إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135)
كرد از ذرية قومى ديكر كه پدران شما بودند] إِنَّ ما تُوعَدُونَ اى الذي توعدون من البحث والعذاب لَآتٍ لواقع لا محالة لا خلف فيه وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ اى بفائتين ذلك وان ركبتم فى الهرب متن كل صعب وذلول قُلْ لاهل مكة يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ المكانة مصدر بمعنى التمكن وهو القوة والاقتدار اى اعملوا على غاية تمكنكم ونهاية استطاعتكم يعنى اعملوا ما أنتم عاملون واثبتوا على كفركم وعداوتكم إِنِّي عامِلٌ ما كتب على من المصابرة والثبات على الإسلام والاستمرار على الأعمال الصالحة. والأمر للتهديد من قبيل الاستعارة تشبيها للشر المهدد عليه بالمأمور به الواجب الذي لا بد ان يكون قال فى التأويلات النجمية اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ اى على ما جبلتم عليه نظيره قوله قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ استفهامية او موصولة تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ اى أينا تكون له العاقبة المحمودة التي خلق الله تعالى هذه الدار لها او فسوف تعرفون الذي له العاقبة الحسنى فالدار دار الدنيا والعاقبة الاصلية لهذه الدار هى عاقبة الخير واما عاقبة السوء فمن نتائج تحريف الفجار إِنَّهُ اى ان الشان لا يُفْلِحُ يسعد الظَّالِمُونَ اى الكافرون اى لا يظفرون بمرادهم وبالفارسي [بدرستى كه پيروزى ورستكارى نيابند ستمكاران يعنى كفار. صاحب كشف الاسرار فرموده كه هم درين روزى بدانيد كه دنيا كجا رسد ودولت فلاح كرا رسد بينيد كه درويشان شكسته بال را بسراى كرامت چون خوانند وخواجكان صاحب اقبال را سوى زندان ندامت چون رانند]
باش تا كل يابى آنها را كه امروزند جزو ... باش تا كل بينى انها را كه امروزند خار
تا كه از دار الغرورى ساختن دار السرور ... تا كى از دار الفرارى ساختن دار القرار
وليس الفلاح الا فى العلم والعمل وترك الدنيا والكسل والذلل- حكى- عن بعضهم انه دخل عليه بعض الفقراء ولم يجد فى بيته شيأ من المتاع فقال اما لكم شىء قال بلى لنا داران إحداهما دار أمن والاخرى دار خوف فما يكون لنا من الأموال ندخره فى دار الا من يعنى نقدمه للدار الآخرة فقال له انه لا بد لهذا المنزل من متاع فقال ان صاحب هذا المنزل لا يدعنا فيه وذلك ان الدنيا عارية ولا بد للمعير ان يرجع فى عاريته فعاقبة الدار انما هى للاخيار الأبرار الذين عملوا الله فى ليلهم ونهارهم ولم ينقطعوا عن التوجه اليه حال سكونهم وقرارهم وكان شاب يجتهد فى العبادة فقيل له فى ذلك فقال رأيت فى منامى قصرا من قصور الجنة مبنيا بلبنة من ذهب ولبنة من فضة وكذلك شراريفه وبين كل شرافتين حورية لم يرالراؤون مثلها لما بها من الحسن والجمال وقد ارخين ذوائب شعورهن فتبسمت إحداهن فى وجهى فانارت الجنة بنور ثناياها ثم قالت يافتى جد لله تعالى فى طلبى لاكون لك وتكون لى فاستيقظت فحقيق على ان أجد فاذا كان هذا الاجتهاد فى طلب حورية فكيف بمن يطلب رب الحورية
فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ ... كه كار عشق ز ما اين قدر نمى آيد
فظهر ان الاجتهاد فى طريق الحق له عاقبة حميدة فانه موصل الى الجنة والقربة والوصلة فسيظهر اثره فى الدار الآخرة. واما الظالمون الذين أفسدوا استعداداتهم بما عملوا من المعاصي(3/108)
وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136) وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137) وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138) وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140)
فانهم لا يفلحون بمثل هذه السعادة بل يرجعون الى دار البوار وحالهم فى الدنيا هى الخسارة لا غير فان الباطل يفور ثم يغور والدولة فى الدنيا والآخرة لاهل الايمان والخلاص من التنزل لا يحصل الا بالايمان فمن دخل فى حصن الايمان وقوة اليقين يترقى الى ما شاء الله تعالى من الدرجات والشيطان وان كان ينبح عليه خارج الحصن لكنه لا يضره وفى الحديث (جددوا ايمانكم) والمراد الانتقال من مرتبة الى مرتبة فان اصل الايمان قدتم بالأول ولكن الايمان على ثمانى عشرة مرتبة والعناية من الله تعالى وتوحيد كل شخص على قدر يقينه وهو قد يكون على قدر يقينه فى ملك وجوده وقد لا يكون على قدر هذا اليقين فالذين يظهرون الدعوى فتوحيدهم فى ملك وجودهم فقط فلو انهم جاوزوا الى هذا اليقين لندموا عليها ورغبوا عن أنفسهم فعلى العاقل ان لا يسامح فى باب الدين بل يجتهد فى تحصيل اليقين فان الاجتهاد باب لهذا التحصيل ووسيلة فى طريقة التكميل وان كان الله تعالى هو الموصل برحمته الخاصة والمؤثر فى كل الأمور اللهم اجعلنا من اهل التوحيد الحقانى وشرفنا بالايمان العيانى فانك الغنى ونحن الفقراء وَجَعَلُوا اى مشركوا العرب لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ اى خلق مِنَ الْحَرْثِ اى الزرع وَالْأَنْعامِ نَصِيباً ولشركائهم ايضا نصيبا فَقالُوا هذا النصيب لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ اى بادعائهم الباطل من غير ان يكون ذلك بامر الله تعالى وَهذا لِشُرَكائِنا اى آلهتنا التي شاركونا فى أموالنا من المتاجر والزروع والانعام وغيرها فهو من الشركة لا من الشرك والاضافة الى المفعول- روى- انهم كانوا يعينون شيأ من الحرث والنتاج لله ويصرفونه الى الضيفان والمساكين وشيأ منهما لآلهتهم وينفقونه على سدنتها ويذبحونه عندها ثم ان رأوا ما عينو الله ازكى رجعوا وجعلوه لآلهتهم وان رأوا ما لآلهتهم از كى تركوه معتلين بان الله تعالى غنى وما ذلك الا لحب آلهتهم وإيثارهم لها فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ من نماء الحرث والانعام فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ اى الى المساكين والأضياف وقالوا لو شاء الله زكى نصيب نفسه وَما كانَ لِلَّهِ من ذلك النماء فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ بذبح النسائك عندها والاجراء على سدنتها لانهم إذا لم ينم نصيب الآلهة يبدلون ذلك النامي الذي عينوه لله تعالى ويجعلونه لآلهتهم ساءَ ما يَحْكُمُونَ اى ساء الذي يحكمون حكمهم فيما فعلوا من إيثار آلهتهم على الله تعالى وعملهم بما لم يشرع لهم وَكَذلِكَ ومثل ذلك التزيين وهو تزيين الشرك فى قسمة القربان بين الله تعالى وبين آلهتهم زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ اى أولياؤهم من الجن او من السدنة فقوله قتل مفعول زين وشركاؤهم فاعله وكان اهل الجاهلية يدفنون بناتهم احياء خوفا من الفقر او من التزويج او من السبي وكان الرجل منهم يحلف بالله لئن ولد له كذا وكذا غلاما لينحزن أحدهم كما حلف عبد المطلب على ابنه عبد الله- روى- ان عبد المطلب رأى فى المنام انه يحفر زمزم ونعت له موضعها وقام يحفر وليس له ولد يومئذ الا الحارث فنذر لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا لينحرن أحدهم لله تعالى عند الكعبة فلما تموا عشرة أخبرهم بنذره فاطاعوه وكتب كل واحد منهم اسمه فى قدح فخرج على(3/109)
وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138) وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140)
عبد الله فاخذ الشفرة لينحر فقامت قريش من أنديتها فقالوا لا تفعل حتى ننظر فيه فانطلق به الى عرّافة فقالت قربوا عشرا من الإبل ثم اضربوا عليه وعليها القداح فان خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم وإذا خرجت على الإبل فقد رضى ربكم ونجا صاحبكم فقربوا من الإبل عشرا فخرج على عبد الله فزاد عشرا عشرا فخرجت فى كل مرة على عبد الله الى ان قرب مائة فخرج القدح على الإبل فنحرت ثم تركت لا يصدّ عنها انسان ولا سبع ولذلك قال عليه السلام (انا ابن الذبيحين) يريد أباه عبد الله واسمعيل عليه السلام لِيُرْدُوهُمْ اى ليهلكوهم بالإغواء وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وليخلطوا عليهم ما كانوا عليه من دين اسمعيل عليه السلام واللام للتعليل ان كان التزيين من الشياطين وللعاقبة ان كان من السدنة لظهور ان قصد السدنة لم يكن الإرداء واللبس وانما كان ذلك قصد الشياطين وَلَوْ شاءَ اللَّهُ اى عدم فعلهم ذلك ما فَعَلُوهُ اى ما فعل المشركون ما زين لهم من القتل فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ الفاء فصيحة اى إذا كان ما فعلوه بمشيئة الله تعالى فدعهم وافتراءهم على الله انه أمرهم بدفن بناتهم احياء فان الله تعالى مع قدرته عليهم تركهم فاتركهم أنت فان لهم موعدا يحاسبون فيه ولله تعالى فيما شاء حكم بالغة وَقالُوا هذِهِ اشارة الى ما جعلوه لآلهتهم أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ اى حرام لا يَطْعَمُها بالفارسي [نچشد ونخورد آنرا] إِلَّا مَنْ نَشاءُ يعنون خدم الأوثان والرجال دون النساء بِزَعْمِهِمْ اى قالوه ملتبسين بزعمهم الباطل من غير حجة وَأَنْعامٌ خبر مبتدأ محذوف والجملة معطوفة على قوله تعالى هذه انعام اى قالوا مشيرين الى طائفة اخرى من أنعامهم اى وهذه انعام حُرِّمَتْ ظُهُورُها يعنون بها البحائر والسوائب والحوامي وَأَنْعامٌ اى وهذه انعام كما مر وقوله تعالى لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صفة لانعام لكنه غير واقع فى كلامهم المحكي كنظائره بل مسوق من جهته تعالى تعييننا للموصوف وتمييزا له عن غيره كما فى قوله تعالى إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ على أحد التفاسير كأنه قيل وانعام ذبحت على الأصنام فانها التي لا يذكر عليها اسم الله وانما يذكر عليها الأصنام افْتِراءً عَلَيْهِ اى افتروا على الله افتراء يعنى انهم يفعلون ذلك ويزعمون ان الله تعالى أمرهم به سَيَجْزِيهِمْ بالفارسي [زود باشد كه خدا جزا دهد ايشانرا] بِما كانُوا يَفْتَرُونَ اى بسبب افترائهم وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ يعنون به اجنة البحائر والسوائب خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا اى حلال للرجال خاصة دون الإناث وتأنيث خالصة محمول على معنى ما وتذكير محرم محمول على لفظه وهذا الحكم منهم ان ولد ذلك حيا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً اى ولدت ميتة فَهُمْ فِيهِ اى ما فى بطون الانعام شُرَكاءُ يأكلون منه جميعا ذكورهم وإناثهم سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ اى جزاء وصفهم الكذب على الله تعالى فى امر التحليل والتحريم إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ تعليل للوعد بالجزاء فان الحكيم العليم بما صدر عنهم لا يكاد يترك جزاءهم الذي هو من مقتضيات الحكمة قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ جواب قسم محذوف وهم ربيعة ومضر واضرابهم من العرب الذين كانوا يئدون بناتهم(3/110)
محافظة السبي والفقر اى خسروا دينهم ودنياهم بالفارسي [زيان كردند] سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ متعلق بقتلوا على انه علة له وبغير علم صفة لسفها اى لخفة عقلهم وجهلهم بان الله تعالى هو الرزاق لهم ولا ولادهم وَحَرَّمُوا على أنفسهم ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ من البحائر ونحوها افْتِراءً عَلَى اللَّهِ اى افتروا على الله افتراء حيث قالوا ان الله أمرهم بها قَدْ ضَلُّوا عن الطريق المستقيم وَما كانُوا مُهْتَدِينَ اليه وان هدوا بفنون الهدايات- روى- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان رجلا من أصحابه كان لا يزال مغتما بين يديه فقال عليه السلام (مالك تكون محزونا) فقال يا رسول الله انى قد أذنبت فى الجاهلية ذنبا فاخاف ان لا يغفر لى وان أسلمت فقال عليه السلام (أخبرني عن ذنبك) فقال يا رسول الله انى كنت من الذين يقتلون بناتهم فولدت لى بنت فشفعت الىّ امرأتى ان اتركها فتركتها حتى كبرت وأدركت فصارت من أجمل النساء فخطبوها فدخلت على الحمية ولم يتحمل قلبى ان أزوجها او اتركها فى البيت بغير زوج فقلت للمرأة انى أريد ان اذهب الى قبيلة كذا فى زيارة اقربائى
فابعثيها معى فسرت بذلك وزينتها بالثياب والحلل وأخذت على المواثيق بان لا اخونها فذهبت بها الى رأس بئر فنظرت فى البئر ففطنت الجارية بي انى أريد ان ألقيها فى البئر فالتزمتنى وجعلت تبكى وتقول يا ابى أي شىء تريد ان تفعل بي فرحمتها ثم نظرت فى البئر فدخلت على الحمية ثم التزمتنى وجعلت تقول يا ابى لا تضيع امانة أمي فجعلت مرة انظر الى البئر ومرة انظر إليها وارحمها وغلبنى الشيطان فاخذتها وألقيتها فى البئر منكوسة وهى تنادى فى البئر يا ابى قتلتنى فمكثت هناك حتى انقطع صوتها فرجعت فبكى رسول الله وقال (لو أمرت ان أعاقب أحدا بما فعل فى الجاهلية لعاقبتك بما فعلت) واعلم انهم لما انسد عليهم طريق الثقة بالله حملتهم خشية الفقر على قتل الأولاد ولذلك قال اهل التحقيق من امارات اليقين وحقائقه كثرة العيال على بساط التوكل قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر من دخل هذا الطريق وهو ذو زوج فلا يطلق او عزب فلا يتزوج حتى يكمل فاذا كمل فهو فى ذلك على ما يلقى اليه ربه انتهى واختار اكثر الكمل موت أولادهم لان كل ما يشغل الطالب عن الله من الأموال والأولاد فهو فتنة ومنهم ابراهيم بن أدهم حيث اجتمع بولده بمكة فرأى فى قلبه ميلا اليه فقال الهى أمتني او هذا مشيرا الى ولده فمات والأنسب ان يدفعه من قلبه بالتوحيد ولا يدعو عليه بالموت لان الدعاء تصرف من عند نفسه والمتصرف فى الحقيقة هو الله فاذا ادخل عبده فى امر لا يتولى العبد إخراج نفسه منه بل يصير وينتظر الى امر الله تعالى وقلة المال مع كثرة العيال والصبر عليها من المجاهدات المعتبرة عند السلاك قال حضرة الشيخ افتاده افندى خطابا لحضرة الهدايى إذا اظهر اهل بيتك جوعا شديدا ورأيتهم قد أشرفوا على الهلاك فعليك ان تتوكل على الله وتسلم الأمر اليه بان تقول عن صميم قلبك لا بمجرد لسانك الهى انا عبد ذليل مثلهم وهم عبادك فامرى وأمرهم إليك لا أحل انا بينك وبين عبادك يتم المقصود بالسهولة ويقضى الرب جميع حوائجك قال ويكون توكل الطالب على وجه لو ان أولاده ما توا من الجوع لما ترحم(3/111)
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)
عليهم بل قال هذا الرب وهذا عبده وأفوض امرى الى الله ان الله بصير بالعباد: قال الصائب
فكر آب او دانه در كنج قفس بيحاصلست ... زير چرخ انديشه روزى چرا باشد مراد
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ اى خلق يقال نشأ الشيء نشأة إذا ظهر وارتفع وانشأه الله تعالى اى أظهره ورفعه جَنَّاتٍ اى بساتين من الكروم مَعْرُوشاتٍ اى مرفوعات على ما يحملها من خشب ونحوه وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ ملقيات على وجه الأرض فان بعض الأعناب يعرش وبعضها لا يعرش بل يلقى على وجه الأرض منبسطا او المعروشات الأعناب التي يجعل لها عروش وغير المعروشات كل ما نبت منبسطا على وجه الأرض مثل القرع والبطيخ او المعروشات ما يحتاج الى ان يتخذ له عريش يحمل عليه فيمسكه وهو الكرم وما يجرى مجراه وغير المعروش ما لا يحتاج اليه بل يقوم على ساقه كالنخل والزرع ونحوهما من الأشجار والبقول او المعروشات ما يحصل فى البساتين والعمرانات مما يهتم به الناس ويغرسونه وغير المعروشات ما أنبته الله تعالى فى البراري والجبال وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ اى انشأهما وافرادهما بالذكر مع انهما داخلان فى الجنات لكونهما أعم نفعا من جملة ما يكون فى البساتين والمراد بالزرع هاهنا جميع الحبوب التي يقتات بها مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ حال مقدرة إذ ليس كذلك وقت الإنشاء اى انشأ كل واحد منهما فى حال اختلاف ثمره الذي يؤكل فى الهيئة والكيفية قال البغوي ثمره وطعمه منها الحلو والحامض والجيد والردى وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ اى انشأهما مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ نصب على الحالية اى يتشابه بعض افرادهما فى اللون والهيئة والطعم ولا يتشابه بعضها مثل الرمانين لونهما واحد وطعمهما مختلف كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ اى من ثمر كل واحد من ذلك إِذا أَثْمَرَ وان لم يدرك ولم يينع بعد ففائدة التقييد بقوله إذا اثمر اباحة الاكل منه قبل إدراكه وينعه وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ أشهر الأقوال على ان المراد ما كان يتصدق به على المساكين يوم الحصاد اى يوم قطع العنب والنخل ونحوهما بطريق الوجوب من غير تعيين المقدار حتى نسخه افتراض العشر فيما يسقى بماء السماء ونصف العشر فيما يسقى بالدلو والدالية او نحوهما وَلا تُسْرِفُوا اى فى التصدق كما روى ان ثابت بن قيس جذ خمسائة نخلة فقسمها فى يوم واحد ولم يترك لاهله شيأ وقد جاء فى الخبر (ابدأ بمن تعول) وقيل الخطاب للسلاطين اى لا تأخذوا فوق حقكم إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ اى لا يرضى فعلهم وَمِنَ الْأَنْعامِ اى انشأ من الانعام حَمُولَةً ما يحمل عليه الأثقال وَفَرْشاً وما يفرش للذبح او يتخذ من صوفه ووبره وشعره ما يفرش ولعله من قبيل التسمية بالمصدر كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ من تبعيضية وما عبارة عن الحمولة والفرش اى كلوا بعض ما رزقكم الله اى حلاله وفيه تصريح بان انشاءها لاجلهم ومصلحتهم وتخصيص الاكل بالذكر من غير تعرض للانتفاع بالحمل والركوب وغير ذلك مما حرموه فى السائبة وأخواتها لكونه معظم ما ينتفع به ويتعلق به الحل والحرمة وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ اى لا تسلكوا الطريق التي سولها الشيطان لكم فى امر التحليل والتحريم فانه لا يدعوكم الا الى المعصية إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ اى ظاهر العداوة وقد ابان عداوته لابيكم آدم عليه السلام ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ بدل من حمولة وفرشا(3/112)
وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)
والزوج ما معه آخر من جنسه يزاوجه ويحصل منهما النسل فالاثنان المصطحبان يقال لهما زوجان لا زوج فعلى هذا يقول مقراضان ومقصان لا مقراض ومقص لانهما اثنان والمراد بالأزواج الثمانية الأنواع الاربعة لانها باعتبار مزاوجها ثمانية مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ بدل من ثمانية ازواج اى انشأ من الضان زوجين الكبش والنعجة والضأن معروف وهو ذو الصوف من النعم وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ اى انشأ من المعز زوجين التيس والعنز والمعز ذو الشعر من النعم قُلْ لهم يا محمد آلذَّكَرَيْنِ من ذينك النوعين وهما الكبش والتيس حَرَّمَ اى الله تعالى كما تزعمون انه هو المحرم أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ وهما النعجة والعنز أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ اى أم ما حملت إناث النوعين حرم ذكرا كان او أنثى نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ اى أخبروني بامر معلوم من جهة الله تعالى من الكتاب او اخبار الأنبياء يدل على انه تعالى حرم شيأ مما ذكر إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فى دعوى التحريم عليه سبحانه وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ عطف على قوله تعالى من الضأن اثنين اى وانشأ من الإبل اثنين هما الجمل والناقة وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ذكر او أنثى قُلْ إفحاما لهم ايضا آلذَّكَرَيْنِ منهما حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ من ذينك النوعين والمعنى انكار ان الله تعالى حرم عليهم شيأ من الأنواع الاربعة ذكرا وأنثى او ما يحمل إناثها ردا عليهم فانهم كانوا يحرمون ذكور الانعام تارة كالحام فانه إذا نتجت من صلب الفحل عشرة ابطن حرموه ولم يمنعوه ماء ولا مرعى وقالوا انه قد حمى ظهره وكالوصيلة فان الشاة إذا ولدت أنثى فهى لهم وان ولدت ذكرا فهو لآلهتهم وان ولدتهما وصلت الأنثى أخاها ويحرمون إناثها تارة كالبحيرة والسائبة فانه إذا نتجت الناقة خمسة ابطن آخرها ذكر بحروا اذنها وخلوا سبيلها فلا تركب ولا تحلب وكان الرجل منهم يقول ان شفيت فناقتى سائبة ويجعلها كالبحيرة فى تحريم الانتفاع بها وكانوا إذا ولدت النوق البحائر والسوائب فصيلا حيا حرموا لحم الفصيل على النساء دون الرجال وان ولدت فصيلا ميتا اشترك الرجال والنساء فى لحم الفصيل ولا يفرقون بين الذكور والإناث فى حق الأولاد أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ أم منقطعة بمعنى بل والهمزة ومعنى الهمزة الإنكار والتوبيخ ومعنى بل الاضراب عن التوبيخ بما ذكر الى التوبيخ بوجه آخر اى بل أكنتم حاضرين شاهدين إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا اى حين وصاكم بهذا التحريم إذ أنتم لا تؤمنون بنبي فلا طريق لكم حسبما يؤول اليه مذهبكم الى معرفة أمثال ذلك الا المشاهدة والسماع فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فنسب اليه تحريم ما لم يحرم لِيُضِلَّ النَّاسَ متعلق بافترى قال سعدى چلبى المفتى الظاهر ان اللام للعاقبة بِغَيْرِ عِلْمٍ حال من فاعل يضل اى ملتبسا بغير علم بما يؤدى بهم اليه إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ كائنا من كان الى ما فيه صلاح حالهم عاجلا وآجلا فاذا نفى الهداية عن الظالم فما ظنك بمن هو اظلم قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ طعاما مُحَرَّماً من المطاعم التي حرموها عَلى طاعِمٍ أي طاعم كان من ذكر او أنثى ردا على قولهم ومحرم على أزواجنا وقوله تعالى يَطْعَمُهُ لزيادة التقرير إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذلك الطعام مَيْتَةً لم تذك وهى التي تموت حتف أنفها(3/113)
أَوْ دَماً مَسْفُوحاً اى مصبوبا كالدماء التي فى العروق لا كالطحال والكبد فانهما جامدان وقد جاء الشرع بإباحتهما وفى الحديث (أحلت لنا ميتتان ودمان) والمراد من الميتتين السمك والجراد ومن الدمين الكبد والطحال وما اختلط باللحم من الدم وقد تعذر تخلصه من اللحم عفو مباح لانه ليس بسائل ايضا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ اى الخنزير رِجْسٌ اى قذر لتعوده أكل النجاسة قال الحدادي كل ما استقذرته فهو رجس ويجوز ان يعود الضمير الى اللحم وتخصيصه مع ان لحمه وشحمه وشعره وعظمه وسائر ما فيه كله حرام لكونه أهم ما فيه فان اكثر ما يقصد من الحيوان المأكول اللحم فالحل والحرمة يضاف اليه أصالة ولغيره تبعا قال سعدى چلبى المفتى الأصل عود الضمير الى المضاف لانه المقصود والمضاف اليه لتعريفه وتخصيصه أَوْ فِسْقاً عطف على لحم خنزير أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ صفة موضحة اى ذبح على اسم الأصنام وانما سمى ذلك فسقا لتوغله فى الفسق فَمَنِ اضْطُرَّ اى
أصابته الضرورة الداعية الى تناول شىء من ذلك غَيْرَ باغٍ على مضطر مثله وَلا عادٍ قدر الضرورة فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ مبالغ فى المغفرة والرحمة لا يؤاخذه بذلك والآية محكمة لانها تدل على انه عليه السلام لم يجد فيما اوحى اليه الى تلك الغاية غيره ولا ينافيه ورود التحريم بعد ذلك فى شىء آخر قال فى التأويلات النجمية يشير بالميتة الى ميتة الدنيا فانها جيفة مستحيلة كما قال بعضهم
وما هى إلا جيفة مستحيلة ... عليها كلاب همهن اجتذابها
فان تجتنبها كنت سلما لاهلها ... وان تجتذبها نازعتك كلابها
وفى الحديث (اوحى الله الى داود يا داود مثل الدنيا كمثل جيفة اجتمعت عليها الكلاب يجرونها أفتحب ان تكون كلبا مثلهم فتجر معهم) : قال الحافظ
همايى چون تو عالى قدر حرص استخوان حيفست ... دريغا سايه همت كه بر نااهل افكندى
والدم المسفوح هو الشهوات واللذات التي يهراق عليها دم الدين ولحم الخنزير هو كل رجس من عمل الشيطان كما قال إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ وحقيقة الرجس الاضطراب عن طريق الحق والبعد منه كما جاء فى الخبر لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس ايوان كسرى اى اضطرب وتحرك حركة سمع لها صوت فالرجس ما يبعدك عن الحق او فسقا اهل لغير الله به اى خروجا عن طلب الحق فى طلب غير الحق: قال السعدي
خلاف طريقت بود كاوليا ... تمنا كنند از خدا جز خدا
فالشروع فى هذه الأشياء محرم لانها تحرمك من الله وقرباته الا ان يكون بقدر ما يدفع الحاجة الانسانية فان الضرورات تبيح المحظورات قال بعضهم فى قوله عليه السلام (تمعددوا واخشوشنوا) اى اقتدوا بمعدّ بن عدنان والبسوا الخشن من الثياب وامشوا حفاة فهو حث على التواضع ونهى عن الافراط فى الترفه والتنعم كما قال عليه السلام (إياك والتنعم فان عباد الله ليسوا بالمتنعمين)
بناز ونعمت دنيا منه دل ... كه دل برداشتن كاريست مشكل(3/114)
وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149) قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)
فعلى العاقل ان يكون ازهد الناس فى الدنيا ويتجرد عن الأسباب كالانبياء وكمل الأولياء وعن بعضهم قال رأيت فقيرا ورد على بئر ماء فى البادية فادلى ركوته فيها فانقطع حبله ووقعت الركوة فيها فاقام زمانا وقال وعزتك لا أبرح إلا بركوتي او تأذن لى فى الانصراف عنها قال فرأيت ظبية عطشانة جاءت الى البئر ونظرت فيها وفاض الماء وطفح على البئر وإذا بركوته على فم البئر فاخذها وبكى وقال الهى ما كان لى عندك محل ظبية فهتف به هاتف يا مسكين جئت بالركوة والحبل وجاءت الظبية ذاهبة عن الأسباب لتوكلها علينا ففى هذه الحكاية ما يدل على كمال الانقطاع عن غير الله تعالى وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا اى على اليهود خاصة لا على من عداهم من الأولين والآخرين حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ كل ما له إصبع سواء كان ما بين أصابعه منفرجا كانواع السباع والكلاب والسنانير أو لم يكن منفرجا كالابل والنعام والإوز والبط وكان بعض ذوات الظفر حلالا لهم فلما ظلموا عم التحريم وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ متعلق بقوله حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما لا لحومهما فانها باقية على الحل. والشحوم الثروب وشحوم الكليتين إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما استثناء من الشحوم اى الا ما اشتملت على الظهور والجنوب من شحم الكتفين الى الوركين من داخل وخارج أَوِ الْحَوايا عطف على ظهورهما اى او الا الذي حملته الأمعاء واشتمل عليها. جمع الحوية كما فى الصحاح وهى المباعر والمصارين أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ عطف على ما حملت وهو شحم الالية واختلاطه بالعظم اتصاله بالعصص وهو عجب الذنب اى عظمه وأصله ويقال انه أول ما يخلق وآخر ما يبلى ذلِكَ الجزاء جَزَيْناهُمْ اى اليهود بِبَغْيِهِمْ اى بسبب ظلمهم وهو قتلهم الأنبياء بغير حق وأخذهم الربا وأكلهم اموال الناس بالباطل وكانوا كلما أتوا بمعصية عوقبوا بتحريم شىء مما أحل لهم وقد أنكروا ذلك وادعوا انها لم تزل محرمة على الأمم الماضية فرد عليهم ذلك وأكد بقوله تعالى وَإِنَّا لَصادِقُونَ اى فى الاخبار عن كل شىء لا سيما فى الاخبار عن التحريم المذكور وفى الاخبار عن بغيهم فَإِنْ كَذَّبُوكَ اى اليهود والمشركون فيما فصل من احكام التحليل والتحريم فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ لا يعاجلكم بالعقوبة على تكذيبكم فلا تغتروا بذلك فانه امهال لا إهمال وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عذابه عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ حين ينزل سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ عدم اشراكنا ما أَشْرَكْنا نحن وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ أرادوا به ان ما فعلوه حق مرضى عند الله تعالى كَذلِكَ اى كهذا التكذيب وهو قولهم انا انما أشركنا وحرمنا لكون ذلك مشروعا مرضيا عند الله تعالى وانك كاذب فيما قلت من ان الله تعالى منع من الشرك ولم يحرم ما حرمتموه كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ اى متقدموهم الرسل حَتَّى ذاقُوا غاية لامتداد التكذيب بَأْسَنا الذي أنزلنا عليهم بتكذيبهم قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ زائدة عِلْمٍ من امر معلوم يصح الاحتجاج به على ما زعمتم فَتُخْرِجُوهُ لَنا فتظهروه لنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ اى ما تتبعون فيما أنتم عليه من الشرك والتحريم الا الظن الباطل من غير علم ويقين وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ تكذبون على الله تعالى قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ الفاء جواب شرط محذوف(3/115)
قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)
اى وإذا قد ظهر ان لا حجة لكم فلله الحجة البالغة اى البينة الواضحة التي بلغت غاية المتانة والثبات او بلغ بها صاحبها صحة دعواه والمراد بها الكتاب والرسول والبيان فَلَوْ شاءَ هدايتكم جميعا لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ بالتوفيق لها والحمل عليها ولكن شاء هداية قوم لصرف اختيارهم الى سلوك طريق الحق وضلال آخرين لصرف هممهم الى خلاف ذلك قُلْ هَلُمَّ اسم فعل اى احضروا شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا وهم قدوتهم الذين ينصرون قولهم ومذهبهم ولا من يشهد بصحة دعواهم كائنا من كان ولذلك قيد الشهداء بالاضافة إليهم وانما أمروا باستحضارهم ليلزمهم الحجة ويظهر بانقطاعهم ضلالتهم وانه لا متمسك لهم كمن يقلدهم فَإِنْ شَهِدُوا بعد ما حضروا بان الله تعالى حرم هذا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ اى فلا تصدقهم فانه كذب محض وبين لهم فساده وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ كعبدة الأوثان والموصول الثاني عطف على الموصول الاول بطريق عطف الصفة على الصفة مع اتخاذ الموصوف فان من يكذب بآياته تعالى لا يؤمن بالآخرة وبالعكس وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ اى يجعلون له عديلا عطف على لا يؤمنون. والمعنى لا تتبع أهواء الذين يجمعون بين تكذيب آيات الله وبين الكفر بالآخرة وبين الإشراك به سبحانه لكن لا على ان يكون مدار النهى المذكور بل على ان أولئك جامعون لها متصفون بكلها واعلم ان الله تعالى أحل الطيبات ورد ما كان اهل الجاهلية يفعلونه من تحريم من عند أنفسهم لان الدين يبتنى على الوحى لا على الهوى وحرم الخبائث كالخمر والميتة والدم والخنزير وغير ذلك اى تناولها وبيعها لان ما يحرم تناوله يحرم بيعه وأكل ثمنه بخلاف ما إذا كان الانتفاع بغير ذلك كشحوم الميتة فانه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فان ذلك ليس بحرام وما حرمه الله تعالى اما ان يكون بلاء ونقمة كما فعل اليهود وجزاء على أنفسهم واما ان يكون رحمة ومنة لعلمه ان فيه ضررا نفسانيا او روحانيا فالنفسانى كضرر السم وأمثاله والروحاني كضرر لحوم السباع والمؤذيات وأمثالها فانه بتعدي أخلاقها تغير الأخلاق الروحانية كما قال عليه السلام (الرضاع يغير الطباع) ومن ثم لما دخل الشيخ ابو محمد الجويني بيته ووجد ابنه الامام أبا المعالي يرتضع ثدى غير امه اختطفه منها ثم نكس رأسه ومسح بطنه وادخل إصبعه فى فيه ولم يزل يفعل ذلك حتى خرج ذلك اللبن قائلا يسهل علىّ موته ولا يفسد طبعه بشرب لبن غير امه ثم لما كبر الامام كان إذا حصلت له كبوة فى المناظرة يقول هذه من بقايا تلك الرضعة فعلم ان من ارتضع امرأة فالغالب عليه أخلاقهما من خير وشر وكذا لحوم الحيوانات لها تأثير عظيم وفى الحديث (عليكم بالبان البقر وسمنانها وإياكم ولحومها فان ألبانها وسمنانها دواء وشفاء ولحومها داء) وقد صح ان النبي عليه السلام ضحى عن نسائه بالبقر قال الحليمي هذا ليبس الحجاز ويبوسة لحم البقر ورطوبة لبنها وسمنها فكأنه يرى اختصاصه ذلك به وهذا التأويل المستحسن والا فالنبى عليه السلام لا يتقرب الى الله تعالى بالداء فهو انما قال ذلك فى البقر لتلك اليبوسة. وجواب آخر انه عليه السلام ضحى بالبقر لبيان الجواز او لعدم تيسر غيره كذا فى المقاصد الحسنة. ومن فوائد سمن البقر انه لو شرب منه على الريق خمسين درهما(3/116)
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)
ينفع للجنون ويؤثر فى دفعه قال الفقيه ابو الليث يستحب للرجل ان يعرف من الطب مقدار ما يمتنع به عما يضر ببدنه لان العلم علمان علم الأبدان ثم علم الأديان وأجاز عامة العلماء التداوى بالمحرمات عند الضرورة كاساغة اللقمة بالخمر إذا غص وفى الأشباه الطعام إذا تغير واشتد تغيره تنجس وحرم واللبن والزيت والسمن إذا نتن لا يحرم أكله والدجاجة إذا ذبحت ونتف ريشها واغليت فى الماء قبل شق بطنها صار الماء نجسا وصارت نجسة بحيث لا طريق لا كلها الا ان تحمل الهرة إليها لا ان تحمل الى الهرة فعلى العاقل ان يحترز عن الحرام وعما يضر بالبدن ومن المضر الامتلاء كما قال عليه السلام (رأس الداء الامتلاء ورأس الدواء الاحتماء)
آن حكيمى كه در حكمت سفت ... كل قليلا تعش كثيرا كفت
: قال السعدي قدس سره
ندارند تن پروران آگهى ... كه پر معده باشد ز حكمت تهى
ومن الله التوفيق قُلْ يا محمد لكفار مكة تَعالَوْا امر من تعالى والأصل فيه ان يقوله من فى مكان عال لمن هو أسفل منه ثم اتسع فيه بالتعميم فتكلم به كل من تطلب ان يتقدم ويقبل اليه شخص سواء كان الطالب فى علو او سفل او غيرهما أَتْلُ جواب الأمر اى اقرأ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ اى الذي حرمه ربكم اى الآيات المشتملة عليه عَلَيْكُمْ متعلق بحرم ان مفسرة لا ناهية تُشْرِكُوا بِهِ تعالى شَيْئاً من الأشياء فتقدير الكلام ذلك التحريم هو قوله لا تشركوا به شيأ اعلم ان هذه الآيات الثلاث الى قوله لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ تشتمل على عشر خصال جامعة للخير كله لم ينسخهنّ شىء من جميع الكتب فهن محرمات على بنى آدم كلهم لم يختلفن باختلاف الأمم والاعصار من عمل بهن دخل الجنة ومن تركهن دخل النار. اولاهن قوله أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً قدم الشرك لانه رأس المحرمات ولا يقبل الله تعالى معه شيأ من الطاعات وهو ينقسم الى جلى وخفى فالجلى عبادة الأصنام والخفي رؤية الأغيار مع الله الواحد القهار
تا دم وحدت زدى حافظ شوريده حال ... خامه توحيد كش برورق اين وآن
وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً اى وأحسنوا بهما إحسانا اى لا تسيئوا إليهما لان المحرم هو الاساءة والأمر بالشيء مستلزم للنهى عن ضده وكذا معنى أوفوا لا تنجسوا وانما وضع الأمر موضع النهى للمبالغة فى إيجاب مراعاة حقوقهما فان مجرد ترك الاساءة غير كاف فى قضاء حقوقهما وهذا هو الأمر الثاني من الاحكام العشرة وانما ذكر بعد تحريم الشرك تحريم العقوق لان الوالدين سببان قريبان لوجوده كما ان الله تعالى موجوده فالتقاعد عن أداء حقوقهما عقوق فهو اكبر الكبائر بعد الشرك قال بعض الأولياء كنت فى تيه بنى إسرائيل فاذا رجل يماشينى فتعجبت منه وألهمت انه الخضر فقلت له بحق الحق من أنت قال انا أخوك الخضر قلت بأى وسيلة رأيتك قال ببرك أمك
جنت كه سراى مادرانست ... زير قدمات مادرانست
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ اى لا تدفنوا بناتكم حية مِنْ إِمْلاقٍ من أجل فقر. والاملاق(3/117)
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)
نفاد الزاد والنفقة يقال املق الرجل إذا نفد زاده ونفقته من الملق وهو بذل المجهود فى طلب المراد نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ لا أنتم فلا تخافوا الفقر بناء على عجزكم عن تحصيل الرزق.
وهذا هو الحكم الثالث من الاحكام العشرة وانما حرم قتل الأولاد لما فيه من هدم بنيان الله وملعون من هدم بنيانه وفيه ابطال ثمرة شجرته ومحصوده وقطع نسله وترك التوكل فى امر الرزق يؤدى الى تكذيب الله تعالى لانه قال وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها
ما آبروى فقر وقناعت نمى بريم ... با پادشه بكوى كه روزى مقدرست
وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ اى الزنى وجيئ بصيغة الجمع قصدا الى النهى عن أنواعها ولذلك أبدل منها بدل اشتمال قوله ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ اى ما يفعل منها علانية فى الحوانيت كما هو دأب ارذالهم وما يفعل سرا باتخاذ الأخدان كما هو عادة اشرافهم. وهذا هو الحكم الرابع منها وتوجبه النهى الى قربانها للمبالغة فى النهى عنها ويدخل فى ذلك ما يبعده من الجنة ويدنيه من النار وهو ما ظهر وما يبعده من الحق ويحجبه عنه وان لم يحجبه عن الجنة ولم يبعده منها وهو ما بطن وايضا ما ظهر منها بالفعل وما بطن بالنية ومن الزنى زنى النظر
اين نظر از دور چون تير است وسم ... عشقت افزون ميشود صبر تو كم
وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان الشيطان من الرجل فى ثلاثة منازل فى عينيه وفى قلبه وفى ذكره وهو من المرأة فى ثلاثة منازل فى عينيها وفى قلبها وفى عجزها وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ اى حرم قتلها بان عصمها بالإسلام او بالعهد فيخرج منها الحربي إِلَّا بِالْحَقِّ استثناء مفرغ من أعم الأحوال اى لا تقتلوها فى حال من الأحوال إلا حال ملابستكم بالحق الذي هو امر الشرع بقتلها وذلك بالكفر بعد الايمان والزنى بعد الإحصان وقتل النفس المعصومة. وهذا هو الحكم الخامس وفى القتل ترك تعظيم امر الحق وترك الشفقة على الخلق وهما ملاك الدين والاشارة ان القتل الحق هو القتل فى طلب الحق والمقتول فى سبيل الله هو حى عند ربه وعن ابى سعيد الخراز كنت بمكة فجزت يوما بباب بنى شيبة فرأيت شابا حسن الوجه ميتا فنظرت فى وجهه فتبسم فى وجهى وقال لى يا أبا سعيد أما علمت ان الأحباب احياء وان ماتوا وانما ينقلون من دار الى دار
مشو بمرك ز امداد اهل دل نوميد ... كه خواب مردم آگاه عين بيداريست
ذلِكُمْ اشارة الى ما ذكر من التكاليف الخمسة وَصَّاكُمْ بِهِ اى أمركم ربكم بحفظه امرا مؤكدا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ اى تستعملون عقولكم التي تعقل نفوسكم وتحبسها عن مباشرة القبائح المذكورة وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ
اى لا تتعرضوا له بوجه من الوجوه واليتيم من الإنسان من لا اب له ومن الحيوان من لا أم له والخطاب للاولياء والأوصياء إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
الا بالخصلة التي هى احسن ما يفعل بما له كحفظه وتثميره حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ
غاية لما يفهم من الاستثناء لا للنهى كأنه قيل احفظوه حتى يصير بالغا رشيدا فحينئذ سلموه اليه وجعل ابو حنيفة غاية الأشد خمسا وعشرين سنة فاذا بلغها دفع اليه ماله ما لم يكن معتوها قال الجوهري حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ
اى قوته وهو ما بين ثمانى عشرة الى ثلاثين وهو واحد جاء على(3/118)
بناء الجمع مثل آنك وهو الأسرب ولا نظير لهما وكان سيبويه يقول واحدته شدة. وهذا هو الحكم السادس وانما وصى الله تعالى بحفظ مال اليتيم لانه عاجز فتولى الله امره وامر بالشفقة والنظر فى حقه
ألا تا نكريد كه عرش عظيم ... بلرزد همى چون بگريد يتيم
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ
فى المكيلات اى أتموه ولا تنقصوا منه شيأ وَالْمِيزانَ
فى الموزونات وهو بالفارسي [ترازو] بِالْقِسْطِ
حال من فاعل أوفوا اى اوفوهما مقسطين اى ملتبسين بالقسط وهو العدل فان قيل إيفاء الكيل والميزان هو عين القسط فما فائدة التكرير قلنا ان الله تعالى امر المعطى بايفاء ذى الحق حقه من غير نقصان وامر صاحب الحق بأخذه من غير طلب زيادة لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها
الا ما يسعها ولا يعسر عليها. وذكره عقيب الأمر للايذان بان مراعاة العدل عسير فعليكم بما فى وسعكم وما وراءه معفو عنكم فاذا اجتهد الإنسان فى الكيل والوزن ووقعت فيه زيادة يسيرة او نقصان يسير لم يؤاخذه به إذا اجتهد جهده وان
أعيد الكيل على ذلك فزاد او نقص لم يثبت التراجع إذا كان ذلك القدر من التفاوت مما يقع بين الكيلين. واما التقصير القصدى فليس بمعفو وينبغى الاحتياط بقدر الإمكان- روى- عن بعضهم انه قال لبعض الناس وهو فى النزع وكان يعامل الناس بالميزان قل لا اله الا الله فقال ما اقدر أقولها لسان الميزان على لسانى يمنعنى من النطق بها قال فقلت له أما كنت توفى الوزن قال بلى ولكن ربما كان يقع فى الميزان شىء من الغبار لا أشعر به وعن مالك بن دينار انه دخل على جار له احتضر فقال يا مالك جبلان من النار بين يدى أكلف الصعود عليهما قال مالك فسألت اهله فقالوا كان له مكيالان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر فدعوت بهما فضربت أحدهما بالآخر حتى كسرتهما ثم سألت الرجل فقال ما يزداد الأمر إلا شدة. وهذا هو الحكم السابع والاشارة أوفوا بكيل العمر وميزان الشرع حقوق الربوبية واستوفوا بكيل الاجتهاد وميزان الاقتصاد حظوظ العبودية من الالوهية لا نكلف نفسا فى إيفاء الحقوق واستيفاء الحظوظ الا بحسب استعدادها هر كس بقدر بال و پر خويش مى پرد وَإِذا قُلْتُمْ
قولا فى حكومة او شهادة او نحوهما فَاعْدِلُوا
فيه وَلَوْ كانَ
المقول له او عليه ذا قُرْبى
اى ذا قرابة منكم ولا تميلوا نحوهم أصلا لان مداد الأمر اتباع الحق المشروع وطلب مرضاة الله تعالى فلا فرق بين ذى قرابة واجنبى. وهذا هو الحكم الثامن وحقيقة العدل فى الكلام ان يذكر الله ولا يذكر معه غيره وان يتكلم لله وفى الله وبالله وهذا لا يتيسر الا لارباب التحقيق فان كلام غيرهم مشوب بالغرض والدعوى
بانك هدهد كر بياموزد فتى ... راز هدهد كو و پيغام سبا
وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا
اى ما عهد إليكم أي عهد كان من ملازمة العدل وتأدية احكام الشرع وغيرهما فهو مضاف الى الفاعل او ما عاهدتم الله عليه من الايمان والنذور فهو مضاف الى المفعول ويحتمل ان يراد به العهد بين الانسانين ويكون إضافته الى الله تعالى من حيث(3/119)
وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)
انه امر بحفظه والوفاء به
وفاء عهد نكو باشد ار بياموزى ... وكرنه هر كه تو بينى ستمكرى داند
وهذا هو الحكم التاسع وحقيقة العهد ان لا يعبد الا مولاه ولا يحب الا إياه ولا يرى سواه
از دم صبح ازل تا آخر شام ابد ... دوستى ومهر بر يك عهد ويك ميثاق بود
ذلِكُمْ
اشارة الى ما فصل من التكاليف الاربعة وَصَّاكُمْ بِهِ
أمركم به امرا مؤكدا لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
تتذكرون ما فى تضاعيفه وتعملون بمقتضاه وَأَنَّ بتقدير اللام علة للفعل المؤخر اى ولان هذا اى ما ذكر فى هذه السورة من اثبات التوحيد والنبوة وبيان الشريعة صِراطِي اى مسلكى وشريعتى. وسمى الشرع طريقا لانه يؤدى الى الثواب فى الجنة ومعنى إضافته الى ضمير عليه السلام انتسابه اليه من حيث السلوك لامن حيث الوضع كما فى صراط الله مُسْتَقِيماً حال مؤكدة اى مستويا قويما فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ اى الطرق المختلفة التي عدا هذا الطريق مثل اليهودية والنصرانية وسائر الملل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ منصوب بإضمار أن بعد الفاء فى جواب النهى أصله فتتفرق حذفت منه احدى التاءين والباء للتعدية اى فتفرقكم وتزيلكم عَنْ سَبِيلِهِ اى عن دين الله الذي ارتضى وبه اوصى وهو الإسلام. وفيه تنبيه على ان صراطه عليه السلام عين سبيله تعالى. وهذا هو العاشر من الخصال
خلاف پيغمبر كسى ره كزيد ... كه هرگز بمنزل نخواهد رسيد
محالست سعدى كه راه صفا ... توان رفت جز در پى مصطفا
ذلِكُمْ اى اتباع سبيله وترك اتباع سائر السبل وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ اتباع سبيل الكفر والضلالة ولما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية خط خطا فقال (هذا سبيل الله) ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله وقال (هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو اليه) واعلم ان الشرع هاهنا هو الصراط المستقيم وهو احدّ من السيف وادقّ من الشعر ولذا لا نزال فى كل ركعة من الصلاة نقول اهدنا الصراط المستقيم ومن زل عن هذا الصراط فى الدنيا زل عن صراط الآخرة ايضا قال عليه السلام (الزالون عن الصراط كثير واكثر من يزل عنه النساء) واكثر الرجال فى هذا الزمان فى حكم النساء فى اتباع الشهوات والاخذ بالعادات والدين بدأ غريبا وعاد غريبا فلا يوجد من يستأنس به ويستأهل له الا نادرا قال فى التفسير الفارسي [محققان بر آنند كه صراط متعين نكردد الا ميان بدايتى ونهايتى وعارف داند كه بدايت همه از كيست ونهايت همه يكيست وحضرت شيخ صدر الدين قونوى قدس سره در اعجاز البيان فرموده كه احاطه حق بهمه اشيا ثابت است والله بكل شىء محيط وآن احاطه وجودى است يا علمى باختلاف افعال واقوال متنهاى سر صراط وغايت سر سالك خواهد بو چنانچهـ فرمود صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ
هر جا قدمى زديم در كوى تو بود ... هر كوشه كه برفتيم سوى تو بود
كفتيم مكر سوى ديكر راهى هست ... هر راه كه ديديم همه سوى تو بود(3/120)
ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158) إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)
ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ عطف على مقدر اى فعلنا تلك التوصية باتباع صراط الله ثم آتينا موسى الكتاب اى التوراة وثم للتراخى فى الاخبار كما فى قولك بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس اعجب تَماماً مصدر من أتم بحذف الزوائد اى إتماما للكرامة والنعمة عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ اى على من احسن القيام به كائنا من كان من الأنبياء والمؤمنين وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وبيانا مفصلا لكل ما يحتاج اليه فى الدين وهذا لا ينافى الاجتهاد فى شريعتهم كما لا ينافى قوله تعالى فى آخر سورة يوسف وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ فى شريعتنا لان التفصيل فى الأصول والاجتهاد فى الفروع وَهُدىً من الضلالة وَرَحْمَةً نجاة من العذاب لمن آمن به وعمل بما فيه لَعَلَّهُمْ اى بنى إسرائيل المدلول عليهم بذكر موسى بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ الباء متعلقة بيؤمنون اى كى يؤمنوا بالبعث ويصدقوا بالثواب والعقاب وَهذا اى القرآن كِتابٌ أَنْزَلْناهُ ليس من قبل الرسول كما يزعم المنكرون مُبارَكٌ اى كثير النفع دينا ودنيا قال فى التأويلات النجمية مُبارَكٌ عليك وبركته انه انزل على قلبك بجعل خلقك القرآن ومبارك على أمتك بانه حبل بينهم وبين ربهم ليوصلهم اليه بالاعتصام فَاتَّبِعُوهُ واعملوا بما فيه وَاتَّقُوا مخالفته لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ بواسطة اتباعه والعمل بموجبه أَنْ تَقُولُوا على حذف المضاف كما هو رأى البصريين اى أنزلناه كراهة ان تقولوا يا اهل مكة يوم القيامة لم تنزله إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ اى التوراة والإنجيل عَلى طائِفَتَيْنِ كائنتين مِنْ قَبْلِنا وهما اليهود والنصارى ولعل الاختصاص فى انما اشتهار الكتابين يومئذ فيما بين الكتب السماوية وَإِنْ مخففة اى وانه كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ قرآتهم ولم يقل عن دراستهما لان كل طائفة جماعة لَغافِلِينَ لا ندرى ما فى كتابهم إذ لم يكن على لغتنا فلم نقدر على قرآنه أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ كما انزل عليهم لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ الى الحق الذي هو المقصد الأقصى او الى ما فى تضاعيفه من جلائل الاحكام والشرائع ودقائقها لحدة أذهاننا ونقابة افهامنا ولذلك تلقفنا فنونا من العلم كالقصص والاشعار والخطب مع انا أميون فَقَدْ جاءَكُمْ متعلق بمحذوف معلل به اى لا تعتذروا بذلك القول فقد جاءكم بَيِّنَةٌ كائنة مِنْ رَبِّكُمْ اى حجة واضحة وَهُدىً وَرَحْمَةٌ عبر عن القرآن بالبينة إيذانا بكمال تمكنهم من دراسته لانه على لغتهم ثم بالهدى والرحمة فَمَنْ أَظْلَمُ اى لا أحد اظلم مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ اى القرآن وَصَدَفَ عَنْها اى صرف الناس عنها فجمع بين الضلال والإضلال. فى القاموس صدف عنه يصدق اعرض وفلانا صرفه سَنَجْزِي الَّذِينَ بالفارسي [زود باشد كه جزا دهم آنرا كه] يَصْدِفُونَ الناس عَنْ آياتِنا وعيد لهم ببيان جزاء اضلالهم بحيث يفهم منه جزاء ضلالتهم ايضا سُوءَ الْعَذابِ اى شدته بِما كانُوا يَصْدِفُونَ اى بسبب ما كانوا يفعلون الصدف والصرف على التجدد ولاستمرار فعلى العاقل ان يعمل بالقرآن ويرغب غيره بقدر الإمكان لانه يكون شريكه فى الثواب الفائض من الله الوهاب والمعرض عن القرآن الذي هو غذاء الأرواح كالمعرض عن شراب السكر الذي هو غذاء الأشباح. وله ظاهر فسره العلماء وباطن حققه اهل التحقيق وكل(3/121)
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158)
قد علم مشربه وفى الحديث (انزل القرآن على سبعة أحرف) اى على سبع لغات وهى لغات العرب المشهورين بالفصاحة من قريش وهذيل وهوازن واليمن وطى وثقيف تسهيلا وتيسيرا ليقرأ كل طائفة بما يوافق لغتهم بشرط السماع من النبي عليه السلام إذ لو كلفوا القراءة بحرف واحد لشق عليهم إذ الفطام عن المألوف شاق او على سبع قراءات وهى التي استفاضت عن النبي عليه السلام وضبطتها الامة واضافت كل حرف منها الى من كان اكثر فراءة به من الصحابة ثم أضيفت كل قراءة منها الى من اختارها من القراء السبعة وهم نافع وابن كثير وابو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ويقال ان جاحد القراآت السبع كافر وجاحد الباقي آثم مبتدع ولما تنزل القرآن العظيم من عالم الحقيقة كتب فى جميع الألواح وفى لوح هذا التعين حتى فى لوح وجودك وأودع القابلية فى كل منها لقرآته ومعرفته والمقصود الأصلي هو العمل به والتخلق بأخلاقه دون تصحيح المخرج ورعاية ظاهر النظم فقط: ونعم قول من قال
نقد عمرش ز فكرت معوج ... خرج شد در رعايت مخرج
صرف كردش همه حيات سره ... در قراءات سبعه وعشره
قال الحافظ
عشقت رسد بفرياد كر خود بسان حافظ ... قرآن زبر بخوانى در چازده روايت
وفى الحديث (لو كان القرآن فى إهاب ما مسته النار) قال القاضي البيضاوي اى لوصور القرآن وجعل فى إهاب والقى فى النار ما مسته ولا أحرقته ببركة القرآن فكيف بالمؤمن الحامل له المواظب على تلاوته وعن على رضى الله عنه من قرأ القرآن وهو قائم فى الصلاة كان له بكل حرف مائة حسنة ومن قرأ على غير وضوء فعشر حسنات- وروى- عن بعض الأخيار من اهل التلاوة للقرآن الكريم انه لما حضرته الوفاة كان كلما قالوا قل لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ قال بسم الله الرحمن الرحيم:
طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى الى قوله اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فلم يزل يعيدها كلما أعادوا عليه حتى مات على هذه الآية الكريمة فظهر ان الموت على ما عاش عليه الشخص وكان حرفة رجل بيع الحشيش وهو غافل عن الله فلما حضرته الوفاة كان كلما قيل له لا اله الا الله قال حزمة بفلس نسأل الله تعالى التوفيق للموت على الإسلام هَلْ يَنْظُرُونَ هل استفهامية معناها النفي وينظرون بمعنى ينتظرون فان النظر يستعمل فى معنى الانتظار كأنه قيل انى أقمت على اهل مكة الحجة وأنزلت عليهم الكتاب فلم يؤمنوا فما ينتظرون إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ اى ملك الموت وأعوانه لقبض أرواحهم أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ اى امره بالعذاب والانتقام وقال البغوي أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ بلا كيف لفضل القضاء بين موقف القيامة انتهى. او المراد بإتيان الرب إتيان كل آية يعنى آيات القيامة والهلاك الكلى بقرينة قوله تعالى أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يعنى اشراط الساعة التي هى الدخان ودابة الأرض وخسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف يجزيرة العرب والدجال وطلوع الشمس من مغربها ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى عليه السلام ونار تخرج من عدن وهم ما كانوا منتظرين لاحد هذه الأمور الثلاثة وهى مجيىء الملائكة او مجيىء الرب او مجيىء الآيات القاهرة من الرب لكن لما كان يلحقهم لحوق المنتظرين شبهوا(3/122)
بالمنتظرين يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ ظرف لقوله لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها كالمحتضر فان معاينة اشراط الساعة بمنزلة نفسها ووقوع العيان يمنع قبول الايمان لانه انما يقبل إذا كان بالغيب لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ صفة نفسا اى من قبل إتيان بعض الآيات أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً الآية تقتضى ان لا ينفع الايمان بدون العمل الصالح ومذهب اهل السنة انه نافع حيث ان صاحبه لا يخلد فى النار قال حضرة الشيخ الشهير بالهدائي الاسكدارى فى الواقعات لاح لى فى توفيق هذه الآية على مذهب اهل السنة وجهان. الاول ان يكون قوله أَوْ كَسَبَتْ معطوفا على آمنت المقدر لا على آمنت المذكور والتقدير لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل سواء آمنت ايمانا مجردا او كسبت فى إيمانها خيرا. والثاني ان يعطف على آمنت المذكور ولكن يعتبر فى اللف مقدر فيكون النشر ايضا على أسلوبه والتقدير لا ينفع نفسا إيمانها ولا كسبها خيرا لم تكن آمنت من قبل او كسبت فى إيمانها خيرا قُلِ انْتَظِرُوا ما تنتظرونه من إتيان أحد الأمور الثلاثة لتروا أي شىء تنتظرون إِنَّا مُنْتَظِرُونَ لذلك وحينئذ لنا الفوز وعليكم الوبال بما حل بكم من سوء العاقبة قال البغوي المراد ببعض الآيات طلوع الشمس من مغربها وعليه اكثر المفسرين قال الحدادي فى تفسيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا غربت الشمس رفع بها الى السماء السابعة فى سرعة طيران الملائكة وتحبس تحت العرش فتستأذن من اين تطلع أمن مطلعها او من مغربها وكذا القمر فلا تزال كذلك حتى يأتى الله بالوقت الذي وقته لتوبة عباده وتكثر المعاصي فى الأرض ويذهب المعروف فلا يأمر به أحد وينتشر المنكر فلا ينهى عنه أحد فاذا فعلوا ذلك حبست الشمس تحت العرش فاذا مضى مقدار ليلة سجدت واستأذنت ربها من اين تطلع فلم يجرلها جوابا حتى يوافيها القمر فيسجد معها ويستأذن من اين يطلع فلا يجر له جوابا فيحبسان مقدار ثلاث ليال فلا يعرف مقدار تلك الليلة الا المتهجدون فى الأرض وهم يومئذ عصابة قليلة فى هوان من الناس فينام أحدهم تلك الليلة مثل ما ينام قبلها من الليالى ثم يقوم فيتهجد وزده فلا يصبح فينكر ذلك فيخرج وينظر الى السماء فاذا هو بالليل مكانه والنجوم مستديرة فينكر ذلك ويظن فيه الظنون فيقول أخففت قراءتى أم قصرت صلاتى أم قمت قبل حينى ثم يقوم فيعود الى مصلاه فيصلى نحو صلاته فى الليلة الثانية ثم ينظر فلا يرى الصبح فيشتد به الخوف فيجتمع المتهجدون من كل بلدة فى تلك الليلة فى مساجدهم ويجأرون الى الله بالبكاء والتضرع فيرسل الله جبريل الى الشمس والقمر فيقول لهما ان الله يأمر كما ان ترجعا الى مغربكما فتطلعا منه فانه لا ضوء لكما عندنا ولا نور فيبكيان عند ذلك وجلا من الله بكاء يسمعه اهل السموات السبع واهل سرادقات العرش ثم يبكى من فيهما من الخلائق من خوف الموت والقيامة فبينما المتهجدون يبكون ويتضرعون والغافلون فى
غفلاتهم إذا بالشمس والقمر قد طلعا من المغرب أسودان لاضوء للشمس ولا نور للقمر كصفتهما فى كسوفهما فذلك قوله تعالى وجمع الشمس والقمر فيرتفعان كذلك مثل البعيرين ينازع كل واحد منهما صاحبه استباقا فيتصارخ اهل الدنيا حينئذ ويبكون فاما الصالحون فينفعهم بكاؤهم ويكتب لهم عبادة واما الفاسقون فلا ينفعهم بكاؤهم يومئذ ويكتب ذلك عليهم حسرة وندامة(3/123)
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)
فاذا بلغ الشمس والقمر سرة السماء ومنتصفها جاء جبريل فأخذ بقرونهما فردهما الى المغرب فيغربان فى باب التوبة) فقال عمر رضى الله عنه بابى أنت وأمي يا رسول الله ما باب التوبة فقال (يا عمر خلق الله بابا للتوبة خلف المغرب له مصراعان من ذهب وما بين المصراع الى المصراع أربعون سنة للراكب فذلك الباب مفتوح منذ خلق الله خلقه الى صبيحة تلك الليلة عند طلوع الشمس من مغربها فاذا غربا فى ذلك الباب رد المصراعان والتأم بينهما فيصير كأن لم يكن بينهما صدع فاذا اغلق باب التوبة لم يقبل للعبد توبة بعد ذلك ولم ينفعه حسنة يعملها إلا من كان قبل ذلك محسنا فانه يجزى كما قبل ذلك اليوم فذلك قوله تعالى يوم يأتى بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل او كسبت فى إيمانها خيرا) وانما لم يقبل الايمان فى ذلك الوقت لانه ليس بايمان اختياري فى الحقيقة وانما هو ايمان لخوف الهلاك قال الله تعالى فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قال السعدي قدس سره
چهـ سود از دزد آنكه توبه كردن ... كه نتواند كمند انداخت بر كاخ
بلند از ميوه كو كوتاه كن دست ... كه اين كوته ندارد دست بر شاخ
وعدم قبول الايمان والتوبة غير مخصوص بمن يشاهد طلوع الشمس من المغرب وهو الأصح والظاهر ان من تولد بعد طلوعها او ولد قبله ولم يكن مميزا بعد ذلك يقبل إيمانه وجعله فى شرح المصابيح أصح قالت عائشة رضى الله عنها إذا خرجت أول الآيات طرحت الأقلام وحبست الحفظة وشهدت الأجساد بالأعمال قال الامام السيوطي رحمه الله يظهر المهدى قبل الدجال بسبع سنين ويخرج الدجال قبل طلوع الشمس بعشر سنين ويقوم المهدى سنة مائتين بعد الالف او اربع ومائتين والله اعلم وقبل ظهور المهدى اشراط اخر من خروج نبى الأصفر وغيرها وفى التأويلات النجمية ان الله تعالى جعل نفس الإنسان وقلبه أرضا صالحا لقبول بذر الايمان وانباته وتربيته كما قال عليه السلام (لا اله الا الله ينبت الايمان فى القلب كما ينبت الماء البقلة) فالبذر هو قول المرء اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله عند تصديق القلب بشهادة اللسان وانما كان زمان هذه الزراعة زمان الدنيا لا زمان الآخرة ولهذا قال عليه السلام (الدنيا مزرعة الآخرة) فلا ينفع نفسا فى زمان الآخرة بذر إيمانها لم تكن بذرت من قبل قى زمان الدنيا او كسبت فى إيمانها خيرا من الأعمال الصالحة التي ترفع الكلمة الطيبة وهى لا اله الا الله وتجعلها شجرة طيبة مثمرة تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها من ثمار المعرفة والمحبة والكشف والمشاهدة والوصول والوصال ونيل الكمال انتهى ما فى التأويلات ونسأل الله ان يرزقنا التوفيق لتحقيق التوحيد إِنَّ الَّذِينَ اى اليهود والنصارى فَرَّقُوا دِينَهُمْ اى بدّدوه وبعضوه فتمسك بكل بعض منه فرقة منهم وَكانُوا شِيَعاً جمع شيعة يقال شايعه على الأمر إذا اتبعه اى فرقا تشيع كل فرقة اماما لها قال عليه السلام (افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة كلهم فى الهاوية الا واحدة وافترقت النصارى اثنتين وسبعين فرقة كلهم فى الهاوية الا واحدة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهم فى الهاوية الا واحدة) واستثناء الواحدة من فرق كل من اهل الكتابين انما هو بالنظر الى العصر الماضي قبل النسخ(3/124)
واما بعده فالكل فى الهاوية لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ لست من البحث عن تفرقهم والتعرض لمن يعاصرك منهم بالمناقشة والمؤاخذة فى شىء إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ تعليل للنفى المذكور اى هو يتولى وحده أولاهم وأخراهم ويدبرهم كيف يشاء حسبما تقتضيه الحكمة ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ اى يوم القيامة بِما كانُوا يَفْعَلُونَ عبر عن إظهاره بالتنبئة لما بينهما من الملابسة فى انهما سببان للعلم تنبيها على انهم كانوا جاهلين بحال ما ارتكبوه من سوء عاقبته اى يظهر لهم على رؤوس الاشهاد ويعلمهم اى شىء شنيع كانوا يفعلونه فى الدنيا على الاستمرار ويرتب عليه ما يليق به من الجزاء واعلم ان كل فعل شنيع وعمل قبيح فى الدنيا يتصور بصورة قبيحة فى الآخرة وهو قد كان بصورة قبيحة فى الدنيا ايضا لكنه برز لفاعله فى صورة مستحسنة امتحانا وابتلاء فصار كالشهد المختلط بالسم نعوذ بالله من سيآت الأعمال حفت الجنة بمكروهاتنا وحفت النيران بشهواتنا يعنى جعلت الجنة محفوفة بالأشياء التي كانت مكروهة لنا وجعلت النار محاطة بالأشياء التي كانت محبوبة لنا يعنى ان نفوسنا تميل إليها وتحب ان تفعلها لكونها على وفق هواها فكما ان فى الآفاق فرقا مختلفة ينفى بعضهم الصانع وبعضهم صفاته وبعضهم يعتقد فى حقه تعالى ما لا يجوز اعتقاده وبعضهم يجرى على ما جرى عليه الأنبياء والأولياء من حسن العقيدة وصالح العمل كذلك فى الأنفس قوى مختلفة لا تتحد فى البنية ولا تجتمع على امر واحد فالطبيعة على التشهي والنفس على الهوى والروح على الإقبال الى المولى والدين الحقيقي الذي فيه كمالية الإنسان انما يوجد بتوافق الظاهر والباطن فمن فارقه بقلبه وتمسك ببعض شعاره وبظاهره رياء وسمعة فهو من فرق اهل الدعوى من غير المعنى قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى مخاطبا لحضرة الهدائى قدس الله اسرارهما اشكر الله على عدم اقترانك بالملاحدة فان الإلحاد كمرض الجذام بعيد عن الإصلاح قال وأظن انهم لا يخرجون من النار لانهم فى دعوى المقال بدون الحال انتهى. ومن المدعين القلندرية وهم الذين يقصون لحاهم وشعورهم بل يحلقون
قلندرى نه بريشست وموى ويا ابرو ... حساب راه قلندر بدانكه موى بموست
كذشتن از سر مو در قلندرى سهلست ... چوحافظ آنكه ز سر بگذرد قلندر اوست
ومن الفرق المبتدعة الجوالقية وهم الذين يحلقون لحاهم ويلبسون الجوالق والكساء الغليظ وقد نهى النبي عليه السلام عن لباس الشهرة سواء كان من جنس الرقيق او الغليظ لانه اشتهار بذلك وامتياز به عن المسلمين وقد قال عليه السلام (كن كواحد من الناس) ولا ينفع الجوالق والكساء إذا كان المرء صاحب الرياء: قال السعدي قدس سره
بروى ريا خرقه سهلست دوخت ... كرش با خدا در توانى فروخت
كر آوازه خواهى در إقليم فاش ... برون حله كن كو درون حشو باش
وقال
در غزا كند مرد بايد بود ... بر مخنث سلاح جنك چهـ سود
وكان الشيخ قطب الدين حيدر مجذوبا صاحب حال جدّا حتى حكى انه أخذ حديدا(3/125)
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)
حارا من كير حداد صار كقطعة نار وألقاه على عنقه ساعة فلم يحترق فاخذ الحيدرية بذلك ولبسوا الحديد تقليدا ولبس الحديد اكثر اثما من لبس الذهب فعلى العاقل ان يجتنب عن البدعة وأهلها- وروى- ان ابن المبارك رؤى فى المنام فقيل له ما فعل ربك فقال عاتبنى وأوقفني ثلاثين سنة بسبب انى نظرت باللطف يوما الى مبتدع فقال انك لم تعاد عدوى فى الدين فكيف حال القاعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين واعلم ان اهل الهوى والبدعة ليس مخصوصا بالبشر كما قال الأعمش تزوج إلينا جنى فقلت له ما أحب الطعام إليكم فقال الارز فقال فائتنا به فجعلت ارى اللقم ترفع ولا ارى أحدا فقلت هل فيكم من هذه الأهواء التي فينا قال نعم قلت فما الرافضة فيكم قال شرنا والروافض هم الذين رفضوا زيد بن على بن الحسين بن على بن ابى طالب لعدم تبريه من ابى بكر وعمر رضى الله عنهما ولزم هذا اللقب كل من غلا فى مذهبه واستجاز الطعن فى الصحابة وأصله ان زيدا خرج بالكوفة داعيا لنفسه فبايعه جماعة من أهلها وأتاه طائفة من اهل الكوفة وقالوا تبرأ من ابى بكر وعمر نبايعك فابى فقالوا إذا نرفضك فمن ذلك سموا الروافض وقالت طائفة من اهل الكوفة نتولاهما ونتبرأ ممن تبرأ منهما وخرجوا مع زيد فسموا الزيدية وسبب بغضهم للاصحاب انه لما وقعت الهزيمة فى غزوة أحد ونادى الشيطان ان قدمات محمد اعتقده الاصحاب غير على رضى الله عنه حتى وقع النزاع فقال كرم الله وجهه هل أقتلكم لو لم يكن واقعا قالوا نعم فلما ظهر خلافه عفا عنهم فمن ثم أحبوا عليا وتركوا الباقي وابغضوه
چون خدا خواهد كه پرده كس درد ... ميلش اندر طعنه پاكان برد
فعلى العاقل ان يحب الصالحين حبا شديدا كى ينال منهم شفاعة يوم القيامة فويل لمن كان شفعاؤه خصماءه اللهم اعصمنا ولا تزغ قلوبنا واهدنا وسددنا فمنك التوفيق لسلوك طريق التحقيق مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ اى من جاء يوم القيامة بالأعمال الحسنة من المؤمنين إذ لا حسنة بغير ايمان قال القاضي عياض انعقد الإجماع على ان الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن بعضهم يكون أشد عذابا من بعض بحسب جرائمهم انتهى نعم إذا اسلموا يثابون على الخيرات المتقدمة لما ورد فى الحديث (حسنات الكفار مقبولة بعد إسلامهم) وفى تفسير الكاشفى [هر كه بيايد در دنيا بنكويى] فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها اى فله عشر حسنات أمثالها فضلا من الله تعالى فالامثال ليس مميزا للعشر بل مميزها هو الحسنات والأمثال صفة لمميزها ولذا لم يذكر التاء للعشر. وقيل انما أنت عشر وان كان مضافا الى ما مفرده مذكر لاضافة الأمثال الى مؤنث هو ضمير الحسنة كقوله تعالى يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ اى بالأعمال السيئة كائنا من كان من العاملين فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها بحكم الوعد واحدة بواحدة فان قيل كفر ساعة يوجب عقاب الابد على نهاية التغليظ فما وجه المماثلة وأجيب بان الكافر على عزم انه لو عاش ابدا لبقى على ذلك الاعتقاد فلما كان العزم مؤبدا عوقب بعقاب الابد بخلاف المسلم المذنب فانه يكون على عزم الإقلاع عن ذلك الذنب فلا جرم كانت عقوبته منقطعة وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بنقص الثواب وزيادة العقاب قال الحدادي(3/126)
وانما قال ذلك لان التفضل بالنعم جائز والابتداء بالعقاب لا يجوز انتهى واعلم ان الحسنات العشر اقل ما وعد من الأضعاف: قال السعدي قدس سره
نكوكارى از مردم نيك راى ... يكى را بده مينويسد خداى
تو نيز اى پسر هر كرا يك هنر ... به بينى زده عيبش اندر كذر
وقد جاء الوعد بسبعين وسبعمائة وبغير حساب ولذلك قيل المراد بذكر العشر بيان الكثرة لا الحصر فى العدد الخاص كما يقول القائل لئن أسديت الىّ معروفا لا كافئنك بعشر أمثاله وحكمة التضعيف لئلا يفلس العبد إذا اجتمع الخصماء فى طاعته فيدفع إليهم واحدة ويبقى له تسع فمظالم العباد توفى من التضعيفات لامن اصل حسناته لان التضعيف فضل من الله تعالى واصل الحسنة الواحدة عدل منه واحدة بواحدة وفى الحديث (ويل لمن غلب آحاده على أعشاره) اى سيآته على حسناته وفى الحديث (الأعمال ستة موجبتان ومثل بمثل وحسنة بحسنة وحسنة بعشر وحسنة بسبعمائة فاما الموجبتان فهو من مات ولا يشرك بالله شيأ دخل الجنة ومن مات وهو مشرك بالله دخل النار واما مثل بمثل فمن عمل سيئة فجزاء سيئة مثلها واما حسنة بحسنة فمن هم بحسنة حتى تشعر بها نفسه ويعلمها الله من قلبه كتبت له حسنة واما حسنة بعشر فمن عمل حسنة فله عشر أمثالها واما حسنة بسبعمائة فالنفقة فى سبيل الله)
كنون بر كف دست نه هر چهـ هست ... كه فردا بدندان كزى پشت دست
قال فى اسئلة الحكم اعلم ان الشارع قد يرتب الثواب للعمل لئلا يترك بل يرغب فيه فلا يكون ذلك العمل أفضل من العمل المؤكد عليه الذي لم يترتب عليه ذلك الثواب فمن ذلك قوله عليه السلام (من صلى الضحى اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتا فى الجنة من ذهب) مع ان السنة الراتبة لفرض الظهر أفضل من الضحى ومن ذلك قوله عليه السلام (من صلى ست ركعات بين المغرب والعشاء كتب الله له عبادة اثنتي عشرة سنة) مع ان سنة المغرب أفضل من ذلك وانما رتب الثواب على ذلك لكثرة الغفلة فيه وأمثال ذلك كثيرة فى الاخبار فلا يفضل على الراتب المؤكد وان لم يعين اجره غير الراتب من النوافل وان رتب اجره وقد اتفق اهل العلم انه لا يبلغ حد الفرض واجب وسنة راتبة او غير راتبة فى الاجر والفضيلة فى عمل او حكم ولا يبلغ مرتبة الراتبة نقل من الاحكام وان لم يتعين قدر أجرها فان السنن شرعت لتتميم نقائض الفرائض والنوافل الغير الراتبة لتتميم نقائص السنن الراتبة فلا ينوب نفل مناب فرض يجب قضاؤه فقضاء فرض لا يسقط بالنوافل كما يزعم بعض العوام يترك الفرائض ويرغب فى النوافل مما ورد كثرة الاجر عليه كالصلاة بعد المغرب يزعم سقوط الفرائض بها وتنوب مناب القضاء وذلك غير مشروع أصلا وترتيب أجور الأعمال والاذكار موقوف على الوحى والإلهام لا قدم فيه لتخمين العقول والاشارة فى الآية ان الله تعالى من كمال إحسانه مع العبد احسن اليه بعشر حسنات قبل ان يعمل العبد حسنة واحدة فقال تعالى مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها يعنى قبل ان يجىء بحسنة احسن اليه بعشر حسنات حتى يقدر ان يجيىء بالحسنة وهى حسنة الإيجاد من العدم وحسنة الاستعداد بان خلقه فى احسن تقويم مستعدا للاحسان(3/127)
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)
وحسنة التربية وحسنة الرزق وحسنة بعثة الرسل وحسنة إنزال الكتب وحسنة تبيين الحسنات والسيئات وحسنة التوفيق وحسنة الإخلاص فى الإحسان وحسنة قبول الحسنات وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها والسر فيه ان السيئة بذر يزرع فى ارض النفس والنفس خبيثة لانها امارة بالسوء والحسنة بذر يزرع فى ارض القلب والقلب طيب لان بذكر الله تطمئن القلوب وقد قال تعالى وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً واما ما جاء فى القرآن والحديث من تفاوت الجزاء للحسنات فاعلم انه كما ان للاعداد اربع مراتب آحاد وعشرات ومات وألوف والواحد فى مرتبة الآحاد واحد بعينه وفى مرتبة العشرات عشرة وفى مرتبة المآت مائة وفى مرتبة الألوف الف فكذلك للانسان مراتب اربع النفس والقلب والروح والسر فالعمل الواحد فى مرتبة النفس اى إذا صدر منها يكون واحدا بعينه كما قال وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها إذ هى فى مرتبة الآحاد وفى مرتبة القلب يكون بعشر أمثالها لانه بمرتبة العشرات وفى مرتبة الروح يكون بمائة لانه بمرتبة المآت وفى مرتبة السر يكون بألف الى أضعاف كثيرة بقدر صفاء السر وخلوص النية الى ما لا يتناهى لانه بمنزلة الألوف والله اعلم وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ المعنى ان الله تعالى قد احسن إليهم قبل ان يحسنوا بعشر حسنات شاملات للحسنات الكثيرة فلا يظلمهم بعد ان أحسنوا بل يضاعف حسناتهم يدل عليه قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً كذا فى التأويلات النجمية قُلْ يا محمد لكفار مكة الذين يدعون انهم على الدين الحق وقد فارقوه بالكلية إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي اى أرشدني بالوحى وبما نصب فى الآفاق والأنفس من الآيات التكوينية إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ موصل الى الحق دِيناً بدل من محل الى صراط والمعنى هدانى صراطا قِيَماً مصدر بمعنى القيام وصف به الدين مبالغة والقياس قوما كعوض فاعل لاعلال فعله كالقيام مِلَّةَ إِبْراهِيمَ عطف بيان لدينا والملة من أمللت الكتاب اى أمليته وما شرعه الله لعباده يسمى ملة من حيث انه يدّون ويملى ويكتب ويتدارس بين من اتبعه من المؤمنين ويسمى دينا باعتبار طاعتهم لمن شرعه وسنه اى جعله لهم سننا وطريقا حَنِيفاً حال من ابراهيم اى مائلا عن الأديان الباطلة ميلا لا رجوع فيه وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اى ما كان ابراهيم منهم فى امر من امور دينهم أصلا وفرعا وانما أضاف هذا الدين الى ابراهيم لان ابراهيم كان معظما فى عيون العرب وفى قلوب اهل سائر الأديان إذ اهل كل دين يزعمون انهم ينتحلون الى دين ابراهيم عليه السلام فرد الله تعالى بقوله وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ على الذين يدعون انهم على ملته عليه السلام عقدا وعملا من اهل مكة واليهود المشركين بقولهم عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ والنصارى المشركين بقولهم الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ والمشرك فى الحقيقة هو الذي يطلب مع الله تعالى شيأ آخر ومن الله غير الله: قال السعدي قدس سره
خلاف طريقت بود كاوليا ... تمنا كنند از خدا جز خدا
قُلْ أعيد الأمر لما ان المأمور به متعلق بفروع الشرائع وما سبق بأصولها إِنَّ صَلاتِي يعنى الصلوات الخمس المفروضة وَنُسُكِي اى عبادتى كلها. واصل النسك كل ما تقربت به(3/128)
لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)
الى الله تعالى ومنه قولهم للعابد ناسك. ويقال أراد بالصلاة صلاة العيد وبالنسك الاضحية وعن انس رضى الله عنه عن رسول الله انه قرب كبشا أملح اقرن فقال (لا اله الا الله والله اكبر ان صلاتى ونسكى) الى قوله تعالى وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ثم ذبح فقال (شعره وصوفه فداء لشعرى من النار وجلده فداء لجلدى من النار ودمه فداء لدمى من النار ولحمه فداء للحمى من النار وعظمه فداء لعظمى من النار وعروقه فداء لعروقى من النار) فقالوا يا رسول الله هنيئا مريئا هذا لك خاصة قال (لا بل لامتى عامة الى ان تقوم الساعة أخبرني به جبريل عليه السلام عن ربى عز وجل) وَمَحْيايَ وَمَماتِي اى وما انا عليه فى حياتى وأكون عليه عند موتى من الايمان والطاعة فالتقدير ذا محياى وذا مماتى فجعل ما يأتى به فى حياته وعند موته ذا حياته وذا موته كقولك ذا انائك تريد الطعام فاضافته بأدنى ملابسة لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ اى خالصة له تعالى لا أشرك فيها غيره وَبِذلِكَ الإخلاص أُمِرْتُ لا بشىء غيره وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ لان اسلام كل نبى متقدم على اسلام أمته. وفيه بيان مسارعته عليه السلام الى الامتثال بما امر به وان ما امر به ليس من خصائصه عليه السلام بل الكل مأمورون به يقتدى به عليه السلام من اسلم منهم والاشارة إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي اى سيرى على منهاج الصلاة هو معراجى الى الله تعالى وذبيحة نفسى وَمَحْيايَ حياة قلبى وروحى وَمَماتِي اى موت نفسى لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لطلب الحق والوصول اليه لا شَرِيكَ لَهُ فى الطلب من مطلوب سواه وَبِذلِكَ أُمِرْتُ اى ليس هذا الطلب والقصد الى الله من نظرى وعقلى وطبعى انما هو من فضل الله ورحمته وهدايته وكمال عنايته إذ اوحى الى وقال وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا وقال قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ يعنى أول من استسلم عند الإيجاد لامركن وعند قبول فيض المحبة لقوله يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ والاستسلام للمحبة فى قوله يحبونه دل عليه قوله عليه السلام (أول ما خلق الله نورى) كذا فى التأويلات النجمية وفى الآية حث على التوحيد والإخلاص وعلامتهما التبري من كل شىء سواه تعالى ظاهرا وباطنا ولو من نفسه والتحقق بحقائق المحبة الذاتية وعن مالك بن دينار قال خرجت حاجا الى بيت الله الحرام وإذا شاب يمشى فى الطريق بلا زاد ولا راحلة فسلمت عليه فرد على السلام فقلت ايها الشاب من اين قال من عنده قلت والى اين قال اليه قلت واين الزاد قال عليه قلت ان الطريق لا يقطع الا بالماء والزاد وهل معك شىء قال نعم قد تزودت عند خروجى بخمسة أحرف قلت وما هذه الخمسة الا حرف قال قوله تعالى كهيعص قلت وما معنى كهيعص قال اما قوله كاف فهو الكافي. واما الهاء فهو الهادي. واما الياء فهو المؤدى. واما العين فهو العالم. واما الصاد فهو الصادق ومن كان صاحبه كافيا وهاديا ومؤديا وعالما وصادقا لا يضيع ولا يخشى ولا يحتاج الى حمل الزاد والماء قال مالك فلما سمعت هذا الكلام نزعت قميصى على ان ألبسه إياه فابى ان يقبله وقال ايها الشيخ العرى خير من قميص دار الفناء حلالها حساب وحرامها عقاب وكان إذا جن الليل يرفع وجهه نحو السماء ويقول يا من تسره الطاعات ولا تضره المعاصي هب لى ما يسرك واغفر لي ما لا يضرك فلما احرم الناس ولبوا(3/129)
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)
قلت لم لا تلى فقال يا شيخ أخشى ان أقول لبيك فيقول لا لبيك ولا سعديك لا اسمع كلامك ولا انظر إليك ثم مضى فما رأيته الا بمنى وهو يقول اللهم ان الناس ذبحوا وتقربوا إليك بضحاياهم وهداياهم وليس لى شىء أتقرب به إليك سوى نفسى فتقبلها منى ثم شهق شهقة فخر ميتا وإذا قائل يقول هذا حبيب الله هذا قتيل الله قتل بسيف الله فجهرته وواريته وبت تلك الليلة متفكرا فى امره ونمت فرأيته فى منامى فقلت ما فعل الله بك قال فعل بي كما فعل بشهداء بدر قتلوا بسيف الكفار وانا قتلت بسيف الجبار
جان كه نه قربانىء جانان بود ... جيفه تن بهتر از آنان بود
هر كه نشد كشته شمشير دوست ... لاشه مردار به از جان اوست
نسأل الله الكريم ان يجعلنا على الصراط المستقيم قُلْ يا محمد لمن يقول من الكفار ارجع الى ديننا أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي اطلب حال كونه رَبًّا آخر فاشركه فى عبادته وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ اى والحال ان ما سواه مربوب له مثلى فكيف يتصور ان يكون شريكا له فى العبودية وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها كانوا يقولون للمسلمين اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم اما بمعنى ليكتب علينا ما عملتم من الخطايا لا عليكم واما بمعنى لنحمل يوم القيامة ما كتب عليكم من الخطايا فهذا رد له بالمعنى الاول اى لا تكون جناية نفس من النفوس الا عليها ومحال ان يكون صدورها عن شخص وقرارها على شخص آخر حتى يتأتى ما ذكرتم وقوله تعالى وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى رد له بالمعنى الثاني اى لا تحمل يومئذ نفس حاملة حمل نفس اخرى حتى يصح قولكم ولنحمل خطاياكم. والوزر فى اللغة هو الثقل ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ اى الى مالك أمركم رجوعكم يوم القيامة فَيُنَبِّئُكُمْ يومئذ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ اى يبين الرشد من الغىّ ويميز المحق من المبطل وفى الآية امور الاول ان غاية المبتغى ونهاية المرام هو الله الملك العلام فمن وجده فقد وجد الكل ومن فقده فقد فقد الكل والعاقل العاشق لا يطلب غير الله لانه الحبيب والمحب لا يتسلى بغير المحبوب: قال الحافظ
درد مرا طبيب نداند دوا كه من ... بي دوست خسته خاطر وبا درد خوشترم
والثاني ان كل ما تكسب النفس من خير او شر فهو عليها اما الشر فهى مأخوذة به واما الخير فمطلوب منها صحة القصد والخلو من الرياء والعجب والافتخار به: قال السعدي قدس سره
چهـ قدر آورد بنده بدرديس ... كه زير قبا دارد أندام پيس
والنفس امارة بالسوء فلا تكسب الاسوأ والسوء عليها لالها وهذا دأب النفس ما وكلت الى نفسها الا ان رحمها ربها كما قال إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي ولهذا كان من دعائه عليه السلام (رب لا تكلنى الى نفسى طرفة عين ولا اقل من ذلك) وهى اى النفس مأمورة بالسير الى الله بقدم العبودية والأعمال الصالحة قال الشيخ ابو عبد الله محمد بن الفضل العجب ممن يقطع الاودية والمفاوز والقفار ليصل الى بيته وحرمه لان فيه آثار أنبيائه كيف لا يقطع بالله نفسه وهواه حتى يصل الى قلبه فان فيه آثار مولاه والثالث ان كل نفس مؤاخذ بذنبه لا بذنب غيره(3/130)
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)
فان قلت قوله عليه السلام (من كانت عنده مظلمة لاخيه من عرض او شىء فليستحلل منه اليوم قبل ان لا يكون دينار ولا درهم الا ان كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وان لم يكن له حسنات أخذ من سيآت صاحبه فحمل عليه) يدل على خلاف ذلك وكيف يجوز فى حكم الله وعدله ان يضع سيآت من اكتسبها على من لم يكتسبها وتؤخذ حسنات من عملها فتعطى من لم يعملها فالجواب على ما قال الامام القرطبي فى تذكرته ان هذا لمصلحة وحكمة لا نطلع عليها والله تعالى لم يبن امور الدين على عقول العباد ولو كان كل ما لا تدركه العقول مردودا لكان اكثر الشرائع مستحيلا على موضوع عقول العباد انتهى يقول الفقيران الذنب ذنبان ذنب لازم وذنب متعد. فالذنب اللازم كشرب الخمر مثلا يؤخذ به صاحبه دون غيره فهذا الذنب له جهة واحدة فقط. والذنب المتعدى كقتل النفس مثلا فهذا وان كان يؤخذ به صاحبه ايضا لكن له جهتان جهة التجاوز عن حد الشرع وجهة وقوع الجناية على العبد فحمل سيآته وطرح حسناته عليه حمل سيآت نفسه فى الحقيقة وما طرح حسنات غيره فى نفس الأمر ولا ظلمه أصلا فالآية والحديث متحدان فى المآل والله اعلم بحقيقة الحال والرابع كما ان الاختلاف واقع بين اهل الكفر والايمان كذلك بين اهل الإخلاص والرياء والشرع وان كان محكا يميز بين المحقق والمبطل الا ان انكشاف حقيقة الحال وظهور باطن الأقوال والافعال انما يكون يوم تبلى السرائر وتبدى الضمائر: وفى المثنوى
چون كند جان باز كونه پوستين ... جند واويلا بر آيد ز اهل دين
بردكان هر زرنما خندان شده است ... زانكه سنك امتحان پنهان شده است
قلب پهلو مى زند بازر بشب ... انتظار روز مى دارد ذهب
باز زبان حال زر كويد كه باش ... اى مزور تا بر آيد روز فاش
وفى الحديث (يخرج فى آخر الزمان أقوام يجتلبون الدنيا بالدين) يعنى يأخذونها ويلبسون لباس جلود الضأن من اللين (ألسنتهم احلى من السكر وقلوبهم قلوب الذئاب فيقول الله تعالى ابى تقترفون أم على تجترئون فبى حلفت لأبعثن على أولئك فتنة تدع الحليم فيها حيران) فعلى المؤمن ان يصحح الظاهر والباطن ويرفع الاختلاف فان الحق واحد فماذا بعد الحق الا الضلال. واما اختلاف الائمة فرحمة لعامة الناس وليس ذلك من قبيل الاختلاف بحسب المراء والجدال بل بحسب اختلاف الاشخاص والأحوال فالحق أحق ان يتبع عصمنا الله وإياكم من الاختلاف المفسد للدين والجدل المزيل لاصل اليقين وجعلنا من اهل التوفيق للصواب انه الكريم المفيض الوهاب وَهُوَ اى الله تعالى الَّذِي جَعَلَكُمْ ايها الناس خَلائِفَ الْأَرْضِ من بعد نبى الجان او خلائف الأمم السابقة الشرية او خلفاء الله فى ارضه تتصرفون فيها. والخلائف جمع الخليفة كالوصائف جمع الوصيفة وكل من جاء بعد من مضى فهو خليفته لانه يخلفه قال فى التأويلات النجمية هو جعل كل واحد من بنى آدم آدم وقته وخليفة ربه فى الأرض وسر الخلافة انه صوره على صورة صفات نفسه حيا قيوما سميعا بصيرا عالما قادرا متكلما مريدا
آدمي چيست برزخ جامع ... صورت خلق وحق در واقع(3/131)
متصل با دقائق جبروت ... مشتمل بر حقائق ملكوت
وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فى الشرف والغنى فَوْقَ بَعْضٍ الى دَرَجاتٍ كثيرة متفاوتة لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ من المال والجاه اى ليعاملكم معاملة من يبتليكم ويمتحنكم لينظر ماذا تعملون من الشكر وضده- حكى- ان جنيدا كان يلعب مع الصبيان فى صباوته فمر به السرى السقطي فقال ما تقول فى حق الشكر يا غلام قال الشكر ان لا تستعين بنعمه على معاصيه إِنَّ رَبَّكَ يا محمد سَرِيعُ الْعِقابِ اى عقابه سريع الإتيان لمن لم يراع حقوق ما آتاه الله ولم يشكره وانما قال سريع العقاب مع انه موصوف بالحلم والامهال لان كل ما هو آت قريب: قال الحافظ
بمهلتى كه سپهرت دهد ز راه مرو ... ترا كه كفت كه اين زال ترك دستان كرد
وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لمن راعاها كما ينبغى وفى الحديث (يؤتى بالرجل يوم القيامة وقد جمع مالا من حرام وأنفقه فى حرام فيقال اذهبوا به الى النار ويؤتى بالرجل قد جمع مالا من حلال وأنفقه فى حلال فيقال له قف لعلك فرطت فى هذا فى شىء مما فرض عليك من صلاة لم تصلها لوقتها او فرطت فى ركوعها وسجودها ووضوئها فيقول لا يا رب كسبت من حلال وأنفقت فى حلال ولم أضيع شيأ مما فرضت فيقال لعلك اختلت فى هذا المال فى شىء من مركب او ثوب باهيت به فقال لا يا رب لم اختل ولم أباه فى شىء فيقال لعلك منعت حق أحد امرتك ان تعظيه من ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فيقول لا يا رب كسبت من حلال وأنفقت فى حلال ولم أضيع شيأ مما فرضت علىّ ولم اختل ولم أباه ولم أضيع حق أحد أمرتني ان أعطيه قال فجيىء باولئك فيخاصمونه فيقولون يا رب أعطيته وجعلته بين أظهرنا وأمرته ان يعطينا فانه أعطانا وما ضيع شيأ من الفرائض ولم يختل فى شىء فيقال قف الآن هات شكر نعمة أنعمتها عليك فى أكلة او شربة او لذة فلا يزال يسأل) واعلم ان الله تعالى كما اعطى المال والجاه ليتميز من هو على الشكر ومن هو على الكفران كذلك اعطى الحال اى استعداد الخلافة ليظهر من المتخلق بأخلاق الله القائم باوامره فى العباد والبلاد ومن الذي رجع القهقرى الى صفات البهائم والانعام فمن أضاع صفات الحق بتبديلها بصفات الحيوانات عوقب بالختم على قلبه وسمعه وبصره فهو لا يرجع الى مكان الغيب الذي خرج منه بل حبس فى أسفل سافلين الطبيعة ومن تاب عن متابعة النفس والهوى ومخالفة الحق والهدى وآمن وعمل عملا صالحا للخلافة فقد اهتدى ولم يرجع القهقرى- حكى- عن ابراهيم بن أدهم انه حج الى بيت الله الحرام فبينما هو فى الطواف إذ بشاب حسن الوجه قد اعجب الناس حسنه وجماله فصار ابراهيم ينظر اليه ويبكى فقال بعض أصحابه انا لله وانا اليه راجعون غفلة دخلت على الشيخ بلا شك ثم
قال يا سيدى ما هذا النظر الذي يخالطه البكاء فقال له ابراهيم يا أخي انى عقدت مع الله تعالى عقدا لا اقدر على فسخه والا كنت ادنى هذا الفتى واسلم عليه فانه ولدي وقرة عينى تركته صغيرا وخرجت فارا الى الله تعالى وها هو قد كبر كما ترى وانى لاستحيى من الله سبحانه ان أعود لشىء خرجت عنه قال ثم قال لى امض وسلم عليه لعلى اتسلى بسلامك عليه وأبرد نارا على كبدى قال فاتيت الفتى فقلت له بارك الله لأبيك فيك فقال يا عم واين ابى ان ابى(3/132)
المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4)
خرج فارا الى الله تعالى ليتنى أراه ولو مرة واحدة وتخرج نفسى عند ذلك هيهات وخنقته العبرة وقال والله اودّ انى رأيته وأموت فى مكانى قال ثم رجعت الى ابراهيم وهو ساجد فى المقام وقد بل الحصى بدموعه وهو يتضرع الى الله تعالى ويقول
هجرت الخلق طرا فى هواك ... وأيتمت العيال لكى أراك
فلو قطعتنى فى الحب اربا ... لما سكن الفؤاد الى سواك
قال فقلت له ادع له فقال حجبه الله عن معاصيه وأعانه على ما يرضيه انتهى فانظر الى حال من ترك السلطنة واختار الفقر والقناعة وأنت تؤثر الغنى والمقال على الفقر والحال وفى الحديث (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) اى قدر ما يمسك الرمق وقيل القوت هو الكفاية من غير إسراف وفيه بيان ان الكفاف أفضل من الغنى لان النبي عليه السلام انما يدعو لنفسه بأفضل الأحوال: قال الحافظ
درين بازار كر سوديست يا درويش خرسندست ... الهى منعمم كردان بدرويشى وخرسندى
جعلنا الله وإياكم من المقتفين لآثار سنة سيد المرسلين وحقق آمالنا من الوصول الى مقام التوكل واليقين انه لا يخيب رجاء سائله وداعيه ولا يقطع اجر عبده فى كل مساعيه تمت سورة الانعام بمعونة الملك العلام فى سلخ جمادى الاولى المنتظم فى سلك شهور سنة الف ومائة ويتلوها سورة الأعراف
تفسير سورة الأعراف
وهى مكية الا ثمانى آيات من قوله وَسْئَلْهُمْ الى وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ محكم كلها وقيل الى قوله وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ وآيها مائتان وخمس وقفنا الله لختمها تقريرا وتحريرا آمين يا معين بسم الله الرحمن الرحيم
المص (ا) اشارة الى الذات الاحدية (ل) الى الذات مع صفة العلم (م) الى معنى محمد صلى الله عليه وسلم اى نفسه وحقيقته (ص) الى الصورة المحمدية وهى جسده وظاهره وعن ابن عباس رضى الله عنهما (ص) جبل بمكة كان عليه عرش الرحمن حين لا ليل ولا نهار أشار بالجبل الى جسد محمد صلى الله عليه وسلم. وبعرش الرحمن الى قلبه كما ورد فى الحديث (قلب المؤمن عرش الله) . وقوله حين لا ليل ولانهار اشارة الى الوحدة لان القلب إذا وقع فى ظل ارض النفس واحتجب بظلمة صفاتها كان فى الليل وإذا طلع عليه نور شمس الروح واستضاء بضوئه كان فى النهار وإذا وصل الى الوحدة الحقيقية بالمعرفة والشهور الذاتي واستوى عنده النور والظلمة لفناء الكل فيه كان وقته لا ليل ولا نهار ولا يكون عرش الرحمن الا فى هذا الوقت. فمعنى الآية ان وجود الكل من اوله الى آخره كتاب انزل إليك علمه كذا فى التأويلات القاشانية وقال الشيخ نجم الدين انه تعالى بعد ذكر ذاته وصفاته بقوله بسم الله الرحمن الرحيم عرف نفسه بقوله المص يعنى الله اله من لطفه فرد عبده للمحبة والمعرفة وأنعم عليه بالصبر والصدق لقبول كمالية المعرفة والمحبة بواسطة كتاب انزل إليك انتهى وقال فى تفسير الفارسي [المص: نام قرآنست. يا اسم اين سوره.(3/133)
كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4)
يا هر حرفى اشارتست باسمي از أسماى الهى چون اله ولطيف وملك وصبور. يا هر حرفى كنايتست از صفتى چون إكرام ولطف ومجد وصدق. يا ايمايست باسم المصور. يا بعض حروف دلالت بر اسما دارد بعض بر افعال وتقدير چنان بود كه انا الله اعلم وأفضل منم خداى كه ميدانم وبيان ميكنم يا از همه داناترم وحق از باطل جدا ميكردانم در حقايق سلمى كويد كه. الف ازلست. ولام ابد. وميم ما بين ازل وابد. وصاد اشارتست باتصال هر متصلى وانفصال هر منفصلى وفى الحقيقة نه اتصال را مجال كنجايش ونه انفصال را محل نمايش]
اين چهـ راهست اين برون از فصل ووصل ... كاندرونى فرع مى كنجد نه اصل
نى معانى نى عبارت نى عيان ... نى حقائق نى اشارت نى بيان
بر ترست از مدركات عقل ووهم ... لا جرم كم كشت در وى فكر وفهم
چون بكلى روى كفت وكوى نيست ... هيچكس را جز خموشى روى نيست
يقول الفقير غفر الله ذنوبه ان الحروف المقطعة من المتشابهات القرآنية التي غاب علمها عن العقول وانما اعطى فهمها لاهل الوصول وكل ما قيل فيها فهو من لوازم معانيها وحقائقها فلنا ان نقول ان فيها اشارة الى ان هذا التركيب الصفاتى والفعلى الواحدي الابدى كان افرادا فى مرتبة الوحدة الذاتية الازلية فبالتجلى الإلهي صار المفرد مركبا والمقطع موصلا والقوة فعلا والجمع فرقا وتعين النسب والإضافات كما ان اصل المركبات الكلامية هو حروف التهجي ثم بالتركيب يحصل اب ثم ابجد ثم الحمد لله وكما ان اصل الإنسان بالنسبة الى تعين الجسم هو النطفة ثم بالتصوير يحصل التركيب الجسمى والله اعلم كِتابٌ اى هذا كتاب أُنْزِلَ إِلَيْكَ اى من جهته تعالى فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ اى شك ما فى حقيقته كما فى قوله تعالى فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ خلا انه عبر عنه بما يلازمه من الحرج فان الشاك يعتريه ضيق الصدر كما ان المتيقن يعتريه انشراحه خاطب به النبي عليه السلام والمراد الامة اى لا ترتابوا ولا تشكوا. قوله منه متعلق بحرج يقال حرج منه اى ضاق به صدره ويجوز ان يكون الحرج على حقيقته اى لا يكن فيك ضيق صدر من تبليغه مخافة ان يكذبوك فانه عليه السلام كان يخاف تكذيب قومه له واعراضهم عنه فكان يضيق صدره من الأداء ولا ينبسط له فامنه الله تعالى ونهاه عن المبالاة بهم لِتُنْذِرَ بِهِ اى بالكتاب المنزل متعلق بانزل وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ اى ولتذكر المؤمنين تذكيرا اتَّبِعُوا ايها المكلفون ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ يعنى القرآن وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ اى من دون ربكم الذي انزل إليكم ما يهديكم الى الحق وهو حال من الفاعل اى لا تتبعوا متجاوزين الله تعالى أَوْلِياءَ من الجن والانس بإطاعتهم فى معصية الله قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ بحذف احدى التاءين وما مزيد لتأكيد العلة اى تذكرا قليلا او زمانا قليلا تذكرون لا كثيرا حيث لا تتأثرون بذلك ولا تعملون بموجبه وتتركون دين الله تعالى وتتبعون غيره ثم شرع فى التهديد ان لم يتعظوا بما جرى على الأمم الماضية بسبب إصرارهم على اتباع دين أوليائهم فقال وَكَمْ للتكثير مبتدأ والخبر هو جملة ما بعدها مِنْ قَرْيَةٍ تمييز أَهْلَكْناها الضمير راجع الى معنى كم اى كثير من القرى أردنا(3/134)
فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)
اهلاكها او كثيرا منها على ان يكون كم فى موضع نصب باهلكناها كما فى قوله تعالى إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ فَجاءَها اى فجاء أهلها بَأْسُنا اى عذابنا بَياتاً مصدر بمعنى الفاعل واقع موقع الحال اى بائتين كقوم لوط قال الحدادي سمى الليل بياتا لانه يبات فيه والبيتوتة خلاف الظلول وهو ان يدركك الليل نمت او لم تنم وهى بالفارسية [شب كذاشتن] أَوْ هُمْ قائِلُونَ عطف على بياتا اى قائلين من القيلولة نصف النهار كقوم شعيب اهلكهم الله فى نصف النهار وفى حر شديد وهم قائلون قال فى التفسير الفارسي [تخصيص اين دو وقت بجهت آنست كه زمان آسايش واستراحتند وتصور وتوقع عذاب در ان نيست پس بليه غير منتظر صعبتر وسخت تر است چنانچهـ نعمت غير مترقب خوبتر ولذيذترست] فَما كانَ دَعْواهُمْ اى دعاؤهم وتضرعهم إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا عذابنا وعاينوا اماراته إِلَّا أَنْ قالُوا جميعا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ اى الا اعترافهم بظلمهم فيما كانوا عليه وشهادتهم ببطلانه تحسرا عليه وندامة وطمعا فى الخلاص وهيهات لانه لا تنفع التوبة وقت نزول العذاب إذ هو وارتفاع التكليف مقارنان وقوم يونس مستثنى من هذا كما يجىء: وفى المثنوى
همچوآن مرد مفلسف روز مرك ... عقل را مى ديد بس بي بال وبرك
بي غرض مى كرد آندم اعتراف ... كز ذكاوت رانده ايم اسب از كزاف
از غرورى سر كشيديم از رجال ... آشنا كرديم در بحر خيال
آشنا هيچست اندر بحر روح ... نيست آنجا چاره جز كشتى نوح
اينچنين فرموده آن شاه رسل ... كه منم كشتى درين درياى كل
با كسى كو در بصيرتهاى من ... شد خليفه راستين بر جاى من
كشتىء نوحيم در دريا كه تا ... رو نكردانى ز كشتى اى فتى
فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ الفاء لترتيب الأحوال الاخروية على الدنيوية اى لنسألن الأمم قاطبة يوم الحشر قائلين ماذا أجبتم المرسلين وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ عما أجيبوه او المراد بالسؤال توبيخ الكفرة وتقريعهم والذي نفى بقوله تعالى وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ سؤال الاستعلام او الاول فى موقف الحساب والثاني فى موقف العقاب وفى التفسير الكبير انهم لا يسألون عن الأعمال ولكن يسألون عن الدواعي التي دعتهم الى الأعمال وعن الصوارف التي صرفتهم عنها فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ اى على الرسل حين يقولون لا علم لنا انك أنت علام الغيوب بِعِلْمٍ اى عالمين بظواهرهم وبواطنهم وَما كُنَّا غائِبِينَ عنهم فى حال من الأحوال فيخفى علينا شىء من أعمالهم وأحوالهم واعلم ان الرسل يقولون يوم الحشر اللهم سلم سلم ويخافون أشد الخوف على أممهم ويخافون على أنفسهم والمطهرون المحفوظون الذين ما تدنست بواطنهم بالشبه المضلة ولا ظواهرهم ايضا بالمخالفات الشرعية آمنون يغبطهم النبيون فى الذي هم عليه من الامن لما هم اى النبيون عليه من الخوف على أممهم فمن لقى الله تعالى فى ذلك اليوم شاهدا له بالإخلاص مقرا بنبيه صلى الله عليه وسلم بريئا من الشرك ومن السحر بريئا من اهراق دماء المسلمين ناصحا لله تعالى ولرسوله محبا لمن أطاع الله ورسوله مبغضا لمن عصى الله(3/135)
وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8)
ورسوله استظل تحت ظل عرش الرحمن ونجا من الغم ومن حاد عن ذلك ووقع فى شىء من هذه الذنوب بكلمة واحدة او تغير قلبه او شك فى شىء من دينه بقي الف سنة فى الحر والهم والعذاب حتى يقضى الله فيه بما يشاء- روى- ان ملكا من ملوك كندة كان طويل المصاحبة للهو واللذات كثير العكوف على اللعب فركب يوما للاصطياد او غيره فانقطع عن أصحابه فاذا هو برجل جالس قد جمع عظاما من عظام الموتى وهى بين يديه يقلبها فقال ما قصتك ايها الرجل وما الذي بلغ بك ما ارى من سوء الحال ويبس الجلد وتغير اللون والانفراد فى هذه الفلاة فقال اماما ذكرت من ذلك فلانى على جناح سفر بعيد وبي موكلان مزعجان يحدوان بي الى منزل كبيت النمل مظلم القعر كريه المقر يسلمانى الى مصاحبة البلى ومجاورة الهلكى تحت أطباق الثرى فلو تركت بذلك المنزل مع ضيقه ووحشته وارتعاء حشاش الأرض من لحمى حتى أعود رفاتا وتصير اعظمى رماما لكان للبلى انقضاء وللشقاء نهاية ولكنى ادفع بعد ذلك الى صيحة الحشر واردا طول مواقف الجرائم ثم لا أدرى الى أي الدارين يؤمر بي فأى حال يلتذ به من يكون هذا الأمر مصيره فلما سمع الملك كلامه القى نفسه عن فرسه وجلس بين يدى وقال ايها الرجل لقد كدّر مقالك على صفو عيشى وملك قلبى فاعد علىّ بعض قولك فقال له اما ترى هذه التي بين يدى قال بلى قال هذه عظام ملوك غرتهم الدنيا بزخرفها واستحوذت على قلوبهم بغرورها فالهتهم عن التأهب لهذه المصارع حتى فاجأتهم الآجال وخذلتهم الآمال وسلبتهم بهاء النعمة وستنشر هذه العظام فتعود أجساما ثم تجازى باعمالها فاما الى دار النعيم والقرار واما الى دار العذاب والبوار ثم غاب الرجل فلم يدر اين ذهب وتلاحق اصحاب الملك به وقد تغير لونه وتواصلت عبراته فلما جن عليه الليل نزع ما عليه من لباس الملك ولبس طمرين وخرج تحت الليل فكان آخر العهد به وانشدوا
أفنى القرون التي كانت منعمة ... كر اللييلات إقبالا وإدبارا
يا راقد الليل مسرورا باوله ... ان الحوادث قد يطرقن اسحارا
لا تأمنن بليل طاب اوله ... فرب آخر ليل أجج النارا
قال الامام زين العابدين. عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة ويكون غدا جيفة. وعجبت كل العجب لمن شك فى الله وهو يرى خلقه. وعجبت كل العجب لمن أنكر النشأة الآخرة وهو يرى النشأة الاولى. وعجبت كل العجب لمن عمل لدار الفناء وترك دار البقاء فعلى العاقل ان يعتبر بمن مضى قبل ان يجيىء على رأسه القضاء ويجتهد فى طريق الحق ذاكرا له فى الغدو والرواح ويتهيأ للموت قبل نزوله والوقت يمضى كالرياح فاين الذين وقعوا فى انكار الرسل وتكذيب الأنبياء مضوا والله الى دار الجزاء وسينقضى الزمان كله فلا يبقى أحد على بساط العالم من ملك وجن وبنى آدم وتطوى صحائف الأعمال وتنشر يوم السؤال ويظهر كل جليل ودقيق فيا شقاوة اهل الخذلان ويا سعادة اهل التوفيق اللهم انا نسألك مراقبة الأوقات ومحافظة الطاعات والتمشى على الصراط السوي فى المسلك الصوري والمعنوي فاعن الضعفاء يا قوى آمين يا معين وَالْوَزْنُ اى وزن الأعمال والتمييز بين(3/136)
وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)
راجحها وخفيفها وجيدها ورديها والمعنى بالفارسيه (سنجيدن اعمال هر يك) يَوْمَئِذٍ اى يوم القيامة الْحَقُّ بالفارسية [راستست وبودنى] فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ اى حسناته التي توزن فهو جمع موزون ويجوز ان يكون جمع ميزان باعتبار اختلاف الموزونات وتعدد الوزن وقال فى التأويلات النجمية وانما قال موازينه بالجمع لان كل عبد ينصب له موازين بالقسط تناسب حالاته فلبدنه ميزان يوزن به أوصافه ولروحه ميزان يوزن به نعوته ولسره ميزان يوزن به أحواله ولخفيه ميزان يوزن به أخلاقه والخفي لطيفة روحانية قابلة لفيض الأخلاق الربانية ولهذا قال عليه السلام (ما وضع فى الميزان أثقل من حسن الخلق) وذلك لانه ليس من نعوت المخلوقين بل هو من اخلاق رب العالمين والعباد مأمورون بالتخلق بأخلاقه فَأُولئِكَ الجمع باعتبار معنى من هُمُ ضمير فصل يفيد اختصاص المسند بالمسند اليه الْمُفْلِحُونَ الفائزون بالنجاة والثواب وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ بالفارسية [عملهاى وزن كرده او وآن سبكى بمعصيت خواهد بود فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بتضييع الفطرة السليمة التي فطرت عليها واقتراف ما عرضها للعذاب قال الحدادي الخسران اذهاب رأس المال ورأس مال الإنسان نفسه فاذا هلك بسوء عمله فقد حسر نفسه بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ يعنى وضعوا التكذيب بها موضع التصديق. قوله بما متعلق بخسروا وما مصدرية وبآياتنا متعلق بيظلمون على تضمين معنى التكذيب قال فى التأويلات النجمية الوزن عند الله يوم القيامة لاهل الحق وارباب الصدق واعمال البر فلا وزن للباطل واهله ويدل عليه قوله تعالى فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً- وروى- انه يؤتى يوم القيامة بالرجل العظيم الطويل الأكول الشروب فيوزن فلا يزن جناح بعوضة انتهى وهذه الرواية تدل على ان الموزون هو الاشخاص كما ذهب اليه بعض العلماء ولكن الجمهور على ان صحائف الأعمال هى التي توزن بميزان له لسان وكفتان ينظر اليه الخلائق إظهارا للمعدلة وقطعا للمعذرة كما يسألهم عن أعمالهم فتعترف بها ألسنتهم وجوارحهم وتشهد عليهم الأنبياء والملائكة والاشهاد وكما تثبت فى صحائفهم فيقرأونها فى موقف الحساب ويؤيده ما روى ان الرجل يؤتى به الى الميزان فينشر له تسعة وتسعون سجلا مدى البصر فتخرج له بطاقة فيها كلمتا الشهادة فتوضع السجلات فى كفة والبطاقة فى كفة فيطيش السجلات وتثقل البطاقة والبطاقة رقعة صغيرة وهى ما يجعل فى طى الثوب يكتب فيها ثمنه- روى- ان داود عليه السلام سأل ربه ان يريه الميزان الذي ينصب يوم القيامة فرأى كل كفة ملىء ما بين المشرق والمغرب فغشى عليه فلما أفاق قال الهى من يقدر ان يملأ كفته بالحسنات فقال الله تعالى يا داود إذا رضيت عن عبدى ملأتها بتمرة من صدقة وقال فى التفسير الفارسي [در تبيان از ابن عباس نقل ميكند كه درازى عمود ميزان پنجاه هزار ساله راهست وكفين او يكى از نورست ويكى از ظلمت حسنات در پله نور نهند وسيآت در پله ظلمت]- ويحكى- عن بعضهم انه قال رأيت بعضهم فى المنام فقلت ما فعل الله بك فقال وزنت حسناتى فرجحت السيئات على الحسنات فجاءت صرة من السماء وسقطت فى كفة الحسنات فرجحت فحللت(3/137)
وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10) وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15)
الصرة فاذا فيها كف تراب ألقيته فى قبر مسلم ويجاء بعمل الرجل فيوضع فى كفة ميزانه فيخف فيجاء بشىء أمثال الغمام فيوضع فى كفة ميزانه فترجح فيقال له أتدري ما هذا فيقول لا فيقال له هذا فضل العلم الذي كنت تعلمه الناس وتستوى كفتا الميزان لرجل فيقول الله تعالى لست من اهل الجنة ولا من اهل النار فيأتى الملك بصحيفة فيضعها فى كفة الميزان فيها مكتوب أف فيترجح على الحسنات لانها كلمة عقوق ترجح بها جبال الدنيا فيؤمر به الى النار فيطلب الرجل ان يرد الى الله تعالى فيقول ردوه فيقول ايها العبد العاق لأى شىء تطلب الرد الى فيقول الهى رأيت انى سائر الى النار وان لا بدلى منها وكنت عاقا لأبى وهو سائر الى النار مثلى فضعف على به عذابى وأنقذه منها فيضحك الله تعالى ويقول عققته فى الدنيا وبررته الآخرة خذ بيد أبيك وانطلق الى الجنة: قال الحافظ
طمع ز فيض كرامت مبر كه خلق كريم ... كنه ببخشد وبر عاشقان ببخشايد
واعلم ان السبعين الالف الذين يدخلون الجنة بلا حساب لا يرفع لهم ميزان وكذا يؤتى باهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان فيصب لهم الاجر صبا حتى ان اهل العافية ليتمنون فى الموقف ان أجسامهم قد قرضت بالمقاريض من حسن ثواب الله فهم يكونون تحت شجرة فى الجنة تسمى شجرة البلوى قال الله تعالى إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ قال ارباب التحقيق التوحيد الرسمى يدخل فى الميزان لانه يوجد له ضد كما أشير اليه بحديث صاحب السجلات واما التوحيد الحقيقي فلا يدخل فى الميزان لانه لا يعادله شىء إذ لا يجتمع ايمان وكفر بخلاف ايمان وسيآت ولهذا كانت لا اله الا الله أفضل الاذكار فالذكر بها أفضل من الذكر بكلمة الله الله وهو هو عند العلماء بالله لانها جامعة بين النفي والإثبات وحاوية على زيادة العلم والمعرفة فمن نفى بلا اله عين الخلق حكما لا علما فقد أثبت كون الحق حكما وعلما والا له من له جميع الأسماء وما هو الا عين واحدة هى مسمى الله الذي بيده ميزان الرفع والخفض قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره لا تدخل الموازين الا اعمال الجوارح وهى سبع السمع والبصر واللسان واليد والبطن والفرج والرجل. واما الأعمال المعنوية فلا تدخل الميزان المحسوس لكن يقام فيها العدل وهو الميزان المعنوي فحس لحس ومعنى لمعنى يقابل كل شىء بشاكلته قال العلماء إذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال لان الوزن للجزاء ينبغى ان يكون بعد المحاسبة فان المحاسبة لتقرير الأعمال والوزن لاظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها كذا فى تفسير الفاتحة للمولى الفنارى فعلى العاقل ان يسارع الى الطاعات ويبادر الى الحسنات خصوصا الى احسن الحسنات وهو كلمتا الشهادة ليكون ممن ثقلت موازينه ويدخل فى زمرة المفلحين وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ اى جعلنا لكم منها مكانا وقرارا وأقدرناكم على التصرف فيها على أي وجه شئتم وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ اى انشأنا وأبدعنا لمصالحكم ومنافعكم فيها أسبابا تعيشون بها جمع معيشة وهى ما يعاش به من المطاعم والمشارب وغيرهما والخطاب لقريش فانه تعالى فضلهم على العرب بان مكنهم من الرحلة الى الشام او ان الصيف ومن الرحلة الى اليمن او ان الشتاء آمنين بسبب كونهم سكان حرم الله(3/138)
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)
تعالى ومجاورى بيته الشريف ويتخطف الناس من حولهم فيتجرون بتينك الرحلتين ويكسبون ما يكون سببا لحياتهم من المآكل والمشارب والملابس وغيرها قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ
فيما صنعت إليكم والاشارة ان التمكين لفظ جامع للتمليك والتسليط والقدرة على تحصيل اسباب كل خير وسعادة دنيوية كانت او اخروية وكمال استعداد المعرفة والمحبة والطلب والسير الى الله ونيل الوصول والوصال ما تشرف بهذا التمكين الا الإنسان وبه كرم وفضل وبه يتم امر خلافته ولهذا امر الملائكة بسجود آدم وبه من الله على أولاده بقوله لَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ اى سيرناكم ووهبنا لكم فى خلافة الأرض ما لم نمكن أحدا غيركم فى الأرض من الحيوانات ولا فى السماء من الملائكة وجعلنا لكم خاصة فيها معايش اى جعلنا لكل صنف من الملك والحيوان والشيطان معيشة يعيش بها او جعلنا لكم فيها معايش لان الإنسان مجموع من الملكية والحيوانية والشيطانية والانسانية فمعيشة الملك هى معيشة روحه ومعيشة الحيوان هى معيشة بدنه ومعيشة الشيطان هى معيشة نفسه الامارة بالسوء ولما حصل للانسان بهذا التركيب مراتب الانسانية وانها لم تكن لكل واحد من الملك والحيوان والشيطان وهى القلب والسر والخفي فمعيشة قلبه هى الشهود ومعيشة سره هى الكشوف ومعيشة خفيه هى الوصال والوصول قليلا ما تشكرون اى قليلا منكم من يشكر هذه النعم اى نعمة التمكن ونعمة المعايش برؤية هذه النعم والتحدث بها فان رؤية النعم شكرها والتحدث بالنعم ايضا شكر كذا فى التأويلات النجمية
نعمت بسى وشكر كزارنده اندكست ... كوينده سپاس الهى ز صد يكست
واعلم ان النعمة انما تسلب ممن لا يعرف قدرها ولا يؤدى شكرها- روى- ان بعض الأنبياء عليهم السلام سأل الله تعالى عن امر بلعم وطرده بعد تلك الآيات والكرامات فقال الله تعالى لم يشكرنى يوما من الأيام على ما أعطيته ولو شكرنى على ذلك مرة لما سلبته فتيقظ ايها الرجل واحتفظ بركن الشكر جدا جدا واحمد الله على مننه التي أعلاها الإسلام والمعرفة وأدناها مثلا توفيق لتسبيح او عصمة من كلمة لا تعنيك عسى ان يتم نعمه عليك ولا يبتليك بمرارة الزوال فان امر الأمور وأصعبها الاهانة بعد الكرام والطرد بعد التقريب والفراق بعد الوصال: قال السعدي قدس سره
نداند كسى قدر روز خوشى ... مكر روزى افتد بسختى كشى
مكن تكيه بر دستكاهى كه هست ... كه باشد كه نعمت نماند بدست
بسا اهل دولت ببازى نشت ... كه دولت برفتش ببازى ز دست
فضيحت بود خوشه اندوختن ... پس از خرمن خويشتن سوختن
تو پيش از عقوبت در عفو كوب ... كه سودى ندارد فغان زير چوب
اگر بنده كوشش كند بنده وار ... عزيزش ندارد خداوند كار
وكر كند رايت در بندگى ... ز جاندارى افتد بجر بندگى
اللهم احفظنا من الكفران ووفقنا للشكر كل حين وآن وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ اى(3/139)
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)
خلقنا اباءكم آدم طينا غير مصور بصورته المخصوصة ثم صورناه عبر عن خلق نفس آدم وتصويره بخلق الكل وتصويرهم تنزيلا لخلقه وتصويره منزلة خلق الكل وتصويرهم من حيث ان المقصود من خلقه وتصويره تعمير الأرض باولاده فكان خلقه بمنزلة خلق أولاده فالاسناد فى ضمير الجمع مجازى ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ كلهم لعموم اللفظ وعدم المخصص اسْجُدُوا لِآدَمَ سجدة تحية وتكريم لان السجود الشرعي وهو وضع الجبهة على قصد العبادة انما هو لله تعالى حقيقة فَسَجَدُوا اى الملائكة بعد الأمر من غير تلعثم إِلَّا إِبْلِيسَ اى لكن إبليس لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ اى ممن سجد لآدم والا فهو كان ساجدا لله تعالى قالَ استئناف كأنه قيل فماذا قال الله تعالى حينئذ فقيل قال ما اى أي شىء مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ اى ان تسجد ولا صلة كما فى قوله تعالى لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ اى ليتحقق علم اهل الكتاب إِذْ أَمَرْتُكَ اى وقت امرى إياك به قالَ إبليس أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ اى الذي منعنى من السجود هو انى أفضل منه لانك خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ والنار جوهر لطيف نورانى والطين جسم كثيف ظلمانى فهو خير منه ولقد اخطأ اللعين حيث لاحظ الفضيلة باعتبار المادة والعنصر
ز آدمي إبليس صورت ديد وبس ... غافل از معنى شد آن مردود خس «1»
نيست صورت چشم را نيكو بمال ... تا ببينى شعشع نور جلال «2»
ونعم ما قيل ايضا
صورت خاك ار چهـ دارد تيركى در تيركى ... نيك بنكر كزره معنى صفا اندر صفاست
اين همايون خاك كاندر وصف او صاحب دلى ... نكته كفتش كه از وى ديده جانرا جلاست
جستن كو كرد احمر عمر ضايع كردنست ... روى بر خاك سياه آور كه يكسر كيمياست
وفى المثنوى
كفت نار از خاك بي شك بهترست ... من ز نار واو ز خاك اكدرست
پس قياس فرع بر اصلش كنيم ... او ز ظلمت من ز نور روشنيم
كفت حق نى بلكه لا انساب شد ... زهد وتقوى فضل را محراب شد
اين نه ميراث جهان فانيست ... كه بانسابش بيان جانيست
بلكه اين ميراثهاى انبياست ... وارث اين جانهاى اتقياست
پور آن بوجهل شد مؤمن عيان ... پور آن نوح نبى از كمرهان
زاده خاكى منور شد چوماه ... زاده آتش توئى اى رو سياه
اين قياسات وتحرى روز ابر ... يا بشب مر قبله را كردست جبر
ليك با خورشيد وكعبه پيش رو ... اين قياس واين تحرى را مجو
كعبه ناديده مكن رو زو متاب ... از قياس الله اعلم بالصواب
وفى التأويلات النجمية ان شرف مسجودية آدم وفضيلته على ساجديه لم يكن بمجرد خواصه الطينية وان تشرفه بشرف التخمير بغير واسطة كقوله تعالى ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ
__________
(1) لم أجد. [.....]
