذين يقبضون روحه وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ لا تدركون كنه ما يجرى عليه لجهلكم بشؤوننا فقوله لا تبصرون من البصيرة لا من البصر(9/339)
فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)
والأقرب تفسيره بقوله لا تدركون كوننا أعلم به منكم كما في حواشى سعدى المفتى قال البقلى رحمه الله قرب الله بالتفاوت قرب بالعلم وقرب بالاحاطة وقرب بالفعل وقرب بالصفة وقرب بالقهر وقرب باللطف والمسافة والمكان منفى على ذاته وصفاته ولكن يتجلى لقلوب من عين العظمة لاذابتها برؤية القهر ولقلوب من عين الجمال ليعرفها الاصطفائية وذلك القرب لا يبصره الا أهل القرب وشواهده ظاهرة لأهل المعرفة وفي الخطاب تحذير وترهيب فَلَوْلا بمعنى هلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ اى غير مربوبين مملوكين أذلاء من دان السلطان رعيته إذا ساسهم واستعبدهم وفي المفردات او غير مجزيين فان الدين الجزاء ايضا وهو ناظر الى قوله تعالى نحن خلقناكم فلولا تصدقون فان التحضيض يستدعى عدم المحضض عليه حتما تَرْجِعُونَها اى النفس الى مقرها وتردون روح ميتكم الى بدنه من الرجع وهو الرد العامل في إذا والمحضض عليه بلو لا الاولى والثانية مكررة للتأكيد وهى مع ما في حيزها دليل جواب الشرط والمعنى ان كنتم غير مربوبين كما ينبئ عنه عدم تصديقكم بخلقنا إياكم فهلا ترجعون النفس الى مقرها عند بلوغها الحلقوم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فى اعتقادكم فان عدم تصديقهم بخالقيته تعالى لهم عبارة عن تصديقهم بعدم خالقيته تعالى بموجب مذهبهم اى فاذا لم يمكنكم ذلك فاعلموا ان الأمر الى غيركم وهو الله تعالى فآمنوا به وهو تكرير للتأكيد لامن اعتراض الشرط إذ لا معنى له هنا فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ هو قرب درجاتهم من العرش لا من الله من حيث الجهة حسبما قال به الحشوية وهو شروع في بيان حال المتوفى بعد الممات اثر بيان حاله عند الوفاة اى فاما ان كان المتوفى من المقربين وهم أجل الأزواج الثلاثة فَرَوْحٌ اى فله استراحة وقرئ بضم الراء وفسر بالرحمة لانها سبب لحياة المرحوم فاطلاقه على الرحمة استعارة تصريحية وبالحياة الدائمة التي لا موت فيها قال بعضهم الروح يعبر به عن معان فالروح روح الأجسام الذي يقبض عند الممات وفيه حياة النفس والروح جبرائيل لانه كان يأتي الأنبياء بما فيه حياة القلوب وعيسى روح الله لانه كان من نفخ جبرائيل وأصيف الى الله تعظيما وكلام الله روح لانه حياة من الجهل وموت الكفر ورحمة الله روح كقوله تعالى وأيدهم بروح منه اى برحمة والروح الرزق لانه حياة الأجساد وفي القاموس الروح بالضم ما فيه الروح ما به حياة الأنفس وبالفتح الراحة والرحمة ونسيم الريح ومكان روحانى طيب والروحاني بالضم ما فيه الروح وفي كتاب الملل والنحل الروحاني بالضم من الروح والروحاني بالفتح من الروح والروح والروح متقاربان فكأن الروح جوهر والروح حالته الخاصة به انتهى وَرَيْحانٌ ورزق او هو ما يشم وعن أبى العالية لا يفارق أحد من المقربين الدنيا حتى يؤتى ببعض من ريحان الجنة فيشمه ثم يقبض روحه وقال الزجاج الريحان هنا التحية لأهل الجنة يكى از بزركان دين كفته است كه روح وريحان هم در دنياست هم در عقبى روح در دنياست وريحان در عقبى روح آنست كه دل بنده مؤمن را بنظر خويش بيارايد تا حق از باطل وا شناسد انكه بعلم فراخ كند تا قدرت در ان جاى يابد آنكه بينا كند تا بنور منت مى بيند شنوا(9/340)
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)
كند تا پند ازلى مى شنود پاك كند تا همه صحبت او جويد بعطر وصال خوش كند تا دران مهر دوست رويد بنور خويش روشن كند تا از وبار ديكر بصيقل عنايت بزدايد تا در هر چهـ نكرد او را بيند بنده چون بدين صفت بسراى سعادت رود آنجا ريحان كرامت بيند نسيم انس از باغ قدس دميده ز پر درخت وجود تخت رضا نهاده بساط انس كسترده شمع عطف افروخته وبر فلك نشسته ودوست ازلى پرده بر كرفته بسمع بنده سلام رسانيده وديدار ذو الجلال نموده وَجَنَّةُ نَعِيمٍ اى ذات تنعم فالاضافة لأدنى الملابسة (وقال الكاشفى) بوستان پر نعمت قال بعض أهل الحقيقة فله روح الوصال وريحان الجمال وجنة الجلال لروحه روح الانس ولقلبه ريحان القدس ولنفسه جنة الفردوس او الروح النظر الى وجه الجبار والريحان الاستماع لكلامه وجنة النعيم هو أن لا يحجب العبد فيها عن مولاه إذا قصد زيارته وللمقربين ذلك في دار الدنيا وروحهم المشاهدة وريحانهم سرور الخدمة وجنة النعيم السرور بذكره وقال بعضهم الروح للعابدين والريحان للعارفين وجنة النعيم لعوام المؤمنين او فله روح الشهود الذاتي وريحان السرور وجنة نعيم اللذات بالوصول إليها والدخول فيها يقول الفقير الروح للنفوس والأجساد لانها تستريح بعد الموت برفع التكاليف عنها وان كان أهل الله على نشاط دائم في باب الخدمة لان التعب يرتفع بالوصول الى الله لكونه من آثار النفس والطبيعة ولا نفس ولا طبيعة بعد الوصول والريحان للقلوب ولارواح ولذا حبب الى النبي عليه السلام الطيب لانه يوجد فيه ذوق الانس والمحاضرة وجعل عليه السلام الولد من الريحان لانه يشم كما يشم المشموم وانه من تنزلات أبيه كما ان القلوب من تنزلات الأرواح والأرواح من تنزلات الاسرار ووجد عليه السلام نفس الرحمن من قبل اليمن وانما وجده قلبه وروحه وكان ذلك النفس عصام الدين عم اويس القرني وكان حينئذ قطب الابدال وكان عليه السلام يستنشق بحس شمه ايضا روائح الجنة ونحوها وجنة نعيم للاسرار وهى الجنة المضافة الى الله تعالى في قوله وادخلى جنتى وعند دخولهم هذه الجنة لا يراهم أحد أبدا لعلو طبقتهم ورفعة درجتهم فلا يعرفهم أحد لا في الدنيا ولا في العقبى فهم من قبيل المعلوم المجهول وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ عبر عن السابقين بالمقربين لكونه أجل اوصافهم وعبر عن اصحاب اليمين بالعنوان السابق إذ لم يذكر لهم فيما سبق وصف واحد ينبئ عن شانهم سواه كما ذكر للفريقين الآخرين واستعير اليمين للتيمن والسعادة قاله الراغب فَسَلامٌ لَكَ يا صاحب اليمين مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ
من اخوانك يسلمون عليك عند الموت وبعده فيكون السلام اشارة له انه من أهل الجنة قال في الإرشاد هذا اخبار من جهته تعالى بتسليم بعضهم على بعض كما يفصح عنه اللام لا حكاية لانشاء سلام بعضهم على بعض والا لقيل عليك والالتفات الى خطاب كل واحد منهم للتشريف قال سهل رحمه الله اصحاب اليمين هم الموحدون اى العاقبة لهم بالسلامة لانهم أمناء الله قدادوا الامانة يعنى امره ونهيه لم يحدثوا شيأ من المعاصي والزلات قد أمنوا الخوف والهول الذي ينال غيرهم وحقيقته ان المقربين اصحاب الشهود الذاتي واصحاب اليمين اصحاب(9/341)
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)
الشهود الاسمائى والصفاتى فله السلامة من اسمه السلام على لسان إخوانه الاسمائية نسأل الله لى ولكم السلامة والنجاة والانس والحضور والشهود في أعلى المقامات والدرجات وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ وهم اصحاب الشمال عبر عنهم بذلك حسبما وصفوا به عند بيان أحوالهم بقوله تعالى ثم انكم أيها الضالون المكذبون ذمالهم بذلك واشعارا بسبب ما ابتلوا به من العذاب وهو تكذيب البعث ونحوه والضلال عن الحق والهدى فَنُزُلٌ اى فله نزل كائن مِنْ حَمِيمٍ يشرب بعد أكل الزقوم كما فصل فيما قبل وبالفارسية پس مر او راست پيشكش در قبر از آب كرم كرده در دوزخ با دود آتش دوزخ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ اى إدخال في النار وقيل اقامة فيها ومقاساة لألوان عذابها وقيل ذلك ما يجده في القبر من سموم النار ودخانها يقال أصلاه النار وصلاه اى جعله يصلاها والمصدر هنا مضاف الى المفعول إِنَّ هذا اى الذي ذكر في هذه السورة الكريمة لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ اى حق الخبر اليقين فهو من قبيل اضافة الموصوف الى الصفة على الاتساع والمجاز وقيل الحق الثابت من اليقين اى الحق الثابت الذي لا يطرأ عليه التبدل والتغير وقال ابو الليث اى يقين حق اليقين انتهى واليقين علم يحصل به ثلج الصدور ويسمى برد اليقين فهو العلم الذي يحصل به اطمئنان النفس ويزول ارتيابها واضطرابها والمراد هنا المعلوم المتيقن به لان المبتدأ عبارة عن المعلوم فيجب أن يكون الخبر ايضا كذلك التقدير ان هذا لهو ثابت الخبر المتيقن به اى الثابت منه على ان الاضافة بمعنى من وفي فتح الرحمن هذه عبارة فيها مبالغة لانها بمعنى واحد كما تقول في امر توكده هذا يقين اليقين وصواب الصواب بمعنى انه نهاية الصواب فهى عبارة مبالغة وتأكيد معناه ان هذا الخبر هو نفس اليقين وحقيقته انتهى قال ابن الملك اضافة العلم الى اليقين اضافة الشيء الى مرادفه كما فعلوا مثل ذلك في العطف وفي شرح النصوص بالنون العلم اليقيني هو العلم الحاصل بالإدراك الباطني بالكفر الصائب والاستدلال وهذا للعلماء الذين يوقنون بالغيب ولا تزيد هذه المرتبة العلمية الا بمناسبة الأرواح القدسية فاذا يكون العلم عينا ولا مرتبة للعين الا اليقين الحاصل من مشاهدة المعلوم ولا تزيد هذه المرتبة الا بزوال حجاب الا ثنينية فاذا يكون العين حقا ولا مرتبة للحق الا الإدراك بأحدية جمعك اى بحقيقتك المشتملة على المدركات الظاهرة والباطنة والجامعة بين روحانيتك وجسمانيتك اى يدركها بها إدراكا يستوعب معرفة كل ما اشتملت عليه حقيقة المدرك من الأمور الظاهرة والباطنة وهو حال الكامل وصفة من صار قلبه مستوى الحق الذي قد وسعه كما أخبره لانه حال جمع الجمع وزيادة هذه المرتبة اى حق اليقين عدم ورود الحجاب بعده وعينه للاولياء وحقه للانبياء واما حقيقة اليقين وهو باطن حق اليقين فهو لنبينا عليه السلام وهذه الدرجات والمراتب لا تحصل الا بالمجاهدة مثل دوام الوضوء وقلة الاكل والذكر والسكوت بالفكر في ملكوت السموات والأرض وبأداء السنن والفرائض وترك ما سوى الحق والغرض وتقليل المنام والعرض وأكل الحلال وصدق المقال والمراقبة بقلبه الى الله تعالى فهذه مفاتيح المعاينة والمشاهدة انتهى(9/342)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)
وقال ابن عطاء رحمه الله ان هذا القرآن لحق ثابت في صدور الموقنين وأهل اليقين وهو الحق من عند الحق فلذلك تحقق في قلوب المحققين واليقين ما استقر في قلوب أوليائه وقد قال سيدنا على رضى الله عنه وكرم الله وجهه لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا
حال خلد وجحيم دانستم ... بيقين آنچنان كه مى بايد
كر حجاب از ميانه برگيرند ... آن يقين ذره نيفزايد
يعنى اگر احوال آخرت منكشف شود وجمله را معاينه كنم يك ذره در يقين من زياده نشود كه علم اليقين من امروز چوعين اليقين منست در فردا وقال عليه السلام اللهم انى اسألك ايمانا يباشر قلبى ويقينا ليس بعده كفر وهو اليقين الحاصل بالعيان وظهور الحقيقة ولذا نقول أهل علم اليقين ذو خطر لا يحصل منه الإرشاد بخلاف أهل عين اليقين فانه قطب ارشاد وبخلاف أهل حق اليقين فانه قطب الاقطاب فالتجليات ثلاثة تجل علمى وتجل عينى وتجل حقى فالاول كعلم الكعبة علما ضروريا من غير رؤية والثاني مثل رؤيتها من بعيد والثالث كدخولها قال قتادة ان الله ليس تاركا أحدا من الناس حتى يوقفه على اليقين من هذا القرآن اما المؤمن فأيقن في الدنيا فنفعه ذلك يوم القيامة واما الكافر فأيقن يوم القيامة حين لا ينفعه (قال المولى الجامى)
سيراب كن ز بحر يقين جان تشنه را ... زين بيش خشك لب منشين بر سراب ريب
فَسَبِّحْ يا محمد بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ الفاء لترتيب التسبيح او الأمر به على ما قبلها فان حقية ما فصل في تضاعيف السورة الكريمة مما يوجب تنزيهه تعالى عما لا يليق بشانه الجليل من الأمور التي من جملتها الإشراك به والتكذيب بآياته الناطقة بالحق وقال ابو عثمان قدس سره فسبح شكرا لما وقفنا أمتك اليه من التمسك بسنتك وفي فتح الرحمن هذه عبارة تقتضى الأمر بالاعراض عن اقوال الكفار وسائر امور الدنيا المختصة بها وبالإقبال على امور الآخرة وعبادة الله والدعاء اليه (روى) انه لما نزل فسبح باسم ربك العظيم قال عليه السلام اجعلوها في ركوعكم فلما نزل سبح اسم ربك الأعلى قال اجعلوها في سجودكم وكان عليه السلام يقول في ركوعه سبحان ربى العظيم وفي سجوده سبحان ربى الأعلى وسر اختصاص سبحان ربى العظيم بالركوع والأعلى بالسجود ان الاول اشارة الى مرتبة الحيوان والثاني اشارة الى مرتبة النبات والجماد فلا بد من الترقي في التنزيه والحق سبحانه فوق التحت كما انه فوق الفوق ونسبة الجهات اليه على السواء لنزاهته عن التقيد بالجهات فلهذا شرع التسبيح في الهبوط واختلف الائمة في التسبيح المذكور في الصلاة فقال احمد هو واجب تبطل الصلاة بتركه عمدا ويسجد لتركه سهوا والواجب عنده مرة واحدة وأدنى الكمال ثلاث وقال ابو حنيفة والشافعي هو سنة وقال مالك يكره لزوم ذلك لئلا يعد واجبا فرضا والاسم هنا بمعنى الجنس اى بأسماء ربك والعظيم صفة ربك در خبرست كه عثمان بن عفان رضى الله عنه عيادت كرد عبد الله بن مسعود را رضى الله عنه در بيمارىء مرك كفت يا عبد الله اين ساعت از چهـ مى نالى كفت اشتكى ذنوبى يعنى بر گناهان خود مى نالم عثمان كفت(9/343)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)
چهـ آرزوست ترا درين وقت كفت رحمة ربى يعنى آرزوى من آنست كه الله تعالى بر من رحمت كند وبر ضعف وعجز من ببخشايد عثمان كفت أفلا ندعو الطبيب يعنى طبيب را خوانيم تا درد ترا مداوات كند كفت الطبيب أمرضني يعنى طبيب مرا بروز بيمارى افكند كفت خواهى تا ترا عطايى فرمايم كه ببعضي حاجتهاى خود صرف كنى كفت لا حاجة لى به يعنى وقتى مرا باين حاجت نيست وهيچ دربايست نيست كفت دستورى هست تا بدخترانت دهم ناچار ايشانرا حاجت بود كفت نه كه ايشانرا حاجت نيست واگر حاجت بود به ازين من ايشانرا عطايى داده ام كفته ام كه بوقت حاجت وضرورت سورة الواقعة بر خوانيد كه من از رسول خدا شنيدم كه عليه السلام (من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة ابدا) قال سعدى المفتى هو حديث صحيح وفي حديث آخر من دوام على قراءة سورة الواقعة لم يفتقر ابدا قال ابن عطية فيها ذكر القيامة وحظوظ الناس في الآخرة وفهم ذلك غنى لا فقر معه ومن فهمه يشتغل بالاستعداد قال الغزالي رحمه الله في منهاج العابدين قراءة هذه السورة عند الشدة في امر الرزق والخصاصة شيء وردت به الاخبار المأثورة عن النبي عليه السلام وعن الصحابة رضى الله عنهم حتى ابن مسعود رضى الله عنه حين عوتب في امر ولده إذ لم يترك لهم الدنيا قال لقد خلفت لهم سورة الواقعة فان قلت ارادة متاع الدنيا بعمل الآخرة لا تصح قلت مراده أن يرزقهم الله تعالى قناعة أو قوتا يكون لهم عدة على عبادة
الله تعالى وقوة على درس العلم وهذه من جملة ارادة الخير دون الدنيا فلا رياء انتهى كلامه وعن هلال بن يساف عن مسروق قال من أراد أن يعلم نبأ الأولين والآخرين ونبأ أهل الجنة واهل النار ونبأ الدنيا ونبأ الآخرة فليقرأ سورة الواقعة تمت سورة الواقعة بعون الله تعالى في أوائل صفر الخير من سنة خمس عشرة ومائة والف
تفسير سورة الحديد
مدنية وقيل مكية وآيها تسع وعشرون بسم الله الرحمن الرحيم
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ التسبيح تنزيه الله تعالى اعتقادا وقولا وعملا عما لا يليق بجنابه سبحانه بدأ الله بالمصدر في الإسراء لانه الأصل ثم بالماضي في الحديد والحشر والصف لانه اسبق الزمانين ثم بالمستقبل في الجمعة والتغابن ثم بالأمر في الأعلى استيعابا لهذه الكلمة من جميع جهاتها ففيه تعليم عباده استمرار وجود التسبيح منهم في جميع الازمنة والأوقات والحاصل ان كلا من صيغتى الماضي والمضارع جردت عن الدلالة على مدلولها من الزمان المخصوص فأشعر باستمراره في الازمنة لعدم ترجيح البعض على البعض فالمكونات من لدن إخراجها من العدم الى الوجود مسبحة في كل الأوقات لا يختص تسبيحها بوقت دون وقت بل هى مسبحة ابدا في الماضي وتكون مسبحة ابدا في المستقبل وفي الحديث (أفضل الكلام اربع سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر لا يضرك بأيهن بدأت) وسئل على رضى الله عنه عن سبحان فقال كلمة رضى الله لنفسه وسبح متعد بنفسه كما في قوله(9/344)
تعالى وتسبحوه واللام اما مزيدة للتأكيد كما في نصحت له وشكرت له في نصحته وشكرته او للتعليل والفعل منزل منزلة اللازم اى فعل التسبيح وأوقعه وأحدثه لاجل الله تعالى وخالصا لوجهه والمراد بما في السموات والأرض جميع المخلوقات من حى وجماد وجاء بما تغليبا للاكثر مع ان اكثر العلماء على ان ما يعم العقلاء وغيرهم والمراد بتسبيح الكل تسبيح عبادة ومقال كما قال بعض الكبار قد أخذ الله بأبصار الانس والجن عن ادراك حياة الجماد الا من شاء الله والأشياء كلها انما خلقت له سبحانه لتسبح بحمده واما انتفاعنا بها انما هو بحكم التبعية لا بالقصد الاول قال الحسن البصري رحمه الله لولا ما يخفى عليكم من تسبيح من معكم في البيوت ما تقاررتم ثم وقال بعضهم لا يصدر عن الحي الا حى ولو وجد من العالم موجود غير حى لكان غير مستند الى حقيقة الهية وذلك محال فالجماد ميت في نظر المحجوب حى في نفس الأمر لا ميت لان حقيقة الموت مفارقة حى مدبر لحى مدبر والمدبر والمدبر حى والمفارقة نسبة عدمية لا وجودية فان الشان انما هو عزل عن ولاية وانتقال من دار الى دار وليس من شرط الحي أن يحس لان الاحساس والحواس امر معقول زائد على كونه حيا وانما هما من شرط العلم وقد لا يحس وقد لا يحس وتأمل صاحب الآكلة إذا أكل ما يغيب به إحساسه كيف يقطع عضوه ولا يحس به مع انه حى ليس يميت وقال بعضهم كل شيء في العالم يسبح الله بحمده الذي اطلعه الله على انه حمد به نفسه ويختلف ذلك باختلافهم الا الإنسان خاصة فان بعضه يسبح بغير حمده ولا يقبل من الحق بعض ما اثنى به على نفسه فهو يؤمن ببعض وهو قوله ليس كمثله شيء ويكفر ببعض وهو تنزيه الله عما اضافه الى نفسه ووصف نفسه به من التشبيه بالمحدثات فقوله تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده اى بالثناء الذي اثنى به الحق على نفسه وأنزله على السنة رسله لا بما ولده العقل فان الله تعالى قال في حق من سبح الحق بعقله سبحان ربك العزة عما يصفون أعلا مالنا انه ورلء كل ثناء واهل الله تعالى لا بد لهم في سلوكهم من سماع تسبيح كل شيء بلسان طلق لالسان حال كما يعتقده بعضهم ثم ان الله تعالى من رحمته يأخذ أسماعهم بعد تحققهم ذلك ويبقى معهم العلم لانه لو أسمعهم ذلك على الدوام لطاشت عقولهم وفي الحديث (ان كل شيء من الجماد والحيوان يسمع عذاب القبر الا الثقلين) فثبت ان السموات والأرض بجميع اجزائهما وما فيهما من الملك والشمس والقمر والنجوم والانس والجن والحيوان والنبات والجماد لها حياة وفهم وادراك وتسبيح وحمد كما قال تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم واعلم ان الله تعالى هو المسبح اسم مفعول في مقام التفصيل والمسبح اسم فاعل في مقام الجمع فالتسبيح تنزيه الحق بحسب مقام الجمع والتفصيل من النقائص الامكانية ومن الكمالات الانسانية المختصة من حيث التقيد والتعين وَهُوَ الْعَزِيزُ بقدرته وسلطانه لا يمانعه ولا ينازعه
شيء الْحَكِيمُ بلطفه وتدبيره لا يفعل الا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة وفيه اشعار بعلية الحكم فان العزة وهى الغلبة على كل شيء تدل على كمال القدرة والحكمة تدل على كمال العلم والعقل يحكم بأن الموصوف بهما يكون منزها(9/345)
لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)
عن كل نقص كالعجز والجهل ونحوهما ولذا كان الامن كفرا لأن فيه نسبة العجز الى الله تعالى وكذا اليأس لان فيه نسبة البخل الى الله الجواد لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى التصرف الكلى ونفوذ الأمر فيهما وما فيهما من الموجودات من حيث الإيجاد والاعدام وسائر التصرفات مما نعلم وما لا نعلم يقول الفقير فان قلت كيف أضاف الملك الى ما هو متناه وكمال ملكه تعالى غير متناه قلت ان للسموات والأرض ظاهرا وهو ما كان حاضرا ومرئيا من عالم الملك وهو متناه لانه من قبيل الأجسام والصور وباطنا وهو ما كان غائبا غير محسوس من اسرارهما وحقائقهما وهو غير متناه لانه من عالم الملكوت والمعاني فاضافة الملك الى الله تعالى اضافة مطلقة يندرج تحتها الملك والملكوت وهما غير متناهيين في الحقيقة ألا ترى ان القرآن لا تنقضى عجائبه فهو بحر لا ساحل له من حيث أسراره ومن حيث ان المتكلم به هو الذي لا نهاية له وان كان اى القرآن متناهيا في الظاهر والحس فالمراد بالملك هو الملك الحقيقي لان ملك البشر مجاز كما سيتضح بيانا في هذه السورة يُحْيِي وَيُمِيتُ استئناف مبين لبعض احكام الملك اى يحيى الموتى والنطف والبيض ويميت الاحياء ومعنى الاحياء والاماتة جعل الشيء حيا وجعله ميتا وقد يستعاران للهداية والإضلال في نحو قوله او من كان ميتا فأحييناه وهو يحيى القلوب بتجلى اسم المحيي ويميت النفوس بتجلى اسم المميت او يحيى النفوس بموت القلوب ويميت القلوب بحياة النفوس على طريق المغالبة وقال ابن عطاء رحمه الله هو مالك الكل وله الملك اجمع يميت من يشاء بالاشتغال بالملك ويحيى من يشاء بالإقبال على الملك وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الأشياء التي من جملتها ما ذكر من الاحياء والاماتة على مقتضى الحكمة والارادة قَدِيرٌ تام القدرة فان الصيغة للمبالغة هُوَ الْأَوَّلُ السابق على سائر الموجودات بالذات والصفات لما انه مبدئها ومبدعها فالمراد بالسبق والاولية هو الذاتي لا الزمانى فان الزمان من جملة الحوادث ايضا وَالْآخِرُ الباقي بعد فنائها حقيقة او نظرا الى ذاتها مع قطع النظر عن مبقيها فان جميع الموجودات الممكنة إذا قطع النظر عن علتها فهى فانية
أول او أول بي ابتدا ... آخر او آخر بي انتها
بود ونبود اين چهـ بلندست و پست ... باشد واين نيز نباشد كه هست
وَالظَّاهِرُ وجود الكثرة دلائله الواضحة وَالْباطِنُ حقيقة فلا يحوم العقل حول ادراك كنهه وليس يعرف الله الا الله وتلك الباطنية سوآء في الدنيا والآخرة فاضمحل ما في الكشاف من ان فيه حجة على من جوز إدراكه في الآخرة بالحاسة وذلك فان كونه باطنا بكنه حقيقته لا ينافي كونه مرئيا في الآخرة من حيث صفاته وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ لا يعزب عن علمه شيء من الظاهر والخفي فان عليم صيغة مبالغة تدل على انه تعالى تام العلم بكل شيء جليه وخفيه وفي هذا المقام معان اخر هو الاول الذي تبتدأ منه الأسباب والآخر الذي تنتهى اليه المسببات اى إذا نظرت الى سلسلة الموجودات المتكونة بعضها من بعض وجدت الله مبدأ تلك السلسلة ومنتهاها تبتدئ منه سلسلة الأسباب وتنتهى(9/346)
اليه سلسلة المسببات ولذا قالوا لا تعتمد على الريح في استواء السفينة وسيرها وهذا شرك فى توحيد الافعال وجهل بحقائق الأمور ومن انكشف له امر العالم كما هو عليه علم أن الريح لا يتحرك بنفسه بل له محرك الى أن ينتهى الى المحرك الاول الذي لا محرك له ولا يتحرك هو في نفسه ايضا بل هو منزه عن ذلك وعما يضاهيه والظاهر اى الغالب على كل شيء والباطن اى العالم بباطن كل شيء على أن يكون الظاهر من ظهر عليه إذا علاه وغلب والباطن من بطنه إذا علم باطنه ولم يرتضه الزمخشري لفوات المطابقة بين الظاهر والباطن حينئذ (وروى) عن أبى هريرة رضى الله عنه قال دخلت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسألته خادما فقال لها عليه السلام ألا أدلك على ما هو خير لك من ذلك أن تقولى اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء منزل التوراة والإنجيل والفرقان فالق الحب والنوى أعوذ بك من شر كل ذى شر أنت آخذ بناصيته أنت الاول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنى الدين وأغنني من الفقر عنى بالظاهر الغالب والباطن العالم ببواطن الأشياء يعنى انه الغالب الذي يغلب كل شيء ولا يغلب عليه فيتصرف فى المكونات على سبيل الغلبة والاستيلاء إذ ليس فوقه أحد يمنعه والعالم ببواطن الأشياء فهو الملجأ والمنجى يلتجئ اليه كل ملتجئ لا ملجأ ولا منجى دونه اى غيره وقال الامام احتج كثير من العلماء في اثبات أن الا له واحد بقوله هو الاول قالوا الاول هو الفرد السابق ولهذا لو قال أحد أول مملوك اشتريته فهو حر ثم اشترى عبدين لم يعتقا لان شرط كونه اولا حصول الفردية وهنا لم تحصل فلو اشترى بعد ذلك عبدا واحدا لم يعتق لان شرط الاولية كونه سابقا وهاهنا لم يحصل فثبت ان الشرط في كونه اولا أن يكون فردا فكانت الآية دالة على أن صانع العالم واحد فرد وايضا هو الاول خارجا لانه موجد الكل والآخر ذهنا كما يدل عليه براهين اثبات الصانع او بحسب ترتيب سلوك العارفين فاذا نظرت الى ترتيب السلوك ولا حظت منازل السالكين السائرين اليه تعالى فهو آخر ما يرتقى اليه درجات العارفين وكل معرفعة تحصل قبل معرفته فهى مرقاة الى معرفته والمنزل الأقصى هو معرفة الله فهو آخر بالاضافة الى السلوك في درجات الارتقاء في باب المعارف وأول بالاضافة الى الوجود الخارجي فمنه المبتدأ اولا واليه المرجع آخرا وقال بعض الكمل هو الاول باعتبار بدء السير نزولا والآخر باعتبار ختم السير عروجا والظاهر بحسب النظر الى وجود الحق والباطن بحسب النظر الى وجود الخلق وهذا ما قالوا ان ظاهر الحق باطن الخلق وباطن الخلق ظاهر الحق لان الهوية برزخ بينهما لا يبغيان وبالنظر الى الحق هوية الهية وبالنظر الى الخلق هوية كونية وهذه مرتبة قاب قوسين وفوقها مرتبة او أدنى وتكلم يوما عند الشبلي رحمه الله في الصفات فقال اسكتوا فان ثمة متاهات لا يخرقها الأوهام ولا تحويها الافهام وكيف يمكن الكلام في صفات من تجتمع فيه الاضداد من قوله هو الاول والآخر والظاهر والباطن خاطبنا على قدر افهامنا وقال الراغب الاول هو الذي(9/347)
يترتب عليه غيره ويستعمل على أوجه
أولها المتقدم بالزمان كقولك عبد الملك اولا ثم منصور والثاني المتقدم بالرياسة في الشيء وكون غيره محتذيا به نحو الأمير اولا ثم الوزير والثالث المتقدم بالوضع والنسبة كقولك للخارج من العراق القادسية اولا ثم فيد وهى قرية في البادية على طريق الحاج وللخارج من مكة فيد اولا ثم القادسية والرابع المتقدم بالنظام الصناعى نحو أن يقال الأساس اولا ثم البناء وإذا قيل في صفة الله هو الاول فمعناه الذي لم يسبقه في الوجود شيء والى هذا يرجع قول من قال هو الذي لا يحتاج الى غيره ومن قال هو المستغنى بنفسه والظاهر والباطن في صفة الله لا يقال مزدوجين كالاول والآخر فالظاهر قيل اشارة الى معرفتنا البديهية فان الفطرة تقتضى في كل ما نظر اليه الإنسان انه تعالى موجود كما قال تعالى وهو الذي في السماء آله وفي الأرض آله ولذلك قال بعض الحكماء مثل طالب معرفته مثل من طوف الآفاق في طلب ما هو معه والباطن اشارة الى معرفته الحقيقية وهى التي أشار إليها أبو بكر الصديق رضى الله عنه بقوله يا من غاية معرفته القصور عن معرفته وقيل ظاهر بآياته باطن بذاته وقيل ظاهر بأنه محيط بالأشياء مدرك لها باطن في أن يحاط به كما قال لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وقد روى عن أمير المؤمنين ما دل على تفسير اللفظين حيث قال تجلى لعباده من غير أن رأوه وأراهم نفسه من غير أن تجلى لهم ومعرفة ذلك تحتاج الى فهم ثاقب وعقل واقد كما في المفردات وايضا هو الاول في عين آخريته والآخر في عين أوليته والظاهر في عين باطنيته والباطن في عين ظاهريته من حيثية واحدة وباعتبار واحد في آن واحد لاقتضاء ذاته المطلقة عن هذه الاعتبارات المختلفة والحيثيات المتنافرة المتباينة لاحاطته بالكل واستغنائه عن الكل قيل للعارف الرباني أبى سعيد الخراز قدس سره بم عرفت الله قال بجمعه بين الاضداد فتلا هو الاول والآخر والظاهر والباطن ولا يتصور الجمع بين الاضداد الا من حيثية واحدة واعتبار واحد في آن واحد وهو بكل شيء من الاولية والآخرية والظاهرية والباطنية عليم إذ علمه عين ذاته وذاته محيط بالأشياء كما قال والله بكل شيء محيط كما في التأويلات النجمية وقال الواسطي رحمه الله لم يدع للخلق نفسا بعد ما أخبر عن نفسه هو الاول والآخر والظاهر والباطن وقال ايضا من كان حظه من اسمه الاول كان شغله بما سبق ومن كان حظه من اسمه الآخر كان مربوطا بما يستقبل ومن كان حظه من اسمه الظاهر لا حظ عجائب قدرته ومن كان حظه من اسمه الباطن لاحظ ما جرى في السر من أنواره وقال ايضا حظوظ الأنبياء عليهم السلام مع تباينها من اربعة اسماء وقيام كل فريق منهم باسم منها فمن جمعها كلها فهو أوسطهم ومن فنى عنها بعد ملابستها فهو الكامل التام وهى قوله هو الاول إلخ وقال ايضا من ألبسه الاولية فالتجلى له في الآخرية محال لانه لا يتجلى الا لمن فقده او كان بعيدا عنه فقر به وقال الجنيد قدس سره نفى القدم عن كل أول بأوليته ونفى البقاء عن كل آخر بآخريته واضطر الخلق الى الإقرار بربوبيته بظاهريته وحجب الافهام عن ادراك كنهه وكيفيته بباطنيته وقال السدى هو الاول ببره إذ عرفك بتوحيده والآخر بجوده إذ عرفك التوبة عن ما جنيت والظاهر(9/348)
بتوفيقه إذ وفقك للسجود له والباطن بستره إذا عصيته يستر عليك وقال ابن عمر رضى الله عنه هو الاول بالخلق والآخر بالرزق والظاهر بالاحياء والباطن بالاماتة وايضا الاول بلا تأويل أحد والآخر بلا تأخير أحد والظاهر بلا اظهار أحد والباطن بلا ابطال أحد والاول القديم والآخر الرحيم والظاهر الحليم والباطن العليم والاول يكشف أحوال الدنيا حتى لا يرغبوا فيها والآخر يكشف أحوال العقبى حتى لا يشكوا فيها والظاهر على قلوب أوليائه حتى يعرفوه والباطن على قلوب أعدائه حتى ينكروه والاول بالازلية والآخر بالأبدية والظاهر بالأحدية والباطن بالصمدية والاول بالهيبة والآخر بالرحمة والظاهر بالحجة والباطن بالنعمة والاول بالعطاء والآخر بالجزاء والظاهر بالثناء والباطن بالوفاء والاول بالهداية والآخر بالكفاية
والظاهر بالولاية والباطن بالرعاية صاحب كشف الاسرار فرموده كه زبان رحمت از روى اشارت ميكويد اى فرزند آدم خلق در حق تو چهار گروه اند أول كروهى كه در أول حال ترا بكار آيند چون پدر ومادر دوم جمعى كه در آخر زندكانى دست كيرند چون أولاد وأحفاد سوم زمره كه آشكارا با تو باشند چون دوستان وياران چهارم فرفه كه پنهان با تو معاش كنند چون زنان وكنيزان رب العالمين ميفرمايد كه اعتماد برينها مكن وكار ساز خود ايشانرا مپندار كه أول منم كه ترا از عدم بوجود آوردم آخر منم كه بازگشت تو بمن خواهد بود ظاهر منم كه صورت تو بخوبتر وجهى بياراستم باطن منم كه اسرار وحقايق در سينه تو وديعت نهادم
أول وآخر تويى كيست حدوث وقدم ... ظاهر وباطن تويى چيست وجود وعدم
أول بي انتقال آخر بي ارتحال ... ظاهر بي چند و چون باطن بي كيف وكم
ويقال هو الاول خالق الأولين والآخر خالق الآخرين والظاهر خالق الآدميين وهم ظاهرون والباطن خالق الجن والشياطين وهم لا يظهرون وقال الترمذي هو الاول بالتأليف والآخر بالتكليف والظاهر بالتصريف والباطن بالتعريف والاول بالانعام والآخر بالإتمام والظاهر بالإكرام والباطن بالإلهام وقال بعض المحققين من أهل الأصول هذا مبالغة في نفى التشبيه لان كل من كان اولا لا يكون آخرا وكل من كان طاهرا لا يكون باطنا فأخبر انه الاول الآخر الظاهر الباطن ليعلم انه لا يشبه شيا من المخلوقات والمصنوعات وقال بعض المكاشفين هو الاول إذ كان هو ولم تكن صور العالم كما قال عليه السلام كان الله ولا شيء معه فهو متقدم عليها وهذا التقدم هو المراد بالاولية وهو الآخر إذ كان عين صور العالم عند ظهورها ولها التأخر فهو باعتبار ظهوره بها له الآخرية فالآخر عين الظاهر والباطن عين الاول هذا باعتبار التنزل من الحق الى الخلق واما باعتبار الترقي من الخلق الى الحق فالآخر عين الباطن والظاهر عين الاول وقال الامام الغزالي رحمه الله لا تعجبن من هذا في صفات الله فان المعنى الذي به الإنسان انسان ظاهر باطن فانه ظاهر ان استدل عليه بأفعاله المرئية المحكمة باطن ان طلب من ادراك الحس فان الحس انما يتعلق بظاهر بشريته وليس الإنسان إنسانا ببشريته المرئية منه بل لو تبدلت تلك البشرية بل سائر اجزائه فهو هو والاجزاء متبدله ولعل(9/349)
اجزاء كل انسان بعد كبره غير الاجزاء التي كانت فيه عند صغره فانها تحللت بطول الزمان وتبدلت بامثالها بطريق الاغتذاء وهويته لم تتبدل فتلك الهوية باطنة عن الحواس ظاهرة للعقل بطريق الاستدلال عليها بآثارها وافعالها وقال الزروقى الاول الآخر هو الذي لا مفتتح لوجوده لا مختتم له بثبوت قدمه واستحالة عدمه وكل شيء منه بدأ واليه يعود وانما عطف بالواو لتباعد ما بين موقعى معناهما ومن عرف انه الاول غاب عن كل شيء به ومن عرف انه الآخر رجع بكل شيء اليه وخاصية الاول جمع الشمل فاذا واظب عليه المسافر في كل يوم جمعة انجمع شمله وخاصية الآخر صفاء الباطن عما سواه تعالى فاذا واظب عليه انسان في كل يوم مائة مرة خرج من قلبه سوى الحق والظاهر الباطن هو الواضح الربوبية بالدلائل المحتجب عن الكيفية والأوهام فهو الظاهر من جهة التعريف الباطن من جهة التكييف ومجراهما في العطف مجرى الاسمين السابقين ومن عرف انه الظاهر لم يستدل بشيء عليه ورجع بكل شيء اليه ومن عرف انه الباطن استدل بكل شيء عليه ورجع به اليه وخاصية الظاهر اظهار نور الولاية على قلب قارئه إذا قرأه عند الاشراق وخاصية الباطن وجود النفس لمن قرأه في اليوم ثلاث مرات في كل ساعة زمانية ومن قال بعد صلاة ركعتين خمسا وأربعين مرة هو الاول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم حصل له ما طلبه أيا كان وقال بعض الكبار حقيقة الاول هو الذي افتتح وجوده عن عدم وهذا منتف في حق الحق بلا شك فهو الاول لا بأولية تحكم عليه ولاجل ذلك سمى نفسه الآخر ولو كانت أوليته مثل اولية الموجودات لم يصح أن يكون آخرا إذ الآخر عبارة عن انتهاء الموجودات المقيدة فهو الآخر لا بآخرية تحكم عليه إذ آخريته عبارة عن فناء الموجودات كلها ذاتا وصفة وفعلا في ذاته وصفاته وأفعاله تعالى بظهور القيامة واما غير الحق فله اولية تحكم عليه مثل قوله عليه السلام أول ما خلق الله العقل اى أول ما افتتح به من العدم الى الوجود العقل الذي هو نور محمد صلّى الله عليه وسلّم وله آخرية تحكم عليه مثل قوله عليه السلام نحن الآخرون الأولون وفي رواية السابقون يعنى الآخرون في الظهور من حيث النشاة العنصرية الجسمانية الأولون في العلم الإلهي من حيث الظهور في النشأة الروحانية ومن صلّى في أول الوقت من حيث اولية الحق المنزهة عن أن يتقدمها اولية لشيء فهو المصلى الصلاة لأول وقتها فتنسحب عبادة هذا المصلى من هناك الى وقت وجود هذا المصلى فمن بادر لأول هذا الوقت فقد حاز الخير بكلتي يديه وهو مشهد نفيس أشاروا فيه بتلك الاولية الى معنى اصطلحوا
عليه لا الى ما يتبادر لذهن غيرهم كما في كتاب الجواهر للشعرانى رحمه الله يقول الفقير عمل الشافعي رحمه الله بقوله عليه السلام أول الوقت رضوان الله فصلى الفجر في أول وقته وعمل ابو حنيفة رضى الله عنه بقوله تعالى ومن الليل فسبحه وادبار النجوم وفي الاولية الآخرية وبالعكس ولكل وجهة بحسب الفناء والبقاء وقد أشير الى في بعض الاسحار أن الكعبة وضعت عند الفجرة اى عند انفجار الصبح الصادق على ما بينت وجهه في كتاب الواردات الحقية نسأل الله النور(9/350)
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بقدرته الكاملة وحكمته البالغة فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ من ايام الآخرة او من ايام الدنيا قال ابن عطية هو الأصوب أولها الأحد وآخرها الجمعة تا ملائكه مشاهده كنند حدوث انها را چيزى پس از چيزى وسنت تدريج وتأنى در هر كار حاصل آيد وكذا وقع الاختلاف في الأربعين التي خمر الله فيها طينة آدم هل هى بأيام الدنيا او بأيام الآخرة وفيه اشارة الى مراتب الصفات الست وهى الحياة والعلم والقدرة والارادة والسمع والبصر اى هو الذي تجلى للاشياء كلها بذاته الموصوفة بالصفات الست إذ تجلى الوجود لا يكون الا مع لوازمه ولواحقه كما قال تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده والتسبيح يستلزم الحياة وما يترتب عليها من العلم بالتسبيح وبالمسبح ومن القدرة على التسبيح والارادة بتخصيص المسبح ومن السمع إذ كل مسبح لا بد له من استماع تسبيحه ومن البصر إذ لا بد لكل مسبح أن يشاهد المسبح في بعض مراتب الشهود كما في التأويلات النجمية ثُمَّ اسْتَوى اى استولى عَلَى الْعَرْشِ المحيط بجميع الأجسام برحمانيته لان استوى متى عدى بعلى اقتضى معنى الاستيلاء وإذا عدى بالى اقتضى معنى الانتهاء اليه اما بالذات او بالتدبير قال بعض الكبار هو محمول على التمثيل وقد سبق بيانه مرارا (قال الكاشفى) پس قصد كرد بتدبير عرش وإجراء امور متعلقه بد وبر وفق أرادت وفي التأويلات النجمية يعنى استتم وتمكن تجليه على عرش استعدادات المظاهر السماوية الروحانية والمظاهر الارضية الجسمانية ما تجلى لعرش استعداد شيء إلا بحسب قابليته وقبوله لا زائد ولا ناقص (كما قال العارف)
يكى مومى ازين كم نبايد همى ... وكر بيش باشد نشايد همى
يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ كالكنوز والدفائن والموتى والبذور وكالغيث ينفد في موضع وينبع في الآخر ولو لوج الدخول في مضيق وفي المناسبات الدخول في الساتر لجملة الداخل وَما يَخْرُجُ مِنْها كالجواهر من الذهب والفضة والنحاس وغيرها والزروع والحيوانات والماء وكالكنوز والموتى يوم القيامة وفي التأويلات النجمية يعنى يعلم بعلمه المحيط ما يدخل في ارض البشرية من بذور النباتات النفسائية مثل مخالفات الشرع وموافقات الطبع وزروع الأحوال القلبية من مخالفات الطبع وموافقات الشرع والواردات القلبية والإلهامات الغيبية وزروع الأذواق والوجدانيات من التجليات الرحمانية التنزلات الربانية لترتب الأعمال على النيات كما قال عليه السلام انما الأعمال بالنيات وقال ايضا لكل امرئ ما نوى إذ النية بمرتبة البذر والعمل بمرتبة الزرع والقلب والنفس والروح بمنزلة الأرض المستعدة لكل نوع من البذر وقال بعضهم يعلم ما يلج في ارض قلب المؤمن من الإخلاص والتوحيد وفي ارض قلب الكافر من الشك والشرك وما يخرج منها بحسب حالهما وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ كالكتب والملائكة والاقضية والصواعق والأمطار والثلوج وَما يَعْرُجُ فِيها كالملائكة الذين يكتبون الأعمال والدعوات والأعمال والأرواح السعيدة والابخرة والادخنة وقال بعضهم وما ينزل من السماء على قلوب أوليائه من الألطاف والكشوف وفنون الأحوال العزيزة وما يعرج من أنفاس(9/351)
لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6) آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)
الأولياء المشتاقين إذا تصاعدت حسراتهم وعلت زفراتهم وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ فى الأرض وهو تمثيل لاحاطة علمه تعالى بهم وتصوير لعدم خروجهم عنه أينما داروا وفي الحديث أفضل ايمان المرء أن يعلم ان الله معه حيث كان
يار با تست هر كجا هستى ... جاى ديكر چهـ خواهى اى او باش
با تو در زيرك كليم چواوست ... پس برو اى حريف خود را باش
قال موسى عليه السلام اين أجدك يا رب قال يا موسى إذا قصدت الى فقد وصلت الى في التأويلات النجمية وهو معكم لا بالمعية المفهومة للعوام والخواص ايضا
اين معيت مى نكنجد در بيان ... نى زمان دارد خبر زونى مكان
بل بالمعية المذوقة بالذوق الكشفى الشهودى اى انا معكم بحسب مراتب شهوداتكم ان كنتم فى مشهد الفعلى فانا معكم بالتجلى الذاتي ما أتقدم ولا أتأخر عنكم وقال بعض الكبار تلك المعية ليست هى مثل ما يتصور بالعقل حسا او ذهنا او خيالا او وهما تعالى شأنه عن ذلك علوا كبيرا وانما هى معية تفرد الحق سبحانه بعينها وتحققها وعلمها لا يعلم سرها الا الله ومن اطلعه عليه من الكمل ويحرم كشفها ترحما على العقول القاصرة عن درك الاسرار الخفية كما قال ابن عباس رضى الله عنهما أبهموا ما أبهم الله وبينوا ما بين الله يعنى إذا اقتضى المقام الإبهام كما إذا طلب بيان المبهم على ما هو عليه في نفسه وعقل الطالب قاصر عن دركه فلا جرم انه حرام لما فيه من هلاكه واما إذا طلب بيان المبهم لا على ما هو عليه في نفسه بل على وجه يدركه عقله يضرب تأويل يستحسنه الشرع ففيه رخصة شرعية اعتبرها المتأخرون دفعا لانقلاب قلب الطالب وترسيخا على عقيدته حتى تندفع عن صدره الوساوس والهواجس والمراد على هذا إما معية حفظه أو معية امره او غير ذلك مما لا اضطراب فيه لا شرعا ولا عقلا ولا خارجا والأين المذكور في الآية متناول لجميع الأينات الازلية والابدية من المعنوية والروحانية والمثالية والحسية والدنيوية والبرزخية والنشرية والحشرية والنيرانية والجنانية والغيبية والشادية مطلقا كلية كانت او جزئية وهذه الاينية كالمعية من المبهمات والمتشابهات وما يعلم تأويلها الا الله وما يتذكر سرها إلا أولوا الألباب قال بعضهم في هذه الآية بشارة للعاشقين حيث هو معهم أينما كانوا وتوفيق للمتوكلين وسكينة للعارفين وبهجة للمحبين ويقين للمراقبين ورعاية للمقبلين واشارة الى سر الوحدة للموحدين قال الحسين رحمه الله ما قارب الحق الأكوان ولا فارقها كيف يفارقها وهو موجدها وحافظها وكيف يقارب القدم الحدوث به قوام الكل وهو بائن عن الكل انتهى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فيجازيكم عليه ثوابا وعقابا وهو عبارة عن عن احاطته بأعمالهم فتأخيره عن الخلق لما ان المراد ما يدور عليه الجزاء من العلم التابع للمعلوم لا لما قيل من أن الخلق دليل على العلم فبالخلق يستدل على العلم والدليل يتقدم على المدلول وفي الآية إيقاظ للغافلين وتنشيط للمتيقظين ودلالة لهم على الخشية والحياء من رب العالمين واشارة لهم الى ان أعمالهم محفوظة وانهم مجزيون بها ان خيرا فخيروان شرا فشر قال بعض الكبار والله بما تعملون بصير لانه العامل بكم وفيكم ولا بد لكل عامل أن يبصر عمله وما يتعلق به لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ(9/352)
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6) آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)
تكرير للتأكيد وتمهيد لقوله تعالى وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ على البناء للمفعول من رجع رجعا اى رد ردا وقرئ على البناء للفاعل من رجع رجوعا والمعنى اليه تعالى وحده لا الى غيره استقلالا واشتراكا ترد جميع الأمور فاستعدوا للقائه باختيار أرشد الأمور وأحسنها عند الله پس تكرير كلام جهت آنست كه أول تعلق بإبداء دارد وثانى بإعادة ولذا قرن بالأول يحيى ويميت وبالثاني ما يكون في الآخرة من رد الخلق اليه وجزائه إياهم بالثواب والعقاب وفيه اشارة الى انه له ملك علوم السموات الروحانية وهى العلوم الكشفية اللدنية الموهوبة بالاسم الوهاب من غير تحصيلى الأسباب لعباده المخلصين بإفاضته عليهم وله ايضا ملك العلوم الرسمية الكسبية الارضية بالسعي والاجتهاد للعلماء بافاضة توفيق الكسب والاجتهاد فامور العلوم الكشفية والكسبية ترجع الى عناية الله الازلية والابدية يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ الإيلاج الإدخال يعنى أز زمان شب در روز افزايد حتى يصير النهار أطول ما يكون خمس عشرة ساعة والليل اقصر ما يكون تسع ساعات وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ يعنى از زمان روز بشب زياده كند باختلاف الفصول وبحسب مطالع الشمس ومغاربها حتى يصير الليل أطول ما يكون خمس عشرة ساعة والنهار اقصر ما يكون تسع ساعات والليل والنهار ابدا اربع وعشرون ساعة قال في فتح الرحمن فيه تنبيه على العبرة فيما يجاذبه الليل والنهار من الطول والقصر وذلك متشعب مختلف حسب اختلاف الأقطار والأزمان الاربعة وذلك بحر من بخار الكفرة لمن تأمله وَهُوَ عَلِيمٌ اى مبالغ في العلم بِذاتِ الصُّدُورِ اى بمكنوناتها اللازمة لها من الاسرار والمعتقدات وذلك اغمض ما يكون وهو بيان لاحاطة علمه تعالى بما يضمرونه في نياتهم بعد بيان احاطته بأعمالهم التي يظهرونها وفي الآية اشارة الى انه يستهلك ظلمة ليل البشرية والطبيعة في نور نهار الروح بطريق تغليب نور نهار الروح وهو تعالى عالم بكل ما يصدر من أصحاب ليل النفوس من السيئات ومن ارباب نهار الأرواح من الحسنات لا يفوته منهما شيء قال ابن عباس رضى الله عنهما اسم الله الأعظم في أول سورة الحديد في ست آيات من أولها فاذا علقت على المقاتل في الصف لم ينفذ اليه حديد كما في فتح الرحمن آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ روى ان الآية نزلت فى غزوة ذى العشيرة وهى غزوة تبوك وفي عين المعاني يحتمل الزكاة والنفقة في سبيل الله والمعنى جعلكم الله خلفاء في التصرف فيه من غير أن تملكوه حقيقة عبر عما بأيديهم من الأموال والأرزاق بذلك تحقيقا للحق وترغيبا لهم في الانفاق فان من علم انها لله وانه بمنزلة الوكيل والنائب بحيث يصرفها الى ما عينه الله من المصارف هان عليه الانفاق او جعلكم خلفاء من قبلكم فيما كان بايديهم بتوريثه إياكم فاعتبروا بحالهم حيث انتقل منهم إليكم وسينتقل منكم الى من بعدكم فلا تبخلوا به قال الشاعر
ويكفيك قول الناس فيما ملكته ... لقد كان هذا مرة لفلان
فلا بد من انفاق الأموال التي هى للغير وستعود الى الغير فكما ان الانفاق من مال الغير يهون على النفس إذا اذن فيه صاحبه فكذا من المال الذي على شرف الزوال(9/353)
وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8)
مكن تكيه بر ملك و چاه وحشم ... كه پيش از تو بودست وبعد از تو هم
خور و پوش وبخشاى وراحت رسان ... نكه مى چهـ دارى ز بهر كسان
بخيل توانكر بدينار وسيم ... طلسم است بالاى كنجى مقيم
از ان سالها مى بماند زرش ... كه لرزد طلسم چنين بر سرش
بسنك أجل ناكها بشكنند ... بآسودگى كنج قسمت كنند
فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا حسبما أمروا به (وقال الكاشفى) ونفقه كردند مال خود را بزكاة وجهاد وسائر خيرات لَهُمْ بسبب ذلك أَجْرٌ كَبِيرٌ مزدى بزرك وثوابى عظيم كه جنت ونعيم است قال في فتح الرحمن الاشارة فيه الى عثمان رضى الله عنه وحكمها باق يندب الى هذه الافعال بقية الدهر وفي التأويلات النجمية يخاطب كل واحد من المشايخ والعلماء ويأمرهم بالايمان بالله وبرسوله ايمانا كليا جامعا شرائط الايمان الحقيقي الشهودى العيانى ويوصيهم بإفاضة علوم الوهب على مستحقيها وتعليم علوم الدراسة لمستعديها إذ العلماء في العلوم الكسبية والمشايخ فى المعرفة والحكمة الوهبيه خلفاء فيهما فعليهم أن ينفقوا على الطالبين المستحقين الذين ينفق الله ورسوله عليهم كما قال عليه السلام حكاية عن الله تعالى أنفق أنفق عليك وقال عليه السلام لا توك فيوكى عليك وفي الحديث (من كتم علما يعلمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار) ويشمل هذا الوعيد حبس الكتب عمن يطلبها للانتفاع بها لا سيما مع عدم التعدد لنسخها الذي هو أعظم اسباب المنع وكون المالك لا يهدى لراجيه منها والابتلاء بهذا كثير كما في المقاصد الحسنة للامام السخاوي رحمه الله فالذين آمنوا من روح القلب والايمان الشهودى وأنفقوا من تلك العلوم الوهبية والكسبية على النفس وصفاتها بالإرشاد الى موافقات الشرع ومخالفات الطبع وفي التسليك في طريق السير والسلوك بالاتصاف بصفات الروحانية والانسلاخ عن صفات البشرية النفسانية لهم اجر كبير كما قال تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ لا تؤمنون حال من الضمير فى لكم لما فيه من معنى الفعل اى اى شيء ثبت لكم وحصل حال كونكم غير مؤمنين وحقيقته ما سبب عدم ايمانكم بالله على توجيه الإنكار والنفي الى السبب فقط مع تحقق المسبب وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ حال من ضمير لا تؤمنون مفيدة لتوبيخهم على الكفر مع تحقق ما يوجب عدمه بعد توبيخهم عليه مع عدم ما يوجبه اى واى عذر فى ترك الايمان والرسول يدعوكم اليه وينبهكم عليه بالحجج والآيات فان الدعوة المجردة لا تفيد فلو لم يجب الداعي دعوة مجردة وترك ما دعاه اليه لم يستحق الملامة والتوبيخ فلام لتؤمنوا بمعنى الى ولا يبعد حملها على التعليلية اى يدعوكم الى الايمان لاجل أن تؤمنوا وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ حال من مفعول يدعوكم والميثاق عقد يؤكد بيمين وعهد والموثق الاسم منه اى وقد أخذ الله ميثاقكم بالايمان من قبل دعوة الرسول إياكم اليه وذلك بنصب الأدلة والتمكين من النظر وجمله بعض العلماء على المأخوذ يوم الذر اى حين أخرجهم من صلب آدم في صورة الذر وهى النمل الصغير إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ لموجب ما فان هذا موجب لا موجب وراءه وفي عين المعاني اى ان كنتم مصدقين بالميثاق وفي فتح الرحمن اى ان دمتم(9/354)
هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)
على ما بدأتم به هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ بواسطة جبرائيل عليه السلام (على عبده) المطلق محمد عليه السلام آياتٍ بَيِّناتٍ واضحات من الأمر والنهى والحلال والحرام لِيُخْرِجَكُمْ الله يا قوم محمد أو العبد بسبب تلك الآيات مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ من ظلمات الكفر والشرك والشك والجهل والمخالفة والحجاب الى نور الايمان والتوحيد واليقين والعلم والموافقة والتجلي وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ حيث يهديكم الى سعادة الدارين بإرسال الرسول وتنزيل الآيات بعد نصب الحجج العقلية (وقال الكاشفى) مهربانست كه قرآن ميفرستد بخشاينده است كه رسول را بدعوت ميفرمايد وقال بعضهم لرؤف بافاضة نور الوحى رحيم بازالة ظلمة النفس البشرية وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اى واى شيء لكم من أن تنفقوا فيما هو قربة الى الله ما هو له في الحقيقة وانما أنتم خلفاؤه في صرفه الى ما عينه من المصارف فقوله في سبيل الله مستعار لما يكون قربة اليه وقال بعضهم معناه لاجل الله وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ حال من فاعل لا تنفقوا او مفعوله المحذوف اى ومالكم في ترك إنفاقها في سبيل الله والحال انه لا يبقى لكم منها شيء بل تبقى كلها لله بعد فناء الخلق وإذا كان كذلك فانفاقها بحيث تستخلف عوضا يبقى وهو الثواب كان اولى من الإمساك لانها إذا تخرج من أيديكم مجانا بلا عوض وفائدة قال الراغب وصف الله نفسه بانه الوارث من حيث ان الأشياء كلها صائرة اليه وقال ابو الليث انما ذكر لفظ الميراث لان العرب تعرف ان ما ترك الإنسان يكون ميراثا فخاطبهم بما يعرفون فيما بينهم قال بعض الكبار اولا ان القلوب مجبولة على حب المال ما فرضت الزكاة ومن هنا قال بعضهم ان العارف لا زكاة عليه والحق ان عليه الزكاة كما ان عليه الصلاة والطهارة من الجنابة ونحوهما لانه يعلم ان نفسه مجموع العالم ففيها من يحب المال فيوفيه حقه من ذلك الوجه بإخراجها فهو زاهد من وجه وراغب من وجه آخر وقد اخرج رسول الله عليه السلام صدقة ماله فالكامل من جمع بين الوجهين إذ الوجوب حقيقة في المال لا على المكلف لانه انما كلف بإخراج الزكاة من المال لكون المال لا يخرج بنفسه فللعارفين المحبة في جميع العالم كله وان تفاضلت وجوهها فيحبون جميع ما في العالم بحب الله تعالى في إيجاد ذلك لا من جهة عين ذلك الموجود فلا بد للعارف أن يكون فيه جزء يطلب مناسبة العالم ولولا ذلك الجزء ما كانت محبة ولا محبوب ولا تصور وجودها وفي كلام عيسى عليه السلام قلب كل انسان حيث ماله فاجعلوا أموالكم فى السماء تكن قلوبكم في السماء فحث أصحابه على الصدقة لما علم ان الصدقة تقع بيد الرحمن وهو يقولء أمنتم من في السماء فانظر ما أعجب كلام النبوة وما أدقه وأحلاء وكذلك لما علم السامري ان حب المال ملصق بالقلوب صاغ لهم العجل من حليهم بمرأى منهم لعلمه ان قلوبهم تابعة لاموالهم ولذلك لما سارعوا الى عبادة العجل دعاهم إليها فعلم ان العارف من حيث سره الرباني مستخلف فيما بيده من المال كالوصى على مال المحجور عليه يخرج عنه الزكاة وليس له فيه شيء ولكن لما كان المؤمن لحجابه يخرجها بحكم الملك فرضت عليه الزكاة لبنال بركات ثواب من رزئ في محبوبه والعارف لا يخرج شيأ بحكم الملك والمحبة كالمؤمن(9/355)
انما يخرج امتثالا للامر ولا تؤثر محبت فلمال في محبته الله تعالى لانه ما أحب المال الا بتحبيب الله ومن هنا قال سليمان عليه السلام هب لى ملكا لا ينبغى لاحد من بعدي انك أنت الوهاب فما طلب الا من نسبة فاقة فقير الى عنى ثم اعلم ان المال انما سمى مالا لميل النفوس اليه فان الله تعالى قد أشهد النفوس ما في المال من قضاء الحاجات المجبول عليها الإنسان إذ هو فقير بالذات ولذلك مال الى المال بالطبع الذي لا ينفك عنه ولو كان الزهد في المال حقيقة لم يكن مالا ولكان الزهد في الآخرة أتم مقاما من الزهد في الدنيا وليس الأمر كذلك فان الله تعالى قد وعد بتضعيف الجزاء الحسنة بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف فلو كان القليل منه حجابا لكان الكثير منه أعظم حجابا فالدنيا للعارف صفة سليمانية كمالية وما أليق قوله انك أنت الوهاب أتراه عليه السلام سأل ما
يحجبه عن الله تعالى او سأل ما يبعده من الله تعالى كلا ثم انظر الى تتميم النعمة عليه بدار التكليف بقوله تعالى له هذا عطاؤنا فامنن او أمسك بغير حساب فرفع عنه الحرج في التصرف بالاسم المانع والمعطى واختصه بجنة معجلة في الدنيا وما حجبة ذلك المال عن ربه فانظر الى درجة العارف كيف جمع بين الجنتين وتحقق بالحقيقتين وأخرج زكاة المال الذي بيده عملا بقوله تعالى وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فجعله مالكا للانفاق من حقيقة الهية فيه في مال هو ملك الحقيقة أخرى فيه هو وليها من حيث الحقيقة الالهية لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ يا معشر المؤمنين (روى) ان جماعة من الصحابة رضى الله عنهم أنفقوا نفقات كثيرة حتى قال ناس مؤلاء أعظم اجرا من كل من أنفق قديما فنزلت الآية مبينة ان النفقة قبل فتح مكة أعظم أجرا مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ اى فتح مكة الذي أزال الهجرة وقال عليه السلام فيه لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وهذا قول الجمهور وقال الشعبي هو صلح الحديبية فانه فتح كما سبق في سورة الفتح وَقاتَلَ العدو تحت لواء رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم والاستواء يقتضى شيئين فقسيم من أنفق محذوف لوضوحه ودلالة ما بعده عليه اى لا يستوى في الفضل من أنفق من قبل الفتح وقاتل ومن أنفق من بعده وقاتل والظاهر أن من أنفق فاعل لا يستوى وقيل من مبتدأ ولا يستوى خبره ومنكم حال من ضمير لا يستوى لا من ضمير أنفق لضعف تقديم ما في الصلة على الموصول او الصفة على الموصوف ولضعف تقديم الخبر على منكم لان حقه أن يقع بعده ثم في أنفق اشارة الى انفاق المال وما يقدر عليه من القوى وفي قاتل اشارة الى انفاق النفس فان الجهاد سعى فى بذل الوجود ليحصل بالفناء كمال الشهود ولذا قال تعالى ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء عند ربهم يرزقون فهذه الحياة حياة أخروية باقية عندية فكيف تساويها الحياة الدنيوية الفانية الخلقية مع ان رزق الحياة الفانية ينفد وما عند الله باق ولذا قال أكلها دائم وظلها اى راحتها فالانسان العاقل بترك الراحة الدنيوية اليسيرة لله تعالى يصل الى الراحة الكثيرة الأخروية فشأنه يقتضى الجهاد والقتال أُولئِكَ المنفقون المقاتلون فبل انفتح وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أَعْظَمُ دَرَجَةً وأرفع منزلة عند الله وبعظم الدرجة يكون عظم صاحبها فالدرجة بمعنى المرتبة والطبقة وجمعها درجات وإذا كانت بمعنى المرقاة فجمعها(9/356)
درج مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا لانهم انما فعلوا من الانفاق والقتال قبل عزة الإسلام وقوة أهله عند كمال الحاجة الى النصرة بالنفس والمال وهؤلاء فعلوا ما فعلوا بعد ظهور الدين ودخول الناس فيه أفواجا وفلة الحاجة الى الانفاق والقتال وقد صرح عليه السلام ايضا بفضل الأولين بقوله لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحد هم ولا نصيفه قال فى القاموس المد بالضم مكيال وهو رطلان او رطل وثلث او ملئ كفى الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومديده بهما وبه سمى مدا وقد جربت ذلك فوجدته صحيحا والنصيف والنصف واحد وهو أحد شقى الشيء وللضمير في نصيفه راجع الى أحدهم لا الى المد والمعنى ان أحدكم أيها الصحابة الحاضرون لا يدرك بانفاق مثل جبل أحد ذهبا من الفضيلة ما أدرك أحدهم بانفاق مد من الطعام او نصيف له وفيه اشارة الى ان صحبة السابقين الأولين كاملة بالنسبة الى صحبة اللاحقين الآخرين لسبقهم وتقدمهم وفي الحديث سيأتى قوم بعدكم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم قالوا يا رسول الله نحن أفضل أم هم قال لو أن أحدهم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك فضل أحدكم ولا نصفه فرقت هذه الآية بينكم وبين الناس لا يستوى منكم الآية ذكره ابو الليث في تفسيره وفيه اشارة الى ان الصحابة متفاوتون في الدرجة بالنسبة الى التقدم والتأخر وإحراز الفضائل فكذا الصحابة ومن بعدهم فالصحابة مطلقا أفضل ممن جاء بعدهم مطلقا فانهم السابقون من كل وجه وَكُلًّا اى كل واحد من الفريقين وهو مفعول أول لقوله وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى اى المثوبة الحسنى وهى الجنة لا الأولين فقط ولكن الدرجات متفاوتة وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ بظواهره وبواطنه فيجازيكم بحسبه
قال في المناسبات لما كان زكاء الأعمال انما هو بالنيات وكان التفضيل مناط العلم قال مرغبا في حسن النيات مرهبا من التقصير فيها والله بما تعملون اى تجددون عمله على ممر الأوقات خبير اى عالم بباطنه وظاهره علما لا مزيد عليه بوجه فهو يجعل جزاء الأعمال على قدر النيات التي هى أرواح صورها
عبادت بإخلاص نيت نكوست ... وكر نه چهـ آيد زبى مغز پوست
وقال الكلبي نزلت هذه الآية في أبى بكر الصديق رضى الله عنه وفيها دلالة ظاهرة وحجة باهرة على تفضيل أبى بكر وتقديمه فانه أول من أسلم وذلك فيما روى ان أبا امامة قال لعمر بن عبينة باى شيء تدعى انك ربع الإسلام قال انى كنت أرى الناس على الضلالة ولا ارى للاوثان شيأ ثم سمعت عن رجل يخبر عن أخبار مكة فركبت راحلتى حتى قدمت عليه فقلت من أنت قال انا نبى قلت وما نبى قال رسول الله قلت بأى شيء أرسلك قال أوحد الله لا أشرك به شيأ واكسر الأوثان واصل الأرحام قلت من معك على هذا قال حر وعبد وإذا معه ابو بكر وبلال فاسلمت عند ذلك فرأيتنى ربع الإسلام يعنى پس دانستم خود را ربع اسلام وانه اى أبا بكر أول من اظهر الإسلام على ما روى عن عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه قال كان أول من اظهر الإسلام رسول الله عليه السلام وابو بكر وعمار وامه سمية وصهيب وبلال والمقداد وانه أول من قاتل على الإسلام وخاصم الكفار حتى ضرب(9/357)
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)
ضربا اشرف به على الهلاك على ما قاله ابن مسعود رضى الله عنه أول من اظهر الإسلام بسيفه النبي عليه السلام وأبو بكر رضى الله عنه وانه أول من أنفق على رسول الله وفي سبيل الله قال ابن عمر رضى الله عنهما كنت عند النبي عليه السلام وعنده أبو بكر وعليه عباءة فدكية قد خللها في صدره بخلال يعنى بروى كليمى بود كه استوار كرده ويرا در سينه خود بخلال قال في القاموس خل الكساء شده بخلال وذو الخلال ابو بكر الصديق رضى الله عنه لانه تصدق بجميع ماله وخل كساءه بخلال انتهى فنزل عليه جبريل عليه السلام فقال مالى أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره بخلال فقال أنفق ماله على قبل الفتح قال فان الله تعالى يقول اقرأ عليه السلام وقل له أراض أنت عنى في فقرك هذا أم ساخط فقال أبو بكرء أسخط على ربى انى عن ربى راض انى عن ربى راض ولهذا قدمه الصحابة رضى الله عنهم على أنفسهم وأقروا له بالتقدم والسبق وذلك فيما روى عبد الله بن سلمة عن على رضى الله عنه قال سبق رسول الله عليه السلام وثنى ابو بكر وثلث عمر يعنى سابقست رسول الله ودر پى وى ابو بكر است وسوم عمر است فلا أوتي برجل فضلنى على أبى بكر وعمر إلا جلدته جلد المفترى واطرح شهادته يعنى طرح شهادت وى كنم ودر صفت وى كفته اند
صاحب قدم مقام تجريد ... سر دفتر جمله اهل توحيد
در جمع مقربان سابق ... حقا كه چواو نبود صادق
وفي الآية اشارة الى أن من تقدمت مجاهدته على مشاهدته وهو المريد المراد والسالك المجذوب والمحب المحبوب أعلى وأجل وأسبق درجة ومرتبة من درجات المشاهدة ومراتبها ممن تقدمت مشاهدته على مجاهدته وحين يقعد ارباب المشاهدة في مقعد صدق عند مليك مقتدر لمشاهدة وجهه ورؤية جماله في جنة وصاله يفوقه ويسبقه ويتقدمه وهو المراد المريد والمجذوب السالك والمحبوب المحب فان المجاهدة قدمت على المشاهدة في قوله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا فيصير سلوك الاول واقعا على وفق العادة الإلهية والسنة الربانية وسلوك الثاني على خارقها والمعتبر في الترتيب الإلهي تقدما وتأخرا باعتبار الأكمل انما هو وفق العادة والسنة الالهية وهما وان كانا متحدين باعتبار اصل حسن المشاهدة لكنهما متفاوتان باعتبار قدرها ودرجتها فانهم الصافون وما منا الا له مقام معلوم كذا في كتاب اللائحات البرقيات لحضرة شيخى وسندى روح الله روحه مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً من مبتدأ خبره ذا والذي صفة ذا او بدله والاقراض حقيقة إعطاء العين على وجه يطلب بدله وقرضا حسنا مفعول مطلق له بمعنى اقراضا حسنا وهو الإخلاص في الانفاق اى الإعطاء لله وتحرى أكرم المال وأفضل الجهات والمعنى من ذا الذي ينفق ماله في سبيل الله رجاء أن يعوضه فانه كمن يقرضه وقال في كشف الاسرار كل من قدم عملا صالحا يستحق به مثوبة فقد أقرض ومنه قولهم الأيادي قروض وكذلك كل من قدم عملا سيئا يستوجب به عقوبة فقد أقرض فلذلك قال تعالى قرضا حسنا لان المعصية قرض سيئ قال امية
لا تخلطن خبيثات بطيبة ... واخلع ثيابك منها وانج عريانا(9/358)
يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)
كل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا ... او سيئا ومدين مثل مادانا
وقيل المراد بالقرض الصدقة انتهى وهاهنا وجه آخر وهو ان القرض في الأصل القطع من قرض الثوب بالمقراض إذا قطعه به ثم سمى به ما يقطعه الرجل من أمواله فيعطيه عينا بشرط رد بدله فعلى هذا يكون قرضا حسنا مفعولا به والمعنى من ذا الذي يقرض الله مالا حسنا اى حلالا طيبا فانه تعالى لا يقبل الا الحلال الطيب فَيُضاعِفَهُ لَهُ بالنصب على جواب الاستفهام باعتبار المعنى كأنه قيل أيقرض الله أحد فيضاعفه له اى قيعطيه أجره أضعافا من فضله وانما قلنا باعتبار المعنى لان الفاء انما تنصب فعلا مردودا على فعل مستفهم عنه كما قاله أبو على الفارسي وهاهنا السؤال لم يقع عن القرض بل عن فاعله وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ اى وذلك الأجر المضموم اليه الأضعاف كريم حسن مرضى في نفسه حقيق بأن يتنافس فيه المتنافسون وان لم يضاعف فكيف وقد ضوعف أضعافا كثيرة (وروى) انه لما نزلت هذه الآية جعل ابو الدحداح يتصدق بنصف كل شيء يملكه في سبيل الله حتى انه خلع احدى نعليه ثم جاء الى أم الدحداح فقال انى بايعت ربى فقالت ربح بيعك فقال النبي عليه السلام كم من نخلة مدلاة عذوقها في الجنة لابى الدحداح قال بعضهم سأل الله منهم القرض ولو كانوا على نعت المروءة لخرجوا من وجودهم قبل سؤاله فضلا عن المال فان العبد وما يملكه لمولاه فاذا بذلوا الوجود المجازى وجدوا من الله بدله الوجود الحقيقي وله أجر كريم بحسب الاجتهاد فى السير الى الله والتوجه الى عتبة بابه الكريم
هر كسى از همت والاى خويش ... سود برد در خور كالاى خويش
وفي الآية اشارة الى القرض الشرعي لمن يستقرض كما دل عليه قوله تعالى عبدى استطعمتك فلم تطعمنى فاعطاء القرض للعبد إعطاء الله تعالى والقرض أفضل من الصدقة لانه ربما سأل سائل وعنده ما يكفيه واما المستقرض فلا يستقرض الا من حاجة وقال بعضهم هذا القرض هو ان يقول سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر وهو أفضل الاذكار وعن الحسن هو التطوعات وفي المرفوع النافلة هدية المؤمن الى ربه فليحسن أحدكم هديته وليطيبها والحاصل ان الكريم يرد القرض بأحسن ما يكون من الرد ويحسن ايضا في مقابلة الهدية يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ منصوب باضمارا ذكر تفخيما لذلك اليوم اى اذكر وقت رؤيتهم يوم القيامة على الصراط يَسْعى نُورُهُمْ حال من مفعول ترى اى نور ايمانهم وطاعتهم والسعى المشي السريع وهو دون العدو ويستعمل للجد في الأمر خيرا كان او شرا واكثر ما يستعمل في الافعال المحمودة بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ جمع يمين بمعنى الجارحة والمراد جهة اليمين وبين ظرف للسعى قال ابو الليث يكون النور بين أيديهم وبأيمانهم وعن شمائلهم الا أن ذكر الشمال مضمر وقال في فتح الرحمن وخص بين الأيدي بالذكر لانه موضع حاجة الإنسان الى النور وخص ذكر جهة اليمين تشريفا وناب ذلك مناب ان يقول وفي جميع جهاتهم وفي كشف الاسرار لان طريق الجنة يمنة وتجاههم وطريق اهل النار يسرة ذات شمال وفي الحديث (بينا انا على حوضى أنادي هلم إذا أناس اخذتهم ذات الشمال فاختلجوا(9/359)
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13)
دونى فأنادى الا هلم فيقال انك لا تدرى ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا) يقول الفقير ذكر بين الأيدي اشارة الى المقربين الذين هم وجه بلا قفا ظاهرا وباطنا فلهم نور مطلق يضيئ من جميع الجهات وذكر الايمان اشارة الى اصحاب اليمين الذين هم وجه من وجه وقفا من وجه آخر فنورهم نور مقيد بايمانهم واما اصحاب الشمال فلا نور لهم أصلا لانهم الكفرة الفجرة فلذا طوى ذكر الشمال من البين از ابن مسعود منقولست كه نور هر كسى بقدر عمل وى بود نور يكى از صنعا باشد تا بعدن وادنى نورى آن بود كه صاحبش قدم خود را بيند بارى هيچ مؤمن بي نور نباشد وقال منهم من يؤتى نوره كالنخلة ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم وأدناهم نورا يؤتى نوره على إبهام قدميه فيطفأ مرة ويتقد اخرى فاذا ذهب بهم الى الجنة ومروا على الصراط يسعى نورهم جنيبا لهم ومتقدما ومرورهم على الصراط على قدر نورهم فمنهم من يمر كطرف العين ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالسحاب ومنهم من يمر كانقضاض الكواكب ومنهم من يمر كشد الفرس والذي أعطى نوره على إبهام قدميه يحبو على وجهه ويديه ورجليه ويقف مرة ويمشى أخرى وتصيب جوارحه النار فلا يزال كذلك حتى يخلص وكما ان لهم يوم القيامة نورا يسعى بين أيديهم وبايمانهم فاليوم لهم في قلوبهم نور يهتدون به في جميع الأحوال ويبدو أيضا في بشرتهم فمن ظهر له ذلك النور انقاد له وخضع وكان من المقربين ومن لم يظهر له ذلك تكبر عليه ولم يستسلم وكان من المنكرين وحين تعلق نظر عبد الله بن سلام الى وجه النبي عليه السلام آمن به وقال ما هو بوجه كذا وكذاب اضرابه بخلاف أبى جهل وأحزابه قال بعض الكبار نور الايمان كناية عن تمكن اجتهادهم وسعيهم الى الله بالسير والسلوك وذلك لان قوة الإنسان في يمينه وبها يعرف اليمين من الشمال بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ اى تقول لهم الملائكة الذين يتلقونهم بشراكم اى ما تبشرون به اليوم جنات او بشراكم دخول جنات فحذف المضاف وأقيم مقامه المضاف اليه في الاعراب تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ اى ما ذكر من النور والبشرى بالجنات المخلدة هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الذي لا غاية وراءه لكونهم ظفروا بكل ما أرادوا (قال الكاشفى) رستكارئ بزركست چهـ از همه اهوال قيامت ايمن شده بدار الجلال ميرسند وديدار ملك متعال مى بينند (مصراع) هزار جان مقدس فداى ديدارت يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بدل من يوم ترى لِلَّذِينَ آمَنُوا اى أخلصوا الايمان بكل ما يجب الايمان به انْظُرُونا اى انتظرونا يقولون ذلك لما ان المؤمنين يسرع بهم الى الجنة كالبروق الخاطفة على ركاب تزف بهم وهؤلاء مشاة او انظروا إلينا فانهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم فيستضيئون بالنور الذي بين أيديهم فانظرونا على هذا الوجه من باب الحذف والإيصال لان النظر بمعنى الابصار لا يتعدى بنفسه وانما يتعدى بالى وقرأ حمزة انظرونا من النظرة وهى الامهال على أن تأنيهم في المضي ليلحقوا بهم انظار لهم وامهال نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ اى نستضئ منه ونمش فيه معكم وأصله اتخاذ القبس وهو محركة شعلة نار تقتبس من معظم النار كالمقباس قال الراغب القبس المتناول(9/360)
من الشعلة والاقتباس طلب ذلك ثم يستعار لطلب العلم والهداية قال بعضهم النار والنور من اصل واحد وهو الضوء المنتشر يعين على الابصار وكثيرا ما يتلا زمان لكن النار متاع للمقوين فى الدنيا والنور متاع لهم في الدنيا والآخرة ولاجل ذلك استعمل في النور الاقتباس وقيل نقتبس من نوركم اى تأخذ من نوركم قبسا سراچاوشعلة وقيل ان الله يعطى المؤمنين نورا على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط ويعطى المنافقين ايضا نورا خديعة لهم وهو قوله تعالى وهو خادعهم فبينما عم يمشون إذ بعث الله ريحا وظلمة فأطفأ نور المنافقين فذلك قوله يوم لا يخزى الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا مخافة أن يسلبوا نورهم كما سلب المنافقون وقال الكلبي بل يستضئ المنافقون بنور المؤمنين ولا يعطون النور فاذا سبقهم المؤمنون وبقوا في الظلمة قالوا للمؤمنين انظرونا نقتبس من نوركم قِيلَ طردا لهم وتهكما بهم من جهة المؤمنين
او من جهة الملائكة ارْجِعُوا وَراءَكُمْ اى الى الموقف فَالْتَمِسُوا نُوراً اى فاطلبوا نورا فانه من ثمة يقتبس او الى الدنيا فالتمسوا النور بتحصيل مباديه من الايمان والأعمال الصالحة
كار اينجا كن كه تشويشست در محشر بسى ... آب ازينجا بركه در عقبى بسى شور وشرست
وروى عن أبى امامة الباهلي رضى الله عنه انه قال بينا العباد يوم القيامة عند الصراط إذ غشيهم ظلمة يقسم الله النور بين عباده فيعطى الله المؤمن نورا ويبقى المنافق والكافر لا يعطيان نورا فكما لا يستضئ الأعمى بنور البصير لا يستضئ الكافر والمنافق بنور المؤمن فيقولون انظرونا نقتبس من نوركم فيقولون لهم ارجعوا حيث قسم النور فيرجعون فلا يجدون شيئا فيرجعون وقد ضرب بينهم بسور او ارجعوا خائبين خاسئين وتنحوا عنا فالتمسوا نورا آخر وقد علموا أن لا نور وراءهم وانما قالوه تخييبا لهم او أرادوا بالنور ما وراءهم من الظلمة الكثيفة تهكما بهم وقال بعض أهل الاشارة كأن استعداداتهم الفطرية الفائتة عنهم تقول بلسان الحال ارجعوا الى استعداداتكم الفطرية التي أفسدتم بحب الدنيا ولذاتها وشهواتها واقتبسوا منها نورا إذا ما تصلون الى مطلوباتكم الا بحسب استعداداتكم وهى فائتة عنكم باشتغالكم بالأمور الدنيوية واعراضكم عن الاحكام الاخروية والتوجهات المعنوية فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ اى بين الفريقين وهم المؤمنون والمنافقون يعنى ملائكه بحكم الهى بزنند ولما كان البناء مما يحتاج الى ضرب باليد ونحوها من الآلات عبر عنه بالضرب ومثله ضرب الخيمة لضرب أوتادها بالمطرقة بِسُورٍ اى حائط بين شق الجنة وشق النار فان سور المدينة حائطها المشتمل عليها والباء زائدة وبالفارسية ديوارى نزديك چون باره شهرى قال بعضهم هو سور بين أهل الجنة والنار يقف عليه اصحاب الأعراف يشرفون على اهل الجنة واهل النار وهو السور الذي يذبح عليه الموت يراه الفريقان معا لَهُ اى لذلك السور بابٌ يدخل فيه المؤمنون فيكون السور بينهم باعتبار ثانى الحال اعنى بعد الدخول لا حين الضرب باطِنُهُ اى باطن السور او الباب فِيهِ الرَّحْمَةُ لانه يلى الجنة وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ اى من جهته وعنده الْعَذابُ لانه يلى النار وقال بعضهم هو سور بيت القدس الشرقي باطنه فيه(9/361)
يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)
المسجد الأقصى وظاهره من قبله العذاب وهو واد يقال له وادي جهنم وكان كعب يقول فى الباب الذي يسمى باب الرحمة في بيت المقدس انه الباب الذي قال الله فضرب بينهم بسور له باب الآية يعنى ان هذا الموضع المعروف بوادي جهنم موضع السور قال ابن عطية وهذا القول فى السور بعيد يعنى بل المراد بالسور الأعراف يقول الفقير لا بعد فيه بالنسبة الى من يعرف الاشارة وقد روى ان عبادة قام على سور بيت المقدس الشرقي فبكى فقال بعضهم ما يبكيك يا أبا الوليد فقال هاهنا أخبرنا رسول الله عليه السلام انه رأى جهنم وفي الحديث (بيت المقدس ارض المحشر والمنشر) فيجوز أن يكون الموضع المعروف بوادي جهنم موضع السور على انه سور الأعراف بعينه لكن على كيفية لا يعرفها الا الله لانه تبدل الأرض غير الأرض يوم القيامة وقد صح ان مواضع العبادات تلتحق بأرض الجنة فلا بعد في ان يكون المسجد الأقصى من الجنة وخارجة من النار وبينهما السور يُنادُونَهُمْ كأنه قيل فماذا يفعلون بعد ضرب السور ومشاهدة العذاب فقيل ينادى المنافقون المؤمنين من ورلء السور (وقال الكاشفى) منافقون چون باز پس نگرند ونورى نه بينند باز متوجه مؤمنان شوند ديوارى بينند ميان خود وايشان حاجز شده از آن در بنگرند مؤمنانرا مشاهده نمايند كه خرامان متوجه رياض شدند بخوانند ايشانرا بزارى كويند اى مؤمنان أَلَمْ نَكُنْ فى الدنيا مَعَكُمْ يريدون به موافقتهم لهم في الأمور الظاهرة كالصلاة والصوم او المناكحة والموارثة ونحوها قالُوا بَلى كنتم معنا بحسب الظاهر وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ محنتموها بالنفاق واهلكتموها اضافة الفتنة الى النفس اضافة الميل والشهوة والى الشيطان في قوله لا يفتننكم الشيطان اضافة الوسوسة والى الله تعالى في قوله قال فانا قد فتنا قومك اضافة الخلق لانه خلق الضلال فيه في ليفتنن وَتَرَبَّصْتُمْ بالمؤمنين الدوائر والتربص الانتظار وقال مقاتل وتربصتم بمحمد عليه السلام الموت وقلتم يوشك أن يموت فنستريح منه وهو وصف قبيح لان انتظار موت وسائل الخير ووسائط الحق من عظيم الجرم والقباحة إذ شأنهم أن يرجى طول حياتهم ليستفاد منهم ويغتنم بمجالستهم وَارْتَبْتُمْ وشككتم في امر الذين او في النبوة او في هذا اليوم وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ الفارغة التي من جملتها الطمع في انتكاس امر الإسلام جمع امنية كأضحية بالفارسية آرزو وفي عين المعاني وغرتكم خدع الشيطان وقال ابو الليث أباطيل الدنيا حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ اى الموت وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الكريم الْغَرُورُ اى غركم الشيطان بأنه عفو كريم لا يعذبكم قال قتادة ما زالوا على خدعة من الشيطان حتى قذ فهم الله في النار قال الزجاج الغرور على ميزان فعول وهو من اسماء المبالغة يقال فلان أكول كثير الاكل وكذا الشيطان الغرور لانه يغر ابن آدم كثيرا قال في المفردات الغرور كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان وقد فسر بالشيطان إذ هو أخبث الغارين بالدنيا لما قيل الدنيا تغر وتضر وتمر فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ أيها المنافقون فِدْيَةٌ اى فدآء تدفعون به العذاب عن أنفسكم يعنى چيزى كه فداى خود كنيد تا از عذاب برهيد والفداء حفظ الإنسان من النائبة بما يبذله عنه من مال او نفس اى لا يؤخذ منكم دية ولا نفس اخرى مكان أنفسكم وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا اى ظاهرا وباطنا(9/362)
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19) اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)
وفيه دلالة على ان الناس ثلاثة اقسام مؤمن ظاهرا وباطنا وهو المخلص ومؤمن ظاهرا لا باطنا وهو المنافق وكافر ظاهرا وباطنا مَأْواكُمُ مرجعكم النَّارُ لا ترجعون الى غيرها ابدا هِيَ اى النار مَوْلاكُمْ تتصرف فيكم تصرف المولا في عبيده لما أسلفتم من المعاصي او أولى بكم فالمولى مشتق من الاولى بحذف الزوائد وحقيقته مكانكم الذي يقال فيه هو اولى بكم كما يقال هو مئنة الكرم اى مكان لقول القائل انه كريم فهو مفعل من اولى كما ان مئنة مفعلة من ان التي للتأكيد والتحقيق غير مشتقة من لفظها لان الحروف لا يشتق منها بل ربما تتضمن الكلمة حروفها دلالة على ان معناها فيها او ناصركم على طريقة قوله (تحية بينهم ضرب وجيع) فان مقصوده نفى التحية فيما بينهم قطعا لان الضرب الوجيع ليس بتحية فيلزم أن لا تحية بينهم البتة فكذا إذا قيل لاهل النار هى ناصركم يراد به أن لا ناصر لكم البتة او متواليكم اى المتصرف فيكم تتولاكم كما توليتم في الدنيا موجباتها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ اى المرجع النار وفي التأويلات النجمية اى نار القطيعة والهجران مولاكم ومتسلطة عليكم وبئس الرجوع الى تلك النار وعن الشبلي قدس سره انه رأى غصنا طريا قد قطع عن أصله فبكى فقال أصحابه ما يبكيك فقال هذا الفرع قد قطع عن أصله وهو طرى بعد ولا يدرى ان مأله الى الذبول واليبس شبلى ديده زنى را كه ميكريد وميكويد يا ويلاه من فراق ولدي شبلى كريست وكفت يا ويلاه من فراق الأخدان زن كفت چرا چنين ميكويى شبلى گفت تو كريه ميكنى بر مخلوقى كه هر آينه فانى خواهد شد من چرا كريه نكنم بر فراق خالقى كه باقى باشد
فرزند ويار چونكه بميرند عاقبت ... اى دوست دل مبند بجز حى لا يموت
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ من أنى الأمر يأنى انيا واناء واناء إذا جاء اناه اى وقته وحان حينه وأدرك والخشوع ضراعة وذل اى ألم يجيئ وقت ان تخشع قلوبهم لذكره تعالى وتطمئن به ويسارعوا الى طاعته بالامتثال لاوامره والانتهاء عما نهوا عنه من غير توان ولا فتور قال بعضهم الذكر ان كان غير القرآن يكون المعنى ان ترق وتلين قلوبهم إذا ذكر الله فان ذكر الله سبب لخشوع القلوب اى سبب فالذكر مضاف الى مفعوله واللام بمعنى الوقت وان كان القرآن فهو مضاف الى الفاعل واللام للعلة لمواعظ الله تعالى التي ذكرها في القرآن ولآياته التي تتلى فيه وبالفارسية آيا وقت نيايد مر آنان را كه كرويده اند آنكه بترسد ونرم شود دلهاى ايشان براى ياد كردن خداى وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ اى القرآن وهو عطف على ذكر الله فان كان هو المراد به ايضا فالعطف لتغاير العنوانين فانه ذكر وموعظة كأنه حق نازل من السماء والا فالعطف كما في قوله تعالى انما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا ومعنى الخشوع له الانقياد التام لاوامره ونواهيه والعكوف على العمل بما فيه من الاحكام التي من جملتها ما سبق وما لحق من الانفاق في سبيل الله روى ان المؤمنين كانوا مجدبين بمكة فلما هاجروا أصابوا الرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه من الخشوع فنزلت وعن ابن مسعود(9/363)
رضى الله عنه ما كان بين اسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية اربع سنين وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن وعن الحسن رحمه الله والله لقد استبطأهم وهم يقرأون من القرآن اقل مما تقرءون فانظروا في طول ما قرأتم منه وما ظهر فيكم من الفسق وقولى آنست كه مزاح ومضاحك در ميان اصحاب بسيار شد آيت نازل كشت كما قال الامام الغزالي رحمه الله في منهاج العابدين ثم الصحابة الذين هم خير قرن كان يبد ومنهم شيء من المزاح فنزل قوله تعالى الم يأن إلخ وعن أبى بكر الصديق رضى الله عنه ان هذه الآية قرئت بين يديه وعنده قوم من أهل اليمامة فبكوا بكاء شديدا فنظر إليهم فقال هكذا كنا قست القلوب قال السهر وردى فى العوارف حتى قست القلوب اى تصلبت وادمنت سماع القرآن وألفت نواره فما استغربته حتى تتغير والواجد
كالمستغرب ولهذا قال بعضهم حالى قبل الصلاة كحال في الصلاة اشارة منه الى استمرار حال الشهود انتهى فقوله حتى قست القلوب ظاهره تقبيح للقلوب بالقسوة والتلوين وحقيقته تحسين لها بالشهود والتمكين قال البقلى رحمه الله في الآية هذا في حق قوم من ضعفاء المريدين الذين في نفوسهم بقايا الميل الى الحظوظ حتى يحتاجوا الى الخشوع عند ذكر الله وأهل الصفوة احترقوا في الله بنيران محبة لله ولو كان هذا الخطاب للاكابر لقال أن تخشع قلوبهم لله لان الخشوع لله موضع فناء العارف في المعروف وارادة الحق بنعت الشوق اليه فناؤهم في بقائه بنعت الوله والهيمان والخشوع للذكر موضع الرقة من القلب فاذا رق القلب خشع بنور ذكر الله لله كأنه تعالى دعاهم بلطفه الى سماع ذكره بنعت الخشوع والخضوع والمتابعة لقوله والاستلذاذ بذكره حتى لا يبقى في قلوبهم لذة فوق لذة ذكره قال أبو الدرداء رضى الله عنه أستعيذ بالله من خشوع النفاق قيل وما خشوع النفاق قال أن ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع
ور آوازه خواهى در إقليم فاش ... برون حله كن كو درون حشو باش
اگر بيخ اخلاص در يوم نيست ... ازين در كسى چون تو محروم نيست
زر اندود كانرا بآتش برند ... پديد آيد آنكه كه مس يا زرند
وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ عطف على تخشع والمراد النهى عن مماثلة اهل الكتاب فيما حكى عنهم بقوله فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ اى الاجل والزمان الذي بينهم وبين أنبيائهم او الأعمار والآمال وغلبهم الجفاء والقسوة وزالت عنهم الروعة التي كانت تأتيهم من التوراة والإنجيل إذا تلوهما وسمعوهما فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ فهى كالحجارة او أشد قسوة والقسوة غلظ القلب وانما تحصل من اتباع الشهوة فان الشهوة والصفوة لا تجتمعان وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ اى خارجون عن حدود دينهم رافضون لما في كتابهم بالكلية لفرط الجفاء والقسوة ففيه اشارة الى ان عدم الخشوع في أول الأمر يفضى الى الفسق في آخر الأمر وكفته اند نتيجه سختئ دل غفلت است ونشأه نرمئ دل توجه بطاعت
دلى كز نور معنى نيست روشن ... مخوانش دل كه آن سنكست وآهن(9/364)
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)
دلى كز كرد غفلت ژنك دارد ... از ان دل سنك وآهن ننك دارد
روى ان عيسى عليه السلام قال لا تكثروا الكلام يغير ذكر الله فتقسو قلوبكم فان القلب القاسي بعيد من الله ولا تنظروا في ذنوب العباد كأنكم أرباب وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد فانما الناس رجلان مبتلى ومعافى فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها تمثيل لاحياء القلوب القاسية بالذكر والتلاوة بإحياء الأرض الميتة بالغيث للترغيب في الخشوع والتحذير عن القساوة (وقال الكاشفى) بدانيد اى منكران بعث ان الله يحيى الأرض بعد موتها وبهمان منوال زنده خواهد ساخت اموات را قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ التي من جملتها هذه الآيات لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ كى تعقلوا ما فيها وتعملوا بموجبها فتفوزوا بسعادة الدارين سبب توبت فضيل بن عياض رحمه الله ميكويند كه سماع اين آيت يعنى الم يأن إلخ بود در بدء كار مردانه راه زدند وبر ناشايسته قدم نهادند وقتى سوداى عشق صاحب جمال در سر وى افتاد باوى ميعادى نهاد در ميانه شب بسر آن وعده باز شد بديوار بر مى شد كه كوينده كفت ألم يأن للذين إلخ اين آيت تيروار در نشانه دل وى نشست دردى وسوزى از درون وى سر برزد كمين عنايت برو كشادند أسير كمند توفيق كشت از آنجا بازگشت وهمى كفت بلى والله قد آن بلى والله قد آن از آنجا بركشت ودر خرابه شد جماعتى كاروانيان آنجا بودند وبا يكديكر ميكفتند فضيل در راهست اگر برويم راه بر مازند ورخت ببرد فضيل خود را ملامت كرد كفت اى بد مردا كه منم اين چهـ شقاوتست كه روى بمن نهاده در ميانه شب بقصد معصيت از خانه بدر آمده وقومى مسلمانان از بيم من درين كنج كريخته روى سوى آسمان كرد واز دلى صافى توبت نصوح كرد كفت اللهم انى تبت إليك وجعلت توبتى إليك جوار بيتك الحرام الهى از بد سزايئ خود بدردم واز ناكسى خود بفغان درد مرا درمان ساز اى درمان ساز همه دردمندان اى پاك صفت از عيب اى عالى صفت ز آشوب اى بي نياز از خدمت من اى بي نقصان از خيانت من من بجاى رحمتم ببخشاى بر من أسير بند هواى خويشم بگشاى مرا ازين بند الله تعالى دعاء ويرا مستجاب كرد وبوى كرامتها كرد از آنجا بر كشت وروى بخانه كعبه نهاد سالها آنجا مجاور شد واز جمله أوليا كشت
كداى كوى تو از هشت خلد مستغنيست ... أسير عشق تو از هر دون آزادست
وقال ابن المبارك رحمه الله كنت يوما في بستان وانا شاب وكان معى أصحابي فأكلنا وشربنا وكنت مولعا بصرب العود فأخذت العود في الليل لأضرب به فنطق العود وقال ألم يأن للذين إلخ فضربته بالأرض وكسرته وتركت الأمور الشاغلة عن الله تعالى وعن مالك بن دينار رحمه الله انه سئل عن سبب توبته فقال كنت شرطيا وكنت منهمكا على شرب الخمر ثم انى اشتريت جارية نفيسة ووقعت منى أحسن موقع فولدت لى بنتا فشغفت بها فلما دبت على الأرض ازدادت في قلبى حبا وألفتنى وألفتها فكنت إذا وضعت المسكر جاءت الى وجاذبتنى إياه وأراقته على ثوبى فلما تم لها سنتان ماتت فأكمدنى الحزن عليها فلما كانت(9/365)
إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18)
ليلة النصف من شعبان وكانت ليلة جمعة بت ثملا من الخمر ولم أصل صلاة العشاء فرأيت كأن أهل القبور قد خرجوا وحشر الخلائق وانا معهم فسمعت حسا من ورائي فالتفت فاذا انا بتنين عظيم أعظم ما يكون اسود ازرق قد فتح فاه مسرعا نحوى فمررت بين يديه هاربا فزعا مرعوبا فمررت في طريق بشيخ نقئ الثياب طيب الرائحة فسلمت عليه فرد على السلام فقلت له أجرنى وأغثنى فقال انا ضعيف وهذا أقوى منى وما أقدر عليه ولكن مر وأسرع فلعل الله يسبب لك ما ينجيك منه فوليت هاربا على وجهى فصعدت على شرف من شرف القيامة فاشرفت على طبقات النيران فنظرت الى أهلها فكدت أهوى فيها من فزع التنين وهو في طلبى فصاح بي صائح ارجع فلست من أهلها فاطمأننت الى قوله ورجعت ورجع التنين في طلبى فأتيت الشيخ فقلت يا شيخ سألتك ان نجيرنى من هذا لتنين فلم تفعل فبكى الشيخ وقال انا ضعيف ولكن سر الى هذا الجبل فان فيه ودائع للمسلمين فان كان لك فيه وديعة فستنصرك فنظرت الى جبل مستدير فيه كوى مخرقة وستور معلقة على كل خوخة وكوة مصراعان من الذهب الأحمر مفصلان باليواقيت مكللان بالدر وعلى كل مصراع ستر من الحرير فلما نظرت الى الجبل هربت اليه والتنين ورائي حتى إذا قربت منه صاح بعض الملائكة ارفعوا الستور وافتحوا المصاريع وأشرفوا فلعل لهذا البائس فيكم وديعة تجيره من عدوه وإذا الستور قد رفعت والمصاريع قد فتحت فأشرف على أطفال بوجوه كالاقمار وقرب التنين منى فتحيرت في امرى فصاح بعض الأطفال ويحكم أشرفوا كلكم فقد قرب منه فأشرفوا فوجا بعد فوج فاذا با بنتي التي ماتت قد أشرفت على معهم فلما رأتنى بكت وقالت أبى والله ثم وثبت في كفة من نور كرمية السهم حتى مثلث بين يدى فمدت يدها الشمال الى يدى اليمنى فتعلقت بها ومدت يدها اليمنى قولى هاربا ثم أجلستني وقعدت في حجرى وضربت بيدها اليمنى الى لحيتى وقالت يا أبت ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله فبكيت وقلت يا بنية وأنتم تعرفون القرآن فقالت يا أبت نحن اعرف به منكم قلت فأخبرينى عن التنين الذي أراد أن يهلكنى قالت ذلك عملك السوء قويته فأراد أن يغرقك في نار جهنم قلت فاخبرينى عن الشيخ الذي مررت به في طريقى قالت يا أبت ذلك عملك الصالح أضعفته حتى لم يكن له طاقة بعملك السوء قلت يا بنية وما تصنعون في هذا الجبل قالت نحن أطفال المسلمين قد اسكنا فيه الى أن تقوم الساعة ننتظركم تقدمون علينا فنشفع لكم فانتبهت فزعا فلما أصبحت فارقت ما كنت عليه وتبت الى الله تعالى وهذا سبب توبتى
سر از جيب غفلت بر آور كنون ... كه فردا نماند بحجلت نكون
كنون بايد اى خفته بيدار بود ... چومرك اندر آرد ز خوابت چهـ سود
ز هجران طفلى كه در خاك رفت ... چهـ نالى كه پاك آمد و پاك رفت
تو پاك آمدى برحذر باش و پاك ... كه ننكست ناپاك رفتن بخاك
إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ اى المتصدقين والمتصدقات وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً(9/366)
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19)
عطف على الصلة من حيث المعنى اى ان الناس الذين تصدقوا وتصدقن واقرضوا الله قرضا حسنا واقرضن والاقراض الحسن عبارة عن التصدق من الطيب عن طيبة النفس وخلوص النية على المستحق للصدقة ففيه دلالة على ان المعتبر هو التصدق المقرون بالإخلاص فيندفع توهم التكرار لان هذا تصدق مقيد وما قبله تصدق مطلق وفي الحديث (يا معشر النساء تصدقن فانى أريتكن اكثر أهل النار) وفيه اشارة الى زيادة احتاجهن الى التصدق (وروى) مسلم عن جابر رضى الله عنه انه قال شهدت مع رسول الله عليه السلام صلاة العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا اقامة ثم قام متوكئا على بلال رضى الله عنه فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى الى النساء فوعظهن وذكرهن فقال تصدقن فان اكثر كن حطب جهنم قالت امرأة لم يا رسول الله فقال لا نكن تكثرن الشكاية وتكفرن العشير أي المعاشر وهو الزوج فجعلن يتصدقن من حليهن ويلقين فى ثوب بلال حتى اجتمع فيه شيء كثير قسمه على فقراء المسلمين يُضاعَفُ لَهُمْ على البناء للمفعول مسند الى ما بعده من الجار والمجرور وقيل الى مصدر ما في حيز الصلة على حذف مضاف اى ثواب التصدق وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ وهو الذي يقترن به رضى واقبال
بدنيا توانى كه عقبى خرى ... بخر جان من ور نه حسرت خورى
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ كافة وهو مبتدأ أُولئِكَ مبتدأ ثان هُمُ مبتدأ ثالث خبره قوله الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ وهو مع خبره خبر للاول او هم ضمير الفصل وما بعده خبر لاولئك والجملة خبر للموصول اى أولئك عِنْدَ رَبِّهِمْ بمنزلة الصديقين والشهداء المشهورين بعلو المرتبة ورفعة المحل وهم الذين سبقوا الى التصديق واستشهدوا فى سبيل الله قال في فتح الرحمن الصديق نعت لمن كثر منه الصدق وهم ثمانية نفر من هذه الامة سبقوا اهل الأرض في زمانهم الى الإسلام ابو بكر وعلى وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة وتاسعهم عمر بن الخطاب رضى الله عنهم الحقه الله بهم وان تم به الأربعون لما عرف من صدق نيته وقيل الشهداء على ثلاث درجات الدرجة الاولى الشهيد بين الصفين وهو أكبرهم درجة ثم كل من قضى بقارعة او بلية وهى الدرجة الثانية مثل الغرق والحرق والهالك في الهدم والمطعون والمبطون والغريب والميتة بالوضع والميت يوم الجمعة وليلة الجمعة والميت على الطهارة والدرجة الثالثة ما نطقت به هذه الآية العامة للمؤمنين وقال بعضهم في معنى الآية هم المبالغون في الصدق حيث آمنوا وصدقوا جميع اخباره تعالى ورسله والقائمون بالشهادة لله بالوحدانية ولهم بالايمان او على الأمم يوم القيامة وقال بعض الكبار يعنى الذين آمنوا بالله ايمانا حقيقيا شهوديا عيانيا لا علميا بيانيا وذلك بطريق الفناء في الله نفسا وقلبا وسرا وروحا والبقاء به وآمنوا برسله بفناء صفات القلب والبقاء بصفات الروح أولئك هم المتحققون بصفة الصديقية البالغون أقصى مراتب الصدق والشهداء على نفوسهم بالصدق والوفاء بالعهد لترشح رشحات الصدق عنهم لا جرم لهم اجر الصديقين ونور الشهداء مختص بهم لا بمن آمن بالتقليد وصدق وشهد باللسان من غير العيان والعيان يترتب على الفناء وفرقوا بين الصادق(9/367)
والصديق بأن الصادق كالمخلص بالكسر من تخلص من شوآئب الصفات النفسانية مطلقا والصديق كالمخلص بالفتح من تخلص ايضا عن شوآئب الغيريه والثاني أوسع فلكا واكثر احاطة فكل صديق ومخلص بالفتح صادق ومخلص بالكسر من غير عكس قال أبو على الجرجاني قدس سرة قلوب الأبرار متعلقة بالكون مقبلين ومدبرين وقلوب الصديقين معلقة بالعرش مقبلين بالله لله لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ مبتدأ وخبر والجملة خبر ثان للموصول والضمير الاول على الوجه الاول للموصول والأخيران للصديقين والشهداء ولا بأس بالفك عند الامن اى لهم مثل أجرهم ونورهم المعروفين بغاية الكمال وعزة المنال وقد حذف اداة التشبيه تنبيها على قوة المماثلة وبلوغها حد الاتحاد كما فعل ذلك حيث قيل هم الصديقون والشهداء وليست المماثلة بين ما للفريق الاول من الأجر والنور وبين تمام ما للأخيرين من الأصل بدون الأضعاف ليحصل التفاوت واما على الوجه الثاني فمرجع الكل واحد
والمعنى لهم الأجر والنور الموعود ان لهم قال بعض الكبار لا يكون الأجر الا مكتسبا فان اعطاك الحق تعالى ما هو خارج عن الكسب فهو نور وهبات ولا يقال له أجر ولهدا قال تعالى لهم أجرهم ونورهم فان أجرهم ما اكتسبوه ونورهم ما وهبه الحق لهم من ذلك حتى لا ينفرد الأجر من غير أن يختلط به الوهب لان الأجر فيه شائبة الاستحقاق إذ هو معاوضة عن عمل متقدم يضاف الى العبد فماتم أجر الا ويخالطه نور وذلك لتكون المنة الالهية مصاحبة للعبد حيث كان فان تسمية العبد أجيرا مشعر بأن له نسبة في الطاعات والأعمال الصادرة عنه فتكون الاجارة من تلك النسبة ولذلك طلب العبد العون على خدمة سيده فان قلت من اى جهة قبل العبد الاجرة والبعد واجب عليه الخدمة لسيده من غير أن يأخذ اجرة وان جعلناه أجنبيا فمن اى جهة تعين الفرض عليه ابتداء قبل الاجرة والأجير لا يفترض عليه إلا حين يؤجر نفسه قلت الإنسان مع الحق تعالى على حالتين حالة عبودية وحالة اجارة فمن كونه عبدا فهو مكلف بالفرض كالصلاة والزكاة وجميع الفرائض ولا أجر له على ذلك جملة واحدة ومن كونه أجيرا له الاجرة بحكم الوعد الإلهي ولكن ذلك مخصوص بالأعمال المندوبة لا المفروضة فعلى تلك الأعمال التي ندب الحق إليها فرضت الأجور فان تقرب العبد بها الى سيده أعطاه إجارته وان لم يتقرب لم يطلب بها ولا عوتب عليها ومن هنا كان العبد حكمه حكم الأجنبى في الاجارة للفرض الذي يقابله الجزاء إذ هو العهد الذي بين الله وبين عباده واما النوافل فلها الأجور المنتجة للمحبة الالهية كما قال لا يزال عبدى يتقرب الى بالنوافل حتى أحبه والحكمة في ذلك ان المتنفل عبد اختياري كالأجير فاذا اختار الإنسان أن يكون عبد الله لا عبد هواه فقد آثر الله على هواه وهو في الفرائض عبد اضطرار لا عبد اختيار وبين عبودية الاضطرار وعبودية الاختيار ما بين الأجير والعبد المملوك إذ العبد الأصلي ماله على سيده استحقاقا الا ما لا بد منه من مأكل وملبس ثم يقوم بواجبات مقام سيده ولا يزال في دار سيده لا يبرح ليلا ولانهارا الا إذا وجهه في شغل آخر فهو في الدنيا مع لله وفي القيامة مع الله وفي الجنة مع الله لانها جميعا ملك لسيده فيتصرف فيها(9/368)
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)
تصرف الملاك والأجير ماله سوى ما عين له من الاجرة منها نفقته وكسوته وماله دخول على حرم سيده وموجره ولا له اطلاع على أسراره ولا تصريف في ملكه الا بقدر ما استؤجر عليه فاذا انقضت مدة إجارته وأخذ أجرته فارق مؤجره واشتغل بأهله وليس له من هذا الوجه حقية ولا نسبة تطلب ممن استأجره الا أن يمن عليه رب المال بأن يبعث خلفه ويجالسه ويخلع عليه فذلك من باب المنة وقد ارتفعت عنه في الآخرة عبودية الاختيار فان تفطنت لهذا نبهك على مقام جليل تعرف منه من اى مقام قالت الأنبياء عليهم السلام مع كونهم عبيدا خلصا لم يملكهم هوى نفوسهم ولا أحد من خلق الله ومع هذا قالوا ان اجرى الا على الله وذلك لان قولهم هذا راجع الى تحققهم بدخولهم تحت حكم الأسماء الالهية بخلاف غيرهم ومن هناك وقعت الاجارة فهم في حال الاضطرار والاختيار عبيد للذات وهم لها ملك فان الأسماء الالهية تطلبهم لنظهر آثارها فيهم وهم مخيرون في الدخول تحت اى اسم الهى شاؤا وقد علمت الأسماء الالهية ذلك فعينت لهم الأجور وكل اسم يناديهم ادخلوا تحت أمرى وانا أعطيكم كذا وكذا فلا يزال أحدهم في خدمة ذلك الاسم حتى يناديه السيد من حيث عبودية الذات فيترك كل اسم الهى ويقوم لدعوة سيده فاذا فعل ما أمر به حينئذ رجع الى اى اسم شاء ولهذا يتنفل الإنسان ويتعبد بما شاء حتى يسمع اقامة الصلاة المفروضة فيؤمر بها ويترك النافلة فهو دائما مع سيده بحكم عبودية الاضطرار كذا في كتاب الجواهر للامام الشعراني قدس سره وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ الموصوفون بالصفات القبيحة أَصْحابُ الْجَحِيمِ بحيث لا يفارقونها ابدا وفيه دليل على ان الخلود فى النار مخصوص بالكفار من حيث ان التركيب يشعر بالاختصاص والصحبة تدل على الملازمة عرفا وأراد بالكفر الكفر بالله فهو في مقابلة الايمان بالله وبتكذيب الآيات تكذيب ما بأيدى الرسل من الآيات الالهية وتكذيبها تكذيبهم فهو في مقابلة الايمان والتصديق بالرسل وفيه وصف لهم بالوصفين القبيحين اللذين هما الكفر والتكذيب وفيه اشارة الى أن الذين كفروا بذاتنا وكذبوا بصفاتنا الكبرى كفرا صريحا بينا قلبا وسرا وروحا أولئك اصحاب جحيم البعد والطرد واللعن المخصوص بالخلود وعبر عن الصفات بالآيات لان الكتب الالهية صفات الله تعالى وايضا الأنبياء عليهم السلام صفات الله من حيث انهم مظاهر أسمائه الحسنى وصفاته العليا وقس عليهم سائر المجالى والمرائى لكنهم متفاوتون فى الظهور بالكمال وإذا كان تكذيب الأنبياء وآياتهم مما يوجب الوعيد فكذا تكذيب الأولياء وآياتهم فان العلماء العاملين ورثة الأنبياء والمرسلين والمراد بآيات الأولياء الكرامات العلمية والكونية فالذين من معاصريهم وغير معاصريهم صدقوهم أولئك اصحاب النعيم والذين كذبوهم أولئك اصحاب الجحيم وهذه الآيات وأصحابها لا تنقطع الى قيام الساعة فان باب الولاية مفتوح نسأل الله سبحانه أن يتولانا بعميم افضاله بحرمة بالنبي وآله اعْلَمُوا بدانيد اى طالبان دنيا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لفظ الحياة زائد والمضاف مضمر اى امور الدنيا ويجوز أن تجعل الحياة الدنيا مجازا عن أمورها بعلاقة(9/369)
اللزوم وفي كشف الاسرار الحياة القربى في الدار الاولى وبالفارسية زندكانئ اين سراى وماصلة فان المقصود الحياة في هذه الدار فكل ما قبل الموت دنيا وكل ما تأخر عنه اخرى لَعِبٌ اى عمل باطل تتعبون فيه أنفسكم اتعاب اللاعب بلا فائدة
بازيچهـ ايست طفل فريب اين متاع دهر ... بي عقل مردمانكه بد ومبتلا شوند