(2) در اواخر دفتر ششم در بيان باز آمدن رن جوحى سال ديكر نزد قاضى إلخ در اواخر دفتر يكم در بيان آنكه أول كسى كه در مقابل نص صريح إلخ.(3/140)
قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15)
وكقوله عليه السلام (خمر الله طينة آدم بيده أربعين صباحا) وانما كانت فضيلته عليهم لاختصاصه بنفخ الروح المشرف بالاضافة الى الحضرة فيه من غير واسطة كما قال وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ولاختصاصه بالتجلى فيه عند نفخ الروح كما قال عليه السلام (ان الله تعالى خلق آدم فتجلى فيه) ولهذا السر ما امر الملائكة بالسجود بعد تسوية قالب آدم من الطين بل أمرهم بالسجود بعد نفخ الروح فيه كما قال الله تعالى إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ وذلك لان آدم بعد ان نفخ فيه الروح صار مستعدا للتجلى لما حصل فيه من لطافة الروح ونور انيته التي يستحق بها التجلي ومن إمساك الطين الذي يقبل الفيض الإلهي ويمسكه عند التجلي فاستحق سجود الملائكة فانه صار كعبة حقيقة قالَ الله تعالى فَاهْبِطْ يا إبليس مِنْها اى من الجنة والإضمار قبل ذكرها لشهرة كونه من سكانها وكانوا فى جنة عدن لا فى جنة الخلد وفيها خلق آدم وهذا امر عقوبة على معصية فَما يَكُونُ لَكَ اى فما يصح ويستقيم لك ولا يليق بشأنك أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها اى فى الجنة ولا دلالة فيه على جواز التكبر فى غيرها فَاخْرُجْ تأكيد للامر بالهبوط إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ اى من الأذلاء واهل الهوان على الله تعالى وعلى أوليائه لتكبرك وفى الآية تنبيه على ان الله تعالى انما طرده واهبطه لتكبره لا لمجرد عصيانه وفى الحديث (من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر وضعه الله) وفى المثنوى
علتى بدتر ز پندار كمال ... نيست اندر جانت اى مغرور ضال
از دل واز ديده ات بس خون رود ... تا ز تو اين معجبى بيرون شود
علت إبليس انا خير بدست ... وين مرض در نفس هر مخلوق هست
كرچهـ خود را بس شكسته بيند او ... آب صافى دان وسر كين زير جو
چون بشورانى مر او راز امتحان ... آب سركين رنك كردد در زمان
در تك جو هست سركين اى فتى ... كر چهـ جو صافى نمايد مر ترا
وكان الاصحاب رضى الله عنهم يبكون دما من اخلاق النفس- وذكر- ان قاضيا جاء الى ابى يزيد البسطامي يوما فقال نحن نعرف ما تعرفه ولكن لا نجد تأثيره فقال ابو يزيد خذ مقدارا من الجوز وعلق وعاءه فى عنقك ثم ناد فى البلد كل من يلطمنى ادفع له جوزة حتى لا تبقى منه شيأ فاذا فعلت ذلك تجد التأثير فاستغفر القاضي فقال ابو يزيد قد أذنبت لانى اذكر ما يخلصك من كبر نفسك وأنت تستغفر من ذلك لكمال كبرك قال ابو جعفر البغدادي ست خصال لا تحسن بست رجال. لا يحسن الطمع فى العلماء. ولا العجلة فى الأمراء. ولا الشح فى الأغنياء. ولا الكبر فى الفقراء. ولا السفه فى المشايخ. ولا اللؤم فى ذوى الاحساب فعليك بالتوحيد فانه سيف صارم يقطع عرق كل خلق مذموم قالَ الشيطان بعد كونه مطرودا أَنْظِرْنِي اى أمهلني ولا تمتنى إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ اى آدم وذريته للجزاء بعد فنائهم وهو وقت النفخة الثانية وأراد اللعين بذلك ان يجد فسحة من اغوائهم ويأخذ منهم ثاره وينجو من الموت لاستحالته بعد الموت قالَ الله تعالى إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ اى من جملة الذين أخرت آجالهم(3/141)
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)
الى وقت النفخة الاولى لا الى وقت البعث الذي هو المسئول كما بين مدة المهلة فى قوله تعالى فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ وهو يوم النفخة الاولى يموت الخلق فيه ويموت إبليس معهم وبين النفخة الاولى والثانية أربعون سنة فاستجيب بعض دعائه لا كله والفتوى على ان دعاء الكافر يستجاب استدراجا ودل ظاهر قوله إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ على ان ثمة منظرين غير إبليس وعن ابن عباس قال ان الدهر يمر بإبليس فيهرم ثم يعود ابن ثلاثين
غافلان از مرك مهلت خواستند ... عاشقان كفتند نى نى زود باد
وانما انظره ابتلاء للعباد وتمييزا بين المخلص لله ومتبع الهوى وتعريضا للثواب بمحالفته. وقيل انظره مكافأة له بعبادته التي مضت فى السماء وعلى وجه الأرض ليعلم انه لا يضيع اجر العاملين وقيل أمهله وأبقاه الى آخر الدهر استدراجا له من حيث لا يعلم ليتحمل من الأوزار ما لا يتحمل غيره من الأشرار والكفار فأنظره الى يوم القرار ليحصل الاعتبار به لذوى الابصار بان أطول الأعمار فى هذه الدار لرئيس الكفار وقائد زمرة الفجار واختلف العلماء هل كلم الله تعالى إبليس بغير واسطة اولا والصحيح انه انما كلمه بواسطة ملك لان كلام الباري لمن كلمه رحمة ورضى وتكرم وإجلال ألا ترى ان موسى عليه السلام فضل بذلك على الأنبياء ما عدا الخليل ومحمدا صلى الله عليه وسلم فان قيل أليس رسالته ايضا تشريفا وقد كانت لابليس على غير وجه التشريف كذلك كلامه يكون تشريفا لغير إبليس ولا يكون تشريفا لابليس. قيل مجرد الإرسال ليس بتشريف وانما يكون لاقامة الحجة بدلالة ان موسى عليه السلام أرسله الله الى فرعون وهامان ولم يقصدا إكرامهما واعظامهما لعلمه بانهما عدوان وكان كلامه إياه تشريفا له وقوله تعالى وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ اى على لسان بعض ملائكته قالَ إبليس فَبِما أَغْوَيْتَنِي الباء متعلقة بفعل القسم المحذوف. والإغواء الإضلال عن المنهج القويم والهمزة فيه للصيرورة اى بسبب ان صيرتنى غاويا ضالا عن الهدى محروما من الرحمة لاجلهم اقسم بعزتك لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ اى لآدم وذريته ترصدا بهم كما يقعد القطاع للقطع على السابلة صِراطَكَ اى على صراطك الْمُسْتَقِيمَ الموصل الى الجنة وهو دين الإسلام فالقعود كناية عن الاجتهاد فى إغواء بنى آدم فان من هلك بسبب الاجتهاد فى تكميل امر من الأمور يقعد حتى يصير فارغ البال عما يشغله عن إتمام مقصوده ويتوجه اليه بكليته ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ [پس بيايم بديشان] مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ اى من قبل الآخرة فاشككهم فيها. وايضا من قبل الحسد فازين لهم الحسد على الأكابر من العلماء والمشايخ فى زمانهم ليطعنوا فى أحوالهم وأعمالهم وأقوالهم وَمِنْ خَلْفِهِمْ من جهة الدنيا ارغبهم. فيها وايضا من قبل العصبية ليطعنوا فى المتقدمين من الصحابة والتابعين والمشايخ الماضين ويقدحوا فيهم ويبغضوهم وَعَنْ أَيْمانِهِمْ من جهة الحسنات وأوقعهم فى العجب والرياء. وايضا من قبل الانبساط فاحرض المريدين على سوء الأدب فى صحبة المشايخ وترك الحشمة والتعظيم والتوسع فى الكلام والمزاح لانزلهم عن رتبة القبول وَعَنْ شَمائِلِهِمْ من جهة السيئات فازينها لهم. وايضا من قبل المخالفة فامرهم بترك أوامر المشايخ ونواهيهم لأوردهم به موارد الرد واهلكهم بسطوات غيرة الولاية وردها بعد القبول والمقصود من الجهات(3/142)
قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)
الأربع التي يعتاد هجوم العدو منها مثل قصده إياهم للتسويل والإضلال من أي وجه يتيسر بإتيان العدو من الجهاد الأربع ولذلك لم يذكر الفوق والتحت وانما عدى الفعل الى الأولين بحرف الابتداء لانه منهما متوجه إليهم والى الآخرين بحرف المجاوزة فان الآتي منهما كالمنحرف المتجافى عنهم المار على عرضهم وجانبهم كما تقول جلست عن يمينه إذا جلست متجافيا عن جانب يمينه غير ملاصق له فكأنك انحرفت عنه وتجاوزت وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ اى مطيعين وفى التفسير الفارسي [يعنى كافران باشند كه منعم را نشناسد] وانما قال ظنا لا علما لقوله تعالى وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ لما رأى فيهم مبدأ الشر متعددا وهو الشهوة والغضب ومبدأ الخير واحدا وهو العقل: قال السعدي قدس سره
نه إبليس در حق ما طعنه زد ... كزينان نيايد بجز كار بد
فغان از بديها كه در نفس ماست ... كه ترسم شود ظن إبليس راست
چوملعون پسند آمدش قهر ما ... خدايش بر انداخت از بهر ما
كجا سر بر آريم ازين عاروننك ... كه با او بصلحيم وبا حق بجنگ
قالَ الله تعالى لابليس اخْرُجْ مِنْها اى من الجنة حال كونك مَذْؤُماً اى مذموما من ذأمه إذا ذمه فالذام من المهموز العين والذم من المضاعف كلاهما بمعنى واحد وهو التعييب البليغ مَدْحُوراً اى مطرودا فاللعين مطرود من الجنة ومن كل خير لعجبه ونظره الى نفسه ففيه عبرة لكل مخلوق بعده لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ اللام لتوطئة القسم ومن شرطية ومعناه بالفارسية [بخداى كه هر كه در پى تو بيايد از أولاد آدم لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ جواب القسم وهو ساد مسد جواب الشرط ومعنى منكم اى منك ومن ذريتك ومن كفار ذرية آدم وفى الحديث (تحاجت النار والجنة فقالت هذه يدخلنى الجبارون المتكبرون وقالت هذه يدخلنى الضعفاء والمساكين فقال الله تعالى لهذه أنت عذابى أعذب بك من أشاء وقال لهذه أنت رحمتى ارحم بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها) والتابعون للشيطان هم الذين يأتيهم من الجهاد الأربع المذكورة فيقبلون منه ما امره فليحذر العاقل عن متابعته وليجتهد فى طاعة الله وعبادته حتى لا يدخل النار مع الداخلين وفى الحديث (إذا كان يوم القيامة رفع الى كل مؤمن رجل من اهل الملل فقيل هذا فداؤك من النار) وفى هذا الحديث دليل على كمال لطف الله بعباده وكرامتهم عليه حيث فدى أولياءه باعدائه ويحتمل ان يكون معنى الفداء ان الله تعالى وعد النار ليملأها من الجنة والناس فهى تستنجز الله موعده فى المشركين وعصاة المؤمنين فيرضيها الله تعالى بما يقدم إليها من الكفار فيكون ذلك كالمفاداة عن المؤمنين وقال بعضهم معناه ان المؤمنين يتوقون بالكفار من نفح النار إذا مروا على الصراط فيكونون وقاية وفداء لاهل الإسلام قال بعضهم رأيت أبا بكر بن الحسين المقري فى المنام فى الليلة التي دفن فيها فقلت له ايها الأستاذ ما فعل الله بك قال ان الله تعالى اقام أبا الحسن العامري صاحب الفلسفة فدائى وقال هذا فداؤك من النار وقد كان ابو الحسن توفى فى الليلة التي توفى فيها أبو بكر المقري وفى الحديث (يجيىء يوم القيامة ناس من المسلمين(3/143)
وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)
بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويصعها على اليهود والنصارى) ولا يستبعد من فضل الله مع اهل الإسلام والايمان ان يفديهم باهل الكفر والطغيان وذلك عدل من الله مع اهل المعصية وفضل على اهل طاعته خلافا للمعزلة فانهم أنكروا هذه واستدلوا بقوله تعالى وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى والذي صاروا اليه خلاف الكتاب والسنة قال الله تعالى وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ فلا يصح استدلالهم بالآية لان كل كافر معاقب بوزره والله اعلم بحقيقة الحال واليه المآل وَيا آدَمُ اى وقلنا لآدم بعد إخراج إبليس من الجنة يا آدم اسْكُنْ أَنْتَ اى لازم الاقامة على طريق الإباحة والتكريم وَزَوْجُكَ حواء والزوج فى كلام العرب هو العدد الفرد المزاوج لصاحبه فاما الاثنان المصطحبان فيقال لهما زوجان الْجَنَّةَ اى قيها وهى اما جنة الخلد التي جعلت دار الجزاء وعليه اكثر اهل العلم لوجوه ذكروها فى كتبهم او جنة فى السماء هبطا منها او جنة فى الأرض كانت مرتفعة على سائر بقاع الأرض ذات أشجار واثمار وظلال ونعيم ونضرة وسرور أعدها الله لهما وجعلها دار ابتلاء وعليه بعض المحققين من اهل الظاهر والباطن لانه كلف فيها ان لا يأكل من تلك الشجرة ولا تكليف فى الجنة الجزائية ولانه نام فيها واخرج منها ودخل عليه إبليس فيها ولا نوم فى الجنة ولا خروج بعد الدخول ولا يجوز دخول الشيطان فيها بعد الطرد والإخراج ولقول قابيل انا من أولاد الجنة كما لا يخفى ولما روى ان آدم لما احتضر اشتهى قطفا من عنب الجنة فانطلق بنوه ليطلبوه فلقيتهم الملائكة فقالوا اين تريدون يا بنى آدم فقالوا ان أبانا اشتهى قطفا من عنب الجنة فقالوا لهم ارجعوا فقد كفيتموه فانتهوا اليه فقبضوا روحه وغسلوه وحنطوه وكفنوه وصلى عليه جبرائيل وبنوه خلف الملائكة ودفنوه وقالوا هذه سنتكم فى موتاكم قالوا فلولا ان الوصول الى الجنة التي كان فيها آدم التي اشتهى منها القطف كان ممكنا لما ذهبوا يطلبون ذلك فدل على انها فى الأرض لا فى السماء وقد تبت ان النيل يخرج من الجنة ولا شك انها من جنان الأرض وبساتينها والله اعلم فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما من أي مكان شئتما ومن أي شىء شئتما من نعم الجنة وثمارها موسعا عليكما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ اختلفوا فى هذه الشجرة ايضا وقد أبهم الله ذكرها وتعيينها ولو كان فى ذكرها مصلحة تعود إلينا لعينها لنا كما فى غيرها كذا فى آكام المرجان فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ اى فتصيرا من الذين ظلموا أنفسهم فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ قال فى الصحاح فوسوس لهما الشيطان يريد إليهما ولكن العرب توصل بهذه الحروف كلها الفعل انتهى. والوسوسة الكلام الخفي المكرر يلقيه الشيطان الى قلب البشر ليزين له ما هو المنكر شرعا وأول ما ابتدأهما به من كيده إياهما انه ناح عليهما نياحة احزنتهما حين سمعاها فقالا له ما يبكيك قال ابكى عليكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة والكرامة فوقع ذلك فى نفسهما ثم أتاهما فوسوس إليهما وقال ما نهاكما كما يجيىء لِيُبْدِيَ لَهُما اى ليظهر لهما. واللام للعاقبة لان اللعين انما وسوس لهما ليوقعهما فى المعصية لا لظهور عورتهما لكن لما كان عاقبة وسوسته ظهور سواتهما شبه ظهورها بالغرض الحامل على الوسوسة ويحتمل ان يكون اللام لام الغرض على انه أراد بوسوسته ان يسوءهما(3/144)
وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)
اى يخزيهما بانكشاف عورتهما عند الملائكة وكان قد علم ان لهما سوءة بقراءته كتب الملائكة ولم يكن آدم يعلم ذلك وفى كون الانكشاف غرضا لابليس دليل على ان كشف العورة فى الخلوة وعند الزوج من غير حاجة قبيح مستهجن فى الطباع ولم يقع نظر على رضى الله عنه الى عورته حذرا من ان يراها بالعين التي يرى بها جمال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا كان النظر الى سوءته بهذه المرتبة فما ظنك بالنظر الى سوءة الغير وما أشد قبح كشف العورة قالت عائشة رضى الله عنها ما رأى منى ولا رأيت منه الى العورة ما وُورِيَ عَنْهُما اى الذي سترعنهما وهو مجهول وارى مِنْ سَوْآتِهِما اى عورتها وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر لانهما قد البسا ثوبا يستر عورتهما. والسوآت جمع السوءة والتعبير بلفظ الجمع عن اثنين لكراهة اجتماع لفظى التثنية ويحتمل ان يكون الجمع على اصل وضعه باعتبار ان كل عورة هى الدبر والفرج وذلك اربعة فهى جمع وسميت العورة سوءة لانه يسوء الإنسان انكشافها وَقالَ عطف على وسوس بيانا وتفصيلا لكيفية وسوسته ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ اى عن أكلها لامر ما إِلَّا كراهة أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ اى كالملائكة فى لطافة البنية والاستغناء عن التغذي بالاطعمة والاشربة ونحوهما وفضل الملائكة من بعض الوجوه لا يدل على فضلهم على الأنبياء مطلقا لجواز ان يكون لنوع البشر فضائل اخر راجحة على ما للملك فليس المراد انقلاب حقيقتهما البشرية الى الحقيقة الملكية فانه محال قال سعدى المفتى فيه بحث إذ لا مانع منه عند الاشاعرة لتجانس الأجسام انتهى واعلم ان الله تعالى باين بين الملائكة والجن والانس فى الصورة والاشكال فمن حصل على بنية الإنسان ظاهرا وباطنا فهو انسان فلو قلب الإنسان الى بنية الملك لخرج بذلك عن كونه إنسانا لكن الملك والشيطان لا يخرجان بالتشكلات الظاهرية المختلفة عن حقيقتهما أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ الذين لا يموتون ويخلدون فى الجنة وَقاسَمَهُما اى اقسم لهما. فالقسم انما وقع من إبليس فقط الا انه عبر عن اقسامه بزنة المفاعلة للدلالة على انه اجتهد فى القسم اجتهاد المقاسم وهو الذي حلف فى مقابله حلف شخص آخر إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ فيما أقول والنصح بذل المجهود فى طلب الخير فى حق غيره فَدَلَّاهُما فنزلهما الى الاكل من الشجرة وحطهما من المرتبة العالية وهى مرتبة الطاعة الى المنزلة السافلة وهى الحالة المغضبة والتدلية إرسال الشيء من الأعلى الى الأسفل كارسال الدلو فى البئر بِغُرُورٍ اى بسبب تغريره إياهما باليمين بالله كاذبا وكان اللعين أول من حلف بالله كاذبا وظن آدم ان أحدا لا يحلف بالله كاذبا فاغتربه فان شأن المؤمن ان يعتقد بصدق من حلف بالله لتمكن عظمة اسم الله تعالى فى قلبه وكان بعض العلماء يقول من خادعنا بالله خدعنا وفى الحديث (المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم) فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما اى فلما وجدا طعمها آخذين فى الاكل منها أخذهما العقوبة وشؤم المعصية فتهافت عنهما لباسهما وظهرت لهما عوراتهما فاستحييا وفى الاخبار ان غيرهما لم ير عورتهما قيل كان لباسهما فى الجنة ظفرا فى أشد اللطافة واللين والبياض يكون حاجبا من النظر الى اصل البدن(3/145)
قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)
فلما أصابا الخطيئة نزع ذلك عن بدنهما وبقي عند رؤس الأصابع تذكيرا لما فات من النعم وتجديدا للندم. وقيل كان لباسهما نورا يحول بينهما وبين النظر الى حد البدن. وقيل كان حلة من حلل الجنة وَطَفِقا يَخْصِفانِ اى أخذا يرقعان ويلزقان ورقة فوق ورقة عَلَيْهِما اى على بدنهما او على سوءاتهما من قبيل صغت قلوبكما فى التعبير عن المثنى بالجمع لعدم الناس المراد فجاز ان يرجع اليه ضمير التثنية مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ قيل كان ذلك ورق التين ولم يستره من الشجر إلا شجر التين فقال الله تعالى كما سترت آدم اخرج منك المعنى قبل الدعوى وسائر الأشجار يخرج منها الدعوى قبل المعنى فلهذه الحكمة يخرج ثمر سائر الأشجار فى كمامها اولا ثم تظهر الثمرة من الكمام ثانيا وشجرة التين أول ما يبدو ثمره يبدو بارزا من غير كمام وفى الآية دليل على ان كشف العورة قبيح من لدن آدم عليه السلام ألا ترى انهما كيف بادرا الى الستر لما تقرر فى عقلهما من قبح كشف العورة وَناداهُما رَبُّهُما مالك أمرهما بطريق العتاب والتوبيخ يحتمل ان يكون ذلك بان اوحى إليهما بواسطة الملك ذلك الكلام او بان الهمهما ذلك فى قلبهما. قيل كانت حجلتهما بهذا العتاب أشد عليهما من كل محنة أصابتهما أَلَمْ أَنْهَكُما وهو تفسير للنداء فلا محل له من الاعراب عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما
عطف على أنهكما اى الم اقل لكما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ اشارة الى قوله تعالى إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى ولكما متعلق بعدو لما فيه من معنى الفعل- روى- ان الله تعالى قال لآدم الم يكن فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة فقال بلى وعزتك ولكن ما ظننت ان أحدا من خلقك يحلف بك كاذبا قال فبعزتى لاهبطنك الى الأرض ثم لا تنال العيش الا كدا فاهبط وعلم صنعة الحديد وامر بالحرث فحرث وسقى وحصد وداس وذرى وطحن وعجن وخبز قالا اعترافا بالخطيئة وتسارعا الى التوبة رَبَّنا اى يا ربنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا اى ضررناها بالمعصية وعرضناها للاخراج من الجنة وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا تستر علينا ذنبنا وَتَرْحَمْنا بقبول توبتنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ اى الهالكين الذين باعوا حظهم فى الآخرة بشهوة ساعة وهو دليل على ان الصغائر معاقب عليها ان لم تغفر والمغفرة مشكوك فيها فكان ذنب آدم صغيرة لانه لم يأكل من الشجرة قصدا لمخالفة حكم الله تعالى بل انما أكل بناء على مقالة اللعين حيث أورثت فيه ميلا طبيعيا ثم انه كف نفسه عنه مراعاة لحكم الله الى ان نسى ذلك وزال المانع عن أكله فحمله طبعه عليه ولانه انما اقدم عليه بسبب اجتهاد اخطأ فيه فانه ظن ان النهى للتنزيه او ان الاشارة فى قوله وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ الى عين تلك الشجرة فتناول من غيرها من نوعها وقد كان المراد بها الاشارة الى النوع كما روى انه عليه السلام أخذ حريرا وذهبا بيده وقال (هذان حرامان على ذكور أمتي حل لاناثها) قالَ الله تعالى اهْبِطُوا خطاب لآدم وحواء وذريتهما او لهما ولابليس بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ جملة حالية من فاعل اهبطوا اى متعادين فطبع إبليس على العداوة كطبع العقرب على اللدغ والذئب على السلب فعادى آدم لذهاب رياسته بين الملائكة بسبب خلافة آدم وأمرنا بمعاداة إبليس لان الابن يعادى عدو أبيه وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ [قراركاهى وآرام جايى] وَمَتاعٌ(3/146)
قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)
اى تمتع وانتفاع إِلى حِينٍ هو حين انقضاء آجالهم فاغتم آدم وظن انه لا يرجع الجنة قالَ الله تعالى فِيها تَحْيَوْنَ اى فى الأرض تعيشون وَفِيها تَمُوتُونَ وتقبرون وَمِنْها تُخْرَجُونَ للجزاء فعلم آدم من مضمون هذا الخطاب انه يعود الى الجنة فصار متسليا بفضل الله تعالى ووعده قال الامام القشيري ونعم ما قال أصبح آدم عليه السلام محسود الملائكة مسجودا لكافتهم على رأسه تاج الوصلة وعلى جسده لباس الكرامة وفى وسطه نطاق القربة وفى جيده قلادة الزلفى لا أحد من المخلوق فوقه من الرتبة ولا شخص مثله فى الرفعة يتوالى عليه النداء كل لحظة يا آدم فلم يمس حتى نزع عنه لباسه وسلب استئناسه وتبدل مكانه وتشوش زمانه فاذا كان شؤم معصية واحدة على من أكرمه الله بكل كرامة هكذا فكيف شؤم المعاصي الكثيرة علينا انتهى: قال الحافظ
چهـ كونه دعوىء وصلت كنم بجان كه شدست ... هم وكيل قضا ودلم ضمان فراق
وقضاء الله تعالى يجرى على كل أحد نبيا كان او وليا
نه من از پرده تقوى پدر افتادم وبس ... پدرم نيز بهشت ابد از دست بهشت
واعلم ان آدم تناول من شجرة المحبة حقيقة فوقع فى شبكة المحنة وامر بالصبر على الهجر ووعد بالوجد بعد الفقد فكان ما كان من الترقيات المعنوية بعد التنزلات الصورية
مقام عيش ميسر نمى شود بي رنج ... بلى بحكم بلا بسته اند حكم الست
وشجرة العلم المجرد منهى عن ان يقربها أحد بدون المكاشفة والمشاهدة والمعاينة فان صاحبه محجوب ومحروم من لذات ثمرات الحقيقة فلتكن المشاهدة همته من أول امره الى ان يصل الى ذروة الكمال قبل مجيىء الآجال فان فاجأه الموت وهو فى الطريق فالله تعالى يوصله الى مطلبه ولو فى البرزخ. وايضا لا ينبغى لاحد ان يقرب من شجرة التدبير فان التقدير كاف لكل غنى وفقير ألا ترى الى قيام الصلاة فانه اشارة الى التقدير الأزلي وهو التفويض. والركوع اشارة الى التدبير الابدى وهو التسليم. والسجدة أشار الى الفناء الكلى عنهما إذ كما لا بد من التخلق بمثل هذه الصفات لا بد من الفناء عنها فى غاية الغايات قال تعالى فِيها تَحْيَوْنَ اى فى المحبة وصدق الطلب وقرع باب الفرج بالصبر والثبات على العبودية وفى طلب الحق تموتون على جادة الشريعة باقدام الطريقة ومنها تخرجون الى عالم الحقيقة يدل عليه قوله عليه السلام (كما تعيشون تموتون وكما تموتون تبعثون)
بكوش خواجه واز عشق بي نصيب مباش ... كه بنده را نخرد كس بعيب بي هنرى
مرا درين ظلمات آنكه رهنمايى كرد ... دعاى نيم شبى بود وكريه سحرى
يا بَنِي آدَمَ خطاب للناس كافة- روى- ان العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ويقولون لا نطوف فى ثياب عصينا الله فيها فنزلت الى آخر الآيات الثلاث قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً اى خلقناه لكم بانزال سببه من السماء وهو ماء المطر فما تنبته الأرض من القطن والكتان من ماء السماء وما يكون من الكسوة من أصواف الانعام فقوام الانعام ايضا من ماء السماء واعلم ان السماء فاعلة والأرض قابلة والحوادث الارضية منسوبة الى السماء فكل ما فى الأرض انما هو(3/147)
بتدبيرات سماوية يُوارِي سَوْآتِكُمْ اى يستر عوراتكم فكشف العورة مع وجود ما يسترها من اللباس فى غاية القباحة ولا شك ان الشيطان اغوى من فعل ذلك كما اغوى آدم وحواء فبدت لهما سوآتهما ونستعيذ بالله من شره وَرِيشاً هو من قبيل ما حذف فيه الموصوف وأقيمت صفته مقامه كأنه قيل ولباسا ريشا اى ذا ريش وزينة تتجملون به عبر عن الزينة بالريش تشبيها لها بريش الطائر لان الريش زينة الطائر كما ان اللباس زينة لبنى آدم كأنه قيل أنزلنا عليكم لباسين لباسا يوارى سوآتكم ولباسا يزينكم فان الزينة غرض صحيح قال تعالى لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً قال الحسين الكاشفى [در تفسير امام زاهد فرموده كه لباس آنست كه از پنبه باشد وريش از ابريشم وكتان و پشم] وَلِباسُ التَّقْوى اى خشية الله تعالى مبتدأ خبره قوله ذلِكَ خَيْرٌ شبهت التقوى بالملبوس من حيث انها تستر صاحبها وتحفظه مما يضره كما يحفظه الملبوس قال قتادة والسدى هو العمل الصالح لانه يقى من العذاب كأنه قال لباس التقوى خير من الثياب لان الفاجر وان كان حسن الثياب فهو بادى العورة قال الشاعر
انى كأنى ارى من لاحياء له ... ولا امانة وسط القوم عريانا
قال الحافظ
قلندران حقيقت بنيم جو نخرند ... قباى اطلس آنكس كه از هنر عاريست
وفى التفسير الفارسي [وَلِباسُ التَّقْوى و پوشش تقوى يعنى لباس كه براى تواضع پوشند چون پشيمينها وجامها درشت ذلِكَ خَيْرٌ آن بهتر است كه از لباسهاى نرم] وفى الحديث (من رق ثوبه رق دينه) وقيل أول من لبس الصوف آدم وحواء حين خرجا من الجنة وكان عيسى عليه السلام يلبس الشعر ويأكل من الشجر ويبيت حيث امسى فلبس الصوف والشعر علامة التواضع وفيه تشبيه بالمساكين والعاقل من اختار ما اختاره الصلحاء: قال الصائب
جمعى كه پشت كرم بعشق نيند ... ناز سمور ومنت سنجاب ميكشند
واعلم ان لكل جزء من اجزاء الإنسان لباسا يوارى سوآة ذلك الجزء من ظاهره وباطنه فلباس الشريعة يوارى سوآة الافعال القبيحة باحكام الشريعة فى الظاهر. وسوآة الصفات الذميمة النفسانية والحيوانية بآداب الطريقة فى الباطن والتقوى هو لباس القلب والروح والسر والخفي. فلباس القلب من التقوى هو الصدق فى طلب المولى يوارى سوآة طبع الدنيا وما فيها. ولباس الروح من التقوى محبة الحق تعالى يوارى به سوآة التعلق بغير المولى. ولباس السر هو شهود انواع اللقاء يوارى به سوآة رؤية ما سوى الله تعالى. ولباس الخفي هو البقاء بهوية الحق يوارى به سوآة هوية الخلق [يعنى همه تعينات مضمحل ومتلاشى كردد وحجاب پندار از سر وجودات متكثره در كشيده آيد وسر لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ بر غرفه وحدت قهارى جلوه نمايد]
ملك ملك اوست او خود مالكست ... غير ذاتش كل شىء هالكست
كل شىء ما خلا الله باطل ... ان فضل الله غيم هاطل
مالك آيد پيشى وجهش هست نيست ... هستى اندر نيستى خود طرفه ايست(3/148)
يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)
ذلِكَ اى إنزال اللباس مِنْ آياتِ اللَّهِ الدالة على فضله ورحمته لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فيعرفون نعمته حيث أغناهم باللباس عن خصف الورق او يتعظون فيتورعون عن القبائح نحو كشف العورة وفى الاسرار المحمدية العالم مشحون بالأرواح فليس فيه موضع بيت ولا زاوية الا وهو معمور بما لا يعلمه الا الله وما يعلم جنود ربك الا هو قال حجة الإسلام فى كتابه معراج السالكين والدليل على ذلك امر النبي عليه السلام بالتستر فى الخلوة وان لا يجامع الرجل امرأته عريانين وكان الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر يدخلون الماء وعليهم السراويلات تسترا عن سكان الماء- يحكى- عن احمد بن حنبل قال كنت يوما مع جماعة يتجردون ويدخلون الماء فاستعملت خبر النبي عليه السلام (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام الا بمئزر) فلم اتجرد فرأيت تلك الليلة فى المنام كأن قائلا يقول ابشر يا احمد فان الله تعالى قد غفر لك باستعمال السنة فقلت ومن أنت قال انا جبرائيل فقد جعلك الله اماما يقتدى بك قال فى الشرعة وينوى بلبس الثياب ستر العورة والعيب الواقع فى البدن والتزين بها توددا الى اهل الإسلام لاحظ النفس فان ذلك اللبس بتلك النية يصفى وينور العقل عن الكدورات تصفية بحيث لا يشوبه شىء من اهوية النفس وحظوظها ويؤجر عليه بتلك النية قيل الأعمال البهيمية ما كان بغير نية فعلى العاقل جمع الهمم بحيث لا يسخ فى السر ذكر غيره تعالى يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ اى لا يوقعنكم فى الفتنة والمحنة بان يمنعكم من دخول الجنة باغوائكم كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ نعت لمصدر محذوف اى لا يفتننكم فتنة مثل فتنة إخراج أبويكم آدم وحواء من الجنة فانه إذا قدر بكيده على ازلالهما فان يقدر على ازلال أولاده اولى فوجب عليكم ان تحترزوا عن قبول وسوسته والنهى فى اللفظ للشيطان والمعنى نهيهم عن اتباعه والافتتان به وهو ابلغ من لا تقبلوا فتنة الشيطان يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما حال من أبويكم وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان لباسهما كان من الظفر اى كان يشبه الظفر فانه كان مخلوقا عليهما خلقة الظفر وأسند نزع اللباس الى الشيطان مع انه لم يباشر ذلك لكونه سببا فى ذلك النزع لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما اى ليظهر لهما عوراتهما وكانا قبل ذلك لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر كما روى ان آدم كان رجلا طوالا وكأنه نخلة سحوق كثير شعر الرأس فلما وقع بالخطيئة بدت سوآته وكان لا يراها فانطلق هاربا فى الجنة فعرضت له شجرة من شجر الجنة فحبسته بشعره فقال لها ارسلينى فقالت لست مرسلتك فناداه ربه يا آدم أمنى تفرّ قال لا ولكنى استحييت إِنَّهُ اى الشيطان او الشان يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ اى جنوده وذريته مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ من لابتداء غاية الرؤية وحيث ظرف لمكان انتفاء الرؤية ومعناه بالفارسية [از جايى كه شما او را نمى بينيد يعنى أجسام ايشان از غايت رقت ولطافت در نظر شما نمى آيد وايشان أجسام شما را بواسطه غلظت وكثافت مى بينند حذر از چنين دشمن لازمست] : وفى المثنوى
از نبى بر خوان كه ديو وقوم او ... مى برند از حال انسى خفيه بو
از رهى كه انس از ان آگاه نيست ... زانكه زين محسوس وزين أشباه نيست(3/149)
مسلكى دارند از ديده درون ... ما ز دزديهاى ايشان سرنكون
دمبدم خبط وزيانى ميكنند ... صاحب نقب وشكاف زور بند
ورؤيتهم إيانا من حيث لانراهم فى الجملة اى فى بعض أحوالهم وهو حال بقائهم على صورهم الاصلية لا يقتضى امتناع رؤيتنا إياهم بان يتمثلوا لنا كما تواتر من ان بعض الناس رأى الجن جهارا علنا قال فى آكام المرجان فى احكام الجان لو كثف الله أجسامهم وقوى شعاع أبصارنا لرأيناهم او لو كثفهم وشعاع أبصارنا على ما هو عليه من غير ان يقوى لرأيناهم ألا ترى ان الريح مادامت رقيقة لطيفة لا ترى فاذا كشفت باختلاف الغبار رأيناهم ولم يمتنع دخولهم فى أبداننا كما يدخل الريح والنفس المتردد الذي هو الروح فى أبداننا من التخرق والتخلخل وفى الحديث (ان الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم) وقد يحتاج فى إبراء المصروع ودفع الجن عنه الى الضرب فيضرب بعصا قوية على رجليه نحو ثلاثمائة او اربعمائة ضربة او اقل او اكثر والضرب انما يقع على الجنى ولا يحس به المصروع ولو كان على الانسى لقتله وكذا يجوز دخولهم فى الأحجار إذا كانت مخلخلة كما يجوز دخول الهواء فيها فان قلت لو دخل الجن فى جسد ابن آدم لتداخلت الأجسام ولاحترق الإنسان قلت الجسم اللطيف يجوز ان يدخل الى مخاريق الجسم الكثيف كالهواء الداخل فى سائر الأجسام ولا يؤدى ذلك الى اجتماع الجواهر فى حيز واحد لانها لا تجتمع الا على طريق المجاورة لا على سبيل الحلول وانما يدخل فى أجسامنا كما يدخل الجسم الرقيق فى الظروف والجن ليسوا بنار محرقة بل هم خلقوا من نار فى الأصل كما خلق آدم من التراب فالنسبة باعتبار الجزء الغالب قال فى بحر الحقائق الاشارة انهم انما يرونكم من حيث البشرية التي هى منشأ الصفات الحيوانية وانكم محجوبون بهذه الصفات عن رؤيتهم لا من حيث الروحانية التي هى منشأ علوم الأسماء والمعرفة فانهم لا يرونكم فى هذا المقام وأنتم ترونهم بالنظر الروحاني بل بالنظر الرباني انتهى. ثم قوله إِنَّهُ يَراكُمْ تعليل للنهى ببيان انه عدو صعب الاحتراز عن ضرره فان العدو الذي يراك ولا تراه شديد المئونة لا يتخلص منه الا من عصمه الله فلا بد ان يكون العاقل على حذر عظيم من ضرره فان قيل كيف نحاربهم ونحترز عنهم ونحن لا نراهم قلنا لم نؤمر بمحاربة أعيانهم وانما أمرنا بدفع وسوستهم وعدم قبول ما ألقاه فى قلوبنا بالاستعاذة منه الى الله تعالى- روى- عن ذى النون المصري انه قال ان كان هو يراك من حيث لا تراه فان الله يراه من حيث لا يرى الله فاستعن بالله عليه فان كيد الشيطان كان ضعيفا إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بما أوجدنا بينهم من التناسب فى الخذلان والغواية فصار بعضهم قرين بعض واغواه. فالاولياء جمع ولى بمعنى الصديق ضد العدو يقال منه تولاه اى اتخذه صديقا وخليلا وذكر عن وهب بن منبه انه قال امر الله تعالى إبليس ان يأتى محمدا عليه السلام ويجيبه عن كل ما يسأله فجاء على صورة شيخ وبيده عكازة فقال له (من أنت) قال انا إبليس قال (لماذا جئت) قال أمرني ربى ان آتيك وأجيبك فاخبرك عما تسألنى فقال عليه الصلاة والسلام (فكم اعداؤك من أمتي) قال خمسة عشر أنت يا محمد. وامام عادل. وغنى متواضع. وتاجر صدوق. وعالم متخشع. ومؤمن ناصح. ومؤمن(3/150)
وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)
رحيم القلب. وثابت على التوبة. ومتورع عن الحرام. ومديم على الطهارة. ومؤمن كثير الصدقة.
وحسن الخلق مع الناس. ومن ينفع الناس. وحامل القرآن مديم عليه. وقائم الليل والناس نيام قال (فكم رفقاؤك من أمتي) فقال عشرة. سلطان جائر. وغنى متكبر. وتاجر خائن. وشارب الخمر والقتال. وصاحب الرياء. وآكل مال اليتيم. وآكل الربا. ومانع الزكاة. والذي يطيل الأمل فهؤلاء أصحابي وإخواني فظهر ان الشياطين كما انهم اولياء لاهل الكفر كذلك هم اولياء لمن هو فى حكم اهل الكفر من اهل المعصية ونسأل الله العناية والتوفيق- ويحكى- ان الخبيث إبليس تبدى ليحيى بن زكرياء عليهما السلام فقال انى أريد ان أنصحك قال كذبت أنت لا تنصحنى ولكن أخبرني عن بنى آدم قال هم عندنا على ثلاثة اصناف. اما الصنف الاول منها فاشد الأصناف علينا نقبل عليه حتى نفتنه ونتمكن منه ثم يفزع الى الاستغفار والتوبة فيفسد علينا كل شىء أدركنا منه ثم نعوذ له فيعود فلا نحن نيأس منه ولا نحن ندرك منه حاجتنا فنحن من ذلك فى عناء. واما الصنف الثاني فهم فى أيدينا بمنزلة الكرة فى أيدي صبيانكم نتلقفهم كيف شئنا قد كفونا أنفسهم. واما الصنف الآخر فهم مثلك معصومون لانقدر منهم على شىء قال يحيى بعد ذلك هل قدرت منى على شىء قال لا الا مرة واحدة فانك قدمت طعاما تأكله فلم ازل اشهيه إليك حتى أكلت منه اكثر مما تريد فنمت تلك الليلة فلم تقم الى الصلاة كما كنت تقوم إليها فقال له يحيى لا جرم انى لا أشبع من طعام ابدا قال له الخبيث لا انصح آدميا بعدك ولقى يحيى بن زكريا إبليس فى صورته ايضا فقال له أخبرني من أحب الناس إليك وابغض الناس إليك فقال أحب الناس الى المؤمن البخيل وابغضهم الى الفاسق السخي قال يحيى وكيف ذلك قال لان البخيل قد كفانى بخله والفاسق السخي أتخوف ان يطلع الله عليه فى سخاه فيقبله ثم ولى وهو يقول لولا انك يحيى لم أخبرك كذا فى آكام المرجان فى احكام الجان وَإِذا فَعَلُوا اى كفار قريش فاحِشَةً اى فعلة متناهية فى القبح كعبادة الصنم وكشف العورة فى الطواف ونحوهما قالُوا جوابا للناهين عنها محتجين على حسنها بامرين الاول تقليد الآباء وهو قولهم وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا والثاني الافتراء على الله وهو قولهم وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها فاعرض الله تعالى عن رد احتجاجهم الاول لظهور فساده فان التقليد لا يعتبر دليلا على صحة الفعل الذي قام الدليل على بطلانه وان كان معتبرا فى غيره ورد الثاني بقوله قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ لان عادته تعالى جرت على الأمر بمحاسن الافعال والحث على مكارم الخصال أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ انه أمركم بذلك وذلك لان طريق العلم اما السماع من الله تعالى ابتداء اى من غير توسط رسول يبلغهم ان الله تعالى أمرهم بذلك وانتفاؤه ظاهر واما المعرفة بواسطة الأنبياء وهم ينكرون نبوة الأنبياء على الإطلاق فلا طريق لهم الى العلم باحكام الله تعالى فكان قولهم والله أمرنا بها قولا على الله بما لا يعملون وهو اى قوله أتقولون من تمام القول المأمور به والهمزة لانكار الواقع واستقباحه والاشارة فى الآية ان الفاحشة طلب الدنيا وحبها والحرص على جمعها فان افحش الفواحش حب الدنيا لانه رأس كل خطيئة. والمعنى إذا وقع اهل الغفلة فى طلب الدنيا وزينتها(3/151)
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)
والتمتع بها بتلقين الشياطين وتدبيرهم وتزيينهم فيدعوهم داع الى الله وطلبه وترك الدنيا وطلبها قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا اى على محبة الدنيا وشهواتها وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها اى بطلبها بالكسب الحلال قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ اى لا يأمر بحب الدنيا والحرص على جمعها وانما يأمر بالكسب الحلال بقدر الحاجة الضرورية لقوام القالب بالقوة واللباس ليقوم بأداء حق العبودية أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ اى تفترون على الله ما لا تعلمون آفته ولا وبال عاقبته ولا تعلمون ان ذلك من فتنة الشيطان وتزيينه واغوائه كذا فى التأويلات النجمية: وفى المثنوى
اين جهان جيفه است ومردار رخيص ... بر چنين مردار چون باشم حريص
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ بيان للمأمور به اثر نفى ما أسند اليه امره به تعالى من الأمور المنهي عنها. والقسط العدل وهو الوسط من كل شىء المتجاوز عن طرفى الافراط والتفريط وفى الخبر (خير الأمور أوساطها)
توسط إذا ما شئت امرا فانه ... كلا طرفى قصد الأمور ذميم
وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ معطوف على امر بتقدير قل لئلا يلزم عطف الإنشاء على الاخبار اى وقل لهم توجهوا الى عبادته مستقيمين غير عادلين الى غيرها او اقيموا وجوهكم نحو القبلة عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ يحتمل ان يكون اسم زمان وان يكون اسم مكان اى فى كل وقت سجود او مكان سجود والمراد بالسجود الصلاة بطريق ذكر الجزء وارادة الكل وقال الكلبي معناه إذا حضرت الصلاة وأنتم فى مسجد فصلوا فيه ولا يقولن أحدكم أصلي فى مسجدى وإذا لم يكن عند مسجد فليأت أي مسجد شاء وليصل فيه وفى الفروع مسجد المحلة أفضل من الجامع إذا كان الامام عالما ومسجد المحلة فى حق السوقي نهارا ما كان عند خانوته نهارا وليلا ما كان عند منزله قال الحدادي وهذه الآية تدل على وجوب فعل الصلاة المكتوبة فى الجماعة وفى الحديث (من سمع النداء فلم يجبه فلا صلاة له الا من عذر وصلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة وذلك لان كل صلاة أقيمت فى الجماعة كصلاة يوم وليلة إذا أقيمت بغير جماعة لان فرائض اليوم والليلة سبع عشرة ركعة والرواتب عشر فالجميع سبع وعشرون قال العلماء كل ما شرعت فيه الجماعة كالفرائض والتراويح ونحوهما فالمسجد فيه أفضل من ثواب المصلين فى البيت بالجماعة لان فيه اظهار شعائر الإسلام كما ان ثواب المصلين فى البيت وحدانا دون ثواب المصلين فى البيت بالجماعة وَادْعُوهُ اى واعبدوه فهو من اطلاق الخاص على العام فان الدعاء من أبواب العبادة وهو الخضوع للبارى مع اظهار الافتقار والاستكانة وهو المقصود من العبادة والعمدة فيها مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ اى الطاعة فان مصيركم اليه فى الآخرة
فردا كه پيشگاه حقيقت شود پديد ... شرمنده رهروى كه عمل بر مجاز كرد
كَما بَدَأَكُمْ اى انشأكم ابتداء تَعُودُونَ اليه باعادته فيجازيكم على أعمالكم والكاف فى محل النصب على انه صفة مصدر محذوف تقديره تعودون عودا مثل ما بدأكم وهو بالهمزة بمعنى(3/152)
فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)
انشأ واخترع وانما شبه الاعادة بالابداء تقريرا لامكانها والقدرة عليها. يعنى قيسوا الاعادة بالابداء فلا تنكروها فان من قدر على الإنشاء قدر على الاعادة إذ ليس بعثكم أشد من ابتداء خلقكم فَرِيقاً منصوب بما بعده هَدى بان وفقهم للايمان وَفَرِيقاً نصب بفعل مضمر يفسره ما بعده من حيث المعنى اى وأضل فريقا حَقَّ عَلَيْهِمُ [سزاوار كشت بر ايشان] الضَّلالَةُ بمقتضى القضاء السابق التابع للمشيئة المبنية على الحكم البالغة إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تعليل لما قبله اى حقت عليهم الضلالة لاتخاذهم الشياطين اولياء وقبولهم ما دعوا اليه بدون التأمل فى التمييز بين الحق والباطل وكل واحد من الهدى والضلال وان كان يحصل بخلق الله تعالى إياه ابتداء الا انه يخلق ذلك حسبما اكتسبه العبد وسعى فى حصوله فيه وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ اى يظنون انهم على الهدى. وفيه دلالة على ان الكافر المخطئ والمعاند سواء من حيث انه تعالى ذم المخطئ الذي ظن انه فى دينه على الحق بانه حق عليه الضلالة وجعله فى حكم الجاحد والمعاند فعلم منه ان مجرد الظن والحسبان لا يكفى فى صحة الدين بل لا بد فيه من الجزم واليقين لانه تعالى ذم الكفار بانهم يحسبون انهم مهتدون ولو كفى مجرد الحسبان فيه لما ذمهم بذلك فعلى العاقل تحصيل اليقين وترك التقليد والاقتداء باصحاب التحقيق والتوحيد فان المرء لا يعرف حاله ومقامه الا بالتعريف: ونعم ما قال الصائب
واقف نميشوند كه كم كرده اند راه ... تا رهروان براهنمايى نمى رسند
وكل واحد من التقليد الباطل والشك والرياء وحب الدنيا وحب الخلق مذموم لا يجدى نفعا وعن ذى النون رضى الله عنه قال بينما انا فى بعض جبال لكان إذا برجل قائم يصلى والسباع حوله ترتبض فلما أقبلت نحوه نفرت عنه السباع فاوجز فى صلاته وقال يا أبا الفيض لو صفوت لطلبتك السباع وحنت إليك الجبال فقلت ما معنى قولك لو صفوت قال تكون لله خالصا حتى يكون لك مريدا قال فقلت فبم الوصول الى ذلك قال لا تصل الى ذلك حتى تخرج حب الخلق من قلبك كما خرج الشرك منه فقلت هذا والله شديد على فقال هذا أيسر الأعمال على العارفين فولاية الخلق مطلقا إذا كانت سبيلا للضلالة فما ظنك بولاية الشياطين سواء كانوا شياطين الانس او شياطين الجن فلا بد من محبة الله تعالى فويل لمن جاوز محبة الله تعالى الى محبة ما سواه وقد ذمه الله بقوله من دون الله نسأل الله تعالى ان لا يزيغ قلوبنا بعد ما هدانا الى محبته وأرشدنا الى طريق طاعته وعبادته يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ الزينة وان كانت اسما لما يتزين به من الثياب الفاخرة الا ان المفسرين اجمعوا على ان المراد بالزينة هاهنا الثياب التي تستر العورة استدلالا بسبب نزول الآية وهو ان اهل الجاهلية من قبائل العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة وقالوا لا نطوف فى ثياب أصبنا فيها الذنوب ودنسناها بها فكان الرجال يطوفون بالنهار والنساء بالليل عراة فامرهم الله تعالى ان يلبسوا ثيابهم ولا يتعروا عند كل مسجد سواء دخلوه للصلاة او للطواف وكانوا قبل ذلك يدعون ثيابهم وراء المسجد عند قصد الطواف وفى تفسير الحدادي كانوا(3/153)
إذا قدموا منى طرح أحدهم ثيابه فى رحله فان طاف وهى عليه ضرب وانتزعت منه وكانت المرأة تطوف بالليل عريانة الا انها كانت تتخذ سيورا مقطعة تشدها فى حقويها فكانت السيور لا تسترها سترا تاما وهذه الآية اصل فى وجوب ستر العورة فى الصلاة والمعنى خذوا ثيابكم لمواراة عورتكم عند كل مسجد لطواف او صلاة قال شيخ الإسلام خواهر زاده فيه دليل على ان اللبس من احسن الثياب مستحب حالة الصلاة لان المراد من الزينة الثوب بطريق اطلاق اسم المسبب على السبب انتهى فاخذ الثوب واجب ولباس التجمل مسنون وكان ابو حنيفة رحمه الله اتخذ لباسا لصلاة الليل وهو قميص وعمامة ورداء وسراويل قيمة ذلك الف وخمسمائة درهم يلبسه كل ليلة ويقول التزين لله تعالى اولى من التزين للناس قال الفقهاء ولا اعتبار لستر الظلمة لان الستر وجب لحق الصلاة وحق الناس وفى التفسير الفارسي [كفته اند بزبان علم ستر عورتست براى نماز وبزبان كشف حضور دلست براى عرض راز
ذوق طاعت بي حضور دل نيابد هيچكس ... طالب حق را دل حاضر برين دركاه بس
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ما
طاب لكم من الاطعمة والاشربة- روى- ان بنى عامر فى ايام حجهم كانوا لا يأكلون الطعام الا قوتا ولا يأكلون دسما يعظمون بذلك حجهم فهم المسلمون به فنزلت والاشارة كلوا مما يأكل اهل البيات فى مقام العبودية واشربوا مما يشربون كما قال عليه السلام (أبيت عند ربى يطعمنى ويسقينى) وكان عليه السلام يخص رمضان من العبادات بما لا يخص به غيره من الشهور حتى انه كان يواصل أحيانا ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة وكان ينهى أصحابه عن الوصال فيقولون له فانك تواصل فيقول (لست كاحدكم انى أبيت) وفى رواية (أظل عند ربى يطعمنى ويسقينى) وقد اختلف العلماء فى هذا الطعام والشراب المذكور على قولين. أحدهما انه طعام وشراب حسى بالفم قالوا وهذا حقيقة اللفظ ولا يجب العدول عنه وكان يؤتى بطعام من الجنة. والثاني ان المراد به ما يغذيه الله به من معارفه وما يفيض على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه لقربه ونعيم محبته وتوابع ذلك من الأحوال التي هى غذاء القلوب ونعيم الأرواح وقرة الأعين وبهجة النفوس- حكى- ان مريد اخدم الشيخ منصور الحلاج فى الكعبة حين كان مجاورا سنتين قال كان يجيىء له طعام من ارباب الخيرات فاضعه عنده ثم أجده فى الصبح من غير نقصان فاطعمه فقيرا فما رأيته فى السنتين أكل لقمة قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى ان النبي عليه السلام انما أكل فى الظاهر لاجل أمته الضعيفة والا فلا احتياج له الى الاكل والشرب وما روى من انه كان يشد الحجر فهو ليس من الجوع بل من كمال لطافته لئلا يصعد الى الملكوت فكان يشد الحجر حتى يحصل الاستقرار فى عالم الإرشاد قال يعنى انه صلى الله عليه وسلم كان ينظر الى حدوث العالم فيتنعم بتجل البقاء انتهى كلامه وَلا تُسْرِفُوا بتحريم الحلال فان بتحريم الحلال يتحقق تضييع المال وهو إسراف او بالتعدي الى الحرام بان يتناول ما حرمه الله عليه من المأكول والمشروب والملبوس او بافراط الطعام والشره عليه بان يتناول(3/154)
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34) يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37)
ما لا يحتاج اليه البدن فى قوامه فان ذلك ايضا من قبيل الإسراف إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ لا يرتضى فعلهم ولا يثنى عليهم قال بعضهم الإسراف هو ان يأكل الرجل كل ما يشتهيه ولا شك ان من كان تمام همته مصروفا الى فكر الطعام والشراب كان اخس الناس وأذلهم
خواجه را بين كه از سحر تا شام ... دارد انديشه شراب وطعام
شكم از خوش دلى وخوش حالى ... كاه پر ميكند كهى خالى
فارغ از خلد وايمن از دوزخ ... جاى او مزبلست ويا مطبخ
[شيخ الإسلام عبد الله الأنصاري فرموده كه اگر همه دنيا را لقمه سازى ودر دهان درويشى نهى إسراف نباشد إسراف آن بود كه نه برضاى حق تعالى صرف كنى]
يك جوانرا كه خير دائم داشت ... پند ميداد راهبى در دير
كاى پسر خير نيست در إسراف ... كفت إسراف نيست اندر خير
قال فى التأويلات النجمية الإسراف نوعان افراط وتفريط فالافراط ما يكون فوق الحاجة الضرورية او على خلاف الشرع او على وفق الطبع والشهوة او على الغفلة او على ترك الأدب او بالشره او على غير ذلك والتفريط ان ينقص من قدر الحاجة الضرورية ويقصر فى حفظ القوة والطاقة للقيام بحق العبودية او يبالغ فى أداء حق الربوبية باهلاك نفسه فيضيع حقها او يضيع حقوق الربوبية بحظوظ نفسه او يضيع حقوق القلب والروح والسر التي هى مستعدة لحصولها بحظوظ النفس فالمعنى لا تسرفوا اى لا تضيعوا حقوقنا ولا حقوقكم لحظوظكم انتهى- ويروى- ان هرون الرشيد كان له طبيب نصرانى حاذق فقال لعلى بن حسين بن واقد ليس فى كتابكم من علم الطب شىء والعلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان فقال له ان الله تعالى قد جمع الطب كله فى نصف آية من كتابنا قال وما هى قال قوله تعالى وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا فقال النصراني وهل يؤثر عن رسولكم شىء من الطب قال نعم جمع رسولنا صلى الله عليه وسلم الطب فى ألفاظ يسيرة قال وماهى قال قوله (المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء وعودوا كل جسم ما اعتاد) فقال النصراني ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا وعن ابن عباس كل ما شئت والبس ما شئت ما اخطأتك خصلتان سرف ومخيلة وينبغى لاهل الرخصة ان يقتصروا على اكلتين فى اليوم والليلة فى غير شهر رمضان ولاهل العزيمة على أكلة واحدة فان ما فوق الاكلتين للطائفة الاولى وما فوق الاكلة للثانية تجاوز عن الحد وميل الى الاتصاف بصفات البهائم. والهند جل معالجتهم الحمية يمتنع المريض عن الاكل والشرب والكلام عدة ايام فيبرأ فجانب الاحتماء اولى قُلْ لما طاف المسلمون فى ثيابهم وأكلوا اللحم والدسم عيرهم المشركون لانهم كانوا يطوفون عراة ولا يأكلون اللحم والدسم حال الإحرام فامر الله حبيبه صلى الله عليه وسلم ان يقول لهم مَنْ استفهام انكار حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ من الثياب وسائر ما يتجمل به الَّتِي أَخْرَجَ بمحض قدرته لِعِبادِهِ من النبات كالقطن والكتاب ومن الحيوان كالحرير والصوف ومن المعادن كالدروع وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ عطف على زينة الله اى من حرم ايضا المستلذات من المآكل والمشارب كاللحوم والدسوم والألبان اعلم ان الرجل إذا ادى الفرائض وأحب ان يتنعم بمنظر حسن(3/155)
قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)
وجوار جميلة فلا بأس به فمن قنع بأدنى المعيشة وصرف الباقي الى ما ينفعه فى الآخرة فهو اولى لان ما عند الله خير وأبقى لان الاقتصار على ادنى ما يكفيه عزيمة وما زاد عليه من التنعم ونيل اللذة رخصة دلت عليها هذه الآية ودلت ايضا على ان الأصل فى المطاعم والملابس والتجمل بانواع التجملات الإباحة لان الاستفهام فى من إنكاري كما هو مذهب الشافعي واكثر اصحاب ابى حنيفة فانهم قالوا ان الأصل فى الأشياء الإباحة وذهب بعضهم الى التوقف وبعضهم الى الحظر ووجه قول القائلين بالاباحة انه سبحانه وتعالى غنى على الحقيقة جواد على الإطلاق والغنى الجواد لا يمنع مله عن عبيده الا ما كان فيه ضرر فتكون الإباحة هى الأصل باعتبار غناه سبحانه وجوده والحرمة لعوارض فلم تثبت فبقى على الإباحة ووجه القول بالحظر أن الأشياء كلها مملوكة لله تعالى على الحقيقة والتصرف فى ملك الغير لا يثبت الا بإباحة المالك فلما لم تثبت الإباحة بقي على الحظر لقيام سببه وهو ملك الغير ووجه القول بالتوقف ان الحرمة والإباحة لا تثبت الا بالشرع فقبل وروده لا يتصور ثبوت واحدة منهما فلا يحكم فيها بحظر ولا اباحة قال عبد القاهر البغدادي وتفسير الوقف عندهم ان من فعل شيأ قبل ورود الشرع لم يستحق بفعله من الله تعالى ثوابا ولا عقابا قُلْ هِيَ اى الزينة والطيبات كما فى التفسير الفارسي لِلَّذِينَ آمَنُوا اى مستقرة لهم فِي الْحَياةِ الدُّنْيا متعلق بآمنوا او بالاستقرار الذي تعلق به للذين والمقصود الأصلي من خلق الطيبات تقوية المكلفين على طاعة الله تعالى لا تقويتهم على الكفر والعصيان فهى مختصة لاصالة للمؤمنين والكفار تبع لهم فى ذلك قطعا لمعذرتهم ولذا لم يقل هى للذين آمنوا ولغيرهم فى الدنيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يشاركهم فيها غيرهم وان اشترك فيها المؤمنون والكفار فى الدنيا وانتصابها على الحال من المنوي فى قوله للذين آمنوا ويوم القيامة متعلق بخالصة والاشارة فى الآية من يمنعكم عن طلب كمالات أخرجها الله تعالى من غيب الغيب لخواص عباده من الأنبياء والأولياء ومن حرم عليكم نيل هذه الكرامات والمقامات فمن تصدى لطلبها وسعى لها سعيا فهى مباحة له من غير تأخير ولا قصور واضافة الزينة الى الله لانه أخرجها من خزائن الطافه وحقائق أعطافه فزين الأبدان بالشرائع وآثارها وزين النفوس بالآداب وأقدارها وزين القلوب بالشواهد وأنوارها وزين الأرواح بالمعارف واسرارها وزين الاسرار بالطوالع وأثمارها بل زين الظواهر بآثار التوفيق وزين البواطن بانوار التحقيق بل زين الظواهر بآثار السجود وزين البواطن بانوار الشهود بل زين الظواهر بآثار الجود وزين البواطن بانوار الوجود والطيبات من الرزق وان أرزاق النفوس بحكم افضاله وأرزاق القلوب بموجب إقباله والطيبات من الرزق على الحقيقة ما لم يكن مشوبا بحقوق النفس وحظوظها ويكون خالصا من مواهبه وحقوقه قل هى للذين آمنوا فى الحيوة الدنيا اى هذه الكرامات والمقامات لهؤلاء السادات فى الدنيا مشوبة بشوائب الآفات النفسانية وكدورات الصفات الحيوانية خالصة يوم القيامة من هذه الآفات والكدورات كما قال وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ اى كتفصيلنا هذا الحكم نفصل سائر الاحكام لقوم يعلمون ما فى تضاعيفها من المعاني الرائقة قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ اى ما تفاحش قبحه من الذنوب وتزايد(3/156)
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)
وهى الكبائر ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ بدل من الفواحش اى جهرها وسرها كالكفر والنفاق وغيرهما وَالْإِثْمَ اى ما يوجب الإثم وهو يعم الصغائر والكبائر وَالْبَغْيَ اى الظلم او الكبر أفرده بالذكر مع دخوله فى الإثم للمبالغة فى الزجر عنه بِغَيْرِ الْحَقِّ متعلق بالبغي مؤكد له لان البغي لا يكون بالحق وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ معطوف على مفعول حرم اى وحرم عليكم اشراككم به تعالى ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ اى باشراكه وعبادته سُلْطاناً اى حجة وبرهانا وهوتهكم بالمشركين لانه إذا لم يجز إنزال البرهان بالاشراك كان ذكر ذلك تهكما بهم واستهزاء ومعلوم انه لا برهان عليه حتى ينزل وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ بالإلحاد فى صفاته والافتراء عليه كقولهم والله أمرنا بها وفى التأويلات النجمية الفواحش ما يقطع على العبد طريق الرب ويمنعه عن السلوك ففاحشة العوام ما ظهر منها ارتكاب المناهي وما بطن خطورها بالبال وفاحشة الخواص ما ظهر منها ما لانفسهم نصيب فيه ولو بذرة وما بطن الصبر عن المحبوب ولو بلحظة وفاحشة الأخص ما ظهر منها ترك ادب من الآداب او التعلق بسبب من الأسباب وما بطن منها الركون الى شىء من الدارين والالتفات الى غير الله من العالمين والإثم هو الاعراض عن الله ولو طرفة عين والبغي هو حب غير الله فانه وضع فى غير موضعه وان تشركوا بالله يعنى وان تستعينوا بغير الله ما لم ينزل به سلطانا اى ما لم يكن لكم به حجة ورخصة من الشريعة المنزلة وان تقولوا على الله ما لا تعلمون اى وان تحكموا بفتوى النفس وهواها او تقولوا بنظر العقل على الله ما لا تعلمون حقيقته وفيه معنى آخر وان تقولوا فى معرفة الله وبيان احوال السائرين وشرح المقامات واثبات الكرامات ما أنتم عنه غافلون ولستم به عارفين انتهى ثم هدد الله المشركين المكذبين للرسل بقوله وَلِكُلِّ أُمَّةٍ من الأمم المهلكة أَجَلٌ حد معين من الزمان مضروب لمهلكهم فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ الضمير لكل امة خاصة حيث لم يقل آجالهم اى إذا جاءها أجلها الخاص بها والوقت المعين لنزول عذاب الاستئصال عليها لا يَسْتَأْخِرُونَ عن ذلك الاجل ساعَةً اى شيأ قليلا من الزمان فانها مثل فى غاية القلة منه اى لا يتأخرون أصلا وصيغة الاستفعال للاشعار بعجزهم وحرمانهم من ذلك مع طلبهم له وَلا يَسْتَقْدِمُونَ اى لا يتقدمون عليه
أجل چون فردا آيدت پيش و پس ... پيش و پس نكذار دست يكنفس
- روى- ان بعض الملوك كان متنسكا ثم رجع ومال الى الدنيا ورياسة الملك وبنى دارا وشيدها وأمر بها ففرشت ونجدت واتخذ مائدة ووضع طعاما ودعا الناس فجعلوا يدخلون عليه ويأكلون ويشربون وينظرون الى بنائه ويتعجبون من ذلك ويدعون له وينصرفون فمكث بذلك أياما ثم جلس هو ونفر من خاصة أصحابه فقال قد ترون سرورى بداري هذه وقد حدثت نفسى ان اتخذ لكل واحد من أولادي مثلها فاقيموا عندى أياما استأنس بحديثكم وأشاوركم فيما أريد من هذا البناء فاقاموا عنده أياما يلهون ويلعبون ويشاورهم كيف يبنى وكيف يصنع ويرتب ذلك فبينما هم ذات ليلة فى لهوهم إذ سمعوا قائلا من أقصى الدار يقول
يا أيها الباني الناسي لميتته ... لا تأمنن فان الموت مكتوب(3/157)
يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37)
هذى الخلائق ان سروا وان فرحوا ... فالموت حتف لدى الآمال منصوب
لا تبنين ديارا لست تسكنها ... وراجع النسك كيما يغفر الحوب
ففزع لذلك وفزع أصحابه فزعا شديدا وراعهم فقال هل سمعتم ما سمعت قالوا نعم قال فهل تجدون ما أجد قالوا وما تجد قال مسكة على فؤادى وما أراها إلا علة الموت فقالوا كلا بل البقاء والعافية فبكى ثم امر بالشراب فاهريق وبالملاهي فاخرجت او قال فكسرت وتاب الى الله سبحانه ولم يزل يقول الموت الموت حتى خرجت نفسه رحمه الله: قال السعدي
خواجه در بند نقش ايوانست ... خانه از پاى بست ويرانست
: وقال
آنكه قرارش نكرفتى وخواب ... تا كل ونسرين نفشاندى نخست
كردش كيتى كل رويش بريخت ... خاربنان بر سر خاكش برست
والاشارة وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ اى لكل قوم من السائرين الى الله والى الجنة والى النار مدة معلومة ومهلة موقتة فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ مدتهم كما قدر الله فى الأزل لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ هذا وعد للاولياء استمالة لقلوبهم ووعيد للاعداء سياسة لنفوسهم كذا فى التأويلات النجمية يا بَنِي آدَمَ خطاب لكافة الناس إِمَّا أصله ان ما ضمت كلمة ما الى ان الشرطية تأكيدا لما فيها من معنى الشرط يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ كائنون مِنْكُمْ اى من جنسكم فهو صفة لرسل يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي صفة اخرى لرسل اى يبينون لكم احكامى وشرائعى ومقتضى الظاهر كلمة إذا بدل ان لكون الإتيان محقق الوقوع فى علم الله تعالى لكنه سيق المعلوم مساق المشكوك للتنبيه على ان إرسال الرسل امر جائز لا واجب عقلا حتى لا يقدر على عدم إرساله ولا واجب شرعا حتى يأثم بترك إرساله لانه لا يجب على الله شىء لاعقلا ولا شرعا لكن مقتضى الحكمة إرسال الرسل لما فيه من الحكم والمصالح فَمَنِ شرطية بالفارسية [پس هر كه] اتَّقى منكم التكذيب وَأَصْلَحَ عمله وأطاع رسوله الذي يقص آياته فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ اى لا يخافون ما يلحق العصاة فى المستقبل وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما فاتهم فى الدنيا لاستغراقهم فى الاستلذاذ بما أعد للمتقين فى دار الكرامة والرضوان وَالَّذِينَ كَذَّبُوا منكم بِآياتِنا يعنى [تكذيب رسل كردند] وَاسْتَكْبَرُوا [وكبر آوردند وتعظم كردند يعنى سركشى نمودند] عَنْها [از ايمان بدلائل وحدت ما] أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ [ملازمان آتش اند] هُمْ فِيها خالِدُونَ [باقى اند ببقاء أبدى] فَمَنْ أَظْلَمُ اى فمن أعظم ظلما اى لا أحد مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً اى ممن تقول عليه ما لم يقل ويدخل فى التقول عليه اثبات الشريك والصاحبة والولد أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ اى كذب ما قاله وقد جعل الله الكذب عليه والتكذيب بآياته مساويا فى الإثم حيث قال أُولئِكَ الموصوفون بما ذكر من الافتراء والتكذيب يَنالُهُمْ [برسد بديشان] نَصِيبُهُمْ كائنا مِنَ الْكِتابِ اى مما كتب لهم من الأرزاق والأعمار حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا اى ملك الموت وأعوانه يَتَوَفَّوْنَهُمْ اى حال كونهم متوفين لارواحهم قابضين لها وحتى(3/158)
قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)
وان كانت هى التي يبتدأ بها الكلام لكنها غاية لما قبلها من الفعل اى ينالهم نصيبهم من الكتاب الى ان تأتيهم ملائكة الموت فاذا جاءتهم قالُوا توبيخا لهم أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ اى اين الآلهة التي كنتم تعبدونها فى الدنيا. وما وصلت باين فى خط المصحف وحقها الفصل لانها موصولة قالُوا اى الكفار ضَلُّوا عَنَّا اى غابوا عنا اى لا ندرى مكانهم وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ عطف على قالوا اى اعترفوا على أنفسهم أَنَّهُمْ كانُوا اى فى الدنيا كافِرِينَ اى عابدين لمن لا يستحق العبادة أصلا حيث شاهدوا مآله وضلاله ولا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ لاحتمال ذلك من طوائف مختلفة او فى اوقات مختلفة وفى الإرشاد ولعله قصد بيان غاية سرعة وقوع البعث والجزاء كأنهما حاصلان عند ابتداء التوفى كما ينبىء عنه قوله عليه السلام (من مات فقد قامت قيامته) والا فهذا السؤال والجواب وما يترتب عليهما من الأمر بدخول النار وما جرى بين أهلها من التلاعن والتقاول انما يكون بعد البعث لا محالة قالَ الله تعالى لهم يوم القيامة او أحد من الملائكة ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ اى كائنين فى جملة امم مصاحبين لهم قَدْ خَلَتْ اى مضت مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يعنى كفار الأمم الماضية من النوعين فِي النَّارِ متعلق بقوله ادخلوا وانما قدم الجن على الانس لتقدمهم عليهم فى الخلقة وذلك ان الله تعالى لما خلق الجن فمنهم مؤمن ومنهم كافر فلما استولى اهل الكفر منهم على اهل الايمان حتى استأصلوهم بعث الله إليهم جندا من الملائكة كان رئيسهم إبليس فسلطهم الله عليهم حتى اهلكوا جميعهم ثم خلق الله آدم بعدهم فخلق منه ذريته فمنهم كافر كقابيل ومنهم مؤمن كهابيل إذ كان فى كل زمان منهم امة كافرة مستحقة لدخول النار وامة مؤمنة مستحقة لدخول الجنة حتى الآن الى انقراض العالم كما قال عليه السلام (لا تقوم الساعة وفى الأرض من يقول الله الله) كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ من الأمم السابقة واللاحقة اى فى النار لَعَنَتْ أُخْتَها التي ضلت بالاقتداء بها فلعنت المشركون المشركين واليهود اليهود والنصارى النصارى والمجوس المجوس وعلى هذا القياس ويلعن الاتباع القادة يقولون لعنكم الله أنتم غررتمونا فالمراد الاخت فى الدين والملة ولم يقل أخاها لانه أراد الامة والجماعة حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً غاية لما قبلها. والمعنى انهم يدخلونها فوجا فوجا لاعنا بعضهم بعضا الى انتهاء تداركهم وتلاحقهم فى النار واجتماعهم فيها واصل اداركوا تداركوا أدغمت التاء فى الدال فاجتلبت همزة الوصل قالَتْ أُخْراهُمْ اى دخولا وهم الاتباع واخرى هاهنا بمعنى آخرة مؤنث آخر مقابل أول لا مؤنث آخر بمعنى غير كقوله تعالى وِزْرَ أُخْرى لِأُولاهُمْ اى لاجل أولاهم إذا الخطاب مع الله تعالى رَبَّنا- هؤُلاءِ أَضَلُّونا اى سنوا لنا الضلال عن الهدى بإلقاء الشبهة علينا فاقتدينا بهم فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً
اى مضاعفا مِنَ النَّارِ لانهم ضلوا وأضلوا قالَ الله لِكُلٍّ من الأولين والآخرين ضِعْفٌ اما القادة فبكفرهم وتضليلهم واما الاتباع فبكفرهم وتقليدهم فليس المراد تضعيف ما يستحق كل واحد من العذاب لانه ظلم بل تضعيفه عذاب الضلال بان يضم اليه عذاب الإضلال والتقليد وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ ما لكم(3/159)
وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)
وما لكل فريق من العذاب وَقالَتْ أُولاهُمْ اى مخاطبين لِأُخْراهُمْ حين سمعوا جواب الله لهم فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ من حيث الاجتناب عن الكفر والضلال فكيف تطمعون ان يكون عذابكم أخف من عذابنا ويكون عذابنا ضعف عذابكم والحال انا ما الجأناكم على الكفر بل كفرتم لكون الكفر موافقا لهواكم فَذُوقُوا الْعَذابَ المعهود المضاعف وهو قول القادة على سبيل التشفي بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ [بسبب آنكه بوديد كه كسب مى كرديد از كفر اكنون حواله عذاب بديگرى ميكنيد]
جمله دانند اين اگر تو نكروى ... هر چهـ مى كاريش روزى بدروى
واعلم ان الكفار اهل الإنكار اعرضوا عن ارشاد الاخبار واكتسبوا سننا سيئة وذهلوا عن السنن الحسنة التي سنتها الأنبياء العظام والأولياء الكرام ثم آل أمرهم الى الاعتراف بجرائمهم وضلالهم حين لا ينفع الإقرار فعلى العاقل تدارك الحال قبل حلول الآجال وفى الحديث (جددوا ايمانكم) والمراد الانتقال من مرتبة الى مرتبة فان اصل الايمان قد تم بالأول ولكن الايمان على ثمانى عشرة مرتبة فالعناية من الله تعالى: وفى المثنوى
تازه كن ايمان نه از قول زبان ... اى هوا را تازه كرده در نهان
تا هوا تازه است وايمان تازه نيست ... كين هوا جز قفل آن دروازه نيست
فالله تعالى دعا الخلق الى الايمان بواسطة الأنبياء عليهم السلام فمن أجاب اهتدى الى طريق الجنة ومن لم يجب سقط فى النار قيل انما خلق الله النار لغلبة شفقته وموالاته كرجل يضيف الناس ويقول من جاء الى ضيافتى أكرمته ومن لم يجىء ليس عليه شىء ويقول مضيف آخر من جاء الىّ أكرمته ومن لم يجىء ضربته وحبسته ليبين غاية كرمه وهو آكد وأتم من الإكرام الاول قال بعضهم نار جهنم خير من وجه وشر من وجه كنار نمرود شر فى أعينهم وبرد وسلام على ابراهيم كالسوط فى يد الحاكم السوط خير للطاغى وشر للمطيع فمن أراد ان يسلم من عذاب النار فعليه بطريق الأخيار وكان المولى جلال الدين قدس سره يعظ يوما لاهل قرامان ويحكى ان من كان عاصيا ومات قبل التوبة من العصيان فانه يدخل النار بعدله تعالى فبعد احتراقه بقدر خطاه يخرجه الله تعالى منها ويعتقه ويدخله الجنة فقال شخص كان فى ذلك المجلس ليت هذا حصل قبل ان يهدم عرض المرء وينكسر فادع الله تعالى ايها المولى حتى يشرفنا بالجنة قبل انكسار الاعراض نسأل الله تعالى ان يعاملنا بلطفه وكرمه انه ولى الهداية والتوفيق إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وهى الحجج الدالة على اصول الدين من التوحيد ونبوة الأنبياء والبعث والجزاء وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها اى تعظموا وترفعوا عن الايمان بها والعمل بمقتضاها وهم الكفار لا تُفَتَّحُ التشديد لكثرة الأبواب لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ اى لا تقبل ادعيتهم ولا أعمالهم اولا تعرج إليها أرواحهم كما هو شأن ادعية المؤمنين وأعمالهم وأرواحهم وفى الحديث (ان روح المؤمن يعرج بها الى السماء فيستفتح لها فيقال مرحبا بالنفس الطيبة التي كانت فى الجسد الطيب الى ان تنتهى الى السماء السابعة ويستفتح لروح الكافر فيقال لها ارجعي ذميمة فيهوى بها الى سجين) وهو(3/160)
لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)
مقر إبليس الأبالسة تحت الأرض السابعة فالارواح كلها سعيدها وشقيها متصلة بأجسادها فتعذب الأرواح وتتألم الأجساد منه كالشمس فى السماء ونورها فى الأرض واعلم ان أرواح العصاة من المؤمنين تكون بين السماء والأرض بعضها فى الهواء وبعضها فى أفنية القبور الى سبعة ايام الى سنة الى غير ذلك من الزمان حتى تصعد وتتخلص بدعوات الاحياء وامداد الحسنات وتصل الى المقر السماوي الدنيوي وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ اى حتى يدخل ما هو مثل فى عظم الجرم وهو البعير فى ما هو مثل فى ضيق المسلك وهو ثقب الابرة وذلك مما لا يكون فكذا ما توقف عليه «هر كارى موقوف محالست محالست» والعرب إذا أرادت تأكيد النفي علقته بما يستحيل كونه كما قال الشاعر
إذا شاب الغراب أتيت أهلي ... وصار القار كاللبن الحليب
والجمل زوج الناقة وانما يسمى جملا إذا اربع اى إذا دخل فى السنة السابعة فانه يقال له فى السنة السابعة رباع وللانثى رباعية بالتخفيف. والخياط ما يخاط به فسم الخياط بالفارسية [سوراخ سوزن] وقرىء الجمل بضم الجيم وتشديد الميم وهو الحبل الغليظ من القنب او حبل السفينة التي يقال له القلس وهى حبال مجموعة مفتولة وَكَذلِكَ اى مثل ذلك الجزاء الفظيع وهو الحرمان من الجنة نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ اى جنس المجرمين فدخلوا فى زمرتهم دخولا أوليا لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ من جهنم حال من مهاد ومعناه فراش من النار يضطجعون ويقعدون فيه وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ اى اغطية جمع غاشية وهو ما يغشى الشيء ويستره ومعنى الآية الاخبار عن احاطة النار بهم من كل جانب حيث كانت غطاء لهم ووطاء وفى الحديث (الكافر يكسى لوحين من نار فى قبره) وَكَذلِكَ اى مثل ذلك الجزاء الشديد وهو التعذيب بالنار نَجْزِي الظَّالِمِينَ ولما كان التعذيب المؤبد بنار جهنم أشد العقوبات دل ذكر الظلم معه على انه أعظم الاجرام واعلم ان فوت النعيم أيسر من مقاساة الجحيم والمصيبة العظمى هى الخلود وذكر عند الحسن البصري ان آخر من خرج من النار رجل يقال له هناد عذب الف عام ينادى يا حنان ويا منان فبكى الحسن وقال ليتنى كنت هنادا فتعجبوا منه فقال ويحكم أليس يوما يخرج والاشارة إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وهى السنن الحسنة المنزلة على الأنبياء وما أظهره الله تعالى على يد الأولياء من الكرامات والعلوم اللدنية فانكروها وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها اى تكبروا عن قبولها والايمان بها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ اى أبواب سماء القلوب الى الحضرة وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ اى جنة القربة والوصلة حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ اى جمل النفس المتكبرة فِي سَمِّ الْخِياطِ وهو مدخل الطريقة التي بها تربى النفوس الامارة وتزكى لتصير مطمئنة فتستحق بها خطاب ارجعي الى ربك. فالمعنى ان النفس المتكبرة لما صارت كالجمل لتكبرها لا تصلح لدخول جنة الحقيقة الا بعد تزكيتها باحكام الشريعة وآداب الطريقة حتى تصير بالتربية فى ازالة الصفات الذميمة وقطع تعلقات ما سوى الله تعالى أدق من الشعر بألف مرة فيلج فى سم خياط الفناء فيدخل الجنة جنة البقاء فافهم جدا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ الذي أجرموا على أنفسهم الضعيفة اللطيفة حتى صارت من الأوزار كالجمل بان نجعل لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ المجاهدة والرياضة فراشا وهو(3/161)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)
قوله لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ يعنى من مخالفة النفس وقمع الهوى يكون فراشهم ولحافهم حتى تحيط بهم فتذيبهم وتحرق منهم انانيتهم مع أثقال أوزارهم ليستحقوا دخول الجنة وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ يعنى بهذه الطريقة نضع عنهم أوزارهم ونرد مظالمهم فى الدنيا ليردوا القيامة مستعدين لدخول الجنة ومن لم نجزه فى الدنيا بهذه الطريقة فنجزه فى الآخرة كما قال وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ فى الآخرة لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فيه كذا فى التأويلات النجمية فالمجاهدة وسلوك طريق التصفية من دأب الأخيار ذكر عن ابراهيم ابن أدهم انه لما أراد ان يدخل البادية أتاه الشيطان فخوفه ان هذه بادية مهلكة ولا زاد معك ولا مركب فعزم على نفسه رحمه الله ان يقطع البادية على تجرده ذلك وان لا يقطعها حتى يصلى تحت كل ميل من اميالها الف ركعة وقام بما عزم عليه وبقي فى البادية اثنتي عشرة سنة حتى ان الرشيد حج فى بعض تلك السنين فرآه تحت ميل يصلى فقيل له هذا ابراهيم بن أدهم فأتاه فقال كيف نجدك يا أبا اسحق فانشد ابراهيم بن أدهم يقول نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع فطوبى لعبد آثر الله ربه وجاء بدنياه لما يتوقع: قال الحافظ
دع التكاسل تغنم فقد جرى مثل ... كه زاد رهروان چستيست و چالاكى
وَالَّذِينَ آمَنُوا بالآيات وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ اى الأعمال الصالحات التي شرعت بالآيات وهى ما أريد به وجه الله تعالى لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها اى طاقتها وقدرتها هو اعتراض بين المبتدأ والخبر للدلالة على ان استحقاق الخلود فى النعيم المقيم بسبب اتصافهم بالايمان والعمل الصالح على حسب ما تسعه طاقتهم وان لم يبذلوا مجهودهم فيه أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ [ملازمان بهشت اند] هُمْ فِيها خالِدُونَ حال من اصحاب الجنة وَنَزَعْنا النزع قلع الشيء عن مكانه ما فِي صُدُورِهِمْ قلوبهم مِنْ غِلٍّ وهو الحقد الكامن والبغض المختفى فى الصدور اى تخرج من قلوبهم اسباب الحقد الذي كان لبعضهم فى حق بعض فى الدنيا فان ذلك الحقد انما نشأ من التعلق بالدنيا وما فيها وبانقطاع تلك العلاقة انتهى ما يتفرع عليه من الحقد ومن جملة أسبابه ايضا ان الشيطان كان يلقى الوساوس الى قلوب بنى آدم فى الدنيا وقد انقطع ذلك فى الآخرة بسبب ان الشيطان لما استغرق فى عذاب النيران لم يتفرغ لالقاء الوسوسة فى قلب الإنسان ويجوز ان يكون المراد نطهر قلوبهم من الغل نفسه حتى لا يكون بينهم الا التواد يعنى لا يحسد بعض اهل الجنة بعضا إذا رآه ارفع درجة منه ولا يغتم بسبب حرمانه من الدرجات الرفيعة العالية قال ابن عباس رضى الله عنهما نزلت هذه الآية فى ابى بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير وابن مسعود وعمار بن ياسر وسلمان وابى ذر ينزع الله فى الآخرة ما كان فى قلوبهم من غش بعضهم لبعض فى الدنيا من العداوة والقتل الذي كان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر الذي اختلفوا فيه فيدخلون إخوانا على سرر متقابلين.(3/162)
پاك وصافى شو واز چاه طبيعت بدر آي ... كه صفايى ندهد آب تراب آلوده
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ اى من تحت شجرهم وغرفهم الْأَنْهارُ زيادة فى لذتهم وسرورهم وَقالُوا اى اهل الجنة إذا رأوا منازلهم الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا بفضله لِهذا اى لدين وعمل جزاؤه هذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ اى لهذا المطلب الأعلى لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ ووفقنا له
كر بدرقه لطف تو ننمايد راه ... از راه تو هيچكس نكردد آگاه
آنكه كه بره رسند وبايد رفتن ... توفيق رفيق نشد وا ويلاه
- روى- عن السدى انه قال فى هذه الآية ان اهل الجنة إذا سيقوا الى الجنة وجدوا عند بابها شجرة فى اصل ساقها عينان فشربوا من إحداهما فينزع ما فى صدورهم من غل وهو الشراب الطهور واغتسلوا من الاخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فلم يشعثوا ولم يشحبوا بعده ابدا والشعث انتشار شعر الرأس والأشعث مغبر الرأس ويقال شحب جسمه يشحب بالضم إذا تغير وشربوا واغتسلوا ويبشرهم خزنة الجنة قبل ان يدخلوها بان يقولوا لهم أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فاذا دخلوها واستقروا فى منازلهم منها قالوا الحمد لله الآية واعلم ان الغل ظلمة الصفات البشرية وكدورتها وطهارة القلوب بنور الايمان والأرواح بماء العرفان والاسرار بشراب طهور تجلى صفات الجمال وليس فى صدور اهل الحقيقة من غل وغش أصلا لا فى الدنيا ولا فى العقبى لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا جواب قسم مقدر اى والله لقد جاؤا بِالْحَقِّ فالباء للتعدية او لقد جاؤا ملتبسين بالحق فهى للملابسة يقوله اهل الجنة حين رأوا ما وعدهم الرسل عيانا واستقروا فيه إظهارا لكمال نشاطهم وسرورهم قال الحدادي شهادة منهم بتبليغ الرسل للحق إليهم اى جاؤا بالصدق فصدقناهم وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ يعنى ان الملائكة ينادونهم حين رأى المؤمنون الجنة من بعيد بان يقولوا لهم ان تلك التي رأيتموها هى الجنة التي وعدتم بها فى الدنيا فان مفسرة او مخففة وتلك مبتدأ أشير به الى ما رأوه من بعيد والجنة خبره واللام فيها للعهد أُورِثْتُمُوها اى أعطيتموها والجملة حال من الجنة بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فى الدنيا من الأعمال الصالحة اى بسبب أعمالكم فان قيل هذه الآية تدل على ان العبد يدخل الجنة بعمله وقد قال عليه السلام (لن يدخل الجنة أحدكم بعمله وانما تدخلونها برحمة الله تعالى وفضله) فما وجه التوفيق بينهما أجيب بان العمل لا يوجب دخول الجنة لذاته وانما يوجبه من حيث انه تعالى وعد للعاملين ان يتفضل بها بمحض رحمته وكمال فضله وإحسانه ولما كان الوعد بالتفضل فى حق العاملين بمقابلة عملهم كان العمل بمنزلة السبب المؤدى إليها فلذلك قيل أورثتموها بأعمالكم كذا فى حواشى ابن الشيخ وفى الخبر انه يقال لهم يوم القيامة (جوزوا الصراط بعفوي وادخلوا الجنة برحمتي واقتسموها بأعمالكم) وهى جنة الأعمال وهى التي ينزل الناس فيها بأعمالهم فمن كان أفضل من غيره فى وجوه التفاضل كان له من الجنة اكثر سواء كان الفاضل بهذه الحالة دون المفضول او لم يكن فما من عمل إلا وله جنة يقع التفاضل فيها بين أصحابها ورد فى الحديث(3/163)
وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)
الصحيح عن النبي عليه السلام انه قال لبلال يا بلال (بم سبقتنى الى الجنة فما وطئت منها موضعا الا سمعت خشخشتك) فقال يا رسول الله ما أحدثت قط إلا توضأت وما توضأت إلا صليت ركعتين فقال عليه السلام (بهما) فعلمنا انها كانت مخصوصة بهذا العمل فما من فريضة ولا نافلة ولا فعل خير ولا ترك محرم ومكروه إلا وله جنة مخصوصة ونعيم خاص يناله من دخلها والتفاضل على مراتب. فمنها بالسن ولكن فى الطاعة والإسلام فيفضل الكبير السن على الصغير السن إذا كانا على مرتبة واحدة من العمل. ومنها بالزمان فان العمل فى رمضان وفى يوم الجمعة وفى ليلة القدر وفى عشر ذى الحجة وفى عاشوراء أعظم من سائر الزمان. ومنها بالمكان فالصلاة فى المسجد الحرام أفضل منها فى مسجد المدينة وهى من الصلاة فى المسجد الأقصى وهى منها فى سائر المساجد. ومنهما بالأحوال فان الصلاة بالجماعة أفضل من صلاة الشخص وحده. ومنها بنفس الأعمال فان الصلاة أفضل من اماطة الأذى ومنها فى العمل الواحد فالمتصدق على رحمه صاحب صلة رحم وصدقة وكذا من اهدى هدية لشريف من اهل البيت أفضل ممن اهدى لغيره او احسن اليه ومن الناس من يجمع فى الزمن الواحد أعمالا كثيرة فيصرف سمعه وبصره ويده فيما يبتغى فى زمان صومه وصدقته بل فى زمان صلاته فى زمان ذكره فى زمان نيته من فعل وترك فيؤجر فى الزمن الواحد من وجوه كثيرة فيفضل غيره ممن ليس له ذلك ومن الجنات جنة اختصاص الهى وهى التي يدخلها الأطفال الذين لم يبلغوا حد العمل وحده من أول ما يولد اى يستهل صارخا الى انقضاء ستة أعوام ويعطى الله من شاء من عباده من جنات الاختصاص ما شاء. ومن أهلها المجانين الذين ما عقلوا. ومن أهلها اهل التوحيد العلمي. ومن أهلها اهل الفترات ومن لم يصل إليهم دعوة رسول ومن الجنات جنة ميراث ينالها كل من دخل الجنة ممن ذكرنا ومن المؤمنين وهى الأماكن التي كانت معينة لاهل النار لو دخلوها وفى الحديث (كل من اهل النار يرى منزله فى الجنة فيقولون لو هدانا الله فيكون عليهم حسرة وكل من اهل الجنة يرى منزله فى النار فيقولون لولا ان الله هدانا) واعلم ان الجنة صورية ومعنوية صورية محسوسة مؤجلة ومعنوية معقولة معجلة وأهلها اهل الفناء فى الله والبقاء بالله: قال الحافظ
جنت نقدست اين جا عشرت وعيش وحضور ... زانكه در جنت خدا بر بنده ننويسد كناه
اللهم شرفنا بالجنان انك أنت المنان وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ سرورا بحالهم وشماتة باصحاب النار وتحسيرا لهم لا لمجرد الاخبار بحالهم والاستخبار عن حال مخاطبهم ووجه تيسر المناداة والمكالمة بين اهل الجنة واهل النار مع ان بعد ما بين الجنة والنار لا يعلم مقداره الا الله تعالى إذ كل درجة من درجات الجنان يقابلها دركة من دركات النيران فأى درجة فيها العامل بسبب عمله يستحق تارك ذلك العمل بسبب تركه إياه دركة من دركاة الجحيم فيكون اهل الدرجة مشرفا على اهل الدركة التي تقابلها كما قال تعالى فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ فامكن لهم تقريع اهل النار وتحسيرهم بقولهم أَنْ تفسيرية للمنادى له لان النداء فى معنى القول او مخففة قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا من الثواب والكرامة حَقًّا بالفارسية [راست(3/164)
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ (45)
ودرست] فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ من العذاب. والوعد يستعمل فى الخير والشر حَقًّا حذف المفعول من الفعل الثاني حيث لم يقل ما وعدكم كما قال ما وعدنا إسقاطا لهم عن رتبة التشريف بالخطاب عند الوعد قالُوا نَعَمْ اى وجدناه حقا فاعترفوا فى وقت لا ينفعهم الاعتراف ولذا قيل
كنون بايد اى خفته بيدار بود ... چومرك اندر آرد ز خوابت چهـ سود
تو پيش از عقوبت در عفو كوب ... كه سودى ندارد فغان زير چوب
فَأَذَّنَ [پس آواز دهد] مُؤَذِّنٌ [آواز دهنده] وهو ملك ينادى من قبل الله تعالى نداء يسمعه كل واحد من اهل الحنة واهل النار. وقيل هو صاحب الصور اى اسرافيل عليه السلام بَيْنَهُمْ منصوب بإذن اى أوقع ذلك الاذان بين الفريقين اى فى وسطهم أَنْ تفسيرية لان التأذين فى معنى القول او مخففة لَعْنَةُ اللَّهِ استقرت عَلَى الظَّالِمِينَ اى على الكافرين دون المؤمنين لان الظلم إذا ذكر مطلقا يصرف الى الكمال وكمال الظلم هو الشرك وهو اخبار. وقيل هو ابتداء لعن منه عليهم الَّذِينَ يَصُدُّونَ يعرضون فهو لازم لان جعله متعديا بمعنى يمنعون الناس محوج الى تقدير المفعول ولا يصار اليه من غير ضرورة عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى عن الدين الذي هو طريق الله الى جنته. والسبيل الطريق وما وضح منه كذا فى القاموس وَيَبْغُونَها عِوَجاً اى يبغون لها عوجا بان يصفوها بالزيغ والميل عن الحق وهى ابعد شىء منهما وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ جاحدون بالبعث بعد الموت فلما كان الظالمين بمعنى الكافرين كانت الأوصاف الجارية عليه من قبيل الصفات المؤكدة فان الظالم وصف فى الآية بثلاث صفات مختصة بالكفار. الاولى كونهم صادين معرضين عن سبيل الله. والثانية كونهم طالبين امالة سبيل الله ودينه الحق وتغييره الى الباطل بإلقاء الشكوك والشبهات فى دلائل حقيته. والثالثة كونهم منكرين للآخرة مختصين بهذا الوصف وكل واحدة من هذه الصفات الثلاث مقررة لظلمهم بمعنى الكفر والاشارة وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ اى ارباب المحبة أَصْحابَ النَّارِ يعنى نار القطيعة أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا اى فيما قال (ألا من طلبنى وجدنى) فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا اى فيما قال (ومن يطلب غيرى لم يجدنى) قالُوا نَعَمْ فاجابوهم بلى وجدناه حقا فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ العزة والعظمة بينهم أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الذين وضعوا استعداد الطلب فى غير موضع مطلبه وصرفوه فى غير مصرفه الَّذِينَ يَصُدُّونَ اى وهم الذين يصدون القلب والروح عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وطلبه وَيَبْغُونَها عِوَجاً اى يصرفون وجوههم الى الدنيا وما فيها وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ اى وهم ينكرون على اهل المحبة فيما يطلبون مما تأخر من حسهم وهم يطلبون ما يدركون بالحواس الظاهرة دون ما فى الآخرة كذا فى التأويلات النجمية فالناس على مراتب بحسب إقرارهم وانكارهم وسلوكهم وقعودهم: وفى المثنوى
كودكان كرچهـ بيك مكتب درند ... در سبق هر يك ز يك بالاترند
خود ملائك نيز تا همتا بدند ... زين سبب بر آسمان صف صف شدند(3/165)
وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)
فعلى السالك الاجتهاد فى طلب الحق الى ظهور كنز الحقيقة فان المطلب الأعلى عند من يميز النقد الجيد من النبهرج والزيوف وعن ذى النون رضى الله عنه قال اوحى الله سبحانه الى موسى عليه السلام يا موسى كن كالطير الوحدانى يأكل من رؤس الأشجار ويشرب الماء القراح او قال من الأنهار إذا جنه الليل أوى الى كهف من الكهوف استئناسا بي واستيحاشا ممن عصانى يا موسى انى آليت على نفسى ان لا أتم لمدعى عملا ولأقطعن امل من امل غيرى ولأقصمنّ من استند الى سواى ولاطيلن وحشة من انس بغيري ولا عرضن عمن أحب حبيبا سواى يا موسى ان لى عبادا ان ناجونى أصغيت إليهم وان نادونى أقبلت عليهم وان اقبلوا على أدنيتهم وان دنوا منى قربتهم وان تقربوا منى كفيتهم وان والونى واليتهم وان صافونى صافيتهم وان عملوا الى جازيتهم انا مدبر أمرهم وسائس قلوبهم ومتولى أحوالهم لم اجعل لقلوبهم راحة فى شىء الا فى ذكرى فهؤلاء سقامهم شفاء وعلى قلوبهم ضياء لا يستأنسون إلا بي ولا يحطون رحال قلوبهم الا عندى ولا يستقر بهم قرار فى الإيواء الا الىّ وَبَيْنَهُما اى بين الفريقين او بين الجنة والنار حِجابٌ كسور المدينة حتى لا يقدر اهل النار ان يخرجوا الى الجنة ولئلا يتأذى اهل الجنة بالنار ولا يتنعم اهل النار بنعيم الجنة لان الحجاب المضروب بينهما يمنع وصول اثر إحداهما الى الاخرى لانه قد جاء ان الحور العين لو نظرت واحدة منهن الى الدنيا نظرة لامتلأت الدنيا من ضوئها وعطرها وجاء فى وصف النار ان شرارة منها لو وقعت فى الدنيا لاحرقتها قال الحدادي فان قيل كيف يصح هذا التأويل فى الحجاب بين الجنة والنار ومعلوم ان الجنة فى السماء والنار فى الأرض قيل لم يبين الله حال الحجاب المذكور فى الآية ولا قدر المسافة فلا يمتنع ان يكون بين الجنة والنار حجاب وان بعدت المسافة وَعَلَى الْأَعْرافِ اى اعراف ذلك الحجاب اى أعاليه وهو السور المضروب بينها قيل هو جبل أحد يوضع هناك جمع عرف وهو كل عال مرتفع ومنه عرف الديك والفرس سمى عرفا لانه بسبب ارتفاعه يكون اعرف مما انخفض منه رِجالٌ طائفة من المؤمنين تساوت حسناتهم وسيآتهم فهم ينظرون الى النار وينظرون الى الجنة وما لهم رجحان بما يدخلهم احدى الدارين فاذا دعوا الى السجود وهو الذي يبقى يوم القيامة من التكليف يسجدون فيرجع ميزان حسناتهم فيدخلون الجنة وهو أحد الأقوال فى تعيين اصحاب الأعراف وسيجيئ الباقي يَعْرِفُونَ صفة رجال كُلًّا اى كل فريق من اصحاب الجنة واصحاب النار بِسِيماهُمْ اى بسبب علاماتهم التي أعلمهم الله بها كبياض الوجه وسواده وهذا فى العرصات قبل دخول الجنة والنار فان المعرفة بعد الدخول تحصل بالمشاهدة والاحساس ولا يحتاج الى الاستدلال بسيماهم واما النداء والصرف والإتيان فبعد الدخول وَنادَوْا اى الرجال وهو صفة ثانية لرجال عدل الى لفظ الماضي تنزيلا للنداء منزلة الواقع أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ تفسيرية او مخففة سَلامٌ عَلَيْكُمْ يعنى إذا نظروا إليهم سلموا عليهم سلام التحية والإكرام وبشروهم بالسلامة من جميع المكاره والآفات لَمْ يَدْخُلُوها حال من فاعل نادوا اى نادوا حال كونهم لم يدخلوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ(3/166)
وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)
اى والحال انهم طامعون فى دخولها حال من فاعل يدخلوها اى نادوهم وهم لم يدخلوها حال كونهم طامعين فى دخولها مترقبين له اى لم يدخلوها وهم فى وقت عدم الدخول طامعون وسبب طمعهم انهم من اهل لا اله الا الله ولا يرونها فى ميزانهم ويعلمون ان الله تعالى لا يظلم مثقال ذرة ولو جيىء بذرة لاحدى الكفتين لرجحت بها لانها فى غاية الاعتدال فيطمعون فى كرم الله وعدله وانه لا بد ان يكون لكلمة لا اله الا الله عناية بصاحبها فيظهر لها اثر عليهم فيقفون هناك حتى يقضى الله فيهم ما يشاء ثم يدخلهم الجنة برحمته وهم آخر من يدخل الجنة وإذا أراد الله ان يعافيهم انطلق بهم الى نهر يقال له نهر الحياة حافتاه قضب الذهب مكلل باللؤلؤ ترابه المسك فالقوا فيه حتى تصلح ألوانهم وفى نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها ثم يؤتى بهم فيدخلون الجنة ويسمون مساكين اهل الجنة: قال الحافظ
هست اميدم كه على رغم عدو روز جزا ... فيض عفوش ننهد باركنه بر دوشم
وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ اى الى جهنم وفى عدم التعرض لتعلق انظارهم باصحاب الجنة والتعبير عن تعلق أبصارهم باصحاب النار بالصرف اشعار بان التعلق الاول بطريق الرغبة والميل والثاني بخلافه وفى تفسير الزاهدي ان الملك يصرف أبصارهم إليهم بامر الله تعالى قالُوا متعوذين بالله تعالى من سوء حالهم رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ اى فى النار اى يدعون بذلك خوفا من الله تعالى لاجل معاصيهم والقول الثاني فى تعيين اصحاب الأعراف انهم الأنبياء أجلسهم الله على أعالي ذلك السور تمييزا لهم عن سائر اهل القيامة ليكونوا مشرفين على اهل الجنة واهل النار مطلعين على أحوالهم ومقادير ثوابهم وعقابهم شاهدين على أممهم وعلى هذا فقوله لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ حال من مفعول نادوا وهو اصحاب الجنة لان طمع دخول الجنة لا يليق باشراف اهل الموقف اى نادى اشراف اهل الموقف وهم على الأعراف اصحاب الجنة حال كون أصحابها لم يدخلوها وهم طامعون فى دخولها وكذا التقدير فى صائر الوجوه الآتية المرادة بها اهل الدرجات العالية والقول الثالث هم الشهداء الذين يميزون من بين اهل الموقف بالاستحقاق لمزيد التعظيم والاجلاس فى أعالي السور المضروب ليشاهدوا حكم الله تعالى فى اهل الموقف بمقتضى فضله وعدله والرابع هم أفاضل المؤمنين فرغوا من شغل أنفسهم وتفرغوا لمطالعة احوال الناس وفى الحديث (إذا جمع الخلائق يوم القيامة نادى مناد اين اهل الفضل فيقوم أناس وهم يسيرون فينطلقون سراعا الى الجنة فيقولون نحن اهل الفضل فيقال لهم ما كان فضلكم فيقولون كنا إذا ظلمنا صبرنا وإذا أسيئ إلينا غفرنا وإذا جهل علينا حلمنا فيقال لهم ادخلوا الجنة فنعم اجر العاملين) والخامس قوم صالحون فقهاء علماء وذلك لمزيتهم على غيرهم بشرف الفقه والعلم والسادس هم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم وهم فى كل امة والسابع هم العباس وحمزة وعلى بن ابى طالب وجعفر ذو الجناحين رضى الله عنهم يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسواد الوجوه والثامن انهم ملائكة موكلون بهذا السور يميزون الكافرين من المؤمنين قبل ادخالهم الجنة والنار عبر عنهم باسم الرجال(3/167)
لكونهم يرون فى صورة الرجال كما عبر به عن الجن فى قوله تعالى وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ لكونهم فى صورة الرجال يقولون حين أشرفوا على اهل النار ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين لانهم مكلفون كبنى آدم فلا ينكر ان يدعوا الله لانفسهم بالأمن والتاسع هم الشهداء الذين خرجوا الى الغزو وغزوا فى سبيل الله بغير اذن آبائهم فقتلوا شهداء فاعتقوا من النار بان قتلوا فى سبيل الله واحتبسوا عن الجنة بعصيانهم آباءهم والعاشر قوم رضى عنهم آباؤهم دون أمهاتهم او أمهاتهم دون آبائهم والحادي عشر انهم أولاد الزنى والثاني عشر أولاد المشركين والثالث عشر هم الذين ماتوا فى الفترة ولم يبدلوا دينهم وزمان الفترة هو الزمان الذي بين عيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما والرابع عشر هم قوم كانت لهم صغائر لم تكفر عنهم بالآلام والمصائب فى الدنيا فوقفوا وليست لهم كبائر فيحبسون عن الجنة لينالهم بذلك غم فيقع فى مقابلة صغائرهم والخامس عشر هم الذين ذكرهم الله فى القرآن اصحاب الذنوب العظام من اهل القبلة- روى- عن بعض الصالحين انه
قال أخذتنى ذات ليلة سنة فنمت فرأيت فى منامى كأن القيامة قد قامت وكأن الناس يحاسبون فقوم يمضى بهم الى الجنة وقوم يمضى بهم الى النار قال فاتيت الى الجنة فناديت يا اهل الجنة بماذا نلتم سكنى الجنان فى محل الرضوان فقالوا لى بطاعة الرحمن ومخالفة الشيطان ثم أتيت الى باب النار فناديت يا اهل النار بماذا نلتم النار قالوا بطاعة الشيطان ومخالفة الرحمن قال فنظرت فاذا بقوم موقوفون بين الجنة والنار فقلت ما بالكم موقوفون بين الجنة والنار فقالوا لنا ذنوب جلت وحسنات قلت فالسيئات منعتنا من دخول الجنة والحسنات منعتنا من دخول النار وانشدوا
نحن قوم لنا ذنوب كبار ... منعتنا من الوصول اليه
تركتنا مذبذبين حيارى ... أمسكتنا عن القدوم عليه
هذا ما تيسر لى جمعه من الأقوال والله تعالى اعلم بحقيقة الحال والاشارة ان بين اهل النار واهل الجنة حجابا وهو من أوصاف البشرية والأخلاق الذميمة النفسانية فلا يرى اهل النار اهل الجنة من وراء ذلك الحجاب وبين اهل الجنة واهل الله وهم اصحاب الأعراف حجابا وهو من الأوصاف الخلقية والأخلاق الحميدة الروحانية فلا يرى اهل الجنة اهل الله من وراء ذلك الحجاب كما قال الله تعالى وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ يعنى اصحاب الأعراف يعرفون اهل الجنة والنار بما يتوسمون فى سيماهم من آثار نور القلب وظلمته وسميت الأعراف اعرافا لانها مواطن اهل المعرفة وانما سمى الله اهل المعرفة رجالا لانهم بالرجولية يتصرفون فيما سوى الله تصرف الرجال فى النساء ولا يتصرف فيهم شىء منه كقوله رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وحيث ما ذكر الله الخواص ذكرهم برجال كقوله رِجالٌ صَدَقُوا وكقوله فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا لان وجه الامتياز بين الخواص والعوام بالرجولية فى طلب الحق وعلو الهمة فان اصحاب الأعراف بعلو هممهم ترقوا عن حضيض البشرية ودركات النيران وصعدوا على ذروة الروحانية ودرجات الجنان وما التفتوا الى نعيم الدارين وما ركنوا الى كمالات المنزلين حتى عبروا عن المكونات وأقاموا على الأعراف(3/168)
وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)
وهى مرتبة فوق الجنان فى حظائر القدس عند الرحمن وهم مشرّفون على اهل الجنة والنار فلما رأوا اهل الجنة وانهم فى شغل فاكهون وَقد شغلوا بنعيميها عن المولى نادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ يعنى هنيئا لكم ما أنتم فيه من النعيم المقيم والحور والقصور ثم اخبر عن همة اصحاب الأعراف فقال لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ اى شاهدوا نعيم الجنة ودرجاتها ولم يركنوا الى شىء منها فعبروا عليها ولم يدخلوها وهم على الأعراف يطمعون فى الوصول الى الله والدخول فى الجنة التي أضافها الله تعالى الى نفسه بقوله وَادْخُلِي جَنَّتِي وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ ابتلاء ليريهم انه تعالى من أية دركة خلصهم وبأية كرامة خصهم فيعرفوا قدر ما أنعم الله عليهم به ومن هذا القبيل يكون ما سنح لارباب الكمالات من الخواطر النفسانية وما ابتلاهم بشىء من الدنيا والجاه والقبول والاشتغال بالخلق ليعرفوا قدر العزلة والتجريد والانس مع الله فى الخلوات ففى أداء حق الشكر ورؤية النعمة قالُوا مع المنعم رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ اى بعد ان خلصتنا من اوصافهم واخلاقهم ودركاتهم ومما هم فيه لا تجعلنا مرة اخرى من جهتهم ولا تدخلنا فى زمرتهم كذا فى التأويلات النجمية وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ وهم الذي علت درجاتهم من الأنبياء واشراف اهل الموقف وهو الأنسب بما بعد الآية إذ قولهم ادخلوا الجنة لا يليق بالمقصرين فى العمل رِجالًا من رؤساء الكفار حين رأوهم فيما بين اصحاب النار وهم ابو جهل بن هشام والوليد بن المغيرة وعاص بن وائل واضرابهم يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ اى علاماتهم الدالة على سوء حالهم حينئذ وعلى رياستهم فى الدنيا والباء سببية قالُوا بدل من نادى اى قال اصحاب الأعراف وهم على السور مخاطبين لرؤساء الكفار توبيخا وشماتة ما أَغْنى عَنْكُمْ ما استفهامية للتقريع او نافية ومعناه على الثانية [دفع نكرد عذاب از شما] جَمْعُكُمْ اى اتباعكم وأشياعكم او جمعكم للمال وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ما مصدرية اى واستكباركم المستمر على الخلق [يعنى استكبار شما مانع عذاب نشد] أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ هو من تمام قول اصحاب الأعراف للرجال الذين هم رؤساء الكفرة فيكون فى محل النصب بالقول المتقدم والاشارة الى ضعفاء المؤمنين الذين كانت الكفرة يحتقرونهم فى الدنيا ويحلفون صريحا انهم لا يدخلون الجنة قوله لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ جواب أقسمتم ومعناه بالفارسية [اين كروه آنانند كه در دنيا سوگند ميخورديد كه البته خداى هركز بديشان نرساند بخشايش خود را] ادْخُلُوا الْجَنَّةَ اى فالتفت اصحاب الأعراف الى فقراء المسلمين مثل بلال وصهيب وسلمان وخباب وأمثالهم وقالوا لهم ادخلوا الجنة على رغم انوف رؤساء الكفار لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ حين يخاف اهل النار وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ حين يحزن اهل النار وفى الآية ذم المال والاستكبار والافتخار بكثرة الخدم والأعوان والأنصار
نه منعم بمال از كسى بهترست ... خر ار جل اطلس بپوشد خرست
بدين عقل وهمت نخوانم كست ... وكر ميرود صد غلام از پست
تكبر كند مرد حشمت پرست ... نداند كه حشمت بحلم اندرست(3/169)
وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)
چومنعم كند سفله را روزكار ... نهد بر دل تنك درويش بار
چوبام بلندش بود خودپرست ... كند بول وخاشاك بر بام پست
واعلم ان حب المال والاستكبار من اخلاق النفس فلا بد للسالك من تزكيتها وكان من دعاء النبي عليه السلام (اللهم حسن خلقى وخلقى) وقد مدحه الله بقوله وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ وكان عليه السلام يجالس الفقراء والمساكين ويواكلهم وكان يمر على الصبيان ويسلم عليهم واتى رجل فارتعد من هيبته فقال (هون عليك فلست بملك انما انا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد) وكان يجلس مختلطا بأصحابه كأنه أحدهم فيأتى الغريب فلا يدرى أيهم هو حتى يسأل وكان لا يدعوه أحد الا قال لبيك وكل ذلك من تواضعه صلى الله عليه وسلم قال ذو النون المصري علامة السعادة حب الصالحين والدنو منهم وتلاوة القرآن وسهر الليل ومجالسة العلماء ورقة القلب والاشارة ان المؤمنين والعلماء بعلم الظاهر فى بعض الأوقات يقولون لاهل المحبة والمعرفة وارباب الطلب من دناءة هممهم ان أحدا منكم لا ينال درجة الوصول ومرتبة الوصال ويقسمون على ذلك ثم يقول الله لاصحاب الأعراف ادْخُلُوا الْجَنَّةَ المضافة الىّ فى حظائر القدس وعالم الجبروت لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ من الخروج منها وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ على ما فاتكم من نعيم الجنة إذ تفرغتم لشهود جمالنا ووجود وصالنا واعلم ان اهل النار يرون اهل الله وهم اصحاب الأعراف بالصورة ماداموا فى مواطن الكونين فاذا دخلوا جنة الحقيقة المضافة الى الله فى سرادقات العزة وعالم الجبروت انقطع عنهم نظرهم ونظر الملائكة المقربين فافهم جدا وقد حكى عن بابا جعفر الأبهري انه دخل على بابا طاهر الهمذاني فقال اين كنت فانى حضرت البارحة مع الخواص على باب الله فما رأيتك ثم قال بابا طاهر صدقت كنت على الباب مع الخواص وكنت داخلا مع الأخص فما رأيتنى فعلى السالك ان لا ينقطع عنهم وعن اعتقادهم وفى الحديث (لكل شىء مفتاح ومفتاح الجنة حب المساكين والفقراء الصبر هم جلساء الله يوم القيامة)
حب درويشان كليد جنت است ... دشمن ايشان سزاى لعنت است
: قال فى المثنوى فى حق حسن الظن بالفقراء
كر كدايان طامعند وزشت خو ... در شكم خوران تو صاحب دل بجو
در تك دريا كهر يا سنكهاست ... فخرها اندر ميان ننكهاست
ومن دعائه صلى الله عليه وسلم (اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني فى زمرة المساكين) وحقيقة المسكين من لا شىء له غير الله تعالى وهو اهل الله واصحاب الأعراف وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ بعد الاستقرار فى الدارين أَنْ مفسرة او مخففة كما سبق غير مرة أَفِيضُوا عَلَيْنا اى صبوا مِنَ الْماءِ اى ماء الجنة حتى يطفىء عنا حر ما نجد من العطش وذلك انهم لما بقوا فيها جياعا عطاشا قالو يا ربنا ان لنا قرابات فى الجنة فائذن لنا حتى نراهم ونكلمهم فيؤذن لهم فى ذلك فينظرون الى قراباتهم فى الجنة والى ما هم فيه من انواع النعيم فيعرفونهم ولا يعرفهم اهل الجنة لسواد وجوههم فينادون قراباتهم من اهل الجنة بعد اخبارهم بقرابتهم ويقولون أفيضوا علينا من الماء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ من سائر الاشربة ليلائم الافاضة(3/170)
الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)
فان الأصل فيها ان تستعمل فى المائعات من المشروبات او من الاطعمة فنأكلها لعلها تدفع عنا الجوع على ان الافاضة عبارة عن الإعطاء بكثرة قال ابو حيان الصحيح تضمين أفيضوا معنى القوا وهؤلاء القائلون كانوا فى الدنيا عبيد البطون حريصين على الطعام والشراب حتى ماتوا على ما عاشوا فيه فحشروا على ما ماتوا عليه وان اهل الجنة لما أطالوا الجوع والعطش فى الدنيا وانما جوعوا بطونهم لوليمة الفردوس كان اشتغالهم فى الجنة بشهوات النفس وفى الآية بيان ان الإنسان لا يستغنى عن الطعام والشراب وان كان فى العذاب قال ابو الجوزاء سألت ابن عباس رضى الله عنهما أي الصدقة أفضل قال الماء أرأيت اهل النار لما استغاثوا باهل الجنة قالوا أفيضوا علينا من الماء وعن سعد بن عبادة انه قال يا رسول الله ان أم سعد ماتت فأى صدقة أفضل قال عليه السلام (الماء) فحفر بئرا فقال عليه السلام (هذه لام سعد) يقول الفقير فى الحديث دلالة على نفع الصدقة فى الأموات كما ذهب اليه اهل السنة وتخصيص الماء اما لان ارض الحجاز أحوج شىء اليه فيكون اكثر ثوابا وإما لأن جهنم بيت الحرارة واندفاعها بضدها وهى البرودة التي من أوصاف الماء فان كل شىء يقابل بنقيضه والله اعلم قالُوا روى انه لا يؤذن لاهل الجنة فى الجواب مقدار أربعين سنة ثم يؤذن لهم فى جوابهم فيقولون إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ اى منع طعام الجنة وشرابها عنهم منع المحرم عن المكلف فلا سبيل الى ذلك قطعا وانما جعل شراب الكافرين الحميم الذي يصهر به ما فى بطونهم والجلود وطعامهم الضريع والزقوم الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ الذي أمروا بالتدين به وهو دين الإسلام لَهْواً وَلَعِباً ملعبة يتلاعبون به يحرمون ما شاؤا ويحلون ما شاؤا ولا يتبعون امر الله تعالى وانما يتبعون أهواءهم التي زينها الشيطان لهم وقيل كان دينهم دين إسماعيل عليه السلام فغيروه وتدينوا بما شاؤا او صرفوا همتهم فيما لا ينبغى ان تصرف اليه الهمم وطلبوا ان يفرحوا بما لا ينبغى ان يطلب وفى التفسير الفارسي دِينَهُمْ [عيد خود را لَهْواً وَلَعِباً مشغول وبازيچهـ ايشان در عيد خود بحوالى كعبه مى آمدند ودست ميزدند وبازيچهـ ميكردند] انتهى ويرخص اللعب فى يوم العيد بالسلاح والركض اى التسابق بالافراس والأرجل وغير ذلك مما هو مباح مشروع وكانوا يضربون فى القرن الاول بالدف ولكن لم يكن فيه جلاجل فما يفعلونه فى هذا الزمان وقت العيد والختان وعند اجتماع الاخوان من ضرب المزمار وضرب الدف الذي فيه جلاجل ونحوها هو آلة اللهو ليس بمرخص وقولهم ان فى ديننا فسخة انما هو بالنسبة الى الأمور المرخصة ألا يرى ان المزاج مباح إذا كان بما لا يخالف الشرع وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا بزخارفها العاجلة وطول الأمل ولذلك كانوا يستهزئون بالمسلمين كما روى فى الخبر ان أبا جهل بعث الى النبي عليه السلام رجلا يستهزئ به ان أطعمني من عنب جنتك او شيأ من الفواكه فقال أبو بكر رضى الله عنه ان الله حرمهما على الكافرين فعلى العاقل ان لا يغتر بالدنيا لانها غدارة مكارة
در ديده اعتبار خوابيست ... بر رهكذر أجل سرابيست
مشغول مشو بسرخ وزردش ... انديشه مكن ز كرم وسردش
سرمايه آفتست زنهار ... خود را ز فريب او نكهدار(3/171)
وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)
فَالْيَوْمَ اى يوم القيامة والفاء فصيحة نَنْساهُمْ نفعل بهم ما يفعل الناسي بالمنسي من عدم الاعتداد بهم وتركهم فى النار تركا كليا شبه معاملته تعالى مع الكفار بمعاملة من نسى عبده من الخير ولم يلتفت اليه والا فالله تعالى منزه عن حقيقة النسيان كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا فى محل النصب على انه نعت لمصدر محذوف اى ننساهم نسيانا مثل نسيانهم لقاء يومهم هذا فلم يخطروه ببالهم ولم يستعدوا له يعنى انه وان لم يصح وصفهم بنسيانه حقيقة لان النسيان يكون بعد المعرفة وهم لم يكونوا معترفين بلقاء يوم القيامة ومصدقين به لكنه شبه عدم اخطارهم لقاء الله تعالى ببالهم وعدم مبالاتهم به بحال من عرف شيأ ونسيه ومثل هذه الاستعارات كثير فى القرآن لان تفهيم المعاني الواقعة فى عالم الغيب انما يكون بان يعبر عنها بما يماثلها من عالم الشهادة وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ عطف على ما نسوا اى وكما كانوا منكرين بانها من عند الله إنكارا مستمرا فما مصدرية ويظهر ان الكاف فى كما للتعليل فان التشبيه غير ظاهر فى ما كانوا الا باعتبار لازمه وهو الترك وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ اى بيناه معانيه من العقائد والاحكام والمواعظ مفصلة والضمير للكفرة قاطبة والمراد بالكتاب الجنس او للمعاصرين منهم والكتاب هو القرآن عَلى عِلْمٍ حال من فاعل فصلناه اى عالمين بوجه تفصيله حتى جاء حكيما او من مفعوله اى مشتملا على حكم كثيرة هُدىً وَرَحْمَةً حال من هاء فصلناه اى حال كون ذلك الكتاب هاديا وذا رحمة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يصدقون انه من عند الله لانهم المنتفعون بآثار المقتبسون من أنواره هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ اى ما ينتظر هؤلاء الكفرة بعدم ايمانهم به الا ما يؤول اليه امره من تبين صدقه بظهور ما اخبر به من الوعد والوعيد يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ اى يوم يأتيهم عاقبة ما وعدوا فيه وهو يوم القيامة وشاهدوا إتيانه عيانا يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ اى تركوه ترك المنسى من قبل إتيان تأويله قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ الباء للتعدية او للملابسة اى ملتبسين به يعنى اعترفوا بان ما جاءهم الرسل به من حقية البعث والحساب والجزاء حق واضطروا الى ان يتمنوا أمرين أحدهما الخلاص من عذاب القبر بشفاعة الشفعاء كما قال فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا اليوم ويدفعوا عنا العذاب وثانيهما الرد الى الدنيا ليعملوا عملا صالحا كما قال أَوْ نُرَدُّ اى او هل نرد الى الدنيا فَنَعْمَلَ بالنصب على انه جواب الاستفهام الثاني غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ اى فى الدنيا يعنى نصدق الرسل ونعمل الأعمال الصالحة فبين الله تعالى ان الذي تمنوه لا يحصل لهم البتة حيث قال قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بصرف أعمارهم التي هى رأس ما لهم الى الكفر والمعاصي وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ اى ظهر بطلان ما كانوا يفترونه من ان الأصنام شركاء الله تعالى وشفعاؤهم يوم القيامة.
دى روز بدو دلم اميدى ميداشت ... امروز برفت ونااميدم بگذاشت
واعلم ان الكفار تمنوا الرد الى الدنيا ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه: قال فى المثنوى
قصه آن آبگيرست اى عنود ... كه دروسه ماهىء اشكرف بود
چند صيادى سوى آن آبگير ... بر كذشتند وبديدند آن ضمير(3/172)
بس شتابيدند تا دام آورند ... ماهيان واقف شدند وهوشمند
آنكه عاقل بود عزم راه كرد ... عزم راه مشكل نا خواه كرد
گفت با اينها ندارم مشورت ... كه يقين ستم كنند از مقدرت
مهر زاد وبود بر جانشان تند ... كاهلى وجهل شان بر من زنند
مشورت را زنده بايد نكو ... كه ترا زنده كند آن زنده كو
نيست وقت مشورت هين راه كن ... چون على تو آه اندر چاه كن
محرم آن راه كميابست وبس ... شب رو و پنهان روى كن چون عسس
سوى دريا عزم كن زين آب گير ... بحر جو وترك اين كرداب گير
سينه را پاساخت مى رفت آن حذور ... از مقام با خطر تا بحر نور
رنجها بسيار ديد وعاقبت ... رفت آخر سوى أمن وعافيت
خويشتن افكند در درياى ژرف ... كه نيابد حد آنرا هيچ طرف
پس چوصيادان بياوردند دام ... نيم عاقل را از ان شد تلخكام
گفت آه من فوت كردم وقت را ... چون نكشتم همره آن رهنما
بر گذشته حسرت آوردن خطاست ... باز نايد رفته ياد آن هباست
ليك زان ننديشم وبر خود زنم ... خويشتن را اين زمان مرده كنم
همچنان مرد وشكم بالا فكند ... آب مى بردش نشيب وكه بلند
هر يكى زان قاصدان بس غصه برد ... كه دريغا ماهىء مهتر بمرد
پس كرفتش يك صياد ارجمند ... بر سرش تف كرد وبر خاكش فكند
غلط غلطان رفت پنهان اندر آب ... ماند آن أحمق همى كرد اضطراب
از چب واز راست مى جست آن سليم ... تا كه بجهد خويش برهاند كليم
دام افكندند واندر دام ماند ... احمقى او را در ان آتش نشاند
بر سر آتش به پشت تابه ... با حماقت كشت او هم خوابه
او همى گفت از شكنجه وز بلا ... همچوجان كافران قالوا بلا
باز مى گفت او كه كر اين بار من ... وا رهم ز ين محنت كرددن شكن
من نسازم جز بدرياى وطن ... آبگيرى را نسازم من سكن
آب بيحد جويم وايمن شوم ... تا ابد در أمن ودر صحت مى روم
آن ندامت از نتيجه رنج بود ... نى ز عقل روشن چون گنج بود
ميكند او توبه و پير خرد ... بانك لو ردوا لعادوا مى زند
فعلى العاقل ان يتدارك حاله ولا يطول آماله قال الامام الغزالي قدس سره من زرع واجتهد وجمع بيد را ثم يقول أرجو ان يحصل لى منه مائة قفيز فذلك منه رجاء والآخر لا يزرع زرعا ولا يعمل يوما فذهب ونام واغفل سنته فاذا جاء وقت البيادر يقول أرجو ان يحصل لى مائة(3/173)
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)
قفيز فهو امنية بلا اصل فكذلك العبد إذا اجتهد فى عبادة الله تعالى والانتهاء عن معصية الله يقول أرجو ان يتقبل الله هذا اليسير ويتم هذا التقصير ويعظم الثواب ويعفو عن الزلل فهذا منه رجاء. واما إذا اغفل ذلك وترك الطاعات فارتكب المعاصي ولم يبال سخط الله ولا رضاه ووعده ووعيده ثم أخذ يقول انا أرجو من الجنة والنجاة من النار فذلك منه امنية لا حاصل تحتها ويبين هذا قوله عليه السلام (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والفاجر من يتبع نفسه هواها ويتمنى على الله عز وجل) قال بعضهم ان الغموم ثلاثة. غم الطاعة ان لا تقبل. وغم المعصية ان لا تغفر. وغم المعرفة ان لا تسلب قال يوسف بن أسباط دخلت على سفيان فبكى ليله اجمع فقلت بكاؤك هذا على الذنوب فحمل تبنا وقال الذنوب أهون على الله تعالى من هذا انما أخشى ان يسلبنى الله الإسلام فكل الرسل والابدال والأولياء مع كل هذا الاجتهاد فى الطاعة والحذر عن المعصية فأى شىء تقول اما كان لهم حسن الظن بالله قال بلى فانهم كانوا اعلم بسعة رحمة الله واحسن ظن بجوده منك ولكن علموا ان ذلك دون الاجتهاد امنية وغرور جعلنا الله وإياكم من العالمين بكتابه والواصلين الى جنابه دون من نسى الله واتبع هواه آمين آمين الف آمين إِنَّ رَبَّكُمُ الخطاب لكفار مكة المتخذين أربابا. والمعنى [بدرستى كه پروردگار شما] على التحقيق اللَّهُ [خداييست] جامع جميع صفات كمال الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لا على مثال سبق فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ اى فى ستة اوقات ولو شاء لخلقها فى اسرع من لحظة ولكنه علم عباده التأنى فى الأمور: وفى المثنوى
مكر شيطانست تعجيل وشتاب ... خوى رحمانست صبر واحتساب «1»
با تأنى كشت موجود از خدا ... تابشش روز اين زمين و چرخها «2»
ور نه قادر بود كز كن فيكون ... صد زمين و چرخ آوردى برون
اين تأنى از پى تعليم تست ... صبر كن در كار دير آي ودرست
قالوا لا يحسن التعجيل الا فى التوبة من الذنوب وقضاء الدين بعد انقضاء مدته وقرى الضيف وتزويج البكر بعد بلوغها ودفن الميت والغسل من الجنابة واعلم ان الله تعالى بالقادرية والخالقية أوجد السموات والأرض وبالمدبرية والحكيمية خلقها فى ستة ايام وانما حصر فى الستة انواع المخلوقات الستة. وهى الأرواح المجردة. والثاني الملكوتيات فمنها الملائكة والجن والشياطين وملكوت السموات ومنها العقول المفردة والمركبة. والثالث النفوس كنفوس الكواكب ونفس الإنسان ونفس الحيوان ونفس النبات والمعادن. والرابع الاجرام وهى البسائط العلوية من أجسام اللطيفة كالعرش والكرسي والسموات والجنة والنار. والخامس الأجسام المفردة وهى العناصر الاربعة. والسادس الأجسام المركبة الكثيفة من العناصر فعبر عن خلق كل منها بيوم والا فالايام الزمانية لم تكن قبل خلق السموات والأرض ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ
العرش يطلق على السرير الذي يجلس عليه الملوك وعلى كل ما علاك وأظل عليك وهو بهذين المعنيين مستحيل فى حقه تعالى فجعل الاستواء على العرش كناية عن نفس الملك والعز والسلطنة على طريق ذكر اللازم وارادة الملزوم فالمعنى بعد ان خلق الله عالم الملك
__________
(1) در اواسط دفتر پنجم در بيان بردن روباه خر را پيش شير.
(2) در اواخر دفتر سوم در بيان حيله دفع مغبون شدن در بيع وشرى.(3/174)
فى ستة ايام كما أراد استوى على الملك وتصرف فيه كيف شاء فحرك الافلاك وسير الكواكب وكور الليالى والأيام ودبر امر مصنوعاته على ما تقتضيه حكمته. وهذا معنى قول القاضي استوى امره اى استقر امر ربوبيته وجرى امره وتدبيره ونفذ قدرته فى مصنوعاته وتخصيص العرش لانه أعظم المخلوقات فانه الجسم المحيط بجميع الأجسام فالاستواء عليه استواء على ما عداه ايضا من الجنة والنار والسموات والعناصر وغيرها وفى التفسير الفارسي ثُمَّ اسْتَوى [پس قصد كرد على العرش بآفرينش عرش] قال الحدادي ويقال ثم هنا بمعنى الواو على طريق الجمع والعطف دون التراخي فان خلق العرش كان قبل خلق السموات والأرض وقد ورد فى الخبر (ان أول شىء خلق الله القلم ثم اللوح فامر الله القلم ان يكتب ما هو كائن الى يوم القيامة ثم خلق العرش ثم خلق حملة العرش ثم خلق السموات والأرض) قال شيخى العلامة أبقاه الله بالسلامة المراد بهذا الاستواء استواؤه سبحانه لكن لا باعتبار نفسه وذاته تعالى علوا كبيرا عما يقول الظالمون بل باعتبار امره الايجادى وتجليه التجلي الاحدى المعبر عنه فى القرآن بالحق واستواء الأمر الإرادي الايجادى على العرش بمنزلة استواء الأمر التكليفي الارشادى على الشرع فكما ان كل واحد من الامرين قلب الآخر وعكسه المستوي السوي فكذلك كل واحد من العرش والشرع قلب الآخر وعكسه السوي المستوي انتهى باختصار قال فى التأويلات النجمية لما أتم خلق المكونات من الأنواع الستة استوى على العرش بعد الفراغ من خلقها استواء التصرف فى العالم وما فيه التدبر فى أموره من العرش الى تحت الثرى وانما خص العرش بالاستواء لانه مبدأ الأجسام اللطيفة القابلة للفيض الرحمانى وهذا الاستواء صفة من صفات الله تعالى لا يشبه استواء المخلوقين كالعلم صفة من صفاته لا يشبه علم المخلوقين إذ ليس كمثله شىء وهو السميع العليم ولو أمعنت النظر فى خصوصية خلافتك الحق تعالى لعرفت نفسك فعرفت ربك وذلك ان الله تعالى لما أراد خلق شخصك من النطفة المودعة فى الرحم استعمل روحك بخلافته ليتصرف فى النطفة ايام الحمل فيجعلها عالما صغيرا مناسبا للعالم الكبير فيكون بدنه بمثابة الأرض ورأسه بمثابة السماء وقلبه بمثابة العرش وسره بمثابة الكرسي وهذا كله بتدبير الروح وتصرفه خلافة عن ربه ثم استوى الروح بعد فراغه من الشخص الكامل على عرش القلب استواء مكانيا بل استوى ليتصرف فى جميع اجزاء الشخص ويدبر أموره بافاضة فيضه على القلب فان القلب هو القابل لفيض الحق تعالى الى المخلوقات كلها كما ان القلب مغتنم فيض الروح الى القالب كله فاذا تأملت فى هذا المثال تأملا شافيا وجدته فى نفى الشبيه عن الصفات المنزهة المقدسة كافيا وتحققت حقيقة من عرف نفسه فقد عرف ربه ان شاء الله تعالى ثم انه تعالى لما ذكر استواءه على العرش واخبر بما اخبر من نفاذ امره واطراد تدبيره بين ذلك بطريق الاستئناف فقال يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ اى يجعل الليل غاشيا يغشى النهار بظلمته فيذهب بنور النهار ويغطيه بظلمة الليل ولم يذكر العكس اكتفاء بأحد الضدين وفيه اشارة الى ليل ظلمات النفس عند استيلاء صفاتها وغلبات هواها على نهار أنوار القلب والى نهار القلب عند غلبات أنواره واستيلاء المحبة عليه يَطْلُبُهُ حَثِيثاً حال من الليل اى يجعل الليل غاشيا للنهار حال كون الليل طالبا له اى لمجيئه(3/175)
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)
عقيب الليل سريعا وحثيثا منصوب على انه صفة مصدر محذوف اى يطلبه طلبا حثيثا اى سريعا ولما كان كل واحد من الليل والنهار يعقب الآخر ويجىء بعده من غير ان يفصل بينهما بشىء صار كأنه يطلب الآخر على منهاج واحد وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ عطف على السموات اى خلق كل هذه المخلوقات حال كونها مسخرات بقضائه وتصرفه اى مذللات لما يراد منها من الطلوع والأفول والحركات المقدرة والأحوال الطارئة عليها أَلا تنبيه معناه اعلموا لَهُ اى لله تعالى والتقديم للتخصيص الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ فانه الموجد للكل والمتصرف فيه على الإطلاق وفى التأويلات النجمية ما خلق بامره تعالى من غير واسطة امر وما خلق بواسطة خلق وذكر الامام ان العالم وهو ما سوى الله تعالى منحصر فى نوعين عالم الخلق وعالم الأمر وان المراد بعالم الخلق عالم الأجساد والجسمانيات وبعالم الأمر عالم الأرواح والمجردات وان قوله تعالى أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ اشارة الى هذين العالمين عبر عن العالم الاول بعالم الخلق لان الخلق عبارة عن التقدير وكل ما كان جسما او جسمانيا كان مخصوصا بمقدار معين فعبر عنه بعالم الخلق وكل ما كان مجردا عن الحجم والمقدار كان من عالم الأرواح ومن عالم الأمر مكونات بمجرد امر كن فخص كل واحد منهما باسم مناسب له وقيل ألا له الخلق والأمر انتهى كلام الامام وقال حضرة شيخنا العلامة أبقاه الله بالسلامة الخلق عالم العين والكون والحدوث روحا وجسما والأمر عالم العلم والآلة والوجوب وعالم الخلق تابع لعالم الأمر إذ هو أصله ومبدأه قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي والله غالب على امره تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ اى تعالى بالوحدانية فى الالوهية وتعظم بالتفرد فى الربوبية قال ابن الشيخ اى تعاظم الا له الواحد الموجد للكل المتصرف فيه بالربوبية رد به على الكفرة الذين كانوا يتخذون أربابا فدعاهم الى التوحيد بالحكمة والحجة وصدر الآية بان ردا لانكارهم فقال ان ربكم المستحق للربوبية ليس الا واحدا وهو الله الموجد للكل على الترتيب المحكم المتقن الدال على كمال العلم والحكمة والقدرة وهو الذي انشأ ملكه على ما يشاهد ثم أخذ فى تدبيره كالملك المتمكن فى مملكته بتدبير ملكه انتهى- يروى- ان الصاحب ابن عباد كان يتردد فى معنى الرقيم وتبارك والمتاع ويدور على قبائل العرب فسمع امرأة تسأل اين المتاع ويجيب ابنها الصغير بقوله جاء الرقيم اى الكلب وأخذ المتاع وتبارك الجبال فاستفسر منهم وعرف ان الرقيم هو الكلب وان المتاع هو ما يبل بالماء فيمسح به القصاع وان تبارك بمعنى صعد وتعالى وفى الحديث (من لم يحمد الله على عمل صالح وحمد نفسه فقد كفر وحبط عمله ومن زعم ان الله خلق للعباد من الأمر سببا فقد كفر بما انزل الله على أنبيائه) لقوله تعالى أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ قال الشاعر
الى الله كل الأمر فى خلقه معا ... وليس الى المخلوق شىء من الأمر
ادْعُوا رَبَّكُمْ بمعنى المربى من التربية وهى تبليغ الشيء الى كماله شيأ فشيأ وهو تعالى مربى الظواهر بالنعمة وهى النفوس ومربى البواطن بالرحمة وهى القلوب ومربى نفوس العابدين باحكام الشريعة ومربى قلوب المشتاقين بآداب الطريقة ومربى اسرار المحبين بانوار الحقيقة وهو اى الرب اسم الله الأعظم ولذلك كل اسم قلبته بطل معناه الا الرب فان مقلوبه البر(3/176)
وهو من أسمائه تعالى واليه يشير ما روى عن الخضر عليه السلام انه قال الاسم الأعظم ما دعا به كل نبى وولى وعدو أشار الى انه مقدمة دعوات الأنبياء نحو رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا الآية ونحوه والصحابة نحو رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا الآيات والأعداء نحو رب أَنْظِرْنِي رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً التضرع [زارى كردن] كذا فى تاج المصادر يقال ضرع الرجل يضرع ضراعة من باب فتح اى خضع وذل وهما حالان من فاعل ادعوا اى متضرعين متذللين مخفين الدعاء ليكون اقرب الى الاجابة لكون الإخفاء دليل الإخلاص والاحتراز على الرياء- روى- عن الصحابة رضى الله عنهم انهم كانوا فى غزوة فاشرفوا على واد فجعلوا يكبرون ويهللون رافعى أصواتهم فقال عليه السلام لهم (اربعوا على أنفسكم فانكم لا تدعون أصم ولا غائبا انكم تدعون سميعا
بصيرا قريبا وانه لمعكم) اى بالعلم والإحاطة وفى الحديث استحباب الإخفاء فى ذكر الله لكن ذكر شارح الكشاف ان هذا بحسب المقام والشيخ المرشد قد يأمر المبتدى برفع الصوت لينقلع عن قلبه الخواطر الراسخة فيه كذا فى شرح المشارق لابن الملك قال حسين الكاشفى فى الرسالة العلية [اى درويش قومى كه كمين كاه نفس را ديدند ودانستند ذكر بجهر كفتن مناسب نديدند كه بريا انجامد ومخفى بذكر مشغول شدند وقول حق تعالى را كه] وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً [كار بستند وجمعى كه بمرتبه اخلاص رسيدند وباطن خود را از ريا پاك يافتند ذكر را بجهر گفتند وهر يكى را ازين دو طائفه بر عمل خود دلائل است] : وفى المثنوى
كفت ادعوا الله بي زارى مباش ... تا بيايد فيضهاى دوست فاش «1»
تا سقاهم ربهم آيد خطاب ... تشنه باش الله اعلم بالصواب «2»
وعن عمر رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه فى الدعاء لا يردهما حتى يمسح بهما وجهه وذلك ليصل شىء من البركة الفائضة على اليد الى الوجه كما قال تعالى سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ وذلك المسح فى الحقيقة رجوع الى الحقيقة الجامعة فان الوجه هو الذات كما قال فى الاسرار المحمدية ان الإنسان حال دعائه متوجه الى الله تعالى بظاهره وباطنه ولذا يشترط حضور القلب فيه وصحة الاستحضار فسر الرفع والمسح ان اليد الواحدة مترجمة عن توجهه بظاهره واليد الاخرى عن توجهه بباطنه واللسان مترجم عن جملته ومسح الوجه هو التبرك والتنبيه على الرجوع الى الحقيقة الجامعة بين الروح والبدن لان وجه الشيء حقيقته والوجه الظاهر مظهرها وقال ايضا السنة للداعى فى طلب الحاجة له ان ينشرهما يعنى كفيه الى السماء وللمكروب ان ينصب ذراعيه حتى يقابل بكفيه وجهه وإذا دعا على أحد ان يقلب كفيه ويجعل ظهرهما الى السماء والسنة ان يخرج يديه حين الدعاء من كميه قال سلطان العارفين ابو يزيد البسطامي دعوت الله ليلة فاخرجت احدى يدى والاخرى ما قدرت على إخراجهما من شدة البرد فنمت فرأيت فى منامى ان يدى الظاهرة مملوءة نورا والاخرى فارغة فقلت ولم ذاك يا رب فنوديت اليد التي خرجت للطلب ملأناها والتي توارت حرمناها ورفع الأيدي الى السماء والنظر إليها وقت الدعاء بمنزلة ان يشير سائل
__________
(1) در اواخر دفتر دوم در بيان حكايت آن مرد ابله كه مغرور بود بر تملق خرس.
(2) در اواخر دفتر سوم در بيان آنكه حق تعالى هر چهـ داد وآفريد إلخ.(3/177)
وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)
الى الخزانة السلطانية ثم يطلب من السلطان ان يفيض عليه سجال العطاء من هذه الخزانة قال تعالى وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ فالسماء قبلة الدعاء ومحل نزول البركات والأفضل ان يبسط كفيه ويكون بينهما فرجة وان قلت ولا يضع احدى يديه على الاخرى فان كان وقت عذر او برد فاشار بالمسبحة قام مقام بسط كفيه. والمستحب ان يرفع يديه عند الدعاء بحذاء صدره كذا روى ابن عباس رضى الله عنهما فعل النبي عليه السلام كذا فى القنية إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ اى المجاوزين ما أمروا به فى الدعاء وغيره نبه به على ان الداعي ينبغى ان لا يطلب ما لا يليق كرتبة الأنبياء والصعود الى السماء وقيل هو الصياح فى الدعاء والإسهاب فيه وعن النبي صلى الله عليه وسلم (سيكون قوم يعتدون فى الدعاء وحب المرء ان يقول اللهم انى اسألك الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول وعمل ثم قرأ انه لا يحب المعتدين) فاللائق للداعى ان يدعو باهمّ الأمور وهو الفوز بالجنة والنجاة من النار كما قال النبي عليه السلام للاعرابى الذي قال انى اسأل الله الجنة وأعوذ به من النار انى لا اعرف دندنتك ولا دندنة معاذ وقال (حولهما ندندن) ومعناه انى لا اعرف ما تقول أنت ومعاذ يعنى من الاذكار والدعوات المطولة ولكنى اختصر على هذا المقدار فاسأل الله الجنة وأعوذ به من النار ومعنى قوله عليه السلام (حولهما ندندن) ان القصد بهذا الذكر الطويل الفوز بهذا الاجر الجزيل وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بالكفر والمعاصي بَعْدَ إِصْلاحِها ببعث الأنبياء وشرع الاحكام قال الحدادي وقيل معناه لا تعصوا فى الأرض فيمسك المطر عنها ويهلك الحرث بمعاصيكم وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً مصدران فى موقع الحال اى خائفين من الرد لقصور أعمالكم وعدم استحقاقكم وطامعين فى اجابته تفضلا وإحسانا لفرط رحمته إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ
وتذكير قريب مع انه مسند الى ضمير الرحمة لتأويل الرحمة بالرحم فان الرحم بضم الراء بمعنى الرحمة قال الله تعالى وَأَقْرَبَ رُحْماً قال الكسائي أراد ان إتيان رحمة الله قريب كقوله وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً اى لعل إتيانها والمعنى ان رحمة الله قريب من الداعين بلسان ذاكر شاكر وقلب حاضر طاهر وترجيح للطمع وتغليب لجانب الرحمة وتنبيه على وسيلة الاجابة اعنى الإحسان المفسر (بان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك) وفى الحديث (ادعوا الله وأنتم موقنون بالاجابة) يعنى ليكن الداعي ربه على يقين بان الله يجيب لان رد الدعاء اما للعجز فى اجابته او لعدم كرم فى المدعو او لعدم علم المدعو بدعاء الداعي وهذه الأشياء منتفية عن الله تعالى فانه عالم كريم قادر لا مانع له من الاجابة قال سهل ما اظهر عبد فقره الى الله تعالى فى وقت الدعاء فى شىء يحل به الا قال الله تعالى للملائكته لولا انه لا يحتمل كلامى لأجبته لبيك- وحكى- ان موسى عليه السلام مرّ برجل يدعو ويتضرع فقال موسى لو كانت حاجته بيدي لقضيتها فاوحى الله تعالى اليه انا ارحم به منك ولكنه يدعونى وله غنم وقلبه فى غنمه وانا لا اقبل دعوة عبد قلبه عند غيرى فذكر ذلك للرجل فتوجه الى الله بقلبه فقضيت حاجته فيلزم حضور القلب وحسن الظن بالله فى اجابة الدعاء- وحكى- عن بعض البله وهو فى طواف الوداع انه قال له رجل وهو يمازحه(3/178)
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)
هل أخذت من الله براءتك من النار فقال الأبله لا وهل أخذ الناس ذلك فقال نعم فبكى ذلك الأبله ودخل الحجر وتعلق بأستار الكعبة وجعل يبكى ويطلب من الله ان يعطيه كتابه بعتقه من النار فجعل أصحابه والناس يلومونه ويعرفونه ان فلانا مزح معك وهو لا يصدقهم بل بقي مستقرا على حاله فبينا هو كذلك إذ سقطت عليه ورقة من جهة الميزاب فيها مكتوب عتقه من النار فسرّ بها وأوقف الناس عليها وكان من آية ذلك الكتاب ان يقرأ من كل ناحية على السواء لا يتغير كلما قلبت الورقة انقلبت الكتابة لا نقلابها فعلم الناس انه من عند الله. قيل دعاء العامة بالأقوال. ودعاء الزاهدين بالافعال. ودعاء العارفين بالأحوال وإذا وفق الله عبدا الى نطق بامر ما فما وفقه اليه الا وقد أراد اجابته فيه وقضاء حاجته وعدم الدعاء بكشف الضر مذموم عند اهل الطريقة لانه كالمقاومة مع الله ودعوى التحمل لمشاقه كما قال الشيخ المحقق ابن الفارض قدس سره
ويحسن اظهار التجلد للعدى ... ويقبح غير العجز عند الاحبة
قال الحافظ
فقير وخسته بدرگاهت آمدم رحمى ... كه جز دعاى توام نيست هيچ دست آويز
[ودر مناجات شيخ الإسلام است كه خدايا اگر وفاداران بتو اميد دارند جفاكاران نيز بغير تو پناهى ندارند] والاشارة ان التضرع ما يطلع عليه الخلق والخفية ما يطلع عليه الحق اى تضرعا بالجوارح وخفية بالقلوب والاعتداء فى الدعاء طلب الغير منه والرضى بما سواه ولا تفسدوا فى الأرض اى فى ارض القلوب بعد إصلاحها اى بعد ان أصلحها الله برفع الوسائط بينه وبين القلوب فان فساد القلوب فى رؤية غير الحق وصلاحها فى رؤية الحق ويقال من إفساد القلوب بعد إصلاحها إرسالها فى اودية المنى بعد إمساكها عن متابعة الهوى ومن ذلك الرجوع الى الحظوظ بعد القيام بالحقوق وادعوه خوفا من الانقطاع وطمعا فى الاصطناع ان رحمة الله وهى بذل المتمنى قريب من المحسنين الذين يرون الله فى الطاعات اى يعبدونه طمعا فيه لامنه كذا فى التأويلات النجمية وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ كل ما كان فى القرآن من ذكر الرياح فهو للرحمة وما كان من ذكر الريح فهو للعذاب ويدل عليه انه عليه الصلاة والسلام كان يجثو على ركبتيه عند هبوب الرياح ويقول (اللهم اجعلها لنا رياحا ولا تحعلها ريحا اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك) وفى الحديث (لا تسبوا الريح فاذا رأيتم ما تكرهون فقولوا اللهم انا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به) قال بعض المشايخ لا تعتمد على الريح فى استواء السفينة وسيرها وهذا شرك فى توحيد الافعال وجهل بحقائق الأمور ومن انكشف له امر العالم كما هو عليه يعلم ان الريح لا تتحرك بنفسها بل لها محرك والمحرك له محرك الى ان ينتهى الى المحرك الاول الذي لا محرك له ولا يتحرك هو فى نفسه ايضا بل هو منزه عن ذلك وعما يضاهيه سبحانه بُشْراً تخفيف بشر بضمتين جمع بشير نحو رغيف ورغف اى مبشرات بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ اى قدام رحمته التي هى المطر فان الصبا تثير السحاب والشمال تجمعه والجنوب تدرّه والدبور(3/179)
تفرقه. الصبا ريح تهب من موضع طلوع الشمس عند استواء الليل والنهار. والدبور ريح تقابل الصبا اى تهب من موضع غروب الشمس. والشمال بالفتح الريح التي تهب من ناحية القطب والجنوب الريح التي تقابل الشمال والجنوب تدر السحاب اى تستحلبه قال ابن عباس رضى الله عنهما يرسل الله الرياح فتحمل السحاب فتمريه كما يمرى الرجل الناقة والشاة حتى تدر وفى الآية اطلاق الرحمة على المطر فقول من قال انى أفر من الرحمة محمول على المطر حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ غاية لقوله يرسل سَحاباً اى حملته ورفعته باليسر والسهولة بان وجدته خفيفا قليلا يقال أقللت كذا اى حملته بالسهولة ومن حمل الشيء بسهولة لا شك انه يعده قليلا فلذلك اشتق هذا الفعل من القلة ثِقالًا جمع ثقيل اى بالماء جمعه مع كونه وصفا للسحاب لان السحاب اسم جنس يصح إطلاقه على سحابة واحدة وما فوقها فيكون بمعنى الجمع اى السحائب والسحاب هو الغيم الجاري فى السماء سُقْناهُ من
السوق والضمير للسحاب والافراد باعتبار اللفط والمعنى بالفارسية [برانيم ما آن ابر را] لِبَلَدٍ مَيِّتٍ اى لاحياء بلد لا نبات فيه والبلد يطلق على كل موضع من الأرض سواء كان عامرا اى ذا عمارة او غير عامر خاليا او مسكونا والطائفة منها بلدة والجمع بلاد فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ اى بالبلد والباء للالصاق اى التصق إنزال الماء بالبلد فَأَخْرَجْنا بِهِ اى بسبب ذلك الماء مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ اى من كل أنواعها والظاهر ان الاستغراق عرفى كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى الاشارة فيه الى إخراج الثمرات او الى احياء البلد الميت اى كما نحييه باحداث القوة النباتية فيه وتطريته بانواع النبات والثمرات نخرج الموتى من الاجداس ونحييها برد النفوس الى مواد أبدانها بعد جمعها وتطريتها بالقوى والحواس لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ بطرح احدى التاءين اى تتذكرون فتعلمون ان من قدر على هذا من غير شبهة قال ابن عباس وابو هريرة إذا مات الناس كلهم فى النفخة الاولى مطرت السماء أربعين يوما قبل النفخة الاخيرة مثل منى الرجال فينبتون من قبورهم بذلك المطر كما ينبتون فى بطون أمهاتهم وكما ينبت الزرع من الماء حتى إذا استكملت أجسادهم نفخ فيها الروح ثم يلقى عليهم نومة فينامون فى قبورهم فاذا نفخ فى الصور النفخة الثانية وهى نفخة البعث جاشوا وخرجوا من قبورهم وهم يجدون طعم النوم فى رؤسهم كما يجده النائم إذا استيقظ من نومه فعند ذلك يقولون من بعثنا من مرقدنا فيناديهم المنادى هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون والاشارة فى الآية ان الرياح رياح العناية والسحاب سحاب الهداية والماء ماء المحبة فيخرج الله تعالى بهذا الماء سمرات المشاهدات والمكاشفات وانواع الكمالات كذلك نخرج الموتى اى موتى القلوب من قبور الصدور لعلكم تذكرون اى تذكرون ايام حياتكم دون حياض الانس ورياض القرب عند حظائر القدس واعلم ان العمدة هى العناية الازلية وهى تصل الى العباد فى الخلا والملا- حكى- انه قيل لولى من اولياء الله تعالى اذهب الى دار الشرك فان فيها صديقا فكان ذلك لولى يقدر على الاختفاء فذهب الى دار المشركين فاسره مشرك وباعه لخادم كنيسة فخدم فيها زمانا بالصدق فجاء السلطان يوما الى الكنيسة فخلاها ثم صلى فاستتر الولي ثم ظهر للسلطان فقال من أنت قال مسلم مثلك وقيل للولى(3/180)
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)
هو الصديق ثم سأل الولي ذلك السلطان الصديق عن حاله فقال فى احسن الأحوال وارغد عيش آكل الرزق الحلال واعبد خالصا عن الرياء واقتل الكفار وأعين المسلمين بحيث لو كنت سلطانهم ما قدرت ثم خرج من الكنيسة وقعد عند بابها فسأل عنى البطارقة والرهبان والخدام ثم قتل الكل وقال تتكبرون عن خدمة بيت الرب بانفسكم وتستخدمون غير اهل الملة ثم خلى سبيلى وفى هذه الحكاية اشارة الى ان الله تعالى إذا أراد أهلك العدو بأدنى سبب من حيث لا يحتسب فان له الطافا خفية: قال الحافظ
تيغى كه آسمانش از فيض خود دهد آب ... تنها جهان بگيرد بي منت سپاهى
وقال ايضا
دلا طمع مبر از لطف بي نهايت دوست ... كه ميرسد همه را لطف بي نهايت او
فنظر اهل التوحيد وارباب البصيرة الى المؤثر الحقيقي والفيض الأزلي لا الى الخلق والوسائط والأسباب نسأل الله تعالى ان يجعلنا من الذين فازوا بالسعادة الابدية والعناية السرمدية ويسلك بنا مسلك الحقيقة والطريقة الاحمدية انه هو البر الرحيم وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ اى الأرض الكريمة التربة وفى التفسير الفارسي [وزمين پاك از سنك وريك كه شايسته وصالح زراعت باشد] يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ بمشيئته وتيسيره ما اذن الله فى خروجه لا يكون الا احسن اكثر عزيز النفع وَالَّذِي خَبُثَ والبلد الذي خبث ترابه كالحرة والسبخة الحرة ارض ذات حجارة سود كأنها أحرقت بالنار والسبخة الأرض المالحة التي لا تنبت شيأ لا يَخْرُجُ نباته فى حال من الأحوال إِلَّا فى حال كونه نَكِداً قليلا عديم النفع فهو مستثنى مفرغ من أعم الأحوال. والنكد بكسر الكاف القليل الخير الممتنع عن إفادة النفع على جهة البخل والضنة والمصدر النكد بفتحتين يقال نكد عيشهم بكسر الكاف ينكد بالفتح نكدا إذا اشتد عيشهم وضاق كَذلِكَ اى مثل ذلك التصريف البديع نُصَرِّفُ الْآياتِ نرددها ونكررها لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ نعمة الله فيتفكرون فيها ويعتبرون بها وتخصيصهم بالذكر لانهم المنتفعون بها كقوله تعالى هُدىً لِلْمُتَّقِينَ والآية مثل لارسال الرسل عليهم السلام بالشرائع التي هى ماء حياة القلوب الى المكلفين المنقسمين الى المقتبسين من أنوارها والمحرومين من مغانم آثارها وفى التفسير الفارسي [هرگاه كه باران مواعظ از سحاب كلام رب الأرباب بر دل مؤمن بارد أنوار طاعات وعبادات بر جوارح او ظاهر كردد چون كافر استماع سخن كند زمين دلش تخم نصحيت قبول نكند ازو هيچ صفت كه بكار آيد در ظهور نيايد] : قال السعدي قدس سره
زمين شوره سنبل بر نيارد ... در وتخم عمل ضايع مكردان
وقال الحافظ قدس سره
كوهر پاك بيايد كه شود قابل فيض ... ور نه هر سنك وكلى لؤلؤ ومرجان نشود
وعن عبد الله بن مهران قال حج الرشيد فوافى الكوفة فاقام بها أياما ثم امر بالرحيل فخرج الناس وخرج بهلول المجنون فيمن خرج فجلس بالكناسة والصبيان يؤذونه ويولعون به(3/181)
لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64)
إذ أقبلت هوادج هارون فكف صبيان عن الولوع به فلما جاء هارون نادى بأعلى صوته يا امير المؤمنين يا امير المؤمنين فكشف هارون السجاف بيده وقال لبيك يا بهلول فقال يا امير المؤمنين حدثنا ايمن بن نائل عن قدامة بن عبد الله العامري قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمضى على جمل وتحته رحل رث فلم يكن ضرب ولا طرد ولا إليك إليك وتواضعك فى سفرك هذا يا امير المؤمنين خير لك من تكبرك فبكى هارون حتى سقطت الدموع على الأرض وقال يا بهلول زدنا يرحمك الله فقال
هب انك قد ملكت الأرض طرا ... وان لك العباد فكان ماذا
أليس غدا مصيرك جوف قبر ... ويحثو الترب هذا ثم هذا
فبكى هارون ثم قال أحسنت يا بهلول هل غيره قال نعم يا امير المؤمنين رجل آتاه الله مالا وجمالا فانفق فى ماله وعف فى جماله كتب فى خالص ديوان الله من الأبرار فقال أحسنت يا بهلول ثم امر له بجائزة فقال اردد الجائزة الى من أخذتها منه فلا حاجة لى فيها قال يا بهلول ان يكن عليك دين قضيناه قال يا امير المؤمنين لا يقضى دين بدين اردد الحق الى اهله واقض دين نفسك يا امير المؤمنين من نفسك قال يا بهلول فنجرى عليك ما يكفيك فرفع بهلول رأسه الى السماء ثم قال يا امير المؤمنين انا وأنت من عيال الله تعالى فمحال ان يذكرك وينسانى فاسبل هارون السجاف ومضى والمقصود من هذه الحكاية بيان استماع هارون الحق وقبوله وذلك لانه كان كالمكان الزاكي وقلبه حيا بالحياة الطيبة فلذا لم يخرج منه الا الأخلاق الحميدة واما ارض النفس الامارة التي هى البلد الخبيث فلا يخرج منها الا الأخلاق الذميمة والافعال الرديئة فمن كان قلبه حيا بنور الله انعكس نور قلبه على نفسه فتنورت النفس فتبدلت أوصافها باوصاف القلب وتلاشت ظلمتها بنور القلب فيطمئن الى ذكر الله وطاعته كما هو من أوصاف القلوب وان كان القلب ميتا والنفس حية فظلمات صفات النفس تطل على القلب وتبدل صفاته بصفاتها عند استيلاء صفاتها عليه فيحصل اطمئنانه بالدنيا وما فيها نسأل الله تعالى ان يجعل اطمئناننا الى ذكره وفكره وشكره ويجعلنا من الذين يعرفون قدر نعمة الله وحق المنعم لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ جواب قسم محذوف تقديره والله لقد أرسلنا نوحا وهو ابن لملك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس النبي بن يرد بن مهلابيل بن قينان بن انوش بن آدم عليهم السلام ونوح أول نبى بعد إدريس بعد شيث وكان نوح نجارا بعثه الله الى قومه على رأس أربعين سنة وكان عمره الفا ومائتين وأربعين سنة وفى التفسير الفارسي إِلى قَوْمِهِ [بسوى قوم او كه اكثر أولاد قابيل بودند وبت مى پرستيدند] وذلك ان قابيل لما قتل أخاه هابيل طرده آدم فسكن مع أولاده واتباعه فى اليمن وهو أول من عبد الصنم فَقالَ اى نوح يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحده فان العبادة بالاشراك ليس من العبادة فى شىء ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ اى من مستحق للعبادة وغيره بالرفع صفة لا له باعتبار محله الذي هو الرفع على الابتداء ومن زائدة فى المبتدأ والخبر لكم إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ اى ان لم تعبدوه حسبما أمرت به وهو بيان للداعى الى عبادته عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ اى عذاب يوم القيامة او يوم الطوفان قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ(3/182)
قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64)
استئناف اى الرؤساء من قومه والاشراف الذين يملأون صدور المحافل باجرامهم والقلوب بجلالهم وهيبتهم والابصار بجمالهم وبهجتهم إِنَّا لَنَراكَ يا نوح فِي ضَلالٍ ذهاب عن طريق الحق والصواب لمخالفتك لنا والرؤية قلبية مُبِينٍ بين كونه ضلالا قالَ استئناف ايضا يا قَوْمِ ناداهم باضافتهم اليه استمالة لقلوبهم نحو الحق لَيْسَ بِي الباء للملابسة او للظرفية ضَلالَةٌ بالغ فى النفي حيث نفى عن نفسه ملابسة ضلالة واحدة اى ليس بي شىء من افراد الضلال وجزئياته فضلا عن ان يكون بي ضلال عظيم بين كما بالغوا فى الإثبات حيث جعلوه مستقرا فى الضلال الواضح كونه ضلالا وَلكِنِّي رَسُولٌ اى رسول كائن مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ فمن لابتداء الغاية مجازا والرسالة يلزمها الهدى التام الغير القابل للضلال فاستدرك الملزوم ليكون كالبرهان على استدراك اللازم كأنه قال ولكنى على هدى كامل فى الغاية لانى رسول من رب العالمين أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي الرسالة صفة واحدة قائمة بذات الرسول متعلقة بالاضافة الى المرسل والمرسل اليه الا انها جمعت نظرا الى تعددها بحسب تنوع معانيها كالعقائد والمواعظ والاحكام او لان المراد بها ما اوحى اليه والى الأنبياء قبله كصحف شيث وهى خمسون صحيفة وصحف إدريس وهى ثلاثون صحيفة وَأَنْصَحُ لَكُمْ زيادة اللام مع تعدى النصح بنفسه يقال نصحتك للدلالة على إمحاض النصح لهم وانها لمنفعتهم ومصلحتهم خاصة فانه رب نصيحة ينتفع بها الناصح ايضا وليس الأمر هاهنا كذلك والفرق بين تبليغ الرسالة وتقرير النصيحة ان تبليغ الرسالة معناه ان يعرف انواع تكاليف الله وأحكامه والنصيحة المراد بها الترغيب فى الطاعة والتحذير من المعاصي والإرشاد الى ما فيه مصالح المعاد قال الحدادي النصح إخراج الغش من القول والفعل وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ اى اعلم من قدرته القاهرة وبطشه الشديد على أعدائه وان بأسه لا يرد عن القوم المجرمين ما لا تعلمونه قيل كانوا لم يسمعوا بقوم حل بهم العذاب قبلهم فكانوا غافلين آمنين لا يعلمون ما علمه نوح عليه السلام بالوحى أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ الهمزة للانكار والواو للعطف على مقدر اى استبعدتم وعجبتم من ان جاءكم وحي او موعظة من مالك أموركم ومربيكم عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ اى على لسان رجل من جنسكم فانهم كانوا يتعجبون من إرسال البشر ويقولون لا مناسبة بينه تعالى وبين البشر من حيث انه تعالى فى غاية التقدس والتنزه والبشر فى غاية التعلق والتكدر فانكر عليهم نوح عليه السلام لانه لا سبيل الى ان يكلف الله البشر بنفسه من غير واسطة لان حجاب العظمة والكبرياء يمنع من ان يتحقق بينهم الفيض والاستفاضة فتعين ان يكون التكليف بان يرسل بشرا ذا جهتين يستفيض من عالم الغيب بجهة تجرده وصفاء روحانيته ويفيض لبنى نوعه بجهة مشاركته لهم فى الحقيقة النوعية لِيُنْذِرَكُمْ علة للمجىء اى ليحذركم عاقبة الكفر والمعاصي وَلِتَتَّقُوا منها بسبب الانذار وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ اى ولتتعلق بكم الرحمة بسبب تقواكم وفائدة حرف الترجي التنبيه على عزة المطلب وان التقوى غير موجبة للرحمة بل هى منوطة بفضل الله تعالى وان المتقى ينبغى ان لا يعتمد على تقواه ولا يأمن من عذاب الله تعالى فَكَذَّبُوهُ(3/183)
واستمروا على ذلك فى هذه المدة المتطاولة إذ هو الذي يعقبه الانجاء والإغراق لا مجرد التكذيب- روى- ان نوحا عليه السلام دعا بهلاك قومه فامره الله تعالى بصنع الفلك فلما تم دخل فيه مع المؤمنين فارسل الله الطوفان وأغرق الكفار وأنجى نوحا مع المؤمنين فذلك قوله تعالى فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ من المؤمنين وكانوا أربعين رجلا وأربعين امرأة فِي الْفُلْكِ متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الظرف اى والذين استقروا معه فى الفلك وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا اى استمروا على تكذيبها وليس المراد بهم الملأ المتصدين للجواب فقط بل كل من أصر على التكذيب منهم ومن أعقابهم. وتقديم ذكر الانجاء على الإغراق للايذان بسبق الرحمة التي هى مقتضى الذات وتقدمها على الغضب الذي يظهر اثره بمقتضى جرائمهم إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ أصله عميين جمع عم أصله عمى على وزن خضر فأعل كاعلال قاض قال اهل اللغة يقال رجل عم فى البصيرة وأعمى فى البصر والمعنى عمين قلوبهم عن معرفة التوحيد والنبوة والمعاد غير مستبصرين وهذا العمى مانع عن رؤية الآيات ومشاهدة البينات: قال الحافظ
جمال يار ندارد نقاب و پرده ولى ... غبار ره بنشان تا نظر توانى كرد
بخلاف
أعمى البصر إذا كان مستعدا للنظر فانه كم من أعمى قادر على الرؤية من حيث الحقيقة: قال الصائب
دل چوبيناست چهـ غم ديده اگر نابيناست ... خانه آيينه را روشنى از روزن نيست
وفى الآية اشارة الى نوح الروح الذي أرسله الله الى قومه ببلاد القالب وهو القلب وصفاته والنفس وصفاتها ومن صفة الروح العبودية والطاعة ودعوة القلب والنفس وصفاتهما الى الله وعبوديته ومن صفات النفس وشأنها تكذيب الروح ومخالفته والإباء عن قبول نصحه والروح يحذر قومه من عبادة الدنيا وزينتها لئلا يحرموا من مساعدة الرحمة فكذبه قومه من النفس وصفاتها فانجينا الروح من ظلمات النفس وتمردها والذين معه وهم القلب وصفاته الذين قبلوا دعوة نوح الرسول وركبوا معه فى الفلك وهو فلك الشريعة والدين فاغرقنا الذين كذبوا بآياتنا اى النفس وصفاتها فى بحر الدنيا وشهواتها انهم كانوا قوما عمين عن رؤية الله والوصول اليه هذه حال الأنفس والآفاق وأهليهما ولو أصغوا الى داعى الحق واجتنبوا عما ارتكبوا لنجوا كما حكى ان الشيخ بقا رضى الله عنه كان يوما جالسا على شط نهر الملك فمرت به سفينة فيها جند ومعهم خمر وفواكه ونساء متبرجات وصبيان ومغانى وهم فى غاية من اللهو والطغيان فقال الشيخ بقا للملاح اتق الله وقدم الى الله فلم يلتفتوا الى كلامه فقال ايها النهر المسخر خذا الفجرة فنما الماء عليهم حتى طلع الى السفينة فاشرفوا على الغرق فصاحوا بالشيخ وأعلنوا بالتوبة فعاد الماء الى حاله وحسنت توبتهم وكانوا بعد ذلك يكثرون من زيارته: قال الحافظ
امروز قدر پند عزيزان شناختم ... يا رب روان ناصح ما از تو شاد باد
فعلى العاقل ان يقبل النصيحة ممن فوقه ودونه فان النصيحة سهلة والمشكل قبولها ونعم ما قال السعدي قدس سره(3/184)
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70)
مرد بايد كه كيرد اندر كوش ... ور نوشت است پند بر ديوار
اللهم اجعلنا ممن قبل دعوتك ودخل جنتك وَإِلى عادٍ اى وأرسلنا الى عاد وهم قوم من اهل اليمن وكان اسم ملكهم عادا فنسبوا اليه وهو عاد بن ارم بن سام بن نوح أَخاهُمْ اى واحدا منهم فى النسب لا فى الدين كقولهم يا أخا العرب هُوداً عطف بيان لأخاهم وهو هود بن عبد الله بن رياح بن خلود بن عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح وانما جعل الرسول من تلك القبيلة لانهم أفهم لكلامه واعرف بحاله فى صدقه وأمانته واقرب الى اتباعه قالَ استئناف وفى التفسير الفارسي [قبيله عاد مردم تن آور وبلند بالا بودند واز ايشان در تمام روى زمين در ان زمان قبيله عظيمه نبود ومردم بسيار بودند ومال فراوان داشتند وعمر در پرستش بت مى كذرانيدند حق سبحانه وتعالى هود را بديشان فرستاد پس هود بميان قبيله آمد وايشانرا بحق دعوت كرد] قال يا قَوْمِ (اى قوم من) اعْبُدُوا اللَّهَ وحده ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ غيره بالرفع صفة لا له باعتبار محله وهو الابتداء ومن زائدة فى المبتدأ ولكم خبره أَفَلا تَتَّقُونَ الهمزة للانكار والفاء للعطف على مقدر اى ألا تتفكرون فلا تتقون عذاب الله تعالى قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ استئناف كما مر وانما وصف الملأ بالكفر إذ لم يكن كلهم على الكفر كملأ قوم نوح بل كان منهم من آمن به عليه السلام كمرثد بن سعد وكتم إيمانه ولم يظهر الا عند مجيىء وقد عاد الى مكة يستغيثون كما سيجيئ قال
عصت عاد رسولهمو فأمسوا ... عطاشا ما تبلهم السماء
لهم صنم يقال له صمود ... يقابله صداء والبهاء
فبصرنا الرسول سبيل رشد ... فأبصرنا الهدى وجلى العماء
وان اله هود هو الهى ... على الله التوكل والرجاء
والملأ اشراف القوم وهو فى الأصل بمعنى الجماعة إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ اى متمكنا فى خفة عقل راسخا فيها حيث فارقت دين آبائك. والسفاهة فى اللغة خفة الحلم والرأى وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ اى فيما ادعيت من الرسالة وفيه اشارة الى ان قلوب قوم هود وسخة خبيثة كقلوب قوم نوح لم يخرج منها الخبث الا نكدا فلما أراد هود عليه السلام ان يبذر فيها بذر التوحيد والمعرفة ولم تكن صالحة وقلما خرج منها إلا نبت التسفيه والتكذيب سلكوا طريق سلفهم وإخوانهم وصنعوا مثل حالتهم: وفى المثنوى
در زمين كر نى شكر ور خود نى است ... باز كويد با تو انواع نبات
زانكه خاك اين زمين بإثبات ... ترجمان هر زمين نبت وى است
قالَ اى هود عليه السلام سالكا طريق حسن المجادلة مع ما سمع منهم من الكلمة الشنعاء الموجبة لتغليظ القول والمشافهة بالسوء وهكذا ينبغى لكل ناصح يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ اى شىء منها ولا شائبة من شوائبها والباء للملابسة او للظرفية وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ اى لكنى فى غاية الرشد والصدق لانى رسول رب العالمين فالاستدراك باعتبار ما يلزمه وهو كونه فى(3/185)
أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70)
الغاية القصوى من الرشد والصدق. والرشد هو الاهتداء لمصالح الدين والدنيا وهو انما يكون بالعقل التام أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ معروف بالنصح والامانة مشهور بين الناس بذلك قد سبق فى القصة المقدمة سرّ جمع الرسالات ومعنى النصح والفرق بين تبليغ الرسالة وتقرير النصيحة وفى قوله وانا لكم ناصح أمين تنبيه على انهم عرفوه بالأمرين لان الجملة الحالية انما يؤتى بها لبيان هيئة ذى الحال والشيء لا يوصف الا بما يعلم المخاطب اتصافه به أو لأن فى جعل ذكر متعلق النصح والامانة من قبل المهجور دلالة على انه أوحدي فيه موجد للحقيقتين كأنه صناعته أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ اى استبعدتم وعجبتم من ان جاءكم وحي من مالك أموركم ومربيكم عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ اى على لسان رجل من جنسكم لِيُنْذِرَكُمْ ويحذركم عاقبة ما أنتم عليه من الكفر والمعاصي فمن فرط الجهالة وغاية الغباوة عجبوا من كون رجل رسولا ولم يتعجبوا من كون الصنم شريكا وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ شروع فى بيان ترتيب احكام النصح والامانة والانذار وتفصيلها وإذ منصوب باذكروا على المفعولية دون الظرفية اى اذكروا وقت استخلافكم قال صاحب الفرائد يشكل هذا بقولهم إذ وإذا وقوعهما ظرفين لازم وأجيب بان باب الاتساع واسع قال المولى ابو السعود ولعله معطوف على مقدر كأن قيل لا تعجبوا من ذلك وتدبروا فى أموركم واذكروا وقت جعله تعالى إياكم خلفاء مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ اى فى مساكنهم او فى الأرض بان جعلكم ملوكا فان شداد بن عاد ممن ملك معمورة الأرض من رمل عالج الى شحر عمان قال فى التأويلات النجمية جعل الله الخلق بعضهم خلفاء عن بعض وجعل الكل خلفاء فى الأرض ولا يفنى جنسا منهم الا اقام قوما خلفاء عنهم من ذلك الجنس فاهل الغفلة إذا انقرضوا اخلف عنهم قوما واهل الوصلة إذا انقرضوا ودرجوا اخلف عنهم قوما وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ اى فى الإبداع والتصوير بالفارسي [وبيفزود شما] او فى الناس بَصْطَةً قامة وقوة فانه لم يكن فى زمانهم مثلهم فى عظم الاجرام كانت قامة الطويل منهم مائة ذراع وقامة الصغير ستين ذراعا قال وهب كان رأس أحدهم كالقبة العظيمة وكان عين أحدهم يفرخ فيها السباع وكذلك مناخرهم والاشارة كما ان الله تعالى زاد قوما على من تقدمهم فى بسطة الخلق زاد قوما على من تقدمهم فى بسطة الخلق فكما أوقع التفاوت بين شخص وشخص فيما يعود الى المبانى أوقع التباين بين قوم وقوم فيما يرجع الى المعاني قال الفرزدق
وقد تلتقى الأسماء فى الناس والكنى ... كثيرا ولكن فرقوا فى الخلائق
جمع الخليقة وهى الطبيعة وفى هذا المعنى قال الخاقاني
نى همه يك رنك دارد در نيستانها وليك ... از يكى نى قند خيزد وز دگر نى بوريا
فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ جمع الى بمعنى النعمة وهو تعميم بعد تخصيص لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ لكى يؤديكم ذلك اى ذكر النعم الى الشكر المؤدى الى النجاة من الكروب والفوز بالمطلوب ولما لم يبق للقوم جواب الا التمسك بالتقليد قالُوا مجيبين عن تلك النصائح الجليلة أَجِئْتَنا يا هود لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ اى لنخصه بالعبادة وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا(3/186)
قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72) وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75)
اى نترك الآلهة التي كان آباؤنا يعبدونها ومعنى المجيء فى أجئتنا اما المجيء من مكان اعتزل عن قومه يعبد فيه ربه كما كان يعبد رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء فلما اوحى اليه جاء قومه يدعوهم واما من السماء كمجىء الملك منها استهزاء به عليه السلام لانهم كانوا يعتقدون ان الله تعالى لا يرسل الا الملك واما القصد على المجاز وهو ان يكون مرادهم بالمجيء مجرد قصد الفعل ومباشرته كأنهم قالوا أتريد منا ان نعبد الله وحده وتقصد ان تكلفنا بذلك كما يقال ذهب يشتمنى من غير ارادة معنى الذهاب فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب المدلول عليه بقوله تعالى أَفَلا تَتَّقُونَ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ اى فى الاخبار بنزول العذاب قالَ هود عليه السلام قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ اى قد وجب فيكون مجازا من باب اطلاق المسبب على السبب فان نزول العذاب عليهم مسبب عن وجوب نزوله فى علمه تعالى مِنْ رَبِّكُمْ اى من جهته تعالى رِجْسٌ عقاب من الارتجاس الذي هو الاضطراب وَغَضَبٌ ارادة انتقام أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ عارية عن السمى جعل المجادل فيه اسماء مجردة عن المسميات لانهم كانوا يسمون الأصنام آلهة ويزعمون كونهم مستحقين للعبادة والحال انهم بمعزل عن الالوهية واستحقاق العبادة سَمَّيْتُمُوها اى سميتم بها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ اى حجة وبرهان فى عبادتها قوله سميتموها صفة للاسماء وكذا قوله ما انزل الله وقوله من سلطان مفعول انزل ومن مزيدة والمعنى أتجادلونني فى مسميات لها اسم بدون ما يليق بها وتوجه الذم للتسمية الصرفة الخالية عن المعنى فلا يلزم ان يكون الاسم هو المسمى قال فى التفسير الفارسي [فى اسماء در كار اين نامها يعنى اين بتان كه هر يك را نامى نهاده آيد بعضى را سائقه مى كفتند وكمان ايشان آن بود كه باران از ايشان مى بارد وبعضى را حافظه مى خواندند بمظنه آنكه نگهبان در سفر ايشانند وهمچنين رازقه وسالمه واين ألفاظ اسما بودند بي مسما چهـ أصنام را كه جمادات بودند قدرت برينها نبوده پس هود عليه السلام فرموده كه شما جدال ميكنيد بدين چيزها كه از روى جهالت شما نام نهاده آيد ايشانرا] فَانْتَظِرُوا مترتب على قوله تعالى قد وقع عليكم اى فانتظروا ما تطلبونه بقولكم فائتنا بما تعدنا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ لما يحل بكم من العذاب فَأَنْجَيْناهُ الفاء فصيحة كما فى قوله تعالى فَانْفَجَرَتْ اى فوقع فأنجينا هودا وَالَّذِينَ مَعَهُ اى فى الدين بِرَحْمَةٍ مِنَّا اى برحمة عظيمة كائنة من جهتنا عليهم وفيه اشارة ان هودا مع رتبته فى النبوة ودرجته فى الرسالة انما نجا برحمة من الله هو والذين آمنوا معه ليعلم ان النجاة لا تكون باستحقاق العمل وانما تكون ابتداء فضل من الله ورحمة فما نجا الا بفضل الحق سبحانه وَقَطَعْنا دابِرَ القوم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا اى استأصلناهم اى أهلكناهم جميعا بان قطعنا عرقهم وأصلهم لان دابر الشيء آخره فقطع دابر القوم إهلاكهم من أولهم الى آخرهم وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ عطف على كذبوا داخل معه فى حكم الصلة اى أصروا على الكفر والتكذيب ولم يرعوا عن ذلك أبدا وفيه تنبيه على ان مناط النجاة هو الايمان بالله تعالى وتصديق آياته كما ان مدار البوار هو الكفر والتكذيب وقصتهم ان عادا كانوا يسكنون اليمن بالأحقاف وهى رمال يقال رمل عالج ودهمان ومرين ما بين عمان الى حضر موت وكانوا قد فشوا فى الأرض(3/187)
وقهروا أهلها بقوتهم التي أعطاها الله إياهم وكانت لهم أصنام يعبدونها صداء وصمود والهباء فبعث الله إليهم هودا نبيا من أوسطهم فى النسب وأفضلهم فى الحسب فامرهم ان يوحدوا الله ولا يعبدوا غيره وان يكفروا عن ظلم الناس فابوا عليه وكذبوه وقالوا من أشد منا قوة وازدادوا عتوا وتجبرا فامسك الله عنهم القطر ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك وكان الناس إذا نزل بهم بلاء وجهد مضوا الى البيت الحرام بمكة مسلمهم وكافرهم وسألوا الله الفرج وكان اهل مكة يومئذ العماليق أولاد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح وكان رئيس العماليق يومئذ بمكة رجلا يقال له معاوية بن بكر وكانت امه من عاد فلما قحط المطر من عاد وجهدوا قالوا جهزوا منكم وفدا الى مكة يستسقوا فجهزوا قيل بن عتر ومرثد بن سعد فى سبعين رجلا
فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر وهو فى خارج مكة فانزلهم وأكرمهم وكانوا أخواله واصهاره فاقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان وهما قينتان لمعاوية اسم إحداهما وردة واسم الاخرى جرادة فغلبت جرادة على وردة فسميتا جرادتين فلما رأى معاوية طول مقامهم وقد بعثهم قومهم يتغوثون من البلاء الذي أصابهم شق ذلك عليه وقال قد هلك أخوالي واصهارى جهدا وعطشا وهؤلاء مقيمون عندى والله ما أدرى كيف اصنع بهم استحيى ان آمرهم بالخروج الى حاجتهم فيظنون ان ذلك لثقل مقامهم على فشكا ذلك الى قينتيه الجرادتين فقالتا قل شعرا نغنيهم به لا يدرون من قاله لعل ذلك يخرجهم فقال معاوية
الا يا قيل ويحك قم فهينم ... لعل الله يسقينا غماما
فيسقى ارض عاد ان عادا ... قد أمسوا ما يبينون الكلاما
من العطش الشديد فليس ترجو ... به الشيخ الكبير ولا الغلاما
وقد كانت نساؤهمو بخير ... فقد امست نساؤهمو أيامي
وان الوحش تأتيهم جهنارا ... فلا تخشى لعادى سهاما
وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم ... نهاركمو وليلكمو التماما
فقبح وفدكم من وفد قوم ... ولا لقوا التحية والسلاما
فلما غنتهم الجرادتان بهذا قال بعضهم لبعض يا قوم لقد أبطأتم على أصحابكم فقوموا وادخلوا الحرم واستسقوا لقومكم فقال لهم مرثد والله لا تسقون بدعائكم ولكن ان أطعتم نبيكم هودا وتبتم الى الله سقيتم واظهر إسلامه فقالوا لمعاوية احبس عنا مرثدا لا يقدمن معنا مكة فانه قد اتبع دين هود وترك ديننا ثم دخلوا مكة فقام قيل يستسقى فى المسجد وقال اللهم انى لم أجئ لمريض فاداويه ولا لاسير فافاديه اللهم اسقنا فانا قد هلكنا اللهم اسق عادا ما كنت تسقيهم وقال القوم اللهم أعط قيلا ما يسألك واجعل سؤلنا مع سؤله فانشأ الله تعالى سحابات ثلاثا بيضاء وحمراء وسوداء ثم ناداه مناد من السماء يا قيل اختر لنفسك ولقومك من هذا السحاب ما شئت فقال اخترت السوداء فانها اكثر السحاب ماء فنودى اخترت دمارا رمدا لا يبقى من آل عاد ولدا ولا شيوخا الا فصاروا همدا ثم ساق الله السحابة السوداء التي اختارها قيل بما فيها من النقمة والبلاء الى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث فلما رأوها(3/188)
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)
فرحوا وقالوا هذا عارض ممطرنا يقول الله تعالى بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم تدمر كل شىء بامر ربها اى كل شىء مرت به فجاءتهم من تلك السحابة ريح عقيم سخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما اى دائما فكانت الريح تحمل الظعن ما بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة وكانوا قد حفروا لارجلهم فى الأرض وغيبوها الى ركبهم فجعلت الريح تدخل أقدامهم وترفع كل اثنين وتضرب بأحدهما الآخر فى الهواء ثم تلقيهما فى الوادي والباقون ينظرون حتى رفعتهم كلهم ثم رمت بالتراب عليهم فكان يسمع أنينهم من تحت التراب فاعتزل هود ومن معه من المؤمنين فى حظيرة فما كان يصيبهم من الريح إلا ما يلين جلودهم وتلذ به أنفسهم قالوا ولما أراد الله إرسال الريح العقيم الى عاد اوحى الى الريح ان تخرج الى عادفتنتقم منهم فخرجت على قدر منخر ثور حتى رجفت الأرض ما بين المشرق والمغرب فقالت الخزان يا رب لن نطيقها ولو خرجت على حالها لاهلكت ما بين مشارق الأرض ومغاربها فاوحى الله تعالى اخرجى على قدر خرق الخاتم فخرجت على قدر ذلك قال السدى فلما بعث الريح إليهم ودنت منهم نظروا الى الإبل والرحال تطير بهم الريح بين السماء والأرض فتبادروا الى البيوت فاخرجتهم الريح من البيوت حتى أهلكتهم على ما ذكر وسبب هلاك الإبل وغيرها من الحيوانات اتصالها بملك اهل الغضب والبلية إذا نزلت فانما تنزل عامة ولله تعالى حكم ومصالح جليلة فى كل ما يحكم ويريد ولما نجا هود ومن معه من المؤمنين أتوا مكة فعبدوا الله فيها الى ان ماتوا وهكذا فعل كل نبى هلك قومه ونجا هو مع المؤمنين قال بعضهم بين الركن والمقام وزمزم تسعة وتسعون نبيا وان قبر هود وشعيب وصالح وإسماعيل فى تلك البقعة وسبب الهجرة ان ارض اهل الكفر والمعاصي قد حل فيها غضب الله وذهب خيرها فاقتضى كمال الخشية من جلال الله تعالى الرحلة الى دار الامان كما قال تعالى وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً مع ان امكنة العبادات على طبقات مختلفة متفاوتة فى مراتب الثواب فعمل واحد بمكة خير من الف عمل فى غيرها إذ هى محل أنفاس الأنبياء ونفوسهم ومحط رحال الأولياء ورؤسهم كما ان حال الازمنة كذلك فطوبى لعبد هاجر من ارض اهل البدعة والهوى ونزل بأرض اهل السنة والهدى لان نظر الله تعالى على اهل الخير والصلاح واما من اخلد الى ارضه مع جمود أهلها وخمود نار محبتها لمجرد غرض دنيوى من المعاش وغيره فهو ممن اهبطه الله الى ارض طبيعته وزحزحه عن جنته وأراد خسرانه فى تجارته والا فالمهتدى الى سبيل السلام لا يقيم مع الضالين مع وضوح البرهان التام
سعديا حب وطن كرچهـ حديث است صحيح ... نتوان مرد بسختى كه من اينجا زادم
يقول الفقير اللهم انى هاجرت من ارض اهل البغي والفساد واخترت سلوك طريق اهل الرشاد فانتقلت من ديار الروم الى ما يلحق بأرضك المقدسة اعنى بروسة المحروسة اللهم ثبت قدمى فى طريقك الحق فانا الحقي أرشدني الى ما فى الهجرة من السر المطلق آمين يا معين وَإِلى ثَمُودَ اى أرسلنا الى ثمود وهى قبيلة من العرب سموا باسم أبيهم الأكبر ثمود بن عاد بن ارم ابن سام بن نوح وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام الى وادي القرى وثمود فى كتاب(3/189)
الله مصروف وغير مصروف قال الله تعالى أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ فمن صرفه جعله اسما للحى ومن لم يصرفه جعله اسما للقبيلة أَخاهُمْ من حيث النسب كهود عليه السلام كما تقدم صالِحاً عطف بيان لاخاهم وهو صالح بن عبيد بن آسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر ابن ثمود قالَ استئناف يا قَوْمِ بحذف ياء المتكلم اعْبُدُوا اللَّهَ وحده ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ فيه اشارة الى ان الله تعالى وان غاير بين الرسل من حيث الشرائع الا انه جمع بينهم فى التوحيد حيث سلك كل واحد منهم فى الدعوة مسلك الآخر فقال نوح وهود وصالح يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره- روى- انه لما هلكت عاد عمرت ثمود بلادها وخلفوهم فى الأرض وكثروا فى خصب وسعة فعتوا على الله وأفسدوا فى الأرض وعبدوا الأصنام فبعث الله
إليهم صالحا وكانوا قوما عربا وصالح من أوسطهم نسبا فدعاهم الى الله تعالى حتى شمط وكبر فلم ينبعه الا قليل منهم مستضعفون فحذرهم وانذرهم فسألوه آية تكون مصداقا لقوله فقال أية آية تريدون قالوا تخرج معنا الى عيدنا فى يوم معلوم لهم من السنة فتدعو إلهك وندعو الهتنا فان استجيب لك اتبعناك وان استجيب لنا اتبعتنا فقال صالح نعم فخرج معهم ودعوا أوثانهم وسألوا الاستجابة فلم تجبهم الى سؤلهم ولم يظهر اثم الانجاح فاقتضحوا ثم قال سيدهم جندع ابن عمرو وأشار الى صخرة منفردة فى ناحية الجبل يقال لها الكاتبة اخرج لنا من هذه الصخرة ناقة مخدجة على خلقة الجمل فى الجسامة وغلظة العظام والقوائم شبيهة بالبختى جوفاء وبراء عشراء فان فعلت صدقناك وأجبناك فاخذ عليهم صالح مواثيقهم لئن فعلت ذلك لتؤمنن ولتصدقن قالوا نعم فصلى ركعتين ودعا ربه فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا لا يعلم ما بين جنبيها الا الله وهم ينظرون ثم نتجت ولدا مثلها فى العظم فآمن به جندع ورهط من قومه ومنع الباقين من الايمان ذواب بن عمرو والجباب صاحب أوثانهم ورباب كاهنهم
يكى بنور عنايت ره هدايت يافت ... يكى بوادي خذلان بماند سر كردان
يكى بوسوسه ديو رفت سوى سقر ... يكى ز پيروى حق كرفت ملك جنان
فمكشت الناقة مع ولدها فى ارض ثمود ترعى الشجر وتشرب الماء فبعد ظهور هذه المعجزة قال لهم صالح قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ اى آية ومعجزة ظاهرة وشاهدة بنبوتي مِنْ رَبِّكُمْ متعلق بجاءتكم او بمحذوف هو صفة لبينة قال المولى ابو السعود وليس هذا الكلام منه عليه السلام أول ما خاطبهم اثر دعوتهم الى التوحيد بل انما قاله بعد ما نصحهم وذكرهم بنعم الله فلم يقبلوا كلامه وكذبوه ألا يرى الى ما فى سورة هود من قوله تعالى هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها الى آخر الآيات هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً استئناف كأنه قيل ما هذه البينة فقال هذه ناقة الله انبهكم عليها او أشير إليها فى حال كونها آية وعلامة دالة على صحة نبوتى واضافة الناقة الى الاسم الجليل لتعظيمها كما يقال بيت الله او لمجيئها من جهته تعالى بلا اسباب معهودة ووسائط معتادة يعنى كانت بالتكوين من غير اجتماع ذكر وأنثى ولم تكن فى صلب ولا رحم ولم يكن للخلق فيها سعى ولكم بيان لمن هى آية له وخصوا بذلك لانهم هم الذين طلبوها(3/190)
وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75)
وينتفعون بها لو تركوا العناد وطلبوا الاهتداء بالدليل والبرهان فَذَرُوها تفريع على كونها آية من آيات الله تعالى فان ذلك مما يوجب عدم التعرض لها اى دعوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ جواب الأمر اى الناقة الله والأرض فاتركوها ترتع ما ترتع فى ارض الحجر من العشب فليس لكم ان تحولوا بينها وبينها وعدم التعرض للشرب للاكتفاء عنه بذكر الاكل وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ الباء للملابسة اى لا تمسوها ملتبسين بسوء ولا تتعرضوا لها بشىء مما يسوءها أصلا من قتل او ضرب او مكروه إكراما لآية الله تعالى والسوء اسم جامع لانواع الأذى ويجوز ان تكون الباء للتعدية والمعنى بالفارسية [ومرسانيد بوى هيچ بدى] وفيه مبالغة حيث نهى عن المس الذي هو مقدمة الاصابة فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ جواب للنهى قال فى التفسير الفارسي [استحقاق عذاب نه بواسطه ضرر ناقه است بلكه با قامت ايشان بر كفر بعد از شهود معجزه وعقر ناقه دليل عتو ايشانست در كفر] والاشارة ان المعجزة للعوام ان يخرج لهم من حجارة الصخرة ناقة عشراء والمعجزة للخواص ان يخرج لهم من حجارة القلب ناقة السر بسقب سر السر وهو الخفي وناقة الله التي تحمل امانة معرفته وتعطى ساكنى بلد القالب من القوى والحواس لبن الواردات الالهية فذروها تأكل فى ارض الله اى ترقع فى رياض القدس وتشرب فى حياض الانس ولا تمسوها بسوء مخالفات الشريعة ومعارضات الطريقة فيأخذكم عذاب اليم بالانقطاع عن مواصلات الحقيقة وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ اى اذكروا وقت جعله تعالى إياكم خلفاء فى ارض الحجر او خلفاء لقوم عاد من بعد إهلاكهم فنصب إذ على المفعولية كما سبق فى القصة المتقدمة وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ اى أنزلكم فى ارض الحجر بالفارسي [جاى داد شما را] قال ابو السعود اى جعل لكم مباءة ومنزلا فى ارض الحجر بين الحجاز والشام تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً استئناف مبين لكيفية التبوئة اى تبنون فى سهولها قصورا رفيعه على ان من بمعنى فى كما فى قوله تعالى إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ او سهولة الأرض بما تعملون منها من اللبن والآجر وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ اى الصخور والنحت نجر الشيء الصلب وانتصاب الجبال على المفعولية بُيُوتاً حال مقدرة من الجبال كما تقول خط هذا الثوب قميصا قيل كانوا يسكنون السهول فى الصيف والجبال فى الشتاء وقيل انهم لطول أعمارهم كانوا يحتاجون الى ان ينحتوا من الجبال بيوتا لان السقوف والابنية كانت تبلى قبل فناء أعمارهم فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ اى احفظوا نعم الله عليكم فان حق آلائه تعالى ان تشكر ولا يغفل عنها وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ العثى أشد الفساد فقيل لهم لا تتمادوا فى الفساد حال كونكم مفسدين فالمراد بهذه الحال تعريفهم بانهم على الفساد لا تقييد العامل والا لكان مفهومه مفيدا معنى تمادوا فى الفساد حال كونكم مصلحين وهذا غير جائز وقيل انما قيد به لما ان العثى فى الأصل مطلق التعدي وان غلب فى الفساد فقد يكون فى غير الفساد كما فى مقابلة غير الظالم الظالم المتعدى بفعله وقد يكون فيه صلاح راجح كقتل الخضر عليه السلام للغلام وخرقه السفينة فيكون التقييد بالحال تقييدا للعام بالخاص قالَ استئناف الْمَلَأُ اى الاشراف والرؤساء الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ اى تعظموا عن الايمان به لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا(3/191)
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80)
اللام للتبليغ اى للذين استضعفوهم واستذلوهم لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بدل من الذين استضعفوا بدل الكل والضمير للقوم أَتَعْلَمُونَ [آيا شما ميدانيد] أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالوه بطريق الاستهزاء بهم قالُوا اى المؤمنون المستضعفون إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ من التوحيد والعبادة مُؤْمِنُونَ عدلوا عن الجواب الموافق لسؤالهم بان يقولوا نعم او نعلم انه مرسل منه تعالى تنبيها على ان إرساله امر معلوم مقرر عندهم حيث أوردوه صلة للموصول ومن المعلوم ان الصلة لا بد ان تكون جملة معلومة الانتساب الى ذات الموصول فكأنهم قالوا لا كلام فى إرساله لانه اظهر من ان يشك فيه عاقل ويخفى على ذى رأى لما اتى به من هذا المعجز العظيم الخارق وانما الكلام فى الايمان به فنحن مؤمنون به فهذا الجواب من اسلوب الحكيم وهو تلقى المخاطب بغير ما يترقب قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ عدلوا عن الجواب المطابق وهو انا بما أرسل به كافرون لدلالته على ان إرساله معلوم مسلم عندهم كما دل عليه قول المؤمنين فكأنهم قالوا ليس إرساله معلوما لنا مسلما عندنا وليس هناك إلا دعواه وايمانكم به ونحن بما آمنتم به كافرون فالمؤمنون فرعوا ايمانهم على الإرسال الثابت والكفار فرّعوا كفرهم على ايمان المؤمنين واعلم ان الله تعالى ذم الكفار بوجهين أحدهما الاستكبار وهو رفع النفس فوق قدرها وجحود الحق والآخر انهم استضعوا من كان يجب ان يعظموه ويبجلوه ومدح المؤمنين حيث ثبتوا على الحق وأظهروه مع ضعفهم عن مقاومة الكفار كما دل عليه قوله إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ اى نحروها وبالفارسي [پس پى كردند وبكشتند ناقه را] أسند العقر الى الكل مع ان المباشر بعضهم للملابسة أو لأن ذلك كان برضاهم فكأنه فعله كلهم- روى- ان الناقة كانت ترد الماء غبا فاذا كان يومها وضعت رأسها فى البئر فما ترفعه حتى تشرب كل ما فيها لا تدع قطرة واحدة ثم تتفحج فيحبلون ما شاؤا حتى تمتلىء أوانيهم كلها فيشربون ويدخرون ثم تصدر من أعلى الفج الذي وردت منه لانها لا تقدر ان تصدر من حيث ترد لضيقه قال ابو موسى الأشعري أتيت ارض ثمود فذرعت مصدر الناقة فوجدته ستين ذراعا وكانوا إذا جاء يومهم وردوا الماء فيشربون ويسقون مواشيهم ويدخرون من الماء ما يكفيهم اليوم الثاني وكانت الناقة إذا وقع الحر تصيفت بظهر الوادي فيهرب منها أنعامهم الى بطنه وإذا وقع البرد تشتت ببطن الوادي فيهرب منه مواشيهم الى ظهره فشق ذلك عليهم وزينت عقرها لهم امرأتان عنيزة أم غنم وصدقة بنت المختار لما أضرت به من مواشيهما وكانتا كثيرتى المواشي قال الحدادي كان فى ثمود امرأة يقال لها صدوق كانت جميلة الخلق غنية ذات ابل وبقر وغنم وكانت من أشد الناس عداوة لصالح وكانت تحب عقر الناقة لاجل انها أضرت بمواشيها فطلبت ابن عم لها يقال له مصدع بن دهر وجعلت له نفسها ان عقر الناقة فاجابها الى ذلك ثم طلبت قدار بن سالف وكان رجلا احمر ازرق قصيرا يزعمون انه ولد زنى ولكنه ولد على فراش سالف فقالت يا قدار أزوجك أي بناتي شئت على ان تعقر الناقة وكان منيعا فى قومه فاجابها ايضا فانطلق قدار ومصدع فاستعووا عواة ثمود فاتاهم تسعة رهط فاجتمعوا على عقر الناقة فاوحى الله تعالى الى صالح ان قومك سيعقرون الناقة فقال لهم(3/192)
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)
صالح بذلك فقالوا ما كنا لنفعل ثم تقاسموا بالله لنبيتنه واهله وقالوا نخرج فيرى الناس انا قد خرجنا الى سفر فنأتى الغار فنكون فيه حتى إذا كان الليل وخرج صالح الى مسجده قتلناه ثم رجعنا الى الغار فكنا فيه فاذا رجعنا قلنا ما شهدنا مهلك اهله وانا لصادقون اى يعلمون انا خرجنا فى سفر لنا وكان صالح لا ينام فى القرية وكان له مسجد خارج القرية يقال له مسجد صالح يبيت فيه فاذا أصبح أتاهم فوعظهم وإذا امسى خرج الى المسجد فانطلقوا ودخلوا الغار فلما كان الليل سقط عليهم الغار فقتلهم فلما أصبحوا رآهم رجل فصاح فى القرية فقال ما رضى صالح حتى قتلهم فاجتمع اهل القرية على عقر الناقة وقال ابن اسحق انما اجتمع التسعة الذين عقروا الناقة فقالوا هلموا لنقتل صالحا فان كان صالح صادقا منعنا قتله وان كان كذبا الحقناه بناقته فاتوا ليلا فبيتوه فى اهله فدمغتهم الملائكة بالحجارة وقال بعضهم انطلق قدار ومصدع وأصحابهما التسعة فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء وقد كمن لها مصدع فى اصل صخرة اخرى فمرت على مصدع فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها ثم خرج قدار فعقرها بالسيف فخرت ترغو ثم طعنها فى لبتها ونحرها وخرج اهل البلد واقتسموا لحمها فلما رآها سقبها كذلك رقى جبلا اسمه قارة فرغا ثلاثا ودموعه تنحدر حتى اتى الصخرة التي خلق منها فانفتحت فدخلها فذلك قوله تعالى فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ اى استكبروا عن امتثاله وهو ما بلغهم صالح من الأمر بقوله فذروها ومن النهى بقوله ولا تمسوها او استكبروا عن اتباع امر الله وهو شرعه ودينه ويجوز ان يكون المعنى صدر عتوهم عن امر ربهم كان امر ربهم بترك الناقة كان هو السبب فى عتوهم ونجوا من هذه كما فى قوله وما فعلته عن امرى كذا فى الكشاف وَقالُوا مخاطبين له عليه السلام بطريق التعجيز والافحام يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب على قتل الناقة إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فان كونك من جملتهم يستدعى صدق ما تقول من الوعد والوعيد فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ اى الزلزلة الشديدة لكن لا اثر ما قالوا بل بعد ما جرى عليهم ما جرى من مبادى العذاب فى الأيام الثلاثة كما سيجيئ ورد فى حكاية هذه القصة فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ وفى موضع فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ وفى موضع فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ ولا تناقض لان الرجفة مترتبة على الصيحة لانه لما صيح بهم رجفت قلوبهم فماتوا فجاز ان يسند الإهلاك الى كل واحدة منهما وقال الحدادي فأخذتهم الزلزلة ثم صيحة جبريل وفى التفسير الفارسي [پس فرا كرفت ايشانرا بسبب كشتن ناقه زلزله بعد از سفيدن صيحه عظيم] واما قوله بالطاغية فالباء فيها سببية والطاغية مصدر بمعنى الطغيان كالعاقبة والتاء للمبالغة كما فى علامة ومعناه اهلكوا بسبب طغيانهم فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ اى صاروا فى أراضيهم وبلدهم او فى مساكنهم جاثِمِينَ اى خامدين موتى لاحراك بهم واصل الجثوم البروك يقال الناس جثوم اى قعود لاحراك بهم قال ابو عبيدة الجثوم للناس والطير والبروك للابل والمراد كونهم كذلك عند ابتداء نزول العذاب بهم من غير اضطراب وحركية كما يكون عند الموت المعتاد ولا يخفى ما فيه من شدة الاخذ وسرعة البطش اللهم انا بك نعوذ من نزول سخطك وحلول غضبك قيل حيث ذكرت(3/193)
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)
الرجفة وحدت الدار وحيث ذكرت الصيحة جمعت لان الصيحة كانت من السماء فبلوغها اكثر وابلغ من الزلزلة فقرن كل منهما بما هو أليق به- روى- انهم لما عقروا الناقة هرب ولدها الى جبل فرغا ثلاثا وكان صالح قال لهم بعد بلوغ خبر القتل اليه أدركوا الفصيل عسى ان يرفع عنكم العذاب فلم يقدروا عليه فانفجت الصخرة بعد رغائه فدخلها قال صالح لكل رغوة أجل يوم تمتعوا فى داركم اى فى بلادكم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب وقد عقروا الناقة يوم الأربعاء فقال لهم صالح ابشروا بعذاب الله ونقمته فقالوا له وما علامة ذلك فقال تصبحون غداة يوم الخميس ووجوهكم مصفرة ثم تصبحون يوم الجمعة ووجوهكم محمرة ثم تصبحون يوم السبت ووجوهكم مسودة ثم يصبحكم العذاب أول يوم الأحد فكان الأمر كما وصف نبيهم حيث أصبحوا يوم الخميس كأن وجوههم طليت بالزعفران صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم فأيقنوا بالعذاب وعلموا ان صالحا قد صدق فطلبوه ليقتلوه فهرب منهم واختفى فى موضع فلم يجدوه فجعلوا يعذبون أصحابه ليدلوهم عليه فلما أصبحوا يوم الجمعة أصبحت وجوههم محمرة كأنما خضبت بالدماء فصاحوا بأجمعهم وضجوا وبكوا وعرفوا ان العذاب قددنا إليهم وجعل كل واحد منهم يخبر الآخر بما يرى فى وجهه ثم أصبحوا يوم السبت ووجوههم مسودة كأنها طليت بالقار والنيل فصاحوا جميعا ألا قد حضر العذاب فلما كان ليلة الأحد خرج صالح من بين أظهرهم ومن آمن به الى الشام فنزل رملة فلسطين فلما كان يوم الأحد وهو اليوم الرابع وارتفع الضحى تحنطوا بالصبر لئلا يتعرض لهم السباع لمرارته وتكفنوا بالانطاع والقوا نفوسهم على الأرض يقلبون أبصارهم الى السماء مرة والى الأرض اخرى لا يدرون من أين يأتيهم العذاب فأتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شىء له صوت ورجفة من الأرض فتقطعت قلوبهم فى صدورهم فلم يبق منهم صغير ولا كبير الا هلك فان قلت مشاهدة العلامات المذكورة تلجىء المكلف الى الايمان فهل يحتمل ان يبقى العاقل بعدها مصرا على كفره قلت لما شاهدوا علامات نزول العذاب خرجوا عن حد التكليف فلم تقبل توبتهم بعد ذلك فَتَوَلَّى عَنْهُمْ اثر ما شاهد ما جرى عليهم من الهلاك تولى مغتما متحسرا على ما فاتهم من الايمان متحزنا عليهم وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي [پيغام پروردگار من كه بأداء آن مأمور بودم] وَنَصَحْتُ لَكُمْ وقت الدعوة بالترغيب والتزهيب وبذلت فيكم وسعى وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ صيغة المضارع حكاية حال ماضية اى شأنكم الاستهزاء على بعض الناصحين لان قول الناصح ثقل والحق مرّ وهما يفيدان البغضة كما قال قائلهم
وكم سقت فى آثاركم من نصيحة ... وقد يستفيد البغضة المتنصح
وذلك ايضا من خباثة ارض النفس الخبيثة لم تقبل بذر النصح ولم ينبت فيها- وروى- عن جابر ابن عبد الله انه قال لما مر النبي عليه السلام بالحجر فى غزوة تبوك يعنى مواضع ثمود قال لاصحابه (لا يدخلن أحد منكم هذه القرية ولا تشربوا من مائها ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين الا ان تكونوا باكين ان يصيبكم مثل ما أصابهم) ثم قال (لا تسألوا رسولكم الآيات فان هؤلاء(3/194)
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80)
قوم صالح سألوا رسولهم الآية فبعث الله إليهم الناقة فكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم وردها وأراهم مرتقى الفصيل حيث ارتقى) ثم اسرع رسول الله السير حتى جاوز الوادي وعنه عليه الصلاة والسلام انه قال لعلى (يا على أتدرى من أشقى الأولين) قال الله ورسوله اعلم قال (عاقر الناقة) ثم قال (أتدري من أشقى الآخرين) قال الله ورسوله اعلم قال (قاتلك) : وفى المثنوى
ناقه صالح بصورت بد شتر ... پى بريدندش ز جهل آن قوم مر
ناقة الله آب خورد از جوى ميغ ... آب حق را داشتند از حق دريغ
شحنه قهر خدا زيشان بجست ... خونبهاى اشترى شهرى درست
صالح از خلوت بسوى شهر رفت ... شهر ديد اندر ميان دود وتفت
ز استخوانهاشان شنيد او نالها ... أشك خون از جان شان چون ژالها
صالح آن بشنيد وكريه ساز كرد ... نوحه بر نوحه كنان آغاز كرد
كفت اى قومى بباطن ز پسته ... واز شما من پيش حق بگريسته
حق بگفته صبر كن بر جورشان ... پندشان ده بس نماند از دورشان
من بگفته پند شد پند از جفا ... شير پند از مهر جو شد وز صفا
بس كه كرديد از جفا بر جاى من ... شير پند افسرد در ركهاى من
حق مرا كفته ترا لطفى دهم ... بر سر آن زخمها مرهم نهم
صاف كرده حق دلم را چون سما ... روفته از خاطرم جور شما
در نصيحت من شده بار دگر ... كفته أمثال سخنها چون شكر
شير تازه از شكر انگيخته ... شير شهدى با سخن آميخته
در شما چون زهر كشته اين سخن ... زانكه زهرستان بديد از بيخ وبن
چون شوم غمكين كه غم شد سرنكون ... غم شما بوديد اى قوم حرون
هيچ كس بر مرك غم نوحه كند ... ريش سر چون شد كسى مو بر كند
والاشارة ان صالح الروح أرسل بنفخة الحق الى بلد القلب وساكنيه ليدعوهم من الأوصاف الرديئة السفلية الظلمانية الحيوانية الى الأخلاق الحميدة العلوية النورانية الروحانية والنفس وصفاتها عقروا ناقة سر القلب بسكاكين مخالفات الحق والاستكبار وعتوا عن امر ربهم من التوحيد والمعرفة فصاروا الى الهلاك وبقوا فى اودية الجهل والإنكار عصمنا الله وإياكم من كل ما يسوء الروح ويمنع الفتوح وَلُوطاً اى وأرسلنا لوطا وهو لوط بن هاران ابن تارخ فهو ابن أخي ابراهيم كان من ارض بابل العراق فهاجر مع عمه ابراهيم الى الشام ونزل الأردن وهو كورة بالشام فأرسله الله الى اهل سدوم بلد بحمص قال فى التفسير الفارسي [خداى تعالى ويرا پيغمبرى داد وباهل مؤتفكات فرستاد وآن پنج شهر بوده سدوم أعظم مداين بود وديكر عامه وداود وصابورا وصفود كويند در هر شهرى چهار بار هزار هزار آدمي بودند لوط عليه السلام بسدوم آمد وخلق را بخداى تعالى دعوت كرد وبيست سال(3/195)
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85)
در ميان ايشان بود وبخيرات امر مينمود واز فواحش نهى فرمود ويكى از فواحشها لواطه بود] كما حكى الله تعالى بقوله إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ [مر قوم سدوم را كه لوط عليه السلام در ميان ايشان بود] وهو ظرف لا رسلنا المضمر اى أرسلنا لوطا الى قومه وقت قوله لهم قيل الإرسال قبل وقت القول لا فيه وأجيب بان هذا من قبيل قولك فى ظرف المكان زيد فى ارض الروم فهو هاهنا غير حقيقى فيكفى وقوع المظروف فى بعض اجزائه أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ انكار وتقريع على تلك الفعلة المتمادية فى القبح اى البالغة الى غاية القبح وهى اللواطة والمعنى أتفعلونها ما سَبَقَكُمْ بِها ما فعلها قبلكم على ان الباء للتعدية كما فى قوله عليه السلام (سبقك بها عكاشة) من قولك سبقته بالكرة اى ضربتها قبله مِنْ أَحَدٍ من مزيدة لتأكيد النفي وإفادة الاستغراق مِنَ الْعالَمِينَ من للتبعيض والجملة استئناف نحوى اى مبتدأة جىء بها تأكيدا للانكار السابق كأنه وبخهم اولا بإتيان الفاحشة ثم باختراعها فانه أسوأ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ بيان لتلك الفاحشة. قرأ نافع وحفص انكم بطريق الخبر والباقون أإنكم بطريق الاستفهام يقال اتى المرأة إذا غشيها وفى إيراد لفظ الرجال دون الغلمان والمردان ونحوهما مبالغة فى التوبيخ شَهْوَةً مفعول له وفى التقييد بها وصفهم بالبهيمية الصرفة وتنبيه على ان العاقل ينبغى ان يكون الداعي له الى المباشرة طلب الولد وبقاء النوع لاقضاء الشهوة مِنْ دُونِ النِّساءِ اى متجاوزين النساء اللاتي أباح الله لكم بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ إضراب عن الإنكار المذكور الى الاخبار بحالهم التي أدت بهم الى ارتكاب أمثالها وهى اعتياد الإسراف فى كل شىء يعنى انهم قوم عادتهم الإسراف وتجاوز الحد فى كل شىء فمن ثمة أسرفوا فى باب قضاء الشهوة وتجاوزوا عما عين لها الى غيره وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا استثناء مفرغ من أعم الأشياء اى ما كان جوابا من جهة قومه شىء من الأشياء الا قول بعضهم لبعض أَخْرِجُوهُمْ اى لوطا ومن معه من المؤمنين مِنْ قَرْيَتِكُمْ اى الا هذا القول الذي يستحيل ان يكون جوابا لكلام لوط وليس المراد لم يصدر عنهم بصدد الجواب عن مقالات لوط ومواعظه الا هذه المقالة الباطلة كما هو المتسارع الى الافهام بل انه لم يصدر عنهم فى المرة الاخيرة من مرات المحاورات الجارية بينهم وبينه عليه السلام الا هذه الكلمة الشنيعة والا فقد صدر عنهم قبل ذلك كثير من الترهات حسبما حكى عنهم فى سائر السور الكريمة وهذا هو الوجه فى نظائره الواردة بطريق القصر وقوله مِنْ قَرْيَتِكُمْ اى من بلدكم فان العرب تسمى المدينة قرية والمراد بلدة سدوم إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ اى يطلبون الطهارة من الفواحش قالوه على وجه الاستهزاء والسخرية بهم فَأَنْجَيْناهُ اى لوطا وَأَهْلَهُ ابنتيه رعوزا وريثا وسائر من آمن به فان الأهل يفسر بالأزواج والأولاد وبالعبيد والإماء وبالأقارب وبالاصحاب وبالمجموع واهل الرجل خاصته الذين ينسبون اليه إِلَّا امْرَأَتَهُ واهله فانها تسر الكفر وتغرى الكفار على انكار لوط وهو استثناء من اهله كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ استئناف بيانى كأنه قيل فماذا كان حالها فقيل كانت من الغابرين اى الباقين فى ديارهم الهالكين فيها من الغبور بالفارسي [باقى بماندن] والتذكير مع ان الظاهر ان يقال من الغابرات مبنى على انه بقي فى ديارهم(3/196)
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)
رجال ونساء فغلب الرجال فقيل فى حقها انها كانت منهم وَأَمْطَرْنا [بارانيديم] عَلَيْهِمْ [بر كفا قوم لوط] مَطَراً نوعا من المطر عجيبا وهى الحجارة اى أرسلنا عليهم الحجارة إرسال المطر فَانْظُرْ خطاب لكل من يتأتى منه التأمل والنظر تعجيبا من حالهم وتحذيرا من أعمالهم كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ اى تفكر فى آخر امر الكافرين المكذبين كيف فعلنا بهم قيل كان السبب فى اختراعهم هذه الخصلة القبيحة اى اللواطة ان بلادهم وهى ارض الشام أخصبت بانواع الثمار والحبوب فتوجه إليهم الناس من النواحي والأطراف لطلب المعروف فتأذوا من كثرة ورود الفقراء فعرض لهم إبليس فى صورة شيخ وقال ان فعلتم بهم كذا وكذا نجوتم منهم فابوا فلما الحّ الناس عليهم قصدوهم فاصابوا غلمانا صباحا فاخبثوا فاستحكم فيهم ذلك وكانوا لا ينكحون الا الغرباء وقال الكلبي أول من فعل به ذلك الفعل إبليس الخبيث حيث تمثل لهم فى صورة شاب جميل فدعاهم الى نفسه ثم عملوا ذلك العمل بكل من ورد عليهم من المرد قضاء لشهوتهم ودفعا لهجوم الناس عليهم وعاشوا بذلك العمل زمانا فلما كثر فيهم عجت الأرض الى ربها فسمعت السماء فعجت الى ربها فسمع العرش فعج الى ربه فامر الله السماء ان تحصبهم والأرض ان تخسف بهم امطروا اولا بالحجارة ثم خسف بهم الأرض وقيل خسف بالمقيمين منهم وأمطرت الحجارة على مسافريهم- وروى- ان تاجرا منهم كان فى الحرم فوقف له الحجر أربعين يوما حتى قضى تجارته وخرج من الحرم فوقع عليه دلت الآية على ان اللواطة افحش الفواحش وأقبحها لان الله تعالى ما أمطر الحجارة على اهل الذنوب العظام مثل الزنى والعقوق والسرقة والقتل بغير الحق وغير ذلك من الكبائر حتى الشرك قال ابن سيرين ليس شىء من الدواب يعمل هذا العمل الا الخنزير والحمار فاللواطة ذنب عظيم يجب ان يحترز عنها وعن مباديها ايضا كاللمس والقبلة قال الامام من قبل غلاما بشهوة فكأنما زنى بامه سبعين مرة ومن زنى مع امه مرة فكأنما زنى بسبعين بكرا ومن زنى من البكر مرة فكأنما زنى مع سبعين الف امرأة وضرر النظر فى الأمرد أشد لامتناع الوصول فى الشرع لانه لا يحل الاستمتاع بالامرد ابدا: قال الشيخ سعدى قدس سره
خرابت كند شاهد خانه كن ... برو خانه آباد كردان بزن
نشايد هوس باختن با كلى ... كه هر بامدادش بود بلبلى
مكن بد بفرزند مردم نكاه ... كه فرزند خويشت بر آيد تباه
چرا طفل يك روزه هوشش نبرد ... كه در صنع ديدن چهـ بالغ چهـ خر
محقق همى بيند اندر ابل ... كه در خوب رويان چين و چكل
- وحكى- ان سليمان بن داود عليهما السلام قال يوما لعفريت من الجن ويلك اين إبليس قال يا نبى الله هل أمرت فيه بشىء قال لا قال اين هو قال انطلق يا نبى الله فانطلق ومشى العفريت بين يدى سليمان حتى هجم به على البحر فاذا إبليس على بساط على الماء فلما رأى سليمان ذعر منه وفرق فقام فتلقاه فقال يا نبى الله هل أمرت فىّ بشىء قال لا ولكن جئت لأسألك عن أحب الأشياء إليك وأبغضها الى الله تعالى فقال إبليس اما والله لولا ممشاك الى ما أخبرتك ليس شىء(3/197)
ابغض الى الله تعالى من ان يأتى الرجل الرجل والمرأة المرأة وفى الحديث (سحاق النساء زنى بينهن) وفى ملتقطة الناصري الغلام إذا بلغ مبلغ الرجال ولم يكن صبيحا فحكمه حكم الرجال وان كان صبيحا فحكمه حكم النساء وهو عورة من قرنه الى قدمه يعنى لا يحل النظر اليه عن شهوة فاما السلام والنظر لا عن شهوة فلا بأس به ولذا لم يؤمر بالنقاب والأمرد إذا كان صبيحا فاراد ان يخرج فى طلب العلم فلا بيه ان يمنعه وكان محمد بن الحسن صبيحا وكان ابو حنيفة يجلسه فى درسه خلف ظهره او خلف سارية المسجد حتى لا يقع عليه بصره مخافة من خيانة العين مع كمال تقواه حتى ان واحدا من العلماء مات فرؤى فى المنام قد اسود وجهه فسئل عن ذلك فقال رأيت غلاما فى موضع كذا فنظرت اليه فاحترق وجهى فى النار قال القاضي سمعت الامام يقول ان مع كل امرأة شيطانين ومع كل غلام ثمانية عشر شيطانا ويكره مجالسة الأحداث والصبيان والسفهاء لانه يذهب بالمهابة ويورث التهمة: قال الشيخ سعدى
چوخواهى كه قدرت بماند بلند ... دل اى خواجه در ساده رويان مبند
وكر خود نباشد غرض در ميان ... حذر كن كه دارد بحرمت زيان
ويكره بيع الأمرد ممن يعلم انه يفضى اليه غالبا لانه اعانة على المعصية فان قلت سلمنا ان الغلام ليس محلا للحرث والتولد لكنه يكون محلا لقضاء الشهوة واستيفاء اللذة فالعقل يقتضى ان يتصرف المالك فى ملكه كيف يشاء قلت الشرع لم يأذن فى هذا المحل بالتصرف لغاية قباحته ونهاية خبائته ومجرد المملوكية لا يقتضى التصرف فى المملوك ألا ترى ان من ملك مجوسية او وثنية لم يجز له تصرف فيهما أصلا ما لم تدخلا فى الإسلام وكذا لا يجوز التصرف للسيدة فى عبدها المملوك فى محل لم يأذن الشرع بالتصرف فيه كالتقبيل والتفخيذ وغيرها من دواعى الوطء فلو جاز للسيد التصرف فى عبده لجاز للسيدة التصرف فى عبدها بطريق الاولى لكونها محلا للحرث والإتيان فى دبر الذكر هو اللواطة الكبرى وفى دبر المرأة هو اللواطة الصغرى وفى الحديث (ملعون من اتى امرأة فى دبرها) وهل تجوز اللواطة فى الجنة قيل ان كان حرمتها عقلا وسمعا لا تجوز وان كان سمعا فقط تجوز والصحيح انها لا تجوز فيها لان الله تعالى استبعدها واستقبحها فقال ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ وسماها خبيثة فقال كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ والجنة منزهة عنها قال المولى زيرك زاده فى حواشى الأشباه رحمه الله تعالى رحمة واسعة قد قال الله تعالى وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً وفى موضع آخر وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ
والآية تدل على ان فى الجنة مردا ملاحا وبعيد ان يكونوا غير مشتهين وغير المعقول فى الدنيا ان يكون خلاف الوضع والاستقذار وقطع النسل واما فى النشأة الاخروية فهذه المحذورات منتفية انتهى كلام زيرك زاده يقول الفقير هذا ليس بمرضى عند القلب السليم والعقل المستقيم يأبى عنه من يعرف القبيح من الحسن ويتنفر من يميز الزيوف والتبهرج من النقد الجيد المستحسن. فان الطواف فى الآية الاولى انما يدل على كونهم خدام اهل الجنة وان اهل الجنة يتلذذون بالنظر الى جمالهم وبهجتهم وهذا لا يقتضى التلذذ بالاستمتاع ايضا كما فى حق الحور. والاشتهاء فى الآية الثانية وان كان عاما لكنه يجوز(3/198)
ان لا تكون اللواطة مشتهاة لاهل الجنة للحكمة التي عليها مدار حرمتها فى جميع الأديان كالزنى بخلاف الخمر فانها كانت حلالا فى بعض الأديان ولذا صارت من نعيم الجنان ايضا ومطلق ارتفاع موانع الحرمة لا يقتضى الحل والجواز ألا ترى الى تستر اهل الجنة عند الوقاع فان أهليهم لا يظهرن لغير المحارم كما فى الواقعات المحمودية هذا واما حكم الوطء بحسب الشرع فذهب الشافعي الى انه يقتل وذهب احمد بن حنبل الى انه يرجم وان كان غير محصن قال فى شرح الوقاية ان من اتى دبر اجنبى او امرأة فعند ابى حنيفة لا يحد بل يعزر ويودع فى السجن حتى يتوب وعندهما يحد حد الزنى فيجلد ان لم يكن محصنا ويرجم ان كان محصنا قال قيدنا بدبر الأجنبي لانه لو فعل ذلك بعبده او أمته او بمنكوحته لا يحد اتفاقا لهما ان الصحابة اجمعوا على حده ولكن اختلفوا فى وجوهه فقال بعضهم يحبس فى أنتن المواضع حتى يموت وقال بعضهم يهدم عليه الجدار انتهى وقد يقال يلقى من مكان عال كالمنارة قال أبو بكر الوراق يحرق بالنار صرح به فى شرح المجمع قال فى الزيادات والرأى الى الامام ان شاء قتله ان اعتاد ذلك وان شاء حبسه كما فى شرح الأكمل والظاهر ان ما ذهب اليه ابو حنيفة انما هو استعظام لذلك الفعل فانه ليس فى القبح بحيث ان يجازى كالقتل والزنى وانما التعزير لتسكين الفتنة الناجزة كما انه يقول فى اليمين الغموس انه لا يجب فيه الكفارة لانه لعظمه لا يستتر بالكفارة وفى كتاب الحظر والإباحة رجل وطء بهيمة قال ابو حنيفة ان كانت البهيمة للواطء يقال له اذبحها وأحرقها ان كانت مأكولة وان لم تكن مماتؤ كل تذبح ولا تحرق قال فى ترجمة الجلد الأخير من الفتوحات المكية [واز نكاح بهايم اجتناب كن نه شرع است ونه دين ونه مروت شخصى بود صالح اما قليل العلم در خانه خود منقطع بود ناكاه بهيمه خريد واو را بدان حاجتى ظاهر نه بعد از چند سال كسى از وى پرسيد تو اين را چهـ
ميكنى وترا بوى شغلى وحاجتى نيست كفت دين خود را باين محافظت ميكنم او خود با آن بهيمه جمع مى آمده است تا از زنا معصوم ماند او را اعلام كردند كه آن حرامست وصاحب شرع نهى فرموده است بسيار كريست وتوبه كرد وكفت ندانستم پس بر تو فرض عين است كه از دين خوم باز جويى وحلال وحرام را تمييز كنى تا تصرفات تو بر طريق استقامت باشد انتهى كلام الترجمة] وفى الحديث (ومن لم يستطع فعليه بالصوم) استدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء لانه ارشد عند العجز عن التزوج الى الصوم الذي يقطع الشهوة فلو كان الاستمناء مباحا لكان الإرشاد اليه أسهل وقد أباح الاستمناء طائفة من العلماء وهو عند الحنابلة وبعض الحنفية لاجل تسكين الشهوة جائز وفى رواية الخلاصة الصائم إذا عالج ذكره حتى امنى يجب عليه القضاء ولا كفارة عليه ولا يحل هذا الفعل خارج رمضان ان قصد قضاء الشهوة وان قصد تسكين شهوته أرجو ان لا يكون عليه وبال وفى بعض حواشى البخاري والاستمناء باليد حرام بالكتاب والسنة قال الله تعالى وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ الى قوله فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ اى الظالمون المتجاوزون الحلال الى الحرام قال البغوي فى الآية دليل على ان الاستمناء باليد حرام قال ابن جريج سألت عطاء عنه فقال سمعت ان قوما(3/199)
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85)
يحشرون وأيديهم حبالى وأظنهم هؤلاء وعن سعيد بن جبير عذب الله امة كانوا يعبثون بمذاكيرهم والواجب على فاعله التعزيز كما قال ابن الملقن وغيره نعم يباح عند ابى حنيفة واحمد رحمهما الله إذا خاف على نفسه الفتنة وكذلك يباح الاستمناء بيد زوجته او جاريته لكن قال القاضي حسين مع الكراهة لانه فى معنى العزل وفى التارخانية قال ابو حنيفة حسبه ان ينجو رأسا برأس كذا فى أنوار المشارق لمفتى حلب الشهباء والله اعلم وَإِلى مَدْيَنَ اى وأرسلنا الى قبيلة مدين وهم أولاد مدين بن ابراهيم خليل الله عليه السلام أَخاهُمْ فى النسب اى واحدا منهم شُعَيْباً عطف بيان لاخاهم وهو شعيب بن ميكيل بن يشجر بن مدين الذي تزوج ريثا بنت لوط فولدت له وكثر نسله فصار مدين قبيلتهم قال الضحاك بكى شعيب من خشية الله حتى ذهب عيناه وصار أعمى وكان يقال له خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه وكانوا اهل بخس للمكاييل والموازين مع كفرهم قالَ استئناف بيانى يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحده ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ مر تفسيره قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ معجزة مِنْ رَبِّكُمْ متعلق بجاءتكم او بمحذوف هو صفة لفاعله مؤكدة لفخامة الذاتية المستفادة من تنكيره بفخامته الاضافية اى بينة عظيمة كائنة من مالك أموركم ولم يذكر معجزته فى القرآن كما لم يذكر اكثر معجزات نبينا عليه السلام قال فى التفسير الفارسي [در قران معجزه شعيب مذكور نيست ودر أحاديث نيز بنظر فقير نرسيده اما در آيات باهرات كه ذكر معجزات انبيا ميكنند ميكويد كه معجزه شعيب آن بود كه چون بكوه بلند بر آمدى كوه سر فرود آوردى تا شعيب بآسانى بر وى صعود كردى] وذكر بعض معجزاته فى الكشاف فارجع اليه فَأَوْفُوا الْكَيْلَ الكيل مصدر قولك كلت الطعام كيلا والمعنى المصدري لا يمكن ايفاؤه لان النقص والإتمام من خواص الأعيان فحمله القاضي على حذف المضاف اى آلة الكيل وفسره ابو السعود بالمكيال ويؤيده قوله وَالْمِيزانَ فان المبادر منه الآلة وان جاز كونه مصدرا كالميعاد فحمل الكيل على ما يكال به كما يطلق العيش على ما يعاش به وكان لهم مكيالان وميزانان أحدهما اكبر من الآخر فاذا اكتالوا على الناس يستوفون بالأكبر وإذا كالوهم او وزنوهم يخسرون بالاصغر والمعنى أدوا حقوق الناس بالمكيال والميزان على التمام وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ اى لا تنقصوا أَشْياءَهُمْ التي يشترونها بهما معتمدين على تمامها أي شىء كان وأي مقدار كان فانهم كانوا يبخسون الجليل والحقير والقليل والكثير فالتعبير بالأشياء دون الحقوق للتعميم فان مفهوم الشيء أعم بالنسبة الى مفهوم الحق واعلم ان بخس الناس أشياءهم فى المكيل والموزون من خساسة النفس ودناءة الهمة وغلبة الحرص ومتابعة الهوى والظلم وهذه الصفات الذميمة من شيم النفوس وقد ورد الشرع بتبديل هذه الصفات وتزكية النفس فان الله تعالى يحب معالى الأمور ويبغض سفسافها وفى الحديث (ما ذئبان جائعان أرسلا فى غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف وفى الحديث (الصلاة امانة والوضوء امانة والوزن امانة والكيل امانة) - وروى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه (الكيل(3/200)
وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89) وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91)
والوزن أنتم قد وليتم امرا فيه هلكت الأمم السالفة قبلكم) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ اى بالكفر والحيف بَعْدَ إِصْلاحِها بعد ما أصلح أمرها وأهلها الأنبياء واتباعهم بإجراء الشرائع ذلِكُمْ اشارة الى العمل بما أمرهم به ونهاهم عنه خَيْرٌ لَكُمْ من التطفيف والبخس والإفساد وقيل خير هاهنا ليس على بابه من التفضيل بل بمعنى نافع عند الله إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ اى مصدقين بي فى قولى هذا وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ الباء للالصاق او المصاحبة لان القعود ملصق بالمكان وان القاعد ملابسه ويحتمل ان تكون بمعنى فى لان القاعد يحل بمكان قعوده وان تكون بمعنى على لاستيلاء القاعد على المكان تُوعِدُونَ حال من فاعل لا تقعدوا ولم يذكر الموعد به ليذهب الذهن كل مذهب. والمعنى ولا تقعدوا بكل طريق من طرق الدين موعودين اى مخوفين كالشيطان حيث قال لاقعدن لهم صراطك المستقيم وصراط الله وان كان واحدا لكنه يتشعب الى معارف وحدود واحكام وكانوا إذا رأوا أحدا يسعى فى شىء منها منعوه وقيل كانوا يجلسون على المرصد فيقولون لمن يريد شعيبا انه كذاب لا يفتننك عن دينك ويتوعدون من آمن به وقيل يقطعون الطريق وَتَصُدُّونَ عطف على توعدون اى تمنعون وتصرفون عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى السبيل الذي قعدوا عليه مَنْ آمَنَ بِهِ اى بكل صراط وهو مفعول تصدون وَتَبْغُونَها من باب الحذف والإيصال والتقدير وتبغون لها انث ضمير السبيل لانه يذكر ويؤنث. والمعنى وتطلبون لسبيل الله عِوَجاً زيغا وعدولا عن الحق بإلقاء الشبه او بوصفها للناس بانها معوجة وهى ابعد شىء من شائبة الاعوجاج وفيه اشارة الى الذين قطعوا طريق الوصول الى الله على الطالبين بانواع الحيل بالمكايد وطلبوا الاعوجاج فيه بإظهار الباطل كما قطعوا على أنفسهم فان شر المعاصي ما لا يكون لازما لصاحبه بل يكون متعديا عنه الى غيره لان ضرر التعدية عائد الى المبتدئ بقدر الأثر فى التعدي وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ بالبركة فى النسل والمال فصار ضعفكم قوة وفقركم غنى وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ من الأمم الماضية كقوم نوح ومن بعدهم من عاد وثمود واضرابهم واعتبروا بهم واحذروا من سلوك مسالكهم وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ من الشرائع والاحكام وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا اى به قال فى التفسير الفارسي [قومى از مدين بشعيب عليه السلام ايمان آوردند جمعى ديكر انكار كردند وكفتند قوت وثروت ما راست نه مؤمنا را پس حق با ما باشد واگر حق با ايشان بودى بايستى كه توانكرى ووسعت معاش ايشانرا بودى شعيب عليه السلام فرمود كه اگر چهـ شما دو كره شده ايد] فَاصْبِرُوا فتربصوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا اى الفريقين بنصر المحقين على المبطلين فهو وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ إذ لا معقب لحكمه ولا حيف فيه وهو اعدل القاضين تم الجزء الثامن فى اواخر شوال من سنة الف ومائة(3/201)
قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)
الجزء التاسع من الاجزاء الثلاثين
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ بعد ما سمعوا هذه المواعظ من شعيب عليه السلام وهو استئناف بيانى لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا عطف على الكاف فى لنخرجنك ويا شعيب اعتراض بين المتعاطفين ونسبة الإخراج اليه اولا والى المؤمنين ثانيا تنبيه على اصالته فى الإخراج وتبعيتهم له فيه كما ينبىء عنه قوله تعالى مَعَكَ فانه متعلق بالإخراج لا بالايمان. والمعنى والله لنخرجنك واتباعك مِنْ قَرْيَتِنا بغضا لكم ودفعا لفتنتكم المرتبة على المساكنة والجوار وفيه اشارة الى ان من شأن المتكبرين ودأب المتجبرين الاستعلاء وان يخرج الأعز الأذل وذلك لما فيهم من بطر النعم وطغيان الاستغناء وعمه الاستبداد ولما كان حب الدنيا رأس كل خطيئة وفتنتها أعظم من كل بلية جعل الله تعالى أهلها فى البلاد سببا للهلاك والفساد كما قال الله تعالى إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها
الآية: قال الحافظ
ايمن مشو ز عشوه دنيا كه اين عجوز ... مكاره مى نشيند ومحتاله مى رود
أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا العود هو الرجوع الى الحالة الاولى ومن المعلوم ان شعيبا لم يكن على دينهم وملتهم قط لان الأنبياء لا يجوز عليهم من الصغائر الا ما ليس فيه تنفير فضلا عن الكبائر فضلا عن الكفر الا انه أسند العود اليه والى من معه من المؤمنين تغليبا لهم عليه لان العود متصور فى حقهم. والمعنى والله ليكونن أحد الامرين البتة على ان المقصد الأصلي هو العود وانما ذكر النفي والاجلاء بمحض القسر والإلجاء كما يفصح عنه عدم تعرضه عليه السلام لجواب الإخراج كأنهم قالوا لاندعكم فيما بيننا حتى تدخلوا فى ملتنا وانما لم يقولوا او لنعيدك على طريقة ما قبله لما ان مرادهم ان يعودوا إليها بصورة الطواعية حذر الإخراج باختيار أهون الشرين لا اعادتهم بسائر وجوه الإكراه والتعذيب وفيه اشارة الى ان اهل الخير كما لا يميلون الا الى اشكالهم فكذلك اهل الشر لا يرضون ممن رأوا الا بان يساعدهم على ما هم عليه من أحوالهم والأوحد فى بابه من باين نهج اضرابه
همه مرغان كند با جنس پرواز ... كبوتر با كبوتر باز با باز
قالَ شعيب ردا لمقالتهم الباطلة وتكذيبا لهم فى ايمانهم الفاجرة أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ تقديره أنعود فيها ولو كنا كارهين اى كيف نعود فيها ونحن كارهون لها على أن الهمزة لانكار الوقوع ونفيه لا لانكار الواقع واستقباحه كالتى فى قوله تعالى أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً عظيما إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ التي هى الشرك وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه اى ان عدنا فى ملتكم(3/202)
وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91)
بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها فقد افترينا على الله كذبا عظيما حيث نزعم حينئذ ان لله تعالى ندا وليس كمثله شىء وانه قد تبين لنا ان ما كنا عليه من الإسلام باطل وان ما كنتم عليه من الكفر حق وأي افتراء أعظم من ذلك وَما يَكُونُ لَنا اى وما يصح وما يستقيم لنا أَنْ نَعُودَ فِيها فى حال من الأحوال او فى وقت من الأوقات إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ اى إلا حالة مشيئة الله تعالى لعودنا فيها وذلك مما لا يكاد يكون كما ينبىء عنه قوله رَبُّنا فان التعرض لعنوان ربوبيته تعالى لهم مما ينبىء عن استحالة مشيئته تعالى لارتدادهم قطعا وكذا قوله تعالى بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها فان تنجيته تعالى لهم منها من دلائل عدم مشيئته تعالى لعودهم فيها وقيل معناه الا ان يشاء الله خذلاننا وفيه دليل على ان الكفر بمشيئة الله تعالى وأياما كان فليس المراد بذلك بيان ان العود فيها فى حيز الإمكان وخطر الوقوع بناء على كون مشيئته تعالى كذلك بل بيان استحالة وقوعها كأنه قيل وما كان لنا ان نعود فيها الا ان يشاء الله ربنا وهيهات ذلك بدليل ما ذكر من موجبات عدم مشيئته تعالى له وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً علما نصب على التمييز منقول عن الفاعلية تقديره وسع علم ربنا كل شىء كقوله وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً والمعنى احاطة علمه بكل ما كان وما سيكون من الأشياء التي من جملتها احوال عباده وعزائمهم ونياتهم وما هو اللائق بكل واحد منهم فمحال من لطفه ان يشاء عودنا فيها بعد ما نجانا منها مع اعتصامنا به خاصة حسبما ينطق به قوله تعالى عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا
فى ان يثبتنا على الايمان ويخلصنا من الأشرار ثم اعرض عن المعاندين وتوجه الى مناجاة رب العالمين فقال رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ احكم بيننا وبينهم واقض بما يدل على انا على الحق وهم على الباطل وافصل بما يليق بحال كل من الفريقين وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ والفاتح هو الحاكم بلغة اهل عمان سمى فاتحا لانه يفتح المشكلات ويفصل الأمور ويجوز ان يكون من فتح المشكل إذا بينه. والمعنى اظهر أمرنا حتى ينكشف ما بيننا وبينهم ويتميز المحق من المبطل وفى التأويلات النجمية فاحكم بيننا وبينهم بإظهار حقيقة ما قدرت لنا من خاتمة الخير واظهار ما قدرت لهم من خاتمة السوء وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ عطف على قوله قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا اى قال اشرافهم الذين أصروا على الكفر لاعقابهم بعد ما شاهدوا صلابة شعيب عليه السلام ومن معه من المؤمنين فى الايمان وخافوا أن يستتبعوا قومهم تثبيطا لهم عن الايمان وتنفيرا لهم منه على طريقة التوكيد القسمي والله لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً ودخلتم فى دينه وتركتم دين آبائكم إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ اى فى الدين لاشترائكم الضلالة بهداكم او فى الدنيا لفوات ما يحصل لكم بالبخس والتطفيف فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ اى الزلزلة الشديدة وهكذا فى سورة العنكبوت وفى سورة هود وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ اى صحيحة جبريل ولعلها من مبادى الرجفة فاسند هلاكهم الى السبب القريب تارة والى البعيد اخرى قال ابن عباس رجفت بهم الأرض وأصابهم حر شديد فرفعت لهم سحابة فخرجوا إليها يطلبون الروح منها فلما كانوا تحتها سالت عليهم بالعذاب ومعه صيحة جبريل عليه السلام فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ اى صاروا فى مدينتهم وفى سورة هود فِي دِيارِهِمْ قال الحدادي اى بقرب دارهم تحت الظلة كما قال تعالى فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ جاثِمِينَ اى ميتين على وجوههم وركبهم لازمين لاماكنهم(3/203)
الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93) وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)
لا براح لهم منها- وروى- انهم احترقوا تحت السحابة فصاروا ميتين بمنزلة الرماد الجاثم أجساما ملقاة على الأرض محترقة وقال ابن عباس فتح الله عليهم بابا من جهنم فارسل عليهم منه حرا شديدا فاخذ بانفاسهم فدخلوا جوف البيوت فلم ينفعهم ماء ولا ظل وأنضجهم الحر فبعث الله سحابة فيها ريح طيبة فوجدوا برد الريح وطيبها وظل السحابة فتنادوا عليكم بها فخرجوا نحوها فلما اجتمعوا تحتها رجالهم ونساؤهم وصبيانهم ألهبها الله عليهم نارا ورجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلى وصاروا رمادا وهو عذاب يوم الظلة قال فى التأويلات النجمية من عنادهم رأوا الحق باطلا والباطل حقا والفلاح خسرانا والخسران فلاحا فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فصارت صورتهم تبعا لمعناهم فانهم كانوا جاثِمِينَ الأرواح فى ديار الأشباح الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً استئناف لبيان ابتلائهم بشؤم قولهم فيما سبق لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا وعقوبتهم بمقابلته والموصول مبتدأ وخبره قوله تعالى كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا اى استأصلوا بالمرة وصاروا كأنهم لم يقيموا بقريتهم أصلا اى عوقبوا بقولهم ذلك وصاروا هم المخرجين من القرية إخراجا لا دخول بعده ابدا والمغني المنزل والمغانى المنازل التي كانوا بها يقال غنينا بمكان كذا اى نزلنا فيه. وفيه اشارة الى ان المكذبين والمتكبرين وان كانت لهم علبة فى وقتهم ولكن تنقضى ايامهم بسرعة ويسقط صيتهم ويخمل ذكرهم ويضمحل آثارهم ويكون اهل الحق مع الحق غالبا فى كل امر والباطل زاهق بكل وصف: وفى المثنوى
يك مناره در ثناى منكران ... كو درين عالم كه تا باشد عيان
منبرى كو كه بر آنجا مخبرى ... ياد آرد روز كار منكرى
يار غالب شو كه تا غالب شوى ... يار مغلوبان مشو هين اى غوى
الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ استئناف آخر لبيان ابتلائهم بعقوبة قولهم الأخير اى الذين كذبوه عليه السلام عوقبوا بمقالتهم الاخيرة فصاروا هم الخاسرين للدنيا والدين لا الذين اتبعوه وبهذا الحصر اكتفى عن التصريح بانجائه عليه السلام كما وقع فى سورة هود من قوله تعالى وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ الآية فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ قاله عليه السلام بعد ما هلكوا تأسفا بهم لشدة حزنه عليهم ثم أنكر على نفسه ذلك فقال فَكَيْفَ آسى اى احزن حزنا شديدا بالفارسية [پس چهـ كونه اندوه خورم وغمناك شوم] فهو مضارع متكلم من الاسى من باب علم وهو شدة الحزن عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ مصرين على الكفر ليسوا أهل حزن لاستحقاقهم ما نزل عليهم بكفرهم او قاله اعتذارا من عدم تصديقهم له وشدة حزنه عليهم. والمعنى لقد بالغت فى الإبلاغ والانذار وبذلت وسعى فى النصح والإشفاق فلم تصدقوا قولى فكيف آسى عليكم: وفى المثنوى
چون شوم غمكين كه غم شد سرنكون ... غم شما بوديد اى قوم حرون
كژ مخوان اى راست خواننده ببين ... كيف آسى خلف قوم ظالمين
قال فى التأويلات النجمية يعنى خرجت عن عهدة تكليف التبليغ فانه ما على الرسول الا البلاغ فانه وان نصحت لكم فما على من إقراركم وانكاركم شىء ان أحسنتم فالميراث الجميل لكم وان(3/204)
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95)
اسأتم فالضرر بالتألم عائد عليكم ومالك الأعيان اولى بها من الأعيان فالخلق خلقه والملك ملكه ان شاء هداهم وان شاء أغواهم فكيف آسى على قوم كافرين فلا تأسف على نفى وفقد ولا اثر من كون ووجود لان الكل صادر من حكيم بالغ فى حكمته كامل فى قدرته انتهى قال الله تعالى لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وهذا انما يحصل عند الفناء الكلى وهو للانبياء عليهم السلام وكمل الأولياء واعلم ان كل اهل ابتلاء ليس بمحل للرحمة عند نظر الحقيقة لان الله تعالى ابتلاه بسبب جفائه إياه فقد اكتسبه بعلمه فكيف يترحم له ولذا كان اهل الحقيقة كالسيف الصارم مع كونهم رحم خلق الله تعالى ألا ترى الى قوله تعالى وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ:
قال السعدي قدس سره
كرا شرع فتوى دهد بر هلاك ... ألا تا ندارى ز كشتنش باك
والله تعالى غيور وعبده فى غيرته فالحلم والغضب بقدر ما اذن فيه الشرع من اخلاق الأنبياء وهو لا يقدح فى فراغ القلب عن كل وصف لان رعاية الاحكام الظاهرة لا تنافى التوغل فى الحقيقة فعلى العاقل ان يدور بالأمر الإلهي ويرفع عن لسانه وقلبه لم لا وكيف فان الأمر بيد الله تعالى لا بيده قال ابراهيم بن أدهم لرجل أتحب ان تكون لله وليا قال نعم قال لا ترغب فى شىء من الدنيا والآخرة وفرغ نفسك لله واقبل بوجهك عليه ليقبل عليك ويواليك فعلم من هذا ان من كان إقباله الى نفسه والى هواها لا يجد الحق وإقباله وموالاته فى كل حالاته ومقاماته كما لا يخفى وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ [در شهرى وديهى] مِنْ مزيدة نَبِيٍّ كذبه أهلها إِلَّا قد أَخَذْنا أَهْلَها استثناء مفرغ من أعم الأحوال. والمعنى وما أرسلنا فى قرية من القرى المهلكة نبيا من الأنبياء المكذبين فى حال من الأحوال الا فى حال كوننا آخذين أهلها بِالْبَأْساءِ بالبؤس والفقر وَالضَّرَّاءِ بالضر والمرض لكن لا على معنى ان ابتداء الإرسال مقارن للاخذ المذكور بل على انه مستتبع له غير منفعك عنه بالآخرة لاستكبارهم عن اتباع نبيهم وتعززهم عليه لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ كى يتضرعوا ويتذللوا ويحطوا أردية الكبر والعزة عن أكتافهم فان الشدة خصوصا الجوع يؤدى الى التواضع والانقياد فى حق اكثر العباد. ومن بلاغات الزمخشري المرض والحاجة خطبان امرّ من نقيع الخطبان وهم بضم الخاء نوع من ورق الحنظل اصفر وهو ابلغ فى المرارة ثُمَّ بَدَّلْنا عطف على أخذنا داخل فى حكمه مَكانَ السَّيِّئَةِ التي أصابتهم الْحَسَنَةَ اى أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء والمحنة الرخاء والسعة لان ورود النعمة بعد الشدة يدعوا الى الانقياد والاشتغال بالشكر انما سميت الشدة سيئة لانها تسوء الإنسان كما سمى الرخاء حسنة لانه يحسن اثره على الإنسان والا فالسيئة هى الفعلة القبيحة والله تعالى لا يفعل القبيح والحسنة والسيئة من الألفاظ المستغنية عن ذكر موصوفاتها حالة الافراد والجمع سواء كانتا صفتين للاعمال او المثوبة او الحالة من الرخا والشدة حَتَّى عَفَوْا كثروا عددا وعددا وابطرتهم النعمة يقال عفا النبات إذا كثر وتكاثف ومنه إعفاء اللحى فى الحديث وهو (احفوا الشوارب واعفوا اللحى) : قال الشاعر
عفوا من بعد إقلال وكانوا ... زمانا ليس عند همو بعير(3/205)
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)
وَقالُوا غير واقفين على ان ما أصابهم من الامرين ابتلاء من الله سبحانه قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ كما مسنا ذلك وما هو الا عادة الدهر يسيىء تارة ويحسن اخرى فكما ان آباءنا قد تبتوا على دينهم ولم ينتقلوا عنه مع ما أصابهم فاثبتوا أنتم على دينكم ولا تنتقلوا عنه فَأَخَذْناهُمْ اثر ذلك بَغْتَةً فجأة أشد الاخذ وأفظعه وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بنزول العقاب وهم لا يخطرون ببالهم شيأ من المكاره وهو أشد وحسرته أعظم لان المرء إذا رأى مقدمات الابتلاء يوطن نفسه عليها بخلاف حال الفجأة وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى اى القرى المهلكة المدلول عليها بقوله تعالى مِنْ قَرْيَةٍ آمَنُوا وَاتَّقَوْا مكان كفرهم وعصيانهم لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لو سعنا عليهم الخير ويسرناه لهم من كل جانب مكان ما أصابهم من فنون العقوبات التي بعضها من السماء وبعضها من الأرض واكثر اهل التفسير على ان بركات السماء هى المطر وبركات الأرض النبات والثمار وَلكِنْ كَذَّبُوا الرسل فَأَخَذْناهُمْ هذا الاخذ عبارة عما فى قوله تعالى فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ من انواع الكفر والمعاصي وفى الآية دلالة على ان الكفاية والسعة فى الرزق من سعادة المرء إذا كان شاكرا او المراد بقوله لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة الكثرة التي تكون وبالا على من لا يشكر الله تعالى قال فى التفسير الفارسي [در حقايق سلمى فرموده كه اگر بندگان بگرديدندى بمواعد من وحذر كردندى از مخالفت يا بترسيدندى از تهديد من دلهاء ايشانرا بنور مشاهده خود روشنى دادمى كه ببركت سما اشارت بدانست وجوارح وأعضاء ايشانرا بخدمت خود بياراستمى كه بركت زمين عبارت از آنست
در زمين وآسمان درهاء جود ... مى كشايند از پى اهل سجود
از زمين پر اطاعت باز كن ... بر سماى معرفت پرواز كن
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى الهمزة لانكار الواقع واستقباحه لا لانكار الوقوع ونفيه والفاء للعطف على قوله فاخذناهم بغتة. والمعنى ابعد ذلك الاخذ أمن اهل مكة ومن حولها من المكذبين لك يا محمد أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا عذابنا بَياتاً ليلا وَهُمْ نائِمُونَ فى فرشهم ومنازلهم لا يشعرون بالعذاب لغفلتهم أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى [يا ايمن شدند اهل شهرها] أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى ضحوة النهار وبالفارسي [در وقت چاشت] وهو فى الأصل ضوء الشمس إذا ارتفعت وَهُمْ يَلْعَبُونَ اى يلهون من فرط الغفلة بصرف الهمم فيما لا ينفع لا فى امر الدين ولا فى امر الدنيا او يشتغلون بما لا ينفعهم من امور الدنيا فان من اشتغل بدنياه واعرض عن آخرته فهو كاللاعب [ملخص سخن آنست كه بعد از تكذيب رسل از عذاب الهى ايمن نتوان بود نه بروز ونه بشب] أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ مكر الله استعارة لاستدراجه العبد واخذه من حيث لا يحتسب والمراد به إتيان بأسه تعالى فى الوقتين المذكورين قال الحدادي انما سمى العذاب مكرا على جهة الاتساع والمجاز لان المكر ينزل بالممكور من جهة الماكر من حيث لا يشعر واما المكر الذي هو الاحتيال للاظهار بخلاف الإضمار فذلك لا يجوز على الله فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ الفاء فاء جواب شرط محذوف اى إذا كان استدراجه واخذه على هذا(3/206)
أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100) تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105)
الوجه فلا يأمن مكره بهذا المعنى إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ الذين ليسوا من القوم الرابحين قيل معنى الآية ولا يأمن عذاب الله من العصاة او لا يأمن عذاب الله من المذنبين والأنبياء عليهم السلام لا يأمنون عذاب الله على المعصية ولهذا لا يعصون بانفسهم انتهى قال فى التأويلات النجمية مكره تعالى مع اهل القهر بالقهر ومع اهل اللطف باللطف فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ من اهل القهر إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ الذين خسروا سعادة الدارين ومن اهل اللطف الا الخاسرون الذين خسروا الدنيا والعقبى وربحوا المولى فعلى هذا اهل الله هم الآمنون من مكر الله لان مكر الله فى حقهم مكر باللطف دل عليه قوله أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ولهذا قال وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ لان مكرهم مكر فى مستحقيه وغير مستحقيه بالقهر ومكره فى مستحقيه باللطف فافهم واعتبر جدا انتهى واعلم ان الامن من مكر الله تعالى قد عد كفرا لكن هذا بالنسبة الى اهل المكر دون اهل الكرم فان كمل الأولياء مبشرون بالسلامة فى حياتهم الدنيوية كما قال تعالى هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
فلهم سلامة دنيوية واخروية كما قال تعالى فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ لكنهم يكتمون سلامتهم لكونهم مأمورين بالكتمان وعلمهم بسلامتهم يكفى لهم ولا حاجه لهم بعلم غيرهم واما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلهم ان يخبروا بسلامتهم لكونهم شارعين فلا بد لغيرهم من العلم بسلامتهم حتى يؤمن ويقبل دعوتهم أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها عدى فعل الهداية باللام لانها بمعنى التبيين والمفعول محذوف والفاعل قوله ان لو نشاء ومعنى يرثون الأرض من بعد أهلها يخلفون من خلا قبلهم من الأمم المهلكة ويرثون ديارهم والمراد بهم اهل مكة ومن حولها. والمعنى أو لم يبين ويوضح لهم عاقبة أمرهم ان سلكوا طريق أسلافهم أَنْ مخففة اى ان الشان لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ اى بجزاء ذنوبهم وسيآتهم او بسبب ذنوبهم كما أصبنا من قبلهم قال سعدى چلبى المفتى ويجوز ان يضمن معنى أهلكناهم فلا حاجة الى تقدير المضاف وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ عطف على ما يفهم من قوله تعالى أَوَلَمْ يَهْدِ كأنه قيل لا يهتدون ونطبع على قلوبهم اى نختم عليها عقوبة لهم فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ اى اخبار الأمم المهلكة فضلا عن التدبر والنظر فيها والاغتنام بما فى تضاعيفها من الهدايات قال الكاشفى [كوش دل از استماع سخن حق فائده دارد نه كوش آب وگل]
اين سخن از كوش دل بايد شنود ... كوش كل اينجا ندارد هيچ سود
كوش سر با جمله حيوان همدم است ... كوش سر مخصوص نسل آدم است
كوش سر چون جانب گوينده است ... كوش سر سهلت اگر آكنده است
تِلْكَ الْقُرى يعنى قرى الأمم المار ذكرهم قاللام للعهد نَقُصُّ عَلَيْكَ [خوانده ايم بر تو] مِنْ أَنْبائِها من للتبعيض اى بعض اخبارها التي فيها عظة وتذكير وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ الباء متعلقة اما بالفعل المذكور على انها للتعدية واما بمحذوف وقع حالا من فاعله اى ملتبسين بالبينات. والمعنى وبالله لقد جاء كل امة من تلك الأمم المهلكة رسولهم الخاص بهم بالمعجزات البينة المتكثرة المتواردة عليهم الواضحة الدلالة على صحة رسالته الموجبة(3/207)
وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)
للايمان حتما فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا اى فما صح وما استقام لقوم من أولئك الأقوام ان يؤمنوا عند مجىء الرسل بها بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ الباء صلة لم يؤمنوا اى بما كذبوه من قبل مجىء الرسل بل كانوا مستمرين على التكذيب فما كذبوه عبارة عن اصول الشرائع التي أجمعت عليها الرسل قاطبة ودعوا أممهم إليها مثل ملة التوحيد ولوازمها ومعنى تكذيبهم بها قبل مجىء رسلهم انهم ما كانوا فى زمن الجاهلية بحيث لم يسمعوا كلمة التوحيد قط بل كانت كل امة من أولئك الأمم يتسامعون بها من بقايا من قبلهم فيكذبونها ثم كانت حالتهم بعد مجىء رسلهم كحالتهم قبل ذلك كأن لم يبعث إليهم أحد ويجوز ان يكون المراد بعدم ايمانهم المذكور إصرارهم على ذلك وبما أشير بقوله تعالى بما كذبوا من قبل تكذيبهم من لدن مجىء الرسل الى وقت الإصرار والعناد. فالمعنى حينئذ فما كانوا ليؤمنوا مدة عمرهم بما كذبوا به اولا حين جاءتهم الرسل ولم تؤثر فيهم قط دعوتهم المتطاولة والآيات المتتابعة فما كذبوه عبارة عن جميع الشرائع التي جاء بها كل رسول أصولها وفروعها وعلى كلا التقديرين فالضمائر الثلاثة متوافقة فى المرجع. وقيل ضمير كذبوا راجع الى أسلافهم. والمعنى فما كان الأبناء ليؤمنوا بما كذب به الآباء وحمله المولى ابو السعود على التعسف يقول الفقير لو كانت الضمائر الثلاثة متوافقة فى المرجع ايضا وجعل التكذيب تكذيب الآباء فى الحقيقة وانما أسند الى الأبناء ما حقه ان ينسب إليهم من حيث الاتصال بينهم ورضى بعضهم عن بعض فيما فعله لكان معنى لا تعسف فيه أصلا كما سبق أمثاله فى البقرة فى مخاطبات اليهود المعاصرين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كَذلِكَ فى محل النصب على انه مفعول يَطْبَعُ اى مثل ذلك الطبع الشديد المحكم يطبع اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ اى من المذكورين وغيرهم فلا يكاد يؤثر فيها الآيات والنذر ويجوز ان يكون اشارة الى ما قبله اى مثل ذلك الطبع الذي طبع الله على قلوب كفار الأمم الخالية يطبع على قلوب الكفرة الذين كتب عليهم ان لا يؤمنوا ابدا وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ لقينا فوجدنا بمعنى صادفنا مِنْ عَهْدٍ من مزيدة فى المفعول والمضاف محذوف إذ لا وجه لنفى نفس العهد اى ما وجدنا لاكثرهم من وفاء عهد فانهم نقضوا ما عاهدوا الله عليه عند مساس البأساء والضراء قائلين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين وتخصيص هذا الشان بأكثرهم ليس لان بعضهم كانوا يفون بعهودهم بل لان بعضهم كانوا لا يعاهدون ولا يفون ويحتمل ان يكون وجدنا بمعنى علمنا ويكون من عهد مفعوله الاول ولاكثرهم مفعوله الثاني وَإِنْ مخففة اى ان الشان وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ اى علمنا اكثر الأمم لَفاسِقِينَ خارجين عن الطاعة ناقضين للعهود وفى ترجمة الجلد الأخير من الفتوحات المكية [حق تعالى بموسى عليه السلام وحي كرد هر كه باميد تو آيد او را بي بهره مكذار وهر كه زينهار خواست او را زينهار ده موسى عليه السلام در سياحت بود ناكاه كبوترى بر كتف نشست وبازي عقب او آمد وقصد آن كبوتر داشت بر كتف ديكر فرود آمد آن كبوتر در آستين موسى عليه السلام در آمد وزينهار ميخواست وباز بزبان فصيح بموسى آواز داد كه اى پسر عمران مرا بي بهره مكذار وميان من ورزق من جدايى ميفكن(3/208)
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103)
موسى عليه السلام كفت چهـ زود مبتلا شدم ودست كرد تا از ران خود پاره قطع كند براى طعمه باز تا حفظ عهد كرده باشد وبكار هر دو وفا نموده كفتند يا ابن عمران تعجيل مكن كه ما رسولانيم وغرض آن بود كه صحت عهد تو آزمايش كنيم]
أيا سامعا ليس السماع بنافع ... إذا أنت لم تفعل فما أنت سامع
إذا كنت فى الدنيا عن الخير عاجزا ... فما أنت فى يوم القيامة صانع
ولا كلام فى وفاء الأنبياء بعهودهم ونقض الفاسقين لمواثيقهم وانما الكلام فيمن ادعى الايمان والاستسلام ثم لم يف بعهده يوما من الايمان: قال الحافظ
وفامجو ز كس ور سخن نمى شنوى ... بهر زه طالب سيمرغ وكيميا ميباش
وعن عبد الرحمن بن عوف بن مالك الأشجعي قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة او ثمانية او سبعة فقال (ألا تبايعون رسول الله) وكنا حديثى عهد ببيعته فقلنا قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك قال (ان تعبدوا الله ولا تشركوا به شيأ وتقيموا الصلوات الخمس وتطيعوا) واسر كلمة خفية (ولا تسألوا الناس) فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم لم يسأل أحدا يناوله إياه يعنى خوفا من نقض العهد واهتماما فى امر الوفاء فانظر الى هؤلاء الرجال ومبايعتهم ودخولهم فى طريق الحق ومسارعتهم فاذا احترزوا عن سؤال مناولة السوط الذي سقط من أيديهم فما ظنك فى الاحتراز عما فوقه من الأحوال المتواردة عليهم وأنت يا رجل وكلنا ذلك الرجل تجول فى ميدان الخواطر الفاسدة ثم لا تقنع بذلك بل تطير الى جانب مرادك من الافعال الباطلة والأقوال الكاسدة ولعمرى هذا ليس فى طريق العوام فكيف فى طريق الصوفية الذين عقدوا عقدا على ان لا يخطر ببالهم سوى الله ولا يسألوا منه تعالى غير الوصول الى ذاته اين هم والله ان هذا زمان لم يبق من التصوف الا الاسم ولا من لباس التقوى الا الرسم نسأل الله تعالى ان يوجهنا الى محراب ذاته ويسلك بنا الى طريق أفعاله وصفاته ويفيض علينا من سجال بركاته ويشرفنا بالخاصة من هداياته انه هو الفياض من مشرع عناياته ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى اى أرسلنا من بعد انقضاء وقائع الرسل المذكورين وهم نوح وهود ولوط وصالح وشعيب عليهم السلام والتصريح بذلك مع دلالة ثم على التراخي للايذان بان بعثه عليه السلام جرى على سنن السنة الإلهية من إرسال الرسل تترى فان الله تعالى من كمال رحمته على خلقه يبعث عند انصرام كل قرن وانقراض كل قوم نبيا بعد نبى كما يخلف قوما بعد قوم وقرنا بعد قرن ويظهر المعجزات على يدى النبي ليخرجهم بظهور نور المعجزات من ظلمات الطبيعة الى نور الحقيقة قان اغلب اهل كل زمان وقرن وأكثرهم غافلون عن الدين وحقائقه مستغرقون فى بحر الدنيا مستهلكون فى اودية الشهوات واللذات النفسانية الحيوانية ظلمات بعضها فوق بعض بِآياتِنا حال من مفعول بعثنا وهو موسى اى بعثناه عليه السلام ملتبسا بآياتنا وهى الآيات التسع المفصلات التي هى العصا واليد البيضاء والسنون ونقص الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم كما سيأتى إِلى فِرْعَوْنَ هو لقب لكل من ملك مصر من العمالقة كما ان كسرى لقب لكل من ملك فارس. وقيصر(3/209)
وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105)
لكل من ملك الروم. وخاقان لكل من ملك الصين. وتبع لكل من ملك اليمن. والقيل لكل من ملك العرب. والنجاشي لكل من ملك الحبش. والخليفة لكل من ملك بغداد. والسلطان لآل سلجوق واسمه قابوس وقيل الوليد بن مصعب بن ريان وكان من القبط وعمر اكثر من اربعمائة سنة وَمَلَائِهِ اى اشراف قومه وتخصيصهم مع عموم رسالته للقوم كافة لاصالتهم فى تدبر الأمور واتباع غيرهم لهم فى الورود والصدور فَظَلَمُوا بِها عدى بالباء لتضمين ظلموا معنى كفروا اى كفروا بالمعجزات وظلموا عليها بان جعلوها سحرا فوضعوها فى غير موضعها فَانْظُرْ بعين عقلك يا من شأنه النظر والتأمل كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ الى كيفية ما فعلنا بهم فكيف خبر كان وعاقبة اسمها والجملة فى محل النصب بنزع الخافض إذ التقدير فانظر الى كذا ووضع المفسدين موضع ضميرهم للايذان بان الظلم مستلزم للافساد وفى التفسير الفارسي [حضرت موسى عليه السلام چون از مصر فرار نمود ودر مدين بصحبت شعيب عليه السلام رسيد ودختر او صفورا بعقد در آورده عزم مراجعت با مصر نمود در اثناى طريق بوادي ايمن رسيد وخلعت پيغمبرى يافت بمعجزه عصا ويد بيضا اختصاص پذيرفت حق سبحانه وتعالى فرمود كه بمصر رو وفرعون را بخداى تعالى دعوت كن موسى بيامد وبعد از مدتى كه ملاقات فرعون دست داد آغاز دعوت كرد] قال الحدادي نقلا عن ابن عباس كان طول عصا موسى عشرة اذرع على طوله وكانت من آس الجنة يضرب بها الأرض فيخرج بها النبات فيلقيها فاذا هى حية تسعى ويضرب بها الحجر فيتفجر وضرب بها باب فرعون ففزع منها فشاب رأسه فاستحيى فخضب بالسواد وأول من خضب بالسواد فرعون وهو حرام لا يجد فاعله رائحة الجنة قال صاحب المحيط هذا فى حق غير الغزاة اما من فعله من الغزاة ليكون اهيب فى عين العدو لا للتزين فغير حرام وَقالَ مُوسى اى لما دخل على فرعون ومعه اخوه هارون بعثهما الله اليه بالرسالة قال يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ اى إليك مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أدعوك الى عبادة رب العالمين وأنهاك عن دعوى الربوبية فقال له فرعون كذبت ما أنت برسول فقال موسى حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ اى جدير بان لا أقول على الله الا الحق فوضع على موضع الباء لافادة التمكن كقولك رميت على القوس وجئت على حالة حسنة اى رميت بالقوس وجئت بحالة حسنة او ضمن حقيق معنى حريص وفى المدارك ويجوز تعلق على بمعنى الفعل فى الرسول اى انى رسول حقيق جدير بالرسالة أرسلت على ان لا أقول على الله الا الحق انتهى. وقرأ نافع على بتشديد الياء ثم ان موسى لما ادعى انه رسول من رب العالمين ذكر ما يدل على صحة دعواه فقال قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ اى بمعجزة ظاهرة كائنة مِنْ رَبِّكُمْ يعنى العصا واليد فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ اى فخلهم حتى يذهبوا معى الى الأرض المقدسة التي هى وطن آبائهم وكان قد استعبدهم [وسبب آن بود كه چون يعقوب عليه السلام با أولاد وأحفاد خود بمصر آمدند همانجا قرار گرفتند ونسل ايشان بسيار شد ويعقوب ويوسف با برادران درگذشتند وملك ريان كه فرعون زمان يوسف بود وبمرد پسرش مصعب بنى إسرائيل را حرمت ميداشت ومتعرض(3/210)
قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110)
ايشان نمى شد چون او بمرد وليد كه فرعون زمان موسى بود بر تخت سلطنت نشست وزبان بلاف أنا ربكم الأعلى بگشاد بنى إسرائيل دعوى او قبول نكردند كفت پدر شما در مخريده كسان ما بود وشما بنده زادكان ماييد پس ايشانرا ببندگى كرفت] وكان يستعملهم فى الأعمال الشاقة مثل ضرب اللبن ونقل التراب وبناء المنازل وأشباه ذلك فلما جاء موسى أراد أن يرجع بهم الى موطن آبائهم الذين هو الأرض المقدسة وكان بين اليوم الذي دخل فيه يوسف مصر واليوم الذي دخل فيه موسى اربعمائة عام قالَ فرعون وهو استئناف بيانى إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ اى من عند من أرسلك كما تدعيه فَأْتِ بِها قاحضرها عندى ليثبت بها صدقك فان الإتيان والمجيء وان كانا بمعنى واحدا لان بينها فرقا من حيث ان المجيء يلاحظ فيه نقل الشيء من جانب المبدأ والإتيان يلاحظ فيه إيصاله الى المنتهى فان مبدأ المجيء هو جناب المرسل ومنتهى الإتيان هو المرسل اليه إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فى دعواك فَأَلْقى عَصاهُ من يده فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ وهو الحية الصفراء الذكر أعظم الحيات لها عرف كعرف الفرس مُبِينٌ اى ظاهر امره لا يشك فى كونه ثعبانا ولا يختلج ببال أحد كونه من جنس العصا- روى- انه لما القاها صارت ثعبانا أشعر اى كان له على ظهره شعور سود مثل الرماح الطوال فاغرا فاه اى فاتحابين لحييه ثمانون ذراعا وضع لحيه الأسفل على الأرض والأعلى على سور القصر ثم توجه نحو فرعون فهرب منه وأحدث وانهزم الناس مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون الفا فصاح فرعون يا موسى أنشدك بالذي أرسلك خذه وانا أؤمن بك وأرسل معك بنى إسرائيل فاخذه فعاد عصا والاشارة ان الله تعالى جعل عصاه ثعبانا لانه أضافها الى نفسه حين قال هِيَ عَصايَ ثم جعلها محل حاجاته حيث قال وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى ففيه اشارة الى ان كل شىء أضفته الى نفسك ورأيته محل حاجاتك فانه ثعبان يبتلعك ولهذا ف أَلْقِها يا مُوسى يعنى لا تتمسك بها ولا تتوكأ عليها ولا كان قادرا على ان يجعلها فى يده ثعبانا كذا فى التأويلات النجمية ثم قال له فرعون هل معك آية اخرى قال نعم وَنَزَعَ يَدَهُ اى أخرجها من جيبه او من تحت إبطه فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ اى بيضاء بياضا نورانيا خارجا عن العادة ويجتمع عليها النظارة تعجبا من أمرها وذلك ما يروى انه ارى فرعون يده وقال ما هذه فقال يدك ثم أدخلها جيبه وعليه مدرعة من صوف ونزعها فاذا هى بيضاء بياضا نورانيا غلب شعاعه شعاع الشمس وكان عليه السلام آدم شديد الادمة وفيه اشارة الى ان الا يدى قبل تعلقها بالأشياء كانت بيضاء فلما تمسكت بالأشياء سارت ظلمانية فاذا نزعت عنها تصير بيضاء كما كانت فافهم جدا فلما شاهد فرعون هذه المعجزة تشاور مع اشراف قومه فى امر موسى قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ اى الاشراف منهم وهم اصحاب مشورته إِنَّ هذا لَساحِرٌ [جادويست] عَلِيمٌ مبالغ فى علم السحر ماهر فيه ولما كان السحر غالبا فى ذلك الزمان ولا شك ان اهل كل صنعة على طبقات مختلفة بحسب الحذاقة والمهارة زعم القوم ان موسى كان حاذقا فى علم السحر بالغا فيه الى أقصى الغاية وانه جعل علمه وسيلة الى طلب الملك والرسالة فلذلك قالوا يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ(3/211)
قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)
بسحره مِنْ أَرْضِكُمْ مصر ويجعل الحكومة لبنى إسرائيل فلما سمع فرعون هذا قال فَماذا تَأْمُرُونَ بفتح النون وما فى فماذا فى محل النصب على انه مفعول ثان لتأمرون بحذف الجار والاول محذوف والتقدير بأى شىء تأمروننى اى فاذا كان كذلك فماذا تشيرون قالُوا لفرعون أَرْجِهْ أصله ارجئه بهمزة ساكنة وهاء مضمومة والارجاء التأخير وَأَخاهُ هارون وعدم التعرض لذكره قيل لظهور كونه معه حسبما تنادى به الآيات الأخر. والمعنى آخر أمرهما ولا تعجل وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ الجار متعلق بأرسل. والمدائن جمع مدينة وهى البقعة المسوّرة المستولى عليها ملك والمدائن صعيد مصر وكان له مدائن فيها السحرة المعدة لوقت الحاجة إليهم. والمعنى وابعث الشرط الى هذه المدائن حاشِرِينَ مفعوله محذوف اى حاشرين السحرة. والمعنى ليحشروا ويجمعوا إليك من فيها من السحرة يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ اى ماهر فى السحر. والسحر فى اللغة لطف الحيلة فى اظهار الاعجوبة واصل ذلك من خفاء الأمر ومن ذلك سمى آخر الليل سحرا لخفاء الشخص ببقاء ظلمته والسحر الرئة سميت بذلك لخفاء أمرها بانتفاخها تارة وضمورها اخرى [آورده اند كه بهيچ قرن چندان ساحر نبوده كه در قرن موسى ورؤساء سحره بأقصى مداين صعيد بودند در تفسير دمياطى آورده كه در مداين صعيد دو برادر بودند كه ايشانرا در فن سحر وقوفي تمام بود چون فرستاده فرعون بديشان رسيد مادر خود را گفتند ما را بسر قبر پدر ما بر چنان كرد وايشان پدر خود را آواز دادند كه يا ابتا ملك مصر ما را طلبيده بجهت آنكه دو كس آمده اند بي لشكر وسپاه وكاربر وبد وننك آورده وايشانرا عصاييست چون مى افكنند اژدرها ميشود وهر چهـ پيش او آيد مى خورد وفرعون داعيه نموده كه ما را با او معارضه فرمايد صاحب قبر جواب داد كه چون بمصر رسيد پرسيد كه وقتى كه ايشان در خواب ميشود آن عصا همان اژدرها ميشود يا نه اگر ميكردد بدانيد كه جادويى نيست چهـ سحر ساحر وقتى كه در خواب باشد اثر ندارد چون حال بدين منوال باشد نه شما وهيچكس از عالميان را قوت معارضه با ايشان نخواهد بود القصة برادران با شاكردان ومصاحبان كه دوازده هزار بودند ودر زاد المسير كويد هفتاد هزار بمصر آمدند وبنزد فرعون جمع شدند] توهموا انهم بالتأخير وحسن التدبير وبذلك الجد والتشمير يغيرون شيأ من التقدير ولم يعلموا ان الحق غالب والحكم سابق وعند حلول الحكم فلا سلطان للعلم والفهم وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ بعد ما أرسل إليهم الحاشرين قالُوا واثقين بغلبتهم إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ بطريق الاخبار بثبوت الاجر وإيجابه كأنهم قالوا لا بدلنا من اجر عظيم حينئذ او بطريق الاستفهام التقريرى بحذف الهمزة وقولهم ان كنا لمجرد تعيين مناط ثبوت الاجر لا لترددهم فى الغلبة وتوسيط الضمير وتحلية الخبر باللام للقصر اى ان كنا نحن الغالبين لا موسى قالَ نَعَمْ اى ان لكم لاجرا وَإِنَّكُمْ مع ذلك لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ عندى فى المنزلة قال الكلبي قال لهم تكونون أول من يدخل مجلسى وآخر من يخرج منه وفى التأويلات النجمية اجرى الله هذا على لسان فرعون حقا(3/212)
قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119)
وصدقا بانهم صاروا من المقربين عند الله لا عند فرعون انتهى [آورده اند كه مهتر اين جماعت چهار تن بودند وآن دو برادر كه شابور وغادور ميكفتند وديكر حطط ومصفى ودر لباب آورده كه اين چهار نيز مهترى بود شمعون نام چون بمصر آمدند وشابور وغادور واقعه سؤال وجواب پدر با قوم كفتند ايشان از قصه خواب وبيدارىء موسى واژدرها شدن عصا استفسار بليغ نمودند معلوم شد كه هرگاه موسى در خوابست عصا اژدرها شده پاسبانى ميكند ايشانرا ترددى پديد آمد ودغدغه در خاطر خطور كرد نهان ميداشتند تا وقتى كه فرعون موسى را طلبيده ومقرر شد كه جادوان مناظره كنند ومجلس معارضه انتظام يافت ساحران وعصا ور سنى چند بميدان آوردند فرعون بالاى تخت بتفرج بنشست ومردم مصر بنظاره حاضر شدند هفتاد هزار ساحر بر يك طرف وموسى وهارون بر يك جانب بايستادند جادوان بطريق ادب پيش آمده] قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ اى عصاك اولا وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ اى حبالنا وعصينا اوّلا خيروا موسى عليه السلام فان كلمة اما فيها للتخيير ويطلق عليها حرف العطف مجازا قال المفسرون تأدبوا مع موسى عليه السلام فكان ذلك سبب ايمانهم قالَ أَلْقُوا ان قيل كيف قال القوا والأمر بالسحر لا يجوز أجيب يجوز القوا ان كنتم محقين على زعمكم ويجوز ان يكون أمرهم بالإلقاء لتأكيد المعجزة قال القاضي قال القوا كرما وتسامحا وازدراء بهم ووثوقا على شأنه يعنى ليس أمرهم بالإلقاء قبله من قبيل الإباحة للسحر والرضى بالكفر. والمعنى القوا ما تلقون فَلَمَّا أَلْقَوْا ما القوا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ [جادويى كردند بر چشمهاى مردمان] بان خيلوا إليهم ما لا حقيقة له قال ابن الشيخ قلبوها وصرفوها على ان تدرك الشيء على ما هو عليه بسبب ما فعلوه من التمويهات وَاسْتَرْهَبُوهُمْ استفعل هاهنا بمعنى افعل والسين لتأكيد معنى الرهبة اى بالغوا فى ارهابهم وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ فى وقته- روى- انهم جمعوا حبالا غلاظا وخشبا طوالا كأنها حيات جسام غلاظ ولطخوا تلك الحبال بالزئبق وجعلوا الزئبق داخل تلك العصى فلما اثرت حرارة الشمس فيها تحركت والتوى بعضها على بعض وكانت كثيرة جدا تخيل الناس انها تتحرك وتلتوى باختيارها وصار الميدان كأنه مملوء بالحيات وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ الفاء فصيحة اى فالقاها فصارت حية فاذا هى تلقف اى تلقم وتبتلع من لقف يلقف على وزن علم يعلم يقال لقفته القفة لقفا وتلقفته اتلقفه تلقفا إذا أخذته بسرعة فاكلته وابتلعته ويأفكون اى يزورون من الافك وهو الصرف وقلب الشيء عن وجهه- روى- انها لما تلقفت حبالهم وعصيهم وابتلعتها بأسرها أقبلت على الحاضرين فهربوا وازدحموا حتى هلك جمع عظيم لا يعلم عددهم الا الله تعالى ثم أخذها موسى فصارت عصا كما كانت وأعدم الله بقدرته القاهرة تلك الاجرام العظام او فرقها اجزاء لطيفة فقالت السحرة لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصينا فَوَقَعَ الْحَقُّ اى ثبت وصدق موسى عليه السلام فى قوله انى رسول من رب العالمين حيث صدقه الله تعالى بما اظهر على يده من المعجزة الباهرة وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى ظهر بطلان ما كانوا مستمرين على عمله وهو السحر فَغُلِبُوا اى فرعون واتباعه هُنالِكَ(3/213)
وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)
اى فى مجلسهم وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ اى صاروا أذلاء مبهوتين فالانقلاب هنا بمعنى الصيرورة وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ اى خروا سجدا كأنما ألقاهم ملق لشدة خرورهم كيف لا وقد بهرهم الحق واضطرهم الى ذلك. ففى الكلام استعارة تمثيلية حيث شبه حالهم فى سرعة الخرور وشدته حين شاهدوا المعجزة القاهرة بحال من القى على وجهه فعبر عن حالهم بما يدل على حال المشبه به قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ ابدلوا الثاني من الاول لئلا يتوهم ان مرادهم فرعون لان فرعون وان ربى موسى وهو صغير الا انه لم يرب هارون قطعا قال ابن عباس آمنت السحرة واتبع موسى من بنى إسرائيل ستمائة الف قالَ فِرْعَوْنُ منكرا على السحرة موبخا لهم على ما فعلوه آمَنْتُمْ بِهِ بهمزة واحدة اما على الاخبار المحض المتضمن للتوبيخ او على الاستفهام التوبيخي بحذف الهمزة كمامر فى ان لنا لأجرا قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ اى بغير ان آذن لكم كما فى قوله تعالى لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي لا ان الاذن منه ممكن فى ذلك إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ يعنى ان ما صنعتموه ليس مما اقتضى الحال صدوره عنكم لقوة الدليل وظهور المعجزة بل هو حيلة احتلتموها أنتم وموسى فِي الْمَدِينَةِ يعنى مصر قبل ان تخرجوا الى الميعاد- روى- ان موسى وامير السحرة التقيا فقال له موسى أرأيتك ان غلبتك لتؤمنن بي وتشهدون أن ما جئت به الحق فقال الساحر والله لئن غلبتنى لاؤمنن لك وفرعون يسمعها وهو الذي نشأ عنه هذا القول لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها يعنى القبط وتخلص لكم ولبنى إسرائيل فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عاقبة ما فعلتم وهو تهديد مجمل تفصيله لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ اى من كل شق طرفا يعنى ايديكم اليمنى وأرجلكم اليسرى ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ على شاطىء نهر مصر على جذوع النخل تفضيحا لكم وتنكيلا لامثالكم قيل هو أول من سن ذلك فشرعه الله تعالى لقطاع الطريق تعظيما لجرمهم ولذلك سماهم تعالى محاربة الله ورسوله قالُوا ثابتين على ما أحدثوا من الايمان وهو استئناف بيانى إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ راجعون اى بالموت لا محالة سواء كان ذلك من قبلك أم لا فلا نبالى بوعيدك او انا الى رحمة ربنا وثوابه منقلبون ان فعلت بنا ذلك كأنهم استطابوه شغفا على لقاء الله تعالى: وفى المثنوى
جانهاى بسته اندر آب وگل ... چون رهند از آب وكلها شاد دل «1»
در هواى عشق حق رقصان شوند ... همچوقرص بدر بي نقصان شوند
چون نقاب تن برفت از روى روح ... از لقاى دوست دارد صد فتوح «2»
ميزند جان در جهان آبگون ... نعره يا ليت قومى يعلمون «3»
وَما تَنْقِمُ مِنَّا اى وما تنكر وما تعيب منا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا وهو خير الأعمال واصل المناقب ليس مما يتأتى لنا العدول عنه طلبا لمرضاتك ثم فزعوا الى الله تعالى فقالوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً اى أفض علينا من الصبر على وعيد فرعون ما يغمرنا كما يغمر الماء فافراغ الماء اى صبه من قبيل الاستعارة شبه الصبر على وعيد فرعون بالماء الغامر تشبيها مضمرا فى النفس وجعل نسبة الإفراغ اليه تخييلا للاستعارة بالكناية لان الإفراغ
__________
(1) در اواسط دفتر يكم در بيان مژده بردن خركوش سوى تخجيران إلخ
(2) لم أجد
(3) در اواسط دفتر پنجم در بيان جواب حضرت عزت عزرائيل را كه آنكه نظر بر زحم وتير ندارد إلخ(3/214)
وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131)
من لوازم الماء وملائماته وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ ثابتين على ما رزقتنا من الإسلام غير مفتونين من الوعيد قيل لم يقدر عليهم لقوله تعالى أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ وقال ابن عباس رضى الله عنهما فأخذ فرعون السحرة فقطعهم ثم صلبهم على شاطىء نيل مصر وفى المثنوى
ساحران چون حق او بشناختند ... دست و پادر جرمها در باختند
وفى القصة اشارة الى ان فرعون النفس ايضا منكر على ايمان سحرة صفاتها ويقول آمَنْتُمْ بِهِ اى بموسى الروح من قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ يعنى بالايمان به إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ يا سحرة الصفات فى موافقة موسى الروح فِي الْمَدِينَةِ مدينة القالب والبدن لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها وهو اللذات والشهوات البدنية الجسمانية فان صفات النفس إذا آمنت ووافقت الروح وصفاته خرجت من البدن لذات الدنيا وشهواتها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ حيلى ومكايدى فى ابطالكم واستيفاء اللذات والشهوات لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ بسكين التسويل عن الأعمال الصالحة ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ فى جذوع تعلقات الدنيا وزخارفها قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ لا الى الدنيا وما فيها وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً على قطع تعلقات الدنيا وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ لعبوديتك وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ- روى- ان فرعون بعد ما رأى من موسى عليه السلام ما رأى من معجزة العصا واليد البيضاء خافه أشد الخوف فلذلك لم يجب ولم يتعرض له بسوء بل خلى سبيله فلذلك قال له اشراف قومه أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ اى أتتركهم لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ اى يفسدوا على الناس دينهم فى ارض مصر ويصرفوهم عن متابعتك وَيَذَرَكَ عطف على يفسدوا وَآلِهَتَكَ معبوداتك قيل كان يعبد الكواكب والأصح كما فى التفسير الفارسي انه صنع لقومه أصناما على صورته وأمرهم بان يعبدوها تقربا اليه ولذلك قال انا ربكم الأعلى قالَ فرعون مجيبا لهم سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ [زود باشد كه بكشيم پسران ايشانرا] وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ اى نتركهن احياء ولا نقتلهن بل نستخدمهن والمقصود سنعود الى قتل أبنائهم واستخدام نسائهم كما كنا نفعل وقت ولادة موسى ليعلم انا على ما كنا عليه من القهر والغلبة ولا يتوهم انه المولود الذي حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يديه وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ اى مستعلون عليهم بالقوة كما كنا لم يتغير حالنا أصلا وهم مقهورون تحت أيدينا كذلك قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ تسلية لهم وعدة لحسن العاقبة حين سمعوا قول فرعون وعجزوا عنه اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ [يارى خواهيد از خداى تعالى در دفع بلاي فرعون] وَاصْبِرُوا على ما سمعتم من أقاويله الباطلة إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ اى ارض مصر يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ [ميراث دهد هر كرا ميخواهد از بندگان خود] وَالْعاقِبَةُ [عاقبة نيكو يا نصرت وظفر يا بهشت] لِلْمُتَّقِينَ الذين أنتم منهم لانه روى انه لما غلب سحرة فرعون وتبين نبوة موسى بسطوع حجته آمن بموسى من بنى إسرائيل ستمائة الف نفس واتقوا عن الشرك والعصيان وفيه إيذان بان الاستعانة بالله تعالى والصبر من باب التقوى: قال الحافظ
آنكه پيرانه سرم صحبت يوسف بنواخت ... اجر صبريست كه در كلبه احزان كردم(3/215)
قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)
قالُوا اى بنوا إسرائيل أُوذِينا اى من جهة فرعون مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا اى بالرسالة يعنون بذلك قتل أبنائهم قبل مولد موسى عليه السلام وبعده وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا اى رسولا يعنون به ما توعدهم به من إعادة قتل الأبناء وسائر ما كان يفعل بهم لعداوة موسى عليه السلام من فنون الجور والظلم والعذاب قالَ اى موسى عليه السلام لما رأى شدة جزعهم مما يشاهدونه مسليا لهم بالتصريح بما لوّح به فى قوله إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ الآية عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ اى يرجى ان ربكم قارب إهلاك عدوكم الذي فعل بكم ما فعل وتوعدكم باعادته. فعسى من العبد لطمع مضمون خبرها ومن الله تعالى اطماع وما أطمع الله فيه فهو واجب لان الكريم إذا أطمع ووعد وفى فيصير كأنه أوجبه على نفسه وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ اى يجعلكم خلفاء فى ارض مصر وفى الأرض المقدسة فَيَنْظُرَ النظر قد يراد به الفكر المؤدى الى العلم وقد يراد به تقليب الحدقة نحو المرئي ليترتب عليه الرؤية وكل واحد من المعنيين مستحيل فى حقه تعالى فهو مجاز عن الرؤية التي هى غاية للنظر اى فيرى كَيْفَ تَعْمَلُونَ أحسنا أم قبيحا فيجازيكم حسبما يظهر منكم من شكر وكفران وطاعة وعصيان وفى الحديث (ان الدنيا حلوة خضرة) يعنى حسنة فى المنظر تعجب الناظر والمراد من الدنيا صورتها ومتاعها وانما وصفها بالخضرة لان العرب تسمى الشيء الناعم خضرا او لتشبهها بالخضراوات فى سرعة زوالها وفيه بيان كونها غرارة يفتتن الناس بحسنها وطعمها وان الله مستخلفكم فيها اى جاعلكم خلفاء فى الدنيا يعنى ان أموالكم ليست هى فى الحقيقة لكم وانما هى لله تعالى جعلكم فى التصرف فيها بمنزلة الوكلاء فناظر كيف تعملون اى تتصرفون قيل معناه جاعلكم خلفاء ممن كان قبلكم ومعطى ما فى أيديهم إياكم فناظر هل تعتبرون بحالهم وتتدبرون فى مآلهم: قال السعدي قدس سره
نرود مرغ سوى دانه فراز ... چون دكر مرغ بيند اندر بند
پند كير از مصائب دكران ... تا نكيرند ديكران ز تو پند
والاشارة ان فرعون النفس قال له قوم الهوى والغضب والكبر أَتَذَرُ مُوسى الروح وَقَوْمَهُ من القلب والسر والعقل لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ فى ارض البشرية وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ من الدنيا والشيطان والطبع لا تعبد قالَ فرعون النفس سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وأبناء صفات الروح والقلب والنفس أعمالها الصالحة اى نبطل أعمالهم بالرياء والعجب وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ
اى الصفات التي منها تتولد الأعمال وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ بالمكر والخديعة والحيلة قالَ مُوسى الروح لِقَوْمِهِ وهم القلب والعقل والسر اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا على جهاد النفس ومخالفاتها ومتابعة الحق إِنَّ الْأَرْضَ اى ارض البشرية لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ يورث ارض بشرية السعداء الروح وصفاته فيتصف بصفاته ويورث ارض بشرية الأشقياء النفس وصفاتها فتتصف بصفاتها وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ يعنى عاقبة الخير والسعادة للاتقياء والسعداء منهم قالُوا يعنى قوم الروح له أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا اى قبل ان تأتينا بالواردات الروحانية قبل البلوغ كنا نتأذى من أوصاف البشرية ومعاملاتها وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا(3/216)
وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131)
بالواردات والإلهامات الروحانية بعد البلوغ تتأذى من دواعى البشرية قالَ يعنى الروح عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ النفس وصفاتها بالواردات الربانية ويدفع اذيته عنكم فبه يشير الى ان الواردات الروحانية لا تكفى لا فناء النفس وصفاتها ولا بد فى ذلك من تجلى صفات الربوبية وَيَسْتَخْلِفَكُمْ يعنى إذا تجلى الرب بصفة من صفاته لا يبقى فى ارض البشرية من صفات النفس صفة الا ويبدلها بصفات الروح والقلب ويستخلفها فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فى اقامة العبودية وأداء شكر نعم الربوبية كذا فى التأويلات النجمية وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ اى قوم فرعون واهل دينه وآل الرجل خاصته الذين يؤول امره إليهم وأمرهم اليه بِالسِّنِينَ جمع سنة وهى فى الأصل بمعنى العام مطلقا الا انها غلبت على عام القحط لكثرة ما يذكر عنه ويؤرخ به حتى صارت كالعلم له كالنجم غلب على الثريا وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ باصابة العاهات زيادة فى القحط لان الثمار قوت الناس وغذاؤهم وعن كعب يأتى على الناس زمان لا تحمل النخلة الا تمرة قال ابن عباس اما السنون فكانت لباديتهم واهل ماشيتهم واما نقص الثمرات فكان فى أمصارهم لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ كى يتذكروا ويتعظوا بذلك ويتيقنوا ان ذلك لاجل معاصيهم وينزجروا عما هم عليه من العتو والعناد فلعل علة المأخذ اما بناء على تجويز تعليل أفعاله تعالى بأغراض راجعة الى العباد كما ذهب اليه كثير من اهل السنة. واما تنزيلا لترتب الغاية على ماهى ثمرة له منزلة ترتب الغرض له فان استتباع أفعاله تعالى لغايات ومصالح متقنة جليلة من غيران تكون هى علة غائية لها بحيث لولاها لما اقدم عليها مما لا نزاع فيه دلت الآية على ان المحن والشدائد والمصيبات موجبات الانتباه والاعتبار ولكن لاهل السعادة واولى الابصار فاما اهل الشقاوة فلا ينبههم كثرة النعمة ولا يوقظهم شدة النقمة: قال الشيخ السعدي قدس سره
بكوشش نرويد كل از شاخ بيد ... نه زنكى بگرمابه كردد سفيد
فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ اى السعة والخصب وغيرهما من الخيرات قالُوا لَنا هذِهِ اى لاجلنا واستحقاقنا لها ولم يروا ذلك فضلا من الله وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ اى جدب وبلاء يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ اى يتشاءموا بموسى وأصحابه ويقولوا ما أصابتنا الا بشؤمهم وأصله يتطيروا أدغمت التاء فى الطاء لقرب مخرجهما واشتقاق التطير من الطير كالغراب وشبهه سمى الشؤم ضد اليمن طيرا وطائرا تسمية للمدلول باسم ما يدل عليه فانهم يجعلون الطير والطائر امارة ودليلا على شؤم الأمر وبناء التفعل فيه للتجنب اى لبعد الفاعل عن أصله كتحوب اى تجنب وتباعد من الحوب وهو الإثم وسيجيئ تفصيل الطيرة قال سعيد بن جبير كان ملك فرعون اربعمائة سنة فعاش ثلاثمائة سنة لا يرى مكروها ولوارى فى تلك المدة جوع يوم او حمى يوم او وجع ساعة لما ادعى الربوبية ولما قالوا سبب ما جاءنا من الخير والحسنة هو استحقاق أنفسنا إياه وسبب ما أصابنا من السيئة والشر هو شأمة موسى ومن معه كذبهم الله تعالى فى كل واحد من الحكمين بقوله أَلا اعلموا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ اى سبب ما أصابهم من الخير والشر انما هو عند الله تعالى وصفة قائمة به وهى قضاؤه وتقديره ومشيئته(3/217)
وهو الذي أيهما شاء أصابهم به وليس بيمن أحد ولا بشؤمه عبر عما عند الله تعالى بالطائر تشبيها له بالطائر الذي يستدل به على الخير والشر او سببه شؤمهم عند الله تعالى وهو أعمالهم السيئة المكتوبة عنده فانها التي ساقت إليهم ما يسوءهم لا ما عداها فالطائر عبارة عن الشؤم على طريق تسمية المدلول باسم الدليل بناء على انهم يستدلون بالطير على الشؤم وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ان ما يصيبهم من الله تعالى او من شؤم أعمالهم فيقولون ما يقولون مما حكى عنهم واسناد عدم العلم الى أكثرهم للاشعار بان بعضهم يعلمون ذلك ولكن لا يعملون بمقتضاه عنادا واستكبارا واعلم ان الطير بمعنى التشاؤم والاسم منه الطيرة على وزن العنبة وهو ما يتشاءم به من الفأل الرديء والأصل فى هذا ان العرب كانوا يتفاءلون بالطير فان خرج أحدهم الى مقصده واتى الطير من ناحية يمينه يتمين به وينبرك ويسميه سانحا وان اتى من ناحية شماله يتشاءم به ويسميه بارحا فيرجع
الى بيته ثم كثر قولهم فى الطير حتى استعملوه فى كل ما تشاءموا به وأبطل النبي عليه السلام الطيرة بقوله (الطيرة شرك) قاله ثلاثا وانما قال شرك لاعتقادهم ان الطيرة تجلب لهم نفعا او تدفع عنهم ضررا إذا عملوا بموجبها فكأنهم أشركوها مع الله تعالى قال عبد الله من خرج من بيته ثم رجع لم يرجعه الا الطيرة رجع مشركا او عاصيا وذكر فى المحيط إذا صاحت الحمامة فقال رجل يموت المريض كفر القائل عند بعض المشايخ. وإذا خرج الرجل الى السفر فصاح العقعق فرجع من سفره فقد كفر عند بعض المشايخ قال عكرمة كنا عند ابن عمر وعنده ابن عباس رضى الله عنهما فمر غراب يصيح فقال رجل من القوم خير خير فقال ابن عباس لا خير ولا شر وانما اختص الغراب غالبا بالتشاؤم به أخذا من الاغتراب بحيث قالوا غراب البين لانه بان عن نوح عليه السلام لما وجهه لينظر الى الماء فذهب ولم يرجع ولذا تشاءموا به واستخرجوا من اسمه الغربة قال ابن مسعود لا تضر الطيرة الا من تطير ومعناه ان من تطير تطيرا منهيا عنه او يراه مما يتطير به حتى يمنعه مما يريده من حاجته فانه قد يصيبه ما يكرهه فاما من توكل على الله ووثق به بحيث علق قلبه بالله خوفا ورجاء وقطعه عن الالتفات الى الأسباب المخوفة وقال ما امر به من الكلمات ومضى فانه لا يضره فالمراد بالكلمات ما فى قوله عليه السلام (ليس عبد الا سيدخل قلبه الطيرة فاذا أحس بذلك فليقل اللهم لا طير الا طيرك ولا خير الا خيرك ولا اله غيرك ولا حول ولا قوة الا بالله ما شاء الله كان لا يأتى بالحسنات الا الله ولا يذهب بالسيئات الا الله واشهد ان الله على كل شىء قدير) ثم يمضى الى حاجته اى كل ما أصاب الإنسان من الخير والشر واليمين والشؤم ليس الا بقضائك وتقديرك وحكمك ومشيئتك وفى الحديث (الشؤم فى المرأة والفرس والدار) . فشؤم المرأة سوء خلقها او غلاء مهرها. وقيل ان لا تلد.
وشؤم الفرس عدم انقياده او انه لا يغزى عليه. وشؤم الدار ضيقها او سوء جارها وهذا الحكم على وجه الغلبة لا القطع خص الثلاث بالذكر لان فيها يصل الضرر الكثير الى صاحبها او لانها اقرب الى الآفة فيما يبتلى به الإنسان فمن تشاءم بالمذكورات فليفارقها واعترض عليه بحديث (لا طيرة) أجاب ابن قتيبة بان هذا مخصوص منه اى لا طيرة الا فى(3/218)
وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136)
هذه الثلاث وسمع فيلسوف صوت مغن بارد فقال يزعم اهل الكهانة ان صوت البوم يدل على موت الإنسان فان كان ما ذكروه حقا فصوت هذا يدل على موت البومة
زيبقم در كوش كن تا نشنوم ... يا درم بگشاى تا بيرون روم
وتساقطت النجوم فى ايام بعض الأمراء فخاف من ذلك واحضر المنجمين والعلماء فما أجابوا بشىء فقال جميل الشاعر
هذى النجوم تساقطت ... لرجوم اعداء الأمير
فتفائل به وامر له بصلة حسنة ولا بأس بان يتفاءل بالفأل الحسن وكان النبي عليه السلام يحب الفأل ويكره الطيرة والفأل الحسن هى الكلمة الصالحة يسمعها من أخيه نحو ان يسمع أحد وهو طالب امر يا واجد يا نجيح او يكون فى سفر فيسمع يا راشد يعنى يا واجد الطريق المستقيم او مريضا فيسمع يا سالم فالتفاؤل بالأمور المشروعة مشروع والطيرة منهى عنها والفرق بين الفأل والطيرة مع ان كل واحد منهما استدلال بالامارة على مآل الأمر وعاقبته ان الأرواح الانسانية أقوى وأصفى من الأرواح البهيمية والطيرية فالكلمة الحسنة التي تجرى على لسان الإنسان يمكن الاستدلال بها بخلاف طيران الطير وحركات البهائم فان أرواحها ضعيفة فلا يمكن الاستدلال بها على شىء من الأحوال ويروى ان النبي عليه السلام حول رداءه فى الاستسقاء وذكر فى الهداية انه كان تفاؤلا يعنى قلب علينا الحال كما قلبنا رداءنا وروى عن ابى هريرة رضى الله عنه انه قال قلت يا رسول الله انى اسمع منك حديثا كثيرا أنساه فقال (ابسط رداءك) فبسطته ففرق بيديه ثم قال (ضمه) فضممته فما نسيت شيأ بعده وهذا البسط والفرق والضم ليس إلا تفاؤلا والا فالعلم ليس مما يسقط على الرداء ويمكن فيه الفرق والضم ولكن التفاؤل يحصل به يعنى كما بسطت ردائى توقيا لما يسقط فيه فكذلك أصغيت سمعى لما يقع فيه من الكلام وكما أعطيت شخصا كثيرا من الرزق يفرق بين اليدين فكذا أعطيته شيأ كثيرا من العلم وكما يؤمن بالضم من سقوط ما فى الرداء كذلك يؤمن من خروج ما فى السمع او نسيان ما فى الخاطر فبعض الأوضاع يدل على بعض الأحوال كما ان بعض الأسماء يدل على بعض الأمور كما حكى ان عمر رضى الله عنه قال لرجل ما اسمك قال جمرة قال ابن من قال ابن شهاب قال من اين قال من الخرقة قال اين تسكن قال فى الحرة وهى ارض ذات حجارة سود كأنها أحرقت فقال عمر أدرك أهلك فقد احترقوا فرجع فوجدهم قد احترقوا وأراد عمر رضى الله عنه الاستعانة برجل فسأله عن اسمه فقال ظالم بن سراق فقال تظلم أنت ويسرق أبوك ولم يستعن ودل هذا على تبديل الأسماء القبيحة بالأسماء الحسنة فان فى الأسماء الحسنة التفاؤل ونظير ذلك ما يفهم من قوله عليه السلا (لا تمارضوا فتمرضوا) يعنى ان من اظهر المرض وقال انا مريض فهذا القول والفعل منه يثمر المرض ويؤاخذ به
كفت پيغمبر كه رنجورى بلاغ ... رنج آرد تا بميرد چون چراغ
والله الهادي الى الحسنات وهو دافع السيئات وَقالُوا اى فرعون وقومه بعد ما رأوا(3/219)
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)
من شأن العصا والسنين ونقص الثمرات مَهْما اسم شرط يجزم فعلين كقولك مهما تفعل افعل كأن قائلا قال لك لا تقدر على ان تفعل ما افعل فتقول له مهما تفعل افعل ومحله الرفع على الابتداء وخبره فما نحن لك بمؤمنين اى أي شىء وبالفارسية [هر چيز كه] تَأْتِنا بِهِ تظهر لدينا وتحضره والضمير لمهما مِنْ آيَةٍ بيان لمهما وانما سموها آية على زعم موسى لا لاعتقادهم لِتَسْحَرَنا بِها اى لتسحر بتلك الآية أعيننا وتسكرها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ اى بمصدقين لك ومؤمنين بنبوتك فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ- روى- ان القوم لما عالجهم موسى بالآيات الأربع العصا واليد والسنين ونقص الثمرات فكفروا ودعا وكان حديدا فقال يا رب ان عبدك فرعون علا فى الأرض وبغى وعتا وان قومه نقضوا عهدك فخذهم بعقوبة تجعلها عليهم نقمة ولقومى عظة ولمن بعدهم عبرة فارسل الله عليهم عقوبة لجرائمهم الطُّوفانَ اى الماء الذي طاف بهم وأحاط وغشى أماكنهم وحرثهم من مطر او سيل وَالْجَرادَ فى التفسير الفارسي [ملخ پرنده] وفى حياة الحيوان الجراد البرى إذا خرج من بيضته يقال له الدباء فاذا بدت فيه الألوان واصفرت الذكور واسودت الإناث يسمى جرادا حينئذ وفى الحديث (لا تقتلوا الجراد فانه جند الله الأعظم) وهذا ان صح أراد به إذا لم يتعرض لا فساد الزرع فان تعرض له جاز دفعه بالقتل وغيره ووقعت بين يدى النبي عليه السلام جرادة فاذا مكتوب على جناحيها بالعبرانية نحن جند الله الأكبر ولنا تسع وتسعون بيضة ولو تمت لنا المائة لاكلنا الدنيا وما فيها فقال النبي عليه السلام (اللهم أهلك الجراد اقتل كبارها وامت صغارها وأفسد بيضها وسد أفواهها عن مزارع المسلمين وعن معايشهم انك سميع الدعاء) فجاء جبرائيل عليه السلام فقال انه قد استجيب لك فى بعضه وعن حسن بن على كنا على مائدة نأكل انا وأخي محمد بن الحنفية وبنوا عمى عبد الله وقثم والفضل بن العباس فوقعت جرادة على المائدة فاخذها عبد الله وقال لى ما مكتوب على هذه فقلت سألت ابى امير المؤمنين عن ذلك فقال سألت عنه رسول الله فقال مكتوب عليها انا الله لا اله الا انا رب الجراد ورازقها وان شئت بعثتها رزقا لقوم وان شئت بعثتها بلاء على قوم فقال عبد الله هذا من العلم المكنون وليس فى الحيوان اكثر فسادا لما يقتاته الإنسان من الجراد واجمع المسلمون على اباحة أكله قال الاربعة يحل أكله سواء مات حتف انفه او بذكاة او باصطياد مجوسى او مسلم قطع منه شى اولا والدليل على عموم حله قوله عليه السلام (أحلت لنا ميتتان ودمان الكبد والطحال والسمك والجراد) وإذا تبخر انسان بالجراد البرى نفعه من عسر البول وقال ابن سينا إذا أخذ منها اثنا عشر ونزعت رؤسها وأطرافها وجعل معها قليل آس يابس وشرب للاستسقاء نفعه. واما الجراد البحري فهو من انواع الصدف كثير بساحل البحر ببلاد المغرب ويأكلونها كثيرا مشويا ومطبوخا ولحمها نافع للجذام وَالْقُمَّلَ فى التفسير الفارسي [ملخ پياده] وقيل هو كبار القردان وهو جمع قراد يقال له بالتركى «كنه» مسلط على البعير وفى الأمثال اسمع من قراد وذلك انه يسمع صوت اخفاف الإبل من مسيرة يوم فيتحرك لها وقيل هو السوس الذي يخرج من الحنطة وقيل انه(3/220)
شىء يقع فى الزرع ليس بجراد فيأكل السنبلة وهى غضة قبل ان تقوى فيطول الزرع ولا سنبل له وقرأ الحسن والقمل بفتح القاف وسكون الميم يريد به القمل المعروف الذي يقع فى بدن الإنسان وثوبه وإذا ألقيت القملة حية أورثت النسيان قال الجاحظ وفى الحديث (أكل الحامض وسؤر الفار ونبذ القمل يورث النسيان) وإذا أردت ان تعلم هل المرأة حامل بذكر او أنثى فخذ قملة واحلب عليها من لبنها فى كف انسان فان خرجت من اللبن فهى جارية وان لم تخرج فهو ذكر وان حبس على انسان بوله فخذ قملة من قمل بدنه واجعلها فى إحليله فانه يبول من وقته والقمل المعروف يتولد من العرق والوسخ إذا أصاب ثوبا او ريشا او شعرا حتى يصير المكان عفنا قال الجاحظ وربما كان للانسان قمل الطباع وان تنطف وتعطر
وبدل الثياب كما عرض لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام حين استأذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى لباس الحرير فاذن لهما فيه ولولا انهما مكانا فى حد ضرورة لما اذن لهما لما فى ذلك من التشديد فيجوز لبس الثوب الحرير لدفع القمل لانه لا يقمل بالخاصية قال فى أنوار المشارق والأصح ان الرخصة لا تختص بالسفر انتهى وفى الواقعات المحمودية ان القمل يكون من البرودة ولذلك يكثر فى الشتاء ولا يكون فى الصيف قال السيوطي ولم يقع على ثيابه عليه السلام ذباب قط ولا أذاه القمل وَالضَّفادِعَ جمع ضفدع مثل خنصر وهو الأشهر الصحيح من حيث اللغة والأنثى ضفدعة وناس يقولون بفتح الدال كدرهم وأنكره الخليل حيث قال ليس فى الكلام فعلل الا اربعة أحرف درهم وهجدهم وهبلع وبلعم وهو اسم والضفادع انواع كثيرة ويكون من سفاد وغير سفاد فالذى من سفاد يبيض فى البر ويعيش فى الماء والذي من غير سفاد يتولد فى المياه القائمة الضعيفة الجري ومن العفونات وغب الأمطار الغزيرة حتى يظن انه يقع من السحاب لكثرة ما يرى منه على الاسطحة عقيب المطر والريح وليس ذلك عن ذكر وأنثى وانما الله تعالى يخلقه فى تلك الساعة من طباع تلك التربة وهى من الحيوانات التي لا عظام لها وفيها ما ينق وفيها ما لا ينق والذي ينق منها يخرج صوته من قرب اذنه وتوصف بحدة السمع إذا تركت النقيق وكانت خارج الماء وإذا أرادت ان لا تنق ادخلت فكها الأسفل فى الماء ومتى دخل الماء فى فيها لا تنق وما اظرف قول بعض الشعراء وقد عوتب فى كلامه
قالت الضفدع قولا ... فسرته الحكماء
فى فمى ماء وهل ... ينطق من فى فيه ماء
قال سفيان يقال انه ليس شىء اكثر ذكر الله منه قال الزمخشري تقول فى نقيقها سبحان الملك القدوس- روى- ان داود عليه السلام قال لاسبحن الله الليلة تسبيحا ما سبحه أحد من خلقه فنادته ضفدع من ساقية فى داره يا داود أتفخر على الله تعالى بتسبيحك وان لى لسبعين سنة ما جف لى لسان من ذكر الله وان لى لعشر ليال ما طعمت خضراء ولا شربت ماء اشتغالا بكلمتين قال ما هما قالت يا مسبحا بكل لسان ومذكورا بكل مكان فقال داود فى نفسه وما عسى ان أكون ابلغ من هذا وعن انس لا تقتلوا الضفادع فانها صرت بنار ابراهيم عليه السلام فحملت فى أفواهها الماء وكانت ترشه على النار وقال ابن سينا إذا كثرت الضفادع فى سنة وزادت(3/221)
على العادة يقع الوباء عقيبه وفى الواقعات المحمودية تعبير الضفدع انه نقصان خفى فانه يذكر انه كان فى الأصل كيالا فلاجل نقصانه فى الكيل ادخل فيه. ومن خواصه انه إذا أخذت امرأة ضفدع الماء وفتحت فاه وبصقت فيه ثلاث مرات ورمته الى الماء فانها لا تحبل ودمه إذا طلى به الموضع الذي نتف شعره لم ينبت ابدا وشحم الضفادع الآجامية إذا وضع على الأسنان قلعها من غير وجع قال القزويني ولقد كنت بالموصل ولنا صاحب فى بستان بنى مجلسا وبركة فتولدت فيها الضفادع وتأذى سكان المكان بنقيقها وعجزوا عن ابطاله حتى جاء رجل وقال اجعلوا طشتا على وجه الماء مقلوبا ففعلوا فلم يسمعوا لها نقيقا بعد ذلك وَالدَّمَ- روى- انهم مطروا ثمانية ايام فى ظلمة شديدة لا يستطيع ان يخرج واحد من بيته ودخل الماء بيوتهم حتى قاموا فيه الى تراقيهم وهى جمع ترقوة وهى العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق وهو موضع الرداء من المنكب ولم يدخل بيوت بنى إسرائيل منه قطرة مع انها كانت مختلطة ببيوت القبط فاض الماء على ارضهم وركد فمنعهم من الحرث والتصرف ودام سبعة ايام فقالوا له عليه السلام ادع لنا ربك يكشف عنا ونحن نؤمن بك فدعا فكشف عنهم فنبت من العشب والكلاء ما لم يعهد مثله فقالوا هذا كنا نتمناه وما كان هذا الماء إلا نعمة علينا وخصبا فلا والله لا نؤمن بك يا موسى فنقضوا العهد وأقاموا على كفرهم شهرا فبعث الله عليهم الجراد بحيث وقع على الأرض بعضه على بعض ذراعا فاكل زروعهم وثمارهم وأبوابهم وسقوفهم وثيابهم ولم يدخل بيوت بنى إسرائيل منه شىء ففزعوا اليه عليه السلام كما ذكر فخرج الى الصحراء وأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجع الى النواحي التي جاء منها بعد ان اقام فى ارضهم سبعة ايام فلم يبق جرادة واحدة ثم نظروا فاذا فى بعض المواضع من نواحى مصر بقية كلاء وزرع فقالوا هذا يكفنا بقية عامنا هذا والله لا نؤمن بك فسلط الله عليهم القمل فمكث فى ارضهم سبعة ايام فلم يبق لهم عودا اخضر ولحس جميع ما فى أراضيهم مما أبقاه الجراد وكان يقع فى أطعمتهم ويدخل بين ثيابهم وجلودهم فيمصها وينهشهم ويأكل شعورهم وحواجبهم وأشفار عيونهم ومنعهم النوم والقرار وظهر بهم منه الجدري قال الحدادي فى تفسيره هم أول من عذبوا بالجدري وبقي فى الناس الى الآن ثم فزعوا اليه عليه السلام ثالثا فرفع عنهم فقالوا قد تحققنا الآن انك ساحر قالوا وما عسى ربك ان يفعل بنا وقد أهلك كل شىء من نبات ارضنا فعلى أي شىء نؤمن بك اذهب فما استطعت ان تفعل فافعله ثم أرسل الله عليهم الضفادع بحيث لا يكشف ثوب ولا طعام الا وجدت فيه وكانت تمتلىء منها مضاجعهم وتثب الى قدورهم وهى تغلى والى أفواههم عند التكلم وكان بعضهم لا يسمع كلام بعض من كثرة صراخ الضفادع وكانوا إذا قتلوا واحدا منها خافوا ما حول محله حتى لا يستطيعون الجلوس فيه ففزعوا اليه رابعا وتضرعوا فاخذ عليهم العهود فدعا فكشف الله عنهم بريح عظيمة نبذتها فى البحر فنقضوا العهد فارسل الله عليهم الدم فصارت مياههم وآبارها وأنهارها دما احمر عبيطا حتى كان يجتمع القبطي والاسرائيلى على اناء فيكون ما يليه دما وما يلى الاسرائيلى ماء على حاله ويمص الماء من فم الاسرائيلى فيصير
دما فيه(3/222)
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136)
قوم موسى شو بخور اين آب را ... صلح كن با مه ببين مهتاب را
ثم ان فرعون أجهده العطش وكانوا يأتونه باوراق الأشجار الرطبة فيمصها فتصير دما عبيطا او أجاجا وكانوا لا يأكلون ولا يشربون سبعة ايام الا الدم فقال فرعون اقسم بإلهك يا موسى لئن كشفت عنا هذا الدم لنؤمنن لك فدعا فعذب ماؤهم فعادوا لكفرهم الى ان كان من امر الغرق ما كان آياتٍ مُفَصَّلاتٍ حال من مفعول أرسلنا اى أرسلنا عليهم هذه الأشياء حال كونها آيات وعلامات مبينات لا يشكل على عاقل انها آيات الله ونقمته وقيل معنى مفصلات مفرقات ومنفصلات بان فصل بعضها عن بعض بزمان لامتحان أحوالهم هل يعتبرون او يستمرون على المخالفة والعناد وما كان بين كل اثنتين منها شهر وكان امتداد كل واحدة منها اسبوعا فَاسْتَكْبَرُوا اى تعظموا عن الايمان بها وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ [گروهى مجرم يعنى معاند در كفر كه با وجود تظاهر آيات وتتابع ان ايمان نياوردند] وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ اى العذاب المذكور من الطوفان وغيره اى كلما وقع عليهم عقوبة من تلك العقوبات قالُوا فى كل مرة يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ الباء صلة لادع وما مصدرية والمراد بالعهد النبوة اى ادع لنا ربك يكشف عنا العذاب بحق ما عندك من عهد الله تعالى وهو النبوة فان حق النبوة ومقتضاها ان يدعو النبي لامته لدفع ما أصابهم من البلايا والمحن سميت النبوة عهدا للمبالغة فى كونها معهودا بها فانه تعالى لما بعثه رسولا وأوصاه بتحمل أعباء الرسالة وميثاق التبليغ فقد جعلت النبوة مما اوصى به وعهده فجعلت نفس العهد للمبالغة فى كونها معهودا بها وفى التفسير الفارسي (بما عهد عندك) [بآنچهـ عهد كرده وآن عهد نزديك تست يعنى خداى تو با تو وعده كرده كه چون او را بخوانى اجابت كند] فما موصولة عبر بها عما يدعو به المتضرع الى الله تعالى فى طلب حاجته والباء ايضا صلة لادع لَئِنْ كَشَفْتَ اى [باز برى وزائل كردانى] عَنَّا الرِّجْزَ الذي وقع علينا لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ الى موطن آبائهم وهو الأرض المقدسة ولنطلقنهم من التسخير والأعمال الشاقة فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ اى الى حد من الزمان معذبون فيه او مهلكون وهو وقت الغرق والى أجل متعلق بقوله لما كشفنا وقوله هم بالغوه فى محل الجر على انه صفة لاجل إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ جواب لما اى فلما كشفنا عنهم فاجأوا النكث من غير تأمل وتوقف والنكث بالفارسي [عهد شكستن] فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ الفاء لسببية لنكث للانتقام والعقاب وأريد بالانتقام نتيجته وهو الإهلاك ومثله الغضب لان التشفي فى حقه تعالى محال قال ابن الشيخ الانتقام العقاب الواقع على مجازاة السيئة بالسيئة وانما أسند الانتقام الى ذاته لان الأنبياء وكمل الأولياء كانوا فانين عما سوى الله باقين بالله فكان الله خليفتهم فى أخذ الانتقام من أعدائهم. والمعنى فاردنا الانتقام منهم اى من فرعون وقومه لما اسلموا من المعاصي والجرائم فان قوله تعالى فَأَغْرَقْناهُمْ عين الانتقام منهم فلا يصح دخول الفاء بينهما فاطلق اسم المسبب على السبب تنبيها على ان الانتقام لم ينفك عن الارادة ويجوز ان يكون المراد مطلق الانتقام. والفاء تفسيرية كما فى قوله تعالى وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إلخ فِي الْيَمِّ اى فى البحر الذي لا يدرك قعره(3/223)
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)
او فى لجته ولجة البحر معظم مائه قال الحدادي فى اليم اى فى البحر بلسان العبرانية وهى لغة اليهود وفى التفسير الفارسي فِي الْيَمِّ [در درياى قلزم بنزديك مصر] وذلك ان الله تعالى امر موسى ان يخرج ببني إسرائيل فاستعار نسوة بنى إسرائيل من نساء آل فرعون حليهم وقلن ان لنا خروجا الى عيد فخرج ببني إسرائيل فى أول الليل وهم ستمائة الف من رجل وامرأة وصبى فبلغ الخبر فرعون فركب ومعه الف الف ومائتا الف فادركهم فرعون حين طلعت الشمس وانتهى موسى الى البحر فضرب البحر فانفلق اثنى عشر طريقا وكانت بنو إسرائيل اثنى عشر سبطا فعبر كل سبط طريقا فاقبل فرعون ومن معه فدخلوا بعدهم من حيث دخلوا فلما صاروا جميعا فى البحر امر الله البحر فالتطم عليهم فغرقوا بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ تعليل للاغراق اى كان إغراقهم بسبب تكذيبهم بالآيات التسع التي جاء بها موسى واعراضهم عنها وعدم تفكرهم فيها بحيث صاروا كالغافلين عنها بالكلية والفاء وان دلت على ترتب الإغراق على ما قبله من النكث لكنه صرح بالتعليل إيذانا بان مدار جميع ذلك تكذيب آيات الله والاعراض عنها ليكون ذلك مزجرة للسامعين عن تكذيب الآيات الظاهرة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم والاعراض عنها وَأَوْرَثْنَا [ميراث داديم] الْقَوْمَ الَّذِينَ يعنى بنى إسرائيل والقوم مفعول أول لاورثنا كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ اى يستضعفهم القبط ويقهرونهم ويستذلونهم بذبح الأبناء واستخدام النساء والاستعباد مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا مفعول ثان لأورثنا والأرض ارض الشام ومشارقها ومغاربها جهاتها الشرقية والغربية ملكها بنوا إسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة وتمكنوا فى نواحيها الَّتِي بارَكْنا فِيها بالخصب وسعة الأرزاق صفة للمشارق والمغارب وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى المراد بالكلمة وعده تعالى إياهم بالنصر والتمكين وهو ما ذكره بقوله وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ
وتمامها مضيها وانتهاؤها الى الإنجاز لان العدة بالشيء التزام لا يقاعه بالعبارة واللسان وتمامها لا يكون الا بوقوع الموعود فى الخارج والعيان عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا اى بسبب صبرهم على الشدائد التي كابدوها من جهة فرعون وقومه وَدَمَّرْنا اى خربنا وأهلكنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ من العمارات والقصور اى ودمرنا الذي كان فرعون يصنعه على ان فرعون اسم كان ويصنع خبر مقدم والجملة الكونية صلة ما والعائد محذوف تقديره ودمرنا الذي كان يصنعه فرعون وَما كانُوا يَعْرِشُونَ اى يرفعون من الجنات اى الكروم والأشجار قال فى زبدة التفاسير العرش سقف فى الكروم والأشجار واشارت الآية الى ان العزيز من أعزه الله والذليل من اذله الله ومن صبر على مقاساة الذل فى الله توجه بتاج العزة وجعل له حسن العاقبة والله تعالى كما وعد لبنى إسرائيل وأنجز وعده فاستخلفهم فى مشارق الأرض ومغاربها كذلك وعد لهذه الامة كما قال تعالى فى سورة النور وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ والمراد بالأرض ارض الكفار من العرب والعجم(3/224)
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140)
والمراد بالذين من قبلهم بنوا إسرائيل وفى الحديث (ان الله زوى لى الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وان ملك أمتي سيبلغ ما زوى لى منها) يقول ان الله تعالى جمع وضم جميع هذه الأرض ليلة المعراج او فى غير ذلك الوقت فرأيت جميع آفاق الأرض من المشارق والمغارب ثم وعد أمته بان الله تعالى يملأ الدنيا كلها عدلا وقسطا كما ملئت قبل ذلك جورا وظلما ويملك المؤمنين جميع الأرض هذا على تقدير حمل اللام فى الأرض على الاستغراق وقيل اللام للعهد الخارجي كما إذا قيل اغلق الباب إذا كان مشاهدا ومن للتبيين ولا دليل على جمع جميع الأرض ولم يبلغ ملك أمته جميع اجزائها فأى موضع من الأرض وقع نظره عليه السلام عليه كان دار الإسلام وأي مكان كان محجوبا عنه كان دار الكفر والله اعلم بحقيقة الحال ومنه الكرم والنوال واليه الرجوع والمآل وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فاعل بمعنى فعل يقال جاوز وجاز بمعنى واحد وجاوز الوادي إذا قطعه وجاوز بغيره البحر عبربه فالباء هنا معدية كالهمزة والتشديد فكأنه قال وجزنا ببني إسرائيل البحر اى اجزناهم البحر وجوزناهم بالفارسية [وبگذرانيديم بنى إسرائيل را از دريا بسلامت] والمراد بحر القلزم واخطأ من قال انه نيل مصر قال فى القاموس القلزم كقنفذ بلد بين مصر ومكة قرب جبل الطور واليه يضاف بحر القلزم لانه على طرفه أو لأنه يبتلع من ركبه لان القلزمة الابتلاع- روى- انه عبر بهم موسى عليه السلام يوم عاشوراء فصاموا شكرا لله تعالى فَأَتَوْا اى مروا عَلى قَوْمٍ كانوا من العمالقة الكنعانين الذين امر موسى عليه السلام بقتالهم وقيل كانوا من لخم وهو حى من اليمن ومنهم كانت ملوك العرب فى الجاهلية وعن الزمخشري انه قبيلة بمصر يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ اى يواظبون على عبادتها ويلازمونها قال فى تاج المصادر العكوف [كرد چيزى در آمدن ودر جايى مقيم شدن] يقال عكفه حبسه وعكف عليه اقبل عليه مواظبا قالُوا عند ما شاهدوا أحوالهم يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً مثالا نعبده كَما لَهُمْ آلِهَةٌ يعبدونها. والكاف متعلقة بمحذوف وقع صفة لآلها وما موصولة ولهم صلتها وآلهة بدل من ما والتقدير اجعل لنا آلها كائنا كالذى استقر هو لهم فالعائد محذوف وكانت أصنامهم تماثيل بقر وهو أول شأن العجل قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ وصفهم بالجهل المطلق حيث لم يذكر المفعول لبعد ما صدر عنهم عن العقل بعد ما شاهدوا من الآية الكبرى والمعجزة العظمى إِنَّ هؤُلاءِ يعنى القوم الذين يعبدون تلك التماثيل مُتَبَّرٌ اسم مفعول من باب التفعيل يقال تبره تتبيرا اى كسره وأهلكه والمعنى مكسر ومهلك ما هُمْ فِيهِ اى من الدين الباطل. يعنى ان الله تعالى يهدم دينهم الذي هم عليه عن قريب ويحطم أصنامهم ويجعلها رضاضا اى فتاتا. قوله ما هم فيه مبتدأ ومتبر خبر له ويجوز ان يكون ما هم فيه فاعل متبر لاعتماده على المسند اليه وَباطِلٌ اى مضمحل بالكلية ما كانُوا يَعْمَلُونَ من عبادتها وان كان قصدهم بذلك التقرب الى الله تعالى فانه كفر محض قالَ موسى أَغَيْرَ اللَّهِ أغير المستحق للعبادة أَبْغِيكُمْ بحذف اللام اى أبغي لكم اى اطلب لكم إِلهاً تمييز من غير(3/225)
وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)
او حال فانه مفعول أبغي والهمزة فيه للانكار والمنكر هو كون المبغى غيره تعالى وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ اى والحال انه تعالى خصكم بنعم لم يعطها غيركم وهى الآيات القاهرة والمعجزات الباهرة وانما لم يحصل مثلها لاحد من العالمين قال الحدادي على عالمى زمانكم من القبط وغيرهم بعد ما كنتم مستعبدين أذلاء وفيه تنبيه على سوء معاملتهم حيث قابلوا تخصيص الله إياهم من بين أمثالهم بما لم يستحقوه تفضلا بان قصدوا الى اخس شىء من مخلوقاته تعالى فجعلوه شريكا له تعالى: قال الحافظ
همايى چون تو عالى قدر حرص استخوان تا كى ... دريغ آن سايه دولت كه بر نا اهل افكندى
فتبا لمن لا يعرف قدره ويعلق همته بما لا ينبغى له
خلق را نيست سيرت پدران ... همه بر سيرت زمانه روند
ثم ذكر نعمة الانجاء وما يتبعه فقال تعالى وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ اى واذكروا يا بنى إسرائيل صنيعة الله معكم فى وقت انجائكم وتخليصكم من أيدي آل فرعون باهلاكهم بالكلية ثم استأنف ببيان ما أنجاهم منه فقال يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ اى يبغونكم أشد العذاب وأفظعه من سام السلعة إذا طلبها ثم أبدل منه وبين فقال يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ اى يذبحونهم وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ اى يستبقونهن للاستخدام وَفِي ذلِكُمْ اى الانجاء او سوء العذاب بَلاءٌ اى نعمة او محنة فان البلاء يطلق على كل واحد منهما قال تعالى وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ مِنْ رَبِّكُمْ من مالك أموركم فان النعمة والنقمة كلتيهما منه سبحانه وتعالى عَظِيمٌ لا يقادر قدره. تقدم الكلام على الانجاء وفضيلة عاشوراء فى سورة البقرة فليطلب ثمة والاشارة ان بنى إسرائيل صفات القلب كانت معذبة فى مصر القالب وصفاتها فلما خلصها الله تعالى من بحر الدنيا وفرعون النفس فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ اى وصلوا الى صفات الروح يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ من المعاني المعقولة والمعارف الروحانية فاستحسنوها وأرادوا العكوف على عتبة عالم الأرواح قالُوا الموسى الوارد الرباني الذي جاوز بهم بحر الدنيا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ يشير الى انه لولا ان فضل الله ورحمته على العبد يثبته على قدم العبودية وصدق الطلب الى ان يبلغه الى المقصد الأعلى لكان العبد يركن الى كل شىء من حسائس الدنيا فضلا عن نفائس العقبى كقوله تعالى لسيد البشر عليه السلام وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا قالَ لهم موسى الوارد الرباني عند ركونهم الى الروحانية إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ قدر الله وعنايته معكم إِنَّ هؤُلاءِ يعنى صفات الروح مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ من الركون والعكوف على استجلاء المعاني المعقولة والمعارف الروحانية وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فى غير طلب الحق والوصول الى المعارف الربانية قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً اى أنزلكم منزلا غير الوصال وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ من الحيوانات والجن والملك تفضيل العبور من الجسمانيات والروحانيات والوصول الى المعارف والحقائق الآلهيات وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يعنى من النفس وصفاتها يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ اى سوء عذاب البعد يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ اى يبطلون أعمالكم الصالحة التي هى متولدات من صفات القلب بآفة الرياء(3/226)
وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)
والعجب النفساني وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ يعنى صفات القلب لاستخدام النفس وصفاتها وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ يعنى فكان فى استخدام صفات القلب للنفس وصفاتها بان تعمل الصالحات رياء وسمعة لجلب المنافع الدنيوية لحظوظ النفس بلاء عظيم من ربكم فخلصكم منه لئلا تطلبوا غيره ولا تعبدوا سواه فلا تركنوا الى الروحانية والى المعقولات لكى تظفروا بمراتب الوصول ودرجات الوصال كذا فى التأويلات النجمية وعن بعض الكبار أول وصال العبد الحق هجرانه لنفسه وأول هجران الحق العبد مواصلته لنفسه وأول درجات القرب محو شواهد النفس واثبات شواهد الحق ومن طلب الدلالة فانها لا غاية لها ومن طلب الله عز وجل وحده باول خطوة يقصده بها: قال الحافظ
غرض ز مسجد وميخانه أم وصال شماست ... جز اين خيال ندارم خدا كواه منست
قال بعض الصالحين عرضت على الدنيا بزينتها فاعرضت عنها ثم عرضت الاخرى بحورها وقصورها وزينتها فاعرضت عنها فقيل لى لو أقبلت على الاولى حجبناك عن الاخرى ولو أقبلت على الاخرى حجبناك عنا فها نحن لك وقسمتك فى الدارين تأتيك وقال احمد بن حضرويه رأيت رب العزة فى المنام فقال لى يا احمد كل الناس يطلبون منى الا أبا يزيد فانه يطلبنى وقال ابراهيم بن أدهم رأيت جبريل عليه السلام فى المنام وبيده قرطاس فقلت ما تصنع به قال اكتب اسماء المحبين فقلت اكتب تحتهم محب المحبين ابراهيم بن أدهم فنودى يا جبريل اكتبه فى أولهم وَواعَدْنا الوعد عبارة عن الاخبار بايصال المنفعة قبل وقوعها مُوسى اسم أعجمي لا اشتقاق فيه واما موسى الحديد فهو مفعل من اوسيت رأسه إذا حلقته او فعلى من ماس يميس إذا تبختر فى مشيه فسميت موسى لكثرة اضطرابها وتحركها وقت الخلق ثَلاثِينَ لَيْلَةً [سى شبانه روز چون مدار حساب شهور عرب برؤية هلالست وآن بشب مرئى ميشود تاريخ را بشب مقيد كرد] وثلاثين مفعول ثان لواعدنا على حذف المضاف اى تمام او مكث ثلاثين قال ابن الشيخ الموعود يجب ان يكون من فعل الواعد ونفس الثلاثين ليس كذلك فكأنه قيل وواعدنا موسى ما يتعلق بثلاثين ليلة وهو منا إنزال عند إتمام صوم الثلاثين ومن موسى صوم تلك المدة وإتيان الطور انتهى بتغيير عبارته فواعدنا ليس بمعنى وعدنا بل على بابه بناء على تنزيل قبول موسى عليه السلام منزلة الوعد وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ اى زدنا على تلك الثلاثين عشر ليال فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ ما وقت له فى الوقت الذي ضرب له والفرق بين الميقات والوقت ان الميقات وقت تقدر لان يقع فيه عمل من الأعمال وان الوقت ما يقع فيه شىء سواء قدره مقدر لان يقع فيه ذلك الشيء أم لا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً حال من قوله ميقات ربه اى تم بالغا هذا العدد وقيل هو مفعول تم لانه بمعنى بلغ- روى- ان موسى عليه السلام وعد بنى إسرائيل وهم بمصر ان أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب فيه بيان ما يأتون وما يذرون فلما هلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب فامره بصوم ثلاثين وهو ذو القعدة بتمامه ليكلمه ويوحى اليه ويكرمه بماتيم به امر نبوته فصامهن موسى عليه السلام على طريق المواصلة بين ليلهن ونهارهن وانما لم يجع فى تلك المدة وصبر ولم يصبر نصف(3/227)
يوم فى سفر الخضر حيث قال آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قيل لان سفر الحضر سفر التأديب والامتحان والابتلاء فزاد البلاء على الابتلاء حتى جاع فى نصف يوم فى صحبة المخلوق وحضوره الجبل وسفره اليه سفر اللقاء وصحبة الحق فانساه هيبة الموقف الطعام والشراب وأغناه من غيره ثم لما أتم الثلاثين وانسلخ الشهر أنكر خلوف فيه اى كره ان يكلم ربه وريح فمه ريح فم الصائم فتسوك بعود خرنوب وتناول شيأ من نبات الأرض فمضغه فقالت الملائكة كنا نشم من فيك رائحة المسك فافسدته بالسواك وقيل اوحى الله تعالى اليه اما علمت ان ريح فم الصائم أطيب عندى من ريح المسك ولذاكره التسوك عند الشافعي فى آخر نهار الصوم بناء على ان السواك يزيل الخلوف فامر الله تعالى بان يزيد عليها عشرة ايام من ذى الحجة ليعودفوه الى ما كان عليه فصام فتشرف بالوحى والكليم يوم النحر كذا قال اهل التفسير وفيه ان الوحى والتكليم إذا كان يوم النحر يلزم ان لا يكون ايام الصوم أربعين كملا
وهو مخالف للنص اللهم الا ان تعتبر الليالى او كان صوم يوم النحر مشروعا فى شريعته هكذا لاح بالبال ثم ان موسى عليه السلام لما أراد الانطلاق الى الجبل للمناجاة امره الله تعالى ان يختار سبعين رجلا من قومه من ذوى الحجى والعقل ليشهدوا له على ما يشاهدونه من كرامة الله تعالى إياه ففعل واستخلف هارون أخاه فى قومه كما قال تعالى وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ قبل انطلاقه الى الجبل الذي امر بالعبادة فيه كما فى تفسير الحدادي وهارون عطف بيان اخْلُفْنِي كن خليفتى وقم مقامى فِي قَوْمِي وراقبهم فيما يأتون ويذرون وَأَصْلِحْ ما يحتاج الى الإصلاح من أمورهم وسرفيهم السيرة الصالحة التي لا فساد فيها وثبتهم على ما اخلفهم عليه من الايمان واخلاص العبادة وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ اى ولا تتبع من سألك الإفساد ولا تطع من دعاك اليه وذلك ان موسى عليه السلام كان يشاهد كثرة خلافهم حالا بعد حال فاوصاه فى أمرهم فان قيل ان هارون كان شريك موسى فى النبوة قال تعالى خبرا عن موسى وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي فكيف استخلفه قلنا المأموران بشىء لا ينفرد أحدهما بفعله الا بامر صاحبه فلذلك قال اخلفني ولأن موسى كان أصلا فيها وهارون معينا له قال موسى فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي ولهذا كان هو المناجى على الخصوص والمعطى للالواح ولما امر بالذهاب الى فرعون سأل الله ان يشرك معه هارون ولما ذهب الى الطور للمناجاة خلفه فى قومه واستخلفه وهو موضع الاعتراض فى الظاهر ولكن لا اعتراض على الأكابر لان حركاتهم الظاهرة انما تنبعث من دواعى قلوبهم وتلك الدواعي الهامات واردة من الله تعالى لا صنع لهم فيها فمن عرف دورانهم بامر الهى هان عليه التطبيق والتوفيق وسقط عنه الاعتراض على اصحاب التحقيق مع ان درجات الأنبياء متفاضلة كما قال تعالى تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ فمن منع الرؤية عن موسى منع المناجاة عن هارون وكون هارون شريكه فى الأمر الظاهر لا يقتضى ان يكون رديفه فى الأمر الباطن فان لكل مقام رجالا
رموز مصلحت ملك خسروان دانند ... كداى كوشه نشينى تو حافظا مخروش
انظر ان موسى عليه السلام استخلف هارون واعتمد عليه فى حفظ قومه فعبدوا العجل(3/228)
وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)
فى العشر الذي زيد على الثلاثين ورسولنا صلى الله عليه وسلم قال الله خليفتى على أمتي فثبتهم الله على الحق واعلم ان ذا القعدة وذا الحجة من الأشهر الحرم ويكفى شرفا لهما ان الله تعالى امر موسى بصومهما وجعلهما محل قبول الحاجات وميقات المناجاة وفى الحديث (صيام يوم من الأشهر الحرم يعدل شهرا وصيام يوم من غير الأشهر الحرم يعدل عشرا) وفى الحديث (من صام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له عبادة تسعمائة سنة) وقال كعب الأحبار اختار الله الزمان فاحبه اليه الأشهر الحرم وذو القعدة من الأشهر الحرم وبغير خلاف وسمى ذا القعدة لقعودهم فيه عن القتال احتراما له فعلى السالك ان يتهيأ فيه لمناجاة ربه بالصوم الظاهري والإمساك الباطني فان موسى روحه متشوف لنوال الوصال ومتطلب لرؤية الجمال والاشارة فى الآية ان الميعاد فى الحقيقة كان أربعين ليلة وانما اظهر الوعد ثلاثين ليلة لضعف البشرية ولئلا تستكثر النفس الأربعين وتسوّل له ان لا يقوى على ذلك فيداخله خوف البشرية فواعده ثلاثين ليلة ثم أتمها بالعشر وفيه ان للاربعين خصوصية فى استحقاق استماع الكلام للانبياء كما ان لها اختصاصا فى ظهور ينابيع الحكمة من قلوب الأولياء كقوله عليه السلام (من أخلص لله أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه) قال اهل العرفان ان سر التربيع جار فى الحقائق الكلية كتربيع العرش الأعظم والعناصر الاربعة والأركان الاربعة والأربعين الموسوية وكان بين خلق آدم ونفخ روحه اربع جمع من جمع الآخرة فاكمل الاشكال تأثيرا صورة التربيع فى الآحاد والأعشار والمآت والألوف كما أشار صلى الله عليه وسلم بقوله (خير الاصحاب اربعة وخير السرايا اربعمائة) وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا اى لوقتنا الذي وقتناه وعيناه وحددناه له وهو تمام الأربعين اى اختص مجيئه بميقاتنا كما فى قولك أتيته لعشر خلون من الشهر فاللام للاختصاص وليست بمعنى عند والميقات بمعنى الوقت وقد سبق الفرق بينهما فى المجلس المتقدم ان قيل لم وعده الله بالكلام فى الجبل وفوق العلى وتحت الثرى واحد عند حضرته وهو منزه عن الجهات قيل ان فى الجبل وصف الثبات والعلو والتفرد لان الأرض ما استقرت بغير الجبال فاثبتها الحق بها واوتدها حكمة منه وعرض الامانة عليها لا تصافها بصفة التثبت والتمكن والتفرد والتعلى ولذلك فضل الجبال فى الامكنة وشرفها بمشهد الكلام وتعلق تجلى الجمال وعرض الامانة عليها وشرح الصدر المحمدي فيها ومناجاة موسى عليها فبدا من ذلك ان فى المقامات فاضلا ومفضولا قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى البروسوى خير الجماعة جماعة الأرواح وجماعتهم فى الجبال والمواضع الخالية وعلامة مجمعهم انه لا يذهب خضرة ذلك الموضع ونظارته فى الصيف والشتاء قال ونحن انما جئنا الى هذا المكان فى هذا الجبل بناء على مجيئهم يقول الفقير عنى به موضع زاويته المنيفة فى مدينة بروسة فى سفح الجبل المعروف هناك وقد زرته وزرت مرقده العالي فى داخل القلعة قدس الله سره وقال وهب جاء الى طور سيناء ومعه جبريل فتطهر وطهر ثوبه وانزل الله الظلمة على سبعة فراسخ وطرد عنه الشيطان وطرد عنه هوام الأرض ونحى عنه الملكين وكشط له السماء فرأى(3/229)
الملائكة قياما فى الهواء ورأى العرش بارزا وسمع صرير القلم وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ من غير واسطة وكيفية كما يكلم الملائكة وكان جبريل معه فلم يسمع ما كلمه ربه ولذا خص باسم الكليم لاختصاصه بذلك من بين البشر فان سائر الأنبياء عليهم السلام انما يكلمهم الله بواسطة الكتاب والملك فان قيل بأى شىء علم موسى انه كلام الله قيل لم ينقطع كلامه بالنفس مع الحق كما ينقطع مع المخلوق بل كلمه بمدد وحداني غير منقطع شاهد نفسه بمنزلة الآلة عند الصانع والآلة يحركها الأستاذ كيف يشاء لانه ليس للآلة تصنع وتعمل وقيل علم انه كلام الحق وميزه عن غيره بانه سمع الكلام من الجوانب الستة فصارت جميع جوارحه كسمعه فصار الوجود كله سمعا فوجد لذة الكلام بوجوده كما وجدها بسمعه قال ابن الشيخ فى حواشيه كلامه تعالى صفة ازلية قائمة بذاته ليست من جنس هذه الحروف والأصوات وكما لا تبعد رؤيته تعالى مع ان ذاته ليست جسما ولا عرضا فكذلك
لا يبعد سماع كلامه مع كونه ليس من جنس الحرف والصوت انتهى وفى حل الرموز المؤمن فى الآخرة وجه محض وعين محض وسمع محض ينظر من كل جهة وبكل جهة وعلى كل جهة وكذا يسمع بكل عضو من كل جهة بغير جهة خاصة وإذا شاهد الحق يشهده بكل وجه ليس فيه من الجهات ولا يحتجب سمعه وبصره بالجهات كما أشار سبحانه بقوله (كنت سمعه وبصره) والكامل الواصل له حكم الآخرة فى الدنيا كما قال سيد الواصلين (موتوا قبل ان تموتوا وحاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا) انتهى يقول الفقير هذا ليس بمحل الجرح والإنكار لان الله تعالى وان خلق حاسة السمع لادراك الأصوات لكن يجوز ان يدرك بحاسة ما يدرك بحاسة اخرى كما ذهب اليه علماء الكلام لان ذلك الإدراك بمحض خلق الله تعالى من غير تأثير للحواس فلا يمتنع ان يخلق عقيب صرف الباصرة ادراك الأصوات مثلا فثبت ان كل عضو من الأعضاء الانسانية يجوز ان يخلق الله تعالى فيه ما خلق فى السمع من ادراك الأصوات ان قيل لم لم يكلم الله سائر الأنبياء مشافهة الا موسى قيل لانه لم يكن لهم من الأعداء ما لموسى كفرعون وهامان وقارون واليهود ولم يكن قوم أسوأ أدبا وأقسى قلبا من قومه فخصه الله بكلامه ألا ترى سحرة القبط آمنوا فى أول دعوته وكفر قوم من اليهود بعد مشاهدتهم معجزات كثيرة فايده الله بكلامه ليتحمل به ما امتحن به من البلايا فى قومه يقول الفقير كون عدو موسى أقوى وأشد انما هو بالنسبة الى اعداء الأنبياء غير نبينا صلى الله عليه وسلم فانه قد ثبت ان فرعون آمن عند الغرق واما ابو جهل فلا بل اظهر العداوة عند النزع فاعتبر منه قوة حاله وعلو مقامه صلى الله عليه وسلم فى المكالمة والرؤية ليلة المعراج وفى الحديث (ناجى موسى ربه بمائة الف وأربعين الف كلمة فى ثلاثة ايام وصايا كلها) كذا فى الوسيط وقال بعضهم كلم الله موسى أربعين يوما وليلة وهذا والله اعلم غير الأربعين المتقدمة على الوحى والتعليم وعن فضيل بن عياض قال حدثنى بعض أشياخي ان إبليس جاء الى موسى وهو يناجى ربه فقال الملك ويلك ما ترجو منه وهو على هذه الحال يناجى ربه قال أرجو منه مارجوت من أبيه آدم وهو فى الجنة وكذا قال السدى لما كلم الله موسى غاص الخبيث إبليس فى الأرض حتى خرج من بين يدى موسى فوسوس اليه ان مكلمك(3/230)
شيطان يقول الفقير يرده ما سبق من ان الشيطان طرد عنه وقتئذ وهو الصحيح لان المقام لا يسع الشيطان وانما سلطانه على اهل الملك دون ارباب الملكوت وفرق بينه وهو مناج فى الطور وبين آدم وهو معاشر فى الجنة فان قلت قوله تعالى فى سورة الحج (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى الا إذا تمنى القى الشيطان فى أمنيته) يدل على ان كل نبى مبتلى بذلك خصوصا وقت التلاوة وهى من انواع المناجاة قلت فرق بين التلاوة الظاهرة والمناجاة الباطنة ألا ترى الى قوله عليه السلام (لى مع الله وقت لا يسعنى فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل) فما ظنك بالشيطان المردود الى أسفل سافلين البعد هكذا لاح ببالي والله اعلم ولما سمع موسى كلام ربه غلب عليه الشوق الى رؤيته وقال هذه لذة الخبر فكيف لذة النظر مع ان الكل يعمل على شاكلته وشاكلة البشر وفطرته على طلب العلو والترقي إذا ظفر بشىء طلب ما هو أعلى منه ولا أعلى من تجلى الجمال وفيض الوصال فسأل الرؤية وفى التفسير الفارسي [چون موسى كلام حق شنيد واز جام كلام ربانى جرعه ذوق محبت چشيد فراموش كرد كه او در دنياست خيال بست كه در فردوس اعلاست و چون جنت جاى مشاهده لقاست] قالَ رَبِّ أَرِنِي ذاتك اى مكننى من رؤيتك أَنْظُرْ إِلَيْكَ أرك فالنظر بمعنى الرؤية الا ان المطلوب بقوله أرني ليس ان يخلق الله تعالى رؤية ذاته المقدسة فى موسى حتى يلزم كون الشيء غاية لنفسه بان يكون المعنى أرني نفسك حتى أراك لانه فاسد بل المطلوب به ان يمكنه من رؤية ذاته المقدسة وتمكينه تعالى إياه من الرؤية سبب لرؤية موسى إياه تعالى فاطلق عليه اسم الرؤية المسببة عنه مجازا- روى- عن ابن عباس رضى الله عنهما قال
لما قال موسى عليه السلام أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ كشف الحجاب وابرز له الجبل وقال أَنْظُرْ فنظر فاذا امامه مائة الف نبى واربعة وعشرون الف نبى محرمين ملبين كلهم يقول أرني أرني واعلم ان الأجساد تنمو بنماء الأقوات كذلك الأحوال تصفو بصفاء الأوقات فقوت جسدك ما غذيته من الطيبات وقوت روحك ماربيت به من أقوات الطاعات فى اوقات الخلوات وكلما صفت الأواني جلت ما فيها من جواهر المعاني فاذا كان عين بصيرتك منطمسة وخيول همتك منحبسة فما لك والتطاول الى منازل قوم عيون قلوبهم منبجسة وسرائرهم لانوار معارفهم من جذوة الغيب مقتبسة فلا تدع بما ليس فيك وحسبك ما يعلم الله منك ويكفيك فينبغى لك ان تقف وقوف الأصاغر وتتأدب بآداب الأكابر هذا كليم الله موسى لما كان طفلا فى حجر تربية الحق سبحانه ما تجاوز حده بل قال رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فلما بلغ مبلغ الرجال ما رضى بطعام الأطفال بل قال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ وهو حجة اهل السنة والجماعة على جواز رؤية الله تعالى فان موسى اعتقد جوازها حين سألها واعتقاد جواز ما لا يجوز على الله تعالى كفر ومن جوز ذلك على موسى او على أحد من الأنبياء فهو كافر كما فى التيسير قال حضرة الشيخ الكبير صدر الدين القنوى فى فك ختم الفص الداودي من شأن الكمل ان كل ما هو متعذر الحصول لاحد من الخلق هو عندهم وبالنسبة الى كمال قابليتهم غير متعذر ولا يستحيل الا ان يخبرهم الحق بأخبار مخصوص خارج من خواص المواد والوسائط فحينئذ يصدقون ربهم ويحكمون باستحالته(3/231)
وحصول ذلك كحال موسى فى طلب الرؤية على وجه مخصوص فلما اخبر بتعذر ذلك ناب وآمن انتهى قالَ الله تعالى وهو استئناف بيانى لَنْ تَرانِي لم يقل لن تنظر الى كقوله انظر إليك لان المطلوب هى الرؤية التي معها ادراك لا النظر الذي هو عبارة عن تقليب الحدقة نحو المرئي لانه قد بتخلف عنه الإدراك فى بعض الصور قال فى التفسير لَنْ تَرانِي [نتوانى ديد مرا در دنيا چهـ حكم ازلى بر آن وجه واقع شده كه هر بشرى كه در دنيا بمن نظر كند بميرد] وفى المدارك لَنْ تَرانِي بالسؤال بعين فانية بل بالعطاء والنوال بعين باقية [صاحب كشف الاسرار كويد كه مقام موسى در ان ساعت كه خطاب لن ترانى شنيد عالى بود از ان وقت كه كفت أرني زيرا اين ساعت در عين مراد حق بود وآن وقت در عين مراد خود قائم بمراد حق بود كاملترست ار قيام بمراد خود]
لن ترانى ميرسد از طور موسى را جواب ... هر چهـ آن از دوست آيد سر إ كردن متاب
وهو دليل لنا ايضا لانه لم يقل لن ارى ليكون نفيا للجواز ولو لم يكن مرئيا لا خبر بانه ليس بمرئى إذا لحالة حالة الحاجة الى البيان فهو لا يدل على امتناع رؤيته فى نفس الأمر بل يدل على قصور الطالب عن رؤيته لتوقف الرؤية على حصول ما يستعد به الطالب لرؤيته وعدم حصول ذلك المعد فيه بعد فانه يجوز ان يبقى فيه حينئذ شىء من الحجاب المانع لرؤيته إياه لم يرتفع ذلك الحجاب بعد يقول الفقير هذا ما عليه اكثر اهل التفسير وهو ليس بمرضى عندى لان إتيان الطور لم يكن فى أوائل حاله عليه السلام بل كان ذلك نظير المعراج المحمدي بالنسبة الى مرتبته والتحقيق بعيد عن درك اهل التقليد وقد سألت حضرة شيخى العلامة أبقاه الله بالسلامة عن قولهم فى قوله تعالى لَنْ تَرانِي اى ببشريتك ووجودك فقال ان البشرية تنافى الرؤية وموسى عليه السلام انما سأل الرؤية بالنسبة الى ظاهر البشرية والوجود الكونى وهى لا تمكن ابدا بل لو تعلقت الرؤية بذات الله تعالى لتعلقت حالة الفناء فى الله واضمحلال حال البشرية فقلت يرد عليه ما وقع ليلة المعراج من الرؤية بعين الرأس فقال انه حبيب الله رأى ربه فى تلك الليلة بالسر والروح فى صورة الجسم ولا جسم هناك لانه تجاوز فى سيره عن عالم الأجسام كلها بل عن عالم الأرواح حتى وصل الى عالم الأمر فقلت يرد عليه ان الأنبياء والأولياء مشتركون فى الرؤية بالبصيرة حالة الفناء الكلى فلا فرق بين موسى ومحمد عليهما السلام فأى فائدة فى قوله لَنْ تَرانِي وايضا فى عروجه عليه السلام الى ما فوق العرش فان تلك الرؤية انما تحصل فى مقام العينية الجمعية
القلبية لا فى مقام الغيرية الفرقية القالبية فقال ان امر الرؤية وان كان محتاجا الى الانسلاخ التام عن الأكوان مطلقا الا ان الانسلاخ بالقلب والقالب مختص بنبينا عليه السلام فان موسى وكذا غيره من الأنبياء عليهم السلام انما يرون بالانسلاخ حين كون قوالبهم فى عالم العناصر. واما محمد صلى الله عليه وسلم فقد تجاوز عن عالم العناصر ثم عن عالم الطبيعة وذلك بالقلب والقالب جميعا فأنى يكون هذا لغيره فافهم جدا انتهى ما جرى بينى وبين حضرة الشيخ من السؤال والجواب وما تحاورناه فى المجلس الخاص المفتوح بابه للاحباب لا للاغيار واهل الإنكار والارتياب وقد كان ذلك كالقطرة من البحر الزاخر بالنسبة الى ما يحويه قلبه الحاضر قدس الله(3/232)
سره ورزقنى وجميع الأحباب شفاعته قال مرجع طريقتنا الجلوتية بالجيم حضرة الشيخ الشهير بافتاده البروسوى كما ان للانسان عينين فى الظاهر كذلك له عينان فى قلبه فاذا انفتحتا يشاهد بهما تجلى الصفات ولهما ايضا حدقتان لكنهما فى غاية اللطافة وانما قلنا يشاهد بهما تجلى الصفات لان تجلى الذات لا يشاهد إلا بعين معنوية وراء عين القلب لا حدقة لها لا كما زعمت الملاحدة والعياذ بالله تعالى فان الممكن الحقيقي غير الواجب الحقيقي كيف والسالك الواصل إذا أفنى وجوده يصير معدوما والمعدوم لا يحكم عليه بشىء فضلا عن الحلول والاتحاد بل إذا عبر بالاتحاد يراد به التقرب التام على وفق رضاه تعالى كما يراد ذلك فى قولهم فلان متحد مع فلان إذ لا شك انهما شخصان مستقلان حقيقة ومعنى كونه معدوما إذ ذاك انه يتلاشى ويغيب فى بحر الاستغراق وأنوار التجلي بحيث يغيب عن نظره ما سوى الله تعالى حتى ينظر ولا يجد نفسه للتوجه التام الى جنابه والاعراض الكلى عما سوى الله تعالى كمن جعل نظره الى جانب السماء لا ترى له الأرض ومن نظر الى المشرق لا يرى له المغرب لا انه يعدم وجوده الخارجي ويضمحل والأنبياء عليهم السلام وان تجلى لهم الذات الا ان تعين نبينا فوق الكل حتى ان موسى لما سأل ربه التجلي عن تعين نبينا قال تعالى لَنْ تَرانِي كذا اوله بعضهم وليس بشىء لانه عالم بمرتبة المصطفى صلى الله عليه وسلم فكيف يطلبها فخاطب موسى لَنْ تَرانِي لقطع طمع قومه حيث فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً لانه إذا خوطب بذلك فهم اولى به فهذا فى الحقيقة ليس بالنسبة الى موسى عليه السلام فانه قد نال سعادة التجلي مرارا واصطفاه برسالته وبكلامه الى هنا كلام افتاده افندى كما فى الواقعات المحمودية وقال الشيخ على دده فى اسئلة الحكم فان قلت ما الحكمة الربانية فى منعه الرؤية فى الموطن الدنيوي قيل لان الرؤية غاية الكرامة فى الدنيا وغاية الكرامة فيها لاكرم الخلق وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صاحب المقام المحمود الذي شاهد ربه ليلة المعراج بعيني رأسه على هذا فابحث وقيل لو أعطاه الرؤية بالسؤال لكانت الرؤية مكافأة لسؤاله والرؤية فضل لا مكافأة وهى ربانية لا مدخل للسؤال والتعمل فيها فهى امتنان محض من الله تعالى قال الامام الواحدي كون كلمة لن مفيدة لتأبيد النفي دعوى باطلة على اهل اللغة لا يشهد لصحتها كتاب معتبر ولا نقل صحيح ويدل على فساده قوله تعالى فى صفة اليهود وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً مع انهم يتمنون الموت يوم القيامة ويقولون فيه يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ. ويا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ اى الموت فالاخبار بان موسى لا يرى الله لا يدل على انه لا يراه ابدا كما ذهبت اليه المعتزلة: قال المولى الجامى
جهان مرآت حسن شاهد ماست ... فشاهد وجهه فى كل ذرات
: قال الحافظ
چومستعد نظر نيستى وصال مجوى ... كه جام جم نكند سود وقت بي بصرى
وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ اى لا تطلب النظر الىّ فانك لا تطيقه ولكن اجعل بينى وبينك ما هو أقوى منك وهو الجبل الذي بحضرتك قال الكلبي هو أعظم جبل بمدين يقال له زبير وفى القاموس زبير كامير الجبل الذي كلم الله عليه موسى وقال ابن الجوزي فى مرآة الزمان(3/233)
والأصح انما خوطب موسى على جبل الطور الذي بقرب بحر القلزم فلما سمعت الجبال تعاظمت رجاء ان يتجلى لها وجعل زبير او الطور يتواضع فلما رأى الله تواضعه رفعه من بينها وخصه بالتجلى كذا فى عقد الدرر واللآلى: وفى المثنوى
اى خنك آنرا كه ذلت نفسه ... واى آن كز سركشى شد چون كه او
وقال اهل الاشارة ان موسى عليه السلام لما أراد الخروج الى الميقات جعل بين قومه وبين ربه واسطة بقوله لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي فلما سأله الرؤية جعل الله بينه وبينها واسطة وهى الجبل فقال لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فقال ان لم أصلح لخلافتك دون أخيك فانت لا تصلح لرؤيتى دون الجبل فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ اى سكن وثبت فَسَوْفَ تَرانِي فسوف تطيق ان تنظر الىّ وان لم يستقر مكانه فانك لا تطيق النظر الىّ فان الجبل مع صلابته لما تأثر من التجلي ولم يطق ذلك بل اندك وتفتت وتلاشى فكيف يطيق الإنسان الذي يدهش عند مشاهدة الأمور الهائلة فكيف عند مشاهدة ذى العظمة والجلال المطلق الذي لا يوصف جلاله وكبرياؤه وهو دليل لنا ايضا لانه علق الرؤية باستقرار الجبل وهو ممكن وتعليق الشيء بما هو ممكن يدل على إمكانه كالتعليق بالممتنع يدل على امتناعه ألا ترى ان دخول الكفار الجنة لما استحال علقه بمستحيل قال حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ والدليل على انه ممكن قوله جَعَلَهُ دَكًّا ولم يقل اندك وما أوجده تعالى كان جائزا ان لا يوجد لانه مختار فى فعله ولانه تعالى ما أيأسه من ذلك ولا عاتبه عليه ولو كان ذلك محالا لعاتبه كما عاتب نوحا عليه السلام بقوله إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ حين سأل إنجاء ابنه من الغرق فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ طهر له عظمته وتصدى له اقتداره وامره ومعنى ظهور عظمته واقتداره للجبل تعلقها به وظهور اثرها فيه وانما حمل على هذا المعنى لان ظهور ذاته للجمال غير معقول قال فى التفسير العيون كشف نوره من حجبه قدر ما بين الخنصر والإبهام إذا جمعتهما اى إذا وضعت الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر وعن سهل بن سعد الساعدي ان الله اظهر من سبعين الف حجاب نورا قدر الدرهم وفى التفسير الفارسي: يعنى [ظاهر كردانيد از نور خود يا از نور عرش بمقدار سوفار سوزنى] وقال الشيخ ابو منصور معنى التجلي للجبل ما قال الأشعري انه تعالى خلق فى الجبل حياة وعلما ورؤية حتى رأى ربه وهذا ايضا فيه اثبات كونه مرثيا جَعَلَهُ دَكًّا مصدر بمعنى المفعول اى صيره مدكوكا مفتتا وإذا حل بالجبل ما حل مع عظم خلقه فما ظنك بابن آدم الضعيف كما فى تفسير الكواشي قال بعض الكبار جعل الله الجبل فداء لموسى ولولا ان موسى كان مدهوشا لذاب كما ذاب الجبل قالوا عذب إذ ذاك كل ماء وأفاق كل مجنون وبرىء كل مريض وزال الشوك عن الأشجار واخضرت الأرض وازهرت وحمدت نيران المجوس وخرت الأصنام لوجوههن وانقطعت أصوات الملائكة وجعل الجبل ينهدم وينهال ويضطرب من تحت موسى حتى اندق كله فصار ذرات فى الهواء والذر هو الذي يرى إذا دخل الشعاع فى الكوى بتلك الكوة وفى بعض التفاسير صار لعظمته ستة اجبل وقعت ثلاثة بالمدينة أحد ورقان ورضوى وثلاثة بمكة ثور وثبير وحراء وفى تفسير(3/234)
الحدادي فصار ثمانى فرق اربع قطع منه وقعن بمكة ثور وثبير وحراء وغار ثور واربع قطع وقعن بالمدينة أحد ورقان ورضوى والمهراس وقال الحسن صار الجبل ثلاث فرق ساخت فرقة منه فى الأرض وطارت فرقة فى البحر وطارت فرقة فوقعت بعرفات فهو شاحب مقشعر من مخافة الله تعالى وفى التفسير الفارسي [عجب سريست كه كوه بآن عظمت تحمل ديدار نداشت ودل انسان را بحكم (ولكن ينظر الى قلوبكم) طاقت آن نظر هست نكته درين آنست كه تجلى بر كوه بنظر وهيبت بود وتجلى بر دل بنظر رحمت آن نظر كوهرا ويران ساخت واين نظر دلرا معمور سازد] والاشارة ان الجبل صورة الجسم الحجابى والجسم غير مستعد للتجلى ما لم يندك وينحل بالرياضة والفناء وانما التجلي للروح فى مقام القلب والجبل صورة التحيز الكونى والحصر الجسماني ومشهد التجلي غير متحيز والسر فافهم وعليه فابحث كذا فى اسئلة الحكم وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً اى سقط مغشيا عليه من هول ما رأى من عشية الخميس وهو يوم عرفة الى عشية يوم الجمعة وهو قول ابن عباس رضى الله عنهما وقال قتادة ميتا وقول ابن عباس اظهر لان الله تعالى قال فَلَمَّا أَفاقَ
ولا يقال للميت أفاق من موته ولكن يقال بعث من موته كما قال فى حديث السبعين ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ: وفى المثنوى
جسم خاك از عشق بر أفلاك شد ... كوه در رقص آمد و چالاك شد
عشق جان طور آمد عاشقا ... طور مست وخرّ موسى صعقا
قال حضرة الشيخ افتاده افندى قدس سره الجبل المذكور وان احترق ظاهره ولكن له وجود معنوى كان ذلك لعلا خالصا بانعكاس التجلي من موسى ولذلك رآه كاللعلل وكالمه وذلك الجبل يدخل الجنة وان كان من الدنيا بسبب كونه مظهرا للتجلى كما ان الكعبة ومسجد المدينة وبيت المقدس تدخل الجنة فَلَمَّا أَفاقَ من صعقته قال المولى ابو السعود رحمه الله الافاقة رجوع العقل والفهم الى الإنسان بعد ذهابهما بسبب من الأسباب قالَ تعظيما لما شاهده سُبْحانَكَ اى تنزيها لك من ان اسألك بغير اذن منك تُبْتُ إِلَيْكَ اى من الجراءة والاقدام على السؤال بغير ازن او من السؤال فى الدنيا فانك انما وعدتها فى الآخرة وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ اى بعظمتك وجلالك او أول من آمن بانك لا ترى فى الدنيا [اى كه زيك لمعه ات كوه بصد پاره شد چهـ عجب از مشت كل عاجز وبيچاره شد] قال وهب بن اسحق لما سأل موسى ربه الرؤية أرسل اليه الضباب والصواعق والظلمة والرعد والبرق وأحاطت بالجبل الذي عليه موسى اربعة فراسخ من كل جانب وامر الله عز وجل ملائكة السموات ان يعرضوا على موسى فمرت به ملائكة السماء الدنيا كثيران البقر تنبع أفواههم بالتسبيح والتقديس بأصوات عظيمة كصوت الرعد الشديد ثم امر الله ملائكة السماء الثانية ان اهبطوا على موسى فهبطوا عليه أمثال الأسود ولهم لجب بالتسبيح والتقديس ففزع موسى مما رأى وسمع واقشعرت كل شعرة فى رأسه وجسده ثم قال لقد ندمت على مسألتى فهل ينجينى من مكانى الذي انا فيه شىء فقال له خير الملائكة ورأسهم يا موسى اصبر لما سألت فقليل من كثير ما رأيت ثم امر الله ملائكة السماء الثالثة ان اهبطوا على موسى فهبطوا عليه أمثال النسور لهم لجب شديد وأفواههم تنبع بالتسبيح(3/235)
والتقديس كجلبة الجيش العظيم ألوانهم كلهب النار ففزع موسى واشتد نفسه وايس من الحياة وقال له خير الملائكة مكانك يا ابن عمران حتى ترى ما لا تصبر عليه ثم امر الله ملائكة السماء الرابعة فهبطوا ألوانهم كلهب النار وسائر خلقهم كالثلج الأبيض أصواتهم عالية مرتفعة بالتسبيح والتقديس لا يشبههم شىء من الذين مروا به قبلهم فاصطكت ركبتاه وارتعد قلبه واشتد بكاؤه فقال له رئيس الملائكة اصبر يا ابن عمران لما سألت فقليل من كثير ما أريت ثم امر الله ملائكة السماء الخامسة فهبطوا ولهم سبعة ألوان فلم يستطع موسى ان يتبعهم بصره ولم يرمثلهم ولم يسمع مثل أصواتهم فامتلأ جوفه خوفا واشتد حزنه وكثر بكاؤه فقال له خير الملائكة يا ابن عمران مكانك حتى ترى بعض ما لا تصبر عليه ثم امر الله ملائكة السماء السادسة فهبطوا وفى يد كل ملك منهم نار مثل النخلة الطويلة أشد ضوأ من الشمس ولباسهم كلهب النار كلهم يقولون بشدة أصواتهم سبوح قدوس رب العزة ابدا لا يموت فى رأس كل ملك منهم اربعة أوجه فجعل يسبح موسى معهم وهو يبكى ويقول رب اذكرني ولا تنس عبدك فقال كبير الملائكة يا ابن عمران اصبر لما سألت ثم امر الله ان يحمل عرشه فى السماء السابعة وقال اروه إياه فلما بدا نور العرش انفرج الجبل من عظمة الرب ورفعت ملائكة السموات جميعا أصواتهم يقولون سبحان الله القدوس رب العزة ابدا لا يموت فاندك الجبل وكل شجرة كانت فيه وخر موسى على وجهه ليس معه روح فارسل الله برحمته الروح فتغشاه وقلب الحجر الذي عليه موسى وجعله كهيئة القبة لئلا يحترق موسى ثم اقامه كما تقيم الام جنينها إذا وضعته فقام موسى يسبح الله تعالى ويقول آمنت بك رب وصدقت انه لا يراك أحد فى الدنيا فيحيى من نظر الى ملائكتك انخلع قلبه فما أعظمك وأعظم ملائكتك أنت رب الأرباب وملك الملوك لا يعدلك شىء ولا يقوم لك شىء تبت إليك الحمد لك لا شريك لك قال فى التيسير قد روى فى هذا أحاديث فيها ذكر نزول الملائكة والتعنيف على موسى بما سأل ولكن ليس ورودها على وجه يصح ولا يجوز قبولها لانها لا تليق بحال الأنبياء انتهى قال بعض المحققين من ارباب المكاشفة ان موسى عليه السلام طلب رؤية ذاته تعالى مع هوية نفسه حيث قال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ مشيرا الى هويته بصيغة المتكلم فرد الله تعالى
بقوله لَنْ تَرانِي اى مع بقاء هويتك التي تخاطب بها وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ اى بذاتك وهويتك فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ ولم يكن فانيا فَسَوْفَ تَرانِي بهويتك فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ اى القى عليه من نوره فاصطرب بدنه من رهبته جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً وفنى عن هويته فرأى الحق بعين الحق فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ الان من مسألة الرؤية مع بقاء الهوية وقال فى التأويلات النجمية وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ يعنى ولما حصل على بساط القرب تتابع عليه كاسات الشراب من صفو الصفات ودارت أقداح المكالمات واثر فيه لذاذات الكلمات فطرب واضطرب إذ سكر من شراب الواردات وتساكر من سماع الملاطفات فى المخاطبات فطال لسان انبساطه عند التمكن على بساطه وعند استيلاء سلطان الشوق وغلبات دواعى المحبة فى الذوق قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قيل هيهات أنت فى بعد الاثنينية منكوب وبحجب جبل الانانية محجوب وانك إذا نظرت بك الى لَنْ تَرانِي لانه لا يرانى الا من كنت له يصر افبى يبصر وَلكِنِ انْظُرْ الى الجبل جبل الانانية(3/236)
فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ عند التجلي فَسَوْفَ تَرانِي ببصر انانيتك فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جبل انانيته جَعَلَهُ دَكًّا فانيا كان لم يكن وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً بلا انانية وكان ما كان بعد ان بان ما بان فأشرقت الأرض بنور ربها وجاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا
قد كان ما كان سرا لا ابوح به ... فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
ولو لم يكن جبل انانية النفس بين موسى الروح وتجلى الرب لطاش فى الحال وما عاش ولولا القلب كان خليفته عند الفناء بالتجلى لما امكنه الافاقة والرجوع الى الوجود فافهم جدا ولو لم يكن تعلق الروح بالجسد لما استسعد بالتجلى ولا بالتحلي تفهم ان شاء تعالى فَلَمَّا أَفاقَ من غشية الانانية بسطوة تجلى الربوبية قالَ موسى بلا هويته سُبْحانَكَ تنزيها لك من خلقك واتصال الخلق بك تُبْتُ من انانيتى إِلَيْكَ الى هويتك بك وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بانك لا ترى بالانانية ولا ترى الا بنور هويتك بك انتهى وقال القشيري وَلَمَّا جاءَ مُوسى مجيىء المشتاقين ومجيىء المغلوبين جاء موسى بلا موسى ولم يبق من موسى لموسى وآلاف آلاف رجال قطعوا مسافات وتحملوا مخافات فلم يذكرهم أحد وهذا موسى خطى خطوات والى يوم القيامة يقرأ الصبيان ولما جاء موسى لميقاتنا باسطه الحق بالكلام فلم يتمالك ان قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ فان غلبات الوجد استنطقته بكمال الوصلة من الشهود وقالوا لا يؤاخذ المغلوب بما يقول وقالوا انه لا يشكر ثم ينكر قال وأشد الخلق شوقا الى الحبيب أقربهم من الحبيب هذا موسى وقف فى محل المناجاة وحفت به الكرامات وكلمه بلا واسطة ولا جهات قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ كأنه غائب هو شاهد لكن ما ازداد القوم شربا الا ازدادوا عطشا ولا ازدادوا قربا الا ازدادوا شوقا وقال سأل موسى الرؤية بالكلام فاجيب لَنْ تَرانِي بالكلام واسر المصطفى فى قلبه ما كان يرجوه من تحويل القبلة من ربه فقيل له قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها وقال انه سأل الله الرؤية فقال لَنْ تَرانِي وقال للخضر هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً فصار جوابه لن من الحق ومن الخلق ليبقى موسى بلا موسى ويصفو موسى عن كل نصيب لموسى بموسى وانشد فى معناه فقيل
ابني أبينا نحن اهل منازل ... ابدا غراب البين فينا يزعق
والبلاء الذي ورد عليه بقوله تعالى فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا أشد من قوله لَنْ تَرانِي لانه صريح فى الرؤية وفى اليأس راحة وقوله فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي هذا اطماع فيما يمنعه فلما اشتد توقعه جعل الجبل دكا وكان قادرا على إمساك الجبل لكنه قهر الأحباب وبه سبق الكتاب وفى قوله انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ بلاء شديد لموسى لانه منع عن رؤية مقصوده وامر برؤية غيره ولوامر بان يغمض عينيه لا ينظر الى شىء بعده لكان الأمر أسهل عليه ولكنه قيل له لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ثم أشد من ذلك ان الجبل اعطى التجلي ثم امر موسى عليه السلام بالنظر الى الجبل الذي قدم عليه فى هذا السؤال وهذا
صعب شديد ولكن موسى رضى به وانقاد لحكمه وفى معناه انشدوا
أريد وصاله ويريد هجرى ... فاترك ما أريد لما يريد(3/237)
قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144)
وقيل بل هو لطف به حيث لم يصرح برده بل علله عونا له على صبره وقيل قددنا اصبر قليلا قليلا ولما منع النظر رجع الى رأس الأمر فقال تبت إليك ان لم تكن الرؤية التي هى غاية الرتبة من رأس الأمر وهو التوبة ثم هذا اناخة لعقوق العبودية وشرطها ان لا تبرح عن محل الخدمة ان حال بينك وبينى وجود القربة لان القربة حظ نفسك والخدمة حق ربك ولأن تكون بحق ربك أتم من ان تكون بحظ نفسك كذا فى تفسير التيسير نقلا عن القشيري ذكر بعضهم ان رؤية الله تعالى ممكنة فى الدنيا قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى الرؤية فى الآخرة موعودة واما فى الدنيا وان كانت فى حيز الإمكان لكنها غير موعودة ولم تجر عادة الله عليها انتهى وقد ذكرنا موانع الرؤية فى سورة البقرة وانواع الرؤية فى سورة الانعام وفى الواقعات المحمودية سأل بعض الكبار من العلماء وقال الذي لا زمان له ولا مكان فى أي مكان والأدب فى السؤال ان يقال المنزه ذاته عن الزمان والمكان بأى وجه يطلب وبأى طريق يوجد ويوصل اليه وكذا الأدب فى الجواب ان يقال من أراد رؤية جماله فلينظر فى قلوب أوليائه فان قلوبهم مظاهر ومرايا لجماله واعلم ان المعتزلة أنكروا رؤية الله تعالى حتى قال صاحب الكشاف تشنيعا وتقبيحا وتضليلا لاهل السنة والجماعة ثم تعجب من المتسمين بالإسلام المتسمين باهل السنة والجماعة كيف اتخذوا هذه العظيمة مذهبا ولا يغرنك تسترهم بالبلكفة فانه من مصوبات اشياخهم والقول ما قال بعض العدلية فيهم
لجماعة سموا هواهم سنة ... لكنهم حمر لعمرى مؤكفه
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا ... شنع الورى فتستروا بالبلكفه
وقال بعضهم جوابا عنهم
عجبا لقوم ظالمين تلقبوا ... بالعدل ما فيهم لعمرى معرفه
قد جاءهم من حيث لا يدرونه ... تعطيل ذات الله مع نفى الصفة
قال المولى ابراهيم الاروسقى
رضينا كتاب الله للفصل بيننا ... وقول رسول الله أوضح فاصل
وتحريف آيات الكتاب ضلالة ... وليس بعدل رد نص الدلائل
وتضليل اصحاب الرسول وذمهم ... وتصويب آراء النظام وواصل
ولو كان تكذيب الرسول عدالة ... فاعدل خلق الله عاص بن وائل
فلولاك جار الله من فرقة الهوى ... لكنت جديرا باجتماع الفضائل
قالَ الله تعالى لموسى حين قال تبت إليك وانا أول المؤمنين يا مُوسى ان منعتك الرؤية لصلاح حالك وبقاء ذاتك فلا تكن مغموما محزونا لذلك إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ اى اخترتك واتخذتك صفوة وآثرتك عَلَى النَّاسِ اى الموجودين فى زمانك وهارون وان كان نبيا واكبر منه سنا كان مأمورا باتباعه وما كان كليما ولا صاحب شرع او على الناس جميعا لان الرسالة مع الكلام ولم يحصل هذا المجموع لغيره وانما قال على الناس ولم يقل على الخلق لان الملائكة قد سمعوا كلامه تعالى من غير واسطة كما سمعه موسى عليه السلام بِرِسالاتِي جمع الرسالة وهى فى الأصل مصدر بمعنى الإرسال والمراد به هنا الشيء المرسل به الى الغير(3/238)
وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)
وهو اسفار التوراة جمع سفر بمعنى الكتاب يقال سفره إذا كتبه والواح التوراة اسفار من حيث انها كتب فيها التوراة وَبِكَلامِي اى وبتكلمى إياك بلا واسطة وقيل المضاف محذوف اى وسماع كلامى وهذا يرد قول من يقول ان السبعين الذين اختارهم موسى سمعوا كلام الله تعالى لان فى الآية بيان الاصطفاء وهو تنصيص على التخصيص واعلم ان كل نبى قد اصطفاه الله على الخلق بنوع او نوعين او انواع من الكمال عند خلقته وركب فى ذرة طينته استعداده لظهور ذلك النوع من الكمال حين خمر طينة آدم بيده فاصطفى موسى بالرسالة والمكالمة دون نوح وكمال الرؤية مخصوص بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأمته حتى استدعى موسى لنيل مقام رؤية ربه فقال اللهم اجعلنى من أصحابه- روى- انه لما كلم الله تعالى موسى عليه السلام يوم الطور كان على موسى جبة من صوف مخللة بالعيدان محزوم وسطه بشريط ليف وهو قائم على الجبل وقد أسند ظهره الى صخرة من الجبل فقال الله يا موسى انى قد اقمتك مقاما لم يقمه أحد قبلك ولا يقومه أحد بعدك وقربتك نجيا فقال موسى عليه السلام يا رب فلم أقمتني هذا المقام قال لتواضعك يا موسى فلما سمع موسى لذاذة الكلام من ربه نادى الهى أقريب فاناجيك أم بعيد فاناديك قال يا موسى انا جليس من ذكرنى وكان موسى عليه السلام بعد ما كلمه الله تعالى لا يستطيع أحد ان ينظر اليه لما غشى وجهه من النور ولم يزل على وجهه برقع حتى مات- ويروى- ان امرأته قالت له انا ايم منك اى كأنى بلا زوج منذ كلمك ربك فكشف لها عن وجهه فاخذها مثل شعاع الشمس فوضعت يدها على وجهها ساعة وقالت ادع الله ان يجعلنى زوجتك فى الجنة قال ذاك ان لم تتزوجى بعدي فان المرأة لآخر أزواجها. وقيل ان الرجل إذا تبكر بالمرأة تزوجها فى الجنة. وقيل انها تكون لا حسن أزواجها خلقا ومن خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم تحريم أزواجه اللاتي توفى عنهن على غيره ابدا فَخُذْ ما آتَيْتُكَ اى أعطيتك من شرف النبوة والحكمة وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ على النعمة وفى التأويلات النجمية فَخُذْ ما آتَيْتُكَ يعنى ما ركبت فيك استعداده واصطفيتك به من الرسالة والمكالمة وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ فان الشكر يبلغك الى ما سألت من الرؤية لان الشكر يستدعى الزيادة لقوله تعالى لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ والزيادة هى الرؤية لقوله تعالى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وقال عليه السلام (الزيادة هى الرؤية والحسنى هى الجنة) وَكَتَبْنا [ونوشتيم ما يعنى قلم أعلى را فرموديم كه كتابت كرد يا جبريل را كفتيم كه بقلم ذكر امداد نهر النور نوشت] لَهُ [براى موسى] فِي الْأَلْواحِ اى فى تسعة الواح من الزمرد الأخضر وهو الأصح وفيها التوراة كنقش الخاتم طول كل لوح عشرة اذرع وفى القاموس اللوح كل صفيحة عريضة خشبا او عظما جمعه الواح- روى- ان سؤال الرؤية كان يوم عرفة وإعطاء التوراة يوم النحر مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مما يحتاجون اليه من امور دينهم مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ بدل من الجار والمجرور لانه فى محل النصب على انه مفعول كتبنا ومن مزيدة لا تبعيضية اى كتبنا له كل شىء من المواعظ وتفصيل الاحكام قال مقاتل كتب فى الألواح انى انا الله الرحمن الرحيم لا تشركوا بي شيأ ولا تقطعوا السبيل ولا تزنوا ولا تعقوا الوالدين فَخُذْها على إضمار القول عطفا على كتبنا اى فقلنا خذها اى الألواح(3/239)
سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)
بِقُوَّةٍ بجد وعزيمة وَأْمُرْ قَوْمَكَ اى على طريق الندب والحث على اختيار الأفضل يَأْخُذُوا اى ليأخذوا بِأَحْسَنِها الباء زائدة فى المفعول به. الأحسن العزائم والحسن الرخص يعنى ليعلموا ان ما هو عزيمة يكون ثوابه اكثر كالجمع بين الفرائض والنوافل والصبر بالاضافة الى الانتصار وغير ذلك قال قطرب اى بحسنها وكلها حسن كقوله تعالى وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ سَأُرِيكُمْ يا بنى إسرائيل دارَ الْفاسِقِينَ دار فرعون وقومه بمصر خاوية على عروشها ومنازل عاد وثمود واضرابهم لتعتبروا فلا تفسقوا بمخالفة ما أمرتم به من العمل باحكام التوراة او ارض مصر وارض الجبابرة والعمالقة بالشام. ومعنى الاراءة الإدخال بطريق الايراث فعلى الاول يكون وعيدا وترهيبا وعلى الثاني وعدا وترغيبا وفى الآية اشارة الى ان طلب الآخرة كان احسن من طلب الدنيا كذلك طلب الله احسن من طلب الآخرة فعلى العاشق ان يختار الأحسن وقوله سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ يعنى الخارجين من طلب الآخرة فدارهم الجنة ودار الخارجين من طلب الآخرة الى طلب الله فى مقعد صدق عند مليك مقتدر: قال الحافظ
سايه طوبى ودلجويىء حور ولب حوض ... بهواي سر كوى تو برفت از يادم
نيست بر لوح دلم جز الف قامت دوست ... چهـ كنم حرف دكر ياد نداد استادم
سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ المراد بالآيات ما كتب فى الواح التوراة من المواعظ والاحكام وغيرها من الآيات التكوينية التي من جملتها ما وعد إراءته من دار الفاسقين ومعنى صرفهم عنها الطبع على قلوبهم بحيث لا يكادون يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها لاصرارهم على ما هم عليه من التكبر والتجبر. والمعنى ساطبع على قلوب الذين يعدون أنفسهم كبراء ويرون لهم على الخلق مزية وفضلا فلا ينتفعون بآياتى التنزيلية والتكوينية المنصوبة فى الأنفس والآفاق ولا يغتنمون بمغانم آثارها فلا تسلكوا يا بنى إسرائيل مسلكهم فتكونوا أمثالهم بِغَيْرِ الْحَقِّ صلة للتكبر اى يتكبرون بما ليس بحق وهو دينهم الباطل وظلمهم المفرط قال ابن الشيخ لما كان التكبر مؤديا الى الحرمان من الانتفاع بالآيات المذكورة وتضييعها كان المقصود من الآية تحذير بنى إسرائيل عن التكبر المفضى الى ان يصرفهم الله عن التفكر فى الآيات والاهتداء بها حتى يأخذوا احكام التوراة بجد ورغبة انتهى فالآية متصلة بقصة بنى إسرائيل ويحتمل ان تكون كلاما معترضا خلال قصتهم اخبر به رسول الله انه حرم المتكبرين من أمته فهم معانى القرآن والتدبر فيها كما قيل ابى الله تعالى ان يكرم قلوب الظالمين بتمكينهم من فهم حكمة القرآن والاطلاع على عجائبه حيفست چنين كنج در ان ويرانه وَإِنْ يَرَوْا يشاهدوا كُلَّ آيَةٍ من الآيات كانت معجزة لا يُؤْمِنُوا بِها اى كفروا بكل واحدة منها لعدم اجتلائهم إياها كما هى وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا اى لا يتوجهون الى الحق ولا يسلكون سبيله أصلا لاستيلاء الشيطنة عليهم ومطبوعيتهم على الانحراف والزيغ وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا اى يختارونه لانفسهم مسلكا مستمرا لا يكادون يعدلون عنه لموافقته لاهوائهم الباطلة وافضائه بهم الى(3/240)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)
شهواتهم ذلِكَ اشارة الى ما ذكر من تكبرهم وعدم ايمانهم بشىء من الآيات واعراضهم عن سبيل الرشد وإقبالهم التام على سبيل الغى بِأَنَّهُمْ اى حاصل بسبب انهم كَذَّبُوا بِآياتِنا الدالة على بطلان ما اتصفوا به من القبائح وعلى حقية أضدادها وهى الآيات المنزلة والمعجزة وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ لا يتفكرون فيها والا لما فعلوا ما فعلوا من الأباطيل فالمراد بالغفلة عنها عدم التفكر والتدبر فيها عبر عن عدم تدبر الآيات بالغفلة عنها تشبيها للمعرض عن الشيء بمن غفل عنه وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ من اضافة المصدر الى مفعوله والفاعل محذوف اى ولقائهم الدار الآخرة حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ اى ظهر بطلان أعمالهم التي كانوا عملوها من صلة الأرحام واغاثة الملهوفين ونحو ذلك فلا ينتفعون بها هَلْ يُجْزَوْنَ استفهام بمعنى النفي والإنكار يعنى لا يجزون إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى الاجزاء ما كانوا يعملون من الكفر والمعاصي قال فى التأويلات النجمية يعنى لما حبطت اعمالنا عندهم من بعثة الأنبياء وإنزال الكتب واظهار المعجزات لتكبرهم عنها جازيناهم بان حبطت أعمالهم عندنا لكبريائنا وغنانا عن اهل الشرك وشركهم نظيره قوله تعالى وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها وفى الآية ذم التكبر وانه من أعظم أوصاف البشر حجبا لانه يزيد فى الانانية وما لعن إبليس وطرد الا للتكبر وصف بعض البلغاء متكبرا فقال كأن كسرى حامل غاشيته وقارون وكيل نفقته وبلقيس احدى داياته وكأن يوسف لم ينظر الا بمقلته ولقمان لم ينطق الا بحكمته كأن الخضراء له عرشت والغبراء باسمه فرشت: وفى المثنوى
اين تكبر زهر قاتل دانكه هست ... از مى پر زهر شد آن گيج مست
چون مى پر زهر نوشد مدبرى ... از طرب يكدم بجنباند سرى
بعد يكدم زهر بر جانش زند ... زهر بر جانش كند داد وستد
كر ندارى زهريش را اعتقاد ... كرچهـ زهر آمد نكر در قوم عاد
چونكه شاهى دست يابد بر شهى ... بكشدش يا باز دارد در چهى
ور بيابد خسته افتاده را ... مرهمش سازد شه وبدهد عطا
كه نه زهر است اين تكبر پس چرا ... كشت شه را بي كناه وبي خطا
وين دكر را پى ز خدمت چون نواخت ... زين دو جنبش زهر را شايد شناخت
نردبان خلق اين ما ومنيست ... عاقبت زين نردبان افتاد نيست
هر كه بالاتر رود ابله ترست ... كاستخون او بتر خواهد شكست
اين فروعست واصولش آن بود ... كه ترفع شركت يزدان بود
چون نمردى ونكشتى زنده زو ... باغىء باشى بشركت ملك جو
چون بدو زنده شدى آن خود ويست ... وحدت محض است آن شركت كى است
فعلى العاقل ان يزكى نفسه عن الكبر ويأخذ التواضع فى طريق الحق ويخلص العمل لله تعالى فان من أخلص فى العمل وان لم ينو ظهرت آثار بركته عليه وعلى عقبه الى يوم القيامة كما قيل انه لما اهبط آدم عليه السلام الى الأرض جاءت وحوش الفلاة تسلم عليه وتزوره فيدعو لكل جنس بما يليق به فجاءت طائفة من الظباء فدعا لهن ومسح على ظهورهن فظهر فيهن نوافج(3/241)
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148)
المسك فلما رأى بواقيها ذلك قلن من اين هذا لكن فقلن زرنا صفى الله آدم فدعالنا ومسح على ظهورنا فمضى البواقي اليه فدعا لهن ومسح على ظهورهن فلم يظهر لهن من ذلك شىء فقالوا قد فعلنا كما فعلتم فلم نرشيأ مما حصل لكن فقالوا أنتم كان عملكم لتنالوا كما نال إخوانكم وأولئك كان عملهم لله من غير شوب فظهر ذلك فى نسلهم وعقبهم الى يوم القيامة فظهر ان الخلق لا يجزون الا ما كانوا يعملون والجزاء لا بد وان يكون من جنس العمل نسأل الله تعالى دفع الكسل ورفع الزلل وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ اى من بعد ذهابه الى الطور ومن للابتداء الغاية مِنْ للتبعيض حُلِيِّهِمْ جمع حلى كثدى وثدى وهو ما تزين به من الذهب والفضة واضافة الحلي إليهم مع انها كانت للقبط لادنى الملابسة حيث كانوا استعاروها من أربابها حين هموا بالخروج من مصر عِجْلًا مفعول أول لقوله اتخذ لانه متعدالى اثنين بمعنى التصيير والمفعول ثانى محذوف اى صيروه آلها والعجل ولد البقر وابو العجل الثور والجمع العجاجيل والأنثى عجلة سمى عجلا لاستعجال بنى إسرائيل عبادته وكانت مدة عبادتهم له أربعين يوما فعوقبوا فى التيه أربعين سنة فجعل الله تعالى كل سنة فى مقابلة يوم جَسَداً بدل من عجلا اى جثة ذادم ولحم او جسدا من ذهب لا روح معه فان الجسد اسم لجسم له لحم ودم ويطلق على جثة لا روح لها لَهُ خُوارٌ اى صوت البقر وذلك ان موسى كان وعد قومه بالانطلاق الى الجبل ثلاثين يوما فلما تأخر رجوعه قال لهم السامري رجل من قرية يقال لها سامرة وكان رجلا مطاعا من قوم موسى انكم أخذتم الحلي من آل فرعون فعاقبكم الله بتلك الجناية ومنع موسى عنكم فاجمعوا الحلي حتى أحرقها لعل الله يرد علينا موسى او سألوه آلها يعبدونه وقد كان لهم ميل الى عبادة البقر منذ مروا على العمالقة التي كانوا يعبدون تماثيل البقر وذلك بعد عبور النهر وقد مرت قصته فجعل السامر الحلي بعد جمعها فى النار وصاغ لهم من ذلك عجلا لانه كان صاغا والقى فى فمه ترابا من اثر فرس جبريل عليه السلام وكان ذلك الفرس فرس الحياة ما وضع حافره فى موضع الا اخضر وكان قد أخذ ذلك التراب عند فلق البحر او عند توجهه الى الطور فانقلب ذلك الجسد لحما ودما وظهر فيه خوار وحركة ومشى فقال السامري هذا آلهكم واله موسى فعبدوه الا اثنى عشر الفا من ستمائة الف وقيل انه جعل ذلك العجل مجوفا وجعل فى جوفه أنابيب على شكل مخصوص وكان وضع ذلك التمثال على مهب الريح فكانت الريح تدخل فى تلك الأنابيب فظهر منه صوت مخصوص يشبه خوار العجل فاهوم بنى إسرائيل انه حى يخور فزفنوا حوله اى رقصوا نقل القرطبي عن الطرشوشى انه سئل عن قوم يجتمعون فى مكان يقرأون شيأ من القرآن ثم ينشد لهم منشد شيأ من الشعر يرقصون ويطربون ويضربون بالدف والشنانير هل الحضور معهم حلال أو لا قال مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة وما الإسلام الا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. واما الرقص والتواجد فاول من أحدثه اصحاب السامري فلما اتخذوا عجلا جسدا له خوار قاموا يرقصون حوله ويتواجدون فهو دين الكفار وعباد العجل وانما كان يجلس النبي عليه السلام مع أصحابه كأنما على رؤسهم الطير من الوقار فينبغى للسلطان ونوابه ان يمنعهم من الحضور فى المساجد وغيرها ولا يحل لاحد(3/242)
يؤمن بالله واليوم الآخر ان يحضر معهم ولا يعينهم على باطلهم هذا مذهب مالك والشافعي وابى حنيفة واحمد وغيرهم من ائمة المسلمين كذا فى حياة الحيوان قال فى نصاب الاحتساب هل يجوز له الرقص فى السماع الجواب لا يجوز ذكر فى الذخيرة انه كبيرة ومن اباحه من المشايخ فذلك للذى صارت حركاته كحركات المرتعش وهل يجوز السماع الجواب ان كان السماع سماع القرآن او الموعظة يجوز وان كان السماع الغناء فهو حرام لان التغني واستماع الغناء حرام ومن اباحه من مشايخ الصوفية فلمن تخلى عن الهوى وتحلى بالتقوى واحتاج الى ذلك احتياج المريض الى الدواء وله شرائط. احداها ان لا يكون فيهم امرد. والثانية ان لا يكون جمعيتهم الا من جنسهم ليس فيهم
فاسق ولا اهل دنيا ولا امرأة. والثالثة ان يكون نية القوال الإخلاص لا أخذ الاجرة والطعام. والرابعة ان لا يجتمعوا لاجل طعام او نظر الى فتوح والخامسة لا يقومون الا مغلوبين. والسادسة لا يظهرون الوجد الا صادقين قال الشيخ عمر ابن الفارض فى القصيدة الموسومة بنظم الدر
إذ هام شوقا بالمناغى وهمّ ان ... يطير الى أوطانه الاولية
يسكن بالتحريك وهو بمهده ... إذا ناله أيدي المربى بهزة
قال الامام القاشاني فى شرحه إذا هام الولي واضطرب شوقا الى مركزه الأصلي ووطنه الاولى بسبب مناغاة المناغى وهم طائر روحه الى ان يطير الى عشه ووكره الاولى تهزه أيدي من يربيه فى المهد فيسكن بسبب التحريك من قلقه وهمه بالطيران والمقصود من إيراد هذا المعنى ان يشير الى فائدة الرقص والحركة فى السماع وذلك ان روح السامع يهم عند السماع ان يرجع الى وطنه المألوف ويفارق النفس والقالب فتحركه يدالحال وتسكنه عما يهم به بسبب التحريك الى حلول الاجل المعلوم وذلك تقدير العزيز العليم انتهى: قال السعدي قدس سره
مكن عيب درويش مدهوش ومست ... كه غرقست از آن مى زند پاودست
نكويم سماع اى برادر كه چيست ... مكر مستمع را بدانم كه كيست
كر از برج معنى پرد طير او ... فرشته فرو ماند از سير او
اگر مرد بازي ولهوست ولاغ ... قوى تر شود ديوش اندر دماغ
چهـ مرد سماعست شهوت پرست ... بآواز خوش خفته خيزد نه مست
قال السروري [چون سماع آواز خوش سبب حركت شد حركت را سماع كفتند] بطريق تسمية المسبب باسم السبب [و چون كسى آوازى خوش شنود درو حالتى پيدا شود اين حالت را وجد كويند] : وفى المثنوى
پس غداى عاشقان آمد سماع ... كه در او باشد خيال واجتماع
قوتى كيرد خيالات ضمير ... بلكه صورت كردد از بانك صفير
واعلم ان الرقص والسماع حال المتلون لا حال المتمكن ولذا تاب سيد الطائفة الجنيد البغدادي قدس سره عن السماع فى زمانه فمن الناس من هو متواجد ومنهم من هو اهل وجد ومنهم من هو اهل وجود. فالاول المبتدى الذي له انجذاب ضعيف. والثاني المتوسط الذي له انجذاب قوى. والثالث(3/243)
المنتهى الذي له انجذاب قوى وهو مستغن عن الدوران الصوري بالدوران المعنوي بخلاف الأولين ولا بد من العشق فى القلب والصدق فى الحركة حتى يصح الدوران والعلماء وان اختلفوا فى ذلك فمن مثبت ومن ناف لكن الناس متفاوتون والجواز للاهل المستجمع لشرائطه لا لغيره قال حضرة الشيخ افتاده افندى قدس سره ليس فى طريقتنا رقص ولا فى طريق الشيخ الحاج بيرام ولى ايضا لان الرقص والأصوات كلها انما وضع لدفع الخواطر ولا شىء فى دفعها أشد تأثير أمن التوحيد ونبينا عليه الصلاة والسلام لم يلقن الا التوحيد- ذكر- ان عليا قال يوما لا أجد لذة العبادة يا رسول الله فلقنه التوحيد ووصاه ان لا يكلم أحدا بما ظهر له من آثار التوحيد فلما امتلأ باطنه من أنوار التوحيد واضطر الى التكلم جاء الى بئر فتكلم فيها فنبت منها قصب فأخذه راع وعمل منه المزمار وكان ذلك مبدأ لعلم الموسيقى وقال وقد يقال ان رجلا يقال له عبد المؤمن سمع صوت الافلاك فى دورها فأخذ منه العلم الموسيقى ولذلك كان أصله اثنى عشر على عدد البروج ولكن صداها على طرز واحد فالانسان لقابليته الحق به زيادات كذا فى الواقعات المحمودية فقد عرفت من هذا البيان انه ليس فى الطريقة الجلوتية بالجيم دور ورقص بل توحيد وذكر قياما وقعودا بشرائط وآداب وانما يفعله الخلوتية بالخاء المعجمة ما يتوارثون من أكابر اهل الله تعالى لكن انما يقبل منهم ويمدح إذا قارن شرائطه وآدابه كما سبق والا يرد ويذم وقد وجدنا فى زماننا اكثر المجالس الدورية على خلاف موضوعها فالعاقل يختار الطريق الأسلم ويجتنب عن القيل والقال وينظر الى قولهم لكل زمان رجال ولكل رجال مقام وحال قال الشيخ ابو العباس من كان من فقراء هذا الزمان آكلا لاموال الظلمة مؤثرا للسماع ففيه نزغة يهودية قال الله تعالى سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ وقال الحاتمي السماع فى هذا الزمان لا يقول به مسلم ولا يفتدى بشيخ يعمل السماع وقد عرفت وشاهدت فى هذا الزمان ان المجالس الدورية يحضرها المرادان الملاح والنساء وحضورهم آفة عظيمة فانهم والاختلاط بهم والصحبة معهم كالسم القاتل ولا شىء اسرع إهلاكا للمرء فى دينه من صحبتهم فانهم حبائل الشيطان ونعوذ بالله من المكر بعد الكرم ومن الحور بعد الكور انه هو الهادي الى طريق وصاله وكاشف القناء عن ذاته وجماله والمواصل الى كماله بعد جماله وجلاله وهو الصاحب والرفيق فى كل طريق أَلَمْ يَرَوْا [آيا نديدند ونداستند أَنَّهُ اى العجل لا يُكَلِّمُهُمْ اى ليس فيه شىء من احكام الالوهية حيث لا يقدر على كلام ولا امر ولا نهى وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اى ولا يرشدهم طريقا الى خير ليأتوه ولا الى شر لينتهوا عنه اتَّخَذُوهُ آلها ولو كان آلها لكلمهم وهداهم لان الإله لا يهمل عباده قوله اتخذوه تكرير للذم اى اتخذوه آلها وحسبوا انه خالق الأجسام والقوى والقدر وَكانُوا ظالِمِينَ اى واضعين الأشياء فى غير موضعها فلم يكن اتخاذ العجل بدعا منهم وفى التفسير الفارسي [در لطائف قشيرى مذكورست كه چهـ دورست ميان أمتي كه مصنوع خود را پرستند وأمتي كه عبادت صانع خود كنند]
آنرا كه تو ساختى نسازد كارت ... سازنده توست در دو عالم يا رب(3/244)
وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)
وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ كناية عن شدة ندمهم فان الذي يشتد ندمه وتحسره يعض يده مسقوطا فيها كأنّ فاه وقع فيها. والمعنى ندموا على ما فعلوا من عبادة العجل غاية الندم وسقط مسند الى فى أيديهم وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا باتخاذ العجل آلها اى تبينوا بحيث تيقنوا بذلك حتى كأنهم رأوه بأعينهم قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا بانزال التوراة المكفرة وَيَغْفِرْ لَنا بالتجاوز عن الخطيئة لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ [از زيانكاران وهلاك شدكان] وما حكى عنهم من الندامة والرؤية والقول وان كان بعد ما رجع موسى عليه السلام إليهم كما ينطق به الآيات الواردة فى سورة طه لكن أريد بتقديمه عليه حكاية ما صدر عنهم من القول والفعل فى موضع واحد وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى من جبل الطور إِلى قَوْمِهِ حال كونه غَضْبانَ أَسِفاً اى شديد الغضب يقال آسفنى فاسفت اى أغضبني فغضبت ومنه قوله تعالى فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ وهو يدل على انه عليه السلام كان عالما باتخاذهم العجل آلها قبل مجيئه إليهم بسبب انه تعالى أخبره فى حال المكالمة بما كان من قومه من عبادة العجل قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي اى ساء ما عملتم خلفى ايها العبدة بعد غيبتى وانطلاقى الى الجبل لانه يقال خلفه بما يكره إذا عمل خلفه ذلك. وما نكرة موصوفة مفسرة لفاعل بئس المستكن فيه والمخصوص بالذم محذوف تقديره بئس خلافة خلفتمونيها من بعد خلافتكم أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ الهمزة للانكار اى أتركتموه غير تام كأنه ضمن عجل معنى سبق وإلا فعجل يتعدى بعن يقال عجل عن الأمر إذا تركه غير تام ونفيضه تم عليه. والمعنى أعجلتم عن امر ربكم وهو انتظار موسى حافظين لعهده وما وصاكم به الى ان يجيىء. فالامر واحد الأوامر او انه بمعنى المأمور به. والعجلة العمل بالشيء قبل وقته ولذلك صارت مذمومة بخلاف السرعة فانها غير مذمومة لكونها عبارة عن العمل بالشيء فى أول وقته وفى التأويلات النجمية استعجلتم يا صفات الروح بالرجوع الى الدنيا وزينتها والتعلق بها قبل أوانه من غير ان يأمر به ربكم وفيه اشارة الى ان ارباب الطلب واصحاب السلوك لا ينبغى ان يلتفتوا الى شىء من الدنيا ولا يتعلقوا بها فى أثناء الطلب والسلوك لئلا ينقطعوا عن الحق اللهم الا إذا قطعوا مفاوز النفس والهوى ووصلوا الى كعبة وصال المولى فلهم ان يرجعوا الى الدنيا لدعوة الخلق الى المولى وتسليكهم فى طريق الدنيا والعقبى وَأَلْقَى الْأَلْواحَ التي كانت فيها التوراة من يده وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ
اى بشعر رأس هارون حال كونه اى موسى يَجُرُّهُ إِلَيْهِ [بطرف خود كشيد او را بطريق معاتبه نه از روى اهانت] توهما انه قصر فى كفهم وهارون كان اكبر منه بثلاث سنين وكان حمولا لينا ولذلك كان أحب الى بنى إسرائيل قالَ اى هارون مخاطبا لموسى ابْنَ أُمَّ بحذف حرف النداء وأصله يا ابن اما حذفت الالف المبدلة من الياء اكتفاء بالفتحة زيادة فى التخفيف لطوله باشتماله على اضافة بعد اضافة وكان هارون أخاه لاب وأم ولكنه ذكر الام ليرفقه عليه اى يحمله على الرفق والشفقة وعلى هذا طريق العرب إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ازاحة لتوهم التقصير فى حقه. والمعنى بذلت وسعى فى كفهم حتى قهرونى واستضعفوني(3/245)
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)
وقاربوا قتلى فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ اى فلا تفعل بي ما يكون سببا لشماتتهم بي وبالفارسي [پس شادمان مكردان بمن دشمنانرا و چنان مكن كه آرزوى ايشان حاصل شود از اهانت من] يقال شمت به شمت شماتة من باب علم يعلم إذا فرح ببلية أصابت عدوه ثم ينقل الى باب الافعال للتعدية فالشماتة [شادى كردن بمكروهى كه دشمن را رسد] ويعدى بالباء. والاشمات [شاد كام كردن دشمن] كما فى تاج المصادر وشماتة العدو أشد من كل بلية فلذلك قيل والموت دون شماتة الأعداء وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ اى معدودا فى عدادهم بالمؤاخذة او النسبة الى التقصير والاشارة ان هارون القلب أخ موسى الروح والأعداء النفس والشيطان والهوى والقوم الظالمون هم الذين عبدوا عجل الدنيا وهم صفات القلب يشير الى ان صفات القلب تتغير وتتلون بلون صفات النفس ورعوناتها ومن هنا يكون شنشنة الشطار من ارباب الطريقة ورعوناتهم وزلات أقدامهم ولكن القلب من حيث هو هو لا يتغير عما جبل عليه من محبة الله وطلبه وانما تتغير صفاته كما ان النفس لا تتغير من حيث هى هى عما جبلت عليه من حب الدنيا وطلبها وانما تتغير صفاتها من الامارية الى اللوامية والملهمية والمطمئنية والرجوع الى الحق ولو وكلت الى نفسها طرفة عين لعادت المشومة الى طبعها وجبلتها سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا قالَ موسى وهو استئناف بيانى رَبِّ اغْفِرْ لِي اى ما فعلت بأخي من غير ذنب مقرر من قبله وَلِأَخِي اى ان فرط فى كفهم استغفر عليه السلام لنفسه ليرضى أخاه ويظهر للشامتين رضاه لئلا تتهم به ولاخيه للايذان بانه محتاج الى الاستغفار حيث كان عليه ان يقاتلهم وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ بمزيد الانعام علينا بعد غفران ما سلف منا قال الحدادي اى فى جنتك وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وأنت ارحم بنا منا على أنفسنا ومن آبائنا وأمهاتنا- حكى- انه اعتقل لسان فتى عن الشهادة حين اشرف على الموت فاخبروا النبي عليه السلام فدخل عليه وعرض الشهادة فاضطرب ولم يعمل لسانه فقال عليه السلام اما كان يصلى اما كان يزكى اما كان يصوم قالوا بلى قال فهل عق والديه قالوا نعم قال هاتوا بامه فجاءت وهى عجوز عوراء فقال عليه السلام هلا عفوت عنه فقالت لا أعفو لانه لطمنى ففقاء عينى قال هاتوا بالحطب والنار قالت ما تصنع قال أحرقه بالنار بين يديك جزاء لما عمل قالت عفوت عفوت أللنار حملته تسعة أشهر أللنار ارضعته سنتين فأين رحمة الام فعند ذلك انطلق لسانه بالكلمة والنكمة انها كانت رحيمة لارحمانة فللقليل من رحمتها ما جوزت إحراقه بالنار فالله الذي لا يتضرر بجناية العباد كيف يستجيز إحراق المؤمن المواظب على كلمة الشهادة سبعين سنة وهو ارحم الراحمين: قال الحافظ
لطف خدا بيشتر از جرم ماست ... نكته سربسته چهـ دانى خموش
وقال
دلا طمع مبر از لطف بى نهايت دوست ... كه ميرسد همه را لطف بى نهايت او
قال بعض اهل التفسير ان قابيل لما قتل أخاه هابيل اشتد ذلك على آدم فقال الله تعالى يا آدم(3/246)
إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)
جعلت الأرض فى أمرك مرها فلتفعل ما تهوى بمكان ابنك قابيل فقال آدم عليه السلام يا ارض خذيه فاخذت الأرض قابيل فقال قابيل يا ارض بحق الله ان تمهلينى حتى أقول قولى ففعلت فقال يا رب ان ابى قد عصاك فلم تخسف به الأرض فقال الله تعالى نعم ولكنه ترك امرا واحدا وأنت تركت امرى وامر أبيك وقتلت أخاك فقال آدم ثانيا يا ارض خذيه فقال قابيل بحرمة محمد عليه السلام ان تمهلينى حتى أقول قولى ففعلت فقال يا رب ان إبليس ترك أمرك وعاداك ولم تخسف به الأرض فما بالى تخسف بي الأرض فاجاب الله تعالى مثل الاولى فقال الهى أليس لك تسعة وتسعون اسما فقال الله تعالى بلى فقال أليس الرحمن الرحيم من جملة ذلك قال بلى قال ألست سميت نفسك رحمانا رحيما لكثرة الرحمة قال بلى قال يا رب ان أردت إهلاكي فاخرج هذين الاسمين من بين أسمائك ثم أهلكني لان أخذ العبد بجريمة واحدة لا يكون رحمة فامر الله الأرض حتى خلت سبيله ولم تهلكه فاعتبر إذا كانت رحمته بهذه المرتبة للكافر فما ظنك للمؤمن فينبغى للمقصر ان يرفع حاجته الى المولى ويستغفر من ذنبه الأخفى والاجلى كى يدخل فى الرحمة التي هى الفردوس الأعلى: قال الحافظ
سياه نامه تراز خود كسى نمى بينم ... چكونه چون قلمم دود دل بسر نرود
وفى قوله تعالى رَبِّ اغْفِرْ لِي الآية اشارة الى السير فى الصفات لان المغفرة والرحمة من الصفات فيشير الى ان لموسى الروح ولاخيه هارون القلب استعداد لقبول الجذبة الالهية التي تدخلهما فى عالم الصفات وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ لان غيرك من الراحمين عاجز عن إدخال غيره فى صفاته وأنت قادر على ذلك لمن تشاء ويدل عليه قوله يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ كذا فى التأويلات النجمية إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ اى آلها واستمروا على عبادته كالسامرى وأشياعه من الذين اشربوه فى قلوبهم سَيَنالُهُمْ اى فى الآخرة غَضَبٌ عظيم كائن مِنْ رَبِّهِمْ اى مالكهم لما ان جريمتهم أعظم الجرائم وأقبح الجرائر والمراد بالغضب هاهنا غايته وهى الانتقام والتعذيب لان حقيقة الغضب لا تتصور فى حقه تعالى وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا هى ذلة الاغتراب والمسكنة المنتظمة لهم ولاولادهم والذلة التي اختص بها السامري من الانفراد بالناس والابتلاء بلا مساس كما روى ان موسى عليه السلام هم بقتل السامري فاوحى الله اليه لا تقتل السامري فانه سخى ولكن أخرجه من عندك فقال له موسى فاذهب من بيننا مطرودا فان لك فى الحياة اى فى عمرك ان تقول لمن أراد مخالطتك جاهلا بحالك لا مساس اى لا يمسنى أحد ولا أمس أحد او ان مسه أحدهما جميعا فى الوقت وروى ان ذلك موجود فى أولاده الى الآن وإيراد مانالهم فى حيز السين مع مضيه بطريق تغليب حال الأخلاف على حال الاسلاف وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ على الله ولا فرية أعظم من فريتهم هذا إلهكم واله موسى ولعله لم يفتر مثلها أحد قبلهم ولا بعدهم وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ أية سيئة كانت ثُمَّ تابُوا من تلك السيئات مِنْ بَعْدِها اى من بعد عملها وَآمَنُوا ايمانا صحيحا خالصا واشتغلوا بما هو من مقتضياته من الأعمال الصالحة ولم يصروا على ما فعلوا كالطائفة الاولى إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها اى من بعد تلك التوبة(3/247)
وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)
المقرونة بالايمان لَغَفُورٌ للذنوب وان عظمت وكثرت رَحِيمٌ مبالغ فى افاضة فنون الرحمة الدنيوية والاخروية والاشارة إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ عجل الهوى آلها يدل عليه قوله أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا يعنى عبادة الهوى موجبة لغضب الله تعالى دل عليه قول النبي عليه الصلاة والسلام (ما عبد فى الأرض اله ابغض على الله من الهوى) وان عابد الهوى يكون ذليل شهوات النفس وأسير صفاتها الذميمة من الحيوانية والسبعية والشيطانية مادام يميل الى الحياة الدنيوية وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ يعنى وكذلك نجازى بالغضب والطرد والابعاد والذلة عباد الهوى المدعين الذين يفترون على الله انه أعطانا قوة لا تضربنا عبادة الهوى والدنيا ومتابعة النفس وشهواتها وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ يعنى سيآت عبادة الهوى والدنيا والافتراء على الله تعالى ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا بعبودية الحق تعالى وطلبه بالصدق إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها اى من بعد ترك عبادة الهوى والرجوع الى طلب الحق لَغَفُورٌ رَحِيمٌ يعنى يعفو عنهم تلك السيئات ويرحمهم بنيل القربات والكرامات كذا فى التأويلات النجمية واعلم ان التوبة عند المعتزلة علة موجبة للمغفرة وعندنا سبب محض للمغفرة والتوبة الرجوع فاذا وصف بها العبد كان المراد بها الرجوع عن المعصية وإذا وصف بها الباري تعالى أريد بها الرجوع عن العذاب بالمغفرة والتوبة على ضربين ظاهر وباطن. فالظاهر هو التوبة من الذنوب الظاهرة وهى مخالفات ظواهر الشرع وتوبتها ترك المخالفات واستعمال الجوارح بالطاعات. والباطن هو توبة القلب من ذنوب الباطن وهى الغفلة عن الذكر حتى يتصف به بحيث لوصمت لسانه لم يصمت قلبه وتوبة النفس قطع علائق الدنيا والاخذ باليسير والتعفف. وتوبة العقل التفكر فى بواطن الآيات وآثار المصنوعات. وتوبة الروح التحلي بالمعارف الإلهية. وتوبة السر التوجه الى الحضرة العليا بعد الاعراض عن الدنيا والعقبى: قال حضرة جلال الدين الرومي قدس سره
كرسيه كردى تو نامه عمر خويش ... توبه كن زانها كه كردستى تو پيش «1»
عمر اگر بگذشت بيخش اين دم است ... آب توبش ده اگر او بي نم است
چون بر آرند از بشيمانى انين ... عرش لرزد از انين المذنبين «2»
والعبد إذا رجع عن السيئة وأصلح عمله أصلح الله تعالى شأنه وأعاد عليه نعمه الفائتة عن ابراهيم بن أدهم بلغني ان رجلا من بنى إسرائيل ذبح عجلا بين يدى امه فيبست يده فبينما هو جالس إذ سقط فرح من وكره وهو يتبصبص فاخذه ورده الى وكره فرحمه الله تعالى لذلك ورد عليه يده بما صنع فينبغى للمؤمن ان يسارع الى التوبة والعمل الصالح فان الحسنات يذهبن السيئات عن ابى ذر رضى الله عنه قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله علمنى عملا يقربنى الى الجنة ويباعدنى عن النار (قال إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة فانها عشر أمثالها قال الله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) فقلت يا رسول الله لا اله الا الله من الحسنات قال (هى احسن الحسنات) كار نيكوتر بدان جز ذكر نيست والله الهادي وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ اى لما سكن عنه الغضب باعتذار أخيه وتوبة القوم
__________
(1) در اواسط دفتر پنجم در بيان رسيدن زن بخانه وجدا شدن زاهد بدان كنيزك.