وَلَهْوٌ تلهون به أنفسكم وتشغلونها عما يهمكم من اعمال الآخرة وَزِينَةٌ من الملابس والمراكب والمنازل الحسنة تزينون بها وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ بالأنساب والاحساب تتفاخرون بها والفخر المباهاة في الأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال والجاه ويعبر عن كل نفيس بالفاخر كما في المفردات وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ بالعدد والعدد يعنى ومباهاتست بكثرت اموال وأولاد لا سيما التطاول بها على اولياء الله وبدانيد كه در اندك زمانى آن بازي برطرف شود ولهو وفرح بغم وترح مبدل گردد وريشها از همه فرو ريزد وتفاخر وتكاثر چون شراره آتش نابود شود وقيل لعب كلعب الصبيان وزينة كزينة النسوان وتفاخر كتفاخر الاقران وتكاثر كتكاثر الدهقان قال على لعمار رضى
الله عنهما لا تحزن على الدنيا فان الدنيا ستة أشياء مطعوم ومشروب وملبوس ومشموم ومركوب ومنكوح فأكبر طعامها العسل وهو ريقة ذبابة واكبر شرابها الماء ويستوى فيه جميع الحيوان واكبر الملبوس الديباج وهو نسج دودة واكبر المشموم المسك وهو دم ظبية واكبر المركوب الفرس وعليها يقتل الرجال واكبر المنكوح النساء وهو مبال فى مبال وفي الحديث (مالى وللدنيا انما مثلى ومثل الدنيا كمثل راكب قام في ظل شجرة فى يوم صائف تم راح وتركها)
جهان اى پسر ملك جاويد نيست ... ز دنيا وفادار اميد نيست
كَمَثَلِ غَيْثٍ محل الكاف النصب على الحالية من الضمير في لعب لان فيه معنى الوصف اى تثبت لها هذه الأوصاف مشبهة غيثا او خبر مبتدأ محذوف اى هى كمثل او خبر بعد خبر للحياة الدنيا والغيث مطر محتاج اليه بغيث الناس من الجدب عند قلة المياه فهو مخصوص بالمطر النافع بخلاف المطر فانه عام أَعْجَبَ الْكُفَّارَ اى الحراث قال الأزهري العرب تقول للزراع كافر لانه يكفر اى يستر بذره بتراب الأرض والكفر في اللغة التغطية ولهذا يسمى الكافر كافرا لانه يغطى الحق بالباطل والكفر القبر لسترها الناس وفي الحديث (اهل الكفور اهل القبور) والليل كافر لستره الاشخاص نَباتُهُ اى النبات الحاصل منه والمراد الكافرون بالله لانهم أشد إعجابا بزينة الدنيا ولان المؤمن إذا رأى معجبا انتقل فكره الى قدرة صانعه فأعجب بها والكافر لا يتخطى فكره عما احسن به فيستغرق فيه إعجابا وقد منع في بعض المواضع عن اظهار الزينة صونا لقلوب الضعفاء كما في الأعراس ونحوها ثُمَّ يَهِيجُ اى يجف بعد خضرته ونضارته بآفة سماوية او ارضية يقال هاج النبت يهيج هيجا وهيجانا وهياجا بالكسر يبس والهائجة ارض يبس بقلها او اصفر وأهاجه أيبسه وأهيجها وجدها هائجة للنبات فَتَراهُ مُصْفَرًّا بعد ما رأيته ناضرا مونقا وانما لم يقل فيصفر(9/370)
إيذانا بأن اصفراره مقارن لجفافه وانما المرتب عليه رؤيته كذلك ثُمَّ يَكُونُ پس كردد بعد از زردى حُطاماً درهم شكسته وكوفته وريزه ريزه شده قال في القاموس الحطم الكسر او خاص باليابس فالآية تحقير لامور الدنيا اعنى مالا يتوصل به الى الفوز الآجل ومنه المثل وببيان انها امور خيالية اى باطلة لا حقيقة لها وعن على رضى الله عنه الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا قليلة النفع سريعة الزوال لا يركن إليها العقلاء فضلا عن الاطمئنان بها وتمثيل لحالها في سرعة تقضيها وقلة نفعها بحال النبات المذكور زينة الحياة الدنيا هى زينة الله الا انها تختلف بالقصد وهى محبوبة بالطبع فاذا تحرك العبد إليها بطبعه كانت زينة الحياة الدنيا فذم بذلك وان كانت غير محرمة شرعا وإذا تحرك إليها بأمر من ربه كانت زينة الله وحمد بها وذلك لان أمر الله وكل ما يرجع اليه جد كله والحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر وفخر الإنسان على مثله انما هو من جهله بحقيقته فهذا سبب الذم قال بعض الكبار الشهوات سبع وهى ما ذكر في قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث وقد أنزلها الله الى خمس في هذه الآية وهى اعلموا انما الحياة الدنيا إلخ ثم أنزل هذه الخمس الى أمرين في آية اخرى كما قال في سورة محمد انما الحياة الدنيا لعب ولهو ثم جعل هذين الامرين امرا واحدا في قوله تعالى فأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فالهوى جامع لانواع الشهوات فمن تخلص من الهوى من كل قيد وبرزخ بلغ مسالك الوصول الى المطلب الا على والمقصد الأقصى وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ لمن أقبل عليها ولم يطلب بها الآخرة وقدم ذكر العذاب لانه من نتائج الانهماك فيما فصل من احوال الحياة الدنيا وَمَغْفِرَةٌ عظيمة كائنة مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ كثير لا يقادر قدره لمن أعرض عنها وقصد بها الآخرة بل الله تعالى فان الدنيا والآخرة حرامان على اهل الله
اى طالب دنيا تو بسى مغرورى ... وى مائل عقبى تو يكى مزدورى
وى آنكه ز ميل هر دو عالم دورى ... تو طالب نور بلكه عين نورى
وفيه اشارة الى فضل النية الحسنة وانها تحيل المباح ونحوه طاعة قال بعض الكبار من استقامت سريرته وصلحت نيته أدرك جميع ما تمناه من الأعمال الصالحة وفي الخبر من نام على طهارة وفي عزمه انه يقوم من الليل فأخذ الله بنفسه الى الصباح كتب الله له قيام ليله وورد مثل ذلك فيمن خرج لجهاد او حج وتأمل الطباخ والخباز يقوم من الليل يهيئ الطعام والخبز للآكلين وهم نائمون وهو طالب للربح ناسيا حاجة الناس ولو كان ذا بصيرة لفعلى ذلك بقصد مصالح العباد وجعل ربحه ونفعه بحكم البيع والحاصل ان اهل الكسب سواء كانوا من اهل السوق او من غيرهم ينبغى أن تكون نيتهم السعى في مصالح العباد والتقوى بكسبهم على طاعة الله حتى يكونوا مأجورين في ذلك ومن استرقه الكون بحكم مشروع كالسعى فى مصالح العباد والشكر لاحد من المخلوقين من جهة نعمة أسداها اليه فهو لم يبرح عن عبوديته لله تعالى لانه في أداء واجب أوجبه الحق عليه وتعبد العبد لمخلوق عن أمر الله لا يقدح في العبودية بخلاف(9/371)
من استرقه الكون لغرض نفسى ليس للحق فيه رائحة امر فان ذلك يقدح في عبوديته لله ويجب عليه الرجوع الى الحق تعالى قال بعض الكبار من ذم الدنيا فقد عق امه لان جميع الانكاد والشرور التي ينسبها الناس الى الدنيا ليس هو فعلها وانما هو فعل أولادها لان الشر فعل المكلف لافمل الدنيا فهى مطية العبد عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر فهى تحب أن لا يشقى أحد من أولادها لانها كثيرة الحنو عليهم وتخاف أن تأخذهم الضرة الاخرى على غير أهبة مع كونها ما ولدتهم ولا تعبت في تربيتهم فمن عقوق أولادها كونهم ينسبون جميع افعال الخير الى الآخرة ويقولون اعمال الآخرة والحال انهم ما عملوا تلك الأعمال الا في الدنيا فللدنيا أجر المصيبة التي في أولادها ومن أولادها فمن أنصف من ذمها بل هو جاهل بحق امه ومن كان كذلك فهو بحق الآخرة أجهل وفي الحديث (إذا قال العبد لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله أعصانا لربه) وقال بعضهم طلب الثواب على الأعمال بحسن النيات والرغبة فيه لا يختص بالعامة بل لا يتحاشى عنه الكمل لعلمهم ان الله تعالى أنشأهم على امور طبيعية وروحانية فهم يطلبون ثواب ما وعد الله به ويرغبون فيه اثباتا للحكم الا لهى فان المكابرة بالربوبية غير جائزة فهم مشاركون للعامة في طلب الرغبة ويتميزون في الباعث على ذلك فكان طلب العارفين ذلك لاعطاء كل ذى حق حقه ليخرجوا عن ظلم أنفسهم إذا وفوها حقها فمن لم يوف نفسه حقها فقد نزل عن درجة الكمال وكان غاشا لنفسه وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ اى كالمتاع الذي يتخذ من نحو الزجاج والخزف مما يسرع فناؤه يميل اليه الطبع أول ما رآه فاذا أخذه وأراد أن ينتفع به ينكسر ويفنى (حكى) انه حمل الى بعض الملوك قدح فيروزج مرصعا بالجواهر لم يرله نظير وفرح به الملك فرحا شديدا فقال لمن عنده من الحكماء كيف ترى هذا قال أراه فقرا حاضرا ومصيبة عاجلة قال وكيف ذلك قال ان انكسر فهو مصيبة لا جبر لها وان سرق صرت فقيرا اليه وقد كنت قبل أن يحمل إليك في أمن من المصيبة والفقر فاتفق انه انكسر القدح يوما فعظمت المصيبة على الملك وقال صدق الحكيم ليته لم يحمل إلينا ثم كونها متاع الغرور والخدعة انما هو لمن اطمأن بها ولم يجعلها ذريعة الى الآخرة واما من اشتغل فيها بطلب الآخرة فهى له متاع بلاغ الى ما هو خير منها وهى الجنة فالدنيا غير مقصودة لذاتها بل لأجر الآخرة وفي الحديث نعم المال الصالح للرجل الصالح (وفي المثنوى)
مال راكذ بهر حق باشى حمول ... نعم مال صالح كفتش رسول
فما شغل العبد عن الآخرة فهو من الدنيا ومالا فهو من الآخرة قال بعض الكبار ورد خطاب الهى يقول فيه خلقت الخلق لينظروا الى مفاتيح الدنيا ومحاسن الناس فيؤديهم النظر فى مفاتيح الدنيا الى الزهد فيها ويؤديهم النظر في محاسن الناس الى حسن الظن بهم فعكسوا القضية فنظروا الى محاسن الدنيا فرغبوا فيها ونظروا الى مساوى الناس فاغتابوهم (حكى) ان الشيخ أبا الفوارس شاهين بن شجاع
الكرماني رحمه الله خرج للصيد وهو ملك كرمان فأمعن فى الطلب حتى وقع في برية مقفرة وحده فاذا هو بشاب راكب على سبع وحوله سباع فلما(9/372)
سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24) لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)
رأته ابتدرت نحوه فزجرها الشباب عنه فلما دنا اليه سلم عليه وقال له يا شاه ما هذه الغفلة عن الله اشتغلت بدنياك عن آخرتك وبلذتك وهواك عن خدمة مولاك انما أعطاك الله الدنيا لتستعين بها على خدمته فجلتها ذريعة الى الاشتغال عنه فبينما الشاب يحدثه إذ خرجت عجوز وبيدها شربة ماء فناولتها الشاب فشرب ودفع باقيه الى الشاه فشربه فقال ما شربت شيئا ألذ منه ولا أبرد ولا أعذب ثم غابت العجوز فقال الشاب هذه الدنيا ووكلها الله الى خدمتى فما احتجت الى شيء الا أحضرته الى حين يخطر ببالي اما بلغك ان الله تعالى لما خلق الدنيا قال لها يا دنيا من خدمنى فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه فلما رأى ذلك تاب واجتهد الى ان كان من اهل الله تعالى فان قلت ان الله تعالى خلق للانسان جميع ما في الأرض ولا ينبغى للعروس أن تجمع ما نثر عليها بطريق الإعزاز والإكرام فمن عرف شأنه الجليل ما نظر الى الأمر الحقير القليل بل كان من اهل المروءة والهمة العالية في الاعراض عما سوى الله تعالى والإقبال والتوجه الى الله تعالى سابِقُوا اى سارعوا مسارعة السابقين لأقرانهم في المضمار وهو الميدان إِلى مَغْفِرَةٍ عظيمة كائنة مِنْ رَبِّكُمْ اى الى أسبابها وموجباتها كالاستغفار وسائر الأعمال الصالحة اى بحسب وعد الله والا فالعمل نفسه غير موجب وفي دعائه عليه السلام أسألك عزائم مغفرتك اى أن توفقنى للاعمال التي تغفر لصاحبها لا محالة ويدحل فيها المسابقة الى التكبيرة الاولى مع الامام ونحوها سلمى قدس سره كفت كه وسيله معفرت حضرت رسالت است عليه السلام پس حق سبحانه وتعالى ميفرمايد كه شتاب نماييد بمتابعت او كه سبب آمرزش است
پيغمبر كسى را شفاعت كرست ... كه بر جاده شرع پيغمبرست
قال الشيخ الشهير بافتاده قدس سره ان الله تعالى أرسلنا من عالم الأمر الى عالم الأرواح ثم منه الى عالم الأجسام وخلقنا في أحسن نقويم وأعطانا اختيارا جزئيا وقال ان كنتم صرفتم ذلك الاختيار الى جانب العبادات والطاعات والى طريق الوصول الى الحسنات أدخلكم الجنة وأيسر لكم الوصال ورؤية الجمال وأمرنا بالاسراع الى تلك الطريق على وجه المبالغة فان صيغة المفاعلة للمبالغة وانما امر بمبالغة الاسراع لقلة عمر الدنيا وقد ذهب الأنبياء والأولياء ونحن نذهب ايضا فينبغى أن نسرع في طريق الحق لئلا يفوت الوصول الى الدرجات العالية بالإهمال والتكاسل وطريق الاسراع في مرتبة الطبيعة الامتثال بالأوامر والاجتناب عن النواهي وفي مرتبة النفس تزكيتها عن الأخلاق الرديئة كالكبر والرياء والعجب والغضب والحسد وحب المال وحب الجاه وتحليتها بالأخلاق المحمودة كالتواضع والإخلاص ورؤية التوفيق من الله والحلم والصبر والرضى والتسليم والعشق والارادة ونحوها وفي مرتبة الروح بتحصيل معرفة الله تعالى وفي مرتبة السر بنفي ما سوى الله تعالى وقال البقلى قدس سره دعا المريدين الى مغفرته بنعت الاسراع ودعا المشتاقين الى جماله بنعت الاشتياق وقد دخل الكل في مظنة الخطاب لان الكل قد وقعوا في بحار الذنوب حين لم يعرفوه حق معرفته ولم يعبدوه حق عبادته فدعاهم جميعا الى التطهير في بحر رحمته حتى صاروا متطهرين من غرورهم بانهم(9/373)
عرفوه فاذا وصلوا الى الله عرفوا انهم لم يعرفوه فيأخذ الله بأيديهم بعد ذلك ويكرمهم بأنواع ألطافه تم ان المسابقة انما تكون بعد القصد والطلب (وفي المثنوى)
كر كران وكر شتابنده بود ... آنكه كوينده است يابنده بود
وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ اى كعرض سبع سموات وسبع ارضين لو وصل بعضها ببعض على أن يكون اللام في السماء والأرض للاستغراق وإذا كان عرضها كذلك فما ظنك بطولها فان طول كل شيء اكثر من عرضه قال إسماعيل السدى رحمه الله لو كسرت السموات والأرض وصرن خرد لا فبكل خردلة لله جنة عرضها كعرض السموات والأرض ويقال هذا التشبيه تمثيل للعباد بما يعقلون ويقع في نفوسهم مقدار السموات والأرض وتقديم المغفرة على الجنة لتقدم التخلية على التحلية أُعِدَّتْ هيئت لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ فيه دليل على ان الجنة مخلوقة بالفعل كما هو مذهب اهل السنة وان الايمان وحده كاف في استحقاقها إذ لم يذكر مع الايمان شيء آخر ولكن الدرجات باعمال وفيه شيء فان الايمان بالرسل انما يكمل بالايمان
بما في أيديهم من الكتب الالهية والعمل بما فيها ذلِكَ الذي وعد من المغفرة والجنة فَضْلُ اللَّهِ وعطاؤه وهو ابتداء لطف بلا علة يُؤْتِيهِ تفضلا وإحسانا مَنْ يَشاءُ ايتاءه إياه من غير إيجاب لا كما زعمه اهل الاعتزال وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ولذلك يؤتى من يشاء مثل ذلك الفضل الذي لا غاية وراءه والمراد منه التنبيه على عطاء ان العظيم عظيم والاشارة الى ان أحدا لا يدخل الجنة الا بفضل الله نبيا او وليا قال عليه السلام خرج منه عندى خليلى جبرائيل عليه السلام آنفا فقال يا محمد والذي بعثك بالحق ان عبدا من عباد الله عبد الله خمسمائة سنة على رأس جبل يحيط به بحر فأخر الله له عينا عذبة في أسفل الجبل وشجرة رمان كل يوم تخرج رمانة فاذا أمسى نزل وأصاب من الوضوء وأخذ تلك الرمانة فأكلها ثم قام للصلاة فسأل ربه أن يقبض روحه ساجدا وأن لا يجعل للارض ولا لشيء على جسده سبيلا على يبعثه الله وهو ساجد ففعل ونحن ونمر عليه إذا هبطنا وإذا عرجنا وهو على حاله في السجود قال جبريل فنحن نجد في العلم انه يبعث يوم القيامة فيوقف بين يدى الله فيقول له الرب ادخلوا عبدى الجنة برحمتي فيقول العبد بل بعملي فيقول الله قابسوا عبدى بنعمتي عليه وبعمله فتوجد نعمة البصر قد أحاطت بعبادة خمسمائة سنة وبقيت عليه النعم الباقية بلا عبادة في مقابلتها فيقول الله ادخلوا عبدى النار فيجر الى النار فينادى ويقول برحمتك أدخلني الجنة فيقول الله ردوه الى فيوقف بين يديه فيقول عبدى من خلقك ولم تك شيأ فيقول أنت يا رب فيقول أكان ذلك بعملك او برحمتي فيقول بل رحمتك فيقول من قواك على عبادة خمسمائة سنة فيقول أنت يا رب فيقول من أنزلك في جبل وسط البحر وأخرج الماء العذب من بين المالح وأخرج لك رمانة كل ليلة وانما تخرج في السنة مرة واحدة وسألتنى أن أقبضك ساجدا من فعل بك ذلك كله فيقول أنت يا رب قال فذلك كله برحمتي وبرحمتي أدخلك الجنة
چورويى بخدمت نهى بر زمين ... خدا را ثنا كوى وخود را مبين
امدى كه دارم بفضل خداست ... كه بر سعى خود تكيه كردن خطاست(9/374)
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)
همين اعتمادم بيارئ حق ... اميدم بآمر ز كارئ حق
ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ ما نافية والمصيبة أصلها في الرمية يقال أصاب السهم إذا وصل الى المرمى بالصواب ثم اختص بالنائبة اى ما حدث من حادثة كائنة في الأرض كجدب وعاهة في الزروع والثمار ولا في أنفسكم كمرض وآفة وموت ولد وخوف عدو وجوع إِلَّا فِي كِتابٍ اى الا مكتوبة مثبتة في علم الله او في اللوح المحفوظ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها نخلق الأنفس او المصائب او الأرض فان البرء في اللغة هو الخلق والبارئ الخالق وذكر ربيع بن صالح الأسلمي قال دخلت على سعيد بن جبير حين جيئ به الى الحجاج حين أراد قتله فبكى رجل من قومه فقال سعيد ما يبكيك قال ما أصابك قال فلا تبك قد كان فى علم الله أن يكون هذا ألم تسمع قول الله تعالى ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا فى أنفسكم الا في كتاب من قبل أن نبرأها قال في الروضة رؤى الحجاج في المنام بعد وفاته فقيل ما فعل الله بك فقال قتلنى بكل قتيل قتلة وبسعيد بن جبير سبعين قتلة وفي الآية دليل على ان جميع الحوادث الارضية قبل دخولها في الوجود وكذا جميع اعمال الخلق بتفاصيلها مكتوبة في اللوح المحفوظ ليستدل الملائكة بذلك المكتوب على كونه تعالى عالما بجميع الأشياء قبل وجودها وليعرفوا حلمه فانه تعالى مع علمه انهم يقومون على المعاصي خلقهم ورزقهم وأملهم وليحذروا من أمثال تلك المعاصي وليشكروا الله على توفيقه إياهم للطاعات وعصمته إياهم من المعاصي وفيها دليل ايضا انه تعالى يعلم الأشياء قبل وقوعها لان إثباتها فى الكتاب محال ولو سأل سائل ان الله تعالى هل يعلم عدد أنفاس اهل الجنة يقال له ان الله يعلم انه لا عدد لأنفاسهم إِنَّ ذلِكَ اى إثباتها في كتاب مع كثرتها عَلَى اللَّهِ متعلق بقوله يَسِيرٌ لاستغنائه فيه عن العدة والمدة وان كان عسيرا على العباد قال الجنيد قدس سره من عرف الله بالربوبية وافتقر اليه في اقامة العبودية وشهد بسره ما كشف الله له من آثار القدرة بقوله ما أصاب إلخ فسمع هذا من ربه وشهد بقلبه وقع في الروح والراحة وانشرح صدره وهان عليه ما يصيبه فان قلت كان الله قادرا على أن يوصل العباد اليه بلا تعب ولا مصيبة فكيف أوقعهم في المحن والبلايا قلت أراد أن يعرفهم بامتحان القهر حقائق الربوبية وغرائب الطرق اليه حتى يصلوا اليه من طريق الجلال والجمال ففى الآية توطين للنفوس على الرضى بالقضاء والصبر على البلاء وحمل لها على شهود المبتلى في عين البلاء فان به يسهل التحمل والا فمن كان غافلا عن مبدأ اللطف والقهر فهو غافل في اللطف والقهر ولذا تعظم عليه المصيبة بخلاف حال أهل الحضور فانهم يلتذون بالبلاء التذاذهم بالعافية بل ولذة البلاء فوق لذة العافية
از دست تو مشت بر دهانم خوردن ... خوشتر كه بدست خويش نانم خوردن
ومن أمثال العرب ضرب الحبيب زبيب اى لذيذ لِكَيْلا تَأْسَوْا يقال أسى على مصيبته يأسى أسى من باب علم اى حزن اى اخبرناكم بإثباتها وكتابتها في كتاب كيلا يحصل لكم الحزن والألم عَلى ما فاتَكُمْ من نعم الدنيا كالمال والخصب والصحة والعافية(9/375)
وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ اى أعطاكم الله منها فان من علم ان كلا من المصيبة والنعمة مقدر يفوت ما قدر فواته ويأتى ما قدر إتيانه لا محالة لا يعظم جزعه على ما فات ولا فرحه بما هو آت إذ يجوز أن يقدر ذهابه عن قريب وقيل لبرز جمهر أيها الحكيم مالك لا تحزن على ما فات ولا تفرح بما هو آت قال لان الفائت لا يتلافى بالعبرة والآتي لا يستدام بالحبرة اى بالحبور والسرور لا التأسف يرد فائتا ولا الفرح يقرب معدوما قال ابن مسعود رضى الله عنه لأن أمس جمرة أحرقت ما أحرقت وأبقت ما أبقت أحب الى من أن أقول لشيء لم يكن ليته كان (قال الكاشفى) اخبارست بمعنى نهى يعنى از ادبار دنيا ملول واز اقبال او مسرور مشويد كه نه آنرا قراريست ونه اين را اعتباري كردست
دهد كراى شادى نكند ... ورفوت شود نير نير زد بغمى
واز مرتضى رضى الله عنه منقولست كه هر كه بدين آيت كار كند هر آيينه فراگيرد زهد او
را بهر دو طرف او يعنى زاهدى تمام باشد و چهـ زيبا كفته اند
مال اربتور ونهد مشو شاد از ان ... ور فوت شود مشو بفرياد از ان
پندست پسنديده بكن ياد از ان ... تا دينى ودينت شود آباد از ان
والمراد بالآية نفى الأسى المانع عن التسليم لامر الله والفرح الموجب للبطر والاختيال ولذا عقب بقوله تعالى وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ فان من فرح بالحظوظ الدنيوية وعظمت في نفسه اختال وافتخر بها لا محالة والمختال المتكبر المعجب وهو من الخيلاء وهو التكبر من تخيل فضيلة تترآءى للانسان من نفسه ومنها يتأول لفظ الخيل لما قيل انه لا يركب أحد فرسا الا وجد في نفسه نخوة وبالفارسية وخداى تعالى دوست ندارد هر متكبرى را كه بر نعمت دنيا بر ديكرى تطاول كند فخور نازنده بدنيا وفخر كننده بدان بر اكفاء واقران قال في بحر العلوم المختال ذو الخيلاء والكبر وهو من العام المخصوص بدليل قول النبي عليه السلام ان من الخيلاء ما يحبها الله ومنها ما يبغضها الله اما الخيلاء التي يحبها الله فالاختيال عند الصدقة واختيال الرجل بنفسه عند اللقاء واما الخيلاء التي يبغضها الله فالاختيال فى البغي والفجور اى لا يحب كل متكبر بما أوتى من الدنيا فخور مبالغ في الفخر به على الناس انتهى وصف بعض البلغاء متكبرا فقال كأن كسرى حامل غاشيته وقارون وكيل نفقته وبلقيس احدى دايانه وكأن يوسف لم ينظر الا بمقلته ولقمان لم ينطق الا بحكمته وكأن الخضراء له عرشت والغبراء باسمه فرشت وفي تخصيص التذييل بالنهى عن الفرح المذكور إيذان بأنه أقبح من الأسى وفي الآية اشارة الا انه يلزم أن يثبت الإنسان على حال في السرآء والضراء فان كان لا بد له من فرح فليفرح شكرا على عطائه لا بطرا وان كان لا بد من حزن فليحزن صبرا على قضائه لا ضجرا قال قتيبة بن سعيد دخلت على بعض احياء العرب فاذا أنا بفضاء مملوء من الإبل الميتة بحيث لا تحصى ورأيت شخصا على تل يغزل صوفا فسألته فقال كانت باسمي فارتجعها من أعطاها ثم أنشأ يقول
لا والذي انا عبد من خلائقه ... والمرء في الدهر نصب الرزء والمحن(9/376)
ما سرنى أن ابلى في مباركها ... وما جرى من قضاء الله لم يكن
قال البقلى قدس سره طالب الله بهذه الآية اهل معرفته بالاستقامة والاتصاف بصفاته اى كونوا في المعرفة بأن لا يؤثر فيكم الفقدان والوجدان والقهر واللطف والاتصال والانفصال والفراق والوصال لان من شرط الاتصاف أن لا يجرى عليه احكام التلوين والاضطراب في اليقين والاعوجاج في التمكين قال القاسم رحمه الله ولا تأسوا على ما فاتكم من أوقاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم من توبتكم وطاعتكم فانك لا تدرى ما قدر الله فيك وقضى وقال الواسطي رحمه الله الفرح بالكرامات من الاغترارات والتلذذ بالإفضال نوع من الاغفال والخمود تحت جريان الأمور زين لكل مأمور وقال شيخى وسندى رحمه الله في كتاب اللائحات والبرقيات لا تحزنوا بما فاتكم مما سوى الله ولا تفرحوا بما آتاكم مما عدا الله حتى لا تظلموا الحزن والفرح بوضعهما في غير موضعهما وأحزنوا بما فاتكم من الله وافرحوا بما آتاكم من الله حتى تعدلوا فيهما بوضعهما في موضعهما لان الله تعالى حق وما خلاه باطل فكما ان الحزن والفرح بالحق حق وعدل لهما والفاعل للحق محق وعادل فكذلك ان الحزن والفرح بالباطل باطل وظلم لهما والفاعل بالباطل مبطل وظالم ولا يفرح ولا يحزن بالله الا المهاجرون الى الله ولا يحزن ولا يفرح بما سوى الله الا المعرضون عن الله فعليك بسبيل العادلين في جميع أحوالك وإياك وطريق الظالمين ومما سوى الله المال والملك قال الحسن رضى الله عنه لصاحب المال في ماله مصيبتان لم يسمع الأولون والآخرون بمثلهما يسلب عن كله ويسأل عن كله
همه تخت وملكى پذيرد زوال ... بجز ملك فرمان ده لا يزال
هنر بايد وفضل ودين وكمال ... كه كاه آيد وكه رود جاه ومال
(حكى) ان طيرا في عهد سليمان عليه السلام كان له صورة حسنة وصوت حسن اشتراه رجل بألف درهم وجاء طير آخر فصاح صيحة فوق قفصه وطار فسكت الطير وشكا الرجل الى سليمان فقال احضروه فلما احضروه وقال سليمان لصاحبك عليك حق فقد اشتراك بثمن غال فلم سكت قال يا نبى الله قل له حتى يرفع قلبه عنى انى لا أصيح ابدا ما دمت فى القفص قال لم قال لان صياحى كان من الجزع الى الوطن والأولاد وقد قال لى ذلك الطير انما حبسك لاجل صوتك فاسكت حتى تنجو فقال سليمان للرجل ما قال الطير فقال الرجل أرسله يا نبى الله فانى كنت أحبه لصوته فأعطاه سليمان ألف درهم ثم أرسل الطير فطار وصاح سبحان من صورنى وفي الهولء طرينى ثم في القفص صيرنى ثم قال سليمان ان الطير ما دام في الجزع لم يفرج عنه فلما صبر فرج عنه وبسببه خلص الرجل من التعلق به ففيه اشارة الى الفناء عن أوصاف النفس فاذا فنى العبد عنها تخلص من الاضطراب وجاز الى عالم السكون ومعرفة سر القدر وفي الحديث (الايمان بالقدر يذهب إليهم والحزن) قال الشيخ ابو عبد الله محمد بن على الترمذي الحكيم قدس سره ولقد مرضت في سالف أيامي مرضة فلما شفانى الله منها مثلث نفسى بين ما دبر الله لى من هذه العلة في مقدار هذه المدة وبين عبادة الثقلين في مقدار ايام علتى فقلت لو خيرت بين(9/377)
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)
هذه العلة وبين أن تكون لى عبادة الثقلين في مقدار مدتها الى أيهما تميل اختيارا فصح عزمى ودام يقينى ووقعت بصيرتى على ان مختار الله تعالى لى اكثر شرفا وأعظم خطرا وأنفع عاقبة وهى العلة التي دبرها لى ولا شوب فيه إذ كان فعله فشتان بين فعله بك لتنجوبه وبين فعلك لتنجوبه فلما رأيت هذا دق في عينى عبادة الثقلين مقدار تلك المدة في جنب ما آتاني الله فصارت العلة عندى نعمة وصارت النعمة منة وصارت المنة املا وصار الأمل عطفا فقلت في نفسى بهذا كانوا يستمرون في البلاء على طيب النفوس مع الحق وبهذا الذي انكشف كانوا يفرحون بالبلاء انتهى (قال الصائب) ترك هستى كن كه آسودست از تاراج سيل هر كه پيش از سيل رخت خود برون از خانه ريخت الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ بدل من كل مختال فان المختال بالمال يضن به غالبا ويأمر غيره به وهذا غاية الذم انه يبخل الإنسان ويأمر غيره بالبخل والمعنى يمسكون أموالهم ولا يخرجون منها حق الله فان البخل إمساك المقتنيات عما يحق إخراجها فيه ويقابله الجود يقال بخل فهو باخل واما البخيل فالذى يكثر منه البخل كالرحيم من الراحم والبخل ضربان بخل بقنيات نفسه وبخل بقنيات غيره وهو أكثرهما وعلى ذلك قوله تعالى الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل كما في المفردات وبالفارسية مختال وفخور آنانند كه با وجود دنيا دارى وجمع اسباب آن بخل كنند ومال خود در راه خدا صرف ننمايند وبا وجود بخل خود امر نمايند مرد مانرا به بخيلي كردن وعن النبي عليه السلام انه قال لبنى سلمة من سيدكم قالوا الجد بن قيس وانا لنبخله فقال واى داء ادوأ من البخل بل سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح وفي الحديث اربعة لا يجدون ريح الجنة وان ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام البخيل والمنان ومدمن الخمر والعاق للوالدين وَمَنْ وهر كه يَتَوَلَّ يعرض عن الانفاق فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ عنه وعن إنفاقه الْحَمِيدُ المحمود في ذاته لا يضره الاعراض عن شكره ولا ينفعه التقرب اليه بشيء من نعمه وفيه تهديد واشعار بأن الأمر بالإنفاق لمصلحة المنفق واشارة الى ان من أعرض عن الإقبال على الله والأدبار عن الانفاق فان الله غنى بحسب ذاته عن إقباله وبحسب صفاته عن إدباره بل هو حميد في ذاته وصفاته لا ينفعه إقباله ولا يضره إدباره إذ الضار النافع هو لا غيره وايضا الى النفوس البشرية الامارة بالسوء بالتقاعد عن الاقدام على الطاعة والعبادة ودعوة القلوب والأرواح الى الارتكاب للمعاصى والاجتناب عن الطاعات بحسب الغلبة في بعض الأوقات لاستهلاك القوى الروحانية بحسب ظلمات القوى الجسمانية قال بعض الكبار الإنسان من حيث نشأته الطبيعية سعيد وكذلك من حيث نفسه الناطقة ما دامت كل نشأة منفردة عن صاحبتها فما ظهرت المخالفة الا بالمجموع ولما جبل الإنسان على الإمساك لان أصله التراب وفيه يبس وقبض لم يرض بذهاب مال نفسه وغيره فلذا بخل وامر بالبخل
زر از بهر خوردن بود اى پدر ... ز بهر نهادن چهـ سنك و چهـ زر(9/378)
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)
لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا اى الملائكة الى الأنبياء او الأنبياء الى الأمم وهو الأظهر كما فى الإرشاد بِالْبَيِّناتِ بحجتهاى روشن كه معجزاتست با شريعتهاى واضحه فان قلت المعجزات يخلقها الله على يدى مدعى النبوة كاحياء الموتى وقلب العصا واليد البيضاء وشق القمر من غير نزول الملك بها نعم معجزة القرآن نزل بها الملك ولكن نزوله بها على كل رسول غير ثابت قلت معنى نزول الملك بها ان الله يخبره على لسانه بوقوع تلك المعجزة على يده وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ اى جنس الكتب الشامل للكل لتبيين الحق وتمييز صواب العمل اى لتكميل القوة النظرية والعملية قوله معهم يجعل على تفسير الرسل بالأنبياء حالا مقدرة من الكتاب اى مقدرا كونه معهم والا فالانبياء لم ينزلوا حتى ينزل معهم الكتاب فالنزول مع الكتاب شأن الملائكة والانزال إليهم شأن الأنبياء ولذا قدم الوجه الاول إذ لو كان المعنى لقد أرسلنا الأنبياء الى الأمم لكان الظاهر أن يقال وأنزلنا إليهم الكتاب وَالْمِيزانَ بالفارسية ترازو لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ليتعاملوا بينهم بالعدل إيفاء واستيفاء ولا يظلم أحد أحدا في ذلك وانزاله إنزال أسبابه والأمر باعداده والا فالميزان من مصنوعات البشر وليس بمنزل من السماء (وروى) ان جبريل عليه السلام نزل بالميزان نفسه فدفعه الى نوح عليه السلام وقال مرقومك يزنوا به يعنى تا تسويه حقوق كنند بدان در ميان يكديكر بوقت معاملات وقال الامام الغزالي رحمه الله أتظن ان الميزان المقرون بالكتاب هو ميزان البر والشعير والذهب والفضة أم تتوهم انه هو الطيار والقبان ما أبعد هذا الحسبان وأعظم هذا البهتان فاتق الله ولا تتعسف في التأويل واعلم يقينا ان هذا الميزان هو ميزان معرفة الله ومعرفة ملائكته وكتبه ورسله وملكه وملكوته ليتعلم كيفية الوزن به من أنبيائه كما تعلموا من ملائكته فالله هو المعلم الاول والثاني جبرائيل والثالث الرسول والخلق كلهم يتعلمون من الرسول ما لهم طريق في المعرفة سواه والكل عبارته بلا تغيير وليت شعرى ما دليله على ما ذهب اليه من العدول عن الظاهر كذا في بحر العلوم يقول الفقير لعل دليله قوله تعالى شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط اى حاكما بالعدل او مقيما للعدل في جميع أموره فاذا كان الله قائما بالعدل في جميع الأمور كان الواجب على العباد أن يقوموا به ايضا ولن يقوموا به حقيقة الا بعد العلم الشامل والمعرفة الكاملة وهى معرفة الله فهى الميزان الكلى وما عداه من جميع الأمور مبنى عليه وموزون به وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ قيل نزل آدم عليه السلام من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد الاول السندان وهو سندان الحداد بالفتح كما في القاموس وإياه عنى الشيخ سعدى في قوله
چوسندان كسى سخت رويى تبرد ... كه خايسك تأديب بر سر نخورد
والثاني الكلبتان وهو ما يأخذ به الحداد الحديد المحمى كما في القاموس والثالث الميقعة بكسر الميم بعدها ياء مثناة تحتانية أصله موقعة قال في القاموس الميقعة خشبة القصار يدق عليها والمطرقة والمسن الطويل وقد وقعته بالميقعة فهو وقيع حددته بها والرابع المطرقة وهى آلة الطرق اى الضرب والخامس الابرة وهى مسلة الحديد وروى ومعه المر والمسحاة قال(9/379)
فى القاموس المر بالفتح المسحاة وهى ما سحى به اى قشر وجرف وفي الحديث ان الله أنزل اربع بركات من السماء الى الأرض أنزل الحديد والنار والماء والملح وعن ابن عباس رضى الله عنهما ثلاثة أشياء نزلت مع آدم عليه السلام الحجر الأسود وكان أشد بياضا من الثلج وعصا موسى وكانت من آس الجنة طولها عشرة اذرع والحديد وعن الحسن رحمه الله وأنزلنا الحديد خلقناه كقوله تعالى وأنزل لكم من الانعام وذلك ان أوامره وقضاياه وأحكامه تنزل من السماء قال بعضهم وأخرجنا الحديد من المعادن لان العدل انما يكون بالسياسة والسياسة مفتقرة الى العدة والعدة مفتقرة الى الحديد واصل الحديد ماء وهو منزل من السماء فِيهِ اى في الحديد بَأْسٌ شَدِيدٌ وهو القتال به او قوة شديدة يعنى السلاح للحرب لان آلات الحرب انما تتخذ منه وبالفارسية كارزار سخت است يعنى آلتها كه در كار زار بكار آيد از وسازند خواه از
براى دفع دشمن چون سنان ونيزه وشمشير و پيكان وخنچر وأمثال آن وخواه براى حفظ نفس خود چون زره وخود وجوشن وغير آن وفيه اشارة الى ان تمشية قوانين الكتاب واستعمال آلة التسوية يتوقفان على دال صاحب سيف ليحصل القيام بالقسط وان الظلم من شيم النفوس والسيف حجة الله على من عنده ظلم وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ كالسكين والفأس والمر والابرة ونحوها وما من صنعة الا والحديد او ما يعمل بالحديد آلتها وفيه اشارة الى ان القيام بالقسط كما يحتاج الى القائم بالسيف يحتاج ايضا الى ما به قوام التعايش من الصنائع وآلات المحترقة والى سيف الجذبة المتخذ من حديد القهر إذ لا بد لكل تجلى جلالى من كون التجلي الجمالي فيه وبالعكس وهم الأولياء وهم يميلون الى الحق بكثرة الألطاف والأعطاف الربانية كما قال تعالى يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التي أنعمت عليكم وانى فضلتكم على العالمين وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ عطف على محذوف يدل عليه ما قبله فانه حال متضمنة للتعليل كانه قيل ليستعملوه وليعلم الله علما يتعلق به الجزاء من ينصره ورسله باستعمال السيوف والرماح وسائر الاسلحة في مجاهدة أعدائه بِالْغَيْبِ حال من فاعل ينصر اى غائبين عنه تعالى كما قال ابن عباس رضى الله عنهما ينصرونه ولا يبصرونه وانما يحمد ويثاب من أطاع بالغيب من غير معاينة للمطاع او من مفعوله اى حال كونه تعالى غائبا عنهم غير مرئى لهم إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ على إهلاك من أراد إهلاكه عَزِيزٌ لا يفتقر الى نصرة الغير وانما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به ويستوجبوا ثواب الامتثال فيه والقوة عبارة عن شدة البنية وصلابتها المضادة للضعف وهى في حق الله بمعنى القدرة وهى الصفة التي بها يتمكن الحي من الفعل وتركه بالارادة والعزة الغلبة على كل شيء قال الزروقى رحمه الله القوى هو الذي لا يلحقه صعف في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله فلا يمسه نصب ولا تعب ولا يدركه قصور ولا عجز في نقض ولا إبرام وخاصية هذا الاسم ظهور القوة في الوجود فما تلاه ذو همة ضعيفة إلا وجد القوة ولا ذو جسم ضعيف الا كان له ذلك ولو ذكره مظلوم بقصد إهلاك الظالم ألف مرة كان له ذلك وكفى أمره وخاصية الاسم العزيز وجود الغنى والعز صورة او معنى فمن ذكره(9/380)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (26) ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
أربعين يوما في كل يوم أربعين مرة أعانه الله وأعزه فلم يحوجه لأحد من خلقه وفي الأربعين الادريسية يا عزيز المنيع الغالب ملى امره فلا شيء يعادله قال السهروردي رحمه الله من قرأه سبعة ايام متواليات كل يوم ألفا أهلك خصمه وان ذكره في وجه العسكر سبعين مرة ويشير إليهم بيده فانهم ينهزمون وَلَقَدْ أَرْسَلْنا اى وبالله قد بعثنا نُوحاً الى قومه وهم بنوا قابيل وهو الأب الثاني وَإِبْراهِيمَ الى قومه ايضا وهم نمرود ومن تبعه ذكر الله رسالتهما تشريفا لهما بالذكر ولانهما من أول الرسل وأبوان للانبياء عليهم السلام فالبشر كلهم من ولد نوح والعرب والعبرانيون كلهم من ولد ابراهيم وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا اى في نسلهما النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ بأن استنبأنا بعض ذريتهما وأوحينا إليهم الكتب مثل هود وصالح وموسى وهرون وداود وغيرهم فلا يوجد نبى ولا كتاب الا وهو مدل إليهما بأمتن الأسباب وأعظم الإنسان فَمِنْهُمْ اى فمن ذرية هذين الصنفين او من المرسل إليهم المدلول عليهم بذكر الإرسال والمرسلين يعنى پس بعضى از انها كه أنبياء بر ايشان آمدند مُهْتَدٍ اى الحق يعنى ايمان آورده بكتاب ونبى وثابت شد بر دين خود وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ خارجون عن الطريق المستقيم فيكونون ضالين لا محالة ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا اى ثم أرسلنا بعدهم رسلنا والضمير لنوح وابراهيم ومن أرسلا إليهم من الأمم يعنى بعد از نوح وهود وصالح را وبعد از ابراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب ويوسف را او من عاصرهما من الرسل ولا يعود الى الذرية فان الرسل المقفى بهم من الذرية يقال قفا أثره اتبعه وقفى على اثره بفلان اى اتبعه إياه وجاء به بعده والآثار جمع اثر بالكسر تقول خرجت على اثره اى عقبه فالمعنى اتبعنا من بعدهم واحدا بعد واحد من الرسل قال الحريري في درة الغواص يقال شفعت الرسول بآخر اى جعلتهما اثنين فاذا بعثت بالثالث فوجه الكلام أن يقال عززت بثالث اى قويت كما قال تعالى فعززنا بثالث فان واترت الرسل فالاحسن أن يقال قفيت بالرسل كما قال تعالى ثم قفينا على آثارهم برسلنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ اى أرسلنا رسولا بعد رسول حتى انتهى الى عيسى بن مريم فأتينا به بعدهم يعنى واز پى در آورديم اين رسل را وتمام كرديم أنبياء بنى إسرائيل را بعيسى ابن مريم فأول أنبياء بنى إسرائيل موسى وآخرهم عيسى وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ دفعة واحدة وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ المؤمنين الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ اى عيسى في دينه كالحواريين واتباعهم رَأْفَةً وهى اللين وَرَحْمَةً وهى الشفقة اى وقفينا رأفة اى أشد رقة على من كان يتسبب الى الاتصال بهم ورحمة اى رقة وعطفا على من لم يكن له سبب فى الصلة بهم كما كان الصحابة رضى الله عنهم رحماء بينهم حتى كانوا اذلة على المؤمنين مع ان قلوبهم في غاية الصلابة فهم اعزة على الكافرين قيل أمروا في الإنجيل بالصفح والاعراض عن مكافأة الناس على الأذى
بدى را بدى سهل باشد جزا ... اگر مردى احسن الى من اسا
وقيلى لهم من لطم خدك الأيمن قوله خدك الأيسر ومن سلب ردآءك فأعطه قميصك(9/381)
ولم يكن لهم قصاص على جناية في نفس او طرف فاتبعوا هذه الا وامر وأطاعوا الله وكانوا متوادين ومتراحمين ووصفوا بالرحمة خلاف اليهود الذين وصفوا بالقسوة وَرَهْبانِيَّةً منصوب اما بفعل مضمر يفسره الظاهر اى وابتدعوا اى اتباع عيسى رهبانية ابْتَدَعُوها اى حملوا أنفسهم على العمل بها واما بالعطف على ما قبلها وابتدعوها صفة لها اى وجعلنا فى قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية مبتدعة من عندهم اى وقفيناهم للتراحم بينهم ولابتداع الرهبانية واستحداثها قال في فتح الرحمن المعتزلة تعرب رهبانية على انها نصب بإضمار فعل يفسره ابتدعوها وليست بمعطوفة على رأفة ورحمة ويذهبون في ذلك الى ان الإنسان يخلق أفعاله فيعربون الآية على مذهبهم انتهى والرهبانية المبالغة في العبادة بمواصلة الصوم ولبس المسوح وترك أكل اللحم والامتناع عن المطعم والمشرب والملبس والنكاح والتعبد في الغيران ومعناها العفلة المنسوبة الى الرهبان بالفتح وهو الخائف فان الرهبة مخافة مع تحزن واضطراب كما في المفردات فعلان من رهب كخشيان من خشى وقرئ بضم الراء
كانها نسبة الى الرهبان جمع راهب كراكب وركبان ولعل التردد لاحتمال كون النسبة الى المفتوح والضم من التغيير النسب يعنى ان الرهبان لما كان اسما لطائفة مخصوصة صار بمنزلة العلم وان كان جمعا في نفسه فالتحق بانصار واعراب وفرآئض فقيل رهبانى كما قيل انصارى وأعرابي وفرآئضى بدون رد الجمع الى واحده في النسبة وقال الراغب في المفردات الرهبان يكون واحدا وجمعا فمن جعله واحدا جمعه على رهابين ورهبانية بالجمع أليق انتهى وهى الخصال المنسوبة الى الرهبان وسبب ابتداعهم إياها ان الجبابرة ظهروا على المؤمنين بعد رفع عيسى فقاتلوا ثلاث مرات فقتلوا حتى لم يبق منهم الا قليل فخافوا أن يفتتنوا في دينهم فاختاروا الرهبانية في قلل الجبال فارين بدينهم مخلصين أنفسهم للعبادة منتظرين البعثة النبوية التي وعدها لهم عيسى عليه السلام كما قال تعالى ومبشرا برسول يأتى من بعدي اسمه احمد الآية (وروى) ان الله لما أغرق فرعون وجنوده استأذن الذين كانوا آمنوا من السحرة موسى عليه السلام فى الرجوع الى الأهل والمال بمصر فأذن لهم ودعا لهم فترهبوا في رؤوس الجبال فكانوا أول من ترهب وبقيت طائفة منهم مع موسى عليه السلام حتى توفاه الله ثم انقطعت الرهبانية بعدهم حتى ابتدعها بعد ذلك اصحاب المسيح عليه السلام ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ جملة مستأنفة والنفي متوجه الى اصل الفعل اى ما فرضنا عليهم تلك الرهبانية في كتابهم ولا على لسان رسولهم إِلَّا استثناء منقطع اى لكن ابتدعوها ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ اى لطلب رضاه تعالى فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها اى فمارعوا جميعا حق رعايتها بضم التثليث والقول بالاتحاد وقصد السمعة والكفر بمحمد عليه السلام ونحوها اليه قال عليه السلام من آمن بي وصدقنى فقد رعاها حق رعايتها ومن لم يؤمن بي فاولئك هم الهالكون قال مقاتل لما استضعفوا بعد عيسى التزموا الغيران فما صبروا وأكلوا الخنازير وشربوا الخمور ودخلوا مع الفساق وفي المناسبات فمارعوها اى لم يحفظها المقتدون بهم بعدهم كما أوجبوا على أنفسهم حق رعايتها اى بكمالها بل قصروا فيها ورجعوا عنها ودخلوا في دين(9/382)
ملوكهم ولم يبق على دين عيسى عليه السلام الا قليل ذمهم الله بذلك من حيث ان النذر عهد مع الله لا يحل نكثه سيما إذا فصد رضاه تعالى فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ اى من العيسيين ايمانا صحيحا وهو الايمان برسول الله عليه السلام بعد رعاية رهبانيتهم لا مجرد رعايتها فانها بعد البعثة لغو محض وكفر بحت وانى لها استتباع الأجر قال في كشف الاسرار لما بعث النبي عليه السلام ولم يبق منهم الا قليل حط رجل من صومعته وجاء سائح من سياحته وصاحب الدير وديره فآمنوا به والصومعة كل بناء متصومع الرأس اى متلاصقه والدير خان النصارى وصاحبه ديار أَجْرَهُمْ اى ما يحسن ويليق بهم من الاجر وهو الرضوان وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ اى من العيسيين وهم الذين ابتدعوا فضيعوا وكفروا بمحمد عليه السلام فاسِقُونَ خارجون عن حد الاتباع وهم الذين تهودوا وتنصروا قال في تفسير المناسبات وكذلك كان في هذه الامة فانه لما توفى رسول الله تبعه خلفاؤه بإحسان فلما مضت الخلافة الراشدة وتراكمت الفتن كما اخبر عليه السلام واشتد البلاء على المتمسكين بصريح الايمان ورجم البيت بحجارة المنجنيق وهدم وقتل عبد الله بن الزبير رضى الله عنه واستبيحت مدينة رسول الله عليه السلام ثلاثة ايام وقتل فيها خيار المسلمين رأى المؤمنون العزلة واجبة فلزموا الزوايا والمساجد وبنوا الربط على سواحل البحر وأخذوا في الجهاد للعدو والنفوس وعالجوا تصفية اخلاقهم ولزموا الفقر أخذا من احوال اهل الصفة وتسموا بالصوفية وتكلموا على الورع والصدق والمنازل والأحوال والمقامات فهؤلاء وزان أولئك انتهى وفي الحديث يا ابن أم معبد أتدري ما رهبانية أمتي قلت الله ورسوله اعلم قال الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة والتكبير على التلاع (روى) ان نفرا من الصحابة رضى الله عنهم أخذهم الخوف والخشية حتى أراد بعضهم أن يعتزل عن النساء وبعضهم الاقامة في رؤوس الجبال وبعضهم ترك الاكل والشرب وبعضهم غير ذلك فنهاهم عليه السلام عن ذلك كله وقال لا رهبانية في الإسلام وقال رهبانية أمتي في المسجد يعنى المتعبدون من أمتي لا يأخذون مأخذ النصارى بل يعتكفون
فى المساجد دون رؤوس الجبال وقال في نفى صوم الوصال انى لست كهيئتكم انى أبيت لى مطعم يطعمنى وساق يسقينى (وفي المثنوى)
هين مكن خود را خصى رهبان مشو ... زانكه عفت هست شهوت را كرو
بي هوا نهى از هوا ممكن نبود ... غازيى بر مردكان نتوان نمود
پس كلوا از بهر دام شهوتست ... بعد از ان لا تسرفوا آن عفتست
چونكه رنج صبر نبود مر ترا ... شرط نبود پس فرو نايد جزا
حبذا آن شرط وشادا آن جزا ... آن جزاى دلنواز جان فزا
قال الشافعي رحمه الله اربعة لا يعبأ الله بهم يوم القيامة زهد خصى وتقوى جندى وأمانة امرأة وعبادة صبى وهو محمول على الغالب كما في المقاصد الحسنة ثم ذكر لا تنبغى الخلوة والعزلة قال في الاحياء لما بنى عروة قصره بالعقيق وهو كأمير موضع بالمدينة لزومه فقيل له لزمت(9/383)
القصر وتركت مسجد رسول الله فقال رأيت مساجدكم لاهية وأسواقكم لاغية والفاحشة في فجاجكم عالية ومما هنا لكم عما أنتم فيه عافية (وحكى) ان جماعة من السلف مثل مالك وغيره تركوا اجابة الدعوات وعيادة المرضى والجنائز بل كانوا أحلاس بيوتهم لا يخرجون الا الى الجمعة وزيارة القبور وبعضهم فارق الأمصار وانحاز الى قال الجبال تفرغا للعبادة وفرارا من الشواغل واختار جماعة من السلف العزلة لمشاهدتهم المنكرات في الأسواق والأعياد والمجامع وعجزهم عن التغيير وهذا يقتضى لزوم الهجرة وفي الآية دليل على ان الشروع في نفل العبادة ملزم وان من شرع فيما ليس عليه ثم تركه استحق اسم الفسق والوعيد فيجب على الناذر رعاية نذره لانه عهد مع الله لا يحل نكثه (وروى) عن بعض الصحابة رضى الله عنهم عليكم بإتمام هذه التراويح لانها لم تكن واجبة عليكم وقد اوجبتموها على أنفسكم فانكم ان تركتم صرتم فاسقين ثم قرأ هذه الآية وكثير منهم فاسقون يقول الفقير وهكذا شأن الصلاة المعروفة بالرغائب والبراءة والقدر فانها ملحقة بالتراويح لكونها من صلاة الليل وقد كانت سنة مسلوكة للعلماء بالله فلا تترك ابدا عند من اعتقد اعتقادهم قال في فتح الرحمن واختلف الائمة فما إذا انشأ صوما او صلاة تطوعا فقال ابو حنيفة لم يجز له الخروج منه فان أفسده فعليه القضاء لقوله تعالى ولا تبطلوا اعمال لكم وقال مالك رحمه الله كذلك الا انه اعتبر العذر فقال ان خرج منه لعذر فلا قضاء والا وجب وقال الشافعي واحمد رحمهما الله متى انشأ واحدا منهما استحب إتمامه فان خرج منه لم يجب عليه قضاء على الإطلاق واما إذا كان التطوع حجا او عمرة فيلزم إتمامه أفسده وجب قضاؤه لوجوب المضي في فاسده انتهى قال بعض الكبار جميع ما ابتدع من السنة الحسنة على طريق القربة الى الله تعالى داخل في الشريعة التي جاءت بها الرسل عن امر الله قال تعالى ورهبانية إلخ فأقرهم تعالى عليها ولم يعب عليهم فعلها انما عاب عليهم عدم رعايتهم لها في دوام العمل فقط وخلع عليها اسم البدعة في حقهم بخلاف هذه الامة خلع على ما استحسنوه اسم السنة تشريفا لهم كما قال عليه السلام من سن سنة حسنة وما قال من ابتدع بدعة حسنة فافهم فاجاز لنا ابتداع ما هو حسن وسماه سنة وجعل فيه اجرا لمن ابتدعه ولمن عمل به واخبر أن العابد لله تعالى بما يعطيه نظره إذا لم يكن على شرع من الله معين انه يحشر امة وحده بغير امام يتبعه كما قال تعالى في ابراهيم ان ابراهيم كان امة قانتا لله وذلك لنظره في الأدلة قبل أن يوحى اليه وقال عليه السلام بعثت لاتمم مكارم الأخلاق فمن كان عليها فهو على شرع من ربه وان لم يعلم وقال بعضهم جميع ما ابتدعه العلماء والعارفون مما لم تصرح الشريعة بالأمر به لا يكون بدعة الا ان خالف صريح السنة فان لم يخالفها فهو محمود وذلك كحلق الرأس ولبس المرقعات والرياضة بقلة الطعام والمنام والمواظبة على الذكر والجهر به على الهيئة المشهورة ونحو ذلك من جميع اوصافهم فانها كلها نواميس حكمية لم يجئ بها رسول الله عليه السلام في عموم الناس من عند الله لكونها طريقة أهل الخصوص السالكين طريق الحق وهذه الطريق لا تحتمل العامة الأمر بها ولا تجب هى عليهم فقد علمت ان طريق(9/384)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)
القوم صادرة عن الله ولكن من غير الطريق الصريح النبوي ولولا انه عليه السلام فتح لامته باب الاستنان ما اجترأ أحد منهم على أن يزيد حكما ولا وضعا ففى الصحيح من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها وقال بعضهم المقصود بالوضع الشرعي الا لهى هو تكميل النفوس علما او عملا وهم أتوا بامور زائدة على الطريقة النبوية موافقة لها في الغاية والغرض كالامور التي التزمها الصوفية في هذه الامة بغير إيجاب من الله كتقليل الطعام وكثرة الصيام والاجتناب عن مخالطة الأنام وقلة المنام والذكر على الدوام وقال بعضهم ما يصدر عن الواصل من الافعال شريعة وكذا الباقي فلا بد من الاعتدال ولذلك قال عليه السلام الشريعة أقوالي والطريقة أطواري والمعرفة رأس مالى والحقيقة نقد حالى وقال بعضهم لا تبتدع فيوجب الله ذلك الابتداع عليك وفي شرعنا من سن سنة حسنة فما سماها بدعة فان شرعنا قد قررها فليشكر الله صاحب هذه البدعة وليلزمها حيث ألحقه تعالى بأنبيائه ورسله وأباح له أن يسن ما سنته الرسل مما يقرب الى الله تعالى ولا يخفى ان الكامل من عباد الله من سد باب الابتداع ولم يزد في التكاليف حكما واحدا موافقه لمراد الله ومراد رسول الله من طلب الرفق والرحمة وقال بعضهم لا تجعل وردك غير ما ورد في الكتاب والسنة تكن من العلماء الأدباء لانك حينئذ تجمع بين الذكر والتلاوة فيحصل لك اجر التالين والذاكرين فما ترك الكتاب والسنة مرتبة يطلبها الإنسان من خير الدنيا والآخرة الا وقد ذكرها فمن وضع من الفقراء وردا من غير الوارد في السنة فقد أساء الأدب مع الله ورسوله الا أن يكون ذلك بتعريف من الله فيعرفه خصائص كلمات يجمعها فيكون حينئذ ممتثلا لا مخترعا وذلك مثل حزب البحر للشاذلى رحمه الله ونحوه فانه رحمه الله صرح بأنه ما وضع حرفا منه الا بإذن الله ورسوله وقال من دعا بغير ما دعا به رسول الله فهو مبتدع وقال بعضهم العبد في أداء الفرائض عبد اضطرار وفي فعل النوافل عبد اختيار وعبودية الاضطرار أشرف وأسلم في حقه من عبودية الاختيار لما قد يخطر بباله في عبودية الاختيار من شائبة الامتنان ومن هاهنا ترك أكابر الرجال من الملامية فعل النوافل واقتصروا على أداء الفرائض خوفا من خطور ذلك على قلوبهم فيجرح عبوديتهم وفي الحكم العطائية من علامة اتباع الهوى المسارعة الى نوافل الخيرات والتكاسل عن القيام بحقوق الواجبات وهذا حال غالب الخلق الا من عصمه الله ترى الواحد منهم يقوم بالنوافل الكثيرة ولا يقوم بفرض واحد على وجهه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اى بالرسل المتقدمة اتَّقُوا اللَّهَ فيما نهاكم عنه وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ اى بمحمد عليه السلام وفي إطلاقه إيذان بأنه علم فرد الرسالة لا يذهب الوهم الى غيره يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ نصيبين وأجرين نقل عن الراغب الكفل الحظ الذي فيه الكفالة كأنه تكفل بأمره والكفلان هما النصيبان المرغوب فيهما بقوله تعالى ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة مِنْ رَحْمَتِهِ از بخشايش خود وذلك لايمانكم بالرسول وبمن قبله من الرسل لكن لا على ان شريعتهم باقية بعد البعثة بل على انها كانت حقا قبل النسخ وعن أبى موسى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين الرجل يكون له الامة فيعلمها فيحسن تعليمها(9/385)
لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
يؤدبها فيحسن تأديبها ثم يعتقها ويتزوجها فله أجران ومؤمن اهل الكتاب الذي كان مؤمنا ثم آمن بالنبي فله أجران والعبد الذي يؤدى حق الله وينصح لسيده ولذا بكى بعض العبيد حين أعتق لانه ذهب اجر النصح لسيده وبقي أجر أداء حق الله
تا دلت هست أسير عشق سليم ... مسند تخت سلطنت مطلب
(وقال الشيخ سعدى)
اسيرش نخواهد رهايى ز بند ... شكارش نجويد خلاص از كمند
(وقال المولى الجامى)
مريض عشق تو چون مائل شفا كردد ... أسير قيد تو كى طالب نجات شود
وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ يوم القيامة حسبما نطق به قوله تعالى يسعى نورهم بين أيديهم وبايمانهم فهو الضياء الذي يمشون به على الصراط الى أن يصلوا الى الجنة وذلك لان جهنم خلقت من الظلمة إذ هى صورة النفس الامارة وهى ظلمانية فنور الايمان والتقوى يدفعها ويزيلها وَيَغْفِرْ لَكُمْ ما أسلفتم من الكفر والمعاصي فاما حسنات الكفار فمقبولة بعد إسلامهم على ما ورد فى الحديث الصحيح وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ اى مبالغ في المغفرة والرحمة وفيه اشارة الى مغفرة الذنب الذي هو ملاحظة النفس فانه من اكبر الذنوب والمعاصي كما قالوا وجودك ذنب لا يقاس عليه ذنب آخر (مصراع) چومرد راه شدى بگذر از سر ودستار لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) متعلق بمضموم الجملة الطلبية المتضمنة معنى الشرط إذ التقدير ان تتقوا الله وتؤمنوا برسوله يؤتكم كذا وكذا لئلا يعلم الذين لم يسلموا من اهل الكتاب اى ليعلموا ولا مزيدة كهى في ما منعك أن لا تسجد كما ينبئ عنه قراءة ليعلم ولكى يعلم ولان يعلم بإدغام النون في الياء قال في كشف الاسرار وانما يحسن إدخالها في كلام يدخل في أواخره او أوائله جحد أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أن مخففة من الثقيلة واسمها الذي هو ضمير الشان محذوف والجملة في حيز النصب على انها مفعول يعلم اى ليعلمون انهم لا ينالون شيأ مما ذكر من فضلة من الكفلين والنور والمغفرة ولا يتمكنون من نيله حيث لم يأتوا بشرطه الذي هو الايمان برسوله وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ عطف على أن لا يقدرون يعنى افزونىء ثواب وجزاء وأمثال آن بدست قدرت خداست يُؤْتِيهِ عطا كند مَنْ يَشاءُ هر كرا خواهد وهو خبرثان لأن وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ والعظيم لا بد أن يكون إحسانه عظيما (قال الكاشفى) وخداى تعالى خداوند فضل بزركست يعنى نعمتى تمام كه خواص وعوام را فرا رسيده
فيض كرم رسانده از شرق تا بغرب ... خوان نعم نهاده از قاف تا بقاف
هستند بيش وكم ز نوال تو بهره مند ... دارند نيك وبد بعطاء تو اعتراف
وقد جوز أن يكون الأمر بالتقوى والايمان لغير اهل الكتاب فالمعنى اتقوا الله واثبتوا على ايمانكم برسول الله يؤتكم ما وعد من آمن من أهل الكتاب من الكفلين في قوله تعالى أولئك يؤتون أجرهم مرتين ولا ينقصكم من مثل أجرهم لانكم مثلهم في الايمانين(9/386)
لا تفرقون بين أحد من رسله (وروى) ان مؤمنى أهل الكتاب افتخروا على سائر المؤمنين بأنهم يؤتون أجرهم مرتين وادعوا الفضل عليهم فنزلت وفي الحديث (انما مثلنا ومثل الذين أوتوا الكتاب من فبلنا مثل رجل استأجر إجراء فقال من يعمل الى آخر النهار على قيراط قيراط فعمل قوم ثم تركوا العمل نصف النهار ثم قال من يعمل نصف النهار الى آخر النهار على قيراط قيراط فعمل قوم الى العصر على قيراط قيراط ثم تركوا العمل ثم قال من يعمل الى الليل على قيراطين قيراطين فعمل قوم الى الليل على قيراطين قيراطين فقال الطائفتان الاوليان ما لنا اكثر عملا واقل اجرا فقال هل نقصتكم من حقكم شيأ قالوا لا قال ذلك فضلى أوتيه من أشاء) ففيه اشارة الى ان أهل الكتاب أطول زمانا وعمرا واكثر اجتهادا واقل أجرا وهذه الامة اقصر مدة واقل سعيا وأعظم أجرا والى ان الثواب على الأعمال ليس من جهة الاستحقاق لان العبد لا يستحق على مولاه بخدمته اجرة بل من جهة الفضل ولله ان يتفضل على من يشاء بما يشاء قال البقلى رحمه الله اخرج فضله من الاكتساب وعلل الجهد والطلب يؤتى كراماته من يشاء من عباده المصطفين وهو ذو العطاء في الأزل الى الابد والفضل العظيم مالا ينقطع عن المنعم عليه ابدا (روى) ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد ويقول ان فيهن آية أفضل من الف آية ويعنى بالمسبحات الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن يقول الفقير انما أخفى عليه السلام تلك الآية ولم يصرح بها لتجتهد الامة بتلاوة جميع السور كما أخفى الله ساعة الاجابة وليلة القدر ونحوهما بعثا للعباد على الاجتهاد واحياء الليالى (قال الشيخ سعدى)
چوهر كوشه تير نياز افكنى ... اميدست نا كه كه صيدى زنى
همه سنكها پاس دار اى پسر ... كه لعل از ميانش نباشد بدر
غم جمله خور در هواى يكى ... مراعات صد كن براى يكى
تمت سورة الحديد بعون الملك المجيد في اواخر شهر ربيع الاول من سنة خمس عشرة ومائة والف من الهجرة(9/387)
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)
الجزء الثامن والعشرون من اجزاء الثلاثين
تفسير سورة المجادلة
اثنتان وعشرون آية مدنية بسم الله الرحمن الرحيم
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها سمع مجاز مرسل عن أجاب بعلاقة السببية والمجادلة المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة يعنى كار براندن با كسى بر سبيل نزاع وأصله من جدلت الحبل اى أحكمت فتله فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه والمراد هنا المكالمة ومراجعة الكلام اى معاودته والمعنى قد أجاب الله دعاء المرأة التي تكالمك في حق زوجها استفتاء وتراجعك الكلام في شأنه وفيما صدر عنه في حقها من ظهاره إياها بغير وجه مشروع وسبب مقبول وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ عطف على تجادلك اى تتضرع الى الله تعالى وتظهر ما بها من المكروه قال في المفردات الشكاية والشكاة والشكوى اظهار البث يقال شكوت واشتكيت واصل الشكوى فتح الشكوة واظهار ما فيها وهى سقاء صغير يجعل فيه الماء وكان في الأصل استعارة كقولك بثثت له ما في وعائى ونفضت ما في جرابى إذا أظهرت ما في قلبك وفي كشف الاسرار الاشتكاء اظهار ما يقع بالإنسان من المكروه والشكوى اظهار ما يصنعه غيره به وفي تاج المصادر الاشتكاء كله كردن وشكوه كرفتن وهى قربة صغيرة والمجادلة هى خولة بنت ثعلب بن مالك ابن خزاعة الخزرجية وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة روى انها كانت حسنة البدن رآها أوس وهى تصلى فاشتهى مواقعتها فلما سلمت راودها فأبت وكان به خفة فغضب عليها بمقتضى البشرية وقال أنت على كظهر أمي وكان أول ظهار وقع في الإسلام ثم ندم على ما قال بناء على ان الظهار والإيلاء كانا من طلاق الجاهلية فقال لها ما أظنك الى وقد حرمت على فشق ذلك عليها فاتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعائشة رضى الله عنها تغسل شق رأسه فقالت يا رسول الله ان زوجى أوس بن الصامت أبو ولدي وابن عمى وأحب الناس الى ظاهر منى وما ذكر طلاقا وقد ندم على فعله فهل من شيء يجمعنى وإياه فقال عليه السلام ما أراك الا وقد حرمت عليه فقالت لا تقل ذلك يا رسول الله وذكرت فاقتها ووحدتها بتفانى أهلها وان لها صبية صغارا فقالت ان ضممتهم الى جاعوا وان ضممتهم الى أبيهم ضاعوا فاعاد النبي عليه السلام قوله الاول وهو حرمت عليه فجلت تراجع رسول الله مقالتها الاولى وكلما قال لها رسول الله حرمت عليه هتفت وقالت أشكو الى الله مما لقيت من زوجى حال فاقتى ووحدتي وقد طالت معه صحبتى ونفضت له بطني تريد بذلك انى قد بلغت عنده سن الكبر وصرت عقيما لا ألد بعد وكانت في كل ذلك ترفع رأسها الى السماء على ما هو عادة(9/388)
الناس استنزالا للامر الإلهي من جانب العرش وتقول اللهم أنزل على لسان نبيك فقامت عائشة تغسل الشق الآخر من رأسه عليه السلام وهى ما زالت في مراجعة الكلام مع رسول الله وبث الشكوى الى الله حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات الأربع سمعا لدعائها وقبولا لشكواها فكانت سببا لظهور امر الظهار وفي قد اشعار بأن الرسول والمجادلة كانا يتوقعان أن ينزل الله حكم الحادثة ويفرج عنها كربها لانها انما تدخل على ماض متوقع وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما اى يعلم تراجعكما الكلام وتخاطبكما وتجاوبكما في أمر الضار فان التحاور بمعنى التجاوب وهو رجع الكلام وجوابه يعنى يكديكر را جواب دادن من الحور بمعنى الرجوع وذلك كان برجوع الرسول الى الحكم بالحرمة مرة بعد أخرى ورجوع المجادلة الى طلب التحليل كذلك ومثله المحاورة في البحث ومنه قولهم في الدعاء نعوذ بالله من الحور بعد الكور اى الرجوع الى النقصان بعد الوصول الى الزيادة او الى الوحشة بعد الانس وقال الراغب الحور التردد اما بالذات واما بالتفكر وقيل نعوذ بالله من الحور بعد الكور اى من التردد في الأمر بعد المضي فيه او من نقصان وتردد في الحال بعد الزيادة فيها وصيغة المضارع للدلالة على استمرار السمع حسب استمرار التحاور وتجدده وفي نظمها في سلك الخطاب مع أفضل البريات تغليب إذ القياس تحاورها وتحاورك تشريفا لها من جهتين والجملة استئناف جار مجرى التعليل لما قبله فان الحافها في المسألة ومبالغتها في التضرع الى الله ومدافعته عليه السلام إياها بجواب منبئ عن التوقف وترقب الوحى وعلمه تعالى بحالهما
من دواعى الاجابة وفي كشف الاسرار ليس هذا تكرار الان الاول لما حكته عن زوجها والثاني لما كان يجرى بينها وبين رسول الله لان الاول ماض والثاني مستقبل إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ مبالغ في العلم بالمسموعات والمبصرات ومن قضيته أن يسمع تحاورهما ويرى ما يقارنه من الهيئات التي من جملتها رفع رأسها الى السماء وسائر آثار التضرع
يا من يرى ما في الضمير ويسمع ... أنت المعد لكل ما يتوقع
يا من يرجى للشدآئد كلها ... يا من اليه المشتكى والمفزع
مالى سوى قرعى لبابك حيلة ... ولئن رددت فاى باب أقرع
حاشى للطفك أن تقنط عاصيا ... الفضل أجزل والمواهب أوسع
وفي الآية دليل على ان من انقطع رجاؤه عن الخلق ولم يبق له في مهمه أحد سوى ربه وصدق في دعائه وشكواه كفاه الله ذلك ومن كان أضعف فالرب به ألطف
دعاى ضعيفان اميدوار ... ز بازوى مردى به آيد بكار
وفيها ان من استمع الله ورسوله والورثة الى كلامه فسائر الناس اولى (روى) ان عمر بن الخطاب رضى الله عنه مر بهذه المرأة في خلافته وهو على حمار والناس معه فاستوقفته طويلا ووعظته وقالت يا عمر قد كنت تدعى عميرا ثم قيل لك عمر ثم قيل لك امير المؤمنين فاتق الله يا عمر فانه من أيقن الموت خاف الفوت ومن أيقن الحساب خاف العذاب وهو(9/389)
الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)
واقف يسمع كلامها فقيل له يا امير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف الطويل فقال والله لو حبستنى من أول النهار الى آخره ما زلت الا للصلاة المكتوبة أتدرون من هذه العجوز هى خولة بنت ثعلب سمع الله قولها من فوق سبع سموات أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر وهذه الفوقية لا يلزم منها الجهة لان الله هو العلى المتعال فاعرف ثم انه من اكبر الذنوب أن يقول الرجل لاخيه اتقى الله فيقول في جوابه عليك نفسك اى الزم نفسك أنت تأمرنى بهذا وذلك لانه إذا ذكر اسم الله يلزم التعظيم له سوآء صدر من مسلم او كافر وأعلم الناس لا يستغنى عن تنبيه وإيقاظ
بكوى آنچهـ دانى سخن سودمند ... وكر هيچ كس را نيايد پسند
يقال اللائق بالعاقل أن يكون كالنحل يأخذ من كل شيء ثم يخرجه عسلا فيه شفاء من كل داء وشمعا له منافع لا سيما الضياء فطالب الحكمة يأخذها من كل مقام سوآء قعد أو قام (المرء لولا عرفه فهو الدمى والمسك لولا عرفه فهو الدم) العرف الاول بالضم بمعنى المعروف والثاني بالفتح الرائحة والدمى بضم الدال وفتح الميم جمع دمية وهى الصورة المنقشة من رخام أو عاج الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ أيها المؤمنون فلا يلحق بهم الذمي لانه ليس من اهل الكفارة لغلبة جهة العبادة فيها فلا يصح ظهاره مِنْ نِسائِهِمْ هذا شروع في بيان الظهار في نفسه وحكمه المترتب عليه شرعا بطريق الاستئناف والظهار لغة مصدر ظاهر الرجل اى قال لزوجته أنت على كظهر أمي والظهر العضو والجارحة ويعبر عن البطن بالظهر اى أنت على حرام كبطن أمي فكنى عن البطن بالظهر الذي هو عمود البطن لئلا يذكر ما يقارب الفرج تأدبا ثم قيل ظاهر من امرأته فعدى بمن لتضمين معنى التجنب لاجتناب أهل الجاهلية من المرأة المظاهر منها إذ الظهار طلاق عندهم كما مر في قولهم آلى منها لما ضمنه من معنى التباعد من الالية بمعنى الحلف وفي القرآن واجنبنى وبنى أن نعبد الأصنام اى بعدنى وإياهم من عبادة الأصنام فمعنى البعد انما هو في الاجتناب ونحوه المتعدى بمن لان معنى الابتداء الذي هو معنى من لا يخلو عن البعد فان من معانى عن لامن ثم انه ألحق الفقهاء بالظهر نحو البطن والفخذ والفرج مما يحرم النظر إليها من الام فمن قال أنت على كبطن أمي او فخذها او فرجها كان ظهارا بخلاف مثل اليد أو الرجل وكذا ألحقوا بالأم سائر المحارم فلو وضع المظاهر مكان الام ذات رحم محرم منه من نسب كالخالة والعمة او رضاع او صهر كان ظهارا مثل أن يقول أنت عليه كظهر خالتى او عمتى او أختي نسبا او رضاعا او كظهر امرأة ابني او أبى ولو شبهها بالخمر والخنزير أو الدم او الميتة او قتل المسلم او الغيبة او النميمة او الزنى او الربا او الرشوة فانه ظهار إذا نوى وفى أنت على كأمى صح نية الكرامة اى استحقاق البر فلا يقع طلاق ولا ظهار وصح نية الظهار بأن يقصد التشبيه بالأم فى الحرمة فيترتب عليه احكام الظهار لا غير ونية الطلاق بأن يقصد إيجاب الحرمة فان لم ينو شيأ لغا وأنث على حرام كأمى صح فيه ما نوى من ظهار او طلاق أو إيلاء ولو قال(9/390)
أنت أمي او أختي او بنتي بدون التشبيه فهو ليس بظهار يعنى ان قال ان فعلت كذا فانت أمي وفعلته فهو باطل وان نوى التحريم ولو قالت لزوجها أنت على كظهر أمي فانه ليس بشيء وقال الحسن انه يمين وفي إيراد منكم مع كفاية من نسائهم مزيد توبيخ للعرب وتقبيح لعادتهم في الظهار فانه كان من أيمان جاهليتهم خاصة دون سائر الأمم فلا يليق بهم بعد الإسلام أن يراعوا تلك العادة المستهجنة فكأنه قيل منكم على عادتكم القبيحة المستنكرة ويحتمل أن يكون لتخصيص نفع الحكم الشرعي للمؤمنين بالقبول والاقتداء به اى منكم أيها المؤمنون المصدقون بكلام الله المؤتمرون بأمر الله إذ الكافرون لا يستمعون الخطاب ولا يعملون بالصواب وفي من نسائهم اشارة الى أن الظهار لا يكون في الامة ومن ذلك قالوا ان للظهار ركنا وهو التشبيه المذكور وشرطا وهو أن يكون المشبه منكوحة حتى لا يصح من الامة وأهلا وهو من كان من اهل الكفارة حتى لا يصح للذمى والصبى والمجنون
وحكما وهو حرمة الوطئ حتى يكفر مع بقاء اصل الملك ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ خبر للموصول اى ما نساؤهم أمهاتهم على الحقيقة فهو كذب بحت يعنى ان من يقول لامرأته أنت على كظهر أمي ملحق فى كلامه هذا للزوج بالأم وجاعلها مثلها وهذا تشبيه باطل لتباين الحالين وكانوا يريدون بالتشبيه الحرمة في المظاهر منها كالحرمة في الام تغليظا وتشديدا فان قيل فحاصل الظهار مثلا أنت محرمة على كما حرمت على أمي وليس فيه دعوى الامومة حتى تنفى وتثبت للوالدات يقال ان ذلك التحريم في حكم دعوى الامومة او أن المراد نفى المشابهة لكن نفى الامومة للمبالغة فيه إِنْ نافية بمعنى ما أُمَّهاتِهِمْ فى الحقيقة والصدق إِلَّا اللَّائِي جمع التي اى النساء اللاتي وَلَدْنَهُمْ اى ولدن المظاهرين فلا تشبه بهن في الحرمة الا من ألحقها الشرع بهن من ازواج النبي عليه السلام والمرضعات ومنكوحات الآباء لكرامتهن وحرمتهن فدخلن بذلك في حكم الأمهات واما الزوجات فأبعد شيء من الامومة فلا تلحق بهن بوجه من الوجوه وَإِنَّهُمْ اى وان المظاهرين منكم لَيَقُولُونَ يقولهم ذلك مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ على ان مناط التأكيد ليس صدور القول عنهم فان أمر محقق بل كونه منكرا اى عند الشرع وعند العقل والطبع ايضا كما يشعر به تنكيره وذلك لان زوجته ليست بامه حقيقة ولا ممن ألحقه الشرع بها فكان التشبيه بها الحاقا لأحد بالمتباينين بالآخر فكان منكرا مطلقا غير معروف وَزُوراً اى كذبا باطلا منحرفا عن الحق فان الزور بالتحريك الميل فقيل للكذب زور بالضم لكونه مائلا عن الحق قال بعضهم ولعل قوله وزورا من قبيل عطف السبب على المسبب فان قلت قوله أنت على كظهر أمي إنشاء لتحريم الاستمتاع بها وليس بخبر والا نشاء لا يوصف بالكذب قلت هذا الإنشاء يتضمن الحاق الزوجة المحللة بالأم المحرمة ابدا وهذا الحاق مناف لمقتضى الزوجية فيكون كاذبا وعن أبى بكر رضى الله عنه انه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا بلى يا رسول الله قال الإشراك(9/391)
وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)
بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس وقال ألا وقول الزور وشهادة الزور الا وقول الزور وشهادة الزور الا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يقولها حتى قلت لا يسكت رواه البخاري قال بعضهم لما كان مبنى طلاق الجاهلية الأمر المنكر الزور لم يجعله الله طلاقا ولم تبق الحرمة الا الى وقت التكفير وقال الظهار الذي هو من طلاق الجاهلية ان كان في الشرع بمقدار من الزمان اولا طلاقا كانت الآية ناسخة والا فلا لان النسخ انما يدخل في الشرائع وما قال عليه السلام انها حرمت فلا يعين شيأ من الطرفين الا أن بعض المفسرين جعله مؤيدا للوجه الاول وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ اى مبالغ في العفو والمغفرة لما سلف منه على الإطلاق على المذهب الحق او بالمناب عنه على مذهب الاعتزال وذلك ان ما دون الشرك حكمه موكول الى مشيئة الله ان شاء يغفره وان لم يتب العبد عنه وان شاء يغفره بعد التوبة واما إذا لم يتب عنه فعذبه عليه فانما يعذبه على حسب ذنبه لكن الظاهر هنا الحث على التوبة لكون الكلام في دم الظاهر وإنكاره وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا اللام والى يتعاقبان كثيرا نحو يهدى للحق والى الحق فالمعنى والذين يقولون ذلك القول المنكر ثم يعودون الى ما قالوا والى ما فات عنهم بسببه من الاستمتاع بالتدارك والتلافي بالتقرر والتكرر ومنه قولهم عاد الغيث على ما أفسد اى تداركه بإصلاح فافساده إمساكه وإصلاحه إحياؤه ففيه اطلاق اسم السبب على المسبب فان العود الى الشيء من اسباب التدارك والوصول اليه فيكون محازا مرسلا قال ابن الشيخ العود يستعمل على معنيين أحدهما أن يصير الى شيء قد كان عليه قبل ذلك فتركه فيكون بمعنى الرجوع الى ما فارق عنه والآخر أن يصير ويتحول الى شيء وان لم يكن على ذلك قبل والعود بهذا المعنى لا يلزم أن يكون رجوعا الى ما قارق عنه والعود الذي هو سبب للتدارك والوصول هو العود بهذا المعنى وهو العود الى شيء مطلقا فحاصل المعنى ثم يعودون الى تدارك ما قالوا ودفع ما لزم عليهم به من الفساد من حرمة الحلال ويجوز أن يكون المعنى ثم يريدون العود الى ما حرموا على أنفسهم بلفظ الظهار من الاستمتاع ففيه تنزيل للقول منزلة المقول فيه فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ التحرير جعل الإنسان حرا وهو خلاف العبد والرقية ذات مرقوق مملوك سوآء كان مؤمنا او كافرا ذكرا او أنثى صغيرا او كبيرا هنديا او روميا فالمعنى فتداركه او فالواجب اعتاق رقبة اى رقبة كانت وان كان تحرير المؤمن اولى والصالح أحسن فيعتقها مقرونا بالنية وان كان محتاجا الى خدمتها فلونوى بعد العتق او لم ينو لم يجزئ وان وجد ثمن الرقبة وهو محتاج اليه فله الصيام كما في الكواشي ولا يجزئ أم الولد والمدبر ولمكاتب الذي ادى شيأ فان لم يؤدجاز ويجب أن تكون سليمة من العيوب الفاحشة بالاتفاق وعند الشافعي يشترط الايمان قياسا على كفارة القتل كما قال تعالى فتحرير رقبة مؤمنة قلنا حمل المطلق على المقيد انما هو عند اتحاد الحادثتين واتحاد الحكم ايضا وهنا ليس كذلك والفاء للسببية ومن فوائدها الدلالة على تكرر وجوب التحرير بتكرر الظهار لان تكرر السبب يوجب تكرر المسبب كقرآءة آية السجدة في موضعين فلو ظاهر(9/392)
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)
من امرأته مرتين او ثلاثا في مجلس واحد او مجالس متفرقة لزمه بكل ظهار كفارة مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا اى من قبل أن يستمتع كل من المظاهر والمظاهر منها بالآخر جماعا وتقبيلا ولمسا ونظرا الى الفرج بشهوة وذلك لان اسم التماس يتناول الكل وان وقع شيء من ذلك قبل التكفير يجب عليه أن يستغفر لانه ارتكب الحرام ولا يعود حتى يكفر وليس عليه سوى الكفارة الاولى بالاتفاق وان أعتق بعض الرقبة ثم مس عليه أن يستأنف عند أبى حنيفة رحمه الله ولا تسقط الكفارة بل يأتى بها على وجه القضاء كما لو أخر الصلاة عن وقتها فانه لا يسقط عنه إتيانها بل يلزمه قضاؤها وفي الآية دليل على ان المرأة لا يسعها أن تدع الزوج أن يقربها قبل الكفارة لانه نهاهما جميعا عن المسيس قبل الكفارة قال القهستاني لها مطالبة التكفير والحاكم يجبر عليه بالحبس ثم بالضرب فالنكاح باق والحرمة لا تزول الا بالتكفير وكذا لو طلقها ثم تزوجها بعد العدة او زوج آخر حرم وطئها قبل التكفير ثم العود الموجب لكفارة الظهار عند أبى حنيفة رحمه الله هو العزم على جماعها فمتى عزم على ذلك لم تحل له حتى يكفر ولو ماتت بعد مدة قبل أن يكفر سقطت عنه الكفارة لفوت العزم على جماعها ذلِكُمْ اى الحكم بالكفارة أيها المؤمنون تُوعَظُونَ بِهِ الوعظ زجر يقترن بتخويف اى تزجرون به من ارتكاب المنكر المذكور فإن الغرامات مزاجر من طعاطى الجنايات والمراد بذكره بيان ان المقصود من شرع هذا الحكم ليس تعريضكم للثواب بمباشرتكم لتحرير الرقبة الذي هو علم في استتباع الثواب العظيم بل هو ردعكم وزجركم عن مباشرة ما يوجبه والحاصل ان في المؤاخذة الدنيوية نفعا لكل من المظاهر وغير المظاهر بأن يحصل للمظاهر الكفارة والتدارك ولغير المظاهر الاحتياط والاجتناب كما قيل
نرود مرغ سوى دانه فراز ... چون دكر مرغ بيند اندر بند
وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ من جناية الظهار والتكفير ونحو ذلك من قليل وكثير خَبِيرٌ اى عالم بظواهرها وبواطنها ومجازيكم بها فحافظوا حدود ما شرع لكم ولا تخلوا بشيء منها فَمَنْ لَمْ يَجِدْ اى فالمظاهر الذي لم يجد الرقبة وعجز عنها بأن كان فقيرا وقت التكفير وهو من حين العزم الى أن تقرب الشمس من الغروب من اليوم الأخير مما صام فيه من الشهرين فلا يتحقق العجز الحقيقي إلا به والاعتبار بالمسكن والثياب التي لا بد منها فان المعتبر في ذلك هو الفضل والذي غاب ماله فهو واجد فَصِيامُ شَهْرَيْنِ اى فعليه صيام شهرين مُتَتابِعَيْنِ ليس فيهما رمضان ولا الأيام الخمسة المحرم وصومها اى يوما العيد وايام التشريق فيصلهما بحيث لا يفصل يوما عن يوم ولا شهرا عن شهر بالإفطار فان أفطر فيهما يوما او اكثر بعذر او بغير عذر استأنف ولم يحسب ما صام الا بالحيض كما سيجيئ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ليلا او نهارا عمدا او خطأ ولو جامع زوجة اخرى ناسيا لا يستأنف ولو أفطرت المرأة للحيض في كفارة القتل او الفطر في رمضان لا تستأنف لكنها تصل صومها بأيام حيضها ثم انه ان صام بالاهلة أجزأه وان صام ثمانية وخمسين بأن كان كل من الشهرين ناقصا وان صامها بغيرها فلابد من ستين يوما حتى لو أفطر صبيحة تسعة وخمسين وجب عليه(9/393)
الاستئناف فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ اى الصيام بسبب من الأسباب كالهرم والمرض المزمن اى الممتد الغير المرجو برؤه فانه بمنزلة العاجز من كبر السن وان كان يرجى برؤه واشتدت حاجته الى وطئ امرأته فالمختار أن ينتظر البرء حتى يقدر على الصيام ولو كفر بالاطعام ولم ينتظر القدرة على الصيام أجزأه ومن الاعذار الشبق المفرط وهو أن لا يصبر على الجماع فانه عليه السلام رخص للاعرابى أن يعطى الفدية لاجله فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً الإطعام جعله الغير طاعما ففيه رمز الى جواز التمليك والإباحة في الكفارة والمسكين ويفتح ميمه من لا شيء له اوله مالا يكفيه وأسكنه الفقر أي قلل حركته والذليل والضعيف كما في القاموس قال القهستاني في شرح مختصر الوقاية قيد المسكين اتفاقي لجواز صرفه الى غيره من مصارف الزكاة يقول الفقير انما خص المسكين بالذكر لكونه أحق بالصدقة من سائر مصارف الزكاة كما ينبئ عنه ما سبق آنفا من تفسير القاموس واطعام ستين مسكينا يشمل ما كان حقيقيا وحكميا بأن يطعم واحدا ستين يوما
فانه في حكم ستين مسكينا وان أعطاه في يوم واحد وبدفعات لا يجوز على الصحيح فيطعم لكل مسكين نصف صاع من بر او صاعا من غيره كما في الفطرة والصاع اربعة امداد ونصفه مدان ويجب تقديمه على المسيس لكن لا يستأنف ان مس في خلال الإطعام لان الله تعالى لم يذكر التماس مع الإطعام هذا عند أبى حنيفة رحمه الله واما عند الآخرين فالاطعام محمول على المقيد في العتق والصيام ويجوز دفع الكفارة لكافر وإخراج القيمة عند أبى حنيفة رحمه الله خلافا للثلاثة وفي الفقه هذا إذا كان المظاهر حرا فلو كان عبدا كفر بالصوم وان أعطاه المولى المال وليس له منعه عن الصوم فان أعتق وأيسر قبل التكفير كفر بالمال ذلِكَ اى ذلك البيان والتعليم للاحكام والتنبيه عليها واقع او فعلنا ذلك لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وتعملوا بشرائعه التي شرعها لكم وترفضوا ما كنتم عليه في جاهليتكم ان قيل إذا كان ترك الظهار مفروضا فما بال الفقهاء يجعلونه بابا فى الفقه أجيب بأن الله وان أنكر الظهار وشنع على من تعود به من الجاهلين الا انه تعالى وضع له احكاما يعمل بها من ابتلى به من الغافلين فبهذا الاعتبار جعلوه بابا ليبينوا تلك الاحكام وزادوا قدر ما يختاج اليه مع ان المحققين قالوا ان اكثر الاحكام الشرعية للجهال فان الناس لو احترزوا عن سوء المقال والفعال لما احتيج الى تكثير القيل والقال ودلت الآية على ان الظهار أكثر خطأ من الحنث في اليمين لكون كفارته اغلظ من كفارة الحنث واللام فى لتؤمنوا للحكمة والمصلحة لانها إذا قارنت فعل الله تكون للمصلحة لانه الغنى المطلق وإذا قارنت فعل العبد تكون للغرض لانه المحتاج المطلق فأهل السنة لا يقولون لتلك المصلحة غرضا إذ الغرض في العرف ما يستكمل به طالبه استدفاعا لنقصان فيه يتنفر عنه طبعه والله منزه عن هذا بلا خلاف والمعتزلة يقولون بناء على انه هو الشيء الذي لاجله يراد المراد ويفعل عندهم ولو قلنا بهذا المعنى لكنا قائلين بالغرض وهم لو قالوا بالمعنى لما كنا قائلين به وَتِلْكَ اشارة الاحكام المذكورة من تحريم الظهار وإيجاب العتق للواجد وإيجاب الصوم لغير الواجد ان استطاع وإيجاب الإطعام لمن لم يسطع حُدُودُ اللَّهِ التي لا يجوز(9/394)
تعديها وشرائعه الموضوعة لعباده التي لا يصح تجاوزها الى ما يخالفها جمع حد وهو في اللغة المنع والحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر وحد الزنى وحد الخمر سمى بذلك لكونه مانعا لمتعاطيه عن المعاودة لمثله وجميع حدود الله على اربعة اضرب اما شيء لا يجوز أن يتعدى بالزيادة عليه والا القصور عنه كأعداد ركعات صلاة الفرض واما شيء يجوز الزيادة عليه ولا يجوز النقصان منه واما شيء يجوز النقصان منه ولا يجوز الزيادة عليه واما شيء يجوز الزيادة عليه والنقصان منه كما في المفردات وَلِلْكافِرِينَ اى الذين لا يعملون بها ولا يقبلونها عَذابٌ أَلِيمٌ عبر عنه بذلك للتغليظ على طريقة قوله تعالى ومن كفر فان الله غنى عن العالمين يعنى ان اطلاق الكفر لتأكيد الوجوب والتغليظ على تارك العمل لا لانه كفر حقيقة كما يزعمه الخوارج قال بعضهم في قوله عليه السلام من ترك الصلاة فقد كفر اى قارب الكفر يقال دخل البلدة لمن قاربها قال في برهان القرآن قوله وللكافرين عذاب اليم وبعده وللكافرين عذاب مهين لان الاول متصل بضده وهو الايمان فتوعدهم على الكفر العذاب الأليم هو جزاء الكافرين والثاني متصل بقوله كبتوا وهو الاذلال والاهانة فوصف العذاب مثل ذلك فقال وللكافرين عذاب مهين انتهى والأليم بمعنى المؤلم اى الموجع كالبديع بمعنى المبدع او بمعنى المتألم لكن أسند مجازا الى العذاب مبالغة كأنه في الشدة بدرجة تتألم بها نفسه وفي اثبات العذاب للكافرين حث للمؤمنين على قبول الطاعة ولما نزلت هذه الآيات الأربع تلاها عليه السلام فقال لاوس بن الصامت رضى الله عنه هل تستطيع عتق رقبة قال اذن يذهب جل مالى قال فصيام شهرين متتابعين قال يا رسول الله إذا لم آكل في اليوم ثلاث مرات كل بصرى وخشيت أن تعشو عينى قال فاطعام ستين مسكينا قال لا الا أن تعيننى عليه قال أعينك بخمسة عشر صاعا وانا داع لك بالبركة وتلك البركة بقيت في آله كما في عين المعاني يقول الفقير في وجوه
الاحكام المذكورة اما وجه العتق فلان العاصي استحق النار بعصيانه العظيم فجعل عتق المملوك فدآء لنفسه من النار كما قال عليه السلام من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل ارب منها اربا منه من النار ودل تقييد الرقبة بالمؤمنة على أفضلية اعتاق المؤمن وايضا ان ثمن العبد اكثر غالبا من فدية الإطعام والمال يعد من النفس لشدة علاقة النفس به ففى بذله تخليص لها من رذيلة البخل وتنحية لها عن النار واما الوجه في الصيام فلأن الأصل فيه صيام شهر رمضان وهو ثلاثون يوما ففى صيام ستين يوما تضعيف المشقة وتشديد المحنة على النفس واما الوجه في اطعام المساكين اما في نفس الإطعام فلأن الصوم التخلق بوصف الصمدية فاذا فات عنه ذلك لزوم المعالجة بضده وهو الإطعام لان في بذل المال اذابة النفس كما في الصوم ومن هذا يعرف سر التنزيل من الرقبة الى الصوم ثم منه الى الإطعام واما في عدد المساكين فلأن الإطعام بدل من الصيام وخلف له فروعى فيه من العدد ما روعى في الصيام ويجوز أن يقال ان الله تعالى خلق آدم عليه السلام من ستين نوعا من طبقات الأرض فأمر باطعام ستين مسكينا من أولاد آدم حتى تقع المكافأة لجميع أولاده لانه لا يخرج أحد(9/395)
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)
منهم عن هذه الستين نوعا وايضا سر العدد كون عمر هذه الامة بين الستين والسبعين فمن راعى العدد فكانما عبد الله ستين سنة التي هى مبلغ عمره ومنتهى امده بحسب الغالب فيتخلص من النار ولكن فيه اشارة الى فضيلة الوقت فانه إذا فات العمل من محله لا ينجبر بالقضاء بكماله الاولى بل يصير ساقطا عن درجة الكمال الاولى بستين درجة ولذا وجب صيام ستين واطعامها (قال المولى الجامى)
هر دم از عمر كرامى هست كنج بي بدل ... ميرود كنجى چنين هر لحظه بر باد آخ آخ
(وقال الشيخ سعدى)
مكن عمر ضايع بافسوس وحيف ... كه فرصت عزيزست والوقت سيف
وفي الآية اشارة الى أن النفس مطية الروح وزوجته فاذا ظاهر زوج الروح من زوجة النفس بقطع الاستمتاع عنها لغلبة الروحانية عليها ثم بحسب الحكمة الالهية المقتضية لتعلق زوج الروح مع زوجة النفس أراد أن يستمتع منها فعلى زوج الروح يجب من طريق الكفارة تحرير رقبة عن ذلك الاستمتاع والتصرف فيها بأن لا يستمتع ولا يتصرف فيها الا بامر الحق ومقتضى حكمته لا بمقتضى طبعه ومشتهيات هواه فانه لا يجوز له وعلى تقدير شدة اشتباك زوج الروح بزوجة النفس وقوة ارتباطهما الذاتية ارتباط الراكب بالمركوب وارتباط ربان السفينة بالسفينة ان لم يقدر على تحرير رقبة عن هذا الارتباط فيجب على زوج الروح أن يصوم شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا يعنى أن يمسك نفسه عن الالتفات الى الكونين على الدوام والاستمرار من غير تخلل التفات وان لم يتمكن من قطع هذا التفات لبقاء بقية من بقايا انانيته فيه فيجب عليه اطعام ستين مسكينا من مساكين القوى الروحانية المستهلكة تحت سلطنة النفس وصفاتها ليقيمهم على التخلق بالأخلاق الالهية والتحقق بالصفات الروحانية إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ اى يعادونهما ويشاقونهما وكذا اولياء الله فان من عادى اولياء الله فقد عادى الله وذلك لان كلا من المتعاديين كما انه يكون في عدوة وشق غيره عدوة الآخر وشقه كذلك يكون في حد غير حد الآخر غير ان لورود المحادة في أثناء ذكر حدود الله دون المعاداة والمشاقة من حسن الموقع مالا غاية وراءه وبالفارسية مخالفت ميكنند با خدا ورسول او از حدود امر ونهى تجاوز مينمايند وقال بعضهم المحادة مفاعلة من لفظ الحديد والمراد المقابلة بالحديد سوآء كان في ذلك حديد حقيقة او كان ذلك منازعة شديدة شبيهة بالخصومة بالحديد وقال بعضهم في معنى الآية يحادون اى يضعون او يختارون حدودا غير حدودهما ففيه وعيد عظيم للملوك والأمراء السوء الذين وضعوا أمورا خلاف ما حده الشرع وسموها القانون ونحوه
پادشاهى كه طرح ظلم افكند ... پاى ديوار ملك خويش بكند
كُبِتُوا اى أخزوا يعنى خوار ونكو نسار كرده شوند وفي المفردات الكبت الرد بعنف وتذليل وفي القاموس كبته يكبته صرعه وأخزاه وصرفه وكسره ورد العدو بغيظه(9/396)
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)
وإذ له قال ابن الشيخ وهو يصلح لان يكون دعاء عليهم واخبارا عما سيكون بالماضي لتحققه اى سيكبتون ويدخل فيهم المنافقون والكافرون جميعا اما الكافرون فمحادتهم في الظاهر والباطن واما المنافقون ففى الباطن فقط كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من كفار الأمم الماضية المعادين للرسل عليهم السلام مثل أقوام نوح وهود وصالح وغيرهم وكان السرى رحمه الله يقول عجبت من ضعيف عصى قويا فيقال له كيف ذلك ويقول وخلق الإنسان ضعيفا وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ حال من واو كبتوا اى كبتوا لمحادتهم والحال أنا قد أنزلنا آيات واضحات فيمن حاد الله ورسوله ممن قبلهم من الأمم وفيما فعلنا بهم او آيات بينات تدل على صدق الرسول وصحة ما جاء به والسؤال بأن الانزال نقل الشيء من الأعلى الى الأسفل وهو انما يتصور في الأجسام والآيات التي هى من الكلام من الاعراض الغير القارة فكيف يتصور الانزال فيها مجاب عنه بأن المراد منه إنزال من يتلقف من الله ويرسل الى عباده تعالى فيسند إليها مجازا لكونها المقصودة منه أو المراد منه الإيصال والاعلام على الاستعارة وَلِلْكافِرِينَ بتلك الآيات او بكل ما يجب الايمان به عَذابٌ مُهِينٌ يذهب بعزهم وكبرهم من الاهانة بمعنى التحقير والمراد عذاب الكبت الذي هو في الدنيا فيكون ابتداء كلام او عذاب الآخرة فيكون للعطف بمعنى ان لهم الكبت فى الدنيا ولهم عذاب مهين في الآخرة فهم معذبون في الدارين قال بعضهم وصف الله العذاب الملحق بالكافرين اولا بالايلام وثانيا بالاهانة لان الإيلام يلحق بهم اولا ثم يهانون به وإذا كانت الاهانة ما في الآخرة فالتقديم ظاهر وقد سبق غير هذا وفي الآية اشارة الى أن من يعادون مظاهر الله وهم الأولياء المتحققون بالله المجتمعون بأسماء الله ويشاققون مظاهر رسوله وهم العلماء القائمون باحكام الشرائع حجوا وأفحموا بأبلغ الحجج واظهر البراهين من الكرامات الظاهرة ونشر العلوم الباهرة وكيف لا وقد أنزلنا بصحة ولايتهم وآثار وراثتهم آيات بينات فمن سترها بستائر ظلمات إنكاره قله عذاب القطيعة الفظيعة والاهانة من غير ابانة يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ منصوب با ذكر المقدر تعظيما لليوم وتهويلا له والمراد يوم القيامة اى يحييهم الله بعد الموت للجزاء جَمِيعاً اى كلهم بحيث لا يبقى منهم أحد غير مبعوث فيكون تأكيدا للضمير أو مجتمعين في حالة واحدة فيكون حالا منه فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا من القبائح ببيان صدورها منهم او بتصويرها في تلك النشأة بما يليق بها من الصور الهائلة على رؤوس الاشهاد وتخجيلالهم وتشهيرا لحالهم وتشديدا لعذابهم وإلا فلا فائدة في نفس الانباء لينبهوا على ما صدر منهم أَحْصاهُ اللَّهُ كأنه قيل كيف ينبئهم بأعمالهم وهى اعراض منقضية متلاشية فقيل أحصاه الله اى أحاط به عددا وحفظه كما عمله لم يفت منه شيء ولم يغب قال الراغب الإحصاء التحصيل بالعدد يقال أحصيت كذا وذلك من لفظ الحصى واستعمال ذلك فيه لانهم كانوا يعتمدون اعتماد نافيه على الأصابع وقال بعضهم الإحصاء عد بإحاطة وضبط إذ أصله العدد بآحاد الحصى للتقوى في الضبط فهو أخص من العد لعدم لزوم الإحاطة فيه وَنَسُوهُ اى(9/397)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)
والحال انهم قد نسوه لكثرته او لتهاونهم حين ارتكبوه لعدم اعتقادهم وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ لا يغيب عنه امر من الأمور فالشهيد بمعنى الشاهد من الشهود بمعنى الحضور وگفته اند گواهست ومناسب آن مكافات خواهد فرمود وكسى گواهى او رد نتواند كرد
حاكم ز حكم دم نزند كر گواه نيست ... حاكم كه خود كواه بود قصه مشكلست
فلابد من استحضار الذنوب والبكاء عليها وطلب التوبة من الله الذي يحصى كل شيء ولا ينساه قبل أن يجيئ يوم يفتضح فيه المصر على رؤوس الأشهاد ولا يقبل الدعاء والمعذرة من العباد واعلم ان القول بأنه تعالى شهيد قول بأنه حاضر لكن بالحضور العلمي لا بالحضور الجسماني فانه منزه عن ذلك فقول من قال الله حاضر محمول على الحضور العلمي فلا وجه لا كفار قائله مع وجوده في القرآن أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ استشهاد على شمول شهوده تعالى والهمزة للانكار المقرر بالرؤية لما أن الإنكار نفى معنى ونفى النفي يقرر الإثبات فتكون الرؤية ثابتة مقررة والخطاب للرسول عليه السلام او لكل من يستحق الخطاب والمعنى ألم تعلم علما يقينيا بمرتبة المشاهدة انه تعالى يعلم ما في السموات وما في الأرض من الموجودات سوآء كان ذلك بالاستقرار فيهما او بالجزئية منهما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما انها نزلت في ربيعة وحبيب ابني عمرو وصفوان بن امية كانوا يوما يتحدثون فقال أحدهم أترى الله يعلم ما نقول فقال الآخر يعلم بعضا وقال الثالث ان كان يعلم بعضه فهو يعلم كله وصدق لان من علم بعض الأشياء بغير سبب فقط علمها كلها لان كونه عالما بغير سبب ثابت له مع كل معلوم فنزلت الآية ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ ما نافية ويكون تامة بمعنى يوجع ويقع ومن مقحم ونجوى فاعله وهو مصدر بمعنى التناجي كالشكوى بمعنى الشكاية يقال نجاه نجوى ونجوى ساره كناجاه مناجاة والنجوى السر الذي يكتم اسم ومصدركما في القاموس وأصله أن تخلوفى نجوة من الأرض اى مكان مرتفع منفصل بارتفاعه عما حوله كأن المتناجى بنجوة من الأرض لئلا يطلع عليه أحد والمعنى ما يقع من تناجى ثلاثة نفر ومسارتهم فالنجوى مصدر مضاف الى فاعله إِلَّا هُوَ اى الله تعالى رابِعُهُمْ اى جاعلهم اربعة من حيث انه تعالى يشاركهم في الاطلاع عليها كما قال الحسين النوري قدس سره الا هو رابعهم علما وحكما لا نفسا وذاتا وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال اى ما يوجد فى حال ما الا في هذه الحال وفي الكلام اعتبار التصيير قال النصرآبادي من شهد معية الحق معه زجره عن كل مخالقة وعن ارتكاب كل محذور ومن لا يشاهد معيته فانه متخط الى الشبهات والمحارم وَلا خَمْسَةٍ اى ولا نجوى خمسة نفر إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ اى الا وهو تعالى جاعلهم ستة في الاطلاع على ما وقع بينهم وتخصيص العددين بالذكر لخصوص الواقعة لان المنافقين المجتمعين في النجوى كانوا مرة ثلاثة واخرى خمسة ويقال ان التشاور غالبا انما يكون من ثلاثة الى ستة ليكونوا اقل لفظا وأجدر رأيا واكتم سرا ولذا ترك عمر رضى الله عنه حين علم بالموت امر الخلافة شورى بين ستة اى على أن يكون امر الخلافة بين ستة ومشاورتهم واتفاق رأيهم وفي الثلاثة اشارة الى الروح والسر والقلب وفي الخمسة إليها باضافة(9/398)
النفس والهوى ثم عمم الحكم فقال وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ اى اقل مما ذكر كالاثنين والواحد فان الواحد ايضا يناجى نفسه وبالفارسية ونه كمتر باشد از سه عدد وَلا أَكْثَرَ كالستة وما فوقها إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ اى الله مع المتناجين بالعلم والسماع يعلم ما يجرى بينهم ولا يخفى عليه ما هم فيه فكأنه مشاهدهم ومحاضرهم وقد تعالى عن المشاهدة والحضور معهم حضورا جسمانيا أَيْنَ ما كانُوا اى في اى مكان كانوا من الأماكن ولو كانوا تحت الأرض فان علمه تعالى بالأشياء ليس لقرب مكانى حتى يتفاوت باختلاف الامكنة قربا وبعدا
اين معيت در بيابد عقل وهوش ... زين معيت دم مزن بنشين خموش
قرب حق با بنده دورست از قياس ... بر قياس خود منه آنرا أساس
قال بعض العارفين اگر مؤمنان امت احمد را خود اين تشريف يودى كه رب العالمين درين سوره ميكويد كه ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم الى قوله هو معهم تمام بودى اصحاب كهف را باجلال رتبت ايشان وكمال منزلت ميكويد ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم فانظركم من فرق بين من كان الله رابعهم وسادسهم وبين من كان اخس الحيوانات رابعهم وسادسهم وحظية المؤمن من المعية أن يعلم ان الخير في أن يكون جليسه صالحا وكلامه نافعا ولا يتكلم بمالا طائل تحته فيكون عيبا في صحيفته وعبثا في صحبته ومعية الله تعالى على العموم كما صرح به قوله تعالى وهو معكم أينما كنتم ثم انه قد يكون له تعالى معية مخصوصة ببعض عباده بحسب فيضه وإيصال لطفه اليه ونحو ذلك ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا اى يخبرهم بالذي عملوه في الدنيا يَوْمَ الْقِيامَةِ تفضيحا لهم وإظهارا لما يوجب عذابهم إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ لان نسبة ذاته المقتضية للعلم الى الكل سوآء يعنى نسبت علم او با همه معلومات يكسانست حالات اهل آسمان را چنان داند كه حالات اهل زمين را وعلم او بمخفيات امور بدان وجه احاطه كند كه بجليات
نهان وآشكارا هر دو يكسانست بر علمت ... نه اين را زودتر بينى نه آنرا ديدتر دانى
من عرف انه العالم بكل شيء راقبه في كل شيء واكتفى بعلمه في كل شيء فكان واثقا به عند كل شيء ومتوجها له بكل شيء قال ابن عطاء الله متى علمت عدم اقبال الناس عليك او توجههم بالذم إليك فارجع الى علم الله فيك فان كان لا يقنعك علمه فيك فمصيبتك بعدم قناعتك بعلمه أشد من مصيبتك بوجود الأذى منهم انتهى والتخلق بهذا الاسم تحصيل العلم وافادته للمحتاجين اليه ومن أدمن ذكر يا علام الغيوب بصيغة النداء الى أن يغلب عليه منه حال فانه يتكلم بالمغيبات ويكشف ما في الضمائر وترقى روحه الى أن يرقى في العالم العلوي ويتحدث بامور الكائنات والحوادث قال الفقهاء من قال بأن الله تعالى عالم بذاته أي لا عالم بعلمه قادر بذاته اى لا قادر بقدرته يعنى لا يثبت له صفة العلم القائمة بذاته ولا صفة القدرة كالمعتزلة والجهمية يحكم بكفره لان نفى الصفات الالهية كفر قال الرهاوي من أقر بوحدانية الله وأنكر الصفات كالفلاسفة والمعتزلة لا يكون إيمانه معتبرا كذا قالوا وفيه شيء بالنسبة الى المعتزلة فانهم من اهل القبلة ومن ثمة قال في شرح العقائد والجمع بين قولهم لا يكفر أحد من أهل(9/399)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8)
القبلة وقولهم بكفر من قال بخلق القرآن واستحالة الرؤية وسب الشيخين وأمثال ذلك مشكل انتهى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ نزلت في اليهود والمنافقين كانوا يتناجون فيما بينهم ويتحلقون ثلاثة وخمسة ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين يريدون أن يغيظوهم فنهاهم رسول الله عليه السلام ثم عادوا لمثل فعلهم والخطاب للرسول والهمزة للتعجب من حالهم وصيغة المضارع للدلالة على تكرر عودهم وتجدده واستحضار صورته العجيبة قال الخدري رضى الله عنه خرج عليه السلام ذات ليلة ونحن نتحدث فقال هذه النجوى ألم تنهوا عن النجوى فقلنا تبنا الى الله انا كنا في حديث الدجال قال ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم منه هو الشرك الخفي يعنى المرآة وَيَتَناجَوْنَ وراز ميكويند بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ عطف على قوله يعودون داخل في حكمه وبيان لما نهوا عنه لضرره في الدين اى بما هو اثم في نفسه وعدوان للمؤمنين وتواص بمعصية الرسول والعدوان الظلم والجور والمعصية خلاف الطاعة وَإِذا جاؤُكَ و چون بر تو آنيد يعنى اهل النجوى حَيَّوْكَ ترا تحيت وسلام كنند والتحية في الأصل مصدر حياك على الاخبار من الحياة فمعنى حياك الله جعل لك حياة ثم استعمل للدعاء بها ثم قيل لكل دعاء فغلب في السلام فكل دعاء تحية لكون جميعه غير خارج عن حصول حياة او سبب حياة اما في الدنيا واما في الآخرة بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ اى بشيء لم يقع من الله أن يحييك به فيقولون السام عليك والسام بلغة اليهود مرك است يا قتل بشمشير وهم يوهمون انهم يقولون السلام عليك وكان عليه السلام يرد عليهم فيقول عليكم بدون الواو ورواية وعليكم بالواو خطأ كذا في عين المعاني او يقولون أنعم صباحا وهو تحية الجاهلية من النعومة اى ليصر صباحك ناعما لينا لا بؤس فيه والله سبحانه يقول وسلام على المرسلين واختلفوا فى رد السلام على اهل الذمة فقال ابن عباس والشعبي وقتادة هو واجب لظاهر الأمر بذلك وقال مالك ليس بواجب فان رددت فقل عليك وقال بعضهم يقول في الرد علاك السلام اى ارتفع عنك وقال بعض المالكية يقول في الرد السلام عليك بكسر السين يعنى الحجارة وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ اى فيما بينهم إذا خرجوا من عندك لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ لولا تحضيضية بمعنى هلا اى هلا يعذبنا الله ويغضب علينا ويقهرنا بجراءتنا على الدعاء بالشر على محمد لو كان نبيا حقا حَسْبُهُمْ پس است ايشانرا جَهَنَّمُ عذابا مبتدأ وخبر اى محسبهم وكافيهم جهنم في التعذيب من أحسبه إذا كفاه يَصْلَوْنَها يدخلونها ويقاسون حرها لا محالة وان لم يعجل تعذيبهم لحكمة والمراد الاستهزاء بهم والاستخفاف بشأنهم لكفرهم وعدم ايمانهم فَبِئْسَ الْمَصِيرُ اى جهنم قال في برهان القرآن الفاء لما فيه من معنى التعقيب اى فبئس المصير ما صاروا اليه وهو جهنم انتهى قال بعض المفسرين وقولهم ذلك من جملة ما غفلوا عما عندهم من العلم فانهم كانوا اهل كتاب يعلمون ان بعض الأنبياء قد عصاه أمته وآذوه ولم يعجل تعذيبهم لحكمة ومصلحة علمها عند الله تعالى انتهى ثم ان الله يستجيب دعاء رسول الله عليه السلام كما روى ان عائشة رضى الله عنها سمعت(9/400)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)
قول اليهود فقالت عليكم السام والذام واللعن فقال عليه السلام يا عائشة ارفقى فان الله يحب الرفق في كل شيء ولا يحب الفحش والتفحش الا سمعت مارددت عليهم فقلت عليكم فيستجاب لى فيهم وقس عليه حال الورثة الكاملين فان أنفاسهم مؤثرة فمن تعرض لواحد منهم بالسوء فقد تعرض لسوء نفسه وفي البستان
كزيرى بچاهى در افتاده بود ... كه از هول او شير نر ماده بود
همه شب ز فرياد وزارى نخفت ... يكى بر سرش كوفت سنكى وكفت
تو هركز رسيدى بفرياد كس ... كه ميخواهى امروز فرياد رس
كه بر جان ريشت نهد مرهمى ... كه جانها بنالد ز دستت همى
تو ما را همى چاه كندى براه ... بسر لا جرم بر فتادى بچاه