(2) در اواخر دفتر ششم در بيان استمداد عارف از چشمه حيات أبدى إلخ(3/248)
والسكوت قطع الكلام وقطع الكلام فرع ثبوته وهو لا يتصور فى الغضب فلا يتصور قطعه ايضا فهو محمول على المعنى المجازى الذي هو السكون شبه الغضب بانسان يغرى موسى عليه السلام ويقول له ان أخاك قصر فى كف قومك عن الكفر فاستحق اهانتك وعقوبتك فخذ بشعر رأسه فجره الى نفسك وقل له كذا وكذا والق ما فى يدك من الألواح ثم يقطع الإغراء ويترك الكلام ففيه استعارة مكنية وسكت قرينة الاستعارة قال الحدادي قيل معناه سكت موسى عن الغضب وهذا من المقلوب كما يقال ادخلت قلنسوة فى رأسى يريد ادخلت رأسى فى قلنسوة أَخَذَ الْأَلْواحَ التي القاها وهو دليل على انها لم تتكسر حين القاها وعلى انه لم يرفع منها شىء كما ذهب اليه بعض المفسرين وَفِي نُسْخَتِها اى والحال انه فيما نسخ فيها وكتب نقلا عن الأصل وهو اللوح المحفوظ فان النسخ عبارة عن نقل إشكال الكتابة وتحويلها من الأصل المنقول عنه فاذا كتبت كتابا من كتاب آخر حرفا بعد حرف قلت نسخت هذا الكتاب من ذلك الكتاب اى نقلته منه هُدىً اى بيان للحق وهو مبتدأ وفى نسختها خبره وَرَحْمَةٌ للخلق بإرشادهم الى ما فيه الخير والصلاح كائنة لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ اى يخشون واللام فى لربهم لتقوية عمل الفعل المؤخر كما فى قوله تعالى إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ يعنى انها دخلت جابرة للضعف العارض للفعل بسبب تأخره عن مفعوله وانما خص اهل الرهبة بالذكر لانهم هم المنتفعون بآيات الكتاب فالعبد إذا رغب الى الله بصدق الطلب والى الجنة بحسن العمل ورهب من اليم عذاب فرقته والانقطاع ومن دخول النار فقد أخذ بالخوف والرجاء ووصل بهما الى ما هوى واعلم ان الخشية انما تنشأ عن العلم بصفات الحق سبحانه وعلامة خشية الله تعالى ترك الدنيا والخلق ومحاربة النفس والشيطان قالوا رهبوت خير من رحموت اى لان ترهب خير من ان ترحم وذلك لان التخلية قبل التحلية ومن الترهيبات ما حكى عن يحيى بن زكريا عليهما السلام انه شبع مرة من خبز شعير فنام عن حزبه تلك الليلة فاوحى الله تعالى اليه يا يحيى هل وجدت دارا خيرا لك من دارى او جوارا خيرا لك من جوارى وعزتى وجلالى لو اطلعت على الفردوس اطلاعة لذاب جسمك ولزهقت نفسك اشتياقا الى الفردوس الأعلى ولو اطلعت على نار جهنم اطلاعة لبكيت الصديد بعد الدموع وللبست الحديد بعد المنسوج قال الحسن البصري الكلب إذا ضرب وطرد وجفى عليه وطرح له كسرة أجاب ولم يحقد على ما مضى وذلك من علامة الخاشعين فينبغى لكل مؤمن ان تكون فيه تلك الصفة: قال الحافظ
وفا كنيم وملامت كشيم وخوش باشيم ... كه در طريقت ما كافريست رنجيدن
وفى الحديث (من لم يخف الله خف منه) قال الامام السخاوي معناه صحيح فان عدم الخوف من الله تعالى يوقع صاحبه فى كل محذور ومكروه: وفى المثنوى
لا تخافوا هست نزل خائقان ... هست در خور از براى خائف آن
هر كه ترسد مرورا ايمن كنند ... مر دل ترسنده را ساكن كنند
آنكه خوفش نيست چون كويى مترس ... درس چهـ دهى نيست او محتاج درس(3/249)
وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)
وَاخْتارَ مُوسى الاختيار افتعال من لفظ الخير يقال اختار الشيء إذا أخذ خيره وخياره قَوْمَهُ اى من قومه بحذف الجار وإيصال الفعل الى المجرور وهو مفعول ثان سَبْعِينَ رَجُلًا مفعول أول لِمِيقاتِنا اى للوقت الذي وقتناه له وعيناه ليأتى فيه بسبعين رجلا من خيار بنى إسرائيل ليعتذروا عن ما كان من القوم من عبادة العجل فهذا الميقات ميقات التوبة لا ميقات المناجاة والتكليم وكان قد اختار موسى عليه السلام عند الخروج الى كل من الميقاتين سبعين رجلا من قومه وكانوا اثنى عشر سبطا فاختار من كل سبط ستة فزاد اثنان فقال موسى ليتخلف منكم رجلان فانى انما أمرت بسبعين فتنازعوا فقال ان لمن قعد مثل اجر من خرج فقعد كالب ويوشع وذهب مع الباقين الى الجبل فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ مما اجترءوا عليه من طلب الرؤية حيث قالوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً والرجفة هى الارتعاد والحركة الشديدة والمراد اخذتهم رجفة الجبل فصعقوا منها اى ماتوا واكثر المفسرين على انهم سمعوه تعالى يكلم موسى يأمره بقتل أنفسهم توبة فطمعوا فى الرؤية وقالوا ما قالوه ويرده قوله تعالى يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي كما ذهب اليه صاحب التيسير قالَ موسى رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ اى حين فرطوا فى النهى عن عبادة العجل وما فارقوا عبدته حين شاهدوا إصرارهم عليها وَإِيَّايَ ايضا حين طلبت منك الرؤية اى لو شئت أهلا كنا بذنوبنا لاهلكتنا حينئذ أراد به تذكر العفو السابق لاستجلاب العفو اللاحق أَتُهْلِكُنا الهمزة لانكار وقوع الإهلاك ثقة بلطف الله تعالى اى لا تهلكنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ حال كونهم مِنَّا من العناد والتجاسر على طلب الرؤية وكأن ذلك قاله بعضهم اى لا يليق بشأنك ان تهلك جما غفيرا بذنب صدر عن بعضهم الذي كان سفيها خفيف الرأى إِنْ هِيَ اى ما الفتنة التي وقع فيها السفهاء إِلَّا فِتْنَتُكَ اى محنتك وابتلاؤك حيث اسمعتهم كلامك فافتتنوا بذلك ولم يتثبتوا فطمعوا فى الرؤية يقول الفقير هذا يدل على انهم سمعوا كلامه تعالى على وجه الامتحان والابتلاء لا على وجه التكرمة والإجلال وذلك لا يقدح فى كون موسى عليه السلام مصطفى بالرسالة والكلام مع انه فرق كثير بين سماعهم وسماعه عليه السلام والله اعلم [ودر فصل الخطاب مذكورست كه حق تعالى موسى عليه السلام را در مقام بسط بداشت تا بكمال حال انس رسيده واز روى دلال بدين جراءت أقدام نمود ودلال در مرتبه محبوبيت است وحضرت مولوى قدس سره فرموده كه كستاخى عاشق ترك ادب نيست بلكه عين ادبست]
كفت وكوى عاشقان در كار رب ... جوشش عشقست نه ترك ادب
هر كه كرد از جام حق يكجرعه نوش ... نه ادب ماند درو نه عقل وهوش
تُضِلُّ بِها اى بسبب تلك الفتنة مَنْ تَشاءُ ضلاله فيتجاوز عن حده بطلب ما ليس له وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ هدايته الى الحق فلا يتزلزل فى أمثالها فيقوى بها إيمانه أَنْتَ وَلِيُّنا اى القائم بامورنا الدنيوية والاخروية وناصرنا وحافظنا لا غير فَاغْفِرْ لَنا اى ما اقترفناه من المعاصي وَارْحَمْنا بافاضة آثار الرحمة الدنيوية والاخروية قال ابن الشيخ المغفرة هى إسقاط(3/250)
وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160)
العقوبة والرحمة إيصال الخير وقدم الاول على الثاني لان دفع المضرة مقدم على تحصيل المنفعة وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ تغفر السيئة وتبدلها بالحسنة. وايضا كل من سواك انما يتجاوز عن الذنب اما طلبا للثناء الجميل او للثواب الجزيل او دفعا للقسوة من القلب واما أنت فتغفر ذنوب عبادك لا لاجل غرض وعوض بل بمحض الفضل والكرم فلا جرم أنت خير الغافرين وارحم الراحمين وتخصيص المغفرة بالذكر لانها الأهم بحسب المقام وَاكْتُبْ لَنا اى اثبت وعين لنا وذكر الكتابة لانها أدوم فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً حسن معيشة وتوفيق طاعة وَفِي الْآخِرَةِ اى واكتب لنا فيها ايضا حسنة وهى المثوبة الحسنى او الجنة إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ تعليل لطلب الغفران والرحمة من هاد يهود إذا رجع اى تبنا ورجعنا إليك عما صنعنا من المعصية العظيمة التي جئناك للاعتذار عنها وعما وقع هاهنا من طلب الرؤية فبعيد من لطفك وفضلك ان لا تقبل توبة التائبين. قيل لما اخذتهم الرجفة ماتوا جميعا فاخذ موسى عليه السلام يتضرع الى الله حتى أحياهم وقد تقدم فى سورة البقرة قالَ استئناف بيانى كأنه قيل فماذا قال الله تعالى عند دعاء موسى عليه السلام فقيل قال عَذابِي [عذاب من وصفت او آنست كه] أُصِيبُ بِهِ الباء للتعدية معناه بالفارسية [ميرسانم] مَنْ أَشاءُ تعذيبه من غير دخل لغيرى فيه وَرَحْمَتِي [ورحمت من وصفت او آنست كه] وَسِعَتْ فى الدنيا معناه [رسيده است] كُلَّ شَيْءٍ المؤمن والكافر بل المكلف وغيره من كل ما يدخل تحت الشيئية وما من مسلم ولا كافر الا وعليه آثار رحمته ونعمته فى الدنيا فبها يتعيشون وبها ينقلبون ولكنها تخص فى الآخرة بالمؤمنين كما قال تعالى فَسَأَكْتُبُها اى أثبتها وأعينها فى الآخرة لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ الكفر والمعاصي وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ خصها بالذكر لانها كانت أشق عليهم وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا جميعا يُؤْمِنُونَ ايمانا مستمرا فلا يكفرون بشىء منها قال ابن عباس رضى الله عنهما لما أنزلت هذه الآية تطاول لها إبليس فقال انا شىء من الأشياء فاخرجه الله تعالى من ذلك بقوله فَسَأَكْتُبُها إلخ فقالت اليهود والنصارى نحن نتقى ونؤتى الزكاة ونؤمن بآيات ربنا فاخرجهم الله تعالى منها بقوله الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ فى محل الجر على انه صفة للذين يتقون او بدل منه يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم الذي نوحى اليه كتابا مختصا به النَّبِيَّ اى صاحب المعجزة وقال البيضاوي انما سماه رسولا بالاضافة الى الله ونبيا بالاضافة الى العباد الْأُمِّيَّ الذي لا يكتب ولا يقرأ وكونه عليه السلام اميا من جملة معجزاته فانه عليه السلام لو كان يحسن الخط والقراءة لصار متهما بانه ربما طالع فى كتب الأولين والآخرين فحصل هذه العلوم بتلك المطالعة فلما اتى بهذا القرآن العظيم المشتمل على علوم الأولين والآخرين من عير تعلم ومطالعة كان ذلك من جملة معجزاته الباهرة.
نكار من كه بمكتب نرفت وخط ننوشت ... بغمزه مسأله آموز صد مدرس شد
من كان القلم الأعلى يخدمه واللوح المحفوظ مصحفه ومنظره لا يحتاج الى تصوير الرسوم وقد وصف الله تعالى هذه الامة فى الإنجيل امة محمد أناجيلهم فى صدورهم ولو لم يكن رسم الخطوط لكانوا يحفظون شرائعه صلى الله عليه وسلم بقلوبهم لكمال قوتهم وظهور استعداداتهم. والام(3/251)
الأصل وعنده أم الكتاب الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً باسمه وصفته عِنْدَهُمْ متعلق يجدون او بمكتوبا وكذا قوله فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ اللذين تعبد بهما بنوا إسرائيل سابقا ولا حقا: وفى المثنوى
پيش از انكه نقش احمد رو نمود ... نعت او هر كبر را تعويذ بود
سجده مى كردند كارى رب بشر ... در عيان آريش هر چهـ زودتر
نقش او مى كشت اندر راهشان ... در دل ودر كوش در أفواه شان
اين همه تعظيم وتفخيم ووداد ... چون بديدنش بصورت برد باد
قلب آتش ديد در دم شد سياه ... قلب را در قلب كى بودست راه
فان قيل الرحمة المذكورة لو اختصت بهم لزم ان لا تثبت لغيرهم من المؤمنين وليس كذلك أجيب بان هذا الاختصاص بالاضافة الى بنى إسرائيل الموجودين فى زمان النبي الأمي ولم يؤمنوا به لا بالاضافة الى جميع ما عداهم يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ اى بالتوحيد وشرائع الإسلام وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ اى عن كل ما لا يعرف فى شريعة ولا سنة وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ التي حرمت عليهم بشؤم ظلمهم كالشحوم وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ كالدم ولحم الخنزير. فالمراد بالطيبات ما يستطيبه الطبع ويستلذه. وبالخبائث ما يستخبثه الطبع ويتنفر منه فتكون الآية دليلا على أن الأصل فى كل ما يستطيبه الطبع الحل وكل ما يستخبثه الطبع الحرمة الا لدليل منفصل. ويجوز ان يراد بهما ما طاب فى حكم الشرع. وما خبث كالربا والرشوة ومدلول الآية حينئذ ان ما يحكم الشرع بحله فهو حلال وما يحكم بحرمته فهو حرام ولا حكم لاستطابة الطبع واستخباثه فيهما وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ اى يخفف عنهم ما كلفوا به من التكاليف الشاقة كتعين القصاص فى العمد والخطأ من غير شرع الدية وقطع الأعضاء الخاطئة وقرض موضع النجاسة من الجلد والثوب وعدم الاكتفاء بغسله وإحراق الغنائم وتحريم العمل يوم السبت بالكلية شبهت هذه التكاليف الشاقة بالحمل الثقيل وبالاغلال التي تجمع اليد الى العنق واصل الإصر الثقل الذي يأصر صاحبه اى يحبسه من الحراك لثقله فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ اى بنبوة الرسول النبي الأمي وأطاعوه فى أوامره ونواهيه وَعَزَّرُوهُ اى عظموه ووقروه وأعانوه بمنع أعدائه عنه وَنَصَرُوهُ على أعدائه فى الدين وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ يعنى القرآن الذي ضياؤه فى القلوب كضياء النور فى العيون قال صاحب الكشاف فان قلت ما معنى قوله انزل معه وانما انزل مع جبريل قلت انزل مع نبوته لان استنباءه كان مصحوبا بالقرآن مشفوعا به انتهى فمعه متعلق بانزل حال من ضميره بتقدير المضاف اى انزل ذلك النور مصاحبا لنبوته أُولئِكَ المنعوتون بتلك النعوت الجلية هُمُ الْمُفْلِحُونَ اى الفائزون بالمطلوب الناجون من الكروب لا غيرهم من الأمم فيدخل فيهم قوم موسى دخولا أوليا حيث لم ينجوا مما فى توبتهم من المشقة الهائلة وبه يتحقق التحقيق ويتأتى التوفيق والتطبيق بين دعائه عليه السلام وبين الجواب وهو من قوله عذابى الى هنا فقد علم ان اتباع القرآن وتعظيم النبي عليه السلام بعد الايمان سبب للفوز والفلاح(3/252)
عند الرحمن ونصرته عليه السلام على العموم والخصوص فالعموم للعامة من اهل الشريعة والخصوص للخاصة من ارباب الطريقة واصحاب الحقيقة وهم الواصلون الى كمال أنوار الايمان واسرار التوحيد بالإخلاص والاختصاص واعلم ان المقصود الإلهي من ترتيب سلسلة الأنبياء عليهم السلام هو وجود محمد صلى الله عليه وسلم فوجود الأنبياء قبله كالمقدمة لوجوده الشريف فهو الخلاصة والنتيجة والزبدة واشرف الأنبياء والمرسلين كما قال عليه السلام (فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لى الغنائم وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا وأرسلت الى الخلق كافة وختم بي النبيون) وكذلك المقصود من الكتب الالهية السالفة هو القرآن الذي انزل على النبي عليه السلام فهو زبدة الكتب الالهية وأعظمها ومصدق لما بين يديه لانه بلفظ قد أعجز البلغاء ان يأتوا بسورة من مثله وبمعناه جامع لما فى الكتب السالفة من الاحكام والآداب والفضائل متضمن للحجج والبراهين والدلائل وكذا المقصود من الأمم السالفة هو هذه الامة المرحومة اعنى امة محمد صلى الله عليه وسلم فهى كالنتيجة لما قبلها وهى الامة الوسط كما قال تعالى وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً وكذا المقصود من الملوك الماضية والسلاطين السالفة هو الملوك العثمانية فهم زبدة الملوك ودولتهم زبدة الدول حيث لا دولة بعدها لغيرهم الى ظهور المهدى وعيسى ويقاتلون من هم مبادى الدجال من الكفرة الفجرة من الافرنج والانكروس وغيرهم ولهم الجمعية الكبرى واليد الطولى والدولة العظمى فى الأقاليم السبعة وأطراف البلاد من المغرب والمشرق ولم يعط هذا لواحد قبل دولتهم ويدل على هذه الجمعية كون اسم جدهم الأعلى عثمان فان عثمان رضى الله عنه جامع القرآن فهم مظاهر لاسم الحق كما كان عمر رضى
الله عنه كذلك حيث انه لما اسلم قال يا رسول الله ألسنا على الحق قال عليه السلام (والذي بعثني بالحق نبيا كلنا على الحق) قال انا والذي بعثك بالحق نبيا لا نعبد الله بعد اليوم سرا فاظهر الله الدين بايمانه فكان ظهور الدين مشروطا بايمانه فهذا أول الظهور ثم وثم الى ان انتهى الى زمن الدولة العثمانية ولذلك يقاتلون على الحق فالسيف الذي بيدهم قد ورثوه كابرا عن كابر ومجاهدا عن مجاهد- حكى- ان عثمان الغازي جد السلاطين العثمانية انما وصل الى ما وصل برعاية كلام الله تعالى وذلك انه كان من أسخياء زمانه يبذل النعم للمترددين فثقل ذلك على اهل قريته وانعكس اليه ذلك وذهب ليشتكى من اهل القرية الى الحاج بكتاش او غيره من الرجال فنزل فى بيت رجل قد علق فيه مصحف فسأل عنه فقالوا هو كلام الله تعالى فقال ليس من الأدب ان نقعد عند كلام الله فقام وعقد يديه مستقبلا اليه فلم تزل الى الصبح فلما أصبح ذهب الى طريقه فاستقبله رجل وقال انا مطلبك ثم قال له ان الله تعالى عظمك واعطاك وذريتك السلطنة بسبب تعظيمك لكلامه ثم امر بقطع شجرة وربط برأسها منديلا وقال ليكن ذلك لواء ثم اجتمع عنده جماعة فجعل أول غزوته الى بلاجك وفتح بعناية الله تعالى ثم اذن له السلطان علاء الدين فى الظاهر ايضا فصار سلطانا ثم بعد ارتحاله صار ولده او رخان سلطانا ففتح هو بروسة المحروسة بالعون الإلهي فالدولة العثمانية من ذلك الوقت الى هذا الآن على الازدياد(3/253)
بسبب تعظيم كلام الله القديم وكما ان الله تعالى اظهر لطفه للاولين كذلك يظهره للآخرين وان كان فى بعض الأوقات بظهر القهر والجلال تأديبا وتنبيها فتحته لطف وجمال: قال السعدي قدس سره
ز ظلمت مترس اى پسنديده دوست ... كه ممكن بود كاب حيوان دروست
دل از بي مرادى بفكرت مسوز ... شب آبستن است اى برادر بروز
والاشارة فى الآيات ان الله تعالى امتحن موسى عليه السلام باختيار قومه ليعلم ان المختار من الخلق من اختاره الله لا الذي اختاره الخلق وان الله الاختيار الحقيقي لقوله وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ وليس للخلق الاختيار الحقيقي لقوله ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ثم استخرج من القوم المختار ما كان موجبا للرجفة والصعقة والهلاك وهو سوء الأدب فى سؤال الرؤية جهارا وكان ذلك مستورا عن نظر موسى متمكنا فى جبلتهم وكان الله المتولى للسرائر وحكم موسى بظاهر صلاحيتهم فاراه الله ان الذي اختاره يكون مثلك كقوله تعالى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى والذي تختاره يكون كالقوم فلما تحقق لموسى ان المختار من اختاره الله حكم بسفاهة القوم واظهر الاستكانة والتضرع والاعتذار والتوبة والاستغفار والاسترحام كما قال فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا وفيه اشارة اخرى الى ان نار شوق الرؤية كما كانت متمكنة فى قلب موسى بالقوة وانما ظهرت بالفعل بعد ان سمع كلام الله تعالى فان من اصطكاك زناد الكلام وحجر القلب ظهر شرر نار الشوق فاشتعل منه كبريت اللسان الصدوق وشعلت شعلة السؤال فقال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ كذلك كانت نار الشوق متمكنة فى أحجار قلوب القوم فباصطكاك زناد سمع الكلام ظهر شرر الشوق فاشتعل منه كبريت اللسان ولما لم يكن اللسان لسان النبوة صعد منه دخان السؤال الموجب للصعقة والرجفة والسر فيه ان يعلم موسى وغيره ان قلوب العباد مختصة بكرامة إيداع نار المحبة فيها لئلا يظن موسى انه مخصوص به ويعذر غيره فى تلك المسألة فانها من غلبات الشوق تطرأ عند استماع كلام المحبوب ولذا قال عليه السلام (ما خلق الله من بنى آدم من بشر الا وقلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن ان شاء اقامه وان شاء ازاغه) وبالاصبعين يشير الى صفتى الجمال والجلال وليس لغير الإنسان قلب مخصوص بهذه الكرامة واقامة القلب وازاغته فى ان يجعله مرآة صفات الجمال فيكون الغالب عليه الشوق والمحبة لطفا ورحمة وفى ان يجعله مرآة صفات الجلال فيكون الغالب عليه الحرص على الدنيا والشهوة قهرا وعزة فانكتة فيه ان قلب موسى عليه السلام لما كان مخصوصا بالاصطفاء للرسالة والكلام دون القوم كان سؤاله لرؤية شعلة نار المحبة مقرونا بحفظ الأدب على بساط القرب بقوله رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قدم عزة الربوبية واظهر ذلة العبودية وكان سؤال القوم من القلوب الساهية اللاهية فان نار الشوق تصاعدت بسوء الأدب فقالوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً قدموا الجحود والإنكار وطلبوا الرؤية جهارا فاخذتهم الصاعقة بظلمهم فشتان بين صعقه موسى وصعقة قومه فان صعقته كانت صعقة اللطف مع تجلى صفة الربوبية وان صعقتهم كانت صعقة القهر عند اظهار صفة العزة والعظمة ولما كان موسى عليه السلام ثابتا فى مقام(3/254)
التوحيد كان ينظر بنور الوحدة فيرى الأشياء كلها من عند الله فرأى سفاهة القوم وما صدر منهم من آثار صفة قهره فتنة واختبارا لهم فلما دارت كؤوس شراب المكالمات وسكر موسى باقداح المناجاة زل قدمه على بساط الانبساط فقال إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ اى تزيغ قلب من تشاء بإصبع صفة القهر وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ اى تقيم قلب من تشاء بإصبع صفة اللطف أَنْتَ وَلِيُّنا اى المتولى لامورنا والناصر فى هدايتنا فَاغْفِرْ لَنا ما صدر منا وَارْحَمْنا بنعمة الرؤية التي سألنا كها وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ اى خير من يستر على ذنوب المذنبين يعنى انهم يسترون الذنب ولا يعطون سؤلهم فانت الذي تستر الذنب وتبدله بالحسنات وتعطى سؤل اهل الزلات وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً يعنى حسنة الرؤية كما كتبت لمحمد عليه السلام ولخواص أمته هذه الحسنة فى الدنيا وفى الآخرة يعنى خصنا بهذه الفضيلة فى الدنيا وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ رجعنا إليك فى طلب هذه الفضيلة بالسر لا بالعلانية وأنت الذي تعلم السر والأخفى وأجابهم الله تعالى سرا بسر وإضمارا بإضمار قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ اى بصفة قهرى آخذ من أشاء وبقراءة من قرأ من أساء اى من أساء فى الأدب عند سؤال الرؤية حيث قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله
جهرة آخذهم على سوء أدبهم فادبهم بتأديب عذاب الفرقة وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ نعمة وإيجادا وتربية فَسَأَكْتُبُها يعنى حسنة الرؤية والرحمة بها التي أنتم تسألونها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ يعنى يتقون بالله عن غيره ويؤتون من نصاب هذا المقام الزكاة الى طلابه وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ يعنى الذين هم يؤمنون بانوار شواهد الآيات لا بالتقليد بل بالتحقيق وهم خواص هذه الامة كما عرف أحوالهم وصرح أعمالهم بقوله الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ وفيه اشارة الى ان فى أمته من يكون مستعدا لاتباعه فى هذه المقامات الثلاثة وهى مقامات الرسالة والنبوة التي هى مشتركة بينه وبين الرسول والأنبياء والمقام الأمي الذي هو مخصوص به صلى الله عليه وسلم من بين الأنبياء والرسل عليهم السلام ومعنى الأمي انه أم الموجودات واصل المكونات كما قال (أول ما خلق الله روحى) وقال حكاية عن الله (لولاك لما خلقت الكون) فلما كان هو أول الموجودات وأصلها سمى اميا كما سميت مكة أم القرى لانها كانت مبدأ القرى وأصلها وكما سمى أم الكتاب اما لانه مبدأ الكتب وأصلها فاما اتباعه فى مقام الرسالة والنبوة فبان يأخذ ما آتاه الرسول وينتهى عما نهاه عنه كما قال تعالى وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فان الرسالة تتعلق واحكام الظاهر والنبوة تتعلق بأحوال الباطن فللعوام شركة مع الخواص فى الانتفاع من الرسالة وللخواص اختصاص بالانتفاع من النبوة فمن ادى حقوق احكام الرسالة فى الظاهر يفتتح له بها احوال النبوة فى الباطن من مقام تنبئة الحق تعالى بحيث يصير صاحب الإشارات والإلهامات الصادقة والرؤيا الصالحة والهواتف الملكية وربما يؤول حاله الى ان يكون صاحب المكالمة والمشاهدة والمكاشفة ولعله يصير مأمورا بدعوة الخلق الى الحق بالمتابعة لا بالاستقلال كما قال عليه السلام (علماء أمتي كانبياء بنى إسرائيل) يشير الى هذا القوم وذلك ان المتقدمين من بنى إسرائيل فى زمن الأنبياء عليهم السلام لما وصلوا الى مقام(3/255)
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)
الأنبياء اعطوا النبوة والله اعلم وكانوا مقررين لدين رسولهم حاكمين بالكتب المنزلة على رسلهم فكذلك هذا القوم كما قال تعالى وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا الآية واما اتباعه فى مقام أميته صلى الله عليه وسلم فذلك مخصوص بأخص الخواص من متابعيه وهو انه صلى الله عليه وسلم رجع من مقام بشريته الى مقام روحانيته الاولى ثم بجذبات الوحى انزل فى مقام التوحيد ثم اختطف بانوار الهوية عن انانيته الى مقام الوحدة كما قال تعالى قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ وكما قال ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فقاب قوسين عبارة عن مقام التوحيد وأو أدنى عن مقام الوحدة تفهم ان شاء الله تعالى فمن رجع بالسير فى متابعته من مقام البشرية الى ان بلغ مقام روحانيته ثم بجذبات النبوة انزل فى مقام التوحيد ثم اختطف بانوار المتابعة عن انانيته الى مقام الوحدة فقد حظى بمقام أميته صلى الله عليه وسلم وبقوله تعالى الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يشير الى انه مكتوب عندهم والا فهو مكنون عنده فى مقعد صدق يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وهو طلب الحق والنيل اليه وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وهو طلب ما سواه والانقطاع عنه وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ اى القربات الى الله وان الطيب هو الله وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وهى الدنيا وما يباعدهم عن الله وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ يعنى إصرهم من العهد الذي كان بين الله تعالى وبين حبيبه صلى الله عليه وسلم بان لا يصل أحد الى مقام أميته وحبيبيته الا أمته واهل شفاعته بتبعيته كما قال تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي الآية وقال عليه السلام (الناس يحتاجون الى شفاعتى حتى ابراهيم) فكان من هذا العهد عليهم شدة وأغلال تمنعهم من الوصول الى هذا المقام فقد وضع النبي عليه السلام عنهم هذا الإصر والاغلال بالدعوة الى متابعته ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ اى وقروه باختصاص هذا المقام فانه مخصوص به من بين سائر الأنبياء والرسل ونصروه بالمتابعة وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ يعنى حين اختطف بانوار الهوية عن انانيته فاستفاد نور الوحدة فلم يبق من ظلمة انانيته شىء وكان نورا صرفا فلما أرسل الى الخلق انزل معه نور الوحدة كما قال تعالى قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم وكتاب مبين يعنى القرآن فامروا بمتابعة هذا النور ليقتبسوا منه نور الوحدة فيفوزوا بالسعادة الكبرى والنعمة العظمى أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فى حجب الانانية الفائزون بنور الوحدة كذا فى التأويلات النجمية قُلْ يا محمد يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الخطاب عام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوثا الى الكافة من الثقلين الى من وجد فى عصره والى من سيوجد بعده الى يوم القيامة بخلاف سائر الرسل فانهم بعثوا الى أقوامهم اهل عصرهم ولم تستمر شرائعهم الى يوم القيامة وإليكم متعلق بقوله رسول وجميعا حال من ضمير إليكم قال الحدادي انى رسول الله إليكم كافة أدعوكم الى طاعة الله وتوحيده واتباعه فيما اؤديه إليكم وفى آكام المرجان لم يخالف أحد من طوائف المسلمين فى ان الله تعالى أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم الى الجن والانس والعرب والعجم فان قلت فى بعثة سليمان عليه السلام مشاركة له لانه ايضا كان مبعوثا الى الانس والجن وحاكما عليهما بل على جميع الحيوانات قلت ان سليمان لم يبعث(3/256)
الى الجن بالرسالة بل بالملك والضبط والسياسة والسلطنة لانه عليه السلام استخدمهم وقضى بينهم بالحق وما دعاهم الى دينه لان الشياطين والعفاريت كانوا يقومون فى خدمته وينقادون له مع انهم على كفرهم وطغيانهم كذا حققه والهى الاسكوبى قال ابن عقيل الجن داخلون فى مسمى الناس لغة وهو من ناس ينوس إذا تحرك قال الجوهري وصاحب القاموس الناس يكون من الانس ومن الجن جمع انس أصله أناس جمع عزيز ادخل عليه ال الَّذِي منصوب او مرفوع على المدح اى اعنى الله الذي او هو الذي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [مر او راست پادشاهى آسمانها وزمينها وتدبير وتصرف در ان] لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [هيچ معبودى نيست مستحق عبادت جز او] وهو بدل من الصلة
التي قبله وفيه بيان لها لان من ملك العالم كان هو الا له المتفرد بالالوهية واسم هو ضمير غيبة وهو من أخص أسمائه تعالى إذا الغيبة الحقيقية انما هى له إذ لا تتصوره العقول ولا تحده الأوهام وهو اسم لحضرة الغيب الثانية التي هى أول تعينات الذات الذي هو برزخ جامع بين حكمى الاسم الباطن والظاهر وحيث تخفى فيه الواو فهو اسم لحضرة غيب الغيب وهى الحضرة الاولى من حضرات الذات وهو فاتحة الأسماء وأم كتابها تنزل منزلة الالف من الحروف كذا فى ترويح القلوب لعبد الرحمن البسطامي قدس سره واعلم ان المقربين لا يرون موجودا سوى الله تعالى فاذا قالوا هو اشاروا به الى الحق سبحانه سواء تقدم له مرجع او لا وتحقيقه فى حواشى ابن الشيخ فى سورة الإخلاص يُحيِي وَيُمِيتُ زيادة تقرير للالوهية لانه لا يقدر على الاحياء والاماتة الا الذي لا اله الا هو قال الحدادي يحيى الخلق من النطفة ويميتهم عند انقضاء آجالهم لا يقدر على ذلك أحد سواه وقيل معناه يحيى الأموات للبعث ويميت الاحياء فى الدنيا فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ الفاء لتفريع الأمر على ما تمهد وتقرر من رسالته عليه الصلاة والسلام النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ مدح له عليه السلام ومعنى الأمي لا يقرأ ولا يكتب فيؤمن من جهته ان يقرأ الكتب وينقل إليهم اخبار الماضين ولكن يتبع لما يوحى اليه الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ اى ما انزل عليه من اخبار سائر الرسل ومن كتبه ووحيه وانما وصف به لحمل اهل الكتابين على الامتثال بما أمروا به والتصريح بايمانه بالله تعالى للتنبيه على ان الايمان به تعالى لا ينفك عن الايمان بكلماته ولا يتحقق الا به وَاتَّبِعُوهُ اى فى كل ما يأتى وما يذر من امور الدين لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ علة للفعلين او حال من فاعليهما اى رجاء لاهتدائكم الى المطلوب او راجين له وفى تعليقه بهما إيذان بان من صدقه ولم يتبعه بالتزام احكام شريعته فهو بمعزل من الاهتداء مستمر على الغى والضلالة قال سيد الطائفة الجنيد قدس سره الطرق كلها مسدودة على الخلق الأعلى من اقتفى اثر رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع سنته ولزم طريقته لان طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه وعلى المقتفين اثره والمتابعين سنته قال الشيخ العارف الواصل الوارث الكامل محيى الدين ابن العربي قدس سره فى بيان السنة والسنى الإنسان لا يخلو ان يكون واحدا من ثلاثة بالنظر الشرعي وهو اما ان يكون باطنيا محضا وهو القائل بتجريد التوحيد عندنا حالا وفعلا وهذا يؤدى الى تعطيل احكام الشرائع وقلب أعيانها وكل ما يؤدى الى هدم قاعدة من قواعد الدين او سنة من سننه ولو فى العادات كالاكل والشرب والوقاع فهو مذموم بالإطلاق عصمنا الله وإياكم(3/257)
من ذلك واما ان يكون ظاهريا محضا متقلقلا بحيث ان يؤديه ذلك الى التجسيم والتشبيه نعوذ بالله منهما فى باب الاعتقادات او يكون معتمدا على مذهب فقيه من الفقهاء اصحاب علوم الاحكام المحجوبة قلوبهم بحب الدنيا عن معاينة الملكوت فتراه خائفا من الخروج عن مذهبه فاذا سمع سنة من سنن النبي عليه السلام يحيلها على مذهب فقيه آخر فيترك العمل بها ولو أوردت الف حديث مأثور فى فضائلها فيتصامم عن سماعها بل يسيىء الظن برواية المتقدمين من التابعين والسلف بناء على عدم إيراد ذلك الفقيه إياها فى كتابه فمثل ذلك ايضا ملحوق بالذم شرعا والى الله نفزع ونلتجىء من ان يجعلنا وإياكم منهم واما ان يكون جاريا مع الشريعة على فهم اللسان حيث ما مشى الشارع مشى وحيث ما وقف وقف قد ما بقدم حتى فى اقل شىء من الفضائل فى العبادات والعادات صارفا جل عنايته وباذلا كل مجهوده فى ان لا يفوته شىء من الافعال المحمدية فى عباداته وعاداته على حسب ما سنح له فى أثناء مطالعاته من كتب الأحاديث المعول عليها او القى فى اذنه من استاذه وشيخه المعتمد عليه ان لم يكن من اهل المطالعة فهذا هو الوسط وهو السنة والآخذ به هو السني وبهذا يصح محبة الله له- وحكى- ان الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر قال راعيت جميع ما صدر عن النبي عليه السلام سوى واحد وهو انه عليه السلام زوج بنته عليا رضى الله عنه وكان يبيت فى بيتها بلا
تكلف ولم يكن لى بنت حتى افعل كذلك- وحكى- عن سلطان العارفين ابى يزيد البسطامي قدس سره انه قال ذات يوم لاصحابه قوموا بنا حتى ننظر الى ذلك الذي قد سهر نفسه بالولاية قال فمضينا فاذا بالرجل قد قصد المسجد فرمى بزاقه نحو القبلة فانصرف ابو يزيد ولم يسلم عليه وقال هذا ليس بمأمون على ادب من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه من مقامات الأولياء والصديقين- وحكى- عن احمد بن حنبل رحمه الله قال كنت يوما مع جماعة تجردوا ودخلوا الماء فعملت بالحديث وهو (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام الا بمئزر) ولم اتجرد فرأيت تلك الليلة قائلا يقول لى يا احمد ابشر فان الله قد غفر لك باستعمالك السنة وجعلك اماما يقتدى بك فقلت من أنت قال جبريل عليه السلام وعن عابس بن ربيعة قال رأيت عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقبل الحجر الأسود ويقول انى لا علم انك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا انى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك واتفق المشايخ على ان من القى زمامه فى يد كلب مثلا حتى لا يكون تردده بحكم طبعه فنفسه أقوم لقبول الرياضة ممن جعل زمامه فى حكم نفسه يسترسل بها حيث شاء كالبهائم فالواجب عليك ان تكون تابعا لا مسترسلا
سك اصحاب كهف روزى چند ... پى مردم كرفت ومردم شد
فاذا اتبعت فاتبع سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم الذي آدم ومن دونه من الأنبياء والأولياء تحت لوائه فاذا اتبعت واحدا من أمته فلا تتبعه لمجرد كونه رجلا مشهورا بين الناس مقبولا عند الأمراء والسلاطين بل كان الواجب عليك ان تعرف اولا الحق ثم تزن الرجال به وفيه قال باب العلم الرباني على رضى الله عنه من عرف الحق بالرجال حارفى متاهات الضلال بل اعرف الحق تعرف اهله وبقدر متابعتك للنبى صلى الله عليه وسلم تستحكم مناسبتك به وتتأكد علاقة المحبة بينك وبينه وبكل(3/258)
وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159)
ما يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه او زيارة قبره او جواب المؤذن والدعاء له عقيبه كنت مستحقا لشفاعته قالوا لو وضع شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم او عصاه او سوطه على قبر عاص لنجا ذلك العاصي ببركات تلك الذخيرة من العذاب وان كانت فى دار انسان او بلدة لا يصيب سكانها بلاء ببركاتها وان لم يشعروا بها ومن هذا القبيل ماء زمزم والكفن المبلول به وبطانة أستار الكعبة والتكفن بها قال الامام الغزالي رحمه الله وإذا أردت مثالا من خارج فاعلم ان كل من أطاع سلطانا وعظمه فاذا دخل بلدته ورأى فيها سهما من جعبته او سوطا له فانه يعظم تلك البلدة وأهلها فالملائكة يعظمون النبي صلى الله عليه وسلم فاذا رأوا ذخائره فى دار او بلدة او قبر عظموا صاحبه وخففوا عنه العذاب ولذلك السبب ينفع الموتى ان توضع المصاحف على قبورهم ويتلى عليهم القرآن ويكتب القرآن على القراطيس وتوضع فى أيدي الموتى كذا فى الاسرار المحمدية: قال فى الجلد الثالث من المثنوى
از انس فرزند مالك آمدست ... كه بمهمانى او شخصى شدست
او حكايت كرد كز بعد طعام ... ديد انس دستار خوانرا زرد فام
چرك آلوده وكفت اى خادمه ... اندر افكن در تنورش يكدمه
در تنور پر ز آتش در فكند ... آن زمان دستار خوانرا هوشمند
جمله مهمانان در ان حيران شدند ... انتظار دود كندورى بدند
بعد يكساعت بر آورد از تنور ... پاك واسپيد واز ان أوساخ دور
قوم كفتند اى صحابىء عزيز ... چون نسوزيد ومنقا كشت نيز
كفت زانكه مصطفى دست ودهان ... بس بماليد اندرين دستار خوان
اى دل ترسنده از نار وعذاب ... با چنان دست ولبى كن اقتراب
چون جمادى را چنين تشريف داد ... جان عاشق را چها خواهد كشاد
اللهم اجعل حرفتنا محبته وارزقنا شفاعته وَمِنْ قَوْمِ مُوسى لما ذكر الله تعالى عبدة العجل ومن قالوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً وهم الأشقياء اتبع ذكرهم بذكر أضدادهم السعداء فالمراد بالقوم بنوا إسرائيل الموجودون فى زمن موسى عليه السلام أُمَّةٌ اى جماعة يَهْدُونَ [راه مينمايند خلق را] فالمفعول محذوف بِالْحَقِّ ملتبسين به اى محقين وَبِهِ اى بالحق يَعْدِلُونَ اى فى الاحكام الجارية بينهم وصيغة المضارع فى الفعلين لحكاية الحال الماضية والأشهر ان المراد بهذه الامة قوم وراء الصين بأقصى المشرق وذلك ان بنى إسرائيل لما بالغوا فى العتو والطغيان بعد وفاة موسى ووفاة خليفة يوشع حتى اجترءوا على قتل أنبيائهم ووقع الهرج والمرج تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا الله تعالى ان يفرق بينهم وبين أولئك الطاغين ففتح الله لهم وهم فى بيت المقدس نفقا فى الأرض وجعل امامهم المصابيح لتضىء لهم بالنهار فاذا امسوا اظلم عليهم النفق فنزلوا فاذا أصبحوا أضاءت لهم المصابيح فساروا ومعهم نهر من ماء يجرى واجرى الله تعالى عليهم أرزاقهم فساروا فيه على هذا الوجه سنة ونصف سنة حتى خرجوا من وراء الصين الى ارض بأقصى المشرق طاهرة طيبة فنزلوها وهم مختلطون بالسباع والوحوش والهوام(3/259)
لا يضر بعضهم بعضا وهم متمسكون بالتوراة مشتاقون الى الإسلام لا يعصون الله تعالى طرفة عين تصافحهم الملائكة وهم فى منقطع من الأرض لا يصل إليهم أحد منا ولا أحد منهم إلينا اما لان بين الصين وبينهم واديا جاريا من رمل فيمنع الناس من إتيانهم كما قال ابن عباس رضى الله عنهما او نهرا من شهد كما قال السدى وانهم كبنى اب وأحد ليس لاحد منهم مال دون صاحبه يمطرون بالليل ويضحون بالنهار ويزرعون ويحصدون جميعا فيضعون الحاصل فى أماكن من القرية فيأخذ كل رجل منهم قدر حاجته ويدع الباقي- روى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبرائيل ليلة المعراج انى أحب ان ارى القوم الذين اننى الله عليهم بقوله وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ الآية فقال ان بينك وبينهم مسيرة ست سنين ذهابا وست سنين إيابا ولكن سل ربك حتى يأذن لك فدعا النبي عليه السلام وأمن جبريل فاوحى الله تعالى الى جبريل انه أجيب الى ما سأل فركب البراق فخطا خطوات فاذا هو بين اظهر القوم فسلم عليهم وردوا عليه سلامه وسألوه من أنت فقال (انا النبي الأمي) قالوا أنت الذي بشر بك موسى عليه السلام واوصانا بان قال لنا من أدرك منكم احمد عليه الصلاة والسلام فليقرأ عليه منى السلام فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم على موسى سلامه وقالوا فمن معك قال (أو ترون قالوا) نعم قال هو جبريل قال (فرأيت قبورهم على أبواب دورهم فقلت فلم ذلك) قالوا أجدر ان نذكر الموت صباحا ومساء فقال (ارى بنيانكم مستويا) قالوا ذلك لئلا يشرف بعضنا على بعض ولئلا يسد أحد على أحد الريح والهواء قال (فمالى لا ارى لكم قاضيا ولا سلطانا) قالوا أنصف بعضنا بعضا وأعطينا الحق فلم نحتج الى قاض ينصف بيننا قال (فمالى ارى أسواقكم خالية) قالوا نزرع جميعا ونحصد جميعا فيأخذ كل أحد منا ما يكفيه ويدع الباقي لاخيه فلا نحتاج الى مراجعة الأسواق قال (فمالى ارى هؤلاء القوم يضحكون قالوا مات لهم ميت فيضحكون سرورا بما قبضه الله على التوحيد قال (فما لهؤلاء القوم يبكون) قالوا ولد لهم مولود فهم لا يدرون على أي دين يقبض فيغتمون لذلك قال (فاذا ولد لكم ذكر فماذا تصنعون) قالوا نصوم لله شكرا شهرا قال (فالانثى) قالوا نصوم لله شكرا شهرين قال (ولم) قالوا لان موسى عليه السلام أخبرنا ان الصبر على الأنثى أعظم اجرا من الصبر على الذكر قال (أفتزنون) قالوا وهل يفعل ذلك أحد لو فعل ذلك أحد لحصبته السماء وخسفت به الأرض من تحته قال (أفترابون) قالوا انما يرابى من لا يؤمن برزق الله قال (أفتمرضون) قالوا لا نمرض ولا نذنب انما تذنب أمتك فيمرضون ليكون ذلك كفارة لذنوبهم قال (هل فى أرضكم سباع وهوام) قالوا نعم تمر بنا ونمر بها ولا تؤذينا ولا نؤذيها فعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم شريعته والصلوات الخمس عليهم وعلمهم الفاتحة وسورا
من القرآن قال الحدادي اقرأهم عشر سور من القرآن نزلت بمكة ولم يكن يومئذ نزلت فريضة غير الصلاة والزكاة فامرهم بالصلاة والزكاة وان يتركوا تحريم السبت ويجمعوا وأمرهم ان يقيموا مكانهم فهم اليوم هناك حنفاء مسلمون مستقبلون قبلتنا يقول الفقير التجميع وهو بالفارسي [نماز آذينه آمدن وكزاردن آن] انما شرع بعد الهجرة فتناقض أول الكلام مع آخره وكذا امر القبلة ولعل النبي عليه السلام علمهم(3/260)
وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160)
اولا ما نزل بمكة من الشرائع والاحكام ثم أكمل لهم الدعوة بطريق آخر فان المعراج بالروح والجسد معاوان حصل له عليه السلام مرة واحدة بمكة وفى ليلته فرضت الصلاة على ما عليه الكل الا انه عليه السلام كان يصل جسده الشريف فى لمحة الى حيث يصل اليه بصره وكان عنده القريب والبعيد على السواء هذا ما خطر بالضمير بعد ما رأيت من اهل التفسير ما يتنافى الاول منه بالأخير والله هو العليم الخبير والاشارة فى الآية وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ يعنى خواصهم يهدون بالحق يرشدون الخلق بالكتاب المنزل بالحق على موسى عليه السلام وَبِهِ يَعْدِلُونَ اى به يحكمون بين العوام وشتان بين امة امية بلغوا أعلى مراتب الروحانية بالسير فى متابعة النبي الأمي ثم اختطفوا عن انانية روحانيتهم بجذبات أنوار المتابعة الى مقام الوحدة التي هى مصدر وجودهم فى بقاء الوحدة كما قال تعالى كنت له سمعا وبصرا ولسانا فى يسمع وبى يبصر وبى ينطق وبالرجوع الى هذا المقام سموا أميين فانهم رجعوا الى أصلهم الذي صدروا عنه إيجادا وبين امة كان نبيهم محجوبا بحجاب الانانية عند سؤال الرؤية بقوله أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ فاجيب لَنْ تَرانِي لانك كنت بك لابى فانه لا يرانى الا من كان بي لابه فاكون بصره الذي يبصر به وهذا مقام الامة الامية فلهذا قال موسى عليه السلام اللهم اجعلنى من امة احمد شوقا الى لقاء ربه فافهم جدا كذا فى التأويلات النجمية
مصطفى را انبيا امت شدند ... جمله در زير لواء او بدند
پايه اين امت مرحومه بين ... كى يقالوا بين ارباب اليقين
رفعتش بين الأمم چون آفتاب ... در ميان أنجم اى عالى جناب
پيشه كن اى حقى شرع اين نبى ... تا نباشد فوت از تو مطلبى
وَقَطَّعْناهُمُ اى قوم موسى لا الامة المذكورة منهم اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ثانى مفعولى قطع لتضمنه معنى التصيير والتأنيث للحمل على الامة او القطعة اى صيرناهم اثنتي عشرة امة او قطعة متميزا بعضها من بعض أَسْباطاً بدل منه ولذلك جمع لان مميز أحد عشر الى تسعة عشر يكون مفردا منصوبا وأسباطا جمع فلا يصلح ان يكون مميزا له وهى جمع سبط والسبط من ولد اسحق كالقبيلة من ولد إسماعيل وهو فى الأصل ولد الولد أُمَماً بدل بعد بدل جمع امة وهى بمعنى الجماعة وانحصر فرق بنى إسرائيل فى اثنتي عشرة فرقة لانهم تشعبوا من اثنى عشر رجلا من أولاد يعفوب فانعم الله عليهم بهذا التقطيع والتمييز لتنتظم أحوالهم ويتيسر عيشهم وكانوا أقواما متباغضة متعصبة وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ اى طلبوا منه الماء حين استولى عليهم العطش فى التيه الذي وقعوا فيه بسوء صنيعهم أَنِ مفسرة لفعل الإيحاء اضْرِبْ بِعَصاكَ كان عصاه من آس الجنة وكان آدم حملها معه من الجنة الى الأرض فتوارثها الأنبياء صاغرا عن كابر حتى وصلت الى شعيب فاعطاها موسى الْحَجَرَ قد سبق فى البقرة على الاختلاف الواقع فيه وقال فى التفسير الفارسي [آن سنك را كه چون بتيه در آمدى با تو بسخن در آمد كه مرا بردار كه ترا بكار آيم وتو برداشتى وحالا در تو بره دارى موسى عليه السلام عصا بر ان سنك زد] فَانْبَجَسَتْ [پس شكافته شد وكشاده(3/261)
وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162) وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)
كشت] مِنْهُ [از آن سنك] اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً [دوازده چشمه] بعدد الأسباط قال الحدادي الانبجاس خروج الماء قليلا والانفجار خروجه واسعا وانما قال فانجبست لان الماء كان يخرج من الحجر فى الابتداء قليلا ثم يتسع فاجتمع فيه صفة الانجباس والانفجار قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ كل سبط عبر عنهم بذلك إيذانا بكثرة كل واحد من الأسباط مَشْرَبَهُمْ اى عينهم الخاصة بهم وكان كل سبط يشربون من عين لا يخالطهم فيها غيرهم للعصبية التي كانت بينهم قال ابن الشيخ كان فى ذلك الحجر اثنتا عشرة حفرة فكانوا إذا نزلوا وضعوا الحجر وجاء كل سبط الى حفرته فحفروا الجداول الى أهلهم فذلك قوله تعالى قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ اى موضع شربهم وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ اى جعلناها بحيث تلقى عليهم ظلها تسير فى التيه بسيرهم وتسكن بإقامتهم لتقيهم حر الشمس فى النهار وكان ينزل بالليل عمود من نار يسيرون بضوئه وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ الترنجبين قال فى القاموس المن كل طل ينزل من السماء على شجر او حجر ويحلو وينعقد عسلا ويجف جفاف الصمغ كالشير خشت والترنجبين وَالسَّلْوى قال القزويني وابن البيطار انه السمانى وقال غيرهما طائر قريب من السمانى قال فى التفسير الفارسي [مرغى بر شكل سمانى وآن طائريست در طرف يمن از كنجشك بزركتر واز كبوتر خردتر] وانما سمى سلوى لان الإنسان يسلو به عن سائر الادام وفى الحديث (أطيب اللحم لحم الطير) وفى الحديث ايضا (سيد الادام فى الدنيا والآخرة اللحم وسيد الشراب فى الدنيا والآخرة الماء وسيد الرياحين فى الدنيا والآخرة الفاغية) ويدل على كون اللحم سيد الطعام ايضا قوله صلى الله عليه وسلم (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) قيل كان ينزل عليهم المن مثل الثلج من الفجر الى الطلوع لكل انسان صاع وتبعث الجنوب عليهم السمانى فيذبح الرجل منه ما يكفيه كُلُوا اى قلنا لهم كلوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ اى مستلذاته وما موصولة كانت او موصوفة عبارة عن المن والسلوى قال فى التفسير الفارسي [از پاكيزها آنچهـ بمحض عنايت روزى كرديم شما را يعنى هر چهـ روزى ميرسد بخوريد وبراى خود ذخيره منهيد پس ايشان خلاف كرده وذخيره مى نهادند همه متعفن ومتغير ميشد] وَما ظَلَمُونا عطف على جملة محذوفة للايجاز اى فظلموا بان كفروا بتلك النعم الجليلة وما ظلمونا بذلك وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ إذ لا يتخطاهم ضرره قال الحدادي اى يضرون أنفسهم باستيجابهم عذابى وقطع مادة الرزق الذي كان ينزل عليهم بلا كلفة ولا مشقة فى الدنيا ولا حساب ولا تبعة فى العقبى وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اى واذكر لهم يا محمد وقت قوله تعالى لاسلافهم اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ منصوبة على المفعولية يقال سكنت الدار وقيل على الظرفية اتساعا وهى بيت المقدس او اريحاء وهى قرية الجبارين بقرب بيت المقدس وكان فيها قوم من بقية عاد يقال لهم العمالقة رأسهم عوج بن عنق وَكُلُوا مِنْها اى من مطاعمها وثمارها حَيْثُ شِئْتُمْ اى من نواحيها من غير ان يزاحمكم فيها أحد وَقُولُوا حِطَّةٌ اى مسألتنا حطة ذنوبنا عنا فعلة من الحط كالردة(3/262)
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162)
من الرد. والحط وضع الشيء من أعلى الى أسفل والمراد هنا بالحط المغفرة وحط الذنوب وَادْخُلُوا الْبابَ اى باب القرية سُجَّداً منحنين متواضعين او ساجدين شكرا على إخراجهم من التيه. ثم ان كان المراد بالقرية اريحاء فقد روى انهم دخلوها حيث سار إليها موسى عليه السلام بمن بقي من بنى إسرائيل او بذرياتهم على اختلاف الروايتين ففتحها كما مر فى سورة المائدة. وان كان بيت المقدس فقد روى انهم لم يدخلوه فى حياة موسى فقيل المراد بالباب باب القبة التي كانوا يصلون فيها كذا فى الإرشاد نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ ما سلف من ذنوبكم باستغفاركم وخضوعكم سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ استئناف بيانى كأنه قيل فماذا لهم بعد الغفران فقيل سنزيد المحسنين إحسانا وثوابا فالمغفرة مسببة عن الامتثال والاثابة محض تفضل فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ما أمروا به من التوبة والاستغفار حيث اعرضوا عنه ووضعوا موضعه قَوْلًا آخر مما لا خير فيه- روى- انهم دخلوا زاحفين على أستاههم وقالوا مكان حطة حنطة استخفافا بامر الله تعالى واستهزاء بموسى عليه السلام وعدولا عن طلب عفو الله تعالى ورحمته الى طلب ما يشتهون من اعراض الدنيا الفانية الدنية غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ نعت لقولا صرح بالمغايرة مع دلالة التبديل عليها قطعا تحقيقا للمخالفة وتنصيصا على المغايرة من كل وجه فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ اى على الذين ظلموا اثر ما فعلوا من غير تأخر والإرسال من فوق كالانزال رِجْزاً مِنَ السَّماءِ عذابا كائنا منها والمراد الطاعون- روى- انه مات منهم فى ساعة واحدة اربعة وعشرون ألفا بِما كانُوا يَظْلِمُونَ بسبب ظلمهم المستمر السابق واللاحق لا بسبب التبديل فقط كذا من لم يعرف قدر النعماء يقرع باب البلاء ليجرى عليه احكام القضاء فامتحن بانواع المحن والوباء واعلم ان الذين ظلموا من بنى إسرائيل أفسدوا عليهم النعمتين نعمة الدنيا وهى المن والسلوى وغيرهما ونعمة العقبى وهى المغفرة والاثابة وبعد فوت زمان التدارك لا ينفع نفسا إيمانها ولا تحسرها وندمها- حكى- ان أخوين فى الجاهلية خرجا مسافرين فنزلا فى ظل شجرة تحت صفاة فلما دنا الرواح خرجت لهما من تحت الصفاة حية تحمل دينارا فألقته إليهما فقالا ان هذا لمن كنز فاقاما عليه ثلاثة ايام كل يوم تخرج لهما دينارا فقال أحدهما للآخر الى متى ننتظر هذه الحية الا نقتلها ونحفر عن هذا الكنز فنأخذه فنهاه اخوه فقال ما تدرى لعلك تعطب ولا تدرك المال فابى عليه فأخذ فأسا معه ورصد الحية حتى خرجت وضربها ضربة جرحت رأسها ولم تقتلها فبادرت الحية فقتلته ورجعت الى حجرها فدفنه اخوه واقام حتى إذا كان الغد خرجت الحية معصوبا رأسها ليس معها شىء فقال يا هذه انى والله ما رضيت بما أصابك ولقد نهيت أخي عن ذلك فهل لك ان نجعل الله بيننا لا تضرينى ولا اضرك وترجعين الى ما كنت عليه فقالت الحية لا فقال ولم قالت لانى اعلم ان نفسك لا تطيب لى ابدا وأنت ترى قبر أخيك ونفسى لا تطيب لك وانا اذكر هذه الشجة كذا فى حياة الحيوان: قال فى المثنوى
بر كذشته حسرت آوردن خطاست ... باز نايد رفته ياد آن هباست(3/263)
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164)
اللهم اجعلنا من المتيقظين قبل طلوع صبح الآخرة ولا تجعلنا غافلين عما يهمنا من الأمور الباطنة والظاهرة ووفقنا كى نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا انك كنت بنا بصيرا وعن بواطننا خبيرا وَسْئَلْهُمْ عطف على واذكر المقدر عند قوله وَإِذْ قِيلَ والضمير البارز عائد الى اليهود المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس المقصود من السؤال استعلام ما ليس معلوما للسائل لانه عليه السلام كان قد علم هذه القصة من قبل الله تعالى بالوحى بل المقصود منه ان يحملهم الرسول صلى الله عليه وسلم على ان يقروا بقديم كفرهم وتجاوزهم لحدود الله تعالى ومخالفتهم الأنبياء على طريق التوارث من أسلافهم وتقريعهم بذلك وان يظهر بذلك معجزة دالة على انه نبى حق اوحى اليه ما لا يعلم الا بتعليم او وحي فانه عليه السلام لما كان اميا ولم يخالط اهل الكتب السابقة وبين هذه القصة على وجهها من غير زيادة ولا نقصان تعين انه علم ذلك بالوحى فكان بيانها على ما وقعت معجزة ظاهرة من جملة معجزاته عليه السلام عَنِ الْقَرْيَةِ اى عن حالها وخبرها وما جرى على أهلها من الداهية الدهياء وهى ايلة بين مدين والطور والعرب تسمى المدينة قرية الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ اى قريبة منه مشرفة على شاطئه إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ اى يتجاوزون حدود الله تعالى بالصيد يوم السبت وهم منهيون عن الاشتعال فيه بغير العبادة وإذ ظرف للمضاف المحذوف إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ ظرف ليعدون. والحيتان جمع حوت قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها كنون ونينان لفظا ومعنى. وكان على بن ابى طالب يقول سبحان من يعلم اختلاف النينان فى البحار الغامرات واضافتها إليهم لان المراد بالحيتان الكائنة فى تلك الناحية يَوْمَ سَبْتِهِمْ ظرف لتأتيهم اى تأتيهم يوم تعظيمهم لامر السبت فالسبت هنا مصدر سبتت اليهود إذا عظمت السبت بالتجرد للعبادة وفى التفسير الفارسي [روز شنبه ايشان] فهو اسم لليوم شُرَّعاً جمع شارع من شرع عليه إذا دنا واشرف وهو حال من حيتانهم اى تأتيهم يوم سبتهم ظاهرة على وجه الماء قريبة من الساحل وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ اى لا يراعون امر السبت لكن لا بمجرد عدم المراعاة مع تحققق يوم السبت كما هو المتبادر بل مع انتفائهما معا اى لا سبت ولا مراعاة لا تَأْتِيهِمْ كما كانت تأتيهم يوم السبت جذارا من صيدهم فان الله تعالى قوى دواعيها الى الشروع فى يوم السبت معجزة لنبى ذلك الوقت وابتلاء لتلك التي فصلت بين يوم السبت وغيره من الأيام كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ الكاف فى موضع النصب بقوله نبلوهم اى مثل ذلك البلاء العجيب الفظيع نعاملهم معاملة من يختبرهم ليظهر عدوانهم ونؤاخذهم به بِما كانُوا يَفْسُقُونَ اى بسبب فسقهم المستمر فى كل ما يأتون وما يذرون وَإِذْ قالَتْ عطف على إذ يعدون أُمَّةٌ مِنْهُمْ اى جماعة من صلحائهم الذين ركبوا فى عظتهم متن كل صعب وذلول حتى يئسوا من احتمال القبول لآخرين لا يقلعون عن التذكير رجاء للنفع والتأثير مبالغة فى الاعذار وطمعا فى فائدة الانذار لِمَ تَعِظُونَ [چرا پند ميدهيد] قَوْماً [كروهى را كه بي شبهه] اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ اى مستأصلهم ومطهر الأرض منهم أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً دون الاستئصال بالمرة. والمفهوم من بقية الآية كون المراد عذاب(3/264)
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)
الدنيا قالوه مبالغة فى ان الوعظ لا ينجح فيهم لا إنكارا لوعظهم ورضى بالمعصية منهم قالُوا اى الوعاظ مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ مفعول له اى نعظم معذرة اليه تعالى. والمعذرة اسم مصدر بمعنى العذر وهو بضم فسكون فى الأصل تحرى الإنسان ما يمحو به ذنوبه بان يقول لم افعل او فعلت لاجل كذا او فعلت ولا أعود وهذا الثالث التوبة فكل توبة عذر بلا عكس وقيل المعذرة بمعنى الاعتذار يقال اعتذرت الى فلان من جرمى ويعدى بمن والمعتذر قد يكون محقا وغير محق كذا فى تاج المصادر: قال السعدي قدس سره
كر بمحشر خطاب قهر كند ... انبيا را چهـ جاى معذرتست
پرده از لطف كو كه بردارد ... كاشقيا را اميد مغفرتست
وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ عطف على معذرة اى ورجاء لان يتقوا بعض التقاة ويتركوا المعصية لان قبول الحق الواضح يرجى من العاقل واليأس لا يحصل الا بالهلاك وهذا صريح فى ان القائلين لم تعظون إلخ ليسوا من الفرقة الهالكة والا لوجب الخطاب اى ولعلكم فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ اى تركوا ما ذكرهم به صلحاؤهم ترك الناسي للشىء واعرضوا عنه إعراضا كليا بحيث لم يخطر ببالهم شىء من تلك المواعظ أصلا فيكون من ذكر المسبب وارادة السبب أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ اى خلصنا الذين ينهون عن الاصطياد وهم الفريقان المذكوران قال ابن عباس رضى الله عنهما نزل والله بالمداهن ما نزل بالمستحل وقال الحسن نجت فرقتان وهلكت فرقة وأنكر القول الذي ذكر له عن ابن عباس وقال ما هلك الا فرقة لانه ليس شىء ابلغ فى الأمر بالمعروف والوعظ من ذكر الوعيد وقد ذكرت الفرقة الثالثة الوعيد فقالت لم تعظون قوما الله مهلكهم او معذبهم عذابا شديدا وقول الحسن اقرب الى ظاهر الآية كذا فى تفسير الحدادي وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بالاعتداء ومخالفة الأمر بِعَذابٍ بَئِيسٍ اى شديد وزنا ومعنى بِما كانُوا يَفْسُقُونَ متعلق باخذنا كالباء الاولى ولا ضير فيه لاختلافهما معنى اى أخذناهم بما ذكر من العذاب بسبب تماديهم فى الفسق الذي هو الخروج عن الطاعة وهو الظلم والعدوان ايضا ولعله تعالى قد عذبهم بعذاب شديد دون الاستئصال فلم يقلعوا عما كانوا عليه بل ازدادوا فى الغى فمسخهم بعد ذلك لقوله تعالى فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ اى تمردوا وتكبروا وأبوا عن ترك ما نهوا عنه قدر المضاف إذ التكبر والإباء من نفس المنهي عنه لا يذم فهو كقوله تعالى وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ اى عن امتثال امر ربهم والعاتي هو شديد الدخول فى الفساد المتمرد الذي لا يقبل الموعظة قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ صاغرين أذلاء بعداء عن الناس. فى القاموس خسأ الكلب كمنع طرده والكلب بعد. والقردة جمع قرد بالفارسي [پوزينه] والأنثى قردة وجمعها قرد مثل قربة وقرب والمراد هو الأمر التكويني لا القولى التكليفي لانهم لا يقدرون على قلب أنفسهم قردة وتكليف العاجز غير معقول فليس ثمة قول ولا امر ولا مأمور حقيقة وانما هو تعلق قدرة وارادة بمسخهم نعوذ بالله تعالى- روى- ان اليهود أمروا باليوم الذي أمرنا به وهو يوم الجمعة فتركوه واختاروا السبت وهو المعنى بقوله تعالى إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ فابتلوا(3/265)
به وحرم عليهم الصيد وأمروا بتعظيمه فكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت كأنها المخاض والكباش البيض السمان تنتطح لا يرى وجه الماء لكثرتها ولا تأتيهم فى سائر الأيام فكانوا على ذلك برهة من الدهر ثم جاءهم إبليس فقال لهم انما نهيتم عن أخذها يوم السبت فاتخذوا حياضا سهلة الورود صعبة الصدور ففعلوا فجعلوا يسوقون الحيتان إليها يوم السبت فلا تقدر على الخروج ويأخذونها يوم الأحد وأخذ رجل منهم حوتا وربط فى ذنبه حيطا الى خشبة فى الساحل ثم شواه يوم الأحد فوجد جاره ريح السمك فتطلع على تنوره فقال له انى ارى الله سيعذبك فلما لم يره عذاب أخذ فى السبت القابل حوتين فلما رأوا ان العذاب لا يعاجلهم استمروا على ذلك فصادوا وأكلوا وملحوا وباعوا وكانوا نحوا من سبعين الفا فكان اهل القرية أثلاثا. ثلث استمروا على النهى. وثلث ملوا التذكير وشموه وقالوا للواعظين لم تعظون إلخ.
وثلث باشروا الخطيئة فلما لم ينتهوا قال المسلمون نحن لا نساكنكم فباعوا الدور والمساكن وخرجوا من القرية فضربوا الخيام خارجا منها او اقتسموا القرية بجدار للمسلمين باب وللمعتدين باب ولعنهم داود عليه السلام فاصبح الناهون ذات يوم فخرجوا من أبوابهم وانتشروا لمصالحهم ولم يخرج من المعتدين أحد فقالوا لعل الخمر غلبتهم أو إن لهم لشأنا من خسف او مسخ او رمى بالحجارة فعلوا الجدر فنظروا فاذا هم قردة او صار الشبان قردة والشيوخ خنازير ففتحوا الباب ودخلوا عليهم فعرفت القردة أنسابهم من الانس وهم لا يعرفونها فجعل القرد يأتى نسيبه فيشم ثيابه فيبكى ويقول له نسيبه ألم ننهكم فيقول القرد برأسه بلى ودموعهم تسيل على خدودهم ثم ماتوا عن مكث ثلاثة ايام كما قال ابن عباس رضى الله عنهما لم يعش ممسوخ قط اكثر من ثلاثة ايام وعليه الجمهور. واما قوله عليه السلام (فقدت امة من بنى إسرائيل لا يدرى ما فعلت ولا أراها الا الفأر ألا ترونها إذا وضع لها البان الإبل لم تشربها وإذا وضع لها البان غيرها شربتها) وما روى ان النبي عليه السلام اتى بضب فابى ان يأكله وقال (لا أدرى لعله من القرون التي مسخت) فالجواب عنهما ان ذلك كان قبل ان يوحى اليه ان الله لم يجعل لممسوخ نسلا فلما اوحى اليه زال عنه ذلك المتخوف وعلم ان الضب والفأر ليسا مما مسخ فعند ذلك أخبرنا بقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن القردة والخنازير أهي مما مسخ فقال (ان الله لم يهلك قوما او يعذب قوما فيجعل لهم نسلا وان القردة والخنازير كانوا قبل ذلك وثبت النصوص بأكل الضب بحضرته وعلى مائدته ولم ينكره) كذا فى حياة الحيوان وعن مجاهد وانما مسخت قلوبهم فقط وردت افهامهم كافهام القردة وهذا قول تفرد به عن جميع المسلمين يقول الفقير مسخ القلب مشترك بين عصاة جميع الأمم وعادة الله تعالى فى النبوة الاولى تعجيل عقوبة الدنيا على أقبح وجه وأفظعه ولا عقوبة أدهى من تبديل الصورة الحسنة الانسانية الى صورة اخس الحيوانات وهى صورة القردة والخنازير القبيحة نعم مسخ القلب والمعنى سبب لمسخ القالب والصورة نعوذ بالله وعن الحسن وايم الله ما حوت اخذه قوم فاكلوه أعظم عند الله من قتل رجل مسلم ولكن الله جعل ذلك موعدا والساعة أدهى وامر قال انس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سئل هل فى أمتك خسف (قال(3/266)
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)
نعم) قيل ومتى ذلك يا رسول الله قال (إذا لبسوا الحرير واستباحوا الزنى وشربوا الخمور وطففوا المكيال والميزان واتخذوا القينات والمعازف وضربوا بالدفوف واستحلوا الصيد فى الحرم) والاشارة ان القرية هى قرية الجسد الحيواني على شاطىء بحر البشرية واهل قرية الحس الصفات الانسانية وهى على ثلاثة اصناف. منها صنف روحانى كصفات الروح. وصنف قلبى كصفات القلب. وصنف نفسانى كصفات النفس الامارة بالسوء وكل قد نهوا عن صيد حيتان الدواعي البشرية فى سبت محارم الله. فصنف امسك عن الصيد ونهى عنه وهو الصفات الروحانية وصنف امسك ولم ينه وهو الصفات القلبية. وصنف انتهك الحرمة وهو الصفات النفسانية قال حضرة شيخنا العلامة أبقاه الله بالسلامة يوم طور النفس الامارة بالسوء يوم السبت لانقطاع اهله باتباع الطاغوت والجبت وشهره شهر المحرم لحرمانه من القربة والنيل والوصلة ونجمه القمر وفلكه فلك السماء الدنيا وآيته قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ انتهى وتتوفر الدواعي البشرية فيما حرم الله بإغراء الشيطان وتزيينه لان الإنسان حريص على ما منع ولا يرغب فيما لم يحرم الله فمن كان الغالب عليه صفات الروح وقهر النفس وتبديل صفاتها بالتزكية والتحلية فانه من اهل النجاة وارباب الدرجات واصحاب القربات.
ومن كان الغالب عليه النفس وصفاتها فانه من اهل الهلاك وارباب الدركات واصحاب المباعدات: وفى المثنوى
نفس تو تامست وتازه است وقديد ... دانكه روحت حاسه غيبى نديد
كه علاماتست زان ديدار نور ... التجافي منك عن دار الغرور
واى آنكه عقل او ماده بود ... نفس زشتش نرو آماده بود
لا جرم مغلوب باشد عقل او ... جز سوى خسران نباشد نقل او
وصف حيوانى بود بر زن فزون ... زانكه سوى رنك وبو دارد ركون
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ بمعنى آذن مثل توعد بمعنى أوعد. والإيذان الاعلام وبمعنى عزم لان من عزم على الأمر وصمم نيته عليه يحدث به نفسه ويؤذنها بفعله وعزم الله تعالى على الأمر عبارة عن تقرر ذلك الأمر فى علمه وتعلق إرادته بوقوعه فى الوقت المقدر له. والمعنى واذكر يا محمد لليهود وقت إيجابه تعالى على نفسه لَيَبْعَثَنَّ البتة عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ متعلق بقوله ليبعثن واللام فيه لام جواب القسم لان قوله وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ جار مجرى القسم كعلم الله وشهد الله من حيث دلالته على تأكد الخبر المؤذن به مَنْ يَسُومُهُمْ السوم [رنج بخشانيدن] كذا فى تاج المصادر فالمعنى [كسى كه بخشاند ايشانرا] سُوءَ الْعَذابِ [عذابى سخت] كالاذلال وضرب الجزية وغير ذلك من فنون العذاب. وقد بعث الله تعالى عليهم بعد سليمان عليه السلام بخت نصر فخرب ديارهم وقتل مقاتليهم وسبى نساهم وذراريهم وضرب الجزية على من بقي منهم وكانوا يؤدونها الى المجوس حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ففعل ما فعل ثم ضرب الجزية فلا تزال مضروبة الى آخر الدهر قال الحدادي وفى هذه الآية دلالة على ان اليهود لا ترفع لهم راية عز الى يوم القيامة إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ يعاقبهم فى الدنيا(3/267)
وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168)
وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لمن تاب وآمن منهم وفى الآية اشارة الى ان الشيطان وهو المنظر الى يوم القيامة يبعث ليسوم الخلق سوء العذاب وهو الابعاد من القربة والإغراء فى الضلالة والاقعاد عن العبودية والإضلال عن الصراط المستقيم ان ربك لسريع العقاب يعاقبهم فى الدنيا ويملى لهم ليزدادوا اثما هذا عقوبة فى الدنيا وهى تورث العقوبة فى الآخرة وانه لغفور يغفر ذنوب من يرجع اليه ويتوب اى الأرواح والقلوب لو رجعت عن متابعة النفس وهواها وتابت الى الله واستغفرت لغفر لها لانه رحيم يرحم من تاب اليه وفيه معنى آخر انه لسريع العقاب اى يعاقب المؤمنين فى الدنيا بانواع البلاء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ويوفقهم الى الصبر على ذلك ليجعله كفارة لذنوبهم حتى إذا خرجوا من الدنيا خرجوا أنقياء لا يعذبون فى الآخرة وانه لغفور رحيم لهم فى الآخرة لقى يحيى عيسى عليهما السلام فتبسم عيسى فى وجه يحيى فقال مالى أراك لاهيا كأنك آمن فقال الآخر مالى أراك عابسا كانك آيس فقالا لا نبرح حتى ينزل علينا الوحى فاوحى الله تعالى احبكما الى احسنكما ظنابى: قال السعدي
نه يوسف كه چندان بلا ديد وبند ... چوحكمش روان كشت وقدرش بلند
كنه عفو كرد آل يعقوب را ... كه معنى بود صورت خوب را
بكردار بدشان مقيد نكرد ... بضاعات مزجات شان رد نكرد
ز لطفت همى چشم داريم نيز ... برين بي بضاعت ببخش اى عزيز
فينبغى للعاقل ان يحسن الظن بربه ولا يتكاسل فى باب العبادة فان السفينة لا تجرى على اليبس وعن مالك بن دينار رحمه الله تعالى قال دخلت جبانة البصرة فاذا انا بسعدون المجنون فقلت كيف حالك وكيف أنت قال يا مالك كيف يكون حال من امسى وأصبح يريد سفرا بعيدا بلا اهبة ولازاد ويقدم على رب عدل حاكم بين العباد ثم بكى بكاء شديدا فقلت ما يبكيك قال والله ما بكيت حرصا على الدنيا ولا جزعا من الموت والبلى لكن بكيت ليوم مضى من عمرى لا يحسن فيه عمل أبكاني والله قلة الزاد وبعد المفازة والعقبة الكؤود ولا أدرى بعد ذلك أصير الى الجنة أم الى النار فسمعت منه كلام حكمة فقلت ان الناس يزعمون انك مجنون فقال وأنت اغتررت بما اغتر به بنوا إسرائيل زعم الناس انى مجنون وما بي جنة ولكن حب مولاى قد خالط قلبى واحشائى وجرى بين لحمى ودمى وعظامى فانا والله من حبه هائم مشغوف فقلت يا سعدون فلم تجالس الناس وتخالطهم فانشأ يقول
كن من الناس جانبا ... وارض بالله صاحبا
قلب الناس كيف شئ ... ت تجدهم عقاربا
كذا فى روض الرياحين لليافعى وَقَطَّعْناهُمْ اى فرقنا بنى إسرائيل فِي الْأَرْضِ وجعلنا كل فرقة منهم فى قطر من أقطارها بحيث لا تخلو ناحية منها منهم تتميما لجزاء ادبارهم واعراضهم عن الحق حتى لا يكون لهم شوكة بالاجتماع ابدا أُمَماً حال من مفعول قطعناهم اى حال كونهم جماعات او مفعول ثان لقطعنا باعتبار تضمنه معنى صيرنا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ صفة لامما وهم المتدينون بدين موسى وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ تقديره ومنهم ناس دون ذلك(3/268)
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169)
على ان دون ذلك صفة لموصوف محذوف مرفوع على الابتداء. وقوله منهم خبر قدم عليه قال التفتازانيّ قد شاع فى الاستعمال وقوع المبتدأ والخبر ظرفين واستمر النحاة على جعل الاول خبرا والثاني مبتدأ بتقدير موصوف دون العكس وان كان ابعد من جهة المعنى والتأخير بالخبر اولى وكأنهم يرون المصير الى ان الحذف فى أوانه اولى انتهى وذلك اشارة الى الصلاح المدلول عليه بقوله الصالحون بتقدير المضاف ليصح المعنى اى ومنهم دون اهل ذلك الصلاح منحطون عنهم وهم كفرتهم وفسقتهم وجوز بمعنى أولئك فالاشارة الى الصالحين وقد ذكر النحويون ان اسم الاشارة المفرد قد يستعمل للمثنى والمجموع كذا فى حواشى سعدى چلبى وَبَلَوْناهُمْ اى عاملناهم معاملة المبتلى المختبر بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ بالنعم والنقم حيث فتحنا عليهم تارة باب الخصب والعافية وتارة باب الجدب والشدائد لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ينتهون فيرجعون عما كانوا عليه من الكفر والمعاصي فان كل واحد من الحسنات والسيئات يدعو الى الطاعة اما الحسنات فللترغيب فيها واما السيئات فللترهيب عن المعصية قال الكاشفى [ايشانرا در نعمت شكر بايست كرد بطر واستغنا ظاهر كردند وگفتند ان الله فقير ونحن اغنياء ودر محنت صبرى بايست كرد آغاز ناسزا كردند وكفتند يد الله مغلولة بر محك اختبار تمام عيار بيرون نيامدند]
خوش بود كر محك تجربه آيد بميان ... تا سيه روى شود هر كه دروغش باشد
وفى التأويلات النجمية وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ اى بكثرة الطاعات ورؤيتها والعجب بها كما كان حال إبليس وَالسَّيِّئاتِ اى المعاصي ورؤيتها والندامة عليها والتوبة منها والخوف والخشية من ربهم كما كان حال آدم عليه السلام رجع الى الله تعالى وقال رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ من بعد المذكورين خَلْفٌ اى بدل سوء وهم الذين كانوا فى عصر النبي صلى الله عليه وسلم الذين خلفوا من اليهود الذين فرقهم الله فى الأرض امما موصوفين بانهم منهم الصالحون ومنهم دون ذلك. والخلف مصدر نعت به ولذلك يقع على الواحد والجمع يقال خلف فلان فلانا إذا كان خليفته وخلفه فى قومه خلافة اى قام مقامه فى تدبير احوال قومه قال ابن الاعرابى الخلف بفتح اللام الصالح وبإسكان اللام الصالح ومنه قيل لرديىء الكلام خلف وقال محمد بن جرير اكثر ما جاء فى المدح بفتح اللام وفى الذم بتسكينها وقد يحرك فى الذم ويسكن فى المدح قال واحسبه فى الذم مأخوذا من خلف اللبن إذا حمض من طول تركه فى السقاء حتى يفسد ومنه قولهم خلف فم الصائم إذا تغيرت ريحه وفسدت فكان الرجل الفاسد مشبه به والحاصل ان كليهما يستعملان فى الشر والخير الا ان اكثر الاستعمال فى الخير بالفتح كذا فى تفسير الحدادي وَرِثُوا الْكِتابَ اى التوراة من أسلافهم يقرأونها ويقفون على ما فيها. والميراث ما صار للباقى من جهة الهالك وهو فى محل الرفع على انه نعت لقوله خلف يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى استئناف اى يأخذون حطام هذا الشيء الأدنى يعنى الدنيا وهو من الدنو اى القرب سميت هذه الدار وهذه الحياة دنيا لدنوها وكونها عاجلة يقال دنوت منه دنوا اى قربت والداني القريب او من الدناءة يقال دنا الرجل دناءة اى صار(3/269)
وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)
دنيئا خسيسا لا خير فيه والمراد ما كانوا يأخذونه من الرشى فى الحكومات وعلى تحريف الكلام قال الحدادي سمى متاع الدنيا عرضا لقلة بقائه كأنه يعرض فيزول قال الله تعالى هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا يريدون بذلك السحاب وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا لا يؤاخذنا الله بذلك ويتجاوز عنه يقال غفر الله له ذنبه غطى عليه وعفا عنه. قوله سيغفر اما مسند الى الجار والمجرور بعده وهو لنا واما الى ضمير الاخذ فى يأخذون كقوله اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ اى سيغفر لنا أخذ العرض الأدنى وفى التأويلات النجمية من شأن النفوس ان يجعلوا المواهب الربانية والكشوف الروحانية ذريعة العروض الدنيوية ويصرفها فى تحصيل المال والجاه واستيفاء اللذات والشهوات ويقولون سيغفر لنا لانا وصلنا الى مقام ورتبة يغفر لنا مثل الزلات والخطيئات كما هو مذهب اهل الإباحة جهالة وغرورا منهم وفيه معنى آخر وهوانهم يقولون سيغفر لنا إذا استغفرنا منها وهم يستغفرون باللسان لا بالقلب وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ حال من فاعل يقولون اى يأخذون الرشى فى الاحكام وعلى تحريف الكلم للتسهيل على العامة ويقولون انه تعالى لا يؤاخذنا بأخذ ما أخذناه من عرض الدنيا ويتجاوز عنه والحال انهم مصرون على اخذه عائدون الى مثله غير تائبين عنه أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ اى العهد المذكور فى التوراة أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ عطف بيان للميثاق اى لا تفتروا على الله مثل القطع على المغفرة مع الإصرار على الذنب وَدَرَسُوا ما فِيهِ [وخوانده اند آنچهـ دروست واين حكم در وى نديده اند] وهو معطوف على ألم يؤخذ من حيث المعنى فانه تقرير اى أخذ عليهم ميثاق الكتاب ودرسوا ما فيه ولك ان تقول درسوا عطف على لم يؤخذ فالاستفهام التقريرى متعلق بهما وَالدَّارُ الْآخِرَةُ [ورستكارى سراى ديكر كه عقابست خَيْرٌ بهترست از عرض دنيا] لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ المعاصي والشرك وأكل الحرام والافتراء على الله تعالى أَفَلا تَعْقِلُونَ تعلمون ذلك فلا تستبدلوا الأدنى المؤدى الى العقاب بالنعيم المخلد وَالَّذِينَ اى وخير ايضا للذين يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ اى يتمسكون به فى امور دينهم يقال مسك بالشيء وتمسك به قال مجاهد هم الذين آمنوا من اهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه تمسكوا بالكتاب الذي جاء به موسى عليه السلام فلم يحرفوه ولم يكتموه ولم يتخذوه مأكلة اى وسيلة وسببا لاكل اموال الناس وقال عطاء هم امة محمد عليه السلام فالمراد بالكتاب القرآن وَأَقامُوا الصَّلاةَ من قبيل ذكر الخاص بعد ذكر العام للتنبيه على شرف الخاص وفضله فان اقامة الصلاة أعظم العبادات وأفضلها بعد الايمان فافردت بالذكر لعلو قدرها بالنسبة الى سائر انواع التمسكات
خانه دين خويش را چوخدا ... بر ستون نماز كرد بنا
بي شكى تا ستون بجاى بود ... خانه دين حق بپاى بود
إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ اى نعطيهم أجرهم فى القول والعمل قال الكاشفى [مزد كار بصلاح آرندگان كردار خود را بلكه بتمام بديشان رسانيم] والإصلاح اما إصلاح الظواهر واما إصلاح السرائر وذلك بالتقيد بالأعمال الظاهرة وتربية النفس الى ان تصلح لقبول فيض(3/270)
وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)
نور الله واعلم ان الغالب فى آخر الزمان ترك العمل بالقرآن ولقد خلف من بعد السعداء أشقياء اطمأنوا الى زخارف الدنيا قال الحسن رأيت سبعين بدريا كانوا فيما أحل الله لهم ازهد منكم فيما حرم الله عليكم وكانوا بالبلاء أشد منكم فرحا بالرخاء لو رأيتموهم قلتم مجانين ولو رأوا اخياركم قالوا ما لهؤلاء من خلاق ولو رأوا أشراركم حكموا بانهم ما يؤمنون بيوم الحساب إذا عرض عليهم الحلال من المال تركوه خوفا من فساد قلوبهم قال هرم لاويس اين تأمرنى ان أكون فاومأ الى الشام فقال هرم كيف المعيشة بها قال اويس أف لهذه القلوب قد خالطها الشك فما تنفعها العظة قال من قال
خانه پر كندم ويك جو نفرستاده بكور ... غم مركت چوغم برك زمستانى نيست
وهذا الشك لا يزول الا بالتوفيق الخاص الإلهي ولا بد من تربية المرشد الكامل فانه اعرف بمصالح النفس ومفاسدها
ز من اى دوست اين يك پند بپذير ... برو فتراك صاحب دولتى كير
وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ النتق قلع الشيء من موضع والجبل هو الطور الذي سمع موسى كلام الله واعطى الألواح وهو عليه او جبل من جبال فلسطين او الجبل الذي كان عند بيت المقدس وفوقهم منصوب بنتقنا باعتبار تضمنه لمعنى رفعنا كأنه قيل رفعنا الجبل فوق بنى إسرائيل بنتقه وقلعه من مكانه فالنتق من مقدمات الرفع وسبب لحصوله كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ اى سقيفة وهى كل ما اظلك بالفارسية [سايبان] وَظَنُّوا اى تيقنوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ اى ساقط عليهم لان الجبل لا يثبت فى الجو ولانهم كانوا يوعدون به على تقدير عدم قبولهم احكام التوراة- روى- ان موسى عليه السلام لما اتى بنى إسرائيل بالتوراة وقرآها عليهم وسمعوا ما فيها من التكاليف الشاقة أبوا ان يقبلوها ويتدينوا بما فيها فامر الله الجبل فانقلع من أصله حتى قام على رؤوسهم بحيث حاذى معسكرهم جميعا ولم يبق منهم أحد الا والجبل فوقه وكان معسكرهم فرسخا فى فرسخ وقيل لهم ان قبلتموها بما فيها والا ليقعن عليكم فلما نظروا الى الجبل خر كل رجل منهم ساجدا على جانبه الا يسر وهو ينظر بعينه اليمنى الى الجبل خوفا من سقوطه فلذلك لا ترى يهوديا يسجد الأعلى جانبه الا يسر ويقولون هى السجدة التي رفعت بها عنا العقوبة فقبلوها جبرا قيل كل من اتى بشىء جبرا ينكص على عقبيه حين يجد فرصة كذلك اهل التوراة لما قبلوها جبرا ما لبثوا حتى شرعوا فى تحريفها خُذُوا على إضمار القول اى قلنا خذوا ما آتَيْناكُمْ من الكتاب بِقُوَّةٍ بجد وعزم على تحمل مشاقه وهو حال من الواو وَاذْكُرُوا ما فِيهِ بالعمل ولا تتركوه كالمنسى لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ بذلك قبائح الأعمال ورذائل الأخلاق وفى الآية اشارة الى ان الإنسان لو وكل الى نفسه وطبيعته لا يقبل شيأ من الأمور الدينية طبعا ولا يحمل أثقاله قطعا الا ان يعان على القبول والحمل بامر ظاهر او باطن فيضطر الى القبول والحمل فالله تعالى أعان ارباب العناية حتى حملوا أثقال المجاهدات والرياضيات وأخذوا ما آتاهم الله بقوة منه لا بقوتهم وإرادتهم: وفى المثنوى
چشمها وكوشها را بسته اند ... جز مر آنها را كه از خود رسته اند(3/271)
جز عنايت كه كشايد چشم را ... حز محبت كه نشايد خشم را
جهد بي توفيق خود كس را مباد ... در جهان والله اعلم بالرشاد
قال حضرة الشيخ افتاده افندى قدس سره مخاطبا لحضرة الهدايى ان كثيرا قد اجتهدوا ثلاثين سنة فلم يتيسر ما حصل لك فقال الهدايى ان بابنا الذي نخدم فيه أعلى مما خدموا فينبغى ان تكون لنا العناية بهذا القدر فتبسم حضرة الشيخ- يحكى- ان أبا يزيد البسطامي لم يأكل البطيخ الأخضر زمانا لعدم وقوفه على ان النبي عليه السلام بأى وجه قطعه والشمس التبريزي قال ان البسطامي كان فى الحجاب بسبب قصة البطيخ قال افتاده افندى كأنه أراد ان قوة زهد البسطامي جعلته محجوبا ولكن التحقيق ان كلا منهما على الكمال غايته ان أبا يزيد البسطامي وصل من طريق الرياضة والشمس التبريزي وصل من طريق المعرفة والطرق الى الله كثيرة ولكن طريق الرياضة احكم واثبت فصاحب الزهد الغالب وان لم ينفتح له الطريق زمانا ولكنه إذا انفتح يكون دفعة وبذلك لم يقدر الحلاج على ضبطه لكماله فى الشريعة والطريقة فظهر حقيقة الحال على الأسلوب المذكور فعناية الله تعالى تهدى اولا الى القبول ثم الى الزهد والرياضة ثم الى العشق والحالة ثم الى عالم الحقيقة والطرق الى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق فكل أحد يصل الى الله تعالى من طريق وهى غير متعينة وليست هى كما يزعمها الناس إذ ليست على الأسلوب الظاهر قال الله تعالى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها فالمراد بها الطريق المناسب لكل أحد وطريق الوصول هو التقوى والذكر واعلم ان الكتب الالهية انما جاءت رحمة من الله تعالى وعناية وكذا الأنبياء عليهم السلام فمن اتبعهم وقبل ما جاؤا به فقد نجا من العقبات وخرج من محبس هذا العالم وطار الى الملكوت الأعلى وللهمة تأثير عظيم- ذكر- ان فى الهند قوما إذا اهتموا بشىء اعتزلوا عن الناس وصرفوا همتهم الى ذلك الشيء فيقع على وفق اهتمامهم ومن هذا القبيل ما ذكر ان السلطان محمود غزا بلاد الهند وكانت فيها مدينة كلما قصدها مرض فسأل عن ذلك فقيل له ان عندهم جمعا من الهند إذا صرفوا همتهم الى ذلك يقع المرض على وفق ما اهتموا فاشار اليه بعض أصحابه بدق الطبول ونفخ البوقات الكثيرة لتشوش همتهم ففعل ذلك فزال المرض واستخلصوا المدينة فانت ايها السالك بضرب طبول الذكر وجهره وتشوش همّ النفس وخواطرها الفاسدة تخلص مدينة القلب من يدها بعناية الله تعالى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته قال بصوته الأعلى (لا اله الا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير) قال الشيخ ابو النجيب السهروردي المراد بقوله تعالى إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ الجهر بالذكر وقال عمر النسفي والامام الواحدي فى تفسيريهما الذكر من جملة الفرائض وإعلان الفرائض اولى وأحب دفعا للتهمة والجهر يوقظ قلب الذاكر ويجمع همه الى الفكر ويصرف سمعه اليه ويطرد النوم ويزيد فى النشاط: وفى المثنوى
يا دهان خويشتن را پاك كن ... روح خود را چاپك و چالاك كن
ذكر حق پاكست چون پاكى رسيد ... رخت بر بندد برون آيد پليد
مى كريزد ضدها از ضدها ... شب كريزد چون بر افروزد ضيا(3/272)
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)
چون در آيد نام پاك اندر دهان ... نى پليدى ماند ونى اندهان
قوله تعالى وَاذْكُرُوا ما فِيهِ يتناول الذكر اللفظي والحفظ الظاهري وان كان العمدة هى العمل كما قال سعدى قدس سره [مراد از نزول قرآن تحصيل سيرت خوبست نه ترتيل سوره مكتوب عامىء متعبد پياده رفتست وعالم متهاون سوار خفته] أيقظنا الله وإياكم من منام الغفلة والجهالة وختم عواقب أمورنا بأحسن الخاتمة والحالة آمين وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ اى واذكر يا محمد لبنى إسرائيل وقت أخذ ربك مِنْ بَنِي آدَمَ اى آدم وأولاده كأنه صار اسما للنوع كالانسان والبشر والمراد بهم الذين ولدهم كائنا من كان نسلا بعد نسل سوى من لم يولد له بسبب من الأسباب كالعقم وعدم التزوج والموت صغيرا مِنْ ظُهُورِهِمْ بدل من بنى آدم بدل البعض اى من أصلابهم وفيه تنبيه على ان الميثاق قد أخذ منهم وهم فى أصلاب الآباء ولم يستودعوا فى أرحام الأمهات ذُرِّيَّتَهُمْ مفعول أخذ أي نسلهم قرنا بعد قرن يعنى اخرج بعضهم من بعض كما يتوالدون فى الدنيا بحسب الأصلاب والأرحام والأدوار والأطوار الى آخر ولد يولد وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ اى اشهد كل واحد من أولئك الذريات المخصوصين المأخوذين من ظهور آبائهم على نفسه لا على غيره تقريرا لهم بربوبيته التامة وما تستتبعه من العبودية على الاختصاص وغير ذلك من أحكامها أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ على ارادة القول اى قائلا ألست بربكم ومالك أمركم ومربيكم على الإطلاق من غير ان يكون لاحد مدخل فى شأن من شؤونكم قالُوا استئناف بيانى كأنه قيل فماذا قالوا فقيل قالوا بَلى شَهِدْنا اى على أنفسنا بانك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك والفرق بين بلى ونعم ان بلى اثبات لما بعد النفي اى أنت ربنا فيكون ايمانا ونعم لتقرير ما سبق من النفي اى لست بربنا فيكون كفرا وهذا تمثيل وتخييل نزل تمكينهم من العلم بربوبيته بنصب الدلائل الآفاقية والانفسية وخلق الاستعداد فيهم منزلة الاشهاد وتمكينهم من معرفتها والإقرار بها منزلة الاعتراف فلم يكن هناك أخذ وإشهاد وسؤال وجواب وباب التمثيل باب واسع وارد فى القرآن والحديث وكلام البلغاء قال الله تعالى فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ أَنْ تَقُولُوا مفعول له لما قبله من الاخذ والاشهاد اى فعلنا ما فعلنا كراهة ان تقولوا يَوْمَ الْقِيامَةِ عند ظهور الأمر إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا اى عن وحدانية الربوبية وأحكامها غافِلِينَ لم ننبه عليه بدليل فانهم حيث جبلوا على الفطرة ومعرفة الحق فى القوة القريبة من الفعل صاروا محجوجين عاجزين عن الاعتذار بذلك ولو لم تكن الآية على طريقة التمثيل بل لو أريد حقيقة الاشهاد والاعتراف وقد انسى الله تعالى بحكمته تلك الحال لم يصح قوله ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين كما فى حواشى سعدى چلبى المفتى أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا عطف على ان تقولوا واو لمنع الخلو دون الجمع اى اخترعوا الإشراك وهم سنوه مِنْ قَبْلُ من قبل زماننا وَكُنَّا نحن ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ لا نهتدى الى السبيل ولا نقدر على الاستدلال بالدليل فاقتدينا بهم أَفَتُهْلِكُنا اى أتؤاخذنا فتهلكنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ من آبائنا المضلين بعد ظهور انهم المجرمون ونحن عاجزون عن التدبر والاستبداد بالرأى فان ما ذكر من(3/273)
وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)
استعدادهم الكامل يسد عليهم باب الاعتذار بهذا ايضا فان التقليد بعد قيام الدلائل والقدرة على الاستدلال بها مما لا مساغ له أصلا وَكَذلِكَ اشارة الى مصدر الفعل المذكور بعده ومحله النصب على المصدرية اى مثل ذلك التفصيل البليغ المستتبع للمنافع الجليلة نُفَصِّلُ الْآياتِ المذكورة لا غير ذلك وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وليرجعوا عما هم عليه من الإصرار على الباطل وتقليد الآباء نفعل التفصيل المذكور. فالوا وان ابتدائيتان ويجوز ان تكون الثانية عاطفة على مقدر مرتب على التفصيل اى وكذلك نفصل الآيات ليقفوا على ما فيها ومن المرغبات والزواجر وليرجعوا إلخ هذا والأكثر على ان المقاولة المذكورة فى الآية حقيقة لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما من انه لما خلق الله آدم عليه السلام مسح ظهره فاخرج منه كل نسمة هو خالقها الى يوم القيامة فقال ألست بربكم قالوا بلى فنودى يومئذ جف القلم بما هو كائن الى يوم القيامة وقد روى عن عمر رضى الله عنه انه سئل عن الآية الكريمة فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال (ان الله تعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل اهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال هؤلاء للنار وبعمل اهل النار يعملون) فقال رجل ففيم العمل يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل اهل الجنة حتى يموت على عمل من اعمال اهل الجنة فيدخله به الجنة وإذا حلق العبد للنار استعمله بعمل اهل النار حتى يموت على عمل من اعمال اهل النار فيدخل به النار) وليس المعنى انه تعالى اخرج الكل من ظهره عليه السلام بالذات بل اخرج من ظهره عليه السلام أبناءه الصلبية ومن ظهورهم أبناءهم الصلبية وهكذا الى آخر السلسلة لكن لما كان الظهر الأصلي ظهره عليه السلام وكان مساق الحديثين الشريفين بيان حال الفريقين اجمالا من غير ان يتعلق بذكر الوسائط غرض علمى نسب إخراج الكل اليه واما الآية الكريمة فحيث كانت مسوقة للاحتجاج على الكفرة المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان عدم إفادة الاعتذار بإسناد الإشراك الى آبائهم اقتضى الحال نسبة إخراج كل واحد منهم الى ظهر أبيه من غير تعرض لاخراج الأبناء الصلبية لآدم عليه السلام من ظهره قطعا كذا فى الإرشاد وقال الحدادي فان قيل كيف يكون الميثاق حجة على الكفار منهم وهم لا يذكرون ذلك حين أخرجهم من صلب آدم قيل لما أرسل الله الرسل فاخبروهم بذلك الميثاق صار قول الرسل حجة عليهم وان لم يذكروا ألا ترى ان من ترك من صلاته ركعة ونسى ذلك فذكرت له ذلك الثقات كان قولهم حجة عليه قال المولى ابو السعود على القول الثاني وهو ما ذهب اليه الأكثر من حقيقة المقاولة ان قوله تعالى أَنْ تَقُولُوا إلخ ليس مفعولا له لقوله تعالى وَأَشْهَدَهُمْ وما يتفرع عليه من قولهم بَلى شَهِدْنا حتى يجب كون ذلك الاشهاد والشهادة محفوظا لهم فى إلزامهم بل لفعل مضمر ينسحب الكلام عليه والمعنى فعلنا ما فعلنا من الأمر بذكر الميثاق وبيانه كراهة ان تقولوا ايها الكفرة يوم القيامة انا كنا غافلين عن ذلك الميثاق لم ننبه عليه فى دار التكليف والا لعملنا بموجبه انتهى(3/274)
وقال الكاشفى [اى درويش اين آيت مركز عهد ازلست بي خبران سر كوچهـ غفلت را متنبه سازد والا هوشمندان بيدار دل از ان سؤال وجواب غافل نيستند]
ألست از ازل همچنانش بكوش ... بفرياد قالوا بلى در خروش
[در نفحات مذكورست كه على سهل اصفهانى را كفتند كه روز بلى را ياد دارى كفت چون ندارم كوئى دى بود شيخ الإسلام خواجه انصارى فرمود كه درين سخن نقض است صوفى را دى وفردا چهـ بود آن روز را هنوز شب در نيامده وصوفى در همان روزست]
روز امروز است اى صوفى وشان ... كى بود از دى واز فردا نشان
آنكه از حق نيست غافل يكنفس ... ماضى ومستقبل وحالست وبس
وسئل ذو النون رضى الله عنه عن سر ميثاق مقام ألست بربكم هل تذكره فقال كأنه الآن فى اذنى واعلم ان لبعض أرواح الكمل تحقق الاتصاف بالعلم قبل تعينه بهذا المزاج الجزئى العنصري فى مرتبة العين والخارج من جهة كلية الروحانية المتعينة قبله فى مرتبة النفس الكلى بنفس تعين الروح الإلهي الأصلي فالروح الكلى الوصف والذات من أرواح الكمل يتعين فى كل مرتبة وعالم من المراتب والعوالم التي يمر عليها عند النزول والهبوط الى مرتبة الحس الظاهر وعالم المزاج العنصري الى حين اتصاله بهذه النشأة العنصرية تعينا يقتضيه حكم الروح الأصلي فى ذلك العالم وفى تلك المرتبة فيعلم حالتئذ اى حالة إذ تعين حين الاتصال بهذه النشأة العنصرية مما يعلم الروح الإلهي الأصلي ما شاء الله ان يعلمه من علومه ومتى كشفت هذا السر عرفت سر قوله عليه السلام (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين) وسر قول ذى النون كما سبق وان شئت زيادة تحقيق هذا المقام فارجع الى مطالعة مفتاح الغيب للصدر القنوى قدس سره وقال فى التأويلات النجمية فى الآية اشارة الى ان أخذ المخلوقين يكون أخذ الشيء الموجود من الشيء الموجود وان أخذ الخالق تارة هو أخذ الشيء المعدوم من العدم كقوله خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً وتارة هو أخذ الشيء المعدوم من الشيء المعدوم كقوله وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ فكان بنوا آدم معدومين وظهورهم معدومين وذرياتهم معدومين فاخذ بكمال قدرته ذرياتهم المعدومة الى يوم القيامة من ظهورهم المعدومة من بنى آدم المعدومين فاوجدهم الله فى تلك الحالة وأعطاهم وجودا مناسبا لتلك الحالة فلما استخرج الله من ظهر آدم ذرات بنيه واستخرج من ظهورهم ذرات ذرياتهم المودعة فيها الى يوم القيامة والأرواح فى تلك الحالة جنود مجندة فى ثلاثة صفوف. الصف الاول أرواح السابقين. والصف الثاني أرواح اصحاب الميمنة. والصف الثالث أرواح اصحاب المشأمة تنورت الذرات بانوار أرواحها ولبست تلك الذرات الموجودة بالوجود الرباني لباس الوجود الروحاني ولبست الاسماع والابصار والافئدة لباسا روحانيا ثم خاطبهم الحق بخطاب ألست بربكم فسمع السابقون بسمع نورانى روحانى خطابه وشاهدوا بأبصار نورانية جماله واحبوه بافئدة روحانية ربانية نورانية بنور المحبة للقائه فاجابوه على المحبة فقالوا بلى أنت ربنا المحبوب والمعبود شهدنا اى شاهدنا محبوبيتك وربوبيتك فاخذ مواثيقهم ان لا يحبوا ولا يعبدوا الا إياه وسمع اصحاب الميمنة بسمع روحانى خطابه وطالعوا بابصار(3/275)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175)
روحانية جلاله وآمنوا بافئدة ربانية الهية فاجابوه على العبودية وقالوا بلى أنت ربنا المعبود سمعنا واطعنا فاخذ مواثيقهم ان لا يعبدوا الا إياه وسمع اصحاب المشأمة خطابه بسمع روحانى من وراء حجاب العزة وفى آذانهم وقر الغرة وعلى أبصارهم غشاوة الشقاوة وعلى افئدتهم ختم المحنة فاجابوه على الكلفة وقالوا بلى أنت ربنا سمعنا كرها فاخذ مواثيقهم على العبودية فالآن يرجع التفاوت بين الخليقة فى الكفر والايمان الى تفاوت الاستعدادات الروحانية والربانية فافهم جدا ثم اعلم انا لا نجد ان الله تعالى ذكر انه كلم أحدا وهو بعد فى العدم الا بنى آدم فانه كلمهم وهم غير موجودين وأجابوه وهم معدومون فجرى بالجود ما جرى لا بالوجود فهذا بدايتهم والى هذا تنتهى نهايتهم بان يكون الله تعالى هو سمعهم وأبصارهم وألسنتهم كما قال (كنت له سمعا وبصرا ولسانا فبى يسمع وبي يبصر وبي ينطق) والى هذا أشار الجنيد حين سئل ما النهاية قال الرجوع الى البداية انتهى كلام التأويلات النجمية باختصار وقد عرفت من هذا ان اهل الحقيقة جار فى هذا المسك على حقيقته لان من غلب روحانيته على جسمائيته يرى الأمر سهلا ولا يصعب عليه شىء خلافا لاهل الظاهر والمعتزلة أنكروا هذه الرواية وقالوا ان البينة شرط لحصول الحياة والعقل والفهم فتلك الذريات المأخوذة من ظهور بنى آدم لا يكون أحد منهم عالما فاهما عاقلا الا إذا حصل له قدر من الجسامة والبنية اللحمية والدموية وإذا كان كذلك فمجموع تلك الاشخاص الذين خرجوا الى الوجود من أول تخليق آدم الى قيام الساعة لا تحويهم عرصة الدنيا فكيف يمكن ان يقال انهم حصلوا باسرهم دفعة واحدة فى صلب آدم فانظر الى هذا القول الضعيف والرأى السخيف ولو قلت لهم هل يستطيع الله ان يجعل السموات والأرضين والجبال والشجر والماء فى بيضة من عير ان يزيد فى البيضة شيأ ومن غير ان ينقص من هذا شيأ لقالوا لا والعياذ بالله فعليك برعاية عهد ألست حتى ينكشف لك ما هو مستور عنك وعن امثالك وينجلى الغيب كالشمس فى مرآة بالك فتنظر كيف الصورة والمعنى والظهور والخفاء وَاتْلُ اقرأ يا محمد عَلَيْهِمْ اى على اليهود نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا اى خبره الذي له شأن وخطر فان النبأ خبر عن امر عظيم ومعنى آتيناه آياتنا اى علمناه دلائل الوهيتنا ووحدانيتنا وفهمناه تلك الدلائل وفيه اقوال والأنسب بمقام توبيخ اليهود ببهتانهم انه أحد علماء بنى إسرائيل كما فى الإرشاد او هو بلعم بن باعورا كما فى منهاج العابدين للامام الغزالي وقولهم انه من الكنعانيين الجبارين انما هو لكونه ساكنا فى دارهم والمرء ينسب الى منشأة ومولوده كما هو اللائح فافهم والأسلم فى تقرير القصة ما ذكره الحدادي فى تفسيره نقلا عن ابن عباس وابن مسعود حيث قال كان عابدا من عباد بنى إسرائيل وكان فى المدينة التي قصدها موسى عليه السلام وكان اهل تلك المدينة كفارا وكان عنده اسم الله الأعظم فسأله ملكهم ان يدعوا على موسى بالاسم الأعظم ليدفعه عن تلك المدينة فقال لهم دينه ودينى واحد وهذا شىء لا يكون وكيف ادعو عليه وهو نبى الله ومعه الملائكة والمؤمنون وانا اعلم من الله ما اعلم وانى ان فعلت ذلك أذهبت دنياى وآخرتي فلم يزالوا به يفتنونه بالمال والهدايا حتى فتنوه(3/276)
فافتتن قيل كان لبلعم امرأة يحبها ويطيعها فجمع قومه هدايا عظيمة فأتوا بها إليها وقبلتها فقالوا لها قد نزل بنا ماترين فكلمى بلعم فى هذا فقالت لبلعم ان لهؤلاء القوم حقا وجوارا عليك وليس مثلك يخذل جيرانه عند الشدائد وقد كانوا محسنين إليك وأنت جدير ان تكافئهم وتهتم بامرهم فقال لها لولا انى اعلم ان هذا الأمر من عند الله لاجبتهم فلم تزل به حتى صرفته عن رأيه فركب أتانا له متوجها الى الجبل ليدعو على موسى فما سار على الأتان الا قليلا فربضت فنزل عنها فضربها حتى كاد يهلكها فقامت فركبها فربضت فضربها فانطقها الله تعالى فقالت يا بلعم ويحك اين تذهب ألا ترى الى هؤلاء الملائكة امامى يردوننى عن وجهى فكيف أريد ان تذهب لتدعو على نبى الله وعلى المؤمنين فخلى سبيلها وانطلق حتى وصل الى الجبل وجعل يدعو فكان
لا يدعو بسوء إلا صرف الله به لسانه على قومه ولا يدعو بخير الا صرف الله به لسانه الى موسى فقال له قومه يا بلعم انما أنت تدعو علينا وتدعو له فقال هذا والله الذي أملكه وانطق الله به لسانى ثم امتد لسانه حتى بلغ صدره فقال لهم قد ذهبت والله منى الآن الدنيا والآخرة فلم يبق الا المكر والحيلة فسأمكر لكم واحتال حلوا النساء وزينوهن وأعطوهن الطيب وارسلوهن الى العسكر وأمروهن لا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها فانهم ان زنى منهم رجل واحد كفيتموهم ففعلوا فلما دخلت النساء المعسكر مرت امرأة منهم برجل من عظماء بنى إسرائيل فقام إليها وأخذ بيدها حين أعجبته بحسنها ثم اقبل بها الى موسى وقال له انى لأظنك ان تقول هذه حرام قال نعم هى حرام عليك لا تقربها قال فو الله لا نطيعك فى هذا ثم دخل بها قبة فوقع عليها فارسل الله على بنى إسرائيل الطاعون فى الوقت وكان فخاض بن العيزار صاحب امر موسى رجلا له بسطة فى الخلق وقوة فى البطش وكان غائبا حين صنع ذلك الرجل بالمرأة ما صنع فجاء والطاعون يجوس فى بنى إسرائيل فاخبر الخبر فاخذ حربته وكانت من حديد كلها ثم دخل على القبة فوجدهما متضاجعين فدفهما بحريته حتى انتظمهما بها جميعا فخرج بهما يحملهما بالحربة رافعا بهما الى السماء والحربة قد أخذها بذراعه واعتمد بمرفقه وأسند الحربة الى لحيته وجعل يقول اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك فرفع الطاعون من حينئذ عنهم فحسب من هلك من بنى إسرائيل فى ذلك الطاعون فوجدهم سبعين الفا فى ساعة من نهار وهو ما بين ان زنى ذلك الرجل بها الى ان قتل ثم ان موسى عليه السلام أفتاه يوشع بن نون حاربوا أهل تلك البلدة وغلبوهم وقتلوا منهم وأسروا وأتوا ببلعم أسيرا فقتل فجاؤا بما قبل من العطايا الكثيرة وغنموها فَانْسَلَخَ مِنْها اى من تلك الآيات انسلاخ الجلد من الشاة والحية ولم يخطرها بباله أصلا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ اتبع وتبع بمعنى واحد كاردف وردف. والمعنى ان الشيطان كان وراءه طالبا لإضلاله وهو يسبقه بالايمان والطاعة لا يدركه الشيطان ثم لما انسلخ من الآيات لحقه وأدركه فَكانَ [پس كشت آن داننده آيات] اى فصار مِنَ الْغاوِينَ من زمرة الضالين الراسخين فى الغواية بعد ان كان من المهتدين. والغى يذكر بمعنى الهلاك ويذكر بمعنى الخيبة وفى القاموس غوى ضل قال الامام الغزالي كان بلعم بن باعورا بحيث إذا(3/277)
وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)
نظر رأى العرش ولم يكن له الا زلة واحدة مال الى الدنيا وأهلها ميلة واحدة ولم يترك لولى من أوليائه حرمة واحدة فسلبه معرفته وكان فى أول امره بحيث يكون فى مجلسه اثنا عشر الف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه ثم صار بحيث كان أول من صنف كتابا ان ليس للعالم صانع نعوذ بالله من سخطه انتهى فلا يأمن السالك المحق مكر الله ولو بلغ أقصى مقامات الأنبياء والمرسلين فلا يغلق على نفسه أبواب المجاهدات والرياضات ومخالفات النفس وهواها فى كل حال كما كان حال النبي عليه السلام والائمة الراشدين والصحابة والتابعين وائمة السلف والمشايخ المتقدمين ولا يفتح على نفسه التنعم والتمتع الدنيوي فى المأكل والمشرب والملبس والمنكح والمركب والمسكن لانه كما ان لله تعالى فى مكامن الغيب للسعداء الطافا خفية مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كذلك له فيها بلايا لهم فليحترز السالك الصادق بل البالغ الواصل والكامل الحاذق من ان يتعرض لتلك البلايا بالتوسع فى الدنيا والتبسط فى الأحوال وتتبع الهوى كما فى التأويلات النجمية قال الكاشفى [شيخ الإسلام فرمود تا باد تقدير از كجا بر آيد و چهـ بو العجبى نمايد اگر از جانب فضل وزد زنار بهرام كبر را كمر عشقبازى راه دين كرداند واگر از طرف عدل وزد توحيد بلعم را بر انداخته با سك خسيس برابرى دهدى]
انرا برى از صومعه بر دير كبران افكنى ... وين را كشى از بتكده سر حلقه مردان كنى
چون و چرا در كار تو عقل زبونرا كى رسد ... فرمان ده مطلق تويى حكمى كه خواهى آن كنى
وَلَوْ شِئْنا رفعه لَرَفَعْناهُ الى منازل الأبرار من العلماء بِها اى بسبب تلك الآيات وملازمتها وقال بعضهم هى صحف ابراهيم عليه السلام وكان بلعم قد قرأها او الكلمات التي اشتملت على الاسم الأعظم وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ اى مال الى الدنيا فلم نشأ رفعه لمباشرته لسبب نقيضه. والإخلاد الى الشيء الميل اليه مع الاطمئنان وعبر عن الدنيا بالأرض لان ما فيها من العقار والرباع كلها ارض وسائر متاعها مستخرج من الأرض والإخلاد الى الأرض كناية عن الاعراض عن ملازمة الآيات والعمل بمقتضاها والكناية ابلغ من التصريح وَاتَّبَعَ هَواهُ فى إيثار الدنيا واسترضاه قومه فانحط ابلغ انحطاط وارتد أسفل سافلين والى ذلك أشير بقوله تعالى فَمَثَلُهُ اى فصفته التي هى مثل فى الخسة والرذالة.
والمثل لفظ مشترك بين الوصف وبين ما يضرب مثلا والمراد هاهنا الوصف كذا فى البحر كَمَثَلِ الْكَلْبِ اى كصفته فى اخس أحواله وهو إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ [اگر حمله كنى برو وبرانى او را] والخطاب لكل أحد ممن له حظ من الخطاب فانه ادخل فى اشاعة فظاعة حاله يَلْهَثْ اللهث ادلاع اللسان اى إخراجه بالنفس الشديد أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ اى يلهث دائما سواء حمل عليه بالزجر والطرد او ترك ولم يتعرض له فان فى الكلاب طبعا لا تقدر على نفض الهواء السخن وجلب الهواء البارد بسهولة لضعف قلبها وانقطاع فؤادها بخلاف سائر الحيوانات فانها لا تحتاج الى التنفس الشديد ولا يلحقها الكرب والمضايقة الا عند التعب والاعياء فكما ان الكلب دائم اللهث ضيق الحال فكذا هذا الكافر ان زجرته(3/278)
سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)
ووعظته لم ينزجر ولم يتعظ وان تركته لم يهتد ولم يعقل فهو متردد الى ما لا غاية وراءه فى الحسة والدناءة فانظر حب الدنيا وشؤمها ماذا يجلب للعلماء خاصة وفى الحديث (من ازداد علما ولم يزدد هدى لم يزدد من الله تعالى الا بعدا) والنعمة انما تسلب ممن لا يعرف قدرها وهو الكفور الذي لا يؤدى شكرها وكما ان الكلب لا يعرف الإكرام من الاهانة والرفعة والشرف من الحقارة وانما الكرامة كلها عنده فى كسرة يطعمها او عراق مائدة يرمى اليه سواء تقعده على سرير معك او فى التراب والقذر فكذا العبد السوء لا يعرف قدر الكرامة ويجهل حق النعمة فينسلخ عن لباس الفضل والكرم ويرتدى برداء القهر والمكر قال فى التأويلات النجمية فلا يغترن جاهل مفتون بان اتباع الهوى لا يضره فان الله تعالى حذر الأنبياء عن اتباع الهوى وأوعدهم عليه بالضلال كقوله يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: قال الحافظ
مباش غره بعلم وعمل فقيه مدام ... كه هيچكس ز قضاى خداى جان نبرد
ذلِكَ اى ذلك المثل السيّء مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وهم اليهود وكما ان بلعم بعد ما اوتى آيات الله انسلخ منها ومال الى الدنيا حتى صار كالكلب كذلك اليهود بعد ما أوتوا التوراة المشتملة على نعت الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر القرآن المعجز وبشرى الناس باقتراب مبعثه وكانوا يستفتحون به انسلخوا مما اعتقدوا فى حقه وكذبوه وحرفوا اسمه فَاقْصُصِ الْقَصَصَ [پس بخوان بر ايشان اين خبر را] والقصص مصدر سمى به المفعول كالسلب واللام للعهد لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ راجيا تفكرهم تفكرا يؤدى بهم الى الاتعاظ ساءَ مَثَلًا ساء بمعنى بئس ومثلا تمييز من الفاعل المضمر فى ساء مفسر له الْقَوْمُ مخصوص بالذم بتقدير المضاف لوجوب التصادف بينه وبين الفاعل والتمييز اى ساء مثلا مثل القوم وبئس الوصف وصف القوم قال الحدادي وهذا السوء انما يرجع الى فعلهم لا الى نفس المثل كأنه قال ساء فعلهم الذي جلب إليهم الوصف القبيح فاما المثل فهو من الله حكم وصواب الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا بعد قيام الحجة عليها وعلمهم بها وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ اى ما ظلموا بالتكذيب الا أنفسهم فان وباله لا يتخطاها مَنْ يَهْدِ اللَّهُ اى يخلق فيه الاهتداء فَهُوَ الْمُهْتَدِي لا غير كائنا من كان وانما العظة والتذكير من قبيل الوسائط العادية فى حصول الاهتداء من غير تأثير لها فيه سوى كونها دواعى الى صرف العبد اختياره نحو تحصيله وَمَنْ يُضْلِلْ بان لم يخلق فيه الاهتداء بل خلق الله فيه الضلالة لصرف اختياره نحوها فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ اى الكاملون فى الخسران لا غير وفيه اشارة الى ان من أدركته العناية ولحقته الهداية اليوم لم ينزل عن المراتب العلوية الى المدارك السفلية فهم الذين أصابهم رشاش النور الذي رش عليهم من نوره ومن خذله حتى اتبع هواه فاضله الهوى عن سبيل الله فهم الذين اخطأهم ذلك النور ولم يصبهم فوقعوا فى الضلالة والخسران وكان سفيان الثوري يقول اللهم سلم سلم كأنه فى سفينة يخشى الغرق ولما قدم البشير على يعقوب عليه السلام(3/279)
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)
قال على أي دين تركته قال على دين الإسلام قال الآن تمت النعمة وقيل ما من كلمة أحب الى الله تعالى ولا ابلغ عنده فى الشكر من ان يقول العبد الحمد لله الذي أنعم علينا وهدانا الى الإسلام وإياك ان تغفل عن الشكر وتغتر بما أنت عليه فى الحال من الإسلام والمعرفة والتوفيق والعصمة فانه مع ذلك لا موضع للامن والغفلة فان الأمور بالعواقب قال بعض العارفين ان بعض الأنبياء عليهم السلام سأل الله تعالى عن امر بلعم وطرده بعد تلك الآيات والكرامات فقال الله تعالى لم يشكرنى يوما من الأيام على ما أعطيته ولو شكرنى على ذلك مرة لما سلبته فمن كان له جوهر نفيس يمكنه ان يأخذ فى ثمنه الف الف دينار فباعه بفلس أليس يكون ذلك خسرانا عظيما وغبنا فظيعا ودليلا بينا على خسة الهمة وقصور العلم وضعف الرأى وقلة العقل فتيقظ حتى لا تذهب عنك الدنيا والآخرة وتنبه فان الأمر خطير والعمر قصير وفى العمل تقصير والناقد بصير فان ختم الله بالخير اعمالنا وأقال عثراتنا فما ذلك عليه بعسير اللهم حقق رجاء عبدك الفقير وَلَقَدْ ذَرَأْنا اى وبالله قد خلقنا قال فى القاموس ذرأ كجعل خلق والشيء كثر ومنه الذرية مثلثة لنسل الثقلين لِجَهَنَّمَ اى لدخولها والتعذيب بها وهى سجن الله فى الآخرة سميت جهنم لبعد قعرها يقال بئر جهنام إذا كانت بعيدة القعر وهى تحتوى على حرور وزمهرير ففيها الحر والبرد على أقصى درجاتهما وبين أعلاها وقعرها خمس وسبعون مائة من السنين كَثِيراً كائنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يعنى المصرين على الكفر فى علم الله تعالى فاللام فى لجهنم للعاقبة لان من علم الله ان يصر على الكفر باختياره فهو يصير من اهل النار. والجن أجسام هوائية قادرة على التشكل باشكال مختلفة لها عقول وإفهام وقدرة على الأعمال الشاقة وهى خلاف الانس سميت بذلك لاستجنانهم واستتارهم عن العيون يقال جنه الليل ستره والانس البشر كالانسان من آنس الشيء أبصره وقدم الجن على الانس لانهم اكثر عددا واقدم خلقا ولان لفظ الانس أخف بمكان النون الخفيفة والسين المهموسة فكان الأثقل اولى باول الكلام من الأخف لنشاط المتكلم وراحته والإجماع على ان الجن متعبدون بهذه الشريعة على الخصوص وان نبينا صلى الله عليه وسلم مبعوث الى الثقلين ولا شك انهم مكلفون فى الأمم الماضية كما هم مكلفون فى هذه الامة لقوله تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ وجمع الفريقين انما هو باعتبار استعدادهم الكامل الفطري للعبادة والسعادة والألم يصح التكليف عليهم فان قلت ما الحكمة فى ان الله تعالى جعل الكفار اكثر من المؤمنين قلت ليريهم انه مستغن عن طاعتهم وليظهر عز المؤمنين فيما بين ذلك لان الأشياء تعرف بأضدادها والشيء إذا قل وجوده عز فان قلت ان رحمته غلبت غضبه فيقتضى الأمر ان يكون اهل الرحمة اكثر من اهل الغضب واهل الغضب تسع وتسعون وتسعمائة من كل الف وواحد يؤخذ للجنة قلت هذه الكثرة بالنسبة الى بنى آدم واما بالنسبة الى الملائكة واهل الجنة فكثير لان بنى آدم قليل بالنسبة الى الملائكة والحور والغلمان فيكون اهل الرحمة اكثر من اهل الغضب وقيل اكثر الكفار بشارة للاخيار بكثرة الفداء لانه ورد فى الخبر الصحيح (ان كل مؤمن يأخذ كافرا بناصيته ويرميه الى النار فداء عن نفسه) وفى الحديث (ان الله لما زرأ لجهنم ما زرأ كان ولد الزنى ممن(3/280)
زرأ لجهنم) قال فى المقاصد حديث (لا يدخل الجنة ولد زنية) ان صح فمعناه إذا عمل بمثل عمل أبويه واتفقوا على انه لا يحمل على ظاهره وقيل فى تأويله ايضا ان المراد به من يواظب الزنى كما يقال للشهود بنوا الصحف وللشجعان بنوا الحرب ولاولاد المسلمين بنوا الإسلام واتفق المشايخ من اهل الوصول ان ولد الزنى لا يكون أهلا للولاية الخاصة لَهُمْ قُلُوبٌ فى محل النصب على انه صفة اخرى لكثيرا لا يَفْقَهُونَ بِها فى محل الرفع على انه صفة لقلوب اى لا يعقلون بها إذ لا يلقونها الى معرفة الحق والنظر فى دلائله والقلب كالمرآة يصدأ من الإنكار والغفلة وجلاؤه التصديق والانابة: قال السعدي قدس سره
غبار هوا چشم عقلت بدوخت ... سموم هوا كشت عمرت بسوخت
بكن سرمه غفلت از چشم پاك ... كه فردا شوى سرمه در چشم خاك
وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها اى لا ينظرون الى ما خلق الله نظر اعتبار
دو چشم از پى صنع بارى نكوست ... ز عيب برادر فرو كير ودوست
وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها الآيات والمواعظ سماع تأمل وتذكر
كذركاه قرآن وبندست كوش ... به بهتان وباطل شنيدن مكوش
أُولئِكَ الموصوفون بالأوصاف المذكورة كَالْأَنْعامِ [مانند چهارپايانند] فى عدم الفقه والابصار للاعتبار والاستماع للتدبر اوفى ان مشاعرهم وقواهم متوجهة الى اسباب التعيش مقصورة عليها. والانعام جمع نعم بالتحريك وقد يسكن عينه وهى الإبل والشاة او خاص بالإبل كذا فى القاموس بَلْ هُمْ أَضَلُّ بل للاضراب وليس ابطالا بل هو انتقال من حكم وهو التشبيه بالانعام الى حكم آخر وهو كونهم أضل من الانعام طريقا فانها تدرك ما يمكن لها ان تدرك من المنافع والمضار وتجهد فى جلبها ودفعها غاية جهدها وهم ليسوا كذلك وهى بمعزل من الخلود وهم يتركون النعيم المقيم ويقدمون على العذاب الخالد وقيل لانها تعرف صاحبها وتذكره وتطيعه وهؤلاء لا يعرفون ربهم ولا يذكرونه ولا يطيعونه وفى الخبر (كل شىء أطوع لله من بنى آدم)
دريغ آدمي زاده پر محل ... كه باشد چوانعام بل هم أضل
أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ عن امر الآخرة وما أعد فيها للعصاة وفى الإنسان جهة روحانية وجهة جسمانية وقد ركب فيه عقل وشهوة فان كان عقله غالبا على هواه كان أفضل من الملائكة وان كان مغلوبا للنفس والهوى كان أخس وأرذل من البهائم: كما قيل فى هذا المعنى
بهره از ملكت هست ونصيبى از ديو ... ترك ديويى كن وبگذر بفضيلت ز ملك
واعلم ان الله تعالى خلق الخلق أطوارا. فخلق طورا منها للقرب والمحبة وهم اهل الله وخاصته إظهارا للحسن والجمال وكانوا به يسمعون كلامه وبه يبصرون جماله وبه يعرفون كماله. وخلق طورا منها للجنة ونعميها إظهارا للطف والرحمة فجعل لهم قلوبا يفقهون بها دلائل التوحيد والمعرفة وأعينا يبصرون بها آيات الحق. وخلق طورا منها للنار وجحيمها وهم اهل النار إظهارا للقهر والعزة أولئك كالانعام لا يحبون الله ولا يطلبونه بل هم أضل لانه لم يكن للانعام(3/281)
وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)
استعداد المعرفة والطلب وانهم كانوا مستعدين للمعرفة والطلب فابطلوا الاستعداد الفطري للمعرفة والطلب بالركون الى شهوات الدنيا وزينتها واتباع الهوى فباعوا الآخرة بالأولى والدين بالدنيا وتركوا طلب المولى فصاروا أضل من الانعام لا فساد الاستعداد أولئك هم الغافلون عن الله وكمالات اهل المعرفة وعزتهم كما قال فى التأويلات النجمية قدس الله سره وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى تأنيث الأحسن اى الأسماء التي هى احسن الأسماء وأجلها لانها دالة على معانى هى احسن المعاني وأشرفها والمراد بها الألفاظ الدالة الموضوعة على المعاني المختلفة دل على ان الاسم غير المسمى ولو كان هو المسمى لكان المسمى عدد الأسماء وهو محال قال الامام الغزالي الحق ان الاسم غير التسمية وغير المسمى فان هذه ثلاثة اسماء متباينة غير مترادفة فَادْعُوهُ بِها فسموه بتلك الأسماء واذكروه بها وفى الحديث (ان لله تسعة وتسعين اسما مائة الا واحدا من أحصاها دخل الجنة هو الله الذي لا اله الا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلى الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوى المتين الولي الحميد المحصى المبدئ المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الاول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغنى المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور) واستحسن المشايخ المتقدمون ان يبدأ اولا ويقول اللهم انى اسألك يا رحمن يا رحيم الى آخره فيجيىء بجميع الأسماء بحرف النداء ثم يقول فى آخر الكل ان تصلى على محمد وآله وان ترزقنى وجميع من يتعلق بي بتمام نعمك ودوام عافيتك يا ارحم الراحمين كما فى الاسرار المحمدية قال عبد الرحمن البسطامي فى ترويح القلوب ان العارفين يلاحظون فى الأسماء آلة التعريف واصل الكلمة. والملامية يطرحون منها آلة التعريف لانها زائدة على اصل الكلمة ومن السر المكنون فى الدعاء ان تأخذ حروف الأسماء التي تذكر بها مثل قولك الكبير المتعال ولا تأخذ الالف واللام بل تأخذ كبير متعال وتنظر كم لها من الاعداد بالجمل الكبير فتذكر ذلك العدد فى موضع خال من الأصوات بالشرائط المعتبرة عند اهل الخلوات لا تزيد على العدد ولا تنقص منه فانه يستجاب لك للوقت وهو الكبريت الأحمر بإذن الله تعالى فان الزيادة على العدد المطلوب إسراف والنقص منه إخلال والعدد فى الذكر بالأسماء كأسنان المفتاح لانها ان زادت او نقصت لا تفتح باب الاجابة البتة فافهم السر وحسن الدر واعلم انه لما كانت المقامات الدنية ثلاثة. مقام الإسلام. ومقام الايمان. ومقام الإحسان. ومراتب الجنان(3/282)
المرتبة على الإحصاء لاهل الدين ثلاثا. جنة الأعمال. وجنة الميراث. وجنة الامتنان لا جرم كانت انواع الإحصاء ثلاثة. التعلق فى مقام الإسلام. والتخلق فى مقام الايمان. والتحقق فى مقام الإحسان فاحصاؤها بالتعلق فى مقام الإسلام هو ان يتطلب السالك آثار كل اسم منها فى نفسه وبدنه وجميع فواه وأعضائه واجزائه وجزئياته فى جميع حالاته وهيآته النفسانية والجسمانية وفى جملة تطوراته وانواع ظهوراته فيرى جميع ذلك من احكام هذه الأسماء وآثارها فيقابل كل اثر بما يليق به كمقابلة الانعام بالشكر والبلاء بالصبر وغير ذلك فبمثل هذا الإحصاء يدخل جنة الأعمال التي هى محل ستر الأغراض الزائلة بالأعيان الثابتة الباقية وهى التي اخبر عنها ابراهيم الخليل عليه السلام بانها قيعان وان غراسها سبحان الله والحمد لله واحصاؤها بالتخلق فى مقام الايمان يكون بتطلع الروح الروحانية الى حقائق هذه الأسماء ومعانيها ومفهوماتها والتخلق بكل اسم منها على نحو ما امر به من قوله عليه السلام (تخلقوا بأخلاق الله) بحيث يكون المتخلق هو عين ذلك الاسم اى بنفعل عنه ما ينفعل عن ذلك الاسم فبمثل هذا الإحصاء يدخل هذا المتخلق جنة الميراث التي هى أعلى من الجنة الاولى بل هى باطنها المنزل منها بمنزلة عالم الملكوت من عالم الملك وهى المشار إليها بقوله عليه السلام (ما منكم من أحد إلا وله منزل فى الجنة ومنزل فى النار فاذا مات ودخل النار ورث منزله اهل
الجنة وان شئتم فاقرأوا أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) واحصاؤها بالتحقق فى مقام الإحسان يكون بالتقوى والانخلاع عما قام بك او ظهر فيك من الصور والمعاني المتسمة بسمة الحدوث والاستتار بسبحات الحضرة الحقية والاحتجاب بسجف أستارها وأعيانها: كما قال
تسترت عن دهرى بظل جناحه ... بحيث ارى دهرى وليس يرانى
فلو تسأل الأيام ما اسمى مادرت ... واين مكانى مادرين مكانى
فبمثل هذا الإحصاء يدخل المتحقق جنة الامتنان التي هى محل سرغيب الغيب المشار إليها بقوله عليه الصلاة والسلام (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) وإليها الاشارة ايضا بقوله تعالى إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) قال ابن ملك من أحصاها اى من أطاق القيام بحق هذه الأسماء وعمل بمقتضاها بان وثق بالرزق إذا قال الرزاق وعلم ان الخير والشر من الله تعالى إذا قال الضار النافع فشكر على المنفعة وصبر على المضرة وعلى هذا سائر الأسماء وقيل معناه من عقل معانيها وصدقها وقيل معناه من عدها كلمة كلمة تبركا وإخلاصا وقال البخاري المراد به حفظها وهذا هو الأظهر لانه جاء فى الرواية الاخرى من حفظها مكان من أحصاها انتهى ولا يظن ان اسماء الله تعالى منحصرة فى هذا المقدار بل هى أشهر الأسماء ويجوز ان تتفاوت فضيلة اسماء الله تعالى بتفاوت معانيها كالجلال والشرف ويكون التسعة والتسعون منها تجمع أنواعا للمعانى المنبئة عن الجلال لا يجمع ذلك غيرها فتختص بزيادة شرف ويدل على ان اسماء الله تعالى كثيرة قوله عليه السلام (ما أصاب أحدا هم ولا حزن فقال اللهم انى عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتى بيدك ماض فىّ حكمك اسألك(3/283)
بكل اسم هو لك سميت به نفسك او أنزلته فى كتابك او علمته أحدا من خلقك او استأثرت به فى علم الغيب عندك ان تجعل القرآن ربيع قلبى ونور صدرى وجلاء حزنى وذهاب همى الا اذهب الله عنه كل همه وحزنه وأبدل مكانه فرحا) وعن بريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول اللهم انى اسألك بانك أنت الله لا اله الا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال صلى الله تعالى عليه وسلم (دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به اعطى وإذا دعى به أجاب) واعلم ان اسم الله أعظم الأسماء التسعة والتسعين لانه دال على الذات الجامعة لصفات الالهية كلها حتى لا يشذ منها شىء وسائر الأسماء لا يدل آحادها الا على آحاد المعاني من علم او قدرة او فعل او غيره ولانه أخص الأسماء إذ لا يطلقه أحد على غيره لا حقيقة ولا مجازا وسائر الأسماء قد يسمى بها غيره كالقادر والعليم والرحيم وغيرها وقد جعل العلماء من خصائص هذا الاسم انه ينسب جميع اسماء الحق اليه كما قال الله تعالى وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى قال حضرة شيخنا العلامة أبقاه الله بالسلامة فى بعض تحريراته واعلم ان الهوية الالهية السارية فى جميع المراتب تعينت اولا فى مرتبة الحياة تعين تلك المرتبة بالاولية الكبرى فتعينت نسبة عالم الغيب ثم فى مرتبة العلم تعينت تلك المرتبة ثانيا بالآخرية العظمى فتعينت نسبة عالم المعاني ثم فى مرتبة الارادة بصورة تلك المرتبة تعينت ثالثا بالظاهرية الاولى فتعينت نسبة عالم الأرواح ثم فى مرتبة القدرة تعينت تلك المرتبة رابعا بالباطنية الاولى فتعينت نسبة عالم الشهادة هو الحي العليم المريد القدير وهو الاول والآخر والظاهر والباطن وبذلك السريان ظهرت الحقائق الأربع التي هى أمهات جميع الحقائق والأسماء الالهية الكلية التي هى تسعة وتسعون او الف وواحد وتلك الحقائق الكلية تعينت من دوران تعين الأمهات الأربع فى عوالمها الاربعة فبضرب الاربعة فى الاربعة كانت ستة عشر ثم باعتبار الظهور والبطون صارت اثنين وثلاثين ثم باعتبار احدية جمع الجميع كانت ثلاثا وثلاثين ثم باعتبار دوران تعينها بعالم السمع ورتبة البصر ورتبة الكلام فيها صارت تسعة وتسعين ثم باعتبار احدية جمع الجميع كانت مائة لذلك سن رسول الله عليه السلام فى دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين تسبيحة وثلاثا وثلاثين تحميدة وثلاثا وثلاثين تكبيرة ثم تمم المائة بقوله لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير ثم كانت الفا باعتبار تعيناتها فى الحضرات الخمس من جهة الظهور والبطون حاصلة من ضرب المائة فى العشرة الكائنة من تلك الحضرات الخمس باعتبار ظواهرها وبواطنها ثم باعتبار احدية جمع الجميع كانت الفا وواحدا فامهات الأسماء والحقائق سبع وكلياتها تسع وتسعون او الف
وواحد وجزئيات تلك الأسماء الحسنى لا تعد ولا تحصى انتهى باختصار وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ الإلحاد واللحد الميل والانحراف عن القصد اى واتركوا الذين يميلون فى شأنها عن الحق الى الباطل اما بان يسموه تعالى بما لم يسم به نفسه ولم ينطق به كتاب سماوى ولا ورد فيه نص نبوى او بما يوهم معنى فاسدا وان كان له محمل شرعى كما فى قول اهل البدو يا أبا المكارم يا ابيض الوجه فان أبا المكارم وان كان عبارة عن المستجمع لصفات الكمال الا انه يوهم معنى لا يصح فى شأنه تعالى وكذا(3/284)
ابيض الوجه وان كان عبارة عن تقدس ذاته عن النقائص المكدرة الا انه يوهم معنى فاسدا فالمراد بالترك المأمور به الاجتناب عن ذلك وبأسمائه ما اطلقوه عليه تعالى وسموه به على زعمهم لا أسماؤه حقيقة واما بان يعدلوا عن تسميته تعالى ببعض أسمائه الكريمة كما قالوا وما الرحمن ما نعرف سوى رحمان اليمامة. فالمراد بالترك الاجتناب ايضا. وبالأسماء أسماؤه تعالى حقيقة فالمعنى سموه تعالى بجميع الأسماء الحسنى واجتنبوا إخراج بعضها من البعض- روى- ان رجلا من الصحابة دعا الله تعالى فى صلاته باسم الله وباسم الرحمن فقال رجل من المشركين أليس يزعم محمد وأصحابه انهم يعبدون ربا واحدا فما بال هذا الرجل يدعو ربين اثنين فانزل الله تعالى هذه الآية فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (ادعوا الله او ادعوا الرحمن رغما لانوف المشركين) فان تعدد الاسم لا يستلزم تعدد المسمى سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى اجتنبوا الحادهم كيلا يصيبكم ما أصابهم فانه سينزل بهم عقوبة الحادهم فقوله وَذَرُوا الَّذِينَ إلخ معناه واتركوا تسمية الزائغين فيها بتقدير المضاف إذ لا معنى لترك نفس الملحدين وقال بعض العلماء المراد بالأسماء الا لحسنى الصفات العلى فان لفظ الاسم قد يطلق على ما يسمونه الذات من صفاتها العظام يقال طار اسمه فى الآفاق اى انتشرت صفته ونعته فكأنه قيل ولله الأوصاف قال فى التأويلات النجمية وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يشير الى ان اسم الله له بمثابة اسم العلم للخلق وهو اسم ذاته تبارك وتعالى والباقي من الأسماء هو اسماء الصفات لانه قال ولله الأسماء الحسنى فاضاف الأسماء الى اسم الله وأسماؤه كلها مشتقة من صفاته الا اسم الله فانه غير مشتق عندنا وعند الأكثرين لانه اسم الذات فكما ان ذاته تعالى غير مخلوق من شىء كذلك اسمه غير مشتق من شىء فان الأشياء مخلوقة فاسماء صفاته تعالى بعضها مشتق من الصفات الذاتية فهو غير مخلوق وبعضها مشتق من صفات الفعل فهو مخلوق لان صفات الذات كالحياة والسمع والبصر والكلام والعلم والقدرة والارادة والبقاء قديمة غير مخلوقة وصفات الفعل مخلوقة تضاف اليه عند الإيجاد فلما أوجد الخلق وأعطاهم الرزق سمى خالقا ورازقا الا انه تعالى كان فى الأزل قادرا على الخالقية والرازقية فقوله ولله الأسماء الحسنى اى الصفات الحسنى فَادْعُوهُ بِها اى فادعوا الله بكل اسم مشتق من صفة من صفاته بان تتصفوا وتتخلقوا بتلك الصفة فالاتصاف بها بالأعمال والنيات الصالحات كصفة الخالقية فان الاتصاف بها بان تكون مناكحته للتوالد والتناسل بخلاف الخالق كما قيل لحكيم وهو يواقع زوجته ما تعمل قال ان تم فانسان. والاتصاف بصفة الرازقية بان ينفق ما رزقه الله على المحتاجين ولا يدخر منه شيأ وعلى هذا فقس البواقي.
واما التخلق بها فالاحوال وذلك بتصفية مرآة القلب ومراقبته عن التعلق بما سوى الله والتوجه اليه ليتجلى له بتلك الصفات فيتخلق بها وهذا تحقيق قوله (كنت له سمعا وبصرا فى يسمع وبي يبصر) وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ اى يميلون فى صفاته اى لا يتصفون بها وتسميته تعالى باسم لم يسم به نفسه ايضا من الإلحاد كما يسمونه الفلاسفة بالعلة الاولى والموجب بالذات يعنون به انه تعالى غير مختار فى فعله وخلقه وإيجاده تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. ومن وصفه تعالى بوصف او بصفة لم يرد بها النص فايضا الحاد سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ(3/285)
وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)
يعنى سيجزون الخذلان ليعملوا بالطبع والهوى ما كانوا يعملون بالإلحاد فى الأسماء والصفات انتهى كلام التأويلات پيچيده شود بپاى هر كس عملش قال الحافظ
دهقان سالخورده چهـ خوش گفت با پسر ... اى نور چشم من بجز از كشته ندروى
وَمِمَّنْ خَلَقْنا اعلم ان الله تعالى كما جعل من قوم موسى ائمة هادين مهديين كما قال وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ جعل من هذه الامة المرحومة ايضا كذلك فقال وممن خلقنا ومحل الظرف الرفع على انه مبتدأ اما باعتبار مضمونه او تقدير الموصوف وما بعده خبره اى وبعض من خلقنا او وبعض ممن خلقنا أُمَّةٌ اى طائفة كثيرة يَهْدُونَ الناس ملتبسين بِالْحَقِّ اى محقين او يهدونهم بكلمة الحق ويدلونهم على الاستقامة وَبِهِ اى وبالحق يَعْدِلُونَ اى يحكمون فى الحكومات الجارية فيما بينهم ولا يجورون فيها وعنه عليه الصلاة والسلام (ان من أمتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى) والمراد لا يخلوا الزمان منهم وفى الحديث (لا تقوم الساعة حتى لا يقال فى الأرض الله الله) قال الشيخ الكبير صدر الدين القنوى قدس سره أكده بالتكرار ولا شك ان لا يذكر الله ذكرا حقيقيا وخصوصا بهذا الاسم الأعظم الجامع المنعوت بجميع الأسماء الا الذي يعرف الحق بالمعرفة التامة وأتم الخلق معرفة بالله فى كل عصر خليفة الله وهو كامل ذلك العصر فكأن يقول صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة وفى الأرض انسان كامل وهو المشار اليه بانه العمد المعنوي الماسك وان شئت قلت الممسك لاجله فاذا انتقل انشقت السماء وكورت الشمس وانكدرت النجوم ونشرت الصحف وسيرت الجبال وزلزلت الأرض وجاءت القيامة انتهى كلامه فى الفكوك ورووا عن ابن مسعود رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان لله فى الأرض ثلاثمائة قلوبهم على قلب آدم وله أربعون قلوبهم على قلب موسى وله سبعة قلوبهم على قلب ابراهيم وله خمسة قلوبهم على قلب جبريل وله ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل وله واحد قلبه على قلب اسرافيل فاذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة وإذا مات من الثلاثة أبدل الله مكانه من الخمسة وإذا مات من الخمسة أبدل الله مكانه من السبعة وإذا مات من السبعة أبدل الله مكانه من الأربعين وإذا مات من الأربعين أبدل الله مكانه من الثلاثمائة وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله مكانه من العامة يدفع الله بهم البلاء عن هذه الامة) والواحد المذكور فى هذا الحديث هو القطب وهو الغوث ومكانه ومكانته من الأولياء كالنقطة من الدائرة التي هى مركزها به يقع صلاح العالم ورووا عن ابى الدرداء انه قال (ان لله عبادا يقال لهم الابدال لم يبلغوا ما بلغوا بكثرة الصوم والصلاة والتخشع وحسن الحلية ولكن بلغوا بصدق الورع وحسن النية وسلامة الصدور والرحمة لجميع المسلمين اصطفاهم الله بعلمه واستخلصهم لنفسه وهم أربعون رجلا على مثل قلب ابراهيم لا يموت الرجل منهم حتى يكون الله قد انشأ من يخلفه) واعلم انهم لا يسبون شيأ ولا يلعنونه ولا يؤذون من تحتهم ولا يحقرونه ولا يحسدون من فوقهم أطيب الناس خبرا وألينهم عريكة وأسخاهم نفسا لا تدركهم الخيل المجراة ولا الرياح العواصف فيما بينهم وبين ربهم انما قلوبهم(3/286)
تصعد فى السقوف العلى ارتياحا الى الله تعالى فى استباق الخيرات أولئك حزب الله ألا ان حزب الله ألا ان حزب الله هم المفلحون انتهى كلامه فى روض الرياحين للامام اليافعي رحمه الله تعالى واعلم ان اهل الحق انما نالوا ما نالوا بهدايتهم للناس وعدلهم فيما بين الخلق بعد ما كانوا مهديين وعادلين فى أنفسهم- وروى- عن عبد الله بن المبارك انه كان يتجر ويقول لولا خمسة ما اتجرت السفيانان وفضيل وابن السماك وابن علية ليصلهم فقدم سنة فقيل له قد ولى ابن علية القضاء فلم يأته ولم يصله بشىء فاتاه ابن علية فلم يرفع رأسه اليه ثم كتب اليه ابن المبارك
يا جاعل العلم له بازيا ... يصطاد اموال المساكين
احتلت للدنيا ولذاتها ... بحيلة تذهب بالدين
فصرت مجنونا بها بعد ما ... كنت دواء للمجانين
اين رواياتك فى سردها ... لترك أبواب السلاطين
ان قلت أكرهت فذا باطل ... زلّ حمار العلم فى الطين
فلما وقف إسماعيل بن علية على الأبيات ذهب الى الرشيد ولم يزل به الى ان استعفاه من القضاء فاعفاه ونعم ما قيل
ابو حنيفة قضا نكرد وبمرد ... تو بميرى اگر قضا نكنى
وقيل اعدل تكن من صروف الدهر ممتنعا ... فالصرف ممتنع للعدل فى عمر
والعدل من اسماء الله تعالى ومعناه العادل وهو الذي يصدر منه فعل العدل المضاد للجور والظلم ولن يعرف العادل من لم يعرف عدله ولا يعرف عدله من لم يعرف فعله وحظ العبد من العدل لا يخفى وأول ما عليه من العدل فى صفات نفسه هو ان يجعل الشهوة والغضب اسيرين تحت اشارة العقل والدين ومهما جعل العقل خادما للشهوة والغضب فقد ظلم نفسه هذا جملة عدله فى نفسه. وتفصيله مراعاة حدود الشرع كله وعدله فى كل عضو ان يستعمله على الوجه الذي اذن الشرع فيه. واما عدله فى اهله وذويه ثم فى رعيته ان كان من اهل الولاية فلا يخفى وربما ظن ان الظلم هو الإيذاء والعدل هو إيصال النفع الى الناس وليس كذلك بل لو فتح الملك خزائنه المشتملة على الاسلحة والكتب وفنون الأموال ولكن فرق الأموال على الأغنياء ووهب الاسلحة للعلماء وسلم إليهم القلاع ووهب الكتب للاجناد واهل القتال وسلم إليهم المساجد والمدارس فقد نفع ولكنه قد ظلم وعدل عن العدل إذ وضع كل شىء فى غير موضعه اللائق به ولو آذى المريض بسقى الادوية والحجامة والفصد بالإجبار عليه وآذى الجناة بالعقوبة قتلا وقطعا وضربا كان عادلا لانه وضعها فى موضعها وحظ العبد دينا من هذا الوصف انه لا يعترض على الله تعالى فى تدبيره وحكمه وسائر أفعاله وأفق مراده او لم يوافق لان كل ذلك عدل وهو كما ينبغى وعلى ما ينبغى ولو لم يفعل ما فعله لحصل منه امر آخر هو أعظم ضررا مما حصل كما ان المريض لو لم يحتجم ابصر ضررا يزيد على ألم الحجامة وبهذا يكون الله تعالى عدلا والايمان يقطع الإنكار والاعتراض ظاهرا وباطنا. وتمامه ان لا يسب الدهر ولا ينسب الأشياء الى الفلك ولا يعترض عليه كما جرت به العادة بل يعلم ان كل ذلك اسباب مسخرة وانها رتبت ووجهت(3/287)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)
الى المسببات احسن ترتيب وتوجيه بأقصى وجوه العدل واللطف كذا فى المقصد الأقصى فى شرح معانى اسماء الله الحسنى للامام الغزالي عليه رحمة الملك المتعالي وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا اضافة الآيات الى نون العظمة لتشريفها واستعظام الاقدام على تكذيبها اى بآياتنا التي هى معيار الحق ومصداق الصدق والعدل سَنَسْتَدْرِجُهُمْ اى سنقربهم البتة الى الهلاك على التدريج واصل الاستدراج اما الاستصعاد وهو النقل من سفل الى علو درجة درجة. واما الاستنزال وهو النقل من علو الى سفل كذلك والأنسب هو النقل الى أعلى درجات المهالك ليبلغ أقصى مراتب العقوبة والعذاب مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ صفة لمصدر الفعل المذكور اى سنستدرجهم استدراجا كائنا من حيث لا يعلمون انه كذلك بل يحسبون انه إكرام من الله تعالى وتقريب منه او لا يعلمون ما نريد بهم وذلك ان يتواتر عليهم النعم فيظنوا انها لطف من الله بهم فيزدادوا بطرا وانهماكا فى الغى الى ان تحق عليهم كلمة العذاب على أفظع حال واشنعها
مده خود را فريب از رنك وبويم ... كه هست از خنده من كريه آميز
: قال الحافظ
بمهلتى كه سپهرت دهد ز راه مرو ... ترا كه كفت كه اين زال ترك دستان كفت
وَأُمْلِي لَهُمْ الاملاء اطالة مدة أحدهم بإبقائه على ما هو عليه وعدم الاستعجال فى مؤاخذته قال المولى ابو السعود عطف على سنستدرجهم غير داخل فى حكم السين لما ان الاملاء وهو عبارة عن الامهال والاطالة وليس من الأمور التدريجية كالاستدراج الحاصل فى نفسه شيأ فشيأ بل هو فعل يحصل دفعة وانما الحاصل بطريق التدريج آثاره وأحكامه لانفسه كما يلوّح به تغيير التعبير بتوحيد الضمير إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ اى ان أخذي شديد وانما سماه كيدا لان ظاهره احسان وباطنه خذلان قال سعدى چلبى المفتى الاولى ان يقول سماه كيدا لنزوله بهم من حيث لا يشعرون والكيد الاخذ بخفية وقال الحدادي الكيد هو الإضرار بالشيء من حيث لا يشعر به قال فى الحكم العطائية خف من وجود إحسانه إليك ودوام اسائتك معه ان يكون ذلك استدراجا لك قال الله تعالى سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ قال سهل رضى الله عنه فى معنى هذه الآية نمدهم بالنعم وننسيهم الشكر عليها فاذا ركنوا الى النعمة وحجبوا عن المنعم أخذوا وقال ابو العباس بن عطاء يعنى كلما أحدثوا خطيئة جددنا لهم نعمة وانسيناهم الاستغفار من تلك الخطيئة وقال الشيخ ابو القاسم القشيري رحمه الله. الاستدراج تواتر المنة بغير خوف الفتنة الاستدراج انتشار الذكر دون خوف المكر. الاستدراج التمكن من المنية والصرف عن البغية. الاستدراج تعليل برجاء وتأميل بغير وفاء. الاستدراج ظاهر مضبوط وسر بالاغيار منوط انتهى. ومن وجوه الاستدراج ان يجهل المريد بنفسه وبحق ربه فيسيىء الأدب بإظهار دعوى او تورط فى بلوى فتؤخر العقوبة عنه امهالا له فيظنه إهمالا فيقول لو كان هذا سوء ادب لقطع الامداد فقد يقطع المدد عنه من حيث لا يشعر ولو لم يكن من قطع المدد عنه من حيث لا يشعر الا منع المزيد لكان قطعا لان من لم يكن فى زيادة فهو فى نقصان وكان احمد بن حنبل رضى الله عنه(3/288)
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)
يوصى بعض أصحابه ويقول خف من سطوة العدل وارج رقة الفضل ولا تأمن مكره ولو أدخلك الجنة وقع لابيك آدم ما وقع فان قلت ما الحكمة فى امهال الله العصاة فى الدنيا قلت ليرى العباد ان العفو والإحسان أحب اليه من الاخذ والانتقام وليعلموا شفقته وبره وكرمه وان رحمته سبقت غضبه وامهاله تعالى من اخلاق كرمه وجوده. وقيل يمهل من يشاء حكمة ليأخذ الظالم أخذ عزيز مقتدر ويجعل عقوبة من يشاء رحمة منه وتخفيفا بالنسبة الى عذاب الآخرة فعلى العاقل ان يخاف من المكر الإلهي ويرى الفقر والانكسار نعمة وإكراما فان الله تعالى يحب الفقراء وهو عند المنكسرة قلوبهم وحال الدنيا ليس على القرار تسلب كما تهب وتهب كما تسلب: ونعم ما قيل
زمانه به نيك وبد آبستن است ... ستاره كهى دوست وكه دشمن است
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ- روى- انه عليه الصلاة والسلام كان كثيرا ما يحذر قريشا عقوبة الله تعالى ووقائعه النازلة فى الأمم الماضية فقام ليلا على الصفا وجعل يدعوهم الى عبادة الله تعالى قبيلة قبيلة يا بنى فلان يا بنى فلان الى الصباح يحذرهم بأس الله فقال قائلهم ان صاحبكم هذا يعنى محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم لمجنون بات يهوت الى الصباح فنزلت والهمزة للانكار والتعجب والتوبيخ والواو للعطف على مقدر وما اما استفهامية انكارية فى محل الرفع بالابتداء والخبر بصاحبهم واما نافية اسمها جنة وخبرها بصاحبهم والجملة معلقة لفعل التفكر لكونه من افعال القلوب ومحلها على الوجهين النصب على نزع الجار والجنة بناء نوع من الجنون ودخول من يدل على انه ليس به نوع من انواع الجنون. والمعنى أكذبوا بالآيات ولم يتفكروا فى أي شىء من جنون ما كائن بصاحبهم او فى انه ليس بصاحبهم شىء من جنة حتى يؤديهم التفكر فى ذلك الى الوقوف على صدقه وصحة نبوته فيؤمنوا به وبما انزل عليه من الآيات فالتصريح بنفي الجنون للرد على عظيمتهم الشنعاء والتعبير عنه عليه الصلاة والسلام بصاحبهم وارد على شاكلة كلامهم مع ما فيه من الإيذان بان طول مصاحبتهم له عليه السلام مما يطلعهم على نزاهته عليه السلام عن شائبة الجنة وقد كانوا يسمونه قبل اظهار النبوة محمدا الامين صلى الله تعالى عليه وسلم إِنْ هُوَ اى ما هو عليه السلام إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ اى مبالغ فى الانذار مظهر له غاية الإظهار ابرازا لكمال الرأفة ومبالغة فى الاعذار أَوَلَمْ يَنْظُرُوا الهمزة للانكار والواو للعطف على مقدر اى أكذبوا بها ولم ينظروا نظر تأمل واستدلال فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فيما تدل عليه السموات والأرض من عظم الملك وكمال القدرة فيعلموا انه لم يخلقهما عبثا ولم يترك عباده سدى قال بعضهم ملكوت السموات النجوم والشمس والقمر وملكوت الأرض البحور والجبال والشجر والملكوت الملك العظيم من الملك كالرهبوت من الرهب زيدت التاء للمبالغة يقال له ملكوت العراق اى الملك الأعظم متعلق به وَما خَلَقَ اللَّهُ عطف على ملكوت اى وفيما خلق الله مِنْ شَيْءٍ بيان لما خلق مفيد لعدم اختصاص الدلالة المذكورة بجلائل المصنوعات دون دقائقها اى من جليل ودقيق مما يقع عليه اسم الشيء(3/289)
مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)
من الأجناس التي لا يمكن حصرها اى ان كل فرد فرد من الموجودات محل للنظر والاعتبار والاستدلال على الصانع ووحدانيته كما قيل
وفى كل شىء له آية ... تدل على انه واحد
وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ عطف على ملكوت وان مخففة من ان واسمها ضمير الشان والخبر قد اقترب أجلهم. والمعنى أولم ينظروا فى ان الشان عسى ان يكون الشان قد اقترب أجلهم لعلهم يموتون عن قريب فما لهم لا يسارعون الى طلب الحق والتوجه الى ما ينجيهم قبل مجىء الموت ونزول العذاب
زان پيش كاجل فرا رسد تنك ... وايام عنان ستاند از چنك
بر مركب فكر خويش نه زين ... مردانه در آي در ره دين
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ هو فى اللغة الجديد وفى عرف العامة الكلام بَعْدَهُ اى بعد القرآن يُؤْمِنُونَ إذا لم يؤمنوا به وهو النهاية فى البيان وليس بعده كتاب منزل ولا نبى مرسل وهو قطع لاحتمال ايمانهم ونفى له بالكلية والباء متعلقة بيؤمنون مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ [هر كرا كمراه كرداند خداى تعالى وبقرآن نكرود] فَلا هادِيَ لَهُ [پس هيچ راه نماينده نيست كه او را براه آرد] وَيَذَرُهُمْ بالياء والرفع على الاستئناف اى وهو تعالى يتركهم فِي طُغْيانِهِمْ فى مجاوزتهم الحد فى كفرهم يَعْمَهُونَ حال من مفعول يذرهم اى حال كونهم مترددين ومتحيرين فى القاموس العمه محركة التردد فى الضلال والتحير فى منازعة او طريق او ان لا يعرف الحجة وفى الآية حث على التفكر ودلالة على ان العاقل لو تفكر بالعقل السليم من آفات الوهم والخيال والتقليد والهوى فى حال النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وسيره فضلا عن معجزاته لتحقق عنده انه النبي الصادق وان ما يدعوه اليه كله حق وصدق وانه لينجو بهذا التفكر من النار كما اخبر الله تعالى عن حال اهل النار بقوله وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ وفى قوله تعالى أَوَلَمْ يَنْظُرُوا إلخ اشارة الى ان المكونات على نوعين نوع منها ما خلق من غير شىء وهو الملكوت الذي هو باطن الكون والكون به قائم وهو قائم بيد القدرة كقوله تعالى فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ونوع منها ما خلق من شىء وهو الملك الذي هو ظاهر الكون فكما ان النظر الى الملك بحسن البصر فالنظر الى الملكوت بالعقل والقلب فنظر ارباب العقول فيه يفيد رؤية الآيات والاستدلال بها على معرفة الخالق واثبات الصانع ونظر اصحاب القلوب فيه يفيد شهود شواهد الغيب بالولوج ليصير إيمانه إيقانا بل عيانا كقوله وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ وهذه الاراءة سنة آلهية قديمة للحق سبحانه يرى بها كل من جعله نبيا او وليا ناسوت العالم وملكوته وجبروته ولاهوته سواء كان عالما صغيرا او عالما كبيرا ولا تزال تلك السنة باقية الى يوم القيامة ما دام لم ينقطع السير والسلوك الى الحق سبحانه فلولاها لنوع الإنسان لكان كسائر الحيوان الا ان الله الرحمن من بها على نوع الإنسان وسار وسلك بها من شاء من اهل عنايته الى قبل الملك المنان حتى ترقى عن جميع الأكوان ونال(3/290)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195)
الشهود والعيان ووصل الى الحق المحسان وأتاه كمال الإيقان وتمام الإحسان ثم جاء نبيا او وليا لارشاد الاخوان فقام بالحكمة والبيان وبين الإسلام والايمان ودعا الى الله الحليم الحنان وبشر بالجنان وانذر بالنيران فمن أجاب نال اللطف والإحسان ومن لم يجب خسر خسرنا مبينا وقال عليه الصلاة والسلام عن عيسى (لن يلج ملكوت السموات والأرض من لم يولد مرتين) فالولوج لاصحاب القلوب والمشاهدة والنظر لارباب العقول والاستدلال كذا فى التأويلات النجمية مع مزج من كلام شيخنا العلامة أحياه الله بالسلامة [روزى امام ابى حنيفة رحمه الله در مسجد نشسته بود جماعتى از زنادقه در آمدند وقصد هلاك او كردند امام كفت يك سؤال را جواب دهيد بعد از ان تيغ ظلم را آب دهيد كفتند مسئله چيست كفت من سفينه ديدم پربار كران بر روى دريا روان بي آنكه هيچ ملاحى محافظت ميكرد كفتند اين محالست زيرا كه كشتى بي ملاح بر يك نسق رفتن محال باشد كفت سبحان الله سير جمله أفلاك وكواكب ونظام عالم علوى وسفلى از سير يك سفينه عجبترست همه ساكت كشتند واكثر مسلمان شدند] : قال الحافظ الشيرازي
در حشمت سليمان هر كس كه شك نمايد ... بر عقل ودانش او خندند مرغ وماهى
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ اى عن القيامة وهى من الأسماء الغالبة فيها كالنجم فى الثريا وسميت القيامة ساعة لوقوعها بغتة او لكون الحساب الواقع فيها يتم وينقضى فى ساعة يسيرة لانه تعالى لا يشغله شأن عن شأن أو لأنها على طولها عند الله تعالى كساعة من الساعات عند الخلق وأصلها ساعة قيام الناس من الأجداث فلما غلبت تعينت فاستغنت عن الاضافة- روى- ان قوما من اليهود قالوا يا محمد أخبرنا متى الساعة ان كنت نبيا فانا نعلم متى هى وكان ذلك امتحانا منهم مع علمهم انه تعالى قد استأثر بعلمها فنزلت أَيَّانَ مُرْساها أيان ظرف زمان متضمن لمعنى الاستفهام محله الرفع على انه خبر مقدم ومرساها مبتدأ مؤخر اى متى ارساؤها اى إثباتها وتقريرها فانه مصدر ميمى من ارساه إذا أثبته وأقره ولا يكاد يستعمل الا فى الشيء الثقيل كما فى قوله تعالى وَالْجِبالَ أَرْساها ولما كان أثقل الأشياء على الخلق هو الساعة سمى الله تعالى وقوعها وثبوتها بالارساء ومحل الجملة النصب بنزع الخافض فانها بدل من الجار والمجرور لا من المجرور فقط كأنه قيل يسألونك عن الساعة عن أيان مرسيها قُلْ إِنَّما عِلْمُها لم يقل انما علم وقت ارسائها لان المقصد الأصلي من السؤال نفسها باعتبار حلولها فى وقتها المعين لا وقتها باعتبار كونه محلالها ولذلك أضاف العلم المطلوب بالسؤال الى ضميرها عِنْدَ رَبِّي خاصة قد استأثر به لم يطلع عليه ملكا مقربا ولانبيا مرسلا لا يُجَلِّيها اى لا يظهر أمرها من التجلية وهو اظهار الشيء والتجلي ظهوره لِوَقْتِها اى فى وقتها فاللام للتأقيت كاللام فى قوله أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَّا هُوَ والمعنى انه تعالى يخفيها على غيره إخفاء مستمرا الى وقت وقوعها ولا يظهرها الا فى ذلك الوقت الذي وقعت فيه بغتة بنفس الوقوع لا بالأخبار عنها لكون اخفائها ادعى الى الطاعة وازجر عن المعصية كاخفاء الاجل الخاص الذي هو وقت الموت كتم الله تعالى وقت قيام الساعة عن الخلق ليصير المكلف مسارعا الى التوبة والطاعة فى جميع الأوقات فانه لو علم وقت(3/291)
قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)
قيام الساعة لتقاصر الخلق عنها وأخروها. وكذلك أخفى ليلة القدر ليجتهد المكلف فى العبادة فى ليالى الشهر كلها وأخفى ساعة الاجابة من يوم الجمعة ليكون المكلف مجدا فى الدعاء فى جميع ساعاته ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى كبرت وشقت على أهلهما من الملائكة والثقلين كل منهم أهمه خفاؤها وخروجها عن دائرة العقول وقيل عظمت على أهلهما خوفا من شدائدها وما فيها من الأهوال ومن جملة أهوالها فناء من فى السموات والأرض وهلاكهم وذلك ثقيل على القلوب لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً الا فجأة على غفلة فتقوم والرجل يسقى ما شيته والرجل يصلح حوضه والرجل يقوم سلعته فى سوقه والرجل يخفض ميزانه ويرفعه والرجل يهوى لقمة فى فمه فما يدرك ان يضعها فى فمه يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها اى عالم بها من حفى عن الشيء إذا بالغ فى السؤال عنه ومن استقصى فى تعلم الشيء وبالغ فى السؤال عنه لزمه ان يستحكم علمه به ويعلمه بأقصى ما يمكن ويكون ماهرا فى العلم فلذلك كنى بقوله تعالى كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها عن كونه عليه السلام عالما بها بأقصى ما يمكن والتعدية بعن مع كونه بمعنى العالم وهو يتعدى بالباء لكونه متضمنا لمعنى بليغ فى السؤال عنها حتى أحكمت علمها والجملة التشبيهية فى محل النصب على انها حال من الكاف اى يسألونك مشبها حالك عندهم بحال من هو حفى عنها اى مبالغ فى العلم بها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ الفائدة فى إعادته رد المعلومات كلها الى الله تعالى فيكون التكرار على وجه التأكيد والتمهيد للتعريض بجهلهم بقوله وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ اختصاص علمها به تعالى فبعضهم ينكرونها رأسا وبعضهم يعلمون انها واقعة البتة ويزعمون انك واقف على وقت وقوعها فيسألونك جهلا وبعضهم يدعون ان العلم بذلك من مواجب الرسالة فيتخذون السؤال عنها ذريعة الى القدح فى رسالتك قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا
اى جلب نفع ولا دفع ضر فمن لا يعلم ان نفعه فى أي الأشياء ومضرته فى أيها كيف يعلم وقت قيام الساعة واللام متعلق باملك قال سعدى چلبى المفتى والظاهر انه متعلق بنفعا ولا ضرا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ ان أملكه من ذلك بان يلهمنيه فيمكننى منه ويقدرنى عليه فالاستثناء متصل او لكن ما شاء الله من ذلك كائن فالاستثناء منقطع وهذا ابلغ فى اظهار العجز عن علمها وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ اى جنس الغيب لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ اى لجعلت المال والمنافع كثيرا على ان يكون بناء استفعل للتعدية كما فى نحو استذله وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ من كيد العدو والفقر والضر وغيرها إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ اى ما انا الا عبد مرسل للانذار والبشارة شأنى ما يتعلق بهما من العلوم الدينية والدنيوية لا الوقوف على الغيوب التي لا علاقة بينها وبين الاحكام والشرائع وقد كشفت من امر الساعة ما يتعلق به الانذار من مجيئها لا محالة واقترابها واما تعيين وقتها فليس مما يستدعيه الانذار بل هو مما يقدح فيه لما مر من ان إبهامه ادعى الى الانزجار عن المعاصي لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ اما متعلق بهما جميعا لانهم ينتفعون بالإنذار كما ينتفعون بالبشارة واما بالبشير فقط وما يتعلق بالنذير محذوف اى نذير للكافرين اى الباقين على الكفر وبشير لقوم يؤمنون اى فى أي وقت كان ففيه ترغيب للكفرة فى احداث الايمان وتحذير عن الإصرار على الكفر والطغيان قال الحدادي فى تفسيره فى الآية دلالة على بطلان قول(3/292)
من يدعى العلم بمدة الدنيا ويستدل بما روى ان الدنيا سبعة آلاف سنة لانه لو كان كذلك كان وقت قيام الساعة معلوما واما قوله صلى الله عليه وسلم (بعثت انا والساعة كهاتين) وأشار الى السبابة والوسطى فمعناه تقريب الوقت لا تحديده كما قال تعالى فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها اى مبعث النبي عليه السلام من أشراطها انتهى يقول الفقير رواية عمر الدنيا وردت من طرق شتى صحاح لكنها لا تدل على التحديد حقيقة فلا يلزم ان يكون وقت قيام الساعة معلوما لاحد أيا من كان من ملك او بشر وقد ذهب بعض المشايخ الى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف وقت الساعة باعلام الله تعالى وهو لا ينافى الحصر فى الآية كما لا يخفى وفى صحيح مسلم عن حذيفة قال أخبرني رسول الله صلى الله
عليه وسلم بما هو كائن الى ان تقوم الساعة وفى الحديث (ان لله ديكا جناحاه موشيان بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت جناح له بالمشرق وجناح له بالمغرب وقوائمه فى الأرض السفلى ورأسه مثنى تحت العرش فاذا كان السحر الأعلى خفق بجناحيه ثم قال سبوح قدوس ربنا الله لا اله غيره فعند ذلك تضرب الديكة أجنحتها وتصيح فاذا كان يوم القيامة قال الله تعالى ضم جناحك وغض صوتك فيعلم اهل السموات والأرض ان الساعة قد اقتربت) ومن اشراط الساعة كثرة السبي والتسرى وذلك دليل على استعلاء الدين واستيلاء المسلمين الدال على التراجع والانحطاط إذا بلغ الأمر كماله. ومنها كون الغنم دولا يعنى إذا كان الأغنياء واصحاب المناصب يتداولون باموال الغنيمة ويمنعون عنها مستحقيها وكون الزكاة مغرما يعنى يشق عليهم أداء الزكاة ويعدونها غرامة وكون الامانة مغنما يعنى إذا اتخذ الناس الأمانات الموضوعة عندهم مغانم يغتنمونها ومن الامانة الفتوى والقضاء والامارة والوزارة وغيرها فاذا آتوها الى غير أهاليها كما ترى فى زماننا فانتظر الساعة وفى رواية عن ابى هريرة (لا تقوم الساعة حتى يكون الزهد رواية والورع تصنعا ولا تقوم الساعة الا على شرار الخلق) فان قيل قد ورد فى الصحيح عن ابن عمر رضى الله عنهما (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة) قيل معناه الى قريب قيام الساعة لان قريب الشيء فى حكمه واعلم ان القيامة ثلاث حشر الأجساد والسوق الى المحشر للجزا وهى القيامة الكبرى وموت جميع الخلائق وهى الوسطى ولا يعلم وقته يقينا الا الله تعالى وانما يعلم بالعلامات المنقولة عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا بعضا منها وموت كل أحد وهى الصغرى وفى الحديث (من مات فقد قامت قيامته) - وروى- ان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر يوما احوال جهنم فقال واحد من الاصحاب رضى الله عنه ادع لى يا رسول الله ان ادخل فيها فتعجبوا من قوله فقال عليه الصلاة والسلام (انه يريد ان يكون صاحب القيامة الكبرى) قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره نحن لا نعرف حقيقة مراده عليه السلام الا انا نوجهه بان يريد ان يشاهد القيامة الكبرى بان يصل الى مرتبة يتجلى فيها معنى قوله تعالى كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ فان السالك إذا جاوز عن مرتبة الطبيعة والنفس والروح والسر يغيب عنه ما سوى الله تعالى فلا يرى له غير الله تعالى فاضمحلال ما سواه وفناؤه هو القيامة الكبرى وهذه مرتبة عظمى لا يصل إليها الا اهل العناية: قال الحافظ(3/293)
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189)
عنقا شكار كس نشود دام باز چين ... كانجا هميشه باد بدستست دام را
فعلى العاقل الاجتهاد وبذل المجهود ليترقى الى ما ترقى اليه اهل الخير والجود
بال بگشا وصفير از شجر طوبى زن ... حيف باشد چوتو مرغى كه أسير قفسى
كاروان رفت وتو در راه كمين كاه بخواب ... وه كه بس بيخبرى زين همه بانك جرسى
ونعم ما قيل
عاشق شورانه روزى كار جهان سر آيد ... تا خوانده نقش مقصود از كاركاه هستى
نسأل الله تعالى ان يوفقنا لما يحب ويرضى ويداوى هذه القلوب المرضى وهو المعين على كل حال وفى كل حين هُوَ اى الله تعالى الَّذِي اى العظيم الشأن الذي خَلَقَكُمْ جميعا وحده من غير ان يكون لغيره مدخل فى ذلك بوجه من الوجوه مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ هو آدم عليه السلام فكما ان النفوس خلقت من نفس واحدة هى نفس آدم فكذا الأرواح خلقت من روح واحد هو روح محمد صلى الله عليه وسلم فكان هو أبا الأرواح كما كان آدم أبا البشر لقوله عليه السلام (انما انا لكم كالوالد لولده) وقوله (أول ما خلق الله روحى) فان أول كل نوع هو المنشأ منه ذلك النوع من الحيوان والنبات
كر بصورت من ز آدم زاده ام ... من بمعنى جد جد افتاده ام
وَجَعَلَ انشأ مِنْها اى من جنس تلك النفس الواحدة زَوْجَها حواء او من جسدها لما يروى ان الله تعالى خلق حواء من ضلع من أضلاع آدم عليه الصلاة والسلام والاول هو الأنسب إذ الجنسية هى المؤدية الى الغاية الآتية لا الجزئية لِيَسْكُنَ تلك النفس والتذكير باعتبار المعنى يعنى آدم إِلَيْها اى الى الزوج وهى حواء اى ليستأنس بها ويطمئن إليها اطمئنانا مصححا للازدواج فَلَمَّا تَغَشَّاها لم يقل تغشتها باعتبار آدم ايضا. والتغشى والتغشية التغطية بالفارسي [چيزى بر كسى پوشانيدن] كنى به عن الجماع لان الرجل يغطى المرأة ويسترها حال الوقاع لاستعلائه عليها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فى مبادى الأمر فانه عند كونه نطفة او علقة او مضغة أخف عليها بالنسبة الى ما بعد ذلك من المراتب فانتصاب حملا على المصدرية او حملت محمولا خفيفا وهو ما فى البطن من النطفة ونفس الجنين فانتصابه على المفعول به كقوله حملت زيدا وهو الظاهر والمشهور ان الحمل بالفتح ما كان فى البطن او على رأس الشجر وبالكسر ما كان على ظهر انسان او على الدابة فَمَرَّتْ بِهِ اى فاستمرت به كما كان قبل حيث قامت وقعدت وأخذت وتركت ولم تكثرث بحملها فمرت من المرور بمعنى الذهاب والمضي لا من المر بمعنى الاجتياز والوصول يقال مر عليه وبه يمر مرا اى اجتاز ومر يمر مر او مرورا اى ذهب واستمر مثله والسين فيه للطلب التقديري كما فى استخرجته فَلَمَّا أَثْقَلَتْ اى صارت ذا ثقل بكبر الولد فى بطنها دَعَوَا اللَّهَ اى آدم وحواء عليهما السلام لما دهمهما امر لم يعهداه ولم يعرفا مآله فاهتماما به وتضرعا اليه تعالى رَبَّهُما اى مالك أمرهما الحقيق بان يخص به الدعاء ومتعلق الدعاء محذوف اى دعواه تعالى فى ان يؤتيهما ولدا صالحا ووعدا بمقابلته الشكر وقالا لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً اى ولدا سوىّ الأعضاء او صالحا فى امر الدين(3/294)
فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195)
لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ لك على هذه النعمة المجددة ووجه دعائهما بذلك ان آدم رأى حين أخذ الميثاق على ذريته ان منهم سوىّ الأعضاء وغير السوىّ وان منهم التقى وغير التقى فسألا ان يكون هذا الولد سوىّ الأعضاء او تقيا نقيا عن المعصية فلما أعطاهما صالحا شكرا لانهما ليسا بحيث يعدان من أنفسهما بذلك ثم لا يفعلان ذلك يقال ان حواء كانت تلد فى كل بطن ذكرا وأنثى ويقال ولدت لآدم فى خمسمائة بطن الف ولد ثم شرع فى توبيخ المسلمين بقوله فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً اى فلما اعطى أولادهما المشركين البالغين مبلغ الوالد ولدا صالحا سوىّ الأعضاء جَعَلا اى جعل هذان الأبوان لَهُ اى لله تعالى شُرَكاءَ فِيما آتاهُما بان سميا أولادهما بعبد العزى وعبد مناف ونحو ذلك وسجدا للاصنام شكرا على هذه النعمة والأظهر تقرير ابى السعود حيث قال فى تفسيره فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً اى لما آتاهما ما طلباه أصالة واستتباعا من الولد وولد الولد ما تناسلوا جعلا اى جعل أولادهما له تعالى شُرَكاءَ فِيما آتاهُما اى فيما اتى أولادهما من الأولاد ففى الكلام حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه والا لزم نسبتهما اى آدم وحواء الى الشرك وهما بريئان منه بالاتفاق ويدل على الحذف المذكور صيغة الجمع فى قوله تعالى فَتَعالَى اللَّهُ [پس بزركست خداى تعالى و پاك] عَمَّا يُشْرِكُونَ اى عن اشراكهم وهو تسميتهم المذكورة ولو كان المراد بالآية آدم وحواء لقال عما يشركان أَيُشْرِكُونَ به تعالى ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً اى لا يقدر على ان يخلق شيأ من الأشياء أصلا ومن حق المعبود ان يكون خالقا لعابده وَهُمْ يُخْلَقُونَ عطف على ما لا يخلق يعنى الأصنام وإيراد الضميرين بجمع العقلاء مبنى على اعتقاد الكفار فيها ما يعتقدونه فى العقلاء وكانوا يصورونها على صورة من يعقل ووصفها بالمخلوقية بعد وصفها بنفي الخالقية لا بانة كمال منافاة حالها لما اعتقدوه فى حقها وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ اى لعبدتهم إذا حز بهم امر مهم نَصْراً اى نصرا ما بجلب منفعة او دفع مضرة وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ فيدفعون عنها ما يعتريها من الحوادث كما إذا أراد أحد ان يكسرها او يلطخها بالالواث والأرواث قال الحدادي وكانوا يلطخون أفواه الأصنام بالخلوف والعسل وكان الذباب يجتمع عليها فلا تقدر على دفع الذباب عن أنفسها وَإِنْ تَدْعُوهُمْ ايها المشركون إِلَى الْهُدى الى ان يهدوكم الى ما تحصلون به مقاصدكم لا يَتَّبِعُوكُمْ الى مرادكم ولا يجيبوكم كما يجيبكم الله سَواءٌ عَلَيْكُمْ ايها المشركون أَدَعَوْتُمُوهُمْ اى الأصنام أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ ساكتون اى مستوى عليكم فى عدم الافادة دعاؤكم لهم وسكوتكم فانه لا يتغير حالكم فى الحالين كما لا يتغير حالهم بحكم الجمادية ولم يقل أم صمتم لرعاية رؤوس الآي إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ اى تعبدونهم من دونه تعالى من الأصنام وتسمونهم آلهة عِبادٌ أَمْثالُكُمْ اى مماثلة لكم من حيث انها مملوكة لله تعالى مسخرة لامره عاجزة عن النفع والضر وقال الحدادي سماها عبادا لانهم صوروها على صورة الإنسان فَادْعُوهُمْ فى جلب نفع وكشف ضر فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ صيغته صيغة الأمر ومعناه التعجيز إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فى زعمكم انهم قادرون على ما أنتم عاجزون عنه أَلَهُمْ اى للاصنام أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها حتى يمكن استجابتهم لكم والاستجابة من(3/295)
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202)
الهياكل الجسمانية انما تتصور إذا كان لها محرك حياة وقوى محركة ومدركة وما ليس له شىء من ذلك فهو بمعزل من الأفاعيل بالمرة ووصف الأرجل بالمشي بها للايذان بان مدار الإنكار هو الوصف أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أم منقطعة مقدرة ببل والهمزة والبطش الاخذ بقوة. والمعنى بل ألهم أيد يأخذون بها ما يريدون اخذه وبل للاضراب المفيد للانتقال من فنّ من التبكيت بعد تمامه الى فن آخر منه أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قدم المشي لانه حالهم فى أنفسهم والبطش حالهم بالنسبة الى الغير. واما تقديمه على قوله أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ إلخ مع ان الكل سواء فى انها من أحوالهم بالنسبة الى الغير فلمراعاة المقابلة بين الأيدي والأرجل. واما تقديم الأعين فلما انها أشهر من الآذان واظهر عينا واثرا ثم ان الكفار كانوا يخوفونه عليه السلام بآلهتهم قائلين نخاف ان يصيبكم بعض آلهتنا بسوء فقال الله تعالى قُلِ ادْعُوا ايها المشركون شُرَكاءَكُمْ واستعينوا بهم فى عداوتى ثُمَّ كِيدُونِ فبالغوا فيما تقدرون عليه من مكر وهى أنتم وشركاؤكم فالخطاب فى كيدون للاصنام وعبدتها فَلا تُنْظِرُونِ فلا تمهلون ساعة فانى لا أبالي بكم لوثوقى على ولاية الله وحفظه
اگر هر دو جهانم خصم كردند ... نترسم چون نكهبانم تو باشى
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ تعليل لعدم المبالاة المنفهم من السوق انفهاما جليا قوله وَلِيِّيَ بثلاث يا آت. الاولى ياء فعيل وهى ساكنة. والثانية لام الفعل وهى مكسورة أدغمت فيها الياء الاولى. والثالثة ياء الاضافة وهى مفتوحة. والولي هنا بمعنى الناصر والحافظ أضيف الى ياء المتكلم. والمعنى ان الذي يتولى نصرتى وحفظى هو الذي أكرمني بتنزيل القرآن وايحائه الىّ وايحاء الكتاب اليه يستلزم رسالته لا محالة وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ اى ومن عادته تعالى ان يتولى الصالحين من عباده وينصرهم لا يخذلهم فضلا عن أنبيائه وَالَّذِينَ تَدْعُونَ يا عبدة الأصنام مِنْ دُونِهِ اى متجاوزين الله تعالى ودعاءه ومضمون هذه الآية ذكر اوّلا لتقريع عبدة الأصنام وذكر هاهنا إتماما لتعليل عدم مبالاته بهم فلا تكرار لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ فى امر من الأمور وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ إذا نابتهم ناثبة وَإِنْ تَدْعُوهُمْ اى الأصنام إِلَى الْهُدى الى ان يهدوكم الى ما تحصلون به مقاصدكم من الكيد وغيره لا يَسْمَعُوا اى دعاءكم فضلا عن المساعدة والامداد وهذا بخلاف التوجه الى روحانية الأنبياء والأولياء وان كانوا مخلوقين فان الاستمداد منهم والتوسل بهم والانتساب إليهم من حيث انهم مظاهر الحق ومجالى أنواره ومرائى كمالاته وشفعاؤه فى الأمور الظاهرة والباطنة له غايات جليلة وليس ذلك بشرك أصلا بل هو عين التوحيد ومطالعة الأنوار من مطالعها ومكاشفة الاسرار من مصاحفها: قال الصائب
مشو بمرك ز امداد اهل دل نوميد ... كه خواب مردم آگاه عين بيداريست
وَتَراهُمْ الرؤية بصرية والخطاب لكل واحد من المشركين اى وترى الأصنام ايها الرائي رأى العين يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ حال من المفعول اى يشبهون الناظرين إليك ويخيل إليك انهم يبصرونك لما انهم صنعوا لها أعينا مركبة بالجواهر المضيئة المتلالئة وصوروها تصوير من(3/296)
قلب حدقته الى الشيء ينظر اليه وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ حال من فاعل ينظرون اى والحال انهم غير قادرين على الابصار وهو بيان عجزهم عن الابصار بعد بيان عجزهم عن السمع وقيل ضمير الفاعل فى تراهم لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وضمير المفعول للمشركين على ان التعليل قدتم عند قوله تعالى لا يَسْمَعُوا اى وترى المشركين يا محمد ينظرون إليك بأعينهم وهم لا يبصرونك ببصائرهم اى كما أنت عليه فهم غائبون عنك فى الحقيقة الا ان يقروا بالتوحيد وصدق الرسالة- ذكر- ان السطر الاول من خاتم سليمان عليه الصلاة والسلام كان بسم الله الرحمن الرحيم. والسطر الثاني لا اله الا الله. والسطر الثالث محمد رسول الله فلما ادخله جبريل فى إصبعه لم يقدر أصحابه ان يروه فتضرعوا فقال قولوا لا اله الا الله محمد رسول الله فلما قالوه رأوه. وسره انه احاطه المهابة فلما اشتغلوا بالتوحيد حصل لهم الاستعداد والقدرة- وحكى- ان السلطان محمود الغازي دخل على الشيخ الرباني ابى الحسن الخرقاني قدس سره لزيارته وجلس ساعة ثم قال يا شيخ ما تقول فى حق ابى يزيد البسطامي فقال الشيخ هو رجل من رآه اهتدى
واتصل بسعادة لا تخفى فقال محمود وكيف ذلك وابو جهل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتصل بالسعادة ولم يتخلص من الشقاوة فقال الشيخ فى جوابه ان أبا جهل ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما رأى محمد بن عبد الله يتيم ابى طالب حتى لو كان رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم لخرج من الشقاوة ودخل فى السعادة ثم قال الشيخ ومصداق ذلك قول الله تعالى وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ فالنظر بعين الرأس لا يوجب هذه السعادة بل النظر بعين السر والقلب يورث ذلك فمن رأى أبا يزيد بهذه العين فاز بالسعادة
براى ديدن روى تو چشم ديكرم باشد ... كه اين چشم كه من دارم جمالت را نمى شايد
وفى الحديث (طوبى لمن رآنى ولمن رآى من رآنى ولمن رأى من رأى من رآنى ولمن رأى من رأى من رأى من رآنى) كما فى الرسالة العلية للكاشفى: وفى المثنوى
كفت طوبى من رآنى مصطفى ... والذي يبصر لمن وجهى رأى
چون چراغى نور شمعى را كشيد ... هر كه ديد آنرا يقين آن شمع ديد
همچنين تا صد چراغ از نقل شد ... ديدن آخر لقاى اصل شد
خواه نور از واپسين بستان بجان ... هيچ فرقى نيست خواه از شمع دان
وظهر من هنا ان رؤية الأولياء ايضا انما تفيد إذا كانت بالبصيرة ثم ان الرؤية تتناول ما فى اليقظة وما فى المنام قال بعضهم فى قوله عليه السلام (من رآنى فقد رأى الحق) من رآنى مطلقا اى سواء كانت الرؤية فى اليقظة او فى المنام فقد رأى الرسول الحق وقال بعضهم من رآنى فى المنام فقد رأى الرؤيا الصادقة لا الرؤيا التي يلعب بها الشيطان قال الشيخ الأكمل فى شرح المشارق المنام الحق هو الذي يريه الملك الموكل على الرؤيا فان الله تعالى قد وكل بالرؤيا ملكا يضرب من الحكمة والأمثال وقد اطلعه الله سبحانه على قصص ولد آدم من اللوح المحفوظ فهو ينسخ منها ويضرب لكل قصة مثلا فاذا نام يمثل له تلك الأشياء على طريق الحكمة لتكون بشارة له او نذارة او معاتبة ليكونوا على بصيرة من أمرهم كذا قيل(3/297)
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)
انتهى واعلم ان جميع الأنبياء معصومون من ان يظهر شيطان بصورهم فى النوم واليقظة لئلا يشتبه الحق بالباطل يقول الفقير أصلحه الله القدير سمعت من حضرة شيخى المتفرد فى زمانه بعلمه وعرفانه ان الشيطان لا يتمثل ايضا بصور الكمل من الأولياء الكرام كقطب الوجود فى كل عصر فانه مظهر تام للهدى سار فى سره سر النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا فعلى العاقل ان يترك القيل والقال ويدع الاعتراض بالمقال والحال ويستسلم لامر الله الملك المتعال الى ان يبلغ مبلغ الرجال ويتخلص من مكر الشيطان البعيد عن ساحة العز والإجلال ويكون هاديا بعد كونه مهديا ان كان ذلك امرا مقضيا اللهم اهدنا الى رؤية الحق وأرنا الأشياء كما هى وخلصنا من الاشغال بالمناهي والملاهي انك أنت الجواد لكل صنف من العباد منك المبدأ وإليك المعاد خُذِ الْعَفْوَ- روى- انه صلى عليه وسلم سأل جبريل (ما الاخذ بالعفو) فقال لا أدرى حتى اسأل ثم رجع فقال يا محمد ان ربك أمرك ان تعطى من حرمك وتصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك وان تحسن الى من أساء إليك
هر كه زهرت دهد بدوده قند ... وآنكه از تو برد بدو پيوند
والعفو من أخلاقه تعالى قال سعيد بن هشام دخلت على عائشة فسألتها عن اخلاق النبي عليه السلام قالت اما تقرأ القرآن قلت بلى قالت كان خلق رسول الله القرآن وانما أدبه بالقرآن بمثل قوله تعالى خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ وبقوله وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وبقوله (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) وغير ذلك من الآيات الدالة على مكارم أخلاقه وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ بالجميل المستحسن من الافعال لانها قريبة من قبول الناس من غير نكير قال فى التيسير قالوا فى العرف تقوى الله صلة الأرحام وصون اللسان عن الكذب ونحوه وغض البصر عن المحارم وكف الجوارح عن المآثم وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ولا تكافئ السفهاء بمثل سفههم ولا تمارهم واحلم عنهم واغضض عما يسوءك منهم وذلك لانه ربما اقدم بعض الجاهلين عند الترغيب والترهيب على السفاهة والأذى والضحك والاستهزاء فلهذا السبب امر الله تعالى حبيبه فى آخر الآية بتحمل الأذى والحلم عمن جفا فظهر بهذا ان الآية مشتملة على مكارم الأخلاق فيما يتعلق بمعاملة الناس معه ولم يكن صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا فى الأسواق ولا يجزى السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح كذا فى الكواشي- روى- انه لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كيف يا رب والغضب) فنزل قوله تعالى وَإِمَّا كلمتان ان التي هى للشرط وما التي هى صلة زائدة يَنْزَغَنَّكَ النزغ والنخس الغرز يقال نزعه طعن فيه ونزغ بينهم أفسد واغرى ووسوس ونخس الدابة غرز مؤخرها او جنبها بعود ونحوه مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ اى نازغ كرجل عدل بمعنى عادل وشبهت وسوسته للناس وإغراؤه لهم على المعاصي بغرز السائق لما يسوقه. والمعنى واما يحملنك من جهته وسوسة ما على خلاف ما أمرت به من اعتراء غضب او نحوه فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ فالتجىء اليه تعالى من شره واعتصم إِنَّهُ تعالى سَمِيعٌ يسمع استعاذتك به قولا عَلِيمٌ يعلم تضرعك اليه قلبا فى ضمن القول(3/298)
او بدونه فيعصمك من شره قال فى البحر وختم بهاتين الصفتين لان الاستعاذة التي تكون باللسان لا تجدى الا باستحضار معناها. فالمعنى سميع للاقوال عليم بما فى الضمائر واختلفوا هل المراد الشيطان او القرين فقط والظاهر انه فى حقنا القرين قال الله تعالى وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وفى حق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إبليس اما نحن فلان الإنسان لا يؤذيه من الشياطين الا ما قرن به وما بعده فلا يضر شيأ والعاقل لا يستعيذ ممن لا يؤذيه واما الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فان قرينه قد اسلم فلا يستعيذ منه فالاستعاذة حينئذ من غيره وغيره يتعين ان يكون إبليس او أكابر جنوده لانه قدورد فى الحديث (ان عرش إبليس على البحر الأخضر وجنوده حوله وأقربهم اليه أشدهم بأسا ويسأل كلا منهم عن عمله واغوائه ولا يمشى هو الا فى الأمور العظام) والظاهر
ان امر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من أهم المهمات عنده فلا يؤثر به غيره من ذريته كما ورد (ان عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله فى وجهى فقلت أعوذ بالله منك ثلاث مرات ثم قلت العنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر ثلاث مرات ثم أردت اخذه والله لولا دعوة أخينا سليمان لاصبح موثقا يلعب به ولدان اهل المدينة) والدعوة قوله رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي وانما لم يشده ولم يأخذه لان التسخير التام مختص بسليمان عليه السلام فان قلت لم لم يمنع إبليس عن النبي صلى الله عليه وسلم كما منع به عن السماء الشياطين قلت ان الله تعالى جعل اكثر الأشياء كذلك يمنع بها ولا يمنع عنها ألا ترى ان الليل يمنع النهار والنهار يمنع الليل ولا يمنع عنهما النور والظلمة وكذلك احياء الموتى لعيسى عليه السلام ولم يمنع عنه الموت وايضا لما منع الشياطين عن السماء ظنوا انهم لا يقدرون على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فسلطهم عليه ثم عصمه منهم ليعلموا انه ليس بايديهم شىء وقال النيسابورى أراد ان يظهر لخلقه ان غيره مقهور غير معصوم ولا قاهر الا الله تعالى وعن بعض العلماء ان الخطاب فى قوله وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ وان كان للنبى عليه السلام الا ان المراد أمته وتشريع الاستعاذة لهم يقول الفقير حفظه الله القدير يعضده ما قال بعض الأولياء من أمته وهو ابو سليمان الداراني قدس سره ما خلق الله خلقا أهون على من إبليس لولا ان الله أمرني ان أتعوذ منه ما تعوذت منه ابدا وما قال البعض الآخر حين قيل له كيف مجاهدتك للشيطان وما الشيطان نحن قوم صرفنا هممنا الى الله فكفانا من دونه فاذا كان هذا حال الولي فما ظنك بحال النبي ويدل عليه ايضا كلمة ان الدالة على عد الجزم واعلم ان الغضب لغير الله من نزغات الشيطان وانه بالاستعاذة يسكن- روى- انه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يخاصم أخاه قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه من الغضب فقال عليه السلام (انى لا علم كلمة لوقالها لذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان لذهب عنه ما يجده) وفى الحديث (ان الغضب من الشيطان وان الشيطان من النار وانما تطفأ النار بالماء فاذا غضب أحدكم فليتوضأ) : وفى المثنوى
چون ز خشم آتش تو در دلها زدى ... مايه نار جهنم آمدى
آتشت اينجا چهـ آدم سوز بود ... آنچهـ از وى زاد مرد افروز بود(3/299)
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202)
آتش تو قصد مردم ميكند ... نار كز وى زاد بر مردم زند
اين سخنهاى چومار وكژ دست ... مار وكژدم كشت وميكردد دمت
خشم تو تخم سعير ودوزخست ... هين بكش اين دوزخت را كين فخست
وفى الحديث (لما أراد الله ان يخلق لابليس نسلا وزوجة القى عليه الغضب فطارت منه شظية من نار فخلق منها امرأته) كذا فى حياة الحيوان والاشارة خُذِ الْعَفْوَ اى تخلق بخلق الله فان العفو من أخلاقه تبارك وتعالى وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ اى بالمعروف وهو طلب الحق تعالى لانه معروف العارفين وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ يعنى عن كل ما يدعوك الى غير الله وعمن يطلب ما سوى الله فان الجاهل هو الذي لا يعرف الله ولا يطلبه والعالم من يطلبه ويعرفه وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فى طلب غير الله فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ من غير الله بان تفر الى الله وتترك ما سواه إِنَّهُ سَمِيعٌ يسمع القول والاجابة لما تدعوه اليه عَلِيمٌ بما ينفعك ويضرك فيسمع ما ينفعك دون ما يضرك كذا فى التأويلات النجمية إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا اى اتصفوا بوقاية أنفسهم عما يضرها إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ ادنى لمة منه وهى الوسوسة والمس. والطائف اسم فاعل من طاف يطوف إذا دار حول الشيء كأنها تطوف بهم وتدور حولهم لتوقع بهم او من طاف به الخيال يطيف طيفا اى ألمّ فالطائف بمعنى الجائى والنازل. وفى الصحاح طيف الخيال مجيئه فى النوم وطيف من الشيطان وطائف منه لمم منه والخيال فى الأصل اسم بمعنى التخيل وارتسام السورة فى محل القوة المتخيلة ويطلق على نفس تلك الصورة وطيفه نزوله فى محل المتخيلة تَذَكَّرُوا اى ما امر به ونهى عنه وقال المولى ابو السعود اى الاستعاذة به تعالى والتوكل عليه فَإِذا هُمْ بسبب ذلك التذكر مُبْصِرُونَ مواقع الخطأ ومكائد الشيطان فيتحرزون عنها ولا يتبعونه فيها وَإِخْوانُهُمْ اى اخوان الشياطين وهم المنهمكون فى الغى المعرضون عن وقاية أنفسهم عن المضار فضمير إخوانهم للشيطان والجمع لكون المراد به الجنس يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ اى يكون الشياطين مددا لهم فيه ويعضدونهم بالتزيين والحمل عليه والغى الضلال ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ اى لا يمسكون عن الإغواء حتى يردونهم بالكلية يقال اقصر عن الشيء إذا كف عنه وانتهى فعلى العاقل مباعدة اهل الطغيان ومجانبة وسوسة الشيطان- حكى- ان بعض الأولياء سأل الله تعالى ان يريه كيف يأتى الشيطان ويوسوس فاراه الحق تعالى هيكل الإنسان فى سورة بلور وبين كتفيه خال اسود كالعش والوكر فجاء الخناس يتحسس من جميع جوانبه وهو فى صورة خنزير له خرطوم كخرطوم الفيل فجاء من بين الكتفين فادخل خرطومه قبل قلبه فوسوس اليه فذكر الله تعالى فخنس وراءه ولذلك سمى بالخناس لانه ينكص على عقبيه مهما حصل نور الذكر فى القلب ولهذا السر الإلهي احتجم صلى الله تعالى عليه وسلم بين كتفيه وامر بذلك ووصاه جبريل بذلك لتضعيف مادة الشيطان وتضييق مرصده لانه يجرى وسوسته مجرى الدم ولذلك كان خاتم النبوة بين كتفيه عليه السلام اشارة الى عصمته عليه السلام من وسوسته لقوله عليه السلام (أعانني الله عليه فاسلم) اى بالختم الإلهي أيده به وخصه وشرفه وفضله بالعصمة الكلية فاسلم قرينه وما اسلم قرين آدم فوسوس اليه لذلك واعلم ان اصل الخواطر اثنان ما يكون بإلقاء الملك وما يكون(3/300)
وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)
بإلقاء الشيطان والفرق ان كل ما يكون سببا للخير بحيث يكون مأمون الغائلة اى الآفة فى العاقبة ولا يكون سريع الانتقال الى غيره ويحصل بعده توجه تام الى الحق ولذة عظيمة مرغبة فى العبادة فهو ملكى وبالعكس شيطانى قال بعضهم قد يلبس الشيطان ويرى الباطل فى صورة الحق فاجمع المشايخ على ان من كان قوته من الحرام لا يفرق بين الخواطر الملكية والشيطانية بل منهم من قال من كان قوته غير معلوم لا يفرق بينهما: وفى المثنوى
طفل جان از شير شيطان باز كن ... بعد از آنش با ملك انباز كن
تا تو تارك وملول وتيره ... دانكه با ديو لعين همشيره
لقمه كان نور افزود وكمال ... آن بود آورده از كسب حلال
چون ز لقمه تو حسد بينى ودام ... جهل وغفلت زايد آنرا دان حرام
زايد از لقمه حلال اندر دهان ... ميل خدمت عزم رفتن آن جهان
قال حضرة شيخنا الفريد امده الله بالمزيد فى كتاب اللائحات البرقيات الملك الموكل بامر الله على قلوب اهل الحق يلقى إليهم الحق دائما فاذا مسهم طائف من الشيطان فيذكرهم بذلك الطائف الشيطاني فهم يتذكرون ويبصرون ويمحون والشيطان المتسلط بخذلان الله على صدور اهل الباطل يلقى إليهم الباطل دائما فاذا مسهم طائف من الرحمن فينسيهم ذلك فهم لا يتذكرون ولا يبصرون ولا يمحون فالشان الرحمانى دائما اراءة الحق حقا والباطل باطلا والشان الشيطاني اراءة الحق باطلا والباطل حقا وهذا هو السر والحكمة فى كون عباد الرحمن هادين ومهديين وعباد الشيطان ضالين ومضلين لان الاراءة الاولى هى الهداية بعينها والثانية هى الإضلال بعينه والإضلال لا بد من انه يستلزم الضلال كما ان الهداية لا بد من انها تستلزم الاهتداء انتهى كلامه قال فى التأويلات النجمية إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا هم ارباب القلوب والتقوى من شان القلب كما قال عليه الصلاة والسلام (التقوى هاهنا) وأشار الى صدره والتقوى نور يبصرون به الحق حقا والباطل باطلا فلذا قال إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ اى إذا طاف حول القلب التقى النقي نوع طيف من عمل الشيطان براه القلب بنور التقوى ويعرفه فيتذكر انه يفسده ويكدر صفاءه ويقسيه فيجتنبه ويحترز منه فذلك قوله تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ يعنى النفوس اخوان القلب فان النفس والقلب توأمان ولدا من ازدواج الروح والقالب فالقلب يمد النفس فى الطاعة ولولا ذلك ما صدر من القلب معصية لانه جبل على الا طمئنان بذكر الله وطاعته ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ لا يسأم كل واحد منهما من فعله ولا يدع ما جبل عليه لئلا يأمن ارباب القلوب من كيد النفوس ابدا ولا يقنط ارباب النفوس المسرفين على أنفسهم من رحمة الله من إصلاح احوال قلوبهم وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ اى اهل مكة بِآيَةٍ من القرآن عند تراخى الوحى او بآية مما اقترحوه كقولهم احى لنا فلانا الميت يكلمنا ويصدقك فيما تدعونا اليه ونحو ذلك قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها اجتبى الشيء بمعنى حباه لنفسه اى جمعه. فالمعنى هلا جمعتها من تلقاء نفسك تقوّلا كسائر ما تقرأه من القرآن فانهم يقولون كله افك او هلا ميزتها واصطفيتها عن سائر مهماتك وطلبتها من الله(3/301)
تعالى فيكون الاجتباء بمعنى الاصطفاء قُلْ ردا عليهم إِنَّما أَتَّبِعُ اى ما افعل الا اتباع ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي لست بمختلق للآيات ولست بمقترح لها هذا القرآن بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ بمنزلة البصائر للقلوب بها تبصر الحق وتدرك الصواب اخبر عن المفرد بالجمع لاشتماله على سور وآيات وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إذ هم المقتبسون من أنواره والمغتنمون من آثاره والجملة من تمام القول المأمور به وفى الآية اشارة الى انه كما ان النبي يتبع الوحى الإلهي كذلك الولي يتبع الإلهام الرباني فلا قدرة على تزكية النفوس الا بالوحى والإلهام وايضا لو لم يتبع الهدى لكان اهل هوى غير صالح للارشاد وخائنا والخائن لا يكون أمينا على اسرار النبوة والولاية وعن بعض اهل العلم قال كنت بالمصطبة وإذا برجلين يتكلمان فى الخلوة مع الله تعالى فلما أرادا ان ينصرفا قال أحدهما للآخر تعال نجعل لهذا العلم ثمرة ولا يكون حجة علينا فقال له اعزم على ما شئت فقال عزمت على ان لا آكل ما للمخلوق فيه صنع قال فتبعتهما فقلت انا معكما فقالا على الشرط قلت على أي شرط شرطتما فصعدا جبل لكام ودلانى على كهف وقالا تعبد فيه فدخلت فيه وجعل كل واحد منهما يأتينى بما قسم الله تعالى وبقيت مدة ثم قلت الى متى أقيم هاهنا أسير الى طرطوس وآكل من الحلال واعلم الناس العلم واقرأ القرآن فخرجت ودخلت طرسوس وأقمت بها سنة وإذا انا برجل منهما قد وقف علىّ وقال يا فلان خنت فى عهدك ونقضت الميثاق اما انك لو صبرت كما صبرنا لوهب لك ما وهب لنا قلت ما الذي وهب لكما قال ثلاثة أشياء طى الأرض من المشرق الى المغرب بقدم واحد والمشي على الماء والحجبة إذا شئنا ثم احتجب عنى فقلت بالذي وهب لكما هذا الحال ألا ما ظهرت لى فقد شويت قلبى فظهر وقال سل فقلت هل لى الى ذلك الحال عودة فقال هيهات لا
يؤمن الخائن: قال الحافظ
وفا مجوى ز كس ور سخن نمى شنوى ... بهرزه طالب سيمرغ وكيميا ميباش
وفى الحكاية اشارة الى ان الله تعالى يمن على من يشاء- حكى- ان الشيخ جوهر المدفون فى عدن كان مملوكا فعتق وكان يبيع ويشترى فى السوق ويحضر مجالس الفقراء ويعتقدهم وهو أمي فلما حضرت وفاة الشيخ الكبير سعد الحداد المدفون فى عدن قالت له الفقراء من يكون الشيخ بعدك قال الذي يقع على رأسه الطائر الأخضر فى اليوم الثالث من موتى عند ما يجتمع الفقراء فلما توفى اجتمع الفقراء عند قبره ثلاثة ايام فلما كان اليوم الثالث وفرغوا من الذكر والقرآن قعدوا ينتظرون ما وعدهم الشيخ وإذا بطائر أخضر وقع قريبا منه فبقى كل واحد من كبار الفقراء يترجى ذلك ويتمناه فبينماهم كذلك إذا بالطائر قد طار ووقع على رأس الشيخ جوهر ولم يكن يخطر له ولا لاحد من الفقراء ذلك فقام اليه الفقراء ليزفوه الى زاوية الشيخ وينزلوه منزلة المشيخة فبكى وقال كيف أصلح للمشيخة وانا رجل سوقى وانا لا اعرف طريق الفقراء وآدابهم وعلى تبعات وبينى وبين الناس معاملات فقالوا له هذا امر سماوى ولا بدلك منه والله يتولى تعليمك فقال أمهلوني حتى امضى الى السوق وابرأ من حقوق الخلق فامهلوه فذهب الى دكانه ووفى كل ذى حق حقه ثم ترك السوق ولزم الزاوية ولازمه الفقراء فصار جوهرا كاسمه: قال الحافظ(3/302)
وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)
طالب لعل وگهر نيست وگر نه خورشيد ... همچنان در عمل معدن وكانست كه بود
وقال
كوهر پاك ببايد كه شود قابل فيض ... ور نه هر سنك وكلى لؤلؤ ومرجان نشود
ولما عظم سبحانه وتعالى شأن القرآن بقوله هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ اردفه بقوله وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ الذي ذكرت شؤونه العظيمة فَاسْتَمِعُوا لَهُ استماع قبول وعمل بما فيه فان شأنه يوجب الاستماع مطلقا ولما فى الافتعال من التصرف والسعى والاعتمال فى ذلك الفعل فرقوا بين المستمع والسامع بان المستمع من كان قاصدا للسماع مصغيا اليه والسامع من اتفق سماعه من غير قصد اليه فكل مستمع سامع من غير عكس وَأَنْصِتُوا اى واسكتوا فى خلال القراءة وراعوها الى انقضائها تعظيما له وتكميلا للاستماع والفرق بين الإنصات والسكوت ان الإنصات مأخوذ فى مفهومه الاستماع والسكوت فلا يقتصر فى معناه على السكوت بخلاف السكوت لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ اى تفوزون بالرحمة التي هى أقصى ثمراته قال ابن عباس رضى الله عنها كان المسلمون قبل نزول هذه الآية يتكلمون فى الصلاة ويأمرون بحوائجهم ويأتى الرجل الجماعة وهم يصلون فيسألهم كم صليتم وكم بقي فيقولون كذا فانزل الله تعالى هذه الآية وأمرهم بالإنصات عند الصلاة بقراءة القرآن لكونها أعظم أركانها استدل الامام ابو حنيفة بهذه الآية على ان انصات المقتدى واجب وان قراءة الامام قراءة المأموم فلا يقرأ خلف الامام سواء اسر الامام أم جهر لانه تعالى أوجب عليه أمرين الاستماع والإنصات فاذا فات الاستماع بقي الإنصات واجبا وجه الاستدلال ان المراد بالإنصات المأمور به وان كان هو النهى عن الكلام لا عن القراءة لكن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب على ان جماعة من المفسرين قالوا ان الآية نزلت فى الصلاة خاصة حين كانوا يقرأون القرآن خلفه عليه السلام وجعله الحدادي فى تفسيره أصح قال فى الأشباه أسقط ابو حنيفة القراءة عن المأموم بل منعه منها شفقة على الامام دفعا للتخليط عليه كما يشاهد بالجامع الأزهر انتهى فقراءة المأموم مكروهة كراهة التحريم وهو الأصح كما فى شرح المجمع لابن ملك قال على رضى الله عنه من قرأ خلف الامام فقد اخطأ الفطرة اى السنة- يحكى- ان جماعة من اهل السنة جاؤا الى ابى حنيفة رضى الله عنه ليناظروه فى القراءة خلف الامام ويبكتوه ويشنعوا عليه فقال لهم لا يمكننى مناظرة الجميع ففوضوا امر المناظرة الى أعلمكم لا ناظره فاشاروا الى واحد فقال هذا أعلمكم فقالوا نعم قال والمناظرة معه مناظرة لكم قالوا نعم قال والإلزام عليه كالالزام عليكم قالوا نعم قال وان ناظرته وألزمته الحجة فقد لزمتكم الحجة قالوا نعم قال وكيف قالوا لانا رضينا به اماما فكان قوله قولنا فقال ابو حنيفة فنحن لما اخترنا الامام فى الصلاة كانت قراءته قراءة لنا وهو ينوب عنا فاقر واله بالالزام. قال الفقهاء المطلوب من القراءة التدبر والتفكر والعمل به ولا يحصل ذلك الا بالاستماع والإنصات فيجب على المؤتم ذلك وهو كالخطبة يوم الجمعة لما شرعت وعظا وتذكيرا وجب الاستماع ليحصل فائدتها لا ان يخطب كل لنفسه بخلاف سائر الأركان لانها شرعت للخشوع ولا يحصل لهم(3/303)
الخشوع الا بالسجود معه والركوع اعلم ان ظاهر النظم الكريم يقتضى وجوب الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن فى الصلاة وغيرها وعامة العلماء على استحبابها خارج الصلاة كما فى التفاسير قال الحدادي ولا يجب على القوم الإنصات لقراءة كل من يقرأ فى غير الصلاة وقال الحلبي رجل يكتب الفقه وبجنبه رجل يقرأ القرآن ولا يمكن للكاتب الاستماع فالاثم على القارئ لقراءته جهرا فى مواضع اشتغال الناس بأعمالهم وعلى هذا لو قرأ على السطح فى الليل جهرا والناس نيام يأثم كذا فى الخلاصة. صبى يقرأ فى البيت واهله مشغولون بالعمل يعذرون فى ترك الاستماع ان افتتحوا العمل قبل القراءة وإلا فلا. وكذا قراءة الفقه عند قراءة القرآن ولو كان القارئ فى المكتب واحدا يجب على المارين الاستماع وان اكثر ويقع الخلل فى الاستماع لا يجب عليهم. ويكره للقوم ان يقرأوا القرآن جملة لتضمنها ترك الاستماع والإنصات. وقيل لا بأس به والأصل فيه ان الإنصات والاستماع للقرآن فرض كفاية على ما حققه الحلبي فى الشرح الكبير قال فى القنية ولا بأس باجتماعهم على قراءة الإخلاص جهرا عند ختم القرآن ولو قرأ واحد واستمع الباقون
فهو اولى. ورجل يكتب من الفقه او يكرر منه وغيره يقرأ القرآن لا يلزمه الاستماع لان النبي عليه السلام دخل على أصحابه وهم فى المسجد حلقتان حلقة فى مذاكرة الفقه وحلقة فى قراءة القرآن وجلس فى حلقة مذاكرة الفقه ولو لزم الاستماع لما فعل ذلك وفيه اشارة فضيلة الفقه ومذاكرته
علم دين فقهست وتفسير وحديث ... هر كه خواند غير ازين كردد خبيث
قال فى نصاب الاحتساب قراءة القرآن فى القبور تكره عند ابى حنيفة وعند محمد لا تكره ومشايخنا أخذوا بقول محمد لكن لا يقرأ جهرا إذا كان اهل المصيبة مشتغلين بالناس فان القراءة جهرا عند قوم مشاغيل مكروهة ثم اعلم انه يدخل فى الآية الخطبة لانها ملتبسة بقراءة القرآن فنعمل بظاهره فى حق قراءة القرآن وفى حق الخطبة بطريق الاحتياط اثباتا للحرمة بدليل فيه شبهة فيسمع الخطبة وينصت وان صلى الخطيب على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لان ذلك جزء من الخطبة فنعمل فيه ما نعمل فى الباقي الا إذا قرأ صلوا عليه فيصلى المستمع سرا اى فى نفسه وقلبه ولا يحرك لسانه لانه توجه عليه أمران صلوا عليه وقوله انصتوا فيصلى فى نفسه وينصت بلسانه حتى يكون آتيا بهما. واختلفوا فى البعيد عن المنبر والأحوط السكوت اقامة لفرض الإنصات وان تعذر الاستماع ولان فيه تشبها بالمستمعين ولان صوت كلامه قد يبلغ الصفوف التي امامه فيشغلهم ويمنعهم عن استماع الخطبة قال فى التتارخانية إذا شرع الخطيب فى الدعاء لا يجوز للقوم رفع الأيادي ولا ان يكون بلسانه وكذا الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام باللسان جهرا فان فعلوا أثموا ويجوز بالقلب ويجب على العلماء منعهم فان لم يمنعوا أثموا وقال فى نصاب الاحتساب ولا يتكلم حال الخطبة وان كان امرا بمعروف او نهيا عن منكر ولو لم يتكلم لكن أشار بيده او بعينه حين رأى منكرا الصحيح انه لا بأس به وفى الحديث (إذا قلت لصاحبك انصت يوم الجمعة والامام يخطب فقد لغوت) اى تكلمت بما لا ينبغى قال النووي فيه نهى عن جميع انواع الكلام لان قوله انصت إذا كان لغوا مع انه امر(3/304)
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205)
بمعروف فغيره من الكلام اولى وانما طريق النهى هنا الإنكار بالاشارة. وفى قوله والامام يخطب اشعار بان هذا النهى انما هو فى حال الخطبة وهو مذهب الشافعي وقال ابو حنيفة يجب الإنصات بخروج الامام لقوله عليه السلام (إذا خرج الامام فلا صلاة ولا كلام) اى مطلقا سواء خطب او لم يخطب والترجيح للمحرم وقال لا بأس بالكلام إذا خرج الامام قبل ان يخطب وإذا فرغ قبل ان يشتغل بالصلاة لان التكلم بما لا اثم فيه انما كره للاستماع إذ الكلام يخل بفرض استماعها ليقصر على حال الخطبة إذ لا استماع قبلها وبعدها وفى القنية الكلام فى خطبة العيدين غير مكروه لان خطبة العيدين سنة فخطبة الجمعة شرط لصحة الصلاة بخلاف خطبة العيدين لقوله عليه السلام (يوم العيد من شاء منكم ان يخرج فليخرج) والحاصل انه إذا خرج الامام حرم كلام الناس والناقلة اما الفائتة فلا كراهة فى قضائها وقت الخطبة نص عليه فى النهاية وكذا التسبيح ونحوه جائز بالاتفاق قال فى الأشباه خرج الخطيب بعد شروعه متنفلا قطع على رأس الركعتين يعنى ان صلى ركعة ضم إليها اخرى وسلم كما فى الكافي وان كان شرع فى الشفع الثاني أتمه كما فى الاختيار ولو كان شرع فى سنة الجمعة يتمها أربعا على الصحيح كما فى الأشباه وغيره وعبارة الخروج واردة على عادة العرب لانهم يتخذون للامام مكانا خاليا تعظيما لشانه فيخرج منه حين أراد الصعود الى المنبر واما القاطع عن الصلاة والكلام فى ديارنا فهو قيام الامام للصعود قال فى التأويلات النجمية الإنصات شرط فى حسن الاستماع وحسن الاستماع شرط فى الاسماع والاشارة أَنْصِتُوا بألسنتكم الظاهرة لتستمعوا له بآذانكم الظاهرة وانصتوا بألسنتكم الباطنة لتستمعوا بآذانكم الباطنة لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ بالاستماع بالسمع الحقيقي وهو قوله (كنت له سمعا فى يسمع) فمن سمع القرآن بسمع بارئه فقد سمع من قارئه وهذا سر الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ: قال المولى الجامى كوينده سنائى غزنوى است
عجب نبود كه از قرآن نصيبت نيست جز حرفى ... كه از خرشيد جز كرمى نبيند چشم نابينا
وَاذْكُرْ يا محمد رَبَّكَ ويجوز ان يكون المراد جميع الخلق والذكر طرد الغفلة ولذا لا يكون فى الجنة لانها مقام الحضور الدائم فِي نَفْسِكَ وهو الذكر بالكلام الخفي فان الإخفاء ادخل فى الإخلاص واقرب من الاجابة وهذا الذكر يعم الاذكار كلها من القراءة والدعاء وغيرها كما قال فى الاسرار المحمدية ليس فضل الذكر منحصرا فى التهليل والتسبيح والتكبير والدعاء بل كل مطيع لله فى عمل فهو ذاكر تَضَرُّعاً مصدر واقع موقع الحال من فاعل اذكر اى متضرعا ومتذللا. والضراعة الخضوع والذل والاستكانة يقال تضرع الى الله اى ابتهل وتذلل والابتهال الاجتهاد فى الدعاء وإخلاصه قال بعض العارفين بالله الصلاة أفضل الحركات والصوم أفضل السكنات والتضرع فى هياكل العبادات يحل ما عقدته الافلاك الدائرات
لو لم ترد نيل ما ارجوا واطلبه ... من فضل جودك ما علمتنى الطلبا
وَخِيفَةً بكسر الخاء أصلها خوفة قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها اى وحال كونك خائفا قال ابن الشيخ وهذا الخوف يتناول خوف التقصير فى الأعمال وخوف الخاتمة(3/305)
وخوف السابقة فان ما يكون فى الخاتمة ليس الا ما سبق به الحكم فى الفاتحة ولذلك قال عليه السلام (جف القلم بما هو كائن الى يوم القيامة) انتهى يقول الفقير هذا بالنسبة الى ان يكون المراد بالخطاب فى الآية هو الامة والا فالانبياء بل وكمل الأولياء آمنون به من خوف الخاتمة والفاتحة نعم لهم خوف لكن من نوع آخر يناسب مقامهم ولما كان أكمل احوال الإنسان ان يظهر عزة ربوبية الله وذلة عبودية نفسه امر الله بالذكر ليتم المقصود الاول وقيده بالتضرع والخيفة ليتم المقصود الثاني
اى خنك آنرا كه ذلت نفسه ... واى آنكسى را كه بردى رفسه
وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ صفة لمحذوف هو الحال اى ومتكلما كلاما هو دون الجهر فانه اقرب الى حسن التفكر فمن أم فى صلاة الجهر ينبغى له ان لا يجهر جهرا شديدا بل يقتصر على قدر ما يسمعه من خلفه قال فى الكشف لا يجهر فوق حاجة الناس والا فهو مسيىء. والفرق بين الكراهة والاساءة هو ان الكراهة افحش من الاساءة ولما رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عمر رضى الله
عنه يقرأ رافعا صوته فسأله فقال اوقظ الوسنان واطرد الشيطان قال عليه السلام (اخفض من صوتك قليلا) واتى أبا بكر رضى الله عنه فوجده يقرأ خافضا صوته فسأله فقال قد أسمعت من ناجيت فقال عليه السلام (ارفع من صوتك قليلا) وقد جمع النووي بين الأحاديث الواردة فى استحباب الجهر بالذكر والواردة فى استحباب الاسرار به بان الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء او تأذى المصلون او النائمون والجهر أفضل فى غير ذلك لان العمل فيه اكثر ولان فائدته تتعدى الى السامعين ولانه يوقظ قلب الذاكر ويجمع همه الى الفكر ويصرف سمعه اليه ويطرد النوم ويزيد فى النشاط وبالجملة ان المختار عند الأخيار ان المبالغة والاستقصاء فى رفع الصوت بالتكبير فى الصلاة ونحوه مكروه والحالة الوسطى بين الجهر والإخفاء مع التضرع والتذلل والاستكانة الخالية عن الرياء جائز غير مكروه باتفاق العلماء كذا فى أنوار المشارق وقد سبق من شارح الكشاف ان الشيخ المرشد قد يأمر المبتدى برفع الصوت لتنقلع من قلبه الخواطر الراسخة فيه بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ متعلق باذكر اى اذكره فى هذين الوقتين وهما البكرات والعشيات فان الغدو جمع غدوة وهى ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس. والآصال جمع اصيل وهو الوقت بعد العصر الى المغرب والعشى والعشية من صلاة المغرب الى العتمة وخص هذان الوقتان لان فيهما تتغير احوال العالم تغيرا عجيبا يدل على ان المؤثر فيه هو الإله الموصوف بالحكمة الباهرة والقدرة القاهرة فكل من شاهد هذه التغيرات ينبغى له ان يذكر المؤثر فيها بالتضرع والابتهال والخوف من تحويل حاله الى سوء الحال. وقيل الغدو والآصال عبارتان عن الليل والنهار اكتفى عن ذكرهما بذكر طرفيهما والمراد بذكره تعالى فيهما المواظبة عليه بقدر الإمكان وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ عن ذكر الله تعالى امر اولا بان يذكر ربه على وجه يستحضر فى نفسه معانى الاذكار التي يقولها بلسانه فان المراد بذكر الله فى نفسه ان يذكره تعالى عارفا بمعاني ما يقول من الاذكار ثم اتبعه بقوله وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ للدلالة على ان الإنسان ينبغى له ان لا يغفل قلبه عن استحضار جلال الله(3/306)
تعالى وكبريائه وفى الحديث (ألا أنبئكم بما هو خير لكم وأفضل من ان تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم ذكر الله) اى ما هو خير لكم مما ذكر ذكر الله سبحانه لان ثواب الغزو والشهادة فى سبيل الله حصول الجنة والذاكر جليس الحق تعالى كما قال (انا جليس من ذكرنى) والجليس لا بد ان يكون مشهودا فالحق مشهود الذاكر وشهود الحق أفضل من حصول الجنة ولذلك كانت الرؤية بعد حصول الجنة وكمال تلك النعمة. والذكر المطلوب من العبدان يذكر الله باللسان ويكون حاضرا بقلبه وروحه وجميع قواه بحيث يكون بالكلية متوجها الى ربه فتنتفى الخواطر وتنقطع أحاديث النفس عنه. ثم إذا داوم عليه ينتقل الذكر من لسانه الى قلبه ولا يزال يذكر بذلك حتى يتجلى له الحق من وراء أستار غيوبه فينور باطن العبد بحكم وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها ويعده الى التجليات الصفاتية والاسمائية ثم الذاتية فيفنى العبد فى الحق فيذكر الحق نفسه بما يليق بجلاله وجماله فيكون الحق ذاكرا ومذكورا وذلك بارتفاع الثنوية وانكشاف الحقيقة الاحدية كذا فى شرح الفصوص لداود القيصري فى الكلمة اليونسية
چون تجلى كرد أوصاف قديم ... پس بسوزد وصف حادث را كليم
واعلم ان من اشتغل باسم من الأسماء وداوم فيه فلا ريب ان يحصل بينه وبين سر هذا الاسم المشتغل به وروحه بعناية الله تعالى وفضله مناسبة ما بقدر الاشتغال ومتى قويت تلك المناسبة وكملت بحسب قوة الاشتغال وكماله يحصل بينه وبين مدلوله من الأسماء الحقية بواسطة هذه المناسبة الحاصلة مناسبة بقدرها قوة وكمالا ومتى بلغت الى حد الكمال ايضا هذه المناسبة الثانية الحاصلة بينه وبين هذا الاسم بجود الحق سبحانه وعطائه يحصل بينه وبين مسماه الحق تعالى مناسبة بمقدار المناسبة الثانية من جهة القوة والكمال لان العبد بسبب هذه المناسبة يغلب قدسه على دنسه ويصير مناسبا لعالم القدس بقدر ارتفاع حكم الدنس فحينئذ يتجلى الحق سبحانه له من مرتبة ذلك الاسم بحسبها وبقدر استعداده ويفيض عليه ما شاء من العلوم والمعارف والاسرار الالهية والكونية حسبما يقتضيه الوقت ويسعه
الموطن وتستدعيه القابلية فيطلع بعد ذلك على ما لم يطلع عليه قبله فيحصل له العلم والمعرفة بعد الجهل والغفلة كذا فى حواشى تفسير الفاتحة لحضرة شيخنا الاجل أمدنا الله بمدده الى حلول الاجل واتفق المشايخ والعلماء بالله على ان من لا ورد له لا وارد له وانقطاعه عن بعض ورده بسبب من الأسباب سوى السفر والمرض والهرم والموت علامة البعد من الله تعالى والخذلان. فينبغى لمن كان له ورد ففاته ذلك ان يتداركه ويأتى به ولو بعد أسبوع ومن هنا تقضى الصوفية التهجد مع انه ليس من الفرائض والسر فى هذا ان المراد من الأوراد بل من سائر العبادات تغيير صفات الباطن وقمع رذائل القلب وآحاد الأعمال يقال آثارها بل لا يحس بآثارها وانما يترتب الأثر على المجموع وإذا لم يكن يعقب العمل الواحد اثرا محسوسا ولم يردف بثان وثالث على القرب والتوالي انمحى الأثر الاول ايضا ولهذا السر قال صلى الله عليه وسلم (أحب الأعمال الى الله أدومها وان قل) اى العمل قال ابن ملك وانما كان العمل الذي يداوم عليه أحب لان النفس تألف به ويدوم بسببه الإقبال على الله تعالى ولهذا ينكر اهل التصوف ترك الأوراد كما ينكرون(3/307)
إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)
ترك الفرائض انتهى قال بعض العلماء بالله لا يستحقر الورد الا جهول يعنى بحق ربه وحظ نفسه ووجه وصوله إليهما ان الوارد يوجد فى الدار الآخرة على حسب الورد إذ جاء فى الحديث (ان الله تعالى يقول ادخلوا الجنة برحمتي وتقاسموها بأعمالكم) والورد ينطوى بانطواء هذه الدار فيفوت ثوابه بحسب فواته إذ هو مرتب عليه. واولى ما يعتنى به عند العقلاء الأكياس ما لا يخلف وجوده إذ تذهب فائدته بذهابه فاذا تعللت نفسك بعدم طلب الثواب فقل لها الورد هو طالب ذكره منك إذ هو حق العبودية وان ركنت الى طلب العوض فقل والوارد أنت تطلبينه منه لامن حظ نفسك واين ما هو طالبه منك من واجب حقه مما هو مطلبك منه من غرضك وحظك فطب نفسا بالعمل لمولاك وسلم له فيما به يتولاك فقد قالوا كن طالب الاستقامة ولا تكن طالب الكرامة فان نفسك تهتز وتطلب الكرامة ومولاك يطالبك بالاستقامة ولان تكون بحق ربك اولى لك من ان تكون بحظ نفسك: قال الحافظ.