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بألسنتهم وقلوبهم إِذا تَناجَيْتُمْ چون راز كوييد با يكديگر يعنى في انديتكم وخلواتكم فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ كما يفعله المنافقون واليهود وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى اى بما يتضمن خبر المؤمنين والاتقاء عن معصية الرسول قال سهل رحمه الله بذكر الله وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وحده لا الى غيره استقلالا او اشتراكا فيجازيكم بكل ما تأتون وما تذرون يعنى بسوى او جمع كرده خواهيد شد پس از موت دلت الآية على ان التناجي ليس بمنهي عنه مطلقا بل مأمور به في بعض الوجوه إيجابا واستحبابا واباحة على مقتضى المقام ان قيل كيف يأمر الله بالاتقاء عنه وهو المولى الرحيم والقرب منه ألذ المطالب والانس به أقصى المآرب فالتقوى توجب الاجتناب والحشر اليه يستدعى الإقبال اليه يجاب بأن في الكلام مضافا إذا التقدير واتقوا عذاب الله او قهر الله او غيرهما فان قيل ان العبد لو قدر على الخلاص من العذاب والقهر لأسرع اليه لكنه ليس بقادر عليه كما قال تعالى ان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو وان يدرك بخير فلا راد لفضله والأمر انما يكون بالمقدور لا يكلف الله نفسا الا وسعها أجيب بأن المراد الاتقاء عن السبب من الذنوب والمعاصي الصادرة عن العبد العاصي فالمراد واتقوا ما يفضى الى عذاب الله ويقتضى قهره في الدارين من الإثم والعدوان ومعصية الرسول التي هى السبب الموجب لذلك فالمراد النهى عن مباشرة الأسباب والأمر بالاجتناب عنها ان قيل ان ذلك الاتقاء انما يكون بتوفيق الله له فان وفق العبد له فلا حاجة الى الأمر به وان لم يوفقه فلا قدرة له عليه والأمر انما يحسن في المقدور أجيب بأنه تعالى علمه الحق اولا ووهب له ارادة جزئية يقدر بها على اختيار شيء فله الاختيار السابق على ارادة الله تعالى ووجود الاختيار في الفاعل المختار امر يطلع عليه كل أحد حتى الصبيان إِنَّمَا النَّجْوى المعهودة التي هى التناجي بالإثم والعدوان بقرينة ليحزن مِنَ الشَّيْطانِ لا من غيره فانه المزين لها والحامل عليها فكأنها منه لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا خبر آخر من الحزن بالضم بعده السكون متعد من الباب الاول لا من الحزن بفتحتين لازما من الرابع كقوله تعالى يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون فيكون الموصول مفعوله وفي القاموس(9/401)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)
الحزن بالضم ويحرك الهم والجمع احزان وحزن كفرح وحزنه الأمر حزنا بالضم وأحزنه جعله حزينا وحزنه جعل فيه حزنا وقال الراغب الحزن والحزن خشونة في الأرض وخشونة فى النفس لما يحصل فيها من الغم ويضاده الفرح ولاعتبار الخشونة بالغم قيل خشنت بصدره إذا احزنته والمعنى انما هى ليجعل الشيطان المؤمنين محزونين بتوهمهم انها في نكبة أصابهم فى سيرتهم يعنى ان غزاتهم غلبوا وان أقاربهم قتلوا متألمين بذلك فاترين في تدبير الغزو الى غير ذلك مما يشوش قلوب المؤمنين وفي الحديث إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون صاحبهما فان ذلك يحزنه وَلَيْسَ اى الشيطان او التناجي بِضارِّهِمْ بالذي يضر المؤمنين شَيْئاً من الأشياء او شيأ من الضرر يعنى ضرر رساننده مؤمنان بچيزى إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ اى بمشيئته وإرادته اى ما أراده من حزن او وسوسة كما روى ان فاطمة رضى الله عنها رأت كأن الحسن والحسين رضى الله عنهما أكلا من أطيب جزور بعثه رسول الله إليهما فماتا فلما غدت سألته عليه السلام وسأل هو جبريل ملك الرؤيا فقال لا علم لى به فعلم أنه من الشيطان وفي الكشاف الا بإذن الله اى بمشيئته وهو أن يقضى الموت على أقاربهم او الغلبة على الغزاة قال في الاسئلة المقحمة اين ضرر الحزن قلت ان الحزن إذا سلمت عاقبته لا يكون حزنا في الحقيقة وهذه نكتة اصولية إذ الضرر إذا كانت عاقبته الثواب لا يكون ضررا في الحقيقة وهذه نكتة اصولية إذا الضرر إذا كانت عاقبته الثواب لا يكون ضررا في الحقيقة والنفع إذا كانت عاقبته العذاب لا يكون نفعا في الحقيقة وَعَلَى اللَّهِ خاصة فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ليفوضوا أمورهم اليه وليثقوا به ولا يبالوا بنجواهم فانه تعالى يعصمهم من شرها وضررها دكر بما سخن خصم تندخوى مكوى كه اهل مجلس ما را از ان حسابى نيست وفي الآية اشارة الى أن الشيطان يناجى النفس الامارة ويزين لها المعارضات ونحوها ليقع القلب والروح في الحزن والاضطراب وضيق الصدر ويتقاعد ان من شؤم المعارضة عن السير والطير في عالم الملكوت ويحرمان من مناجاة الله تعالى فى عالم السر لكنهما محروسان برعاية الحق وتأييده ومنه يعلم ان كل مخالفة فهى في النفس والطبيعة والشيطان لانها ظلمانية وان كل موافقة فهى في القلب والروح والسر لانها نورانية الا أن يغلب عليها ظلمة اهل الظلمة وتختفى أنوارها تحت تلك الظلمة اختفاء نور الشمس تحت ظلمة السحاب الكثيف فليكن العبد على المعالجة دائما لكن ينبغى له التوكل التام فان المؤثر في كل شيء هو الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يعنى المخلصين إِذا قِيلَ لَكُمْ من اى قائل كان من الاخوان تَفَسَّحُوا التفسح جاى فراخ كردن وفراخ نشتن در مجلس وكذا الفسح لكن التفسح يعدى بفي والفسح باللام اى توسعوا ليفسح بعضكم عن بعضكم عن بعض ولا تتضاموا من قولهم افسح اعنى اى تنح وأنت في فسحة من دينك اى في وسعة ورخصة وفلان فسيح الخلق اى واسع الخلق فى الجالس قال في الإرشاد متعلق بقيل يقول الفقير الظاهر انه متعلق بقوله تفسحوا لأن البيهقي صرح في تاج المصادر بان التفسح يعدى بفي على ما أشرنا اليه آنفا فَافْسَحُوا پس جاى كشاده كنيد بر مردم يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ اى(9/402)
فى كل ما تريدون التفسح فيه من المكان والرزق والصدر والقبر وغيرها فان الجزاء من جنس العمل والآية عامة في كل مجلس اجتمع فيه المسلمون للخير والأجر سوآء كان مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكانوا يتضامون تنافسا في القرب منه عليه السلام وحرصا على استماع كلامه او مجلس حرب وكانوا يتضامون في مراكز الغزاة ويأتى الرجل الصف ويقول تفسحوا ويأبون لحرصهم على الشهادة او مجلس ذكر او مجلس يوم الجمعة وان كل واحد وان كان أحق بمكان الذي سبق اليه لكنه يوسع لاخيه ما لم يتأذ لذلك فيخرجه الضيق من موضعه وفي الحديث (لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يخلفه فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا وفي رواية لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل افسحوا) وقيل ان رجلا من الفقراء دخل المسجد وأراد أن يجلس بجنب واحد من الأغنياء فلما قرب منه قبض الغنى اليه ثوبه فرأى رسول الله عليه السلام ذلك فقال
للغنى أخشيت أن يعديه غناك ويعديك فقره وفيه حث على التواضع والجلوس مع الفقراء والتوسعة لهم في المجالس وان كانوا شعثا غبرا وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا يقال نشز الرجل إذا نهض وارتفع في المكان نشزا والنشز كالفلس وكذا النشز بفتحتين المكان المرتفع من الأرض ونشز فلان إذا قصد نشزا ومنه فلان عن مقره وقلب ناشز ارتفع عن مكانه رعبا والمعنى وإذا قيل لكم قوموا للتوسعة على المقبلين اى على من جاء بعدكم فَانْشُزُوا فارتفعوا وقوموا يعنى إذا كثرت المزاحمة وكانت بحيث لا تحصل التوسعة بتنحى أحد الشخصين عن الآخر حال قعود الجماعة وقيل قوموا جميعا تفسحوا حال القيام فانشزوا ولا تثاقلوا عن القيام او إذا قيل لكم قوموا عن مواضعكم فانتقلوا منها الى موضع آخر لضرورة داعية اليه أطيعوا من أمركم به وقوموا من مجالسكم وتوسعوا لاخوانكم ويؤيده انه عليه السلام كان يكرم أهل بدر فأقبلت جماعة منهم فلم يوسعوا لهم فقال عليه السلام قم يا فلان ويا فلان فأقام من المجلس بعدد المقبلين من اهل بدر فتغامز به المنافقون أنه ليس من العدل أن يقيم أحدا من مجلسه وشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف رسول الله عليه السلام الكراهية في وجوههم فانزل الله الاية فالقائل هو الرسول عليه السلام ويقال وإذا قيل انشزوا اى انهضوا عن مجلس رسول الله إذا أمرتم بالنهوض عنه فانهضوا ولا تملوا رسول الله بالارتكان فيه او انهضوا الى الصلاة او الى الجهاد او الشهادة او غير ذلك من اعمال الخير فانهضوا ولا تتنبطوا ولا تفرطوا فالقائل يعم الرسول وغيره يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ جواب للامر اى من فعل ذلك طاعة للامر وتوسعة للاخوان يرفعهم الله بالنصر وحسن الذكر فى الدنيا والإيواء الى غرف الجنان في الآخرة لان من تواضع رفعه الله ومن تكبر وضعه فالمراد الرفعة المطلقة الشاملة للرفعة الصورية والمعنوية وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ اى ويرفع العلماء منهم خاصة فهو من عطف الخاص على العام للدلالة على علو شأنهم وسمو مكانهم حتى كانهم جنس آخر دَرَجاتٍ اى طبقات عالية ومراتب مرتفعة بسبب ما جمعوا من العلم والعمل فان العلم لعلو درجته يقتضى للعمل المقرون به مزيد رفعة لا يدرك شاؤه العمل الغارى عنه وان كان في غاية الصلاح ولذا يقتدى بالعالم في أفعاله ولا يقتدى بغيره فعلم من هذا التقرير(9/403)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
انه لا شركة للمعطوف عليه في الدرجات كما قال ابن عباس رضى الله عنهما تم الكلام عند قوله منكم وينتصب الذين أوتوا العلم بفعل مضمر اى ويرفعهم درجات وانتصاب درجات اما على إسقاط الخافض اى الى درجات او على المصدرية اى رفع درجات فحذف المضاف او على الحالية من الموصول اى ذوى درجات وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ اى بعملكم او بالذي تعملونه خَبِيرٌ عالم لا يخفى عليه شيء منه لا ذاته جنسا او نوعا ولا كيفيته إخلاصا او نفاقا او رياء او سمعة ولا كميته قلة او كثرة فهو خبير بتفسحكم ونشزكم ونيتكم فيهما فلا تضيع عند الله وجعله بعضهم تهديدا لمن لم يتمثيل بالأمر او استكرهه فلابد من التفسح والطاعة وطلب العلم الشريف ويعلم من الآية سر تقدم العالم على غيره في المجالس والمحاضر لان الله تعالى قدمه وأعلاه حيث جعل درجاته عالية وفي الحديث (فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب) اى فضل العالم الباقي بالله على العابد الفاني في الله كما في التأويلات النجمية وقال في عين المعاني المراد علم المكاشفة في ما ورد فضل العالم على العابد كفضلى على أمتي إذ غيره وهو علم المعاملة تبع للعمل لثبوته شرطا له إذ العمل انما يتعد به إذا كان مقرونا بعلم المعاملة قال بعضهم المتعبد بغير علم كحمار الطاحونة يدور ولا يقطع المسافة
علم چندانكه بيشترتى خوانى ... چون عمل در تو نيست نادانى
وحيث يمدح العلم فالمراد به العلم المقرون بالعمل
رفعت آدمي بعلم بود ... هر كرا علم بيش رفعت بيش
قيمت هر كسى بدانش اوست ... سازد افزون بعلم قيمت خويش
(وقال بعضهم)
مرا بتجربة معلوم كشت آخر حال ... كه عز مرد بعلم است وعز علم بمال
وعن بعض الحكماء ليت شعرى اى شيء أدرك من فاته العلم واى شيء فات من أدرك العلم وكل علم لم يوطد بعمل فالى ذل يصير وعن الزهري رضى الله عنه العلم ذكر فلا يحبه الا ذكورة الرجال قال مقاتل إذا انتهى المؤمن الى باب الجنة يقال له لست بعالم ادخل الجنة بعملك ويقال للعالم قف على باب الجنة واشفع للناس وعن أبى الدرداء رضى الله عنه قال لأن أعلم مسألة أحب الى من أن أصلى مائة ركعة ولأن أعلم مسألة أحب الى من أن أصلى ألف ركعة قال ابو هريرة وابو ذر رضى الله عنهما سمعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول إذا جاء الموت طالب العلم على هذه الحال مات وهو شهيد واعلم ان جميع الدرجات اما باعتبار تعدد أصحابها فان لكل عالم ربانى درجة عالية او باعتبار تعددها لقوله عليه السلام بين العالم والعابد مائة درجة بين كل درجة حضر الجواد المضمر سبعين سنة الحضر بضم الحاء المهملة ارتفاع الفرس في عدوه والجواد الفرس السريع السير وتضمير الفرس أن تعلفه حتى يسمن ثم ترده الى القوت وذلك في أربعين يوما والمضمار الموضع يضمر فيه الخيل وغاية الفرس فى السباق يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بالايمان الخالص إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ المناجاة با كسى راز كفتن اى إذا كالمتموه سرا في بعض شؤونكم المهمة الداعية الى مناجاته عليه السلام(9/404)
ومكالمته سرا بالفارسية چون خواهيد كه راز كوييد با رسول وفي بعض التفاسير إذا كالمتموه سرا استفسار الحال ما يرى لكم من الرؤيا ففيه ارشاد للمتقدين الى عرضها على المقتدى بهم ليعبروها لهم ومن ذلك عظم اعتبار الواقعات وتعبيرها بين ارباب السلوك حتى قيل ان على المريد أن يعرض واقعته على شيخه سوآء عبر الشيخ او لم يعبر فان الله تعالى قال ان الله يأمركم أن تودوا الأمانات الى أهلها وهى من جملة الامانة عند المريد لا بد ان يؤديها الى الشيخ لما فيها من فائدة جليلة له وقوة لسلوكه وفي التعبير أثر قوى على ما قال عليه السلام الرؤيا على ما اولت فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً اى فتصدقوا قبلها على المستحق كقول عمر رضى الله عنه أفضل ما أوتيت العرب الشعر يقدمه الرجل امام حاجته فيستمطر به الكريم ويستنزل به اللئيم يريد قبل حاجته فهو مستعار ممن له يدان على سبيل التخييل فقوله نجواكم استعارة بالكناية وبين يدى تخييلية وفي بعض التفاسير إذا أردتم عرض رؤياكم عليه ليعبرها لكم فتصدقوا قبل ذلك بشيء ليكون ذلك قوة لكم ونفعا في أموركم والآية نزلت حين اكثر الناس عليه السؤال حتى اسأموه واملوه فأمرهم الله بتقديم الصدقة عند المناجاة فكف كثير من الناس اما الفقير فلعسرته واما الغنى فلشحه وفي هذا الأمر تعظيم الرسول ونفع الفقراء والزجر عن الافراط في السؤال والتمييز بين المخلص والمنافق ومحب الآخرة ومحب الدنيا واختلف في انه للندب او للوجوب لكنه نسخ بقوله تعالىء أشفقتم الآية وهو وان كان متصلا به تلاوة لكنه متراخ عنه نزولا على ما هو شأن الناسخ واختلف فى مقدار تأخر الناسخ عن المنسوخ فقيل كان ساعة من النهار والظاهر انه عشرة ايام لما روى عن على رضى الله عنه انه قال ان في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلى ولا يعمل بها أحد بعدي كان لى دينار فصرفته وفي رواية فاشتريت به عشرة دراهم فكنت إذا ناجيته عليه السلام تصدقت بدرهم يعنى كنت اقدم بين يدى نجو اى كل يوم درهما الى عشرة ايام واسأله خصلة من الخصال الحسنة كما قال الكلبي تصدق به في عشر كلمات سألهن رسول الله عليه السلام وهو على القول بالوجوب محمول على انه لم يتفق للاغنياء مناجاة في مدته وهى عشرة ايام في بعض الروايات اما لعدم المحوج إليها او الإشفاق وعلى التقديرين لا يلزم مخالفة الأمر وان كان للاشفاق وفي بعض التفاسير ولا يظن ظان ان عدم عمل غيره من الصحابة رضى الله عنهم بهذا لعدم الاقدام على التصدق كلا كيف ومن المشهور صدقة أبى بكر وعثمان رضى الله عنهما بألوف من الدراهم والدنانير مرة واحدة فهلا يقدم
من هذا شأنه على تصدق دينار او دينارين وكذا غيرهما فلعله لم يقع حال اقتضت النجوى حينئذ وهذا لا ينافى الجلوس في مجلسه المبارك والتكلم معه لمصلحة دينية او دنيوية بدون النجوى إذ المناجاة تكلم خاص وعدم الخاص لا يقتضى عدم العام كما لا يخفى وعن على رضى الله عنه قال لما نزلت الآية دعانى رسول الله فقال ما تقول في دينار قلت لا يطيقونه قال فنصف دينار قلت لا يطيقونه قال فكم قلت حبة او شعيرة قال انك لزهيد اى رجل قليل المال لزهدك فيه فقدرت على حالك وما في بالك(9/405)
أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13)
من الشفقة على المؤمنين وقوله حبة او شعيرة اى مقدارها من ذهب وعن ابن عمر رضى الله عنه كان لعلى رضى الله عنه ثلاث لو كانت لى واحدة منهن كانت أحب الى من حمر النعم تزويجه فاطمة رضى الله عنها وإعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى قوله حمر النعم بسكون ميم الحمر وهى من انفس اموال العرب يضربون بها المثل في نفاسة الشيء وانه ليس هناك أعظم منه قال بعضهم ان رسم النثارات للملوك والرؤساء مأخوذ من أدب الله تعالى في شأن رسوله حيث قال يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة ذلِكَ التصدق خَيْرٌ لَكُمْ أيها المؤمنون من إمساكه وبالفارسية بهترست مر شما را زيرا كه طاعت بيفزايد وَأَطْهَرُ لانفسكم من دنس الريبة ودرن البخل الناشئ من حب المال الذي هو من أعظم حب الدنيا وهو رأس كل خطيئة وبالفارسية و پاكيزه تر براى آنكه كناهان محو كند وهذا يشعر بالندب لكن قوله تعالى فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ منبئ عن الوجوب لانه ترخيص لمن لم يجد فى المناجاة بلا تصدق والمعنى بالفارسية پس اگر نيابيد چيزى كه صدقه دهيد پس خداى تعالى آمرزنده است مر كسى را كه اين كناه كند مهربانست بنده را كه تكليف مالا يطاق ننمايد قال بعض اهل الاشارة ان الله تعالى أدب اهل الارادة بهذه الآية أن لا يناجوا شيوخهم في تفسير الإلهام واستفهام علم المكاشفة والاسرار إلا بعد بذل وجودهم لهم والايمان بهم بشرط المحبة والارادة فان الصحة بهذه الصفة خير لقلوبهم واطهر لنفوسهم فان ضعفوا عن بعض القيام بحقوقهم ومعهم الايمان والارادة وعلموا قصورهم في الحقيقة فان الله تعالى يتجاوز عن ذلك التقصير وهو رحيم بهم يبلغهم الى درجة الأكابر (قال المولى الجامى) چهـ سود اى شيخ هر ساعت فزون خرمن طاعت چونتوانى كه يك جواز وجود خويشتن كاهى أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ الإشفاق الخوف من المكروه ومعنى الاستفهام التقرير كان بعضهم ترك المناجاة للاشفاق ولا مخالفة للامر وجمع صدقات لجمع المخاطبين قال في بعض التفاسير أفرد الصدقة اولا لكفاية شيء منها وجمع ثانيا نظرا الى كثرة التناجي والمناجى والمعنى أخفتم الفقر يا اهل الغنى من تقديم الصدقات فيكون المفعول محذوفا للاختصار وأن تقدموا في تقدير لان تقدموا او أخفتم التقديم لما يعدكم الشيطان عليه من الفقر قال الشاعر
هون عليك ولا تولع باشفاق ... فانما مالنا للوارث الباقي
فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا ما أمرتم به وشق عليكم ذلك وبالفارسية پس چون نكرديد اين كار را وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بأن رخص لكم في أن لا تفعلوه وأسقط عنكم تقديم الصدقة وذلك لانه لا وجه لحملها على قبول التوبة حقيقة إذ لم يقع منهم التقصير في حق هذا الحكم بأن وقعت المناجاة بلا تصدق وفيه اشعار بأن أشفاقهم ذنب تجاوز الله عنه لما رأى منهم(9/406)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)
من الانفعال ما قام مقام توبتهم وإذ على بابها يعنى الظرفية والمضي بمعنى انكم تركتم ذلك فيما مضى وتجاوز الله عنكم بفضله فتدار كوه بما تؤمرون به بعد هذا وقيل بمعنى إذا للمستقيل كما في قوله إذا لا غلال في أعناقهم او بمعنى ان الشرطية وهو قريب مما قبله الا ان ان يستعمل فيما يحتمل وقوعه واللاوقوعه فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ مسبب عن قوله فاذ لم تفعلوا اى فاذ فرطتم فيما أمرتم به من تقديم الصدقات فتدار كوه بالمواظبة على اقامة الصلاة وإيتاء الزكاة المفروضة وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ في سائر الأوامر فان القيام بها كالجابر لما وقع في ذلك من التفريط وهو تعميم بعد التخصيص لتتميم النفع وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ عالم بالذي تعملون من الأعمال الظاهرة والباطنة لا يخفى عليه خافية فيجازيكم عليه فاعملوا ما أمركم به ابتغاء لمرضاته لالرياء وسمعة وتضرعوا اليه خوفا من عقوباته خصوصا بالجماعة يوم الجمعة ومن الادعية النبوية اللهم طهر قلبى من النفاق وعملى من الرياء ولسانى من الكذب وعينى من الخيانة انك تعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور وفي تخصيص الصلاة والزكاة بالذكر من بين العبادات المرادة بالأمر بالاطاعة العامة اشارة الى علو شأنهما وانافة قدرهما فان الصلاة رئيس الأعمال البدنية جامعة لجميع انواع العبادات من القيام والركوع والسجود والقعود ومن التعوذ والبسملة والقراءة والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والصلاة على النبي عليه السلام ومن الدعاء الذي هو مخ العبادة ومن ذلك سميت صلاة وهى الدعاء لغة فهى عبادة من عبد الله تالى بها فهو محفوظ بعبادة العابدين من اهل السموات والأرضين ومن تركها فهو محروم منها فطوبى لأهل الصلاة وويل لتاركها وان الزكاة هى أم الأعمال المالية بها يطهر القلب من دنس البخل والمال من خبث الحرمة فعلى هذا هى بمعنى الطهارة وبها ينمو المال في الدنيا بنفسه لانه بمحق الله الربا ويربى الصدقات وفي الآخرة بأجره لانه تعالى يضاعف لمن يشاء وفي الحديث (من تصدق بقدر تمرة من كسب حلال ولا يقبل الله الا الطيب فان الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربى أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل) فعلى هذا هى من الزكاء بمعنى النماء اى الزيادة وفي البستان
بدنيا توانى كه عقبى خرى ... بخر جان من ور نه حسرت خورى
زر ونعمت آيد كسى را بكار ... كه ديوار عقبى كند زر نكار
أَلَمْ تَرَ تعجيب من حال المنافقين الذين يتخذون اليهود اولياء ويناصحونهم وينقلون إليهم اسرار المؤمنين والخطاب للرسول عليه السلام او لكل من يسمع ويعقل وتعدية الرؤية بالى لكونها بمعنى النظر اى ألم تنظر يعنى آيا نمى نكرى إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا من التولي بمعنى الموالاة لا بمعنى الاعراض اى والوا يعنى دوست كرفتند قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وهم اليهود كما انبأ عنه قوله تعالى من لعنه الله وغضب عليه والغضب حركة للنفس مبدأها ارادة الانتقام وهو بالنسبة اليه تعالى نقيض الرضى او ارادة الانتقام او تحقيق الوعيد او الأخذ الأليم والبطش الشديد او هتك الاسرار والتعذيب بالنار او تغيير النعمة ما هُمْ اى الذين تولوا مِنْكُمْ فى الحقيقة وَلا مِنْهُمْ اى من القوم المغضوب عليهم لانهم منافقون(9/407)
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)
مذبذبون بين ذلك فهم وان كانوا كفارا في الواقع لكنهم ليسوا من اليهود حالا لعدم اعتقادهم بما اعتقدوا وعدم وفائهم لهم ومآلا لان المنافقين في الدرك الأسفل من النار والجملة مستأنفة وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ الحلف العهد بين القوم والمحالفة المعاهدة والحلف أصله اليمين التي يأخذ بعضهم من بعض بها العهد ثم عبريه عن كل يمين اى يقولون والله انا لمسلمون فالكذب المحلوف عليه هو ادعاء الإسلام وهو عطف على تولوا وادخل في حكم التعجيب وصيغة المضارع للدلالة على تكرر الحلف وتجدده حسب تكرر ما يقتضيه وَهُمْ يَعْلَمُونَ ان المحلوف عليه كذب كمن يحلف بالغموس وهو الحلف على فعل او ترك ماض كاذبا عمدا سمى بالغموس لانه يغمس صاحبه في الإثم ثم في النار ولم يجعل حلفهم غموسا لان الغموس حلف على الماضي وحلفهم هذا على الحال والجملة حال من فاعل يحلفون مقيدة لكمال شناعة ما فعلوا فان الحلف على ما يعلم انه كذب في غاية القبح وفي هذه التقييد دلالة على ان الكذب يعم ما يعلم المخبر عدم مطابقته للواقع ومالا يعلمه فيكون حجة على النظام والجاحظ (وروى) انه عليه السلام كان في حجرة من حجرة من حجراته فقال يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان فدخل عبد الله بن نبتل المنافق بتقديم النون على الباء الموحدة كجعفر وكان ازرق فقال له عليه السلام على م تشتمنى أنت وأصحابك فحلف بالله ما فعل فقال عليه السلام فعلت فانطلق بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه فنزلت فالكذب المحلوف عليه على هذه الرواية هو عدم شتمهم أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ بسبب ذلك عَذاباً شَدِيداً در دنيا بخوارى ورسوايى ودر آخرت بآتش دوزخ والمراد نوع من العذاب عظيم فالنوعية مستفادة من تنكير عذابا والعظيم من توصيفه بالشدة إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى تمرنوا عليه وأصروا وتمرنهم اى اعتيادهم واستمرارهم على مثل ما عملوه فى الحال من العمل السوء مستفاد من كان الدالة على الزمان الماضي اى العمل السيئ دأبهم اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ الفاجرة التي يحلفون بها عند الحاجة واليمين في الحلف مستعار من اليد اعتبارا بما يفعله المحالف والمعاهد عنده جُنَّةً وهى الترس الذي يجن صاحبه اى يستره والمعنى وقاية وسترة يسترون بها من المؤمنين ومن قتلهم ونهب أموالهم يعنى پناهى كه خون ومال ايشان در أمان ماند فالاتخاذ عبارة عن اعدادهم لايمانهم الكاذبة وتهيئتهم لها الى وقت الحاجة ليحلفوا بها ويتخلصوا من المؤاخذة لا عن استعمالها بالفعل فان ذلك متأخر عن المؤاخذة المسبوقة بوقوع الجناية والخيانة واتخاذ الجنة لا بد أن يكون قبل المؤاخذة وعن سببها ايضا كما تعرب عنه الفاء في قوله فَصَدُّوا اى منعوا الناس وصرفوهم عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى عن دينه في خلال أمنهم وسلامتهم وتثبيط من لقوا عن الدخول في الإسلام وتضعيف أمر المسلمين عندهم فَلَهُمْ بسبب كفرهم وصدهم عَذابٌ مُهِينٌ مخزى بين اهل المحشر وعيد ثان بوصف آخر لعذابهم وقيل الاول عذاب القبر وهذا عذاب الآخرة لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ اى من عذابه تعالى شَيْئاً قليلا من الإغناء يقال أغنى عنه كذا إذا كفاه يعنى انهم يحلفون(9/408)
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)
كاذبين للوقاية المذكورة ولا تنفعهم إذا دخلوا النار أموالهم ولا أولادهم التي صانوها وافتخروا بها في الدنيا او يقولون ان كان ما يقول محمد حقا لندفعن العذاب عن أنفسنا بأموالنا وأولادنا فأكذبهم الله بهذه الآية فان يوم القيامة يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ولا يكفى أحد أحدا في شأن من الشؤون أُولئِكَ الموصوفون بما ذكر من الصفات القبيحة قال في برهان القرآن بغير واو موافقة للجمل التي قبلها ولقوله أولئك حزب الله أَصْحابُ النَّارِ اى ملازموها ومقارنوها او مالكوها لكونها حاصلهم وكسبهم الذي اكتسبوه فى الدنيا بالسيئة المردية المؤدية الى التعذيب هُمْ فِيها خالِدُونَ لا يخرجون منها ابدا وضميرهم لتقوية الاسناد ورعاية الفاصلة لا للحصر لخلود غير المنافقين فيها من الكفار يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً ياد كن روزى را كه بر انگيزد خداى تعالى همه منافقان از قبور وزنده كند پس از مرك وجميعا حال من ضمير المفعول بمعنى مجموعين فَيَحْلِفُونَ فى ذلك اليوم وهو يوم القيامة لَهُ اى لله تعالى على انهم مسلمون مخلصون كما قالوا والله ربنا ما كنا مشركين كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ فى الدنيا وَيَحْسَبُونَ فى الآخرة مصدره الحسبان وهو أن يحكم لاحد النقيضين من غير أن يخطر الآخر بباله فيحسبه ويعقد عليه الإصبع ويكون بعرض أن يعترية فيه شك ويقاربه الظن لكن الظن أن يخطر النقيضين بباله فيغلب أحدهما الآخر أَنَّهُمْ بتلك الأيمان الكاذبة عَلى شَيْءٍ من جلب منفعة او دفع مضرةكما كانوا عليه في الدنيا حيث كانوا يدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم ويستجرون بها فوائد دنيوية أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ المبالغون في الكذب الى غاية لا مطمح وراءها حيث تجاسروا على الكذب بين يدى علام الغيوب وزعموا أن أيمانهم الفاجرة تروج الكذب لديه كما تروجه عند الغافلين وألا حرف تنبيه والمراد التنبيه على توغلهم فى النفاق وتعودهم به بحيث لا ينفكون عنه موتا ولا حياة ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ من حذت الإبل إذا استوليت عليها وجمعتها وسقتها سوقا عنيفا اى استولى عليهم الشيطان وملكهم لطاعتهم له في كل ما يريد منهم حتى جعلهم رعيته وحزبه وهو مما جاء على الأصل كاستصوب واستنوق اى على خلاف قياس فان القياس أن يقال استحاذ فهو فصيح استعمالا وشاذ قياسا (وحكى) ان عمر رضى الله عنه قرأ استحاذ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ المصدر مضاف الى المفعول اى كان سببا بالاستيلاء لنسيانه تعالى فلم يذكره بقلوبهم ولا بألسنتهم أُولئِكَ المنافقون الموصوفون بما ذكر من القبائح حِزْبُ الشَّيْطانِ اى جنوده واتباعه الساعون فيما أمرهم به والحزب الفريق الذي يجمعه مذهب واحد أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ اى الموصوفون بالخسران الذي لا غاية وراءه حيث فوتوا على أنفسهم النعيم المقيم وأخذوا بدله العذاب الأليم قال بعض المشايخ بوأه الله الدرجات الشوامخ علامة استحواذ الشيطان على العبد أن يشغله بعمارة ظاهره من المآكل والملابس ويشغل فلبه عن التفكر في آلاء الله ونعمه عليه والقيام بشكرها ويشغل لسانه عن ذكر ربه بالكذب واللغو والغيبة والبهتان وسمعه عن الحق(9/409)
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
بسماع اللهو والهذيان قال بعض أهل الاشارة إذا أراد الشيطان أن ينبت في سبخة ارض النفس الامارة حنظل الشهوة يثب إليها ويغريها على إنفاذ مرادها فتكون النفس مركبه فيهجم الى بلد القلب ويخربه بأن يدخل فيه ظلمة الطبيعة فلا ترى عين القلب مسلك الذكر وصفاته فلما احتجب عن الذكر صار وطن إبليس وجنوده وغلب الملعون عليه وهذا يكون بارادة الله تعالى وسببه استحواذ غرور الملعون وتزيينه بأن يلبس امر الدين بأمر الدنيا ويغويه من طريق العلم فاذا لم يعرف دقائقه صار قرينه والشيطان دون الملك والرحمن إذ لا يجتمع الحق مع الباطل
نظر دوست نادر كند سوى تو ... چودر روى دشمن بود روى تو
ندانى كه كمتر نهد دوست پاى ... چوبيند كه دشمن بود در سراى
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ اى يعادونهما ويخالفون أمرهما ويتعدون حدودهما ويفعلون معهما فعل من ينازع اخر في ارض فيغلب على طائفة منها فيجعل لها حدا لا يتعداه خصمه ولما كانوا لا يفعلون ذلك إلا كثرة أعوانهم واتباعهم فيظن من رأهم انهم الأعزاء الذين لا أحد أعز منهم قال تعالى نفيا لهذا الغرور الظاهر أُولئِكَ الأباعد والأسافل بما فعلوا من المحادة فِي الْأَذَلِّينَ اى في جملة من هو أذل خلق الله من الأولين والآخرين لا ترى أحدا أذل منهم لان ذلة أحد المتخاصمين على مقدار عزة الآخر وحيث كانت عزة الله غير متناهية كانت ذلة من يحاده كذلك وذلك بالسبي والقتل في الدنيا وعذاب الناري في الاخرة سوآء كانوا فارس والروم او أعظم منهم سوقة كانوا او ملوكا كفرة كانوا او فسقة كَتَبَ اللَّهُ استئناف وارد لتعليل كونهم في الأذلين اى قضى وأثبت في اللوح وحيث جرى ذلك مجرى القسم أجيب بما يجاب به لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي أكده لما لهم من ظن الغلبة بالكثرة والقوة والمراد الغلبة بالحجة والسيف او بأحدهما والغلبة بالحجة ثابتة لجميع الرسل لانهم الفائزون بالعاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة واما الغلبة بالسيف فهى ليست بثابتة للجميع لان منهم من لم يأمر بالحرب قال الزجاج غلبة الرسل على نوعين من بعث منهم بالحرب فهو غالب بالحرب ومن لم يؤمر بالحرب فهو غالب بالحجة وإذا انضم الى الغلبة بالحجة الغلبة بالسيف كان أقوى
محالست چون دوست دارد ترا ... كه در دست دشمن كذارد ترا
وعن مقاتل انه قال المؤمنون لئن فتح الله لنامكة والطائف وخيبر وما حولهن رجونا أن يظهرنا الله تعالى على فارس والروم فقال رئيس المنافقين عبد الله بن ابى بن سلول أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها والله انهم لا كثر عدد او أشد بطشا من أن تظنوا فيهم ذلك فنزل قوله تعالى كتب الله الآية قال البقلى رحمه الله كتب الله على نفسه في الأزل ان ينصر أولياءه على أعدائه من شياطين الظاهر والباطن ويعطيهم رايات نصرة الولاية فحيث تبدو راياتهم التي هى سطوع نور هيبة الحق من وجوههم صار الأعداء مغلوبين بتأييد الله ونصرته قال أبو بكر بن طاهر رحمه الله اهل الحق لهم الغلبة ابدا ورايات الحق تسبق رايات غيره جميعا لان الله تعالى جعلهم اعلاما في خلقه وأوتادا في ارضه ومفزعا لعباده وعمارة لبلاده(9/410)
لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
فمن قصدهم بسوء كبه الله لوجهه واذله في ظاهر عزه إِنَّ اللَّهَ تعليل للقهر والغلبة أكده لان أفعالهم مع أوليائه افعال من يظن ضعفه قَوِيٌّ على نصر أنبيائه قال بعضهم القوى هو الذي لا يلحقه ضعف في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا يمسه نصب ولا تعب ولا يدركه قصور ولا عجزى نقض ولا إبرام والقوة في الأصل عبارة عن شدة النبية وصلابتها المضادة للضعف ويراد بها القدرة بالنسبة الى الله تعالى عَزِيزٌ لا يغلب عليه في مراده
حكمى كه آن ز باركه كبريا بود ... كس را در ان مجال تصرف كجا بود
فان قلت فاذا كان الله قويا عزيزا غير عاجز فما وجه انهزام المسلمين في بعض الأحيان وقد وعد النصرة قلت ان النصرة والغلبة منصب شريف فلا يليق بالكافر لكن الله تعالى تارة يشدد المحنة على الكفار وأخرى على المؤمنين لانه لو شدد المحنة على الكفار في جميع الأوقات وأزالها عن المؤمنين في جميع الأوقات لحصل العلم الضروري بأن الايمان حق وما سواه باطل ولو كان.
كذلك لبطل التكليف والثواب والعقاب فلهذا المعنى تارة يسلط الله المحنة على أهل الايمان واخرى على اهل الكفر لتكون الشبهات باقية والمكلف يدفعها بواسطة النظر في الدلائل الدالة على صحة الإسلام فيعظم ثوابه عند الله ولان المؤمن قد يقدم على بعض المعاصي فيكون تشدد المحنة عليه في الدنيا تمحيصا لذنوبه وتطهيرا لقلبه واما تشديد المحنة على الكافر فهو من قبيل الغضب ألا ترى ان الطاعون مثلا رحمة للمؤمنين ورجز للكافرين وما من سابق عدل الا له لاحق فضل ولا سابق فضل الا له لاحق عدل غير أن أثرى العدل والفضل قد يتعلقان بالبواطن خاصة وقد يتعلق أحدهما بالظاهر والآخر بالباطن وقد يكون اختلاف تعلقهما في حالة واحدة وقد يكون على البدل وعلى قدر تعلق الأثر السابق يكون تعلق الأثر اللاحق وقد أجرى الله سبحانه آثار عدله على ظواهر أصفيائه دون بواطنهم ثم عقب ذلك بايراد آثار فضله على بواطنهم وظواهرهم حتى صار من قاعدة الحكمة الالهية تفويض مما لك الأرض للمستضعفين فيها كالنجاشى حيث بيع في صغره وذلك كثير موجود باستقراء فمن كمال تربية الحكيم لمن يريد إعلاء شأنهم أن يجرى على ظاهرهم من آثار العدل ما فيه تكميل لهم وتنوير لمداركهم وتطهير لوجودهم وتهذيب وتأديب الى غير ذلك من فوائد التربية ومن تتبع احوال الأكابر من آدم عليه السلام وهلم جرا رأى من احسن بلاء الله ما يشهد لما قرر بالصحة والمبتلى به يصبر على ذلك بل يتلذذ كما هو شأن الكبار
هر چهـ از دست تو آيد خوش بود ... كر همه درياى پر آتش بود
وفي الآية اشارة الى أعداء النفوس الكافرة فانها تحمل القلوب والأرواح على مخالفات الشريعة وموافقات الطبيعة وتمحو الذكر من ألواحها بغلبة محبة الدنيا وشهواتها لكن الله تعالى ينصرها ويؤيدها حتى تغلب على النفوس الكافرة بسطوات الذكر فيحصل لها غاية الذلة كأهل الذمة في بلدة المسلمين وذلك لان الله تعالى كتب في صحائف الاستعدادات غلبتها على النفوس وذلك من باب الفضل والكرم لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الخطاب للنبى عليه السلام او لكل أحد وتجدا ما متعد الى اثنين فقوله تعالى(9/411)
يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مفعوله الثاني او الى واحد بأن كان بمنى صادف فهو حال من مفعوله لتخصيصه بالصفة وهو يؤمنون والموادة المحابة مفاعله من المودة بمعنى المحبة وهى حالة تكون في القلب اولا ويظهر آثارها في القالب ثانيا والمراد بمن حاد الله ورسوله المنافقون واليهود والفساق والظلمة والمبتدعة والمراد بنفي الوجدان نفى الموادة على معنى انه لا ينبغى أن يتحقق ذلك وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال وان جد في طلبه كل أحد وجعل مالا ينبغى وجوده غير موجود لشركته في فقد الخير ويجوز أن يقال لا تجد قوما كاملى الايمان على ما يدل عليه سياق النظم فعدم الوجدان على حقيقته قال في كشف الاسرار أخبر أن الايمان يفسد بموادة الكفار وكذا بموادة من في حكمهم وعن سهل بن عبد الله التستري قدس سره من صحح إيمانه وأخلص توحيده فانه لا يأنس الى مبتدع ولا يجالسه ولا يؤاكله ولا يشاربه ولا يصاحبه ويظهر من نفسه العداوة والبغضاء ومن داهن مبتدعا سلبه الله حلاوة السنن ومن تحبب الى مبتدع لطلب عز في الدنيا او عرض منها اذله الله بتلك العزة وأفقره الله بذلك الغنى ومن ضحك الى مبتدع نزع الله نور الايمان من قلبه ومن لم يصدق فليجرب واما المعاملة للمبايعة العادية او للمجاورة او للمرافقة بحيث لا تضر بالدين فليست بمحرمة بل قد تكون مستحبة في مواضعها قال ابن الشيخ المعنى لا يجتمع الايمان مع ودادة أعداء الله فان قيل اجتمعت الامة على أن يجوز مخالطتهم ومعاملتهم ومعاشرتهم فما هذه الموادة المحرمة فالجواب ان الموادة المحرمة هى ارادة منافعه دينا ودنيا مع كونه كافرا وما سوى ذلك جائز (روى) عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انه كان يقول اللهم لا تجعل لفاجر عندى نعمة فانى وجدت فيما أوحى الى لا تجد قوما إلخ فعلم منه ان الفساق واهل الظلم داخلون فيمن حاد الله ورسوله اى خالفهما وعاداهما واستدل مالك بهذه الآية على معاداة القدرية وترك مجالستهم وهم القائلون
بنفي كون الخير والشر كله بتقدير الله ومشيئته يعنى هم الذين يزعمون ان كل عبد خالق لفعله ولا يرون الكفر والمعاصي بتقدير الله وسموا بذلك لمبالغتهم في نفيه وكثرة مدافعتهم إياه وقيل لا ثباتهم للعبد قدرة الإيجاد وليس بشيء لان المناسب حينئذ القدري بضم القاف وَلَوْ كانُوا اى من حاد الله ورسوله وبالفارسية واگر چهـ باشند از مخالفان خدا ورسول والجمع باعتبار معنى من كما ان الافراد فيما قبله باعتبار لفظها آباءَهُمْ اى آباء الموادين أَوْ أَبْناءَهُمْ قدم الأقدم حرمة ثم الاحكم محبة أَوْ إِخْوانَهُمْ نسبا أَوْ عَشِيرَتَهُمْ العشيرة اهل الرجل الذين يتكثر بهم اى يصيرون بمنزلة العدد الكامل وذلك ان العشرة هو العدد الكامل فصار العشيرة لكل جماعة من أقارب الرجل يتكثر بهم والعشير المعاشر قريبا او معارفا وفي القاموس عشيرة الرجل بنوا أبيه الأدنون او قبيلته انتهى يعنى ان المؤمنين المتصلبين في الدين لا يوالون هؤلاء الأقرباء بعد ان كانوا محادين الله ورسوله فكيف بغيرهم فان قضية الايمان بالله ان يهجر الجميع بالكلية بل أن يقتلهم ويقصدهم بالسوء كما روى ان أبا عبيدة قتل أباه الجراح يوم بدر وان عبد الله بن عبد الله بن ابى بن سلول جلس الى جنب رسول الله عليه السلام(9/412)
فشرب رسول الله الماء فقال عبد الله رضى الله عنه يا رسول الله ابق فضلة من شرابك قال فما تصنع بها فقال أسقيها أبى لعل الله يطهر قلبه ففعل فآتاها أباه فقال ما هذا قال فضلة من شراب رسول الله جئتك بها لتشربها لعل الله يطهر قلبك فقال له أبوه هلا جئتنى ببول أمك فرجع الى النبي عليه السلام فقال يا رسول الله ائذن لى في قتل أبى فقال عليه السلام بل ترفق به وتحسن اليه وان أبا قحافة قبل ان اسلم سب النبي عليه السلام فصكه أبو بكر رضى الله عنه صكة اى ضربه ضربة سقط منها فقال عليه السلام او فعلته قال نعم قال فلا تعد اليه قال والله لو كان السيف قريبا منى لقتلته قال في التكملة في هذه الرواية نظر لان هذه السورة مدينة أبو بكر مع أبيه الآن بمكة انتهى يقول الفقير لعله على قول من قال ان العشر الاول من هذه السورة مدنى والباقي مكى وان أبا بكر رضى الله عنه دعا ابنه عبد الرحمن الى البراز يوم بدر فأمره عليه السلام أن يقعد قال يا رسول الله دعنى أكن في الرعلة الاولى وهى القطعة من الفرسان فقال عليه السلام متعنا بنفسك يا أبا بكر أما تعلم انك بمنزلة سمعى وبصرى يقول الفقير يعلم منه فضل أبى بكر على على رضى الله عنهما فان هذا فوق قوله عليه السلام لعلى أنت منى بمنزلة هرون من موسى فتفطن لذلك وان مصعبا رضى الله عنه قتل أخاه عبيد بن عمير بأحد وان عمر رضى الله عنه قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر وان عليا وحمزة عبيد بن الحارث رضى الله عنهم قتلوا يوم بدر عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة وكانوا من عشيرتهم وقرابتهم وكل ذلك من باب الغيرة والصلابة كما قال عليه السلام الغيرة من الايمان والمنية من النفاق ومن لا غيرة له لا دين له (وروى) عن الثوري انه قال كانوا يرون انها نزلت فيمن يصحب السلطان ففيه زجر عن مصاحبتهم وعن عبد العزيز بن أبى دؤاد انه لقيه المنصور في الطواف فلما عرفه هرب منه وتلاها وفي الحديث (من مشى خلف ظالم سبع خطوات فقد أجرم) وقد قال الله تعالى انا من المجرمين منتقمون أُولئِكَ اشارة الى الذين لا يوادونهم وان كانوا أقرب الناس إليهم وأمسهم رحما كَتَبَ الله سبحانه فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ اى أثبته فيها وهو الايمان الوهبي الذي وهبه الله لهم قبل خلق الأصلاب والأرحام إذ لا يزال بحال ابدا كالايمان المستعار وفيه دلالة على خروج العمل من مفهوم الايمان فان الجزء الثابت في القلب ثابت فيه قطعا ولا شيء من اعمال الجوارح يثبت فيه وهو حجة ظاهرة على القدرية حيث زعموا أن الايمان والكفر يستقل بعملهما العبد وَأَيَّدَهُمْ اى قواهم وأصله قوى يدهم بِرُوحٍ مِنْهُ اى من عند الله فمن لابتداء الغاية وهو نور القرآن او النصر على العدو او نور القلب وهو بإدراك حقيقة الحال والرغبة في الارتقاء الى المدارج الرفيعة
الروحانية والخلاص من درك عالم الطبيعة الدنية وكل ذلك سمى روحا لكونه سببا للحياة قال سهل رحمه الله حياة الروح بالتأييد وحياة النفس بالروح وحياة الروح بالذكر وحياة الذكر بالذاكر وحياة الذاكر بالمذكور وَيُدْخِلُهُمْ فى الآخرة جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اى من تحت أشجارها او قصورها الْأَنْهارُ الاربعة يعنى جويها از آب وشير وخمر وعسل خالِدِينَ فِيها(9/413)
ابدا لآباد لا يقرب منهم زوال ولا موت ولا مرض ولا فقر كما قال عليه السلام ينادى مناد آن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وآن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وآن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وآن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ خشنود شد خداى از ايشان بطاعتي كه در دنيا كردند وفي الإرشاد استئناف جار مجرى التعليل لما أفاض عليهم من آثار رحمته العاجلة والآجلة والرضى ترك السخط وَرَضُوا عَنْهُ وخشنود شدند ايشان از خداى بكرامتي كه وعده كرده ايشانرا در عقبى وفي الإرشاد بيان لا بتهاجهم بما أوتوه عاجلا وآجلا أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ تشريف لهم ببيان اختصاصهم به عز وجل اى جنده وأنصار دينه قال سهل رضى الله عنه الحزب الشيعة وهم الابدال وارفع منهم الصديقون أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الناجون من المكروه والفائزون بالمحبوب دون غيرهم المقابلين لهم من حزب الشيطان المخصوصين بالخذلان والخسران وهو بيان لاختصاصهم بالفوز بسعادة النشأتين وخير الدارين وقال بعض أهل الاشارة حزب الله أهل معرفته ومحبته وأهل توحيده هم الفائزون بنصرة الله من مهالك القهريات ومصارع الامتحانات وجدوا الله بالله إذا ظهر واحد منهم ينهزم المبطلون ويتفرق المغالطون لان الله تعالى أسبل على وجوهم نور هيبته وأعطى لهم اعلام عظمته يفر منهم الأسود ويخضع لهم الشامخات كلأهم الله بحسن رعايته ونورهم بسنا قدرته ورفع لهم اذكارهم في العالمين وعظم أقدارهم وكتم اسرادهم وامام ثعلبى از جرجانى كه او از مشايخ خود شنيده كه داود عليه السلام از حق تعالى پرسيد كه حزب تو كيست خطاب آمد از حضرت عزت كه الغاضة أبصارهم والسليمة اكفهم والنقية قلوبهم أولئك حزبى وحول عرشى هر كه چشم او از محارم فرو بسته بود ودست او از آزار خلق وأخذ حرام كوتاه باشد ودل خود از ما سوى پاكيزه كرده از جمله حزب حضرت الله است ودرين باب كفته اند
از هر چهـ نارواست برو ديدها ببند ... وزهر چهـ ناپسند بود دست بازدار
لوح دل از غبار تعلق بشوى پاك ... تا با شدت بحلقه اهل قلوب بار
وفي الآية اشارة الى ابوة الروح بالنسبة الى السر والخفي والقلب والنفس والهوى وصفاتها لولادة الكل عن مادة ازدواج الروح مع القالب والى نبوة الكل الى الروح والى اخوة السر مع النفس واخوة القلب مع الهوى وعشيرة صفاتهما مع الخفي لكون الكل من واد واحد واصل متحد هو الروح فمن قطع ارتباط التعلق مع النفس والهوى وصفاتهما الظلمانية الشيطانية بالتوجه الكلى الروحي والسرى والقلبي والخلفى الى الحضرة الالهية فهم الذين كتب الله في ألواح قلوبهم وصفاح أسرارهم الايمان الحقيقي الشهودى العيانى وأيدهم بروح الشهود الكلى الجمعى الجامع بين شهود الوحدة الذاتية الحقيقية وبين شهود الكثرة الاسمائية النسبية والجمع بين الشهودين دفعة واحدة من غير تخلل بينهما ومن غير احتجاب أحدهما عن الآخر ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار مياه التجليات الذاتية(9/414)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)
والصفاتية والاسمائية المشتملة على العلوم والمعارف والحقائق والحكم على الدوام والاستمرار رضى الله عنهم بفنائهم عن الناسوتية ورضوا عنه ببقائهم بلاهوتيته أولئك حزب الله اى مظاهر ذاته وصفاته وأسمائه ألا ان حزب الله هم المفلحون لقيامهم بقيومية الحق تعالى واعلم انه كائن الدنيا والآخرة يومان متعاقبان متلاصقان فمن ذلك يعبر عن الدنيا باليوم وعن الآخرة بغد ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فانكم اليوم في دار العمل والاحساب وأنتم غدا في دار الآخرة ولا عمل ونعيم الدنيا منقطع دون نعيم الآخرة ثم ان هذا شأن الأبرار واما المقربون فهم أهل الله لا أهل الدارين ونعيمهم ما ذكر من التجليات فهم حزب الله حقيقة لكمال نصرتهم في الدين ظاهرا وباطنا تمت سورة المجادلة بعون الله تعالى في اواخر جمادى الاولى من شهور سنة خمس عشرة ومائة والف
تفسير سورة الحشر
مدنية وآيها اربع وعشرون بسم الله الرحمن الرحيم
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ التسبيح تبعيد الله عن السوء وتطهيره عما لا يليق بشأن ألوهيته ويكون بالجنان واللسان والحال والاول اعتقاد العبد بتعاليه عما لا يليق بالالوهية وذلك لان من معانى التفعيل الاعتقاد بشيء والحكم به مثل التوحيد والتمجيد والتعظيم بمعنى الاعتقاد بالوحدة والمجد والعظمة والحكم بها وعلى هذا المعنى مثل التكفير والتضليل ومثل التجويز والترجيح والثاني القول بما يدل على تعاليه مثل التكبير والتهليل والتأمين بمعنى أن يقول الله اكبر ولا اله الا الله وآمين وهو المشهور وعند الناس والثالث دلالة المصنوعات على ان صانعها متصف بنعوت الجلال متقدس عن الإمكان وما يتبعه والمفسرون فسروا ما في القرآن من أمثال الآية الكريمة على كل من الثاني والثالث ليعم تسبيح الكل كذا في بعض التفاسير وجمهور المحققين على ان هذا التسبيح تسبيح بلسان العبارة والاشارة لا بلسان الاشارة فقط فجميع الموجودات من العقلاء وغيرهم سبحه تعالى يعنى تسبيح ميكويد كه وبه پاكى مستأنس ميكند مر خدايرا كه مستحق ثناست كما سبق تحقيقه في أول سورة الحديد وفي مواضع أخر من القرآن
بذكرش هر چهـ بينى در خروش است ... دلى داند درين معنى كه كوش است
نه بلبل بر كلش تسبيح خوانست ... كه هر خارى به توحيدش زبانست
وفي الحديث (انى لأعرف حجرا بمكة كان سلم على قبل أن أبعث انى لأعرفه الآن) وعن ابن مسعود رضى الله عنه ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل على ان شهادة الجوارح والجلود مما نطق به القرآن الكريم وقال مجاهد كل الأشياء تسبح لله حيا كان او جمادا وتسبيحها سبحان الله وبحمده وهذا على الإطلاق واما بالنسبة الى كل موجود(9/415)
فالتسابيح مختلفة فلكل موجود تسبيح مخصوص به من حيث ما يقتضيه نشأته كما قال بعض الكبار فاذا رأيت هؤلاء العوالم مشتغلين بالذكر الذي أنت عليه فكشفك خيالى غير صحيح لا حقيقى وانما ذلك خيالك أقيم لك في الموجودات فاذا شهدت في هؤلاء تنوعات الاذكار فهو الكشف الصحيح انتهى وَهُوَ الْعَزِيزُ ذو العزة القاهرة الْحَكِيمُ
ذو الحكمة الباهرة وفي إيراد الوصفين بعد التسبيح اشارة الى الباعث له والداعي اليه لان العزة أثر الجلال والحكمة أثر الجمال فله الاتصاف بصفات الكمال وفي التأويلات النجمية سبح لله ما في السموات العقول عن معقولاتهم المقتنصة بشبكة الفكر بطريق ترتيب المقدمات وتركيب القياسات واقامة البراهين القطعية والادلة الفكرية لعدم جدواها في تحصيل المطلوب فان ذاته منزهة عن التنزيهات العقلية المؤدية الى التعليل وما في السموات النفوس من التشبيه بل ذاته المطلقة جامعة للتنزيه العقلي والتشبيه النفسي كما قال ليس كمثله شيء وهو التنزيه وهو السميع البصير وهو التشبيه فجمعت ذاته المطلقة بأحدية الجمعية بين التنزيه والتشبيه دفعة واحدة بحيث يكون التنزيه عين التشبيه والتشبيه عين التنزيه كما قال العارف المحقق قدس سره (فان قلت بالأمرين كنت مسددا وكنت اماما في المعارف سيدا) فان التنزيه نتيجة اسمه الباطن والتشبيه نتيجة اسمه الظاهر فافهم جدا وهو العزيز المنيع جنابه أن ينزه من غير التشبيه الحكيم الذي تقتضى حكمته أن لا يشبه من غير التنزيه (روى) ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما قدم المدينة صالح بن النضير كأمير وهم رهط من اليهود من ذرية هرون أخى موسى عليه السلام قال السهيلي رحمه الله ونسبتهم الى هرون صحيحة لان النبي عليه السلام قال لصفية رضى الله عنها بنت حيى بن أخطب سيد بنى النضير وقد وجدها تبكى لكلام قيل لها أبوك هرون وعمك موسى وبعلك محمد عليهم السلام والحديث معروف مشهور وفي بعض الكتب من أولاد الكاهن بن هرون ونزلوا قريبا من المدينة في فتن بنى إسرائيل انتظارا لبعثة النبي عليه السلام وكان يقال لهم ولبنى فريظة الكاهنان لانهم من أولاده ايضا وكان بنوا النضير وقريظة وبنوا قينقاع في وسط ارض العرب من الحجاز وان كانوا يهودا والسبب في ذلك ان بنى إسرائيل كانت تغير عليهم العماليق في ارض الحجاز وكانت منازلهم يثرب والجحفة الى مكة فشكت بنو إسرائيل ذلك الى موسى عليه السلام فوجه إليهم جيشا وأمرهم أن يقتلوهم ولا يبقوا منهم أحدا ففعلوا ذلك وترك منهم ابن ملك لهم كان غلاما حسنا فرقوا له ثم رجعوا الى الشام وموسى قدمات فقالت بنوا إسرائيل قد عصيتم وخالفتم فلا نؤويكم فقالوا نرجع الى البلاد التي غلبنا عليها ونكون بها فرجعوا الى يثرب فاستو طنوها وتناسلوا بها الى أن نزل عليهم الأوس والخزرج بعد سيل العرم فكانوا معهم الى الإسلام فلما هاجر عليه السلام عاهد بنى النضير على أن لا يكونوا له ولا عليه فلما ظهر عليه السلام اى غلب يوم بدر قالوا فيما بينهم النبي الذي نعته في التوراة لا ترد له راية يعنى نتوان بود كه كسى بر وى ظفر يابد يا رايت اقبال وى كسى بيفكند فلما كان يوم أحد ما كان ارتابوا ونكثوا فخرج(9/416)
كعب من الأشرف في أربعين راكبا الى مكة فحالفوا قريشا عند الكعبة على قتاله عليه السلام وعاهدوا على الإضرار به ناقضين العهد كعب اشرف با قوم خود بمدينه باز آمد وجبريل أمين رسول را خبر داد از ان عهد و پيمان كه در ميان ايشان رفت فأمر عليه السلام محمد بن مسلمة الأنصاري بفتح الميم وكان أخا كعب من الرضاعة فقتل كعبا غيلة بالكسر اى خديعة فان الغيلة أن يخدعه فيذهب به الى موضع فاذا صار اليه قتله وذلك انه أتاه ليلا فاستخرجه من بيته بقوله انى أتيتك لاستقرض منك شيأ من التمر فخرج اليه فقتله
ورجع الى النبي عليه السلام وأخبره ففرح به لانه أضعف قلوبهم وسلب قوتهم وفي بعض الاخبار انه عليه السلام ذهب الى بنى النضير لاستعانة في دية في نفر من أصحابه اى دون العشرة فيهم أبو بكر وعمر وعلى رضى الله عنهم فقالوا له نعم يا أبا القاسم حتى تطعم وترجع بحاجتك وكان عليه السلام جالسا الى جنب جدار من بيوتهم فخلا بعضهم ببعض وقالوا انكم لن تجدوا الرجل على مثل هذه الحالة فهل من رجل يعلو على هذا البيت فيلقى عليه صخرة فيريحنا منه فقال أحد ساداتهم وهو عمرو بن جحاش انا لذلك فقال لهم أحد ساداتهم وهو سلام بن مشكم لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممتم به انه لنقض للعهد الذي بيننا وبينه فلما صعد الرجل ليلقى الصخرة أتى رسول الله الخبر من السماء بما أراد القوم فقام عليه السلام مظهرا انه يقضى حاجته وترك أصحابه في مجالسهم ورجع مسرعا الى المدينة ولم يعلم من كان معه من أصحابه فقاموا في طلبه لما استبطأوه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة فسألوه فقال رأيته داخل المدينة فأقبل أصحابه حتى انتهوا اليه فأخبرهم بما أرادت بنوا النضير فندم اليهود وقالوا قد أخبر بأمرنا فأرسل عليه السلام إليهم محمد بن مسلمة رضى الله عنه ان اخرجوا من بلدي اى لان قريتهم زاهرة كانت من اعمال المدينة فلا تساكنونى بها فلقد هممتم بما هممتم من الغدر فسكتوا ولم يقولوا حرفا فأرسل إليهم المنافقون أن اقيموا في حصونكم فانا نمدكم فارسلوا الى رسول الله انا لا نخرج من ديارنا فافعل ما بدا لك وكان المتولى أمر ذلك سيد بنى النضير حيى بن أخطب والد صفية أم المؤمنين فاغتر بقول المنافقين فسار رسول الله عليه السلام مع المؤمنين وهو على حمار مخطوم بليف وحمل رايته على رضى الله عنه حتى نزل بهم وصلّى العصر بفنائهم وقد تحصنوا وفاموا على حصنهم يرمون النيل والحجارة وزربوا على الازقة وحصنوها فحاصرهم النبي عليه السلام احدى وعشرين ليلة فلما قذف الله في قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين طلبوا الصلح فأبى عليهم الا الجلاء على أن يحمل كل ثلاثة أبيات على بعير ما شاؤا من متاعهم الا السلاح پس ششصد شتر بار خود را بر آراستند واظهار جلادت نموده دفعها ميزدند وسرور كويان از بازار مدينه كذشتند فجاؤا الشام الى أريحا من فلسطين والى أذرعات من دمشق الا أهل بيتين منهم آل أبى الحقيق وآل حيى بن أخطب فانهم لحقوا بخيبر ولحقت طائفة بالحيرة وهى بالكسرة بلد بقرب الكوفة ولم يسلم من بنى النضير الا رجلان أحدهما سفيان بن عمير بن وهب والثاني سعد بن وهب أسلما على أموالهم فأحرزاها فأنزل الله(9/417)
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)
تعالى سبح لله الى قوله والله على كل شيء قدير قال محمد جلاء بنى النضير كان مرجع النبي عليه السلام من أحد سنة ثلاث من الهجرة وكان فتح بنى قريظة مرجعه من الأحزاب فى سنة خمس من الهجرة وبينهما سنتان وفي انسان العيون كانت غزوة بنى النضير فى ربيع الاول من السنة الرابعة والجلاء بالفتح الخروج من البلد والتفرق منه يقال أجليت القوم عن منازلهم وجلوتهم فاجلوا عنها وجلوا اى ابرزتهم عنها فان اصل الجلو الكشف الظاهر ومنه الطريقة الجلوتية بالجيم فانها الجلاء والظهور بالصفات الالهية كما عرف في محله والجلاء أخص من الخروج لانه لا يقال الجلاء الا لخروج الجماعة او لاخراجهم والخروج والإخراج يكون للجماعة والواحد وقيل في الفرق بينهما ان الجلاء كان مع الأهل والولد بخلاف الخروج فانه لا يستلزم ذلك قال العلماء مصالحة اهل الحرب على الجلاء من ديارهم من غير شيء لا يجوز الآن وانما كان ذلك في أول الإسلام ثم نسخ والآن لا بد من قتالهم او سبيهم او ضرب الجزية عليهم هُوَ الَّذِي اوست خداوندى كه از روى إذلال أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ بيان لبعض آثار عزته واحكام حكمته اى امر بإخراج اهل التوراة يعنى بنى النضير مِنْ دِيارِهِمْ جمع دار والفرق بين الدار والبيت ان الدار دار وان زالت حوائطها والبيت ليس ببيت بعد ما انهدم لان البيت اسم مبنى مسقف مدخله من جانب واحد بنى للبيتوتة سوآء كان حيطانه اربعة او ثلاثة وهذا المعنى موجود في الصفة الا ان مدخلها واسع فيتنا ولها اسم البيت والبيوت بالمسكن اسم أخص والأبيات بالشعر كما في المفردات لِأَوَّلِ الْحَشْرِ اللام تتعلق باخرج وهى للتوقيت اى عند أول حشرهم الى الشام وفي كشف الاسرار اللام لام العلة اى اخرجوا ليكون حشرهم الشام أول الحشر والحشر إخراج جمع من مكان الى آخر وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط إذ كان انتقالهم من بلاد الشام الى جانب المدينة عن اختيار منهم وهم أول من اخرج به جزيرة العرب الى الشام فعلى هذا الوجه ليس الاول مقابلا للآخر وسميت جزيرة لانه أحاط بها بحر الحبشة وبحر فارس ودجلة والفرات قال الخليل بن احمد مبدأ الجزيرة من حفر أبى موسى الى اليمن في الطول ومن رمل يبرين وهو موضع بحذاء الإحساء الى منقطع السماوة فى العرض والسماوة بالفتح موضع بين الكوفة والشام او هذا أول حشرهم وآخر حشرهم اجلاء عمر رضى الله عنه إياهم من خيبر الى الشام وذلك حين بلغه الخبر عن النبي عليه السلام لا يبقين دينان في جزيرة العرب وقيل آخر حشرهم حشر يوم القيامة لان المحشر يكون بالشأم ما ظَنَنْتُمْ أيها المسلمون أَنْ يَخْرُجُوا من ديارهم بهذا الذل والهوان لشدة بأسهم ووثاقة حصونهم وكثرة عددهم وعددهم وَظَنُّوا اى هؤلاء الكافرون ظنا قويا هو بمرتبة اليقين فانه لا يقع الا بعد فعل اليقين او ما نزل منزلته أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ الحصون جمع حصن بالكسر وهو كل موضع حصين لا يوصل الى جوفه والقلعة الحصن الممتنع على الجبل فالاول أعم من الثاني وتحصن إذا اتخذ الحصن(9/418)
مسكنا ثم تجوز به فقيل درع حصينة لكونها حصنا للبدن وفرس حصان لكونه حصنا لراكبه والمعنى ظنوا ان حصونهم تمنعهم من بأس الله وقهره وقدم الحبر وأسند الجملة الى ضميرهم للدلالة على فرط وثوقهم بحصانتها واعتقادهم في أنفسهم انهم في عزة ومنعة لا يبالى بسببها فتقديم المسند يفيد قصر المسند اليه على المسند فان معنى قائم زيد أن زيدا مقصور على القيام لا يتجاوزه الى القعود وكذا معنى الآية ان حصونهم ليس لها صفة غير المانعية ويجوز أن يكون مانعتهم خبرا لأن وحصونهم مرتفعا على الفاعلية لاعتماده على المبتدأ فان قيل ما المانع من جعل مانعتهم مبتدأ وحصونهم خبرا فان كليهما معرفة قلت كون ما نعتهم نكرة لان اضافتها غير مخصصة وان القصد الى الاخبار عن الحصون فَأَتاهُمُ اللَّهُ اى امر الله وقدره المقدور لهم مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ولم يخطر ببالهم وهو قتل رئيسهم كعب من الأشرف غرة على يداخيه فانه مما أضعف قوتهم وقل شوكتهم وسلب قلوبهم الأمن والطمأنينه بما قذف فيها من الرعب والفاء اما للتعقيب اشارة الى أن البأس لم يكن متراخيا عن
ظنهم او للسبب اشارة الى انهم انما أخذوا بسبب إعجابهم بأنفسهم وقطعهم النظر الى قدرة الله وقوته وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ القذف الرمي البعيد والمراد هنا الإلقاء قال في الكشاف قذف الرعب إثباته وركزه ومنه قالوا في صفة الأسد مقذف لما ان قذف باللحم قذفا لا كتنازه وتداخل اجزائه والرعب الانقطاع من امتلاء الخوف ولتصور الامتلاء منه قيل رعبت الحوض اى ملأته وباعتبار القطع قيل رعبت السنام اى قطعته قال بعضهم الرعب خوف يملأ القلب فيغير العقل ويعجز النفس ويشوش الرأى ويفرق التدبير ويضر البدن والمعنى أثبت فيها الخوف الذي يرعبها ويملأها لان المعتبر هو الثابت وما هو سريع الزوال فهو كغير الواقع وقال بعضهم فلا يلزم التكرار لان الرعب الذي اشتمله قوله فأتاهم الله هو أصل الرعب وفرق بين حصول أصله وبين ثباته ودلت الآية على ان وقوع ذلك الرعب صار سببا في أقدامهم على بعض الافعال وبالجملة فالفعل لا يحصل الا عند حصول داعية متاكدة في القلب وحصول تلك الداعية لا يكون الا من الله فكانت الافعال بأسرها مستندة الى الله بهذا الطريق كذا في اللباب يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ الجملة استئناف لبيان حالهم عند الرعب اى يخربونها بأيديهم ليسدوا بما نقضوا منها من الخشب والحجارة أفواه الأزقة ولئلا تبقى بعد جلائهم مساكين للمسلمين ولينقلوا معهم بعض آلاتها المرغوب فيها مما يقبل النقل والاخراب والتخريب واحد يقال خرب المكان خرابا وهو ضد العمارة وقد اخربه وخربه اى أفسده بالنقض والهدم غير أن في التشديد مبالغة من حيث التكثير لكثرة البيوت وهو قراءة أبى عمرو وفرق أبى عمرو بين الاخراب والتخريب فقال خرب بالتشديد بمعنى هدم ونقض وأفسد وأخرب بالهمزة ترك الموضع وقال اى ابو عمرو وانما اخترت التشديد لان الاخراب ترك الشيء خرابا بغير ساكن وبنوا النضير لم يتركوها خرابا وانما خربوها بالهدم كما يدل عليه قوله بأيديهم وأيدى المؤمنين ان قيل البيوت(9/419)
هى الديار فلم لم يقل يخربون ديارهم على وفق ما سبق وايضا كيف ما كان الإخراج من ديارهم وهى مخربة أجيب بان الدار ماله بيوت فيجوز اخراب بعضها وابقاء بعضها على مقتضى الرأى فيكون الخروج من الباقي على ان الإخراج لا يقتضى العمارة إذ يجوز أن يكون بإخراب المساكن والطرح منها قال سهل رحمه الله يخربون بيوتهم بأيديهم اى قلوبهم بالبدع وفي كشف الاسرار نخست دين ودل خويش از روى باطن خراب كردند تا خرابى باطن بظاهر سرايت كرد وخانه خود نيز خراب كردند وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ حيث كانوا يخربونها ازالة لمتحصنهم ومتمنعهم وتوسيعا لمجال القتال وإضرارا بهم واسناد هذا إليهم لما انهم السبب فيه فكأنهم كلفوهم إياه وامروهم به وهذا كما في قوله عليه السلام لعن الله من لعن والديه وهو كقوله عليه السلام من اكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه فقالوا وكيف يسب الرجل والديه فقال يساب الرجل فيسب أباه فيسب أباه ويسب امه فيسب امه يقول الفقير فيه اشارة الى ان استناد الكفار الى الحصون والأحجار وان اعتماد المؤمنين على الله الملك الغفار ولا شك ان من اعتمد على المأمن الحقيقي ظفر بمراده فيه دنياه وآخرته ومن استند الى ما سوى الله تعالى خسر خسرانا مبينا في تجارته وان الإنسان بنيان الرب فربما قتل المرء نفسه وتسبب له فهدم بنيان الله فصار ملعونا وقس على هذا حال القلب فانه بيت الله واجتهد حتى لا يغلب عليه النفس والشيطان (قال الحافظ)
من آن نكين سليمان بهيج نستانم ... كه كاه كاه برو دست أهرمن باشد
فَاعْتَبِرُوا پس عبرت كيريد يا أُولِي الْأَبْصارِ اى يا اولى الألباب والعقول والبصائر يعنى اتعظوا بما جرى عليهم من الأمور الهائلة على وجه لا تكاد تهتدى اليه الافكار واتقوا مباشرة ما أداهم اليه من الكفر والمعاصي وانتقلوا من حال الفريقين الى حال أنفسكم فلا تعولوا على تعاضد الأسباب كبنى النضير الذين اعتمدوا على حصونهم ونحوها بل توكلوا على الله تعالى وفي عين المعاني فاعتبروا بها خراب جميع الدنيا
جهان اى پسر ملك جاويد نيست ... ز دنيا وفادارى اميد نيست
والاعتبار مأخوذ من العبور وهو المجاوزة من شيء الى شيء ولهذا سميت العبرة عبرة لانها تنتقل من العين الى الحد وسمى
اهل التعبير لان صاحبه ينتقل من المتخيل الى المعقول وسميت الألفاظ عبارات لانها تنقل المعاني من لسان القائل الى عقل المستمع ويقال السعيد من اعتبر بغيره لانه ينتقل عقله من حال ذلك الغير الى حاله نفسه
چوبركشته بختي در افتد ببند ... ازو نيك بختان بگيرند پند
والبصر يقال للجارحة الناظرة وللقوة التي فيها ويقال القلب المدركة بصيرة وبصر ولا يكاد يقال للجارحة بصيرة كما في المفردات قال بعض التفاسير الابصار جمع بصر وهو ما يكون فى الرأس وبه يشاهد عالم الملك وهو عالم الشهادة حتى لو كان بين الرائي والمرئي مقدار عدة آلاف سنة يشاهده في طرفة عين بوصول نور من حدقة العين الى المرئي حكاية للرائى والبصيرة في القلب كالبصر في الرأس وبها يشاهد عالم الملكوت وهو عالم الغيب(9/420)
وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3)
حتى لو كان المشاهد في العالم الا على وفي اللوح المحفوظ بل في علم الله تعالى مما تتعلق مشيئة الله بمشاهدة أحد إياه من عباده لشاهده في آن واحد وقد يشاهد الممتنع والمحال وغير المتناهي بنوع مشاهدة كما نجده في وجداننا وكل ذلك من غرائب صنع الله وجعل البعض البصر هاهنا مجازا عن المشاهدة لانه كثيرا ما يكون آلة لمشاهدتها ويكون هو معتبرا باعتبارها حتى لو لاها يكون هو في حكم المفقود وبهذا الاعتبار أورد الابصار في مقام البصائر فقال في تفسيره فاتعظوا وانظروا فيما نزل بهم يا ذوى العقول والبصائر وهذا هو الأليق بشأن الاتعاظ والأوفق لقوله تعالى فاعتبروا يا اولى الألباب إذا للب وهو العقل الخالص عن الكدورات البشرية والبصيرة التي هى عين القلب حين ما كانت مجلوة خاصة بالعقلاء اللائقين للخطاب بالأمر بالاعتبار واما البصر فيوجد في البهائم والبصيرة الغير المجلوة فتوجد في العوام وجعله البعض الآخر على حقيقته فقال في تفسيره فاعتبريا من عاين تلك الوقائع لكن مآل القولين واحد إذ مجرد البصر المعاين لا يفيد الاعتبار بلا بصيرة صحيحة وفي الوسيط معنى الاعتبار النظر في الأمور ليعرف بها شيء آخر من جنسها قال يحيى بن معاذ رحمه الله من لم يعتبر بالمعاينة استغنى عن الموعظة وقد استدل بالآية على حجية القياس من حيث انه أمر بالمجاوزة من حال الى حال وحملها عليها في حكم لما بينهما من المشاركة المقتضية له كما فصل فى الكتب الاصولية وأشار بأهل الكتاب الى يهودى النفس ونصرانى الهوى وانما نسبنا التنصر الى الهوى والتهود الى النفس لغلبة عطلة النفس فان الهوى بالنسبة الى النفس كالروح بالنسبة الى الجسم البدني ولهذا المعنى قيل الهوى روح النفس ينفخ فيها هوى الشهوات الحيوانية ويهوى الى هاوية الجحيم والله تعالى يستأصلها من ديار صفاتها الظلمانية بالصدمة الاولى من قتال الحشر الاول وظنوا ان حصون طباعهم الرديئة تمنعهم عن الانسلاخ من صفاتهم الخسيسة فأتاهم الله بالتجلى القهرى وقذف في قلوب النفس والهوى رعب المفارقة بينهما فان كل واحد منهما كان متمسكا بالآخر تمسك الروح بالبدن وقيام البدن بالروح يخربون بيوت صفاتهم بأيدى أهوائهم المضلة وبقوة أيدى الروح والسر والقلب لغلبة نوريتهم عليها فاعتبروا يا اولى الابصار الذين صار الحق تعالى بصرهم كما قال في يبصر وبي يسمع وبي يبطش الحديث بطوله وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ حكم عَلَيْهِمُ اى على بنى النضير الْجَلاءَ اى الخروج من أوطانهم على ذلك الوجه الفظيع وقد سبق الكلام في الجلاء ولولا امتناعية وما بعدها مبتدأ فان أن مخففة من الثقيلة اسمها ضمير الشأن المقدر اى ولولا أنه وكتب الله خبرها والجملة في محل الرفع بالابتداء بمعنى ولولا كتاب الله عليهم الجلاء واقع في علمه او في لوحه لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا بالقتل والسبي كما فعل ببني قريظة من اليهود قال بعضهم لما استحقوا بجرمهم العظيم قهرا عظيما أخذوا بالجلاء الذي جعل عديلا لقتل النفس لقوله تعالى ولو أنا كتبنا عليهم ان اقتلوا أنفسكم او اخرجوا من دياركم ما فعلوه الى قليل منهم مع ان فيه احتمال ايمان بعضهم بعد مدة وايمان من يتولد منهم وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ استئناف غير متعلق بجواب لولا إذ لو كان معطوفا(9/421)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)
عليه لزم أن ينجوا من عذاب الآخرة ايضا لان لولا تقتضى انتفاء الجزاء لحصول الشرط وانما جيئ به لبيان انهم ان نجوا من عذاب الدنيا بكتابة الجلاء لا نجاة لهم من عذاب الآخرة يقول الفقير لا يلزم من نجاتهم من عذاب الدنيا أن لا يكون جلاؤهم من قبيل العذاب وانما لم يكن منه بالنسبة الى عذاب الاستئصال والوجه في جلائهم انهم قصدوا قتل النبي عليه السلام وقتله شر من ألف قتل فأخذوا بالجلاء ليموتوا كل يوم ألف مرة لان انقطاع النفس عن مألوفاتها بمنزلة موتها فجاء الجزاء من جنس العمل قال بعض أهل الاشارة ولولا ان كتب الله على يهودى النفس ونصرانى الهوى جلاء الانسلاخ من ديار وجوداتهم لعذبهم في طلب الدنيا ومحبتها ولهم فى آخر الأمر عذاب نار القطيعة عن مألوفاتهم الطبيعية ومستحسناتهم الحسية ذلِكَ اى ما حاق بهم وسيحيق بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ خالفوا أمرهما وفعلوا ما فعلوا مما حكى عنهم من القبائح والمشاقة كون الإنسان في شق ومخالفه في شق وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ كائنا من كان فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ له فهو نفس الجزاء بحذف العائد او تعليل للجزاء المحذوف اى يعاقبه الله فان الله شديد العقاب فاذا لهم عقاب شديد ايضا لكونهم من المشاقين وأيا ما كان فالشرطية تحقيق للسببية بالطريق البرهان وفيه اشعار بأن المخالفة تقتضى المؤاخذة بقدر قوتها وضعفها فليحذر المؤمنون من العصيان مطلقا
همينست بسندست اگر بشنوى ... كه كر خار كارى سمن ندروى
اعلم ان الله الذي هو الاسم الأعظم جامع لجميع الأسماء الالهية المنقسمة الى الأسماء الجلالية القهرية والجمالية اللطفية والتشاقق فيه استدعاء أحد الشقين من التجليين الجمالي والجلالي بأن يطلب الطالب منه اللطف والجمال وهو ممن يستحق القهر والجلال لاممن يستحق اللطف والجمال فهو يستدعى من الحق شيأ لا تقتضى حكمته البالغة إعطاءه إياه وهو من قبيل التحكم الذي لا يجوز بالنسبة الى الله تعالى كما قال تعالى ومن الناس من يعبد الله على حرف فان أصابه خير اطمأن به وان أصابته فتنة انقلب على وجهه (قال الحافظ)
درين چمن نكنم سرزنش بخود رويى ... چنانكه پرورشم ميدهند مى رويم
والمشاقة مع الرسول عليه السلام المنازعة في حكمة امره ونهيه مثل اسرار الصلوات الخمس واختلاف إعدادها وقراءتها جهرا وسرا ومثل اسرار الزكاة واختلاف أحكامها ومثل احكام الحج ومناسكه ونحن أمرنا بمحض الامتثال والانقياد وما كلفنا بمعرفة اسرارها وحقائقها والنبي عليه السلام مع كمال عرفانه وجلال برهانه يقول ان أتبع الا ما يوحى الى وقال نحن نحكم بالظواهر والله يعلم السرائر قوله فان الله شديد العقاب ومن شدة عقابه ابتلاء عبده بامتثال هذه الأشياء مع عدم تكليفه إياه بمعرفة حقائقها والمراد بالعقاب الاتعاب والا فالاحكام من قبيل الرحمة لا العذاب ولذا من قال هذه الطاعات جعلها الله علينا عذابا من غير تأويل كفر ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ما شرطية نصب بقطعتم واللينة فعلة نحو حنطة من اللون على أن أصلها لونة فياؤها مقلوبة عن واو لكسرة ما قبلها نحو ديمة وفيمة وتجمع على ألوان وهى ضروب النخل كلها وقيل من اللين وتجمع على لين وأليان وهى النخلة(9/422)
الكريمة الشجرة بكونها قريبة من الأرض والطيبة الثمرة قال الراغب في المفردات اللين ضد الخشونة ويستعمل ذلك في الأجسام ثم يستعار للخلق ولغيره من المعاني فيقال فلان لين وفلان خشن وكل واحد منهما يمدح به طورا ويذم به طورا بحسب اختلاف المواضع وقوله ما قطعتم من لينة اى من نخلة ناعمة ومخرجه مخرج فعلة نحو حنطة ولا يختص بنوع منه دون نوع انتهى والمعنى اى شيء قطعتم من نخلة من نخيلهم بأنواعها وقيل اللينة ضروب النخل كلها ما خلا العجوة والبرنية وهما أجود النخل أَوْ تَرَكْتُمُوها الضمير لما وتأنيثه لتفسيره باللينة كما في قوله تعالى ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها قائِمَةً حال من ضمير المفعول عَلى أُصُولِها كما كانت من غير أن تتعرضوا لها بشيء من القطع جمع اصل وهو ما يتشعب منه الفرع فَبِإِذْنِ اللَّهِ فذاك آي قطعها وتركها بأمر الله فلا جناح عليكم فيه فان في كل من القطع والترك حكمة ومصلحة وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ اى وليذل اليهود الخارجين عن
دائرة الإسلام اذن في قطعها وتركها فهو علة لمحذوف يقال خزى الرجل لحقه انكسار اما من نفسه وهو الحياء المفرط ومصدره الخزاية واما من غيره وهو ضرب من الاستخفاف ومصدره الخزي أذن الله في قطعها وتركها لانهم إذا رأوا المؤمنين يتحكمون في أموالهم كيف أحبوا ويتصرفون فيها حسبما شاؤا من القطع والترك يزدادون غيظا ويتضاعفون حسرة وذلك ان رسول الله عليه السلام حين أمر أن تقطع نخيلهم وتحرق قالت اليهود وهم بنوا النضير يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض فما بال قطع النخيل وإحراقها فشق ذلك على النبي عليه السلام وكان في أنفس المؤمنين ايضا من ذلك شيء فنزلت وجعل أمر رسول الله أمره تعالى لانه عليه السلام ما ينطق عن الهوى واستدل به على جواز هدم ديار الكفرة وقطع أشجارهم مثمرة كانت او غير مثمرة وإحراق زروعهم زيادة لغيظهم وتخصيص اللينة بالقطع ان كانت من الألوان ليستبقوا لأنفسهم العجوة والبرنية اللتين هما كرام النخيل وان كانت هى الكرام ليكون غيظهم أشد ويقال ان العتيق والجوة كانتا مع نوح في السفينة والعتيق الفحل وكانت العجوة أصل الإناث كلها فلذا شق على اليهود قطعها وظهر من هذا أن اللون هو ما عدا العجوة والبرني من انواع التمر بالمدينة والبرني بالفارسية حمل مبارك او جيدلان أصله برنيك فعرب ومن انواع تمر المدينة الصيحاني وفي شرح مسلم للنووى ان انواع التمر مائة وعشرون وفي تاريخ المدينة الكبير للسيد السمهودى أن انواع التمر بالمدينة التي أمكن جمعها بلغت مائة وبضعا وثلاثين ويوافقه قول بعضهم اختبرناها فوجدنا اكثر مما ذكره النووي قال ولعل ما زاد على ما ذكر حدث بعد ذلك واما انواع التمر بغير المدينة كالمغرب فلا تكاد تنحصر فقد نقل ان عالم فاس محمد بن غازى أرسل الى عالم سلجماسة ابراهيم بن هلال يسأله عن حصر أنواع التمر بتلك البلدة فأرسل اليه حملا او حملين من كل نوع تمرة واحدة فأرسل اليه هذا ما تعلق به علم الفقير وأن تعدوا نعمة الله لا تحصوها وفي نسق الازهار ان بهذه البلدة رطبا يسمى البتونى وهو أخضر اللون واحلى من عسل النحل ونواه في غاية الصغر(9/423)
وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)
وكانت العجوة خير أموال بنى النضير لانهم كانوا يقتاتوتها وفي الحديث (العجوة من الجنة وتمرها يغذى أحسن الغذاء) روى ان آدم عليه السلام نزل بالعجوة من الجنة وفي البخاري من تصبح كل يوم على سبع تمرات عجوة لم يصبه في ذلك اليوم سم ولا سحر وقد جاء فى العجوة العالية شفاء وانها ترياق أول البكرة وفي كلام بعضهم العجوة ضرب من التمر اكبر من الصيحاني تضرب الى السواد وهى مما غرسه النبي عليه السلام بيده الشريفة وقد علمت انها في نخل بنى النضير وعن ابن عباس رضى الله عنهما هبط آدم من الجنة بثلاثة أشياء بالآسة وهى سيدة ريحان الدنيا والسنبلة وهى سيدة طعام الدنيا والعجوة وهى سيدة ثمار الدنيا وفي الحديث (ان العجوة من غرس الجنة وفيها شفاء وانها ترياق أول البكرة وعليكم بالتمر البرني فكلوه فانه يسبح في شجره ويستغفر لآكله وانه من خير تمركم وانه دوآء وليس بداء) وجاء بيت لا تمر فيه جياع أهله قال ذلك مرتين ولما قطعت العجوة شق النساء الجيوب وضربن الحدود ودعون بالويل كما في انسان العيون قال بعض أهل الاشارة يشير الى من قطع نخلة محبة الدنيا من ارض قلبه بأمر الله وحكمته المقتضية لذلك الأمر بالقطع وهم المحرمون المنقطعون عن الدنيا ومحبتها وشهواتها ولذاتها المتوجهون الى طريق السلوك الى الله بتزكية النفس وتصفية القلب وتخلية السر وتحلية الروح والى من ترك الدنيا في ارض قلبه قائمة على أصولها على حالها بإذن الله وحكمته البالغة المقتضية لا بقائها وهم الكاملون المكملون الواصلون المواصلون الذين ليس للدنيا ولا للآخرة عندهم قدر ومقدار ما زاغ نظر ظاهرهم ولا بصر باطنهم إليهما لاشتغالهم بذكر الله اى بذكر ذاته وصفاته وأسمائه كما قال في حقهم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وليخزى الفاسقين الذين خرجوا من مقام المعرفة والعرفان وما عرفوا ان للحق عبادا ليس للدنيا والآخرة عندهم قدر ومقدار وما زاغ بصر ظاهرهم ولا نظر باطنهم إليهما وطعنوا فيهم بمحبة الدنيا ونسبوا إليهم حب الشهوات الحيوانية واللذات الجسمانية فأخزاهم الله بشؤم هذا الطعن والله يشهد انهم لكاذبون (قال الحافظ)
پس تجربه كرديم درين دير مكافات ... با درد كشان هر كه در افتاد بر افتاد
وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ شروع في بيان حال ما أخذ من أموالهم بعد بيان ما حل بأنفسهم من العذاب العاجل والآجل وما فعل بديارهم ونخيلهم من التخريب والقطع وما موصولة مبتدأ وقوله فما او جفتم خبره ويجوز جعلها شرطية وقوله فما او جفتم جوابا والفيء في الأصل بمعنى الرجوع وأفاء أعاد وارجع فهو على اصل معناه هنا والمعنى ما أعاده اليه من مالهم اى جعله عائدا ففيه اشعار بأنه كان حقيقا بأن يكون له عليه السلام وانما وقع في أيديهم بغير حق فرجعه الله الى مستحقه لانه تعالى خلق الناس لعبادته وخلق ما خلق ليتوسلوا به الى طاعته فهو جدير بأن يكون للمطيعين وهو عليه السلام رأسهم ورئيسهم وبه أطاع من أطاع فكان أحق به فالعود على هذا بمعنى أن يتحول الشيء الى ما فارق عنه وهو الأشهر ويجوز أن يكون معناه صيره له فالعود على هذا بمعنى أن(9/424)
يتحول الشيء الى ما فارق عنه وان لم يكن ذلك التحول مسبوقا بالحصول له والحمل هنا على هذا المعنى لا يحوج الى تكلف توجيه بخلاف الاول وكلمة على تؤيد الثاني وقال بعضهم أفاء الله مبنى على ان الفيء الغنيمة فمعنى أفاء الله على رسوله جعله فيئاله خاصة وقال الراغب الفيء والفيئة الرجوع الى حالة محمودة وقيل للغنيمة التي لا يلحق فيها مشقة فيئ قال بعضهم سمى ذلك بالفيء تشبيها بالفيء الذي هو الظل تنبيها على ان أشرف اعراض الدنيا يجرى مجرى ظل زائل والفئة الجماعة المتظاهرة التي يرجع بعضهم الى بعض فى التعاضد وقال المتطرزى في المغرب في الفرق بين الغنيمة والفيء والنفل ان الغنيمة عن أبى عبيد ما نيل من أهل الشرك عنوة والحرب قائمة وحكمها أن تخمس وسائرها بعد الخمس للغانمين خاصة والفيء ما نيل منهم بعد ما تضع الحرب أوزارها وتصير الدار
دار اسلام وحكمه أن يكون لكافة المسلمين ولا يخمس والنفل ما بنفله الغازي اى يعطاه زائدا على سهمه وهو أن يقول الامام او الأمير من قتل قتيلا فله سلبه او قال للسرية ما أصبتم فلكم ربعه او نصفه ولا يخمس وعلى الامام الوفاء به وعن على بن عيسى الغنيمة أعم من النفل والفيء أعم من الغنيمة لانه اسم لكل ما صار للمسلمين من أموال أهل الشرك قال أبو بكر الرازي فالغنيمة فيئ والجزية فيئ ومال اهل الصلح فيئ والخراج فيئ لان ذلك كله مما أفاء الله على المسلمين من المشركين وعند الفقهاء كل ما يحل أخذه من أموالهم فهو فيئ مِنْهُمْ اى بنى النضير فَما نافية أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ اى فما أجريتم على تحصيله وتغنمه من الوجيف وهو سرعة السير يقال أوجفت البعير أسرعته وفي القاموس الوجيف ضرب من سير الخيل والإبل وقيل اوجف فأعجف مِنْ خَيْلٍ من زائدة بعد النفي اى خيلا وهو جماعة الافراس لا واحد له او واحده خائل لانه يختال والجمع أخيال وخيول كما في القاموس وقال الراغب الخيلاء التكبر من تخيل فضيلة تترا أي للانسان من نفسه ومنها تتأول لفظة الخيل لما قيل انه لا يركب أحد فرسا إلا وجد فى نفسه نخوة والخيل في الأصل اسم للافراس والفرسان جميعا قال تعالى ومن رباط الخيل ويستعمل في كل واحد منهما منفردا نحو ما روى يا خيل الله اركبي فهذا للفرسان وقوله عليه السلام عفوت لكم عن صدقة الخيل يعنى الافراس انتهى والخيل نوعان عتيق وهجين فالعتيق ما أبوه عربيان سمى بذلك لعتقه من العيوب وسلامته من الطعن فيه بالأمور المنقصة وسميت الكعبة بالبيت العتيق لسلامتها من عيب الرق لانه لم يملكها ملك قط وإذا ربط الفرس العتيق في بيت لم يدخله شيطان والهجين الذي أبوه عربى وامه عجمية والفرق ان عظم البر ذونة أعظم من عظم الفرس وعظم الفرس أصلب وأثقل والبر ذونة احمل من الفرس والفرس أسرع منه والعتيق بمنزلة الغزال والبرذونة بمنزلة الشاة والفرس برى المنامات كبنى آدم ولا طحال له وهو مثل لسرعته وحركته كما يقال للبعير لامرارة له اى له جسارة وَلا رِكابٍ هى ما يركب من الإبل خاصة كما ان الراكب عندهم راكبها لا غير واما راكب الفرس فانهم يسمونه فارسا ولا واحد لها من لفظها وانما الواحدة منها(9/425)
مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)
راحلة قال في المفردات الركوب في الأصل كون الإنسان على ظهر حيوان وقد يستعمل فى السفينة والراكب اختص في التعارف بممتطى البعير جمعه ركب وركبان وركوب واختص الركاب بالمركوب والمعنى ما قطعتم ولها شقة بعيدة ولا لقيتم مشقة شديدة ولا قتالا شديدا وذلك وانه كانت قرى بنى النضير على ميلين من المدينة وهى ساعة واحدة بحساب الساعات النجومية فذهبوا إليها مشيا وما كان فيهم راكب الا النبي عليه السلام وكان يركب حمارا مخطوما بليف على ما سبق او جملا على ما قاله البعض فافتتحها صلحا من غير أن يجرى بينهم مسايفة كأنه قال وما أفاء الله على رسوله منهم فما حصلتموه بكد اليمين وعرق الجبين وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ اى سنته تعالى جارية على أن يسلطهم على من يشاء من أعدائهم تسليطا خاصا وقد سلط النبي عليه السلام على هؤلاء تسليطا غير معتاد من غير أن تقتحموا مضايق الحطوب وتقاسوا شدائد الحروب فلا حق لكم في أموالهم يعنى ان الأمر فيه مفوض اليه يضعه حيث يشاء فلا يقسم قسمة الغنائم التي قوتل عليها وأخذت عنوة وقهرا وذلك انهم طلبوا القسمة كخيبر فنزلت وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيفعل ما يشاء كما يشاء تارة على الوجوه المعهودة واخرى على غيرها
تيغى كه آسمانش از فيض خود دهد آب ... تنها جهان بگيرد بي منت سپاهى
اعلم ان الفيض الإلهي الفائض من الله على ساحة قلب السالك على قسمين اما بالوهب المحض من خزانة اسمه الوهاب من غير تعمل من العامل فيه من ركض خيل النية الصالحة ومن سوق ركاب العمل الصالح من الفرائض والنوافل فهو مقطوع الروابط من جانب السالك العامل فليس للسالك أن يضيف ذلك الفيض والوارد القلبي الى نفسه بوجه من الوجوه ولا الى الأعمال الصادرة منه بسبب الأعضاء والجوارح بل يتركه على صرافة الوهب الرباني وطراوة العطاء الامتنانى والآية الكريمة دالة هذا القسم واما مشوب بتعمله فهو من خزانة اسمه الجواد فله أن يضيفه الى نفسه وأعضائه وجوارحه ليظهر اثره عليها كلها والآية الثالثة الآتية تشير الى القسم الثاني وقد جمع بينهما قوله تعالى لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم فان الاول اشارة الى الاول والثاني الى الثاني وأراد برسوله رسول القلب وانما سمى القلب بالرسول لان الرسالة من حضرة الروح الى النفس الكافرة والهوى الظالم بدعوتهما الى الحق تعالى بالايمان والهدى ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى بيان لمصارف الفيء بعد بيان إفاءته عليه صلّى الله عليه وسلّم من غير ان يكون للمقاتلة فيه حق ولذا لم يعطف عليه كأنه لما قيل ما أفاء الله على رسوله من اموال بنى النضير شيء لم تحصلوه بالقتال والغلبة فلا يقسم قسمة الغنائم فكأنه قيل فكيف يقسم فقيل ما أفاء الله إلخ قال في برهان القرآن قوله وما أفاء الله وبعده ما أفاء الله بغير واو لان الاول معطوف على قوله ما قطعتم من لينة والثاني استئناف وليس له به تعلق وقول من قال بدل من الاول مزيف عند اكثر المفسرين انتهى وإعادة عين العبارة الاولى لزيادة التقرير ووضع اهل القرى موضع ضميرهم للاشعار بشمول ما لعقاراتهم ايضا فالمراد بالقرى قرى بنى النضير (وقال الكاشفى) من اهل القرى(9/426)
از اموال واملاك اهل دهها وشهرها كه بحرب كرفته نشود وفي عين المعاني اى قريظة والنضير بالمدينة وفدك وخيبر وفي انسان العيون وفسرت القرى بالصغرى ووادي القرى اى بثلث ذلك كما في الامتاع وينبع وفسرت بنى النضير وخيبر اى بثلاثة حصون منها وهى الكيتيه والوطيح والسلالم كما في الامتاع وفدك اى نصفها قال العلماء كانت الغنائم في شرع من قبلنا الله خاصة لا يحل منها شيء لأحد وإذا غنمت الأنبياء عليهم السلام جمعوها فتنزل نار من السماء فتأخذها فخص نبينا عليه السلام من بينهم بأن أحلت له الغنائم قال عليه السلام أحلت لى الغنائم ولم تحل لاحد قبلى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ يأمران ما احبا وقيل ذكر الله للتشريف والتعظيم والتبرك وسهم النبي عليه السلام سقط بموته (روى) عن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه ان اموال بنى النضير كانت مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه فكانت لرسول الله
خالصة وكان ينفق على اهله منها نفقة سنة وما بقي جعله في الخيل والسلاح عدة في سبيل الله وَلِذِي الْقُرْبى وهم بنوا هاشم وبنوا المطلب الفقراء منهم لما حرموا الصدقة اى الزكاة وروى ابو عصمة عن ابى حنيفة رحمه الله انه يجوز دفع الزكاة الى الهاشمي وانما كان لا يجوز في ذلك الوقت ويجوز النفل بالإجماع وكذا يجوز النفل للغنى كذا في فتاوى العتابى وذكر في المحيط بعد ما ذكر هذه الرواية (وروى) ابن ساعدة عن ابى يوسف رحمه الله انه لا بأس بصدقة بنى هاشم بعضهم على بعض ولا أرى الصدقة عليهم وعلى مواليهم من غيرهم كذا في النهاية وقال في شرح الآثار عن ابى حنيفة رحمه الله ان الصدقات كلها جائزة على بنى هاشم والحرمة كانت فى عهد النبي عليه السلام لوصول خمس الخمس إليهم فلما سقط ذلك بموته حلت لهم الصدقة قال الطحاوي وبالجواز نأخذ كذا في شرح الوقاية لابن الملك وَالْيَتامى جمع يتيم واليتم انقطاع الصبى عن أبيه قبل بلوغه وفي سائر الحيوانات من قبل امه وَالْمَساكِينِ جمع مسكين ويفتح ميمه وهو من لا شيء له اوله مالا يكفيه او اسكنه الفقر اى قلل حركته والذليل الضعيف كما في القاموس وهو من السكون فنونه اصلية لا نون جمع ولذلك تجرى عليه الأعاريب الثلاثة وَابْنِ السَّبِيلِ اى المسافر البعيد عن ماله وسمى به لملازمة له كما تقول للص القاطع ابن الطريق وللمعمر ابن الليالى ولطير الماء ابن الماء وللغراب ابن دأية باضافة الابن الى دأية البعير لكثرة وقوعه عليها إذا دبرت والدأية الجنب قال اهل التفسير اختلف في قسمة الفيء قيل يسدس لظاهر الآية ويصرف سهم الله الى عمارة الكعبة وسائر المساجد ويصرف ما بقي وهى خمسة أسداس الستة الى المصارف الخمسة التي يصرف إليها خمس الغنيمة وقيل يخمس لان ذكر الله للتعظيم ويصرف كل خمس الى مصارف خمس الغنيمة ويصرف الآن سهم الرسول عليه السلام الى الامام على قول والى العساكر والثغور على قول وهو الأصح عند الشافعية والى مصالح المسلمين على قول وقيل يخمس خمسه كالغنيمة فانه عليه السلام كان يقسم الخمس كذلك ويصرف الأخماس الاربعة كما يشاء اى كان يقسم الفيء أخماسا ويصرف الأخماس الاربعة لذى القربى(9/427)
واليتامى والمساكين وابن السبيل ويخمس الخمس الباقي ويختار خمس الخمس لنفسه ويصرف الأخماس الاربعة الباقية كما يشاء والآن على الخلاف المذكور من صرف سهمه عليه السلام الى الامام او العساكر والثغور او مصالح المسلمين وفي التأويلات النجمية ذووا القربى الروح والقلب والسر والخفي وهم مقربوا الحق تعالى بقرب الحسب والنسب واليتامى المتولدات من النفس الحيوانية الباقية بعد فناء النفس بحسب سطوات تجليات القهر والمساكين هم الأعضاء والجوارح وابن السبيل القوى البشرية والحواس الخمس المسافرون الى عوالم المعقولات والمتخيلات والموهومات والمحسوسات بقدم العقل والخيال والوهم والحس وقال بعض اهل الاشارة ذووا القربى هم الذين شاركوه في بعض مقاماته عليه السلام واليتامى هم الذين انقطعوا عمادون الحق الى الحق فبقوا بين الفقدان والوجدان طلاب الوصول والمساكين هم الذين ليس لهم بلغة المقامات وليسوا بمتمكنين في الحالات وابن السبيل هم الذين سافروا من الحدثان الى القدم كَيْ لا يَكُونَ علة لقوله فلله وللرسول اى تولى الله قسمة الفيء وبين قسمته لئلا يكون اى الفيء الذي حقه أن يكون للفقرآء يعيشون به دُولَةً بضم الدال وقرئ بفتحها وهى ما يدول للانسان اى يدور من الغنى والجد والغلبة اى كيلا يكون جدا بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ يتكاثرون به والخطاب للانصار لانه لم يكن في المهاجرين في ذلك الوقت غنى كما في فتح الرحمن او كيلا يكون دولة جاهلية بينكم فان الرؤساء منهم كانوا يستأثرون بالغنيمة ويقولون من عزيز اى من غلب سلب فيجعلون الاستقلال بمال الغنيمة والانفراد به منوطا بالغلبة عليه فكل من غلب على شيء منه يستقل به ولا يعطئ الفقراء والضعفاء شيأ منه (قال الكاشفى) در معالم آورده كه اهل جاهليت چون غنيمتى كرفتندى مهتر ايشان ربعى بر داشتى واز باقى نيز براى خود تحفه اختيار كردى وانرا صفى كفتندى وباقى را با قوم كذاشتى وتوانكران قوم بر درويشان در
ان قسمت حيف كردندى جمعى از رؤساى اهل ايمان در غنايم بنى النضير همين خيال بسته كفتند يا رسول الله شما ربعى ونصفى مغنم را برداريد وبگذاريد تا باقى را قسمت كنيم حق سبحانه وتعالى آنرا خاصه حضرت پيغمبر عليه السلام كردانيد وقسمت آنرا بر وجهى كه مذكور شد مقرر ساخت وفرمود كه حكم فيء پيدا كرديم تا نباشد آن فئ كردان دست بدست ميان توانكران از شما كه زياده از حق خود بردارند وفقرا را اندك دهند يا محروم سازند چنانكه در زمان جاهليت بوده وقيل الدولة بالضم ما يتداول كالغرفة اسم ما يغترف اى ان الدولة اسم للشيء الذي بتداوله القوم بينهم فيكون مرة لهذا ومرة لهذا والتداول بالفارسية از يكديكر فرا كرفتن وتداول القوم كذا وداول الله بينهم كذا فالمعنى كيلا يكون الفيء شيأ يتداوله الأغنياء بينهم ويتعاورونه فلا يصيب الفقراء والدولة بالفتح مصدر بمعنى التداول وفيه إضمار محذوف فالمعنى كيلا يكون ذا تداول بينهم او كيلا يكون إمساكه واخذه تداولا لا يخرجونه الى الفقراء وقيل هى بالفتح بمعنى انتقال حالة سارة الى قوم عن قوم وتستعمل في نفس الحالة السارة التي تحدث للانسان(9/428)
يقال هذه دولة فلان وقيل الضم للاغنياء والفتح للفقرآء وفي الحديث (اغتنموا دولة الفقراء) كما في الكواشي وفي الآية اشارة الى إعطاء كل ذى حق حقه كيلا يحصل بين الأغنياء والفقراء نوع من الجور والدولة الجاهلية يقال كان الفقراء في مجلس سفيان الثوري أمراء اى كالامرآء في التقديم والإكرام والعزة وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ ما موصولة والعائد محذوف والإيتاء الإعطاء والمناولة اى ما أعطاكموه ايها لمؤمنون من الفيء فَخُذُوهُ فانه حقكم وَما نَهاكُمْ عَنْهُ اى عن اخذه فَانْتَهُوا عنه وَاتَّقُوا اللَّهَ فى مخالفته عليه السلام إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ فيعاقب من يخالف امره ونهيه والاولى حمل الآية على العموم فالمعنى وما آتاكم الرسول من الأمر مطلقا فيئا او غيره اصولا اعتقادية او فروعا عملية فخذوه اى فتمسكوا به فانه واجب عليكم هر شربتى از دست او در آيد بستانيد كه حيات شما در آنست وآن لوح را خوانيد كه نويسد زيرا ضروريات شما در صفحه او بيانست وما نهاكم عن تعاطية أيا كان فانتهوا عنه زيرا امر ونهى او بحق است هر كه ممتثل امر او كردد نجات يابد وهر كه از نهى او اجتناب ننمايد در ورطه هلاك افتد
آنكس كه شد متابع امر توقد نجا ... وانكو خلاف راى تو ورزيد قد هلك
وفيه دليل على ان كل ما امر به النبي عليه السلام امر من الله تعالى قال العلماء اتباع الرسول عليه السلام في الفرائض العينية فرض عين وفرض كفاية في الفروض على سبيل الكفاية وواجب فى الواجبات وسنة في السنن فما علمنا من أفعاله واقعا على جهة نقتدى به في اتباعه على تلك الجهة وما لم نعلم على اى جهة فعله فلنا فعله على أدنى منازل أفعاله وهو الإباحة (روى) ان ابن مسعود رضى الله عنه لقى رجلا محرما وعليه ثيابه فقال انزع عنك هذا فقال الرجل أتقرأ على بهذا آية من كتاب الله قال نعم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا (وروى) عن ابن مسعود رضى الله عنه (قال لعن الله الواشمات) اى فاعلات الوشم وهو ما يوشم به اليد من نؤور أو نيلج قال في القاموس الوشم كالوعد غرز الابرة فى البدن ور النيلج عليه والنؤور كصبور النيلج ودخان الشحم وحصاة كالاثمد تدق فيسفها اللثة (والمستوشمات) يقال استوشمت الجارية طلبت ان يوشم بها (والمتنمصات للحسن) وهى اى المتنمصة التي تنتف شعرها يعنى بر كننده موى از براى حسن قال في القاموس التمص نتف الشعر ولعنت النامصة وهى مزينة النساء بالنمص والمتنمصه وهى مزينة به (المغيرات خلق الله) آن زنانى كه تغيير كنند آفريده خدا را ويدخل فيه تحديد الأسنان وإصلاحها ببعض الآلات وثقب الانف واما ثقب الاذن فمباح للنساء لاجل التزيين بالقرط وحرام على الرجال كحلق اللحية (فبلغ ذلك امرأة من بنى أسد يقال لها أم يعقوب فجاءت) پس آمد آن زن نزد (ابن مسعود رضى الله عنه فقالت قد بلغني انك قلت كيت وكيت) يعنى مرا رسيده است كه تو كفته چنين و چنين (فقال ومالى لا ألعن
من لعن رسول الله ومن هو في كتاب الله) يعنى ابن مسعود كفت چكونه لعنت نكنم آنرا كه لعنت كرده است رسول الله وآنرا كه در كتاب الله است (فقالت لقد قرأت ما بين اللوحتين فما وحدت فيه ما تقول قال لئن كنت(9/429)
لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8)
قرأته لقد وجدته اما قرأت وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا قالت بلى قال فانه عليه السلام قد نهى عنه) ولذلك قرأ ابن عباس رضى الله عنه هذه الآية للنهى عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت والدباء بالضم والمد القرعة والحنتم بفتح الحاء والتاء وسكون النون قبلها جرة خضرآء والنقير ما نقب من حجر وخشب ونحوهما والمزفت بالضم والتشديد جرة او خابية طليت ولطخت بالزفت بالكسر اى القار وحل عند الامام الأعظم اتخاذ نبيذ التمر والذرة ونحوه بأن يلقى في هذه الاوعية وان حصل الاشتداد بسببها وفي الحديث (القرآن صعب عسر على من كرهه ميسر على من تبعه وحديثى صعب مستصعب وهو الحكمة فمن استمسك بحديثي وحفظه كان مع القرآن ومن تهاون بحديثي خسر الدنيا والآخرة وأمرتم أن تأخذوا بقولي وتتبعوا سنتى فمن رضى بقولي فقد رضى بالقرءان ومن استهزأ بقولي فقد استهزأ بالقرءان قال الله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وسئل سهل رحمه الله عن شرائع الإسلام فقال ما آتاكم الرسول من خبر الغيب ومكاشفة الرب فخذوه باليقين وما نهاكم عنه من النظر الى غير الله فانتهوا عنه وفي التأويلات النجمية يخاطب به ذوى الحقوق من المراتب الأربع ويقال لهم ما أعطاكم رسول القلب من الفيض الذي حصل له بمددكم الصوري ومعونتكم المعنوية من قبل قتل النفس الكافرة والهوى الظالم فاقبلوه منه بحسن التلقي ولطف القبول وانه اعطاكم على حسب استعدادكم وما منع عنه فامتنعوا عن الاعتراض عليه واتقوا الله في الاعتراض فان الله شديد العقاب بحرمانكم من حسن التوجه اليه ولطف الاستفاضة عنه لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ بدل من لذى القربى وما عطف عليه لا من الله والرسول والا يلزم دخول الرسول فى زمرة الفقراء وهو لا يسمى فقيرا لانه يوهم الذم والنقصان لان اصل الفقر كسر فقار الظهر من قولهم فقرته ولهذا سميت الحاجة والداهية فاقرة لانهما تغلبان الإنسان وتكسران فقار ظهره وإذا لم يصح تسمية الرسول فقيرا فلأن لا يصح تسميته تعالى فقيرا اولى مع ان الله تعالى أخرجه عليه السلام من الفقراء هنا بقوله وينصرون الله ورسوله بقي ان ابن السبيل الذي له مال في وطنه لا يسمى فقيرا نص عليه في التلويح وغيره ومن أعطى اغنياء ذوى القربى كالشافعى خص الابدال بما بعده بخلاف أبى حنيفة رحمه الله فان استحقاق ذوى القربى الفيء مشروط عنده بالفقر واما تخصيص اعتبار الفقر بفيئ بنى النضير فتعسف ظاهركما في الإرشاد الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ از سراهاى ايشان كه در مكه داشتند وَأَمْوالِهِمْ ودور افتاده اند از مالهاى خود حيث اضطرهم كفار مكة الى الخروج وأخذوا أموالهم وكانوا مائة رجل فخرجوا منها والافهم هاجروا باختيارهم حبا لله ورسوله واختاروا الإسلام على ما كانوا فيه من الشدة حتى كان الرجل يعصب الحجر على بطنه ليقيم صلبه من الجوع وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ماله دار غيرها وصح عن رسول الله عليه السلام انه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين وقال عليه السلام ابشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وذلك(9/430)
مقدار خمسائة عام يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً اى حال كونهم طالبين منه تعالى رزقا في الدنيا ومرضاة في الآخرة وصفوا اولا بما يدل على استحقاقهم للفيئ من الإخراج من الديار وقد أعاد ذلك ثانيا بما يوجب تفخيم شأنهم ويؤكده فهو حال من واو اخرجوا وفي ذكر حالهم ترق من العالي الى الأعلى فان رضوان الله اكبر من عطاء الدنيا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ عطف على يبتغون فهى حال مقدرة اى ناوين نصرة الله بإعلاء دينه ونصرة رسوله ببذل وجودهم في طاعته او مقارنة فان خروجهم من بين الكفار مراغمين لهم مهاجرين الى المدينة نصرة واى نصرة أُولئِكَ المهاجرون الموصوفون بما ذكر من الصفات الحميدة هُمُ الصَّادِقُونَ الراسخون في الصدق حيث ظهر ذلك بما فعلوا ظهورا بينا كأن الصدق مقصور عليهم لكمال آثاره الصدق صدقة السر يعنى صدقه ملك سر است وصداق الجنة يعنى صداق سراى سرورست وصديق الحق يعنى صديق پادشاه حق است
راست كارى پيشه كن كاندر مصاف رستخيز ... نيستند از خشم حق جز راستكاران رستكار
مصطفى عليه
السلام كفت ما مهتر كليت عالم ايم وبهتر ذريت آدم وما را بدين فخر نه شربتهاى كرم بر دست ما نهادند وهديتهاى شريف بحجره ما فرستادند ولباسهاى نفيس در ما پوشيدند وطراز إعزاز بر آستين ما كشيدند وما را بدان هيچ فخر نه كفتند مهترا پس اختيار تو چيست وافتخار تو بچيست كفت اختيار ما آنست وافتخار ما بدانست كه روزى ساعتى جوييم وبا اين فقر اى مهاجرين چون بلال وصهيب وسلمان وعمار ساعتى حديث او كوييم
بر دل ذكر امتش نثارست مرا ... وز فقر لباس اختيارست مرا
دينار ودرم بچهـ كارست مرا ... با حق همه كار چون بكارست مرا
بدانكه فقر دواست يكى آنست كه رسول خدا از ان استعاذه كرده وكفته أعوذ بك من الفقر وديكر آنست كه رسول خدا كفته الفقر فخرى آن يكى نزديك بكفر واين يكى نزديك بحق اما آن فقر كه بكفر نزديك است فقر دلست كه علم وحكمت واخلاص وصبر ورضا وتسليم وتوكل از دل ببرد تا دل ازين ولايتها درويش كردد و چون زمين خراب شود دل خراب شود منزل شيطان كردد آنكه چون شيطان فرود آمد سپاه شيطان روى بوى نهند شهوت وغضب وحسد وشرك وشك وشبه ونفاق ونشان اين فقر آن بود كه هر چهـ بيند همه كژ بيند سمع او همه مجاز شنود زبان همه دروغ وغيبت گويد قدم بكوى همه ناشايست نهد اين آن فقرست كه رسول خدا كفت كاد الفقر أن يكون كفرا اللهم انى أعوذ بك من الفقر والكفر اما آن فقر كه گفت الفقر فخرى آنست كه مرد از دنيا برهنه كردد ودرين برهنكى بدين نزديك كردد وفي الخبر الايمان عريان ولباسه التقوى همانست كه متصوفه آنرا تجريد كويند كه مرد مجرد شود از رسوم انسانيت چنانكه تيغ مجرد شود از نيام خويش وتيغ مادامكه در نيام باشد هنرش آشكارا نكردد وفعل او پيدا نيايد همچنين دل(9/431)
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)
تا در غلاف انسانيت است هنر وى آشكار نگردد واز وى كارى نكشايد چون از غلاف انسانيت برهنه كردد صورتها وصفتها درو بنمايد وقال الشيخ نجم الدين الكاشفى رحمه الله الافتقار على ثلاثة اقسام افتقار الى الله دون الغير واليه الاشارة بقوله عليه السلام الفقر سواد الوجه في الدارين انتها وفي كل من الأحاديث المذكورة معان أخر جلية على اولى الألباب وطعن اهل الحديث في قوله الفقر فخرى لكن معناه صحيح اللهم أغنني بالافتقار إليك وسئل الحسين رحمه الله من الفقراء قال الذين وقفوا مع الحق راضين على جريان إرادته فيهم وقال بعضهم هم الذين تركوا كل سبب وعلاقة ولم يلتفتوا من الكونين الى شيء سوى ربهم فجعلهم الله ملوكا وخدمهم الأغنياء تشريفا لهم وفي التأويلات النجمية أبدل الله من ذوى القربى المهاجرين الى الله اى ذووا القربى هم المهاجرون من قرية النفس الى مدينة الروح والقلب بالسير والسلوك وقطع المفاوز النفسانية والبواد الحيوانية المخرجون من ديار وجوداتهم واموال صفاتهم واخلاقهم الى حضرة خالقهم ورازقهم طالبين من فضله وجوده وجوده ونور رضوان صفاته ونعوته ناصرين الله بمظهريتهم لله الاسم الجامع ورسوله بمظهريتهم لاحكامه وشرائعه الظاهرة أولئك هم الصادقون في مقام الفناء عنهم في ذواتهم وصفاتهم وأفعالهم والبقاء به اى بذاته وصفاته وأفعاله جعلنا الله وإياكم هكذا بفضله وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ كلام مستأنف مسوق لمدح الأنصار بخصال حميدة من جملتها محبتهم للمهاجرين ورضاهم باختصاص الفيء بهم احسن رضى وأكمله والأنصار بنوا الأوس والخزرج ابني حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة ابن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نيت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب ابن يعرب بن قحطان قال فى القاموس قحطان بن عامر بن شالخ ابو حى انتهى وهو اصل العرب العرباء ومن الأنصار غسان كشداد ماء قرب الجحفة نزل عليه قوم من ولد الأزد فشربوا منه فنسبوا اليه وأصل البواء مساواة الاجزاء في المكان خلاف النبو الذي هو منافاة الاجزاء يقال مكان بواء إذا لم يكن نابيا بنازله وبوأت له مكانا سويت (وروى) انه عليه السلام كان يتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله وتبوؤا لمنزل اتخاذه منزلا والتمكن والاستقرار فيه فالمتبوأ فيه لا بد أن يكون من قبيل المنازل والامكنة والدار هى المدينة وتسمى قديما يثرب وحديثا طيبة وطابة كذلك بخلاف الايمان فانه ليس من هذا القبيل فمعنى تبوئهم الدار والايمان انهم اتخذوا المدينة والايمان مباءة وتمكنوا فيهما أشد تمكن على تنزيل الحال منزلة المكان وقيل ضمن النبوء معنى اللزوم وقيل تبوأوا الدار وأخلصوا الايمان او قبلوه او آثروه كقول
من قال علفتها تبنا وماء باردا ... اى وسقيتها ماء باردا
فاختصر الكلام وقيل غير ذلك يقول الفقير لعل اصل الكلام والذين تبوأوا دار الايمان فان المدينة يقال لها دار الايمان لكونها مظهره ومأوى أصله كما يقال لها دار الهجرة وانما عدل الى ما ذكر من صورة العطف تنصيصا على ايمانهم إذ مجرد التبوء لا يكفى في المدح مِنْ قَبْلِهِمْ اى من قبل هجرة المهاجرين فقدر المضاف لان الأنصار لم يؤمنوا قبل المهاجرين بل منهم من آمن قبل(9/432)
الهجرة ومنهم من آمن بعدها قال بعضهم مراد انصارند كه در ديار خود ايمان آوردند وبد وسال پيش از قدوم حضرت مساجد ساختند وربوا الإسلام كما يربى الطير الفرخ قال فى الإرشاد يجوز أن يجعل اتخاذ الايمان مباءة ولزومه وإخلاصه عبارة عن اقامة كافة حقوقه التي من جملتها اظهار عامة شعائره وأحكامه ولا ريب في تقدم الأنصار في ذلك على المهاجرين لظهور عجزهم عن اظهار بعضها لا عن إخلاصه قلبا واعتقادا إذ لا يتصور تقدمهم عليهم فى ذلك وفي الآية اشارة الى دار القلب التي هى دار الصدق والإخلاص والى الايمان الاختصاصى الوهبي بتحقيقه وتثبيته يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ خبر للموصول اى يحبونهم من حيث مهاجرتهم إليهم لمحبتهم الايمان ولان الله وحبيبه احباهم وحبيب الحبيب حبيب وفي كشف الاسرار كنايتست از مهمان دوستئ أنصار وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ اى في نفوسهم حاجَةً اى شيأ محتاجا اليه مِمَّا أُوتُوا اى مما اوتى المهاجرون من الفيء وغيره ومن بيانية يقال خذ منه
حاجتك اى ما تحتاج اليه والمراد من نفى الوجدان نفى العلم لان الوجدان في النفس ادراك علمى وفيه من المبالغة ما ليس في يعلمون وقال بعضهم طلب محتاج اليه يعنى ان نفوسهم لم تبتغ ما أوتوا ولم تطمح الى شيء منه يحتاج اليه وقيل وجدا على تقديمهم عليهم وغيظا وحسدا ونحو ذلك قال الراغب الحاجة الى الشيء الفقر اليه مع محبته وَيُؤْثِرُونَ اى يقدمون المهاجرين فالمفعول محذوف عَلى أَنْفُسِهِمْ فى كل شيء من اسباب المعاش جودا وكرما حتى ان من كان عنده امرأتان كان ينزل عن إحداهما ويزوجها واحدا منهم والإيثار عطاؤك ما أنت تحتاج اليه وفي الخبر لم يجتمع في الدنيا قوم قط الا وفيهم أسخياء وبخلاء الا في الأنصار فان كلهم أسخياء ما فيهم من بخيل وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ اى حاجة وخلة وأصلها خصاص البيت وهى فرجة شبه حالة الفقر والحاجة ببيت ذى فرج في الاشتمال على مواضع الحاجة قال الراغب عبر عن الفقر الذي لا يسد بالخصاصة كما عبر عنه بالخلة والخص بيت من قصب وشجر وذلك لما يرى منه من الخصاصة وكان عليه السلام قسم أموال بنى النضير على المهاجرين ولم يعط الأنصار الا ثلاثة نفر محتاجين أبا دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة رضى الله عنهم وروى لم يعط الا رجلين سهلا وأبا دجانة فان الحارث بن الصمة قتل في بئر معونة وقال لهم ان شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وشاركتموهم في هذه الغنيمة وان شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم يقسم لكم شيء من الغنيمة فقالت الأنصار بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها فنزلت وكان عليه السلام أعطى بعض الأراضي وأبقى بعضها يزرع له ولما أعطى المهاجرين أمرهم برد ما كان للانصار لاستغنائهم عنهم ولانهم ولم يكونوا ملكوهم وانما كانوا دفعوا لهم تلك النخيل لينتفعوا بثمرها ويدخل في إيثارهم المهاجرين بالفيء سائر الايثارات وعن انس رضى الله عنه انه قال اهدى لرجل من الأنصار رأس شاة وكان مجهودا فوجه به الى جار له زاعما انه أحوج اليه منه فوجه جاره ايضا الى آخر فلم يزل يبعث به واحدا الى آخر حتى تداول ذلك الرأس(9/433)
سبعة بيوت الى أن رجع الى المجهود الاول قال حذيفة العدوى انطلقت يوم اليرموك اطلب ابن عم لى ومعى شيء من الماء وانا أقول ان كان به رمق سقيته فاذا أنا به فقلت أسقيك فأشار برأسه أن نعم فاذا برجل يقول آه آه فأشار الى ابن عمى ان انطلق اليه فاذا هو هشام بن العاص فقلت أسقيك فأشار أن نعم فسمع آخر يقول آه آه فأشار هشام أن انطلق اليه فجئت اليه فاذا هو قدمات فرجعت الى هشام فاذا هو قدمات فرجعت الى ابن عمى فاذا هو قدمات وهذا من قبيل الإيثار بالنفس وهو فوق الإيثار بالمال
فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ ... كه كار عشق زما اين قدر نمى آيد
وقال في التكملة الصحيح ان الآية نزلت في أبى طلحة الأنصاري رضى الله عنه حين نزل برسول الله عليه السلام ضيف ولم يكن عنده ما يضيفه به فقال ألا رجلا يضيف هذا رحمه الله فقام أبو طلحة فانطلق به الى رحله وقال لامرأته أكرمي ضيف رسول الله فنومت الصبية واطفأت السراج وجعل الضيف يأكل وهما يريان انهما يأكلان معه ولا يفعلان فنزلت الآية وكان قناعت السلف أوفر ونفوسهم اقنع وبركتهم اكثر ونحن نؤثر أنفسنا على الغير فاذا وضعت مائدة بين أيدينا يريد كل منا أن يأكل قبل الآخر ويأخذ اكثر مما يأخذ الرفيق ولذلك لم توجد بركة الطعام وينفد سريعا ويروى انه وقع بين ملك ووزيره انه قال الملك ان العلماء احسن حالا وأصلح بالا من الفقراء وقال الوزير بخلاف ذلك ثم قال الوزير نمتحنهما فى أمرين فبعث أحدا بعدة آلاف درهم الى اهل المدرسة فقال اذهب وقل لهم ان الملك أمرني أن أعطى هذه الدراهم أفضلكم وأكملكم فمن هو فقال واحد منهم انا وقال الآخر كذب بل هو انا وهكذا ادعى كل منهم الافضلية فقال الرسول لم يتميز الأفضل عندى ولم أعرفه ولم يعط شيأ فعاد واخبر بما وقع ثم أرسل
الوزير تلك الدراهم الى اهل الخانقاه ففعلوا عكس ما فعله العلماء واعطى بيده سيفا فقال اذهب فقل لهم ان الملك أمرني أن اضرب عنق رئيسكم فمن هو فقال واحد منهم انا وقال الآخر بل انا وهكذا قال كل منهم إيثار ابقاء أخيه واختيار فدآء رفيقه بنفسه فقال الرسول لم يتميز ما هو الواقع عندى فرجع وأخبر بما وقع فأرسل السيف الى العلماء ففعلوا عكس ما فعله الفقراء فحج بذلك الوزير على الأمير وأنت تشاهد أن فقراء زماننا على عكس هؤلاء الفقراء في البلاد والممالك قال أبو يزيد البسطامي قدس سره غلبنى رجل شاب من اهل بلخ حيث قال لى ما حد الزهد عندكم فقلت إذا وجدنا أكلنا وإذا فقدنا صبرنا فقال هذا فعل كلاب بلخ عندنا بل إذا فقدنا شركنا وإذا وجدنا آثرنا
كريم كامل آنرا مى شناسم اندرين دوران ... كه كرنانى رسد از آسياى چرخ كردانش
ز استغناى همت با وجود فقر وبي بركى ... ز خود واگيرد وسازد نثار بي نوايانش
وفي العوارف من اخلاق الصوفية الإيثار والمواساة وحملهم على ذلك فرط الشفقة والرحمة طبعا وقوة اليقين شرعا لانهم يؤثرون الموجود ويصبرون على المفقود قال يوسف بن الحسين رحمه الله من رأى لنفسه ملكا لا يصح له الإيثار لانه يرى نفسه أحق بالشيء برؤية(9/434)
ملكه انما الإيثار لمن يرى الأشياء للحق فمن وصل اليه فهو أحق يه فاذا وصل شيء من ذلك اليه يرى نفسه ويده فيه يد غصب او يد امانة يوصلها الى صاحبها ويؤديها اليه معاذ بن جبل را ديدند كه در بازار مكه ميكرديد ووزيره تره ميجيد وميكفت هذا ملكك مع رضاك وملك الدنيا مع سخطك
خيز يارا تا بميخانه زمانى دم زنيم ... آتش اندر ملكت آل بنى آدم زنيم
هر چهـ اسبابست جمع آييم وبس جمع آوريم ... پس بحكم حال بيزارى همه برهم زنيم
وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ وهر كه نكاه داشته شود از بخل نفس او يعنى منع كند نفس را از حب مال وبغض انفاق والوقاية حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره والشح بالضم والكسر بخل مع حرص فيكون جامعا بين ذميمتين من صفات النفس وأضافته الى النفس لانه غريزة فيها مقتضية للحرص على المنع الذي هو البخل اى ومن يوق بتوفيق الله شحها حتى يخالفها فيما يغلب عليها من حب المال وبغض الانفاق فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الفائزون بكل مطلوب الناجون من كل مكروه والفلاح اسم لسعادة الدارين والجملة اعتراض وارد لمدح الأنصار والثناء عليهم فان الفتوة هى الأوصاف المذكورة في حقهم فلهم جلائل الصفات ودقائق الأحوال ولذا قال عليه السلام آية الايمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار وقال عليه السلام اللهم اغفر للانصار ولا بناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار قال السهر وردى فى العوارف السخاء صفة غريزية في مقابلة الشح والشح من لوازم صقة النفس حكم الله بالفلاح لمن يوقى الشح اى لمن أنفق وبذل والنبي عليه السلام نبه بقوله ثلاث مهلكات وثلاث منجيات فجعل احدى المهلكات شحا مطاعا ولم يقل مجرد الشح يكون مهلكا بل انما يكون مهلكا إذا كان مطاعا فاما كونه موجودا في النفس غير مطاع لا ينكر ذلك لانه من لوازم النفس مستمد من اصل جبلتها الترابي وفي التراب قبض وإمساك وليس ذلك بالعجب من الآدمي وهو جبلى فيه وانما العجب وجود السخاء في الغريزة وهو في نفوس الصوفية الداعي لهم الى البذل والإيثار والسخاء أتم وأكمل من الجود وفي مقابلة الجود البخل وفي مقابلة السخاء الشح والجود والبخل يتطرق إليهما الاكتساب بطريق العادة بخلاف الشح والسخاء إذ كانا من ضرورة الغريزة وكل سخى جواد وليس كل جواد سخيا والحق تعالى لا يوصف بالسخاء لان السخاء من نتيجة الغرائز والله تعالى منزه عن الغريزة والجود يتطرق اليه الرياء ويأتى به الإنسان متطلعا الى عوض من الخلق والثواب من الله تعالى والسخاء لا يتطرق اليه الرياء لانه ينبع من النفس الزكية المرتفعة عن الأعواض دنيا وآخرة لان طلب العوض مشعر بالبخل لكونه معلولا بالعوض فما تمحض سخاء فالسخاء لأهل الصفاء والإيثار لاهل الأنوار وقال الحسن رحمه الله الشح هو العمل بالمعاصي كأنه يشح بالطاعة فدخل فيه ما قيل الشح أن تطمح عين الرجل الى ما ليس له وقال عليه السلام من الشح نظرك الى امرأة غيرك وذلك فان الناظر يشح بالغض والعفة فلا يفلح (وروى) ان رجلا قال لعبد الله بن مسعود رضى الله عنه انى أخاف أن(9/435)
وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)
أكون قد هلكت قال وما ذاك قال اسمع الله يقول ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون وأنا رجل شحيح لا يكاد يخرج من يدى شيء فقال عبد الله ليس المراد بالشح الذي ذكر الله فى القرآن أن تأكل مال أخيك ظلما ولكن ذاك البخل وبئس الشيء البخل وفسر الشح بغير ذلك وعن الحكيم الترمذي قدس سره الشح أضر من الفقر لان الفقير يتسع إذا وجد بخلاف الشحيح وعن أبى هريرة رضى الله عنه انه سمع رسول الله عليه السلام يقول لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد ابدا ولا يجتمع الشح والايمان في قلب عبد ابدا وقال عليه السلام من ادى الزكاة المفروضة وقرى الضيف واعطى في النائبة فقد برئ من الشح والشح أقبح البخل وقال عليه السلام اتقوا الظلم فان الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فانه أهلك من كان قبلكم حملهم على أن يسفكوا دماءهم ويستحلوا محارمهم (قال الحافظ)
احوال كنج قارون كايام داد بر باد ... با غنچهـ باز كويد تا زر نهان ندارد
(وقال المولى الجامى في ذم الخسيس الشحيح)
هر چند زند لاف كرم مرد درم دوست ... در يوزه احسان زد را ونتوان كرد
ديرين مثلى هست كه از فضله حيوان ... نارنج توان ساخت ولى بو نتوان كرد
وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ هم الذين هاجروا بعد ما قوى الإسلام فالمراد جاؤا الى المدينة او التابعون بإحسان وهم الذين بعد الفريقين الى يوم القيامة ولذلك قيل ان الآية قد استوعبت جميع المؤمنين فالمراد حينئذ جاؤا الى فضاء الوجود وفي الحديث (مثل أمتي مثل المطر لا يدرى اوله خير أم آخره يعنى در منفعت وراحت همچون باران بهارانند باران را ندانند كه أول آن بهترست يا آخر نفعى است عامر او عامه خلق را حال امت من همچنين است همان درويشان آخر الزمان آن شكستكان سر افكنده وهمين عزيزان وبزركواران صحابه همه برادرانند ودر مقام منفعت وراحت همه يكدست ويكسانند هم كالقطر حيث ما وقع نفع بر مثال بارانند ياران هر كجا كه رسد نفع رساند هم در بوستان هم در خارستان هم بريحان وهم بر أم غيلان همچنين اهل اسلام در راحت يكديكر ورأفت بر يكديكر يكسانند ويك نشانند يَقُولُونَ خبر للموصول والجملة مسوقة لمدحهم بمحبتهم لمن تقدمهم من المؤمنين ومراعاتهم لحقوق الآخرة في الدين والسبق بالايمان اى يدعون لهم قائلين رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ما فرط منا وَلِإِخْوانِنَا أي في الدين الذي هو أعز واشرف عندهم من النسب الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وصفوهم بذلك اعترافا بفضلهم
چوخواهى كه نامت بود جاودان ... مكن نام نيك بزركان نهان
قدموا أنفسهم في طلب المغفرة لما في المشهور من ان العبد لا بد أن يكون مغفورا له حتى يستجاب دعاؤه لغيره وفيه حكم بعدم قبول دعاء العاصين قبل أن يغفر لهم وليس كذلك كما دلت عليه الاخبار فلعل الوجه ان تقديم النفس كونها اقرب النفوس مع ان في الاستغفار إقرارا بالذنب فالاحسن للعبد أن يرى او لاذنب نفسه كذا في بعض التفاسير يقول الفقير(9/436)
نفس المرء أقرب اليه من نفس غيره فكل جلب او دفع فهو انما يطلبه اولا لنفسه لاعطاء حق الأقدم واما غيره فهو بعده ومتأخر عنه وايضا ان ذنب نفسه مقطوع بالنسبة اليه واما ذنب غيره فمحتمل فلعل الله قد غفر له وهو لا يدرى وايضا تقديمهم في مثل هذا المقام لا يخلو عن سوء أدب وسوء ظن في حق السلف وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا اى حقدا وهو ذميمة فاحشة فورد المؤمن ليس بحقود يعنى كينه كش قال الراغب الغل والغلول تدرع الخيانة والعداوة لان الغلالة اسم ما يلبس بين الشعار والدثار وتستعار للدرع كما تستعار الدرع لها لِلَّذِينَ آمَنُوا على اطلاق صحابة او تابعين وفيه اشارة الى أن الحقد على غيرهم لائق لغيرة الدين وان لم يكن الحسد لائقا (قال الشيخ سعدى)
دلم خانه مهريارست وبس ... از ان مى نكنجد درو كين كس
رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ اى مبالغ في الرأفة والرحمة فحقيق بأن تجيب دعاءنا وفي الآية دليل على ان الترحم والاستغفار واجب على المؤمنين الآخرين للسابقين منهم لا سيما لآبائهم ولمعلمهم امور الدين قالت عائشة رضى الله عنها أمروا أن يستغفر والهم فسبوهم وفي الحديث (لا تذهب هذه الامة حتى يلعن آخرها أولها) وعن عطاء قال قال عليه السلام من حفظنى في أصحابي كنت له يوم القيامة حافظا ومن شتم أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فالرافضة والخوارج ونحوهم شر الخلائق خارجون من اقسام المؤمنين لان الله تعالى رتبهم على ثلاثة منازل المهاجرين والأنصار والتابعين الموصوفين بما ذكر الله فمن لم يكن من التابعين بهذه الصفة كان خارجا من اقسامهم قال حجة الإسلام الغزالي رحمه الله يحرم على الواعظ وغيره رواية مقتل الحسين رضى الله عنه وحكاياته وما جرى بين الصحابة من التشاجر والتخاصم فانه يهيج بغض الصحابة والطعن فيهم وهم اعلام الدين وما وقع بينهم من المنازعات فيحمل على محامل صحيحة فلعل ذالك لخطأ في الاجتهاد لا لطلب الرياسة او الدنيا كما لا يخفى وقال في شرح الترغيب والترهيب المسمى بفتح القريب والحذر ثم الحذر من التعرض لما شجر بين الصحابة فانهم كلهم عدول خير القرون مجتهدون مصيبهم له أجران ومخطئهم له أجر واحد وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في فصل آفات اللسان الخوض في الباطل هو الكلام في المعاصي كحكاية أحوال الوقاع ومجالس الخمور وتجبر الظلمة وحكاية مذاهب أهل الأهواء وكذا
حكاية ما جرى بين الصحابة رضى الله عنهم
اى دل از من اگر بجويى پند ... رو باصحاب مصطفى دل بند
همه ايشان آمده ذيشان ... خواهشى كن شفاعتى زيشان
وقال بعض أهل الاشارة ربنا اغفر لنا اى استر ظلمة وجودنا بنور وجودك واستر وجودات إخواننا الذين سبقونا بالايمان وهم الروح والسر والقلب السابقون في السلوك من قرية النفس الى مدينة الروح المؤمنين بأن الفناء الوجودي الامكانى يستلزم الوجود الواجبى الحقانى ولا تجعل في قلوبنا شك الاثنينية والغيرية للذين آمنوا باخوانية المؤمنين لقوله تعالى انما المؤمنون اخوة انك رؤف بمن شاهد الكثرة قائمة بالوحدة رحيم بمن شاهد الوحدة(9/437)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)
ظاهرة بالكثرة وفي تكرير ربنا اظهار لكمال الضراعة وفي الأثر من حزبه أمر فقال خمس مرات ربنا أنجاه الله مما يخاف قال الامام الرازي اعلم ان العقل يدل على تقديم ذكر الله فى الدعاء لان ذكر الله تعالى بالثناء والتعظيم بالنسبة الى جوهر الروح كالاكسير الأعظم بالنسبة الى النحاس فكما ان ذرة من الإكسير إذا وقعت على عالم النحاس انقلب الكل ذهبا إبريزا فكذا إذا وقعت ذرة من اكسير معرفة جلال الله تعالى على جوهر الروح قوى صفاء وكمل إشراقا ومتى صار كذلك كانت قوته أقوى وتأثيره أكمل وكان حضور الشيء المطلوب عنده أقوى وأكمل وهذا هو السبب في تقديم الدعاء بالثناء انتهى والوارد في القرآن من الدعاء مذكور غالبا بلفظ الرب فان على العبد أن يذكر اولا إيجاد الله وإخراجه من العدم الى الوجود الذي هو أصل المواهب ويتفكر في تربية الله إياه ساعة فساعة واما دعوات رسول الله عليه السلام فاكثرها الابتداء بقوله اللهم لانه مظهر الاسم الجامع وقد كان يجمع بينهما ويقول اللهم ربنا كما جمع عيسى عليه السلام وقال اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء والله سميع الدعاء وقابل الرجاء أَلَمْ تَرَ استئناف لبيان التعجب مما جرى بين الكفرة والمنافقين من الأقوال الكاذبة والأحوال الفاسدة والمعنى آيا نكاه نكرده يا محمد أو يا من له حظ من الخطاب إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا من اهل المدينة قال الراغب النفق الطريق النافذ والسرب في الأرض النافذ ومنه نافقا اليربوع وقد نافق اليربوع ونفق ومنه النفاق وهو الدخول في الشرع من باب والخروج عنه من باب على هذانبه بقوله ان المنافقين هم الفاسقون اى الخارجون عن الشرع يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ اللام للتبليغ والمراد بالاخوان بنوا النضير وبأخوتهم اما توافقهم في الكفر فان الكفر ملة واحدة او صداقتهم وموالاتهم لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ اللام موطئة للقسم وهى اللام الداخلة على حرف الشرط بعد تمام القسم ظاهرا او مقدرا ليؤذن ان الجواب له لا للشرط وقد تدخل على غير الشرط والمعنى والله لئن أخرجتم أيها الاخوان من دياركم وقراكم قسرا بإخراج محمد وأصحابه إياكم منها لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ البتة ونذهبن في صحبتكم أينما ذهبتم لتمام المحبة بيننا وبينكم وهو جواب للقسم وجواب الشرط مضمر ولما كان جواب القسم وجواب الشرط متماثلين اقتصر على جواب القسم وأضمر جواب الشرط وجعل المذكور جوابا للقسم بسعة وكذا قوله لا يخرجون معهم وقوله لا ينصرونهم كل واحد منهما جواب القسم ولذلك رفعت الافعال ولم تجزم وحذف جواب الشرط لدلالة جواب القسم عليه وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ اى في شأنكم أَحَداً يمنعنا من الخروج معكم أَبَداً وان طال الزمان ونصبه على الظرفية وهو لاستغراق المستقبل كما ان الأزل لاستغراق الماضي ولاستعمالهما في طول الزمانين جدا قد يضافان الى جمعهما فيقال أبد الآباد وازل الآزال واما السرمد فلاستغراق الماضي والمستقبل يعنى لاستمرار الوجود لا الى نهاية في جانبهما (ومنه قول المولى الجامى)
دردت زازل آيد تا روز ابد پايد ... چوق شكر كزارد كس اين دولت سرمد را
وَإِنْ قُوتِلْتُمْ اى قاتلكم محمد وأصحابه حذفت منه اللام الموطئة لَنَنْصُرَنَّكُمْ اى(9/438)
لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12)
لنعاوننكم على عدوكم ولا نخذلكم وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فى مواعيد هم المؤكدة بالايمان الفاجرة لَئِنْ أُخْرِجُوا قهرا وإذلالا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ إلخ تكذيب لهم فى كل واحد من أقوالهم على التفصيل بعد تكذيبهم في الكل على الإجمال وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وكان الأمر كذلك فان ابن أبى وأصحابه أرسلوا الى بنى النضير وذلك سرا ثم اخلفوهم يعنى ان ابن أبى أرسل إليهم لا تخرجوا من دياركم واقيموا في حصونكم فان معى ألفين من قومى وغيرهم من العرب يدخلون حصنكم ويموتون عن آخر هم قبل أن يوصل إليكم وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان فطمع بنوا النضير فيما قاله اللعين وهو جالس فى بيته حتى قال أحد سادات بنى النضير وهو سلام بن مشكم لحيى بن أخطب الذي كان هو المتولى لامر بنى النضير والله يا حيي ان قول ابن ابى لباطل وليس بشيء وانما يريد أن يورطك في الهلكة حتى تحارب محمدا فيجلس في بيته ويتركك فقال حيى نأبى إلا عداوة محمد والا قتاله فقال سلام فهو والله جلاؤنا من ارضنا وذهاب أموالنا وشرفنا وسبى ذرارينا مع قتل مقاتلينا فكان ما كان كما سبق في أول السورة وفيه حجة بينة لصحة النبوة واعجاز القرآن اما الاول فلانه أخبر عما سيقع فوقع كما اخبر وذلك لان نزول الآية مقدم على الواقعة وعليه يدل النظم فان كلمة ان للاستقبال واما الثاني فمن حيث الاخبار عن الغيب وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ على الفرض والتقدير لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ فرارا وانهزاما جمع دبر ودبر الشيء خلاف القبل اى الخلف وتولية الأدبار كناية عن الانهزام الملزوم لتولية الأدبار قال في تاج المصادر التولية روى فرا كردن و پشت بگردانيدن وهى من الاضداد ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ اى المنافقون بعد ذلك اى يهلكهم الله ولا ينفعهم نفاقهم لظهور كفرهم بنصرهم اليهود أو لينهزمن اليهود ثم لا تنفعهم نصرة المنافقين وفي الآية تنبيه على ان من عصى الله ورسوله وخالف الأمر فهو مقهور في الدنيا والآخرة وان كان سلطانا ذامنعة وما يقع أحيانا من الفرصة فاستدراج وغايته الى الخذلان
صعوه كوبا عقاب سازد جنك ... دهد از خون خود پرش رارنك
واشارة الى ان الهوى وصفاته كالمنافقين والنفس الكافرة واتباعها كاليهود وبينهما اخوة وهى الظلمة الذاتية والصفاتية وبين حقائقهما وحقائق الروح والسر والقلب تنافر كتنافر النور والظلمة فالهوى وصفاته يقولون للنفس وصفاتها لان أخرجكم الروح والسر والقلب من ديار وجوداتكم وأنانياتكم بسبب غلبة أنوارهم على ظلمات وجوداتكم لنخرجن معكم ولا تخالفكم وان قوتلتم بسيف الرياضة ورمح المجاهدة نقويكم بالقوى الشهوانية الحيوانية البهيمية السبعية وهم لا يقدرون على شيء بغير اذن الله فهم كاذبون في قولهم ولا يخرج الهوى وصفاته معهم لان الهوى والنفس وان كان متحدين بالذات لكنهما مختلفان بالصفات كاختلاف زيد وعمرو في الصفات واتحادهما في الذات وهو الانسانية وارتفاع أحدهما لا يستلزم ارتفاع الآخر والهوى بسبب غلبة روحانية القالب عليه يميل الى الروح تارة وبسبب غلظته ايضا يميل الى النفس اخرى فلا ينصر النفس دائما ولئن نصرها بنفخ نار الظلمة(9/439)
لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)
فى حطب وجودها لينهزم بسبب سطوات أشعة أنوار الروح والسر والقلب انهزام النور من الظلمة ونفار الليل من النهار ألا ان حزب الله هم الغالبون لَأَنْتُمْ يا معشر المسلمين وبالفارسية هر آينه شما كه مؤمنانيد أَشَدُّ رَهْبَةً الرهبة مخافة مع تحزن واضطراب وهى هنا مصدر من المبنى للمفعول وهو رهب اى أشد مرهوبية وذلك لان أنتم خطاب للمسلمين والخوف ليس واقعا منهم بل من المنافقين فالمخاطبون مرهوبون غير خائفين فِي صُدُورِهِمْ اى صدور المنافقين مِنَ اللَّهِ اى من رهبة الله بمعنى مرهوبيته قال في الكشاف قوله في صدورهم دال على نفاقهم يعنى انهم يظهرون لكم في العلانية خوف الله وأنتم اهيب في صدورهم من الله فان قلت كأنهم كانوا يرهبون من الله حتى يكون رهبتهم منه أشد قلت معناه ان رهبتهم في السر منكم أشد من رهبتهم من الله التي يظهر ونهالكم وكانوا يظهرون رهبة شديدة من الله يقول الفقير انما رهبوا من المؤمنين لظهور نور الله فيهم فكما ان الظلمة تنفر من النور ولا تقاومه فكذا أهل الظلمة ينفر من أهل النور ولا يقوم معه ومرادنا بالظلمة ظلمة الشرك والكفر والرياء والنفاق وبالنور نور التوحيد والايمان والإخلاص والتقوى ولذلك قال تعالى اعلموا ان الله مع المتقين حيث ان الله تعالى اثبت معيته لأهل التقوى فنصرهم على مخالفيهم ذلِكَ اى ما ذكر من كون رهبتهم منكم أشد من رهبة الله بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ اى شيأ حتى يعلموا عظمة الله تعالى فيخشوه حق خشيته قال يعض الكبار ليس العظمة بصفة للحق تعالى على التحقيق وانما هى صفة للقلوب العارفة به فهى عليها كالردآء على لابسه ولو كانت العظمة وصفا للعظيم لعظم كل من رأه ولم يعرفه وفي الحديث (ان الله يتجلى يوم القيامة لهذه الامة وفيها منافقوها فيقول أنا ربكم فيستعيذون به منه ولا يجدون له تعظيما وينكرونه لجهلهم به فاذا تجلى لهم في العلامة التي يعرفونه بها وجدوا عظمته في قلوبهم وخرواله ساجدين والحق إذا تجلى لقلب عبد ذهب منه اخطار الأكوان وما بقي إلا عظمة الحق وجلاله وفيه تنبيه على ان من علامات الفقه أن يكون خوف العبد من الله أشد من خوفه من الغير وتقبيح لحال اكثر الناس على ما ترى وتشاهد قال عليه السلام من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين قال بعض العارفين الفقيه عند أهل الله هو الذي لا يخاف الا من مولاه ولا يراقب الا إياه ولا يلتفت الى ما سواه ولا يرجو الخير من الغير ويطير في طلبه طيران الطير قال بعض الكبار لا ينقص الكمل من الرجال خوفهم من سبع او ظالم او نحو ذلك لان الجزع في النشأة الإنسانية أصلي فالنفوس ابدا مجبولة على الخوف ولذة الوجود بعد العدم لا يعدلها لذة وتوهم العدم العيني له ألم شديد في النفوس لا يعرف قدره الا العلماء بالله فكل نفس تجزع من العدم أن يلحق بها او بما يقاربها وتهرب منه وترتاع وتخاف على ذهاب عينها فالكامل أضعف الخلق فى نفسه لما يشهده من الضعف في تألمه بقرصة برغوث فهو آدم ملئان بذله وفقره مع شهوده أصله علما وحالا وكشفا ولذلك لم يصدر قط من رسول ولا نبى ولاولى كامل في وقت حضوره انه ادعى دعوى تناقض العبودية ابدا لا يُقاتِلُونَكُمْ اى اليهود والمنافقون بمعنى لا يقدرون(9/440)
على قتالكم ولا يجترئون عليه جَمِيعاً اى مجتمعين متفقين في موطن من المواطن إِلَّا فِي قُرىً جمع قرية وهى مجتمع الناس للتوطن مُحَصَّنَةٍ محكمة بالدروب والخنادق وما أشبه ذلك قال الراغب اى مجعولة بالاحكام كالحصون أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ دون أن يحضروا لكم ويبارزوكم اى يشافهوكم بالمحاربة لفرط رهبتهم جمع جدار وهو كالحائط الا ان الحائط يقال اعتبارا بالاحاطة بالمكان والجدار يقال اعتبارا بالنتو والارتفاع ولذا قيل جدر الشجر إذا خرج ورقه كأنه حمص وجدر الصبى إذا خرج جدريه تشبيها بجدر الشجر بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ استئناف سيق لبيان ان ما ذكر من رهبتهم ليس لضعفهم وجبنهم في أنفسهم فان بأسهم وحربهم بالنسبة الى اقرانهم شديد وانما ضعفهم وجبنهم بالنسبة إليكم بما قذف الله فى قلوبهم من الرعب وايضا ان الشجاع يجبن والعزيز يذل إذا حارب الله ورسوله قال في كشف
الاسرار إذا أراد الله نصرة قوم استأسد أرنبهم وإذا أراد الله قهر قوم استرنب أسدهم
اگر مردى از مردى خود مكوى ... نه هر شهسوارى بدر بدر كوى
ان قيل ان البأس شدة الحرب فما الحاجة الى الحكم عليه بشديد أجيب بأنه أريد من البأس هنا مطلق الحرب فاخبر بشدته لتصريح الشدة او أريد المبالغة في إثبات الشدة لبأسهم مبالغة فى شدة بأس المؤمنين لغلبته على بأسهم بتأييد الله ونصرته لهم عليهم والظرف متعلق بشديد والتقديم للحصر ويجوز أن يكون متعلقا بمقدر صفة او حالا اى بأسهم الواقع بينهم او واقعا بينهم فقولهم الظرف الواقع بعد المعرفة يكون حالا البتة ليس بمرضى فان الامرين جائزان بل قد ترحج الصفة تَحْسَبُهُمْ يا محمد او يأكل من يسمع ويعقل جَمِيعاً مجتمعين متفقين ذوى ألفة واتحاد وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى اى والحال ان قلوبهم متفرقة لا الفة بينها فهم بخلاف من وصفهم بقوله ولكن الله ألف بينهم جمع شتيت كمرضى ومريض وبالفارسية پراكنده و پريشان يقال شت يشت شتا وشتاتا وشتيتا فرق وافترق كانشت وتشتت وجاؤا أشتاتا اى متفرقين فى النظام وفي الآية تشجيع لقلوب المؤمنين على قتالهم وتجسير لهم وان اللائق بالمؤمن الاتفاق والاتحاد صورة ومعنى كما كان المؤمنون متفقين في عهد النبي عليه السلام ويقال الاتفاق قوة والافتراق هلكة والعدو إبليس يظفر في الافتراق بمراده قال سهل أهل الحق مجتمعون ابدا موافقون وان تفرقوا بالأبدان وتباينوا بالظواهر واهل الباطل متفرقون ابدا وان اجتمعوا بالأبدان وتوافقوا بالظواهر لان الله تعالى يقول تحسبهم إلخ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ اى ما ذكر من تشتت قلوبهم بسبب انهم قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ اى لا يعقلون شيأ حتى يعرفوا الحق ويتبعوه وتطمئن به قلوبهم وتتحد كلمتهم ويرموا عن قوس واحدة فيقعون في تيه الضلال وتتشتت قلوبهم حسب تشتت طرقه وتفرق فنونه وتشتت القلوب يوهن قواهم لان صلاح القلب يؤدى الى صلاح الجسد وفساده الى فساده كما قالوا كل اناء يترشح بما فيه اعلم ان الله تعالى ذم الكفار في القرآن بكل من عدم الفقه والعلم والعقل قال الراغب الفقه هو التوصل الى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم والعلم ادراك الشيء بحقيقته وهو نظرى وعملى وايضا عقلى وسمعى والعقل يقال للقوة المتهيئة لقبول العلم ويقال للعلم الذي يستفيده الإنسان بتلك(9/441)
كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)
القوة عقل ولهذا قال امير المؤمنين على رضى الله عنه وان العقل عقلان فمسموع ومطبوع ولا ينفع مطبوع إذا لم يك مسموع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع والى الاول أشار عليه السلام بقوله ما خلق الله شيأ أكرم عليه من العقل والى الثاني أشار بقوله ما كسب أحد شيأ أفضل من عقل يهديه الى هدى او يرده عن ردى وهذا العقل هو المعنى بقوله وما يعقلها الا العالمون وكل موضع ذم الكفار بعدم العقل فاشارة الى الثاني دون الاول وكل موضع رفع التكليف عن العبد لعدم العقل فاشارة الى الاول انتهى وفي الحديث العقل نور في القلب يفرق به بين الحق والباطل وعن انس رضى الله عنه قيل يا رسول الله الرجل يكون حسن العقل كثير الذنوب قال وما من آدمي الا وله ذنوب وخطايا يقترفها فمن كان سجيته العقل وغريزته اليقين لم تضره ذنوبه قيل كيف ذلك يا رسول الله قال لانه كلما اخطأ لم يلبث أن يتدارك ذلك بتوبة وندامة على ما كان منه فيمحو ذنوبه ويبقى له فضل يدخل به الجنة وعنه ايضا رضى الله عنه أثنى قوم على رجل عند رسول الله حتى بالغوا في الثناء بخصال الخير فقال رسول الله كيف عقل الرجل فقالوا يا رسول الله نخبرك عنه باجتهاده في العبادة واصناف الخير وتسألنا عن عقله فقال نبى الله ان الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر وانما يرتفع العباد غدا فى الدرجات وينالون الزلفى من ربهم على قدر عقولهم قال على بن عبيدة العقل ملك والخصال رعية فاذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها فسمعه أعرابي فقال هذا الكلام يقطر عسله وقال بعضهم إذا كمل العقول نقص الفضول اى لان العقل يعقله ويمنعه عما لا يعنيه كل شيء إذا اكثر رخص غير العقل فانه إذ اكثر غلا وقال أعرابي لو صور العقل لا ظلمت معه الشمس ولو صور الحمق لاضاء معه الليل فالعقل أنور شيء والحمق أظلمه وقبل العاقل يعيش بعقله حيث كان كما يعيش الأسد بقوته اى ففى العقل قوة شجاعة الأسد ويعلم منه بالمقايسة ان في الحمق ضعف حال الأرنب ونحوه
كشتى بي لنكر آمد مردشر ... كه ز باد كژ نيابد او حذر
لنكر عقلست عاقل را أمان ... لنكرى در يوزه كن از عاقلان
كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ خبر مبتدأ محذوف تقديره مثلهم اى مثل المذكورين من اليهود والمنافقين وصفتهم العجيبة وحالهم الغريبة كمثل أهل بدر وهم مشركوا اهل مكة او كمثل بنى قينقاع على ما قيل انهم اخرجوا قبل بنى النضير وبنوا قينقاع مثلثة النون والضم أشهر كانوا أشجع اليهود وأكثرهم أموالا فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغي والحسد ونبذوا العهد كبنى النضير فأخرجهم رسول الله من المدينة الى الشام اى لان قريتهم كانت من أعمالها ودعا عليهم فلم يدر الحول عليهم حتى هلكوا أجمعون وقد عرفت قصتهم في الجلد الاول قَرِيباً انتصابه بمثل إذ التقادير كوقوع مثل الذين إلخ يعنى بدلالة المقام لا لاقتضاء الأقرب اى في زمان قريب قال مجاهد كانت وقعة بدر قبل غزوة بنى النضير بستة أشهر فلذلك قال قريبا فتكون قبل وقعة أحد وقيل بسنتين فتكون تلك الغزوة(9/442)
كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17)
فى السنة الرابعة لان غزوة بنى النضير كانت بعد أحد وهى كانت بعد بدر بسنة ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ قال الراغب الوبل والوابل المطر الثقيل القطار ولمراعاة الثقل قيل للامر الذي يخاف ضرره وبال وطعام وبيل والأمر واحد الأمور لا الأوامر اى ذاقوا سوء عاقبة كفرهم في الدنيا وهو عذاب القتل ببدر وكانت غزوة بدر في رمضان من السنة الثانية من الهجرة قبل غزوة بنى النضير وَلَهُمْ فى الآخرة عَذابٌ أَلِيمٌ مؤلم لا يقادر قدره حيث يكون ما في الدنيا بالنسبة اليه كالذوق بالنسبة الى الاكل والمعنى ان حال هؤلاء كحال أولئك في الدنيا والآخرة لكن لا على ان حال كلهم كحالهم بل حال بعضهم الذين هم اليهود كذلك واما حال المنافقين فهو ما نطق به قوله تعالى كَمَثَلِ الشَّيْطانِ فانه خبر ثان للمبتدأ المقدر مبين لحالهم متضمن لحال اخرى لليهود وهى اغترارهم بمقالة المنافقين اوله وخيبتهم آخرا وقد أجمل في النظم الكريم حيث أسند كل من الخبرين الى المقدر المضاف الى ضمير الفريقين من غير تعيين ما أسند اليه بخصوصه ثقة بأن السامع يرد كلا من المثلين الى ما يماثله كأنه قيل مثل اليهود في حلول العذاب بهم كمثل الذين من قبلهم ومثل المنافقين في إغرائهم إياهم على القتال حسبما حكى عنهم كمثل الشيطان إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ قول الشيطان مجاز عن الإغواء والإغراء اى اغراه على الكفر إغراء الآمر المأمور على المأمور به فَلَمَّا كَفَرَ الإنسان المذكور إطاعة لاغوائه وتبعا لا هوائه قالَ الشيطان إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ اى بعيد عن عملك وأملك غير راض بكفرك وشركك وبالفارسية من بيزارم از تو يقال برئ يبرأ فهو بريئ واصل البرء والبراءة والتبري التفصى مما يكره مجاورته قال العلماء ان أريد بالإنسان الجنس فهذا التبري من الشيطان يكون يوم القيامة كما ينبئ عنه قوله تعالى إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ وان أريد ابو جهل على أن يكون اللام للعهد فقوله تعالى اكفر اى دم على الكفر پس چون بر آن ثبات ورزيد ونهال شرك در زمين دل او استحكام يافت قال انى إلخ عبارة عن قول إبليس له يوم بدر لا غالب لكم اليوم من الناس وانى جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال انى بريئ منكم انى أرى ما لا ترون انى أخاف الله والله شديد العقاب يعنى لما قاتلوا ورأى إبليس جبرائيل مع محمد عليهما السلام خافه فتبرأ منهم وانهزم قال بعضهم هذا من كذبات اللعين وانه لو خاف حقيقة وقال صدقا لما استمر على ما ادى الى الخوف بعد ذلك كيف وقد طلب الانظار الى البعث للاغوآء وقال أبو الليث قال ذلك على وجه الاستهزاء ولا بعد ان يقول له ليوقعه في الحسرة والحرقة انتهى يقول الفقير الظاهر ان الشيطان يستشعر في بعض المواد جلال الله تعالى وعظمته فيخافه حذرا من المؤاخذة العاجلة وان كان منظرا ولا شك ان كل أحد يخاف السطوة الالهية عند طهور اماراتها ألا ترى الى قوله تعالى وظنوا انهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين على ان نحو قاطع الطريق وقاتل النفس ربما فعل ما فعل وهو خائف من الأخذ فَكانَ عاقِبَتَهُما اى عاقبة الشيطان وذلك الإنسان وهو بالنصب(9/443)
على انه خبر كان واسمها قوله أَنَّهُما فِي النَّارِ وقرئ بالعكس وهو أوضح خالِدَيْنِ فِيها مقيمين لا يبرحان وهو حال من الضمير المقدر في الجار والمجرور المستقر وروى خالدان على انه خبر أن وفي النار لغو لتعلقه بخالدان وَذلِكَ اى الخلود في النار جَزاءُ الظَّالِمِينَ على الإطلاق دون هؤلاء خاصة وقال بعض أهل التفسير المراد بالإنسان برصيصا الراهب من بنى إسرائيل در روزگار فترت صومعه ساخته بود هفتاد سال در ان صومعه مجاور كشته وخدايرا پرستيده وإبليس در كار وى فرو مانده روزى مرده شياطين را جمع كرد وكفت من يكفينى امر هذا الرجل يكى كفت من اين كار كفايت كنم ومراد تو از وى حاصل كنم بدر صومعه وى رفت برزى راهبان ومتعبدان كفت مرد را هم عزلت وخلوت مى طلبم ترا چهـ زيان اگر من بصحبت تو بيايم ودر خلوت خدايرا عبادت كنم برصيصا بصحبت وى تن در نداد وكفت انى لفى شغل عنك يعنى مرا در عبادت الله چندان شغلست كه پرواى صحبت تو نيست وعادت
برصيصا آن بود كه چون در نماز شدى ده روز از نماز بيرون نيامدى وروزه دار بود وهر ده روز إفطار كردى شيطان برابر صومعه وى در نماز ايستاد وجهد وعبادت خود بر جهد وعبادت برصيصا بيفزود چنانكه بچهل روز از نماز بيرون نيامدى وبهر چهل روز إفطار كردى آخر برصيصا او را بخود راه داد چون آن عبادت وجهد فراوان وى ديد وخود را در جنب وى قاصر ديد آنكه شيطان بعد از يك سال كفت مرا رفيقى ديكر است وظن من چنان بود كه تعبد واجتهاد تو از وى زيادتست اكنون كه ترا ديدم نه چنانست كه مى پنداشتم وبا نزديك وى ميروم برصيصا مفارقت وى كراهيت داشت وبصحبت وى رغبتى تمام مى نمود شيطان كفت مرا ناچارست رفتن اما ترا دعايى آموزم كه بيمار ومبتلى وديوانه كه بر وى خوانى در وقت الله تعالى او را شفا دهد وترا اين به باشد از هزار عبادت كه كنى كه خلق خدايرا از تو نفع بود وراحت برصيصا كفت اين نه كار منست كه آنكه از وقت ورد خود باز مانم وسيرت وسيريرت من در شغل مردم شود شيطان تا آنكه ميكوشيد كه آن دعا ويرا در آموخت واو را بر سر آن شغل داشت شيطان از وى باز كشت وبا إبليس كفت والله لقد أهلكت الرجل پس برفت ومردى را تحنيق كرد چنانكه ديو با مردم كند آنكه بصورت طبيبى بر آمد بر در آن خانه كفت ان بصاحبكم جنونا فأعالجه چون او را ديد كفت انى لا أقوى على جنه يعنى من با ديو او بر نيايم لكن شما را رشاد كنم بكسى كه او را دعا كند در وقت شفا يابد واو برصيصاى راهب است كه در صومعه نشيند او را بر وى بردند ودعا كرد وآن ديو از وى باشد وصحت يافت پس اين شيطان برفت وزنى را از دختران ملوك بنى إسرائيل رنجه وديوانه كرد وآن زن جمال با كمال داشت واو را سه برادر بودند شيطان بصورت طبيب پيش ايشان رفت وآن دختر را بوى نمودند كفت ان الذي عرض لها مارد لا يطاق ولكن سأرشدكم الى من يدعو له يعنى بر ان راهب شويد كه دعا كند وشفا يابد كفتند(9/444)
ترسيم كه فرمان ما نبرد كفت صومعه سازيد در جنب صومعه وى وزن را در ان صومعه بخابانيد وبا وى كوييد اين امانت است بنزديك تو نهاديم وما رفتيم از بهر خدا واميد ثواب نظر از وى بازمگير ودعايى كن تا شفا يابد ايشان همچنان كردند وراهب از صومعه خود بزير آمد واو را ديد زنى بغايت جمال واز جمال وى در فتنه افتاد شيطان او را آن ساعت وسوسه كرد كه واقعها ثم تب زيرا كه در توبه كشاده ورحمت خدا فراوانست راهب بفرمان شيطان كام خود از وى برداشت وزن بار كرفت راهب پشيمان كشت واز فضيحت ترسيد همان شيطان در دل وى افكند كه اين زن را ببايد كشت و پنهان بايد كرد چون برادران آيند كويم كه ديو او را ببرد وايشان مرا براست دارند واز فضيحت ايمن كردم آنكه از زنا واز قتل توبه كنم برصيصا او را كشت ودفن كرد چون برادران آمدند وخواهر را نديدند كفت جاء شيطانها فذهب بها ولم أقو عليه ايشان او را راست داشتند وبازگشتند شيطان آن برادرانرا بخواب نمود كه راهب خواهر شما كشت ودر فلان جايكه دفن كرد سه شب پياپى ايشانرا چنين خواب مى نمود تا ايشان رفتند وخواهر را كشته از خاك برداشتند برادران او را از صومعه بزير آوردند وصومعه خراب كردند واو را پيش پادشاه وقت بردند تا بفعل وكناه خود مقر آمد و پادشاه بفرمود تا او را بردار كنند آن ساعت شيطان برابر وى آمد وكفت اين همه ساخته وآراسته منست اگر آنچهـ من فرمايم بجاى آرى ترا نجات وخلاص پديد آيد كفت هر چهـ فرمايى ترا اطاعت كنم كفت مرا سجده بكن آن بدبخت او را سجده كرد وكافر كشت واو را در كفر بر دار كردند وشيطان آنكه كفت انى برئ منك انى أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما يعنى الشيطان وبرصيصا
العابد كان آخر أمرهما انهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين
خيالات نادان خلوت نشين ... بهم بر كند عاقبت كفر ودين
كزو دست بايد كزو بر خورى ... نبايد كه فرمان دشمن برى
پى نيك مردان ببايد شتافت ... كه هر كين سعادت طلب كرد يافت
وليكن تو دنبال ديو خسى ... ندانم كه در صالحان كى رسى
والمراد من هذا الشيطان هو الشيطان الأبيض الذي يأتى الصلحاء في صورة الحق (قال الكاشفى) آن بى سعادت بعد از عبادت هفتاد سال بورطه شقاوت أبدى گرفتار گشت
غافل مشو كه مركب مردان مرد را ... در سنكلاخ وسوسه پيها بريداند
وفي زهرة الرياض غير الله الايمان على برصيصا بعد ما عبد الله مائتين وعشرين سنة لم يعص الله فيها طرفة عين وكان ستون ألفا من تلامذته يمشون في الهولء ببركته وعبد الله حتى تعجبت الملائكة من عبادته قال الله تعالى لهم لماذا تتعجبون منه انى لاعلم ما لا تعلمون ففى علمى انه يكفر ويدخل النار ابدا فسمع إبليس وعلم ان هلاكه على يده فجاء الى صومعته على شبه عابد(9/445)
وقد لبس المسح فناداه فقال له برصيصا من أنت وما تريد قال انا عابد أكون لك عونا على عبادة الله قال له برصيصا من أراد عبادة الله فالله يكفيه صاحبا فقام إبليس يعبد الله ثلاثة ايام ولم يأكل ولم يشرب قال برصيصا انا أفطر وأنام وآكل واشرب وأنت لا تأكل ثم قال انى عبدت الله مائتين وعشرين سنة فلا أقدر على ترك الأكل والشرب قال إبليس انا أذنبت ذنبا فمتى ذكرته يتنغص على النوم والأكل والشرب قال برصيصا ما حيلتى حتى أصير مثلك قال اذهب واعص الله ثم تب اليه فانه رحيم حتى تجد حلاوة الطاعة قال كيف أعصيه بعد ما عبدته كذا وكذا سنة قال إبليس الإنسان إذا أذنب يحتاج الى المعذرة قال اى ذنب تشير به قال الزنى قال لا أفعله قال أن تقتل مؤمنا قال لا أفعله قال اشرب الخمر المسكر فانه أهون وخصمك الله قال ابن أجده قال اذهب الى قرية كذا فذهب فرأى امرأة جميلة تبيع خمرا فاشترى منها الخمر وشربها وسكر وزنى بها فدخل عليهما زوجها فضربه وقتله ثم ان إبليس تمثل في صورة الإنسان وسعى به الى السلطان فأخذه وجلده للخمر ثمانين جلدة وللزنى مائة وامر بالصلب لاجل الدم فلما صلب جاء اليه إبليس في تلك الصورة قال كيف ترى حالك قال من أطاع قرين السوء فجزآؤه هكذا قال إبليس كنت في بلائك مائتين وعشرين سنة حتى صلبتك فلو أردت النزول انزلتك قال أريد وأعطيك ما تريد قال اسجد لى مرة واحدة قال كيف اسجد على الخشب قال اسجد بالإيماء فسجد وكفر فذلك قوله تعالى كمثل الشيطان إلخ قال ابن عطية هذا اى كون المراد بالإنسان برصيصا العابد ضعيف والتأويل الاول هو وجه الكلام وفي القصة تحذير عن فتنة النساء (روى) انه عليه السلام كان يصلى في بيت أم سلمة رضى الله عنها فقام عمر بن أم سلمة ليمر بين يديه فأشار اليه ان قف فوقف ثم قامت زينب بنت أم سلمة لتمر بين يديه فأشار إليها أن قفى فأبت ومرت فلما فرغ من صلاته نظر إليها وقال ناقصات العقل ناقصات الدين صواحب يوسف صواحب كرسف يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام قال الخبازى في حواشى الهداية قال مولانا حميد الدين رحمه الله كرسف اسم زاهد وقع في الفتنة بسبب امرأة وقال المطرزي فى المغرب كرسف رجل من زهاد بنى إسرائيل كان يقوم الليل ويصوم النهار فكفر بسبب امرأة عشقها ثم تداركه الله بما سلف منه فتاب عليه هكذا في الفردوس ومنه الحديث صاحبات يوسف صاحبات كرسف انتهى قال ابن عباس رضى الله عنهما وكانت الرهبان فى بنى إسرائيل لا يمشون الا بالتقية والكتمان وطمع أهل الفجور والفسق في الاخبار فرموهم بالبهتان والقبيح حتى كان امر جريج الراهب فلما برأه الله مما رموه به انبسطت بعدها الرهبان وظهروا للناس وفي الحديث (كان جريج رجلا عابدا فاتخذ صومعة وكان فيها فأتته امه وهو يصلى فقالت يا جريج فقال اى بقلبه اى رب أمي وصلاتى فاقبل على صلاته فانصرفت فلما كان الغداة وهو يصلى فقالت يا جريج فقال اى رب أمي وصلاتى فأقبل على صلاته فانصرفت فلما كان الغداة فقالت يا جريج فقال اى رب أمي وصلاتى فأقبل على صلاته فقالت اللهم لا تمته حتى ينظر الى وجوه المومسات فتذاكر بنو إسرائيل جريجا(9/446)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)
وعبادته وكانت امرأة بغى يتمثل بحسنها فقالت اى شئتم لا فتننه لكم قال اى النبي عليه السلام فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعيا كان يأوى الى صومعته فامكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت هو من جريج فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه فقال ما شأنكم فقالوا زنيت بهذه البغي فولدت منك فقال أين الصبى فجاؤا به فقال دعونى حتى أصلى فصلى فلما انصرف أتى بالصبي فطعن في بطنه وقال يا غلام من أبوك فقال فلان الراعي قال اى النبي عليه السلام فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا له نبنى لك صومعتك من ذهب قال لا أعيدوها من طين كما كانت ففعلوا وبينا صبى يرضع من امه فمر رجل راكبا على دابة فارهة وهيئته حسنة فقالت امه اللهم اجعل ابني مثل هذا فترك الثدي وأقبل عليه فنظر اليه فقال اللهم لا تجعلنى مثله ثم اقبل على ثديه فجعل يرتضع قال اى الراوي وهو أبو هريرة رضى الله عنه فكأنى انظر الى رسول الله عليه السلام وهو يحكى ارتضاعه بأصبعه السبابة في فمه فجعل يمصها قال اى النبي عليه السلام ومر بجارية وهم يضربونها ويقولون زنيت سرقت وهى تقول حسبى الله ونعم الوكيل فقالت امه اللهم لا تجعل ابني مثلها فترك الرضاع ونظر إليها فقال اللهم اجعلنى مثلها فهناك تراجعا الحديث فقالت امه قد مر رجل حسن الهيئة فقلت اللهم اجعل ابني مثله فقلت اللهم لا تجعلنى مثله ومروا بهذه الامة وهم يضربونها ويقولون زنيت سرقت فقلت اللهم لا تجعل ابني مثلها فقلت اللهم اجعلنى مثلها قال اى الرضيع ان ذاك الرجل كان جبارا فقلت اللهم لا تجعلنى مثله وان هذه يقولون لها زنيت سرقت ولم تزن ولم تسرق فقلت اللهم اجعلنى مثلها انتهى الحديث وفيه اشارة الى انه ينبغى للمؤمن أن لا يمد عينيه الى زخارف الدنيا ولا يدعو الله فيما لا يدرى اهو خير له أم شر بل ينبغى له أن يطلب منه البراءة من السوء وخير الدارين كما قال تعالى ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار نسأل الله سبحانه العفو والعافية مطلقا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ايمانا خالصا اتَّقُوا اللَّهَ فى كل ما تأتون وما تذرون فتحرزوا عن العصيان بالطاعة وتجنبوا عن الكفران بالشكر وتوقوا عن النسيان بالذكر واحذروا عن الاحتجاب عنه بأفعالكم وصفاتكم بشهود أفعاله وصفاته وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ ما شرطية اى اى شيء قدمت من الأعمال ليوم القيامة تا اگر تقديم خيرات وطاعات كند شكرگزارى نمايد ودر زيادتى آن كوشد واگر معاصى فرستاده توبه كند و پشيمان شود عبر عن يوم القيامة بالغد لدنوه لان كل آت قريب يعنى سماه باليوم الذي يلى يومك تقريبا له وعن الحسن رحمه الله لم يزل يقربه حتى جعله كالغد ونحوه قوله تعالى كأن لم تغن بالأمس يريد تقريب الزمان الماضي او عبر عنه به لان الدنيا اى زمانها كيوم والآخرة كغده لاختصاص كل منهما بأحوال واحكام متشابهة وتعقيب الثاني الاول فقوله لغد استعارة يقول الفقير انما كانت الآخرة كالغد لان الناس في الدنيا نيام ولا انتباه الا عند الموت الذي هو مقدمة القيامة كما ورد به الخبر فكل من الموت والقيامة كالصباح بالنسبة الى الغافل كما ان الغد صباح بالنسبة الى النائم في الليل ودل هذا على ان الدنيا ظلمانية والاخرة نورانية(9/447)
وتنكيره لتفخيمه وتهويله كأنه قيل لغد لا يعرف كنهه لغاية عظمه وأصله غدو حذفوا الواو بلا عوض واستشهد عليه بقول لبيد
وما الناس الا كالديار وأهلها ... بها يوم حلوها وغدوا بلاقع
إذ جاء به على أصله والبيت من أبيات العبرة واما تنكير نفس فلاستقلال الأنفس النواظر فيما قد من لذلك اليوم الهائل كأنه قيل ولتنظر نفس واحدة في ذلك قال بعضهم الاستقلال يكون بمعنى عد الشيء قليلا وبمعنى الانفراد في الأمر فعلى الاول يكون المراد استقلال الله النفوس الناطقة كما قال تعالى لكن اكثر الناس لا يعلمون ولكن أكثرهم يجهلون فكأنه أقيم الأكثر مقام الكل مبالغة فأمر على الوحدة فلا يضره وجود النفس الكاملة العاقلة الناظرة الى العواقب بالنظر الصائب والرأى الثاقب وعلى الثاني يكون المراد انفراد النفوس في النظر واكتفاءها فيه بدون انضمام نظر الاخرى في الاطلاع على ما قدمت
خيرا او شرا قليلا او كثيرا وجودا او عدما وفيه حث عظيم
جهل من وعلم تو فلك را چهـ تفاوت ... آنجا كه بصر نيست چهـ خوبى و چهـ زشتى
وَاتَّقُوا اللَّهَ تكرير للتأكيد والاهتمام في شأن التقوى واشارة الى ان اللائق بالعبد أن يكون كل امره مسبوقا بالتقوى ومختوما بها او الاول في أداء الواجبات كما يشعر به ما بعده من الأمر بالعمل والثاني في ترك المحارم كما يؤذن به الوعيد بقوله سبحانه إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ اى عالم بما تعملونه من المعاصي فيجزيكم يوم الجزاء عليها ودر كشف الاسرار فرموده كه أول اشارتست بأصل تقوى ودوم بكمال آن يا أول تقواى عوامست وآن پرهيز كرده باشد از محرمات وسوم تقواى خواص وآن اجتناب بود از هر چهـ مادون حقست
اصل تقوى كه زاد اين راهست ... ترك مجموع ما سوى اللهست
والتقوى هو التجنب عن كل ما يؤثم من فعل او ترك وقال بعض البكار التقوى وقاية النفس فى الدنيا عن ترتب الضرر في الآخرة فتقوى العامة عن ضرر الافعال وتقوى الخاصة عن ضرر الصفات وتقوى أخص الخواص عن جميع ما سوى الله تعالى عزيزى كفته است كه دنيا سفالى است وآن نيز در خواب وآخرت نيز جوهرى است يافته در بيدارى مرد نه آنست كه در سفال بخواب ديده متقى شود مرد مردان آنست كه در كوهر در بيدارى يافته متقى شود فلابد من التقوى مع وجود العمل (قال الصائب)
بي عمل دامن تقوى ز مناهى چيدن ... احتراز سك مسلخ بود از شاشه خويش
وفي الآية ترغيب في الأعمال الصالحة وفي لأثران ابن آدم إذا مات قالت الناس ما خلف وقالت الملائكة ما قدم وعن مالك بن دينار رحمه الله مكتوب على باب الجنة وجدنا ما عملنا ربحنا ما قدمنا خسرنا ما خلفنا
بقدر الكد تكتسب المعالي ... ومن الطلب العلى سهر الليالى
(وحكى) عن مالك بن دينار رحمه الله ايضا انه قال دخلت جبانة البصرة فاذا انا بسعدون(9/448)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)
المجنون فقلت له كيف حالك وكيف أنت فقال يا مالك كيف حال من أصبح وأمسى يريد سفرا بعيدا بلا اهبة ولا زاد ويقدم على رب عدل حاكم بين العباد ثم بكى بكاء شديدا فقلت ما يبكيك قال والله ما بكيت حرصا على الدنيا ولا جزعا من الموت والبلى لكن بكيت ليوم مضى من عمرى ولم يحسن فيه عملى أبكاني والله قلة الزاد وبعد المسافة والعقبة الكؤود ولا أدرى بعد ذلك أصير الى الجنة أم الى النار فقلت ان الناس يزعمون انك مجنون فقال وأنت اغتررت بما اغتر به بنو الدنيا زعم الناس انى مجنون ومابى جنة لكن حب مولاى قد خالط قلبى وجرى بين لحمى ودمى فأنا من حبه هائم مشغوف فقلت يا سعدون فلم لا تجالس الناس ولا تخالطهم فأنشد
كن من الناس جانبا ... وارض بالله صاحبا
قلب الناس كيف شئ ... ت تجدهم عقاربا
وفي التأويلات النجمية يا ايها الذي آمنوا بالايمان الحقيقي الشهودى الوجودي اجعلوا الله وقاية نفوسكم في اضافة الكمالات اليه ولتنظر نفس كاملة عارفة بذات الله وصفاته ما هيأت لغد يوم الشهود واتقوا الله عن الالتفات الى غيره ان الله خبير بما تعملون من الإقبال على الله والأدبار عن الدنيا ومن الأدبار عن الله والإقبال على الدنيا انتهى ويدخل في قوله نفس النفوس الجنية لانهم من المكلفين فلهم من التقوى والعمل ما للانس كما عرف في مواضع كثيرة وَلا تَكُونُوا أيها المؤمنون كَالَّذِينَ اى كاليهود والمنافقين فالمراد بالموصول المعهودون بمعونة المقام او الجنس كائنا من كان من الكفار أمواتا او احياء نَسُوا اللَّهَ فيه حذف المضاف اى نسوا حقوقه تعالى وما قدروه حق قدره ولم يراعوا مواجب أموره ونواهيه حق رعايتها فَأَنْساهُمْ بسبب ذلك أَنْفُسَهُمْ اى جعلهم ناسين لها فلم يسمعوا ما ينفعها ولم يفعلوا ما يخلصها فالمضى على أصله او أراهم يوم القيامة من الأهوال ما أنساهم أنفسهم فالمضى باعتبار التحقق قال الراغب النسيان ترك الإنسان ضبط ما استودع اما الضعف قلبه واما عن غفلة او عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره وكل نسيان من الإنسان ذمه الله به فهو ما كان أصله من تعمد وما عذر فيه نحو ما روى عن النبي عليه السلام رفع عن أمتي الخطأ والنسيان فهو ما لم يكن سببه منه فقوله فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا هو ما كان سببه عن تعمد منهم وتركه على طريق الاهانة وإذا نسب ذلك الى الله فهو تركه إياهم استهانة بهم ومجازاة لما تركوه كما قال في اللباب قد يطلق النسيان على الترك ومنه نسوا الله فنسيهم اى تركوا طاعة الله ترك الناسي فتركهم الله وقال بعض المفسرين ان قيل النسيان يكون بعد الذكر وهو ضد الذكر لانه السهو الحاصل بعد حصول العلم فهل كان الكفار يذكرون حق الله ويعترفون بربوبيته حتى ينسوا بعد أجيب بأنهم اعترفوا وقالوا بلى يوم الميثاق ثم نسوا ذلك بعد ما خلقوا والمؤمنون اعترفوا بها بعد الخلق كما اعترفوا قبله بهداية الله وراعوا حقها قل او كثر جل او صغر (سئل ذو النون المصري قدس سره) عن سر ميثاق مقام ألست بربكم هل تذكره فقال كأنه الآن في اذنى ودر نفخات مذكورست كه على سهل اصفهانى(9/449)
لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)
را گفتند كه روز بلى را ياد دارى كفت چون ندارم كويى دى بود شيخ الإسلام خواجه انصارى فرمود كه درين سخن نقص است صوفى رادى وفردا چهـ بود آن روز را هنوز شب در نيامده وصوفى در همان روزست ويدل عليه قوله الآن انه على ما كان عليه ثم ان قوله تعالى ولا تكونوا إلخ تنبيه على ان الإنسان بمعرفته لنفسه يعرف الله فنسيانه هو من نسيانه لنفسه كما قال في فتح الرحمن لفظ هذه الآية يدل على انه من عرف نفسه ولم ينسها عرف ربه وقد قال على رضى الله عنه اعرف نفسك تعرف ربك وقال سهل رحمه الله نسوا الله عند الذنوب فأنساهم الله أنفسهم عند الاعتذار وطلب التوبة ومن لطائف العرفي
ما لب آلوده بهر توبه بگشاييم ليك ... بانك عصيان ميزند ناقوس استغفار ما
أُولئِكَ الناسون المخذولون بالإنساء هُمُ الْفاسِقُونَ الكاملون في الفسوق والخروج عن طريق الطاعة وهم للحصر فأفاد ان فسقهم كان بحيت ان فسق الغير كأنه ليس بفسق بالنسبة اليه فالمراد هنا الكافرون لكن على المؤمن الغافل عن رعاية حق ربوبية الله ومراعاة حظ نفسه من السعادة الابدية والقربة من الحضرة الاحدية خوف شديد وخطر عظيم وفيه اشارة الى ان الذين نسوا الله هم الخارجون عن شهود الحق في جميع المظاهر الجمالية والجلالية وحضوره الداخلون في مقام شهود أنفسهم فمن اشتغل بقضاء حظوظ نفسه نسى طيب العيش مع الله وكان من الغافلين عن اللذات الحقيقية ومن فنى عن شهوات نفسه بقي مع تجليات ربه لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ الذين نسوا الله فاستحقوا الخلود في النار والنار باللام من اعلام جهنم كالساعة للقيامة ولذا كثيرا ما تذكر في مقابلة الجنة كما في هذا المقام وجاء في الشعر
الجنة الدار فاعلم ان عملت بما ... يرضى الإله وان فرطت فالنار
هما محلان ما للناس غير هما ... فانظر لنفسك ماذا أنت تختار
والصحبة في الأصل اقتران الشيء بالشيء في زمان ما قل او كثر وبذلك يكون كل منهما صاحب الآخر وان كانت على المداومة والملازمة يكون كمال الصحبة ويكون الصاحب المصاحب عرفا وقد يطلق على الطرفين حينئذ صاحب ومصاحب ايضا ومن ذلك يكنى عن زوجة بالصاحبة رقد يقال للمالك لكثرة صحبته بمملوكه كما قيل له الرب لوقوع تربية المالك على مملوكه فيقال صاحب المال كما يقال رب المال فاطلاق اصحاب النار واصحاب الجنة على أهلهما اما باعتبار الصحبة الابدية والاقتران الدائم حتى لا يقال للعصاة المعذبين بالنار مقدار ما شاء الله اصحاب النار او باعتبار الملك مبالغة ورمزا الى انهما جزاء لاهلهما باعتبار كسبهما بأعمالهم الحسنة او السيئة وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ الذين اتقوا الله فاستحقوا الخلود في الجنة قال في الإرشاد لعل تقديم اصحاب النار في الذكر للايذان من أول الأمر بأن القصور الذي ينبئ عنه عدم الاستواء من جهتهم لا من جهة مقابليهم فان مفهوم عدم الاستواء بين الشيئين المتفاوتين زيادة ونقصانا وان جاز اعتباره بحسب زيادة الزائد لكن المتبادر اعتباره بحسب نقصان الناقص وعليه قوله تعالى هل يستوى الأعمى والبصير أم هل تستوى الظلمات والنور الى غير ذلك من المواضع واما قوله تعالى هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون فلعل تقديم الفاضل فيه لان صلته(9/450)
لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)
ملكة والاعدام مسبوقة بملكاتها وقال بعضهم قدم اصحاب النار لذكر الذين نسوا الله قبله ولكثرة أهلها ولان أول طاعة اكثر الناس بالخوف ثم بالرجاء ثم بالمحبة في البعض ولا دلالة فى الآية الكريمة على ان المسلم لا يقتص بالكافر وان الكفار لا يملكون أموال المسلمين بالقهر كما هو مذهب الشافعي لان المراد عدم الاستواء في الأحوال الاخروية كما ينبئ عنه التفسير من الفريقين بصاحبية النار وصاحبية الجنة وكذا قوله تعالى أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ فانه استئناف مبين لكيفية عدم الاستواء بين الفريقين فالفوز الظفر مع حصول السلامة اى هم الفائزون بكل مطلوب الناجون من كل مكروه فهم اهل الكرامة في الدارين واصحاب النار أهل الهوان فيهما وفيه تنبيه للناس بأنهم لفرط غلفتهم ومحبتهم العاجلة واتباع الشهوات كأنهم لا يعرفون الفرق بين الجنة والنار وبين أصحابهما حتى احتاجوا الى الاخبار بعدم الاستواء كما تقول لمن يعق أباه هو أبوك تجعله بمنزلة من لا يعرفه فتنبه بذلك على حق الابوة الذي يقتضى البر والتعطف فكذا نبه الله تعالى الناس بتذكير سوء حال أهل النار وحسن حال أهل الجنة على الاعتبار والاحتراز عن الغفلة ورفع الرأس عن المعاصي والتحاشى من عدم المبالاة قال عليه السلام ان أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر الى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة وأكرمهم على الله من ينظر الى وجهه غدوة وعشية ثم قرأ وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة وقال عليه السلام ان أهون اهل النار عذابا من له نعلان وشرا كان من نار يغلى منهما دماغه كما يغلى المرجل ما يرى ان أحدا أشد منه عذابا ورؤى الشيخ الحجازي ليلة يردد قوله تعالى وجنة عرضها السموات والأرض ويبكى فقيل له قد ابكتك آية ما يبكى عند مثلها فقال فما ينفعنى عرضها إذا لم يكن لى فيها موضع قدم وخرج على سهل الصعلوكي من مسخن حمام يهودى في طمر أسود من دخانه فقال ألستم ترون الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فقال سهل على البداهة إذا صرت الى عذاب الله كانت هذه جنتك وإذا صرت الى نعيم الله كانت هذه سجنى فتعجبوا من كلامه (قال الشيخ سعدى)
چوما را بدنيا تو كردى عزيز ... بعقبى همان چشم داريم نيز
عزيزى وخوارى تو بخشى وبس ... عزيز تو خوارى نه بيند ز كس
خدايا بعزت كه خوارم مكن ... بذل كنه شرمسارم مكن
قال بعض اهل الاشارة اصحاب النار في الحقيقة اصحاب المجاهدات الذين احترقوا بنيرانها وأصحاب الجنة أصحاب المواصلات الذين وقعوا في روح المشاهدات وفي الظاهر أصحاب النار أصحاب النفوس والأهواء الذين أقبلوا على الدنيا وأصحاب الجنة اصحاب القلوب والمراقبات قال الحسين النوري قدس سره اصحاب النار اصحاب الرسوم والعادات وأصحاب الجنة أصحاب الحقائق والمشاهدات والمعاينات لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ العظيم الشأن المنزل عليكم أيها الناس المنطوى على فنون القوارع او المنزل عليك يا محمد او على محمد بحسب الالتفات فى الخطاب قال ابن عباس رضى الله عنهما ان السماء أطت يعنى آواز داد من ثقل الألواح لما وضعها الله عليها في وقت موسى فبعث الله لكل حرف منها ملكا فلم يطيقوا حملها فخففها(9/451)
على موسى وكذلك الإنجيل على عيسى والفرقان على محمد عليهم السلام ثم انه لا يلزم فى الاشارة وجود جملة المشار اليه ذى الأبعاض المترتبة وجودا بل يكفى وجود بعض الاشارة حقيقة ووجود بعض آخر حكما ويحتمل أن يكون المشار اليه هنا الآية السابقة من قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إلخ فان لفظ القرآن كما يطلق على المجموع يطلق على البعض منه حقيقة بالاشتراك او باللغة او مجازا بالعلاقة فيكون التذكير باعتبار تذكير المشار اليه عَلى جَبَلٍ من الجبال وهى ستة آلاف وستمائة وثلاثة وسبعون جبلا سوى التلول كما في زهرة الرياض وهى محركة كل وتد للارض عظم وطال فان افنرد فأكمة وقنة بضم القاف واعتبر معانية فاستعير واشتق منه بحسبه فقيل فلان جبل لا يتدحرج تصور المعنى الثبات وجبله الله على كذا اشارة الى ما ركب فيه من الطبع الذي يأبى على الناقل نقله لَرَأَيْتَهُ يا من من شأنه الرؤية او يا محمد مع كونه علما في القسوة وعدم التأثر مما يصادمه خاشِعاً خاضعا ذليلا وهو حال من الضمير المنصوب في قوله لرأيته لانه من الرؤية البصرية قال بعضهم الخشوع انقياد الباطن للحق والخضوع انقياد الظاهر له وقال بعضهم الخضوع في البدن والخشوع في الصوت والبصر قال الراغب الخشوع ضراعة واكثر ما يستعمل فيما يوجد فى الجوارح والضراعة اكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب ولذلك قيل فيما روى إذا ضرع القلب خشعت الجوارح مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ اى متشققا منها أن يعصيه فيعاقبه والصدع شق في الأجسام الصلبة كالزجاج والحديد ونحوهما ومنه استعير الصداع وهو الانشقاق فى الرأس من الوجع قال العلماء هذا بيان وتصوير لعلو شأن القرآن وقوة تأثير ما فيه من المواعظ أريد به توبيخ الإنسان على قسوة قلبه وعدم تخشعه عند تلاوته وقلة تدبره فيه والمعنى لو ركب في الجبل عقل وشعور كما ركب فيكم أيها الناس ثم أنزل عليه القرآن ووعد وأوعد حسب حالكم لخشع وخضع وتصدع من خشية الله حذرا من ان لا يؤدى حق الله تعالى في تعظيم القرآن والامتثال لما فيه من امره ونهيه والكافر المنكر أقسى منه ولذا لا يتأثر أصلا (مصراع) اى دل سنكين تو يك ذره سوهان گير نيست وهو كما تقول لمن تعظه ولا ينجع فيه وعظك لو كلمت هذا الحجر لأثر فيه ونظيره قول الامام مالك للشافعى لو رأيت أبا حنيفة رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية ان يجعلها ذهبا لقامت حجته
دلرا اثر روى توكل پوش كند ... جانرا سخن خوب تو مدهوش كند
آتش كه شراب وصل تو نوش كند ... از لطف تو سوختن فراموش كند
يقول الفقير فيه ذهول عن ان الله تعالى خلق الأشياء كلها ذات حياة وادراك في الحقيقة والا لما اندك الجبل عند التجلي ولما شهد للمؤذن كل رطب ويابس سمع صوته ونحو ذلك وقد كاشف عن هذه الحياة اهل الله وغفل عنها المحجوبون على ما حقيق مرارا نعم فرق بين الجبل عند التجلي وعند ما أنزل عليه القرآن وبينه عند الاستتار وعدم الانزال فان اثر الحياة فى الصورة الاولى محسوس مشاهد للعامة والخاصة واما في الصورة الثانية فمحسوس للخاصة فقط فاعرف وَتِلْكَ الْأَمْثالُ اشارة الى هذا المثل والى أمثاله في مواضع من التنزيل اى(9/452)
هذا القول الغريب في عظمة القرآن ودناءة حال الإنسان وبيان صفتهما العجيبة وسائر الأمثال الواقعة في القرآن فان لفظ المثل حقيقة عرفية في القول السائر ثم يستعار لكل امر غريب وصفة عجيبة الشان تشبيها له بالقول السائر في الغرابة لانه لا يخلو عن غرابة نَضْرِبُها لِلنَّاسِ بيان ميكنيم مر انسانرا قد جاء في سورة الزمر ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل بالأخبار على المضي مع انها مكية وقال هنا نضربها بالاستقبال مع ان السورة مدينة فلعل الاول من قبيل عدما سيحقق مما حقق لتحققه بلا خلف والثاني من قبيل التعبير عن الماضي بالمضارع لاحضار الحال او لارادة الاستمرار على الأحوال بمعنى ان شأننا ان نضرب الأمثال للناس لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ اى لمصلحة التفكر ومنفعة التذكر يعنى شايد كه انديشه كنند در ان وبهره بردارند از ان بايمان ولا يقتضى كون الفعل معللا بالحكمة والمصلحة ان يكون معللا بالغرض حتى تكون أفعاله تعالى معلة بالأغراض إذ الغرض من الاحتياج والحكمة اللطف بالمحتاج وعن بعض العلماء انه قال من عجز عن ثمانية فعليه بثمانية اخرى لينال فضلها من أراد فضل صلاة الليل وهو نائم فلا يعص بالنهار ومن أراد فضل صيام التطوع وهو مفطر فليحفظ لسانه عما لا يعنيه ومن أراد فضل العلماء فعليه بالتفكر ومن أراد فضل المجاهدين والغزاة وهو قاعد في بيته فليجاهد الشيطان ومن أراد فضل الصدقة وهو عاجز فليعلم الناس ما سمع من العلم ومن أراد فضل الحج وهو عاجز فليلتزم الجمعة ومن أراد فضل العابدين فليصلح بين الناس ولا يوقع العداوة ومن أراد فضل الابدال فليضع يده على صدره ويرضى لاخيه ما يرضى لنفسه قال عليه السلام أعطوا أعينكم حظها من العبادة قالوا ما حظها من العبادة يا رسول الله قال النظر في المصحف والتفكر فيه والاعتبار عند عجائبه (وفي المثنوى)
خوش بيان كرد آن حكيم غزنوى ... بهر محجوبان مثال معنوى
كه ز قرآن كرنه بيند غير قال ... اين عجب نبود ز اصحاب ضلال
كز شعاع آفتاب پر ز نور ... غير كرمى مى نيابد چشم كور
وعن ابن عباس رضى الله عنهما ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة بلا قلب وعن الحسن البصري رحمة الله من لم يكن كلامه حكمة فهو لغو ومن لم يكن سكوته تفكرا فهو سهو ومن لم يكن نظره عبرة فهو لهو وعن أبى سليمان رحمه الله الفكرة في الدنيا حجاب عن الآخرة وعقوبة لاهل الولاية والفكرة في الآخرة تورث الحكمة وتحيى القلب وكثيرا ما ينشد سفيان بن عيينة ويقول
إذا المرء كانت له فكرة ... ففى كل شيء له عبرة
والتفكر اما أن يكون في الخالق او الخلق والاول اما في ذاته او في صفاته او في أفعاله اما في ذاته فممنوع لانه لا يعرف الله الا الله الا أن يكون التفكر في ذاته باعتبار عظمته وجلاله وكبريائه من حيث وجوب الوجود ودوام البقاء وامتناع الإمكان والفناء والصمدية التي هى الاستغناء عن الكل واما في صفاته فهو فيها باعتبار كمالها بحيث يحيط علمه بجميع(9/453)
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22)
المعلومات وقدرته بجميع الأشياء وإرادته بجميع الكائنات وسمعه بجميع المسموعات وبصره بجميع المبصرات ونحو ذلك واما في أفعاله فهو فيها بحسب شمولها وكثرتها ومتانتها ووقوعها على الوجه الأتم كل يوم هو في شأن والثاني اما أن يكون فيما كان من العلويات والسفليات او فيما سيكون من اهوال القيامة واحوال الآخرة الى ابد الآباد قال بعض العارفين الفكر اما في آيات الله وصنائعه فيتولد منه المعرفة واما في عظمة الله وقدرته فيتولد منه الحياة واما في نعم الله ومنته فيتولد منه المحبة واما في وعد الله بالثواب فيتولد منه الرغبة في الطاعة واما في وعيد الله بالعقاب فيتولد منه الرهبة من المعصية واما في تفريط العبد في جنب الله فيتولد منه الحياء والندامة والتوبة ومن مهمات التفكر أن يتفكر المتفكر في امر نفسه من مبدأه ومعاشه ومن اطاعته لربه ببدنه ولسانه وفؤاده ولو صرف عمره في فكر نفسه نظرا الى أول أمره وأوسطه وآخره لما أتم وفي الآية اشارة الى ان الله لو تجلى بصورة القرآن الجمعى المشتمل على حروف الموجودات العلوية وكلمات المخلوقات السفلية على جبل الوجود الإنساني لتلاشى من سطوة التجلي والى ان العارف ينبغى أن يذوب تحت الخطاب الإلهي من شدة التأثير والى ان هذه الامة حملوا بهمتهم ما لم تحمله الجبال بقوتها كما قال تعالى فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ هو في اصل وضعه كناية عن المفرد المذكر الغائب وهى كناية عن المفردة المؤنثة الغائبة وكثيرا ما يكنى به عمن لا يتصور فيه الذكورة والأنوثة كما هو هاهنا فانه راجع الى الله تعالى للعلم به ولك أن تقول هو موضوع لمفرد ليس فيه تأنيث حقيقة وحكما وهر لمفرد يكون فيه ذلك وهو مبتدأ خبره لفظة الله بمعنى هو المعبود بالحق المسمى بهذا الاسم الأعظم الدال على جلال الذات وكمال الصفات فلا يلزم أن يتحد المبتدأ والخبر بأن يكون التقدير الله الله إذ لا فائدة فيه او الله بدل من هو والموصول مع صلته خبر المبتدأ او هو اشارة الى الشان والله مبتدأ والذي لا اله الا هو خبره والجملة خبر ضمير الشان ولا في كلمة التوحيد لنفى افراد الجنس على الشمول والاستغراق واله مبنى على الفتح بها مرفوع المحل على الابتداء والمراد به جنس المعبود بالحق لا مطلق جنس المعبود حقا او باطلا وإلا فلا يصح في نفسه لتعدد الآلهة الباطلة ولا يفيد التوحيد الحق والا هو مرفوع على البدلية من محل المنفي او من ضمير الخبر المقدر للا والخبر قد يقدر موجود فيتوهم ان التوحيد يكون باعتبار الوجود لا الإمكان فان نفى وجود اله غير الله لا يستلزم نفى إمكانه وقد يقدر ممكن فيتوهم ان اثبات الإمكان لا يقتضى الوقوع فكم من شيء ممكن لم يقع وقد يقدر لنا فيتوهم انه لا بد من مقدر فيعود الكلام والجواب انه إذا كان المراد بالإله المعبود بالحق كما ذكر فهو لا يكون الا رب العالمين مستحقا لعبادة المكلفين فاذا نفيت الالوهية على هذا المعنى عن غيره تعالى واثبتث له سبحانه يندفع التوهم على التقادير كلها ان قيل ان أراد القائل لا اله الا الله شمول النفي له تعالى ولغيره فهو مشكل نعوذ بالله مع ان الاستثناء يكون كاذبا وان أراد شموله لغيره فقط فلا حاجة الى الاستثناء أجيب بأن مراده في قلبه هو الثاني الا انه يرى التعميم ظاهرا في أول الأمر ليكون الإثبات(9/454)
بالاستثناء آكد في آخر الأمر فالمعنى لا اله غيره وهذا حال الاستثناء مطلقا قال الشيخ أبو القاسم هذا القول وان كان ابتداؤه النفي لكن المراد به الإثبات ونهاية التحقيق فان قول القائل لا أخ لى سواك ولا معين لى غيرك آكد من قوله أنت أخى ومعينى وكل من لا اله الا الله ولا اله الا هو كلمة توحيد لوروده في القرآن بخلاف لا اله الا الرحمن فانه ليس بتوحيد مع ان اطلاق الرحمن على غيره تعالى غير جائز واطلاق هو جائز نعم ان الاولى كونه توحيدا الا انه لم يشتهر به التوحيد أصالة بخلافهما اعلم ان هو من اسماء الذات عند اهل المعرفة لانه بانفراده عن انضمام لفظ آخر اشارة الى الله مستجمع لجميع
الصفات المدلول عليها بالأسماء الحسنى فهو من جملة الاذكار عند الأبرار قال الامام القشيري رحمه الله هو للاشارة وهو عند هذه الطائفة اخبار عن نهاية التحقيق فاذا قلت هو لا يسبق الى قلوبهم غيره تعالى فيكتفون به عن كل بيان يتلوه لاستهلاكهم في حقائق القرب واستيلاء ذكر الحق على أسرارهم وقال الامام الفاضل محمد بن أبو بكر الرازي رحمه الله في شرح الأسماء الحسنى اعلم ان هذا الاسم عند اهل الظاهر مبتدأ يحتاج الى خبر ليتم الكلام وعند اهل الطريق لا يحتاج بل هو مفيد وكلام تام بدون شيء آخر يتصل به او يضم له لاستهلاكهم في حقائق القرب واستيلاء ذكر الحق على أسرارهم وقال الشيخ العارف احمد الغزالي أخو الامام محمد الغزالي رحمه الله كاشف القلوب بقوله لا اله الا الله وكاشف الأرواح بقول الله وكاشف الاسرار بقول هو هو لا اله الا الله قوت القلوب والله قوت الأرواح وهو قوت الاسرار فلا اله الا الله مغناطيس القلوب والله مغناطيس الأرواح وهو مغناطيس الاسرار والقلب والروح والسر بمنزلة درة في صدفة في حقة فانظر انه رحمه الله في اى درجة وضع هو وعن بعض المشايخ رأيت بعض الوالهين فقلت له ما اسمك فقال هو قلت من أنت قال هو قلت من أين تجيئ قال هو قلت من تعنى بقولك هو قال هو فما سألته عن شيء الا قال هو فقلت لعلك تريد الله فصاح وخرجت روحه فكن من الذاكرين بهو ولا تلتفت الى المخالفين فانهم من اهل الا هواء ولكل من العقل والنفس والقلب والروح معنيان اما العقل فيطلق على قوة دراكة توجد في الإنسان بها يدرك مدركاته وعلى لطيفة ربانية هى حقيقة الإنسان المستخدمة للبدن في الأمور الدنيوية والاخروية وهى العالم والعارف والعاقل وهى الجاهل والقاصر والغافل الى غير ذلك وكذا النفس تطلق على صفة كائنة فى الإنسان جامعة للاخلاق المذمومة داعية الى الشهوات باعثة على الأهواء والآفات وتطلق على تلك اللطيفة المذكورة كما قال بعض الأفاضل
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته ... وتطلب الربح مما فيه خسران
عليك بالنفس فاستكمل فضائلها ... فأنت بالنفس لا بالجسم انسان
وكذا القلب يطلق على قطعة لحم صنو برية تكون في جوف الإنسان وعلى تلك اللطيفة وكذا الروح يطلق على جسم لطيف وعلى اللطيفة الربانية المذكورة فكل من الألفاظ الأربعة يطلق على نفس الإنسان الذي هو المتكلم والمخاطب والمثاب والمعاقب بالاصالة(9/455)
وتبعيتها يقع الثواب والعقاب للجسد الذي هو القفص لها فالتغاير على هذا اعتباري فان النفس نفس باعتبار انها نفس الشيء وذاته وعقل باعتبار إدراكها وقلب باعتبار انقلابها من شيء الى شيء وروح باعتبار استراحتها بما يلائمها وتستلذ به وعلى المعاني الأخر لهن حقيقى ثم ان النفس اما أن تكون تابعة للهوى فهى الامارة لمبالغة أمرها للاعضاء بالسيئات فذكر دائرة النفس لا اله الا الله واما أن يهب الله له الانصاف والندامة على تقصيراتها والميل الى التدارك لما فات من المهمات فهى اللوامة للومها صاحبها بل نفسها على سوء عملها فذكر هذه الدائرة الله الله ويقال لها داثرة القلب لانقلابها الى جانب الحق واما أن تطمئن الى الحق وتستقر في الطاعة وتتلذذ بالعبادة فهى المطمئنة لاطمئنانها تحت أمر الله بحب الله ويقال لهذه الدائرة دائرة الروح لاستراحتها بعبادة الله وذكره وتلذذها بشكره وذكر هذه الدائرة هو هو واما ما قال بعض الكبار من ان الذكر بلا اله الا الله أفضل من الذكر بكلمة الله الله وهو هو من حيث انها جامعة بين النفي والإثبات ومحتوية على زيادة العلم والمعرفة فبالنسبة الى حال المبتدى فكلمة التوحيد تظهر مرءاة النفس بنارها فتوصل السالك الى دائرة القلب وكلمة الله تنور القلب بنورها فتوصل الى دائرة الروح وكلمة هو تجلى الروح فتوصل من شاء الله الى دائرة السر والسر لفظ استأثره المشايخ للحقيقة التي هى ثمرة الطريقة التي هى خلاصة الشريعة التي هى لازمة القبول لكل مؤمن اما أخذا مما روى عن النبي عليه السلام انه قال حكاية عن الله بينى وبين عبدى سر لا يسعه ملك مقرب ولا بنى مرسل واما لكونه مستورا عن اكثر الناس ليس من لوازم الشريعة والطريقة ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم يشهد الله أينما يبد وانه لا اله الا هو
هست هر ذره بوحدت خويش ... پيش عارف كواه وحدت او
پاك كن جامى از غبار دويى ... لوح خاطر كه حق يكيست نه دو
عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ اللام للاستغراق فيعلم كل غيب وكل شهادة اى ما غاب عن الحسن من الجواهر القدسية وأحوالها وما حضر له من الاجرام واعراضها ومن المعدوم والموجود فالمراد بالغيب حينئذ ما غاب عن الوجود ومن السر والعلانية ومن الآخرة والاولى ونحو ذلك قال الراغب ما غاب عن حواس الناس وبصائرهم وما شهدوه بهما والمعلومات اما معدومات يمتنع وجودها او معدومات يمكن وجودها واما موجودات يمتنع عدمها او موجودات لا يمتنع عدمها ولكل من هذه الاقسام الاربعة احكام وخواص والكل معلوم لله تعالى وقدم الغيب على الشهادة لتقدمه في الوجود وتعلق العلم القديم به من حيث كونه موجودا واعلم ان ما ورد من اسناد علم الغيب الى الله فهو الغيب بالنسبة إلينا لا بالنسبة اليه تعالى لانه لا يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء وإذا انتفى الغيب بالنسبة اليه انتفى العلم به ايضا وايضا لما سقطت جميع النسب والإضافات في مرتبة الذات البحت والهوية الصرفة انتفت النسبة العلمية مطلقا فانتفى العلم بالغيب فافهم هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ كرر هو لان له شأنا شريفا ومقاما منيفا(9/456)
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)
من اشتغل به ملك من اعرض عنه هلك والله تعالى رحمته الدنيوية عامة لكل انسى وجنى مؤمنا كان او كافرا
أديم زمين سفره عام اوست ... برين خان يغما چهـ دشمن چهـ دوست
على ما قال عليه السلام أيها الناس ان الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر وان الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك عادل قادر يحق فيها الحق ويبطل الباطل كونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فان كل أم يتبعها ولدها ولذلك يقال يا رحمن الدنيا لان ما فيه زيادة حرف يراد به زيادة في المعنى ورحمته الاخروية خاصة بالمؤمنين ولذا يقال يا رحيم الآخرة فعلى هذا في معنى الرحمن زيادة باعتبار المنعم عليه ونقصان باعتبار الأنواع والافراد وفي تخصيص هذين الاسمين المنبئين عن وفور رحمته في الدارين تنبيه على سبق رحمته وتبشير للعاصين أن لا يقنطوا من رحمة الله وتنشيط للمطعين بأنه يقبل القليل ويعطى الجزيل وحظ العبد من اسم الرحمن الرحيم أن يكون كثير الرحمة بأن يرحم نفسه اولا ظاهرا وباطنا ثم يرحم غيره بتحصيل مراده وإرشاده والنظر اليه بعين الرحمة كما قال بعض المشايخ
وارحم بنى جميع الخلق كالهمو ... وانظر إليهم بعين اللطف والشفقة
وقر كبير همو وارحم صغير همو ... وراع في كل خلق حق من خلقه
قال الزروقى رحمه الله كل الأسماء يصح التخلق بمعانيها الا الاسم الله فانه للتعلق فقط وكل الأسماء راجعة اليه فالمعرفة به معرفة بها ولا بد للعبد من قلب مفرد فيه توحيد مجرد وسر مفرد وبه يحصل جميع المقاصد سئل الجنيد قدس سره كيف السبيل الى الانقطاع الى الله تعالى قال بتوبة تزيل الإصرار وخوف يزيل التسويف ورجاء يبعث على مسالك العمل واهانة النفس بقربها من الاجل وبعدها من الأمل قيل له بماذا يصل العبد الى هذا قال بقلب مفرد فيه توحيد مجرد انتهى وهو عجيب وفي التأويلات النجمية تشير الآية الى هويته الجامعة عالم غيب الوجود المسمى باسم الباطن وعالم شهادة الوجود المسمى باسم الظاهر هو الرحمن الرحيم اى هو المتجلى بالتجلى الرحمانى العام وهو المتجلى بالتجلى الرحيمى الخاص وهو المطلق عن العموم والخصوص في عين العموم والخصوص غير اعتباراته وحيثياته هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كرر هو لابراز الاعتناء بامر التوحيد يعنى اوست خداى كه بهيچ وجه نيست خداى سزاى پرستش مكر وى الْمَلِكُ پادشاهى كه جلال ذاتش از وجه احتياج مصونست وكمال صفاتش باستغناء مطلق مقرون فمعناه ذو الملك والسلطان والملك بالضم هو التصرف بالأمر والنهى في الجمهور وذلك يختص بسياسة الناطقين ولهذا يقال ملك الناس ولا يقال ملك الأشياء فقوله تعالى ملك يوم الدين تقديره الملك في يوم الدين كما في المفردات وعبد الملك هو الذي يملك نفسه وغيره بالتصرف فيه بما شاء الله وامره به فهو أشد الخلق على خليقته قال الامام الغزالي قدس سره مملكة العبد الخاصة به قلبه وقالبه وجنده شهوته وغضبه وهواه ورعيته لسانه وعيناه ويداه وسائر أعضائه فاذا ملكها ولم(9/457)
ولم يطعها فقد نال تملكه درجة الملك في عالمه (قال الشيخ سعدى)
وجود تو شهريست پر نيك وبد ... تو سلطان ودستور دانا خرد
همانا كه دونان گردن فراز ... درين شهر كبرست وسودا وآز
چوسلطان عنايت كند با بدان ... كجا ماند آسايش بخردان
فان انضم اليه استغناؤه عن كل الناس واحتاج الناس كلهم اليه في حياتهم العاجلة والآجلة فهو الملك في العالم العرضي وتلك رتبة الأنبياء عليهم السلام فانهم استغنوا في الهداية الى الحياة الآخرة عن كل أحد الا عن الله تعالى واحتاج إليهم كل أحد ويليهم في هذا الملك العلماء الذين هم ورثة الأنبياء وانما ملكهم بقدر مقدرتهم على ارشاد العباد واستغنائهم عن الاسترشاد وهذا الملك عطية للعبد من الملك الحق الذي لا مثنوية في ملكه والا فلا ملك للعبد كما قيل لبعض العارفين الك ملك فقال انا عبد لمولاى فليس لى نملة فمن انا حتى أقول لى شيء هذا كلام من استغرق في ملاحظة ملكية الله ومالكيته فما حكى ان بعض الأمراء قال لبعض الصلحاء سلنى حاجتك قال أولى تقول هذا ولى عبدان هما سيداك قال من هما قال الشهوة والغضب وفي بعض الرواية الحرص والهوى غلبتهما وغلباك وملكتهما وملكاك فهو اخبر عن لطف الله وتمليكه من ضبط نفسه واستخدمها فيما يرضاه الله نصحا لذلك الأمير ولغيره من السامعين شاهدين او غائبين قال بعضهم لبعض الشيوخ أوصني فقال كن ملكا في الدنيا تكن ملكا في الآخرة معناه اقطع طمعك وشهوتك في الدنيا فان الملك فى الحرية والاستغناء ومن مقالات أبى يزيد البسطامي قدس سره في مناجاته الهى ملكى أعظم من ملكك وذلك لان الله تعالى ملك أبا يزيد وهو متناه وأبا يزيد ملك الله وهو باق غير متناه وخاصية اسم الملك صفاء القلب وحصول الفناء والامرة ونحوها فمن واظب عليه وقت الزوال كل يوم مائة مرة صفا قلبه وزال كدره ومن قرأه بعد الفجر مائة واحدى وعشرين مرة أغناه الله من فضله اما بأسباب او بغيرها الْقُدُّوسُ هو من صيغ المبالغة من القدس وهو النزاهة والطهارة اى البليغ في النزاهة عما يوجب نقصانا ما وعن كل عيب وهو بالعبري قديسا ونظيره السبوح وفي تسبيح الملائكة سبوح قدوس رب الملائكة والروح قال الزمخشري ان الضفادع تقول في نقيقها سبحان الملك القدوس قال ثعلب كل اسم على فعول فهو مفتوح الاول الا السبوح والقدوس فان الضم فيهما اكثر وقد يفتحان وقال بعضهم المفتوح قليل في الصفات كثير في الأسماء مثل التنور والسمور والسفود وغيرها قال بعض المشايخ حقيقة القدس الاعتلاء عن قبول التغير ومنه الأرض المقدسة لانها لا تتغير بملك الكافر كما يتغير غيرها من الأرضين واتبع هذا الاسم اسم الملك لما يعرض للملوك من تغير أحوالهم بالجور والظلم والاعتداء فى الاحكام وفيما يترتب عليها فان ملكه تعالى لا يعرض له ما يغيره لاستحالة ذلك في وصفه وقال بعضهم التقديس التطهير وروح القدس جبريل عليه السلام لانه ينزل بالقدس من الله اى ما يطهر به نفوسنا من القرآن والحكمة والفيض الإلهي والبيت المقدس هو المطهر من الجاسة اى الشرك او لانه يتطهر فيه من الذنوب وكذلك الأرض المقدسة وحظيرة(9/458)
القدس الجنة (قال الكاشفى) قدوس يعنى پاك از شوائب مناقص ومعايب ومنزه از طرق آفات ونوايب وقال الامام الغزالي رحمه الله هو المنزه عن كل وصف يدركه حس او يتصوره خيال او يسبق اليه وهم او يختلج به ضمير أو يفضى به تفكر ولست أقول منزه عن العيوب والنقائض فان ذلك يكاد يقرب من ترك الأدب فليس من الأدب ان يقول القائل ملك البلد ليس بحائك ولا حجام ولا حذآء فان نفى الوجود يكاد يوهم إمكان الوجود وفي ذلك الإيهام نقص بل أقول القدوس هو المنزه عن كل وصف من أوصاف الكمال الذي يظنه اكثر الخلق كمالا قال الزروقى رحمه الله كل تنزيه توجه الخلق به الى الخالق فهو عائد إليهم لان الحق سبحانه في جلاله لا يقبل ما يحتاج للتنزيه منه لا تصافه بعلى الصفات وكريم الأسماء وجميل الافعال على الإطلاق فليس لنا من تقدسه الا معرفة انه القدوس فافهم وعبد القدوس هو الذي قدسه الله عن الاحتجاب فلا يسع قلبه غير الله وهو الذي يسع قلبه الحق كما قال لا يسعنى ارضى وسمائى ويسعنى قلب عبدى ومن وسع الحق قدس عن الغير إذا لا يبقى عند تجلى الحق شيء غيره فلا يسع القدوس الا القلب المقدس
من الأكوان قال بعضهم حظ العارف منه أن يتحقق انه لا يحق الوصول الا بعد العروج من عالم الشهادة الى عالم الغيب وتنزيه السر عن المتخيلات والمحسوسات والتطواف حول العلوم الالهية والمعارف الزكية عن تعلقات الحس والخيال وتطهير القصد عن أن يحوم حول الحظوظ الحيوانية واللذائذ الجسمانية فيقبل بشرا شره على الله سبحانه شوقا الى لقائه مقصور الهم على معارفه ومطالعة جماله حتى يصل الى جانب العز وينزل بحبوحة القدس وخاصية هذا الاسم انه إذا كتب سبوح قدوس رب الملائكة والروح على خبز اثر صلاة الجمعة وأكله يفتح الله له العبادة ويسلمه من الآفات وذلك بعد ذكر عدد ما وقع عليه وفي الأربعين الادريسية يا قدوس الطاهر من كل آفة فلا شيء يعادله من خلقه قال السهر وردى من قرأه كل يوم الف مرة في خلوة أربعين يوما شمله بما يريد وظهرت له قوة التأثير في العالم السَّلامُ ذو السلامة من كل آفة ونقص وبالفارسية سالم از عيوب وعلل ومبرا از ضعف وعجز وخلل وهو مصدر بمعنى السلامة وصف به للمبالغة لكونه سليما من النقائص او فى إعطائه السلامة فيكون بمعنى التسليم كالكلام بمعنى التكليم فما ورد من قوله أنت السلام معناه أنت الذي سلم من كل عيب وبرئ من كل نقص وقوله ومنك السلام اى الذي يعطى السلامة فيسلم العاجز من المكاره ويخلصه من الشدائد في الدارين ويستر ذنوب المؤمنين وعيوبهم فيسلمون من الخزي يوم القيامة او يسلم على المؤمنين في الجنة لقوله تعالى سلام قولا من رب رحيم وقوله وإليك يرجع السلام اشارة الى ان كل من عليها فان ويبقى وجه ربك وقوله وحينا ربنا بالسلام طلب السلامة منه في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال الامام الغزالي رحمه الله هو الذي يسلم ذاته من العيب وصفاته من النقص وأفعاله من الشر يعنى ليس في فعله شر محض بل في ضمنه خير أعظم منه فالمقضى بالاصالة هو الخير وهو والقدوس من الأسماء الذاتية السلبية الا أن يكون بمعنى المسلم قال الراغب(9/459)
السلام والسلامة التعري من الآفات الظاهرة والباطنة قيل وصف الله بالسلام من حيث لا تلحقه العيوب والآفات التي تلحق الخلق انتهى وعبد السلام هو الذي تجلى له اسم السلام فسلمه من كل نقص وآفة وعيب فكل عبد سلم من الغش والحقد والحسد وارادة الشر قلبه وسلّم من الآثام والمحظورات جوارحه وسلّم من الانتكاس والانعكاس صفاته فهو الذي يأتى الله بقلب سليم وهو السلام من العباد القريب في وصفه من السلام المطلق الحق الذي لا مثنوية في صفاته وأعنى بالانتكاس في صفاته أن يكون عقله أسير شهوته وعضبه إذ الحق عكسه وهو أن تكون الشهوة والغضب اسيرى العقل وطوعه فاذا انعكس فقد انتكس ولا سلامة حيث يصير الأمير مأمورا والملك عبدا ولن يوصف بالسلام والإسلام الا من سلم المسلمون من لسانه ويده وخاصية هذا الاسم صرف المصائب والآلام حتى انه إذا قرئ على مريض مائة واحدي عشرة مرة برئ بفضل الله ما لم يحضر اجله او يخفف عنه الْمُؤْمِنُ اى الموحد نفسه بقوله شهد الله انه لا اله الا هو قاله الزجاج او واهب الأمن وهو طمأنينة النفس وزوال الخوف قال ابن عباس رضى الله عنهما هو الذي آمن الناس من ظلمه وآمن من آمن من عذابه وهو من الايمان الذي هو ضد التخويف كما في قوله تعالى وآمنهم من خوف وعنه ايضا انه قال إذا كان يوم القيامة اخرج أهل التوحيد من النار وأول من يخرج من وافق اسمه اسم نبى حتى إذا لم يبق فيها من بوافق اسمه اسم نبى قال الله لباقه أنتم المسلمون وانا السلام وأنتم المؤمنون وانا المؤمن فيخرجهم من النار ببركة هذين الاسمين (قال الكاشفى) ايمن كننده مؤمنان از عقوبت نيران يا داعئ خلق بايمان وأمان يا مصدق رسل بإظهار معجزه وبرهان قال الامام الغزالي رحمه الله المؤمن المطلق هو الذي لا يتصور أمن وأمان الا ويكون مستفادا من جهته وهو الله تعالى وليس يخفى ان الأعمى يخاف أن يناله هلاك من حيث لا يرى فعينه البصيرة تفيد أمنا منه والأقطع يخاف آفة لا تندفع الا باليد واليد السليمة أمان منها
وهكذا جميع الحواس والأطراف ولمؤمن خالقها ومصورها ومقومها ولو قدرنا إنسانا وحده مطلوبا من جهة أعدائه وهو ملقى في مضيق لا تتحرك عليه أعضاؤه لضعفه وان تحركت فلا سلاح معه وان كان معه سلاح لم يقاوم أعداءه وحده وان كانت له جنود لم يأمن ان تنكسر جنوده ولا يجد حصنا يأوى اليه فجاء من عالج ضعفه فقواه وامده بجنود واسلحة وبنى حولة حصنا فقد أفاده أمنا وأمانا فبالحرى أن يسمى مؤمنا في حقه والعبد ضعيف في اصل فطرته وهو عرضة الأمراض والجوع والعطش من باطنه وعرضة الآفات المحرقة والمغرقة والجارحة والكاسرة من طاهره ولم يؤمنه من هذه المخاوف الا الذي أعد الادوية دافعة لامراضه والاطعمة مزيلة لجوعه والأشربة مميطة لعطشه والأعضاء دافعة عن بدنه والحواس جواسيس منذرة بما يقرب من مهلكاته ثم خوفه الأعظم من هلاك الآخرة ولا يحصنه منها الا كلمة التوحيد والله هاديه البها ومرغبه فيها حيث قال لا اله الا الله حصنى فمن دخله أمن من عذابى فلا أمن في العالم الا وهو مستفاد من اسباب هو منفرد بخلقها(9/460)
والهداية الى استعمالها وعبد المؤمن هو الذي آمنه الله من العقاب وآمنه الناس على ذواتهم وأموالهم واعراضهم من المصطلحات فحظ العبد من هذا الوصف أن يأمن الخلق كلهم جانبه بل يرجو كل خائف الاعتضاد به في دفع الهلاك عن نفسه في دينه ودنياه كما قال عليه السلام من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليؤمن جاره بوائقه وفي ترجمة وصايا الفتوحات واگر خواهى كه از هيچكس نترسى هيچ كس را مترسان تا از همه آمن باشى چون همه كس از تو آمن باشند شيخ اكبر قدس سره الأطهر فرموده كه در عنفوان شباب كه هنوز بدين طريق رجوع نكرده بودم در صحبت والده وجمعى در سفر بودم ناكاه ديدم گله گورخر در مرعى ومن بر صيد ايشان عظيم حريص بودم وكودكان من پاره دور بودند در نفس من اين فكر افتاد كه ايشانرا نرنجانم ودل بران نهادم وخاطر را بر ترك تعرض وايذاى ايشان تكين كردم وحصانى كه بر وى سوار بودم بجانب ايشان ميل ميكرد سر او محكم كردم ونيزه بدست من بود چون بديشان رسيدم ودر ميانه ايشان در آمدم وقت بود كه سنان نيزه ببعضي ميرسيد واو در چرا كردن خود بود والله هيچ يكى سر بر نداشت تا من از ميان ايشان كذشتم بعد از ان كودكان وغلامان رسيدند وآن جماعات حمر وحش از ايشان رميدند ومتفرق شدند ومن سبب آن نمى دانستم تا وقتى كه بطريق الله رجوع كردم ومرا در معامله نظر افتاد دانستم كه آن أمان كه در نفس من بود در نفوس ايشان سرايت كرد وأحق العباد بأسم المؤمن من كان سببا لأمن الخلق من عذاب الله بالهداية الى طريق الله والإرشاد الى سبيل النجاة وهذه حرفة الأنبياء والعلماء ولذلك قال عليه السلام انكم تتهافتون في النار تهافت الفراش وانا آخذ بحجزكم لعلك تقول الخوف من الله على الحقيقة فلا مخوف الا هو فهو الذي خوف عباده وهو الذي خلق اسباب الخوف فكيف ينسب اليه الا من فجوابك ان الخوف منه والأمن منه وهو خالق سبب الأمن والخوف جميعا وكونه مخوفا لا يمنع كونه مؤمنا كما ان كونه مذلا لم يمنع كونه معزا بل هو المعز والمذل وكونه خافضا لم يمنع كونه رافعا بل هو الرافع والخافض فكذلك هو المؤمن المخيف لكن المؤمن ورد التوقيف به خاصة دون المخوف وخاصية هذا الاسم وجود التأمين وحصول الصدق والتصديق وقوة الايمان في العموم لذاكره ومن ذلك أن يذكره الخائف ستا وثلاثين مرة فانه يأمن على نفسه وماله ويزاد في ذلك بحسب القوة والضعف الْمُهَيْمِنُ قال بعض المشايخ هذا الاسم من أسمائه التي علت بعلو معناها عن مجارى الاشتقاق فلا يعلم تأويله الا الله تعالى وقال بعضهم هو المبالغ في الحفظ والصيانة عن المضار من قولهم هيمن الطائر إذا نشر جناحه على فرخه حماية له وفي الإرشاد الرقيب الحافظ لكل شيء وقال الزروقى هو لغة الشاهد ومنه قوله تعالى ومهيمنا عليه يعنى شاهدا عالما وقال بعضهم مفيعل من
الامن ضد الخوف وأصله مؤأمن بهمزتين فقلبت الهمزة الثانية ياء لكراهة اجتماعهما فصار مؤيمن ثم صيرت الاولى هاءكما قالوا في أراق الماء هراقه فيكون في معنى المؤمن (حكى) ان ابن(9/461)
قتيبة لما قال في المهيمن انه مصغر من مؤمن والأصل مؤيمن فأبدلت الهمزة هاء قيل له هذا يقرب من الكفر فليتق الله قائله وذلك لان فيه ترك التعظيم وقال الامام الغزالي رحمه الله معنى المهيمن في حق الله انه القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم وانما قيامه عليهم باطلاعه واستيلائه وحفظه وكل مشرف على كنه الأمر مستول عليه حافظ له فهو مهيمن عليه والاشراف يرجع الى العلم والاستيلاء الى كمال القدرة والحفظ الى الفعل فالجامع بين هذه المعاني اسمه المهيمن ولن يجمع ذلك على الإطلاق والكمال الا الله تعالى ولذلك قيل انه من اسماه الله تعالى في الكتب القديمة وعبد المهيمن هو الذي شاهد كون الحق رقيبا شهيدا على كل شيء فهو يرقب نفسه وغيره بايفاء حق كل ذى حق عليه لكونه مظهر الاسم المهيمن يعنى حظ العارف منه أن يراقب قلبه ويحفظ قواه وجوارحه ويأخذ حذره من الشيطان ويقوم بمراقبة عباد الله وحفظهم فمن عرف انه المهيمن خضع تحت جلاله وراقبه في كل أحواله واستحيى من اطلاعه عليه فقام بمقام المراقبة لديه (حكى) ان ابراهيم بن أدهم رحمه الله كان يصلى قاعدا فجلس ومد رجليه فهتف به هاتف هكذا تجالس الملوك وان الحريري كان لا يمد رجليه في الخلوة فقيل له ليس يراك أحد فقال حفظ الأدب مع الله أحق يقول الفقير يقرب من هذا ما وقع لى عند الكعبة فانى بعد ما طفت بالبيت استندت الى مقام ابراهيم حباله فقيل لى من قبل الله تعالى ما هذا البعد فى عين القرب فعلمت ان ذلك من ترك الأدب في مجالسة الله معى فلم ازل ألازم باب الكعبة في الصف الاول مدة مجاورتى بمكة وخاصية هذا الاسم الاشراف على البواطن والاسرار ومن قرأه مائة مرة بعد الغسل والصلاة في خلوة بجمع خاطر نال ما أراد ومن نسبته المعنوية علام الغيوب عند التأمل وفي الأربعين الإدريسية يا علام الغيوب فلا يفوت شيء من علمه ولا يؤوده قال السهروردي من داوم عليه قوى حفظه وذهب نسيانه الْعَزِيزُ غالب در حكم يا بخشنده عزت قال بعضهم من عز إذا غلب فمرجعه القدرة المتعالية عن المعارضة والمعانعة او من عز عزازة إذا قل فالمراد عديم المثل كقوله تعالى ليس كمثله شيء وقال الامام الغزالي رحمه الله العزيز هو الخطير الذي يقل وجود مثله وتشتد الحاجة اليه ويصعب الوصول اليه فما لم يجمع هذه المعاني الثلاثة لم يطلق عليه العزيز فكم من شيء يقل وجوده ولكن إذا لم يعظم خطره ولم يكثر نفعه لم يسم عزيزا وكم من شيء يعظم خطره ويكثر نفعه ولا يوجد نظيره ولكن إذا لم يصعب الوصول اليه لم يسم عزيزا كالشمس مثلا فانها لا نظير لها والأرض كذلك والنفع عظيم في كل واحدة منهما والحاجة شديدة إليهما ولكن لا توصفان بالعزة لانه لا يصعب الوصول الى مشاتهما فلابد من اجتماع المعاني الثلاثة ثم في كل واحد من المعاني الثلاثة كمال ونقصان فالكمال في قلة الوجود أن يرجع الى الواحد إذ لا اقل من الواحد ويكون بحيث يستحيل وجود مثله وليس هذا الا الله تعالى فان الشمس وان كانت واحدة في الوجود فليست واحدة في الإمكان فيمكن وجود مثلها والكمال في النفاسة وشدة الحاجة أن يحتاج اليه كل شيء في كل شيء حتى في وجوده وبقائه(9/462)