صحبت حور نخواهم كه بود عين قصور ... با خيال تو اگر با دكرى پردازم
قال فى التأويلات النجمية وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ اى اذكره بالافعال والأخلاق والذات فى نفسك بان تبدل افعال نفسك بالأعمال التي امر الله بها وتبدل أخلاقها بأخلاق الله ونفنى ذاتها فى ذات الله وهذا كما قال (وان ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى) وهو سر قوله فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ألا ترى ان الفراش لما ذكر الشمعة فى نفسه بافناء ذاته فى ذاتها كيف ذكرته الشمعة بإبقائه ببقائها على ان تلك الحضرة منزهة عن المثل والمثال تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ التضرع من باب التكلف اى بداية هذا الذكر بتبديل افعال النفس باعمال الشريعة تكون بالتكلف ظاهرة ووسطه بالتخلق بأخلاق الله وبآداب الطريقة يكون مخفيا باطنا ونهايته بافناء ذاتها فى ذاته بانوار الحقيقة تكون منهيا عن جهر القول بها وهذا حقيقة قوله عليه السلام (افشاء سر الربوبية كفر) بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ يشير الى غدو الأزل وآصال الابد فان الذكر الحقيقي والمذكور الحقيقي هو الذاكر الحقيقي والذاكر والمذكور فى الحقيقة هو الله الأزلي الابدى لانه تعالى قال فى الأزل فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ففى الأزل ذكرهم لما خاطبهم وكان هو الذاكر والمذكور على الحقيقة على انا نقول ما ذكره الا هو وهذا حقيقة قول يوسف بن حسين الرازي ما ذكر أحد الله الا الله ولهذا قال تعالى وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ الذين لا يعلمون ان الذاكر والمذكور هو الله فى الحقيقة انتهى ما فى التأويلات النجمية إِنَّ الَّذِينَ قال الكاشفى [آورده اند كه كفار مكه تعظم ميكردند از سجده نمودن مر خدايرا وتنفر نموده ميكفتند أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً [حق سبحانه وتعالى ميفرمايد اى محمد اگر كافران از سجود من سركشى ميكنند بدرستى آنانكه] عِنْدَ رَبِّكَ اى الملائكة المقربين لديه قرب الشرف والمكانة لا قرب المسافة والمكان لا يَسْتَكْبِرُونَ [كردن نمى كشند] عَنْ عِبادَتِهِ بل يؤدونها حسبما أمروا به وَيُسَبِّحُونَهُ اى ينزهونه عن كل ما لا يليق بجناب كبريائه وَلَهُ تقديم الجار على الفعل للحصر يَسْجُدُونَ اى يخصونه بغاية العبودية والتذلل لا يشركون به شيأ وهو تعريض بسائر المكلفين ولذلك(3/308)
شرع السجود عند قراءتها واعلم ان السجدة نهاية الخضوع وانما شرعت فى موضع جبرا للنقصان كسجود السهو وفى موضع لمخالفة الكفار والموافقة للمسلمين قال الكاشفى [سجده تلاوت چهارده موضع است در قرآن واختلاف درد وموضع است يكى در آخر سوره حج بمذهب امام شافعى وامام احمد سجده هست وبمذهب امام أعظم نيست ودوم در سوره ص بمذهب امام أعظم هست لان النبي عليه السلام قرأ سورة ص وسجد وبمذهب باقى ائمه نه] لان المذكور فيها ركوع لا سجود واختلف فى موضع السجود فى فصلت فعند على رضى الله عنه هو قوله إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ وبه أخذ الشافعي وعند عمر وابن مسعود رضى الله عنهما هو قوله لا يَسْأَمُونَ فاخذنا به احتياطا فان تأخير السجدة لازم لا تقديمها [ونزد امام أعظم سجده تلاوت بر خواننده وشنونده در نماز وغير نماز واجبست در حال واگر فوت شود قضا لازمست وبمذهب ائمه ديكر سنت وقضا لازم نه] ويكره تأخير السجدة من غير ضرورة ويستحب ان يقوم القاعد فيكبر ويسبح تسبيح الصلاة ويكبر ويقوم ثم يقعد لكون الخرور فيه أكمل. قوله تسبيح الصلاة اى يقول «سبحان ربى الأعلى» ثلاثا وهو الأصح وقيل يقول «خضعت للرحمن فاغفر لى يا رحمن» وقيل يقول «يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك وطاعتك» وهو مختار صاحب الاسرار المحمدية ويروى فيه عن نفسه سماع هاتف يأمره بالدعاء بذلك وكان صلى الله عليه وسلم يقول فى سجود التلاوة (سجد وجهى للذى خلقه وصوره فاحسن صورته وشق سمعه وبصره بحوله وقوته) يقولها مرارا ثم يقول (فتبارك الله احسن الخالقين اللهم اكتب لى بها عندك اجرا وضع عنى بها وزرا واجعلها لى عندك ذخرا وتقبلها منى كما تقبلت من عبدك داود عليه الصلاة والسلام) قال ابن فخر الدين الرومي ان قرأ سجدة سبحان ضم إليها ما ذكره سبحانه وتعالى عن الطائفة الساجدين واستحسن عنهم بقوله سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا وان قرأ آية التنزيل او الأعراف قال «اللهم اجعلنى من
الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك وأعوذ بك ان أكون من المستكبرين عن أمرك» وان رأ الم السجدة قال «اللهم اجعلنى من عبادك المنعم عليهم المهديين الساجدين لك الباكين عند تلاوة كتابك» وان قرأ سجدة والنجم قال «اللهم اجعلنى من الباكين إليك الخاشعين لك» وكذا فى غيره قال المولى أخي چلبى وان لم يذكر فيها شيأ اجزأه لانها لا تكون أقوى من السجدة الصلاتية ويستحب للسامع ان يسجد مع التالي ولا يرفع رأسه قبله لانه بمنزلة امامه ويشترط نية السجود للتلاوة لا التعيين حتى لو كان عليه سجدات متعددة فعليه ان يسجد عددها وليس له ان يعين ان هذه السجدة لآية كذا وهذه لآية كذا ويستحب للتالى اخفاؤها إذا لم يكن السامع متهيئا للسجود تحرزا عن تأثيمه وإذا كان متهيئا يستحب له ان يجهر حثاله على العبادة قال الامام الخبازى فى حواشى الهداية يستحب ان يصلى على النبي عليه السلام كلما ذكر ولا تستحب السجدة كلما تليت تلك الآية إذا كان المجلس واحدا والفرق ان الرسول عليه السلام محتاج والرب عز وجل غير محتاج قال الامام محمد بن العربي قدس سره فى روح القدس له اعلم ان لا شىء انكأ على إبليس من ابن آدم فى جميع أحواله فى صلاته من سجوده لانه خطيئته فكثرة السجود وتطويله يحزن الشيطان(3/309)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5)
وليس الإنسان بمعصوم من إبليس فى صلاته الا فى سجوده لانه حينئذ يذكر الشيطان معصيته فيحزن فيشتغل بنفسه عنك ولهذا قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (إذا قرأ ابن آدم السجد فسجد اعتزل الشيطان يبكى ويقول يا ويلتى امر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فابيت فلى النار (فالعبد فى سجوده معصوم من الشيطان غير معصوم من النفس فخواطر السجود كلها اما ربانية او ملكية او نفسية وليس للشيطان عليه من سبيل فاذا قام من سجوده غابت تلك الصفة عن إبليس فزال حزنه فاشتغل بك انتهى كلامه يقول الفقير فيه اشارة الى ان الشيطان انما ابى عن السجود لاستكباره فكل من استكبر عنه كالكفار كان الشيطان قرينه فى جميع أحواله وكل من تواضع فسجد كالمؤمنين اعتزل عنه الشيطان فى تلك الحال لا فى جميع الأحوال الا ان يزكى نفسه عن رذيلة الكبر فحينئذ يتخلص فى جميع أحواله ويكون من العباد المخلصين
زينت تو پس كمر بندگى ... تاج تو در سجده سرافكندگى
شرم تو بادا كه ببالا وبست ... سجده طاعت بردش هر چهـ هست
تو كنى از سجده او سركشى ... به كه ازين شيوه قدم در كشى
[وحضرت شيخ الإسلام قدس سره فرمود سرى كه درو سجودى نيست سفچهـ به از دست وكفى كه در وجودى نيست كفچهـ به از دست] ونعم ما قال
شرف نفس بجودست وكرامت بسجود ... هر كه اين هر دو ندارد عدمش به ز وجود
قال فى التأويلات النجمية إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يعنى الذين أفنوا أفعالهم واخلاقهم وذواتهم فى أوامر الله وأخلاقه وذاته فما بقوا عند أنفسهم وانما بقوا ببقاء الله عنده لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ لان الاستكبار من اخلاقهم وقد أفنوها فى أخلاقه فما بقي لهم الاستكبار فكيف يستكبرون عن عبادته وقد أفنوا أفعالهم فى أوامر الله وهى عبادته فاعمالهم قائمة بالعبادة لا بالفعل وهم فى حال الفناء عن أنفسهم والبقاء بالله وَيُسَبِّحُونَهُ اى ينزهونه عن الحلول والاتصال والاتحاد وعن ان يكون هو العبد او العبد إياه بل هو هو كما كان فى الأزل لم يكن شيأ مذكورا وَلَهُ يَسْجُدُونَ فى الوجود والعدم من الأزل والابد سجدوا له من الأزل فى العدم منقادين مسخرين قابلين لاحكام القدرة فى الإيجاد للوجود وسجدوا له الى الابد فى الوجود ببذل الموجود منقادين مسخرين قابلين لاحكام القدرة فى تصاريف الاعدام والإيجاد والإبقاء.
ت مت سورة الأعراف بالرحم والرأف مع ما يتعلق بها من التفسير والتأويل على وجه عديل سوىّ من غير تطويل وذلك فى العشر الاول من صفر الخير المنتظم فى سلك شهور سنة احدى ومائة والف من هجرة من له العز والشرف ويتلوها سورة الأنفال وقد حان الاغتنام بغنائمها بعون الله الملك العزيز القوى المتعال
تفسير سورة الأنفال
مدنية وآيها ست وسبعون وقيل مكية بسم الله الرحمن الرحيم
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ اى عن حكم الغنائم فالسؤال استفتائى ولهذا عدى بكلمة(3/310)
عن لا استعطائى كما يقال سألته درهما لان السؤال قد يكون لاقتضاء معنى فى نفس المسئول فبتعدى إذ ذاك بعن كما قال سلى ان جهلت الناس عنى وعنهمو وقد يكون لاقتضاء مال ونحوه فيتعدى إذ ذاك الى المفعولين كالمثال المذكور. والنفل الزيادة وسميت الغنيمة به لانها عطية من الله زائدة على ما هو الاجر فى الجهاد من الثواب الأخروي وعلى ما أعطاه لسائر الأمم حيث لم بحل لهم الغنائم وكانت تنزل نار من السماء فتأكلها والنافلة من الصلاة مازاد على الفرض ويقال لولد الولد نافلة لانه زيادة على الولد ويطلق على ما يشرطه الامام لمقتحم خطر عطية له وزيادة على سهمه من الغنم- روى- ان المسلمين اختلفوا فى غنائم بدر وفى قسمتها فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تقسم والى اين تصرف ومن الذين يتولون قسمتها أهم المهاجرون أم الأنصار أم هم جميعا فنزلت فضمير يسألون لاصحاب بدر لتعينهم حال نزول الآية فلا حاجة الى سبق الذكر صريحا. والمعنى يستفتونك فى حكم الأنفال قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ اى أمرها وحكمها مختص به تعالى يقسمها الرسول كيفما امر به من غير ان يدخل فيه رأى أحد قال الحدادي اضافة الغنائم الى الله على جهة التشريف لها واضافتها الى الرسول لانه كان بيان حكمها وتدبيرها اليه فَاتَّقُوا اللَّهَ اى إذا كان امر الغنائم لله ورسوله فاتقو الله تعالى واجتنبوا ما كنتم فيه من المشاجرة فيها والاختلاف الموجب لسخطه تعالى وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ ذات البين هى الأحوال التي تقع بين الناس كما ان ذات الصدور هى المضرات الكائنة فيها وذات الإناء هى ما حل فيه من الطعام والشراب ولما كان ما حل فى الشيء ملابسا له قيل انه صاحب محله وذوه مثل ان يقال اسقني ذا انائك اى الماء الذي فيه اى وأصلحوا ما بينكم من الأحوال بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم الله تعالى وتفضل به عليكم وذلك لان المقاتلة قالوا لنا الغنائم وأرادوا ان لا يواسوا الشيوخ والوجوه الذين كانوا عند الرايات قال عبادة بن الصامت نزلت فينا معشر اصحاب بدر حين اختلفنا فى النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله لرسوله فقسمه بين المسلمين على السواء وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ بتسليم امره ونهيه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ متعلق بالأوامر الثلاثة والمراد بالايمان كماله فان اصل الايمان لا يتوقف على التحلي بمجموع تلك الأمور كلها بل يتحقق بمجرد الطاعة بقبول ما حكم الله ورسوله به والاعتقاد بحقيته. والمعنى ان كنتم كاملى الايمان فان كمال الايمان يدور على هذه الخصال الثلاث واعلم ان كثرة السؤال توجب الملال ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات والمنع وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال واضاعة المال) ففى الحديث فوائد. منها النهى عن عقوق الوالدين لانه من الكبائر وانما اقتصر على الام اكتفاء بذكر أحدهما كقوله تعالى وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ او لان حقها اكثر وخدمتها أوفر. وفيه نهى عن وأد البنات وهو فعل الجاهلية كان الواحد منهم إذا ولد له ابن تركه وإذا ولد له بنت دفنها حية وانما حملهم على ذلك خوف الاملاق ودفع العار والانفة عن أنفسهم وأراد بالمنع الامتناع عن أداء ما يجب ويستحب. وبهات الاقدام على أخذ ما يكره ويحرم. وفيه نهى عن المقاولة(3/311)
بلا ضرورة وقصد ثواب فانها تقسى القلوب. وفيه نهى عن كثرة السؤال قال ابن ملك يجوز ان يراد به سؤال اموال الناس وان يراد به سؤال الإنسان عما لا يعنيه. وفيه نهى عن اضاعة المال وهى إنفاقه فى المعاصي والإسراف به فى غيرها كالاسراف فى النفقة والبناء والملبوس والمفروش وتمويه الأواني والسيوف بالذهب قال فى التأويلات النجمية فلما أكثروا السؤال قال عليه السلام (درونى ما تركتكم فانه انما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم) ومن كثرة سؤالهم قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ وانما سألوا ليكون الأنفال لهم فقال على خلاف ما تمنوا قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ يعملان فيها ما شا آلا كما شئتم لتتأدبوا ولا تعترضوا على
الله والرسول بطريق السؤال وتكونوا مستسلمين لاحكامهما فى دينكم ودنياكم ولا تحرصوا على الدنيا لئلا تشوبوا أعمالكم الدينية بالاعراض الدنيوية فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ اى اتقوا بالله عن غير الله وأصلحوا ما بينكم من الأخلاق الرديئة والهمم الدنيئة وهى الحرص على الدنيا والحسد على الاخوان وغيرهما من الصفات الذميمة التي يحجب بها نور الايمان عن القلوب وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ بالتسليم لاحكامهما والائتمار باوامرهما والانتهاء عن نواهيهما إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ تحقيقا لا تقليدا فان المؤمن الحقيقي هو الذي كتب الله بقلم العناية فى قلبه الايمان وأيده بروح منه فهو على نور من ربه: وفى المثنوى
بود كبرى در زمان با يزيد ... كفت او را يك مسلمان سعيد
كه چهـ باشد كر نو اسلام آورى ... تا بيابى صد نجات وسرورى
كفت اين ايمان اگر هست اى مريد ... آنكه دارد شيخ عالم با يزيد
من ندارم طاقت آن تاب آن ... كان فزون آمد ز كوششهاى جان
گرچهـ در ايمان ودين ناموقنم ... ليك در ايمان او بس مؤمنم
مؤمن ايمان اويم در نهان ... گرچهـ مهرم هست محكم بر دهان
باز ايمان كر خود ايمان شماست ... نى بدان ميلستم ونى اشتهاست
آنكه صد مبلش سوى ايمان بود ... چون شما را ديد آن باطل شود
زانكه نامى بيند ومعنيش نى ... چون بيابان را مفازه كفتنى
اللهم اجعلنا متحققين بحقائق الايمان وأوصلنا الى درجات العرفان والإحسان إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ اى انما الكاملون فى الايمان المخلصون فيه الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ عندهم وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ من هيبة الجلال وتصور عظمت المولى الذي لا يزال وهذا الخوف لازم لاهل كمال الايمان سواء كان ملكا مقربا او نبيا مرسلا او مؤمنا تقيا نقبيا وهذا بخلاف خوف العقاب فانه لا يحصل بمجرد ذكر الله بل بملاحظة المعصية وذكر عقاب الله انتقاما من العصاة واين من يهم بمعصية فيقال له اتق الله فينزع عنها خوفا من عقابه ممن ينزع بمجرد ذكره من غير ان يذكر هناك ما يوجب النزع من صفاته وأفعاله استعظاما لشأنه الجليل وتهيبا منه واعلم ان شأن نور الايمان ان يرق القلب ويصفيه عن كدورات صفات النفس وظلماتها ويلين قسوته فيلين الى ذكر الله ويجد شوقا الى الله وهذا حال اهل النهايات فالطمأنينة والسكون(3/312)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)
بالذكر ولما جاء قوم حديثوا عهد بالإسلام فسمعوا القرآن كانوا يبكون ويتأوّهون فقال أبو بكر رضى الله عنه هكذا كنا فى بداية الإسلام ثم قست قلوبنا يشير بذلك الى نهايته فى الاطمئنان وَإِذا تُلِيَتْ قرئت عَلَيْهِمْ آياتُهُ اى آيات الله يعنى القرآن امر او نهيا وغير ذلك زادَتْهُمْ اى تلك الآيات والاسناد مجازى إِيماناً اى يقينا وطمأنينة نفس فان تظاهر الادلة وتعاضد الحجج والبراهين موجب لزيادة الاطمئنان وقوة اليقين قال الفاضل التفتازانيّ وتبعه المولى ابو السعود فى تفسيره ان نفس التصديق مما يقبل الزيادة والنقصان للفرق الظاهر بين يقين الأنبياء وارباب المكاشفات وبين يقين الامة ولهذا قال امير المؤمنين على رضى الله عنه «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا» وكذا بين ما قام عليه دليل واحد من التصديقات وما قامت عليه ادلة كثيرة قال الكاشفى [در حقايق سلمى مذكورست كه ببركت تلاوت نور يقين در باطن ايشان ظاهر كردد وزيادتى طاعت بر ظاهر ايشان هويدا شود. ودر بحر الحقائق فرموده كه ايمان حقيقى نوريست كه بقدر سعت روزنه دل در وى مى تابد پس چون قرآن بر ارباب قلوب خوانند روزنه دل ايشان ببركت قرائت كشاده تر كردد ونور ايمان بيشتر در وى افتد پس در نور جمال مستغرق كردند] وَعَلى رَبِّهِمْ مالكهم ومدبر أمورهم خاصة يَتَوَكَّلُونَ يفوضون أمورهم ولا يخشون ولا يرجون الا إياه قال فى التأويلات النجمية عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ لا على الدنيا وأهلها فان من شاهد بنور الايمان جمال الحق وجلاله فقد استغرق فى بحر لجى من شهود الحق بحيث لا يتفرغ لغيره ويرى الأشياء مضمحلة تحت سطوات جلاله فيكون توكلهم عليه لا على غيره
هر كه او در بحر مستغرق شود ... فارغ از كشتى واز زورق شود
غرقه دريا بجز دريا نديد ... غير دريا هست بر وى ناپديد
ولما ذكر اولا من الأعمال الحسنة اعمال القلوب من الخشية والوجل عند ملاحظة عظمة الله تعالى وجلاله والإخلاص والتوكل عقب بافعال الجوارح التي هى العيار عليها كالصلاة والصدقة فقال الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ بوضوئها وركوعها وسجودها فى مواقيتها وهو مرفوع على انه نعت للموصول الاول وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ أعطيناهم من الأموال يُنْفِقُونَ فى طاعة الله وانما خص الله الصلاة والزكاة لعظم شأنهما وتأكيد أمرهما أُولئِكَ الجامعون لاعمال القلب والقالب هُمُ الْمُؤْمِنُونَ ايمانا حَقًّا لانهم حققوا ايمانهم بان ضموا اليه الأعمال الصالحة لَهُمْ دَرَجاتٌ كائنة عِنْدَ رَبِّهِمْ اى كرامة وزلفى وعلو مرتبة وقيل درجات عالية فى الجنة على قدر أعمالهم قال فى أنوار المشارق الدرجة ان كانت بمعنى المرقاة فجمعها درج وان كانت بمعنى المرتبة والطبقة فجمعها درجات وَمَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [وروزى بزرك صافى باشد از كدّ اكتساب وخالى از خوف حساب] لا ينتهى ولا ينقطع كارزاق الدنيا قال فى القاموس رزقا كريما كثيرا وقولا كريما سهلا لينا وأكرمه وكرمه عظمه ونزهه [امام قشيرى قدس سره فرموده كه رزق كريم آنست كه مرزوق را از شهود رازق باز ندارد](3/313)
كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5)
تو ز روزى ده بروزى واممان ... از سبب بگذر مسبب بين عيان «1»
از مسبب ميرسد هر خير وشر ... نيست ز اسباب وسائط اى پدر «2»
اصل بيند ديده چون أكمل بود ... فرع بيند ديده چون أحول بود «3»
قال فى المجالس المحمودية اعلم ان الصلاة أعظم الأعمال القالبية والصدقة خير العبادات المالية- وروى- ان فاطمة اعطت قميصها عليا ليشترى لها ما اشتهاه الحسن فباعه بستة دراهم فسأله سائل فاعطاه إياها فاستقبله رجل ومعه ناقة فاشتراها على المدة بستين دينارا ثم استقبله رجل فاشترى منه الناقة بستين دينار او ستة دراهم ثم طلب بائع الناقة ليدفع له ثمنها فلم يجده فعرض القصة على النبي عليه السلام فقال عليه السلام (اما السائل فرضوان واما البائع فميكائيل واما المشترى فجبرائيل) وفى الحديث (يأتى يوم القيامة اربعة على باب الجنة بغير حساب الحاج الذي حج البيت بغير إفساد والشهيد الذي قتل فى المعركة والسخي الذي لم يلتمس بسخاوته رياء والعالم الذي عمل بعلمه فيتنازعون فى دخول الجنة اولا فيرسل الله جبرائيل ليحكم بينهم بالعدل فيقول للشهيد ما فعلت فى الدنيا حتى تريد ان تدخل الجنة او لا فيقول قتلت فى المعركة لرضى الله تعالى فيقول ممن سمعت ان من قتل فى سبيل الله يدخل الجنة فيقول من العلماء فيقول احفظ الأدب ولا تتقدم على معلمكما ثم يسأل الحجاج والسخي كذلك ثم يقول لهما احفظا الأدب ولا تقدما على معلمكما ثم يقول العالم إلهى أنت تعلم انى ما حصلت العلم الا بسخاوة السخي وأنت لا تضيع اجر المحسنين فيقول الله صدق العالم يا رضوان افتح الباب وادخل السخي اولا) وفى ذلك اشارة الى ان المراد بالعالم هو الذي يعمل بعلمه فان الانصاف من شأنه إذ الانصاف لا يحصل الا بصلاح النفس ولا يمكن ذلك الا بالعمل فلا يغترّ اهل الهوى من علماء الظاهر بذلك فان كون العلم المجرد منجيا مذهب فاسد فان العالم الفاجر أشد عذابا من الجاهل بل العالم هو الذي يعمل بعلمه ويصل الى العرفان بتصفية القلب ولا شك ان كون المذكورين فى الآية مؤمنين حقا بسبب خدمتهم لله تعالى بانفسهم وأموالهم وتجردهم عن العلائق البدنية والمالية وبقائهم مع الله تعالى وإيثارهم له على جميع ما سواه حتى على أنفسهم فمن آثر الحق على ما سواه فقد وصل الى أقصى مراداته فلا بد ان الله تعالى يدبر امره ويقضى حاجاته كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ المراد بإخراج الله تعالى إياه كونه سببا آمر اله بالخروج وداعيا اليه فان جبرائيل عليه السلام أتاه وامره بالخروج مِنْ بَيْتِكَ فى المدينة بِالْحَقِّ حال من مفعول اخرجك اى اخرجك ملتبسا بالحق وهو اظهار دين الله وقهر اعداء الله والكاف فى محل الرفع على انه خبر مبتدأ محذوف تقديره هذه الحال وهى قسمة غنائم بدر بين الغزاة على السواء من غير تفرقة بين الشبان المقاتلين وبين الشيوخ الثابتين تحت الرايات كحال اخراجك يعنى ان حالهم فى كراهتهم لما رأيت فان فى طبع المقاتلة شيأ من الكراهة لهذه القسمة مع كونها حقا كحالهم فى كراهتهم لخروجك للحرب وهو حق وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ اى والحال ان فريقا منهم كارهون للخروج اما لنفرة الطبع عن القتال او لعدم الاستعداد قال سعدى چلبى المفتى الظاهر ان المراد هى الكراهة الطبيعة التي لا تدخل تحت القدرة والاختيار فلا يرد انها لا تليق بمنصب
__________
(1) لم أجد
(2) در اواسط دفتر پنجم در بيان آنكه عطاى حق وقدرت او موقوف بر قابليت نيست إلخ
(3) در اواسط دفتر پنجم در بيان آنكه مخلوقى كه توارا از او ظلمى رسد إلخ(3/314)
الصحابة رضى الله عنهم- روى- ان عير قريش اى قافلتهم أقبلت من الشام وفيها تجارة عظيمة ومعها أربعون راكبا منهم ابو سفيان وعمرو بن العاص ومحرمة بن نوفل وكان فى السنة الثانية من الهجرة فاخبر جبريل رسول الله بإقبالها فاخبر المسلمين فاعجبهم تلقيها لكثرة المال وقلة الرجال فلما خرجوا سمعه ابو سفيان فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه الى مكة وامره ان يأتى قريشا فيستفزهم ويخبرهم ان محمدا قد اعترض لعيركم فادركوها فلما بلغ اهل مكة هذا الخبر نادى ابو جهل فوق الكعبة يا اهل مكة النجاء النجاء على كل صعب وذلول عيركم وأموالكم اى تداركوها ان أصابها محمد لن تفلحوا بعدها ابدا وقد رأت عاتكة اخت العباس بن عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا فقالت لاخيها انى رأيت عجبا كأن ملكا نزل من السماء فاخذ صخرة من الجبل ثم حلق بها اى رمى بها الى فوق فلم يبق بيت من بيوت مكة الا أصابه حجر من تلك الصخرة فحدث بها العباس صديقا له يقال له عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وذكرها عتبة لا بنته ففشا الحديث فقال ابو جهل للعباس يا أبا الفضل ما يرضى رجالكم ان يتنبأوا حتى تنبأت نساؤكم فخرج ابو جهل باهل مكة وهم النفير فقيل له ان العير أخذت طريق الساحل ونجت فارجع بالناس الى مكة فقال لا والله لا يكون ذلك ابدا حتى ننحر الجزور ونشرب الخمور ونقيم القينات والمعازف ببدر فتتسامع جميع العرب بمخرجنا وان محمدا لم يصب العير وانا قد أغضضناه فمضى بهم الى بدر وبدر ماء كانت العرب تجتمع فيه لسوقهم يوما فى السنة فنزل جبريل فقال يا محمد ان الله وعدكم احدى الطائفتين اما العير واما قريشا فاستشار النبي عليه السلام أصحابه فقال (ما تقولون ان القوم قد خرجوا من مكة على كل صعب وذلول فالعير أحب إليكم أم النفير) فقالوا بل العير أحب إلينا من لقاء العدو فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ردد عليهم فقال ان العير قد مضت على ساحل البحر وهذا ابو جهل قد اقبل) يريد صلى الله عليه وسلم بذلك ان تلقى النفير وجهاد المشركين آثر عنده وانفع للمؤمنين من الظفر بالعير لما فى تلقى النفير من كسر شوكة المشركين واظهار الدين الحق على الأديان كلها فقالوا يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو فقام عند ما غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر رضى الله عنهما فاحسنا الكلام فى اتباع مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام سيد الخزرج سعد بن عبادة فقال انظر فى أمرك وامض فو الله لو سرت الى عدن أبين ما تخلف عنك رجل من الأنصار ثم قال المقداد ابن عمرو يا رسول الله امض لما أمرك الله فانا معك حيثما أحببت لا نقول لك كما قالت بنوا إسرائيل لموسى عليه السلام اذهب أنت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون ما دامت عين منا تطرف فتبسم رسول الله ثم قال (أشيروا على ايها الناس) وهو يريد الأنصار اى بينوا لى ما فى ضميركم فى حق نصرتى ومعاونتى فى هذه المعركة وذلك لان الأنصار كانوا عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة ان ينصروه مادام فى المدينة وإذا خرج منها لا يكون عليهم معاونة ونصرة فاراد عليه السلام ان يعاهدهم على النصرة فى تلك المعركة ايضا فقام سعد بن معاذ فكأنك تريدنا يا رسول الله قال (أجل) قال قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا(3/315)
يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)
ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما نخلف منا رجل وما نكره ان تلقى بنا عدونا انا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله تعالى يربك منا ما تقربه عينك فسربنا على بركة الله ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشطه قول سعد ثم قال (سيروا على بركة الله وابشروا فان الله وعدنى احدى الطائفتين والله لكأنى الآن انظر الى مصارع القوم) فالمعنى اخرجك ربك من بيتك لان تترك التوجه الى العير وتؤثر عليه مقاتلة النفير فى حال كراهة فريق من أصحابك ما آثرته من محاربة النفير يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ الذي هو تلقى النفير لايثارهم عليه تلقى العير بَعْدَ ما تَبَيَّنَ منصوب بيجادلونك وما مصدرية اى يخاصمونك بعد تبين الحق وظهوره لهم باعلامك انهم ينصرون أينما توجهوا ويقولون ما كان خروجنا الا للعير وهلا قلت لنا ان الخروج لمقاتلة النفير لنستعد ونتأهب فمن قال ذلك انما قال كراهة لاخراجه عليه الصلاة والسلام من المدينة وكراهتهم القتال كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ الكاف فى محل النصب على الحالية من الضمير فى لكارهون اى مشبهين بالذين يساقون بالعنف والصغار الى القتل وَهُمْ يَنْظُرُونَ حال من ضمير يساقون اى والحال انهم ينظرون الى اسباب الموت ويشاهدونها عيانا وما كانت هذه المرتبة من الخوف والجزع الا لقلة عددهم وعدم تأهبهم وكونه رجالة- وروى- انهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ليس فيهم الا فارسان الزبير والمقداد ولهم سبعون بعير اوست ادرع وثمانية اسياف وكان المشركون اكثر عددا وعددا بالأضعاف والاشارة ان الله تعالى اخرج المؤمنين الذين هم المؤمنون حقا من أوطان البشرية الى مقام العندية بجذبات العناية كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ اى من وطن وجودك بالحق اى بمجىء الحق من تجلى صفات جماله وجلاله وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ اى القلب والروح يعنى للفناء عند التجلي فان البقاء محبوب والفناء مكروه على كل ذى وجود يجادلونك اى الروح والقلب فى الحق اى مجيىء الحق من بعد ما تبين مجيئه لكراهة الفناء كأنما يساقون الى الموت وهم ينظرون يعنى كأنهم ينظرون الى الفناء ولا يزول البقاء بعد الفناء كمن يساق الى الموت كذا فى التأويلات النجمية: وفى المثنوى
شير دنيا جويد آشكاري وبرك ... شير مولى جويد آزادى ومرك «1»
چونكه اندر مرك بيند صد وجود ... همچو پروانه بسوزاند وجود
كل شىء هالك جز وجه او ... چون نه در وجه او هستى مجو «2»
هر كه اندر وجه ما باشد فنا ... كل شىء هالك نبود جزا
ز انكه در «الا» ست او از «لا» كذشت ... هر كه در «الا» ست او فانى نكشت
واعلم انه كمالا اعتراض على الأنبياء فى وحيهم وعباراتهم كذلك لا اعتراض على الأولياء فى ألهامهم وإشاراتهم وان السعادة فى العمل والاخذ بآياتهم والوجود وان كان محبوبا لاهل الوجود لكن الفناء محبوب لاهل الشهود فعلى السالك ان ينقطع عن جميع اللذات الدنيوية ويطهر نفسه عن لوث الأغراض الدنية ويكون الرسول وامره أحب اليه من نفسه الى
__________
(1) در اواخر دفتر يكم در بيان فتح طلبيدن پيغمبر صلى الله عليه وسلم در مكه وغيرها إلخ [.....]
(2) در اواخر دفتر يكم در بيان امتحان كردن شير كرك را إلخ(3/316)
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)
ان ينفد عمره روى البخاري عن عبد الله بن هشام انه قال كنا مع النبي عليه السلام وهو أخذ بيد عمر رضى الله عنه فقال عمر رضى الله عنه يا رسول الله أنت أحب الى من كل شىء إلا نفسي فقال صلى الله عليه وسلم (لا والذي نفس محمد بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك) اى لا يكون إيمانك كاملا حتى تؤثر رضاى على رضى نفسك وان كان فيه هلاكك فقال عمر الآن والله أنت أحب الى من نفسى فقال (الآن يا عمر) يعنى صار إيمانك كاملا قال ابن ملك والمراد من هذه المحبة محبة الاختيار لا محبة الطبع لان كل أحد مجبول على حب نفسه أشد من غيرها انتهى. قوله محبة الاختيار وهو ان يختار رضى النبي عليه السلام على رضى نفسه فالمراد هو الإيثار كما قال تعالى وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ فكما ان هذا الإيثار لا يقتضى عدم احتياج المؤثر فكذلك إيثار رضى الغير لا يستدعى ان تكون المحبة له أشد من كل وجه هذا ولكن فوق هذا كلام فان من فنى عن طبيعته ونفسه بل عن قالبه وقلبه فقد فنى عن محبتها ايضا وتخلص من الاثنينية ووصل الى مقام المحبوبية الذي لا غاية وراءه ورزقنا الله وإياكم ذلك بفضله وكرمه وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ اى اذكروا ايها المؤمنون وقت وعد الله تعالى إياكم إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ اى الفريقين إحداهما ابو سفيان مع العير والاخرى ابو جهل مع النفير أَنَّها لَكُمْ بدل اشتمال من احدى الطائفتين مبين لكيفية الوعد اى يعدكم ان احدى الطائفتين كائنة لكم مختصة بكم مسخرة لكم تتسلطون عليها تسلط الملاك على املاكهم وتتصرفون فيها كيف شئتم وَتَوَدُّونَ عطف على يعدكم داخل تحت الأمر بالذكر اى تحبون أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ من الطائفتين لا ذات الشوكة وهى النفير ورئيسهم ابو جهل وهم الف مقاتل وغير ذات الشوكة هى العير إذ لم يكن فيها الا أربعون فارسا ورئيسهم ابو سفيان ولذلك يتمنونها. والشوكة الحدة اى السلاح الذي له حدة كسنان الرمح والسيف ونصل السهم مستعار من واحدة الشوك والشوك نبت فى طرفه حدة كحدة الابرة وَيُرِيدُ اللَّهُ عطف على تودون منتظم معه فى سلك التذكير اى اذكروا وقت وعده تعالى إياكم احدى الطائفتين وودادتكم لادناهما وقوله تعالى أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ اى يثبته ويعليه بِكَلِماتِهِ بامره لكم بالقتال وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ اى آخرهم ويستأصلهم بالمرة. والمعنى انكم تريدون ان تصيبوا مالا ولا تلقوا مكروها والله يريد إعلاء الدين واظهار الحق وما يحصل لكم فوز الدارين لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ اللام متعلقة بفعل مقدر مؤخر عنها اى لهذه الغاية الجليلة وهى اظهار الدين الحق وابطال الكفر فعل ما فعل لا لشى آخر وليس فيه تكرار إذ الاول مذكور لبيان تفاوت ما بين الإرادتين ارادة الله وارادة المؤمنين والثاني لبيان الداعي الى حمل الرسول صلى الله عليه وسلم على اختيار التوجه الى ذات الشوكة ونصره عليها وقطع دابر المشركين ومعنى احقاق الحق اظهار حقيته لا جعله حقا بعد ان لم يكن كذلك وكذا حال ابطال الباطل وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ اى المشركون ذلك اى احقاق الحق وابطال الباطل إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ اى اذكروا وقت استغاثتكم وهى طلب الفوز والنصر والعون وذلك انهم لما علموا انه لا بد من القتال جعلوا يدعون الله(3/317)
وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)
تعالى قائلين اى رب انصرنا على عدوك يا غياث المستغيثين أغثنا وعن عمر رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نظر الى المشركين وهم الف والى أصحابه وهم ثلاثمائة وبضعة عشر فاستقبل القبلة ومد يديه يدعو (اللهم أنجز لى ما وعدتني اللهم ان تهلك هذه العصابة لا تعبد فى الأرض) فما زال كذلك حتى سقط رداؤه فاخذه أبو بكر فالقاه على منكبه والتزمه من ورائه وقال يا نبى الله كفاك مناشدتك ربك فانه سينجز ما وعدك فهذه الاستغاثة كانت من النبي عليه السلام ومن المؤمنين واسناد الفعل الى الجماعة لا ينافى كونه من النبي عليه السلام لانه دعا وتضرع والمؤمنون كانوا يؤّمنون فَاسْتَجابَ لَكُمْ اى أجاب عطف على تستغيثون داخل معه فى حكم التذكير أَنِّي بانى مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ اى جاعلين غيرهم من الملائكة رديفا لانفسهم فالمراد رؤساؤهم المستتبعون لغيرهم حتى صاروا ثلاثة آلاف ثم خمسة آلاف وَما جَعَلَهُ اللَّهُ عطف على مقدر اى فامدكم الله بانزال الملائكة عيانا وما جعل ذلك الامداد لشىء من الأشياء إِلَّا بُشْرى اى الا للبشارة لكم بانكم تنصرون فهو استثناء مفرغ من أعم العلل وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ اى بالامداد قُلُوبُكُمْ فيزول ما بها من الوجل لقلتكم وذلتكم وفى قصر الامداد عليها اشعار بعدم مباشرة الملائكة للقتال وانما كان امدادهم بتقوية قلوب المباشرين وتكثير سوادهم ونحوه ولو بعثهم الله بالمحاربة لكان يكفى ملك واحد فان جبريل أهلك بريشة واحدة من جناحه سبعا من مدائن قوم لوط وأهلك بصيحة واحدة جميع بلاد ثمود قال الحدادي وهذا القول اقرب الى ظاهر الآية وقيل نزل جبرائيل فى خمسمائة من الملائكة على الميمنة وفيها أبو بكر رضى الله عنه ونزل ميكائيل فى خمسمائة على الميسرة وفيها على بن ابى طالب رضى الله عنه فقاتلوا وقيل قاتلوا يوم بدر ولم يقاتلوا يوم الأحزاب ويوم حنين- وروى- ان رجلا قال تبعت رجلا من المشركين لأضربه يوم بدر فوقع رأسه بين يدى قبل ان يصل اليه سيفى وَمَا النَّصْرُ اى حقيقة النصر على الإطلاق إِلَّا كائن مِنْ عِنْدِ اللَّهِ من غير ان يكون فيه شركة من جهة الأسباب فان امداد الملائكة وكثرة العدد والأهب ونحوهما وسائط لا تأثير لها فلا تحسبوا النصر منها ولا تيأسوا منه بفقدها ونعم ما قيل
النصر ليس باجناد مجندة ... لكنه بسعادات وتوفيق
إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ لا يغالب فى حكمه ولا ينازع فى أقضيته حَكِيمٌ يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة واعلم ان للملائكة امدادا فى كل جيش حق وان لم يكونوا مرئيين ومشاهدين بحسب أبصارنا وهم فى الحقيقة اشارة الى القوى الروحانية الغالبة فانها إذا ظهرت فى وجود المجاهر بالجهاد الأكبر لا يقابلها شىء من القوى الانفسية الشريرة المغلوبة وكذا ما كان مظاهرها من كفار الظاهر وانما العمدة هى اليقين والاطمئنان- روى- ان بنى إسرائيل اعطوا السكينة وهى ريح ساكنة تخلع قلب العدو بصوتها رعبا إذا التقى الصفان وهى معجزة لانبيائهم وكرامة لملوكهم وللسكينة معنيان آخران. أحدهما شىء من لطائف صنع الحق يلقى على لسان محدث الحكمة كما يلقى الملك الوحى على قلوب الأنبياء مع ترويح(3/318)
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11)
الاسرار وكشف السر. وثانيهما ما انزل على قلب النبي عليه السلام وقلوب المؤمنين وهو شىء يجمع نورا وقوة وروحا يسكن اليه الخائف ويتسلى به الحزين وقد ورثه المجاهدون فى سبيل الله بعدهم الى قيام الساعة وانما لا يظهر فى بعض الأحيان والوقائع لحكمة أخفاها الله عن الغافلين
هر خلل كاندر عمل بينى ز نقصان دلست ... رخنه كاندر قصر بينى از قصور قيصرست
وكل عصر على التنزل بالنسبة الى ما قبله ولهذا لا يظهر النصر فى بعض السرايا بل يقال يا ايها الكفرة اقتلوا الفجرة قيل لعلى رضى الله عنه ما بال خلافة عثمان مع خلافتك كانت متكدرة بخلاف خلافة الشيخين قال كنت انا وعثمان من اعوانهما وأنت وامثالك من اعواننا فعلى المجاهدين ان يسعيثوا ربهم ويتضرعوا اليه كما تضرع الاصحاب رضى الله عنهم ومن يليهم لعل الله تعالى يظهر نصره
دعاى ضعيفان اميدوار ... ز بازوى مردى به آيد بكار
ألا يا ايها المرء الذي فى عسره أصبح ... إذا اشتد بك الأمر فلا تنس ألم نشرح
واعلم ان اصدق المقال قول الله تعالى وقول رسوله وقد وعد وأمد فعليك بقوة الايمان واليقين قال الشيخ محيى الدين بن العربي قدس سره فى وصايا الفتوحات ولقد ابتلى عندنا رجل من اعيان الناس بالجذام نعوذ بالله منه وقال الأطباء باسرهم لما ابصروه وقد تمكنت العلة فيه ما لهذا المرض دواء فرأه شيخ من اهل الحديث يقال له سعد السعود وكان عنده ايمان بالحديث عظيم فقال له يا هذا لم لا تطيب نفسك فقال له الرجل ان الأطباء قالوا ليس لهذه العلة دواء فقال سعد السعود كذبت الأطباء والنبي عليه السلام احذق منهم وقد قال فى الحبة السوداء انها شفاء من كل داء وهذا الداء الذي نزل بك من جملة ذلك ثم قال على بالحبة السوداء والعسل فخلط هذا بهذا وطلى بهما بدنه كله ووجهه ورأسه الى رجليه وألعقه من ذلك وتركه ساعة ثم انه غسل فانسلخ من جلده ونبت له جلد آخر ونبت ما كان قد سقط من شعره وبرىء وعاد الى ما كان عليه فى حال عافيته فتعجب الأطباء والناس من قوة إيمانه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان رحمه الله يستعمل الحبة السوداء فى كل داء يصيبح حتى فى الرمد إذا رمدت عينه اكتحل بها فبرى من ساعته انتهى كلام الشيخ فقد عرفت ان الاطمئنان وقوة الايمان يجلب للمرء ما يهواه بعناية الملك المنان لكنه قليل اهله خصوصا فى هذا الزمان والله المعين إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ قال جماعة من المفسرين لما امر الله النبي عليه السلام بالمسير الى الكفار سار بمن معه حتى إذا كان قريبا من بدر لقى رجلين فى الطريق فسألها هل مرت بكما العير قالا نعم مرت بنا ليلا وكان بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة من المسلمين فاخذوا الرجلين وكان أحدهما عبدا للعباس بن عبد المطلب يقال له ابو رافع والآخر عبدا لعقبة بن ابى معيط يقال له اسلم كانا يسقيان الماء فدفع اسلم الى أصحابه يسألونه وأخذ هو يسأل أبا رافع عمن خرج من اهل مكة فقال ما بقي بها أحد الا وقد خرج فقال عليه السلام تأتى مكة اليوم بافلاذ كبدها ثم قال هل رجع منهم أحد قال نعم أبيّ بن سريق فى ثلاثمائة من بنى زهرة وكان خرج لمكان العير فلما أقبلت العير رجع فسماه النبي عليه السلام الأخنس حين خنس بقومه ثم اقبل على(3/319)
أصحابه وهم يسألون اسلم وكان يقول لهم خرج فلان وفلان وابو بكر يضربه بالعصا ويقول له كذبت أتجبن الناس فقال عليه السلام (ان صدقكم ضربتموه وان كذبكم تركتموه) فعلموا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عرف أمرهم فساروا حتى نزلوا فى كثيب اعفر اى فى تل من الرمل الأحمر تسوخ فيه الاقدام اى تدخل وتغيب على غير ماء بالجانب الأقرب من المدينة من الوادي ونزل المشركون بجانبه الا بعد من المدينة الأقرب الى مكة والوادي بينهما ثم باتوا ليلتهم تلك وناموا ثم استيقظوا وقد اجنب أكثرهم وغلب المشركون على ماء بدر وليس معهم ماء فتمثل لهم الشيطان فوسوس إليهم وقال أنتم يا اصحاب محمد تزعمون انكم على الحق وانكم اولياء الله وفيكم رسوله وانكم تصلون على غير وضوء وعلى الجنابة وقد عظشتم ولو كنتم على الحق ما سبقكم المشركون الى الماء وغلبوكم عليه وما ينتظرون الا ان يضعفكم العطش فاذا قطع أعناقكم مشوا إليكم فقتلوا من أحبوا وساقوا بقيتكم الى مكة فحزنوا حزنا شديدا فاشفقوا فانزل الله عليهم المطر ليلا حتى سال الوادي وامتلأ من الماء فاغتسل المسلمون وتوضأوا وشربوا وسقوا دوابهم وبنوا على عدوته اى جانبه حياضا واشتد الرمل وتلبدت بذلك ارضهم واوحل ارض عدوهم حتى ثبتت عليها الاقدام وزالت وسوسة الشيطان وطابت النفوس وقويت القلوب وتهيأوا للقتال من الغد فذلك قوله تعالى إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ اى اذكروا ايها المؤمنون وقت جعل الله النعاس وهو أول النوم قبل ان يثقل عاشيا لكم ومحيطا وملقى عليكم أَمَنَةً مِنْهُ منصوب على العلية بفعل مترتب على الفعل المذكور اى يغشيكم النعاس فتنعسون أمنا كائنا من الله تعالى لا كلالا
واعياء فيتحد الفاعلان لان الامن فعل النعاس قال فى التأويلات النجمية يشير الى ان النعاس فى المعركة عند مواجهة العدو والامن منه بدل الخوف انما هو من تقليب الحال الى ضده بامر التكوين كما قال تعالى للنار يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ فكانت كذلك قال للخوف كن أمنا على محمد وأصحابه فكان انتهى وعن ابن مسعود رضى الله عنه النعاس عند القتال أمن من الله تعالى وهو فى الصلاة من الشيطان قال الحسن ان للشيطان ملعقة ومكحلة فملعقته الكذب ومكحلته النوم عند الذكر وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ اى بذلك الماء يعنى المطر من الحدث والجنابة وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ اى وسوسته وتخويفه إياكم من العطش ويقال أراد بالرجز الجنابة التي أصابتهم بالاحتلام فان الاحتلام انما يكون من رجز الشيطان اى تخييله ووسوسته ولذلك قال بعضهم من كتب اسم عمر على صدره لم يحتلم فان الشيطان كان يفر منه ويسلك فجا غير الفج الذي اقبل هو منه وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ الربط الشد والتقوية وعلى صلة. والمعنى وليربط قلوبكم ويشدها ويقويها بجعلها واثقة بلطف الله تعالى وكرمه وجىء بكلمة على للايذان بان قلوبهم امتلأت من ذلك الربط حتى كأنه علا عليها وارتفع فوقها وَيُثَبِّتَ بِهِ اى بذلك الماء الْأَقْدامَ حتى لا تسوخ فى الرمل ويجوز ان يكون الضمير للربط فان الاقدام انما تثبت فى الحرب بقوة القلب وتمكن الصبر والجراءة فيه
دلا در عاشقى ثابت قدم باش ... كه در اين ره نباشد كار بي اجر(3/320)
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)
وبمثل الصدق والصبر وارتباط القلب وثبات الاقدام سادت الصحابة الكرام من عداهم الى يوم القيام ولا فضل لاحد على أحد الا بالديانة والتقوى قال الزهري قدمت على عبد الملك بن مروان قال من اين قدمت يا زهرى قلت من مكة قال فمن خلفت فيها يسود أهلها قال قلت عطاء بن رباح قال فمن العرب أم من الموالي قلت من الموالي قال بم سادهم قلت بالديانة والرواية قال ان اهل الديانة والرواية ينبغى ان يسودوا الناس قال فمن يسود اهل اليمن قلت طاووس بن كيسان قال فمن العرب أم من الموالي قلت من الموالي قال فبم سادهم قلت بما ساد به عطاء قال من كان كذلك ينبغى ان يسود الناس قال فمن يسود اهل مصر قلت يزيد بن ابى حبيب قال فمن العرب أم من الموالي قلت من الموالي فقال كما قال فى الأولين ثم قال فمن يسود اهل الشام قلت مكحول الدمشقي فقال من العرب أم من الموالي قلت من الموالي عبد نوبى أعتقته امرأة من هذيل فقال كما قال ثم قال فمن يسود اهل الجزيرة قلت ميمون بن مهران قال فمن العرب أم من الموالي قلت من الموالي فقال كما قال ثم قال فمن يسود اهل حرمنا قلت الضحاك بن مزاحم فقال من العرب أم من الموالي قلت من الموالي فقال كما قال ثم قال فمن يسود اهل البصرة قلت الحسن بن ابى الحسن قال من العرب أم من الموالي قلت من الموالي قال ويلك فمن يسود أهل الكوفة قلت ابراهيم النخعي قال من العرب أم من الموالي قلت من العرب قال ويلك يا زهرى فرجت عنى والله ليسودن الموالي على الأكابر حتى يخطب لها على المنابر وان العرب تحتها قال قلت يا امير المؤمنين انما هو امر الله ودينه فمن حفظه ساد ومن ضيعه سقط وفى الآية بيان نعمة الماء وان الخوف من العطش وكذا من الجوع من الشيطان ووسوسته فان المرء إذا كان قوى التوكل يستوى عنده الفقد والوجود والله تعالى من اسمه الخالق والرازق قالوا وللاسد من الصبر على الجوع وقلة الحاجة الى الماء ما ليس لغيره من السباع ولا يأكل من فريسة غيره وإذا شبع من فريسة تركها ولم يعد إليها وإذا امتلأ بالطعام ارتاض ولا يشرب من ماء ولغ فيه كلب فينبغى للمؤمن ان لا يكون أدون من الأسد فى هذه الصفات
على المرء ان يسعى لتحسين حاله ... وليس عليه ان يساعده الدهر
والله تعالى قد سن الاعانة بإعانته للمؤمنين فالمؤمن الكامل يساعد المؤمن حسب الطاقة- وحكى- ان فيروز بن يزد جرد بن بهرام من آل ساسان لما ملك عدل وأنصف ولما مضى سبع سنين من ملكه ولم ينزل من السماء مطر أرسل الى كل بلد بان يقسم طعام كل بلد بين الأغنياء والفقراء وإذا مات فقير من الجوع قتل من الأغنياء رجلا بدلا منه: قال الحافظ
توانكرا دل درويش خود بدست آور ... كه مخزن زر وكنج درم نخواهد ماند
اللهم احفظنا من البخل والكسل الى حلول الاجل إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ الوحى إلقاء المعنى الى النفس من وجه خفى. والمعنى اذكر يا محمد وقت ايحائه تعالى الى الملائكة أَنِّي مَعَكُمْ مفعول يوحى اى بالامداد والتوفيق فى امر التثبيت فليس القصد ازالة الخوف كما فى لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا إذ لا خوف للملائكة من الكفار حتى يقال لهم انى معكم(3/321)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)
فلا تخافوهم وما يشعر به دخول كلمة مع من متبوعية الملائكة انما هو من حيث انهم المباشرون للتثبيت صورة فلهم الاصالة من تلك الحيثية كما فى أمثال قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا بالبشارة وتكثير السواد ونحوهما مما تقوى به قلوبهم والتثبيت عبارة عن الحمل على الثبات فى مواطن الحرب والجد فى مقاساة شدائد القتال سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ اى سأقذف فى قلوبهم المخافة من المؤمنين وهو تلقين للملائكة ما يثبتونهم به كأنه قيل قولوا لهم قولى سألقى إلخ فَاضْرِبُوا ايها المؤمنون فلا دلالة فى الآية على قتال الملائكة فَوْقَ الْأَعْناقِ أعاليها التي هى المذابح او الرؤوس قال الحدادي وانما امر الله بضرب الأعناق لان أعلى جلدة العنق هو المقتل وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ البنان فى اللغة هو الأصابع وغيرها من الأعضاء التي بها يكون قوام الإنسان وحياته والمقصود اضربوهم فى جميع الأعضاء من أعاليها الى أسافلها. وقيل الوجه ان يراد بها المدافعة والمقاتلة وكذا قال التفتازانيّ لِكَ
الضرب والقتل والعقاب واقع عليهم أَنَّهُمْ
اى بسبب انهم اقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
اى خالفوا وغالبوا من لا سبيل الى مغالبته أصلا قال ابن الشيخ معنى شاقوا الله شاقوا اولياء الله واشتقاق المشاقة من الشق لما ان كلا من المشاقين فى شق خلاف شق الآخر كما ان المحادة ان بصير أحدهما فى حد غير حد الآخر وفى الآية اشارة الى ان كل سعادة وشقاوة تحصل للعبد فى الدنيا والآخرة يكون للعبد فيها مدخل بالكسب مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
اى ومن يخالف اولياء الله ورسوله إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ
له قال الحدادي اما اظهار التضعيف فى موضع الجزم فى قوله شاقِقِ اللَّهَ
فهو لغة اهل الحجار وغيرهم يدغم أحد الحرفين فى الآخر لاجتماعهما من جنس واحد كما قال تعالى فى سورة الحشر وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ بقاف واحدة ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ قوله ذلكم خبر مبتدأ محذوف وقوله وان إلخ معطوف عليه. وقوله فذوقوه اعتراض والضمير لما فى ضمن المشار اليه من العقاب والتقدير حكم الله ذلكم اى ثبوت هذا العقاب لكم عاجلا وثبوت عذاب النار آجلا وانما قال فى عذاب الدنيا فذوقوه لان الذوق يتناول اليسير من الشيء فكل ما يلقى الكفار من ضرب او قتل او اسر او غيرها فى الدنيا فهو بالنسبة الى ما أعد لهم فى الآخرة بمنزلة ذوق المطعوم بالنسبة الى أكله قال فى التأويلات النجمية فَذُوقُوهُ اى ذوقوا العاجل منه صورة ومعنى اما صورة فبا لقتل والاسر والمصائب والمكروهات واما معنى فبالبعد والطرد عن الحضرة وتراكم الحجب وموت القلب وعمى البصيرة وضعف الروح وقوة النفس واستيلاء صفاتها وغلبة هواها وما يبعده عن الحق ويقربه الى الباطل وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال سوى اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوفهم وقدموا راياتهم فوضعوها مواضعها فوقف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على بعير له يدعو الله ويستغيث فهبط جبريل عليه السلام فى خمسمائة على ميمنتهم وميكائيل عليه السلام فى خمسمائة على ميسرتهم فكان الملك يأتى الرجل من المسلمين على صورة رجل ويقول له دنوت من عسكر المشركين فسمعتهم يقولون والله لئن حملوا علينا(3/322)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)
لا نثبت لهم ابدا والقى الله فى قلوب الكفرة الرعب بعد قيامهم للصف فقال عتبة بن ربيعة يا محمد اخرج إلينا أكفاءنا من قريش نقاتلهم فقام إليهم بنوا عفراء من الأنصار عوذ ومعوذ امّهم عفراء وأبوهم الحارث فمشوا إليهم فقالوا لهم ارجعوا وأرسلوا إلينا أكفانا من بنى هاشم فخرج عليهم حمزة وعلى وعبيدة بن الحارث فقال على مشيت الى الوليد بن عتبة ومشى الى فضربته بالسيف اطرت يده ثم بركت عليه فقتلته فقام شيبة بن ربيعة الى عبيدة بن الحارث فاختلفا بضربتين ثم ضرب عبيدة ضربة اخرى فقطع ساق شيبة ثم قام حمزة الى عتبة فقال انا اسد الله واسد رسوله ثم ضربه حمزة فقتله فقام ابو جهل فى أصحابه يحرضهم يقول لا يهولنكم ما لقى هؤلاء فانهم عجلوا فاستحقوا ثم حمل هو بنفسه ثم حمل المسلمون كلهم على المشركين فهزموهم بإذن الله تعالى وفى حق هؤلاء السادات ورد (اطلع الله على اهل بدر) يعنى نظر إليهم بنظر الرحمة والمغفرة (فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) المراد به اظهار العناية بهم وإعلاء رتبتهم لا الترخيص لهم فى كل فعل كما يقال للمحبوب اصنع ما شئت فعلى العاقل ان يقتفى باثرهم فى باب المجاهدة مطلقا: قال الحافظ
درره نفس كزو سينه ما بتكده شد ... تير آهى بگشاييم وغزايى بكنيم
وقال فى حق اهل الجزع
ترسم كزين چمن نبرى آستين كل ... كز كلشنش تحمل حارى نميكنى
اللهم اجعلنا من الصابرين يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لقيه اى رآه زَحْفاً الزحف الدبيب يقال زحف الصبى زحفا من باب فتح إذا دب على استه قليلا قليلا سمى به الجيش الدهم المتوجه الى العدو لانه لكثرته وتكاثفه يرى كأنه يزحف وذلك لان الكل يرى كجسم واحد متصل فيحس حركته بالقياس اليه فى غاية البطيء وان كانت فى نفس الأمر فى غاية السرعة ونصبه على انه حال من مفعول لقيتم بمعنى زاحفين نحوكم. والمعنى إذا لقيتموهم للقتال وهم كثير جم وأنتم قليل فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ فلا تولوهم أدباركم فضلا عن الفرار بل قابلوهم وقاتلوهم مع قتلكم فضلا عن ان تدانوهم فى العدد وتساووهم عدل عن لفظ الظهور الى لفظ الأدبار تقبيحا لفعل الفار وتشنيعا لا نهزامه والتولية جعل الشيء يلى غيره وهو متعد الى مفعولين وولاه دبره إذا جعله اليه وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ اى ومن يجعل ظهره إليهم وقت اللقاء والقتال فضلا عن الفرار فيومئذ هنا بمعنى حينئذ لان اليوم وان كان اسما لبياض النهار إذا اطلق لكنه إذا قرن به فعل لا يمتد يراد به مطلق الوقت إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ اما بالتوجه الى قتال طائفة اخرى أهم من هؤلاء واما بالفر للكر بان يخيل لعدوه انه منهزم ليغره ويخرجه من بين أعوانه ثم يعطف عليه وحده او مع من فى المكمن من أصحابه وهو باب من خدع الحرب ومكايدها يقال انحرف وتحرف إذا مال من جانب الى جانب آخر والحرف الطرف والجانب وانتصابه على الحالية والتقدير ومن يولهم ملتبسا بحال من الأحوال اية حال كانت الا فى حال كذا أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ اى منجازا الى جماعة اخرى من المؤمنين قريبة او بعيدة لينضم إليهم ثم يقاتل معهم العدو فالانهزام حرام(3/323)
الا فى هاتين الحالتين فان كل واحدة منهما ليست انهزاما فى الحقيقة بل من قبيل التهيؤ والتقوى للحرب فمن ولى ظهره لغير أحد هذين الغرضين فَقَدْ باءَ اى رجع بِغَضَبٍ عظيم كائن مِنَ اللَّهِ تعالى وَمَأْواهُ فى الآخرة جَهَنَّمُ اى بدل ما أراد بفراره ان يأوى اليه من مأوى ينجيه من القتل والمأوى المكان الذي يأوى اليه الإنسان اى يأتيه وَبِئْسَ الْمَصِيرُ اى المرجع جهنم وهذا الوعيد وان كان بحسب الظاهر متناولا لكل من يولى دبره وقت ملاقاة الكفار الا انه مخصوص بما إذا لم يزد العدو على ضعف المسلمين لقوله تعالى فى آخر هذه السورة الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ قال ابن عباس رضى الله عنه من فرمن ثلاثة لم يفر ومن فرمن اثنين فقد فر اى ارتكب المحرم وهو كبيرة الفرار من الزحف: وفى المثنوى
اين چنين هوشى كه از موشى پريد ... اندر آن صف تيغ چون خواهد كشيد
چالش است آن حمزه خوردن نيست اين ... تا تو بر مالى بخوردن آستين
نيست حمزه خودن اينجا تيغ بين ... حمزه بايد درين صف آهنين
كار هر نازك دلى نبود قتال ... كه كر يزد از خيالى چون خيال
كار تركانست نى تركان برو ... جاى تركان هست خانه خانه شو
وعد بعض العلماء الكبائر الى سبعين منها الفرار من الجيش فى الغزو إذا كان مثلا او ضعفا وكل ما كان شنيعا بين المسلمين وفيه هتك حرمة الله والدين فهى كبيرة تسقط العدالة فى الشهادة فعلى العاقل ان يقدم على الحرب بقلب جريىء ويعلم ان الجبن لا يؤخر اجله وان الاقدام على القتال لا يعجل موته ويتشبه الغازي فى أوان المقاتلة بأصناف من الخلق فيكون كقلب الأسد لا يجبن ولا يفر كما ان الأسد مقدام غير جبان وكرار غير فرار وفى كبر النمر بالفارسية [پلنگ] لا يتواضع للعدو وفى شجاعة الدب يقاتل بجميع جوارحه وفى جملة الخنزير لا يولى دبره إذا حمل اى لا يعرض وجهه عما توجه اليه وفى إغارة الذئب إذا يئس من وجه أغار من وجه آخر والاغارة بالفارسية [يغما كردن] وفى حمل السلاح الثقيل كالنملة تحمل أضعاف وزن بدنها وفى الثبات كالحجر لا يزول عن مكانه وفى الصبر كالحمار وفى الوفاء كالكلب لو دخل سيده النار يتبعه وفى التماس الفرصة والظفر كالديك ويكون فى الصف ساكنا كالمصلى الخاشع ويكون فى متابعة امير العسكر كمتابعة المأموم امامه فى الصلاة اى لا يخالفه أصلا ويغطى نفسه بالسلاح كتغطية البكر نفسها بالثياب إذا زفت اى أرسلت الى الزوج وفى تكثير قليل سلاحه وماله كالمرائى إذا قل ماله وعبادته ويكون فى المكر والخيلة إذا هزمه العدو اى غلب عليه كالثعلب إذا اضطره الكلب فان مدار الحرب على الخداع وفى التبختر والخيلاء بين الصفين كالعروس وفى الخفة فى تحريف القتال من جانب الى آخر كالصبى وفى صياحه إذا صاح بالعدو كالرعد وهو اسم ملك على قول وفى سوء ظنه اى فى الحذر عما يهلكه فى جميع أحواله كالغراب الا بقع وهو الذي فيه سواد وبياض وفى حراسته والاحتراز عن المكاره كالكركى وهو طير معروف لا زوردى اللون يشابه اللقلق فى الهيئة بالفارسية [كلتك] ومن الحيوان الذي لا يصلح الا برئيس لان فى طبعه الحرس والتحارس بالنوبة والذي يحرس يهتف بصوت خفى كأنه يندر بانه حارس(3/324)
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)
فاذا قضى نوبته قام الذي كان نائما يحرس مكانه حتى يقضى كل ما يلزمه من الحراسة قال القزويني والكركي لا يمشى على الأرض الا بإحدى رجليه ويعلق الاخرى وان وضعها وضعها خفيفا مخافة ان تخسف به الأرض كذا فى حياة الحيوان والاشارة ايها القلوب المؤمنة إذا لقيتم كفار النفوس وصفاتها مجتمعين على قهر القلوب وصفاتها فلا تنهزموا من سطوات النفوس وغلبات صفاتها بل اثبتوا بالصبر عند صدمات النفوس فان الصبر عند الصدمة الاولى كما روى ان النبي عليه السلام اتى على امرأة تبكى على صبى ميت لها فقال (اتقى الله واصبري) فقالت وما تبالي على مصيبتى فلما ذهب عليه السلام قيل لها انه رسول الله فاخذها مصيبة مثل موت صبيها فجاءت بابه تستعذره وتقول لم أعرفك يا رسول الله فقال عليه السلام (الصبر عند الصدمة الاولى) الصدم ضرب الشيء الصلب بمثله والصدمة مرة منه يعنى الصبر المأجور عليه صاحبه ما كان عند فجأة المصيبة وحدتها لانه إذا طالت الأيام عليه صار الصبر أيسر له ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال او متحيزا الى فئة يعنى إلا قلبا ينحرف ليهيىء اسباب القتال مع النفس او راجعا الى الاستمداد من الروح وصفاتها او الى ولاية الشيخ يستمد منها الى الحضرة الربانية فى قمع النفس وقهرها بطريق المجاهدة والرياضة فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ يعنى بطرد وابعاد منه وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ اى مرجعه جهنم البعد عن الحضرة ونار القطيعة وبئس المرجع والمعاد فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ اى ان افتخرتم بقتل الكفار يوم بدر فاعلموا انكم لم تقتلوهم بقوتكم وقدرتكم وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ بنصركم وتسليطكم عليهم وإلقاء الرعب فى قلوبهم- روى- انه لما طلعت قريش من العقنقل وهو الكثيب الذي جاؤا منه الى الوادي قال عليه السلام (هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسولك اللهم انى اسألك ما وعدتني) فاتاه جبريل فقال خذ قبضة من تراب فارمهم بها فلما التقى الجمعان قال لعلى رضى الله عنه (أعطني من حصباء الوادي) فرمى بها فى وجوههم وقال (شاهت الوجوه) اى قبحت فما من المشركين أحد الا أصاب عينيه ومنخريه تراب فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم ثم لما انصرفوا من المعركة غالبين غانمين اقبلوا على التفاخر يقولون قتلت وأسرت وفعلت وتركت فنزلت والظاهر ان قوله فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ رجوع الى بيان بقية قصة بدر والفاء جواب شرط مقدر يستدعيه ما مر من ذكر إمداده تعالى وامره بالتثبيت وغير ذلك كأنه قيل إذا كان الأمر كذلك فلم تقتلوهم أنتم كما هو محتار المولى ابى السعود فى تفسيره وَما رَمَيْتَ يا محمد حقيقة إِذْ رَمَيْتَ صورة والا لكان اثر الرمي من جنس آثار الأفاعيل البشرية وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى اتى بما هو غاية الرمي فاوصل اجزاء تلك القبضة الى عيون جميع المشركين حتى انهزموا وتمكنتم من قطع دابرهم فصورة الرمي صدرت منه عليه السلام الا ان اثرها انما صدر من الله تعالى إذ ليس فى وسع البشر ان يرمى كفا من الحصباء فى وجوه جيش فلا يبقى فيهم عين الا ويصيبها منه شىء. واللفظ يطلق على المسمى وعلى ما هو كماله والمقصود منه كاطلاق المؤمن على المؤمن الكامل قال فى التأويلات النجمية ان الله نفى عن الصحابة القتل بالكلية واحاله الى نفسه لانه تعالى كان مسبب اسباب القتل من امداد الملائكة وإلقاء الرعب فى قلوب الكفار وتقوية(3/325)
قلوب المؤمنين وغير ذلك فالفعل يحال الى السبب كقولهم القلم يكتب مليحا والكاتب يكتب مليحا وهو المسبب للكتابة: قال فى المثنوى
هرچهـ خواهد آن مسبب آورد ... قدرت مطلق سببها بر درد
از مسبب ميرسد هر خبر وشر ... نيست اسباب ووسائط را اثر
اين سببها بر نظرها پردهاست ... كه نه هر ديدار صنعش را سزاست
ديده بايد سبب سوراخ كن ... تا حجب را بر كند از بيخ وبن
تا مسبب بيند اندر لا مكان ... هرزه بيند جهدوا ساب ودكان
والفرق فيما بين النبي عليه السلام وبين الصحابة رضى الله عنهم ان الله تعالى نفى القتل عن الصحابة بالكلية واحاله الى نفسه فجعلهم سببا للقتل وهو المسبب وما نفى الرمي عن النبي عليه السلام بالكلية بل أسند اليه الرمي ولكن نفى وجوده بالكلية فى الرمي وأثبته لنفسه تعالى اى وما رميت بك إذ رميت ولكن رميت بالله وذلك فى مقام التجلي فاذا تجلى الله لعبد بصفة من صفاته يظهر على العبد منه فعلا يناسب تلك الصفة كما كان من حال عيسى عليه السلام لما تجلى الله له بصفة الاحياء كان يحيى الموتى باذنه اى به وهذا كقوله تعالى (كنت له سمعا وبصرا) الحديث فلما تجلى الله للنبى عليه السلام بصفة القدرة كان قد رمى به حين رمى وكان يده يد الله فى ذلك كما كشف القناع عن هذه الحقيقة فى قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ واعلم ان الله أسند القتل الى داود عليه السلام فى قوله وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وفرق كثير بين عبد أضيف فعله الى نفسه والعبد محل الآفات والحوادث وبين عبد أضيف فعله الى الله تعالى والله منزه عن الآفات والحوادث
ما رميت إذ رميت كفت حق ... كار حق بر كار حق بر كارها دارد سبق «1»
كر بپرانيم تيران نى ز ماست ... ما كمان وتير اندازش خداست «2»
تا نشد مغلوب كس اين سر نيافت ... كر تو خواهى آن طرف بايد شتافت
وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ اى ليعطيهم من عنده تعالى وينعم عليهم بَلاءً حَسَناً اى عطاء جميلا ونعمة عظيمة بالنصر والغنيمة ومشاهدة الآيات غير مشوبة بمقاساة الشدائد والمكاره. والبلاء يطلق على النعمة وعلى المحنة لان أصله الاختيار وهو كما يكون بالمحنة لاظهار الصبر يكون بالنعمة ايضا لاظهار الشكر والاختبار من الله تعالى اظهار ما علم كما علم لا تحصيل علم ما لم يعلم لانه تعالى منزه عنه. واللام متعلقة بمحذوف مؤخر أي وللاحسان إليهم بالنصر والغنيمة والاجر العظيم فعل ما فعل لا لشىء غير ذلك مما لا يجديهم نفعا. واما برمى فالواو للعطف على علة محذوفة اى ولكن الله رمى ليمحق الكافرين وليبلى المؤمنين قال ابن الشيخ والظاهر ان بلاء اسم مصدر ليبلى اى ليبليهم إبلاء حسنا والمتبادر من عبارة القاضي انه حمله على نفس الشيء المبلوّ به على طريق اطلاق المصدر على المفعول حيث قال ولينعم عليهم نعمة عظيمة: قال الكاشفى [در حقائق سلمى از امام جعفر صادق رضى الله عنه نقل ميكند كه بلاء حسن آنست كه ايشانرا از نفوس ايشان فانى
__________
(1) در أوائل دفتر دوم در بيان معنى فى التأخير آفات
(2) لم أجد در أوائل دفتر پنجم در بيان آنكه عطاى حق وقدرت او موقوف بر قابليت نيست ألح(3/326)
ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)
كرداند وبعد از فنا بهويت خود شان باقى سازد امام. قشيرى كويد بلاء حسن آنست كه مبتلى مشاهده كند ميلى را در عين بلا]
چودانستى كه اين درد تو از كيست ... ز رنج خويشتن مى باش خرم
كر او زهرت دهد بهتر ز شكر ... ور او زحمت زند خوشتر ز مرهم
إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لاستغاثتهم ودعائهم عَلِيمٌ بنياتهم وأحوالهم الداعية الى الاجابة ذلِكُمْ اشارة الى البلاء الحسن ومحله الرفع على انه خبر مبتدأ محذوف وقوله تعالى وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ معطوف على ذلكم اى المقصود إبلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين وابطال حيلهم. والايهان [سست كردن] والنعت موهون كذا فى تاج المصادر. والوهن الضعف والكيد المكر والحيلة والحرب وفى الآية اشارة الى ان التأثير من الله تعالى والعبد آلة فى البين فينبغى للمرء ان لا يعجب بنفسه وعمله ولذا قال الله تعالى فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ واظهر منته عليهم والعجب استعظام العمل الصالح من غير ذكر التوفيق قال المسيح عليه السلام يا معشر الحواريين كم من سراج قد أطفأته الريح وكم من عابد قد أفسده العجب واعلم ان الناس فى العجب ثلاثة اصناف. صنف هم معجبون بكل حال وهم المعتزلة والقدرية الذين لا يرون الله تعالى عليهم منة فى أفعالهم وينكرون العون والتوفيق الخاص واللطف وتلك الشبهة استولت عليهم. وصنف هم الذاكرون المنة بكل حال وهم المستقيمون لا يعجبون بشىء من الأعمال وذلك لبصيرة أكرموا بها وتأييد خصوا به. والصنف الثالث المخلطون وهم عامة اهل السنة تارة يتنبهون فيذكرون منة الله تعالى وتارة يغفلون فيعجبون وذلك لمكان الغفلة العارضة والفترة فى الاجتهاد والنقص فى البصيرة فحق للعاقل ان يرى حقارة عمله وقلة مقداره من حيث هو وان يرى ان منة الله عليه اشرف من قدر عمله وأعظم من جزائه وان يحذر على فعله من ان يقع على وجه لا يصلح لله تعالى ولا يقع منه موقع الرضى فتذهب عنه القيمة التي حصلت له ويعود الى ما كان فى الأصل من الثمن الحقير من دراهم او دوانق ومثاله ان العنقود من العنب او الاضبارة من الريحان تكون قيمته فى السوق دانقا فاذا أهداه واحد الى الملك دستجة فوقع منه موقع الرضى يهب له على ذلك الف دينار فصار ما قيمته حبة بألف دينار فاذا لم يرضه الملك أورده عليه رجع الى قيمته الخسيسة من حبة او دانق فكذلك ما نحن فيه قال وهب كان فيمن قبلكم رجل عبد الله سبعين سنة يفطر من سبت الى سبت فطلب من الله حاجة فلم يقض فاقبل على نفسه وقال لو كان عندك خير قضيت حاجتك فانزل الله تعالى ملكا فقال يا ابن آدم ساعتك التي أزريت بنفسك فيها خير من عبادتك التي مضت: ونعم ما قال الحافظ الشيرازي
در راه ما شكسته دلى ميخرند وبس ... بازار خود فروشى از ان سوى ديگرست
اللهم اجعلنا من اهل التوفيق ومن السالكين بطريق التحقيق إِنْ تَسْتَفْتِحُوا الخطاب لاهل مكة على سبيل التهكم بهم وذلك انهم حين أرادوا الخروج الى بدر تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا اللهم انصر أعلى الجندين واهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدين- وروى- ان أبا جهل(3/327)
قال يوم بدر اللهم انصر أفضل الفريقين وأحقهما بالنصر اللهم أينا اقطع للرحم وأفسد للجماعة فاهلكه دعا على نفسه لغاية حماقته فاستجاب الله دعائه حيث ضربه ابنا عفراء عوذ ومعاذ واجهز عليه ابن مسعود رضى الله عنه. فالمعنى ان تستنصروا يا اهل مكة لا على الجندين فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ حيث نصر أعلاهما وقد زعمتم انكم الأعلى فالتهكم فى المجيء او فقد جاءكم الهزيمة والقهر والخزي فالتكهم فى نفس الفتح حيث وضع موضع ما يقابله وَإِنْ تَنْتَهُوا عن الكفر ومعاداة الرسول فَهُوَ اى الانتهاء خَيْرٌ لَكُمْ اى من الحراب الذي ذقتم غائلته لما فيه من السلامة من القتل والاسر ومبنى اعتبار اصل الخيرية فى المفضل عليه هو التكهم وَإِنْ تَعُودُوا لمحاربته نَعُدْ لنصره وَلَنْ تُغْنِيَ اى لن تدفع ابدا عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ اى جماعتكم التي تجمعونهم وتستغيثون بهم شَيْئاً اى من الإغناء فنصب شيأ على المصدر او من المضار فنصبه على المفعولية وَلَوْ كَثُرَتْ فئتكم فى العدد وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ اى ولان الله مع المؤمنين بالنصر والمعونة فعل ذلك وفى الآية اشارة الى ان النجاة فى الايمان والإسلام والتسليم لامر الله الملك العلام وان غاية الباطل هو الزوال والاضمحلال وان ساعده الامهال: قال الحافظ
اسم أعظم بكند كار خود اى دل خوش باش ... كه بتلبيس وحيل ديو سليمان نشود
واعلم ان المحاربة مع الأولياء الكرام كالمحاربة مع الأنبياء العظام وكل منهم منصور على أعدائه لان الله معهم وهو لا ينساهم ولا يتركهم بحال- حكى- ان دانيال عليه السلام طرح فى الجب وألقيت عليه السباع فجعلت السباع تلحسه وتتبصبص اليه فاتاه رسول فقال يا دانيال فقال من أنت قال انا رسول ربك إليك أرسلني إليك بطعام فقال الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره
وإذا السعادة لا حظتك عيونها ... ثم فالمخاوف كلهن أمان
واصطد بها العنقاء فهى حبالة ... واقتد بها الجوزاء فهى عنان
- وحكى- الماوردي فى كتاب ادب الدنيا والدين ان الوليد بن يزيد بن عبد الملك تفاءل يوما فى المصحف فخرج له قوله تعالى وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ فمزق المصحف وانشأ يقول
أتوعد كل جبار عنيد ... فها انا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم حشر ... فقل يا رب مزقنى الوليد
فلم يلبث أياما حتى قتل شرّ قتلة وصلب رأسه على قصره ثم على سور بلده جزم القاضي ابو بكر فى الاحكام فى سورة المائدة بتحريم أخذ الفأل من المصحف. ونقله القرافي عن الطرطوشى وأقره واباحه ابن بطة من الحنابلة. وقال بعضهم بكراهته كذا فى حياة الحيوان للامام الدميري والاشارة فى الآية إِنْ تَسْتَفْتِحُوا أبواب قلوبكم بمفتاح الصدق والإخلاص وترك ما سوى الله تعالى فى طلب التجلي فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ بالتجلى فان الله تعالى متجل فى ذاته ازلا وابدا فلا تغير له وانما التغير فى احوال الخلق فانهم عند انغلاق أبواب قلوبهم الى الله محرومون من التجلي وعند(3/328)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)
انفتاح ابوابها محفوفون به وَإِنْ تَنْتَهُوا اى عن غير الله فى طلب الله فهو خير لكم مما سواه وَإِنْ تَعُودُوا الى الدنيا وطلب لذاتها وشهواتها وزخارفها والى ما سوى الله تعالى نَعُدْ الى خذلانكم الى أنفسكم وهواها ودواعيها وغلبات صفاتها وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً اى تقوم لكم الدنيا والآخرة وما فيهما مقام شىء من مواهب الله والطافه ولو كثرت يعنى وان كثرت نعم الله من الدنيوية والاخروية فلا توازى شيأ مما أنعم الله على اهل الله وخاصته وان الله بأصناف الطافه مع المؤمنين بهذه المقامات وطالبيها ليبلغهم إليها بفضله ورحمته لا بحولهم وقوتهم كذا فى التأويلات النجمية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا بحذف احدى التاءين اى لا تتولوا والتولي الاعراض. وبالفارسية [روى بگردانيدن] عَنْهُ اى عن الرسول ولم يقل عنهما لان طاعة الله انما تكون بطاعة رسوله وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ اى والحال انكم تسمعون القرآن الناطق بوجوب طاعته والمواعظ الزاجرة عن مخالفته سماع فهم وتصديق وَلا تَكُونُوا بمخالفة الأمر والنهى كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا على جهة القبول وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ للقبول وانما سمعوا به للرد والاعراض عنه كالكفار الذين قالوا سمعنا وعصينا وكالمنافقين الذين يدعون السماع والقبول بألسنتهم ويضمرون الكفر والتكذيب: قال فى المثنوى
نبست را چهـ خوانده چهـ نا خوانده ... هست پاى او بكل درمانده
كر سرش جنبد بسير باد رو ... تو بسر جنبانيش غره مشو
آن سرش كويد سمعنا اى صبا ... پاى او كويد عصينا خلنا
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ اى شر ما يدب على الأرض فلفظ الدابة محمول على معناه اللغوي او شر البهائم فهو محمول على معناه العرفي والبهيمة كل ذات اربع من حيوانات البر والبحر عِنْدَ اللَّهِ اى فى حكم قضائه الصُّمُّ الذين لا يسمعون الحق الْبُكْمُ الذين لا ينطقون به الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ الحق عدهم من البهائم ثم جعلهم شرها لابطالهم ما ميزوا به وفضلوا لاجله. وانما وصفهم بعدم العقل لان الأصم الأبكم إذا كان له عقل ربما يفهم بعض الأمور ويفهمه غيره بالاشارة ويهتدى بذلك الى بعض مطالبه. واما إذا كان فاقدا للعقل ايضا فهو الغاية فى الشرية وسوء الحال: قال السعدي
بهائم خموشند وكويا بشر ... پراكنده كوى از بهائم بتر
بنطق است وعقل آدمي زاده فاش ... چوطوطى سخن كوى ونادان مباش
وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً شيأ من جنس الخير الذي من جملته صرف قواهم الى تحرى الحق واتباع الهدى لَأَسْمَعَهُمْ سماع تفهم وتدبر ولو قفوا على حقيقة الرسول وأطاعوه وآمنوا به ولكن لم يعلم فيهم شيأ من ذلك لخلوهم عنه بالمرة فلم يسمعهم لذلك لخلوه عن الفائدة وخروجه عن الحكمة قال ابن الشيخ عبر عن عدم استقرار الخير فيهم بعدم علم الله تعالى بوجوده فيهم لان كل ما وقع واستقر يجب ان يعلم الله تعالى بحصوله ووجوده فعدم علم الله تعالى بوجود الشيء من لوازم عدمه فى نفسه فعبر باللازم عن الملزوم فقيل لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ مقام ان يقال لو كان فيهم خيرا لأسمعهم لكونه ابلغ فى الدلالة على انعدام الخير فيهم(3/329)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
لان نفى لازم الشيء نفى لنفس ذلك الشيء ببينة فيكون ابلغ من نفى نفس ذلك الشيء وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ سماع تفهم وهم على هذه الحالة العارية عن الخير بالكلية لَتَوَلَّوْا عما سمعوه من الحق ولم ينتفعوا به قط او ارتدوا بعد ما صدقوه وصاروا كأن لم يسمعوه أصلا وَهُمْ مُعْرِضُونَ اى لتولوا على ادبارهم والحال انهم معرضون عما سمعوه بقلوبهم لعنادهم وفيه اشارة الى ان من قدر له الشقاوة فانه يتولى عن المتابعة فى أثناء السلوك ويعرض عن الله وطلبه ويقبل على الدنيا وزخارفها واعلم ان الإنسان خلق فى احسن تقويم قابلا للتربية والترقي مستعدا لكمال لا يبلغه الملك المقرب فهو فى بدء الخلقة دون الملك وفوق الحيوان فبتربية الشريعة يصير فوق الملك فيكون خير البرية وبمخالفة الشريعة ومتابعة الهوى يصير دون الحيوان فيكون شر البرية فيؤول حال من يكون خيرا من الملك الى ان يكون شر الدواب فعلى العاقل ان لا يخالف امر الرسول وشريعته فان الحيوان يستسلم لامره فكيف بالإنسان- حكى- انه جاء رجل فى بعض أسفاره صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انه كان لى حائط فيه عيشى وعيش عيالى ولى فيه ناضحان والناضخ البعير الذي يستسقى عليه فمنعانى أنفسهما وحائطى وما فيه فلا نقدر ان ندنو منهما فنهض النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى اتى الحائط فقال لصاحبه (افتح) قال أمرهما عظيم قال (افتح) فلما حرك الباب أتيا ولهما جلبة فلما انفرج الباب نظرا الى النبي عليه السلام وبركا ثم سجدا فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤوسهما ثم دفعهما الى صاحبهما وقال (استعملهما واحسن إليهما) فقال القوم تسجد لك البهائم أفلا تأذن لنا فى السجود لك فقال صلى الله تعالى عليه وسلم (ان السجود ليس الا للحى القيوم ولو أمرت أحدا ان يسجد لاحد لامرت المرأة ان تسجد لزوجها) وكل ما امر به النبي عليه السلام او نهى عنه ففيه حكمة ومصلحة ولست بمأمور بالتفتيش عنها وانما يلزم عليك الاطاعة والانقياد فقط. أفترضى لنفسك ان تصدق ابن البيطار فيما ذكره فى العقاقير والأحجار فتبادر الى امتثال ما أمرك به ولا تصدق سيد البشر صلى الله تعالى عليه وسلم فيما يخبر عنه وتتوانى بحكم الكسل عن الإتيان بما امر به او فعل وأنت تحقق انه عليه السلام مكاشف من العالم بجميع الاسرار والحكم كما اخبر عن نفسه وقال (فعلمت علم الأولين والآخرين) ولما اخرجك الله من صلب آدم فى مقام ألست رددت الى أسفل السافلين ثم منه دعيت لترتفع بسعيك وكسبك الى أعلى عليين حيث ما قدر لك على حسب قابليتك ولا يمكنك ذلك الا بأمرين. أحدهما بمحبته صلى الله عليه وسلم وبان تؤثر حبه على نفسك وأهلك ومالك. والثاني بمتابعته صلى الله عليه وسلم فى جميع ما امر به ونهى عنه وبذلك تستحكم مناسبتك به وبكمال متابعتك يحصل لك الارتفاع الى اوج الكمال ومن علامات المحبة حب القرآن وحب تلاوته والا كان من المعرضين عن سلوك طريقته صلى الله عليه وسلم ومن تمام محبته إيثار الفقر والزهد فى الدنيا
كين جهان جيفه است ومردار ورخيص ... بر چنين مردار چون باشم حريص
اللهم اعصمنا من المهالك واجعلنا من السالكين الى خير المسالك يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا(3/330)
لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ
اى أجيبوا الله ورسوله بان تطيعوهما إِذا دَعاكُمْ اى الرسول إذ هو المباشر لدعوة الله تعالى ودعاؤه بامر الله فهو دعاء الله تعالى ولذا وحد الفعل لِما يُحْيِيكُمْ اللام بمعنى الى اى الذي يحييكم وهو انواع منها العلوم الدينية فانها حياة القلب والجهل موته: قال
لا تعجبن الجهول حلته ... فذاك ميت وثوبه كفن
وقال
جاهلى كان بعلم زنده نشست ... ميتش دان ومسكنش مدفن
از جنازه نشان جمازه او ... جامهاى تنش بجاى كفن
وفى الخبر ان الله تعالى ليحيى القلب الميت بالعلم كما يحيى الأرض الميتة بوابل المطر والعلوم الدينية الشرعية هى التفسير والحديث والأصول والفقه والفرائض
علم دين فقهست وتفسير وحديث ... هر كه خواند غير ازين كردد خبيث «1»
ومنها العقائد والأعمال فانها تورث الحياة الابدية فى النعيم الدائم. ومنها الجهاد فانه سبب البقاء إذ لو تركوه لغلبهم العدو وقتلهم كما فى قوله تعالى وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ. ومنها الشهادة فان الشهداء احياء عند ربهم سواء كانوا مقتولين بسيف الكفار او بسيف الرياضات الشاقة والمجاهدات القوية
دانه مردن مرا شيرين شد است ... بل هم احياء پى من آمده است «2»
اقتلوني يا ثقاتى لائما ... ان فى قتلى حياتى دائما
فالموت هو الفناء عن الكل والحياة هو البقاء بنور الله تعالى وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال فى القاموس كل ما حجز بين شيئين فقد حال بينهما وهو تمثيل لغاية قربه من العبد وهو اقرب الى قلبه منه لان ما حال بينك وبين الشيء فهو أقرب الى الشيء منك وتنبيه على انه مطلع من مكنونات القلوب على ما عسى يغفل عنه صاحبها قال على رضى الله عنه اللهم اغفر لى ما أنت اعلم به منى او حث على المبادرة الى اخلاص القلوب وتصفيتها قبل ان يحول الله بينه وبين القلب بالموت او غيره من الآفات كأنه قيل بادر الى تكميل النفوس وتصفية القلوب بإجابة الرسول المبعوث من علام الغيوب قبل فوات الفرصة فانها قد ثفوت بان يحدث الله أسبابا لا يتمكن العبد معها من تصريف القلب فيما يشاؤه من إصلاح امره فيموت غير مستجيب لله ورسوله ويحتمل ان يكون المراد بالحيلولة تصوير تملكه تعالى قلب العبد وغلبته عليه فيفسخ عزائمه ويغير نيانه ومقاصده ولا يمكنه من إمضائها على حسب إرادته فيحول بينه وبين الكفر ان أراد سعادته وبينه وبين الايمان ان قضى شقاوته وكان عليه السلام يقول كثيرا (يا مقلب القلوب والابصار ثبت قلبى على دينك) ويبدل بالأمن خوفا وبالذكر نسيانا وما أشبه ذلك من الأمور المعترضة المفوّتة للفرصة [در كشف الاسرار فرموده كه علما دلرا پايند ولمن كان له قلب اشارت بدانست وعرفا دلرا كم كنند يحول بين المرء وقلبه عبارت از آنست در بدايت از دل ناچارست ودر نهايت حجاب ديدارست]
__________
(1) لم أجد
(2) در اواخر دفتر يكم در بيان بقيه قصة امير المؤمنين على رضى الله عنه إلخ(3/331)
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)
زيد پيش همى ديدمش اندر دل خويش ... دل نيز حجاب بود برداشت ز پيش
فالله تعالى يحول بتجلى صفاته بين المرء وقلبه يعنى إذا تجلى الله على قلب المرء يحول بسطوات أنوار جماله وجلاله بين مرآت قلبه وظلمة أوصافه وَأَنَّهُ اى واعلموا ايضا ان الله تعالى إِلَيْهِ تعالى لا الى غيره تُحْشَرُونَ تبعثون وتجمعون فيجازيكم على حسب أعمالكم ان خيرا فخير وان شرا فشر فسارعوا الى طاعة الله وطاعة رسوله وبالغوا فى الاستجابة لهما واعلم ان الاستجابة لله بالسرائر وللرسول بالظواهر وايضا الاستجابة لله اجابة الأرواح للشهود واستجابة القلوب للشواهد واجابة الاسرار للمشاهدة واجابة الخفي للفناء فى الله والاستجابة للرسول بالمتابعة فى الأقوال والأحوال والافعال- وروى- انه عليه السلام مر على ابى وهو يصلى فدعاه فعجل فى صلاته ثم جاء فقال عليه السلام (ما منعك عن إجابتي) قال كنت أصلي (قال ألم تخبر فيما اوحى الى استجيبوا لله وللرسول) واختلف العلماء فى جواز قطع الصلاة لاجابة الداعي. فقال بعضهم انه مختص باستجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز قطع الصلاة لاجابة غيره لان قطعها ابطال لها وابطال العمل حرام. وقال بعضهم يجوز لكل مصل ان يقطع صلاته لامر لا يحتمل التأخير كما إذا خاف ان يسقط أحد من سطح او تحرقه النار او يغرق فى الماء وجب عليه ان يقطع الصلاة وان كان فى الفريضة كذا فى غنية الفتاوى. ويجيب فى صلاة النافلة دعاء امه دون نداء أبيه اى يقطع الصلاة ويقول لبيك مثلا وذلك لان مشقة الام وتحملها التعب من الولد اكثر ولذا ورد (الجنة تحت أقدام الأمهات) معناه ان التواضع للامهات سبب دخول الجنة. وقال بعض المشايخ الأب يقدم على الام فى الاحترام والام فى الخدمة حتى لو دخلا عليه يقوم للاب واجابة الدعوة من قبيل الخدمة غالبا قال الطحاوي مصلى النافلة إذا ناداه أحد أبويه ان علم انه فى الصلاة وناداه لا بأس بان لا يجيبه وان لم يعلم يجيب واما مصلى الفريضة إذا دعاه أحد أبويه فلا يجيب ما لم يفرغ من صلاته الا ان يستغيثه لشىء فان قطع الصلاة لا يجوز الا لضرورة وكذا الإفطار فى صوم النفل فانه إذا الحّ عليه أحد بالإفطار يجوز قبل الزوال واما إذا كان بعده فلا يفطر الا إذا كان فى ترك الإفطار عقوق الوالدين او أحدهما كذا فى شرح التحفة والوقاية. واما فى صوم القضاء فيكره الإفطار مطلقا كذا فى الزاهدي ثم اعلم ان استجابة الرسول يدخل فيها بطريق الاشارة استجابة الأولياء العلماء الأدباء الأمناء لانهم الورثة وطريقتهم طريقة النبي عليه السلام ولا بد لمن أراد الوصول الى الله تعالى من صحبة مرشد كامل عارف بالمقامات والمراتب وقبول ما دعا اليه سواء كان محبوبا له اولا فان هذا ليس طريق العقل بل طريق الكشف والإلهام
كر در سرت هواى وصالست حافظا ... بايد كه خاك در كه اهل نظر شوى
واهل الطريقة ثلاثة عباد ومريدون وعارفون. فطريق العباد كثرة الأعمال والتجنب من الزنى والضلال. وطريق المريدين تخليص الباطن من الشوائب والنفور عن المشغلات وطريق العارفين تخليص القلب لله وبذل الدنيا والآخرة فى طلب رضاه اللهم اجعلنا من المستجيبين للدعوة الحقة وأذقنا من حلاوة الاسرار المحققة آمين وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا(3/332)
مِنْكُمْ خَاصَّةً
قال الحدادي فى تفسيره نزلت فى عثمان وعلى رضى الله عنهما اخبر الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بالفتنة التي تكون بسببهما انها ستكون بعدك تلقاها أصحابك تصيب الظالم والمظلوم ولا تكون للظلمة وحدهم خاصة ولكنها عامة فاخبر النبي عليه السلام بذلك أصحابه فكان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن بسبب على وعثمان رضى الله عنهما ما لا يخفى على أحد انتهى. والمعنى لا تختص أصابتها بمن يباشر الظلم منكم بل تعمه وغيره كاقرار المنكر بين أظهرهم والمداهنة فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وافتراق الكلمة وظهور البدع والتكاسل فى الجهاد وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ولذلك يصيب بالعذاب من لم يباشر سببه وفيه تحذير من شدّة العقوبة لمن أهاج الفتن وفى الحديث (الفتنة راتعة فى بلاد الله واضعة خطامها فالويل لمن اهاجها) وفى بعض الاخبار (الفتنة نائمة لعن الله من
ايقظها) : قال السعدي
از ان همنشين تا توانى كريز ... كه مر فتنه خفته را كفت خيز
قال القرطبي فان قيل قال الله تعالى وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى. وكُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ وهذا يوجب ان لا يؤاخذ أحد بذنب غيره وإنما تتعلق العقوبة بصاحب الذنب فالجواب ان الناس إذا تظاهروا بالمنكر فمن الفرض على من رآه ان يغيره فان سكت عليه فكلهم عاص هذا بفعله وهذا برضاه وقد جعل الله فى حكمه وحكمة الراضي بمنزلة العامل فانتظم فى العقوبة قاله ابن العربي انتهى قال حضرة الشيخ صدر الدين القنوى قدّس سره فى شرح الأربعين حديثا وأحيانا تظهر سلطنة العمل الفاسد فيسرى حكمها فى حال ذى العمل الصالح فيتضرر بذلك وان لم يتعد الضرر الى اعماله والاشارة الى ذلك قوله تعالى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا الآية وليس هذا بمخالف للاصل المترجم عنه بقوله تعالى وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى فان هذا الأثر لا يقع ولا يسرى بحكم ما به امتاز الصالح من الطالح بل بموجب ما به يثبت الاتحاد والاشتراك بينهما وقوله وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى لسان غلبته حكم ما به الامتياز وايضا ففعل الحق من حيث صدوره من جنابه وحداني كلى شامل لا تخصيص فيه بل التخصيص من القوابل المتأثرة وهذا عام فى الشر والخير ففى الشر ما ذكر فى قوله تعالى وَاتَّقُوا فِتْنَةً الآية وفى الخير ما أشار اليه عليه السلام فى الحديث المذكور فى حق الذين يجتمعون لذكر الله وكون الحق يباهى بهم الملائكة ويقول أشهدكم انى قد غفرت لهم وقول بعض الملائكة ان فيهم فلانا ليس منهم وانما أتاهم لحاجة فيقول الحق سبحانه وتعالى وله قد غفرت هم القوم لا يشقى جليسهم فهذا اثر عموم الحكم من جهة الحق وكليته واثر صلاح الحال الفاسد بمجاورة ذى الحال والعمل الصالح والحضور معه فتذكر انتهى كلام القنوى: وفى المثنوى
اى خنك آن مرده كز خود رسته شد ... در وجود زنده پيوسته شد «1»
واى آن زنده كه با مرده نست ... مرده كشت وزندكى از وى بجست
حق ذات پاك الله الصمد ... كه بود به مار بد از يار بد «2»
مار بد جانى ستاند از سليم ... يار بد آرد سوى نار مقيم
__________
(1) در اوائل دفتر يكم در بيان حديث من أراد ان مجلس مع الله إلخ
(2) در اوسط دفتر پنجم در بيان پاسخ دادن روباه إلخ(3/333)
وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)
والاشارة فى الآية وَاتَّقُوا يا ايها الواصلون فِتْنَةً يعنى ابتلاء النفوس بشىء من حظوظها الدنيوية والاخروية لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً يعنى لا تصيب تلك الفتنة النفوس الظالمة فقط بل تصيب ظلمتها الأرواح النورانية والقلوب الربانية فتجتذبها من حظائر القدس ورياض الانس الى حضائض صفات الانس كما قال تعالى سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ فيعاقب الواصلين بالانقطاع والاستدراج عند الالتفات الى ما سواه كذا فى التأويلات النجمية وَاذْكُرُوا ايها المهاجرون إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ اى وقت كونكم قليلا فى العدد مُسْتَضْعَفُونَ خبر ثان اى مقهورون تحت أيدي قريش فِي الْأَرْضِ اى ارض مكة تَخافُونَ خبر ثالث أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ التخطف الاخذ والاستلاب بسرعة وهم كانوا يخافون ان يخرجوا من مكة حذرا من ان يستلبهم كفار قريش ويدهبوا بهم فَآواكُمْ اى جعل لكم مأوى ترجعون اليه وهو المدينة دار الهجرة وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ على الكفار وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ من الغنائم التي لم تكن حلالا للامم السالفة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ هذه النعم قال الجنيد قدس سره كنت عند السرى وانا ابن سبع سنين وبين يديه جماعة يتكلمون فى الشكر فقال لى يا غلام ما الشكر فقلت ان لا تعصى الله بنعمه فقال يوشك ان يكون حظك من الله لسانك فلا أزال ابكى على هذه الكلمة واعلم ان الدولة العثمانية التي هى آخر الدول الاسلامية كانت على الضعف فى الأوائل وأهلها قليلون مستضعفون تحت أيدي فارس والروم حتى قوّاهم الله بالعدد والعدد ونصرهم على أعدائهم فكانوا يستفتحون من مشارق الأرض ومغاربها ويأوون الى الأماكن فى الأقطار الى ان آل الأمر الى ما آل فكل ذلك نعم جسيمة وستعود هذه الحال الى ما كانت عليه فى الابتداء فان الإسلام بدا غريبا وسيعود غريبا وما ذلك الا بالغرور والكفران وادعاء الاستحقاق من غير برهان:
قال السعدي قدس سره
ترا آنكه چشم ودهان داد وكوش ... اگر عاقلى در خلافش مكوش
مكن كردن از شكر منعم مپيچ ... كه روزى پسين سر بر آرى بهيچ
ثم اعلم ان الروح والقلب فى بدء الخلقة وتعلقهما بالقالب وكذا صفاتهما مستضعفون من غلبات النفس لاعواز التربية بألبان آداب الطريقة وانعدام جريان احكام الشريعة عليهم الى أوان البلوغ والتربية فى هذه المدة للنفس وصفاتها لاستحكام القالب لحمل أعباء تكاليف الشريعة وهما اعنى الروح والقلب يخافون ان تستلبهم النفس وصفاتها ويغتالهم الشيطان وأعوانه فآواكم الى حظائر القدس وأيدكم بنصره بالواردات الربانية وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ اى من المواهب الطاهرة من لوث الحدوث لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فتستحقون المزيد
شكر نعمت نعمتت افزون كند ... كفر نعمت از كفت بيرون كند
والعمدة قلة الاكل وكثرة الشكر والطاعة. ويقال اربع فى الطعام فريضة. ان لا يأكل إلا من الحلال. وان يعلم انه من الله تعالى. وان يكون راضيا. وان لا يعصى الله ما دامت قوة ذلك الطعام فيه. واربع سنة. ان يسمى الله فى الابتداء. وان يحمد الله فى الانتهاء. وان يغسل يديه قبل الطعام(3/334)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)
وبعده. وان يثنى رجله اليسرى وينصب اليمنى على الجلوس. واربع آداب. ان يأكل مما يليه وان يصغر اللقمة. وان يمضغها مضغا ناعما. وان لا ينظر الى لقمة غيره. واثنان دواء. ان يأكل ما سقط من المائدة. وان يلعق القصعة. واثنان مكروهان. ان يشم الطعام. وان ينفخ فيه ولا يأكل حارا حتى يبرد فان اللذة فى الحار والبركة فى البارد فعلى العاقل الساعي فى طلب مرضاة الله تعالى تحصيل القوت الحلال وكثرة شكر المنعم المفضال ولله على العبد نعم ظاهرة وباطنة والطاف جليلة وخفية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ اصل الخون النقص كما ان اصل الوفاء التمام واستعماله فى ضد الامانة لتضمنه إياه فانك إذا خنت الرجل فقد ادخلت عليه النقصان- روى- انه عليه السلام حاصر بنى قريظة احدى وعشرين ليلة فسألوه الصلح كما صالح إخوانهم بنى النضير على ان يسيروا الى إخوانهم بأذرعات وأريحا من الشام فأبى الا ان ينزلوا على حكم سعد بن معاذ رضى الله عنه فأبوا وقالوا أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر وكان مناصحا لهم لان عياله وماله كانت فى أيديهم فبعثه إليهم فقالوا ما ترى هل ننزل على حكم سعد فاشار الى حلقه بالذبح اى ان حكم سعد فيكم ان تقتلوا صبرا فلا تنزلوا على حكمه يقال فلان مقتول صبرا إذا صار محبوسا على القتل حتى يقتل قال ابو لبابة فما زالت قدماى من مكانهما حتى علمت انى قد خنت الله ورسوله وذلك لانه عليه السلام أراد منهم ان ينزلوا على حكم سعد ويرضوا بما حكم فيهم وهو صرفهم عنه فنزلت هذه الآية فشد نفسه على سارية من سوارى المسجد وقال والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت او يتوب الله على فمكث سبعة ايام حتى خر مغشيا عليه ثم تاب الله عليه فقيل له قد ينب عليك فحل نفسك فقال لا والله لا أحلها حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلنى فجاءه عليه السلام فحله فقال ان من تمام توبتى ان اهجر دار قومى التي أصبت فيها الذنب وان انخلع من مالى فقال عليه السلام (يجزنك الثلث ان تتصدق به) وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ فيما بينكم اى لا تخونوها فهو مجزوم معطوف على الاول وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ انكم تخونون يعنى ان الخيانة توجد منكم عن عمد لا عن سهو ولما نهى عن الخيانة نبه على ان الداعي إليها انما هو حب المال والأولاد ألا يرى ان أبا لبابة انما حمله على ما فعل ماله واهله وولده الذين كانوا فى بنى قريظة لانه انما ناصحهم لاجلهم وخان المسلمين بسببهم فقال وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
الفتنة قد تطلق على الآفة والبلاء وقد تطلق على الابتلاء والامتحان فالمعنى على الاول انما أموالكم وأولادكم اسباب مؤدية الى الوقوع فى الآفة التي هى ارتكاب المعصية فى الدنيا والوقوع فى عقاب الآخرة وعلى الثاني انها اسباب لوقوع العبد فى محن الله تعالى واختباراته حيث يظهر من اتبع الهوى ممن آثر رضى المولى وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
لمن آثر رضى الله وراعي حدوده فيهم فأنيطوا اى علقوا هممكم بما يؤديكم اليه ولا يحملنكم حبهما على الخيانة [احمد انطاكى فرموده كه حق سبحانه وتعالى مال وفرزند انرا فتنه كفت تا از فتنه بيكسو رويم وما پيوسته بخلاف حكم خداوند آن فتنه را زيادت ميخواهيم]
جوان و پير كه در بند مال وفرزندند ... نه عاقلند كه طفلان نا خردمندند(3/335)
قال بعض السلف كل ما شغلك عن الله سبحانه من مال وولد فهو مشئوم عليك واما ما كان من الدنيا يقرب من الله ويعين على عبادته فهو المحمود بكل لسان المحبوب لكل انسان:
قال فى المثنوى
چيست دنيا از خدا غافل بدن ... نى قماش ونقره وميزان وزن
مال را كز بهر دين باشى حمول ... نعم مال صالح خواندش رسول
آب در كشتى هلاك كشتى است ... آب اندر زير كشتى پشتى است
چونكه مال وملك را از دل براند ... زان سليمان خويش جز مسكين نخواند
وفى الحديث (ان البد إذا قال لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله من عصى ربه) فعلى العاقل ان لا يشتغل بسبب الدنيا ولعنها بل يلوم نفسه ولعنها فى حب الدنيا قال ابو يزيد قدس سره جمعت فكرى وأحضرت ضميرى ومثلت نفسى واقفا بين يدى ربى فقال لى يا أبا يزيد بأى شىء جئتنى قلت يا رب بالزهد فى الدنيا قال يا أبا يزيد انما كان مقدار الدنيا عندى مثل جناح بعوضة ففيم زهدت منها فقلت الهى وسيدى استغفرك من هذه الحالة جئت بالتوكل عليك قال يا أبا يزيد ألم أكن ثقة فيما ضمنت لك حتى توكلت على قلت الهى وسيدى استغفرك من هاتين الحالتين جئتك بالافتقار إليك فقال عند ذلك قبلناك فهذه حال العارفين بالله تعالى وفوا عهودهم فى طلبه فجعلهم الله أمناء لاسراره واعلم ان الخيانة على انواع فالفرائض والسنن اعمال ائتمن الله تعالى عليها عباده ليحافظوا على أدائها فى أوقاتها برعاية حدودها وحقوقها فمن ضيعها فقد خان الله تعالى فيها. والوجود وما يتبعه من الأعضاء والقوى أمانات والأهل والأولاد والأموال أمانات والإماء والعبيد وسائر الخدم أمانات والسلطنة والوزارة والامارة والقضاء والفتوى وما يلحقها أمانات وفى الحديث (من قلد إنسانا عملا وفى رعيته من هو اولى منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين) : قال السعدي قدس سره
كسى را كه با خواجه تست جنك ... بدستش چرا ميدهى چوب وسنك
سك آخر كه باشد كه خوانش نهند ... بفرماى تا استخوانش دهند
وفى الحديث (انا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فاذا خان خرجت من بينهما وجاء الشيطان) ففى كل ذلك يلزم العبد ان يكون أمينا غير خائن وإلا فقد تعرض لسخط الله تعالى ونعوذ بالله منه قال ابن عباس رضى الله عنهما كلب أمين خير من صاحب خاءن وكان للحارث بن صعصعة ندماء لا يفارقهم وكان شديد المحبة لهم فخرج فى بعض منتزهاته ومعه ندماؤه فتخلف منهم واحد فدخل على زوجته فاكلا وشربا ثم اضطجعا فوثب الكلب عليهما فلما رجع الحارث الى منزله وجدهما قتيلين فعرف الأمر فانشد يقول
وما زال يرعى ذمتى ويحوطنى ... ويحفط عرسى والخليل يخون
فيا عجبا للخل تحليل حرمتى ... ويا عجبا للكلب كيف يصون
والاشارة فى الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اى يا أيها الأرواح والقلوب المنورة بنور الايمان المستعدة بسعادات العرفان لا تَخُونُوا اللَّهَ فيما آتاكم من المواهب فتجعلوها شبكة الدنيا واصطياد(3/336)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
أهلها وَالرَّسُولَ يترك السنة والقيام بالبدعة وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ فالامانة هى محبة الله وخيانتها تبديلها بمحبة المخلوقات يشير الى ان ارباب القلوب واصحاب السلوك إذا بلغوا الى أعلى مراتب الطاعات والقربات ثم التفتوا الى شىء من الدنيا وزينتها وخانوا الله بنوع من التصنع وخانوا الرسول بالتبدع وترك التتبع بتعدي الخيانة وآفاتها الى الامانة التي هى المحبة فتسلب منهم بالتدريج فيكون لهم ركونهم الى الدنيا وسكونهم الى جمع الأموال حرصا على الأولاد وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ انكم تبيعون الدين بالدنيا والمولى بالأولى وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ
التي تعرضون عن الله لها فِتْنَةٌ
يختبركم الله بها لكى يتميز الموافق من المنافق والصديق من الزنديق فمن اعرض عن الدنيا وما فيها صدق فى طلب المولى وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
فمن ترك ما عنده فى طلب ما عند الله يجده عنده او ان الله عنده اجر عظيم والعظيم هو الله فى الحقيقة فيجد الله تعالى كذا فى التأويلات النجمية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ اى فى كل ما تأتون وتذرون يَجْعَلْ لَكُمْ بسبب ذلك فُرْقاناً هداية فى قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل او نصرا يفرق بين المحق والمبطل بإعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين كما قال تعالى يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وأراد به يوم عز المؤمنين وخذلان الكافرين وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ اى يسترها والفرق بين السيئة والخطيئة ان السيئة قد تقال فيما يقصد بالذات والخطيئة تغلب فيما يقصد بالعرض لانها من الخطأ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذنوبكم بالعفو والتجاوز عنها وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ اى عظيم الفضل على عباده وهو تعليل لما قبله وتنبيه على ان وعد الله لهم على التقوى تفضل واحسان لا انه مما توجب التقوى كما إذا وعد السيد عبده انعاما على عمل وفى الآية امور. الاول التقوى وهو فى مرتبة الشريعة ما أشير اليه بقوله تعالى فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وفى مرتبة الحقيقة ما أشير اليه بقوله تعالى اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [متقى آنست كه حق سبحانه وتعالى را وقايه خود كرفته باشد در ذات وصفات وافعال فعل او در افعال حق فانى شاه باشد وصفت او در صفات حق مستهلك كشته]
كم شده چون سايه نور آفتاب ... يا چوبوى كل در اجزاى كلاب
قال ابن المبارك سألت النوري من الناس فقال العلماء قلت من الاشراف قال المتقون قلت من الملوك قال الزهاد قلت من الغوغاء قال القصاص الذين يستأكلون اموال الناس بالكلام قلت من السفلة قال الظلمة. الثاني ان التقوى أسندت الى المخاطبين وجعل الفرقان الى الله تعالى فالله تعالى إذا أراد بالعبد خيرا اصطفاه لنفسه وجعل فى قلبه سراجا من نور قدسه يفرق به بين الحق والباطل والوجود والعدم والحدوث والقدم ويتبصر به عيوب نفسه كما حكى عن احمد بن عبد الله المقدسي قال صحبت ابراهيم بن أدهم فسألته عن بداية امره وما كان سبب انتقاله من الملك الفاني الى الملك الباقي فقال لى يا أخي كنت جالسا يوما فى أعلى قصر ملكى والخواص قيام على رأسى فاشرفت من الطاق فرأيت رجلا من الفقراء جالسا بفناء القصر وبيده رغيف يابس فبله بالماء وأكله بالملح الجريش وانا انظر اليه الى ان فرغ من أكله ثم شرب شيأ من الماء وحمد الله تعالى واثنى عليه ونام فى فناء القصر فالهمنى الله سبحانه وتعالى(3/337)
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (34) وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35)
الفكر فيه فقلت لبعض مما ليكى إذا قام ذلك الفقير فائتنى به فلما استيقظ من نومه قال له الغلام يا فقير ان صاحب هذا القصر يريد ان يكلمك قال بسم الله وبالله وتوكلت على الله لا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم وقام معه ودخل على فلما نظر الى سلم على فرددت عليه السلام وأمرته بالجلوس فجلس فلما اطمأن قلت له يا فقير أكلت الرغيف وأنت جائع فشبعت قال نعم قلت وشربت الماء على شهوة فرويت قال نعم قلت ثم نمت طيبا بلاهم وغم فاسترحت قال نعم فقلت فى نفسى وانا أعاتبها يا نفس ما اصنع بالدنيا والنفس تقنع بما رأيت وسمعت فعقدت التوبة مع الله تعالى فلما انصرم النهار واقبل الليل لبست مسحا من صوف وقلنسوة من صوف وخرجت حافيا سائحا الى الله تعالى وهذه احدى الروايتين فى بداية امره. والثالث ان المغفرة فضل عظيم من الله تعالى فلا بد للمرء من حسن الظن بالله تعالى فانها ليست بمقطوعة قيل اوحى الله تعالى الى موسى عليه السلام (انى أعلمك خمس كلمات هن عماد الدين ما لم تعلم ان قد زال ملكى فلا تترك طاعتى)
همه تحت وملكى پذيرد زوال ... بجز ملك فرمانده لا يزال
(وما لم تعلم ان خزائنى قد نفدت فلا تهتم برزقك)
در دائره قسمت ما نقطه تسليم ... لطف آنچهـ تو انديشى وحكم آنچهـ تو فرمايى
(وما لم تعلم ان عدوك قدمات يعنى إبليس فلا تأمن مفاجأته ولا تدع محاربته)
كچاسر بر آريم ازين عار وننك ... كه با او بصلحيم وبا حق بجنگ
(وما لم تعلم انى قد غفرت لك فلا تعب المذنبين)
مكن بنامه سياهى ملامت من مست ... كه آگه است كه تقدير بر سرش چهـ نوشت
(وما لم تدخل جنتى فلا تأمن مكرى)
زاهد ايمن مشو از بازى غيرت زنهار ... كه ره از صومعه تا دير مغان اين همه نيست
فعلى العاقل ان يجتهد الى آخر العمر كى يكفر الله عنه سيآت وجوده الفاني ويستره بانوار جماله وجلاله والله ذو الفضل العظيم لمن تجاوز عما عنده راغبا فيما عند الله والفضل العظيم هو البقاء بالله بعد الفناء فيه كما فى التأويلات النجمية وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا تذكير لمكر قريش حين كان بمكة ليشكر نعمة الله فى خلاصه من مكرهم واستيلائه عليهم قال ابن اسحق لما رأوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كانت له شيعة واصحاب من غيرهم بغير بلدهم ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم عرفوا انهم قد نزلوا دارا وأصابوا سعة فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفوا انه قد أجمع لحربهم فاجتمعوا له فى دار الندوة وهى الدار التي بناها قصىّ بن كلاب بمكة وكانت قريش لا تقضى امرا الا فيها وسميت دار الندوة لانهم ينتدون فيها اى يجتمعون للمشاورة والندىّ والندوة والنادي مجلس القوم ومتحدثهم فان تفرق القوم عنه لا يسمى نديا كما لا يسمى الظرف كأسا إذا لم يكن فيه شراب فتشاوروا فى امر النبي عليه السلام منهم عتبة وشيبة ابنا ابى ربيعة وابو جهل وابو سفيان والنضر بن الحارث وابو البختري بن هشام وابى بن خلف وزمعة بن الأسود وغيرهم(3/338)
من الرؤساء والأكابر فدخل عليهم إبليس فى صورة شيخ كبير عليه ثياب اطمار فجلس بينهم فقالوا ما لك يا شيخ دخلت فى حلوتنا بغير اذننا فقال انا رجل من اهل نجد قدمت مكة فاراكم حسنة وجوهكم طيبة روائحكم فاحببت ان اسمع حديثكم فاقتبس منكم خيرا فدخلت وان كرهتم مجلسى خرجت وما جئتكم الا انى سمعت باجتماعكم فاردت ان احضر معكم ولن تعدموا منى رأيا ونصحا فقالوا هذا رجل لا بأس عليكم منه فتكلموا فيما بينهم فبدأ عمرو بن هشام فقال اما انا فأرى ان تأخذوا محمدا فتجعلوه فى بيت تسدون عليه بابه وتشدون عليه وثاقه وتجعلون له كوة تدخلون عليه طعامه وشرابه فيكون محبوسا عندكم الى ان يموت فقال إبليس بئس الرأى يأتيكم من يقاتلكم من قومه ويخلصه من ايديكم فقالوا صدق والله الشيخ ثم تكلم ابو البختري فقال ارى ان تحملوه على بعير فتشدوا وثاقه عليه ثم تخرجوه من أرضكم حتى يموت او يذهب حيث شاء فقال إبليس بئس الرأى تعمدون الى رجل أفسد جماعتكم ومعه منكم
طائفة فتخرجوه الى غيركم فيأتيهم فيفسد منهم ايضا جماعة بما يرون من حلاوة كلامه وطلاقة لسانه وتجتمع اليه العرب وتستمع الى حسن حديثه ثم ليأتينكم بهم فيخرجكم من دياركم ويقتل اشرافكم فقالوا صدق والله الشيخ فتكلم ابو جهل فقال ارى ان يجتمع من كل بطن منكم رجل ويأخذون السيوف فيضربونه جميعا ضربة رجل واحد فيتفرق دمه فى القبائل فلا يدرى قومه من يأخذونه ولا يقومون على حرب قريش كلهم فاذا طلبوا العقل عقلناه واسترحنا فقال إبليس صدق والله هذا الشاب وهو اجودكم رأيا القول قوله لا ارى غيره فتفرقوا على رأيه فنزل جبرائيل عليه السلام فاخبر النبي بذلك وامره ان لا يبيت فى مضجعه الذي كان يبيت فيه وامره بالهجرة الى المدينة فبيت عليا رضى الله عنه على مضجعه وخرج هو مع ابى بكر الصديق رضى الله عنه الى الغار. والمكر حيلة وتدبير فى إهلاك أحد وإفساد امره بطريق الخفية بحيث لا يعلم المرء ذلك الا عند وقوعه. والمعنى اذكر يا محمد وقت مكرهم بك لِيُثْبِتُوكَ بالوثاق والحبس فان اثبات الشيء وتثبيته عبارة عن إلزامه بموضع ومن شد فقد اثبت لانه لا يقدر على الحركة والمراد ما قال عمرو بن هشام أَوْ يَقْتُلُوكَ اى بسيوفهم المختلفة وهو ما قال ابو جهل أَوْ يُخْرِجُوكَ اى من مكة من بين أظهرهم الى غيرهم وهو ما قال ابو البختري وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ اى يرد مكرهم عليهم والمكر وأمثاله لا يسند اليه تعالى الأعلى طريق المقابلة والمشاكلة ولا يحسن ابتداء لتضمنه معنى الحيلة والخدعة وهى لا تليق بعظمة الله تعالى وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ لا يعبأ بمكرهم عند مكره قال الحدادي لانه لا يمكر الا بحق وصواب ومكرهم باطل وظلم واعلم ان للخلق مكرا وللحق مكرا فمكر الخلق من الحيلة والعجز ومكر الخالق من الحكمة والقدرة فمكر الخلق مع مكر الحق باطل زاهق ومكر الحق حق ثابت: قال الحافظ
سحر با معجزه پهلو نزند ايمن باش ... سامرى كيست دست از يد بيضا ببرد
وقال آخر
صعوه كو با عقاب سازد جنك ... دهد از خون خود پرش را رنك(3/339)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)
قال ابو العيناء كانت لى خصماء ظلمة فشكوتهم الى احمد بن ابى دؤاد وقلت قد تظاهروا فصاروا يدا واحدة فقال يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فقلت لهم مكر فقال وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فقلت هم كثير فقال كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ
هر كرا اقبال باشد رهنمون ... دشمنش كردد بزودى سر نكون
وجد فى وقائع الإسكندر مكتوبا بالذهب إذا كان الله هو غاية الغايات فالمعرفة به أجل العبادات وإذا كان الموت حقا فالركون الى الدنيا غرور. وإذا كان القدر حقا فالحرص على الدنيا باطل وإذا كان الغدر فى النفوس طبعا فالثقة بكل أحد عجز. وإذا كان الله عدلا فى أحكامه فعقوبات الخلق بما كسبت أيديهم. ولما قصد ابو جهل إضرار النبي عليه السلام بالقتل قتله الله فى بدر وأزال شره عن المسلمين وذلك عدل محض منه تعالى فانظر الى قريش حيث شاهدوا الآيات العظام من جهة النبي عليه السلام فما زادوا الا كفرا وعنادا وعداوة فهم أشد الناس فى ذلك. ولو رأى اليوم واحد من الكفرة كرامة لولى امسك عن الأذى بل سارع الى التبجيل كما حكى ان بعض سلاطين الكفار استولى على بعض المسلمين بسفك دمائهم ونهب أموالهم وأراد ان يقتل فقراء بعض المشايخ فاجتمع به الشيخ ونهاه عن ذلك فقال لهم السلطان ان كنتم على الحق فاظهروا لى آية فاشار الشيخ الى بعر الجمال هناك فاذا هى جواهر تضىء وأشار الى كيزان الأرض فارغة عن الماء فتعلقت فى الهواء وامتلأت ماء وأفواهها منكسة الى الأرض ولا يقطر منها قطرة فدهش السلطان من ذلك فقال له بعض جلسائه لا يكبر هذا فى عينك فانه سحر فقال له السلطان أرني غير هذا فامر الشيخ بالنار وامر الفقراء بالسماع فلما عمل فيهم الوجد دخل بهم الشيخ الى النار وكانت نارا عظيمة ثم خطف الشيخ ولد السلطان ودار به فى النار ثم غاب به ولم يدر اين ذهبا والسلطان حاضر فبقى متفجعا على ولده فلما كان بعد ساعة ظهرا وفى احدى يدى ابن السلطان تفاحة وفى الاخرى رمانة فقال له السلطان اين كنت فقال كنت فى بستان فاخذت منه هاتين الحبتين وخرجت فتحير السلطان من ذلك فقال له جلساء السوء وهذا عمل بصنعة باطلة فقال السلطان عند ذلك كل ما تظهره لا اصدق به حتى تشرب من هذه الكأس واخرج له كأسا مملوءة سما تقتل القطرة منه فى الحال فامر الشيخ بالسماع حتى وصل اليه الحال فاخذ الكأس حينئذ وشرب جميع ما فيها فتمزقت ثيابه التي عليه فالقوا اليه ثيابا اخرى فتمزقت كذلك ثم اخرى مرارا عديدة ثم ترشح عرقا وبقيت الثياب بعد ذلك ولم تتقطع فاعتقه السلطان وعظمه وبجله ورجع عن ذلك القتل والإفساد ولعله اسلم والله اعلم وَإِذا تُتْلى - روى- ان النضر بن الحارث من بنى عبد الدار كان يختلف تاجرا الى فارس والروم والحيرة فيسمع اخبار رستم وإسفنديار وأحاديث العجم واشترى أحاديث كليلة ودمنة وكان يمر باليهود والنصارى فيراهم يقرأون التوراة والإنجيل ويركعون ويسجدون فجاء مكة فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى ويقرأ القرآن فطفق يقعد مع المستهزئين وهو منهم ويقرأ عليهم أساطير الأولين اى ما سطروه فى كتبهم من اخبار الأمم الماضية واسمائهم وكان يزعم انها مثل ما يذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من قصص الأولين فقال تعالى وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ(3/340)
وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)
اى على النضر ومتابعيه آياتُنا القرآنية قالُوا قَدْ سَمِعْنا هذا الكلام لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا وهذا كما ترى غاية المكابرة ونهاية العناد وكيف لا ولو استطاعوا شيأ من ذلك فما الذي كان يمنعهم من المشيئة وقد تحدّاهم عشر سنين فما استطاعوا معارضته مع فرط استنكافهم ان يغلبوا خصوصا فى باب ما يتعلق بالفصاحة والبيان فلما تحقق افحامهم دعتهم شدة المكابرة والعناد الى ان علقوا معارضته بمشيئتهم إِنْ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اى ما سطره الأولون من القصص جمع اسطورة وهى المسطورة المكتوبة وفى التأويلات النجمية قالوا قد سمعنا وما سمعوا على الحقيقة فانها قرآن يهدى الى الرشد كما سمعت الجن وانهم سمعوا أساطير الأولين ولهذا قالوا ما قالوا فانهم يقدرون على ان يقولوا أساطير الأولين ولكن لا يقدرون على ان يقولوا مثل القرآن لان القرآن كلام الله وصفته القديمة وما يقولون هو كلام المحدث المخلوق فلا يكون مثل القرآن فى الصورة والمعنى والحقيقة والاسرار والأنوار ولا يقدر على مثله الخلائق كلهم كما قال قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً: وفى المثنوى
چون كتاب الله بر آمد هم بران ... اين چنين طعنه زدند آن كافران
كه أساطير است وافسانه نژند ... نيست تعميقى وتحقيقي بلند
كودكان خرد فهمش ميكند ... نيست جز امر پسند وناپسند
ذكر يوسف ذكر زلف پر خمش ... ذكر يعقوب وزليخا وغمش
ظاهر است وهر كسى پى ميبرد ... كو بيان كه كم شود در روى خرد
گفت اگر آسان نمايد اين بتو ... اينچنين يك سوره كو اى سخت رو
جنيان وإنسيان واهل كار ... تو يكى آيت ازين آسان بيار
وَإِذْ قالُوا اى واذكر وقت قول النضر ومتابعيه- روى- انه لما قال إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ قال النبي صلى الله عليه وسلم ويلك انه كلام الله تعالى فقال اللَّهُمَّ [بار خدايا] إِنْ كانَ هذا القرآن هُوَ ضمير فصل لا محل له من الاعراب الْحَقَّ المنزل مِنْ عِنْدِكَ ومعنى الحق بالفارسية [راست ودرست] فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً نازلة مِنَ السَّماءِ عقوبة علينا كما أمطرتها على قوم لوط واصحاب الفيل أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ سواه مما عذب به الأمم والمراد به التهكم واظهار اليقين والجزم التام على كونه باطلا وحاشاه قيل نزل فى النضر ابن الحارث بضع عشرة آية فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر فانه عليه السلام قتل يوم بدر ثلاثة من قريش صبرا وهم طعيمة بن عدى وعقبة بن ابى معيط والنضر بن الحارث وكان قد اسره المقداد ابن الأسود فانظر انه من غاية ضلالته وجهالته قال ما قال ولم يقل بدلا عنه اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا اليه ومتعنا به واجعله شفاء قلوبنا ونور به صدورنا وأمثال هذا فكيف بمن يكون هذا حاله ان يكون مثل القرآن مقاله وَما كانَ اللَّهُ مريدا لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ لان العذاب إذا نزل عم ولم يعذب امة الا بعد خروج نبيها والمؤمنين منها وفيه تعظيم للنبى عليه السلام وحفظ لحرمته وقد أرسله الله تعالى رحمة للعالمين والرحمة والعذاب(3/341)
وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (34) وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35)