وصفاته وليس ذلك الكمال الا لله تعالى وعبد العزيز هو الذي أعزه الله بتجلى عزته فلا يغلبه شيء من أيدى الحدثان والأكوان وهو يغلب كل شيء قال الغزالي رحمه العزيز من العباد من يحتاج اليه عباد الله في مهام أمورهم وهى الحياة الاخروية والسعادة الابدية وذلك مما يقل لا محالة وجوده ويصعب إدراكه وهذه رتبة الأنبياء عليهم السلام ويشاركهم فى العز من يتفرد بالقرب منهم اى من درجتهم في عصرهم كالخلفاء وورثتهم من العلماء وعزة كل واحد بقدر علو رتبته عن سهولة النيل والمشاركة وبقدر غنائه في ارشاد الخلق وقال بعضهم حظ العبد من هذا الاسم أن يعز نفسه فلا يستهينها بالمطامع الدنية
ولا يدنيها بالسؤال من الناس والافتقار إليهم قيل انما يعرف عزيزا من أعز امر الله بطاعته فاما من استهان باوامره فمن المحال أن يكون متحققا بعزته وقال الشيخ ابو العباس المرسى رحمه الله والله ما رأيت العز الا في رفع الهمة عن المخلوقين فمن عرف انه العزيز لا يعتقد لمخلوق جلالا دون جلال الله تعالى فالعزيز بين الناس في المشهور من جعله الله ذا قدر ومنزلة بنوع شرف باق او فان فمنهم من يكون عزيزا بطاعة الله تعالى ومنهم من يكون بالجاه ومنهم من يكون عزيزا بالعلم والمعرفة والكمال ومنهم من يكون بالسطوة والشوكة والمال ثم منهم من يكون عزيزا في الدارين ومنهم من يكون في الدنيا لا في العقبى ومنهم من يكون على العكس فكم من ذليل عند الناس عزيز عند الله وكم من عزيز عند الناس ذليل عند الله والعزيز عند المولى هو الأصل والاولى قال في أبكار الافكار غير رسول الله عليه السلام اسم العزيز لان العزة لله وشعار العبد الذلة والاستكانة وخاصية هذا الاسم وجود الغنى والعز صورة او حقيقة او معنى فمن ذكره أربعين يوما في كل يوم أربعين مرة أعانه الله وأعزه فلم يحوجه الى أحد من خلقه وفي الأربعين الادريسية يا عزيز المنيع الغالب على امره فلا شيء يعادله قال السهر وردى رحمه الله من قرأه سبعة ايام متواليات كل يوم ألفا أهلك خصمه وان ذكره في وجه العسكر سبعين مرة ويشير إليهم بيده فانهم ينهزمون الْجَبَّارُ الذي جبر خلقه على ما أراد اى قهرهم وأكرههم عليه او جبر أحوالهم اى أصلحها فعلى هذا يكون الجبار من الثلاثي لامن الافعال وجبر بمعنى اجبر لغة تميم وكثير من الحجازيين واستدل بورود الجبار من يقول ان امثلة مبالغة تأتى من المزيد عن الثلاثي فانه من أجبره على كذا اى قهره وقال الفراء لم اسمع فعال من افعل الا في جبار ودراك فانهما من اجبر وأدرك قال الراغب اصل الجبر إصلاح الشيء بضرب من القهر وقد يقال في إصلاح المجرد نحو قول على رضى الله عنه يا جابر كل كسير ومسهل كل عسير والإجبار في الأصل حمل الغير على أن يجبر الأمور لكن تعورف في الإكراه المجرد وسمى الذين يدعون ان الله تعالى يكره العباد على المعاصي فى تعارف المتكلمين مجبرة وفي قول المتقدمين جبرية والجبار في صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من المعالي لا يستحقها وهذا لا يقال الا على طريقة الذم وفي وصف الله لانه الذي يجبر الناس بفائض نعمه او يقهرهم على ما يريده من مرض وموت وبعث ونحوها وهو لا يقهر الا على ما تقتضى الحكمة أن يقهر عليه فالجبار المطلق هو الذي ينفذ مشيئته(9/463)
على سبيل الإجبار في كل أحد ولا ينفذ فيه مشيئة أحد (روى) ان في بعض الكتب الالهية عبدى تريد وأريد ولا يكون الا ما أريد فان رضيت بما أريد كفيتك ما تريد وان لم ترض بما أريد أبقيتك فيما تريد ثم لا يكون الا ما أريد وعبد الجبار هو الذي يجبر كسر كل شيء ونقصه لان الحق جبر حاله وجعله بتجلى هذا الاسم جابر الحال كل شيء مستعليا عليه ومن علم انه الجبار دق في عينه كل جبار وكان راجعا اليه في كل امر بوصف الافتقار بجبر المكسور من اعماله وترك الناقص من آماله فتم له الإسلام والاستسلام وارتفعت همته عن الأكوان فيكون جبارا على نفسه جابرا لكسر عباده وقال بعضهم حظ العارف من هذا الاسم أن يقبل على النفس ويجبر نقائصها باستكمال الفضائل ويحملها على ملازمة التقوى والمواظبة على الطاعة ويكسر منها الهوى والشهوات بأنواع الرياضات ويترفع عما سوى الحق غير ملتفت الى الخلق فيتحلى بحلي السكينة والوقار بحيث لا يزلزله تعاور الحوادث ولا يؤثر فيه تعاقب النوافل بل يقوى على التأثير في الأنفس والآفاق بالإرشاد والإصلاح وقال الامام الغزالي رحمه الله الجبار من العباد من ارتفع عن الاتباع ونال درجة الاستتباع وتفرد بعلو رتبته بحيث يجبر الخلق بهيئته وصورته على الاقتداء وبمتابعته في سمته وسيرته فيفيد الخلق ولا يستفيد ويؤثر ولا يتأثر ويستتبع ولا يتبع ولا يشاهده أحد الى ويفنى عن ملاحظة
نفسه ويصير مستوفى الهم غير ملتفت الى ذاته ولا يطمع أحد في استدراجه واستتباعه وانما حظى بهذا الوصف سيد الأولين والآخرين عليه السلام حيث قال لو كان موسى بن عمران حيا ما وسعه الا اتباعى وانا سيد ولد آدم ولا فخر وخاصية هذا الاسم الحفظ من ظلم الجبابرة والمعتدين في السفر والاقامة يذكر بعد قراءة المسبعات عشر صباحا ومساء احدى وعشرين مرة ذكره الزروقى في شرح الأسماء الحسنى الْمُتَكَبِّرُ الذي تكبر عن كل ما يوجب حاجة او نقصانا او البليغ الكبرياء والعظمة يعنى ان صيغة التفعل للتكلف بما لم يكن فاذا قيل تكبر وتسخى دل على انه يرى ويظهر الكبر والسخاء وليس بكبير ولا سخى والتكلف بما لم يكن كان مستحيلا في حق الله تعالى حمل على لازمه وهو أن يكون ما قام به من الفعل على أتم ما يكون وأكمله من غير أن يكون هناك تكلف واعتمال حقيقة ومنه ترحمت على ابراهيم بمعنى رحمته كمال الرحمة واتممتها عليه فاذا قيل انه تعالى متكبر كان المعنى انه البالغ في الكبر أقصى المراتب (روى) عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال رأيت رسول الله عليه السلام قائما على هذا المنبر يعنى منبر رسول الله فى المدينة وهو يحكى عن ربه تعالى فقال ان الله عز وجل إذا كان يوم القيامة جمع السموات والأرضين في قبضته تبارك وتعالى ثم قال هكذا وشد قبضته ثم بسطها ثم يقول انا الله انا الرحمن انا الرحيم انا الملك انا القدوس انا السلام انا المؤمن انا المهيمن انا العزيز انا الجبار انا المتكبر انا الذي بدأت الدنيا ولم تك شيأ انا الذي أعدتها اين الملوك اين الجبابرة
قهار بي منازع وغفار بي ملال ... ديان بي معادل وسلطان بي سپاه
با غير أو ضيافت شاهى بود چنان ... بر يك دو چوب پاره ز شطرنج نام شاه(9/464)
قال الراغب التكبر يقال على وجهين أحدهما أن تكون الافعال الحسنة كثيرة في الحقيقة وزائدة على محاسن غيره وعلى هذا وصف الله بالمتكبر وهو ممدوح والثاني أن يكون متكلفا لذلك متشبعا وذلك في وصف عامة الناس والموصوف به مذموم وفي الحديث (الكبرياء ردآئى والعظمة إزاري فمن نازعنى في شيء منهما قصمته) قال بعضهم الفرق بين المتكبر والمستكبر ان المتكبر عام لاظهار الكبر الحق كما في أوصاف الحق تعالى ولاظهار الكبر الباطل كما فى قوله سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق والكبر ظن الإنسان انه اكبر من غيره والتكبر إظهاره ذلك كما في العوارف والاستكبار اظهار الكبرياء باطلا كما فى قوله تعالى في حق إبليس استكبر وغير ذلك كما تجده في موارد استعمالاته في القرآن والحديث وقال في الاسئلة المقحمة ما معنى المتكبر من اسماء الله فان التكبر مذموم في حق الخلق والجواب معناه هو المتعظم عما لا يليق به سبحانه وهو من الكبرياء لا من التكبر ومعناه المبالغة في العظمة والكبرياء في الله وهو الامتناع عن الانقياد فلهذا كان مذموما فى حق الخلق وهو صفة مدح في حق الله تعالى انتهى فان قلت ما تقول في قوله عليه السلام حين قال له عمه ابو طالب ما أطوعك ربك يا محمد وأنت يا عم لو أطعته أطاعك قلت هذه الاطاعة والانقياد للمطيع لا للخارج عن امره فلا ينافى عدم انقياده لغيره فهو المتكبر للمتكبر كما انه المطيع للمطيع قال بعضهم المتكبر هو الذي يرى غيره حقيرا بالاضافة الى ذاته فينظر الى الغير نظر المالك الى عبده وهو على الإطلاق لا يتصور الا لله تعالى فانه المتفرد بالعظمة والكبرياء بالنسبة الى كل شيء من كل وجه ولذلك لا يطلق على غيره تعالى الا في معرض الذم لما انه يفيد التكلف في اظهار مالا يكون قال عليه السلام تحاجت النار والجنة فقالت هذه يدخلنى الجبارون المتكبرون وقالت هذه يدخلنى الضعفاء والمساكين فقال الله لهذه أنت عذابى أعذب بك من أشاء وقال لهذه أنت رحمتى أرحم بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها ومن عرف علوه تعالى وكبرياءه لازم طريق التواضع وسلك سبيل التذلل قيل الفقير في خلقه احسن منه في جديد غيره فلا شيء احسن على الخدم من لباس التواضع بحضرة السادة قال بعض الحكماء ما أعز الله عبدا بمثل ما يدل على ذل نفسه وما اذله بمثل ما يدل على عز نفسه (حكى) ان بعضهم قال رأيت رجلا في الطواف وبين يديه خادمان يطردان الناس ثم بعد ذلك رأيته يتكفف على جسر فسألته عن ذلك فقال انى تكبرت في موضع يتواضع فيه الناس فوضعنى الله في موضع يترفع فيه الناس وعبد المتكبر هو الذي فنى تكبره بتذلله للحق حتى قام كبرياء الله مقام كبره فيتكبر بالحق على ما سواه فلا يتذلل للغير قال الامام الغزالي قدس سره المتكبر من العباد هو الزاهد ومعنى زهد العارف أن يتنزه عما يشغل سره عن الحق ويتكبر في كل شيء سوى الله تعالى فيكون مستحقرا للدنيا والآخرة مرتفعا عن أن يشغله كلتاهما عن الحق وزهد العارف معاملة ومعاوضة فهو انما يشترى بمتاع الدنيا متاع الآخرة فيترك الشيء عاجلا طمعا في أضعافه آجلا وانما هو سلم ومبايعة ومن استعبدته(9/465)
هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)
شهوته المطعم والمنكح فهو حقير وانما المتكبر من يستحقر كل شهوة وحظ بتصور أن تشاركه فيها البهائم وخاصية هذا الاسم الجلالة ظهور الخير والبركة حتى ان من ذكره ليلة دخوله بزوجته عند دخوله عليها وقرأه قبل جماعها عشرا رزق منها ولدا صالحا ذكرا وفي الأربعين الادريسية يا جليل المتكبر على كل شيء فالعدل امره والصدق وعده قال السهر وردى رحمه الله مداومه بلا فترة يجل قدره ويعز أمره ولا يقدر أحد على معارضته بوجه ولا بحال سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ تنزيه له تعالى عما يشركون به تعالى او عن اشراكهم به اثر تعداد صفات لا يمكن أن يشاركه تعالى في شيء منها شيء ما أصلا اى سبحوا الله تسبيحا ونزهوه تنزيها عما يشركه الكفار به من المخلوقات فالله تعالى أورده لاظهار كمال كبريائه او للتعجب من اثبات الشريك بعد ما عاينوا آثار اتصافه بجلال الكبرياء وكمال العظمة وفي التأويلات النجمية قوله سبحانه هو الله الذي لا اله الا هو الملك إلخ يشير الى وحدانية ذاته وفردانية صفاته وتصرفه في الأشياء على مقتضى حكمته الازلية والى نزاهته عن النقائص الامكانية ووصف الا من بين العدم المحض بسبب التحقق بالوجود المطلق والى حفظ الأشياء في عين شيئيته وإعزازه أولياءه وقهره واذلاله أعداءه والى كمال كبريائه بظهوره في جميع المظاهر والى نزاهة ذاته عما يشركون معنى فى ذاته وفي صفاته وفي عرائس البقلى سبحان الله عما يشركون اليه بالنواظر والخواطر انتهى هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ اى المقدر للاشياء على مقتضى حكمته ووفق مشيئته فان اصل معنى الخلق التقدير كما يقال خلق النعل إذا قدرها وسواها بمقياس وان شاع في معنى الإيجاد على تقدير واستواء وسوآء كان من مادة كخلق الإنسان من نطفة ونحوه او من غير مادة كخلق السموات والأرض وعبد الخالق هو الذي يقدر الأشياء على وفق مراد الحق لتجليه له بوصف الخلق والتقدير فلا يقدر الا بتقديره تعالى وخاصية هذا الاسم أن يذكر في جوف الليل ساعة فما فوقها فيتنور قلب ذاكره ووجهه وفي الأربعين الادريسية خالق من في السموات ومن في الأرض وكل اليه معاده قال السهروردي يذكر لجمع الضائع والغائب البعيد الغيبة خمسة آلاف مرة الْبارِئُ الموجد للاشياء بريئة من التفاوت فان البرء الإيجاد على وجه يكون الموجد بريئا من التفاوت والنقصان عما يقتضيه التقدير على الحكمة البالغة والمصلحة الكاملة وعبد البارئ هو الذي يبرأ عمله من التفاوت والاختلاف فلا يفعل الا ما يناسب حضرة الاسم البارئ متعادلا متناسبا بريئا من التفاوت كقوله تعالى ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وخاصية هذا الاسم أن يذكره سبعة ايام متوالية كل يوم مائة مرة للسلامة من الآفات حتى من تعدى التراب عليه في القبر وفي الأربعين الادريسية يا بارئ النفوس بلا مثال خلا من غيره قال السهروردي يفتح لذاكره أبواب الغنى والعز والسلامة من الآفات وإذا كتب في لوح من قير وعلق على المجنون نفعه وكذلك اصحاب الأمراض الصعبة الْمُصَوِّرُ الموجد لصور الأشياء وكيفياتها كما أراد يعنى بخشنده صورت هر مخلوق كما يصور الأولاد في الأرحام بالشكل(9/466)
واللون المخصوص فان معنى التصوير تخصيص الخلق بالصور المتميزة والاشكال المتعينة قال الراغب الصورة ما تتميز به الأعيان عن غيرها وهى محسوسة كصورة الإنسان ومعقولة كالعقل وغيره من المعاني وقوله عليه السلام ان الله خلق آدم على صورته أراد بالصورة ما خص الإنسان به من الهيئة المدركة بالبصر وبالبصيرة وبها فضله على كثير من خلقه وإضافته الى الله على سبيل الملك لا على سبيل البعضية والتشبيه بل على سبيل التشريف له كقوله بيت الله وناقة الله وروح الله يقول الفقير الضمير المجرور في صورته يرجع الى الله لا الى آدم والصورة الالهية عبارة عن الصفات السبع المرتبة وهى الحياة والعلم والارادة والقدرة والسمع والبصر والكلام وآدم مظهر هذه الصفات بالفعل بخلاف سائر الموجودات واطلاق الصورة على الله تعالى مجاز عند أهل الظاهر إذ لا تستعمل فى الحقيقة الا في المحدوسات واما عند اهل الحقيقة فحقيقة لان العالم الكبير بأسره صورة الحضرة الا لهية فرقا وتفصيلا وآدم صورته جمعا واجمالا
اى ز همه صورت خوب توبه ... صورك الله على صورته
روى تو آيينه حق بينى است ... در نظر مردم خود بين منه
بلكه حق آيينه وتو صورتى ... وهم توى رابميان ره مده
صورت از آيينه نباشد جدا ... أنت به متحد فانتبه
هر كه سر رشته وحدت نيافت ... پيش وى اين نكته بود مشتبه
رشته يكى دان وكره صد هزار ... كيست كزين نكته كشايد كره
هر كه چوجامى بكره بند شد ... كر بسر رشته رود باز به
والحاصل ان الخالق هنا المقدر على الحكمة الملائمة لنظام العالم والبارئ الموجد على ذلك التقدير والمصور المبدع لصور الكائنات وإشكال المحدثات بحيث يترتب عليها خواصهم ويتم بها كمالهم وبهذا ظهر وجه الترتيب بينهما واستلزام التصوير البرء والبرء الخلق استلزام الموقوف للموقوف عليه كما قال الامام الغزالي رحمه الله وقدس سره قد يظن ان هذه الأسماء مترادفة وان الكل يرجع الى الخلق والاختراع ولا ينبغى أن يكون كذلك بل كل ما يخرج من العدم الى الوجود يفتقر الى التقدير اولا والى الإيجاد على وفق التقدير ثانيا والى التصوير بعد الإيجاد ثالثا والله تعالى خالق من حيث انه مقدر وبارئ من حيث انه مخترع موجد ومصور من حيث انه مرتب صور المخترعات احسن ترتيب وهذا كالبناء مثلا فانه محتاج الى مقدر يقدر ما لا بد منه من الخشب واللبن ومساحة الأرض وعدد الابنية وطولها وعرضها وهذا يتولاه المهندس فيرسمه ويصوره ثم يحتاج الى بناء يتولى الأعمال التي عندها تحدث وتحصل اصول الابنية ثم يحتاج الى مزين ينقش ظاهره ويزين صورته فيتولاه غير البناء هذه هى العادة في التقدير والبناء والتصوير وليس كذلك فى افعال الله تعالى بل هو المقدر والموجد والمزين فهو الخالق البارئ المصور فقدم ذكر الخالق على البارئ لان الارادة والتقدير متقدمة على تأثير القدرة وقدم البارئ(9/467)
على المصور لان إيجاد الذات متقدم على إيجاد الصفات وعن حاطب بن أبى بلتعة رضى الله عنه انه قرأ البارئ المصور بفتح الواو ونصب الراء الذي يبرأ المصور اى يميز ما يصوره بتفاوت الهيئات واختلاف الاشكال وعبد المصور هو الذي لا يتصور ولا يصور الا ما طابق الحق ووافق تصويره لان فعله يصدر عن مصوريته تعالى ولذا قال بعضهم حظ العارف من هذه الأسماء أن لا يرى شيأ ولا يتصور امرا الا ويتأمل فيما فيه من باهر القدرة وعجائب الصنع فيترقى من المخلوق الى الخالق وينتقل من ملاحظة المصنوع الى ملاحظة الصانع حتى يصير بحيث كلما نظر الى شيء وجد الله عنده وخاصية الاسم المصور الاعانة على الصانع العجيبة وظهور الثمار ونحوها حتى ان العاقر إذا ذكرته في كل يوم احدى وعشرين مرة على صوم بعد الغروب وقبل الإفطار سبعة ايام زال عقمها وتصور الولد فى رحمها بإذن الله تعالى لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى لدلالتها على المعاني الحسنة كما سبق في سورة طه (قال الكاشفى) مر او راست نامهاى نيكى كه در شرع وعقل پسنديده ومستحسن باشد والحسنى صيغة تفضيل لانها تأنيث الأحسن كالعليا في تأنيث الأعلى وتوصيف الأسماء بها للزيادة المطلقة إذ لا نسبة لاسمائه الى غير الأسماء من اسماء الغير كما لا نسبة لذاته المتعالية الى غير الذوات من ذوات الغير واسماء الله تسعة وتسعون على ما جاء في الحديث ونقل صاحب اللباب عن الامام الرازي انه قال رأيت في بعض كتب الذكر ان لله تعالى اربعة آلاف اسم الف منها في القرآن والاخبار الصحيحة والف فى التوراة والف في الإنجيل والف في الزبور (روى) ان من دعاء رسول الله عليه السلام اسألك بكل اسم سميت به نفسك او أنزلته في كتابك او علمته أحدا من خلقك او استأثرت به في علم الغيب فلعل كونها تسعة وتسعين بالنظر الى الأشهر الأشرف الأجمع وتعدد الأسماء لا يدل على تعدد المسمى لان الواحد يسمى أبا من وجه وجدا من وجه وخالا من وجه وعالما من وجه وذاته متحدة قال عبد الرحمن البسطامي قدس سره في ترويح القلوب اعلم ان من السر المكتوم في الدعاء أن تأخذ حروف الأسماء التي تذكر بها مثل قولك الكبير المتعال ولا تأخذ الا الف واللام بل تأخذ كبير متعال وتنظركم لها من الاعداد بالجمل الكبير فتذكر ذلك العدد في موضع خال من الأصوات بالشرائط المعتبرة عند اهل الخلوة لا تزيد على العدد ولا تنقص منه فانه يستجاب لك بالوقت وهو الكبريت الأحمر بإذن الله تعالى فان الزيادة على العدد المطلوب إسراف والنقص منه إخلال والعدد في الذكر بالأسماء كاسنان المفتاح لانها زادت ونقصت لا تفتح الباب وقس عليه باب الاجابة فافهم السر وصن الدر ثم اعلم ان العارفين
يلاحظون في الأسماء آلة التعريف واصل الكلمة والملامية يطرحون منها آلة التعريف لانها زائدة على اصل الكلمة قال العلماء الاسم هو اللفظ الدال على المعنى بالوضع والمسمى هو المعنى الموضع له والتسمية وضع اللفظ له او إطلاقه عليه واطلاق الاسم على الله تعالى توقيفى عند البعض بحيث لا يصح اطلاق شيء منه عليه الا بعد ان كان واردا في القرآن او الحديث الصحيح وقال آخرون كل لفظ دل على معنى(9/468)
يليق بجلال الله وشأنه فهو جائز الإطلاق وإلا فلا ومن أدلة الأولين ان الله عالم بلا مرية فيقال له عالم وعليم وعلام لوروده في الشرع ولا يقال له عارف او فقيه او متيقن الى غير ذلك مما يفيد معنى العلم ومن أدلة الآخرين ان الأسماء الله وصفاته مذكورة بالفارسية والتركية والهندية وغيرها مع انها لم ترد في القرآن والحديث ولا في الاخبار وان المسلمين اجمعوا على جواز إطلاقها ومنها ان الله تعالى قال ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها والاسم لا يحسن الا لدلالته على صفات الكمال ونعوت الجلال فكل اسم دل على هذه المعاني كان اسما حسنا وانه لا فائدة في الألفاظ الا رعاية المعاني فاذا كانت المعاني صحيحة كان المنع من اطلاق اللفظ المفيد غير لائق غاية ما في الباب أن يكون وضع اسم علما له مستحدثا وذكر ما يوهم معنى غير لائق به تعالى ليس بأدب اما ذكر ما هو دال على معنى حسن ليس فيه إيهام معنى مستنكر مستنفر فليس فيه من سوء الأدب شيء يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ينطق بتنزهه عن جميع النقائص تنزها ظاهرا قال في كشف الاسرار يسبح له جميع الأشياء اما بيانا ونطقا واما برهانا وخلقا وقد مر الكلام في هذا التسبيح مرارا وجمهور المحققين على انه تسبيح عبارة وهو لا ينافى تسبيح الاشارة وكذا العكس وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الجامع للكمالات كافة فانها مع تكثرها وتشعبها راجعة الى الكمال في القدرة والعلم قال الامام الغزالي رحمه الله الحكيم ذو الحكمة والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأجل العلوم وأجل الأشياء هو الله تعالى وأجل العلوم هو العلم الأزلي الدائم الذي لا يتصور زواله فليس يعلم الله حقيقة الا الله ومن عرف جميع الأشياء ولم يعرف الله بقدر الطاقة البشرية لم يستحق أن يسمى حكيما فمن عرف الله فهو حكيم وان كان ضعيف القوة فى العلوم الرسمية كليل اللسان قاصر البيان فيها الا ان نسبة حكمة العبد الى حكمة الله كنسبة معرفته الى معرفته بذاته وشتان بين المعرفتين فشتان بين الحكمتين ولكنه مع بعده عنه هو أنفس المعارف وأكثرها خيرا ومن يؤت الحكمة فقد اوتى خيرا كثيرا وما يذكر الا أولوا الألباب وعبد الحكيم هو الذي بصره الله بمواقع الحكمة في الأشياء ووفقه للسداد فى القول والصواب في العمل وهو يرى خللا في شيء إلا يسده ولا فسادا الا يصلحه وخاصية هذا الاسم دفع الدواهي وفتح باب الحكمة فمن اكثر ذكره صرف الله عنه ما يخشاه من الدواهي وفتح له باب الحكمة وانما مدح الله نفسه بهذه الصفات العظام تعليما لعباده المدح بصفاته العلى بعد فهم معانيها ومعرفة استحقاقه بذلك طلبا لزيادة تقربهم اليه قال ابو الليث في تفسيره فان قال قائل قد قال الله فلا تزكوا أنفسكم فما الحكمة في ان الله تعالى نهى عباده عن مدح أنفسهم ومدح نفسه قيل له عن هذا السؤال جوابان أحدهما ان العبد وان كان فيه خصال الخير فهو ناقص وإذا كان ناقصا لا يجوز له أن يمدح نفسه والله تعالى تام الملك والقدرة فيستوجب بهما المدح فمدح نفسه ليعلم عباده فيمدحوه والجواب الآخر أن العبد وان كان فيه خصال الخير فتلك إفضال من الله تعالى ولم يكن ذلك بقوة العبد فلهذا لا يجوز أن يمدح نفسه ونظير هذا ان الله تعالى نهى عباده أن يمنوا على أحد بالمعروف وقد من على عباده للمعنى(9/469)
الذي ذكر في المدح قال بعض الكبار تزكية الإنسان لنفسه سم قاتل وهى من باب شهادة الزور لجهله بمقامه عند الله الا أن يترتب على ذلك مصلحة دينية فللانسان ذلك كما قال عليه السلام انا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر اى لا افتخر عليكم بالسيادة انما الفخر بالعبودية
والفخر بالذات لا يكون الا لله وحده واما الفخر في عباده فانما هو للرتب فيقال صفة العلم أفضل من صفة الجهل ونحو ذلك ولا يخفى ان الرتب نسبة عدمية فما افتخر من افتخر الا بالعدم ولذلك امر الله نبيه أن يقول انما انا بشر مثلكم فلم ير لذاته فضلا على غيره ثم ذكر شرف الرتبة بقوله يوحى الى اعلم ان الاولى لك أن تسكت عن بحثين وتكل العلم فيهما الى الله العليم الخبير أحدهما ما يكون بين العلماء من ان صفات الله الثابتة هل هى موجودات بوجودات مستقلة غير وجوده تعالى اولا بعد الايمان باتصافه تعالى بها وكمالها ودوامها والثاني ما يكون بين المشايخ من ان الوجود هل هو واحد والله سبحانه وتعالى هو ذلك الوجود وسائر الموجودات مظاهر له لا وجود لها بالاستقلال اوله تعالى وجود زائد على ذاته واجب لها مقتضية هى إياه ولغيره تعالى من الموجودات وجودات اخر غير الوجود الواجب على ما هو البحث الطويل بينهم والى ذلك يرشدك ما قالوا من ان ما اتصف الله به فهو واجب لا يتغير أصلا وما لم يتصف به فهو ممتنع لا يكون قطعا فاذا اختلف اثنان في ذاته وصفاته تعالى فلا جرم ان واحدا منهما اما ينفى الواجب او يثبت الممتنع وكلاهما مشكل وان ما أبهم علمه فالأدب فيه السكوت بعد الايمان بما ظهر من القرآن والحديث واتفاق الصحابة رضى الله عنهم فان المرء لا يسأل الا عن علم لزمه في اقامة الطاعة وادامة العبادة لمولاه قال صاحب الشرعة ولا يناظر أحد في ذات الله وصفاته المتعالي عن القياس والأشباه والأوهام والخطرات وفي الحديث ان هلاك هذه الامة إذا نطقوا فى ربهم وان ذلك من اشراط الساعة فقد كان عليه السلام يخر ساجدا لله تعالى متى ما سمع ما يتعالى عنه رب العزة ولا يجيب السائل عن الله الا بمثل ما جاء به القرآن في آخر سورة الحشر من ذكر أفعاله وصفاته ولا يدقق الكلام فيه تدقيقا فان ذلك من الشيطان وضرر ذلك وفساده اكثر من نفعه قال بعض الكبار ما في الفرق الاسلامية أسوأ حالا من المتكلمين لانهم ادعوا معرفة الله بالعقل على حسب ما أعطاهم نظرهم القاصر فان الحق منزه عن أن يدرك او يعلم بأوصاف خلقه عقلا كان او علما روحا كان او سرا فان الله ما جعل الحواس الظاهرة والباطنة طريقا الا الى معرفة المحسوسات لا غير والعقل بلا شك منها فلا يدرك الحق بها لانه تعالى ليس بمحسوس ولا بمعلوم معقول وقد تبين لك بهذا خطأ جميع من تكلم فى الحق وصفاته بما لم يعلمه من الحق ولا من رسله عليه السلام وقال بعض العارفين سبب توقف العقول في قبول ما جاء في الكتاب والسنة من آيات الصفات واخبارها حتى يؤول ضعفها وعدم ذوقها فلو ذاقوا كاذاقة الأنبياء وعملوا على ذلك بالايمان كما عملت الطائفة لأعطاهم الكشف ما اجاله العقل من حيث فكره ولم يتوقفوا في نسبة تلك الأوصاف الى الحق فاعلم ذلك وعمل به تعرف أن علم القوم هو الفلك المحيط الحاوي على جميع العلوم(9/470)
(حكى) ان الفاضل محمد الشهرستاني صاحب كتاب الملل والنحل كان من كبار المتكلمين وفحولهم وكان له بحث كثير في علم الكلام ربما لم يسبق اليه سواه حتى جمع في ذلك الكتاب تلك المباحث القطعية ثم انتهى امره الى العجز فيه والتحير في ذاته حتى رجع الى مذهب العجائز فقال عليكم بدين العجائز فانه من أسنى الجوائز وانشد
لقد طفت في تلك المعاهد كلها ... وسيرت طرفى بين تلك المعالم
فلم أر الا واضعا كف حائر ... على ذقن أو قارعا سن نادم
ثم قال والوجه أن يعتقد العبد الدين الذي جاء به محمد عليه السلام ودعا اليه واليه أناب ولا يدخل في ذلك شيأ من نظر عقله لا في تنزيه ولا في تشبيه بل يؤمن بكل آية جاءت فى ذات الله وصفاته على بابها ويكل علمها الى الله الذي وصف ذاته بها هذا هو طريق السلامة والدين الصحيح وعلى ذلك كانت الصحابة والسلف الصالحون رضى الله عنهم واليه ينتهى الراسخون في العلم والعقلاء المحققون عند آخر أمرهم ومن وفقه الله كان عليه وآل نظره اليه ومن بقي على ما أعطاه نظره واجتهاده فليس ذلك بمتبع محمدا عليه السلام فيما جاء به مطلقا لانه ادخل فيه حاصل نظره وتأويله واتكل على رأيه وعقله وهذه وصيتي إليكم ان أردتم السلامة وعدم المطالبة ومن أراد غير ذلك لم ينج من السؤال وكان على خطر في المآل لان القطع بما أراد الله عسير فانا رأينا العقلاء اختلفت أدلتهم في الله فالمعتزلى يخالف الأشعري وبالعكس وهم يخالفون الحكماء وبالعكس كل طائفة تجهل الأخرى وتكفرها فعلمنا ان سبب ذلك هو اختلاف نظرهم وعدم عثورهم على الدليل الصحيح اما كلهم او بعضهم ورأينا الأنبياء عليهم السلام لم يختلف منهم اثنان في الله قط عز وجل وكل دعوا اليه تعالى على باب واحد وكان اختلافهم في فروع الاحكام بحكم الله تعالى لا في أصولها قط قال الله تعالى سبحانه شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه فقوله ولا تتفرقوا فيه دليل على اجتماعهم على امر واحد في الأصول لانه الفروع معلومة بوقوع الاختلاف فيها وذلك لا يضر وانما يضر الاختلاف في الأصول إذ لو وقع الاختلاف فيها لما وقع الاتفاق ولكانت الدعوة لا تصح لان الإله الذي يدعو أليه هذا غير الا له الذي يدعو ذلك اليه والله تعالى قال وإلهكم اله واحد وعم الطوائف كلها من آدم عليه السلام بالخطاب وهلم جرا الى يوم القيامة الى هنا من كلامه أورده حضرة الشيخ صدر الدين قدس سره في رسالته المعمولة وصية للطالبين وعظة للراغبين ثم اعلم ان من شرف هذه الأسماء المذكورة في الآخر ما قال ابو هريرة رضى الله عنه سألت حبيبى رسول الله عليه السلام عن اسم الله الأعظم فقال هو في آخر الحشر وفي عين المعاني قال عليه السلام سألت جبريل عن اسم الله الأعظم فقال عليك بآخر الحشر فاكثر قراءته فأعدت عليه فأعاد على وعنه عليه السلام من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر الحشر وكل الله به سبعين الف ملك يصلون عليه وفي بعض الروايات(9/471)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)
يحرسونه حتى يمسى فان مات في ذلك اليوم مات شهيدا ومن قالها حين يمسى كان بتلك المنزلة رواه معقل بن يسار رضى الله عنه وانما جمع بين استعاذة وقراءة آخر الحشر والله اعلم لان في الاستعاذة الاشعار بكمال العجز والعبودية وفي آخر الحشر الإقرار بجلال القدرة والعظمة والربوبية فالاول تخلية عن العجب والعبودية وفي آخر الحشر الإقرار بجلال القدرة والعظمة والربوبية فالاول تخلية عن العجب والثاني تخلية بالايمان الحق وبهما يتحقق منزل قوله تعالى الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة فيترتب عليه قوله تعالى الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا الآية كما في تفسير الفاتحة للمولى الفنارى رحمه الله وعن أبى امامة رضى الله عنه يقول قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قرأ خواتيم الحشر من ليل او نهار فقبض من ذلك اليوم او الليلة فقد استوجب الجنة وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قرأ سورة الخشر لم يبق جنة ولا نار ولا عرش ولا كرسى ولا حجاب ولا السموات السبع والأرضون السبع والهوام والطير والريح والشجر والدواب والجبال والشمس والقمر والملائكة الا صلوا عليه فان مات اى من
يومه او ليلته مات شهيدا كما في كشف الاسرار وقوله مات شهيدا اى يثاب ثواب الشهادة على مرتبة وللشهادة مراتب قد مرت تمت سورة الحشر في اواخر شهر الله رجب المنتظم في سلك شهور سنة خمس عشرة ومائة والف
تفسير سورة الممتحنة
مدينة وآيها ثلاث عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم لعل الممتحنة مأخوذة من قول الله تعالى فيما بعد يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله اعلم بايمانهن امر الله المؤمنين هناك بالامتحان فهم الممتحنون بكسر الحاء مجازا للمبالغة وأضيفت السورة إليها وسميت بسورة الممتحنة مثل سورة الفاتحة قيل ان اضافة السورة الى الفاتحة من قبيل اضافة العام الى الخاص ولا بعد أن تكون من قبيل اضافة المسمى الى اسمه مثل كتاب الكشاف فان الفاتحة من جملة اسماء سورة الفاتحة وقس على ذلك سورة الممتحنة ويحتمل أن يكون المراد الجماعة الممتحنة اى المأمور بامتحانها ويؤيده ما روى انه قد تفتح الحاء فيكون المراد النساء المحتبرة فالاضافة بمعنى اللام التخصيصية اى سورة تذكر فيها النساء الممتحنة مثل سورة البقرة وأمثالها ويحتمل أن يكون مصدرا ميميا بمعنى الامتحان على ما هو المشهور من ان المصدر الميمى واسماء المفعول والزمان والمكان فيما زاد على الثلاثي تكون على صيغة واحدة اى سورة الامتحان مثل سورة الإسراء وغيرها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ نزلت في حاطب ابن أبى بلتعة العبسي وحاطب بالحاء المهملة قال في كشف الاسرار ولد في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصله من الأزد وهو حى باليمن واعتقه عبيد الله بن حميد بن زهير الذي قتله على رضى الله عنه يوم بدر كافرا وكان حاطب يبيع الطعام ومات بالمدينة وصلّى عليه عثمان بن عفان رضى الله عنه وكان من المهاجرين(9/472)
وشهد بدرا وبيعة الرضوان وعمم الله الخطاب في الآية تعميما للنصح والعدو فعول من عدا كعفو من عفا ولكونه على زنة المصدر أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد والمراد هنا كفار قريش وذلك انه لما تجهز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لغزوة الفتح في السنة الثامنة من الهجرة كتب حاطب الى أهل مكة ان رسول الله يريدكم فخذوا خذركم فانه قد توجه إليكم في جيش كالليل وأرسل الكتاب مع سارة مولاة بنى عبد المطلب اى معتقتهم وأعطاها عشرة دنانير وبردة وكانت سارة قدمت من مكة وكانت مغنية فقال لها عليه السلام لماذا جئت فقالت جئت لتعطينى شيأ فقال ما فعلت بعطياتك من شبان قريش فقالت مذ قتلتهم ببدر لم يصل الى شيء الا القليل فأعطاها شيأ فرجعت الى مكة ومعها كتاب حاطب فنزل جبرائيل عليه السلام بالخبر فبعث رسول الله عليه السلام عليا وعمارا وطلحة والزبير والمقداد وأبا مرثد وقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ موضع بين الحرمين وخاخ بالمعجمتين يصرف ويمنع فان بها ظعينة وهى المرأة ما دامت في الهودج وإذا لم تكن فيه فهى المرأة معها كتاب حاطب الى اهل مكة فخذوه منها فخلوها فان أبت فاضربوا عنقها فادر كوهاثمة فجحدت فسل على رضى الله عنه سيفه فأخرجته من عقاصها اى من ضفائرها (روى) ان رسول الله عليه السلام أمن جميع الناس يوم فتح مكة الا اربعة هى أحدهم فأمر بقتلها فاستحضر رسول الله حاطبا فقال ما حملك على هذا فقال يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك الغش ترك النصح والنصح عبارة عن التصديق بنبوته ورسالته والانقياد لأوامره ونواهيه ولكننى كنت امرأ ملصقا في قريش اى حليفا ولم أكن من أنفسهم ومن معك من المهاجرين كان له فيهم قرابات يحمون أهاليهم وأموالهم وليس فيهم من يحمى أهلي فأردت أن آخذ عندهم يدا اى اجعل عندهم نعمة ولم افعله كفرا وارتدادا عن دينى وقد علمت ان كتابى لا يغنى عنهم شيأ فصدقه رسول الله وقبل عذره فقال عمر رضى الله عنه يا رسول الله دعنى أضرب عنق هذا المنافق فقال يا عمر انه شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرا فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ففاضت عينا عمر رضى الله عنه وفي القصة اشارة الى جواز هتك ستر الجواسيس وهتك أستار المفسدين إذا كان فيه مصلحة او في ستره مفسدة وان من تعاطى امرا محظورا ثم ادعى لم تأويلا محتملا قبل منه وان العذر مقبول عند كرام الناس (روى) ان حاطبا رضى الله عنه لما سمع يا أيها الذين آمنوا غشى عليه من الفرح بخطاب الايمان لما علم ان الكتاب المذكور ما أخرجه عن الايمان لسلامة عقيدته ودل قوله
وعدوكم على إخلاصه فان الكافر ليس بعد وللمنافق بل للمخلص تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ الود محبة الشيء وتمنى كونه ويستعمل فى كل واحد من المعنيين اى توصلون محبتكم بالمكاتبة ونحوها من الأسباب التي تدل على المودة على ان الباء زائدة في المفعول كما في قوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة او تلقون إليهم أخبار النبي عليه السلام بسبب المودة التي بينكم وبينهم فيكون المفعول(9/473)
محذوفا للعلم به والباء للسببية والجملة حال من فاعل لا تتخذوا اى لا تتخذوا حال كونكم ملقين المودة فان قلت قدنهوا عن اتخاذهم اولياء مطلقا في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء والتقييد بالحال يوهم جواز اتخاذهم اولياء إذا انتفى الحال قلت عدم جوازه مطلقا لما علم من القواعد الشرعية تبين انه لا مفهوم للحال هنا البتة فان قلت كيف قال لا تتخذوا عدوى وعدوكم اولياء والعداوة والمحبة لكونهما متنافيتين لا تجتمعان في محل واحد والنهى عن الجمع بينهما فرع إمكان اجتماعهما قلت انما كان الكفار أعداء للمؤمنين بالنسبة الى معاداتهم لله ورسوله ومع ذلك يجوز أن يتحقق بينهم الموالاة والصداقة بالنسبة الى لامور الدنيوية والأغراض النفسانية فنهى الله عن ذلك يعنى فلم يتحقق وحدة النسبة من الوحدات الثمان وحيث لم يكتف بقوله عدوى بل زاد قوله وعدوكم دل على عدم مروءتهم وفتوتهم فانه يكفى في عداوتهم لهم وترك موالاتهم كونهم أعداء الله سوآء كانوا أعداء لهم أم لا وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ حال من فاعل تلقون والحق هو القرآن او دين الإسلام او الرسول عليه السلام يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ حال من فاعل كفروا اى مخرجين الرسول وإياكم من مكة والمضارع لاستحضار الصورة أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ تعليل للاخراج وفيه تغليب المخاطب على الغائب اى على الرسول والالتفات من التكلم الى الغيبة حيث لم يقل ان تؤمنوا بي للاشعار بما يوجب الايمان من الالوهية والربوبية إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي متعلق بلا تتخذوا كأنه قيل لانتولوا أعدائي ان كنتم أوليائي وانتصاب جهادا وابتغاء على انهما مفعول لهما لخرجتم اى ان كنتم خرجتم عن او طانكم لاجل هذين فلا تتخذوهم اولياء ولا تلقوا إليهم بالمودة والجهاد بالكسر القتال مع العدو كالمجاهدة وفي التعريفات هو الدعاء الى الدين الحق وفي المفردات الجهاد والمجاهدة استفراغ الوسع في مدافعة العدو وهو جهاد العدو الظاهر وجهاد الشيطان وجهاد النفس ويكون باليد واللسان والمرضاة مصدر كالرضى وفي عطف وابتغاء مرضاتى على جهادا في سبيلى تصريح بما علم التزاما فان الجهاد في سبيل الله انما هولاء علاء دين الله لا لغرض آخر واسنادا لخروج إليهم معللا بالجهاد والابتغاء يدل على ان المراد من إخراج الكفرة كونهم سببا لخروجهم بأذيتهم لهم فلا ينافى تلك السببية كون ارادة الجهاد والابتغاء علة له تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ استئناف وارد على نهج العتاب والتوبيخ كأنهم سألوا ماذا صدر عنا حتى عوتبنا فقيل تلقون إليهم المودة سرا على ان الباء صلة جيئ بها لتأكيد التعدية او الاخبار بسبب المودة ويجوز أن يكون تعدية الاسرار بالباء لحمله على نقيضه الذي هو الجهر وَأَنَا أَعْلَمُ حال من فاعل تسرون اى والحال انى اعلم منكم بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ من مودة الأعداء والاعتذار وغير ذلك فاذا كان بينهما تساوفى العلم فأى فائدة في الاسرار والاعتذار وَمَنْ وهر كه يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ اى الاتخاذ المنهي عنه اى ومن يفعل ما نهيت عنه من موالاتهم والأقرب من يفعل الاسرار فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ فقد اخطأ طريق الحق والصواب الموصل(9/474)
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)
الى الفوز بالسعادة الابدية وبالفارسية پس بدرستى كه او از راه راست كم شد وهو من اضافة الصفة الى الموصوف وضل متعد وسوآء السبيل مفعوله ويجوز أن يجعل قاصرا وينتصب سوآء السبيل على الظرفية قال القرطبي هذا كله معاتبة لحاطب وهو يدل على فضله ونصيحته لرسول الله وصدق إيمانه فان المعاتبة لا تكون الا من حبيب لحبيب كما قيل إذا ذهب العتاب فليس ود ويبقى الود ما بقي العتاب والعتاب اظهار الغضب على أحد لشيء مع بقاء المحبة بالترك وفي الآية اشارة الى عداوة النفس والهوى والشيطان فانها تبغض عبادة الله وتبغض عباد الله ايضا إذا لم يكونوا مطيعين لها في إنفاذ شهواتها وتحصيل مراداتها واصل عداوة النفس أن تفطمها من مألوفاتها وتحبسها في محبس المجاهدة وعلامة حب الله بغض عدو الله قال عليه السلام أفضل الايمان الحب في الله والبعض في الله قال أبو حفص رحمه الله من أحب نفسه فقد اتخذ عدو الله وعدوه وليا وان النفس تخالف ما أمرت به وتعرض عن سبيل الرشد وتهلك محبها ومتبعها في أول قدم وجاء في اخبار داود عليه السلام يا داود عاد نفسك فليس لى في المملكة منازع غيرها وفي كشف الاسرار بلشكر اندك روم از قيصر بتوان ستد وبجمله اولياى روى زمين نفس را از يكى نتوان ستد زيرا نفس را حيل بسيارست احمد حضرويه بلخى رحمه الله كويد نفس خود را بانواع رياضات ومجاهدات مقهور كرده بودم روزى نشاط غزا كرد عجب داشتم كه از نفس نشاط طاعت نيايد كفتم در زير اين كويى چهـ مكر باشد مكر در كرسنكى طاقت نمى دارد كه پيوسته او را روزه همى فرمايم خواهد در سفر روزه بگشايد كفتم اى نفس اگر اين سفر پيش گيرم روزه نگشايم كفت روا دارم كفتم مكر از آنست كه طاقت نماز شب نميدارد ميخواهد كه در سفر بخسبد كفتم در سفر قيام شب كم نكنم جنانكه در حضر كفت روا دارم تفكر كردم كه مكر از ان نشاط سفر غزا كرده كه در حضر با خلق مى نياميزد كه او را در خلوت وعزلت ميدارم مرادش آنست كه با خلق صحبت كند كفتم اى نفس هر جا كه روم درين سفر ترا بخرابه فرو آرم كه هيچ خلق را نه بينى كفت روا دارم از دست وى عاجز ماندم بالله تعالى زاريدم وتضرع كردم تا از مكر وى مرا آگاهى داد كه در غزا كشتن يكبارگى باشد وبهمه جهان شود كه احمد حضرويه بغزا شهادت يافت كفتم سبحان الله آن خداونديكه نفسى آفريند بدين معيوبى كه بدنيا منافق باشد وبعد از مرك مرايى باشد نه درين جهان حقيقت اسلام خواهد نه در آن جهان آنكه كفتم اى نفس اماره والله كه باين غزا نروم تا تو در زير طاعت زنا ربندى پس در حضر آن رياضات ومجاهدات كه در ان بودم زيادت كردم قوله بما أخفيتم اى من دعوى الانانية وما أعلنتم من العبودية كما هو شأن النفس وقال ابو الحسين الوارق رحمه الله بما أخفيتم في باطنكم من المعصية وما أعلنتم في ظاهركم للخلق من الطاعة انتهى إِنْ يَثْقَفُوكُمْ اى يظفروا بكم ويتمكنوا منكم والثقف الحذق في ادراك الشيء وفعله وثقفت كذا إذا أدركته ببصرك لحذق في النظر ثم قد تجوز به فاستعمل في الإدراك وان لم يكن معه ثقافة كما في هذا الموضع ونحوه يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً اى يظهروا ما في قلوبهم من العداوة(9/475)
لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)
ويرتبوا عليها أحكامها ولا ينفعكم إلقاء المودة إليهم وَيَبْسُطُوا ويطيلوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ او بما يسوءكم من القتل والاسر والشتم وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ اى تمتوا ارتدادكم وكونكم مثلهم كقوله ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم فكلمة لو هنا مصدرية وصيغة الماضي للايذان بتحقق ودادتهم قبل أن يثقفوهم ايضا فهو معطوف على يبسطوا لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ اى قراباتكم قال الراغب الرحم رحم المرأة وهى في الأصل وعاء الولد في بطن امه ومنه استعير الرحم للقرابة لكونهم خارجين من رحم واحدة وَلا أَوْلادُكُمْ الذين توالون المشركين لاجلهم وتتقربون إليهم محاماة عليهم جمع ولد بمعنى المولود يعم الذكر والأنثى يَوْمَ الْقِيامَةِ بجلب نفع او دفع ضر ظرف لقوله لن تنفعكم فيوقف عليه ويبتدأ بما بعده يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ استئناف لبيان عدم نفع الأرحام والأولاد يومئذ اى يفرق الله بينكم بما اعتراكم من الهول الموجب لفرار كل منكم من الآخر حسبما نطق به قوله تعالى يوم يفر المرء من أخيه وامه الآية فما لكم ترفضون حق الله لمراعاة حق من يفر منكم غدا وقيل يفرق بين الوالد وولده وبين القريب وقريبه فيدخل أهل طاعته الجنة واهل معصيته النار وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فيجازيكم به وهو ابلغ من خبير لانه جعله كالمحسوس بحس البصر مع ان المعلوم هنا أكثره المبصرات من الكتاب والإتيان بمن يحمل الكتاب وإعطاء الاجرة للحمل وغيرها وفي الآية اشارة الى عدواة النفس وصفاتها للروح وأخلاقه فان النفس ظلمانية سفلية كثيفة والروح وقواه نورانية علوية لطيفة ولا شك ان بين النور والظلمة تدافعا ولذا تجتهد النفس أن تغلب الروح بظلمانيتها حتى يكون الحكم لها في مملكة الوجود وهو تصرفها باليد واما بسط لسانها بالسوء فبمدح الأخلاق الذميمة وذم الأخلاق الحميدة فالقالب كبلد فيه اشراف وارذال كل بطن واحد لان القوى الخيرة والشريرة انما حصلت من ازدواج الروح مع القالب فالنفس وصفاتها من الأرذال وعلى مشرب قابيل وكنعان ولدي آدم ونوح عليهما السلام فليست من الأهل في الحقيقة والروح وقواه من الاشراف وعلى مشرب هابيل ونحوه فهى من الأهل في الحقيقة ولذا تنقطع هذه النسبة يوم القيامة فيكون الروح في النعيم والنفس فى الجحيم عند تجلى اللطف والجمال والقهر والجلال جعلنا الله وإياكم من اهل الكمال والنوال قَدْ كانَتْ لَكُمْ أيها المؤمنون أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ قال الراغب الاسوة والاسوة كالقدوة والقدوة هى الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره ان حسنا وان قبيحا وان سارا وان ضارا والاسى الحزن وحقيقته اتباع الفائت بالغم والمعنى خصلة حميدة حقيقة بأن يؤتسى ويقتدى بها ويتبع اثرها قوله أسوة اسم كانت ولكم خبرها وحسنة صفة أسوة مقيدة ان عمت الاسوة المحمودة والمذمومة وكاشفة مادحة ان لم تعم فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ اى من أصحابه المؤمنين صفة ثانية لاسوة وقولهم لى في فلان أسوة اى قدوة من باب التجريد لا ان فلانا نفسه هو القدوة ويجوز أن يكون على حذف المضاف اى لى في سنته وأفعاله وأقواله وقيل المراد الأنبياء الذين كانوا في عصره وقريبا منه قال ابن عطية وهذا القول أرجح لانه لم يرد(9/476)
أن ابراهيم كان له اتباع مؤمنون في مكافحة نمرود وفي البخاري انه قال لسارة حين رحل بها الى الشام مهاجرا بلاد نمرود ما على الأرض من يعبد الله غيرى وغيرك إِذْ قالُوا ظرف لخبر كان ومعمول له او لكان نفسها عند من جوز عملها في الظرف وهو الأصح لِقَوْمِهِمْ الكفار إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ جميع بريئ كظريف وظرفاء يعنى ما بيزاريم از شما وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من أصنام أظهروا البراءة اولا من أنفسهم مبالغة وثانيا من عملهم الشرك إذ المقصود من البراءة اولا من معبودهم هو البراءة من عبادته ويحتمل أن تكون البراءة منهم أن لا يصاحبوهم ولا يخالطوهم ومن معبودهم أن لا يقربوا منه ولا يلتفتوا نحوه ويحتمل أن تكون البراءة منهم بمعنى البراءة من قرابتهم لان الشرك يفصل بين القرابات ويقطع الموالاة وحاصل الآية هلا فعلتم كما فعل ابراهيم حيث تبرأ من أبيه وقومه لكفرهم وكذا المؤمنون كَفَرْنا بِكُمْ اى
بدينكم على إضمار المضاف والكفر مجاز عن عدم الاعتداد والجحد والإنكار فان الدين الباطل ليس بشيء إذ الدين الحق عند الله هو الإسلام وَبَدا بدا الشيء بدوا وبداء اى ظهر ظهورا بينا والبادية كل مكان يبدو ما يعن فيه اى يعرض بَيْنَنا ظرف لبدا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً اى هذا دأبنا معكم لا نتركه والبغض ضد الحب (وقال الكاشفى) وآشكار أشد ميان ما وشما دشمنى بدل ودشمنى بدست يعنى محاربه ابدا هميشه يعنى پيوسته دشمنى قائم خواهد بود در ميان بدل ودست حَتَّى غاية لبدا تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وتتروكوا ما أنتم عليه من الشرك فتنقلب العداوة حينئذ ولاية والبغضاء محبة والمقت مقة والوحشة الفة فالبغض نفور النفس من الشيء الذي ترغب عنه والحب انجذاب النفس الى الشيء الذي ترغب فيه فان قلت ما وجه قوله حتى تؤمنوا بالله وحده ولا بد في الايمان من الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر قلت الايمان بالله في حال وحدته يستلزم الايمان بالجميع مع ان المراد الوحدة الالهية ردا للاصنام قال بعض المشايخ أسوة ابراهيم خلة الله والتبري مما دون الله والتخلق بخلق الله والتأوه والبكاء من شوق الله وقال ابن عطاء رحمه الله الاسوة القدوة بالخليل في الظاهر من الأخلاق الشريفة وهو السخاء وحسن الخلق واتباع ما امر به على الكرب وفي الباطن الإخلاص فى جميع الافعال والإقبال عليه في كل الأوقات وطرح الكل في ذات الله تعالى وأسوة رسول الله عليه السلام في الظاهر العبادات دون البواطن والاسرار لان أسراره لا يطيقها أحد من الخلق لانه باين الامة بالمكان ليلة المعراج ووقع عليه تجلى الذات
سپهدار رسل سر خيل دركاه ... سرير افروز ملك لى مع الله
إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ آزر لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ يا أبى استثناء من قوله تعالى أسوة حسنة فان استغفاره عليه السلام لأبيه الكافر وان كان جائزا عقلا وشرعا لوقومه قبل تبين انه من اصحاب الجحيم كما نطق به النص لكنه ليس مما ينبغى أن يؤتسى به أصلا إذ المراد به ما يجب الائتساء به حتما لورود الوعيد على الاعراض عنه بما سيأتى من قوله تعالى ومن يتول فان الله هو الغنى الحميد فاستثناؤه من الاسوة انما يفيد عدم استدعاء الايمان(9/477)
رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)
والمغفرة للكافر المرجو إيمانه وذلك مما لا يرتاب فيه عاقل واما عدم جوازه فلا دلالة للاستثناء عليه قطعا وحمل الأب على العم يخالف العقل والنقل لان الله تعالى يخرج الحي من الميت والعبرة بالحسب لا بالنسب وعن على رضى الله عنه شرف المرء بالعلم والأدب لا بالأصل والنسب
هنر بنماى اگر دارى نه كوهر ... كل از خارست وابراهيم از آزر
وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ من تمام القول المستثنى فمحله النصب على انه حال من فاعل لاستغفرن لك اى استغفر لك وليس في طاقتى الا الاستغفار دون منع العذاب ان لم تؤمن فمورد الاستثناء نفس الاستغفار لا قيده الذي هو في نفسه من خصال الخير لكونه إظهارا للعجز وتفويضا للامر الى الله تعالى وفي هذه الآية دلالة بينه على تفضيل نبيه محمد عليه السلام وذلك انه حين امر بالاقتداء به امر على الإطلاق ولم يستثن فقال وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وحين امر بالاقتداء بإبراهيم استثنى وايضا قال تعالى في سورة الأحزاب لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا فأطلق الاقتداء ولم يقيده بشيء (قال الصائب)
هلاك حسن خدا داد او شوم كه سراپا ... چوشعر حافظ شيرازى انتخاب ندارد
رَبَّنا إلخ من تمام ما نقل عن ابراهيم ومن معه من الاسوة الحسنة عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا اعتمدنا يعنى از خلق بريديم واعتماد كلى بر كرم تو نموديم وَإِلَيْكَ أَنَبْنا رجعنا بالاعتراف بذنوبنا وبالطاعة وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ اى الرجوع في الآخرة وتقديم الجار والمجرور لقصر التوكل والانابة والمصير على الله تعالى
سوى تو كرديم روى ودل بتو بستيم ... ز همه باز آمديم وبا تو نشستيم
هر چهـ نه پيوند يار بود بريديم ... هر چهـ نه پيمان دوست بود كسستيم
قالوه بعد لمجاهدة وشق العصا التجاء الى الله تعالى في جميع أمورهم لا سيما في مدافعة الكفرة وكفاية شرورهم كما ينطق به قوله تعالى رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا بأن تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب لا نطيقه فالفتنة بمعنى المفعول وربنا بدل من الاول وكذا قوله ربنا فيما بعده وقال بعضهم ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا فتقتر علينا الرزق وتبسطه عليهم فيظنوا انهم على الحق ونحن على الباطل وَاغْفِرْ لَنا ما فرط منا من الذنوب والا كان سببا لظهور العيوب وباعثا للابتلاء المهروب رَبَّنا تكرير النداء للمبالغة في التضرع والجؤار فيكون لا حقا بما قبله ويجوز أن يكون سابقا لما بعده توسلا الى الثناء بإثبات العزة والحكمة والاول اظهر وعليه ميل السجاوندى حيث وضع علامة الوقف الجائز على ربنا وهو في اصطلاحه ما يجوز فيه الوصل والفصل باعتبارين وتلك العلامة الجيم بمسماه وهو «ج» إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الغالب الذي لا يذل من التجأ اليه ولا يخيب رجاء من توكل عليه الْحَكِيمُ لا يفعل الا ما فيه حكمة بالغة وقال بعض أهل الاشارة تعز أولياءك بالفناء فيك وتحييهم ببقائك بلطائف حكمتك فيكون المراد بالفتنة غلبة ظلمة النفس(9/478)
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6)
والهوى وبالمغفرة الستر بالهوية الاحدية عن الآنيات وبالصفات الواحدية عن التعينات لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ اى في ابراهيم ومن معه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ تكرير للمبالغة في الحث على الاتساء به عليه السلام وذلك صدر بالقسم وجعله الطيبي من التعميم بعد التخصيص وفي برهان القرآن كرر لان الاول في القول والثاني في الفعل وفي فتح الرحمن الاولى أسوة في العداوة والثانية في الخوف والخشية وفي كشف الاسرار الاولى متعلقة بالبراءة من الكفار ومن فعلهم والثانية امر بالائتساء بهم لينالوا من ثوابهم ما نالوا وينقلبوا الى الآخرة كانقلابهم لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ بالايمان بلقائه وَالْيَوْمَ الْآخِرَ بالتصديق بوقوعه وقيل يخاف الله ويخاف عذاب الآخرة لان الرجاء والخوف يتلا زمان والرجاء ظن يقتضى حصول ما فيه مسرة وفي المفردات الرجاء والطمع توقع محبوب عن امارة مظنونة او معلومة والخوف توقع مكروه عن امارة مظنونة او معلومة وفي بعض التفاسير الرجاء يجيئ بمعنى توقع الخير وهو الأمل وبمعنى توقع الشر وهو الخوف وبمعنى التوقع مطلقا وهو فى الاول حقيقة وفي الأخيرين مجاز وفي الثاني من قبيل ذكر الشيء وارادة ضده وهو جائز وفي الثالث من قبيل ذكر الخاص وارادة العام وهو كثير قوله لمن كان إلخ بدل من لكم وفائدته الإيذان بان من يؤمن بالله واليوم الآخر لا يترك الاقتداء بهم وان تركه من مخايل عدم الايمان بهما كما ينبئ عنه قوله تعالى وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ فانه مما يوعد بأمثاله الكفرة اى ومن يعرض عن الاقتداء بهم في التبري من الكفار ووالاهم فان الله هو الغنى وحده عن خلقه وعن موالاتهم ونصرتهم لاهل دينه لم يتعبدهم لحاجته إليهم بل هو ولى دينه وناصر حزبه وهو الحميد المستحق للحمد في ذاته ومن صحاح الأحاديث القدسية يا عبادى انكم لن تبلغوا ضرى فتضرونى ولن تبلغوا نفعى فتنفعونى يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وانسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكى شيأيا عبادى لو ان أولكم وآخركم وانسكم وجنكم كانوا على افجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكى شيأ يا عبادى لو ان أولكم وآخركم وانسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألونى فأعطيت كل انسان مسألته ما نقص ذلك من عندى الا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر يا عبادى انما هى أعمالكم أحصيها لكم ثم او فيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه قوله هى ضمير القصة يعنى ما جزاء أعمالكم الا محفوظ عندى لاجلكم ثم أؤديها إليكم وافية ثم الحميد فعيل بمعنى المفعول وجوز الامام القشيري رحمه الله أن يكون بمعنى الفاعل اى حامد لنفسه وحامد للمؤمنين من عباده قال شارح المشكاة وحظ العبد من اسم الحميد أن يسعى لينخرط في سلك المقربين الذين يحمدون الله لذاته لا لغيره قال الشيخ ابو القاسم رحمه الله حمد الله الذين هو من شكره يجب أن يكون على شهود المنعم لان حقيقة الشكر الغيبة لشهود المنعم عن شهود النعمة (روى) ان داود عليه السلام قال فى مناجاته كيف اشكر لك وشكرى لك نعمة منك على فأوحى الله اليه الآن قد شكرتنى وقال بعض اهل الاشارة لقد كان في ابراهيم الخفي ومن معه من قواه الروحانية المجردة(9/479)
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)
من المواد الحسية والمثالية والعقلية أسوة حسنة وهى البراءة من قومه اى النفس الامارة والهوى المتبع فمن تأسى واستمر على ذلك بلغ المطلوب المحبوب ومن اعرض عن ذلك التأسى فان الله غنى عن تأسيه حميد في ذاته وان لم يكن حمده انتهى كلامه عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ شايد آنكه خداى تعالى پيدا كند بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ اى من أقاربكم المشركين وعسى من الله وعد على عادة الملوك حيث يقولون في بعض الحوائج عسى ولعل فلا يبقى شبهة للمحتاج في تمام ذلك وقال الراغب ذكر الله في القرآن عسى ولعل تذكرة ليكون الإنسان منه على رجاء لا على أن يكون هو تعالى راجيا اى كونوا راجين فى ذلك والمعاداة والعداء با كسى دشمنى كردن مَوَدَّةً اى بأن يوافقوكم في الدين وعدهم الله بذلك لما رأى منهم من التصلب في الدين والتشدد في معاداة آبائهم وأبنائهم وسائر اقربائهم ومقاطعتهم إياهم بالكلية تطييبا لقلوبهم ولقد أنجز وعده الكريم حين أباح لهم الفتح فأسلم قومهم كأبى سفيان وسهل بن عمرو وحكيم بن حزام والحارث ابن هشام وغيرهم من صناديد العرب وكانوا أعداء أشد العداوة فتم بينهم من التحاب والتصافي ماتم وَاللَّهُ قَدِيرٌ اى مبالغ في القدرة فيقدر على تقليب القلوب وتغيير الأحوال وتسهيل اسباب المودة وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ فيغفر لمن اسلم من المشركين ويرحمهم بقلب معاداة قاربهم موالاة وقيل غفور لما فرط منكم في موالاتهم من قبل ولما بقي في قلوبكم من ميل الرحم قال ابن عطاء رحمه الله لابتغضوا عبادى كل البغض فانى قادر على أن أنقلكم من البغض الى المحبة كنقلى من الحياة الى الموت ومن الموت الى النشور كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا انظر الى خالد بن الوليد وعكرمة بن أبى جهل قرأ يخرج الحي من الميت لانهما من خيار الصحابة وأبواهما أعدى عدو الله ورسوله وكان بعضهم يبغض عكرمة ويسب أباه لما سلف منه من الأذى حتى ورد النهى عنه بقوله عليه السلام لا تؤذوا الاحياء بسب الأموات فقلب الله ذلك محبة فكانوا إخوانا في الله وفي الحديث (من نظر الى أخيه نظر مودة لم يكن فى قلبه احنة لم يطرف حتى يغفر الله له ما تقدم من ذنبه وقال سقراط أثن على ذى المودة خيرا عند من لقيت فان رأس المودة حسن الثناء كما ان رأس العداوة سوء الثناء وعنه لا تكون كاملا حتى يأمنك عدوك فكيف بك إذا لم يأمنك صديقك قال داود عليه السلام اللهم انى أعوذ بك من مال يكون على فتنة ومن ولد يكون على ربا ومن حليلة تقرب المشيب وأعوذ بك من جار ترانى عيناه وترعانى أذناه ان رأى خيرا دفنه وان سمع شرا طاربه ومن بلاغات الزمخشري محك المودة والإخاء حال الشدة دون الرخاء (قال الحافظ)
وفا مجوى ز كس ور سخن نمى شنوى ... بهرزه طالب سيمرغ وكيميا مى باش
لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ اى على الدين اوفى حق الدين واطفاء نوره وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ اى لا ينهاكم الله عن مبرة هؤلاء فان قوله تعالى أَنْ تَبَرُّوهُمْ بدل من الموصول بدل الاشتمال لان بينهم وبين البر ملابسة بغير الكلية والجزئية فكان المنهي عنه برهم بالقول وحسن المعاشرة والصلة بالمال لا أنفسهم وبالفارسية(9/480)
إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)
از آنكه نيكويى كنيد با ايشان وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ تفسير لتبروا وضمن تقسطوا معنى الإفضاء فعدى تعديته اى تفضوا إليهم بالقسط والعدل ولا تظلموهم وناهيك بتوصية الله المؤمنين ان يستعملوا القسط مع المشركين ويتحاموا ظلمهم مرحمة عن حال مسلم يجترئ على ظلم أخيه المسلم كما في الكشاف وقال الراغب القسط النصيب بالعدل كالنصف والنصفة فالمعنى عدل كنيد وبفرستيد قسطى وبهره براى ايشان از طعام وغير او إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ اى العادلين في المعاملات كلها (روى) ان قتيلة بنت عبد العزى على زنة التصغير قدمت في المدة التي كانت فيها المصالحة بين رسول الله عليه السلام وبين كفار قريش مشركة على بنتها اسماء بنت ابى بكر رضى الله عنها بهدايا فلم تقبلها ولم تأذن لها بالدخول فنزلت فأمرها رسول الله أن تدخلها وتقبل منها وتكرمها وتحسن إليها وكانت قتيلة زوجة أبى بكر وكان طلقها في الجاهلية وآورده اند كه قوم خزاعه را با حضرت رسول عليه السلام عهد و پيمان بود وهركز قصد مسلمانان نكردند ودشمنان دين را يارى ندادند حق تعالى درباره ايشان اين آيت فرستاد يا مراد زنان وكودكانند كه ايشانرا در قتل وإخراج چندان مدخلى نيست وفي فتح الرحمن نسختها اقتلوا المشركين والأكثر على انها غير منسوخة وفي بعض التفاسير القسوط الجور والعدول عن الحق والقسط بالكسر العدل فالاقساط اما من الاول بمعنى ازالة القسوط فهمزته للسلب كأشكيته بمعنى أزلت عنه الشكاية وسلبتها فمن أزال الظلم اتصف بالعدل واما من الثاني بمعنى ان يصير ذا قسط فهمزته للصيرورة مثل أورق الشجر اى صار ذا ورق وفي الآية مدح للعدل لان المرء به يصير محبوبا لله تعالى ومن الأحاديث الصحيحة قوله عليه السلام ان المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين للذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وماولوا (قال الحافظ)
شاه را به بود از طاعت صد ساله وزهد ... قدر يكساعته عمرى كه در وداد كند
وقال خطابا لبعض الملوك
جويبار ملك را آب از سر شمشير تست ... خوش درخت عدل بنشان بيخ بد خواهان بكن
إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ واطفاء نوره وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وهم عتاة اهل مكة وجبابرتهم وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ وهم سائر أهلها يعنى معاونت كردند وهم پشت شدند با أعادي أَنْ تَوَلَّوْهُمْ بدل اشتمال من الموصول اى انما ينهاكم عن أن تتولوهم والتولي دوستى داشتن با كسى وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ وهر كه دوست دارد ايشانرا فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ لوضعهم الولاية في موضع العداوة وهم الظالمون لأنفسهم بتعريضها للعذاب وحساب المتولى اكبر وفساد التولي اكثر ولذلك أورد كلمة الحصر تغليظا وجمع الخبر باعتبار معنى المبتدأ بگسل ز دوستان دغاباز وحيله ساز يارى طلب كه طالب نقش بقا بود جعلنا الله وإياكم من الذين يطلبون الباقي(9/481)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)
لا الفاني يقول الفقير كان الظاهر من امر المقابلة في الآيتين أن يقال في الاولى ان تولوهم كما في الثانية او يعكس ويقال في الثانية أن تبروهم كما في الاولى او يذكر كل منهما فى كل من الآيتين لكن الدلائل العقلية والشواهد النقلية دلت على ان موالاة الكافر غير جائزة مقاتلا كان او غيره بخلاف المبرة فانها جائزة لغير المقاتل غير جائزة للمقاتل كالموالاة فحيت اثبت المبرة بناء على امر ظاهر في باب الصلة نفى الموالاة ضمنا وحيث نفى الموالاة نفى المبرة ضمنا وانما لم تجز المبرة للمقاتل لغاية عداوته ونهاية بغضه ان قيل ان الإحسان الى من أساء من اخلاق الأبرار قلنا ان المبرة تقتضى الالفة في الجملة والإحسان بقطع اللسان ويثلم السيف فيكون حائلا بين المجاهد والجهاد الحق وقد امر الله با علاء الدين يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بيان لحكم من يظهر الايمان بعد بيان حكم فريقى الكافرين إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ اى بدلالة ظاهر حالهن وإقرارهن بلسانهن او المشارفات للايمان ولا بعد أن تكون التسمية بالمؤمنات لكونهن كذلك في علم الله وذلك لا ينافى امتحان غيره تعالى مُهاجِراتٍ من بين الكفار حال من المؤمنات فَامْتَحِنُوهُنَّ فاختبروهن بما تغلب به على ظنكم موافقة قلوبهم للسانهن في الايمان قيل انه من أرادت منهن إضرار زوجها قالت سأهاجر الى محمد عليه السلام فلذلك امر النبي بامتحانهن وكان عليه السلام يقول للتى يمتحنها بالله الذي لا اله الا هو ما خرجت عن بغض زوج اى غير بغض في الله لحب الله بالله ما خرجت رغبة عن ارض الى ارض بالله ما خرجت التماس دنيا بالله ما خرجت عشقا لرجل من المسلمين بالله ما خرجت لحدث أحدثه بالله ما خرجت الا رغبة في الإسلام وحب لله ولرسوله فاذا حلفت بالله الذي لا اله الا هو على ذلك اعطى النبي عليه السلام زوجها مهرها وما أنفق عليها ولا يردها الى زوجها قال السهيلي نزلت فى أم كلثوم بنت عقبة بن ابى معيط وهى امرأة عبد الرحمن بن عوف ولدت له ابراهيم بن عبد الرحمن وكانت أم كلثوم اخت عثمان بن عفان رضى الله عنه لامه أروى وأفادت الآية ان الامتحان في محله حسن نافع ولذا تمتحن المنكوحة ليلة الزفاف وتستو صف الإسلام مع سهولة في السؤال واشارة الى الجواب لانها لو قالت ما أعرف بانت من زوجها
خوش بود كر محك تجربه آمد بميان ... تا سيه روى شود دروغش باشد
اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ منكم لانه المطلع على ما في قلوبهن فلا حاجة له الى الامتحان وليس ذلك للبشر فيحتاج اليه والجملة اعتراض فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ بعد الامتحان مُؤْمِناتٍ العلم الذي يمكنكم تحصيله وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الأمارات وانما سماه علما إيذانا بأنه جار مجرى العلم في وجوب العلم به ففى علمتموهن استعارة تبعية فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ من الرجع بمعنى الرد لا من الرجوع ولذلك عدى الى المفعول اى لا تردوهن الى أزواجهن الكفرة لقوله تعالى لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ فانه تعليل للنهى عن رجعهن إليهم يعنى لا تحل مؤمنة لكافر لشرف الايمان ولا نكاح كافر لمسلمة لخبث الكفر وبالفارسية نه ايشان يعنى زنان حلالند مر كافرانرا ونه(9/482)
كافران حلال ميشوند مرين زنانرا چهـ تباين دارند جدايى افكنده ميان ايشان والتكرير اما لتأكيد الحرمة والا فيكفى نفى الحل من أحد الجانبين أو لأن الاول لبيان زوال النكاح الاول والثاني لبيان امتناع النكاح الجديد وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا هذا هو الحكم الثاني اى واعطوا أزواجهن مثل ما دفعوا إليهن من المهور وذلك اى بيان المراد بما أنفقوا هو المهور أن صلح الحديبية كان على ان من جاءنا منكم رددناه فجائت سبيعة بنت الحارث الاسلمية مسلمة والنبي عليه السلام بالحديبية فأقبل زوجها مسافر المخزومي طالبا لها فقال يا محمد اردد على امرأتى فانك قد شرطت أن ترد علينا من أتاك منا فنزلت لبيان ان الشرط انما كان في الرجال دون النساء فاستحلفها رسول الله فحلفت فأعطى زوجها ما أنفق وهو المهر بالاتفاق وتزوج بها عمر رضى الله عنه وانما رد لرجال دون النساء لضعف النساء عن الدفع عن انفسهن وعجزهن عن الصبر على الفتنة وفي اللباب ان المخاطب بهذا هو الامام ليؤتى من بيت المال الذي لا يتعين له مصرف وان المقيمة منهن على شركها مردودة عليهم وان المؤمن يحل له أن ينكح كتابية فان الرجال
قوامون على النساء فليس تسلطه عليها كتسلط الكافر على المسلمة ولعل المراد بايتاء ما أنفقوا رعاية جانب المؤمنين بالحث على اظهار المروءة وإيثار السخاء والا فمن المسائل المشهورة ان المرأة تملك تمام المهر بخلوة صحيحة فى قطعة من اليوم او الليلة وان لم يقع استمتاع أصلا وايضا ان في الانفاق تأليف القلوب وامالتها الى جانب الإسلام وأفادت الآية ان اللائق بالولى كائنا من كان أن يحذر تزويج مؤمنة له ولاية عليها بمبتدع تفضى بدعته الى الكفر وللحاكم أن يفرق بينه وبينها ان ظهرت منه تلك البدعة الا أن يتوب ويجدد إيمانه ونكاحه سئل الرستغفنى عن المناكحة بين اهل السنة وبين اهل الاعتزال فقال لا تجوز كما في مجمع الفتاوى وقس عليه سائر الفرق الضالة التي لم يكن اعتقادهم كاعتقاد اهل السنة ولزمهم بذلك الاعتقاد اكفارا وتضليل ولهم كثرة في هذه الاعصار جدا قال في بعض التفاسير أخاف أن يكون من تلك المبتدعة بعض المتصوفة من أهل زماننا الذي يدعى ان شيخه قطب الزمان يجب الاقتداء به على كل مسلم حتى ان من لم يكن من جملة مريديه كان كافرا وان مات من لم يمت مؤمنا فيستدل بقوله عليه السلام من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية ويقول المراد بالإمام هو القطب وشيخنا هو القطب فمن لم يعرف قطبيته ولم يتبعه مات على سوء الحال وجوابه ان المراد بالإمام هو الخليفة والسلطان وقريش اصل فيه لقوله عليه السلام الامام من قريش ومن عداهم تبع لهم كشريف الكعبة مع آل عثمان فالشريف احدى الذات ولذا لا قوة له وآل عثمان واحدى الذات ولذا صار مظهر سر قوله تعالى هو الذي ايدك بنصره وبالمؤمنين فاعرف الاشارة وايضا المراد من الامام نبى ذلك الزمان وهو في آخر الزمان رسولنا محمد عليه السلام ولا شك ان من لم يعرفه ولم يصدقه مات ميتة جاهلية ولئن سلم ان المراد بالإمام هو القطب من طريق الاشارة فلا شك ان للقطبية العظمى شرائط لا يوجد واحد منها فى الكذابين فلا يثبت لهم القطبية أصلا على ان التصديق بالقطب لا يستلزم صحبته لان(9/483)
مبنى هذا الأمر على الباطن فالاقطاب لم يهتد إليهم الا اقل الافراد فاظهارهم لقطبيتهم خارج عن الحكمة ولما قربت القيامة وقع أن يتغير احوال كل طائفه عاما فعاما شهرا فشهرا اسبوعا فاسبوعا يوما فيوما لا يزال هذا التغيير الى انقراض الأخيار لانه لا تقوم الساعة الا على الأشرار وفي المرفوع لا يأتيكم زمان الا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم (قال الحافظ)
روزى اگر غمى رسدت تنك دل مباش ... رو شكر كن مباد كه از بد بتر شود
وفي الحديث ما من نبى بعثه الله في امة قبلى الا كان له من أمته حواريون واصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم انها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس ورلء ذلك من الايمان حبة خردل رواه مسلم وقال عليه السلام يذهب الصالحون الاول فالاول ويبقى حفالة كحفالة الشعير او التمر لا يبالى بهم الله وأول التغير كان في الأمراء ثم في العلماء ثم في الفقراء ففى كل طائفة اهل هدى واهل هوى فكن من اهل الهدى او المتشبهين بهم فان من تشبه بقوم فهو منهم ومن كثر سواد قوم فهو منهم وفي الحديث من أحب قوما على عملهم حشر في زمرتهم وحوسب بحاسبهم وان لم يعمل بعملهم وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ هذا هو الحكم الثالث يقال جنحت السفينة اى مالت الى أحد جانبيها وسمى الإثم الماثل بالإنسان عن الحق جناحا ثم سمى كل اثم جناحا أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ اى تنكحوا المهاجرات وتتزوجوهن وان كان لهن ازواج كفار فى دار الحرب فان اسلامهن حال بينهن وبين أزواجهن الكفار إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ إذا ظرفية محضة او شرطية جوابها محذوف دل عليه ما تقدمها شرط إيتاء المهر في نكاحهن إيذانا بأن ما أعطى أزواجهن لا يقوم مقام المهر لأن ظاهر النظم يقتضى ايتاءين إيتاء الى الأزواج وإيتاء إليهن على سبيل المهر وفي التيسير التزمتم مهورهن ولم يرد حقيقة الأداء كما في قوله تعالى حتى يعطوا الجزية عن يد أي يلتزموها استدل بالآية ابو حنيفة رحمه الله على ان أحد
الزوجين إذا خرج من دار الحرب مسلما او بذمة وبقي الآخر حربيا وقعت الفرقة ولا يرى العدة على المهاجرة ولا على الذمية المطلقة ولا على المتوفى عنها زوجها ويبيح نكاحها الا أن تكون حاملا لانه تعالى نفى الجناح من كل وجه في نكاحهن بعد إيتاء المهور ولم يقيد بمضى العدة وقالا عليها العدة وفي الهداية قول أبى حنيفة فيما إذا كان معتقدهم انه لا عدة واما إذا كانت حاملا فقد قال عليه السلام من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ هذا هو الحكم الرابع والإمساك چنك در زدن ويعدى بالباء والعصم جمع عصمة وهى ما يعتصم به من عقد وسبب والكوافر جمع كافرة والكوافر طائفتان من النساء طائفة قعدت عن الهجرة وثبتت على الكفر في دار الحرب وطائفة ارتدت عن الهجرة ولحقت بأزواجها الكفار والمعنى لا يكن بينكم وبين المشركات عصمة ولا علقة زوجية وقال(9/484)
ابن عباس رضى الله عنهما من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتدن بها من نسائه كما قال بعض اهل التفسير المراد بالعصمة هنا النكاح بمعنى من كانت له زوجة كافرة بمكة او ارتدت ورجعت إليها فلا يعتد بها ويعدها من نسائه لان اختلاف الدارين قطع عصمتها منه فجاز له أن يتزوج بأربع سواها وبرابعة وبأختها من غير تربص وعدة وبالفارسية ومايستيد بنگه داشتن زنان كافره وايشانرا بزنان خود مشمريد فيكون اشارة الى حكم اللاتي بقين في دار الكفر وما اسلمن ولا هاجرن بعد اسلام أزواجهن وهجرتهم وعن النخعي هى المسلمة تلحق بدار الحرب فتكفر فيكون قوله ولا تمسكوا بمقابلة قوله إذا جاءكم المؤمنات يعنى ان قوله إذا جاءكم إلخ اشارة الى حكم اللاتي اسلمن وخرجن من دار الكفر وقوله ولا تمسكوا إلخ اشارة الى حكم المسلمات اللاتي ارتددن وخرجن من دار الإسلام الى دار الكفر وعلى التفسيرين زال عقد النكاح بينهن وبين أزواجهن وانقطعت عصمتهن عنهم باختلاف الدارين فالعصمة هى المنع أريد بها في الآية عقد النكاح الذي هو سبب لمنع أزواجهن اياهن عن الإطلاق اى لا تعتدوا بما كان بينكم وبينهن من العقد الكائن قبل حصول اختلاف الدارين والفرقة عند الحنفية تقع بنفس الوصول الى دار الإسلام فلا حاجة الى الطلاق بعد وقوع الفرقة وكانت زينب بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام امرأة أبى العاص ابن الربيع فلحقت بالنبي عليه السلام واقام ابو العاص بمكة مشركا ثم اتى المدينة فاسلم فردها عليه رسول الله عليه السلام وإذا اسلم الزوجان معا او اسلم زوج الكتابية فهما على نكاحهما بالاتفاق وإذا أسلمت المرأة فان كان مدخولا بها فأسلم في عدتها فهى امرأته بالاتفاق وان كانت غير مدخول بها وقعت الفرقة بينهما وكان فسخا عند الثلاثة وقال ابو حنيفة يعرض عليه السلام فان أسلم فهى امرأته والا فرق القاضي بينهما بآبائه عن الإسلام وتكون هذه الفرقة طلاقا عند أبى حنيفة ومحمد وفسخا عند أبى يوسف ولها المهر ان كانت مدخولا بها والا فلا بالاتفاق واما إذا ارتد أحد الزوجين المسلمين فقال أبو حنيفة ومالك تقع الفرقة حال الردة بلا تأخير قبل الدخول وبعده وقال الشافعي واحمد ان كانت الردة من أحدهما قبل الدخول انفسخ النكاح وان كانت بعده وقعت الفرقة على انقضاء العدة فان أسلم المرتد منهما في العدة ثبت النكاح والا انفسخ بانقضائها ثم ان كان المرتد الزوجة بعد الدخول فلها المهر وقبله لا شيء لها وان كان الزوج فلها الكل بعده والنصف قبله بالاتفاق كذا في فتح الرحمن وقال سهل رحمه الله في الآية ولا توافقوا اهل البدع في شيء من آرائهم وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ هذا هو الحكم الخامس اى واسألوا الكفار ايها المؤمنون ما أنفقتم يعنى آنچهـ خرج كرده آيد من مهور نسائكم اللاحقات بالكفار اى إذا ارتدت امرأة أحدكم ولحقت بدار الحرب فاسألوا مهرها ممن تزوجها ولعل هذا لتطرية قلوب بعض المؤمنين بالمقابلة والمعادلة والا فظاهر حال الكرام الاستغناء عنه وَلْيَسْئَلُوا اى الكفار منكم ما أَنْفَقُوا من مهور أزواجهم المهاجرات اى يسأل كل حربى أسلمت امرأته(9/485)
وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)
وهاجرت إلينا ممن تزوجها منا مهرها وبالفارسية چون عصمت زوجيه منقطع شد ميان مؤمن وكافره وميان كافر ومؤمنه پس هر يك بايد كه رد كند مهريرا كه بصاحبه خود داده اند وظاهر قوله وليسألوا يدل على ان الكفار مخاطبون بالاحكام وهو أمر للمؤمنين بالاداء مجازا من فبيل اطلاق الملزوم وارادة اللازم كما في قوله تعالى وليجدوا فيكم غلظة فانه بمعنى واغلظوا عليهم ذلِكُمْ الذي ذكر في هذه الآية من الاحكام حُكْمُ اللَّهِ ما حكم الله به لان يراعى وقوله تعالى يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ كلام مستأنف للتأكيد والحث على الرعاية والعمل به قال في فتح الرحمن ثم نسخ هذا الحكم بعد ذلك الا قوله لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وَاللَّهُ عَلِيمٌ بمصالحكم حَكِيمٌ يشرع ما تقتضيه الحكمة البالغة قال ابن العربي كان حكم الله هذا مخصوصا بذلك الزمان في تلك النازلة خاصة وقال الزهري ولولا هذه الهدنة والعهد الذي كان بين رسول الله وبين قريش يوم الحديبية لامسك النساء ولم يرد الصداق وكذا كان يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد روى انه لما نزلت الآية ادى المؤمنون ما أمروا به من مهور المهاجرات الى أزواجهن المشركين وابى المشركون أن يؤدوا شيأ من مهور الكوافر الى أزواجهن المسلمين وقالوا نحن لا نعلم لكم عندنا شيأ فان كان لنا عندكم شيء فوجهوا به فنزل قوله تعالى وَإِنْ فاتَكُمْ الفوت بعد الشيء عن الإنسان بحيث يتعذر إدراكه وتعديته بالى لتضمنه معنى السبق او الانفلات دل عليه قوله فآتوا الذين ذهبت أزواجهم اى الى الكفار والمعنى سبقكم وانفلت منكم اى خرج وفر منكم فجأة من غير تردد ولا تدبر وبالفارسية واگر فوت شود از شما اى مؤمنان شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ اى أحد من أزواجكم الى الكفار ودارهم ومهر او بدست شما نيابد وقد قرئ به وإيقاع شيء موقعه للتحقير والإشباع في التعميم لان النكرة فى سياق الشرط تفيد العموم والشيء لكونه أعم من الأحد أظهر احاطة لاصناف الزوجات اى اى نوع وصنف من النساء كالعربية او العجمية او الحرة او الامة او نحوها او فاتكم شيء من مهور أزواجكم على حذف المضاف ليتطابق الموصوف وصفته والزوج هنا هى المرأة (روى) انها نزلت في أم الحكم بنت ابى سفيان فرت فنزوجها ثقفى ولم ترتد امرأة من قريش غيرها وأسلمت مع قريش حين اسلموا وسيأتى غير ذلك فَعاقَبْتُمْ من العقبة وهى النوبة والمعاقبة المناوبة يقال عاقب الرجل صاحبه في كذا اى جاء فعل كل واحد منهما بعقب فعل الآخر والمعنى وجاءت عقبتكم ونوبتكم من أداء المهر بأن هاجرت امرأة الكافر مسلمة الى المسلمين ولزمهم أداء مهرها الى زوجها الكافر بعد ما فاتت امرأة المسلم الى الكفار ولزم أن يسأل مهر زوجته المرتدة ممن تزوجها منهم شبه ما حكم به على المسلمين والكافرين من أداء هؤلاء مهور نساء أولئك تارة وأداء أولئك مهور نساء هؤلاء اخرى بأمر يتعاقبون فيه كما يتعاقب في الركوب ونحوه اى يتناوب والا فأداء كل واحد من المسلمين والكفار لا يلزم أن يعقب أداء الآخر لجواز أن يتوجه الأداء لاحد الفريقين مرارا متعددة من غير أن يلزم الفريق الآخر شيء وبالعكس فلا يتعاقبون في الأداء فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا اى من المهاجرة(9/486)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
التي تزوجتموها ولا تؤتوا زوجها الكافر يعنى ان فاتت امرأة مسلم الى الكفار ولم يعط الكفار مهرها فاذا فاتت امرأة كافر الى المسلمين اى هاجرت إليهم وجب على المسلمين أن يعطوا المسلم الذي فاتت امرأته الى الكفار مثل مهر زوجته الفائتة من مهر هذه المرأة المهاجرة ليكون كالعوض لمهر زرجته الفائتة ولا يجوز لهم أن يعطوا مهر هذه المهاجرة زوجها الكافر قيل جميع من لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين ست نسوة أم الحكم بنت أبى سفيان كانت تحت عياض بن شداد الفهري وفاطمة بنت امية كانت تحت عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهى اخت أم سلمة وبروع بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان وعبدة بنت عبد العزى بن نضلة وزوجها عمر وبن عبدور وهند بنت أبى جهل كانت تحت هشام بن العاص وكلثوم بنت جرول كانت تحت عمر رضى الله عنه وأعطاهم رسول الله عليه السلام مهور نسائهم من الغنيمة كما في الكشاف وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ لا بغيره من الجبت والطاغوت مُؤْمِنُونَ فان الايمان به تعالى يقتضى التقوى منه تعالى قال بعضهم حكم اين آيات تا بقاى عهد باقى بود چون مرتفع كشت اين احكام منسوخ كشت وفي الآية اشارة الى المكافأة ان خيرا فخير وان شرا فشر (حكى) ان أخوين في الجاهلية خرجا مسافرين فنزلا في ظل شجرة تحت صفاة فلما دنا الرواح خرجت لهما من تحت الصفاة حية تحمل دينارا فألقته إليهما فقالا ان هذا لمن كنز فأقاما عليه ثلاثة ايام كل يوم تخرج لهما دينارا فقال أحد هما للآخر الى متى ننتظر هذه الحية ألا نقلتها ونحفر عن هذا الكنز فنأخذه فنهاه اخوه وقال ما ندرى لعلك تعطب ولا تدرك المال فأبى عليه فأخذ فاسامعه ورصد الحية حتى خرجت فضربها ضربة جرحت رأسها ولم تقتلها فبادرت الحيه فقتلته ورجعت الى حجرها فدفنه اخوه واقام حتى إذا كان الغد خرجت الحية معصوبا رأسها ليس معها شيء فقال يا هذه انى والله ما رضيت بما أصابك ولقد نهيت أخى عن ذلك فهل لك أن نجعل الله بيننا لا تضرين بي ولا أضربك وترجعين الى ما كنت عليه فقالت الحية لا فقال ولم قالت لانى لانى اعلم ان نفسك لا تطيب لى ابدا وأنت ترى قبر أخيك ونفسى لا تطيب لك وانا اذكر هذه الشجة فظهر من هذه الحكاية سر المكافأة وشرف التقوى فانه لو اتقى الله ولم يضع الشر موضع الخير بل شكر صنيع الحية لازداد مالا وعمرا
كرم كن نه پرخاش وجنك آورى ... كه عالم بزير نكين آورى
چوكارى بر آيد بلطف وخوشى ... چهـ حاجت بتندى وكردن كشى
نمى ترسى اى كرك ناقص خرد ... كه روزى پلنگيت بر هم درد
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ نداء تشريف وتعظيم إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ چون بيايند بتو زنان مؤمنه يُبايِعْنَكَ اى مبايعات لك اى قاصدات للمبايعة فهى حال مقدرة نزلت يوم الفتح فانه عليه السلام لما فرغ من بيعة الرجال شرع في بيعة النساء سميت البيعة لان المبايع يبيع نفسه بالجنة فالمبايعة مفاعلة من البيع ومن عادة الناس حين المبايعة أن يضع أحد المتبايعين يده على يد الآخر لتكون معاملتهم محكمة مثبتة فسميت المعاهدة بين المعاهدين مبايعة تشبيها لها(9/487)
بها في الاحكام والإبرام فمبايعة الامة رسولهم التزام طاعته وبذل الوسع في امتثال او امره وأحكامه والمعاونة له ومبايعته إياهم الوعد بالثواب وتدبير أمورهم والقيام بمصالحهم في الغلبة على أعدائهم الظاهرة والباطنة والشفاعة لهم يوم الحساب ان كانوا ثابتين على تلك المعاهدة قائمين بما هو مقتضى المواعدة كما يقال بايع الرجل السلطان إذا أوجب على نفسه الاطاعة له وبايع السلطان الرعية إذا قبل القيام بمصالحهم وأوجب على نفسه حفظ نفوسهم وأموالهم من أيدي الظالمين عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً اى شيأ من الأشياء او شيأ من الاشتراك والظاهر ان المراد الشرك الأكبر ويجوز التعميم له وللشرك الأصغر الذي هو الرياء فالمعنى على أن لا يتخذن الها غير الله ولا يعملن الا خالصا لوجهه
مرايى هر كس معبود سازد ... مرايى را زان كفتند مشرك
(قال الحافظ)
گوييا باور نمى دارند روز داورى ... كين همه قلب ودغل در كار داور ميكنند
وَلا يَسْرِقْنَ السرقة أخذ ما ليس له اخذه في خفاء وصار ذلك في الشرع لتناول الشيء من موضع مخصوص وقدر مخصوص اى لا يأخذن مال أحد بغير حق ويكفى في قبح السرقة ان النبي عليه السلام لعن السارق وَلا يَزْنِينَ الزنى وطئ المرأة من غير عقد شرعى يقصر وإذا مد يصح أن يكون مصدر المفاعلة قال مظهر الدين الزنى في اللغة عبارة عن المجامعة فى الفرج على وجه الحرام ويدخل فيه اللواطة وإتيان البهائم تم كلامه قال عليه السلام يقتل الفاعل والمفعول به وثبت ان عليا رضى الله عنه احرقهما وان أبا بكر رضى الله عنه هدم عليهما حائطا وذلك بحسب ما رأيا من المصلحة وقال عليه السلام ملعون من أتى امرأته فى دبرها واما الإتيان من دبرها في قبلها فمباح قال في اللباب اتفق المسلمون على حرمة الجماع فى زمن الحيض واختلفوا في وجوب الكفارة على من جامع فيه فذهب أكثرهم الى انه لا كفارة عليه فيستغفر وذهب قوم الى وجوب الكفارة عليه تم كلامه وقال عليه السلام من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه قيل لابن عباس رضى الله عنهما ما شأن البهيمة قال ما سمعت فيها من رسول الله شيأ ولكن اكره أن يحل لحمها وينتفع بها كذلك وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ أريد به وأد البنات اى دفنهن احياء خوف العار والفقر كما في الجاهلية قال عليه السلام لا تنزع الرحمة الا من شقى (قال الحافظ)
هيچ رحمى نه برادر به برادر دارد ... هيچ شوقى نه پدر را به پسر مى بينم
دخترانرا همه جنكست وجدل با مادر ... پسران را همه بدخواه پدر مى بينم
حكى ان هرون الرشيد زوج أخته من جعفر بشرط أن لا يقرب منها فلم يصبر عنها فظهر حملها فدفنهما هرون حيين غضبا عليهما ويقال ولا يشر بن دوآء فيسقطن حملهن كما في تفسير ابى الليث وفي نصاب الاحتساب تمنع القابلة من المعالجة لاسقاط الولد بعد ما استبان خلقه ونفخ فيه الروح ومدة الاستبانة والنفخ مقدرة بمائة وعشرين يوما واما قبله فقيل لا بأس به كالعرل وقيل يكره لان مآل الماء الحياة كما إذا أتلف محرم بيضة صيد الحرم ضمن لان مآلها(9/488)
الحياة فلها حكم الصيد بخلاف العزل لان ماء الرجل لا ينفخ فيه الروح الا بعد صنع آخر وهو الإلقاء في الرحم فلا يكون مآله الحياة ولعل اسناد الفعل الى النساء اما باعتبار الرضى به او بمباشرته بأمر زوجها وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ الباء للتعدية والبهتان الكذب الذي يبهت المكذوب عليه اى يدهشه ويجعله متحيرا فيكون أقبح انواع الكذب وهو في الأصل مصدر يقال بهت زيد عمرا بهتا وبهتا وبهتانا اى قال عليه ما لم يفعله فزيد باهت وعمر ومبهوت والذي بهت به مبهوت به وإذا قالت لزوجها هذا ولدي منك لصبى التقطتة فقط بهتته به اى قالت عليه ما لم يفعله جعله نفس البهتان ثم وصفه بكونه مفترى مبالغة في وصفهن بالكذب والافتراء الاختلاق يقال فرى فلان كذبا إذا خلقه وافتراه اختلقه قوله يفترينه اما في موضع جر على انه صفة لبهتان او نصب على انه حال من فاعل يأتين وقوله بين أيديهن متعلق بمحذوف هو حال من الضمير المنصوب في يفترينه اى يختلقنه مقدرا وجوده بين أيديهن وأرجلهن على أن يكون المراد بالبهتان الوالد المبهوت به كما ذهب اليه جمهور المفسرين وليس المعنى على نهيهن عن أن يأتين بولد من الزنى فينسبنه الى الأزواج لان ذلك نهى بقوله ولا يزنين بل المراد نهيهن عن أن يلحقن بأزواجهن ولدا التقطنة من بعض المواضع وكانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هو ولدي منك في بطني الذي بين يدى ووضعته من فرجى الذي هو بين رجلى فكنى عنه بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها لان بطنها الذي تحمله فيه بين يديها ومخرجه بين رجليها والمعنى ولا يجئن بصبى ملتقط من غير أزواجهن فانه افتراء وبهتان لهم والبهتان من الكبائر التي تتصل بالشرك وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ اى لا يخالفن أمرك فيما تأمرهن به وتنهاهن عنه على ان المراد من المعروف الأمور الحسنة التي عرف حسنها في الدين فيؤمر بها والشؤون السيئة التي عرف قبحها فيه فينهى عنها كما قيل كل ما وافق في طاعة الله فعلا او تركا فهو معروف وكما روى عن بعض أكابر المفسرين من انه هو النهى عن النياحة والدعاء بالويل وتمزيق الثوب وحلق الشعر ونتفه ونشره وخمش الوجه وان تحدث المرأة الرجال الا ذارحم محرم وان تخلو برجل غير محرم وأن تسافر إلا مع ذى رحم محرم فيكون هذا للتعميم بعد التخصيص ويحتمل أن يكون المراد من المعروف ما يقابل المنكر فيكون ما قبله للنهى عن المنكر وهذا اللامر بالمعروف لتكون الآية جامعة لهما والتقييد بالمعروف مع ان الرسول عليه السلام لا يأمر إلا به للتنبيه على انه لا تجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق لانه لما شرط ذلك في طاعة النبي عليه السلام فكيف في حق غيره وهو كقوله الا ليطاع بإذن الله كما قال في عين المعاني فدل على ان طاعة الولاة لا تجب في المنكر ولم يقل ولا يعصين الله لان من أطاع الرسول فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله وتخصيص الأمور المعدودة بالذكر في حقهن لكثرة وقوعها فيما بينهن مع اختصاص بعضها بهن ووجه الترتيب بين هذه المنهيات انه قدم الا قبح على ما هو أدنى قبحا منه ثم كذلك الى آخرها ولذا قدم ما هو الأظهر والأغلب فيما بينهن وقال صاحب اللباب ذكر الله تعالى(9/489)
فى هذه الآية لرسول الله عليه السلام في صفة البيعة خصالا ستاهن اركان ما نهى عنه في الدين ولم يذكر اركان ما أمر به وهى ايضا ست الشهادة والصلاة والزكاة والصيام والحج والاغتسال من الجنابة وذلك لان النهى عنها دائم في
كل زمان وكل حال فكان التنبيه على اشتراط الدائم أهم وآكد فَبايِعْهُنَّ جواب لاذا فهو العامل فيها فان الفاء لا تكون مانعة وهو امر من المبايعة اى فبايعهن على ما ذكر وما لم يذكر لوضوح امره وظهور اصالته فى المبايعة من الصلاة والزكاة وسائر اركان الدين وشعائر الإسلام اى بايعهن إذا بايعنك بضمان الثواب على الوفاء بهذه الأشياء فان المبايعة من جهة الرسول هو الوعد بالثواب ومن جهة الآخر التزام طاعته كما سبق وتقييد مبايعتهن بما ذكر من مجيئهن لحثهن على المسارعة إليها مع كمال الرغبة فيها من غير دعوة لهن إليها وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ زيادة على ما في ضمن المبايعة من ضمان الثواب والاستغفار طلب المغفرة للذنوب والستر للعيوب إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ اى مبالغ في المغفرة والرحمة فيغفر لهن ويرحمهن إذا وفين بما بايعن عليه بزركى فرمود مردمان ميكويند رحمت موقوفست بر ايمان يعنى تا بنده ايمان نيارد مستحق رحمت نشود ومن مى كويم كه ايمان موقوفست برحمت يعنى تا برحمت خود توفيق نبخشد كسى بدولت ايمان نرسد (مصراع) توفيق عزيزست بهر كس ندهند يقول الفقير الأمر بالاستغفار لهن اشارة الى قبول شفاعة حبيبه عليه السلام في حقهن فهو من رحمته الواسعة وقد عمم هذا الأمر في سورة الفتح فاستفاد جميع عباده وامائه الى يوم القيامة من بحر هذا الفضل ما يغنيهم ويرويهم وهو الفياض قال الامام الطيبي لعل المبالغة في الغفور باعتبار الكيفية وفي الغفار باعتبار الكمية كما قال بعض الصالحين انه غافر لانه يزيل معصيتك من ديوانك وغفور لانه ينسى الملائكة افعالك السوء وغفار لانه تعالى ينسيك ايضا ذنبك كيلا تستحيى وحظ العارف منه أن يستر من أخيه ما يحب ان يستر منه ولا يفثى منه الا احسن ما كان فيه ويتجاوز عما يندر عنه ويكافئ المسيئ اليه بالصفح عنه والانعام عليه نسأل الله سبحانه أن يجعلنا متخلقين بأخلاقه الكريمة ومتصفين بصفاته العظيمة انه هو الغفور الرحيم واختلف في كيفية مبايعته عليه السلام لهن يوم الفتح فروى انه عليه السلام لما فرغ من بيعة الرجال جلس على الصفا وشرع في بيعة النساء ودعا بقدح من ماء فغمس فيه يده ثم غمس أيديهن فجاءت هند بنت عتبة امرأة أبى سفيان متنقبة متنكرة خوفا من رسول الله أن يعرفها لما صنعته بحمزة رضى الله عنه يوم أحد من المثلة فلما قال عليه السلام أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيأ رفعت هند رأسها فقالت والله لقد عبدنا الأصنام وانك لتأخذ علينا امرا ما رأيناك أخذته على الرجال تبايع الرجال على الإسلام والجهاد فلما قال عليه السلام ولا يسرقن قالت ان أبا سفيان رجل شحيح وانى أصبت من ماله هنات اى شيئا يسيرا فما أدرى أيحل لى فقال ابو سفيان ما أصبت فهو لك حلال فضحك عليه السلام وقال أنت هند قالت نعم فاعف عما سلف يا نبى الله عفا الله عنك فعفا عنها فقال ولا يزنين فقالت وهل نزنى الحرة فقال عمر رضى الله عنه لو كان قلب نساء العرب على قلب(9/490)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)
هند ما زنت امرأة قط فقال ولا يقتلن أولادهن فقالت ريناهم صغارا وقتلتهم كبارا فانتم وهم اعلم وكان ابنها حنظلة بن أبى سفيان قتل يوم بدر فضحك عمر حتى استلقى وتبسم رسول الله فقال ولا يأتين ببهتان فقالت والله ان البهتان لامر قبيح وما تأمرنا الا بالرشد ومكارم الأخلاق فقال ولا يعصينك في معروف فقالت والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء (وروى) انه عليه السلام بايعهن وبين يديه وأيديهن ثوب قطرى والقطر بالكسر ضرب من البرود يأخذ بطرف منه ويأخذن بالطرف الآخر توقيا عن مساس أيدي الاجنبيات (وروى) انه جلس على الصفا ومعه عمر رضى الله عنه أسفل منه فجعل عليه السلام يشترط عليهن البيعة وعمر تصافحهن (وروى) ان عمر رضى الله عنه كان يبايع النساء بامره عليه السلام ويبلغهن عنه وهو أسفل منه عند الصفا (وروى) انه عليه السلام كلف امرأة وقفت على الصفا فبايعتهن وهى اميمة اخت خديجة رضى الله عنها خالة فاطمة رضى الله عنها والأظهر الأشهر ما قالت عائشة رضى الله عنها والله ما أخذ رسول الله على النساء قط إلا بما امر الله وما مست كف رسول الله كف امرأة قط وكان يقول إذا أخذ عليهن قد بايعتك على كلها وكان المؤمنات إذا هاجرن الى رسول الله يمتحنهن بقول الله يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات إلخ فاذا اقررن بذلك من قولهن قال لهن انطلقن فقد بايعتكن يقول الفقير انما بايع عليه السلام الرجال مع مس الأيدى دون النساء لان مقام الشارع يقتضى الاحتياط وتعليم الامة والا فاذا جاز مصافحة عمر رضى الله عنه لهن كما في بعض الروايات جاز مصافحته عليه السلام لهن لانه أعلى حالا من عمر من كل وجه وبالجملة كانت البيعة مع النساء والرجال امرا مشروعا بأمر الله وسنته بفعل رسول الله ومن ذلك كانت عادة مستحسنة بين الفقراء الصوفية حين ارادة التوبة تثبيتا للايمان وتجديدا لنور الإيقان على ما أشبعنا الكلام عليه فى المبايعة في سورة الفتح وذكرنا كل طرف منها فيها فارجع وفي التأويلات النجمية قوله تعالى يا أيها النبي إذا جاءك إلخ يخاطب نبى الروح ويشير الى النفوس المؤمنة الداخلة تحت شريعة نبى الروح يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيأ من حب الدنيا وشهواتها ولذاتها وزينتها وزخارفها ولا يسرقن من اخلاق الهوى المتبع وصفاته الرديئة ولا يزنين اى مع الهوى بالاتفاق معه والاتباع له ولا يقتلن أولادهن اى لا يمنعن ولا يرددن أولاد الخواطر الروحانية والإلهامات الربانية ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن يعنى لا يدعين بما لم يحصل لهن من المواهب العلوية من المشاهدات والمعاينات والتجريد والتفريد ولا من العطايا السفلية من الزهد والورع والتوكل والتسليم لانهن ما بلغن بعد إليها ولا يعصينك في معروف اى في كل ما تأمرهن من الخلاق والأوصاف فبايعهن اى فاقبل مبايعتهن بين يديك بالصدق والإخلاص واستغفر لهن الله مما وقع منهن قبل دخولهن في ظل أنوارك من المخالفات الشرعية والموافقات الطبيعية ان لله غفور يسترها بالموافقات الشرعية رحيم بهن يرحمهن بالمخالفات الطبيعية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً دوستى مكنيد با كروهى كه فالتولى هنا بمعنى الموالاة والموادة غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ صفة لقوما وكذا قد يئسوا وهم(9/491)
جنس الكفار لان كلهم مغضوب عليهم لا رحمة لهم من الرحمة الاخروية وقيل اليهود لما روى انها نزلت في بعض فقراء المسلمين كانوا يواصلون اليهود ليصيبوا من ثمارهم وهو قول الأكثرين وقد قال تعالى في حق اليهود وغضب الله عليهم وجعل منهم القردة والخنازير والقوم الرجال وربما دخل النساء فيه على سبيل التبع لان قوم كل نبى رجال ونساء قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ اليأس انقطاع الطمع يعنى نوميد شدند از آخرت لكفرهم بها وعدم ايقانهم على أن يراد بقوما عامة الكفرة ومن لابتداء الغاية او لعلمهم بأنه لا خلاق لهم فيها لعنادهم الرسول المنعوت في التوراة المؤيد بالآيات على أن يراد به اليهود والتقدير من ثواب الآخرة يعنى انهم اهل الكتاب يؤمنون بالقيامة لكنهم لما أصروا على الكفر حسدا وعنادا يئسوا من ثوابها قال عليه السلام يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فو الله
الذي لا اله الا هو انكم لتعلمون انى رسول الله حقا وانى جئتكم بحق فأسلموا كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ من بيان للكفار أي كائنين منهم اى كما يئس منها الذين ماتوا منهم لانهم وقفوا على حقيقة الحال وشاهدوا حرمانهم من نعيمها المقيم وابتلاءهم بعذابها الأليم والمراد وصفهم بكمال اليأس منها قال مقاتل ان الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك شديد الانتهار ثم يسأله من ربك وما دينك ومن نبيك فيقول لا أدرى فيقول الملك أبعدك الله انظر الى منزلتك من النار فيدعو بالويل والثبور ويقول هذا لك فيفتح باب الجنة فيقول هذا لمن آمن بالله فلو كنت آمنت بربك نزلت الجنة فيكون حسرة عليه وينقطع رجاؤه ويعلم انه لا حظ له فيها وييأس من خير الجنة وقيل من متعلقة بيئس فالمعنى كما يئسوا من موتاهم أن يبعثوا ويرجعوا الى الدنيا احياء والإظهار في موضع الإضمار للاشعار بعلة يأسهم وهو الكفر والقبر مقر الميت والمقبرة موضع القبور وفي الآية اشارة الى الأبدان المريضة المعتلة النجسة الخبيثة المظلمة فان الكفار أيسوا من خروج ضيق قبور اخلاقهم السيئة الى سعة فضاء صفاتهم الحسنة وكذا سائرهم من اهل الحجب الكثيفة ومن اصحاب القبور من حاله على عكس هذا كما أشار النبي عليه السلام بقوله كن في الدنيا كأنك غريب او عابر سبيل وعد نفسك من اصحاب القبور وهم من ماتوا بالاختيار قبل الموت بالاضطرار وذلك بالفناء التام فكانت أجسادهم لارواحهم كالقبور للموتى نسأل الله الختم بالسعادة بحرمة من له كمال السيادة والدفن في أحب البقاع اليه والقدوم بكمال البشرى عليه والقيام بمزيد الفخر لديه
خدايا بحق بنى فاطمه ... كه بر قول ايمان كنم خاتمه
خداوند كار انظر كن بجو ... كه جرم آيد از بندگان در وجود
چوما را بدنيا تو كردى عزيز ... بعقبى همين چشم داريم نيز
تمت سورة الممتحنة في العشر الأخير من شهر رمضان المنتظم في سلك شهور سنة خمس عشرة ومائة والف(9/492)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)
تفسير سورة الصف
مدنية وقيل مكية وآيها اربع عشرة بلا خلاف بسم الله الرحمن الرحيم
سَبَّحَ لِلَّهِ نزهه عن كل ما لا يلق بجنابه العلى العظيم ما فِي السَّماواتِ من العلويات الفاعلة وَما فِي الْأَرْضِ من السفليات القابلة آفاقا وأنفسا اى سبحه جميع الأشياء من غير فرق بين موجود وموجود كما قال تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده وَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب الذي لا يكون الا ما يريد الْحَكِيمُ الذي لا يفعل الا بالحكمة فلا عزيز ولا حكيم على الإطلاق غيره فلذا يجب تسبيحه قال في كشف الاسرار من أراد يصفوله تسبيحه فليصف عن آثار نفسه قلبه ومن أراد أن يصفوله في الجنة عيشه فليصف عن اوضار الهوى دينه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ايمانا رسميا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ روى ان المسلمين قالوا لو علمنا أحب الأعمال الى الله تعالى لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا فلما نزل الجهاد كرهوه فنزلت تعييرا لهم بترك الوفاء ولم مركبة من اللام الجارة وما الاستفهامية قد حذفت ألفها تخفيفا لكثرة استعمالهما معا كما في عم وفيم ونظائرهما معناها لاى شيء تقولون نفعل ما لا تفعلون من الخير والمعروف على ان مدار التعيير والتوبيخ في الحقيقة عدم فعلهم وانما وجهه الى قولهم تنبيها على تضاعف معصيتهم ببيان ان المنكر ليس ترك الخير الموعود فقط بل الوعد به ايضا وقد كانوا يحسبونه معروفا ولو قيل لم لا تفعلون ما تقولون لفهم منه ان المنكر هو ترك الموعود فليس المراد من ما حقيقة الاستفهام لان الاستفهام من الله محال لانه عالم بجميع الأشياء بل المراد الإنكار والتوبيخ على أن يقول الإنسان من نفسه مالا يفعله من الخير لانه ان اخبر أنه فعل في الماضي والحال ولم يفعله كان كاذبا وان وعد أن يفعله في المستقبل ولا يفعله كان خلفا وكلاهما مذموم كما قال في الكشاف هذا الكلام يتناول الكذب واخلاف الموعد وهذا بخلاف ما إذا وعد فلم يف بميعاده لعذر من الاعذار فانه لا اثم عليه وفي عرائس البقلى حذر الله المريدين أن يظهروا يدعوى المقامات التي لم يبلغوا إليها لئلا يقعوا في مقت الله وينقطعوا عن طريق الحق بالدعوى بالباطل وايضا زجرا لاكابر في ترك بعض الحقوق ومن لم يوف بالعهود ولم يأت بالحقوق لم يصل الى الحق والحقيقة وايضا ليس للعبد فعل ولا تدبير لانه أسير في قبضة العزة يجرى عليه احكام القدرة وتصاريف المشيئة فمن قال فعلت او أتيت او شهدت فقد نسى مولاه وادعى ما ليس له ومن شهد من نفسه طاعة كان الى العصيان اقرب لان النسيان من العمى وفي التأويلات النجمية يا ايها المؤمنون المقلدون لم تذمون الدنيا بلسان الظاهر وتمدحونها بلسان الباطن شهادة ارتكابكم انواع الشهوات الحيوانية واصناف اللذات الجسمانية او تمدحون الجهاد بلسانكم وتذمونه بقلوبكم وذلك يدل على اعراضكم عن الحق وإقبالكم على النفس والدنيا وهذا كبر مقتا عند الله تعالى كما قال كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ كبر من باب نعم وبئس فيه ضمير مبهم مفسر بالنكرة بعده وأن تقولوا هو المخصوص بالذم والمقت البغض الشديد لمن يراه متعاطيا لقبيح يقال مقته فهو مقيت وممقوت وكان يسمى تزوج امرأة الأب نكاح المقت(9/493)
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)
وعند الله ظرف للفعل بمعنى في علمه وحكمته والكلام بيان لغاية قبح ما فعلوه اى عظم بغضا في حكمته تعالى هذا القول المجرد فهو أشد ممقوتية ومبغوضية فمن مقته الله فله النار ومن أحبه الله فله الجنة (قال الكاشفى) ونزد بعضى علما آيت عامست يعنى هر كه سخنى كويد ونكند درين عتاب داخلست ويا آن علما نيز كه خلق را بعمل خير فرمايند وخود ترك نمايند اين سياست خواهد بود
لا تنه عن خلق وتأتى مثله ... عار عليك إذا فلعت عظيم
واوحى الله تعالى الى عيسى عليه السلام يا ابن مريم عظ نفسك فان اتعظت فعظ الناس والا فاستحى منى وحضرت پيغمبر عليه السلام در شب معراج ديد كه لبهاى چنين كسان بمقراض آتشين مى بريدند
از من بكوى عالم تفسير كوى را ... كر در عمل نكوشى نادان مفسر
بار درخت علم ندانم بجز عمل ... با علم اگر عمل نكنى شاخ بي برى
قيل لبعض السلف حدثنا فسكت ثم قيل له حدثنا فقال لهم اتأمروننى أن أقول مالا افعل فأستعجل مقت الله قال القرطبي رحمه الله ثلاث آيات منعتنى ان أقص على الناس أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وما أريد ان أخالفكم الى ما أنهاكم عنه يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون وقد ورد الوعيد في حق من يترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ايضا اى كما ورد في حق من يترك العمل فالخوف إذا كان على كل منهما في درجة متناهية فكيف على من يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف واكثر الناس في هذا الزمان هكذا والعياذ بالله تعالى قال في اللباب ان الآية توجب على كل من ألزم نفسه عملا فيه طاعة الله أن يفى به فان من التزم شيألزم شرعا إذ الملتزم اما نذر تقرب مبتدأ كقوله لله على صلاة او صوم او صدقة ونحوه من القرب فيلزمه الوفاء اجماعا او نذر مباح وهو ما علق بشرط رغبة كقوله ان قدم غائبى فعلى صدقة او بشرط رهبة كقوله ان كفانى الله شر كذا فعلى صدقة ففيه خلاف فقال مالك وابو حنيفة يلزمه الوفاء به وقال الشافعي في قوله لا يلزم وعموم الآية حجة لنا لانها بمطلقها تتناول ذم من قال ما لا يفعله على اى وجه كان من مطلق اى مقيد بشرط إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ أعداء الله فِي سَبِيلِهِ فى طريق مرضاته وأعلاه دينه اى يرضى عنهم ويثنى عليهم صَفًّا صف زده در برابر خصم وهو بيان لما هو مرضى عنده تعالى بعد بيان ما هو ممقوت عنده وهذا صريح في ان ما قالوه عبارة عن الوعد بالقتال وصفا مصدر وقع موقع الفاعل او المفعول ونصبه على الحالية من فاعل يقاتلون اى صافين أنفسهم او مصفوفين والصف أن يجعل الشيء على خط مستو كالناس والأشجار كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ حال من المستكن في الحال الاولى والبنيان الحائط وفي القاموس البناء ضد الهدم يناه بنيا وبناء وبنيانا وبنية وبناية والبناء المبنى والبنيان واحد لا جمع دل عليه تذكير مرصوص وقال بعضهم(9/494)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5) وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)
بنيان جمع بنيانة على حد نخل ونخلة وهذا النحو من الجمع يصح تأنيثه وتذكيره والرص اتصال بعض البناء بالبعض واستحكامه كما قال في تاج المصادر الرص استوار بر آوردن بنا قال ابن عباس رضى الله عنهما يوضع الحجر على الحجر ثم يرص بأحجار صغار ثم يوضع اللبن عليه فيسميه اهل مكة المرصوص والمعنى حال كونهم مشبهين في تراصهم من غير فرجة وخلل ببنيان رص بعضه الى بعض ورصف حتى صار شيئا واحدا وقال الراغب بنيان مرصوص اى محكم كأنما بنى بالرصاص يعنى كوييا ايشان در استحكام بنا اندر ريخته از ارزير كنايتست از ثبات قدم ايشان در معركه حرب وبيكديكر باز چسبيدن وهو قول الفراء وتراصوا في الصلاة اى تضايقوا فيها كما قال عليه السلام تراصوا بينكم في الصلاة لا يتخللكم الشياطين فالرحمة في مثل هذا المقام رحمة فلابد من سد الخلل او المحاذاة بالمناكب كالبنيان المرصوص ولا ينافيه قول سفيان ينبغى أن يكون بين الرجلين في الصف قدر ثلثى ذراع فذاك في غيره كما في المقاصد الحسنة وعن بعضهم فيه دليل على فضل القتال راجلا لان الفرسان لا يصطفون على هذه الصفة كما فى الكشاف يقول الفقير الدليل على فضل الراكب على الراجل ان له سهمين من الغنيمة وانما حث عليه السلام على التراص لان المسلمين يومئذ كانوا راجلين غالبا ولم يجدوا راحلة ونحوها الا قليلا قال سعيد ابن جبير رضى الله عنه هذا تعليم من الله للمؤمنين كيف يكونون عند قتال عدوهم ولذلك قالوا لا يجوز الخروج من الصف الا لحاجة تعرض للانسان او في رسالة يرسله الامام او منفعة تظهر في المقام المنتقل اليه كفرصة تنتهز ولا خلاف فيها وفي الخروج عن الصف للمبارزة خلاف لا بأس بذلك ارهابا للعدو وطلبا للشهادة وتحريضا على القتال وقيل لا يبرز أحد لذلك لان فيه رياء او خروجا الى ما نهى الله عنه وانما تكون المبارزة إذا طلبها الكافر كما كانت في حروب النبي عليه السلام يوم بدر وفي غزوة خيبر قال في فتح الرحمن اما حكم الجهاد فهو فرض كفاية على المستطيع بالاتفاق إذا فعله البعض سقط عن الباقين وعند النفير العام وهو هجوم العدو يصير فرض عين بلا خلاف ففى الآية زجر عن التباطؤ وحث على التسارع ودلالة على فضيلة الجهاد وروى في الخبر انه لما كان يوم مؤتة بالضم موضع بمشارف الشام قتل فيه جعفر ابن أبى طالب وفيه كانت تعمل السيوف كما فى القاموس وكان عبد الله بن رواحة رضى الله عنه أحد الأمراء الذين أمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ناداهم يا أهل المجلس هذا الذي وعدكم ربكم فقاتل حتى قتل وكان عبد الله بن رواحة الأنصاري شاعر رسول الله وكان يقص على اصحاب رسول الله فى مسجده على حياته وجلس اليه رسول الله يوما وقال أمرت أن أجلس إليكم وامر ابن رواحة أن يمضى في كلامه كما في كشف الاسرار ثم ان الجهاد اما مع الأعداء الظاهرة كالكفار والمنافقين واما مع الأعداء الباطنة كالنفس والشيطان وقال عليه السلام المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله والمهاجر من هاجر الخطايا والذنوب وأعظم المجاهدة في الطاعة الصلاة لان فيها سر الفناء وتشق على النفس وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ كلام مستأنف مقرر لما قبله من شناعة ترك القتال وإذ منصوب على المفعولية بمضمر خوطب به النبي(9/495)
عليه السلام بطريق التلوين اى اذكر لهؤلاء المؤمنين المتقاعدين عن القتال وقت قول موسى لبنى إسرائيل حين ندبهم الى قتال الجبابرة بقوله يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين فلم يمتثلوا بأمره وعصوه أشد عصيان حيث قالوا يا موسى ان فيها قوما جبارين وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون الى قوله فاذهب أنت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون وأصروا على ذلك وآذوه عليه السلام كل الأذية كذا في الإرشاد يقول الفقير لا شك ان قتل الأعداء من باب التسبيح لانهم الذين قالوا اتخذ الله ولدا وعبدوا معه الأصنام فكان في مقاتلتهم توسيع ساحة التنزيه ولذا بدأ الله تعالى في عنوان السورة بالتسبيح وأشار بلفظ الحكيم الى ان القتال من باب الحكمة وانه من باب دفع القضاء بالقضاء على ما يعرفه اهل الله وبلفظ العزيز الى غلبة المؤمنين المقاتلين
ثم انهم كرهوا ذلك كأنهم لم يثقوا بوعد الله بالغلبة ووقعوا من حيث لم يحتسبوا في ورطة نسبة العجز الى الله سبحانه ولذا تقاعدوا عن القتال وبهذا التقاعد حصلت الاذية له عليه السلام لان مخالفة اولى الأمر اذية لهم فأشار الحق تعالى بقصة موسى الى ان الرسول حق وان الخروج عن طاعته فسق وان الفاسق مغضوب الله تعالى لان الهداية من باب الرحمة وعدمها من باب السخط والعياذ بالله تعالى من سخطه وغضبه وأليم عذابه وعقابه يا قَوْمِ اى كروه من فأصله يا قومى ولذا تكسر الميم ولولا تقدير الياء لقيل يا قوم بالضم لانه حينئذ يكون مفردا معرفة فيبنى على الضم وهو نداء بالرفق والشفقة كما هو شأن الأنبياء ومن يليهم لِمَ تُؤْذُونَنِي چرا مى رنجانيد مرا اى بالمخالفة والعصيان فيما أمرتكم به والا ذى ما يصل الى الإنسان من ضرر اما في نفسه او في جسمه او قنياته دنيويا كان او أخرويا قال في القاموس آذى فعل الأذى وصاحبه أذى واذاة واذية ولا تقل إيذاء انتهى فلفظ الإيذاء في أفواه العوام من الاغلاط وربما تراه في عبارات بعض المصنفين وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جملة حالية مؤكدة لانكار الأذية ونفى سببها وقد لتحقيق العلم لا للتوقع ولا للتقريب ولا للتقليل فانهم قالوا ان قد إذا دخلت على الحال تكون للتحقيق وإذا دخلت على الاستقبال تكون للتقليل وصيغة المضارع للدلالة حلى استمرار العلم اى والحال انكم تعلمون علما قطعيا مستمرا بمشاهدة ما ظهر بيدي من المعجزات انى مرسل من الله إليكم لأرشدكم الى خير الدنيا والآخرة ومن قضية علمكم بذلك أن تبالغوا في تعظيمى وتسارعوا الى طاعتى فان تعظيمى تعظيم لله وإطاعتي إطاعة له وفيه تسلية للنبى عليه السلام بأن الاذية قد كانت من الأمم السالفة ايضا لأنبيائهم والبلاء إذا عم خف وفي الحديث (رحمة الله على أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر) وذلك انه عليه السلام لما قسم غنائم الطائف قال بعض المنافقين هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله فتغير وجهه الشريف وقال ذلك فَلَمَّا زاغُوا الزيغ الميل عن الاستقامة والتزايغ التمايل اى أصروا على الزيغ عن الحق الذي جاء به(9/496)
وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)
موسى واستمروا عليه أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ اى صرفها عن قبول الحق والميل الى الصواب لصرف اختيارهم نحو الغى والضلال وقال الراغب في المفردات اى لما فارقوا الاستقامة عاملهم بذلك وقال جعفر لما تركوا او امر الخدمة نزع الله من قلوبهم نور الايمان وجعل للشيطان إليهم طريقا فأزاغهم عن طريق الحق وأدخلهم في مسالك الباطل وقال الواسطي لما زاغوا عن القربة في العلم أزاغ الله قلوبهم في الخلقة وقال بعضهم لما زاغوا عن العبادة أزاغ الله قلوبهم عن الارادة يقول الفقير لما زاغوا عن رسالة موسى ونبوته أزاغ الله قلوبهم عن ولايته وجمعيته فهم رأوا موسى على انه موسى لا على انه رسول نبى فحرموا من رؤية الحق تعالى وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبله من الازاغة وموذن بعليته اى لا يهدى القوم الخارجين عن الطاعة ومنهاج الحق المصرين على الغواية هداية موصلة الى البغية لا هداية موصلة الى ما يوصل إليها فانها شاملة للكل والمراد جنس الفاسقين وهم داخلون في حكمهم دخولا أوليا ووصفهم بالفسق نظرا الى قوله تعالى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين وقوله تعالى فلا تأس على القوم الفاسقين قال الامام هذه الآية تدل على عظم أذى الرسول حتى انه يؤدى الى الكفر وزيغ القلوب عن الهدى انتهى ويتبعه أذى العالمين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر لان العلماء ورثة الأنبياء فأذاهم في حكم أذاهم فكما ان الأنبياء والأولياء داعون الى الله تعالى على بصيرة فكذلك رسل القلوب فانهم يدعون القوى البشرية والطبيعية من الصفات البشرية السفلية الى الأخلاق الروحانية العلوية ومن ظلمة الخلقية الى نور الحقية فمن مال عن الحق وقبول الدعوة لعدم الاستعداد الذاتي ضل بالتوجه الى الدنيا والإقبال عليها فأنى يجد الهداية الى حضرة الحق سبحانه وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اما معطوف على إذ الاولى معمول لعاملها واما معمول لمضمر معطوف على عاملها وابن هنا وفي عزيز ابن الله بإثبات الالف خطا لندرة وقوعه بين رب وعبد وذكر وأنثى يا بَنِي إِسْرائِيلَ اى فرزندان يعقوب ناداهم بذلك استمالة لقلوبهم الى تصديقه في قوله إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ فان تصديقه عليه السلام إياها من أقوى الدواعي الى تصديقهم إياه اى أرسلت إليكم لتبليغ أحكامه التي لا بد منها في صلاح أموركم الدينية والدنيوية در حالتى كه باور دارنده ام من آن چيز را كه پيش منست از كتاب تورات يعنى قبل از من نازل شده ومن تصديق كرده ام كه آن از نزد خداست وقال ابو الليث يعنى اقرأ عليكم الإنجيل موافقا للتوراة في التوحيد وبعض الشرائع قال القاضي في تفسيره ولعله لم يقل يا قوم كما قال موسى لانه لا نسب له فيهم إذ النسب الى الآباء والا فمريم من بنى إسرائيل لان إسرائيل لقب يعقوب ومريم من نسله ثم ان هذا دل على ان تصديق المتقدم من الأنبياء والكتب من شعائر اهل الصدق ففيه مدح لامة محمد عليه السلام حيث صدقوا الكل وَمُبَشِّراً التبشير مژده دادن بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي معطوف على مصدقا داع الى تصديقه عليه السلام من حيث ان البشارة به واقعة في التوراة والعامل فيهما ما في الرسول(9/497)
من معنى الإرسال لا الجار فانه صلة للرسول والصلاة بمعزل عن تضمن معنى الفعل وعليه يدور العمل اى أرسلت إليكم حال كونى مصدقا لما تقدمنى من التوراة ومبشرا بمن يأتى من بعدي من رسول وكان بين مولده وبين الهجرة ستمائة وثلاثون سنة وقال بعضهم بشرهم به ليؤمنوا به عند مجيئه او ليكون معجزة لعيسى عند ظهوره والتبشير به تبشير بالقرءان ايضا وتصديق له كالتوراة اسْمُهُ أَحْمَدُ اى محمد صلّى الله عليه وسلّم يريد أن دينى التصديق بكتب الله وأنبيائه جميعا ممن تقدم وتأخر فذكر أول الكتب المشهورة الذي يحكم به النبيون والنبي الذي هو خاتم النبيين وعن اصحاب رسول الله انهم قالوا أخبرنا يا رسول الله عن نفسك قال انا دعوة ابراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي رؤيا حين حملتنى انه خرج منها نور أضاء لها قصور بصرى في ارض الشام وبصرى كحبلى بلد بالشام وكذا بشر كل نبى قومه بنبينا محمد عليه السلام والله تعالى أفرد عيسى عليه السلام بالذكر في هذا الموضع لانه آخر نبى قبل نبينا فبين ان البشارة
به عمت جميع الأنبياء واحدا بعد واحد حتى انتهت الى عيسى كما في كشف الاسرار وقال بعضهم كان بين رفع المسيح ومولد النبي عليه السلام خمسمائة وخمس وأربعون سنة تقريبا وعاش المسيح الى ان رفع ثلاثا وثلاثين سنة وبين رفعه والهجرة الشريفة خمسمائة وثمان وتسعون سنة ونزل عليه جبريل عشر مرات وأمته النصارى على اختلافهم ونزل على نبينا عليه السلام اربعة وعشرين مرة وأمته امة مرحومة جامعة لجميع الملكات الفاضلة قيل قال الحواريون لعيسى يا روح الله هل بعدنا من امة قال نعم امة محمد حكماء علماء ابرار أتقياء كأنهم من الفقه أنبياء يرضون من الله باليسير من الرزق ويرضى الله منهم باليسير من العمل واحمد اسم نبينا صلّى الله عليه وسلّم قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر فى كتاب تلقيح الأذهان سمى من حيث تكرر حمده محمدا ومن حيث كونه حامل لواء الحمد احمد انتهى قال الراغب احمد اشارة للنبى عليه السلام باسمه تنبيها على انه كما وجد اسمه احمد يوجد جسمه وهو محمود في أخلاقه وأفعاله وأقواله وخص لفظ احمد فيما بشر به عيسى تنبيها انه احمد منه ومن الذين قبله انتهى ويوافقه ما في كشف الاسرار من ان الالف فيه للمبالغة في الحمد وله وجهان أحدهما انه مبالغة من الفاعل اى الأنبياء كلهم حامدون لله تعالى وهو اكثر حمدا من غيره والثاني انه مبالغة من المفعول اى الأنبياء كلهم محمودون لما فيهم من الخصال الحميدة وهو اكثر مناقب واجمع للفضائل والمحاسن التي يحمد بها انتهى
ز صد هزار محمد كه در جهان آيد ... يكى بمزلت وفضل مصطفى نرسد
قال ابن الشيخ في حواشيه يحتمل أن يكون احمد منقولا من الفعل المضارع وأن يكون منقولا من صفة وهى افعل التفضيل وهو الظاهر وكذا محمد فانه منقول من الصفة ايضا وهو فى معنى محمود ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار فانه محمود في الدنيا بما هدى اليه ونفع به من العلم والحكمة ومحمود في الآخرة بالشفاعة وقال الامام السهيلي في كتاب التعريف والاعلام احمد اسم علم منقول من صفة لا من فعل وتلك الصفة افعل التي يراد بها التفضيل فمعنى احمد احمد الحامدين لربه عز وجل وكذلك قال هو في المعنى لانه يفتح عليه في المقام المحمود بمحامد(9/498)
لم تفتح على أحد قبله فيحمد ربه بها وكذلك يعقد لواء الحمد واما محمد فمنقول من صفة ايضا وهو في معنى محمود ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار فمحمد هو الذي حمد مرة بعد مرة كما ان المكرم من أكرم مرة بعد مرة وكذلك الممدح ونحو ذلك فاسم محمد مطابق لمعناه والله تعالى سماه به قبل أن يسمى به نفسه فهذا علم من اعلام نبوته إذ كان اسمه صادقا عليه فهو محمود في الدنيا بما هدى اليه ونفع به من العلم والحكمة وهو محمود في الآخرة بالشفاعة فقد تكرر معنى الحمد كما يقتضى اللفظ ثم انه لم يكن محمدا حتى كان حمد ربه فنبأه وشرفه ولذلك تقدم اسم احمد على الاسم الذي هو محمد فذكره عيسى عليه السلام فقل اسمه احمد ذكره موسى عليه السلام حين قال له ربه تلك امة احمد فقال اللهم اجعلنى من امة احمد فبأحمد ذكره قبل أن يذكره بمحمد لان حمده لربه كان قبل حمد الناس فلما وجد وبعث كان محمدا بالفعل وكذلك في الشفاعة يحمد ربه بالمحامد التي يفتحها عليه فيكون احمد الناس لربه ثم يشفع فيحمد على شفاعته فانظر كيف كان ترتب هذا الاسم قبل الاسم الآخر في الذكر وفي الوجود وفي الدنيا وفي الآخرة تلح لك الحكمة الالهية في تخصيصه بهذين الاسمين وانظر كيف أنزلت عليه سورة الحمد وخص بها دون سائر الأنبياء وخص بلواء الحمد وخص بالمقام المحمود وانظر كيف شرع له سنة وقرءانا أن يقول عند اختتام الافعال وانقضاء الأمور الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين وقال ايضا وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين تنبيها لنا على ان الحمد مشروع عند انقضاء الأمور وسن عليه السلام الحمد بعد الاكل والشرب وقال عند انقضاء السفر آئبون تائبون لربنا حامدون ثم انظر لكونه عليه السلام
خاتم الأنبياء ومؤذنا بانفصال الرسالة وانقطاع الوحى ونذيرا بقرب الساعة وتمام الدنيا مع ان الحمد كما قدمنا مقرون بانقضاء الأمور مشروع عندها تجد معانى اسمه جمبعا وما خص به من الحمد والمحامد مشاكلا لمعناه مطابقا لصفته وفي ذكره برهان عظيم وعلم واضح على نبوته وتخصيص الله له بكرامته وانه قدم له هذه المقامات قبل وجوده تكرمة له وتصديقا لامره عليه السلام انتهى كلام السهيلي يقول الفقير الذي يلوح بالبال ان تقدم الاسم احمد على الاسم محمد من حيث انه عليه السلام كان إذا ذاك في عالم الأرواح متميزا عن الأحد بميم الإمكان فدل قلة حروف اسمه على تجرده التام الذي يقتضيه موطن عالم الأرواح ثم انه لما تشرف بالظهور في عالم العين الخارج وخلع الله عليه من الحكمة خلعة اخرى زائدة على الخلع التي قبلها ضوعف حروف اسمه الشريف فقيل محمد على ما يقتضيه موطن العين ونشأة الوجود الخارجي ولا نهاية للاسرار والحمد لله تعالى قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر في كتاب مواقع النجوم ما انتظم من الوجود شيء بشيء ولا انضاف منه شيء الى شيء الا لمناسبة بينهما ظاهرة او باطنة فالمناسبة موجودة في كل الأشياء حتى بين الاسم والمسمى ولقد أشار أبو يزيد السهيلي وان كان أجنبيا عن اهل هذه الطريقة الى هذا المقام في كتاب المعارف والاعلام له في اسم النبي عليه السلام محمد واحمد وتكلم(9/499)
على المناسبة التي بين افعال النبي عليه السلام وأخلاقه وبين معانى اسميه محمد واحمد انتهى كلام الشيخ أشار رضى الله عنه الى ما قدمناه من كلام السهيلي وقال بعض العافين سمى عليه السلام بأحمد لكون حمده أتم واشتمل من حمد سائر الأنبياء والرسل إذ محامدهم لله انما هى بمقتضى توحيد الصفات والافعال وحمده عليه السلام انما هو بحسب توحيد الذات المستوعب لتوحيد الصفات والافعال انتهى قال في فتح الرحمن لم يسم بأحمد أحد غيره ولا دعى به مدعو قبله وكذلك محمد ايضا لم يسم به أحد من العرب ولا غيرهم الى أن شاع قبيل وجود عليه السلام وميلاده اى من الكهان والأحبار ان نبيا يبعث اسمه محمد فسمى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو وهم محمد بن احيحة بن الجلاح الأوسي ومحمد بن مسلمة الأنصاري محمد بن البرآء البكري ومحمد بن سفيان بن مجاشع ومحمد بن حمدان الجعفي ومحمد بن خزاعة السلمى فهم ستة لا سابع لهم ثم حمى الله كل من تسمى به ان يدعى النبوة او يدعيها أحد له او يظهر عليه سبب يشكك أحدا في امره حتى تحققت السمتان له عليه السلام ولم ينازع فيهما انتهى واختلف فى عدد اسماء للنبى عليه السلام فقيل له عليه السلام ألف اسم كما ان لله تعالى ألف اسم وذلك فانه عليه السلام مظهر تام له تعالى فكما ان أسماءه تعالى اسماء له عليه السلام من جهة الجمع فله عليه السلام اسماء أخر من جهة الفرق على ما تقتضيه الحكمة في هذا الموطن فمن أسمائه محمد اى كثير الحمد لان اهل السماء والأرض حمدوه في الدنيا والآخرة ومنها احمد اى أعظم حمدا من غيره لانه حمد الله تعالى بمحامد لم يحمد بها غيره ومنها المقفى بتشديد الفاء وكسره لانه أتى عقيب الأنبياء وفي قفاهم وفي التكملة هو الذي قفى على اثر الأنبياء اى اتبع آثارهم ومنها نبى التوبة لانه كثير الاستغفار والرجوع الى الله او لان التوبة فى أمته صارت أسهل الا ترى ان توبة عبدة العجل كانت بقتل النفس او لان توبة أمته كانت ابلغ من غيرهم حتى يكون التائب منهم كمن لا ذنب له لا يؤاخذ به في الدنيا ولا في الآخرة وغيرهم يؤاخذ في الدنيا لا في الآخرة ومنها نبى الرحمة لانه كان سبب الرحمة وهو الوجود لقوله تعالى لو لاك لما خلقت الافلاك وفي كتاب البرهان للكرمانى لو لاك يا محمد لما خلقت الكائنات خاطب الله النبي عليه السلام بهذا القول انتهى قيل الاولى ان يحترز عن القول بأنه لو لانبياء عليه السلام لان لما خلق الله آدم وان كان هذا شيأ يذكره الوعاظ على رؤوس المنابر يرون به تعظيم محمد عليه السلام لان النبي عليه السلام وان كان عظيم المرتبة عند الله لكن لكل نبى من الأنبياء مرتبة
ومنزلة وخاصية ليست لغيره فيكون كل نبى أصلا لنفسه كما في التاتار خانية يقول الفقير كان عليه السلام نبى الرحمة لانه هو الأمان الأعظم ما عاش وما دامت سنته باقية على وجه الزمان قال تعالى وما كان الله ليعذبهم وأنت فبهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون قال امير المؤمنين على رضى الله عنه كان في الأرض أمانان فرفع أحدهما وبقي الآخر فاما الذي رفع فهو رسول الله عليه السلام واما الذي بقي فالاستغفار وقرأ بعد هذه الآية ومنها نبى الملحمة اى الحرب لانه بعت بالقتال فان قلت المبعوث بالقتال كيف يكون رحمة(9/500)
قلت كان امم الأنبياء يهلكون في الدنيا إذا لم يؤمنوا بهم بعد المعجزات ونبينا عليه السلام بعث بالسيف ليرتدعوا به عن الكفر ولا يستأصلوا وفي كونه عليه السلام نبى الحرب رحمة ومنها الماحي وهو الذي محا الله به الكفر او سيئات من اتبعه ومنها الحاشر وهو الذي يحشر الناس على قدمه اى على اثره ويجوز أن يراد بقدمه عهده وزمانه فيكون المعنى ان الناس يحشرون في عهده اى في دعوته من غير أن تنسخ ولا تبدل ومنها العاقب وهو الذي ليس بعده نبى لا مشرعا ولا متابعا اى قد عقب الأنبياء فانقطعت النبوة قال عليه السلام يا على أنت منى بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبى بعدي اى بالنبوة العرفية بخلاف النبوة التحقيقية التي هى الانباء عن الله فانها باقية الى يوم القيامة الا انه لا يجوز أن يطلق على أهلها النبي لا يهامه النبوة العرفية الحاصلة بمجىء الوحى بواسطة جبرائيل عليه السلام ومنها الفاتح فان الله فتح به الإسلام ومنها الكاف قيل معناه الذي أرسل الى الناس كافة وليس هذا بصحيح لان كافة لا يتصرف منه فعل فيكون منه اسم فاعل وانما معناه الذي كف الناس عن المعاصي كذا في التكملة يقول الفقير هذا إذا كان الكاف مشددا واما إذا كان مخففا فيجوز أن يشاربه الى المعنى الاول كما قال تعالى يس اى يا سيد البشر ومنها صاحب الساعة لانه بعث مع الساعة نذيرا للناس بين يدى عذاب شديد ومنها الرؤوف والرحيم والشاهد والمبشر والسراج المنير وطه ويس والمزمل والمدثر وعبد الله وقثم اى الجامع للخير ومنها ن اشارة الى اسم النور والناصر ومنها المتوكل والمختار والمحمود والمصطفى وإذا اشتقت أسماؤه من صفاته كثرت جدا ومنها الخاتم بفتح التاء اى احسن الأنبياء خلقا وخلقا فكأنه جمال الأنبياء كالخاتم الذي يتجمل به اى لما أتقنت به النبوة وكملت كان كالخاتم الذي يختم به الكتاب عند الفراغ منه واما الخاتم بكسر التاء فمعناه انه آخر الأنبياء فهو اسم فاعل من ختم ومنها راكب الجمل سماه به شعيا النبي عليه السلام فان قلت لم خص بركوب الجمل وقد كان يركب غيره كالفرس والحمار قلت كان عليه السلام من العرب لامن غيرهم كاقال أحب العرب لثلاث لانى عربى والقرآن عربى ولسان اهل الجنة عربى والجمل مركب العرب مختص بهم لا ينسب الى غيرهم من الأمم ولا يضاف لسواهم ومنها صاحب الهراوة سماه به سطيح الكاهن والهراوة بالكسر العصا فان قلت لم خص بالعصا وقد كان غيره من الأنبياء يمسكها قلت العصا كثيرا ما تستعمل في ضرب الإبل وتخص بذلك كما قال به كثير في صفة البعير
ينوخ ثم يضرب بالهراوى ... فلا عرف لديه ولا نكير
فركوبه الجمل وكونه صاحب هراوة كناية عن كونه عربيا وقيل هى اشارة الى قوله في الحديث في صفة الحوض اذود الناس عنه بعصاي ومنها روح الحق سماه به عيسى عليه السلام فى الإنجيل وسماه ايضا المنخنا بمعنى محمد يا خود آنكه خداى بفرستد او را بعد از مسيح وفي التكملة هو بالسريانية ومنها حمياطى بالعبرانية وبر قليطس بالرومية بمعنى محمد وماذ ماذ بمعنى طيب طيب وفار قليطا مقصورا بمعنى احمد وروى فار قلبط بالباء وقيل معناه الذي(9/501)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7)
يفرق بين الحق والباطل وروى ان معناه بلغة النصارى ابن الحمد فكأنه محمد واحمد (وروى) انه عليه السلام قال اسمى في التوراة احيد لانى احيد أمتي عن النار واسمى في الزبور الماحي محا الله بي عبدة الأوثان واسمى في الإنجيل احمد وفي القرآن محمد لانى محمود في اهل السماء والأرض فان قلت قال رسول الله عليه السلام لى خمسة اسماء فذكر محمدا واحمد والماحي والحاشر والعاقب وقد بلغت اكثر من ذلك قلت تخصيص الوارد لا ينافى ما سواه فقد خص الخمسة اما لعلم السامع بما سواها فكأنه قال لى خمسة زائدة على ما تعلم او لفضل فيها كأنه قال لى خمسة اسماء فاضلة معظمة او لشهرتها كأنه قال لى خمسة اسماء مشهورة او لغير ذلك مما يحتمله اللفظ من المعاني وقيل لان الموحى اليه في ذلك الوقت كان هذه الأسماء وقيل كانت هذه الأسماء معروفة عند الأمم السالفة ومكتوبة في الكتب المتقدمة وفيه ان أسماءه الموجودة في الكتب المتقدمة تزيد على الخمسة كما في التكملة لابن عسكر فَلَمَّا جاءَهُمْ اى الرسول المبشر به الذي اسمه احمد كما يدل عليه الآيات اللاحقة واما ارجاعه الى عيسى كما فعله بعض المفسرين فبعيد جدا وكون ضمير الجمع راجعا الى بنى إسرائيل لا ينافى ما ذكرنا لان نبينا عليه السلام مبعوث الى الناس كافة بِالْبَيِّناتِ اى بالمعجزات الظاهرة كالقرءآن ونحوه والباء للتعدية ويجوز أن تكون للملابسة قالُوا هذا مشيرين الى ما جاء به او اليه عليه السلام سِحْرٌ مُبِينٌ ظاهر سحريته بلا مرية وتسميته عليه السلام سحرا للمبالغة ويؤيده قراءة من قرأ هذا ساحر وفي الآية اشارة الى عيسى القلب وإسرائيل الروح وبنيه النفس والهوى وسائر القوى الشريرة فانها متولدة من الروح والقالب منسلخة عن حكم أبيها فدعاها عيسى القلب من الظلمات الطبيعية الى الأنوار الروحانية وبشرها بأحمد السر لكونه احمد من عيسى القلب لعلو مرتبته عليه فلما جاءها بصور التجليات الصفاتية والاسمائية قالت هذا امر وهمى متخيل لا وجود له ظاهر البطلان وهكذا براهين اهل الحق مع المنكرين وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وكيست ستمكارتر از ان كس كه دروغ مى سازد بر الله والفرق بين الكذب والافتراء هو ان الافتراء افتعال الكذب من قول نفسه والكذب قد يكون على وجه التقليد للغير فيه وَهُوَ اى والحال ان ذلك المفترى يُدْعى من لسان الرسول إِلَى الْإِسْلامِ الذي به سلامة الدارين اى اى الناس أشد ظلما ممن يدعى الإسلام الذي يوصله الى سعادة الدارين فيضع موضع الاجابة الافتراء على الله بقوله لكلامه الذي هو دعاء عباده الى الحق هذا سحر فاللام في الكذب للعهداى هو أظلم من كل ظالم وان لم يتعرض ظاهر الكلام لنفى المساوى ومن الافتراء على الله الكذب في دعوى النسب والكذب في الرؤيا والكذب في الاخبار عن رسول الله عليه السلام واعلم ان الداعي في الحقيقة هو الله تعالى كما قال تعالى والله يدعو الى دار السلام بأمره الرسول عليه السلام كما قال ادع الى سبيل ربك وفي الحديث عن ربيعة الجرشى (قال أتى نبى الله عليه السلام فقيل له لتنم عينك ولتسمع اذنك وليعقل قلبك) قال فنامت عيناى وسمعت أذناي وعقل قلبى قال فقيل لى سيد بنى دارا فصنع مأدبة وأرسل داعيا(9/502)
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)
فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ورضى عنه السيد ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة وسخط عليه السيد قال فالله السيد ومحمد الداعي والدار الإسلام والمأدبة الجنة ودخل في دعوة النبي دعوة ورثته لقوله أدعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعنى ولا بد أن يكون الداعي أميرا او مأمورا وفي المصابيح في كتاب العلم قال عوف بن مالك رضى الله عنه لا يقص الا امير او مأمور او مختال رواه أبو داود وابن ماجه قوله او مختال هو المتكبر والمراد به هنا الواعظ الذي ليس بأمير ولا مأمور مأذون من جهة الأمير ومن كانت هذه صفته فهو متكبر فضولى طالب للرياسة وقيل هذا الحديث في الخطبة خاصة كما في المفاتيح وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ اى لا يرشدهم الى ما فيه فلاحهم لعدم توجههم اليه يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ الإطفاء الاخماد وبالفارسية فرو كشتن آتش و چراغ اى يريدون أن يطفئوا دينه او كتابه او حجته النيرة واللام مزيدة لما فيها من معنى الارادة تأكيدا لها كما زيدت لما فيها من معنى الاضافة تأكيدا لها في لا أبالك او يريدون الافتراء ليطفئوا نور الله وقال الراغب في المفردات الفرق ان في قوله تعالى يريدون أن يطفئوا نور الله يقصدون إخفاء نور الله وفي قوله تعالى ليطفئوا يقصدون امرا يتوصلون به الى اطفاء نور الله بِأَفْواهِهِمْ بطعنهم فيه وبالفارسية بدهنهاى خود يعنى بگفتار ناپسنديده وسخنان بى ادبانه مثلت حالهم بحال من ينفخ في نور الشمس ليطفئه وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ اى مبلغه الى غايته بنشره في الآفاق واعلائه جملة حالية من فاعل يريدون او يطفئوا وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ إتمامه إرغاما لهم وزيادة في مرض قلوبهم ولو بمعنى ان وجوابه محذوف اى وان كرهوا ذلك فالله يفعله لا محالة (قال الكاشفى) وكراهت ايشانرا اثرى نيست در اطفاى چراغ صدق وصواب همچون أرادت خفاش كه غير مؤثر است در نابودن آفتاب
شب پره خواهد كه نبود آفتاب ... تا ببيند ديده او مرز وبوم
دست قدرت هر صباحى شمع مهر ... مى فروزد كورئ خفاش شوم
(وفي المثنوى)
شمع حق را پف كنى تو اى عجوز ... هم تو سوزى هم سرت اى كنده پوز
كى شود دريا ز پوز سك نجس ... كى شود خورشيد از پف منطمس
هر كه بر شمع خدا آرد پفو ... شمع كى ميرد بسوزد پوز او
چون تو خفاشان بسى بينند خواب ... كين جهان ماند يتيم از آفتاب
اى بريده آن لب وحلق ودهان ... كه كند تف سوى مه يا آسمان
تف برويش باز كردد بي شكى ... تف سوى كردون نيابد مسلكى
تا قيامت تف بر وبار دز رب ... همچون تبت بر روان بو لهب
قال ابن الشيخ إتمام نوره لما كان من أجل النعم كان استكراه الكفار إياه اى كافر كان(9/503)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)
من اصناف الكفرة غاية في كفران النعمة فلذلك أسند كراهة إتمامه الى الكافرين فان لفظ الكافر أليق بهذا المقام واما قوله ولو كره المشركون فانه قد ورد في مقابلة اظهار دين الحق الذي معظم أركانه التوحيد وابطال الشرك وكفار مكة كارهون له من أجل انكارهم للتوحيد وإصرارهم على الشرك فالمناسب لهذا المقام التعرض لشركهم لكونه العلة فى كراهتهم الدين الحق قال بعضهم جحدوا ما ظهر لهم من صحة نبوة النبي عليه السلام وأنكروه بألسنتهم واعرضوا عنه بنفوسهم فقيض الله لقبوله أنفسا أوجدها على حكم السعادة وقلوبا زينها بأنوار المعرفة واسرارا نورها بالتصديق فبذلوا له المهج والأموال كالصديق والفاروق واجلة الصحابة رضى الله عنهم يقول الفقير هكذا احوال ورثة النبي عليه السلام فى كل زمان فان الله تعالى تجلى لهم بنور الأزل والقدم فكرهه المنكرون وأرادوا أن يطفئوه لكن الله أتم نوره وجعل لاهل تجليه أصحابا وإخوانا يذبون عنهم وينفذون أمورهم الى ان يأتيهم امر الله تعالى ويقضوا نحبهم وفي الآية اشارة الى ان النفس لا بد وأن تسعى فى ابطال نور القلب وإطفائه لان النفس والهوى من المظاهر القهرية الجلالية المنسوبة الى اليد اليسرى والروح والقلب من المظاهر الجمالية اللطفية المنسوبة الى اليد اليمنى كما جاء في الحديث (الرباني) ان الله مسح يده اليمنى على ظهر آدم الأيمن فاستخرج منه ذرارى كالفضة البيضاء وقال هؤلاء للجنة ومسح يده اليسرى على ظهر آدم الأيسر فاستخرج منه كالحممة السوداء وقال هؤلاء للنار فلا بد للنفس من السعى في اطفاء نور القلب وللقلب ايضا من السعى في اطفاء نار النفس ولو كره الكافرون الساترون القلب بالنفس الزارعون بذر النفس في ارض القلب هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ محمدا صلّى الله عليه وسلّم بِالْهُدى بالقرءان او بالمعجزة فالهدى بمعنى ما به الاهتداء الى الصراط المستقيم وَدِينِ الْحَقِّ والملة الحنيفية التي اختارها لرسوله ولامته وهو من اضافة الموصوف الى صفته مثل عذاب الحريق لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ليجعله ظاهرا اى عاليا وغالبا على جميع الأديان المخالفة له وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ذلك الإظهار ولقد أنجز الله وعده حيث جعله بحيث لم يبق دين من الأديان الا وهو مغلوب مقهور بدين الإسلام فليس المراد انه لا يبقى دين آخر من الأديان بل العلو والغلبة والأديان خمسة اليهودية والنصرانية والمجوسية والشرك والإسلام كما في عين المعاني للسجاوندى وقال السهيلي في كتاب الأمالي في بيان فائدة كون أبواب النار سبعة وجدنا الأديان كما ذكر في التفسير سبعة واحد للرحمن وستة للشيطان فالتى للشيطان اليهودية والنصرانية والصابئية وعبادة الأوثان والمجوسية وامم لا شرع لهم ولا يقولون بنبوة وهم الدهرية فكأنهم كلهم على دين واحد أعنى الدهرية وكل من لا يصدق برسول فهؤلاء ستة اصناف والصنف السابع هو من اهل التوحيد كالخوارج الذين هم كلاب النار وجميع اهل البدع المضلة والجبابرة الظلمة والمصرون على الكبائر من غير توبة ولا استغفار فان فيهم من ينفذ فيه الوعيد ومنهم من يعفو الله عنه فهؤلاء كلهم صنف واحد غير انه لا يحتم عليهم بالخلود فيها فهؤلاء سبعة اصناف ستة مخلدون في النار وصنف(9/504)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)
واحد غير مخلدوهم منتزعون يوم القيامة من اهل دين الرحمن ثم يخرجون بالشفاعة فقد وافق عدد الأبواب عدد هذه الأصناف وتبينت الحكمة في ذكرها في القرآن لما فيها من التخويف والإرهاب فنسأل الله العفو والعافية والمعافاة وفي بعض التفاسير الإشراك هو اثبات الشريك لله تعالى في الالوهية سوآء كانت بمعنى وجوب الوجود او استحقاق العبادة لكن اكثر المشركين لم يقولوا بالأول لقوله تعالى ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله فقد يطلق ويراد به مطلق الكفر بناء على ان الكفر لا يخلو عن شرك ما يدل عليه قوله تعالى ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك فان من المعلوم في الدين انه تعالى لا يغفر كفر غير المشركين المشهورين من اليهود والنصارى فيكون المراد لا يغفر أن يكفر به وقد يطلق ويراد به عبدة الأصنام وغيرها فان أريد الاول في قوله ولو كره المشركون يكون إيراده ثانيا لوصفهم بوصف قبيح آخر وان أريد الثاني فلعل إيراد الكافرين اولا لما ان إتمام الله نوره يكون بنسخ غير الإسلام والكافرون كلهم يكرهون ذلك وإيراد المشركين ثانيا لما ان اظهار دين الحق يكون بإعلاء كلمة الله واشاعة التوحيد المنبئ عن بطلان الآلهة الباطلة وأشد الكارهين لذلك المشركون والله اعلم بكلامه وفي التأويلات النجمية هو الذي أرسل رسول القلب الى امة العالم الأصغر الذي هو المملكة الانفسية الاجمالية المضاهية للعالم الأكبر وهو المملكة الآفاقية التفصيلية بنور الهداية الازلية ودين الحق الغالب على جميع الأديان وهو الملة الحنيفية السهلة السمحاء ولو كره المشركون الذين أشركوا مع الحق غيره وما عرفوا ان الغير والغيرية من الموهومات التي اوجدتها قوة الوهم والا ليس في الوجود الا الله وصفاته انتهى (قال الكمال الخجندي)
له في كل موجود علامات وآثار ... دو عالم پر ز معشوقست كو يك عاشق صادق
(وقال المولى الجامى)
كر تويى جمله در فضاى وجود ... هم خود انصاف ده بگو حق كو
در همه اوست پيش چشم شهود ... چيست پندارى هستئ من وتو
يقول الفقير هذه الكلمات المنبئة عن وحدة الوجود قد اتفق عليها اهل الشهود قاطبة فالطعن لواحد منهم بأن وجودى طعن لجميعهم وليس الطعن الا من الحجاب الكثيف والجهل العظيم والا فالامر اظهر على البصير يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ آيا دلالت كنم شما را عَلى تِجارَةٍ سيأتى بيان معناها تُنْجِيكُمْ ان تكون سببا لانجاء الله إياكم وتخليصه وأفادت الصفة المقيدة ان من التجارة ما يكون على عكسها كما أشار إليها قوله تعالى يرجون تجارة لن تبور فان بوار التجارة وكسادها يكون لصاحبها عذابا أليما كجمع المال وحفظه ومنع حقوقه فانه وبال في الآخرة فهى تجارة خاسرة وكذا الأعمال التي لم تكن على وجه الشرع والسنة او أريد بها غير الله مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ اى مؤلم جسمانى وهو ظاهر وروحانى وهو التحسر والتضجر كأنهم قالوا كيف نعمل او ماذا نصنع فقيل(9/505)
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مراد آنست كه ثابت باشيد بر ايمان كه داريد وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ بمالهاى خود كه زاد وسلاح مجاهدان خريد وَأَنْفُسِكُمْ وبنفسهاى خود كه متعرض قتل وحرب شويد قدم الأموال لتقدمها في الجهاد او للترقى من الأدنى الى الأعلى وقال بعضهم قدم ذكر المال لان الإنسان ربما يضن بنفسه ولانه إذا كان له مال فانه يؤخذ به النفس لتغزو وهذا خبر في معنى الأمر جيئ به للايذان بوجوب الامتثال فكأنه وقع فأخبر بوقوعه كما تقول غفر الله لهم ويغفر الله لهم جعلت المغفرة لقوة الرجاء كأنها كانت ووجدت وقس عليه نحو سلمكم الله وعافاكم الله وأعاذكم الله وفي الحديث جاهدوا المشركين باموالكم وأنفسكم وألسنتكم ومعنى الجهاد بالألسنة أسماعهم ما يكرهونه ويشق عليهم سماعه من هجو وكلام غليظ ونحو ذلك وأخر الجهاد بالألسنة لانه أضعف الجهاد وأدناه ويجوز أن يقال ان اللسان أحد وأشد تأثيرا من السيف والسنان قال على رضى الله عنه جراحات السنان لها التئام ولا يلتام ما جرح اللسان فيكون من باب الترقي من الأدنى الى الأعلى وكان حسان رضى الله عنه يجلس على المنبر فيهجو قريشا بإذن رسول الله عليه السلام ثم ان التجارة التصرف في رأس المال طلبا للربح والتاجر الذي يبيع ويشترى وليس في كلام العرب تاء بعدها جيم غير هذه اللفظة واما تجاه فاصلها وجاه وتجوب وهى قبيلة من حمير فالتاء للمضارعة قال ابن الشيخ جعل ذلك تجارة تشبيها له فى الاشتمال على معنى المبادلة والمعاوضة طمعا لنيل الفضل والزيادة فان التجارة هى معاوضة المال بالمال لطمع الريح والايمان والجهاد شبها بها من حيث ان فيهما بذل النفس والمال طمعا لنيل رضى الله تعالى والنجاة من عذابه (قال الحافظ)
فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ ... كه كار عشق ز ما اين قدر نمى آيد
ذلِكُمْ اى ما ذكر من الايمان والجهاد بقسميه خَيْرٌ لَكُمْ على الإطلاق او من أموالكم وأنفسكم إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ اى ان كنتم من اهل العلم فان الجهلة لا يعتد بأفعالهم او ان كنتم تعلمون انه خير لكم حينئذ لانكم إذا علمتم ذلك واعتقدتموه احببتم الايمان والجهاد فوق ما تحبون أنفسكم وأموالكم فتخلصون وتفلحون فعلى العاقل تبديل الفاني بالباقي فانه خير له وجاء رجل بناقة مخطومة وقال هذه في سبيل الله فقال عليه السلام لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة بزركى فرموده كه اصل مرابحه درين تجارت اينست كه غير حق را بدهى وحق را بستانى ودر نفحات از ابى عبد الله اليسرى قدس سره نقل ميكند كه پسر وى آمد وكفت سبوى روغن داشتم كه سرمايه من بود از خانه بيرون مى آوردم بيفتاد وبشكست وسرمايه من ضايع شد كفت اى فرزند سرمايه خود آن ساز كه سرمايه پدرتست والله كه پدر ترا هيچ نيست در دنيا وآخرت غير الله شيخ الإسلام عبد الله الأنصاري قدس سره فرمود كه سود تمام آن بود كه پدرش هم نبودى اشارت بمرتبه فناست در باختن سود وسرمايه در بازار شوق لقا
تا چند ببازار خودى پست شوى ... بشتاب كه از جام فنامست شوى(9/506)
يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)
از مايه سود دو جهان دست بشوى ... سود تو همان به كه تهى دست شوى
ودخل في الآية جهاد اهل البدعة وهم ثنتان وسبعون فرقة ضالة آن كافر خرابى حصن اسلام خواهد اين مبتدع ويرانى حصار سنت جويد آن شيطان در تشويش ولايت دل كوشد اين هواى نفس زير وزبرئ دين تو خواهد حق تعالى ترا بر هر يكى ازين دشمنان سلاحى داده تا او را بدان قهر كنى قتال با كافران بشمشير سياست است وبا مبتدعان بتيغ زبان وحجت وبا شيطان بمداومت ذكر حق وتحقيق كلمه وبا هواى نفس به تير مجاهده وسنان رياضت اينست بهين اعمال بنده وكزيده طاعات رونده چنانچهـ رب العزة كفت ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون وقال بعض الكبار يا أيها الذين آمنوا بالايمان التقليدى هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله اى تحقيقا ويقينا استدلاليا وبعد صحة الاستدلال تجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم لان بذل المال والنفس فى سبيل الله لا يكون الا بعد اليقين واعلم ان التوحيد اما لسانى واما عيانى اما التوحيد اللساني المقترن بالاعتقاد الصحيح فأهله قسمان قسم بقوا في التقليد الصرف ولم يصلوا الى حد التحقيق فهم عوام المؤمنين وقسم تشبثوا بذيل الحجج والبراهين النقلية والعقلية فهؤلاء وان خرجوا عن حد التقليد الصرف لكنهم لم يصلوا الى نور الكشف والعيان كما وصل اهل الشهود والعرفان واما التوحيد العيانى فعلى مراتب المرتبة الاولى توحيد الافعال والثانية توحيد الصفات والثالثة توحيد الذات فمن تجلى له الافعال توكل واعتصم ومن تجلى له الصفات رضى وسلّم ومن وصل الى تجلى الذات فنى في الذات بالمحو والعدم يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ فى الدنيا وهو جواب الأمر المدلول عليه بلفظ الخبر ويجوز أن يكون جوابا لشرط او لاستفهام دل عليه الكلام تقديره أن تؤمنوا وتجاهدوا او هل تقبلون وتفعلون ما دللتكم عليه يغفر لكم وجعله جوابا لهل أدلكم بعيد لان مجرد الدلالة لا يوجب المغفرة وَيُدْخِلْكُمْ فى الآخرة جَنَّاتٍ اى كل واحد منكم جنة ولا بعد من لطفه تعالى أن يدخله جنات بأن يجعلها خاصة له داخلة تحت تصرفه والجنة في اللغة البستان الذي فيه أشجار متكاثفة مظلة تستر ما تحتها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اى من تحت أشجارها بمعنى تحت أغصان أشجارها في أصولها على عروقها او من تحت قصورها وغرفها الْأَنْهارُ من اللبن والعسل والخمر والماء الصافي وَمَساكِنَ طَيِّبَةً اى ويدخلكم مساكن طيبة ومنازل نزهته كائنة فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ اى اقامة وخلود بحيث لا يخرج منها من دخلها بعارض من العوارض وهذا الظرف صفة مختصة بمساكن وهى جميع مسكن بمعنى المقام والسكون ثبوت الشيء بعد تحرك ويستعمل في الاستيطان يقال سكن فلان في مكان كذا استوطنه واسم المكان مسكن فمن الاول يقال سكنت ومن الثاني يقال سكنته قال الراغب اصل الطيب ما يستلذه الحواس وقوله ومساكن طيبة في جنات عدن اى طاهرة زكية مستلذة وقال بعضهم طيبتها سعتها ودوام أمرها وسئل رسول الله عليه وسلّم عن هذه المساكن الطيبة فقال قصر من لؤلؤ في الجنة في ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون(9/507)
بيتا من زمردة خضرآء في كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة قال فيعطى الله المؤمن من القوة فى غداة واحدة ما يأتى على ذلك كله قال في الكبير أراد بالجنات البساتين التي يتناولها الناظر لانه تعالى قال بعده ومساكن طيبة في جنات عدن والمعطوف يجب أن يكون مغايرا للمعطوف علبه فتكون مساكنهم في جنات عدن ومناظرهم الجنات التي هى البساتين ويكون فائدة وصفها بأنها عدن انها تجرى مجرى الدار التي يسكنها الإنسان واما الجنات الأخر فهى جارية مجرى البساتين التي قد يذهب الإنسان إليها لاجل التنزه وملاقاة الأحباب وفي بعض التفاسير تسمية دار الثواب كلها بالجنات التي هى بمعنى البساتين لاشتمالها على جنات كثيرة مترتبة على مراتب بحسب استحقاقات العالمين من الناقصين والكاملين ولذلك أتى بجنات جمعا منكرا ثم اختلفوا في عدد الجنات المشتملة على جنات متعددة فالمروى عن ابن عباس رضى الله عنهما انها سبع جنة الفردوس وجنة عدن وجنة النعيم ودار الخلد وجنة المأوى ودار السلام وعليون وفي كل واحدة منها مراتب
ودرجات متفاوتة على تفاوت الأعمال والعمال (وروى) عنه انها ثمان دار الجلال ودار القرار ودار السلام وجنة عدن وجنة المأوى وجنة الخلد وجنة الفردوس وجنة النعيم وقال أبو الليث الجنان اربع كما قال تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان ثم قال ومن دونهما جنتان فذلك جنان اربع إحداهن جنة الخلد والثانية جنة الفردوس والثالثة جنة المأوى والرابعة جنة عدن وأبوابها ثمانية بالخبر وخازن الجنة يقال له رضوان وقد ألبسه الله الرأفة والرحمة كما ان خازن النار ويقال له مالك قد ألبسه الله الغضب والهيبة وميل الامام الغزالي رحمه الله الى كون الجنان أربعا فلعل الجنات في الآية باعتبار الافراد لا باعتبار الأسماء وما يستفاد من قلتها بحسب ان الجمع السالم من جموع القلة ليس بمراد فانها في الوجود الإنساني اربع جنان فالغالب في الجنة الاولى التنعم بمقتضى الطبيعة من الاكل والشرب والوقاع وفي الثانية التلذذ بمقتضى النفس كالتصرفات وفي الثالثة التلذذ بالاذواق الروحانية كالمعارف الالهية وفي الرابعة التلذذ بالمشاهدات وذلك أعلى اللذات لانها من الخالق وغيرها من المخلوق ان قلت لم لم تذكر أبواب الجنة فى القرآن وانها ثمانية كما ذكرت أبواب النار كما قال تعالى لها سبعة أبواب قلت ان الله سبحانه انما يذكر من أوصاف الجنة ما فيه تشويق إليها وترغيب فيها وتنبيه على عظم نعميها وليس فى كونها ثمانية او اكثر من ذلك او اقل زيادة في معنى نعيمها بل لو دخلوا من باب واحدا ومن ألف باب لكان ذلك سواء في حكم السرور بالدخول ولذلك لم يذكر اسم خازن الجنة إذ لا ترغيب في ان يخبر عن اهل الجنة انهم عند فلان من الملائكة او في كرامة فلان وقد قال وسقاهم ربهم شرابا طهورا ولا شك ان من حدثت عنه انه عند الملك يسقيه ابلغ في الكرامة من أن يقال هو عند خادم من خدام الملك او في كرامة ولى من أوليائه بخلاف ذكر أبواب النار وذكر مالك فان فيه زيادة ترهيب قال سهل قدس سره أطيب المساكن ما أزال عنهم جميع الأحزان وأقر أعينهم بمجاورته فهذا الجوار فوق سائر الجوار وقال بعضهم ومساكن طيبة برؤية الحق تعالى فان المساكن انما تطيب بملاقاة الأحباب ورؤية العاشق جمال المعشوق(9/508)
وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)
ووصول المحب الى صحبة المحبوب وكذا مساكن القلوب انما تطيب بتجلى الحق ولقاء جماله جعلنا الله وإياكم من اهل الوصول واللقاء والبقاء ذلِكَ اى ما ذكر من المغفرة وإدخال الجنات المذكورة بما ذكر من الأوصاف الجميلة الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الذي لا فوز وراءه قال بعض المفسرين الفوز يكون بمعنى النجاة من المكروه وبمعنى الظفر بالبغية والاول يحصل بالمغفرة والثاني بإدخال الجنة والتنعيم فيها وعظمه باعتبار انه نجاة لا ألم بعده وظفر لا نقصان فيه شانا وزمانا ومكانا لانه في غاية الكمال على الدوام في مقام النعيم اعلم ان الآية الكريمة أفادت ان التجارة دنيوية واخروية فالدنيا موسم التجارة والعمر مدتها والأعضاء والقوى رأس المال والعبد هو المشترى من وجه والبائع من وجه فمن صرف رأس ماله الى المنافع الدنيوية التي تنقطع عند الموت فتجارته دنيوية كاسدة خاسرة وان كان بتحصيل علم دينى او كسب عمل صالح فضلا عن غيرهما فانما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى ومن صرفه الى المقاصد الأخروية التي لا تنقطع ابدا فتجارته رائجة رابحة حرية بأن يقال فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ولعل المراد من التجارة هنا بذل المال والنفس فى سبيل الله وذكر الايمان لكونه أصلا في الأعمال ووسيلة في قبول الآمال وتوصيف التجارة بالانجاء لان النجاة يتوقف عليها الانتفاع فيكون قوله تعالى يغفر لكم بيان سبب الانجاء وقوله ويدخلكم بما يتعلق به بيان المنفعة الحاصلة من التجارة مع ان التجارة الدنيوية تكون سببا للنجاة من الفقر المنقطع والتجارة الأخروية تكون سببا للنجاة من الفقر الغير المنقطع قال عليه السلام نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ يعنى ان نعمتى الصحة والفراغ كرأس المال للمكلف فينبغى أن يعامل الله بالايمان به وبرسوله ويجاهد مع النفس لئلا يغبن ويربح في الدنيا والآخرة ويجتنب معاملة الشيطان لئلا يضيع رأس ماله مع الربح (قال الحافظ)
كارى كنيم ور نه خجالت بر أورد ... روزى كه رخت جان بجهان دگر كشيم
(وقال ايضا)
كوهر معرفت اندوز كه يا خود ببرى ... كه نصيب دگرانست نصاب زر وسيم
(وقال ايضا)
دلا دلالت خيرت كنم براه نجات ... مكن بفسق مباهات وزهدهم مفروش
(وقال المولى الجامى)
از كسب معارف شده مشغوف ز خارف ... درهاى ثمين داده وخر مهره خريده
(وقال)
جان فداى دوست كن جامى كه هست ... كمترين كارى درين ره بذل روح
وَأُخْرى اى ولكم الى هذه النعم العظيمة نعمة اخرى عاجلة فأخرى مبتدأ حذف خبره والجملة عطف على يغفر لكم على المعنى تُحِبُّونَها وترغبون فيها وفيه تعريض بأنهم يؤثرون العاجل على الآجل وتوبيخ على محبته وهو صفة بعد صفة لذلك المحذوف نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ بدل او بيان لتلك النعمة الاخرى يعنى نصر من الله على عدوكم قريش(9/509)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)
وغيرهم وَفَتْحٌ قَرِيبٌ اى عاجل عطف على نصر (قال الكاشفى) مراد فتح مكه است يا فتح روم وفارس ابن عطا فرموده كه نصر توحيد است وفتح نظر بجمال ملك مجيد وقد بين انواع الفتوح في سورة الفتح فارجع اشارت الآية الى ان الايمان الاستدلالي اليقيني وبذل المال والنفس بمقتضاه في طريق الجهاد الأصغر وان كان تجارة رابحة الا ان أصحابها لم يتخلصوا بعد من الأعواض والأغراض فللسالك الى طريق الجهاد الأكبر تجارة أخرى فوق تلك التجارة اربح من الاولى هى نصر من الله بالتأييد الملكوتي والكشف النوري وفتح قريب الوصول الى مقام القلب ومطالعة تجليات الصفات وحصول مقام الرضى وانما سماه تجارة لان صفاتهم الظلمانية تبدل هناك بصفات الله النورانية وانما قال تحبونها لان المحبة الحقيقية لا تكون الا بعد الوصول الى مقام القلب ومن دخل مقام المحبة بالوصول الى هذا المقام فقد دخل في أول مقامات لخواص فالمعتبر من المنازل منزل المحبة واهله عبيد خلص لا يتوقعون الاجرة بعملهم بخلاف من تنزل عن منزلة المحبة فانهم إجراء يعملون للاجرة قال بعض العارفين من عبد الله رجاء للثواب وخوفا من العقاب فمعبوده فى الحقيقة هو الثواب والعقاب والحق واسطة فالعبادة لاجل تنعم النفس في الجنة والخلاص من النار معلول ولهذا قال المولى جلال الدين الرومي قدس سره
هشت جنت هفت دوزخ پيش من ... هست پيدا همچوبت پيش شمن
(وقال بعضهم)
طاعت از بهر جزا شرك خفيست ... يا خداجو باش ويا عقبى طلب
واعلم ان من جاهد فانما يجاهد لنفسه لانه يتخلص من الحجاب فيصل الى الملك الوهاب وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ عطف على محذوف مثل قل يا أيها الذين آمنوا وبشرهم يا أكمل الرسل بأنواع البشارة الدنيوية والاخروية فلهم من الله فضل واحسان في الدارين وكان فى هذا دلالة على صدق النبي لانه اخبر عما يحصل ويقع في المستقبل من الأيام على ما أخبره وفي التأويلات النجمية يشير الى تواتر النعم وتواليها وفتح مكة القلب بعد النصر بخراب بلدة النفس وبشر المؤمنين المحبين الطالبين بالنصر على النفس فتح مكة القلب انتهى وفيه اشارة الى ان بلدة النفس انما تخرب بعد التأييد الملكوتي وامداد جنود الروح بان تغلب القوى الروحانية على القوى النفسانية كما يغلب اهل الإسلام على اهل الحرب فيخلصون القلعة من أيدي الكفار ويزيلون آثار الكفر والشرك بجعل الكنائس مساجد وبيوت الأصنام معابد ومساكن الكفار مقار المؤمنين المخلصين والله المعين على الفتح المطلق كل حين يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ اى أنصار دينه جمع نصير كشريف واشراف كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ سيأتى بيانهم مَنْ كيستند أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قال بعض المفسرين من يحتمل ان يكون استفهاما حقيقة ليعلم وجود الأنصار ويتسلى به ويحتمل العرض والحث على النصرة وفيه دلالة على ان غير الله تعالى لا يخلو عن الاحتياج والاستنصار وانه في وقته جائز حسن إذا كان لله في الله والمعنى(9/510)
من جندى متوجها الى نصرة الله كما يقتضيه قوله تعالى قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فان قوله عيسى لا يطابق جواب الحواريين بحسب الظاهر فان ظاهر قول عيسى يدل على انه يسأل من ينصره فكيف يطابقه جواب الحواريين بانهم ينصرون الله وايضا لا وجه لبقاء قول عيسى على ظاهره لان النصرة لا تتعدى بالى فحمل الأنصار على الجند لانهم ينصرون ملكهم ويعينونه في مراده ومراده عليه السلام نصرة دين الله فسأل من يتبعه ويعينه في ذلك المراد ويشاركه فيه فقوله متوجها حال من ياء المتكلم في جندى والى متعلق به لا بالنصرة والاضافة الاولى اضافة أحد المتشاركين الى الآخر لما بينهما من الاختصاص يعنى الملابسة المضححة للاضافة المجازية لظهور ان الاختصاص الذي تقتضيه الاضافة حقيقة غير متحقق في اضافة انصارى والاضافة الثانية اضافة الفاعل الى المفعول والتشبيه باعتبار المعنى اى كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصاره حين قال لهم عيسى من انصارى الى الله او قل لهم كونوا كما قال عيسى للحواريين والحواريون اصفياؤه وخلصانه من الحور وهو البياض الخالص وهم أول من آمن به وكانوا اثنى عشر رجلا قال مقاتل قال الله لعيسى إذا دخلت القرية فائت النهر الذي عليه القصارون فاسألهم النصرة فأتاهم عيسى وقال من انصارى الى الله فقالوا نحن ننصرك فصدقوه ونصروه (وقال الكاشفى
) وفي الواقع نصرت كردند دين عيسى را بعد از رفع وى وخلق را بخدا دعوت نمودند فالحواريون كانوا قصارين وقيل كانوا صيادين قال بعض العلماء انما سموا حواريين لصفاء عقائدهم عن التردد والتلوين او لانهم كانوا يطهرون نفوس الناس بإفادتهم الدين والعلم المشار اليه بقوله تعالى انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا وانما قيل كانوا قصارين على التمثيل والتشبيه وانما قيل كانوا صيادين لاصطيادهم تفوس الناس وقودهم الى الحق وقوله عليه السلام الزبير ابن عمتى وحواريى وقوله يوم الأحزاب من يأتينى بخبر القوم فقال الزبير انا فقال عليه السلام ان لكل نبى حواريا وحواريى الزبير فشبه بهم في النصرة وقال بعض المفسرين دل الحديث على ان الحواريين ليسوا بمختصين بعيسى إذ هو في معنى الاصحاب الأصفياء وقال معمر رضى الله عنه كان بحمد الله لنبينا عليه السلام حواريون نصروه حسب طاقتهم وهم سبعون رجلا وهم الذين بايعوه ليلة العقبة وقال السهيلي كونوا أنصار الله فكانوا أنصارا وكانوا حواريين والأنصار الأوس والخزرج ولم يكن هذا الاسم قبل الإسلام حتى سماهم الله به وكان له عليه السلام حواريون ايضا من قريش مثل الخلفاء الاربعة والزبير وعثمان بن مظعون وحمزة بن عبد المطلب وجعفر بن ابى طالب ونحوهم فَآمَنَتْ طائِفَةٌ اى جماعة وهى اقل من الفرقة لقوله تعالى فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ اى آمنوا بعيسى وأطاعوه فيما أمرهم به من نصرة الذين وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ اخرى به وقاتلوه فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا اى قوينا مؤمنى قومه بالحجة او بالسيف وذلك بعد رفع عيسى عَلى عَدُوِّهِمْ اى على الذين كفروا وهو الظاهر فايراد العدو اعلام منه ان الكافرون عدو للمؤمنين(9/511)
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)
عداوة دينية وقيل لما رفع عيسى عليه السلام تفرق القوم ثلاث فرق فرقة قالوا كان الله فارتفع وفرقة قالوا كان ابن الله فرفعه الله اليه وفرقة قالوا كان عبد الله ورسوله فرفعه الله وهم المؤمنون واتبع كل فرقة منهم طائفة من الناس فاقتتلوا وظهرت الفرقتان الكافرتان على الفرقة المؤمنة حتى بعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم فظهرت الفرقة المؤمنة على الكافرة فذلك قوله تعالى فايدنا الذين آمنوا على عدوهم فَأَصْبَحُوا صاروا ظاهِرِينَ غالبين عالين يقال ظهرت على الحائط علوته وقال قتادة فأصبحوا ظاهرين بالحجة والبرهان كما سبق لأنهم قالوا فيما روى ألستم تعلمون ان عيسى عليه السلام كان ينام والله تعالى لا ينام وانه يأكل ويشرب والله منزه عن ذلك وفي الآية اشارة الى غلبة القوى الروحانية على القوى النفسانية لان القوى الروحانية مؤمنون متنورون بنور الله متقون عما سوى الله تعالى والقوى النفسانية كافرون مظلمون بظلمة الأكوان متلوثون بالعلاقات المختلفة ولا شك ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون فبنور الإسلام والايمان والتقوى والهدى يزيل ظلمة الشرك والكفر والتعلق والهوى مع ان اهل الايمان وان كانوا اقل من اهل الكفر في الظاهر لكنهم اكثر منهم في الباطن فهم السواد الأعظم والمظاهر الجمالية واعلم ان الجهاد دائم باق ماض الى يوم القيامة أنفسا وآفاقا لان الدنيا مشتملة على اهل الجمال والجلال وكذا الوجود الإنساني ما دام في هذا الموطن فاذا صار الى الموطن الآخر فاما اهل جمال فقط وهو في الجنة واما اهل جلال فقط وهو في النار والله يحفظنا وإياكم تمت سورة الصف بعون الله تعالى في اواسط ذى الحجة من شهور سنة خمس عشرة ومائة والف
تفسير سورة الجمعة
احدى عشرة آية مدنية بسم الله الرحمن الرحيم
يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جميعا من حى وجامد تسبيحات مستمرة فما في السموات هى البدائع العلوية وما في الأرض هى الكوائن السفلية فللكل نسبة الى الله تعالى بالحياة والتسبيح الْمَلِكِ پادشاهى كه ملك او دائمست وبي زوال الْقُدُّوسِ پاك از سمت عيب وصفت اختلال الْعَزِيزِ الغالب على كل ما أراد الْحَكِيمِ صاحب الحكمة البديعة البالغة وقد سبق معانى هذه الأسماء في سورة الحشر والجمهور على جر الملك وما بعده على انها صفات لاسم الله عز وجل يقول الفقير بدأ الله تعالى هذه السورة بالتسبيح لما فيها من ذكر البعثة إذا خلاء العالم من المرشد معاف للحكمة ويجب تنزيه الله عنه ولما اشتملت عليه من بيان ادعاء اليهود كونهم أبناء الله وأحباءه ولما ختمت به من ذكر ترك الذكر واستماع الخطبة المشتملة على الدعاء والحمد والتسبيح ونحو ذلك وفي التأويلات النجمية يعنى ينزه ذاته المقدسة(9/512)
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)
ما في سموات المفهوم من مفهومات العامة ومفهومات الخاصة ومفهومات أخص الخاصة وما في ارض المعلوم من معلومات العامة ومعلومات الخاصة ومعلومات أخص الخاصة وانما أضفنا السموات الى المفهوم وأضفنا الأرض الى المعلوم لفوقية رتبة الفهم على رتبة العلم وذلك قوله ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلماء ويدل على ذلك إصابة سليمان حقيقة المسألة المخصوصة بحسب نور الفهم لا بحسب قوة العلم وهو العزيز الذي يعز من يشاء بخلعة نور الفهم الحكيم الذي يشرف من يشاء بحكمته بلبسه ضياء العلم هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ جمع أمي منسوب الى امة العرب وهم قسمان فعرب الحجاز من عدنان وترجع الى إسماعيل عليه السلام وعرب اليمن ترجع الى قحطان وكل منهم قبائل كثيرة والمشهور عند اهل التفسير ان الأمي من لا يكتب ولا يقرأ من كتاب وعند اهل الفقه من لا يعلم شيأ من القرآن كأنه بقي على ما تعلمه من امه من الكلام الذي بتعلمه الإنسان بالضرورة عند المعاشرة والنبي الأمي منسوب الى الامة الذين لم يكتبوا لكونه على عادتهم كقولك عامى لكونه على عادة العامة وقيل سمى بذلك لانه لم يكتب ولم يقرأ من كتاب وذلك فضيلة له لاستغنائه بحفظه واعتماده على ضمان الله له عنه بقوله سنقرئك فلا تنسى وقيل سمى بذلك لنسبته الى أم القرى وفي كشف الاسرار سمى العرب أميين لانهم كانوا على نعت أمهاتهم مذ كانت بلا خط ولا كتاب نسبوا الى ما ولدوا عليه من أمهاتهم لان الخط والقراءة والتعليم دون ما جبل الخلق عليه ومن يحسن الكتابة من العرب فانه ايضا أمي لانه لم يكن لهم في الأصل خط ولا كتابة قيل بدئت الكتابة بالطائف تعلمها ثقيف واهل الطائف من اهل الحيرة بكسر الحاء وسكون المثناة من تحت بلد قرب الكوفة واهل الحيرة أخذوها من اهل الأنبار وهى مدينة قديمة على الفرات بينها وبين بغداد عشرة فراسخ ولم يكن في أصحاب رسول الله عليه السلام كاتب الا حنظلة الذي يقال له غسيل الملائكة ويسمى حنظلة الكاتب ثم ظهر الخط في الصحابة بعد في معاوية بن سفيان وزيد بن ثابت وكانا يكتبان لرسول الله عليه السلام وكان له كتاب ايضا غيرهما واختلفوا في رسول الله عليه السلام انه هل تعلم الكتابة بآخرة من عمره اولا لعلمائنا فيه وجهان وليس فيه حديث صحيح ولما كان الخط صنعة ذهنية وقوة طبيعية صدرت بالآلة الجسمانية لم يحتج اليه من كان القلم الأعلى يخدمه واللوح المحفوظ مصحفه ومنظره وعدم كتابته مع علمه بها معجزة باهرة له عليه السلام إذ كان يعلم الكتاب علم الخط واهل الحرف حرفتهم وكان اعلم بكل كمال اخروى او دنيوى من اهله ومعنى الآية هو الذي بعث في الأميين اى في العرب لان أكثرهم لا يكتبون ولا يقرأون من بين الأمم فغلب الأكثر وانما قلنا أكثرهم لانه كان فيهم من يكتب ويقرأ وان كانوا على قلة رَسُولًا كائنا مِنْهُمْ اى من جملتهم ونسبهم عربيا اميا مثلهم تا رسالت او از تهمت دور باشد فوجه الامتنان مشاكلة حاله لاحوالهم ونفى التعلم من الكتب فهم يعلمون نسبه وأحواله ودر كتاب شعيا عليه السلام مذكور است كه انى ابعث اميا في الأميين واختم به النبيين (قال الكاشفى) ودر أميت(9/513)
آن حضرت عليه السلام نكتهاست اينجا بسه بيت اختصار ميرود
فيض أم الكتاب پروردش ... لقب أمي از ان خدا كردش
لوح تعليم نا كرفته ببر ... همه ز اسرار لوح داده خبر
بر خط اوست انس وجانراسر ... كه نخواندست خط از ان چهـ خطر
والبعث في الأميين لا ينافى عموم دعوته عليه السلام فالتخصيص بالذكر لا مفهوم له ولو سلم فلا يعارض المنطوق مثل قوله تعالى وما أرسلناك الا كافة للناس على انه فرق بين البعث فى الأميين والبعث الى الأميين فبطل احتجاج اهل الكتاب بهذه الآية على انه عليه السلام كان رسول الله الى العرب خاصة ورد الله بذلك ما قال اليهود للعرب طعنا فيه نحن اهل الكتاب وأنتم أميون لا كتاب لكم يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ اى القرآن مع كونه اميا مثلهم لم يعهد منه قراءة ولا تعلم والفرق بين التلاوة والقراءة ان التلاوة قراءة القرآن متتابعة كالدراسة والأوراد المتلفظة والقراءة أعم لانها جمع الحروف باللفظ لا اتباعها وَيُزَكِّيهِمْ صفة اخرى لرسولا معطوفة على يتلو أي يحملهم على ما يصيرون به أزكياء من خبائث العقائد والأعمال وفيه اشارة الى قاعدة التسليك فان المزكى في الحقيقة وان كان هو الله تعالى كما قال بل الله يزكى من يشاء الا ان الإنسان الكامل مظهر الصفات الالهية جميعا ويؤيد هذا المعنى اطلاق نحو قوله تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ قال في الإرشاد صفة اخرى لرسولا مترتبة في الوجود على التلاوة وانما وسط بينهما التزكية التي هى عبارة عن تكميل النفس بحسب قوتها العملية وتهذيبها المتفرع على تكميلها بحسب القوة النظرية الحاصلة بالعلم المترتب على التلاوة للايذان بأن كلا من الأمور المترتبة نعمة جليلة على حيالها مستوجبة للشكر فلوروعى ترتيب الوجود لتبادر الى الفهم كون الكل نعمة واحدة وهو السر في التعبير عن القرآن تارة بالآيات وأخرى بالكتاب والحكمة رمزا الى انه باعتبار كل عنوان نعمة على حدة انتهى وقال بعضهم ويعلمهم القرآن والشريعة وهى ما شرع الله لعباده من الاحكام او لفظه ومعناه او القرآن والسنة كما قاله الحسن او الكتاب الخط كما قاله ابن عباس او الخير والشر كما قاله ابن اسحق والحكمة الفقه كما قاله مالك او العظة كما قاله الأعمش او كتاب احكام الشريعة واسرار آداب الطريقة وحاصل معانيه الحكمية والحكمية ولكن تعليم حقائق القرآن وحكمه مختص بأولى الفهم وهم خواص الاصحاب رضى الله عنهم وخواص التابعين من بعدهم الى قيام الساعة لكن معلم الصحابة عموما وخصوصا هو النبي عليه السلام بلا واسطة ومعلم التابعين قرنا بعد قرن هو عليه السلام ايضا لكن بواسطة ورثة أمته وكمل اهل دينه وملته ولو لم يكن سوى هذا التعليم معجزة لكفاه قال البوصرى في القصيدة البردية
كفاك بالعلم في الأمي معجزة ... فى الجاهلية والتأديب في اليتم
اى كفاك العلم الكائن في الأمي في وقت الجاهلية وكفاك ايضا تنبيهه على الآداب لعلمه(9/514)
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)
بها في وقت اليتم معجزة وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ان ليست شرطية ولا نافية بل هى المخففة واللام هر الفارقة بينها وبين النافية والمعنى وان الشأن كان الأميون من قبل بعثته ومجيئه لفى ضلال مبين من الشرك وخبث الجاهلية لا ترى ضلالا أعظم منه وهو بيان لشدة افتقارهم الى من يرشدهم وازاحة لما عسى يتوهم من تعلمه عليه السلام من الغير فان المبعوث فيهم إذا كانوا في ضلال قبل البعثة زال توهم انه تعلم ذلك من أحد منهم قال سعدى المفتى والظاهر ان نسبة الكون في الضلال الى الجميع من باب التغليب والا فقد كان فيهم مهتدون مثل ورقة بن نوفل وزيد بن نفيل وقس بن ساعدة وغيرهم ممن قال رسول الله عليه السلام في كل منهم يبعث امة وحده يقول الفقير هو اعتراض على معنى الازاحة المذكورة لكنه ليس بشيء فان اهتداء من ذكره من نحو ورقة انما كان في باب التوحيد فقط فقد كانوا في ضلال من الشرائع والاحكام ألا ترى الى قوله تعالى ووجدك ضالا فهدى مع انه عليه السلام لم يصدر منه قبل البعثة شرك ولا غيره من شرب الحمر والزاني واللغو واللهو فكونهم مهتدين من وجه لا ينافى كونهم ضالين من وجه آخر دل على هذا المعنى قوله تعالى يتلو عليهم إلخ فان بالتلاوة وتعليم الاحكام والشرائع حصل تزكية النفس والنجاة من الضلال مطلقا فاعرفه وَآخَرِينَ مِنْهُمْ جمع آخر بمعنى غير وهو عطف على الأميين اى بعثه في الأميين الذين على عهده وفي آخرين من الأميين او على المنصوب في يعلمهم اى يعلمهم ويعلم آخرين منهم وهم الذين جاؤا من العرب فمنهم متعلق بالصفة لآخرين اى وآخرين كائنين منهم مثلهم في العربية والامية وان كان المراد العجم فمنهم يكون متعلقا بآخرين (قال الكاشفى) أصح اقوال آنست كه هر كه بإسلام در آمده ودر مى آيد بعد از وفات آن حضرت عليه السلام همه درين آخرين داخلند فيكون شاملا لكل من اسلم وعمل صالحا الى يوم القيامة من عربى وعجمى وفي الحديث (ان في أصلاب رجال من أمتي رجالا ونساء يدخلون الجنة بغير حساب) ثم تلا الآية لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ صفة لآخرين اى لم يلحقوا بالاميين بعد ولم يكونوا في زمانهم وسيلحقون بهم ويكونون بعدهم عربا وعجما وذلك لما ان منفى لما لا بد أن يكون مستمر النفي الى الحال وأن يكون متوقع الثبوت بخلاف منفى لم فانه يحتمل الاتصال نحو ولم أكن بدعائك رب شقيا والانقطاع مثل لم يكن شيأ مذكورا ولهذا جاز لم يكن ثم كان ولم يجز لما يكن ثم كان بل يقال لما يكن وقد يكون (روى) سهل بن سعد الساعدي رضى الله عنه ان النبي عليه السلام قال رأيتنى أسقى غنما سودا ثم اتبعتها غنما عفرا أولها يا أبا بكر فقال يا نبى الله اما السود فالعرب واما العفر فالعجم تنبعك بعد العرب فقال عليه السلام كذلك أولها الملك يعنى جبرائيل عليه السلام يقال شاة عفراء يعلو بياضها حمرة ويجمع على عفر مثل سوداء وسود وقيل لما يلحقوا بهم في الفضل والمسابقة لان التابعين لا يدركون شيأ مع الصاحبة وكذلك العجم مع العرب ومن شرائط الدين معرفة فضل العرب على العجم وحبهم ورعاية حقوقهم وفي الآية دليل على ان رسول الله(9/515)
ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)
صلى الله عليه وسلّم رسول نفسه وبلاغه حجة لاهل زمانه ومن بلغ لقوله تعالى ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده وَهُوَ الْعَزِيزُ المبالغ في العزة والغلبة ولذلك مكن رجلا اميا من ذلك الأمر العظيم الْحَكِيمُ المبالغ في الحكمة ورعاية المصلحة ولذلك اصطفاه من بين كافة البشر ذلِكَ الذي امتاز به من بين سائر الافراد وهو أن يكون نبى أبناء عصره ونبى أبناء العصور الغوابر فَضْلُ اللَّهِ وإحسانه يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ تفضلا وعطية لا تأثير للاسباب فيه فكان الكرم منه صر فالا تمازجه العلل ولا تكسبه الحيل وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ الذي يستحقر دونه نعم الدنيا ونعيم الآخرة وفي كشف الاسرار والله ذو الفضل العظيم على محمد وذو الفضل العظيم على الخلق بإرسال محمد إليهم وتوفيقهم لمبايعته انتهى يقول الفقير وايضا والله ذو الفضل العظيم على اهل الاستعداد من امة محمد بإرسال ورثة محمد في كل عصر إليهم وتوفيقهم للعمل بموجب إشاراتهم ولولا اهل الإرشاد والدلالة لبقى الناس كالعميان لا يدرون اين يذهبون وانما كان هذا الفضل عظيما لان غايته الوصول الى الله العظيم وقال بعض الكبار والله ذو الفضل العظيم إذ جميع الفضائل الاسمائية تحت الاسم الأعظم وهو جامع احدية جميع الأسماء وقيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذهب اهل الدثور بالاجور فقال قولوا سبحان الله والحمد لله ولا له الا الله والله اكبر ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم فقالوها وقالها الأغنياء فقيل انهم شاركونا فقال ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وفي بعض الروايات إذا قال الفقير سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر مخلصا وقال الغنى مثل ذلك لم يلحق الغنى بالفقير في فضله وتضاعف الثواب وان أنفق الغنى معها عشرة آلاف درهم وكذلك اعمال البر كلها (قال الشيخ سعدى قدس سره)
نقنطار زر بخش كردن ز كنج ... نباشد چوقيراطى از دست رنج
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ اى علموها وكلفوا العمل بها وهم اليهود ومثلهم صفتهم العجيبة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها اى لم يعملوا بما في تضاعيفها من الآيات التي من جملتها الآيات الناطقة بنبوة رسول الله عليه السلام واقتنعوا بمجرد قراءتها كَمَثَلِ الْحِمارِ الكاف فيه زائدة كما في الكواشي والحمار حيوان معروف يعبر به عن الجاهل كقولهم هو اكفر من الحمير اى أجهل لان الكفر من الجهالة فالتشبيه به الزيادة التحقير والاهانة والنهاية التهكم والتوبيخ بالبلادة إذا الحمار يذكر بها والبقر وان كان مشهورا بالبلادة الا انه لا يلائم الحمل
تعلم يا فتى فالجهل عار ... ولا يرضى به إلا حمار
يَحْمِلُ أَسْفاراً اى كتبا من العلم يتعب بحملها ولا ينتفع بها ويحمل اما حال والعامل فيها معنى المثل او صفة للحمار إذ ليس المراد معينا فان المعرف بلام العهد الذهني في حكم النكرة كما فى قول من قال ولقد امر على اللئيم يسبنى والاسفار جمع سفر بكسر السين وهو الكتاب كشبر وأشبار قال الراغب السفر الكتاب الذي يسفر عن الحقائق اى يكشف وخص لفظ الاسفار في الآية تنبيها على ان التوراة وان كانت تكشف عن معانيها إذا قرئت وتحقق ما فيها فالجاهل لا يكاد يستبينها كالحمار الحامل لها وفي القاموس السفر الكتاب الكبير او جزء(9/516)
من اجزاء التوراة وفي هذا تنبيه من الله على انه ينبغى لمن حمل الكتاب أن يتعلم معانيه ويعلم ما فيه ويعمل به لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء (قال الشيخ سعدى) مراد از نزول قرآن تحصيل سيرت خوبست نه ترتيل سوره مكتوب
علم چندانكه بيشتر خوانى ... چون عمل در تو نيست نادانى
نه محقق بود نه دانشمند ... چار پايى برو كتابى چند
آن تهى مغز را چهـ علم وخبر ... كه برو هيزمست با دفتر
(وقال الكاشفى)
كفت ايزد يحمل أسفاره ... بار باشد علم كان نبود زهو
علمهاى اهل دل حمالشان ... علمهاى اهل تن احمالشان
علم چون بر دل زند يارى بود ... علم چون كل زند بارى بود
چون بدل خوانى ز حق كيرى سبق ... چون بكل خوانى سيه سازى ورق
وفي التأويلات النجمية يعنى مثل يهود النفس في حمل توراة العلم والمعرفة بصحة رسالة القلب وعدم اتباع رسومه وأحكامه كمثل حمار البدن في حمله أثقال الامتعة النفسية والا قمشة الشريفة والملابس الفاخرة والطيالس الناعمة فكما ان حمار البدن لا يعرفها ولا يعرف شرفها ولا كرامتها كذلك يهود النفس لا تعرف رفعة رسول القلب ولا رتبته ونعم ما يحكى عن بعض الظرفاء انه حضر دعوة لطعام فلم يلتفتوا اليه وأجلسوه في مكان نازل ثم انه خرج واستعار ألبسة نفيسة وعاد الى المجلس فلما رأوه على زى الأكابر عظموه وأجلسوه فوق الكل فلما حضر الطعام قال ذلك الظريف خطابا لكمه كل والكم لا يدرى ما الطعام وما اللذة لكن نظر اهل الصورة مقصور على الظاهر لا يرون الفضل الا بالزخارف والزين فما أبعد هؤلاء عن ادراك المعاني والحقائق بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ اى بئس مثلا مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله على أن التمييز محذوف والفاعل المفسر له مستتر والمذكور هو المخصوص بالذم وهم اليهود الذين كفروا بما في التوراة من الآيات الشاهدة بصحة نبوة محمد عليه السلام وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الواضعين للتكذيب في موضع التصديق او الظالمين لأنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد باختيار الضلالة على الهداية والشقاوة على السعادة والعداوة على العناية كاليهود ونظائرهم وفيه تقبيح لهم بتشبيه حالهم بحال الحمار والمشبه بالقبيح قبيح وقد قال تعالى ان أنكر الأصوات لصوت الحمير فصوت الجاهل والمدعى منكر كصوت الحمار وأضل وانزل فهو ضار محض وفي الحمار نفع لانه يحمل الأثقال ويركبه النساء والرجال وقد قال في حياة الحيوان ان اتخذ خاتم من حافر الحمار الأهلي ولبسه المصروع لم يصرع ثم ان في الحمار شهوة زائدة على شهوات سائر الحيوانات وهى من الصفات الطبيعية البهيمية فمن أبدلها بالعفة نجا وسلّم من التشبيه المذكور وكم ترى من العلماء الغير العاملين ان أعينهم تدور على نظر الحرام ومع ما لهم من النكاح يتجاوزون الى الزنى لعدم إصلاح قوتهم الشهوية بالشريعة فان الشريعة أقوالهم(9/517)
قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
لا أعمالهم وأحوالهم نسأل الله العصمة مما يوجب المقت والنقمة انه ذو المنة والفضل والنعمة قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا من هاد يهود إذا تهود أي تهودوا والتهود جهود شدن ودين جهود داشتن وبالفارسية ايشان كه جهود شديد واز راه راست بكشتيد فان المهاداة الممايلة ولذا قال بعض المفسرين اى مالوا عن الإسلام والحق الى اليهودية وهى من الأديان الباطلة كما سبق قال الراغب الهود الرجوع برفق وصار في التعارف التوبة قال بعضهم يهود فى الأصل من قولهم انا هدنا إليك اى تبنا وكان اسم مدح ثم صار بعد نسخ شريعتهم لازما لهم وان لم يكن فيه معنى المدح كما ان النصارى في الأصل من قولهم نحن أنصار الله ثم صار لازما لهم بعد نسخ شريعتهم ثم ان الله تعالى خاطب الكفار في اكثر المواضع بالواسطة ومنها هذه الآية لانهم ادخلوا الواسطة بينهم وبين الله تعالى وهى الأصنام واما المؤمنون فان الله تعالى خاطبهم في اغلب المواضع بلا واسطة مثل يا ايها الذين آمنوا لانهم اسقطوا الوسائط فأسقط الله بينه وبينهم الواسطات إِنْ زَعَمْتُمْ الزعم هو القول بلا دليل والقول بأن الشيء على صفة كذا قولا عير مستند الى وثوق نحو زعمتك كريما وفي القاموس الزعم مثلثة القول الحق والباطل والكذب ضد واكثر ما يقال فيما يشك فيه انتهى فبطل ما قال بعضهم من ان الزعم بالضم بمعنى اعتقاد الباطل وبالفتح بمعنى قول الباطل قال الراغب الزعم حكاية قول يكون مظنة للكذب ولهذا جاء في القرآن في كل موضع ذم القائلون به وقيل للمتكفل والرئيس زعيم للاعتقاد في قولهم انه مظنة للكذب أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ جمع ولى بمعنى الحبيب مِنْ دُونِ النَّاسِ صفة اولياء اى من دون الأميين وغيرهم ممن ليس من بنى إسرائيل وقال بعضهم من دون المؤمنين من العرب والعجم يريد بذلك ما كانوا يقولون نحن أبناء الله واحباؤه ويدعون ان الدار الآخرة لهم عند الله خالصة وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا فأمر رسول الله عليه السلام بأن يقول لهم إظهارا لكذبهم ان زعمتم ذلك فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ اى فتمنوا من الله أن يميتكم من دار البلية الى دار الكرامة وقولوا اللهم أمتنا والتمني تقدير شيء في النفس وتصويره فيها وبالفارسية آرزو خواستن قال بعضهم الفرق بين التمني والاشتهاء ان التمني أعم من الاشتهاء لانه يكون في الممتنعات دون الاشتهاء إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه اى ان كنتم صادقين في زعمكم واثقين بأنه حق فتمنوا الموت فان من أيقن انه من اهل الجنة أحب أن يتخلص إليها من هذه الدار التي هى قرارة اكدار ولا يصل إليها أحد الا بالموت قال البقلى جرب الله المدعين في محبته بالموت وافرز الصادقين من بينهم لما غلب عليهم من شوق الله وحب الموت فتبين صدق الصادقين هاهنا من كذب الكاذبين إذ الصادق يختار اللحوق اليه والكاذب يفر منه قال عليه السلام من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن أبغض لقاء الله ابغض الله لقاءه قال الجنيد قدس سره المحب يكون مشتاقا الى مولاه ووفاته أحب اليه من البقاء إذ علم ان فيه الرجوع الى مولاه فهو يتمنى الموت ابدا وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً اخبار بما سيكون منهم وابدا ظرف بمعنى الزمان المتطاول(9/518)
قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)
لا بمعنى مطلق الزمان والمراد به ما داموا في الدنيا وفي البقرة ولن يتمنوه لان دعواهم في هذه السورة بالغة قاطعة وهى كون الجنة لهم بصفة الخلوص فبالغ في الرد عليهم بلن وهو ابلغ ألفاظ النفي ودعواهم في الجمعة قاصرة مترددة وهى زعمهم انهم اولياء الله فاقتصر على لاكما فى برهان القرآن بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ الباء متعلقة بما يدل عليه النفي اى يأبون التمني بسبب ما عملوا من الكفر والمعاصي الموجبة لدخول النار نحو تحريف احكام التوراة وتغيير النعت النبوي وهم يعرفون انهم بعد الموت يعذبون بمثل هذه المعاصي ولما كانت اليد بين جوارح الإنسان مناط عامة أفاعيله عبر بها تارة عن النفس وأخرى عن القدرة يعنى ان الأيدي هنا بمعنى الذوات استعملت فيها لزيادة احتياجها إليها فكأنها هى وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالظلم في كل أمورهم اى عليم بهم وبما صدر عنهم من فنون الظلم والمعاصي المفضية الى أفانين العذاب وبما سيكون منهم من الاحتراز عما يؤدى الى ذلك فوقع الأمر كما ذكر فلم يتمن منهم أحد موته وفي الحديث (لا يتمنين أحدكم الموت اما محسنا فان يعش يزدد خيرا فهو خير له واما مسيئا فلعله ان يستعتب) اى يسترضى ربه بالتوبة والطاعة وما روى عن بعض ارباب المحبة من التمني فلغاية محبتهم وعدم صبرهم على الاحتراق بالافتراق ولا كلام في المشتاق المغلوب المجذوب كما قال بعضهم
غافلان از مرك مهلت خواستند ... عاشقان گفتند نى نى زود بان
فللتمنى اوقات واحوال يجوز باعتبار ولا يجوز بآخر اما الحال فكما في الاشتياق الغالب واما الوقت فكما أشار اليه قوله عليه السلام اللهم انى اسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين فاذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنى إليك غير مفتون (روى) انه عليه السلام قال في حق اليهود لو تمنوا الموت لغص كل انسان بريقه فمات مكانه وما بقي على وجه الأرض يهودى ثم ان الموت هو الفناء عن الإرادات النفسانية والأوصاف الطبيعية كما قال عليه السلام موتوا قبل أن تموتوا فمن له صدق ارادة وطلب يحب ان يموت عن نفسه ولا يبالى سقط على الموت أم سقط الموت عليه وان كان ذلك مرا في الظاهر لكنه حلو في الحقيقة وفيه حياة حقيقية وشفاء للمرض القلبي
چهـ خوش گفت يك روز دارو فروش ... شفا بايدت داروى تلخ نوش
واما من ليس له صدق ارادة وطلب فانه يهرب من المجاهدة مع النفس ويشفق ان يذبح بقرة الطبيعة فهو عند الموت الطبيعي يقاسى من المرارات مالا تفى ببيانه العبارات والله الحفيظ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ ولا تجسرون على أن تتمنوه مخافة أن تؤخذوا بوبال كفركم فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ البتة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه يعنى بگيرد شما را وشربت آن بچشيد وفرار سودى ندارد والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط باعتبار الوصف اى باعتبار كون الموصوف بالموصوف فى حكم الموصول اى ان فررتم من الموت فانه ملاقيكم كأن الفرار سبب لملاقاته وسرعة لحوقه إذ لا يجد الفار بركة في عمره بل يفر الى جانب الموت فيلاقيه الموت ويستقبله وقد قيل إذا أدبر الأمر كان العطب في الحيلة ثُمَّ اى بعد الموت الاضطراري الطبيعي تُرَدُّونَ(9/519)
الرد صرف الشيء بذاته او بحالة من أحواله يقال رددته فارتد والآية من الرد بالذات مثل قوله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ومن الرد الى حالة كان عليها قوله تعالى يردوكم على أدباركم إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الذي لا تخفى عليه أحوالكم اى ترجعون الى حيث لا حاكم ولا مالك سواه وانما وصف ذاته بكونه عالم الغيب والشهادة باعتبار أحوالهم الباطنة وأعمالهم الظاهرة وقد سبق تمام تفسيره في سورة الحشر فَيُنَبِّئُكُمْ پس خبر دهد شما را بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من الكفر والمعاصي والفواحش الظاهرة والباطنة بأن يجازيكم بها وفي التأويلات النجمية يشير الى الموت الإرادي الذي هو ترك الشهوات ودفع المستلذات الذي تجتنبون منه لضعف همتكم الروحانية ووهن نهمتكم الربانية فانه ملاقيكم لا يفارقكم ولكن لا تشعرون به لانهماككم في بحر الشهوات الحيوانية واستهلاككم في تبار مشتهياتكم الظلمانية فانكم فى لبس من خلق جديد ولا تزالون في الحشر والنشر كما قال وجاءهم الموج من كل مكان اى موج الموت في كل لذة شهية ونعمة نعيمه
ثم تردون الى عالم الغيب غيب النيات وغيب الطويات القلبية السّرية والشهادة شهادة الطاعات والعبادات فينبئكم اى فيجازيكم بما كنتم تعملون بالنية الصالحة القلبية او بالنية الفاسدة النفسية انتهى وفيه اشارة الى انه كما لا ينفع الفرار من الموت الطبيعي كذلك لا ينفع الفرار من الموت الإرادي لكن ينبغى للعاقل أن يتنبه لفنائه في كل آن ويختار النفاء حبا للبقاء مع الله الملك المنان اعلم ان الفرار الطبيعي من الموت بمعنى استكراه الطبع وتنفره منه معذور صاحبه لان الخلاص منه عسير جدا الا للمشتاقين الى لقاء الله تعالى (حكى) انه كان ملك من الملوك أراد أن يسير في الأرض فدعا بثياب ليلبسها فلم تعجبه فطلب غيرها حتى لبس ما أعجبه بعد مرات وكذا طلب دابة فلم تعجبه حتى أتى بدواب فركب أحسنها فجاء إبليس فنفخ في منخره فملأه كبرا ثم سار وسارت معه الخيول وهو لا ينظر الى الناس كبرا فجائه رجل رث الهيئة فسلم فلم يرد عليه السلام فأخذ بلجام دابته فقال أرسل اللجام فقد تعاطيت امرا عظيما قال ان لى إليك حاجة قال اصبر حتى انزل قال لا الا الآن فقهره على لجام دابته قال اذكرها قال هو سر فدنا اليه فساره وقال انا ملك الموت فتغيرلون الملك واضطرب لسانه ثم قال دعنى حتى ارجع الى أهلي وأقضي حاجتى فأودعهم قال لا والله لا ترى أهلك ومالك ابدا فقبض روحه فخر كأنه خشبة ثم مضى فلقى عبدا مؤمنا في تلك الحال فسلم فرد عليه السلام فقال ان لى إليك حاجة اذكرها في اذنك فقال هات فساره انا ملك الموت فقال مرحبا وأهلا بمن طالت غيبته فو الله ما كان في الأرض غائب أحب الى أن ألقاه منك فقال ملك الموت اقض حاجتك التي خرجت لها فقال مالى حاجة اكبر عندى ولا أحب من لقاء الله قال فاختر على اى حالة شئت أن اقبض روحك فقال أتقدر على ذلك قال نعم انى أمرت بذلك قال فدعنى حتى اتوضأ وأصلي فاقبض روحى وانا ساجد فقبض روحه وهو ساجد (وفي المثنوى)
پس رجال از نقل عالم شادمان ... وز بقايش شادمان اين كودكان
چونكه آب خوش نديد آن مرغ كور ... پيش او كوثر نمايد آب شور(9/520)
واما الفرار العقلي بمعنى استكراهه الموت او بمعنى الانتقال من مكان الى مكان فالاول منهما ان كان من الانهماك في حظوظ الدنيا فمذموم وان كان من خوف الموقف فصاحبه معذور كما حكى ان سليمان الداراني قدس سره قال قلت لامى أتحبين الموت قالت لا قلت لم قالت لانى لو عصيت آدميا ما اشتهيت لقاء فكيف أحب لقاءه وقد عصيته وقس عليه الاستكراه رجاء الاستعداد لما بعد الموت واما الثاني منهما فغير موجه عقلا ونقلا إذا المشاهدة تشهد أن لا مخلص من الموت فأينما كان العبد فهو يدرك واما الفرار من بعض الأسباب الظاهرة للموت كهجوم النار المحرقة للدور والسيل المفرط في الكثرة والقوة وحمل العدو الغالب والسباع والهوام الى غير ذلك فالظاهر انه معذور فيه بل مأمور واما الفرار من الطاعون فما يرجحه العقل والنقل عدم جوازه اما العقل فما قاله الامام الغزالي رحمه الله من ان سبب الوباء فى الطب الهولء المضر واظهر طرق التداوى الفرار من المضر ولا خلاف انه غير منهى عنه الا ان الهولء لا يضر من حيث انه يلاقى ظاهر البدن من حيث دوام الاستنشاق له فانه إذا كان فيه عفونة ووصل الى الرئة والقلب وباطن الاحشاء اثر فيها بطول الاستنشاق فلا يظهر الوباء على الظاهر الا بعد طول التأثير في الباطن فالخروج من البلد لا يخلص غالبا من الأثر الذي استحكم من قبل ولكنه يتوهم الخلاص فيصير هذا من جنس الموهومات كالرقى والطيرة وغيرهما وانه لو رخص للاصحاء في الخروج لما بقي في البلد الا المرضى الذين اقعدهم الطاعون وانكسرت قلوبهم ولم يبق في البلد من يسقيهم الماء ويطعمهم الطعام وهم يعجزون عن مباشرتهما بأنفسهم فيكون ذلك سعيا في إهلاكهم تحقيقا وخلاصهم منتظركما ان خلاص الأصحاء منتظر فلو أقاموا لم تكن الاقامة قاطعة لهم بالموت ولو خرجوا لم يكن الخروج قاطعا بالخلاص وهو قاطع في إهلاك الباقين والمسلمون كالبنيان يشد بعضهم بعضا والمؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى الى الاشتكاء سائر أعضائه هذا هو الذي يظهر عندنا في تعليل الهى وينعكس هذا فيما إذا لم يقدم بعد على البلد فانه لم يؤثر الهولء في باطنه وليس له حاجه إليهم واما النقل فقوله تعالى ألم تر الى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم فانه انكار لخروجهم فرارا منه وتعجيب بشأنهم ليعتبر العقلاء بذلك ويتيقنوا أن لامفر من قضاء الله فالمنهى عنه هو الخروج فرارا فان الفرار من القدر لا يغنى شيأ وفي الحديث (الفار من الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه له اجر شهيد) وفي الحديث يختصم الشهداء والمتوفون على فراشهم الى ربنا عز وجل في الذين يتوفون في الطاعون فيقول الشهداء إخواننا قتلوا كما قتلنا ويقول المتوفون إخواننا ماتوا على فراشهم كما متنا فيقول ربنا انظروا الى جراحهم فان أشبهت جراحهم جراح المقتولين فانهم منهم فاذا جراحهم قد أشبهت جراحهم يقول الفقير دل عليه قوله عليه السلام فى الطاعون انه وخزاعدآئكم من الجن والوخز طعن ليس بنافذ والشيطان له ركض وهمز ونفث ونفخ ووخز والجنى إذا وخز العرق من مراق البطن اى مارق منها ولان خرج من وخزه الغدة وهى التي تخرج في اللحم فيكون وخز الجنى سبب الغدة الخارجة فحصل(9/521)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)
التوفيق بين حديث الوخز وبين قوله عليه السلام غدة كغدة البعير تخرج من مراق البطن وباقى ما يتعلق بالطاعون سبق في سورة البقرة وقد تكفل بتفاصيله رسالة الشفاء لا دوآء الوباء لابن طاش كبرى فارجع يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ النداء رفع الصوت وظهوره ونداء الصلاة مخصوص في الشرع بالألفاظ المعروفة والمراد بالصلاة صلاة الجمعة كما دل عليه يوم الجمعة والمعنى فعل النداء لها اى اذن لها والمعتبر في تعلق الأمر الآتي هو الاذان الاول في الأصح عندنا لان حصول الاعلام به لا الاذان بين يدى المنبر وقد كان لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم مؤذن واحد فكان إذا جلس على المنبر اذن على باب المسجد فاذا نزل اقام الصلاة ثم كان ابو بكر وعمر رضى الله عنهما على ذلك حتى إذا كان عثمان رضى الله عنه وكثرت الناس وتباعدت المنازل زاد مؤذنا آخر فأمر بالتأذين الاول على دار له بالسوق يقال لها الزوراء ليسمع الناس فاذا جلس على المنبر اذن المؤذن الثاني فاذا نزل أقام للصلاة فلم يعب ذلك عليه مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بضم الميم وهو الأصل والسكون تخفيف منه ومن بيان لاذا وتفسير لها اى لا بمعنى انها لبيان الجنس على ما هو المتبادر فأن وقت النداء جزء من يوم الجمعة لا يحمل عليه فكيف يكون بيانا له بل المقصود انها لبيان ان ذلك الوقت في اى يوم من الأيام إذ فيه إبهام فتجامع كونها بمعنى في كما ذهب اليه بعضهم وكونها للتبعيض كما ذهب اليه البعض الآخر وانما سمى جمعة لاجتماع الناس فيه للصلاة فهو على هذا اسم إسلامي وقيل أول من سماه جمعة كعب بن لؤى بالهمزة تصغير لأى سماه بها لاجتماع قريش فيه اليه وكانت العرب قبل ذلك تسميه العروبة بمعنى الظهور وعروبة وباللام يوم الجمعة كما في القاموس وقان ابن الأثير في النهاية الأفصح انه لا يدخلها الالف واللام وقيل ان الأنصار قالوا قبل الهجرة لليهود يوم يجمعون فيه في كل سبعة ايام وللنصارى مثل ذلك فهلموا نجعل لنا يوما نجتمع فيه فنذكر الله ونصلى فقالوا يوم السبت لليهود ويوم الأحد للنصارى فاجعلوه يوم العروبة فاجتمعوا الى سعد بن زرارة رضى الله عنه بضم الزاى فصلى بهم ركعتين وذكرهم فسموه يوم الجمعة لاجتماعهم فيه وحين اجتمعوا ذبح لهم شاة فتعشوا وتغذوا منها لقلتهم وبقي في اكثر القرى التي يقال فيها الجمعة عادة الإطعام بعد الصلاة الى يومنا هذا فأنزل الله آية الجمعة فهى أول جمعة في الإسلام واما أول جمعة جمعها رسول الله عليه السلام فهى انه لما قدم المدينة مهاجرا نزل قبا على بنى عمرو بن عوف يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاول حين امتد الضحى ومن تلك السنة يعد التاريخ الإسلامي فأقام بها يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وأسس مسجدهم ثم خرج يوم الجمعة عامدا المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بنى سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتخذ القوم في ذلك الموضع مسجدا فخطب وصلّى الجمعة وهى أول خطبة خطبها بالمدينة وقال فيها (الحمد لله وأستعينه وأستهديه وأو من به ولا اكفره وأعادي من يكفر به وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق والنور(9/522)
والموعظة والحكمة على فترة من الرسل وقلة من العلم وضلالة من الناس وانقطاع من الزمان ودنو من الساعة وقرب من الاجل من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى وفرط وضل ضلالا بعيدا أوصيكم بتقوى الله فان خير ما اوصى به المسلم المسلم ان يحضه على الآخرة وأن يأمره بتقوى الله واحذر ما حذركم الله من نفسه فان تقوى من عمل به ومخافته من ربه عنوان صدق على ما يبغيه من الآخرة ومن يصلح الذي بينه وبين الله من امره في السر والعلانية لا ينوى به الا وجه الله يكون له ذكرا عاجل امره وذخرا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء الى ما قدم وما كان مما سوى ذلك يود لو ان بينه وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤف بالعباد هو الذي صدق قوله وأنجز وعده
ولا خلف لذلك فانه يقول ما يبدل القول لدى وما انا بظلام للعبيد فاتقوا الله فى عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية فانه ما يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له اجرا ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما وان تقوى الله توقى مقته وتوقى عقوبته وتوقى سخطه وان تقوى الله تبيض الوجه وترضى الرب وترفع الدرجة فخذوا بحظكم ولا تفرطوا فى جنب الله فقد علمكم في كتابه ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا وليعلم الكاذبين فأحسنوا كما احسن الله إليكم وعادوا أعداءه وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وسماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة ولا حول ولا قوة الا بالله فاكثروا ذكر الله واعملوا لما بعد الموت فان من يصلح ما بينه وبين الله يكفر الله ما بينه وبين الناس ذلك بان الله يقضى على الناس ويقضون عليه ويملك من الناس ولا يملكون منه الله اكبر ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم) انتهت الخطبة النبوية ثم ان هذه الآية رد لليهود في طعنهم للعرب وقولهم لنا السبت ولا سبت لكم فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ قال الراغب السعى المشي السريع وهو دون العدو اى امشوا واقصدوا الى الخطبة والصلاة لاشتمال كل منهما على ذكر الله وما كان من ذكر رسول الله والثناء عليه وعلى خلفائه الراشدين وأتقياء المؤمنين والموعظة والتذكير فهو في حكم ذكر الله واما ما عدا ذلك من ذكر الظلمة وألقابهم والثناء عليهم والدعاء لهم وهم أحقاء بعكس ذلك فمن ذكر الشيطان وهو من ذكر الله على مراحل كما في الكشاف وبالفارسية رغبت كنيد بدان وسعى نماييد در ان وعن الحسن رحمه الله اما والله ما هو بالسعي على الاقدام ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة الا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنيات والخشوع والابتكار ولقد ذكر الزمخشري في الابتكار قولا وافيا حيث قال وكانت الطرقات في ايام السلف وقت السحر وبعد الفجر مغتصة اى مملوءة بالمبكرين الى الجمعة يمشون بالسرج وفي الحديث إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المسجد بأيديهم صحف من فضة وأقلام من ذهب يكتبون الاول فالاول على مراتبهم فاذا خرج الامام طويت الصحف واجتمعوا للخطبة والمهجر الى الصلاة كالمهدى بدنة ثم الذي يلبه كالمهدى بقرة ثم الذي يليه كالمهدى شاة حتى ذكر الدجاجة والبيضة وفي عبارة السعى اشارة الى النهى عن التثاقل وحث على(9/523)
فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)
الذهاب بصفاء قلب وهمة لا بگسل نفس وغمة وفي الحديث إذا اذن المؤذن اى في الأوقات الخمسة أدبر الشيطان وله حصاص وهو بالضم شدة العدو وسرعته وقال حماد بن سلمة قلت لعاصم بن أبى النجود ما الحصاص قال اما رأيت الحمار إذا أصر بأذنيه اى ضمهما الى رأسه ومصع بذنبه اى حركه وضرب به وعدا اى اسرع في المشي فذلك حصاصه وفيه اشارة الى ان ترك السعى من فعل الشيطان وهذا بالنسبة الى غير المريض والأعمى والعبد والمرأة والمقعد والمسافر فانهم ليسوا بمكلفين فهم غير منادين اى لا سعى من المرضى والزمنى والعميان وقد قال تعالى فاسعوا واما النسوان فهن امرن بالقرار في البيوت بالنص والعبد والمسافر مشغولان بخدمة المولى والنقل قال النصرآباديّ العوام في قضاء الحوائج في الجمعات والخواص في السعى الى ذكره لعلمهم بأن المقادير قد جرت فلا زيادة ولا نقصان وقال بعضهم الذكر عند المذكور حجاب والسعى الى ذكر الله مقام المريدين يطلبون من المذكور محل قربة اليه والدنو منه واما المحقق في المعرفة وقد غلب عليه ذكر الله إياه بنعت تجلى نفسه لقلبه وَذَرُوا الْبَيْعَ يقال فلان يذر الشيء اى يقذفه لقلة اعتداده به ولم يستعمل ماضيه وهو وذر اى اتركوا المعاملة فالبيع مجاز عن المعاملة مطلقا كالشرآء والاجارة والمضاربة وغيرها ويجوز ابقاء البيع على حقيقته ويلحق به غيره بالدلالة وقال بعضهم النهى عن البيع يتضمن النهى عن الشراء لانهما متضايفان لا يعقلان الا معا فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر وأراد الأمر بترك ما يذهل عن ذكر الله من شواغل الدنيا وانما خص البيع والشراء من بينها لان يوم الجمعة يوم تجمع فيه الناس من كل ناحية فاذا دنا وقت الظهيرة يتكاثر البيع والشراء فلما كان ذلك الوقت مظنة الذهول عن ذكر الله والمضي الى المسجد قيل لهم بادروا تجارة الآخرة واتركوا تجارة الدنيا واسعوا الى ذكر الله الذي لا شيء انفع منه واربح وذروا البيع الذي نفعه يسير وربحه قليل ذلِكُمْ اى السعى الى ذكر الله وترك البيع خَيْرٌ لَكُمْ من مباشرته فان نفع الآخرة أجل وأبقى إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الخير والشر الحقيقيين روى انه عليه السلام خطب فقال ان الله افترض عليكم الجمعة في يومى هذا وفي مقامى هذا فمن تركها في حياتى وبعد مماتى وله امام عادل او جائر من غير عذر فلا بارك الله له ولا جمع الله شمله ألا فلا حج له أفلا فلا صوم له ومن تاب تاب الله عليه فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ التي نوديتم لها اى أديت وفرغ منها فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ لاقامة مصالحكم والتصرف فى حوائجكم اى تفرقوا فيها بأن يذهب كل منكم الى موضع فيه حاجة من الحوائج المشروعة التي لا بد من تحصيلها للمعيشة فان قلت ما معنى هذا الأمر فانه لو لبث في المسجد الى الليل يجوز بل هو مستحب فالجواب ان هذا امر الرخصة لا امر العزيمة اى لا جناح عليكم في الانتشار بعد ما أديتم حق الصلاة وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ اى الربح يعنى اطلبوا لأنفسكم وأهليكم من الرزق الحلال بأى وجه يتيسر لكم من التجارة وغيرها من المكاسب المشروعة دل على هذا المعنى سبب نزول قوله وإذا رأوا تجارة إلخ كما سيأتى(9/524)
فالامر للاطلاق بعد الحظر اى للاباحة لا للايجاب كقوله وإذا حللتم فاصطادوا وذكر الامام السرخسي ان الأمر للايجاب لما روى انه عليه السلام قال طلب الكسب بعد الصلاة هو الفريضة بعد الفريضة وتلا قوله تعالى فاذا فضيت الصلاة وقيل انه للندب فعن سعيد بن جبير إذا انصرفت من الجمعة فساوم بشيء وان لم تشتره وعن ابن عباس رضى الله عنهما لم يؤمروا يطلب شيء من الدنيا انما هو عبادة المرضى وحضور الجنائز وزيادة أخ في الله وعن الحسن وسعيد ابن المسيب طلب العلم (كما قال الكاشفى) وكفته اند انتشارهم در زمين مسجد است جهت رفتن بمجلس علما ومذكران وقيل صلاة التطوع والظاهر ان مثل هذا ارشاد للناس الى ما هو الاولى ولا شك في اولوية المكاسب الاخروية مع ان طلب الكفاف من الحلال عبادة وربما يكون فرضا ان الاضطرار وَاذْكُرُوا اللَّهَ بالجنان واللسان جميعا كَثِيراً اى ذكرا كثيرا او
زمانا كثيرا ولا تخصوا ذكره تعالى بالصلاة يقول الفقير انما امر تعالى بالذكر الكثير لان الإنسان هو العالم الأصغر المقابل للعالم الأكبر وكل ما في العالم الأكبر فانه يذكر الله تعالى بذكر مخصوص له فوجب على اهل العالم الأصغر أن يذكروا الله تعالى بعدد أذكار اهل العالم الأكبر حتى تتقابل المرآتان وينطبق الإجمال والتفصيل فان قلت فهل في وسع الإنسان أن يذكر الله تعالى بهذه المرتبة من الكثرة قلت نعم إذا كان من مرتبة السر بالشهود التام والحضور الكامل كما قال ابو يزيد البسطامي قدس سره الذكر الكثير ليس بالعدد لكنه بالحضور انتهى وقد يقيم الله القليل مقام الكثير كما روى ان عثمان رضى الله عنه صعد المنبر فقال الحمد لله فارتج عليه فقال ان أبا بكر وعمر رضى الله عنهما كانا يعد ان لهذا المقام مقالا وانكم الى امام فعال أحوج منكم الى امام قوال وستأتيكم الخطب ثم نزل ومنه قال امامنا الأعظم ابو حنيفة رحمه الله ان اقتصر الخطيب على مقدار ما يسمى ذكر الله كقوله الحمد لله سبحان الله جاز وذلك لان الله تعالى سمى الخطبة ذكرا له على انا نقول قوله عثمان ان أبا بكر وعمر إلخ كلام ان كلام في باب الخطبة لاشتماله على معنى جليل فهو يجامع قول صاحبيه والشافعي لا بد من كلام يسمى خطبة وهذا مما لا يتنبه له أحد والحمد لله على الهامه وقال سعيد بن جبير رضى الله عنه الذكر طاعة الله فمن أطاع الله فقد ذكر ومن لم يطعه فليس بذاكر وان كان كثير التسبيح والذكر بهذا المعنى يتحقق في جميع الأحوال قال تعالى رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله والذكر الذي امر بالسعي اليه اولا هو ذكر خاص لا يجامع التجارة أصلا إذ المراد منه الخطبة والصلاة امر به اولا ثم قال إذا فرغتم منه فلا تتركوا طاعته في جميع ما تأتونه وتذرونه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ كى تفوزوا بخير الدارين الحاصل ذكر وى موجب جمعيت ظاهر وباطن وسبب نجات دنيا وآخرتست
از ذكر خدا مباش يكدم غافل ... كز ذكر بود خير دو عالم حاصل
ذكر است كه اهل شوق را در همه حال ... آسايش جان باشد وآرامش دل(9/525)
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
وفي التأويلات النجمية إذا حصلت لكم يا اهل كمال الايمان الذوقى العيانى صلاة الوصلة والجمعية والبقاء والفناء فسيروا في ارض البشرية بالاستمتاع بالشهوات المباحة والاسترواح بالروائح الفائحة والمراتعة في المراتع الأرضية وابتغوا من فضل الله من التجارات المعنوية الرابحة واذكروا نعم الله عليكم الظاهرة من الفناء من ناسوتيتكم الظلمانية والباطنة من البقاء بلا هوتيته النورانية لعلكم تفوزون بهذه النعم الظاهرة والباطنة بإرشاد الطالبين الصادقين المتوجهين الى الله بالروح الصافي والقلب الوافي قال في الأشباه والنظائر اختص يوم الجمعة باحكام لزوم صلاة الجمعة واشتراط الجماعة لها وكونها ثلاثة سوى الامام والخطبة لها وكونها قبلها شرط وقراءة السورة المخصوصة لها وتحريم السفر قبلها بشرطه واستنان الغسل لها والطيب ولبس الأحسن وتقليم الأظفار وحلق الشعر ولكن بعدها أفضل والبخور في المسجد والتبكير لها والاشتغال بالعبادة الى خروج الخطيب ولا يسن الإبراد بها ويكره افراده بالصوم وافراد ليلته بالقيام وقراءة الكهف فيه ونفى كراهة النافلة وقت الاستواء على قول أبى يوسف المصحح المعتمد وهو خير ايام الأسبوع ويوم عيد وفيه ساعة اجابة وتجتمع فيه الأرواح وتزار فيه القبور ويأمن الميت فيه من عذاب القبر ومن مات فيه او في ليلته أمن من فتنة القبر وعذابه ولا تسجر فيه جهنم وفيه خلق آدم وفيه اخرج من الجنة وفيه تقوم الساعة وفيه يزور اهل الجنة ربهم سبحانه وتعالى انتهى وإذا وقعت الوقفة بعرفة يوم الجمعة ضوعف الحج سبعين لان حج الوداع كان كذلك ذكره في عقد الدرر واللآلى وَإِذا رَأَوْا اى علموا تِجارَةً هى تجارة دحية بن خليفة الكلبي أَوْ سمعوا لَهْواً هو ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه يقال ألهى عن كذا إذ اشغله عما هوأهم والمراد هنا صوت الطبل ويقال له اللهو الغليظ وكان دحية إذا قدم ضرب الطبل ليعلم به (كما قال الكاشفى) وكاروان چون رسيدى طبل شادى زدندى كما يرمى اصحاب السفينة في زماننا البنادق وما يقال له بالتركى طوپ او كانوا إذا أقبلت العير استقبلوها اى أهلها بالطبول والدفوف والتصفيق وهو المراد باللهو انْفَضُّوا إِلَيْها الفض كسر الشيء وتفريق بين بعضه وبعض كفض ختم الكتاب ومنه استعير انفض القوم اى تفرقوا وانتشروا كما في تاج المصادر الانفضاض شكسته شدن و پراكنده شدن وحد الضمير لان العطف بأولا يثنى معه الضمير وكان المناسب ارجاعه الى أحد الشيئين من غير تعيين الى ان تخصيص التجارة برد الكناية إليها لانها المقصودة او للدلالة على ان الانفضاض إليها مع الحاجة إليها والانتفاع بها إذا كان مذموما فما ظنك بالانفضاض الى اللهو وهو مذموم في نفسه ويجوز أن يكون الترديد للدلالة على ان منهم من انفض لمجرد سماع الطبل ورؤيته فاذا كان الطبل من اللهو وان كان غليظا فما ظنك بالمزمار ونحوه وقد يقال الضمير للرؤية المدلول عليها بقوله رأوا وقرئ إليهما على ان او للتقسيم (روى) ان دحية بن خليفة الكلبي قدم المدينة بتجارة من الشام وكان ذلك قبل إسلامه وكان بالمدينة مجاعة وغلاء سعر وكان معه جميع ما يحتاج اليه من بر ودقيق وزيت وغيرها والنبي(9/526)
عليه السلام يخطب يوم الجمعة فلما علم اهل المسجد ذلك قاموا اليه خشية أن يسبقوا اليه يعنى تا پيشى كيرند از يكديكر بخريدن طعام فما بقي معه عليه السلام إلا ثمانية او أحد عشر او اثنا عشر او أربعون فيهم ابو بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير وسعد بن أبى وقاص وعبد الرحمن بن عوف وابو عبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد وبلال وعبد الله بن مسعود وفي رواية عمار بن ياسر بدل عبد الله وذكر مسلم ان جابرا كان فيهم وكان منهم ايضا امرأة فقال عليه السلام والذي نفس محمد بيده لو خرجوا جميعا لا ضرم الله عليهم الوادي نارا وفي عين المعاني لولا الباقون لنزلت عليهم الحجارة وَتَرَكُوكَ حال كونك قائِماً اى على المنبر (روى) عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال كان النبي عليه السلام يخطب يوم الجمعة خطبتين قائما يفصل بينهما بجلوس ومن ثمة كانت السنة في الخطبة ذلك وفيه اشعار بأن
الأحسن في الوعظ على المنبر يوم الجمعة القيام وان جاز القعود لانه والخطبة من واد واحد لاشتماله على الحمد والثناء والتصلية والنصيحة والدعاء قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده قدس سره ان الخطبة عبارة عن ذكر الله والموعظة للناس وكان عليه السلام مستمرا في ذكر الله تعالى ثم لما أراد التنزل لارشاد الناس بالموعظة جلس جلسة خفيفة غايته ان ما ذكره الفقهاء من معنى الاستراحة لازم لما ذكرنا وكان عليه السلام يكتفى في الأوائل بخطبة واحدة من غير أن يجلس اما لانه لعظم قدره كان يجمع بين الوصال والفرقة او لان أفعاله كانت على وفق الوحى ومقتضى امر الله فيجوز أن لا يكون مأمورا بالجلسة في الأوائل ثم صار على قياس النسخ وايضا وجه عدم جلوسه عليه السلام فى الخطبة في بعض الأوقات هو انه عليه السلام كان يرشد اهل الملكوت كما يرشد اهل الملك فمتى كان إرشاده في الملكوت لا يتنزل ولا يجلس ومتى كان في الملك بأن لم يكن في مجلس الخطبة من هو من اهل الملكوت يتنزل ويجلس مجلس الملك فان معاشر الأنبياء يكلمون الخلق على قدر عقولهم ومراتبهم وكان عليه السلام متى أراد الانتقال من ارشاد اهل الملك الى ارشاد اهل الملكوت يقول أرحنى يا بلال ومتى أراد التنزل من ارشاد اهل الملكوت الى ارشاد اهل الملك يقول لعائشة رضى الله عنها كلمينى يا حميراء اعلم انه كان من فضل الاصحاب رضى الله عنهم وشأنهم أن لا يفعلوا مثل ما ذكر من التفرق من مجلس النبي عليه السلام وتركه قائما فذكر بعضهم وهو مقاتل بن حيان ان الخطبة يوم الجمعة كانت بعد الصلاة مثل العيدين فظنوا انهم قد قضوا ما كان عليهم وليس في ترك الخطبة شيء فحولت الخطبة بعد ذلك فكانت قبل الصلاة وكان لا يخرج واحد لرعاف او احداث بعد النهى حتى يستأذن النبي عليه السلام يشير اليه بأصبعه التي تلى الإبهام فيأذن له النبي عليه السلام يشير اليه بيده قال الامام السهيلي رحمه الله وهذا الحديث الذي من اجله ترخصوا لانفسهم في ترك سماع الخطبة وان لم ينقل من وجه ثابت فالظن الجميل بأصحاب رسول الله عليه السلام موجب لانه كان صحيحا يقول الفقير هب انهم ظنوا انهم قد قضوا ما كان عليهم من فرض الصلاة فكيف يليق بهم أن يتركوا مجلس النبي عليه السلام ومن شانهم(9/527)
أن يستمعوا ولم يتحركوا كأن على رؤسهم الطير ولعل ذلك من قبيل سائر الهفوات التي تضمنت المصالح والحكم الجليلة ولو لم يكن الا كونه سببا لنزول هذه الآية التي هى خير من الدنيا وما فيها لكفى وفيها من الإرشاد الإلهي لعباده ما لا يخفى قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ من الثواب يعنى ثواب نماز واستماع خطبه ولزوم مجلس حضرت پيغمبر عليه السلام وما موصولة خاطبهم الله بواسطة النبي عليه السلام لان الخطاب مشوب بالعتاب خَيْرٌ بهتر است وسودمندتر مِنَ اللَّهْوِ از استماع لهو وَمِنَ التِّجارَةِ واز نفع تجارت فان نفع ذلك محقق مخلد بخلاف ما فيهما من النفع المتوهم فنفع اللهو ليس بمحقق ونفع التجارة ليس بمخلد وما ليس بمخلد فمن قبيل الظن الزائل ومنه يعلم وجه تقديم اللهو فان للاعدام تقدما على الملكات قال البقلى وفيه تأديب المريدين حيث اشتغلوا عن صحبة المشايخ بخلواتهم وعباداتهم لطلب الكرامات ولم يعلموا ان ما يجدون في خلواتهم بالاضافة الى ما يجدون في صحبة مشايخهم لهو قال سهل رحمه الله من شغله عن ربه شيء من الدنيا والآخرة فقد اخبر عن خسة طبعه ورذالة همته لان الله فتح له الطريق اليه واذن له فى مناجاته فاشتغل بما يفنى عما لم يزل ولا يزال وقال بعضهم ما عند الله للعباد والزهاد غدا خير مما نالوه من الدنيا نقدا وما عند الله للعارفين نقدا من واردات القلوب وبوادر الحقيقة خير مما في الدنيا والعقبى وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ لانه موجد الأرزاق فاليه اسعوا ومنه اطلبوا الرزق (وقال الكاشفى) وخداى تعالى بهترين روزى دهند كانست يعنى آنانكه وسائط إيصال رزقند وقت باشد كه بخيلي كنند وشايد نيز مصلحت وقت ندانند نقلست كه يكى از خلفاى بغداد بهلول را گفت بيا تا روزى هر روز تو مقرر كنم تا وقت متعلق بدان نباشد بهلول جواب داد كه چنين ميكردم اگر چند عيب نبودى أول آنكه تو ندانى كه
مرا چهـ بايد دوم نشناسى كه مرا كى بايد سوم معلوم ندارى كه مرا چند بايد وحق تعالى كافل رزق منست اين همه ميداند واز روى حكمت بمن ميرساند وديكر شايد كه بر من غضب كنى وآن وظيفه از من بازگيرى وحق سبحانه وتعالى بگناه از من روزى باز نميدارد
خدايى كه او ساخت از نيست هست ... بعصيان در رزق بر كس نيست
ازو خواه روزى كه بخشنده اوست ... بر آرنده كار هر بنده اوست
وقيل لبعضهم من اين تأكل فقال من خزانة ملك لا يدخلها اللصوص ولا يأكلها السوس وقال حاتم الأصم قدس سره لامرأته انى أريد السفر فكم أضع لك من النفقة قالت بقدر ما تعلم انى اعيش بعد سفرك فقال وما ندرى كم نعيش قالت فكله الى من يعلم ذلك فلما سافر حاتم دخل النساء عليها يتوجعن لها من كونه سافر وتركها بلا نفقة فقالت انه كان أكالا ولم يكن رزاقا قال بعضهم قوله تعالى خير من اللهو وقوله خير الرازقين من قبيل الفرض والتقدير إذ لا خيرية فى اللهو ولا رازق غير الله فكان المعنى ان وجد في اللهو خير فما عند الله أشد خيرية منه وان وجد رازقون غير الله فالله خيرهم وأقواهم قوة أولاهم عطية والرزق هو المنتفع به مباحا كان او محظورا وفي التأويلات النجمية والله خير الرازقين لاحاطته على رزق النفس وهو الطاعة(9/528)
إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)
والعبادة بمقتضى العلم الشرعي ورزق القلب وهو المراقبة والمواظبة على الأعمال القلبية من الزهد والورع والتوكل والتسليم والرضى والبسط والقبض والانس والهيبة ورزق الروح بالتجليات والتنزلات والمشاهدات والمعاينات ورزق السر برفع رؤية الغير والغيرية ورزق الخفاء بالفناء في الله والبقاء به وهو خير رزق فهو خير الرازقين (وفي المثنوى)
هر چهـ از يارت جدا اندازد آن ... مشنو آنرا كه زيان دارد زيان
كر بود آن سود صد در صد مكير ... بهر زر مكسل ز كنجور اى فقير
آن شنو كه چند يزدان زجر كرد ... گفت اصحاب نبى را كرم وسرد
زانكه در بانك دهل در سال تنك ... جمعه را كردند باطل بي درنك
تا نبايد ديكران ارزان خرند ... زان سبب صرفه ز ما ايشان برند
ماند پيغمبر بخلوت در نماز ... با دو سه درويش ثابت بر نياز
گفت طبل ولهو وبازركانى ... چونتان ببريد از ربانى
قد فضضتم نحو قمح هائما ... ثم خليتم نبيا قائما
بهر كندم تخم باطل كاشتند ... وآن رسول حق را بگذاشتند
صحبت او خير من لهو است ومال ... بين كرا بگذاشتى چشمى بمال
خود نشد حرص شما را اين يقين ... كه منم رزاق وخير الرازقين
آنكه كندم راز خود روزى دهد ... كى توكلهات را ضايع كند
از پى كندم جدا كشتى از آن ... كه فرستادست كندم ز آسمان
وفي الاحياء يستحب أن يقول بعد صلاة الجمعة اللهم يا غنى يا حميد يا مبدى يا معيد يا رحيم يا ودود أغننى بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك فيقال من دوام على هذا الدعاء أغناه الله تعالى عن خلقه ورزقه من حيث لا يحتسب وفي الحديث من قال يوم الجمعة اللهم أغننى بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك سبعين مرة لم تمر به جمعتان حتى يغنيه الله رواه انس بن مالك رضى الله عنه تمت سورة الجمعة في ثانى صفر الخير يوم الخميس من سنة ست عشرة ومائة والف
تفسير سورة المنافقين
احدى عشرة آية مدينة بلا خلاف بسم الله الرحمن الرحيم
إِذا چون جاءَكَ الْمُنافِقُونَ اى حضروا مجلسك وبالفارسية بتو آيند دو رويان والنفاق اظهار الايمان باللسان وكتمان الكفر بالقلب فالمنافق هو الذي يضمر الكفر اعتقادا ويظهر الايمان قولا وفي المفردات النفاق الدخول في الشرع من باب والخروج منه من باب من النافقاء احدى جحرة اليربوع والثعلب والضب يكتمها ويظهر غيرها فاذا أتى من قبل القاصعاء وهو الذي يدخل منه ضرب النافقاء برأسه فانتفق والنفق هو السرب في الأرض النافذ قالُوا مؤكدين كلامهم بان واللام للايذان بأن شهادتهم هذه صادرة عن صميم قلوبهم وخلوص(9/529)
اعتقادهم ووفور رغبتهم ونشاطهم والظاهر انه الجواب لاذا لان الآية نظير قوله تعالى وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وقيل جوابه مقدر مثل أرادوا أك يخدعوك وقيل استئناف لبيان طريق خدعتهم وقيل جوابه قوله فاخذرهم نَشْهَدُ الآن او على الاستمرار إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ والشهادة قول صادر عن علم حصل بشهادة بصر او بصيرة وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ اعتراض مقرر لمنطوق كلامهم لكونه مطابقا للواقع ولا زالة إيهام ان قولهم هذا كذب لقوله والله يشهد إلخ وفيه تعظيم للنبى عليه السلام وقال ابو الليث والله يعلم انك لرسوله من غير قولهم وكفى بالله شهيدا محمد رسول الله اعلم ان كان ما جاء فى القرآن بعد العلم من لفظة ان فهى بفتح الهمزة لكونها في حكم المفرد الا في موضعين أحدهما والله يعلم انك لرسوله في هذه السورة والثاني قد يعلم انه ليحزنك الذي يقولون فى سورة الانعام وانما كان كذلك في هذين الموضعين لانه يأتى بعدهما لام الخبر فانكسرا اى لان اللام لتأكيد معنى الجملة ولا جملة الا في صورة المكسورة وقال بعضهم إذا دخلت لام الابتداء على خبرها تكون مكسورة لاقتضاء لام الابتداء الصدارة كما يقال لزيد قائم وتؤخر اللام لئلا يجتمع حرفا التأكيد واختير تأخيرها الترجيح ان في التقديم لعامليته فكسرت لاجل اللام وَاللَّهُ يَشْهَدُ شهادة حقة إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ اى انهم والإظهار فى موضع الإضمار لذمهم والاشعار بعلية الحكم اى لكاذبون فيما ضمنوا مقالتهم من انها صادرة عن اعتقاد وطمأنينة قلب فان الشهادة وضعت للاخبار الذي طابق فيه اللسان اعتقاد القلب وإطلاقها على الزور مجاز كاطلاق البيع على الفاسد نظيره قولك لمن يقول أنا أقرأ الحمد لله رب العالمين كذبت فالتكذيب بالنسبة الى قرائته لا بالنسبة الى المقروء الذي هو الحمد لله رب العالمين ومن هنا يقال ان من استهزأ بالمؤذن لا يكفر بخلاف من استهزأ بالأذان فانه يكفر قال بعضهم الشهادة حجة شرعية تظهر الحق ولا توجبه فهى الاخبار بما علمه بلفظ خاص ولذلك صدق المشهود به وكذبهم في الشهادة بقوله والله يعلم إلخ دلت الآية على ان العبرة بالقلب والإخلاص وبخلوصه يحصل الخلاص وكان عليه السلام يقبل من المنافقين ظاهر الإسلام واما حكم الزنديق فى الشرع وهو الذي يظهر الإسلام ويسر الكفر فانه يستتاب وتقبل توبته عند ايى ولا تقبل عند ابى حنيفة والشافعي رحمهما الله قال سهل رحمه الله أقروا بلسانهم ولم يعترفوا بقلوبهم فلذلك سماهم الله منافقين ومن اعترف بقلبه وأقر بلسانه ولم يعمل بأركانه ما فرض الله من غير عذر ولا جهل كان كأبليس وسئل حذيفة من المنافق قال الذي يصف الإسلام ولا يعمل به وهم اليوم شر منهم لانهم كانوا يومئذ يكتمونه وهم اليوم يظهرونه وفي الآية اشارة الى ان المنافقين الذامين للدنيا وشهواتها باللسان المقبلين عليها بالقلب وان كانوا يشهدون بصحة الرسالة لظهور أنوارها عليهم من المعجزات والكرامات لكنهم كاذبون في شهادتهم لاعراضهم عنه عليه السلام ومتابعته وإقبالهم على الدنيا وشهواتها فحقيقة الشهادة انما تحصل بالمتابعة وقس عليه شهادة اهل الدنيا عند ورثة الرسول قال الحسن البصري رحمه الله يا ابن آدم لا يغرنك قول من يقول المرء مع من أحب فانك لا تلحق الأبرار الا بأعمالهم فان اليهود والنصارى(9/530)
اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)
يحبون أنبياءهم وليسوا معهم وهذه اشارة الى ان مجرد ذلك من غير موافقة في بعض الأعمال او كلها لا ينفع كما في احياء العلوم ولذا قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر المرء مع من أحب في الدنيا بالطاعة والأدب الشرعي وفي الآخرة بالمعاينة والقرب المشهدي انتهى فاذا كانت المحبة لمجردة بهذه المثابة فما ظنك بالنفاق الذي هو هدم الاس والأصل وبناء الفرع فلا اعتداد بدعوى المنافق ولا بعمله وفي التأويلات القاشانية المنافقون هم المذبذبون الذين يجذبهم الاستعداد الأصلي الى نور الايمان والاستعداد العارضى الذي حدث برسوخ الهيئات الطبيعية والعادات الرديئة الى الكفر وانما هم كاذبون في شهادة الرسالة لان حقيقة معنى الرسالة لا يعلمها الا الله والراسخون في العلم الذين يعرفون الله ويعرفون بمعرفته رسول الله فان معرفة الرسول لا تمكن الا بعد معرفة الله وبقدر العلم بالله يعرف الرسول فلا يعلمه حقيقة الا من انسلخ عن علمه وصار عالما بعلم الله وهم محجوبون عن الله بحجب ذوتهم وصفاتهم وقد اطفأوا نور استعداداتهم بالغواشي البدنية والهيئات الظلمانية فانى يعرفون رسول الله حتى يشهدوا برسالته انتهى قال الشيخ ابو العباس معرفة الولي أصعب من معرفة الله فان الله معروف بكماله وجماله وحتى متى يعرف مخلوقا مثله يأكل كما يأكل ويشرب كما يشرب اتَّخَذُوا اى المنافقون أَيْمانَهُمْ الفاجرة التي من جملتها ما حكى عنهم لان الشهادة تجرى مجرى الحلف فيما يراد به من التوكيد وبه استشهد ابو حنيفة رحمه الله على أن اشهد يمين واليمين في الحلف مستعار من اليمين التي بمعنى اليد اعتبارا بما يفعله المحالف والمعاهد عنده واليمين بالله المصادقة جائزة وقت الحاجة صدرت من النبي عليه السلام كقوله والله والذي نفسى بيده ولكن إذا لم يكن ضرورة قوية يصان اسم الله العزيز عن الابتذال جُنَّةً اى وقاية وترساعما يتوجه إليهم من المؤاخذة بالقتل والسبي او غير ذلك واتخاذها جنة عبارة عن اعدادهم وتهيئتهم لها الى وقت الحاجة ليحلفوا بها ويتخلصوا من المؤاخذة لا عن استعمالها بالفعل فان ذلك متأخر عن المؤاخذة المسبوقة بوقوع الجناية واتخاذ الجنة لا بد أن يكون قبل المؤاخذة وعن سببها ايضا كما يفصح عنه الفاء في قوله فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يقال صده عن الأمر صدا اى منعه وصرفه وصد عنه صدودا اى اعرض والمعنى فمنعوا وصرفوا من أراد الدخول في الإسلام بأنه عليه السلام ليس برسول ومن أراد الانفاق في سبيل الله بالنهى عنه كما سيحكى عنهم ولا ريب في أن هذا الصد منهم متقدم على حلفهم بالفعل واصل الجن ستر الشيء عن الحاسة يقال جنة الليل واجنه والجنان القلب لكونه مستورا عن الحاسة والمجن والجنة الترس الذي يجن صاحبه والجنة كل بستان ذى شجر يستر بأشجاره الأرض إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى ساء الشيء الذي كانوا يعملونه من النفاق والصد والاعراض عن سبيله تعالى وفي ساء معنى التعجب وتعظيم أمرهم عند السامعين ذلِكَ القول الشاهد بأنهم أسوأ الناس أعمالا وبالفارسية اين حكم حق ببدئ اعمال ايشان بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم آمَنُوا اى نطقوا بكلمة الشهادة كسائر من يدخل الإسلام ثُمَّ كَفَرُوا اى ظهر كفرهم بما شوهد منهم من شواهد الكفر(9/531)
وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)
ودلائله من قولهم ان كان ما يقوله محمد حقا فنحن حمير وقولهم في غزوة تبوك أيطمع هذا الرجل أن يفتح له قصور كسرى وقيصر هيهات فثم للتراخي او كفروا سرا فثم للاستبعاد ويجوز أن يراد بهذه الآية اهل الردة منهم كما في الكشاف فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ ختم عليها يعنى مهر نهاده شد حتى تمرنوا على الكفر واطمأنوا به وصارت بحيث لا يدخلها الايمان جزاء على نفاقهم ومعاقبة على سوء أفعالهم فليس لهم ان يقولوا ان الله ختم على قلوبنا فكيف نؤمن والطبع أن يصور الشيء بصورة ما كطبع السكة وطبع الدراهم وهو أعم من الختم وأخص من النقش كما في المفردات فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ حقيقة الايمان ولا يعرفون حقيقته أصلا كما يعرفه المؤمنون والفقه لغة الفهم واصطلاحا علم الشريعة لانه الأصل فيما يكتسب بالفهم والدراية وان كان سائر العلوم ايضا لا ينال الا بالفهم دل الكلام على ان ذكر بعض مساوى العاصي عند احتمال الفائدة لا يعد من الغيبة المنهي عنها بل قد يكون مصلحة مهمة على ما روى عنه عليه السلام اذكروا الفاجر بما فيه كى يحذره الناس وفي المقاصد الحسنة ثلاثة ليست لهم غيبة الامام الجائر والفاسق المعلن بفسقه والمبتدع الذي يدعو الناس الى بدعته وقال القاشاني ذلك بسبب انهم آمنوا بالله بحسب بقية نور الفطرة والاستعداد ثم كفروا اى ستروا ذلك النور بحجب الرذائل وصفات نفوسهم فطبع على قلوبهم برسوخ تلك الهيئات وحصول الرين من المكسوبات فحجبوا عن ربهم بالكلية فهم لا يفهموم معنى الرسالة ولا علم التوحيد والدين وَإِذا رَأَيْتَهُمْ و چون به بينى منافقانرا چون ابن ابى وأمثال او الرؤية بصرية تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ بشكفت آرد ترا أجسام ايشان لضخامتها ويروقك منظرهم لصباحة وجوههم وأصله من العجب والشيء العجيب هو الذي يعظم في النفس امره لغرابته والتعجب حيرة تعرض للنفس بواسطة ما يتعجب منه وَإِنْ يَقُولُوا و چون سخن كويند تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ لفصاحتهم وذلاقة ألسنتهم وحلاوة كلامهم واللام صلة وقيل تصغى الى قولهم وكان ابن ابى جسيما صبيحا فصيحا يحضر مجلس رسول الله عليه السلام في نفر من أمثاله وهم رؤساء المدينة وكان عليه السلام ومن معه يعجبون بهيا كلهم ويسمعون الى كلامهم وان الصباحة وحسن المنظر لا يكون الا من صفاء الفطرة في الأصل ولذا قال عليه السلام اطلبوا الخير عند حسان الوجوه اى غالبا وكم من رجل قبيح الوجه قضاء للحوائج قال بعضهم
(يدل على معروفه حسن وجهه ... وما زال حسن الوجه أحد الشواهد)
وفي الحديث إذا بعثتم الى رجلا فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم ثم لما رأى عليه السلام غلبة الرين على قلوب المنافقين وانطفاء نور استعدادهم وابطال الهيئات الدنية العارضية خواصهم الاصلية ايس منهم وتركهم على حالهم (وروى) عن بعض الحكماء انه رأى غلاما حسنا وجهه فاستنطقه لظنه ذكاء فطنته فما وجد عنده معنى فقال ما احسن هذا البيت لو كان فيه ساكن وقال آخر طشت ذهب فيه خل كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ فى حيز الرفع على انه خبر مبتدأ محذوف اى هم كأنهم او كلام مستأنف لا محل له والخشب بضمتين جمع(9/532)
خشبة كأكم واكمة او جمع خشب محركة كأسد واسد وهو ما غلظ من العيدان والاسناد الامالة ومسندة للتكثير فان التسنيد تكثير الاسناد بكثرة المحال اى كأنها أسندت الى مواضع والمعنى بالفارسية كويا ايشان چوبهاى خشك شده اند بديوار باز نهاده شبهوا فى جلوسهم في مجالس رسول الله مستندين فيها بأخشاب منصوبة مسندة الى الحائط في كونهم أشباحا خالية عن العلم والخير والانتفاع ولذا اعتبر في الخشب التسنيد لان الخشب إذا انتفع به كان في سقف او جدار او غيرهما من مظان الانتفاع فكما ان مثل هذا الخشب لا نفع فيه فكذا هم لانفع فيهم وكما ان الروح النامية قد زالت عنهم فهم في زوال استعداد الحياة الحقيقية والروح الإنساني بمثابتها يقول الفقير فيه اشارة الى ان الاستناد فى مجالس الأكابر او في مجالس العلم من ترك الأدب ولذا منع الامام مالك رحمه الله هرون الرشيد من الاستناد حين سمع منه الموطأ (حكى) ان ابراهيم بن أدهم قدس سره كان يصلى ليلة فأعيى فجلس ومدرجليه فهتف به هاتف أهكذا تجالس الملوك وكان الحريري لا يمد رجليه في الخلوة ويقول حفظ الأدب
مع الله أحق وهذا من أدب من عرف معنى الاسم المهيمن فان من عرف معناه يكون مستحييا من اطلاعه تعالى عليه ورؤيته له وهو المراقبة عند اهل الحقيقة ومعناه علم القلب باطلاع الرب ودلت الآية وكذا قوله عليه السلام انه ليأتى الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة على ان العبرة في الكمال والنقصان بالاصغرين اللسان والقلب لا بالاكبرين الرأس والجلد فان الله تعالى لا ينظر الى الصور والأموال بل الى القلوب والأعمال فرب صورة مصغرة عند الله بمثابة الذهب والمؤمن لا يخلو من قلة او علة او ذلة ولا شك ان بالقلة يكثر اللهم الذي يذيب اللحم والشحم وكذا بالعلة يذوب البدن ويطرأ عليه الذبول وفي الحديث مثل المؤمن مثل السنبلة يحركها الريح فتقوم مرة وتقع اخرى ومثل الكافر مثل الأرزة لا تزال قائمة حتى تنقعر قوله الأرزة بفتح الهمزة وبراء مهملة ساكنة ثم زاى شجر يشبه الصنوبر يكون بالشأم وبلاد الأرمن وقيل هو شجر الصنوبر والانقعار از بن بر كنده شدن يعنى مثل منافق مثل صنوبر است كه بلند واستوار بر زمين تا كه افتادن واز بيخ بر آمدن وفيه اشارة الى ان المؤمن كثير الابتلاء في بدنه وماله غالبا فيكفر عن سيئاته والكافر ليس كذلك فيأتى بسيئاته كاملة يوم القيامة يَحْسَبُونَ يظنون كُلَّ صَيْحَةٍ كل صوت ارتفع فان الصيحة رفع الصوت وفي القاموس الصوت بأقصى الطاقة وهو مفعول أول ليحسبون والمفعول الثاني قوله عَلَيْهِمْ اى واقعة عليهم ضارة لهم ومراد از صيحه هر فريادى كه بر آيد وهر آوازى كه در مدينه بر كشند وقال بعضهم إذا نادى مناد في العسكر لمصلحة او انفلتت دابة او أنشدت ضالة او وقعت جلبة بين الناس ظنوه إيقاعا بهم لجنبهم واستقرار الرعب في قلوبهم والخائن خائف وقال القاشاني لان الشجاعة انما تكون من اليقين من نور الفطرة وصفاء القلب وهم منغمسون في ظلمات صفات النفوس محتجبون باللذات والشهوات كأهل الشكوك والارتياب فلذلك غلب عليهم الجبن والخور انتهى وفي هذا زيادة تحقر لهم وتخفيف لقدرهم(9/533)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)
كما قيل إذا رأى غير شيء ظنه رجلا وقيل كانوا على وجل من أن ينزل الله فيهم ما يهتك استارهم ويبيخ دماءهم وأموالهم هُمُ الْعَدُوُّ اى هم الكاملون في العداوة الراسخون فيها فان أعدى الأعادي العدو المكاسر الذي يكاسرك وتحت ضلوعه داءلا يبرح بل يلزم مكانه ولم يقل هم الأعداء لان العدو لكونه بزنة المصادر يقع على الواحد وما فوقه فَاحْذَرْهُمْ اى فاحذر أن تثق بقولهم ونميل الى كلامهم او فاحذر مما يلتهم لاعدائك وتخذيلهم أصحابك فانهم يفشون سرك للكفار قاتَلَهُمُ اللَّهُ دعاء عليهم وطلب من ذاته تعالى أن يلعنهم ويخزيهم ويميتهم على الهوان والخذلان كما قال ابن عباس رضى الله عنهما اى لعنهم قال سعدى المفتى ولا طلب هناك حقيقة بل عبارة الطلب للدلالة على ان اللعن عليهم مما لا بد منه قال الطيبي يعنى انه من اسلوب التجريد كقرآءة ابن عباس رضى الله عنهما في قوله ومن كفر فامتعه يا قادر ويجوز أن يكون تعليما للمؤمنين بأن يدعوا عليهم بذلك ففيه دلالة على ان للدعاء على اهل الفساد محلا يحسن فيه فقاتل الله المبتدعين الضالين المضلين فانهم شر الخصماء وأضر الأعداء وإيراده في صورة الاخبار مع انه إنشاء معنى للدلالة على وقوعه ومعنى الإنشاء بالفارسية هلاك كناد خداى ايشانرا يا لعنت كناد بر ايشان وقال بعضهم اهلكهم وهو دعاء يتضمن الاقتضاء والمنابذة وتمنى الشر لهم ويقال هى كلمة ذم وتوبيخ بين الناس وقد تقول العرب قاتله الله ما أشعره فيضعونه موضع التعجب وقيل أحلهم محل من قاتله عدو قاهر لكل معاند أَنَّى يُؤْفَكُونَ تعجيب من حالهم اى كيف يصرفون عن الحق والنور الى ما هم عليه من الكفر والضلال والظلمة بعد قيام البرهان من الا فك بفتح الهمزة بمعنى الصرف عن الشيء لان الافك بالكسر بمعنى الكذب قال في التأويلات النجمية إذا رأيتهم من حيث صورهم المشكلة تعجبك أجسام أعمالهم المشوبة بالرياء والسمعة الخالية عن أرواح النيات الخالصة الصافية وان يقولوا قولا بالحروف والأصوات مجردا عن المعاني المصفاة تصغ الى قولهم المكذوب المردود كان صورهم المجردة عن المعنى المخيلة صورتها القوة الخيالة بصورة الخشب المسندة الى جدار الوهم لاروح فيها ولا معنا يحسبون كل صيحة صاح بها صور القهر واقعة عليهم لضعف قلوبهم بمرض النفاق وعلة الشقاق هم الكاملون في العداوة الذاتية والبغضاء الصفاتية فاحذرهم بالصورة والمعنى قاتلهم الله بالخزي والحرمان والسوء والخذلان أنى يعدلون عن طريق الدين الصدق وَإِذا قِيلَ لَهُمْ عند ظهور جنايتهم بطريق النصيحة در معالم آورده كه بعد از نزول اين آيتها قوم ابن ابى ويرا كفتند اين آيتها درباره تو نازل شده برو نزديك رسول خداى تا براى تو آمرزش طلبد آن منافق كردن تاب داد وكفت مرا كفتند ايمان آور آوردم تكليف كرديد كه زكاة مال بده دادم همين مانده است كه محمد را سجده مى بايد كرد آيت آمد كه وإذا قيل لهم تَعالَوْا أصله تعاليوا فأعل بالقلب والحذف الا ان واحد الماضي تعالى بإثبات الالف المقلوبة عن الياء المقلوبة عن الواو الواقعة رابعة وواحد الأمر تعالى بحذفها وقفا وفتح اللام واصل معنى التعالي الارتفاع فاذا أمرت منه قلت تعالى وتعالوا فتعالوا جمع امر الحاضر(9/534)
سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6)
فى صورة الماضي ومعناه ارتفعوا فيقوله من كان في مكان عال لمن هو أسفل منه ثم كثر واتسع فيه حتى عمم يعنى ثم استعمل في كل داع يطلب المجيء في المفرد وغيره لما فيه من حسن الأدب اى هلموا وائتوا وبالفارسية بياييد باعتذار ومن الأدب أن لا يقال تعالى فلان او تعاليت يا فلان او أنا او فلان متعال باى معنى أريد لانه مما اشتهر به الله فتعالى الله الملك الحق يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ بالجزم جواب الأمر اى يدع الله لكم ويطلب منه أن يغفر بلطفه ذنوبكم ويستر عيوبكم وهو من اعمال الثاني لان تعالوا يطلب رسول الله مجرورا بالى اى تعالوا الى رسول الله ويستغفر يطلب فاعلا فاعمل الثاني ولذلك رفعه وحذف من الاول إذ التقدير تعالوا اليه لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ يقال لوى الرجل رأسه أماله والتشديد للتكثير لكثرة المحال وهى الرؤوس قال في تاج المصادر التلوية نيك پيچانيدن اى عطفوها استكبارا چنانچهـ كسى از مكروهى روى بتابد وقال القاشاني لضراوتهم بالأمور الظلمانية فلا يألفون النور ولا يشتاقون اليه ولا الى الكمالات الانسانية لمسخ الصورة الذاتية وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ من الصدود بمعنى الاعراض اى يعرضون عن القائل او عن الاستغفار (وقال الكاشفى) اعراض ميكنند از رفتن بخدمت حضرت پيغمبر صلّى الله عليه وسلّم وذلك لا نجذابهم الى الجهة السفلية والزخارف الدنيوية فلا ميل في طباعهم الى الجهة العلوية والمعاني الاخروية (وفي المثنوى)
صورت رفعت بود أفلاك را ... معنئ رفعت روان پاك را
صورت رفعت براى جسمهاست ... جسمها در پيش معنى اسمهاست
وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ عن ذلك لغلبة الشيطنة واستيلاء القوة الوهمية واحتجابهم بالانانية وتصور الخيرية وفي الحديث (إذا رأيت الرجل لجوجا معجبا برأيه فقد تمت خسارته سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ كما إذا جاؤك معتذرين من جناياتهم وفي كشف الاسرار كان عليه السلام يستغفر لهم على معنى سؤاله لهم بتوفيق الايمان ومغفرة العصيان وقيل لما قال الله ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم قال عليه السلام لأزيدن على السبعين فأنزل الله سوآء إلخ وهو اسم بمعنى مسنو خبر مقدم وعليهم متعلق به وما بعده من المعطوف عليه والمعطوف مبتدأ بتأويل المصدر لاخراج الاستفهام عن مقامه فالهمزة فى أستغفرت للاستفهام ولذا فتحت وقطعت والأصلء استغفرت فحذفت همزة الوصل التي هى الف الاستفعال للتخفيف ولعدم اللبس أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ كما إذا أصروا على قبائحهم واستكبروا عن الاعتذار والاستغفار لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ابدا لاصرارهم على الفسق ورسوخهم في الكفر وخروجهم عن دين الفطرة القيم إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ الكاملين في الفسق الخارجين عن دائرة الاستصلاح المنهمكين في الكفر والنفاق او الخارجين عن دائرة المحقين الداخلين في دائرة الباطلين المبطلين وفي الآية اشارة الى عدم استعدادهم لقبول الاستغفار لكثافة طباعهم المظلمة وغلظة جبلتهم الكدرة ولو كان لهم استعداد لقبوله لخرجوا عن محبة الدنيا ومتابعة النفس والهوى الى موافقة(9/535)
هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)
الشرع ومتابعة الرسول والهدى ولما بقوا في ظلمة الشهوات الحيوانية والأخلاق البهيمية والسبعية (قال الحافظ)
عاشق كه شد كه يار بحالش نظر نكرد ... اى خواجه درد نيست وگرنه طبيب هست
ومنه يعلم ان الجذبة من جانب المرشد وان كان لها تأثير عظيم لكن إذا كان جانب المريد خاليا عن الارادة لم ينفعه ذلك ألا ترى ان استغفار النبي عليه السلام ليس فوقه شيء مع انه لم يؤثر في الهداية واصل هذا عدم إصابة رشاش النور في عالم الأرواح ومن لم يجعل الله نورا فما له من نور (حكى) ان شيخا مرمع مريد له خدمه عشرين سنة على قرية فيها شيخ فان يضرب الطبل فأشار اليه الشيخ فطرح الطبل وتبعه حتى إذا كانوا على ساحل البحر ألقى الشيخ سجادته على البحر وقعد عليها مع الطبال وبقي المريد العتيق فى الساحل يصيح كيف ذلك فقال الشيخ هكذا قضاء الله تعالى هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ اى للانصار وهو استئناف جار مجرى التعليل لفسقهم او لعدم مغفرته تعالى لهم وهو حكاية نص كلامهم لا تُنْفِقُوا لا تعطوا النفقة التي يتعيش بها عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ يعنون فقراء المهاجرين وقولهم رسول الله اما للهزؤ والتهكم او لكونه كاللقب له عليه السلام واشتهاره به فلو كانوا مقرين برسالته لما صدر عنهم ما صدر ويجوز أن ينطقوا بغيره لكن الله تعالى عبر به إكراما له وإجلالا حَتَّى يَنْفَضُّوا اى يتفرقوا عنه ويرجعوا الى قبائلهم وعشائرهم (وقال الكاشفى) تا متفرق كردند غلامان بنزد خواجكان روند و پسران پدران پيوندند والانفضاض شكسته شدن و پراكنده شدن وانما قالوه لاحتجابهم بأفعالهم عن رؤية فعل الله وبما في أيديهم عما في خزآئن الله فيتوهمون الانفاق منهم لجهلهم وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رد وابطال لما زعموا من ان عدم انفاقهم يؤدى الى انفضاض الفقراء من حوله عليه السلام ببيان ان خزآئن الأرزاق بيد الله خاصة يعطى من يشاء ويمنع من يشاء ومن تلك الخزائن المطر والنبات قال الراغب قوله تعالى ولله خزآئن السموات والأرض اشارة منه الى قدرته تعالى على ما يريد إيجاده او الى الحالة التي أشير إليها بقوله عليه السلام فرغ ربكم من الخلق والاجل والرزق والمراد من الفراغ إتمام القضاء فهو مذكور بطريق التمثيل يعنى أتم قضاء هذه الكليات في علمه السابق والخزائن جمع خزانة بالكسر كعصائب وعصابة وهى ما يخزن فيه الأموال النفيسة وتحفظ وكذا المخزن بالفتح وقد سبق في قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزآئنه وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ ذلك لجهلهم بالله وبشؤونه ولذلك يقولون من مقالات الكفر ما يقولون
خواجه پندارد كه روزى او دهد ... لا جرم بر اين وآن منت نهد
زان سببها او يكى شد پس اگر ... كم شود هستند اسباب دكر
حكم روزى بر سببها مى نهد ... بي سببها نيز روزى ميدهد
قال رجل لحاتم الأصم رحمه الله من اين تأكل قال من خزانة ربى فقال الرجل أيلقى عليك الخبز من السماء فقال لو لم تكن الأرض له فيها خزآئن لكان يلقى على الخبز من السماء فقد(9/536)
يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)
خلق الله في الأرض الأسباب ومنها فتح الأبواب قال بعض الكبار مراعاة حق أم الولد من الرضاع اولى من مراعاة أم الولادة لان أم الولادة حملته على جهة الامانة فكون فيها وتغذى بدم طمثها من غير ارادة لها في ذلك فما تغذى الا بما لو لم يخرج منها لأهلكها وأمرضها فللجنين المنة على امه في ذلك واما المرضعة فاتما قصدت برضاعه حياته وإبقاءه ولهذا المعنى الذي أشرنا اليه جعل الله المرضعة لموسى أم ولادته حتى لا يكون لامرأة عليه فضل غير امه فلما كبر وبلغ اقامة الحجة عليه جعله الله كلا على بنى إسرائيل امتحانا له فقلق من تغير الحال عليه وقال يا رب أغنني عن بنى إسرائيل فأوحى الله اليه أما ترضى يا موسى أن أفرغك لعبادتى واجعل مؤونتك على غيرك فسكت ثم سأل ثانيا فأوحى الله اليه لا يليق بنبي أن يرى في الوجود شيأ لغير سيده فكل من رزق ربك ولا منة لا حد عليك فسكت ثم سأل ثالثا فأوحى الله اليه يا موسى إذا كانت هذه شكاسة خلقك على بنى إسرائيل وأنت محتاج إليهم فكيف لو أغنيتك عنهم فما سأل بعد ذلك شيأ فالله تعالى يوصل الرزق على عبده بيد من يشاء من عباده مؤمنا او كافرا وكل ذلك من الحلال الطيب إذا لم يسبق اليه خاطرة او تعرض ما ولا منة لاحد عليه وانما يمن الجاهل وابتلاؤه تعالى لاوليائه بالفقر ليس من عدم قدرته على الإعطاء والإغناء من عدم محبته لهم وكرامتهم عنده بل هو من انعامه عليهم ليكونوا ازهد الناس في الدنيا وأفر اجرا في الآخرة ولذا قال عليه السلام فى حق فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفا وكان عليه السلام يستفتح بصعاليك المهاجرين اى فقرائهم لقدرهم وقبولهم وجاههم عند الله تعالى على ان الأغنياء ان خصوا بوجود الأرزاق فالفقراء خصوا بشهود الرزاق وهو خير منه وصاحبه أنعم فمن سعد بوجود الرزاق لم يضره ما فاته من وجود الأرزاق قال الجنيد قدس سره خزآئنه في السموات الغيوب وخزآئنه في الأرض القلوب فما انفصل من الغيوب وقع على القلوب وما انفصل من القلوب صار الى الغيوب والعبد مرتهن بشيئين تقصير الخدمة وارتكاب الزلة وقال الواسطي قدس سره من طالع الأسباب في الدنيا ولم يعلم ان ذلك يحجبه عن التوفيق فهو جاهل وفي التأويلات النجمية ولله خزآئن الأرزاق السماوية من العلوم والمعارف والحكم والعوارف المخزونة لخواص العباد يرزقهم حيث يشاء ولله خزآئن الأرزاق الارضية من المأكولات والمشروبات والملبوسات والخيول والبغال المخزونة لعوام العباد ينفق عليهم من حيث لا يحتسبون ولكن المنافقين بسبب إفساد استعداداتهم وعدم نورانيتهم وغلبة ظلمانيتهم ما يفهمون الاسرار الالهية والإشارات الربانية يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) روى ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حبن لقى بنى المصطلق وهم بطن من خزاعة على المريسيع مصغر مرسوع وهو ماء لهم في ناحية قديد على يوم من الفرغ بالضم موضع من أضخم اعراض المدينة وهزمهم وقتل منهم واستاق ألفى بعير وخمسة آلاف شاة وسبى مائتى اهل بيت او اكثر وكانت في السبي جويرية بنت الحارث سيد بنى المصطلق أعتقها النبي عليه السلام وتزوجها وهى ابنة(9/537)
عشرين سنة ازدحم على الماء جهجاه بن سعيد الغفار رضى الله عنه وهو أجير لعمر رضى الله عنه يقود فرسه وسنان الجهني المنافق حليف ابن ابى رئيس المنافقين واقتتلا فصرخ جهجاه بالمهاجرين وسنان بالأنصار فاعان جهجاه جعال بالكسر من فقراء المهاجرين ولطم سنانا فاشتكى الى ابن أبى فقال لجعال وأنت هناك قال ما صحبنا محمدا الا لنلطم والله ما مثلنا ومثلهم الا كما قيل سمن كلبك يأكلك اما والله لئن رجعنا من هذا السفر الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل عنى بالأعز نفسه وبالأذل جانب المؤمنين فاسناد القول المذكور الى المنافقين لرضاهم به ثم قال لقوله ماذا فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو امسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم ولأوشكوا أن يتحولوا عنكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد فسمع بذلك زيد بن أرقم وهو حدث فقال أنت والله الذليل القليل المبغض في قومك ومحمد فى عز من الرحمن وقوة من المسلمين فقال
ابن أبى اسكت فانما كنت ألعب فأخبر زيد رسول الله بما قال ابن أبى فتغير وجه رسول الله فقال عمر رضى الله عنه دعنى يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال إذا ترغم انوفا كثيرة بيثرب يعنى المدينة ولعل تسميته لها بذلك ان كان بعد النهى لبيان الجواز قال عمر رضى الله عنه فان كرهت أن يقتله مهاجرى فائمر به أنصاريا فقال إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه وقال عليه السلام لابن أبى أنت صاحب الكلام الذي بلغني قال والله الذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيأ من ذلك وان زيدا لكاذب فقال الحاضرون شيخنا وكبيرنا لا تصدق عليه كلام غلام وعسى أن يكون قدوهم فروى ان رسول الله قال له لعلك غضبت عليه قال لا قال فلعله اخطأك سمعك قال لا قال فلعله شبه عليك قال لا فلما نزلت هذه الآية لحق رسول الله زيدا من خلفه فعرك اذنه وقال وفت اذنك يا غلام ان الله صدقك وكذب المنافقين ورد الله عليهم مقالتهم بقوله وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ اى ولله الغلبة والقوة ولمن أعزه من رسوله والمؤمنين لا لغيرهم كما ان المذلة والهوان للشيطان وذويه من المنافقين والكافرين. وعن بعض الصالحين وكان في هيئة رثة ألست على الإسلام وهو العز الذي لا ذل معه والغنى الذي لا فقر معه وعن الحسن بن على رضى الله عنهما ان رجلا قال له ان الناس يزعمون ان فيك تيها اى كبرا فقال ليس ذلك بتيه ولكنه عزة وتلا هذه الآية وقال بعض الكبار من كان في الدنيا عبدا محضا كان في الآخرة ملكا محضا ومن كان فى الدنيا يدعى الملك الشيء ولو من جوارحه نقص من ملكه في الآخرة بقدر ما ادعاه فى الدنيا فلا أعز في الآخرة ممن بلغ في الدنيا غاية الذل في جناب الحق ولا أذل في الآخرة ممن بلغ في الدنيا غاية العزة في نفسه ولو كان مصفوعا في الأسواق ولا أريد بعز الدنيا أن يكون من جهة الملوك فيها انما أريد أن يكون صفته في نفسه العزة وكذا القول في الذلة وقال الواسطي رحمه الله عزة الله أن لا يكون شيء الا بمشيئته وإرادته وعزة المرسلين انهم آمنون من زوال الايمان وغزة المؤمنين انهم آمنون من دوام العقوبة وقال عزة الله(9/538)
العظمة والقدرة وعزة الرسول النبوة والشفاعة وعزة المؤمنين التواضع والسخاء والعبودية دل عليه قوله عليه السلام أنا سيد ولد آدم ولا فخر اى لا افتخر بالسيادة بل افتخر بالعبودية وفيها عزتى إذ لا عزة الا في طاعة الله ولا ذل الا في معصية الله وقال بعضهم عزة الله قهره من دونه وعزة رسوله بظهور دينه على سائر الأديان كلها وعزة المؤمنين باستذلالهم اليهود والنصارى كما قال وأنتم الأعلون ان كنتم مؤمنين وقيل عزة الله الولاية لقوله تعالى هنا لك الولاية لله الحق وعزة رسوله الكفاية لقوله تعالى انا كفيناك المستهزئين وعزة المؤمنين الرفعة لقوله تعالى وأنتم الأعلون ان كنتم مؤمنين يقول الفقير أشار تعالى بالترتيب الى ان العزة له بالاصالة والدوام وصار الرسول عليه السلام مظهر اله في تلك الصفة ثم صار المؤمنون مظاهر له عليه السلام فيها فعزة الرسول بواسطة عزة الله وعزة المؤمنين بواسطة عزة الرسول سوآء أعاصروه عليه السلام أم أتوا بعده الى ساعة القيام وجميع العزة لله لان عزة الله له تعالى صفة وعزة الرسول وعزة المؤمنين لله فعلا ومنة وفضلا كما قال القشيري قدس سره العز الذي للرسول وللمؤمنين هو لله تعالى حلقا وملكا وعزه سبحانه له وصفا فاذا العزة كلها لله وهو الجمع بين قوله تعالى من كان يريد العزة فلله العزة جميعا وقوله ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ومن أدب من عرف انه تعالى هو العزيز أن لا يعتقد لمخلوق إجلالا ولهذا قال عليه السلام من تواضع لغنى لاجل غناه ذهب ثلثا دينه قال أبو على الدقاق رحمه الله انما قال ثلثا دينه لان التواضع يكون بثلاثة أشياء بلسانه وبدنه وقلبه فاذا تواضع له بلسانه وبدنه ولم يعتقد له العظمة بقلبه ذهب ثلثا دينه فان اعتقدها بقلبه ايضا ذهب كل دينه ولهذا قيل إذا عظم الرب
في القلب صغر الخلق في العين ومتى عرفت انه معز لم تطلب العز الا منه ولا يكون العز الا في طاعته قال ذو النون قدس سره لو أراد الخلق أن يثبتوا لأحد عزا فوق ما يثبته يسير طاعته لم يقدروا ولو أرادوا أن يثبتوا لاحد ذلة اكثر مما يثبته اليسير من ذلته ومخالفته لم يقدروا (حكى) عن بعضهم انه قال رأيت رجلا في الطواف وبين يديه خدم يطردون الناس ثم رأيته بعد ذلك على جسر بغداد يتكفف ويسأل فحدقت النظر اليه لأتعرفه هل هو ذلك الرجل اولا فقال لى مالك تطيل النظر الى فقلت انى أشبهك برجل رأيته في الطواف من شأنه كذا وكذا فقال انا ذاك انى تكبرت في موضع يتواضع فيه الناس فوضعنى في موضع يترفع فيه الناس وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ من فرط جهلهم وغرورهم فيهذون ما يهذون ولعل ختم الآية الاولى بلا يفقهون والثانية بلا يعلمون للتفنن المعتبر فى البلاغة مع ان في الاول بيان عدم كياستهم وفهمهم وفي الثاني بيان حماقتهم وجهلهم وفي برهان القرآن الاول متصل بقوله ولله خزآئن السموات والأرض وفيه غموض يحتاج الى فطنة والمنافق لا فطنة له والثاني متصل بقوله ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ان الله معز أوليائه ومذل أعدائه (روى) ان عبد الله ابن أبى لما أراد أن يدخل المدينة اعترضه ابنه عبد الله بن عبد الله بن ابى وكان مخلصا وسل سيفه ومنع أباه من الدخول(9/539)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)
وقال لئن لم تقر لله ولرسوله بالعز لأضربن عنقك فقال ويحك أفاعل أنت قال نعم فلما رأى منه الجد قال أشهدا ان العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فقال عليه السلام لابنه جزاك الله عن رسوله وعن المؤمنين خيرا ولما كان عليه السلام بقرب المدينة هاجت ريح شديدة كادت تدفن الراكب فقال عليه السلام مات اليوم منافق عظيم النفاق بالمدينة اى لاجل ذلك عصفت الريح فكان كما قال مات في ذلك اليوم زيد بن رفاعة وكان كهفا للمنافقين وكان من عظماء بنى قينقاع وكان ممن اسلم ظاهرا والى ذلك أشار الامام السيكى في تائيته بقوله
وقد عصفت ريح فأخير انها ... لموت عظيم في اليهود بطيبة
ولما دخلها ابن ابى لم يلبث الا أياما قلائل حتى اشتكى ومات واستغفر له رسول الله وألبسه قميصه فنزل لن يغفر الله لهم وروى انه مات بعد القفول من غزوة تبوك قال بعض الكبار ما أمر الله عباده بالرفق بالخلق والشفقة الا تأسيا به تعالى فيكونون مع الخلق كما كان الحق معهم فينصحونهم ويدلونهم على كل ما يؤدى الى سعادتهم وليس بيد العبد الا التبليغ قال تعالى ما على الرسول الا البلاغ فعلى العارف إيضاح هذا الطريق الموصل الى هذا المقام والإفصاح عن دسائسه وليس بيده إعطاء هذا المقام فان ذلك خاص بالله تعالى قال تعالى انك لا تهدى من أحببت فوظيفة الرسل والورثة من العلماء انما هو التبليغ بالبيان والإفصاح لا غير ذلك وجزاؤهم جزاء من أعطى ووهب والدال على الخير كفاعل الخير وفي التأويلات النجمية ولله العزة اى القوة لله الاسم الأعظم ولرسول القلب المظهر الأتم الأعم ولمؤمنى القوى الروحانية ولكن منافقى النفس والهوى وصفاتهما الظلمانية الكدرة لا يعلمون لاستهلاكهم فى الظلمة وانغماسهم في الغفلة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ايمانا صادقا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فى الصحاح لهيت عن الشيء بالكسر ألهى لهيا ولهيانا إذا سلوت وتركت ذكره وأضربت عنه وفي القاموس لها كدعا سلا وغفل وترك ذكره كتلهى وألهاه اى شغله ولهوت بالشيء بالفتح ألهو لهوا إذا لعبتيه والمعنى لا يشغلكم الاهتمام بتدبير أمورها والاعتناء بمصالحها والتمتع بها عن الاشتغال بذكره تعالى من الصلاة وسائر العبادات المذكرة للمعبود ففى ذكر الله مجاز اطلق المسبب وأريد السبب قال بعضهم الذكر بالقلب خوف الله وباللسان قراءة القرآن والتسبيح والتهليل والتمجيد والتكبير وتعلم علم الدين وتعليمه وغيرها وبالأبدان الصلاة وسائر الطاعات والمراد نههم عن التلهي بها اى عن ترك ذكر الله بسبب الاشتغال بها وتوجيه النهى إليها للمبالفة بالتجوز بالسبب عن المسبب كقوله تعالى فلا يكن في صدرك حرج وقد ثبت ان المحاز ابلغ وقال بعضهم هو كناية لان الانتقال من لا تلهكم الى معنى قولنا لا تلهوا انتقال من اللازم الى الملزوم وقد كان المنافقون بخلاء باموالهم ولذا قالوا لانتفقوا على من عند رسول الله ومتعززين بأولادهم وعشائرهم مشغولين بهم وباموالهم عن الله وطاعته وتعاون رسوله فنهى المؤمنون أن يكونوا مثلهم في ذلك وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ اى التلهي بالدنيا عن الدنيا والاشتغال بما سواه عنه ولو في اقل حين فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ اى الكاملون في الخسران حيث باعوا(9/540)
وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)
العظيم الباقي بالحقير الفاني (قال الكاشفى) مقتضاى ايمان آنست كه دوستى خداى تعالى غالب بود بر دوستى همه اشيا تا حدى كه اگر تمام نوال دنيا ومجموع نعم آخرت بر وى عرض كنند بنظر در هيچ كدام ننكرد
چشم دل از نعيم دو عالم به بسته ايم ... مقصود ماز دينى وعقبى تويى وبس
وفي الحديث ما طلعت الشمس الا بجنبيها ملكان يناديان ويسمعان الخلائق غير الثقلين يا ايها الناس هلموا الى ربكم ما قل وكفى خير مما كثر والهى وفي الآية اشارة الى كمل ارباب الايمان الحقيقي الشهودى يقول الله لهم لا تشغلكم رؤية أموال أعمالكم الصالحة من الصلاة والزكاة والحج والصوم ولا أولاد الأحوال التي هى نتيجة الأعمال من المشاهدات والمكاشفات والمواهب الروحانية والعطايا الربانية عن ذكر ذاته وصفاته وأسمائه وظهوره فى صورة الأعمال والأحوال ومن يفعل ذلك فانما يشغل بالخلق ويحتجب بالنعمة عن المنعم فاولئك هم الخاسرون خسروا رأس مال التجارة وما ربحوا الا الخسران وهو حجاب عن المشهود الحقيقي قال بعضهم في الآية بيان ان من لم يبلغ درجة التمكين في المعرفة لا يجوز له الدخول في الدنيا من الأهل والمال والولد فانها شواغل قلوب الذاكرين عن ذكر الله ومن كان مستقيما في المعرفة وقرب المذكور فذكره قائم بذكر الله إياه فيكون محفوظا من الخطرات المذمومة والشاغلات الحاجبة واما الضعفاء فلا يخرجون من بحر هموم الدنيا فاذا باشرت قلوبهم الحظوظ والشهوات لا يكون ذكرهم صافيا عن كدورات الخطرات وقال سهل قدس سره لا يشغلكم أموالكم ولا أولادكم عن أداء الفرائض في أول مواقيتها فان من شغله عن ذكر الله وخدمته عرض من عروض الدنيا فهو من الخاسرين وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ اى بعض ما أعطيناكم تفضلا من غير أن يكون حصوله من جهتكم ادخارا للآخرة يعنى حقوق واجب را إخراج نماييد فالمراد هو الانفاق الواجب نظرا الى ظاهر الأمر كما في الكشاف ولعل التعميم اولى وانسب بالمقام مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ بأن يشاهد دلائله ويعاين اماراته ومخايله وتقديم المفعول على الفاعل للاهتمام بما تقدم والتشويق الى ما تأخر ولم يقل من قبل ان يأتيكم الموت فتقولوا اشارة الى ان الموت يأتيهم واحدا بعد واحد حتى يحيط بالكل فَيَقُولَ عند تيقنه بحلوله رَبِّ اى آفريدگار من لَوْلا أَخَّرْتَنِي هلا أمهلتني فلولا للتحضيض وقيل لا زائدة للتأكيد ولو للتمنى بمعنى لو أخرتنى إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ اى أمد قصير وساعة اخرى قليلة وقال ابو الليث يا سيدى ردنى الى الدنيا وأبقني زمانا غير طويل وفي عين المعاني مثل ما أجلت لى فى الدنيا فَأَصَّدَّقَ تا تصدق كنم وزكاة ادا نمايم وهو بقطع الهمزة لانها للتكلم وهمزته مقطوعة وبتشديد الصاد لان أصله أتصدق من التصدق فأدغمت التاء في الصاد وبالنصب لانه مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء في جواب التمني في قوله لولا أخرتني وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ بالجزم عطفا على محل فأصدق كأنه قيل ان أخرتنى اصدق وأكن وفيه اشارة الى ان التصدق من اسباب الصلاح والطاعة كما ان تركه من اسباب(9/541)
وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)
الفساد والفسق والفرق بين التصدق والهدية ان التصدق للمحتاج بطريق الترحم والهدية للحبيب لاجل المودة ولذا كان عليه السلام يقبل الهدية لا الصدقة فرضا كانت او نفلا وعن ابن عباس رضى الله عنهما من كان له مال يجب فيه الزكاة فلم يزكه او مال يبلغه الى بيت الله فلم يحج يسأل عند الموت الرجعة فقال رجل اتق الله يا ابن عباس انما سألت الكفار الرجعة قال ابن عباس رضى الله عنهما انى اقرأ عليك هذا القرآن فقال يا أيها الذين آمنوا الى قوله فأصدق وأكن من الصالحين فقال الرجل يا ابن عباس وما يوجب الزكاة قال مائتا درهم فصاعدا قال فما يوجب الحج قال الزاد والراحلة فالآية في المؤمنين واهل القبلة لكن لا تخلو عن تعريض بالكفار وان تمنى الرجوع الى الدنيا لا يختص بالكفار بل كل قاصر مفرط يتمنى ذلك قال بعض العلماء في الآية دلالة على وجوب تعجيل الزكاة لان إتيان الموت محتمل في كل ساعة وكذا غيرها من الطاعات إذا جاء وقتها لعل الاولى استحبابه فى اغلب الأوقات ولذا اختار بعض المجتهدين أول الوقت عملا بقوله عليه السلام أول الوقت رضوان الله اى لان فيه المسارعة الى رضى الله والاهتمام بالعمل إذ لا يدرى المرء أن يدرك آخر الوقت وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً اى ولن يمهلها مطيعة وعاصية صغيرة او كبيرة إِذا جاءَ أَجَلُها اى آخر عمرها او انتهى ان أريد بالأجل الزمان الممتد من أول العمر الى آخره يعنى چون عمر بآخر رسيد چيزى بران نيفزايند واز ان كم نكنند (قال الشيخ سعدى)
كه يك لحظه صورت نه بندد أمان ... چو پيمانه پر شد بدور زمان
واستنبط بعضهم عمر النبي عليه السلام من هذه الآية فالسورة رأس ثلاث وستين سورة وعقبها بالتغابن ليظهر التغابن في فقده قال بعضهم الموت على قسمين اضطراري وهو المشهور فى العموم والعرف وهو الاجل المسمى الذي قيل فيه إذا جاء اجهلهم لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون والموت الآخر موت اختياري وهو موت في الحياة الدنيا وهو الاجل المقضى في قوله ثم قضى أجلا ولا يصح للانسان هذا الموت في حياته الا إذا وحد الله تعالى توحيد الموتى الذين انكشفت لهم الأغطية وان كان ذلك الكشف في ذلك الوقت لا يعطى سعادة الا لمن كان من العامة عالما بذلك فاذا انكشف الغطاء يرى ما علم عينا فهو سعيد فصاحب هذا التوحيد ميت لا ميت كالمقتول في سبيل الله نقله الله الى البرزخ لا عن موت فالشهيد مقتول لا ميت وكذلك هذا المعتنى به لما قتل نفسه في الجهاد الأكبر الذي هو جهاد النفس رزقه الله تعالى حكم الشهادة فولاه النيابة في البرزخ في حياته الدنيا فموته معنوى وقتله مخالفة نفسه وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ فمجازيكم عليه ان خيرا فخير وان شرا فشر فسارعوا في الخيرات واستعدوا لما هو آت القاشاني قضية الايمان غلبة حب الله على محبة كل شيء فلا تكن محبتهم ومحبة الدنيا من شدة التعلق بهم وبالأموال غالبة في قلوبكم على محبة الله فتحجبون بهم عنه فتصيرون الى النار فتخسرون نور الاستعداد الفطري باضاعته فيما يفنى سريعا وتجردوا عن الأموال بانفاقها وقت الصحة والاحتياج إليها لتكون(9/542)
فضيلة في نفسكم وهيئة نورية لها فان الانفاق انما ينفع إذا كان عن ملكة السخاء وهيئة التجرد في النفس فاما عند حضور الموت فالمال للوارث لا له فلا ينفعه إنفاقه وليس له الا التحسر والندم وتمنى التأخير في الأجل بالجهل فانه لو كان صادقا في دعوى الايمان وموقنا بالآخرة لتيقن ان الموت ضرورى وانه مقدر في وقت معين قدره الله فيه بحكمته فلا يمكن تأخره ولتدارك امره قبل حلول المنية فانه لا يدرى المرء كيف تكون العاقبة ولذا قيل لا تغتر بلباس الناس فان العاقبة مبهمة
مسكين دل من كر چهـ فراوان داند ... در دانش عاقبت فرو مى ماند
وفي الحديث (لأن يتصدق المرء في حياته بدرهم خير من أن يتصدق بمائة عند موته) وقال عليه السلام (الذي يتصدق عنه موته او يعتق كالذى يهدى إذا شبع) وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رجل يا رسول الله اى الصدقة أعظم أجرا قال ان تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تهمل حتى إذا بلعت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان يعنى
إهمال نكنى تا آن زمان كه جان بحلقوم رسد كويى فلان را اين وفلانرا اين باشد وخود از ان فلان شود به مرك تو (روى) الامام الغزالي رحمه الله عن عبد الله المزني انه قال جمع رجل من بنى إسرائيل مالا كثيرا فلما أشرف على الموت قال لبنيه ائتوني بأصناف أموالى فأتى بشيء كثير من الخيل والإبل والدقيق وغيره فلما نظر إليها بكى عليها تحسرا فرأه ملك الموت وهو يبكى فقال ما يبكيك فو الذي خولك ما خولك ما أنا بخارج من منزلك حتى أفرق بين روحك وبدنك قال فالمهلة حتى أفرقها قال هيهات انقطع عنك المهلة فهلا كان ذلك قبل حضور أجلك فقبض روحه قال السلطان ولد قدس سره
بگذار جهان را كه جهان آن تو نيست ... وين دم كه همى زنى بفرمان تو نيست
كر مال جهان جمع كنى شاد مشو ... ور تكيه بجان كنى جان آن تو نيست
وفي الآية اشارة الى انفاق الوجود المجازى الخلقي بالارادة الروحانية لنيل الوجود الحقيقي من غير أن يأتى الموت الطبيعي بلا ارادة فيموت ميتة جاهلية من أغير حياة أبدية لان النفس لم تزل جاهلة غير عارفة بربها ولا شك ان الحياة الطبيعية انما هى في معرفة الله وهى لا تحصل الا بموت النفس والطبيعة وحياة القلب والروح فمن لم يكن على فائدة من هذا الموت الإرادي بتمني الرجوع الى الدنيا عند الموت الطبيعي لتصدق الوجود المجازى بالارادة والرغبة والكون من الصالحين لقبول الوجود الحقيقي وكل من كان مستعدا لبذل الوجود الإضافي لقبول الوجود الاطلاقى وجاء زمانه باستيفائه احكام الشريعة الزهراء واستقصائه آداب الطريقة البيضاء لا يمكن له الوقفة على الحجاب والاحتجاب كما إذا جاء زمان نفخ الروح في الجنين باستكمال المدة يشتعل بنور الروح البتة اللهم الا ان تعرض آفة تمنعه عن ذلك والله خبير بما تعملون من بذل الوجود الامكانى ونيل الوجود الواجبى الحقانى كما قال تعالى إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة جعلنا الله وإياكم من الباذلين(9/543)
وجوده والمستفيضين منه تعالى فضله وجوده وأن يختم لنا بالخير بان يوفقنا للاعراض عن الغير تمت سورة المنافقين بعون الله المعين في أوائل شهر ربيع الاول من شهور سنة ست عشرة ومائة والف تمت الجلد التاسع ويليه الجلد العاشر ان شاء الله تعالى اوله سورة التغابن(9/544)
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4)
الجزء العاشر
من تفسير روح البيان
تفسير سورة التغابن
مختلف فى كونها مكية او مدنية وآيها ثمان عشرة بسم الله الرحمن الرحيم
يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ من الروحانيات وَما فِي الْأَرْضِ من الجسمانيات اى ينزهه سبحانه جميع ما فيهما من المخلوقات عما لا يليق بجناب كبريائه تنزيها مستمرا والمراد اما تسبيح الاشارة الذي هو الدلالة فتعم ما كل حى وجماد أو تسبيح العبارة الذي هو أن يقول سبحان الله فتعمهما ايضا عند اهل الله وعن بعضهم سمعت تسبيح الحيتان فى البحر المحيط يقلن سبحان الملك القدوس رب الأقوات والأرزاق والحيوانات والنباتات ولولا حياة كل شىء من رطب ويابس ما اخبر عليه السلام انه يشهد للمؤذن وكم بين الله ورسوله مما جميع المخلوقات عليه من العلم بالله والطاعة له والقيام بحقه فآمن بعضهم وصدق وقبل ما اضافه الله الى نفسه وما أضاف اليه رسوله وتوقف بعضهم فلم يؤمنوا ولم يسمعوا وتأولوا الأمر بخلاف ما هو عليه وقصدهم بذلك أن يكونوا من المؤمنين وهم فى الحقيقة من المكذبين لترجيحهم حسهم على الايمان بما عرفه لهم ربهم لما لم يشاهدوا ذلك مشاهدة عين وعن بعض العارفين فى الاية اى يسبح وجودك بغير اختيارك وأنت غافل عن تسبيح وجودك له وذلك ان وجودك قائم فى كل لمحة بوجوده يحتاج الى الكينونة بتكوينه إياه ابن قلبك ولسانك إذا اشتغل بذكر غيرنا وفى الحقيقة لم يتحرك الوجود الا بأمره ومشيئته وتلك الحركة اجابة داعى القدم فى جميع مراده وذلك محض التقديس ولكن لا يعرفه الا العارف بالوحدانية لَهُ الْمُلْكُ الدائم الذي لا يزول وهو كمال القدرة ونفاذ التصرف وبالفارسية مرور است پادشاهى كه ارض وسما وما بينهما بيافريد وَلَهُ الْحَمْدُ(10/2)
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2)
اى حمد الحامدين وهو الثناء بذكر الأوصاف الجميلة والافعال الجزيلة وتقديم الجار والمجرور للدلالة على تأكيد الاختصاص وازاحة الشبهة بالكلية فان اللام مشعر بأصل الاختصاص قدم او أخر أى له الملك وله الحمد لا لغيره إذ هو المبدئ لكل شىء وهو القائم به والمهيمن عليه المتصرف فيه كيف يشاء وهو المولى لاصول النعم وفروعها ولولا انه أنعم بها على عباده لما قدر أحد على ادنى شىء فالمؤمنون يحمدونه على نعمه وله الحمد فى الاولى والآخرة واما ملك غيره فاسترعاء من جنابه وتسليط منه وحمد غيره اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده فللبشر ملك وحمد من حيث الصورة لا من حيث الحقيقة
با غير او اضافت شاهى بود چنان ... بر يك دو چوب پاره ز شطرنج نام شاه
وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لان نسبة ذاته المقتضية للقدرة الى الكل سوآء فهو القادر على الإيجاد والاعدام والأسقام والإبراء والإعزاز والاذلال والتبييض والتسويد ونحو ذلك من الأمور الغير المتناهية قال بعضهم قدرة الله تصلح للخلق وقدرة العبد تصلح للكسب فالعبد لا يوصف بالقدرة على الخلق والحق لا يوصف بالقدرة على الكسب فمن عرف انه تعالى قادر خشى من سطوات عقوبته عند مخالفته وامل لطائف نعمته ورحمته عند سؤال حاجته لا بوسيلة طاعته بل بكرمه ومنته وفى التأويلات النجمية ينزه ذاته المسبحة المقدسة عن الأمثال والاضداد والاشكال والانداد ما فى السموات القوى الروحانية وما فى ارض القوى الجسمانية له ملك الوجود المطلق وله الحمد على نعمة ظهوره فى الوجود المقيد وهويته المطلقة قادرة على ظهورها بالإطلاق والتقييد وهى فى عينها منزهة عنهما وهما نسبتان اعتباريتان هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ خلقا بديعا حاويا لجميع مبادى الكمالات العلمية والعملية ومع ذلك فَمِنْكُمْ كافِرٌ اى فبعضكم او فبعض منكم مختار للكفر كاسب له حسبما تقتضيه خلقته ويندرج فيه المنافق لانه كافر مضمر وكان الواجب عليكم جميعا ان تكونوا مختارين للايمان شاكرين لنعمة الخلق والإيجاد وما يتفرع عليها من سائر النعم فما فعلتم ذلك مع تمام تمكنهم منه بل تشعبتم شعبا وتفرقتم فرقا قال فى فتح الرحمن الكفر فعل الكافر والايمان فعل المؤمن والكفر والايمان اكتساب العبد لقول النبي عليه السلام كل مولود يولد على الفطرة وقوله فطرة الله التي فطر الناس عليها فلكل واحد من الفريقين كسب واختيار وكسبه واختياره بتقدير الله ومشيئته فالمؤمن بعد خلق الله إياه يختار الايمان لان الله تعالى أراد ذلك منه وقدره عليه وعلمه منه والكافر بعد خلق الله إياه يختار الكفر لان الله تعالى قدر عليه ذلك وعلمه منه وهذا طريق اهل السنة انتهى وفى الآية رد للدهرية والطبيعية فانهم ينكرون خالقية الله تعالى والخالق هو المخترع للاعيان المبدع لها (حكى) ان سنيا ناظر معتزليا فى مسألة القدر فقطف المعتزلي تفاحة من شجرة وقال للسنى أليس انا الذي قطفت هذه فقال له السنى ان كنت الذي قطفتها فردها على ما كانت عليه فأفحم المعتزلي وانقطع وانما ألزمه بذلك لان القدرة التي يحصل بها الإيجاد لا بد أن تكون صالحة للضدين فلو كان تفريق الاجزاء بقدرته لكان فى قدرته وصلها ومن أدب من(10/3)
عرف انه سبحانه هو المنفرد بالخلق والإيجاد أن لا يجحد كسب العبد ولا يطوى بساط الشرع فى الابتلاء بالأمر والنهى ولا يعتقدان للعبد على الله حجة بسبب ذلك (حكى) ان بعض الأكابر تعجب من تجاسر الملائكة فى قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها ثم قال ما عليهم شىء هو أنطقهم فبلغ قوله يحيى بن معاذ الرازي رضى الله عنه فقال صدق هو أنطقهم ولكن انظر كيف أفحمهم بين بذلك ان مجرد الخلق من جهة الحق لا يكون عذرا للعبيد فى سقوط اللوم عنهم وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ مختار للايمان كاسب له ويندرج فيه مرتكب الكبيرة الغير التائب والمبتدع الذي لا تفضى بدعته الى الكفر وتقديم الكفر عليه لانه الأنسب بمقام التوبيخ والأغلب فيما بينهم ولذا يقول الله فى يوم الموقف يا آدم أخرج بعث النار يعنى ميز أهلها المبعوث إليها قال وما بعث النار اى عدده قال الله من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون وفى التنزيل ولكن اكثر الناس لا يؤمنون وقليل من عبادى
الشكور والايمان أعظم شعب الشكر (روى) ان عمر رضى الله عنه سمع رجلا يقول اللهم اجعلنى من القليل فقال له عمر ما هذا الدعاء فقال الرجل انى سمعت الله يقول وقليل من عبادى الشكور فانما ادعو أن يجعلنى من ذلك القليل فقال عمر كل الناس اعلم من عمر. يقول الفقير هذا القول من عمر من قبيل كسر النفس واستقصار العلم والمعرفة واستقلالهما على ما هو عادة الكمل فلا ينافى كماله فى الدين والمعرفة حتى يكون ذلك سببا لجرحه فى باب الخلافة كما استدل به الطوسي الخبيث على ذلك فى كتاب التجريد له وفى الحديث (الا ان بنى آدم خلقوا على طبقات شتى فمنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت مؤمنا ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت كافرا ومنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت كافرا ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت مؤمنا) ومن هنا قال بعضهم قوم طلبوه فخذلهم وقوم هربوا منه فأدركهم. ابراهيم خواص قدس سره گفت در باديه وقتى بتجريد مى رفتم پيرى را ديدم در كوشه نشسته وكلاهى بر سر نهاده وبزارى وخوارى مى گريست گفتم يا هذا تو كيستى گفت من ابو مره ام گفتم چرا مى گريى گفت كيست بگريستن سزاوارتر از من چهل هزار سال بدان دركاه خدمت كرده ام ودر أفق أعلى از من مقدم تر كس نبودا كنون تقدير الهى وحكم غيبى نكر كه مرا بچهـ روز آورد آنكه كفت اى خواص نكر تا بدين جهد وطاعت خويش غره نباشى كه بعنايت واختيار اوست نه بجهد وطاعت بنده بمن يك فرمان آمد كه آدم را سجده كن نكردم وآدم را فرمان آمد كه از آن درخت مخور خورد ودر كار آدم عنايت بود عذرش بنهادند وزلت او در حساب نياوردند ودر كار من عنايت نيود طاعت ديرينه من زلت شمردند
من لم يكن للوصال أهلا ... فكل إحسانه ذنوب
ومن هنا يعرف سر قول الشيخ سعدى
هر كه در سايه عنايت اوست ... كنهش طاعتست ودشمن دوست
وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ مطلقا بَصِيرٌ فيجازيكم بذلك فاختاروا منه ما يجديكم من الايمان(10/4)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)
والطاعة وإياكم وما يرديكم من الكفر والعصيان قال القاسم رحمه الله خاطبهم مخاطبة حال كونهم ذرا فسماهم كافرين ومؤمنين فى أزله وأظهرهم حين أظهرهم على ما سماهم وقدر عليهم فأخبر بأنه علم ما يعملونه من خير وشر. واعلم ان الله تعالى يعلم لكنه يحلم ويقدر لكنه يغفر الا ان من أقصته السوابق لم تدنه الوسائل ومن أقعده جده لم ينفعه كده قيل ان بعض الأكابر بلغه أن يهوديا أوصى أن يحمل من بلده إذا مات ويدفن فى بيت المقدس فقال أيكابر الأزل أما علم انه لو دفن فى فراديس العلى لجاءت جهنم بأنكالها وحملته الى نفسها والناس على اربعة اقسام اصحاب السوابق وهم الذين تكون فكرتهم ابدا فيما سبق لهم من الله لعلمهم ان الحكم الأزلي لا يتغير باكتساب العبيد واصحاب العواقب وهم الذين يكفرون ابدا فيما يختم به أمرهم فان الأمور بخواتمها والعاقبة مستورة ولهذا قيل لا يغرنكم صفاء الأوقات فان تحتها غوامض الآفات واصحاب الوقت وهم الذين لا يتفكرون فى السوابق ولا فى اللواحق اى العواقب بل يشتغلون بمراعاة الوقت وأداء ما كلفوا من احكام ولهذا قيل العارف ابن وقته وقيل الصوفي من لا ماضى له ولا مستقبل (وفى المثنوى)
صوفى ابن الوقت باشد اى رفيق ... نيست فردا كفتن از شرط طريق
والقسم الرابع هم الذين غلب عليهم ذكر الحق فهم مشغولون بشهود الموقت عن مراعاة الوقت وفى الآية اشارة الى هويته المطلقة عن النسب والإضافات خلقكم اى تجلى لتعيناتكم الجنسية والنوعية والشخصية من غير تقييد وانحصار فمنكم اى فمن بعض هذه التعينات كافر يستر الحق المطلق بالخلق المقيد ويقول بالتفرقة دفعا لطعن الطاعن ومن بعض هذه التعينات مؤمن يؤمن بظهور الحق فى الخلق ويستر الخلق بالحق ويقول بالجمعية تأنيسا للمكاشفين بالحقائق والله بما تعملون بصير من ستر الحق بالخلق دفعا للطاعن ومن ستر الخلق بالحق تأنيسا للطالب الواجد خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ اى بالحكمة البالغة المتضمنة للمصالح الدينية والدنيوية والمراد السموات السبع والأرضون السبع كما يدل عليه التصريح فى بعض المواضع قال تعالى خلق سبع سموات طباقا وقال تعالى الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن فان قلت ما وجه عدم ذكر العرش والكرسي فى أمثال هذه المواضع مع عظم خلقهما قلت انهما وان كانا من السماء لان السماء هو الفلك والفلك جسم شفاف محيط بالعالم وهما أوسع الافلاك احاطة الا ان آثارهما غير ظاهرة مكشوفة بخلاف السموات والأرض وما بينهما فانها أقرب الى المخاطبين المكلفين ومعلوم حالها عندهم ومكشوفة آثارها ومنفعتها ولهذا قالوا ان الشمس تنضج الفواكه والقمر يلونها والكواكب تعطيها الطعم الى غير ذلك مما لا يتناهى على ان التغيرات فيها اظهر فهى على عظم القدرة أدل وقد قال تعالى كل يوم هو فى شأن واكثر هذه الشؤون فى عالم الكون والفساد الذي هو عبارة عن السموات والأرض إذ هما من العنصريات بخلاف العرش والكرسي فانهما من الطبيعيات ولهذا لا يفنيان وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ الفاء للتفسير اى صوركم احسن تصوير وخلقكم فى أحسن(10/5)
تقويم وأودع فيكم من القوى والمشاعر الظاهرة والباطنة ما نيط بها جميع الكمالات البارزة والكامنة وزينكم بصفوة صفات مصنوعاته وخصكم بخلاصة خصائص مبدعاته وجعلكم أنموذج جميع مخلوقاته فى هذه النشأة فلكم جمال الصورة وأحسن الاشكال ولذا لا يتمنى الإنسان أن يكون صورته على خلاف ما هو عليه لكون صورته أحسن من سائر الصور ومن حسن صورته امتداد قامته وانتصاب خلقته واعتدال وجوده ولا يقدح فى حسنه كون بعض الصور قبيحا بالنسبة الى بعض لان الحسن وهو الجمال فى الخلق والخلق على مراتب كما قالت الحكماء شيئان لا غاية لهما الجمال والبيان ولكم ايضا جمال المعنى وكمال الخصال
بدرون تست مصرى كه تويى شكر ستانش ... چهـ غمست اگر ز بيرون مدد شكر ندارى
شده غلام صورت بمثال بت پرستان ... تو چويوسفى وليكن سوى خود نظر ندارى
بخدا جمال خود را چودر آينه ببينى ... بت خويش هم تو باشى بكسى كذر ندارى
والمعتد به هو الحسن المعنوي لان الله خلق آدم على صورته اى على الصورة الالهية التي هى عبارة عن صفاته العليا وأسمائه الحسنى والا فالحسن الصوري يوجد فى الكافر أيضا
ره راست بايد نه بالاى راست ... كه كافرهم از روى صورت چوماست
نعم قد يوجد سيرة حسنة وخلق حميد فى الكافر كعدل انوشروان مثلا لكن المعتد به ما يكون مقارنا بالايمان الذي هو احسن السير قال بعض الكبار كل من كان فيه صفة العدل فهو ملك وان كان الحق تعالى ما استخلفه بالخطاب الإلهي فان من الخلفاء من أخذ المرتبة بنفسه من غير عهد الهى اليه بها وقام بالعدل فى الرعايا استنادا الى الحق كما قال عليه السلام ولدت فى زمن الملك العادل يعنى كسرى فسماه ملكا ووصفه بالعدل ومعلوم ان كسرى فى ذلك العدل على غير شرع منزل لكنه نائب للحق من ورلء الحجاب وخرج بقولنا وقام بالعدل فى الرعايا من لم يقم بالعدل كفرعون وأمثاله من المنازعين لحدود الله والمغالبين لجنابه بمغالبة رسله فان هؤلاء ليسوا بخلفاء الله تعالى كالرسل ولا نوابا له كالملوك العادلة بل هم اخوان الشياطين قال الحسين رحمه الله أحسن الصور صورة اعتقت من ذل كن وتولى الحق تصويرها بيده ونفخ فيها من روحه وألبسها شواهد البعث وحلاها بالتعليم شفاها وأسجد لها الملائكة المقربين وأسكنها فى جواره وزين باطنها بالمعرفة وظاهرها بفنون الخدمة والجمع فى قوله فاحسن صوركم باعتبار الأنواع لان صورة الرومي ليست كصورة الهندي الى غير ذلك والافراد وهو ظاهر وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ اى والى الله الرجوع فى النشأة الاخرى لا الى غيره استقلالا او اشتراكا فأحسنوا سرآئركم باستعمال تلك القوى والمشاعر فيما خلقن له حتى يجازيكم بالانعام لا بالانتقام فكم من صورة حسناء تكون فى العقبى شوهاء بقبح السريرة والسيرة وكم من صورة قبيحة تكون حسناء بحسنهما
چهـ غم ز منقصت صورت اهل معنى را ... چوجان ز روم بود كوثن از جنس مى باش
وقد ثبت ان ضرس الكافر يوم القيامة مثل جبل أحد وان غلظ جسده مسافة ثلاثة ايام وانه يسوء خلقه فتغلظ شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخى شفته السفلى حتى(10/6)
يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4)
تضرب سرته وان اهل الجنة ضوء وجوههم كضوء القمر ليلة البدر او على أحسن كوكب درى فى السماء وهم جرد مرد مكحلون أبناء ثلاث وثلاثين فطوبى لاهل اللطافة وويل لاهل الكثافة. اعلم ان الله تعالى خلق سموات الكليات وارض الجزئيات بمظهرية الحق وظهوره فيهما بحسب استعداد الكل لا بحسبه وتجلى فى مظاهر صور الإنسان بحسبه اى بجميع الأسماء والصفات ولذا قال تعالى فأحسن صوركم اى جعل صوركم احدية جمع جميع المظهريات الجامعة لجميع المظاهر السماوية العلوية والارضية السفلية كما قال عليه السلام ان الله خلق آدم على صورته يعنى أورد الاسم الجامع فى عنوان الخلق اشارة الى تلك الجمعية فكان مصير الإنسان الى الهوية الجامعة لجميع الهويات لكن حصل التفاوت بين افراده بحسب التجلي والاستتار والفعل والقوة فليس لاهل الحجاب أن يدعى كمالات اهل الكشف للتفاوت المذكور فيا عجبا من انسان خفى عليه ما دفن فى ارض وجوده من كنز الهى غيبى من نال اليه لم يفتقر ابدا وكيف قنع بقشر مع إمكان تحصيل اللب وكيف اقام فى الحضيض مع سهولة العروج الى الأوج
چهـ شكرهاست درين شهر كه قانع شده اند ... شاهبازان طريقت بمقام مگسى
يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من الأمور الكلية والجزئية والأحوال الجلية والخفية وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ اى ما تسرونه فيما بينكم وما تظهرونه من الأمور والتصريح به مع اندراجه فيما قبله لانه الذي يدور عليه الجزاء ففيه تأكيد للوعد والوعيد وتشديد لهما قال فى برهان القرآن انما كرر ما فى أول السورة لاختلاف تسبيح اهل الأرض واهل السماء فى الكثرة والقلة والبعد والقرب من المعصية والطاعة وكذلك اختلاف ما تسرون وما تعلنون فانهما ضدان ولم يكرر ما فى السموات والأرض لان الكل بالاضافة الى علم الله جنس واحد لا يخفى عليه شىء وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ اى هو محيط بجميع المضمرات المستكنة فى صدور الناس بحيث لا تفارقها أصلا فكيف يخفى عليه ما يسرونه وما يعلنونه وبالفارسية وخداى تعالى داناست بآنچهـ در سينهاست از خواطر وأفكار وانما قيل لها ذات الصدور وصاحبتها لملابستها لها وكونها مخزونة فيها ففى الآية ترق من الأظهر الى الأخفى لانه عالم بما فى السموات وما فى الأرض وبما يصدر من بنى آدم سرا وعلنا وبما لم يصدر بعد بل هو مكنون فى الصدور واظهار الجلالة للاشعار بعلية الحكم وتأكيد استقلال الجملة قبل وتقديم القدرة على العلم لان دلالة المخلوقات على قدرته بالذات وعلى علمه بما فيها من الاتفاق والاختصاص تبعض الجهات الظاهرة مثل كون السماء فى العلو والأرض فى السفل او الباطنة مثل أن يكون السماء متحركة والأرض ساكنة الى غير ذلك فان للمتكلمين مسلكين فى اثبات العلم الاول ان فعله تعالى متقن اى محكم خال عن وجوه الخلل ومشتمل على حكم ومصالح متكثرة وكل من فعله متقن فهو عالم والثاني انه فاعل بالقصد والاختيار لتخصيص بعض الممكنات ببعض الانحاء ولا يتصور ذلك إلا مع العلم وفى قوله ما تسرون اشارة الى علماء الظاهر من الحكماء والمتكلمين والى علومهم الفكرية(10/7)
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5) ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6) زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10)
النظرية وما يسرون فيها من عقائدهم الفاسدة ومقاصدهم الكاسدة وفى قوله وما تعلنون اشارة الى علماء الباطن من المشايخ والصوفية والى معارفهم ومواجيدهم الذوقية الكشفية وما يظهرون منها من الكرامات وخوارق العادات والله عليم بصدور عمل كل واحد من صدور قلوبهم بحسب الرياء والإخلاص والحق والباطل أَلَمْ يَأْتِكُمْ أيها الكفرة والالف للاستفهام ولم للجحد ومعناه التحقيق نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا اى خبر قوم نوح ومن بعدهم من الأمم المصرة على الكفر مِنْ قَبْلُ اى قبلكم فيكون متعلقا بكفروا او قبل هذا الوقت او هذا العصيان والمعاداة فيكون ظرفا لألم يأتكم فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ عطف على كفروا والذوق وان كان فى التعارف للقليل لكنه مستصلح للكثير والوبال الثقل والشدة المترتبة على امر من الأمور والوبل والوابل المطر الثقيل القطار مقابل الطل وهو المطر الخفيف وأمرهم كفرهم فهو واحد الأمور عبر عنه بذلك للايذان بأنه امر هائل وجناية عظيمة والمعنى فذاقوا فى الدنيا من غير مهلة ما يستتبعه كفرهم من الضرر والعقوبة وأحسوه احساس الذائق المعطوم يعنى پس چشيدن كران بارئ خود ودشوارئ سر انجام خويش وضرر كفر وعقوبت او در دنيا بغرق وريح صرصر وعذاب يوم الظلة وأمثال آن. وفى إيراد الذوق رمز الى ان ذلك المذوق العاجل شىء حقير بالنسبة الى ما سيرون من العذاب الآجل ولذلك قال تعالى وَلَهُمْ فى الآخرة عَذابٌ أَلِيمٌ اى مؤلم لا يقادر قدره وفيه اخبار بأن ما أصابهم فى الدنيا لم يكن كفارة لذنوبهم والا لم يعذبوا فى الآخرة بخلاف المؤمنين فان ما أصابهم فى الدنيا من الآلام والأوجاع والمصائب كفارة لذنوبهم على ما ورد فى الاخبار الصحيحة ذلِكَ اى ما ذكر من العذاب الذي زاقوه فى الدنيا وما سيذوقونه فى الآخرة بِأَنَّهُ اى بسبب ان الشان كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ اى بالمعجزات الظاهرة والباء اما للملابسة او للتعدية فَقالُوا عطف على كانت أَبَشَرٌ آيا آدميان مثل ما يَهْدُونَنا راه نمايند ما را. اى قال كل قوم من المذكورين فى حق رسولهم الذي أتاهم بالمعجزات منكرين لكون الرسول من جنس البشر متعجبين من ذلك ابشر وآدمي مثلنا يهدينا ويرشدنا الى الدين او الى الله والتقرب منه كما قالت ثمود ابشرا منا واحدا نتبعه أنكروا أن يكون الرسول بشرا ولم ينكروا أن يكون المعبود حجرا وقد أجمل فى الحكاية فأسند القول الى جميع الأقوام وأريد بالبشر الجنس فوصف بالجمع كما أجمل الخطاب والأمر فى قوله تعالى يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا وارتفاع بشر على انه فاعل فعل مضمر يفسره ما بعده فيكون من باب الاشتغال وهو اولى من جعله مبتدأ وما بعده خبرا لان اداة الاستفهام تطلب الفعل ظاهرا او مضمرا قال القاشاني لما حجبوا بصفات نفوسهم عن النور الذي هو به يفضل عليهم بما لا يقاس ولم يجدوا منه الا البشرية أنكروا هدايته فان كان كل عارف لا يعرف معروفه الا بالمعنى الذي فيه فلا يوجد النور الكمالي الا بالنور الفطري ولا يعرف الكمال الا الكامل ولهذا قيل لا يعرف الله غير الله وكل طالب وجد مطلوبه بوجه ما(10/8)
زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)
والا لما امكنه التوجه نحوه وكذا كل مصدق بشئ فانه واجد للمعنى المصدق به بما فى نفسه من ذلك المعنى فلما لم يكن فيهم شىء من النور الفطري أصلا لم يعرفوا منه الكمال فأنكروه ولم يعرفوا من الحق شيأ ولم يحدث فيهم طلب حتى يحتاجوا الى الهداية فأنكروا الهداية وقال بعض العارفين معرفة مقام الأولياء أصعب من الممكن من معرفة الله تعالى لان الله تعالى معروف بكماله وجماله وجلاله وقهره بخلاف الولي الكامل فانه ملآن من شهود الضعف يأكل ويشرب ويبول مثل غيره من الخلق ولا كرامة له تظهر الا بأن يناجى ربه وانى للخلق معرفة مقامه وو الله لو كشف للخلق عن حقيقة الولي لعبد كما عبد عيسى عليه السلام ولو كشف لهم عن مشرقات نوره لانطوى نور الشمس والقمر من مشرقات نور قلبه ولكن فى ستر الحق تعالى لمقام الولي حكم واسرار وأدنى ما فى الستر أن لا يتعرض أحد لمحاربة الله تعالى إذا آذاهم بعد أن عرفهم انهم اولياء الله فكان ستر مقامهم عن الخلق رحمة بالخلق وفتحا لباب اعتذار من آذاهم من غالب الخلق فان الأذى لم يزل من الخلق لهم فى كل عصر لجهلهم بمقامهم فَكَفَرُوا اى بالرسل بسبب هذا القول لانهم قالوه استصغارا لهم ولم يعلموا الحكمة فى اختيار كون الرسل بشرا وَتَوَلَّوْا عن التدبير فيما أتوا به من البينات وعن الايمان بهم وَاسْتَغْنَى اللَّهُ اى اظهر استغناءه عن ايمانهم وطاعتهم حيث اهلكهم وقطع دابرهم ولولا غناه تعالى عنهما لما فعل ذلك وقال سعدى المفتى هو حال بتقدير قد وهو بمعنى غنى الثلاثي والمراد كمال الغنى إذ الطلب يلزمه الكمال وَاللَّهُ غَنِيٌّ عن العالمين فضلا عن ايمانهم وطاعتهم حَمِيدٌ يحمده كل مخلوق بلسان الحال ويدل على اتصافه بالصفات الكمالية او يحمده أولياؤه وان امتنع أعداؤه والحمد هو ذكر أوصاف الكمال من حيث هو كمال ومن عرف انه الحميد فى ذاته وصفاته وأفعاله شغله ذكره والثناء عليه فان العبد وان كثرت محامده من عقائده وأخلاقه وأفعاله وأقواله فلا يخلو عن مذمة ونقص الا النبي عليه السلام فانه محمد واحمد ومحمود من كل وجه وله المحمدة والكمال وفى الأربعين الادريسية يا حميد الفعال ذا المن على جميع خلقه بلطفه قال السهروردي رحمه الله من داومه يحصل له من الأموال ما لا يمكن ضبطه زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا الزعم ادعاء العلم فمعنى أزعم زيدا قائما أقول انه كذا ففى تصدير الجملة بقوله أزعم اشعار بأنه لا سند للحكم سوى ادعائه إياه وقوله به ويتعدى الى مفعولين تعدى العلم وقد قام مقامهما ان المخففة مع ما فى حيزها فأن مخففة لا ناصبة لئلا يدخل ناصب على مثله والمراد بالموصول كفار مكة اى زعموا وادعوا ان الشان لن يبعثوا بعد موتهم ابدا ولن يقاموا ويخرجوا من قبورهم وعن شريح رضى الله عنه لكل شىء كنية وكنية الكذب زعموا قال بعض المخضرمين لابنه هب لى من كلامك كلمتين زعم وسوف انتهى ويكره للرجل أن يكثر لفظ الزعم وأمثاله فانه تحديث بكل ما سمع وكفى بذلك كذبا وإذا أراد أن يتكلم تكلم بما هو محقق لا بما هو مشتبه وبذلك يتخلص من أن يحدث بكل ما سمع فيكون معصوما من الكذب كذا فى المقاصد الحسنة قُلْ ردا لهم وابطالا لزعمهم بإثبات ما نفوه بَلى(10/9)
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
اى تبعثون فان بلى لايجاب النفي الذي قبله وقوله وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ اى لتحاسبن وتجزون بأعمالكم جملة مستقلة داخلة تحت الأمر واردة لتأكيد ما أفاده كلمة بلى من اثبات البعث وبيان تحقق امر آخر متفرع عليه منوط به ففيه تأكيد لتحقق البعث بوجهين فقوله وربى قسم لعل اختياره هاهنا لما ان فى البعث اظهار كمال الربوبية المفيدة لتمام المعرفة وإيثار دوام التربية بالنعم الجسمانية الظاهرة والنعم الروحانية الباطنة وقوله لتبعثن أصله لتبعثون حذفت واوه لاجتماع الساكنين بمجىء نون التأكيد وان كان على حده طلبا للخفة واكتفاء بالضمة وهو جواب قسم قبله مؤكد باللام المؤكدة للقسم وثم لتراخى المدة لطول يوم القيامة او لتراخى الرتبة وظاهر كلام اللباب أن يكون وربى قسما متعلقا بما قبله قدتم الكلام عنده وحسن الوقف عليه ويجعل لتبعثن بما عطف عليه جواب قسم آخر مقدر مستانف لتأكيد الاول لعل فائدة الاخبار بالقسم مع ان المشركين ينكرون الرسالة كما ينكرون البعث ابطال لزعمهم بالتشديد والتأكيد ليتأثر من قدر الله له الانصاف وتتأكد الحجة على من لم يقدر له وكان محروما بالكلية وَذلِكَ اى ما ذكر من البعث والجزاء عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ اى سهل على الله لتحقق القدرة التامة وقبول المادة وإذا كان الأمر كذلك فَآمِنُوا بصرف ارادتكم الجزئية الى اسباب حصول الايمان بِاللَّهِ الباعث من القبور المجازى على كل عمل ظاهر أو مستور وَرَسُولِهِ محمد صلى الله عليه وسلم الذي اخبر عن شؤون الله تعالى وصفاته وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا اى أنزلناه على رسولنا وهو القرآن فانه بأعجازه بين بنفسه انه حق نازل من عند الله مبين لغيره ومظهر للحلال والحرام كما ان النور كذلك والالتفات الى نون العظمة لابراز كمال العناية وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ من الامتثال بالأمر وعدمه خَبِيرٌ فمجازيكم عليه يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ ظرف لتنبؤن وما بينهما اعتراض او مفعول لا ذكر الظاهر ان الخطاب لمن خوطب اولا بقوله ألم يأتكم لِيَوْمِ الْجَمْعِ ليوم يجمع فيه الأولون والآخرون من الجن والانس واهل السماء والأرض اى لاجل ما فيه من الحساب والجزاء وهو يوم القيامة فاللام للعهد اى جمع هذا اليوم عن النبي عليه السلام إذا جمع الله الأولين والآخرين جاء مناد ينادى بصوت يسمع الخلائق كلهم سيعلم اهل الجمع اليوم من اولى بالكرم ثم يرجع فينادى ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون وهم قليل ثم يرجع فينادى ليقم الذين كانوا يحمدون الله فى البأساء والضراء فيقومون وهم قليل فيسرحون جميعا الى الجنة ثم يحاسب سائر الناس وقيل المراد جمع الله بين العبد وعمله وقيل بين الظالم والمظلوم او بين كل نبى وأمته ذلِكَ اليوم يَوْمُ التَّغابُنِ تفاعل من الغبن وهو أن تخسر صاحبك فى معاملة بينك وبينه بضرب من الإخفاء والتغابن أن يغبن بعضهم بعضا ويوم القيامة يوم غبن بعض الناس بعضا بنزول السعداء منازل الأشقياء لو كانوا سعداء وبالعكس وفيه تهكم لان نزولهم ليس بغبن ان كون نزول الأشقياء منازل السعداء من النار لو كانوا أشقياء غبنا باعتبار الاستعارة التهكمية(10/10)
والا فهم بنزولهم فى النار لم يغبنوا اهل الجنة وفى الحديث ما من عبد يدخل الجنة الا أرى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا وما من عبد يدخل النار الا أرى مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة وتخصيص التغابن بذلك اليوم للايذان بأن التغابن فى الحقيقة هو الذي يقع فيه مالا يقع فى امور الدنيا فاللام للعهد الذي يشار به عند عدم المعهود الخارجي الى الفرد الكامل اى التغابن الكامل العظيم الذي لا تغابن فوقه قال القاشاني ليس التغابن فى الأمور الدنيوية فانها امور فانية سريعة الزوال ضرورية الفناء لا يبقى شىء منها لاحد فان فات شىء من ذلك او أفاته أحد ولو كان حياته فانما فات أو أفيت ما لزم فواته ضرورة فلا غبن ولا حيف حقيقة وانما الغبن والتغابن فى إفاتة شىء لو لم يفته لبقى دائما وانتفع به صاحبه سرمدا وهو النور الكمالي والاستعدادي فتظهر الحسرة والتغابن هناك فى اضاعة الربح ورأس المال فى تجارة الفوز والنجاة كما قال فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين فمن أضاع استعداده او اكتسب منه شيأ ولم يبلغ غايته كان مغبونا بالنسبة الى الكمال التام وكأنما ظفر ذلك
الكامل بمقامه ومرامه وبقي هذا متحسرا فى نقصانه انتهى وقال الراغب يوم التغابن يوم القيامة لظهور الغبن فى المبايعة المشار إليها بقوله ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله وبقوله ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة وقوله الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا فلعلهم غبنوا فيما تركوا من المبايعة وفيما تعاطوا من ذلك جميعا وسئل بعضهم عن يوم التغابن فقال تبدو الأشياء بخلاف مقاديرها فى الدنيا وقال بعضهم يظهر يومئذ غبن الكافر بترك الايمان وغبن المؤمن بتقصيره فى الإحسان وإذا دخل العارف الجنة ورآه صاحب الحال فانه يراه كما يرى الكوكب الدري فى السماء فيتمنى أن يكون له مثل مرتبة العارف فلا يقدر عليها فيتحسر على تفويته اسباب ذلك فى الدنيا وقد ورد لا يتحسر اهل الجنة فى الجنة إلا ساعة مرت بهم لم يذكروا الله فيها قيل أشد الناس غبنا يوم القيامة ثلاثة نفر عالم علم الناس فعملوا بعلمه وخالف هو علمه فدخل غيره الجنة بعلمه ودخل هو النار بعمله وعبد أطاع الله بقوة مال سيده وعصى الله سيده فدخل العبد الجنة بقوة مال مالكه ودخل مالكه النار بمعصية الله وولد ورث مالا من أبيه وأبوه شح به وعصى الله فيه فدخل أبوه ببخله النار ودخل هو بانفاقه فى الخير الجنة
بخور اى نيك سيرت وسره مرد ... كان نكون بخت گرد كرد ونخورد
وفى الحديث لا يلقى الله أحد الا نادما ان كان مسيئا ان لم يحسن وان كان محسنا ان لم يزدد وقال بعض العارفين لا يجوز الترقي فى الآخرة الا فى مقام حصله المكلف فى هذه الدار فمن عرف شيأ وتعلقت همته بطلبه كان له اما عاجلا واما آجلا فان ظفر به فى حياته كان ذلك اختصاصا واعتناء وان لم يظفر به فى حياته معجلا كان مدخر اله بعد المفارقة يناله ثم ضرورة لازمة ومن لم يتحقق بمقام فى هذا الموطن لم يظفر به ثم ولذلك سمى يوم التغابن لانقطاع الترقي فيه فاعلم ذلك وقال بعضهم الغبن كل الغبن أن لا يعرف الصفاء فى الكدورة واللطف فى صورة القهر فتوحش عن الحق بالتفرقة وهو فى عين(10/11)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10)
الجمع والانس وايضا يقع الغبن لمن كان مشغولا بالجزاء والعطاء ورؤية الأعواض واما من كان مشغولا بمشاهدة الحق فقد خرج عن حد الغبن وايضا يقع الكل فى الغبن إذا عاينوا الحق بوصفه وهم وجدوه أعظم وأجل مما وجدوه فى مكاشفاتهم فى الدنيا فيكونون معبونين حيث لم يعرفوه حق معرفته ولم يعبدوه حق عبادته وان كانوا لا يعرفونه ابدا حق معرفته واى غبن أعظم من هذا إذ يرونه ولا يصلون الى حقيقة وجوده وقال ابن عطاء رحمه الله تغابن اهل الحق على مقادير الضياء عند الرؤية والتجلي وقال بعض الكبار يوم شهود الحق فى مقام الجمعية يوم غبن اهل الشهود والمعرفة على اهل الحجاب والغفلة فانهم فى نعيم القرب والجمع واهل الحجاب فى جحيم البعد والفراق وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ بالصدق والإخلاص بحسب نور استعداده وَيَعْمَلْ صالِحاً اى عملا صالحا بمقتضى إيمانه فان العمل انما يكون بقدر النظر وهو اى العمل الصالح ما يبتغى به وجه الله فرضا او نفلا (روى) ان ابراهيم بن أدهم رحمه الله أراد أن يدخل الحمام فطلب الحمامي الاجرة فتأوه وقال إذا لم يدخل أحد بيت الشيطان بلا أجرة فانى يدخل بيت الرحمن بلا عمل يُكَفِّرْ اى يغفر الله ويمح عَنْهُ سَيِّئاتِهِ يوم القيامة فلا يفضحه بها وَيُدْخِلْهُ بفضله وكرمه لا بالإيجاب جَنَّاتٍ على حسب درجات اعماله تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اى من تحت قصورها او أشجارها الْأَنْهارُ الاربعة خالِدِينَ فِيها حال من الهاء فى يدخله وحد أولا حملا على لفظ من ثم جمع حملا على معناه أَبَداً نصب على الظرف وهو تأكيد للخلود ذلِكَ اى ما ذكر من تكفير السيئات وإدخال الجنات الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الذي لا فوز وراءه لا نطوائه على النجاة من أعظم الهلكات والظفر بأجل الطيبات فيكون أعلى حالا من الفوز الكبير لانه يكون بجلب المنافع كما فى سورة البروج والفوز العظيم فى الحقيقة هو الانخلاع عن الوجود المجازى والتلبس بلباس الوجود الحقيقي وذلك موقوف على الايمان الحقيقي الذوقى والعمل الصالح المقارن بشهود العامل فان نور الشهود حينئذ يستر ظلمات وجوده الإضافي وينوره بنور الوجود الحقيقي ويدخله جنات الوصول والوصال التي تجرى من تحتها الأنهار مملوءة من ماء المعارف والحكم وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا تصريح بما علم التزاما والمراد بالآيات اما القرآن او المعجزات فان كلا منهما آية لصدق الرسول أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ اى أهلها اما بمعنى مصاحبوها خلودهم فيها او مالكوها تنزيلا لهم منزلة الملاك للتهكم حال كونهم خالِدِينَ فِيها اى ابدا بقرينة المقابلة وَبِئْسَ الْمَصِيرُ اى النار كأن هاتين الآيتين الكريمتين بيان لكيفية التغابن وانما قلنا كأن لان الواو يمانع الحمل على البيان كما عرف فى المعاني وفى الآية اشارة الى المحجوبين عن الله المحرومين من الايمان الحقيقي به بأن يكون ذلك بطريق الذوق والوجدان لا بطريق العلم والبرهان المكذبين آيات الله الظاهرة فى خواص عباده بحسب التجليات فانهم اصحاب نار الحجاب وجحيم الاحتجاب عل الدوام والاستمرار وبئس المصير هذه النار فعلى العاقل أن يجتهد حتى يكشف الله عمى قلبه وغشاوة بصيرته(10/12)
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (12) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
فيشاهد آثار الله وآياته فى الأنفس والآفاق ويتخلص من الحجاب على الإطلاق ففى نظر العارفين عبرة وحكمة وفى حركاتهم شأن ومصلحة (حكى) ان أبا حفص النيسابورى رحمه الله خرج مع أصحابه فى الربيع للتنزه فمر بدار فيها شجرة مزهرة فوقف ينظر إليها معتبرا فخرج من الدار شيخ مجوسى فقال له يا مقدم الأخيار هل تكون ضيفا لمقدم الأشرار فقال نعم فدخلوا وكان معهم من يقرأ القرآن فقرأ فلما فرغ قال لهم المجوسي خذوا هذه الدراهم واشتروا بها طعاما من السوق من اهل ملتكم لانكم تتنزهون عن طعامنا ففعلوا فلما أرادوا الخروج قال المجوسي للشيخ لا أفارقك بل أكون أحد أصحابك ثم اسلم هو وأولاده ورهطه وكانوا بضع عشرة نفسا فقال أبو حفص لأصحابه إذا خرجتم للتنزه فاخرجوا هكذا.
چون نظر ميداشت ارباب شهود ... مؤمن آمد بي نفاق اهل جحود
ما نافية ولذا زاد من المؤكدة أَصابَ الخلق يعنى نرسد بهيچ كس مِنْ مُصِيبَةٍ من المصائب الدنيوية فى الأبدان والأولاد والأموال إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ استثناء مفرغ منصوب المحل على الحال اى ما أصاب مصيبة ملتبسة بشئ من الأشياء الا بإذن الله اى بتقديره وإرادته كأنها بذاتها متوجهة الى الإنسان متوقفة على اذنه تعالى ان تصيبه وهذا لا يخالف قوله تعالى فى سورة الشعراء وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير اى بسبب معاصيكم ويتجاوز عن كثير منها ولا يعاقب عليها اما اولا فلان هذا القول فى حق المجرمين فكم من مصيبة تصيب من أصابته لامر آخر من كثرة الأجر للصبر وتكفير السيئات لتوفية الأجر الى غير ذلك وما أصاب المؤمنين فمن هذا القبيل واما ثانيا فلان ما أصاب من ساء بسوء فعله فهو لم يصب الا بإذن الله وإرادته ايضا كما قال تعالى قل كل من عند الله اى إيجادا وإيصالا فسبحان من لا يجرى فى ملكه الا ما يشاء وكان الكفار يقولون لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله عن المصائب فى أموالهم وأبدانهم فى الدنيا فبين الله ان ذلك انما يصيبهم بتقديره ومشيئته وفى أصابتها حكمة لا يعرفها الا هو منها تحصيل اليقين بأن ليس شىء من الأمر فى يديهم فيبرءون بذلك من حولهم وقوتهم الى حول الله وقوته ومنها ما سبق آنفا من تكفير ذنوبهم وتكثير مثوباتهم بالصبر عليها والرضى بقضاء الله الى غير ذلك ولو لم يصب الأنبياء والأولياء محن الدنيا وما يطرأ على الأجسام لا فتتن الخلق بما ظهر على أيديهم من المعجزات والكرامات على ان طريان الآلام والأوجاع على ظواهرهم لتحقق بشريتهم لا على بواطنهم لتحقق مشاهدتهم والانس بربهم فكأنهم معصومون محفوظون منها لكون وجودها فى حكم العدم بخلاف حال الكفار والأشرار نسأل العفو والعافية من الله الغفار وفى الآية اشارة الى إصابة مصيبة النفس الامارة بالاستيلاء على القلب والى إصابة مصيبة القلب السيار بالغلبة على النفس فانهما بإذن تجلية القهرى للقلب الصافي بحسب الحكمة او بإذن تجليه اللطفى الجمالي للنفس الجانية بحسب النقمة وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يصدق به ويعلم انه لا يصيبه مصيبة الا بإذن الله والاكتفاء(10/13)
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (12)
بالايمان بالله لانه الأصل يَهْدِ قَلْبَهُ عند أصابتها للثبات والاسترجاع فيثبت ولا يضطرب بأن يقول قولا ويظهر وصفا يدل على التضجر من قضاء الله وعدم الرضى به ويسترجع ويقول انا لله وانا اليه راجعون ومن عرف الله واعتقد انه رب العالمين يرضى بقضائه ويصبر على بلائه فان التربية كما تكون بما يلائم الطبع تكون بما يتنفر عنه الطبع وقيل يهد قلبه اى يوفقه لليقين حتى يعلم ان ما أصابه لم يكن ليخطئه وما اخطأه لم يكن ليصيبه فيرضى بقضائه ويسلم لحكمه وقيل يهد قلبه اى يلطف به ويشرحه لازدياد الطاعة والخير وبالفارسية الله راه نمايد دل او را به پسند كارى ومزيد طاعت.
وقال ابو بكر الوراق رحمه الله ومن يؤمن بالله عند الشدة والبلاء فيعلم انها من عدل الله يهد قلبه الى حقائق الرضى وزوآئد اليقين وقال أبو عثمان رحمه الله من صحح إيمانه بالله يهد قلبه لاتباع سنن نبيه عليه السلام وعلامة صحة الايمان المداومة على السنن وملازمة الاتباع وترك الآراء والا هواء المضلة وقال بعضهم ومن يؤمن بالله تحقيقا يهد قلبه الى العمل بمقتضى إيمانه حتى يجد كمال مطلوبه الذي أمن به ويصل الى محل نظره وقال بعضهم ومن يؤمن بالله بحسب ذاته نور قلبه بنور المعرفة بأسمائه وصفاته إذ معرفة الذات تستلزم معرفة الصفات والأسماء من غير عكس وباعتبار سبق الهداية ولحوقها فان الايمان بالله انما هو بهداية سابقة وهداية القلب انما هى هداية لا حقة يندفع توهم ان الايمان موقوف على الهداية فاذا كانت هى موقوفة عليه كما تفيده من الشرطية لما ان الشرط مقدم على المشروط لدار فان للهداية مراتب تقدما وتأخرا لا تنقطع ولذلك ندعو الله كل يوم ونقول مرارا اهدنا الصراط المستقيم بناء على ان فى كل عمل نريده صراطا مستقيما يوصل الى رضى الله تعالى وقيل انه مقلوب ومعناه من يهد قلبه يؤمن بالله. وروى فى يهد سبع قراءات المختار من السبع يهد مفردا غائبا راجعا ضميره الى الله مجزوم الآخر ليكون جواب الشرط المجزوم من الهداية وقرئ نهد بالنون على الالتفات منها ايضا ويهد مجهولا برفع قلبه على انه قائم مقام الفاعل منها ايضا ويهد بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال ورفع قلبه ايضا بمعنى يهتد كقوله تعالى أمن لا يهدى الا أن يهدى ويهدأ من باب يسأل ويهدا بقلبها ألفا ويهد بحذفها تخفيفا فيهما والمعنى يطمئن ويسكن الى الحق وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ من الأشياء التي من جملتها القلوب وأحوالها كتسليم من انقاد لامره وكراهة من كرهه وكآفاتها وخلوصها من الآفات عَلِيمٌ فيعلم ايمان المؤمن وخلوصه ويهدى قلبه الى ما ذكر وَأَطِيعُوا اللَّهَ إطاعة العبد لمولاه فيما يأمره وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ إطاعة الامة لنبيها فيما يؤديه عن الله اى لا يشغلنكم المصائب عن الاشتغال بطاعته والعمل بكتابه وعن الاشتغال بطاعة الرسول واتباع سننه وليكن جل همتكم فى السرآء والضراء العمل بما شرع لكم قال القاشاني وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول على حسب معرفتكم بالله وبالرسول فان اكثر التخلف عن الكمال والوقوع فى الخسران والنقصان انما يقع من التقصير فى العمل وتأخر القدم لا من عدم النظر كرر الأمر للتأكيد والإيذان بالفرق بين الطاعتين فى الكيفية وتوضيح مورد(10/14)
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13)
التولي فى قوله فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ اى أعرضتم عن إطاعة الرسول فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ تعليل للجواب المحذوف اى فلا بأس عليه إذ ما عليه الا التبليغ المبين وقد فعل ذلك بما لا مزيد عليه واظهار الرسول مضافا الى نون العظمة فى مقام إضماره لتشريفه عليه السلام والاشعار بمدار الحلم الذي هو كون وظيفته عليه السلام محض البلاغ ولزيادة تشنيع التولي عنه وفى التأويلات النجمية أطيعوا الله بتهيئة الأسباب بمظهرية ذاته وصفاته وأطيعوا الرسول بتحصيل القابلية لمظهرية احكام شريعته الظاهرة وآداب طريقته الباطنة فان أعرضتم عن تهيئة الأسباب والاستعداد وتصفية هذين الامرين الكليين بالإقبال على الدنيا والاستهلاك فى بحر شهواتها فانما على رسولنا البلاغ المبين وعليكم العذاب المهين اللَّهُ لا إِلهَ فى الوجود إِلَّا هُوَ جملة من مبتدأ وخبر اى هو المستحق للمعبودية لا غير وهو القادر على الهداية والضلالة لا شريك له فى الإرشاد والإضلال وليس بيد الرسول شىء من ذلك وَعَلَى اللَّهِ اى عليه تعالى خاصة دون غيره لا استقلالا ولا اشتراكا فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ فى تثبيت قلوبهم على الايمان والصبر على المصائب واظهار الجلالة فى موضع الإضمار للاشعار بعلية التوكل والأمر به فان الالوهية مقتضية للتبتل اليه تعالى بالكلية وقطع التعلق عما سواه بالمرة وفى الآية بعث لرسول الله وللمؤمنين وحث لهم على الثبات على التوكل والازدياد فيه حتى ينصرهم على المكذبين وعلى من تولى عن الطاعة وقبول احكام الدين. واعلم ان التوكل من المقامات العالية وهو اظهار العجز والاعتماد على الغير وفى الحدائق التوكل هو الثقة بما عند الله واليأس مما فى أيدى الناس وظاهر الأمر يفيد وجوب التوكل مع انه غير موجود فى اكثر الناس فيلزم أن يكونوا عاصين ولعل المأمور به هو التوكل العقلي وهو أن يعتقد العبد انه ما من مراد من مراداته الدنيوية والاخروية الا وهو يحصل من الله فيثق به فى حصوله ويرجو منه وان كانت النفس تلتفت الى الغير وتتوقع منه نظرا الى اعتقاد سببيته والله مسبب الأسباب واما التوكل الطبيعي الذي لا يكون ثقة صاحبه طبعا الا بالله وحده ولا اعتماده الا عليه فى جميع مقاصده مع قطع النظر عن الأغيار كلها رأسا فهو عسير قلما يوجد الا فى الكمل من الأولياء كما حكى عن بشر الحافى رحمه الله انه جائه جماعة من الشام وطلبوا منه أن يحج معهم فقال نعم ولكن بثلاثة شروط أن لا نحمل معنا شيأ ولا نسأل أحدا شيأ ولا نقبل من أحد شيأ فقالوا اما الاول والثاني فنقدر عليه اما الثالث فلا نقدر فقال أنتم الذين تحجون متوكلين على زاد الحاج وقيل من ادعى التوكل ثم شبع فقد حمل زادا وعن بعضهم انه قال حججت اربع عشرة مرة حافيا متوكلا وكان يدخل الشوك فلا أخرجه لئلا ينقص توكلى وعن ابراهيم الخواص رحمه الله بينما أنا أسير فى البادية إذ قال لى أعرابي يا ابراهيم التوكل عندنا فاقم عندنا حتى يصح توكلك أما تعلم ان رجاءك دخول بلد فيه أطعمة يحملك ويقويك اقطع رجاءك عن دخول البلدان فتوكل فاذا كان رجاء دخول البلدان مانعا عن التوكل التام فما ظنك بالإقامة فى بلاد خصبة ولذا أوقع الله التوكل على الجلالة لانها جامعة لجميع الأسماء فالتوكل عليه توكل تام والتوكل على الأسماء الجزئية توكل ناقص فمن عرف الله وكل اليه أموره وخرج هو من البين ومن(10/15)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
جعل الله وكيله لزمه ايضا أن يكون وكيلا لله على نفسه فى استحقاق حقوقه وفرآئضه وكل ما يلزمه فيخاصم نفسه فى ذلك ليلا ونهارا أي لا يفتر لحظة ولا يقصر طرفة فان الأوقات سريعة المرور خاك در دستش بود چون باد هنكام أجل هركه اوقات گرامى صرف آب وگل كند يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ايمانا خالصا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ جمع زوج يعم الحليل والحليلة وسيجيئ ما فى اللباب وَأَوْلادِكُمْ جمع ولد يعم الابن والبنت عَدُوًّا لَكُمْ يشغلونكم عن طاعة الله وان لم يكون لهم عداوة ظاهرة فان العدو لا يكون عدوا بذاته وانما يكون عدوا بفعله فاذا فعل الزوج والولد فعل العدو كان عدوا ولا فعل أقبح من الحيلولة بين العبد وبين الطاعة او يخاصمونكم فى امور الدين او الدنيا وأشد المكر ما يكون فى الدين فان ضرره أشد من ضرر ما يكون فى الدنيا وجاء فى الخبر ليس عدوك الذي لقيته فقتلته وآجرك الله على قتله ولكن أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك وامرأتك تضاجعك على فراشك وولدك من صلبك قدم الأزواج لانها مصادر الأولاد ولانها لكونها محل الشهوات ألصق بقلوب الناس وأشد إشغالا لهم عن العبودية ولذا قدمها الله تعالى فى قوله زين للناس حب الشهوات من النساء وفى اللباب ان قوله ان من أزواجكم يدخل فيه الذكر فكما ان الرجل تكون زوجته وولده عدواله كذلك المرأة يكون زوجها عدوا لها بهذا المعنى فيكون الخطاب هنا عاما على التغليب ويحتمل أن يكون الدخول باعتبار الحكم لا باعتبار الخطاب فَاحْذَرُوهُمْ الحذر احتراز عن مخيف والضمير للعدو فانه يطلق على الجمع قال بعضهم احذروهم اى احفظوا أنفسكم من محبتهم وشدة التعلق والاحتجاب بهم ولا تؤثروا حقوقهم على حقوق الله تعالى وفى الحديث (إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم اسخياءكم وأمركم شورى بينكم اى ذا تشاور لا يتفرد أحد برأى دون صاحبه فظهر الأرض خير لكم من بطنها وإذا كان امراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأمركم الى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها وفى الحديث (شاوروهن وخالفوهن) وقد استشار النبي عليه السلام أم سلمة رضى الله عنها كما فى قصة صلح الحديبية فصار دليلا لجواز استشارة المرأة الفاضلة ولفضل أم سلمة ووفور عقلها حتى قال امام الحرمين لا نعلم امرأة اشارت برأى فأصابت الا أم سلمة كذا قال وقد استدرك بعضهم ابنة شعيب فى امر موسى عليهما السلام (حكى) ان خسرو كان يحب أكل السمك فكان يوما جالسا فى المنظرة وشيرين عنده إذ جاء صياد ومعه سمكة كبيرة فوضعها بين يديه فأعجبته فأمر له بأربعة آلاف درهم فقالت شيرين بئس ما فعلت لانك إذا أعطيت بعد هذا أحدا من عسكرك هذا القدر احتقره وقال أعطانى عطية الصياد فقال خسرو لقد صدقت لكن يقبح على الملوك أن يرجعوا فى عطياتهم فقالت شيرين تدعو الصياد وتقول له هذه السمكة ذكر او أنثى فان قال ذكر فقل انما أردنا أنثى وان قال أنثى فقل انما أردنا ذكرا فنودى الصياد فعاد فقال له الملك هذه السمكة ذكر أو أنثى فقال هذه السمكة خنثى فضحك خسرو من كلامه وامر له بأربعة آلاف درهم اخرى فقبض ثمانية آلاف درهم ووضعها فى جراب معه وحملها على كاهله وهم بالخروج فوقع(10/16)
من الجراب درهم واحد فوضع الصياد الجراب وانحنى على الدرهم فأخذه والملك وشيرين ينظران اليه فقالت شيرين للملك أرايت الى خسة هذا الرجل وسفالته سقط منه درهم واحد فألقى عن كاهله ثمانية آلاف درهم وانحنى على ذلك الدرهم وأخذه ولم يسهل عليه أن يتركه فغضب الملك وقال لقد صدقت يا شيرين ثم امر باعادة الصياد فقال يا دنيئ الهمة لست بانسان ما هذا الحرص والتهالك على درهم واحد فقبل الصياد الأرض وقال انى لم ارفع ذلك الدرهم لخطره عندى وانما رفعته عن الأرض لان على أحد وجهيه اسم الملك وعلى الآخر صورته فخشيت أن يأتى أحد بغير علم فيضع عليه قدمه فيكون ذلك استخفافا بالملك وصورته فتعجب خسرو من كلامه فأمر له بأربعة آلاف درهم اخرى وكتب وصية للناس بأن لا تطيعوا النساء أصلا ولا تعملوا برأيهن قطعا (وحكى) ان رجلا من بنى إسرائيل أتى سليمان عليه السلام وقال يا نبى الله أريد أن تعلمنى لسان البهائم فقال سليمان ان كنت
تحب ان تعلم لسان البهائم أنا أعلمك ولكن إذا أخبرت أحدا تموت من ساعتك فقال لا اخبر أحدا فقال سليمان قد علمتك وكان للرجل ثور وحمار يعمل عليهما فى النهار فاذا امسى ادخل عليهما علفا فحط العلف بين يديهما فقال الحمار للثور أعطني الليلة عشاءك حتى يحسب صاحبنا انك مريض فلا يعمل عليك ثم انى أعطيك عشائى فى الليلة القابلة فرفع الثور رأسه من علفه فضحك الرجل فقلت امرأته لم تضحك قال لا شىء فلما جاءت الليلة القابلة أعطى الرجل للحمار علفه وللثور علفه وقال الثور اقضني السلف الذي عندك فانى أمسيت مغلوبا من الجوع والتعب فقال له الحمار انك لا تدرى كيف كان الحال قال الثور وما ذاك قال ان صاحبنا البارحة ذهب وقال للجزار ثورى مريض اذبحه قبل أن يعجف فاصبر الليلة وأسلفنى ايضا عشاءك حتى إذا جاءك الجزار صباحا وجدك عجيفا ولا يذبحك فتنجو من الموت ولو تعشيت يمتلئ بطنك فيخشى عليك أن يحسبك سمينا فيذبحك انى أرد لك ما أسفلتنى الليلتين فرفع رأسه عن علفه ولم يأكل فضحك الرجل فقالت المرأة لم تضحك أخبرني والا طلقنى فقال الرجل إذا أخبرتك بما ضحكت أموت من ساعتى فقالت لا أبالى فقال ائتيني بالدواة والقرطاس حتى اكتب وصيتي ثم اخبر ثم أموت فناولته فبينما هو يكتب إذ طرحت المرأة كسرة من الخبز الى الكلب فسبق الديك وأخذها بمنقاره قال الكلب ظلمتنى قال الديك صاحبنا يريد الموت فتكون أنت شبعانا من وليمة المأتم ولكن نحن نبقى فى مبيتنا الى ثلاثة ايام لا يفتح لنا الباب وان يمت برضى امرأته أبعده الله واسخطه فان لى تسع نسوة لا تقدر واحدة منهن أن تسأل عن سرى ولو كنت أنا مكانه لأضربنها حتى تموت او تتوب وبعد ذلك لا تسأل عن سر زوجها فأخذ الرجل عصا ولم يزل يضربها حتى ثابت من ذلك
زنى را كه جهلست ونا راستى ... بلا بر سر خود نه زن خواستى
وأفادت من التبعيضية فى قوله ان من أزواجكم إلخ ان منها ما ليس بعد وكما قال عليه السلام الدنيا كلها متاع وخير متاعها المرأة الصالحة وقال عليه السلام ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة ان أمرها اطاعته وان نظر إليها سرته وان اقسم عليها أبرته(10/17)
وان غاب عنها نصحته فى نفسها وما له فاذا كانت المرأة على هذه الأوصاف فهى ميمونة مباركة والا فهى مشئومة منحوسة.
كرا خانه آباد وهمخوابه دوست ... خدا را برحمت نظر سوى اوست
وَإِنْ تَعْفُوا عن ذنوبهم القابلة للعفو بأن تكون متعلقة بامور الدنيا او بامور الدين لكن مقارنة للتوبة وَتَصْفَحُوا يترك التثريب والتعبير يقال صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه والتثريب عليه وَتَغْفِرُوا بإخفائها وتمهيد عذرها فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يعاملكم بمثل ما عملتم ويتفضل عليكم وهذا كقوله وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما فى الدنيا معروفا نزلت فى عوف بن مالك الأشجعي رضى الله عنه كان ذا اهل وولد وكان إذا أرادا العز وبكوه ورققوه وقالوا الى من تدعنا فيرق ويقيم.
وأراد الحطيئة وهو شاعر مشهور سفرا فقال لامرأته
عدى السنين لغيبتى وتصبرى ... وذرى الشهور فانهن قصار
فأجابته ... واذكر صبابتنا إليك وشوقنا
وارحم بناتك انهن صغار
وقيل ان ناسا من المؤمنين أرادوا الهجرة من مكة فثبطهم أزواجهم وأولادهم فزينوا لهم القعود قيل قالوا لهم اين تذهبون وتدعون بلدكم وعشيرتكم وأموالكم فغضبوا عليهم وقالوا لئن جمعنا الله فى دار الهجرة لم نصبكم بخير فلما هاجروا منعوهم الخير فحثوا على أن يعفوا عنهم ويردوا إليهم البر والصلة قال القاشاني وان تعفوا بالمداراة وتصفحوا عن جرائمهم بالحلم وتغفروا جناياتهم بالرحمة فلا ذنب ولا حرج انما الذنب فى الاحتجاب بهم وافراط المحبة وشدة التعلق لا فى مراعاة العدالة والفضيلة ومعاشرتهم بحسن الخلق فانه مندوب بل اتصاف بصفات الله فان الله غفور رحيم فعليكم بالتخلق بأخلاقه وفى الحث على العفو والصفح اشارة الى أن ليس المراد من الأمر بالحذر تركهم بالكلية والاعراض عن معاشرتهم ومصاحبتهم كيف والنساء من أعظم نعم الجنة وبها نظام العالم فانه لولا الأزواج لما وجد الأنبياء والأولياء والعلماء والصلحاء وقد خلق المخلوقات لاجلهم ومن الله على عباده تذكير النعمة حيث قال خلق لكم من أنفسكم أزواجا وهذا كما روى عنه عليه السلام انه كان يقول اتقوا الدنيا والنساء فان الأمر بالاتقاء انما هو للتحذير عما يضر فى معاشرتها لا للترك بالكلية فكما ان الدنيا لا تترك بالكلية مادام المرء حيا وانما يحذر من التعلق بها ومحبتها الشاغلة عن محبة الله تعالى فكذا النساء ولأمر ما حبب الله اليه عليه السلام النساء وقال عليه السلام إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له كما سبق بيانه فى سورة النجم فقد حث عليه السلام على وجود الولد الصالح ولم يعده من الدنيا بل عده من الخير الباقي فى الدنيا وبه يحصل العمر الثاني وفى الآية اشارة الى أن النفوس الامارة او اللوامة وأولادها وهى صفات تلك النفوس وأخلاقها الشهوانية عدو للانسان يمنعه عن الهجرة الى مدينة القلب فلا بد من الحذر عن متابعتها ومخالطتها بالكلية وتصرفاتها فى جميع الأحوال وأن تعفوا عن هفواتهم الباطلة الواقعة منهم فى بعض الأوقات لكونهم مطية(10/18)
إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)
لكم وتصفحوا بعد التوبيخ والتعبير وتغفروا بأن تستروا ظلمتهم بنور ايمانكم وشعاع معرفة قلوبكم فان الله غفور ساتر لكم يستر بلطفه رحيم بكم بافاضة رحمته عليكم جعلنا الله وإياكم من اهل تقواه ومغفرته وتغمدنا بأنواع رحمته نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
بلاء ومحنة يوقعونكم فى الإثم والعقوبة من حيث لا تحتسبون (وقال الكاشفى) آزمايش است تا ظاهر گردد كه كدام از ايشان حق را بر ايشان إيثار ميكند وكدام دل در مال وولد بسته از محبت الهى كرانه ميگيرد. وجيئ بانما للحصر لان جميع الأموال والأولاد فتنة لانه لا يرجع الى مال او ولد الا وهو مشتمل على فتنة واشتغال قلب وتأخير الأولاد من باب الترقي من الأدنى الى الأعلى لان الأولاد ألصق بالقلوب من الأموال لكونهم من اجزاء الآباء بخلاف الأموال فانها من توابع الوجود وملحقاته ولذا جعل توحيد الافعال فى مقابلة الفناء عن الأولاد وتوحيد الذات فى مقابلة الفناء عن النفس اللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
لمن آثر محبة الله وطاعته على محبة الأموال والأولاد والتدبير فى مصالحهم زهدهم فى الدنيا بان ذكر عيبها ورغبهم فى الآخرة بذكر نعيمها وعن ابن مسعود رضى الله عنه لا يقولن أحدكم اللهم اعصمني من الفتنة فانه ليس أحد منكم يرجع الى مال وولد الا وهو مشتمل على فتنة ولكن ليقل اللهم انى أعوذ بك من مضلات الفتن نظيره ما حكى عن محمد ابن المنكدر رحمه الله انه قال قلت ليلة فى الطواف اللهم اعصمني وأقسمت على الله تعالى فى ذلك كثيرا فرأيت فى المنام كأن قائلا يقول لى انه لا يفعل ذلك قلت لم قال لانه يريد أن يعصى حتى يغفر وهذا من الاسرار المصونة والحكم المسكوت عنها وفى مشكاة المصابيح كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ جاء الحسن والحسين رضى الله عنهما عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل عليه السلام من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال صدق الله انما أموالكم وأولادكم فتنة نظرت الى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم اصبر حتى قطعت حديثى ورفعتهما ثم أخذ عليه السلام فى خطبته قال ابن عطية وهذه ونحوها هى فتنة الفضلاء فاما فتنة الجهال الفسقة فمؤدية الى كل فعل مهلك يقال ان أول ما يتعلق بالرجل يوم القيامة اهله وأولاده فيوقفونه بين يدى الله تعالى ويقولون يا ربنا خذ بحقنا منه فانه ما علمنا ما نجهل وكان يطعمنا الحرام ونحن لا نعلم فيقتص لهم منه وتأكل عياله حسناته فلا يبقى له حسنة ولذا قال عليه السلام يؤتى برجل يوم القيامة فيقال له أكل عياله حسناته وعن بعض السلف العيال سوس الطاعات وهو دود يقع فى الطعام والثوب وغيرهما ومن ثم ترك كثير من السلف المال والأهل رأسا واعرضوا عنهما بالكلية لان كل شىء يشغل عن الله فهو مشئوم على صاحبه ولذا كان عليه السلام يقول فى دعائه اللهم من أحبنى وأجاب دعوتى فأقلل ماله وولده ومن أبغضنى ولم يجب دعوتى فاكثر ماله وولده وهذا للغالب عليهم النفس واما قوله عليه السلام فى حق انس رضى الله عنه اللهم أكثر ماله وولده وبارك فيما أعطيته فهو لغيره فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ اى ابذلوا فى تقواه جهدكم وطاقتكم قال بعضهم اى ان علمتم ذلك وانتصحتم به فاتقوا ما يكون سببا لمؤاخذة الله إياكم من تدبير أمورهما ولا ترتكبوا ما يخالف امره تعالى من فعل(10/19)
او ترك وهذه الآية ناسخة لقوله تعالى اتقوا الله حق تقاته لما اشتد عليهم بان قاموا حتى ورمت أقدامهم وتقرحت جباههم فنزلت تيسيرا لعباد الله وعن ابن عباس رضى الله عنهما انها آية محكمة لا ناسخ فيها لعله رضى الله عنه جمع بين الآيتين بأن يقول هنا وهنالك فاتقو الله حق تقاته ما استطعتم واجتهدوا فى الاتصاف به بقدر طاقتكم فانه لا يكلف الله نفسا الا وسعها وحق التقوى ما يحسن أن يقال ويطلق عليه اسم التقوى وذلك لا يقتضى أن يكون فوق الاستطاعة وقال ابن عطاء رحمه الله هذا لمن رضى عن الله بالثواب فاما من لم يرض عنه الا به فان خطابه فاتقوا الله حق تقاته أشار رضى الله عنه الى الفرق بين الأبرار والمقربين فى حال
التقوى فقوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم ناظر الى الأبرار وقوله تعالى فاتقوا الله حق تقاته ناظر الى المقربين فان حالهم الخروج عن الوجود المجازى بالكلية وهو حق التقوى وقال القاشاني فاتقوا الله فى هذه المخالفات والآفات فى مواضع البليات ما استطعتم بحسب مقامكم ووسعكم على قدر حالكم ومرتبتكم قال السرى قدس سره المتقى من لا يكون رزقه من كسبه. ودر كشف الاسرار آورده كه در يك آيت اشارت ميكند بواجب امر ودر ديگرى بواجب حق چون واجب امر بيامد واجب حق را رقم نسخ بركشيد زيرا كه حق بنده را كه مطالبت كند بواجب امر كند تا فعل او در دائره عفو داخل تواند شد واگر او را بواجب حق بگيرد طاعت ومعصيت هزار ساله آنجا يكرنگ دارد
بي نيازى بين واستغنا نگر ... خواه مطرب باش وخواهى نوحه گر
اگر همه انبيا وأوليا بهم آيند آن كيست كه طاقت آن دارد كه بحق او جل جلاله قيام نمايد يا جواب حق او باز دهد امر او متناهيست اما حق او متناهى نيست زيرا كه بقاى امر ببقاى تكليف است وتكليف در دنياست كه سراى تكليف است اما بقاى حق ببقاى ذاتست وذات متناهى نيست پس حق متناهى نيست واجب امر برخيزد اما واجب حق برنخيزد دنيا درگذرد ونوبت امر با وى درگذرد اما نوبت حق هرگز در نگذرد امروز هر كسى را سودايى در سرست كه در امر مى نگرند انبيا ورسل بنبوت ورسالت خونش مى نگرند فرشتگان بطاعت وعبادت خود مى نگرند مؤحدان ومجتهدان ومؤمنان ومخلصان بتوحيد وايمان واخلاص خويش مى نگرند فردا چون سرادقات حق ربوبيت باز كشند انبيا با كمال حال خويش حديث علم خود طى كنند گويند لا علم لنا ملائكه ملكوت صومعهاى عبادت خود آتش درزنند كه ما عبدناك حق عبادتك عارفان وموحدان گويند ما عرفناك حق معرفتك وَاسْمَعُوا مواعظه وَأَطِيعُوا أوامره وَأَنْفِقُوا مما رزقكم فى الوجوه التي أمركم بالإنفاق فيها خالصا لوجهه عن ابن عباس رضى الله عنهما ان المراد انفاق الزكاة والظاهر العموم وهو مندرج فى الاطاعة ولعل افراده بالذكر لما ان الاحتياج اليه كان أشد حينئذ وان المال شقيق الروح ومحبوب النفس ومن ذلك قدم الأموال على الأولاد فى المواضع حتى قال الامام الغزالي رحمه الله انه قد يكون حب المال من اسباب سوء العاقبة فانه إذا كان حب المال غالبا على حب الله فحين علم محب المال ان الله(10/20)
إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17)
يفرقه عن محبوب عقد فى قلبه البغض لله نعوذ بالله من ذلك وهذا كما ترى ان أحدا إذا أحب دنياه حبا غالبا على حب ابنه فلو قصد الابن أن يأخذها منه لأبغض الابن وأحب هلاكه خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ خبر لكان المقدر جوابا للاوامر اى يكن خيرا لأنفسكم او مفعول لفعل محذوف اى أتوا وافعلوا خيرا لأنفسكم واقصدوا ما هو أنفع لها وهو تأكيد للحث على امتثال هذه الأوامر وبيان لكون الأمور المذكورة خيرا لأنفسهم من الأموال والأولاد وما هم عاكفون عليه من حب الشهوات وزخارف الدنيا وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ اى ومن يقه الله ويعصمه من بخل نفسه الذي هى الرذيلة المعجونة فى طينة النفس وقد سبق بيانه فى سورة الحشر وبالفارسية وهر كه نگاه داشت از بخل نفس خود يعنى حق خدايرا إمساك نكند ودر راه وى بذل مى نمايد. وهو مجهول مجزوم الآخر بمن الشرطية من الوقاية المتعدية الى المفعولين وشح مفعول ثان له باق على النصب والاول ضمير من القائم مقام الفاعل فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الفائزون بكل مرام وفى الحديث (كفى بالمرء من الشح أن يقول آخذ حقى لا اترك منه شيأ) وفى حديث الأصمعي أتى أعرابي قوما فقال لهم هذا فى الحق او فيما هو خير منه قالوا وما خير من الحق قال التفضل والتغافل أفضل من أخذ الحق كله كذا فى المقاصد الحسنة (روى) عن النبي عليه السلام انه كان يطوف بالبيت فاذا رجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول بحرمة هذا البيت الا غفرت لى وقال عليه السلام وما ذنبك صفه لى قال هو أعظم من ان أصفه لك قال ويحك ذنبك أعظم أم الأرضون قال بل ذنبى يا رسول الله قال ويحك ذنبك أعظم أم الجبال قال بل ذنبى يا رسول الله قال فذنبك أعظم أم السموات قال بل ذنبى قال فذنبك أعظم أم العرش قال بل ذنبى أعظم قال فذنبك أعظم أم الله قال بل الله أعظم وأعلى قال ويحك صف لى ذنبك قال يا رسول الله انى ذو ثروة من المال وان السائل ليأتينى ليسألنى فكأنما يستقبلنى بشعلة من النار فقال عليه السلام عنى. يعنى دور شو از من. لا تحرقنى بنارك فو الذي بعثني بالهداية والكرامة لو قمت بين الركن والمقام ثم بكيت ألفى عام حتى تجرى من دموعك الأنهار وتسقى بها الأشجار ثم مت وأنت لئيم لكبك الله فى النار اما علمت ان البخل كفر وان الكفار فى النار ويحك أما علمت ان الله يقول ومن يبخل فانما يبخل عن نفسه ومن يوق شح نفسه فأولئك المفلحون
فروماندگانرا درون شاد كن ... ز روز فرو ماندگى ياد كن
نه خواهنده بر در ديگران ... بشكرانه خواهنده از در مران
وفى الاية اشارة الى ان الانفاق على الغير علما او مالا انفاق على نفسك بالحقيقة والناس كنفس واحدة لانتفاء الغيرية فى الاحدية وان من وفق لانفاق الوجود المجازى فى الله فاز بالوجود الحقيقي من الله تعالى إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ بصرف أموالكم الى المصارف التي عينها وبالفارسية اگر فرض دهيد خدايرا يعنى صرف كنيد در آنچهـ فرمايد. وذكر القرض تلطف فى الاستدعاء كما فى الكشاف قال فى اللباب القرض القطع ومنه المقراض لما(10/21)
يقطع به وانقرض القوم إذا هلكوا وانقطع اثرهم وقيل للقرض قرض لانه قطع شىء من المال هذا اصل الاشتقاق ثم اختلفوا فيه فقيل اسم لكل ما يلتمس الجزاء عليه وقيل أن يعطى أحدا شيأ ليرجع اليه ثم قيل لفظ القرض هنا حقيقة على المعنيين وقيل مجاز على الثاني لان الراجع ليس مثله بل بدله واليه يميل ما فى الكشاف فى سورة البقرة اقراض الله مثل لتقديم العمل الذي يطلب ثوابه لعله الوجه فيكون بقرض استعارة تصريحية تبعية وقوله قَرْضاً حَسَناً تصريحة اصلية اى مقرونا بالإخلاص وطيب النفس قال سهل رضى الله عنه القرض الحسن المشاهدة بقلوبكم لله فى أعمالكم كما قال ان تعبد الله كأنك تراه وقرضا ان كان بمعنى اقراضا كان نصبه على المصدرية وان كان بمعنى مقرضا من النفقة كان مفعولا ثانيا لتقرضوا لان الاقراض يتعدى الى مغعولين ففى التعبير عن الانفاق بالاقراض وجعله متعلقا بالله الغنى مطلقا والتعبير عن النفقة بالقرض اشارة الى حسن قبول الله ورضاه والى عدم الضياع وبشارة باستحقاق المنفق ببركة إنفاقه لتمام الاستحقاق يُضاعِفْهُ لَكُمْ من المضاعفة بمعنى التضعيف اى التكثير فليس المفاعلة هنا للاشتراك اى يجعل لكم اجره مضاعفا ويكتب بالواحد عشرة وسبعين وسبعمائة واكثر بمقتضى مشيئته على حسب النيات والأوقات والمحال وَيَغْفِرْ لَكُمْ ببركة الانفاق ما فرط منكم من بعض الذنوب وَاللَّهُ شَكُورٌ يعطى الكثير بمقابلة اليسير من الطاعة او يجازى العبد على الشكر وهو الاعتراف بالنعمة على سبيل الخضوع فسمى جزاء الشكر شكرا او الله شكور بمعنى انه كثير الثناء على عبده بذكر أفعاله الحسنة وطاعته فالشكر الثناء على المحسن بذكر إحسانه وهذا المعنى مختار الامام القشيري رحمه الله والشكور مبالغة الشاكر والشاكر من له الشكر سئل بعضهم من اشكر الشاكرين فقال الطاهر من الذنوب يعد نفسه من المذنبين والمجتهد فى النوافل بعد أداء الفرائض يعد نفسه من المقصرين والراضي بالقليل من الدنيا يعد نفسه من الراغبين والقاطع بذكر الله دهره يعد نفسه من الغافلين والراغب فى العمل يعد نفسه من المفلسين فهذا اشكر الشاكرين ومن ادب من عرف انه تعالى شكور أن يجد فى شكره ولا يفتر ويواظب على حمده ولا يقصر والشكر على اقسام شكر بالبدل وهو أن لا تستعمل جوارحك فى غير طاعته وشكر بالقلب وهو آن لا تشغل قلبك بغير ذكره ومعرفته وشكر باللسان وهو أن لا تستعمله فى غير ثنائه ومدحته وشكر بالمال وهو أن لا تنفقه فى غير رضاه ومحبته
نفس مى نيارم زد از شكر دوست ... كه شكرى نه دانم كه در خورد اوست
عطاييست هر موى ازو بر تنم ... چكونه بهر موى شكرى كنم
واحسن وجوه الشكر لنعم الله أن لا تستعملها فى معاصيه بل فى طاعته وخاصية اسم الشكور التوسعة ووجود العافية فى البدن وغيره بحيث لو كتبه من به ضيق فى النفس وتعب فى البدن اعياء أشد الاعياء وثقل فى الجسم وتمسح به وشرب منه برىء بإذن الله تعالى وان تمسح به ضعيف البصر على عينيه وجد بركة ذلك ويكتب احدى وأربعين مرة حَلِيمٌ لا يعاجل بالعقوبة مع كثرة ذنوبكم بالبخل والإمساك ونحوهما فيحلم حتى يظن الجاهل انه(10/22)
عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)
ليس يعلم ويستر حتى يتوهم الغافل انه ليس يبصر قال الامام الغزالي رحمه الله الحليم هو الذي يشاهد معصية العصاة ويرى مخالفة الأمر ثم لا يستفزه غضب ولا يعتريه غيظه ولا يحمله على المسارعة الى الانتقام مع غاية الاقتدار عجلة وطيش كما قال الله تعالى ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة (حكى) ان ابراهيم عليه السلام لما رأى ملكوت السموات والأرض رأى عاصيا فى معصيته فقال اللهم أهلكه فأهلكه الله ثم رأى آخر فدعا عليه فأهلكه الله ثم رأى آخر فدعا عليه فأهلكه الله ثم رأى رابعا فدعا عليه فأوحى الله اليه ان قف يا ابراهيم فلو أهلكنا كل عاص رأيناه لم يبق أحد من الخلق ولكنا بحلمنا لا نعذبهم بل نمهلهم فاما أن يتوبوا واما أن يصروا فلا يفوتنا شىء قيل الحلم حجاب الآفات وقيل الحلم ملح الأخلاق. وشتم الشعبي رجل فقال ان كنت كاذبا غفر الله لك وان كنت صادقا غفر الله لى وكان الأحنف يضرب به المثل فى الحلم وهو يقول انى صبور ولست بحليم والفرق بين الحليم والصبور ان المذنب لا يأمن العقوبة فى صفة الصبور كما يأمنها فى صفة الحليم يعنى ان الصبور يشعر بانه يعاقب فى الآخرة بخلاف الحليم كما فى المفاتيح والتخلق بالاسم الحليم انما هو بأن يصفح عن جنايات الناس ويسامح لهم فيما يعاملونه به من السيئات بل يجازيهم بالإحسان تحقيقا للحلم والغفران وفى الأربعين الادريسية يا حليم ذا الأناة فلا يعادله شىء من خلقه قال السهروردي رحمه الله من ذكره كان مقبول القول وافر الحرمة قوى الجاش بحيث لا يقدر عليه سبع ولا غيره والأناة على وزن القناة هو التثبت والوقار عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ خبر بعد خبر أي لا يخفى عليه خافية (وقال الكاشفى) ميداند آنچهـ ظاهر ميكنند از تصدق وآنچهـ پنهان ميدارند در دلها از ريا واخلاص.
وقد سبق الكلام عليه فى اواخر سورة الحشر ولعل تقديم الغيب لان عالم الغيب أعم والعلم به أتم الْعَزِيزُ والْحَكِيمُ البالغ فى القدرة والحكمة (وقال الكاشفى) غالبست انتقام تواند كشيد از كسى كه صدقه او خالص نبود حكم كننده بكرامت آنها را كه از روى صدق تصدق نمايند. والحكم سابق فالعبرة به لا بالصورة ولذا رد بلعم بن باعور وقبل كلب اصحاب الكهف قال ابو على الدقاق قدس سره لما صرفوا ذلك الكلب ولم ينصرف أنطقه الله تعالى فقال لم تصرفوننى ان كان لكم ارادة فلى ايضا ارادة وان كان خلقكم فقد خلقنى ايضا فازدادوا بكلامه يقينا ولما سمعوا كلامه اتفقوا على استصحابه معهم الا انهم قالوا يستدل علينا بآثار قدمه فالحيلة أن تحمله بالحيلة فحمله الأولياء على أعناقهم وهم يمشون لما أدركه من العناية الازلية وكذا لم يكن فى الملائكة اكبر قدرا ولا أجل خطرا من إبليس الا ان الحكم الأزلي بشقاوته كان خفيا عن العباد فلما ظهر فيه الحكم الأزلي لعنه من عرفه ومن لم يعرفه
كليد قدر نيست در دست كس ... تواناى مطلق خدايست وبس
ز زنبور كرد اين حلاوت پديد ... همانكس كه در مار زهر آفريد
خدايا بغفلت شكستيم عهد ... چهـ زور آورد با قضا دست جهد(10/23)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5) أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)
چهـ بر خيزد از دست تدبير ما ... همين نكته بس عذر تقصير ما
همه هر چهـ كردم تو برهم زدى ... چهـ قوت كند با خداى خودى
نه من سر ز حكمت بدر مى روم ... كه حكمت چنين مى رود بر سرم
وقال الحافظ الشيرازي رحمه الله
نقش مستورى ومستى نه بدست من وتست ... آنچهـ سلطان ازل كفت بكن آن كردم
(وقال ايضا)
درين چمن نكنم سرزنش بخود رويى ... چنانكه پرورشم ميدهند مى رويم
وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مولود يولد الا فى شبابيك رأسه مكتوب خمس آيات من سورة التغابن يعنى نيست هيچ مولودى كه مولود مى شود مگر كه در مشبكهاى سرش مكتوبست پنج آيت از سوره تغابن.
والشبابيك جمع شباك بالضم كزنار مثل خفا فيش وخفاش او جمع شباكة بمعنى المشبك وهو ما تداخل بعضه فى بعض وفى الحديث (من قرأ سورة التغابن رفع عنه موت الفجاءة) وهى بالمدمع ضم الفاء وبالقصر مع فتح الفاء البغتة دون تقدم مرض ولا سبب تمت سورة التغابن بالتيسير من الله والتعاون فى تاسع شهر ربيع الآخر من شهور سنة ست عشرة ومائة والف
تفسير سورة الطلاق
اثنتا عشرة آية مدنية وتسمى سورة النساء القصرى بسم الله الرحمن الرحيم
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ التطليق طلاق دادن يعنى عقده نكاح راحل كردن وكشادن. قال فى المفردات اصل الطلاق التخلية من وثاق ويقال أطلقت البعير من عقاله وطلقته وهو طالق وطلق بلا قيد ومنه استعير طلقت المرأة إذا خليتها فهى طالق اى مخلاة عن حبالة النكاح انتهى والطلاق اسم بمعنى التطليق كالسلام والكلام بمعنى التسليم والتكليم وفى ذلك قالوا المستعمل فى المرأة لفظ التطليق وفى غيرها لفظ الإطلاق حتى لو قال أطلقتك لم يقع الطلاق ما لم ينو ولو قال طلقتك وقع نوى أو لم ينو والمعنى إذا أردتم تطليق النساء المدخول بهن المعتدات بالأقراء وعزمتم عليه بقرينة فطلقوهن فان الشيء لا يترتب على نفسه ولا يؤمر أحد بتحصيل الحاصل ففيه تنزيل المشارف للشئ منزلة الشارع فيه والأظهر انه من ذكر السبب وارادة المسبب وتخصيص النداء به عليه السلام مع عموم الخطاب لأمته ايضا لتحقيق انه المخاطب حقيقة ودخولهم فى الخطاب بطريق استتباعه عليه السلام إياهم وتغليبه عليهم ففيه تغليب المخاطب على الغائب والمعنى إذا طلقت أنت وأمتك وفى الكشاف خص النبي بالنداء وعم بالخطاب لان النبي امام أمته وقدوتهم كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم يا فلان افعلوا كيت وكيت اظهار التقدمة واعتبارا لترؤسه وانه لسان قومه فكأنه هو وحده فى حكم كلهم لصدورهم عن رأيه(10/24)
كما قال البقلى إذا خاطب السيد بان شرفه على الجمهور إذ جمع الجميع فى اسمه ففيه اشارة الى سر الاتحاد وفى كشف السرار فيه اربعة اقوال أحدها انه خطاب للرسول وذكر بلفظ الجمع تعظيما له كما يخاطب الملوك بلفظ الجمع والثاني انه خطاب له والمراد أمته والثالث ان التقدير يا أيها النبي والمؤمنون إذا طلقتم فحذف لان الحكم يدل عليه والرابع معناه يا أيها النبي قل للمؤمنين إذا طلقتم انتهى. يقول الفقير هذا الأخير انسب بالمقام فيكون مثل قوله يا أيها النبي قل لازواجك قل للمؤمنين قل للمؤمنات ولان النبي عليه السلام وان كان أصيلا فى المأمورات كما ان أمته اصيل فى المنهبات الا ان الطلاق لما كان ابغض المباحات الى الله تعالى كما سيجيئ كان الاولى أن يسند التطليق الى أمته دونه عليه السلام مع انه عليه السلام قد صدر منه التطليق فانه طلق حفصة بنت عمر رضى الله عنهما واحدة فلما نزلت الآية راجعها وكانت علامة كثيرة الحديث قريبا منزلتها من منزلة عائشة رضى الله عنها فقيل له عليه السلام راجعها فانها صوامة قوامة وانها من نسائك فى الجنة حكاه الطبري وفى الحديث بيان فضل العلم وحفظ الحديث ومحبة الله الصيام والقيام وكرامة أهلهما عنده تعالى. وآورده اند كه عبد الله بن عمر رضى الله عنهما زن خود را در حال حيض طلاق داد حضرت رسالت فرمود تا رجوع كند وآنگاه كه از حيض پاك شود اگر خواهد طلاق دهد ودرين باب آيت آمد. والقول الاول هو الأمثل والأصح فيه انه بيان لشرع مبتدأ كما فى حواشى سعدى المفتى فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ العدة مصدر عده يعده وسئل رسول الله عليه السلام متى تكون القيامة قال إذا تكاملت العدتان اى عدة اهل الجنة وعدة اهل النار اى عددهم وسمى الزمان الذي تتربص فيه المرأة عقيب الطلاق او الموت عدة لانها تعد الأيام المضروبة عليها وتنتظر أو ان الفرج الموعود لها كما فى الاختيار والمعنى فطلقوهن مستقبلات لعدتهن متوجهات إليها وهى الحيض عند الحنفية فاللام متعلقة بمحذوف دل عليه معنى الكلام والمرأة إذا طلقت فى طهر يعقب القرء الاول من أقرائها فقد طلقت مستقبلة لعدتها والمراد أن يطلقن فى طهر لم يقع فيه جماع ثم يخلين حتى تنقضى عدتهن وهذا احسن الطلاق وأدخله فى السنة وأبعده من الندم لانه ربما ندم فى إرسال الثلاث دفعة فالطلاق السنى هو ان يكون فى طهر لم يجامعها فيه وان يفرق الثلاث فى الاطهار الثلاثة وأن يطلقها حاملا فانها إذا على طهر ممتد فتطليقها حلال وعلى وجه السنة والبدعى على وجوه ايضا منها أن يكون فى طهر جامع فيه لما فيه من تطويل العدة ايضا على قول من يجعل العدة بالاطهار وهو الشافعي حيث ان بقية الطهر لا تحتسب من العدة ومنها ما كان فى الحيض او النفاس لما فيه من تطويل العدة ايضا على قول من يجعل العدة بالحيض وهو
ابو حنيفة رحمه الله لان بقية الحيض لا تحتسب الا أن تكون غير مدخول بها فانه لا بدعة فى طلاقها فى حال الحيض إذ ليس عليها عدة او تكون مما لا يلزمها العدة بالأقراء فان طلاقها لا يتقيد بزمان دون زمان ومنها ما كان بجمع الثلاث اى ان يطلقها ثلاثا دفعة او فى طهر واحد متفرقة ويقع الطلاق المخالف للسنة فى قول عامة(10/25)
الفقهاء وهو مسيئ بل آثم ولذا كان عمر رضى الله عنه لا يؤتى برجل طلق امرأته ثلاثا الا أوجعه ضربا وطلق رجل امرأته ثلاثا بين يديه عليه السلام فقال أتلعبون بكتاب الله وانا بين أظهركم اى مقيم بينكم وفيه اشارة الى ان ترك الأدب فى حضور الأكابر افحش ينبغى أن يصفع صاحبه أشد الصفع وقال الشافعي اللام فى لعدتهن متعلقة بطلقوهن لانها للتوقيت بمعنى عند أوفى فيكون المعنى فى الوقت الذي يصلح لعدتهن وهو الطهر وقال ابو حنيفة رحمه الله الطلاق فى الحيض ممنوع بالإجماع فلا يمكن جعلها للتوقيت فان قلت قوله إذا طلقتم النساء عام يتناول المدخول بهن وغير المدخول بهن من ذوات الأقراء واليائسات والصغائر والحوامل فكيف صح تخصيصه بذوات الأقراء المدخول بهن قلت لا عموم ثمة ولا خصوص ولكن الانساء اسم جنس للاناث من الانس وهذه الجنسية معنى قائم فى كلهن وفى بعضهن فجاز أن يراد بالنساء هذا وذاك فلما قيل فطلقوهن لعدتهن علم انه اطلق على بعضهن وهن المدخول بهن من المعتدات بالحيض فان قلت الطلاق موقوف على النكاح سابقا اولا حقا والنكاح موقوف على الرضى من المنكوحة او من وليها فيلزم أن يكون الطلاق موقوفا على الرضى بالنكاح وهو واقع غير باطل لا موقوفا على الرضى نفسه الذي هو الباطل الغير الواقع فتكفر.
واعلم ان النكاح والطلاق امر ان شرعيان من الأمور الشرعية العادية لهما حسن موقع وقبح موقع بحسب الأحوال والأوقات وقد طلق عليه السلام حفصة رضى الله عنها تطليقة واحدة رجعية كما سبق وكذا تزوج سودة بنت زمعة بمكة بعد موت خديجة رضى الله عنها وقبل العقد على عائشة رضى الله عنها ثم طلقها بالمدينة حين دخل عليها وهى تبكى على من قتل من أقاربها يوم بدر فاستشفعت الى النبي عليه السلام ووهبت يومها لعائشة فراجعها فان قلت كيف فعل رسول الله ذلك وقد قال ابغض الحلال الى الله الطلاق وقال عليه السلام يا معاذ ما خلق الله شيأ على وجه الأرض أحب اليه من العتاق ولا خلق الله شيأ ابغض اليه من الطلاق وذلك لان النكاح يؤدى الى الوصال والطلاق يؤدى الى الفراق والله يحب الوصال ويبغض الفراق لا شمس ليوم الفراق ولا نهار لليلة القطيعة. رابعه عدويه گفته كه كفر طعم فراق دارد وايمان لذت وصال. وقس عليه الإنكار والإقرار.
وآن طعم واين لذت فرداى قيامت پديد آيد كه در آن صحراى هيبت وعرصه سياست قومى را گويند فراق لا وصال وقومى را كويند وصال لا نهاية له
سوختگان فراق همى گويند ... فراق او ز زمانى هزار روز آرد
بلاي او ز شبى هم هزار سال كند ... افروختگان وصال همى گويند
سرا پرده وصلت كشيد روز نواخت ... بطبل رحلت برزد فراق يار دوال
وفى الحديث تزوجوا ولا تطلقوا فان الطلاق يهتز منه العرش وعنه عليه السلام لا تطلقوا النساء الا من ريبة فان الله لا يحب الذواقين والذواقات وعنه عليه السلام أيما امرأة سألت زوجها طلاقا فى غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة قلت يحتمل أن يكون فى ذلك حكمة لا نطلع عليها بعد ان علمنا انه عليه السلام نبى حق لا يصدر منه ما هو خلاف الحق وقد دل(10/26)
الحديث الآخر ان النهى انما يكون عما لا وجه فيه وأن يكون لاظهار جواز الطلاق والرجعة منه كما وجهوا بذلك ما وقع من غلبة النوم عليه وعلى أصحابه ليلة التعريس الى أن طلعت الشمس وارتفعت بمقدار فان بذلك علم شرعية القضاء وأن يصلى بالجماعة وأن يصدر منه عليه السلام الأحاديث المذكورة بعد ما وقع قضية حفصة وسودة رضى الله عنهما وأن يكون من قبيل ترك الاولى وقد جوزوا ذلك للانبياء عليهم السلام فان قلت لعل ما فعله اولى من وجه وان كان ما امر الله به اولى من وجه آخر قلت لا شك ان ما امر الله به كان أرجح وترك الأرجح ترك الاولى هذا ولعل ارجحية المراجعة فى وقت لا تقتضى ارجحية ترك الطلاق على فعله فى وقت آخر لان فى كل وقت احتمال ارجحية امر والله اعلم.
يقول الفقير امده الله القدير ان النبي عليه السلام كان قد حبب اليه النساء لما يحب فى النكاح من ذوق القربة والوصلة فالنكاح اشارة الى مقام الجمع الذي هو مقام الولاية كما دل عليه قوله عليه السلام أرحنى يا بلال والطلاق اشارة الى مقام الفرق الذي هو مقام النبوة كما دل قوله عليه السلام كلمينى يا حميراء فالاول وصل الفصل والثاني فصل الوصل وان كان عليه السلام قد جمع بين الفصل والوصل والفرق والجمع فى مقام واحد وهو جمع الجمع كما دل عليه قوله تعالى ألم نشرح لك صدرك وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ الإحصاء دانستن وشمردن بر سبيل استقصاء. اى واضبطوها بحفظ الوقت الذي وقع فيه الطلاق واكملوها ثلاثة أقراء كوامل لا نقصان فيهن اى ثلاث حيض كما عند الحنفية لان الغرض من العدة استبراء الرحم وكماله بالحيض الثلاث لا بالاطهار كما يغسل الشيء ثلاث مرات لكمال الطهارة والمخاطب بالإحصاء هم الأزواج لا الزوجات ولا المسلمون والا يلزم تفكيك الضمائر ولكن الزوجات داخلة فيه بالالحاق وقال ابو الليث امر الرجال بحفظ العدة لان فى النساء غفلة فربما لا تحفظ عدتها واليه مال الكاشفى حيث قال وشمار كنيد اى مردان عدت زنانرا كه ايشان از ضبط عاجزند يا از إحصاي آن غافل. فالزوج يحصى ليتمكن من تفريق الطلاق على الأقراء إذا أراد أن يطلق ثلاثا فان إرسال الثلاث فى طهر واحد مكروه عند أبى حنيفة وأصحابه وان كان لا بأس به عند الشافعي وأتباعه حيث قال لا اعراف فى عدد الطلاق سنة ولا بدعة وهو مباح وليعلم بقاء زمان الرجعة ليراجع ان حدثت له الرغبة فيها وليعلم زمان وجوب الانفاق عليه وانقضائه وليعلم انها هل تستحق عليه أن يسكنها فى البيت او له أن يخرجها وليتمكن من الحاق نسب ولدها به وقطعه عنه قالوا وعلى الرجال فى بعض المواضع العدة (منها انه إذا كان للرجل اربع نسوة فطلق إحداهن لا يحل له أن يتزوج بامرأة اخرى ما لم تنقض عدتها ومنها انه إذا كان له امرأة ولها اخت فطلق امرأته لا يحل له أن يتزوج بأختها ما دامت فى العدة) ومنها انه إذا اشترى جارية لا يحل له أن يقربها ما لم يستبرئها بحيضة (ومنها انه ان تزوج حربية لا يحل له أن يقربها ما لم يستبرئها بحيضة) ومنها انه إذا بلغ المرأة وفاة زوجها فاعتدت وتزوجت وولدت ثم جاء زوجها الاول فهى امرأته لانها كانت منكوحته ولم يعترض شىء من اسباب الفرقة فبقيت على النكاح السابق ولكن(10/27)
لا يقربها حتى تنقضى عدتها من النكاح الثاني ووجوب العدة لا يتوقف على صحة النكاح إذا وقع الدخول بل تجب العدة فى صورة النكاح الفاسد ايضا على تقدير الدخول) ومنها انه إذا تزوج حربية مهاجرة الى داربا بأمان وتركت زوجها فى دار لحرب فلا تحل له ما لم يستبرئها بحيضة عند الإمامين وقال ابو حنيفة لا يجب عليه العدة (ومنها انه إذا تزوج امرأة حاملا لا يحل له ان يطأها حتى تضع الجمل) ومنها انه إذا تزوج بامرأة وهى حائض لا يحل له ان يقربها حتى تتطهر من حيضها ومنها انه إذا تزوج بامرأة نفساء لا يحل له ان يقربها حتى تتطهر من نفاسها ومنها انه إذا زنى بامرأة ثم تزوجها لا يحل له ان يقربها ما لم يستبرئها بحيضة وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ فى تطويل العدة عليهن والإضرار بهن بايقاع طلاق ثان بعد الرجعة فالامر بالتقوى متعلق بما قبله وفى وصفه تعالى بربوبيته لهم تأكيد للامر ومبالغة فى إيجاب الاتقاء والتقوى فى الأصل اتخاذ الوقاية وهى ما يقى الإنسان مما يكرهه ويؤمل ان يحفظه ويحول بينه وبين ذلك المكروه كالترس ونحوه ثم استعير فى الشرع لاتخاذ ما بقي العبد بوعد الله ولطفه من قهره ويكون سببا لنجاته من المضار الدائمة وحياته بالمنافع القائمة وللتقوى فضائل كثيرة ومن اتقى الله حق تقواه فى جميع المراتب كوشف بحقائق البيان فلا يقع له فى الأشياء شك ولا ريب لا تُخْرِجُوهُنَّ بيرون مكنيد زنان مطلقه مِنْ بُيُوتِهِنَّ من مساكنهن التي يسكنها قبل العدة اى لا تخرجوهن من مساكنكم عند الفراق الى ان تنقضى عدتهن وانما أضيفت إليهن مع انها لازواجهن لتأكيد النهى ببيان كمال استحقاقهن لسكناها كأنها املاكهن وفى ذكر البيوت
دون الدار اشارة الى ان اللازم على الزوج فى سكنهاهن ما تحصل المعيشة فيه لان الدار ما يشتمل البيوت وَلا يَخْرُجْنَ ولو بإذن منكم فان الاذن بالخروج فى حكم الإخراج ولا اثر عندنا لاتفاقهما على الانتقال لان وجوب ملازمة مسكن الفراق حق الشرع ولا يسقط بإسقاط العبد كما قال فى الكشاف فان قلت ما معنى الإخراج وخروجهن قلت معنى الإخراج اى لا يخرجهن البعولة غضبا عليهن وكراهة لمساكنتهن او لحاجة لهم الى المساكن وان لا يأذنوا لهن فى الخروج إذا طلبن ذلك إيذانا بأن إذنهم لا اثر له فى دفع الحظر ولا يخرجن بأنفسهن ان أردن ذلك انتهى فان خرجت المعتدة لغير ضرورة او حاجة أثمت فان وقعت ضرورة بأن خافت هدما او حرقا لها ان تخرج الى منزل آخر وكذلك ان كانت لها حاجة من بيع غزل او شراء قطن فيجوز لها الخروج نهار الا ليلا كما فى كشف الاسرار إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ اى الزنى فيخرجن لاقامة الحد عليهن ثم يعدن وبالفارسية مكر بيارند كردار ناخوش كه روشن كننده حال زنان بود در بدكردارى.
وقال بعضهم مبينة هنا بالكسر لازم بمعنى بين متبينة كمبين من الإبانة بمعنى بين والفاحشة ما عظم قبحه من الافعال والأقوال وهو الزنى فى هذا المقام وقيل البذاء بالمد وهو القول القبيح واطالة اللسان فانه فى حكم النشور فى إسقاط حقهن فالمعنى الا ان يبذون على الأزواج وأقاربهم كالأب والأخ فيحل حينئذ اخراجهن وعن ابن عباس رضى الله عنهما هو كل(10/28)
معصية وهو استثناء من الاول اى لا تخرجوهن فى حال من الأحوال الا حال كونهن آتيات بفاحشة او من الثاني للمبالغة فى النهى عن الخروج ببيان ان خروجها فاحشة اى لا يخرجن الا إذا ارتكبن الفاحشة بالخروج يعنى ان من خرجت أتت بفاحشة كما يقال لا تكذب لا ان تكون فاسقا يعنى ان تكذب تكن فاسقا وَتِلْكَ الاحكام حُدُودُ اللَّهِ التي عينها لعباده والحد الحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر وَمَنْ يَتَعَدَّ أصله يتعدى فحذفت اللام بمن الشرطية وهو من التعدي المتعدى بمعنى التجاوز أي ومن يتجاوز حُدُودُ اللَّهِ حدوده المذكورة بأن أخل بشئ منها على ان الإظهار فى حيز الإضمار لتهويل امر التعدي والاشعار بعلية الحكم فى قوله تعالى فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ اى اضربها قال البقلى قدس سره ان الله حد الحدود بأوامره ونواهيه لنجاة سلاكها فاذا تجاوزوا عن حدوده يسقطون عن طريق الحق ويضلون فى ظلمات البعد وهذا أعظم الظلم على النفوس إذ منعوها من وصولها الى الدرجات والقربى قال بعضهم التهاون بالأمر من قلة المعرفة بالآمر فلا بد من الخوف او الرجاء او الحياء او العصمة فى علم الله فهى اسباب اربعة لا خامس لها حافظة من الوقوع فيما لا ينبغى فمن ليس له واحد من هذه الأسباب وقد وقع فى المعصية وظلم النفس فالكامل يعطى نفسه حقها ظاهرا وباطنا ولا يظلمها (حكى) ان معروف الكرخي قدس سره رأى جارية من الحور العين فقال لمن أنت يا جارية فقالت لمن لا يشرب الماء المبرد فى الكيزان وكان قد برد له كوز ماء ليشربه فتناولت الحوراء الكوز فضربت به الأرض فكسرته قال السرى السقطي رحمه الله ولقد رأيت قطعه فى الأرض لم ترفع حتى عفا عليها التراب فكانت الحوراء لمعروف حين امتنع من شرب الماء المبرد وكانت جزاء له فى إعطائه نفسه حقها فان فى جسده من يطلب ضد الجارية ونحوها فلا بد من إعطاء كل ذى حق حقه لا تَدْرِي تعليل لمضمون الشرطية اى فانك ايها المتعدى لا تدرى عاقبة الأمر وقال بعضهم لا تدرى نفس لَعَلَّ اللَّهَ شايد خداى تعالى يُحْدِثُ يوجد فى قلبك فان القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء والحدوث كون الشيء بعد ان لم يكن عرضا كان ذلك او جوهر او احداثه إيجاده بَعْدَ ذلِكَ الذي فعلت من التعدي أَمْراً يقتضى خلاف ما فعلته فيبدل ببغضها محبة وبالاعراض عنها إقبالا إليها ولا يتسنى تلافيه برجعة او استئناف نكاح فالامر الذي يحدثه الله تعالى ان يقلب قلبه عما فعله بالتعدي الى خلافه فالظلم عبارة عن ضرر دنيوى يلحقه بسبب تعديه ولا يمكن تداركه او عن مطلق الضرر الشامل للدنيوى والأخروي ويخص التعليل بالدنيوى ليكون احتراز الناس منه أشد واهتمامهم بدفعه أقوى وفى الآية دلالة على كراهة التطليق ثلاثا بمرة واحدة لان احداث الرجعة لا يكون بعد الثلاث ففى الثلاث عون للشيطان وفى تركها رغم له فان الطلاق من أهم مقاصده كما روى مسلم من حديث جابر رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان عرش إبليس على البحر فيبعث سراياه اى جنوده وأعوانه من الشياطين فيفتنون الناس فاعظمهم عنده(10/29)
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)
الأعظم فتنة يجيئ أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيأ ثم يجيئ أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته فيدنيه منه ويقول نعم أنت اى نعم المضل او الشرير أنت فيكون نعم بكسر النون فعل مدح حذف المخصوص به او نعم أنت ذاك الذي يستحق الإكرام فيكون بفتح النون حرف إيجاب فَإِذا بَلَغْنَ پس چون برسد زنان أَجَلَهُنَّ اى شارفن آخر عدتهن وهى مضى ثلاث حيض ولو لم تغتسل من الحيضة الثالثة وذلك لانه لا يمكن الرجعة بعد بلوغهن آخر العدة فحمل البلوغ على المشارفة كما قال فى المفردات البلوغ والبلاغ الانتهاء الى أقصى القصد والمبتغى مكانا كان او زمانا او أمرا من الأمور المقدرة وربما يعبربه عن المشارفة عليه وان لم ينته اليه مثل فاذا بلغن إلخ فانه للمشارفة فانها إذا انتهت الى أقصى الاجل لا يصح للزوج مراجعتها وإمساكها والاجل المدة المضروبة للشئ فَأَمْسِكُوهُنَّ اى فأنتم بالخيار فان شئتم فراجعوهن والرجعة عند ابى حنيفة تحصل بالقول وكذا بالوطئ واللمس والنظر الى الفرج بشهودة فيهما بِمَعْرُوفٍ بحسن معاشرة وانفاق لائق وفى الحديث (أكمل المؤمنين أحسنهم حلقا وألطفهم بأهله) أَوْ فارِقُوهُنَّ يا جدا شويد از ايشان وبگذاريد بِمَعْرُوفٍ بايفاء الحق واتقاء الضرار بأن يراجعها ثم يطلقها تطويلا للعدة وَأَشْهِدُوا كواه گيريد. اى عند الرجعة والفرقة قطعا للتنازع إذ قد تنكر المرأة بعد انقضاء العدة رجعته فيها وربما يموت أحدهما بعد الفرقة فيدعى الباقي منهما ثبوت الزوجية لاخذ الميراث وهذا امر ندب لا وجوب ذَوَيْ عَدْلٍ تثنية ذا منصوب ذو بمعنى الصاحب اى أشهدوا اثنين مِنْكُمْ اى من المسلمين كما قال الحسن او من أحراركم كما قاله قتادة يكونان عادلين لا ظالمين ولا فاسقين والعدالة هى الاجتناب عن الكبائر كلها وعدم الإصرار على الصغائر وغلبة الحسنات على السيئات والإلمام من غير اصرار لا يقدح فى العدالة إذ لا يوجد من البشر من هو معصوم سوى الأنبياء عليهم السلام كذا فى الفروع وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ ايها الشهود عند الحاجة خالصة لِلَّهِ تعالى وذلك ان يقيموها للمشهودله وعليه لالغرض من الأغراض سوى اقامة الحق ودفع الظلم فلو شهد لغرض لا لله برئ بها من وبال كتم الشهادة لكن لا يثاب عليها لان الأعمال بالنيات والحاصل ان الشهادة امانة فلا بد من تأدية الامانة كما قال تعالى ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات الى أهلها فلو كتمها فقد خان والخيانة من الكبائر دل عليه قوله تعالى ومن يكتمها فأنه آثم قلبه ذلِكُمْ اشارة الى الحث على الشهادة والاقامة او على جميع ما فى الآية من إيقاع الطلاق على وجه السنة وإحصاء العدة والكف عن الإخراج والخروج والاشهاد واقامة الشهادة بأدائها على وجهها من غير تبديل وتغيير يُوعَظُ بِهِ الوعظ زجر يقترن بتخويف مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إذ هو المنتفع به والمقصود تذكيره ولم يقل ذلكم توعظون به كما فى سورة المجادلة لتهيج المؤمنين على الغيرة فان من لا غيرة له لا دين له ومن مقتضى الايمان بالله مراعاة حقوق المعبودية والربوبية وباليوم الآخر الخوف من الحساب والعذاب(10/30)
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)
والرجاء للفضل والثواب فالمؤمن بهما يستحيى من الخالق والخلق فلا يترك العمل بما وعظ به ودلت الآية على ان للانسان يومين اليوم الاول هو يوم الدنيا واليوم الآخر هو يوم الآخرة واليوم عرفا زمان طلوع الشمس الى غروبها وشرعا زمان طلوع الفجر الثاني الى غروب الشمس وهذان المعنيان ليسا بمرادين هنا وهو ظاهر فيكون المراد مطلق الزمان ليلا كان او نهارا طويلا كان او قصيرا وذلك الزمان اما محدود وهو زمان الدنيا المراد باليوم الاول او غير محدود وهو زمان الآخرة المراد باليوم الآخر الذي لا آخر له لتأخره عن يوم الدنيا وجوزوا ان يكون المراد من اليوم الآخر ما يكون محدودا ايضا من وقت النشور الى ان يستقر الفريقان مقرهما من الجنة او النار فعلى هذا يمكن ان يكونا مستعارين من اليومين المحدودين بالطلوع والغروب اللذين بينهما زمان نوم ورقدة ويراد بما بين ذينك الزمانين زمان القرار فى القبور قبل النشور كما قال تعالى حكاية من بعثنا من مرقدنا وعلى هذا يقال ليوم الآخرة غد كما مر فى اواخر سورة الحشر قال بعض الكبار علمك باليقظة بعد النوم وعلمك بالبعث بعد الموت والبرزخ واحد غير ان للبرزخ بالجسم تعلقا فى النوم لا يكون بالموت وكما تستيقظ على ما نمت عليه كذلك تبعث على مامت عليه فهو امر مستقر فالعاقل يسعى فى اليوم المنقطع اليوم لا ينقطع ويحيى على الايمان والعمل ليكون موته ونشره عليهما وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فى طلاق البدعة فطلق للسنة ولم يضار المتعدة ولم يخرجها من مسكنها واحتاط فى الاشهاد وغيره من الأمور يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً مصدر ميمى اى خروجا وخلاصا مما عسى يقع فى شأن الأزواج من الغموم والوقوع فى المضايق ويفرج عنه ما يعتريه من الكروب وبالفارسية بيرون شدن. وقال بعضهم هو عام اى ومن يتق الله فى كل ما يأتى وما يذر يجعل له خروجا من كل ضيق يشوش البال ويكدر الحال وخلاصا من غموم الدنيا والآخرة وفيندرج فيه ما نحن فيه اندراجا أوليا وعن النبي عليه السلام انه قرأها فقال مخرجا من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدائد يوم القيامة وفى الجلالين من الشدة الى الرخاء ومن الحرام الى الحلال ومن النار الى الجنة او اسم مكان بمعنى يخرجه الى مكان يستريح فيه وفى فتح الرحمن يجعل له مخرجا الى الرجعة وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه سئل عمن طلق امرأته ثلاثا او ألفا هل له من مخرج فقال لم يتق الله فلم يجعل له مخرجا بانت منه بثلاث والزيادة اثم فى عنقه ويقال المخرج على وجهين أحدهما ان يخرجه من تلك الشدة والثاني ان يكرمه بالرضى والصبر فانه من قبيل العافية ايضا كما قال عليه السلام واسأل الله العافية من كل بلية فالعافية على وجهين أحدهما ان يسأله أن يعافيه من كل شىء فيه شدة فان الشدة انما يحل أكثرها من أجل الذنوب فكأنه سأل ان يعافيه من البلاء ويعفو عنه الذنوب التي من أجلها تخل الشدة بالنفس والثاني انه إذا حل به بلاء أن لا يكله الى نفسه ولا يخذله وان يكلأه ويرعاه وفى هذه المرتبة يصير البلاء ولاء والمحنة منحة والمقت مقة والألم لذة والصبر شكرا ولا يتحقق بها الا الكمل وَيَرْزُقْهُ بعد ذلك الجعل مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ من ابتدائية متعلقة بيرزقه اى من وجه لا يخطره بباله ولا يحتسبه فيوفى المهر ويؤدى الحقوق ويعطى النفقات قال فى عين المعاني من حيث لا يرتقب من الخان او يعتد من الحساب(10/31)
از سببها بگذر وتقوى طلب ... تا خدا روزى رساند بى سبب
حق رجايى بخشدت رزق حلال ... كه نباشد در كمان ودر خيال
قال عليه السلام انى لا علم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم ومن يتق الله فما زال يقرأها ويعيدها وعنه عليه السلام من اكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب (وروى) ان عوف بن مالك الأشجعي رحمه الله اسر المشركون ابنه سالما فأتى رسول الله فقال اسر ابني وشكا اليه الفاقة فقال عليه السلام اتق الله واكثر لا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم ففعل فبينما هو فى بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل غفل عنها العدو فاستاقها فنزلت (وقال الكاشفى) عوف بازن خود بقول حضرت عليه السلام عمل نمودند اندك فرصتى را پسر عوف از اهل شرك خلاص يافته و چهار هزار كوسفند ايشانرا رانده بسلامت بمدينه آمد واين آيت نازل شد كه هر كه تقوى ورزد روزى حلال يابد. وفى عين المعاني فأفلت ابنه بأربعة آلاف شاة وبالامتعة وفى الجلالين وأصاب إبلا لهم وغنما فساقها الى أبيه. آورده اند كه در روزكار خلافت عمر رضى الله عنه مردى بيامد واز عمر توليت عمل خواست تا در ديوان خلافت عامل باشد عمر كفت قرآن دانى كفت ندانم كه نياموخته ام عمر كفت ما عمل بكسى ندهيم كه قرآن نداند مرد بازگشت وجهدى ورنج عظيم بر خود نهاد در تعلم قرآن بطمع آنكه عمر او را عمل دهد چون قرآن بياموخت وياد كرفت بركات قرآن وخواندن ودانستن او را بدان جاى رسانيد كه در دل وى نه حرص ولايت ماند نه تقاضاى ديدار عمر پس روزى عمر او را ديد كفت يا هذا هجرتنا اى جوانمرد چهـ افتاد كه بيكبارگى هجرت ما اختيار كردى گفت يا امير المؤمنين تو نه از آن مردان باشى كه كسى وادارد كه هجرت تو اختيار كند ليكن قرآن بياموختم و چنان توانكر دل كشتم كه از خلق واز عمل بى نياز شدم عمر گفت آن كدام آيت است كه ترا بدين دركاه بى نيازى در كشيد كفت آن آيت كه در سورة الطلاق است (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) واعلم ان كل واحد من الضيق والرزق يكون دنيويا وأخرويا جسمانيا وروحانيا وان أعسر الضيق ما يكون أخرويا وأوفر الرزق ما يكون روحانيا فمن يتق الله حق التقوى يجعل له مخرجا من مضار الدارين ويرزقه من منافعهما فان قيل ان أتقى الأتقياء هم الأنبياء والأولياء مع ان أكثرهم ابتلى بالمشقة الشديدة والفاقة المديدة كما قال عليه السلام أشد البأس بلاء الأنبياء والأولياء ثم الأمثل فالامثل أجيب بأن أشد الشدة وأمد المدة ما يكون خروياوهم مأمونون من ذلك بلطف الله وكرمه الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون واما ما أصابهم فى الدنيا باختيارهم للأجر الجليل وبغير اختيار للصبر الجميل فله غاية حميدة ومنفعة عظيمة والله عليم حكيم بفعل ما يشاء ويحكم ما يريد قال بعضهم شكا اليه عليه السلام بعض الصحابة الفاقة فقال عليه السلام دم على الطهارة يوسع عليك الرزق فقال كم من مستديم للطهارة لا رتب له كفايته فضلا عن أن يوسع عليه ويوجه بأن تخلف؟؟؟ الإثم كالتوسيع(10/32)
مثلا لمانع لا ينافى الاقتضاء اى اقتضاء العلة لمعلولها واثرها اما عند القائلين بتخصيص العلة فظاهر واما عند غيرهم فيجعل عدم المانع جزء العلة ومن المانع الغفلة وغلبة بعض الجنايات وعند غلبة أحد الضدين لا يبقى للآخر تأثير. يقول الفقير والذي يقع فى قلبى ان اصحاب الطهارة الدائمة مرزوقون بأنواع الرزق المعنوي والغذاء الروحاني من العلوم والمعارف والحكم والحقائق والتضييق لبعضهم فى الرزق الصوري والغذاء الجسماني انما هو لتطبيق الفقر الظاهر بالباطن والفقر الباطن هو الغنى المطلق لقوله عليه السلام اللهم أغننى بالافتقار إليك فأصحاب الطهارة الدائمة مرزوقون ابدا اما ظاهرا وباطنا معا واما باطنا فقط على ان لاهلها مراتب من حيث البداية والنهاية ولن ترى من اهل النهاية محروما من الرزق مطلقا الا نادرا والله الغنى وفى التأويلات النجمية ومن يتق الله اى يجعل ذاته المطلقة جنة ذاته وصفاته وأفعاله تعالى جنة أفعاله باضافة الأشياء كلها خلقا وإيجادا الى ذاته وصفاته وأفعاله
يجعل له مخرجا من مضايق ذاته وصفاته وأفعاله الى وسائع ذاته وصفاته وأفعاله ويرزقه من حيث لا يحتسب من فيض اسمه الوهاب على طريق الوهب لا على طريق الكسب والاجتهاد وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ التوكل سكون القلب فى كل موجود ومفقود وقطع القلب عن كل علاقة والتعلق بالله فى جميع الأحوال فَهُوَ اى الله تعالى حَسْبُهُ بمعنى محسب اى كاف يعنى كافى المتوكل فى جميع أموره ومعطيه حتى يقول حسبى فان قلت إذا كان حكم الله فى الرزق لا يتغير فما معنى التوكل قلت معناه ان المتوكل يكون فارغ القلب ساكن الجاش غير كاره لحكم الله فلهذا كان التوكل محمودا قال عليه السلام لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا ومعناه تذهب أول النهار خماصا اى ضامرة البطون من الجوع وترجع آخر النهار بطانا اى ممتلئة البطون وليس فى الحديث دلالة على القعود على الكسب بل فيه ما يدل على طلب الرزق وهو قوله تغدو وتروح وانما التوكل بعد الحركة فى امر المعاش كتوكل الزارع بعد إلقاء الحب فى الأرض وكان السلف يقولون اتجروا واكتسبوا فانكم فى زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه وربما رأوا رجلا فى جماعة جنازة فقالوا له اذهب الى دكانك (وفى المثنوى)
كر توكل ميكنى در كار كن ... كشت كن پس تكيه بر جبار كن
رمز الكاسب حبيب الله شنو ... از توكل در سبب كاهل مشو
واما الذين قعدوا عن الحركة والكسب وهم الكمل فطريقتهم صعبة لا يسلكها كل ضامر فى الدين ودل الحديث المذكور على ان التوكل الحقيقي ان لا يرجع المتوكل الى رزق معين وغذآء موظف كالطير حتى لا ينتقض التوكل اللهم الا ان يكون من الكمل فان المعين وغيره سوآء عندهم لتعلق قلوبهم بالله لا بغيره وفى التأويلات النجمية ومن يتوكل فى رزق نفسه من الاحكام الشرعية وفى رزق قلبه من الواردات القلبية وفى رزق روحه من العطايا والمنح الالهية الروحانية فالله الاسم الأعظم حسبه من حيث الأسماء الكافية او التوكل نفسه حسبه فيكون الضمير راجعا الى التوكل إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ بالاضافة اى منفذ امره(10/33)
ومتم مراده وممضى قضائه فى خلقه فيمن توكل عليه وفيمن لم يتوكل عليه الا ان من توكل عليه يكفر عنه سيئاته ويعظم له اجرا وفى التأويلات النجمية ان الله بالغ امره فى كل مأمور بما هو منتهاه وأقصاه وقرئ بتنوين بالغ ونصب امره اى يبلغ ما يريد ولا يفوته مراد ولا يعجزه مطلوب (كما قال الكاشفى) رساننده است كار خود را بهر چاخواهد يعنى آنچهـ مراد حق سبحانه باشد ازو فوت نشود. وقرئ بالغ امره على الفاعلية اى نافذ امره وفى القاموس امر الله بلغ اى بالغ نافذ يبلغ اين أريد به قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ من الشدة والرخاء والفقر والغنى والموت والحياة ونحو ذلك قَدْراً اى تقديرا متعلقا بنفس ذاته وبزمانه وقومه وبجميع كيفياته وأوصافه وانه بالغ ذلك المقدر على حسب ما قدره وبالفارسية اندازه كه از ان در نكذرد او. مقدارا وحدا معينا او وقتا وأجلا ونهاية ينتهى اليه لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه ولا يتأتى تغييره يعنى با مقدارى از زمانكه پيش و پس نيفتد وفى التأويلات النجمية اى رتبة وكما لا يليق بذلك الشيء وقال القاشاني ومن يتوكل على الله بقطع النظر عن الوسائط والانقطاع اليه من الوسائل فهو كافيه يوصل اليه ما قدر له ويسوق اليه ما قسم لاجله من انصبة الدنيا والآخرة ان الله يبلغ ما أراد من امره لا مانع له ولا عائق فمن تيقن ذلك ما خاف أحدا ولا رجا وفوض امره اليه ونجا قد عين الله لكل امر حدا معينا ووقتا معينا فى الأزل لا يزيد بسعى ساع ولا ينتقص بمنع مانع وتقصير مقصر ولا يتأخر عن وقته ولا يتقدم عليه والمتيقن لهذا الشاهد له متوكل بالحقيقة انتهى وفى المفردات تقدير الله الأشياء على وجهين أحدهما بإعطاء القدرة والثاني أن يجعلها على مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضت الحكمة وذلك ان فعل الله ضربان ضرب أوجده بالفعل ومعنى إيجاده بالفعل انه أبدعه كاملا دفعة لا يعتريه الكون والفساد الى ان يشاء ان يغنيه او يبدله كالسموات وما فيها ومنه ما جعل أصوله موجودة بالفعل واجزائه بالقوة وقدره على وجه لا يتأتى غير ما قدر فيه كتقديره فى النواة ان ينبت منها النخل دون التفاح والزيتون وتقدير منى الآدمي ان يكون منه الإنسان دون سائر الحيوان فتقدير الله على وجهين أحدهما بالحكم منه ان يكون كذا ولا يكون كذا اما على سبيل الوجوب واما على سبيل الإمكان وعلى ذلك قوله تعالى قد جعل الله لكل شىء قدرا والثاني بإعطاء القدرة عليه انتهى والآية بيان لوجوب التوكل عليه وتفويض الأمر اليه لانه إذا علم ان كل شىء من الرزق وغيره لا يكون الا بتقدير الله وتوقيته لا يبقى الا التسليم للقدر والتوكل (قال الكاشفى) بناى اين آيت بر تقوى وتوكلست تقوى نفحه بوستان قربست واز رتبه معيت خبر دهد كه ان الله مع الذين اتقوا وتوكل رائحه كلزار كفايتست واز بوى ريحان محبت رسد كه ان الله يحب المتوكلين وبي اين دو صفت قدم در طريق تحقيق نتوان نهاد
سلوك راه معنى را توكل بايد وتقوى ... توكل مركب راهست وتقوى توشه رهرو
قال سهل قدس سره لا يصح التوكل الا للمتقين ولاتتم التقوى الا بالتوكل ولذلك قرن الله بينهما فقال ومن يتق الله إلخ وقال بعضهم من
تحقق فى التقوى هون الله على قلبه الاعراض(10/34)
وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)
عن الدنيا ويسر له امره فى الإقبال عليه والتزين بخدمته وجعله اماما لخلقه يقتدى به اهل الارادة فيحملهم على أوضح السنن وأوضح المناهج وهو الاعراض عن الدنيا والإقبال على الله تعالى وذلك منزلة المتقين وقال سهل رحمه الله من يكل أموره الى ربه فان الله يكفيه هم الدارين اجمع قال الربيع رحمه الله ان الله قضى على نفسه ان من توكل عليه كفاه ومن آمن به هداه ومن أقرضه جازاه ومن وثق به أنجاه ومن دعاه أتاه وتصديق ذلك فى كتاب الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه ومن يؤمن بالله يهد قلبه من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له ومن يعتصم بالله فقد هدى الى صراط مستقيم أجيب دعوة الداع إذا دعان وَاللَّائِي من الموصولات جمع التي يعنى آن زنان كه يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ اللاتي دخلتم بهن لكبرهن ويبسهن وقدروه بستين سنة وبخمس وخمسين فلو رأته بعد ذلك لا يكون حيضا قوله يئسن فعل ماض واليأس القنوط ضد الرجاء يقال يئس من مراده ييأس يأسا وفى معناه أيس يأيس يأسا وإياسا لا ايسا وفاعلهما آيس لا يائس يقال امرأة آيس إذا كان يأسها من الحيض دون آيسة لان التاء انما زيدت فى المؤنث إذا استعملت الكلمة للمذكر ايضا فرقا بينهما وإذا لم تستعمل له فأى حاجة الى الزيادة ومن ذلك يقال امرأة حائض وطالق وحامل بلا تاء إذا كان حملها من الولد واما إذا كان يأسها وحملها من غير الحيض وحمل الولد يقال آيسة وحاملة وفى المغرب اليأس انقطاع الرجاء واما الا ياس فى مصدر الآيسة من الحيض فهو فى الأصل ائياس على افعال حذفت منه الهمزة التي هى عين الكلمة تخفيفا والمحيض الحيض وهو فى اللغة مصدر حاضت الأنثى فهى حائض وحائضة اى خرج الدم من قبلها ويكون للأرنب والضبع والخفاش كما ذكره الجاحظ وفى القاموس حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا ومحاضا فهى حائض وحائضا من حوائض وحيض سال دمها والمحيض اسم ومصدر قيل ومنه الحوض لان الماء يسيل اليه والحيضة المرة انتهى وفى الشرع دم ينفضه رحم امرأة بالغة لا داء بها ولا إياس لها اى يجعلها الشارع منقطعة الرجاء عن رؤية الدم ومن الاولى لابتداء الغاية ومتعلقة بالفعل قبلها والثانية للتبيين ومتعلقة بمحذوف إِنِ ارْتَبْتُمْ من الارتياب بالفارسية بشك شدن.
اى شككتم وأشكل عليكم حكمهن لانقطاع دمهن بكبر السن وجهلتم كيف عدتهن فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ فقوله واللائي يئسن إلخ مبتدأ خبره فعدتهن وقوله ان ارتبتم اعتراض وجواب الشرط محذوف اى ارتبتم فيها فاعلموا انها ثلاثة أشهر كذا قالوا والأشهر جمع شهر وهو مدة معروفة مشهورة باهلال الهلال او باعتبار جزء من اثنى عشر جزأ من دوران الشمس من نقطة الى تلك النقطة قال فى القاموس الشهر العدد المعروف من الأيام لانه يشهر بالقمر وَاللَّائِي وآن زنان كه لَمْ يَحِضْنَ اى مار أين الدم لصغرهن اى فعدتهن ايضا كذلك فحذف ثقة بدلالة ما قبله عليه والشابة التي كانت تحيض فارتفع حيضها بعذر من الاعذار قبل بلوغها سن الآيسات فعند أبى حنيفة والشافعي لا تنقضى عدتها حتى يعاودها الدم فتعتد بثلاثة أقراء او تبلغ سن الآيسات فتعتد بثلاثة(10/35)
ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5) أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)
أشهر وضع السجاوندى الطاء الدالة على الوقف المطلق على وضعه وقانونه فى لم يحضن لا نقطاعه عما بعده وكان الظاهر أن يضع الميم الدالة على اللازم لان المتبادر الاتصال الموهم معنى فاسدا العله نظر الى ظهور عدم حمل التي لم تحض لصغرها وَأُولاتُ الْأَحْمالِ واحدتها ذات بمعنى صاحبة والأحمال جمع حمل بالفتح بالفارسية بار. والمراد الحبل اى الثقل المحمول فى الباطن وهو الولد فى البطن والمعنى وذوات الأحمال من النساء والحبالى منهن أَجَلُهُنَّ اى منتهى عدتهن أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ سوآء كن مطلقات او متوفى عنهن أزواجهن فلو وضعت المرأة حملها اى ولدت وحطت ما فى بطنها يعنى از بالا بزير آورد.
بعد طلاق الزوج او وفاته بلحظة انقضت عدتها وحلت للازواج فكيف بعد ساعة او يوم او شهر وقد نسخ به عموم قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن اربعة أشهر وعشرا لتراخى نزوله عن ذلك وقد صح ان سبيعة بنت الحارث الاسلمية ولدت بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك لرسول الله عليه السلام فقال قد حللت فتزوجى وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فى شأن أحكامه وحقوقه يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً اى يسهل عليه امره ويوفقه للخير ويعصمه من لمعاصى والشر بسبب التقوى فمن للبيان قدم على المبين للفواصل او بمعنى فى ذلِكَ المذكور من الاحكام وافراد الكاف مع ان الخطاب للجمع كما يفصح عنه ما بعده لما انها لمجرد الفرق بين الحاضر والمنقضى لا لتعيين خصوصية المخاطبين أَمْرُ اللَّهِ حكمه الشرعي أَنْزَلَهُ من اللوح المحفوظ إِلَيْكُمْ الى جانبكم وقال ابو الليث أنزله فى القرآن على نبيكم لتستعدوا للعمل به فاياكم ومخالفته وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ بالمحافظة على أحكامه يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ يسترها لرضاه عنه باتقانه وبالفارسية بپوشد خداى تعالى از وبديهاى ويرا. وربما يبدلها حسنات وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً بالمضاعفة وبالفارسية وبزرك سازد براى او مزد را يعنى او را مزد زياده دهد در آخرت. قال بعضهم يعطيه اجرا عظيما اى اجر كان ولذلك نكر فالتنكير للتعميم المنبئ عن التتميم قال فى برهان القرآن امر بالتقوى فى احكام الطلاق ثلاث مرات وعد فى كل مرة نوعا من الجزاء فقال اولا يجعل له مخرجا يخرجه مما دخل فيه وهو يكرهه ويهيئ له محبوبه من حيث لا يأمل وقال فى الثاني يسهل عليه الصعب من امره ويفتح له خيرا ممن طلقها والثالث وعد عليه الجزاء بأفضل الجزاء وهو ما يكون فى الآخرة من النعماء أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ مما قبله من الحث على التقوى كانه قيل كيف نعمل بالتقوى فى شان المعتدات فقيل أسكنوهن من حيث سكنتم اى بعض مكان سكناكم والخطاب للمؤمنين المطلقين مِنْ وُجْدِكُمْ اى من وسعكم اى مما تطيقونه يعنى مسكن ايشان بقدر طاقت وتواناى خويش سازيد والوجد القدرة والغنى يقال افتقر فلان بعد وجده وهو عطف بيان لقوله من حيث سكنتم وتفسير له وفى عين المعاني ومن لتبين الجنس لما فى حيث من الإبهام انتهى واعترض عليه ابو حيان بأنه لم يعهد فى عطف البيان إعادة العامل انما عهد ذلك فى البدل فالوجه جعله(10/36)
بدلا قال قتادة ان لم يكن الا بيت واحد أسكنها فى بعض جوانبه قال صاحب اللباب ان كانت الدار التي طلقها فيها ملكه يجيب عليه أن يخرج منها ويترك الدار لها مدة عدتها وان كانت باجارة فعليه الاجرة وان كانت عارية فرجع المعير فعليه ان يكترى لها دارا تسكنها قال فى كشف الاسرار واما المعتدة من وطئ الشبهة والمفسوخ نكاحها بعيب او خيار عتق فلا سكنى لها ولا نفقة وان كانت حاملا وَلا تُضآرُّوهُنَّ اى ولا تقصدوا عليهن الضرر فى السكنى بأى وجه كان فان المفاعلة قد لا تكون للمشاركة وبالفارسية ورنج مرسانيد مطلقات را لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ فى المسكن ببعض الأسباب من إنزال من لا يوافقهن او يشغل مكانهن او غير ذلك وتلجئوهن الى الخروج وبالفارسية براى آنكه تنك كردانيد بر ايشان مساكن ايشان. وفيه حث المروءة والمرحمة ودلالة على رعاية الحق السابق حتى يتيسر لها التدارك فى امر المعيشة من تزوج آخر أو غيره وَإِنْ كُنَّ اى المطلقات أُولاتِ حَمْلٍ ذوات حبل وبالفارسية خداوند بار. يعنى حاملة وأولات منسوب بالكسر على قانون جمع المؤنث وتنوين حمل للتعميم يعنى اى حمل كان قريب الوضع او بعيده فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فيخرجن من العدة وتتخلصوا من كلفة الإحصاء ويحل لهن تزوج غيركم أيا شئن فالبائن بالطلاق إذا كانت حاملا لها النفقة والسكنى بالاتفاق واما البائن الحائل اى غير الحامل فتستحق النفقة والسكنى عند أبى حنيفة كالحامل الى أن تنقضى عدتها بالحيض او بالأشهر خلافا للثلاثة واما المتوفى عنهن أزواجهن فلا نفقة لهن من التركة ولا سكنى بل تعتد حيث تشاء وان كن أولات حمل لوقوع الإجماع على ان من اجبر الرجل على النفقة عليه من امرأة او ولد صغير لا يجب أن ينفق عليه من ماله بعد موته فكذا المتوفى عنها الحامل
وهو قول الأكثرين قال ابو حنيفة تجب النفقة والسكنى لكل مطلقة سوآء كانت مطلقة بثلاث او واحدة رجعية او بائنة مادامت فى العدة اما المطلقة الرجعية فلانها منكوحة كما كانت وانما يزول النكاح بمضى العدة وكونه فى معرض الزوال بمضى العدة لا يسقط نفقتها كما لو آلى وعلق طلاقها بمضى شهر فالمطلقة الرجعية لها النفقة والسكنى بالإجماع واما المبتوتة فعندنا لها النفقة والسكنى مادامت فى العدة لقوله تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم إذا المعنى اسكنوا المعتدات مكانا من المواضع التي تسكنونها وأنفقوا عليهن فى العدة من سعتكم لما قرأ ابن مسعود رضى الله عنه أسكنوهن من حيث سكنتم وأنفقوا عليهن من وجدكم وعند الشافعي لها السكنى لهذه الآية ولا نفقة لها الا أن تكون حاملا لقوله تعالى وان كن أولات حمل إلخ فان قلت فاذا كانت كل مطلقة عندكم يجب لها النفقة فما فائدة الشرط فى قوله وان كن أولات حمل إلخ قلت فائدته ان مدة الحمل ربما طالت فظن ظان ان النفقة تسقط إذا مضى مقدار عدة الحامل فنفى ذلك الوهم كما فى الكشاف فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ الرضاع لغة شرب اللبن من الضرع او الثدي وشريعة شرب الطفل حقيقة او حكما للبن خالص او مختلط غالبا من آدمية فى وقت مخصوص والإرضاع شير دادن يعنى هؤلاء المطلقات ان أرضعن لكم ولدا من غير هن او منهن بعد انقطاع عصمة الزوجية(10/37)
لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)
وعلاقة النكاح قال لكم ولم يقل أولادكم لما قال تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة فالاب يجب عليه إرضاع الولد دون الام وعليه أن يتخذ له ظئز الا إذا تطوعت الام بارضاعه وهى مندوبة الى ذلك ولا تجبر عليه ولا يجوز استئجار الام عند أبى حنيفة رحمه الله ما دامت زوجة معتدة من نكاح فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ على الإرضاع ان طلبن اورجون فان حكمهن فى ذلك حكم الاظآر حينئذ قال فى اللباب فان طلقها فلا يجب عليها الإرضاع الا أن لا يقبل الولد ثدى غيرها فيلزمها حينئذ فان اختلفا فى الاجرة فان دعت الى اجرة المثل وامتنع الأب إلا تبرعا فالام اولى بأجر المثل إذ لا يجد الأب متبرعة وان دعا الأب الى اجر المثل وامتنعت الام لتطلب شططا فالأب اولى به فان أعسر الأب بأجرتها أجبرت على إرضاع ولدها انتهى ان قيل ان الولد للأب فلم لا يتبعه فى الحرية والرقية بل يتبع الام لانها إذا كانت ملكا لغير الأب كان الولد ملكا له وان كان الأب حرا وإذا كانت حرة كان الولد حرا وان كان الأب رقيقا أجيب بأن الفقهاء قالوا فى وجهه رجح ماء الام على ماء الأب فى الملكية لان ماءها مستقر فى موضع وماء الأب غير معلوم أفادت هذه المسألة ان المالكية تغلب الوالدية والتحقيق ان الاحكام شرعية لا عقلية والعلم عند شارعها يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وَأْتَمِرُوا ايها الآباء والأمهات بَيْنَكُمْ ميان يكدكر در كار فرزند بِمَعْرُوفٍ اى تشاوروا وحقيقته ليأمر بعضكم بعضا بجميل فى الإرضاع والأجر وهو المسامحة ولا يكن من الأب مماكسة ولا من الام معاسرة لانه ولدهما معا وهما شريكان فيه فى وجوب الإشفاق عليه فالائتمار بمعنى التآمر كالاشتوار بمعنى التشاور يقال ائتمر القوم وتآمروا إذا امر بعضهم بعضا يعنى الافتعال قد يكون بمعنى التفاعل وهذا منه وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ يقال تعاسر القوم إذا تحروا تعسير الأمر اى تضايقتم وبالفارسية واگر دشوار كنيد ومضايقه نماييد اى پدر ومادر رضاع ومزد دادن يعنى شوهر از اجرا با كند يا زن شير ندهد فَسَتُرْضِعُ لَهُ اى للأب كما فى الكشاف وهو الموافق لقوله فان أرضعن لكم او للصبى والولد كما فى الجلالين وتفسير الكاشفى ونحوهما وفيه ان الظاهر حينئذ أن يقول فسترضعه أُخْرى اى فستوجد ولا تعوز مرضعة اخرى غير الام ترضعه يعنى مرد دايه كيرد براى رضيع خود ومادر را بإكراه وإجبار نفرمايد. وفيه معاتبة للام على المعاسرة كما تقول لمن تستقضيه حاجة فيتوانى سيقضيها غيرك تريد ان تبق غير مقضية فأنت ملوم قال سعدى المفتى ولا يخلو عن معاتبة الأب ايضا حيث أسقط فى الجواب عن حيز شرف الخطاب مع الاشارة الى انه ان ضوبقت الام فى الاجر فامتنعت من الإرضاع لذلك فلا بد من إرضاع امرأة اخرى وهى ايضا تطلب الأجر فى الأغلب الأكثر والام اشفق واحن فهى به اولى وبما ذكرنا يظهر كمال الارتباط بين الشرط والجزاء لِيُنْفِقْ لام الأمر ذُو سَعَةٍ خداوند فراخى وتوانكرى مِنْ سَعَتِهِ از غناى خود يعنى بقدر تواناى خويش بر مطلقه ومرضعة نفقه كنيد. ومن متعلقة بقوله لينفق وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ اى ضيق وكان بمقدار القوت وبالفارسية وهر كه تنك(10/38)
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8)
كرده شده است برو روزى او يعنى فقير وتنكدست است. ومن هذا المعنى اشتق الا قدراى القصير العنق وفرس اقدر يضع حافر رجله موضع حافريده وقوله تعالى وعلى الموسع قدره وعلى المقتر قدره اى ما يليق بحاله مقدرا عليه فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ وان قل اى لينفق كل واحد من الموسر والمعسر ما يبلغه وسعه ويطيقه لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها من المال جل أو قل فانه تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها وبالفارسية وتكليف نفرمايد خداى تعالى هيچ تنى را مكر آنچهـ بدو عطا كرده است از مال يعنى تكليف مالا يطاق نفرمايد.
وقد أكد ذلك بالوعد حيث قال سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً اى عاجلا او آجلا إذ ليس فى السين دلالة على تعين زمان وكل آت قريب ولو كان الآخرة وبالفارسية زود باشد كه پديد آرد خداى تعالى بعد از دشوارى وتنكدستى آسانى وتوانكرى. فلينتظر المعسر اليسر وفرج الله فان الانتظار عبادة وفيه تطييب لقلب المعسر وترغيب له فى بذل مجهوده ووعد لفقراء الأزواج لا لفقراء ذلك الوقت عموما كما جوزه الزمخشري حيث قال موعد لفقراء ذلك الوقت بفتح أبواب الرزق عليهم او لفقراء الأزواج ان أنفقوا ما قدروا عليه ولم يقصروا. يقول الفقير لا بعد فى ذلك من حيث ان القرآن ليس بمحصور ولا التفات فى مثل هذا المقام الى سوق الكلام قال البقلى سيجعل الله بعد ضيق الصدر من الاهتمام بالرزق وإنفاقه سعة الصدر ويسر السخاء والطمأنينة والرضى بالله وايضا سيجعل الله بعد عسر الحجاب للمشتاقين يسر كشف النقاب وفى التأويلات النجمية يعنى كل ذى سعة مأمور بانفاق ما يقدر على إنفاقه فالخفى المنفق عليه من جانب الحق ينفق على الروح من سعته والروح ينفق على السر من سعته والسر ينفق على القلب من سعته والقلب ينفق على النفس من سعته والنفس ينفق على الصدر من سعته والصدر ينفق على الجسم من سعته ومن قدر عليه رزقه من الفيوض الالهية فلينفق مما آتاه الله بحسب استعداده لا يكلف الله نفسا الا ما آتاها فى استعدادها الأزلي وقابليتها الغيبية سيجعل الله بعد عسر انقطاع الفيض يسر اتصال الفيض وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ بمعنى كم الخبرية فى كونها للتكثير والقرية اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس والمعنى وكثير من اهل قرية وبالفارسية وبسيار از اهل ديهى وشهرى. فهو من حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه ثم وصفه بصفته او من المجاز العقلي والاسناد الى المكان وهذه الآية تحذير للناس عن المخالفة فى الاحكام المذكور وتأكيد لا يجابها عليهم عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ قال فى المفردات العتو النبو عن الطاعة وفى القاموس عتا عتو او عتيا وعتيا استكبر وجاوز الحد فهو عات وعتى انتهى والعتو لا يتعدى بعن وانما عدى بها لتضمينه معنى الاعراض كأنه قيل أعرضت عن امر ربها وامر رسل ربها بسبب التجاوز عن الحد فى التكبر والعناد وفى إيراده صفة الرب توبيخ لهم وتجهيل لما ان عصيان العبيد لربهم ومولاهم طغيان وجهل بشأن سيدهم ومالكهم وبمرتبة أنفسهم ودوام احتياجهم اليه فى التربية قوله وكأين مبتدأ ومن قرية بيان له وعتت خبر المبدأ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً اى ناقشناها فى الحساب وضيقنا وشددنا عليها فى الدنيا وأخذناها بدقائق ذنوبها وجرائمها(10/39)