ضدان والضدان لا يجتمعان قيل ان الرسول عليه السلام هو الامان الأعظم ما عاش ودامت سنته باقية والآية دليل على شرفه عليه السلام واحترامه عند الله حيث جعله سببا لامان العباد وعدم نزول العذاب وفى ذلك ايماء الى ان الله تعالى يرفع عذاب قوم لاقتراتهم باهل الصلاح والتقى قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره جميع الانتظام بوجوده الشريف فانه مظهر الذات وطلسم العوالم حتى قيل فى وجه عدم ارتحال جسده الشريف من الدنيا مع ان عيسى عليه السلام قد عرج الى السماء بجسده انه انما بقي جسمه الطاهر هنا لاصلاح عالم الأجساد وانتظامه: قال الشيخ العطار قدس سره
خويشتن را خواجه عرصات كفت ... انما انا رحمة مهداة كفت
رزقنا لله شفاعته وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ المراد استغفار من بقي فيهم من المؤمنين المستضعفين الذين لا يستطيعون المهاجرة عنهم وقيل معناه وفى أصلابهم من يستغفر وقيل معناه وفيهم من يأول امره الى الاستغفار من الكفر قال امير المؤمنين على المرتضى رضى الله عنه كان فى الأرض أمانان فرفع أحدهما وبقي الآخر. فاما الذي رفع فهو رسول الله. اما الذي بقي فالاستغفار وقرأ بعده هذا الآية وفى نفائس المجالس المؤمن الصادق فى إيمانه لا يعذبه الله فى الآخرة لان نبيه يكون فيهم يوم القيامة واقسم الله سبحانه ان لا يعذب أمته مادام هو بينهم والصدق فى التوبة يؤدى الى النجاة وهو الندم مع الإقلاع لا باللسان فقط واستغفار العوام من الذنوب واستغفار الخواص من رؤية الأعمال دون رؤية المنة والفضل واستغفار الأكابر من رؤية شىء سوى الله
كفت حق كآمرزش از من مى طلب ... كان طلب مر عفو را باشد سبب
از پى زهر كناه ار بشنوى ... هست استغفار ترياق قوى
وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ اى أي شىء حصل لهم فى انتفاء العذاب عنهم يعنى لا حظ لهم فى ذلك وهم معذبون لا محالة بعد زوال المانع والموجب لامهالهم وهما الأمران المذكوران وكيف لا يعذبون وَهُمْ اى والحال انهم يَصُدُّونَ يمنعون الرسول والمؤمنين عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ اى عن طواف الكعبة شرفها الله كما وقع عام الحديبية ومن صدهم عنه الجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الهجرة وكانوا يقولون نحن ولاة البيت والحرم فنصد من نشاء وندخل من نشاء فرد الله عليهم بقوله وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ اى مستحقين ولاية امر المسجد الحرام مع شركهم إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ من الشرك الذين لا يعبدون فيه غيره وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ان لا ولاية لهم عليه، وفيه اشعار بان منهم من يعلم ذلك ولكنه يعاند وقيل أريد بأكثرهم كلهم كما يراد بالقلة العدم وفى التأويلات إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ فيه اشارة الى ان الولي هو المتقى بالله عما سواه وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ اى ولكن الأكثرين من الأولياء لا يعلمون انهم اهل الولاية وبه يشير الى ان بعض الأولياء يجوز ان يعلم انه ولى ولكن الأكثرين من الأولياء لا يعلمون انهم اولياء الله وَما كانَ صَلاتُهُمْ اى دعاء المشركين عِنْدَ الْبَيْتِ اى بيت الله وهو الكعبة إِلَّا مُكاءً(3/342)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)
صفيرا من مكا يمكو مكوا ومكاء إذا صفر وقال الحدادي المكاء طائرا بيض يكون فى الحجاز يصفر فسمى تصويته باسمه وَتَصْدِيَةً تصفيقا وهو تصويت اليدين يضرب إحداهما على الاخرى وأصلها احداث الصدى وهو ما يسمع من رجع الصوت فى الامكنة الخالية الصلبة يقال صدى يصدى تصدية وكان تقرب المشركين الى الله بالصفير والتصفيق يفعلونهما عند البيت مكان الدعاء والتسبيح ويعدونهما نوعا من العبادة والدعاء لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال كانت قريش يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء مشبكين بين أصابعهم يصفرون فيها ويصفقون فمساق الآية لتقرير استحقاقهم العذاب وعدم ولايتهم المسجد فانها لا تليق بمن هذه صلاته وقال مقاتل كان النبي عليه السلام إذا صلى فى المسجد قام رجلان من بنى عبد الدار عن يمينه ورجلان عن يساره فيصفرون كما يصفر المكاء ويصفقون بايديهم ليخلطوا على النبي عليه السلام صلاته وقراءته وكانوا يفعلون كذلك بصلاة من آمن به ويريدون انهم يصلون ايضا فالمراد بالصلاة على هذا التقدير هى المأمور بها فَذُوقُوا الْعَذابَ اى عذاب القتل والاسر يوم بدر ويقال أراد بهذا انه يقال لهم يوم القيامة فذوقوا العذاب بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ اعتقادا وعملا فالكفر والمعصية سبب للوقوع فى العذاب والتوبة والاستغفار وسيلة الى فيض الرحمة من الوهاب وهى صابون الأوزار فحيث لا توبة ولا طهارة كان كل مسلم لا يسلح لان يلى امر مسجد القلب وانما يليق بولايته من كان فارغا من الشواغل معرضا عن العلائق طاهرا من العيوب والله تعالى لا يعذب اولياء بعد ادخالهم جنات التجليات العالية والأذواق والحالات المتوالية فانهم تخلصوا من الوجود المضاف الى النار المشابه للحطب وما بقي فيهم غير النور الإلهي المضيء فى بيت القلب الحقانى وانما يعذب بعدله من لم يستعد للرحمة او من خلط عملا صالحا بآخر سيئا ليخلصه من ذلك اللوث فالاقتداء بالنبي عليه السلام قبول ما جاء به من الاحكام والشرائع مؤد الى الخلاص وسبب للتصفية فعليك بالاختيار والاجتناب فانهما فرضان وحقيقة التقوى عبارة عن كليهما وبالاحتماء يصح المريض ومعالجة القلوب المرضى اولى من كل امر واهمّ من كل شىء للعبد العاقل وذلك بالتقوى واحياء سنة خير الورى وفى الحديث (من احيى سنتى فقد أحياني ومن أحياني فقد أحبني ومن أحبني كان معى فى الجنة يوم القيمة) وفى الحديث ايضا (من حفظ سنتى أكرمه الله بأربع خصال المحبة فى قلوب البررة والهيبة فى قلوب الفجرة والسعة فى الرزق والثقة بالدين) فان فاتت صحبة الرسول فقد تيسرت صحبة سنته وصحبة من أحب سنته وذلك ماض الى يوم القيامة ولصحبة الكبار واقتران المتقين تأثير عظيم ولاستماع كلام الحق والرسول نفع تام ولكن العمدة توفيق الله وهدايته نسأل الله تعالى ان يصحح أغراضنا ويكثر صالحات اعمالنا واعواضنا ويؤيدنا بنور الكتاب والسنة ويشرفنا بالمقامات العالية فى الجنة إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا نزلت فى المطعمين يوم بدر وكانوا اثنى عشر رجلا من اشراف قريش يطعم كل واحد منهم عسكر الكفار كل يوم عشر جزر وهو جمع جزور وهو البعير ذكرا كان او أنثى الا ان لفظه مؤنث تقول هذه الجزور وان أردت ذكرا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ على عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم لِيَصُدُّوا اى(3/343)
لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37)
يمنعوا الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى دين الله واتباع رسوله لانه طريق ثوابه والخلود فى جنته لمن سلكه على ما امر به واللام فى ليصدوا لام الصيرورة وهى لام العاقبة والمآل فَسَيُنْفِقُونَها بتمامها ولعل الاول اخبار عن انفاقهم وهو انفاق بدر والثاني اخبار عن انفاقهم فيما يستقبل هو انفاق أحد ويحتمل ان يراد بهما واحد بان يكون ينفقون للاستمرار التجددي ويكون السين فى قوله فسينفقونها للتأكيد لا للتسويف فيتحد الانفاقان الا ان مساق الاول لبيان غرضهم من الانفاق ومساق الثاني لبيان عاقبته ثُمَّ تَكُونُ تلك الأموال عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ندما وغما لفواتها من غير حصول المقصود ولما كانت عاقبة إنفاقها حسرة فى قلوبهم جعلت ذوات الأموال كأنها عين الحسرة للمبالغة قال الحدادي والحسرة مأخوذة من الكشف يقال حسر رأسه إذا كشفه والحاسر كاشف الرأس فيكون المعنى ثم يكشف لهم عن ذلك ما يكون حسرة عليهم ثُمَّ يُغْلَبُونَ آخر الأمر وان كانت الحرب بينهم سجالا قبل ذلك وَالَّذِينَ كَفَرُوا وأصروا على الكفر إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ اى يساقون لا الى غيرها لِيَمِيزَ اللَّهُ اللام متعلقة بيحشرون او يعلبون والميز بالفارسية [جدا كردن] الْخَبِيثَ فريق الكفار مِنَ الطَّيِّبِ فريق المؤمنين وَيَجْعَلَ الفريق الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً اى يجمعهم ويضم بعضهم الى بعض حتى يتراكموا ويتزاحموا فالركم ليس عبارة عن الجمع مطلقا بل هو الجمع بين أشياء بحيث يتراكب بعضها فوق بعض ومنه السحاب المركوم فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ كله أُولئِكَ الفريق الخبيث هُمُ الْخاسِرُونَ الكاملون فى الخسران لانهم خسروا أموالهم وأنفسهم والاشارة ان الله تعالى خلق الروح نورانيا علويا وخلق النفس ظلمانية سفلية ثم أشرك بينهما وجعل رأس مالهما الاستعداد الفطري القابل للترقى والكمال فى القربة والمعرفة والخسارة والنقصان فمن اتجر فآمن وجاهد بنفسه وماله فى سبيل الله وطلبه وبلغ مبلغ الرجال البالغين فقد وبخ روحه ونفسه جميعا ومن آمن بالله ورسوله لكن وجد منه العصيان ومخالفة الشريعة فقد ربح روحه وخسر نفسه ومن لم يؤمن بالله ورسوله وكفر بهما فقد خسر روحه ونفسه جميعا قيل دخل على الشبلي قدس سره فى وقت وفاته وهو يقول يجوز يجوز فقيل له ما معنى قولك يجوز فقال خلق الله الروح والنفس وأشرك بين الروح والنفس فعملا واتجرا سنين كثيرة فحوسبا فاذا هما قد خسرا وليس معهما ربح فقد عزما على الافتراق وانا أقول شركة لا ريح فيها يجوز ان يقع بين الشريكين افتراق: قال السعدي
كوس رحلت بكوفت دست أجل ... اى دو چشمم وداع سر بكنيد
اى كف ودست وساعد وبازو ... همه توديع يكدكر بكنيد
بر من افتاده مرك دشمن كام ... آخر اى دوستان حذر بكنيد
روز كارم بشد بنادانى ... من نكردم شما حذر بكنيد
فعلى العاقل ان يجتهد قبل مجيىء الفوت ويربح فى تجارته ببذل النفس والمال والطيب من الأموال ما يبذل فى طلب الله على الطالبين والخبيث ما يلتفت اليه الطالب من غير حاجة ضرورية فيشغله عن الله وطلبه فيكون قاطع طريقه- ويروى- ان الله تعالى يضم الأموال(3/344)
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)
الخبيثة بعضها الى بعض فيلقيها فى جهنم ويعذب أربابها كقوله تعالى يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ- وروى- ان أبا سفيان استأجر ليوم أحد ألفين من العرب على محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم سوى من استجاش من العرب اى صار جيشا وأنفق عليهم أربعين اوقية والاوقية اثنان وأربعون مثقالا وفى القاموس سبعة مثاقيل فانظر الى الكفار وجسارتهم على الانفاق لغرض فاسد وهو الصد عن سبيل الله واقل من القليل من المسلمين من يبذل ماله ولو قليلا لجذب القلوب والوصول الى رضى المحبوب فلا بد للمرء من قطع النفس عن مألوفها وهو حب المال ومن كلمات الجنيد قدس سره ما أخذنا التصوف عن القال والقيل لكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات وعن ابى سعيد الخدري قال قال رجل يا رسول الله أي الناس أفضل قال مؤمن يجاهد بنفسه وماله فى سبيل الله قال ثم من قال رجل معتزل فى شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره وفيه دليل على فضل العزلة وهى مستحبة عند فساد الزمان وتغير الاخوان وتقلب الأحوال ووقوع الفتن وتراكم المحن كما فعله جماعة من الصحابة رضى الله عنهم وقد كان النبي عليه السلام عند تقلب الأحوال واختلاف الرجال وكثرة القيل والقال يأمر بالاعتزال وملازمة البيوت وكسر السيوف واتخاذها من العراجين والخشب قال الامام الغزالي ان السلف الصالح اجمعوا على التحذير من زمانهم واهله وآثروا العزلة وأمروا بذلك وتواصوا بها ولا شك انهم كانوا بصدد النصح وان الزمان لم يصر بعدهم خيرا مما كان بل أدهى وامر: قال الحافظ
تو عمر خواه وصبورى كه چرخ شعبد باز ... هزار بازي ازين طرفه تر بر انگيزد
ان دام هذا ولم يحدث له غير ... لم يبك ميت ولم يفرح بمولود
اللهم اجعلنا من الصابرين قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا اللام للتعليل اى لاجلهم والمراد ابو سفيان وأصحابه إِنْ يَنْتَهُوا عن معاداة الرسول بالدخول فى الإسلام يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ من ذنوبهم قبل الإسلام وَإِنْ يَعُودُوا الى قتاله انتقمنا منهم وأهلكناهم فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ الذين تجزبوا على الأنبياء بالتدمير كما جرى على اهل بدر فليتوقعوا مثل ذلك وانشد بعضهم
يستوجب العفو الفتى إذا اعترف ... ثم انتهى عما أتاه واقترف
لقوله قل للذين كفروا ... ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف
وَقاتِلُوهُمْ [وكار زار كنيد اى مؤمنان باهل كفر] حَتَّى الى ان لا تَكُونَ توجد منهم فِتْنَةٌ اى شرك يعنى [مشرك نماند از وثنى واهل كتاب] وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وتضمحل الأديان الباطلة اما باهلاك أهلها جميعا او برجوعهم عنها خشية القتل فَإِنِ انْتَهَوْا عن الكفر فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فيجازيهم على انتهائهم عنه وإسلامهم وَإِنْ تَوَلَّوْا اى اعرضوا عن قبول الحق فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ ناصركم فثقوا به ولا تبالوا بمعاداتهم نِعْمَ الْمَوْلى لا يضيع من تولاه وَنِعْمَ النَّصِيرُ لا يغلب من نصره وفى الآية(3/345)
حث على الجهاد وفى الحديث موقف ساعة فى سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الاسود وعن معاذ بن جبل قال عهد إلينا رسول الله فى خمس من فعل واحدة منهن كان ضامنا على الله تعالى من عاد مريضا او خرج مع جنازة او خرج غازيا فى سبيل الله او دخل على امام يريد بذلك تعزيره وتوقيره او قعد فى بيته فسلم وسلم الناس منه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من خرج حاجا فمات كتب الله له اجر الحاج الى يوم القيامة ومن خرج معتمرا فمات كتب الله له اجر المعتمر الى يو القيامة ومن خرج غازيا فمات كتب الله له اجر الغازي الى يوم القيامة) فعلى العاقل ان يجتهد فى احياء الدين بما أمكن له من الأسباب ويتوقع النصرة الموعودة من رب الأرباب ولا يلتفت الى مخلوق مثله فانهما سيان فى باب العجز خصوصا إذا كان استمداده من الفسقة كما يفعل ولاة الزمان فانه لا يجيىء خير لاهل الخير من اهل الشر والعدوان ونعم ما قيل
در كار دين ز مردم بي دين مدد مخواه ... از ماه منخسف مطلب نور صبحكاه
ثم ان حقيقة النصرة ان ينصرك الله تعالى على نفسك التي هى أعدى عدوك بقهر هواها وقمع مشتهاها فان انفتاح باب الملك فى الأنفس سبب وطريق لانفتاح باب الملك فى الآفاق وكذا الملكوت
دوستىء نفس را بگذار وبگذار از هوس ... همچومردان طالب حق باش بي جوياى نفس
والاشارة وَقاتِلُوهُمْ كفار النفوس والهوى بسيف الصدقة حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ النفس والهوى آفة مانعة لكم عن الوصول الى عالم الحقيقة وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ببذل الوجود وفقد الموجود لنيل الجود فَإِنِ انْتَهَوْا اى النفوس عن معاملاتها وتبدلت عن أوصافها وطاوعت القلوب والأرواح وصارت مأمورة مطمئنة تحت الاحكام فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ فى عبوديته وصدق طلبه بَصِيرٌ لا يخفى عليه نقيرها وقطميرها فيجازيهم على قدر مساعيهم وَإِنْ تَوَلَّوْا اى وان اعرضوا عن الحقوق واقبلوا الى الشهوات والحظوظ فاعلموا ايها القلوب والأرواح أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ فى الهداية وناصركم على قهر النفوس وقمع الهوى نِعْمَ الْمَوْلى الذي هو وليكم لتهتدوا به اليه وَنِعْمَ النَّصِيرُ فى دفع ما يقطعكم عنه وناصركم فى الوصول اليه واعلم ان النور الذي هو حقائق ما يستفاد من معانى الأسماء والصفات جند القلب الذي يقابل النفس والهوى والشيطان ونحو ذلك كما ان الظلمة التي هى معانى ما يستفاد من الهوى والعوائد الرديئة جند النفس التي به تتقوى آثارها والحرب بينهما سجال فاذا أراد الله ان ينصر عبده على ما طلب منه امده بجنود الأنوار فكلما اعترته ظلمة قام لها نور فأذهبها وقطع عنه مواد الظلم والأغيار فلم يبق للهوى مجال ولا للشهوة والأخلاق الذميمة مقال ولا حال كذا فى التأويلات النجمية وفى شرح الحكم العطائية نسأ الله سبحانه ان يمدنا بما أمد به اخياره ويفيض علينا من سجال فيضه أنواره تم الجزء التاسع فى اواسط شهر ربيع الاول من سنة الف ومائة وواحدة(3/346)
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)
الجزء العاشر من الاجزاء الثلاثين
وَاعْلَمُوا ايها المؤمنون أَنَّما حق ما هذه ان تكتب منفصلة عن ان لكونها موصولة كما فى قوله تعالى إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ لكنها كتبت متصلة اتباعا للرسم اى الذي غَنِمْتُمْ أخذتموه وأصبتموه من الكفر قهرا وغلبة. والغنم الفوز بالشيء واصل الغنيمة إصابة الغنم من العدو ثم اتسع واطلق على كل ما أصيب منهم كائنا ما كان قالوا إذا دخل الواحد والاثنان دار الحرب مغيرين بغير اذن الامام فأخذوا شيأ لم يخمس لان الغنيمة هو المأخوذ قهرا وغلبة لا اختلاسا وسرقة هذا عند ابى حنيفة ويخمس عند الشافعي مِنْ شَيْءٍ حال من عائد الموصول اى ما غنمتموه كائنا مما يقع عليه اسم الشيء حتى الخيط والمخيط خلا ان سلب المقتول للقاتل إذا نفله الامام وان الأسارى يخير فيها الامام وكذا الأراضي المغنومة والآية نزلت ببدر وقال الواقدي كان الخمس فى غزوة بنى قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة ايام للنصف من شوال على رأس عشرين شهرا من الهجرة فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ مبتدأ خبره محذوف اى حكمه ثابت فيما شرعه الله وبينه لعباده ان خمسه لله او خبر مبتدأ محذوف اى فالحكم ان لله خمسه والخمس بالفارسية [پنج يك] وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى أعاد اللام فى لذى القربى دون غيرهم من الأصناف الثلاثة لدفع توهم اشتراكهم فى سهم النبي صلى الله عليه وسلم لمزيد اتصالهم به عليه الصلاة والسلام وهم بنوا هاشم وبنو المطلب دون بنى عبد شمس وبنى نوفل واعلم انه عليه السلام هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وكان لعبد مناف اربعة بنين هاشم والمطلب وعبد شمس ونوفل وكان لهاشم ولدان عبد المطلب واسد وكان لعبد المطلب عشرة بنين منهم عبد الله وابو طالب وحمزة والعباس وابو لهب والحارث وزبير فكلهم وما يتفرع منهم هاشميون لكونهم من أولاد هاشم وعبد مناف هو ابن قصى بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة وكل من كان من ولد النضر فهو قرشى دون ولد كنانة ومن فوقه فقريش قبيلة أبوهم النضر وانما خص ذووا قرابة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ببني هاشم وبنى المطلب لانهم لم يفارقوه عليه السلام فى جاهلية ولا فى اسلام فكانت قرابتهم قرابة كاملة وهى القرابة نسبا وتواصلا فى حال العسر واليسر فاعطوا الخمس واما بنوا عبد شمس وبنوا نوفل فمع مساواتهما بنى المطلب فى القرب حرموا الخمس لان قرابة نوفل بالتواصل والتناصر لم تنضم الى قرابتهم النسبية وَالْيَتامى جمع يتيم وهو الصغير المسلم الذي مات أبوه يصرف اليه سهم من الخمس إذا كان فقيرا وَالْمَساكِينِ جمع مسكين وهو الذي اسكنه الضعف عن النهوض لحاجته اى اهل الفاقة والحاجة من المسلمين وَابْنِ السَّبِيلِ اى المسافر(3/347)
إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)
البعيد عن ماله قال الكاشفى ومسافران مسلمانان يا قومى كه بر مسلمانان نزول كنند واعلم ان اللام فى الآية لام الاستحقاق لخمس الغنيمة فاقتضى الظاهر ان تكون المصارف سنة اقسام لكن الجمهور على ان ذكر الله تعالى للتعظيم وافتتاح الكلام باسمه تعالى على طريق التبرك لا لان لله نصيبا من الخمس فان الدنيا والآخرة كلها له سبحانه فلا يسدس خمس الغنيمة بان يصرف سهم منها الى الله تعالى بصرفه الى عمارة الكعبة ان كانت قريبة وإلا فإلى مسجد كل بلدة ثبت فيها الخمس كما ذهب اليه البعض او بضمه الى سهم الرسول كما ذهب اليه الآخر وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط بوفاته لان الأنبياء لا يورثون قال ابن الشيخ لانه عليه السلام لم يخلفه أحد فى الرسالة فلا يخلفه فى سهمه هذا عند الامام الأعظم واما الشافعي فيصرف سهمه عليه السلام الى مصالح المسلمين وما فيه قوة الإسلام وكذا سقط سهم ذوى القربى بوفاته عليه السلام فلا يعطى لهم لاجل قرابتهم بل يعطى لفقرهم وكان عليه السلام يعطيهم غنيهم وفقيرهم لقرابتهم لا لفقرهم حتى كان يعطى العباس بن عبد المطلب مع كثرة ماله. والحاصل ان ذوى القربى أسوة لسائر الفقراء اى يدخلون فيهم ويقدمون على غيرهم ولا يعطى اغنياؤهم وفى شرح الآثار عن ابى حنيفة ان الصدقات كلها اى فرضها ونفلها جائزة على بني هاشم والحرمة كانت فى عهد النبي عليه السلام لوصول خمس الخمس إليهم فلما سقط ذلك بموته حلت لهم الصدقة قال الطحاوي وبالجواز نأخذ ولما سقط السهمان وهما سهم الرسول وسهم ذوى القربى فخمس الغنيمة اليوم يجعل ثلاثة اقسام ويصرف الى ثلاثة اصناف اليتامى والمساكين وأبناء السبيل وتقسم الأخماس الاربعة بين الغانمين للفارس سهمان وللراجل سهم وفى حياة الحيوان ان الفيل يقاتل به وراكبه يرضخ له اكثر من راكب البغل وفى التحفة هذه الثلاثة مصارف الخمس عندنا لا على سبيل الاستحقاق حتى لو صرفت الى صنف واحد منهم جاز إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ متعلق بمحذوف دل عليه واعلموا اى ان كنتم آمنتم بالله فاعلموا انه جعل الخمس لهؤلاء فسلموه إليهم واقطعوا اطماعكم منه واقتنعوا بالأخماس الاربعة الباقية ووجه دلالته عليه انه تعالى انما امر بالعلم بهذا الحكم ليعمل به لان العلم بمثل هذا المعلوم ليس مما يقصد لنفسه بل انما يقصد للعمل به وَما أَنْزَلْنا اى وبما أنزلناه عَلى عَبْدِنا محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات والنصر على ان المراد بالانزال مجرد الإيصال والتيسير فينتظم الكل انتظاما حقيقيا يَوْمَ الْفُرْقانِ ظرف لانزلنا اى يوم بدر فانه فرق فيه بين الحق والباطل بنصر المؤمنين وكبت الكافرين يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ اى المسلمون والكفار وهو بدل من الظرف الاول [وآن روز جمعه بود هفدهم رمضان در سنه ثانيه از هجرت] وهو أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتال المشركين لاعلاء الحق والدين وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على نصر القليل على الكثير والذليل على العزيز كما فعل بكم ذلك اليوم إِذْ أَنْتُمْ نازلون بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا اى شفير الوادي الأدنى من المدينة وهو بدل ثان من يوم الفرقان وَهُمْ اى وعدوكم نازلون بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى
اى فى جانبها الأبعد منها وهو الجانب الذي يلى مكة والعدوة شط الوادي اى جانبه وشفيره(3/348)
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43)
وسميت بذلك لانها عدت ما فى الوادي من ماء عن ان يتجاوز اى منعته والدنيا من دنا يدنو دنوا والقصوى من قصا المكان بقصوا قصوا إذا بعد والقياس القصيا بقلب الواو ياء كالدنيا الا ان واوها بقيت على حالها كواو القود وَالرَّكْبُ جمع راكب مثل صحب وصاحب والراكب هو راكب البعير خاصة كما ان الفارس من على الفرس والمراد بالركب هاهنا العير اى القافلة المقبلة المتوجهة من الشام او قوادها وهم ابو سفيان وأصحابه وكانوا جميعا على البعير أَسْفَلَ مِنْكُمْ اى نازل فى مكان أسفل من مكانكم وكانوا بقرب ساحل البحر بينهم وبين المسلمين ثلاثة أميال وأسفل وان كان منصوبا على الظرفية واقعا موقع خبر المبتدأ الا انه فى الحقيقة صفة لظرف مكان محذوف والجملة حال من الظرف قبله وفائدتها الدلالة على قوة العدو واستظهارهم بالركب وضعف حال المسلمين ولهذه الفائدة ذكر مراكز الفريقين فان العدوة الدنيا كانت رخوة تسوخ فيها الأرجل ولا يمشى فيها الا بتعب ولم يكن فيها ماء بخلاف العدوة القصوى فورد النظم على هذا الوجه الدال على القوة والضعف ليتحققوا ان ما اتفق لهم من الفتح ليس إلا صنعا من الله خارقا للعادة فيزدادوا ايمانا وشكرا وَلَوْ تَواعَدْتُمْ أنتم وهم القتال ثم علمتم حالكم وحالهم لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ [در وعده خود را] هيبة منهم ويأسا من الظفر عليهم وَلكِنْ ما اختلفتم وما تخلفتم عن القتال بل جمع بينكم على هذه الحال من غير ميعاد لِيَقْضِيَ اللَّهُ ليتم الله أَمْراً كانَ مَفْعُولًا حقيقا بان يفعل وهو نصر أوليائه وقهر أعدائه جعل ما اقتضت الحكمة ان يفعل مفعولا لقوة ما يستدعى ان يفعل لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ بدل من ليقضى قال سعدى چلبى المفتى الظاهر والله اعلم ان عن هنا بمعنى بعد كقوله تعالى عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ انتهى. والمعنى ليكون هلاك من شارف الهلاك بعد مشاهدة بينة واضحة الدلالة على ان الدين المرضى عند الله تعالى هو الإسلام لا عن مخالجة شبهة حتى لا تبقى له عند الله تعالى معذرة وحجة فى عدم تحليه بحلية الإسلام وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ اى يعيش من يعيش عن حجة شاهدها حتى يقوى يقينه ويكمل إيمانه فان وقعة بدر كانت من الآيات الواضحة الدالة على حقيقة الإسلام فمن كفر بعد مشاهدتها كان مكابرا معاندا عادلا عن الحق الذي وضحت حقيته والمراد بمن هلك ومن حى المشارف للهلاك والحياة قال سعدى چلبى المراد هو الاستمرار على الحياة بعد وقعة بدر فيظهر صحة اعتبار معنى المشارفة فى الحياة ايضا وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ اى بكفر من كفر وعقابه وايمان من آمن وثوابه. ولعل الجمع بين وصفي السميع والعليم لاشتمال كل واحد من الكفر والايمان على القول والاعتقاد [نقلست كه حضرت پيغمبر صلى الله عليه وسلم در ان شب كه روزش جنك بدر واقع شده بود در واقعه ديد لشكر قريش را در غايت قلت وذلت تأويل فرمود كه دوستان غالب ودشمنان مغلوب خواهند شد مؤمنان بعد از استماع اين رؤيا وتعبير آن بغايت مسرور وفرحان شدند وحق سبحانه وتعالى تذكار آن نعمت ميفرمايد وميكويد] إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ اى اذكر يا محمد وقت اراءة الله المشركين إياك فِي مَنامِكَ مصدر ميمى بمعنى النوم قَلِيلًا حال من المفعول الثاني اى حال كونهم قليلا والاراءة بصرية(3/349)
وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)
تتعدى الى اثنين- روى- عن مجاهد انه قال ارى الله تعالى كفار قريش لنبيه صلى الله عليه وسلم فى منامه قليلا فاخبر بذلك أصحابه فقالوا رؤيا النبي حق والقوم قليل فكان ذلك سببا لقوة قلوبهم وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ اى لجبنتم وتأخرتم عن الصف قال الحدادي الفشل هو الضعف مع الوجل وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ اى امر القتال وتفرقت آراؤكم بين الثبات والفرار. والتنازع ان يحاول كل واحد من الاثنين ان ينزع صاحبه مما هو عليه وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ اى أنعم بالسلامة من الفشل والتنازع إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ يعلم ما سيكون فيها من الجراءة والجبن والصبر والجزع ولذلك دبر ما دبر وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ الضميران مفعولا يرى وفاعل الاراءة هو الله تعالى. والمعنى بالفارسية [وآنرا ياد كنيد اى صحابه كه بنمود خداى تعالى دشمنانرا بشما] إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ حال كونهم قَلِيلًا وانما قللهم فى أعين المسلمين حتى قال ابن مسعود رضى الله عنه لمن الى جنبه أتراهم سبعين قال أراهم مائة مع انهم كانوا الفا وتسعمائة وخمسين تثبيتا لهم وتقوية لقلوبهم وتصديقا لرؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم فانها وحي لا خلف فيه أصلا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ حتى قال ابو جهل ان محمدا وأصحابه أكلة جزور وهو مثل يضرب فى القلة اى قلتهم بحيث يشبعهم جزور واحد قللهم فى أعينهم قبل التحام القتال ليجترئوا عليهم ولا يبالغوا فى الاجتهاد والاستعداد والتأهب والحذر ثم كثرهم حتى رأوهم مثليهم لتفاجئهم الكثرة فتبهتهم وتكسر قلوبهم قال فى التأويلات النجمية وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لانهم ينظرون إليكم بالأبصار الظاهرة لا يرون كثرة معناكم وقوة قلوبكم ومددكم من الملائكة فانهم عمى البصائر والقلوب ولئلا يفروا من القتال كما فر إبليس لما رأى مدد الملائكة وهو قد جاء مع الكفار فى صورة سراقة فقالوا له اين تفر فقال لهم انى ارى ما لا ترون لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا كرره لاختلاف الفعل المعلل به وهو الجمع بين الفريقين على الحالة المذكورة فى الاول وتقليل كل واحد من الفريقين فى عين الآخر فى الثاني وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ كلها يصرفها كيف يريد لا رادّ لامره ولا معقب لحكمه. وفيه تنبيه على ان احوال الدنيا غير مقصودة لذاوتها وانما المراد منها ما يكون وسيلة الى سعادة الآخرة ومؤديا الى مرضاة الرحمن وفى الآيات إشارات. منها ان اركان الإسلام خمسة وهى غنائم دينية لكن التوحيد أعلى من الكل ولذا كان خمسا راجعا الى الله تعالى وباقى الأخماس حظ الجوارح فعلى العاقل ان يحرز غنائم العبادات وما يتعلق بالمعارف والكمالات التي تتحقق بها السادات ليكون الروح والجوارح كلاهما محفوظين غير محرومين وفى التأويلات النجمية ما غنمتم عند رفع الحجب من أنوار المشاهدات واسرار المكاشفات فلكم اربعة أخماس تعيشون بها مع الله وتكتمونها عن الأغيار
داند و پوشد بامر ذو الجلال ... كه نباشد كشف راز حق حلال
ولا تنفقون اكثر من خمسها فى الله مخلصا وللرسول متابعا ولذى القربى يعنى الاخوان فى الله مواصلا واليتامى يعنى اهل الطلب من الذين غاب عنهم مشايخهم قبل بلوغهم الى حد الكمال والمساكين يعنى الطالبين الصادقين إذا أمسكوا بأيدى الارادة أذيال إرشادكم وابن السبيل(3/350)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)
يعنى الصادر الوارد من اهل الصدق والارادة من اغيار جانب كل طائفة منهم على حسب صدقهم وإرادتهم وطلبهم واستعدادهم واستحقاقهم مؤديا حقوقهم لله وفى الله وبالله فى متابعة رسول الله وقانون سيرته وسنته. ومنها ان الله تعالى كما جمع بين الفريقين بحيث لو تركهم على حالهم لما اجتمعوا ليظهر عز الإسلام وذل الكفر كذلك جمع بين الأرواح والنفوس فى هذه إليها كل والقوالب بحيث لو تركهما على حالهما وهما على تلك الضدية واختلاف الطبيعة لما اجتمعت ليحصل الأرواح فى مقعد صدق والنفوس مع الملائكة المقربين كما قال فَادْخُلِي فِي عِبادِي بعد ما كانت محبوسة فى سجن الدنيا والأجساد فى جنات النعيم وأعلى عليين بعد ما كانت فى أسفل سافلين هذا بالنسبة الى السعداء المخلوقين للتحيات والقربات واما الأشقياء المذروءون لجهنم فعلى خلاف ذلك وقد خلق الله الاستعداد للترقى والتنزل ولله على الناس الحجة البالغة قال الكاشفى [در ترجمه شفا مذكورست كه كوهر شب آنكه فروز عقل را همچنانچهـ در حقه سينه دوستان مى سپارند در استين دشمنان تر دامن تيز مى نهند «ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة» يعنى بارقه نور عقل اگر از جانب عنايت وتوفيق لا مع شود دوستان بدان مهتدى كردند واگر از طرف قهر وخذلان استضاءت پذيرد سبب اختطاف أبصار بصائر دشمنان شود «يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا» ]
كرت صورت حال بد يا نكوست ... نكاريده دست تقدير اوست
ومنها ان من سنة الله ان يرى النبي عليه السلام حقائق الأشياء حقا وصدقا وهو يخبر بها ثم يراها ارباب الصورة فى الظاهر بضدها ابتلاء واختبارا للمؤمن والمنافق فالمؤمن يثبت على إيمانه بتصديق النبي عليه السلام وتسليمه فى أقواله واعماله وأحواله من غير اعتراض فيزيده الله ايمانا مع إيمانه والمنافق نزل قدمه وتشوش حاله بالاعتراض ويزيد نفاقه على النفاق وعماه على العمى والى الله ترجع الأمور فحال المؤمن وامره يرجع الى رضاه وحال المنافق وامره يرجع الى سخطه والرضى والسخط من آثار لطفه وقهره يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد وقس على هذا الهامات الأولياء وأحوالهم مع معتقديهم ومنكريهم فان الاختبار والابتلاء سنة قديمة وكم ترى من الصوفية من يزعم انه يحب فلانا ويعتقده وطريقته حقا فاذا جاء سطوة القهر بإراءة ما هو غير ملائم لطبعه نكص على عقبيه واتخذه غرضا لطعنه وتشنيعه واين هو من المحبة وهو مقام عال يجتمع عنده اللطف والقهر والجمال والجلال فلا يتشوش صاحبه من الأحوال العارضة المرئية فى صورة التنزل والتدلي ولذا كثر ارباب الصورة وقل اصحاب المعنى ويكفى لكل مرشد كامل واحد ممن يلزم طريقته وينبع هداه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً اى حاربتم جماعة كافرة لان اللقاء مما غلب فى الحرب والقتال وهم ما كانوا يحاربون الا الكفار فَاثْبُتُوا وقت لقائهم وقتالهم ولا تنهزموا وفى الحديث (لا تتمنوا لقاء العدو فاذا لقيتموهم فاصبروا) وانما نهى عن تمنى لقاء العدو لما فيه من صورة الاعجاب والوثوق بالقوة ولانه يتضمن قلة الاهتمام بالعدو وتحقيرهم وهذا يخالف الاحتياط كما قالوا فى آداب المناظرة انه ينبغى ان لا يحسب المناظر الخصم حقيرا(3/351)
اى صغيرا ذليلا لان استحقار الخصم ربما يؤدى الى صدور الكلام الضعيف من المناظر لعدم المبالاة فيكون سببا لغلبة الخصم الضعيف عليه فيكون الضعيف قويا والقوى ضعيفا والشر إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أعم فعلى العاقل ان يسأل العفو والعافية فانه لا يدرى ما يفعل به
أول شكسته باش كه اوج سرير ملك ... يوسف پس از مجاورت قعر چاه يافت
وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً اى فى تضاعيف القتال ومواطن الشدة بالتكبير والتهليل وغيرهما وادعوه بنصر المؤمنين وخذلان الكافرين كالذين قالوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ اى تفوزون بمرامكم وتظفرون بمرادكم من النصرة والمثوبة. وفيه تنبيه على ان العبد ينبغى ان لا يشغله شىء عن ذكر الله وان يلتجىء اليه عند الشدائد ويقبل اليه بالكلية فارغ البال واثقا بان لطفه لا ينفك عنه فى حال من الأحوال وعلى ان ذكر الله تعالى له تأثير عظيم
فى دفع المضار وجلب المنافع
تو بهر حالى كه باشى روز وشب ... يك نفس غافل مباش از ذكر رب
در خوشى ذكر تو شكر نعمتست ... در بلاها التجا با حضرتست
قال بعض الحكماء ان لله جنة فى الدنيا من دخلها يطيب عيشه وهى مجالس الذكر وفى الحديث (ان لله سيارة من الملائكة يطلبون حلق الذكر فاذا أتوا عليهم حفوا بهم ثم بعثوا رائدهم الى السماء الى رب العزة تبارك وتعالى فيقولون ربنا اتينا على عباد من عبادك يعظمون آلاءك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ويسألونك لآخرتهم ودنياهم فيقول الله تبارك وتعالى غشوهم رحمتى فهم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم) قال فى أنوار المشارق وكما يستحب الذكر يستحب الجلوس فى حلق اهله والعادة جرت فى حلق الذكر بالعلانية إذ لم يعرف فى كرّ الدهور حلقة ذكر اجتمع عليها قوم ذاكرون فى أنفسهم فالذكر برفع الصوت أشد تأثيرا فى قمع الخواطر الراسخة على قلب المبتدى وايضا يغتنم الناس بإظهار الدين بركة الذكر من السامعين فى الدور والبيوت ويشهد له يوم القيامة كل رطب ويابس سمع صوته خصوصا فى مواضع الازدحام بين الغافلين من العوام لتنبيه الغافلين وتوفيق الفاسقين وفى بعض الفتاوى لو ذكر الله فى مجلس الفسق ناويا انهم يشتغلون بالفسق وانا اشتغل بالذكر فهو أفضل كالذكر فى السوق أفضل من الذكر فى غيره وحضور مجلس الذكر يكفر سبعين مجلسا من مجالس السوء وقد نهى عن ان يجلس الإنسان مجلسا لا يذكر الله فيه ولا يصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ويكون ذلك المجلس حسرة عليه يوم القيامة وفى الحديث (من جلس مجلسا كثر فيه لغطه فقال قبل ان يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا أنت استغفرك وأتوب إليك غفر له ما كان فى مجلسه ذلك) فعلى العاقل ان يكون رطب اللسان بالذكر والدعاء الاستغفار دائما خصوصا فى الأوقات المباركة- روى- ان النبي عليه السلام بعث بعثا الى نجد فعسروا واسرعوا وقال رجل ما رأينا بعثا أفضل غنيمة واسرع رجعة فقال النبي عليه السلام (ألا أدلكم على قوم أفضل غنيمة واسرع رجعة الذين شهدوا صلاة الصبح ثم جلسوا يذكرون الله حتى تطلع الشمس(3/352)
ثم يصلون ركعتين ثم يرجعون الى أهاليهم وهى صلاة الاشراق وهو أول وقت الضحى وذلك بعد ان تطلع الشمس ويصلى ركعتين كانت كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة) ذكر فى شرح المصابيح ان فى قوله ثم قعد يذكر الله تعالى دلالة على ان المستحب فى هذا الوقت انما هو ذكر الله تعالى لا القراءة لان هذا وقت شريف وان للمواظبة للذكر فيه تأثيرا عظيما فى النفوس وقال فى المنية ناقلا عن جمع العلوم ومن وقت الفجر الى طلوع الشمس ذكر الله تعالى اولى من القراءة ويؤيده ما ذكره فى القنية من ان الصلاة على النبي عليه السلام والدعاء والتسبيح أفضل من قراءة القرآن فى الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها وعن النبي صلى الله عليه وسلم (ألا أدلكم على ساعة من ساعات الجنة الظل فيها ممدود والرزق فيها مقسوم والرحمة فيها مبسوطة والدعاء مستجاب قالوا بلى يا رسول الله قال ما بين طلوع الفجر الى الى طلوع الشمس) قال على المرتضى رضى الله عنه مر النبي عليه السلام بعائشة رضى الله عنها قبل طلوع الشمس وهى نائمة فحركها برجله فقال (قومى لتشاهدى رزق ربك ولا تكونى من الغافلين ان الله يقسم أرزاق العابد بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس) واختلف فى ان التهليل والتسبيح ونحوهما بمجرد القلب أفضل او باللسان مع حضور القلب احتج من رجح الاول بان عمل السر أفضل واحتج من رجح الثاني بان العمل فيه اكثر فافتضى زيادة والصحيح هو الثاني ذكره النووي فى شرح مسلم والذكر الكثير ما كان بصفاء القلب فصفاء القلب جنة العارف فى الدنيا فانه يجاوز بذكر الله تعالى عن جحيم النفس الامارة وهاويتها فيترقى الى نعيم الحضور قال ابو بكر الفرغاني كنت أسقط فى بعض الأيام عن القافلة فقلت يا رب لو علمتنى الاسم الأعظم فدخل على رجلان وقال أحدهما للآخر الاسم الأعظم ان تقول يا الله ففرحت به فقال ليس كما تقول بل بصدق اللجأ اى الالتجاء والاضطرار كما يقول من كان فى لجة البحر ليس ملجأ غير الله واعلم ان الجهاد من أعظم الطاعات ولذلك لا يجتمع غبار المجاهد مع دخان جهنم وبخطوة من
المجاهد يغفر ذنب وبأخرى تكتب حسنة ولكن ينبغى للمجاهد ان يصحح نيته ويثبت فى مواطن الحرب فان بثبات القلب والقدم يتبين أقدار الرجال كما كان للصديق رضى الله عنه حين صدمته الوجيعة بوفاة رسول الله حين قال من كان يعبد محمدا فان محمدا قدمات ومن كان يعبد رب محمد فانه حى لا يموت ويجتنب عن الظلم وارتكاب المعاصي فان الغلبة على الأعداء بالقوة القدسية والتأييد الإلهي لا بالقوة الجسمانية وكثرة العدد والعدد ألا يرى الى الله تعالى كيف أيد المؤمنين بالملائكة فى غزوة بدر مع قتلهم وكثرة الكافرين فالذين جاهدوا فى سبيل الله بالتقى والصبر والثبات فقد غلبوا على الأعداء ووصلوا الى الدرجات
كه شتاب چوصرصر كه قرار چوكوه ... كه نشيب كبوتر كه فراز عقاب
واستعرض الإسكندر جنده فتقدم اليه رجل بفرس اعرج فامر بإسقاطه فضحك الرجل فاستعظم ضحكه فى ذلك المقام فقال له ما اضحكك وقد اسقطتك قال العجب منك قال كيف قال تحتك آلة الهرب وتحتى آلة الثبات ثم تسقطنى فاعجب بقوله وأثبته ثم اعلم ان الفئة الباغية ظاهرة كالطائفة الكافرة والجماعة الفاجرة وباطنة كطائفة القوى النفسانية وجماعة النفس الامارة فكما ان المؤمن مأمور بالثبات عند ظهور الفئة الباغة الظاهرة فكذلك مأمور بالثبات عند ظهور الفئة الباغية(3/353)
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52)
الباطنة بالمجاهدات والجهاد مع الكفار جهاد أصغر والجهاد مع النفس جهاد اكبر والأكبر أفضل من الأصغر ولذلك يكون القتيل فى الأكبر صديقا وفى الأصغر شهيدا فالصديق فوق الشهيد كما قال الله تعالى فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ والخلاص من ظلمات الخلقية والفوز بانوار الذكر الذي الاشتغال به من اكبر انواع الجهاد واسرع قدم فى الوصول الى رب العباد نسأل الله تعالى ان يحققنا بحقائق الذكر والتوحيد وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فى كل ما تأتون وما تذرون خصوصا فى امر الجهاد وثبات القدم فى معركة القتال وَلا تَنازَعُوا باختلاف الآراء كما فعلتم ببدر واحد فَتَفْشَلُوا جواب للنهى يقال فشل اى كسل وضعف وتراخى وجبن وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ بالنصب عطف على جواب النهى اى تذهب دولتكم وشوكتكم فانها مستعارة للدولة من حيث انها فى تمشى أمرها ونفاذه مشبهة بها فى هبوبها وجريانها. وقيل المراد بها الحقيقة فان النصرة لا تكون الا بريح يبعثها الله تعالى ويقال لها ريح النصرة- وروى- انه حاصر المدينة قريش وغطفان وبنوا قريظة وبنوا النضير يوم الخندق فهبت ريح الصبا شديدا فقلعت خيامهم واراقت قدورهم وهربوا فقال عليه السلام (نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور) والصبا بفتح الصاد وبالقصر ريح تهب من المشرق والدبور هى ما يقابل الصبا فى الهبوب يعنى الريح مأمورة تجيىء تارة للنصرة وتارة للاهلاك وفى المثنوى
جمله ذرات زمين وآسمان ... لشكر حقند كاه امتحان
باد را ديديكه با عادان چهـ كرد ... ابرا ديديكه با طوفان چهـ كرد
وَاصْبِرُوا على شدائد الحرب وقتال المشركين ولا تولوهم الأدبار إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ بالنصرة والكلاءة وما يفهم من كلمة مع من اصالتهم انما هى من حيث انهم المباشرون للصبر فهم متبوعون من تلك الحيثية ومعيته تعالى انما هى من حيث الامداد والاعانة وَلا تَكُونُوا ايها المؤمنون كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ يعنى اهل مكة حين خرجوا منها لحماية العير اى القافلة المقبلة من الشام بَطَراً مفعول له اى افتخارا بمآثر الأصول من الآباء والأمهات وأشرا وهو مقابلة النعمة بالتكبر والخيلاء وَرِئاءَ النَّاسِ
ليثنوا عليهم بالشجاعة والسماحة وذلك انهم لما بلغوا الجحفة أتاهم رسول ابى سفيان وقال ارجعوا فقد سلمت عيركم من اصحاب محمد ومن نهبهم فقال ابو جهل لا والله حتى نقدم بدرا ونشرب بها الخمور وتعزف علينا القيان ونطعم بها من حضرنا من العرب فوافوها اى أتوا بدرا ولكن سقوا كأس المنايا بدل كأس الخمور وناحت عليهم النوائح مكان تغنى القيان فنهى المؤمنون ان يكونوا أمثالهم بطرين مرائين وأمرهم بالتقوى والإخلاص لان النهى عن الشيء مستلزم للامر بضده وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ عطف على بطرا بتأويل المصدر اى وصدا ومنعا للناس عن دين الله المؤدى الى الجنة والثواب وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ فيجازيهم عليه. وفيه تهديد على الأعمال القبيحة خصوصا ما ذكر فى هذه الآية من البطر. والرثاء هو اظهار الجميل وابطان القبيح وهو من الصفات المذمومة للنفس(3/354)
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)
- وحكى- عن بعض الصالحين انه قال كنت ليلة فى وقت السحر فى غرفة لى على الطريق اقرأ سورة طه فلما ختمتها غفوت غفوة فرأيت شخصا نزل من السماء بيده صحيفة فنشرها بين يدى فاذا فيها سورة طه وإذا تحت كل كلمة عشر حسنات مثبتة الا كلمة واحدة فانى رأيت مكانها محوا ولم أر تحتها شيأ فقلت والله لقد قرأت هذه الكلمة ولا ارى ثوابا ولا أراها أثبتت فقال الشخص صدقت قد قرأتها وكتبناها الا انا قد سمعنا مناديا ينادى من قبل العرش امحوها واسقطوا ثوابها فمحوناها قال فبكيت فى منامى فقلت لم فعلتم ذلك فقال مر رجل فرفعت بها صوتك لاجله فذهب ثوابها وفى الحديث (ان النار وأهلها يعجون من اهل الرياء) اى يتضرعون ويرفعون الصوت قيل يا رسول الله وكيف تعج النار قال (من ضر الناس الذين يعذبون بها) فويل للمرائى فى عمله ومن الرياء التزيي بزى القوم تصنعا ودوران البلاد تفرجا ليتباهى بذلك على الاخوان كما يفعله اكثر المتسمين بالصوفية فى هذا الزمان فان مقصودهم ليس التقليد بلباس القوم تبركا مع التحقق بمعانيهم فهم محرومون من أنوار المعرفة واسرار الحقيقة خارجون عن دائرة الطريقة: قال الحافظ
مدعى خواست كه آيد بتماشا كه راز ... دست غيب آمد وبر سينه نا محرم زد
فعلى العاقل اخلاص العمل وهو ارادة التقرب الى الله تعالى وتعظيم امره واجابة دعوته سواء كان من العبادات المالية او البدنية وفى التتارخانية لو افتتح الصلاة خالصا لله تعالى ثم دخل فى قلبه الرياء فهو على ما افتتح والرياء انه لو خلا عن الناس لا يصلى ولو كان مع الناس يصلى فاما لو صلى مع الناس يحسنها ولو صلى وحده لا يحسن فله ثواب اصل الصلاة دون الإحسان ولا رياء فى الصوم الا ان يكون مراده من الرياضة اصفرار الوجه وهزال البدن ليظنه الناس رجلا صالحا متقيا مريدا للآخرة فانظر الى تعبه لاجل الناس ولو كان له عقل صحيح وفكر ثاقب لما فعل هذا وفى مثل هذا قالوا أخف حلما من عصفور قال حسان ابن ثابت الأنصاري رضى الله عنه
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم ... جسم البغال وأحلام العصافير
وما الدنيا حتى يطلبها العاقل بعمله ويضيع عمره الى حلول اجله وعن ابى الدرداء رضى الله عنه ان النبي عليه السلام مر بدمنة قوم فيها سخلة ميتة فقال مالاهلها فيها حاجة قالوا يا نبى الله لو كان لاهلها فيها حاجة ما نبذوها قال (فو الله الدنيا أهون على الله من هذه السخلة على أهلها) : قال السعدي قدس سره
وگر سيم اندوده باشد نحاس ... توان خرج كردن بر ناشناس
منه آب زرجان من بر پشيز ... كه صراف دانا نكيرد بچيز
چهـ قدر آورد بنده خورد پيس ... كه زير قبا دارد أندام پيس
نسأل الله تعالى ان يعصمنا من الزلل فى مسالك الدين ويوصلنا الى رضاه فى كل قول وعمل وهو المعين آمين بجاه النبي الامين وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ [آورده اند كه چون قريش از مكه برون آمده بحوالى منزل بنى كنانه رسيدند بجهت كيفيت قديمى كه(3/355)
ميان ايشان بود انديشه ناك شده خواستند باز كردند إبليس بصورة سراقة بن مالك مهتر كنانه بود بر آمد بر ايشان ملاقات نمود وكفت شما نيكو حمايتى ميكنيد برويد من ضامن كه از بنى كنانه ضرر بشما نرسد ومن نيز طريق رفاقه مرعى دارم پس إبليس با جمعى از شياطين همراه ايشان روى ببدر آوردند حق سبحانه وتعالى ازين قصه خبر ميدهد] والمعنى واذكر يا محمد وقت تزيين الشيطان اعمال كفار مكة فى معاداة المؤمنين وغيرها [ودر حقائق سلمى فرموده كه قوة ايشانرا بنظر ايشان در آورد تا اعتماد بدان كردند] وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ فانكم كثير وهم قليل. قوله لكم خبر لا غالب اى لا غالب كائن لكم واليوم منصوب بما تعلق به الخبر ومن الناس حال من الضمير فيه والمراد من الناس المؤمنون وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ اى مجيركم من بنى كنانة ومعين لكم فمعنى الجار المجير الحافظ الذي يدفع عن صاحبه انواع الضر كما يدفع الجار عن جاره تقول العرب انا جار لك من فلان اى حافظ لك من مضرته فلا يصل إليك منه مكروه وقال فى القاموس الجار المجاور والذي أجرته من انه يظلم والمجير واجاره أنقذه فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ اى تلافى الفريقان يوم بدر قال الكاشفى [پس آن هنكام كه بديدند هر دو كروه لشكر يكديكر را] نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ رجع القهقرى وهو اصل معنى النكوص لان الغالب فيمن يفر عن موضع القتال ان يرجع قهقرى لخوفه من جهة العدو. وقوله على عقبيه حال مؤكدة لان رجوع القهقرى انما يكون على العقبين [واين عبارتست از هزيمت كردن بمكر وحيله آورده اند كه چون روز بدر ملائكة فرود آمدند إبليس ايشانرا ديد روى بفرار نهاد در آن محل دست بر دست حارث بن هشام بود حارث كفت اى سراقه در چنين حال ما را فرو ميكذارى إبليس دست بر سينه او زد] وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ [من بيزارم از زنهار شما] إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ من نزول الملائكة للامداد فقال الحارث وما نرى الا جعاشيش اهل يثرب والجعشوش الرجل القصير إِنِّي أَخافُ اللَّهَ من ان يصيبنى بمكروه من الملائكة او يهلكنى على ان يكون الوقت هو الوقت المعلوم الذي انظر اليه وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ لمن يخاف منه وقد صدق الكذاب انه يخاف من شدة عذاب الله فان عقابه لو وقع عليه لتلاشى ولذلك كان يفر من ظل عمر رضى الله عنه وما سلك فجا الا وسلك الشيطان فجا آخر لئلا يقع عليه عكس نور ولاية عمر فيحرقه وقد علم الشيطان انه من المعذبين المعاقبين وانما خوفه من الله من شدة عقابه لانه يعلم انه لا نهاية لشدة عقابه والله قادر على ان يعاقبه بعقوبة أشد من الاخرى. وفيه اشارة الى ان خوفه من الله يدل على انه غير منقطع الرجاء منه كذا فى التأويلات النجمية [نقلست كه منهزمان بدر بعد از رجوع بمكة سراقه را پيغام فرستادند كه لشكر ما را تو منهزم ساختى سراقه سوكند ياد كرد كه تا هزيمت شما نشنيدم از عزيمت شما وقوف نيافتم پس همه را معلوم شد كه آن شيطان بود كه خود را بر صورت سراقه نموده] فان قيل كيف يجوز ان يتمكن إبليس من ان يخلع صورة نفسه ويلبس صورة سراقة ولو كان قادرا على ان يجعل نفسه فى مثل صورة انسان لكان قادرا على ان يجعل غيره إنسانا(3/356)
قيل إذا صحت هذه الرواية فالجواب ان الله خلق إبليس فى صورة سراقة والله تعالى قادر على خلق انسان فى مثل صورة سراقة ابتداء فكان قادرا على ان يصور إبليس فى مثل صورة سراقة كما فى التفسير الحدادي وقال القاضي ابو يعلى ولا قدرة للشياطين على تغيير خلقهم والانتقال فى الصور وانما يجوز ان يعلمهم الله تعالى كلمات وضربا من ضروب الافعال إذا فعله او تكلم بها نقله الله تعالى من صورة الى صورة فيقال انه قادر على التصوير والتخييل على معنى انه
قادر على قول إذا قاله او فعل إذا فعله نقله الله تعالى من صورته الى صورة اخرى بجرى العادة واما ان يصور نفسه فذاك محال لان انتقالها من صورة الى صورة انما يكون بنقض البنية وتفريق الاجزاء وإذا انتقضت بطلت الحياة واستحال وقوع الفعل بالجملة فكيف بنقل نفسها قال والقول فى تشكيل الملائكة مثل ذلك والذي روى ان إبليس تصور فى صورة سراقة بن مالك وان جبريل تمثل فى صورة دحية وقوله تعالى فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا
محمول على ما ذكرنا وهو انه قدره الله تعالى على قول قاله فنقله الله تعالى من صورته الى صورة اخرى كذا فى آكام المرجان ونظر فيه والهى الاسكوبى بان من قال تمثل جبريل عليه السلام وتصور إبليس عليه ما يستحق ليس مراده انهما أحدثا تلك الصورة والمثال من قدرتهما نفسهما بل باقدار الله لهما على التصور والتمثل كيف شاءا فلا منافاة بين القولين غاية ما فى الباب ان العمل من طريق ما اقدره الله به من الأسباب المخصوصة انتهى يقول الفقير ان الملائكة والشياطين من قبيل الأرواح اللطيفة وللارواح التصور بانواع الصور كما ان للاجسام التلون بألوان الالبسة وكل ذلك باقدار الله تعالى فى الحقيقة لكن هذا المعنى صعب المسلك فلا يهتدى الى دركه الا الأنبياء والأولياء المكاشفون عن حقيقة الأمر والله اعلم ثم ان من عادة الشيطان ان يقحم من أطاعه ورطة الهلاك ثم يتبرأ منه- حكى- ان عابدا عبد الله فى صومعته دهرا طويلا فولدت لملكهم ابنة فانف الملك ان يمسها الرجال فاخرجها الى صومعته وأسكنها معه كيلا يعرف أحد مكانها ويستخطبها منه فكبرت الابنة فحضر إبليس على صورة شيخ وخدعه بها حتى واقعها الزاهد وأحبلها فلما ظهر بها الحبل رجع اليه فقال له انك زاهدنا وانها لو ولدت يظهر زناك فتصير فضيحة فاقتلها قبل الولادة واعلم والدها انها قد ماتت فيصدقك فتنجو من العذاب والشين فقتلها الزاهد فجاء الشيطان الى الملك فى زىّ العلماء فاخبره بصنع الزاهد بابنته من الاحبال والقتل وقال ان أردت ان تعرف حقيقة ما أخبرتك فانبش قبرها وشق بطنها فان خرج منها ولد فهو مصداق مقالتى وان لم يخرج فاقتلنى ففعل الملك ذلك فاذا الأمر كما قال فاخذ الزاهد واركبه الإبل وحمله الى بلده فصلبه فجاءه الشيطان وهو مصلوب فقال له انك زنيت بامرى وقتلت نفسا بامرى فآمن بي انجك من عذاب الملك فادركته الشقاوة فآمن به فهرب الشيطان منه ووقف من بعيد فقال الزاهد نجنى فقال الشيطان انى أخاف الله رب العالمين فعلى العاقل الحذر من كيده وفى المثنوى
آدمي را دشمن پنهان بسيست ... آدمىء با حذر عاقل كسيست
واعلم ان الشيطان إذا ظفر بالسالك يغره بالقوة والكمال والبلوغ الى مرتبة الرجال وانه(3/357)
إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)
لا يضره التصرف فى الدنيا وارتكاب بعض المنهيات بل ينفعه فى نفى الرياء والعجب كما هو طريقة اهل الملامة قال بعض ارباب الحقيقة يجوز ان تظهر لنفسك ما يوجب نفى دعواها من مباح مستبشع او مكروه لم يمنع دواء لعلة العجب لا محرما متفقا عليه انتهى فليكن هذا على ذكر منك فان صوفية الزمان قد تجاوزوا الحلال الى الحرام وتركبوا العهود بينهم وبين المشايخ الكرام ولم يعرفوا ان السلامة فى الاخذ بالكتاب وسنة النبي عليه السلام والتأدب بآداب وضعها الخواص من الأنام لمن يطلب الدخول الى حرم اسرار الله الملك العلام: قال الحافظ
در راه عشق وسوسه أهرمن بسيست ... هش دار وكوش دل بپيام سروش كن
إِذْ منصوب باذكر يَقُولُ الْمُنافِقُونَ من اهل المدينة من الأوس والخزرج وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ من قريش كانوا قد اسلموا ولم يهاجروا لعدم قوة إسلامهم ولمنع اقربائهم إياهم من الهجرة فلما خرجت قريش الى بدر أخرجوهم معهم كرها ولما رأوا قلة عدد المسلمين ارتابوا وارتدوا وقالوا لاهل مكة غَرَّ هؤُلاءِ يعنون المؤمنين دِينُهُمْ إذ خرجوا مع قلة عددهم وعددهم لحرب قريش مع كثرتهم وشوكتهم ولم يشكوا بل قطعوا بان قريشا تغلبهم لانهم زهاء الالف والمؤمنون ثلاثمائة وبضعة عشر فقال الله تعالى جوابا لهم وَمَنْ [هر كه] يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ اى ومن يسلم امره الى الله تعالى ويثق به وبقضائه فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غالب لا يذل من توكل عليه واستجار به وان قل حَكِيمٌ يفعل بحكمته البالغة ما تستبعده العقول وتحار فى فهمه الباب الفحول- روى- ان الحجاج بن يوسف سمع ملبيا يلبى حول البيت رافعا صوته بالتلبية وكان إذ ذاك بمكة فقال على بالرجل فاتى به اليه فقال ممن الرجل قال من المسلمين فقال ليس عن الإسلام سألتك قال نعم سألت قال سألتك عن البلد قال من اهل اليمن قال كيف تركت محمد بن يوسف يعنى أخاه قال تركته عظيما جسيما لباسا ركابا خراجا ولاجا قال ليس عن هذا سألتك قال فعم سألت قال سألتك عن سيرته قال تركته ظلمو ما غشوما مطيعا للمخلوق عاصيا للخالق فقال له الحجاج ما حملك على هذا الكلام وأنت تعلم مكانه منى قال الرجل أترى مكانه منك أعز منى بمكاني من الله وانا وافد بيته وزائر نبيه وقاضى دينه ومتبع دينه فسكت الحجاج ولم يجر جوابا وانصرف الرجل من غير اذن فتعلق بأستار الكعبة وقال اللهم بك أعوذ وبك الوذ اللهم فرجك القريب ومعروفك القديم وعادتك الحسنة فانظر الى هذا الرجل كيف اظهر الحق ولم يخف من المخلوق خصوصا من الحجاج الذي كان اظلم خلق الله فى زمانه حتى كسر الاعراض وسفك الدماء وفعل ما فعل الى حيث يضيق نطاق البيان عنه فلما توكل على الله واستجار به نصره الله وهو بانفراده على الحجاج وهو مع جمعه لان الصحيح السالم وهو المؤمن غالب على السقيم المبتلى وهو المنافق والحجاج كان من منافق هذه الامة واعلم ان مرض القلوب على نوعين. نوع منه الشك فى الايمان والدين وحقيقته فذلك مرض قلوب الكفار والمنافقين. والثاني ميلها الى الدنيا وشهواتها وملاحظة الحظوظ النفسانية وهو مرض قلوب المسلمين والاشارة فيه ان المعالجة لما يكون فى قلوب الكفار والمنافقين بالايمان والتصديق واليقين وان ماتوا فى مرضهم فهم من الهالكين. ومعالجة(3/358)
وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52)
مرض قلوب المسلمين بالتوبة والاستغفار والزهد والطاعة والورع والتقوى وان ماتوا فى مرضهم فهم من اهل النجاة من النار بعد العذاب وشفاعة الأنبياء وربما يؤدى مرضهم بترك المعالجة والاحتماء الى الهلاك وهو الكفر ألا ترى الى حال بعض المسلمين من اهل مكة لما تركوا العلاج وانقطعوا عن الطبيب وهو النبي عليه السلام وما احتموا عن الغذاء المخالف وهو قولهم غر هؤلاء دينهم هلكوا مع الهالكين ظاهرا وباطنا فعلى العاقل تحصيل حسن الحال قبل حلول الاجل وهو انما يكون بصحبة واصل الى الله عز وجل والله تعالى يجود على الخلق عامة فكيف على العقلاء والعشاق: قال الحافظ
عاشق كه شد كه يار بحالش نظر نكرد ... اى خواجه درد نيست وكرنه طبيب هست
وقال آخر
مكو اصحاب دل رفتند وشهر عشق شد خالى ... جهان پر شمس تبريز است ومردى كو چومولانا
اللهم وفقنا لما تحب وترضى وسهل علينا مداواة هذه القلوب المرضى وَلَوْ تَرى يا محمد حال الكفرة اى لو رأيت فان لو تجعل المضارع ماضيا عكس ان إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ اى حين تقبض أعوان ملك الموت أرواح الكفار ببدر فالملائكة فاعل يتوفى يَضْرِبُونَ اى حال كون الملائكة يضربون بمقامع من حديد كلما ضربوا التهب النار منها وُجُوهَهُمْ اى ما اقبل من أعضائهم وَأَدْبارَهُمْ اى ما أدبر منها وَذُوقُوا اى يضربون ويقولون ذوقوا بعد السيف فى الدنيا عَذابَ الْحَرِيقِ اى العذاب المحرق الذي هو مقدمة عذاب الآخرة فهو فعيل بمعنى مفعل يقال حرقه بالنار وأحرقه وحرقه فاحترق وتحرق وجواب لو محذوف للايذان بخروجه عن حدود البيان اى لرأيت امرا فظيعا لا يكاد يوصف ذلِكَ المذكور من الضرب والعذاب واقع بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ اى بسبب ما كسبتم من الكفر والمعاصي فاليد عبارة عن النفس الدراكة عبر عنها باسم اغلب آلاتها فى اكتساب الافعال وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ محله الرفع على انه خبر مبتدأ محذوف والجملة اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبلها اى والأمر انه تعالى ليس بمعذب لعبيده بغير ذنب من قبلهم فلا يجازى اهل الايمان بجهنم وعذابها وانما يجازى اهل الكفر والنفاق والارتداد بظلمهم على أنفسهم وسر التعبير عن نفى التعذيب بنفي الظلم مع ان تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم قطعا عند اهل السنة فضلا عن كونه ظلما بالغا قد مر فى سورة آل عمران فان قلت ظلام أخص من ظالم لانه للمبالغة المقتضية للتكثير ولا يلزم من نفى الأخص نفى الأعم قلت المراد بكثرة الظلم كثرته باعتبار كثرة متعلقه فان لفظ العبيد يدل على الكثرة فيكون ما أصابهم من الظلم كثيرا نظرا الى كثرتهم فالمنفى عن كل واحد منهم اصل الظلم. فالمعنى انه تعالى لا يظلم أحدا من عبيده وايضا انه إذا نفى الظلم الكثير انتفى القليل لان الذي يظلم انما يظلم للانتفاع بالظلم فاذا ترك كثيره مع زيادة نفعه فى حق من يجوز عليه النفع والضر كان لقليله مع قلة نفعه اترك. وايضا ان الظلام للنسبة كما فى بزاز وعطار اى لا ينسب اليه ظلم البتة كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم اى عادة كفار قريش فى كفرهم وعنادهم كعادة آل فرعون المشهورين بقباحة(3/359)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)
الأعمال. واصل الدأب فى اللغة ادامة العمل يقال فلان يدأب فى كذا اى يداوم عليه ويواظب ويتعب نفسه فيه ثم سميت العادة دأبا لان الإنسان يداوم على عادته وآل الرجل الذين يرجعون اليه باوكد الأسباب ولهذا لا يقال لقرابة الرجل آل الرجل ولا يقال لاصحابه آله والمقصود هنا كدأب فرعون وآله اى اتباعه وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ اى من قبل آل فرعون كقوم نوح وثمود وعاد وغيرهم من اهل الكفر والعناد كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ تفسير للدأب والآيات هى دلائل التوحيد المنصوبة فى الأنفس والآفاق او معجزات الأنبياء على الإطلاق فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ اى عاقبهم الله تعالى بسبب كفرهم وسائر معاصيهم إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ لا يغلبه فى دفعه شىء ذلِكَ اى ترتب العقاب على أعمالهم السيئة دون ان يقع ابتداء مع قدرته تعالى على ذلك بِأَنَّ اللَّهَ اى بسبب انه تعالى لَمْ يَكُ فى حد ذاته. وأصله يكن فحذفت النون تخفيفا لشبهها بحرف اللين من حيث كونها حرف غنة فكما يحذف حرف اللين حال الجزم حذفت النون الساكنة ايضا للتخفيف لكثرة استعمال فعل الكون ولم يحذف فى نحو لم يصن ولم يخن لقلة استعمالهما بالنسبة الى لم يكن وكثرة الاستعمال تستدعى التخفيف مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها اى لم ينبغ له سبحانه ولم يصح فى حكمته ان يكون بحيث يغير نعمة انهم بها عَلى قَوْمٍ من الأقوام أي نعمة كانت جلت او هانت حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ من الأعمال والأحوال التي كانوا عليها وقت ملابستهم للنعمة ويتصفوا بما ينافيها سوآء كانت أحوالهم السابقة مرضية صالحة او قريبة من الصلاح بالنسبة الى الحادثة كدأب هؤلاء الكفرة حيث كانوا قبل البعثة كفرة عبدة الأصنام مستمرين على حالة مصححة لافاضة نعمة الامهال وسائر النعم الدنيوية عليهم فلما بعث إليهم النبي عليه السلام بالبينات غيروها الى أسوأ منها وأسخط حيث كذبوه عليه الصلاة والسلام وعادوه ومن تبعه من المؤمنين وتحزبوا عليهم يبغونهم الغوائل فغير الله تعالى ما أنعم به عليهم من نعمة الامهال وعاجلهم بالعذاب والنكال وقال الحدادي أطعمهم الله من جوع وآمنهم من خوف وأرسل إليهم رسولا منهم وانزل عليهم كتابا بألسنتهم ثم انهم غيروا هذه النعم ولم يشكروها ولم يعرفوها من الله فغير الله ما بهم وأهلكهم وعاقبهم ببدر وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ اى وبسبب ان الله تعالى يسمع ويعلم جميع ما يأتون وما يذرون من الأقوال والافعال السابقة واللاحقة فيرتب على كل منها ما يليق بها من ابقاء النعمة وتغييرها كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ تكرير للتأكيد وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وعطف قوله تعالى وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ على أهلكنا مع اندراجه تحته للايذان بكمال هول الإغراق وفظاعته كعطف جبرائيل على الملائكة وَكُلٌّ من غرقى القبط وقتلى قريش كانُوا ظالِمِينَ أنفسهم بالكفر والمعاصي حيث عرّضوها للهلاك او واضعين للكفر والتكذيب مكان الايمان والتصديق والاشارة ان فرعون وقومه اختصوا بالاستغراق فى بحر الهلاك عن غيرهم لا دعاء فرعون الربوبية واقرار قومه وتصديقهم إياه بها وهذا غاية فساد جوهر الروحانية باستيلاء الصفات النفسانية وكل ممن كفر بالله وكذب بآياته كانوا(3/360)
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55)
ظالمى أنفسهم لافساد استعدادهم وان لم يبلغوا. فى الظلم والكفر ما بلغ فرعون وقومه فعليك بمحافظة الاستعداد الفطري وإكثار الشكر عليه وإياك وشؤم المعاملات السيئة المؤدية الى الإفساد والإهلاك ولا يحملك العناد على مخالفة الحق وعدم قبوله فانه لا ينبغى لاحد خصوصا للسلاك
كسى را كه پندار در سر بود ... مپندار هركز كه حق بشنود
قال الامام الغزالي قدس سره ان النعمة انما تسلب ممن لا يعرف قدرها واقنع فى هذا الباب بمثال ملك يكرم عبدا له فيخلع عليه خاصة ثيابه ويقربه منه ويجعله فوق سائر حجابه وخدامه ويأمره بملازمة بابه ثم يأمر ان يبتنى له فى موضع آخر القصور وتوضع له الاسرة وتنصب له الموائد وتزين له الجواري ويقام له الغلمان حتى إذا رجع من الخدمة اجلس هنالك ملكا مخدوما مكرّما ما وما بين حال خدمته الى ملكه وولايته الا ساعة من نهار او اقل فان ابصر هذا العبد بجانب باب الملك سائسا للدواب يأكل رغيفا او كلبا يمضع عضما فجعل يشتغل عن خدمة الملك بنظره اليه وإقباله عليه ولا يلتفت الى ماله من الخلع والكرامة فيسعى الى ذلك السائس ويمد يده ويسأله كسرة من رغيفه او يزاحم الكلب على العظم ويعظمهما ويعظم ماهما فيه أليس الملك إذا نظر اليه على مثل هذه الحالة يقول هذا السفيه لم يعرف حق كرامتنا ولم ير قدر إعزازنا إياه بخلعنا والتقرب الى حضرتنا مع صرفنا اليه من عنايتنا وأمرنا له من الذخائر وضروب الأيادي ما هذا الا ساقط عظيم الجهل قليل التمييز اسلبوه الخلع واطردوه عن بابنا فهذا حال العالم إذا مال الى الدنيا والعابد إذا اتبع الهوى فعليك ايها الرجل ببذل المجهود حتى تعرف نعم الله تعالى عليك واحذر من ان تكون النعمة نقمة والولاء بلاء والعز ذلا والإقبال إدبارا واليمين يسارا فان الله تعالى غيور:
وفى المثنوى
هر كه شد مر شاه را او جامه وار ... هست خسران بهر شاهش اتجار
هر كه با سلطان شود او همنشين ... بر درش شستن بود حيف وغبين
دست بوسش چون رسيد از پادشاه ... كر كزيند بوس پاباشد كناه
كرچهـ سر بر پانهادن خدمتست ... پيش آن خدمت خطا وزلتست
شاه را غيرت بود بر هر كه او ... بو كزيند بعد از انكه ديد رو
والمقصود ان من عرف الله وعرف قدر نعمته عليه ترك الالتفات الى الدنيا بل الى الكونين فان الله أجل من كل شىء وذكره أفضل من كل ذكر وكلام- وحكى- ان سليمان بن داود عليهما السلام مر فى موكبه والطير تظله والدواب من الوحوش والانعام والجن والانس وسائر الحيوانات عن يمينه ويساره فمر بعابد من عباد بنى إسرائيل فقال والله يا ابن داود لقد آتاك الله ملكا عظيما فسمع ذلك سليمان فقال لتسبيحة فى صحيفة مؤمن خير مما اعطى ابن داود فان ما اعطى ابن داود يذهب والتسبيحة تبقى فهذا ارشاد عظيم لمن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وتوجه الى الحضرة العليا فارغا عن شواغل الدنيا إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ(3/361)
الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)
اى شر ما يدب على الأرض ويتحرك من الحيوانات عِنْدَ اللَّهِ اى فى حكمه وقضائه الَّذِينَ كَفَرُوا اى أصروا على الكفر ورسخوا فيه فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ فلا يتوقع منهم ايمان لكونهم من اهل الطبع وجعلوا شر الدواب لا شر الناس ايماء الى انهم بمعزل عن مجانستهم وانما هم من جنس الدواب ومع ذلك هم شر من جميع افرادها كما قال تعالى إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ
دريغ آدمي زاده پر محل ... كه باشد چوانعام بل هم أضل
الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ بدل من الموصول الاول بدل البعض للبيان او للتخصيص اى الذين أخذت منهم عهدهم فمن لابتداء الغاية ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ الذي أخذته منهم عطف على عاهدت فِي كُلِّ مَرَّةٍ من مرات المعاهدة وَهُمْ لا يَتَّقُونَ اى يستمرون على النقض والحال انهم لا يتقون سيئة الغدر ولا يبالون فيه من العار والنار وهم يهود قريظة عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ان لا يعينوا عليه عدوا فنقضوا العهد وأعانوا اهل مكة يوم بدر بالسلاح ثم قالوا نسينا واخطأنا ثم عاهدهم مرة اخرى فنكثوا ومالأوهم عليه يوم الخندق اى ساعدوا وعاونوا وذلك انهم لما رأوا غلبة المسلمين على المشركين يوم بدر قالوا انه هو النبي الموعود بعثه فى آخر الزمان فلا جرم يتم امره ولا يقدر أحد على محاربته ثم انهم لما رأوا يوم أحد ما وقع من نوع ضعف المسلمين شكوا وقد كان احترق كبدهم بنار الحسد من ظهور دينه وقوة امره فركب كعب بن اسد سيد بنى قريظة مع أصحابه الى مكة وواثقوا المشركين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فادى ذلك الى غزوة الخندق وفيه ذم بطريق الاشارة للذين عاهدوا الله على ترك المعاصي والمنكرات ثم نقضوا العهد مرة بعد اخرى
نه ما را در ميان عهد وفا بود ... جفا كردى وبد عهدى نمودى
هنوزت ار سر صلحست باز آي ... كزان محبوبتر باشى كه بودى
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ ثقفه كسمعه صادفه او اخذه او ظفر به او أدركه كما فى القاموس واما مركبة من ان للشرط وما للتأكيد اى فاذا كان حالهم كما ذكر فاما تصادفنهم وتظفرنّ بهم فِي الْحَرْبِ اى فى تضاعيفها فَشَرِّدْ فرق قال الكاشفى [پس رميده كردان ومتفرق ساز] بِهِمْ اى بسبب قتلهم مَنْ خَلْفَهُمْ مفعول شرد اى من وراءهم من الكفرة من أعدائك والتشريد الطرد وتفريق الشمل وتبديد الجمع يعنى ان صادفت هؤلاء الناقضين فى الحرب افعل بهم وأوقع فيهم من النكاية والقهر ما يضطرب به حالهم ويخاف منك أمثالهم بحيث يذهب عنهم بالكلية ما يخطر ببالهم من مناصبتك اى معاداتك ومحاربتك لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ اى لعل المشردين وهم من خلفهم يتعظون بما شاهدوا مما نزل بالمنافقين فيرتدعون عن النقض او عن الكفر
نرود مرغ سوى دانه فراز ... چون دكر مرغ بيند اندر بند
پند كير از مصائب دكران ... تا نكيرند ديكران ز تو پند
وَإِمَّا تَخافَنَّ تعلمن فالخوف مستعار للعلم مِنْ قَوْمٍ من المعاهدين خِيانَةً نقض(3/362)
وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)
عهد فيما سيأتى بما لاح لك منهم من علامات الغدر فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ اى فاطرح إليهم عهدهم حال كونك عَلى سَواءٍ اى ثابتا على طريق سوىّ فى العداوة بان تظهر لهم النقض وتخبرهم اخبارا مكشوفا بانك قد قطعت ما بينك وبينهم من الوصلة فلا تناجز هم الحرب وهم على توهم بقاء العهد كيلا يكون من قبلك شائبة خيانة أصلا فالجار متعلق بمحذوف وهو حال من النابذ او على استواء فى العلم بنقض العهد بحيث يستوى فيه أقصاهم وأدناهم فهو حال من المنبوذ إليهم او تستوى فيه أنت وهم فهو حال من الجانبين إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ تعليل للامر بالنبذ على طريقة الاستئناف كأنه قيل لم امرتنا بذلك ونهيتنا عن المحاربة قبل نبذ العهد فاجيب بذلك ويحتمل ان يكون طعنا على الخائنين الذين عاهدهم الرسول عليه السلام كأنه قيل واما تعلمن من قوم خيانة فانبذ إليهم ثم قاتلهم ان الله لا يحب الخائنين وهم من جملتهم لما علمت حالهم واعلم ان النبذ انما يجب على الامام إذا ظهرت خيانة المعاهدين بامارات ظنية واما إذا ظهر انهم نقضوا العهد ظهورا مقطوعا به فلا حاجة الى نبذ العهد كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم باهل مكة لما نقضوا العهد بقتل خزاعة وهم فى ذمة النبي عليه السلام ولما امر الله بنبذ العهد والتصريح به قبل المحاربة خطر بالبال ان يقال كيف نوقظ العدو ونعلمهم بطرح العهد إليهم قبل المحاربة مع انهم ان علموا ذلك اما ان يتأهبوا للقتال ويستجمعوا أقصى ما يمكن لهم من اسباب التقوى والغلبة او يفروا ويتخلصوا وعلى التقديرين يفوت المقصود وهو الانتقام منهم اما يكفى لصحة المحاربة معهم بغير نبذ العهد إليهم واعلامهم به ظهور امارات الخيانة منهم فازاح الله تعالى هذا المحذور بقوله وَلا يَحْسَبَنَّ اى لا يظن الَّذِينَ كَفَرُوا وهو فاعل والمفعول الاول محذوف اى أنفسهم حذف هربا من تكرار ذكرهم سَبَقُوا مفعول ثان اى فاتوا وافلتوا من ان يظفر بهم ويدخل فيه من لم يظفر به يوم بدر وغيره من معارك القتال من الذين آذوه عليه السلام وبالغوا فى عصيانه إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ تعليل للنهى على سبيل الاستئناف المبنى على تقدير السؤال اى لا يفوتون ولا يجدون طالبهم عاجزا عن ادراكهم على ان همزة أعجز لوجود المفعول على فاعلية اصل الفعل وهو العجز كما تفول أبخلته إذا وجدته بخيلا يقال أعجزه الشيء إذا فاته وأعجزت الرجل إذا وجدته عاجزا وفى الآية تهديد للنفوس التي اجترأت على المعاصي وهو فى الحقيقة مجترئة على الله تعالى وعن السرى السقطي رضى الله عنه قال كنت يوما أتكلم بجامع المدينة فوقف علىّ شاب حسن الشباب فاخر الثياب ومعه أصحابه فسمعنى أقول فى وعظي عجبا لضعيف يعصى قويا فتغير لونه وانصرف فلما كان الغد جلست فى مجلسى وإذا به قد اقبل فسلم وصلى ركعتين وقال يا سري سمعتك بالأمس تقول عجبا لضعيف كيف يعصى قويا فما معناه قلت لا أقوى من الله ولا أضعف من العبد وهو يعصيه
كر چهـ شاطر بود حروس بجنگ ... چهـ زند پيش باز رويين چنك
فنهض وخرج ثم اقبل من الغد وعليه ثوبان أبيضان وليس معه أحد فقال يا سري كيف الطريق الى الله فقلت ان أردت العبادة فعليك بصيام النهار وقيام الليل وان أردت الله فاترك(3/363)
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)
كل شىء سواه تصل اليه وليس الا المساجد والخراب والمقابر فقام وهو يقول والله لا سلكت الا أصعب الطرق وولى خارجا فلما كان بعد ايام اقبل الى غلمان كثير فقالوا ما فعل احمد ابن يزيد الكاتب فقلت لا اعرف الا رجلا جاءنى من صفته كذا وكذا وجرى لى معه كذا وكذا ولا اعلم حاله فقالوا بالله عليك متى عرفت حاله فعرفنا ودلنا على داره فبقيت سنة لا اعرف حاله ولا اعرف له خبرا فبينا انا ذات ليلة بعد العشاء الاخيرة جالس فى بيتي إذا بطارق يطرق الباب فأذنت له فى الدخول فاذا بالفتى عليه قطعة من كساء فى وسطه واخرى على عاتقه ومعه زنبيل فيه نوى فقبل بين عينى وقال يا سري اعتقك الله من النار كما أعتقتني من رق الدنيا فاومأت الى صاحبى ان امض الى اهله فاخبرهم فمضى فاذا زوجته قد جاءت ومعها ولده وغلمانه فدخلت والقت الولد فى حجره وعليه حلى وحلل وقالت له يا سيدى ارملتنى وأنت حى وأيتمت ولدك وأنت حى قال السرى فنظر الىّ فقال يا سري ما هذا وفاء ثم اقبل عليها وقال والله انك لثمرة فؤادى وحبيبة قلبى وان هذا ولدي لاعز الخلق على غير ان هذا السرى أخبرني ان من أراد الله قطع كل ما سواه ثم نزع ما على الصبى وقال ضعى هذا فى الأكباد الجائعة والأجساد العارية وقطع قطعة من كسائه فلف فيها الصبى فقالت المرأة لا ارى ولدي فى هذه الحالة وانتزعته منه فحين رآها قد اشتغلت به نهض وقال ضيعتم على ليلتى بينى وبينكم الله وولى خارجا وضجت الدار بالبكاء فقالت ان عاد يا سري وسمعت له خيرا فاعلمنى فقلت ان شاء الله فلما كان بعد ايام أتتني عجوز فقالت يا سري بالشونيزية غلام يسألك الحضور فمضيت فاذا به مطروح تحت رأسه لبنة فسلمت عليه ففتح عينيه وقال يا سري ترى تغفر تلك الجنايات فقلت نعم قال أيغفر لمثلى قلت نعم قال انا غريق قلت هو منجى الغرقى قال علىّ مظالم فقلت فى الخبر انه يؤتى بالتائب يوم القيامة ومعه خصومه فيقال لهم خلوا عنه فان الله تعالى يعوضكم فقال يا سري معى دراهم من لقط النوى إذا أنا مت فاشتر ما احتاج اليه وكفنى ولا تعلم أهلي لئلا يغيروا كفنى بحرام فجلست عنده قليلا ففتح عينيه وقال لمثل هذا فليعمل العاملون ثم مات فاخذت الدراهم فاشتريت ما يحتاج اليه ثم سرت نحوه فاذا الناس يهرعون فقلت ما الخبر فقيل مات ولى من اولياء الله نريد ان نصلى عليه فجئت فغسلته ودفناه فلما كان بعد مدة وفد اهله يستعملون خبره فاخبرتهم بموته فاقبلت امرأته باكية فاخبرتها بحاله فسألتنى ان أريها قبره قلت أخاف ان تغيروا أكفانه قالت لا والله فاريتها القبر فبكت وأمرت بإحضار شاهدين فاحضرا فاعتقت جواريها ووقفت عقارها وتصدقت بمالها لزمت قبره حتى ماتت رحمة الله عليهما
فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ ... كه كار عشق ز ما اين قدر نمى آيد
وَأَعِدُّوا [وآماده سازيد اى مؤمنان] لَهُمْ اى لقتال الكفار وهيئوا لحرابهم مَا اسْتَطَعْتُمْ اى ما استطعتموه حال كونه مِنْ قُوَّةٍ من كل ما يتقوى به فى الحرب كائنا ما كان من خيل وسلاح وقسى وغيرها. والحصر المستفاد من تعريف الطرفين فى قوله عليه السلام (ألا ان القوة الرمي) من قبيل حصر الكمال لان الرمي أكمل افراد ما يتقوى به فى الحرب- روى- ان سعد بن ابى وقاص رضى الله عنه رمى يوم أحد الف سهم ما منها(3/364)
سهم الا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال (فداك ابى وأمي يا سعد) كره بعض العلماء تفدية المسلم بابويه المسلمين قالوا انما فداه عليه السلام بابويه لانهما كانا كافرين قال النووي الصحيح انه جائز مطلقا لانه ليس فيه حقيقة الفداء وانما هو تلطف فى الكلام واعلام بمحبته وفى الحديث فضيلة الرمي والدعاء لمن فعل خيرا وجاء فى الحديث (ان الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه الذي يحتسب فى صنعته الخير والمهدى له والرامي به) وفى الحديث (من شاب شيبة فى الإسلام كانت له نورا يوم القيامة ومن رمى بسهم فى سبيل الله فبلغ العدو او لم يبلغ كان له كعتق رقبة مؤمنة كانت له فداء من
النار عضوا بعضو) وفى الحديث (من مشى بين الغرضين كان له بكل خطوة حسنة) والغرض بفتح الغين المعجمة والراء بعدهما الضاد المعجمة هو ما يقصده الرماة بالاصابة وفى الحديث (كل شىء ليس من ذكر الله تعالى فهو لهو الا اربع خصال مشى الرجل بين الغرضين وتأديب فرسه وملاعبة اهله وتعليم السباحة) [رمى برسه كونه است. رمى ظاهر به تير وكمان. ورمى باطن به تير آه در صبحكاه از كمان خضوع. ورمى سهام حظوظ از دل وتوجه بحق وفراغت از ما سوى] : قال الحافظ
نيست بر لوح دلم جز الف قامت دوست ... چهـ كنم حرف دكر ياد نداد استادم
واعلم ان صاحب المجاهدة الباطنة يتقوى على فتال النفس وهواها بذكر الله تعالى فهو القوة فى حقه وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ فعال بمعنى مفعول كلباس بمعنى ملبوس. فرباط الخيل بمعنى خيل مربوطة كما قيل جرد قطيفة بمعنى قطيفة جرد أضيف العام الى الخاص للبيان او التخصيص كخاتم فضة وعطفها على القوة مع كونها من جملتها للايذان بفضلها على بقية افرادها كعطف جبريل وميكائيل على الملائكة. ويقال ان الجن لا تدخل بيتا فيه فرس ولا سلاح وفى الحديث (من نقى شعيرا لفرسه ثم جاء به حتى يعلفه كتب الله له بكل شعيرة حسنة) والفرس يرى المنامات كبنى آدم وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان الفرس يقول إذا التقت الفئتان سبوح قدوس ربنا ورب الملائكة والروح ولذلك كان لهم فى الغنيمة سهمان وفى الحديث (عليكم باناث الخيل فان ظهورها حرز وبطونها كنز) وفى الحديث (من احتبس فرسا فى سبيل الله ايمانا به وتصديقا بوعده فان شبعه وريه وروثه وبوله فى ميزانه يوم القيامة) يعنى كفة حسناته قال موسى للخضر أي الدواب أحب إليك قال الفرس والحمار والبعير لان الفرس مركب اولى العزم من الرسل والبعير مركب هود وصالح وشعيب ومحمد عليهم السلام والحمار مركب عيسى وعزير عليهما السلام وكيف لا أحب شيأ أحياه الله تعالى بعد موته قبل الحشر واعلم ان الخيل ثلاثة. فرس للرحمن وهو ما اتخذ فى سبيل الله وقتل عليه اعداء الله. وفرس للانسان وهو ما يلتمس بطنه وهو ستر من الفقر. وفرس للشيطان وهو ما يقامر عليه ويراهن تُرْهِبُونَ بِهِ حال من فاعل اعدوا اى حال كونكم مرهبين مخوفين بالاعداد عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وهم كفار مكة خصوا بذلك من بين الكفار مع كون الكل كذلك لغاية عتوهم ومجاوزتهم الحد فى العداوة. وفيه اشارة الى ان المجاهد الباطني يرهب بالذكر والمراقبة أعدى العدو وهو النفس والشيطان وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ اى ترهبون به ايضا عدوا آخرين من غيرهم من الكفرة(3/365)
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)
كاليهود والمنافقين والفرس ومنهم كفار الجن فان صهيل الفرس يخوفهم لا تَعْلَمُونَهُمُ العلم بمعنى المعرفة لتعديته الى مفعول واحد ومتعلق المعرفة هو الذات اى لا تعرفونهم بأعيانهم ولو كان النسب كالعلم لكان المعنى لا تعرفونهم من حيث كونهم اعداء اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ اى يعرفهم لا غيره تعالى فان قلت المعرفة تستدعى سبق الجهل فلا يجوز إسنادها الى الله تعالى قلت المراد بالمعرفة فى حقه تعالى مجرد تعلق علمه بالذوات دون النسب مع قطع النظر عن كونها مجهولة قبل تعلقه بها ودلت الآية على ان الإنسان لا يعرف كل عدوله
آدمي را دشمن پنهان بسيست ... آدمىّ با حذر عاقل كسيست
وَما شرطية تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ لاعداد العتاد قل أو جل فِي سَبِيلِ اللَّهِ الذي أوضحه الجهاد يُوَفَّ إِلَيْكُمْ اى جزاؤه كاملا وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ بترك الاثابة او بنقص الثواب والتعبير عن تركها بالظلم مع ان الأعمال غير موجبة للثواب حتى يكون ترك ترتيبه عليها ظلما لبيان كمال نزاهته سبحانه عن ذلك بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه تعالى من القبائح وإبراز الاثابة فى معرض الأمور الواجبة عليه تعالى- روى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى بفرس يجعل كل خطوة منه أقصى بصره فسار وسار معه جبريل عليه السلام فاتى على قوم يزرعون فى يوم ويحصدون فى يوم كلما حصدوا شيأ عاد كما كان فقال (يا جبريل من هؤلاء) قال هؤلاء المجاهدون فى سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف وما أنفقوا من شىء فهو يخلفه وفى الحديث (من أعان مجاهدا فى سبيل الله او غارما فى عسرته او مكاتبا فى رقبته اظله الله فى ظله يوم لا ظل الا ظله) : قال الحافظ
احوال كنج قارون كايام داد بر باد ... با غنچهـ باز كوييد نازا نهان ندارد
وقال ايضا
چهـ دوزخى چهـ بهشتى چهـ آدمي چهـ ملك ... بمذهب همه كفر طريقتست إمساك
وَإِنْ جَنَحُوا الجنوح الميل ومنه الجناح لان الطائر يميل به الى أي جهة شاء ويعدى باللام والى اى مال الكفار لِلسَّلْمِ للصلح والاستسلام بوقوع الرهبة فى قلوبهم بمشاهدة ما لكم من الاستعداد واعتاد العتاد فَاجْنَحْ لَها اى للسلم والتأنيث لحمله على نقيضه الذي هو الحرب وهى مؤنثة او لكونه بمعنى المسالمة اى مصالحة وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ اى لا تخف من ابطان مكرهم فى الصلح فان الله يعصمك إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ فيسمع ما يقولون فى خلواتهم من مقالات الخداع الْعَلِيمُ فيعلم نياتهم فيؤاخذهم بما يستحقونه ويرد كيدهم فى نحرهم والآية عامة لاهل الكتاب وغيرهم. والأمر فى قوله فاجنح للاباحة والأمر فيه مفوض لرأى الامام وليس يجب عليه ان يقاتلهم ابدا ولا ان يسعفهم الى الصلح عند طلبهم ذلك ابدا بل يبنى الأمر على ما فيه صلاح المسلمين فاذا كان للمسلمين قوة فلا ينبغى ان يصالحهم وينبغى ان يحاربهم حتى يسلموا او يعطوا الجزية وان رأى المصلحة فى المصالحة ومال إليها لا يجوز ان يصالحهم سنة كاملة الا إذا كانت القوة والغلبة للمشركين فحينئذ جازله ان يصالحهم عشر سنين ولا تجوز الزيادة عليها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فانه عليه السلام فعل كذلك ثم(3/366)
وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)
انهم نقضوا العهد قبل تمام المدة وكان ذلك سببا لفتح مكة وَإِنْ يُرِيدُوا اى الذين يطلبون منك الصلح أَنْ يَخْدَعُوكَ بإظهار الصلح لتكف عنهم فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ فان محسبك الله وكافيك من شرورهم وناصرك عليهم يقال احسبنى فلان اى أعطاني حتى أقول حسبى هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ اى قواك بامداد من عنده بلا واسطة سبب معلوم مشاهد وَبِالْمُؤْمِنِينَ من المهاجرين والأنصار ثم انه تعالى بين كيف أيده بالمؤمنين فقال وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ [و پيوند افكند بدوستى ميان دلهاى ايشان] مع ما كان بينهم قبل ذلك من العصبية والضغينة والتهالك على الانتقام بحيث لا يكاد يأتلف فيهم قلبان وكان إذا لطم رجل من قبيلة لطمة قاتل عنها قبيلته حتى يدركوا ثاره فكان دأبهم الخصومة الدائمة والمحاربة ولا تتوقع بينهم الالفة والاتفاق ابدا فصاروا بتوفيقه تعالى كنفس واحدة هذا من ابهر معجزاته عليه السلام قال الكاشفى [أوس وخزرج صد وبيست سال در ميان ايشان تعصب وستيزه بود همواره بقتل وغارت هم اشتغال مى نمودند حق تعالى ببركت تو دلهاى ايشانرا الفت داد]
يك حرف صوفيانه بگويم اجازتست ... اى نور ديده صلح به از جنك آورى
لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً اى لتأليف ما بينهم ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ اى تناهت عداوتهم الى حد لو أنفق منفق فى إصلاح ذات بينهم جميع ما فى الأرض من الأموال والذخائر لم يقدر على التأليف والإصلاح وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ قلبا وقالبا بقدرته الباهرة فانه المالك للقلوب فيقلبها كيف يشاء إِنَّهُ عَزِيزٌ كامل القدرة والغلبة لا يستعصى عليه شىء مما يريده حَكِيمٌ يعلم كيفية تسخير ما يريده واعلم ان التودد والتألف والموافقة مع الاخوان مع ائتلاف الأرواح وفى الحديث (المؤمن الف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف) وفى الحديث (مثل المؤمنين إذا التقيا مثل اليدين تغسل إحداهما الاخرى وما التقى المؤمنان الا استفاد أحدهما من صاحبه خيرا) وقال ابو إدريس الخولاني لمعاذ انى أحبك فى الله فقال ابشر ثم ابشر فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (تنصب لطائفة من الناس كراسى حول العرش يوم القيامة وجوههم كالقمر ليلة البدر يفزع الناس وهم لا يفزعون ويخاف الناس وهم لا يخافون وهم اولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) فقيل من هؤلاء يا رسول الله فقال (المتحابون فى الله) قيل لو تحاب الناس وتعاطوا المحبة لاستغنوا بها عن العدالة فالعدالة خليفة المحبة تستعمل حيث لا توجد المحبة. وقيل طاعة المحبة أفضل من طاعة الرهبة فان طاعة المحبة من داخل وطاعة الرهبة من خارج ولهذا المعنى كانت صحبة الصوفية مؤثرة من البعض فى البعض لانهم لما تحابوا فى الله تواصوا بمحاسن الأخلاق ووقع القبول لوجود المحبة فانتفع لذلك المريد بالشيخ والأخ بالأخ ولهذا المعنى امر الله تعالى باجتماع الناس فى كل يوم خمس مرات فى المساجد من اهل كل درب وكل محلة وفى الجامع فى الأسبوع مرة من اهل كل بلد وانضمام اهل السواد الى البلدان فى الأعياد فى جميع السنة مرتين واهل الأقطار من البلدان فى العمر مرة للحج كل ذلك لحكم بالغة منها تأكيد الالفة والمودة بين المؤمنين وفى الحديث (ألا ان(3/367)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)
مثل المؤمنين فى توادهم وتحابهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسهر والحمى) : قال السعدي قدس سره
بنى آدم اعضاى يكديكرند ... كه در آفرينش ز يك جوهرند
چوعضوى بدرد آورد روزكار ... دكر عضوها را نماند قرار
والتألف والتودد يؤكد الصحبة مع الأخيار مؤثرة جدا بل مجرد النظر الى اهل الصلاح يؤثر صلاحا والنظر فى الصور يؤثر أخلاقا مناسبة لخلق المنظور اليه كدوام النظر الى المحزون يحزن ودوام النظر الى المسرور يسر. وقد قيل من لا ينفعك لفظه والجمل الشرود يصير ذلولا بمقارنة الجمل الذلول فالمقارنة لها تأثير فى الحيوان والنبات والجماد والماء والهواء يفسدان بمقارنة الجيف والزروع تنقى من انواع العروق فى الأرض والنبات لموضع الإفساد بالمقارنة وإذا كانت المقارنة مؤثرة فى هذه الأشياء ففى الصور الشريفة البشرية اكثر تأثيرا. وقيل سمى الإنسان إنسانا لانه يأنس بما يراه من خير او شر والتألف والتودد مستجلبان للمزيد وانما العزلة والوحدة تحمد بالنسبة الى اراذل الناس واهل الشر فاما اهل العلم والصفاء والوفاء والأخلاق الحميدة فتغتنم مقارنتهم والاستئناس بهم استئناس بالله تعالى كما ان محبتهم من محبة الله تعالى والجامع معهم رابطة الحق ومع غيرهم رابطة الطبع فالصوفى مع غير الجنس كائن بائن ومع الجنس كائن معاين والمؤمن مرآة المؤمن إذا التقى مع أخيه يستشف من وراء أقواله واعماله وأحواله تجليات الهية وتعريفات وتلويحات من الله الكريم خفية غابت عن الأغيار وأدركها اهل الأنوار كذا فى عوارف المعارف يقول الفقير أصلحه الله القدير سمعت من بعض العلماء المتورعين والمشايخ المتزهدين ممن له زوجتان متباغضتان انه قال قرأت هذه الآية وهى قوله تعالى هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ الى آخرها على ماء فى كوز ونفخت فيه ثم اشربته إياهما فوقع التودد والالفة بينهما بإذن الله تعالى وزال التباغض والتنافر الى الآن يا أَيُّهَا النَّبِيُّ المخبر عن الله تعالى المرتفع شأنه حَسْبُكَ اللَّهُ اى كافيك فى جميع أمورك وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الواو بمعنى مع اى كفاك وكفى اتباعك ناصرا كقولك حسبك وزيدا درهم او عطف على اسم الله تعالى اى كفاك الله والمؤمنون والكافي الحقيقي هو الله تعالى واسناد الكفاية الى المؤمنين لكونهم أسبابا ظاهرة لكفاية الله تعالى والآية نزلت بالبيداء فى غزوة بدر قبل القتال تقوية للحضرة النبوية وتسلية للصحابة رضى الله عنهم فالمراد بالمؤمنين الأنصار وقال ابن عباس رضى الله عنهما نزلت فى اسلام عمر رضى الله عنه فتكون الآية مكية كتبت فى سورة مدنية بامر رسول الله صلى الله عليه وسلم- روى- انه اسلم مع النبي عليه السلام ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ثم اسلم عمر رضى الله عنه فكمل الله الأربعين بإسلامه فنزلت وكان صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول (اللهم أعز الإسلام) وفى رواية (أيد الإسلام بأحد الرجلين اما بابى جهل بن هشام واما بعمر بن الخطاب) وكان دعاؤه بذلك يوم الأربعاء فاسلم عمر رضى الله عنه يوم الخميس وكان وقتئذ ابن ست وعشرين سنة وسبقه حمزة بن عبد المطلب بالإسلام بثلاثة ايام او بثلاثة أشهر- روى- انه لما نزل(3/368)
قوله تعالى إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ قام ابو جهل بن هشام وكان يكنى فى الجاهلية بابى الحكم لانهم يزعمون انه عالم ذو حكمة ثم كناه النبي عليه السلام بابى جهل وغلبت عليه كنيته وكان خال عمر لان أم عمر اخت ابى جهل لان أم عمر بنت هشام بن المغيرة والد ابى جهل فابو جهل خال عمر او لان أم عمر بنت عم ابى جهل وعصبة الام أخوال الابن فلما قام خطب فقال يا معشر قريش ان محمدا قد شتم آلهتكم وسفة أحلامكم وزعم انكم وآباءكم وآلهتكم فى النار فهل من رجل يقتل محمدا وله على مائة ناقة حمراء وسوداء والف اوقية من فضة فقام عمر بن الخطاب وقال أتضمن ذلك يا با الحكم فقال نعم يا عمر فاخذ عمر بيد ابى جهل ودخلا الكعبة وكان عندها صنم عظيم يسمونه هبل فتحالفا عنده واشهدا على أنفسهما هبل فانهم كانوا إذا أرادوا امرا من سفر او حرب او سلم او نكاح لم يفعلوا شيأ حتى يستأمروا هبل ويشهدوه عليه وتلك الأصنام التي كانت حوله كانت الف صنم وخمسمائة صنم ثم خرج عمر متقلدا سيفه منتكبا كنانته اى واضعا لها فى منكبه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبي عليه
السلام مختفيا مع المؤمنين فى دار الأرقم رضى الله عنه تحت الصفا يعبدون الله تعالى فيها ويقرأون القرآن فلما اتى الى البيت الذي هم فيه قرع الباب فنظر اليه رجل من خلال الباب فرآه متوشحا سيفه فرجع الى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو فزع فقال يا رسول الله هذا عمر بن الخطاب متوشحا سيفه ولم يرد إلا سفك الدم وهتك العرض فقال حمزة فائذن له فان جاء يريد خيرا بذلنا له وان جاء يريد شرا قتلناه بسيفه فاذن له فى الدخول فلما رآه النبي عليه السلام قال (ما أنت منتهى يا عمر حتى ينزل الله بك قارعة) ثم أخذ بساعده او بمجامع ثوبه وحمائل سيفه وانتهره فارتعد عمر هيبة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وجلس فقال اعرض علىّ الإسلام الذي تدعوا اليه فقال النبي عليه السلام (تشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله) فقال اشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بطرق مكة وضرب النبي عليه السلام صدر عمر بيده حين اسلم ثلاث مرات وهو يقول (اللهم اخرج ما فى صدر عمر من غل وابد له ايمانا) ونزل جبرائيل عليه السلام فقال يا محمد لقد استبشر اهل السماء بإسلام عمر ولما اسلم قال المشركون لقد انتصف القوم منا وقيل له رضى الله عنه ما تسمية النبي عليه السلام لك بالفاروق قال لما أسلمت والنبي عليه السلام وأصحابه مختفون قلت يا رسول الله ألسنا على الحق ان متنا وان حيينا قال (بلى) فقلت ففيم الاختفاء والذي بعثك بالحق ما بقي مجلس كنت اجلس فيه بالكفر الا أظهرت فيه الإسلام غير هائب ولا خائف والله لا نعبد الله سرا بعد اليوم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المسلمون وعمر رضى الله عنه امامهم معه سيف ينادى لا اله الا الله محمد رسول الله حتى دخل المسجد ثم صاح مسمعا لقريش كل من تحرك منكم لا مكنن سيفى منه ثم تقدم امام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف والمسلمون ثم صلوا حول الكعبة وقرأوا القرآن جهرا وكانوا قبل ذلك لا يقدرون على الصلاة عند الكعبة ولا يجهرون بالقرآن فسماه النبي عليه السلام الفاروق(3/369)
لانه فرق الله به الحق والباطل. وجاء بسند حسن (ان أول من جهر بالإسلام عمر بن الخطاب) وكان عمر شديدا من حيث مظهريته للاسم الحق وجاء (ما ترك الحق لعمر من صديق)
لما لزمت النصح والتحقيقا ... لم يتركا لى فى الوجود صديقا
قال إسماعيل بن حماد بن ابى حنيفة كان لنا جار طحان رافضىّ ملعون وكان له بغلان سمى أحدهما أبا بكر والآخر عمر فرمحه ذات ليلة أحد البغلين فقتله فاخبر جدى ابو حنيفة فقال انظروا فانى إخال ان البغل الذي اسمه عمر هو الذي رمحه فنظروا فكان كما قال واستأذن عمر رضى الله عنه فى العمرة فاذن له عليه السلام وقال (يا أخي لا تنسنا من دعائك) قال ما أحب ان لى بقوله يا أخي ما طلعت عليه الشمس وجاء (أول من يصافحه الحق عز وجل عمر بن الخطاب وأول من يسلم عليه) وجاء (لو كان بعدي نبى لكان عمر بن الخطاب) وجاء (ان الله تعالى أيدني باربعة وزراء اثنين من اهل السماء جبرائيل وميكائيل عليهما السلام واثنين من اهل الأرض ابى بكر وعمر رضى الله عنهما) فكانا بمنزلة الوزيرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عليه الصلاة والسلام يشاورهما فى الأمور كلها وفيهما نزل وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ وجاء (انه كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون) المحدث بفتح الدال المشددة هو الذي يلقى فى نفسه الشيء فيخبر به فراسة ويكون كما قال وكأنه حدثه الملا الأعلى وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء (فانه ان كان فى أمتي هذه فهو عمر بن الخطاب) لم يرد النبي عليه السلام بقوله ان كان فى أمتي التردد فى ذلك فان أمته أفضل الأمم فاذا وجد فى غيرها محدثون ففيها اولى بل أراد به التأكيد لفضل عمر كما يقال ان يكن لى صديق فهو فلان يريد بذلك اختصاصه بكمال الصداقة لا نفى سائر الأصدقاء وقد قيل فى فضيلة عمر
له فضائل لا تخفى على أحد ... الا على أحد لا يعرف القمرا
وجاء (انه يا ابن الخطاب والذي نفسى بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك) والفج طريق واسع. وفيه دليل على علو درجة عمر رضى الله عنه حيث لا يقدر الشيطان ان يسلك طريقا فيه عمر والطريق واسع فكيف يتصور ان يجرى منه مجرى الدم كما يجرى فى سائر الخلق. وفيه تنبيه على صلابته فى الدين واستمرار حاله على الحق المحض. وكان نقش خاتم ابى بكر نعم القادر الله وكان نقش خاتم عمر كفى بالموت واعظا يا عمر. وكان نقش خاتم عثمان آمنت بالله مخلصا. وكان نقش خاتم على رضى الله عنه الملك لله. وكان نقش خاتم ابى عبيدة بن الجراح الحمد لله هذا هو النقش الظاهر المضاف الى البدن واما نقش الوجود فنفسه فقد قيل
كرت صورت حال بد يا نكوست ... نكاريده دست تقدير اوست
وقيل
نقش مستورى ومستى نه بدست من وتست ... آنچهـ سلطان ازل كفت بكن آن كردم
نسأل الله تعالى ان يحفظ نقش أيماننا فى لوح القلب من مس يد الشك والريب ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب واجعلنا من اهل الإيقان الذين قلت فيهم أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ فما نقشه قبضة جمالك لا يطرأ عليه محو(3/370)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)
من جلالك وان تطاول الزمان وامتد عمر الإنسان يا أَيُّهَا النَّبِيُّ يا رفيع القدر حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ اى بالغ فى حثهم على قتال الكفار ورغبهم فيه بوعد الثواب او التنفيل عليه. والتحريض على الشيء ان يحث الإنسان غيره ويحمله على شىء حتى يعلم منه انه ان تخلف عنه كان حارضا اى قريبا من الهلاك فتكون الآية اشارة الى ان المؤمنين لو تخلفوا عن القتال بعد حث النبي عليه السلام إياهم على القتال لكانوا حارضين مشرفين على الهلاك والحث انما يكون بعد الاقدام بنفسه ليقتدى القوم به ولهذا كان النبي عليه السلام إذا اشتدت الحرب اقرب الى العدو منهم كما قال على رضى الله عنه كنا إذا أحر البأس ولقى القوم القوم اتقينا برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فما يكون أحد اقرب الى العدو منه: قال السلطان سليم فاتح مصر
كر لشكر عدو بود از قاف تا بقاف ... بالله كه هيچ روى نمى تابم از مصاف
چون آفتاب ظلمت كفر از جهان برم ... كاهى چوصبح تيغ برون آرم از غلاف
وفى الآية بيان فضلة الجهاد والا لما وقع الترغيب عليه وفى الحديث (ما جميع اعمال العباد عند المجاهدين فى سبيل الله الا كمثل خطاف أخذ بمنقاره من ماء البحر) إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ ايها المؤمنون عِشْرُونَ صابِرُونَ فى معارك القتال يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بيان للالف وهذا القيد معتبر فى المائتين ايضا كما ان قيد الصبر معتبر فى كل من المقامين بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ متعلق بيغلبوا اى بسبب انهم قوم جهلة بالله باليوم الآخر لا يقاتلون احتسابا وامتثالا لامر الله وإعلاء لكلمته وابتغاء لمرضاته وانما يقاتلون للحمية الجاهلية واتباع الشهوات وخطوات الشيطان واثارة ثائرة البغي والعدوان فيستحقون القهر والخذلان وهذا القول وعد كريم منه تعالى متضمن لا يجاب مقاومة الواحد للعشرة وثباته لهم. وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة فى ثلاثين راكبا فلقى أبا جهل فى ثلاثمائة راكب فهزمهم فثقل عليهم ذلك وضجوا منه بعد مدة فنسخ الله هذا الحكم بقوله الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ ففرض على الواحد ان يثبت لرجلين قال ابن عباس رضى الله عنهما من فر من ثلاثة لم يفر ومن فر من اثنين فقد فر اى ارتكب المحرم وهو كبيرة الفرار من الزحف قال الحدادي وهذا إذا كان للواحد المسلم من السلاح والقوة ما لكل واحد من الرجلين الكافرين كان فارا. واما إذا لم يكن لم يثبت حكم الفرار وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً اى ضعف البدن قال التفتازانيّ تقييد التخفيف بقوله الآن ظاهر الاستقامة لكن فى تقييد العلم به إشكال توهم انتفاء العلم بالحادث قبل وقوعه. والجواب ان العلم متعلق به ابدا اما قبل الوقوع فبانه سيقع وحال الوقوع بانه يقع وبعد الوقوع بانه وقع وقال الحدادي وعلم فى الأزل ان فى الواحد منكم ضعفا عن قتال العشرة والعشرة عن قتال المائة والمائة عن قتال الالف فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ بتيسيره وتسهيله وهذا القيد معتبر فيما سبق ايضا ترك ذكره تعويلا على ذكره هاهنا وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ بالنصر والتأييد فكيف لا يغلبون وما تشعر به كلمة مع من متبوعية مدخولها لاصالتهم من حيث انهم المباشرون للصبر دلت الآية على ان من صبر ظفر فان الصبر مطية الظفر(3/371)
مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)
صبر وظفر هر دو دوستان قديمند ... صبر كن اى دل كه بعد زان ظفر آيد
از چمن صبر رخ متاب كه روزى ... باغ شود سبز وشاخ كل ببر آيد
: قال السلطان سليم الاول
سليمى خصم سيه دل چهـ داند اين حالت ... كه از ظهور الهيست فتح لشكر ما
قال فى التأويلات النجمية فى قوله تعالى بِإِذْنِ اللَّهِ يعنى ان الغلبة والظفر ليس من قوتكم لانكم ضعفاء وانما هو بحكم الله الأزلي ونصره. واما الأقوياء وهم محمد عليه السلام وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ لقوة توكلهم ويقينهم وفقه قلوبهم لا يفر واحد منهم من مائة من العدو كما كان حال النبي عليه السلام ومن معه من اهل القوة على ما قال عباس بن عبد المطلب شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلم أفارقه ورسول الله على بغلة بيضاء فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين فطفق النبي عليه السلام يركض بغلته قبل الكفار وانا آخذ بلجام بغلته اكفها ارادة ان لا يسرع وابو سفيان آخذ بركاب رسول الله فلما كان رسول الله ومن معه صابرين اولى قوة لم يفروا مع القوم: قال السلطان سليم
سيمرغ جان ما كه رميدست از دو كون ... منت خدايرا كه بجان رام مصطفاست
وفى ترجمة وصايا الفتوحات المكية [آدمي از جهت انسانيت مخلوقست بر هلع و پر دلى واما از روى ايمان مخلوقست بر قوت وشجاعت وأقدام ودر روايت آمده است از بعضى از صحابه رسول الله عليه السلام رسول او را خبر داده بود كه تو والى شوى در مصر وحكم كنى وقتى قلعه را حصار كرده بودند وآن صحابى نيز در ميان بود سائر أصحاب را كفت مرا در كفه منجنيق نهيد وسوى كفار در قلعه انداز يد چون من آنجا رسم قتال كنم ودر حصار بگشايم چون از سبب اين جرأت پرسيدند كفت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مرا خبر داده است كه در مصر والى شوم وهنوز نشدم يقين ميدانم كه نميرم تا والى نشوم فهم كن كه قوت ايمان اينست والا از روى عرف معلومست كه چون كسى را در كفه منجنيق نهند وبيندازند حال او چهـ باشد پس دل مؤمن قوى ترين دلهاست] ألا انما الإنسان غمد لقلبه ولا خير فى غمد إذا لم يكن نصل وجاء فى دعاء النبي عليه السلام (اللهم انى أعوذ بك من الشك فى الحق بعد اليقين وأعوذ بك من الشيطان الرجيم وأعوذ بك من شر يوم الدين) قال بعضهم العمل سعى الأركان الى الله والنية سعى القلوب الى الله تعالى والقلب ملك والأركان جنوده ولا يحارب الملك الا بالجنود ولا الجنود الا بالملك ما كانَ ما صح وما استقام لِنَبِيٍّ من الأنبياء عليهم السلام أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى اى يثبت له فكان هذه تامة. واسرى جمع أسير كجرحى جمع جريح وأسارى جمع الجمع- روى- انه عليه السلام اتى يوم بدر بسبعين أسيرا فيهم العباس وعقيل بن ابى طالب فاستشار فيهم فقال ابو بكر هم قومك وأهلك استبقهم لعل الله يهديهم الى الإسلام وخذ منهم فدية تقوى بها أصحابك وقال عمر كذبوك وأخرجوك من ديارك وقاتلوك فاضرب أعناقهم فانهم ائمة الكفر مكنى من فلان لنسيب له ومكن عليا من عقيل وحمزة من العباس فلنضرب أعناقهم فلم يهو ذلك رسول الله صلى الله عليه(3/372)
لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)
وسلم وقال (ان الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن وان الله ليشدد قلوب الرجال حتى تكون أشد من الحجارة وان مثلك يا أبا بكر مثل ابراهيم قال فمن تبعني فانه منى ومن عصانى فانك غفور رحيم ومثلك يا عمر مثل نوح قال لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) فخير أصحابه بان قال لهم (ان شئتم قتلتموهم وان شئتم اطلقتموهم) بان تأخذوا من كل أسير عشرين اوقية والأوقية أربعون درهما فى الدراهم وستة دنانير فى الدنانير (الا ان يستشهد منكم بعدتهم) فقالوا بل نأخذ الفداء ويدخل منا الجنة سبعون وفى لفظ ويستشهد منا عدتهم فاستشهدوا يوم أحد بسبب قولهم هذا وأخذهم الفداء فنزلت الآية فى فداء أسارى بدر فدخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا هو وابو بكر يبكيان فقال يا رسول الله أخبرني فان أجد بكاء بكيت وإلا تباكيت فقال (ابكى على أصحابك فى أخذهم الفداء ولقد عرض علىّ عذابهم ادنى من هذه الشجرة) لشجرة قريبة منه قال فى السيرة الحلبية اسرى بدر منهم من فدى ومنهم من خلى سبيله من غير فداء وهو ابو العاص ووهب بن عمير ومنهم من مات ومنهم من قتل وهو النضر بن الحارث وعقبة بن ابى معط حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ يكثر القتل ويبالغ فيه حتى يذل الكفر ويقل حزبه ويعز الإسلام ويستولى اهله وحتى لانتهاء الغاية فدل الكلام على ان له ان يقدم على الاسر والشد بعد حصول الإثخان وهو مشتق من الثخانة وهى الغلظة والكثافة فى الأجسام ثم استعير فى كثرة القتل والمبالغة فيه لان الامام إذا بالغ فى القتل يكون العدو كشىء ثقيل يثبت فى مكانه ولا يقدر على الحركة يقال أثخنه المرض إذا أضعفه وأثقله وسلب اقتداره على الحركة تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا استئناف مسوق للعتاب اى تريدون حطامها بأخذكم الفداء وسمى المال عرضا لقلة لبثه فمنافع الدنيا وما يتعلق بها لا ثبات لها ولا دوام فصارت كأنها تعرض ثم تزول والخطاب لهم لا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم واجلة أصحابه فان مراد ابى بكر كان إعزاز الدين وهداية أسارى وفيه اشارة الى ان أخذ الفداء من أسارى المشركين ما كان شيمة للنبى عليه السلام ولا لسائر الأنبياء فانه رغبة فى الدنيا ومن شيمة النبي عليه السلام انه قال (مالى وللدنيا)
كين جهان جيفه است ومردار ورخيص ... بر چنين مردار چون باشم حريص
وانما رغب فيها بعضهم بعد ان شاورهم بامر الله تعالى إذا مره بقوله وشاورهم فى الأمر وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ يريد لكم ثواب الآخرة الذي لا مقدار عنده للدنيا وما فيها قال سعدى چلبى المفتى لعل المراد والله اعلم والله يرضى فاطلق الارادة على الرضى على سبيل المشاكلة فلا يرد ان الآية تدل على عدم وقوع مراد الله تعالى خلاف مذهب اهل السنة وَاللَّهُ عَزِيزٌ يغلب أولياؤه على أعدائه حَكِيمٌ يعلم بما يليق بكل حال ويخصها به كما امر بالاثخان ومنع عن الافتداء حين كانت الشوكة للمشركين وخير بينه وبين المنّ بقوله تعالى فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً لما تحولت الحال وصار الغلبة للمؤمنين قال بعضهم دلت الآية على ان الأنبياء مجتهدون لان العتاب الذي فيها لا يكون فيما صدر عن وحي ولا فيما كان صوابا وانه قد يكون خطأ ولكن لا يتركون عليه بل ينبهون على الصواب لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ(3/373)
فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)
لولا حكم من الله سبق إثباته فى اللوح المحفوظ وهو ان لا يعاقب المخطئ فى اجتهاد وان لا يعذب اهل بدر او قوما لم يصرح لهم بالنهى وفى التأويلات النجمية لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ باستبقاء هؤلاء الأسارى ليؤمن بعضهم ويؤمن أولاد بعضهم وذراريهم لَمَسَّكُمْ اى لاصابكم فِيما أَخَذْتُمْ اى لاجل ما أخذتم من الفداء عَذابٌ عَظِيمٌ لا يقادر قدره- روى- انه عليه السلام قال (لو نزل العذاب لما نجامنه غير عمر وسعد بن معاذ) وذلك لانه ايضا أشار بالاتخاذ. وفيه دليل على انه لم يكن أحد من المؤمنين ممن حضر بدرا الا أحب أخذ الفداء غيرهما قال عبد الله بن عمر ما نزل بالناس امر فقال الناس وقال عمر إلا نزل القرآن على نحو ما قال عمر وفى الحديث (ان الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه) وقد وافق الوحى فى مواضع منها ما فى هذه القصة ومنها انه قال يا رسول الله ان نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو امرتهن ان يحتجبن فنزلت آية الحجاب واجتمعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الغيرة فقال لهن عمر عسى ربه ان طلقكن ان يبدله أزواجا خيرا منكن فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ- روى- انهم أمسكوا عن الغنائم فقال تعالى قد ابحت لكم الغنائم فكلوا مما غنمتموه [از آنچهـ غنيمت كرفتيد وفديه از ان جمله است] حَلالًا حال من المغنوم وفائدته ازاحة ما وقع فى نفوسهم من عدم حل المغنوم بسبب تلك المعاتبة فان من سمع العتاب المذكور وقع فى قلبه اشتباه فى امر حله طَيِّباً الطيب المستلذ ويوصف الحلال بذلك على التشبيه فان المستلذ ما لا يكون فيه كراهية فى الطبع وكذا الحلال ما لا يكون فيه كراهية فى الدين وَاتَّقُوا اللَّهَ اى فى مخالفة امره ونهيه إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فيغفر لكم ما فرط منكم من استباحة الفداء قبل ورود الاذن فيه ويرحمكم ويتوب عليكم إذا اتقيتموه قال الكاشفى [رحيم مهر بانست كه غنيمت بر شما حلال كرده وبر امم ديكر حرام بوده] كما قال ابن عباس رضى الله عنهما كانت الغنائم حراما على الأنبياء فكانوا إذا أصابوا مغنما جعلوه للقربان فكانت تنزل نار من السماء فتأكله ولله تعالى عنايات لهذه الامة لا تحصى- روى- عن النبي عليه السلام انه قال لآدم ليلة المعراج (أنت خير الناس لان الله تعالى قد فعل معك ستة أشياء. خلقك بيده. وأكرمك بالعلم. واسجد لك ملائكته. ولعن من لم يسجد لك. وكرمك بامرأة منك حواء. وأباح لك الجنة بحذافيرها) فقال لابل أنت خير الناس لانه اعطاك ستة أشياء لم يعطها أحدا غيرك. جعل شيطانك مسلما. وقهر عدوك. واعطاك زوجة مثل عائشة تكون سيدة نساء الجنة. واحيى جميع الأنبياء لاجلك. وجعلك مطلعا على سرائر أمتك وعامل أمتك بستة أشياء. أولها أخرجني من الجنة بمعصية واحدة ولا يخرج أمتك من المسجد بالمعصية. ونزع منى الحلة ولم ينزع الستر من أمتك. وفرق عنى زوجتى ولا يفرق عن أمتك أزواجهم. ونقص من قامتى ولا ينقص من قامتهم وفضحنى بقوله وعصى آدم وستر على أمتك. وبكيت مائتى سنة حتى غفر لى ويغفر لامتك بعذر واحد: قال السعدي قدس سره
محالست اگر سر برين در نهى ... كه باز آيدت دست حاجت نهى
بضاعت نياوردم الا اميد ... خدايا ز عفوم مكن نا اميد(3/374)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)
وينبغى للمؤمن ان يأخذ الحذر فان عتاب الله تعالى إذا كان بهذه المرتبة فى صورة الخطأ فى الأمور الاجتهادية فما ظنك فى عتابه بل بعقابه فى الأمور العمدية المخالفة لكتاب الله تعالى ألا ترى ان الهدهد لما خالف سليمان فى الغيبة استحق التهديد والزجر والعقوبة فانك ان خالفت امر سلطانك تستحق العقوبة فان أنت واظبت على الخدمة والطاعة أقمت عذرك وفى القصة بيان لزوم البكاء عند وقوع الخطأ لان النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضى الله عنه بكيا قيل ان النار تقرب يوم القيامة فيشفع النبي صلى الله عليه وسلم بالانصراف فلا تنصرف حتى يأتى جبريل بقدح من الماء ويقول اضربه على وجهها فيضربه فتفر النار فيقول (يا جبرائيل من اين هذا الماء) فيقول انه من دموع العصاة: وفى المثنوى
تا نكريد ابر كى خندد چمن ... تا نكريد طفل كى جوشد لبن «1»
طفل يك روزه همى داند طريق ... كه بكريم تا رسد دايه شفيق
تو نمى دانى كه دايه دايكان ... كم دهد بي كريه شير او را يكان
چون بر آرند از پشيمانى انين ... عرش لرزد از أنين المذنبين «2»
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ من الألقاب المشرفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم اى يا ايها المخبر عن الله وعن أحكامه قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى جمع أسير- روى- انها نزلت فى العباس ابن عبد المطلب عم النبي عليه السلام وكان اسر يوم بدر وكان أحد العشرة الذين ضمنوا اطعام من خرج من مكة لحماية العير وكان يوم بدر قد خرج بعشرين اوقية من ذهب ليطعم بها الكفار فوقع القتال قبل ان يطعم بها وبقيت العشرون اوقية معه فاخذت منه فى الحرب فكلم النبي عليه السلام فى ان يحتسب العشرين اوقية من فدائه فابى وقال (اما شىء خرجت تستعين به علينا فلا اتركه لك) فكلفه ان يفدى نفسه بمائة اوقية زائد على فداء غيره لقطع الرحم وكلفه ان يفدى ايضا ابني أخويه عقيل بن ابى طالب ونوفل بن الحارث كل واحد بأربعين اوقية فقال يا محمد تركتنى اى صيرتنى اتكفف قريشا ما بقيت والتكفف هو ان يمد كفه يسأل الناس يعنى غنم المسلمون مالى وما بقي لى شىء حتى افدى نفسى وابني أخوي فقال (فاين الذهب الذي دفعته الى أم الفضل) يعنى زوجته (وقت خروجك من مكة وقلت لها انى لا أدرى ما يصيبنى فى وجهى هذا فان حدث بي حدث فهو لك ولعبد الله والفضل وقنم) وهم ابناؤه فقال العباس وما يدريك قال (أخبرني به ربى) قال اشهد انك صادق وان لا اله الا الله وانك رسول الله والله لم يطلع عليه أحد الا الله ولقد دفعته إليها فى سواد الليل ولقد كنت مرتابا فى أمرك فاما إذا خبرتنى بذلك فلا ريب. والآية وان نزلت فى حق العباس خاصة الا ان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب اى قل للعباس وعقيل وغيرهما من الأسارى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً ايمانا وإخلاصا هذا الشك بالنسبة إلينا كما فى قوله عليه السلام (ان كنت تعلم) فى دعاء الاستخارة فان معناه ان تعلق علمك وإرادتك فلما كان تعلق هذا العلم مشكوكا بالنسبة الى العبد عبر عن هذا المعنى بما ترى هكذا سمعته من حضرة شيخنا العلامة أبقاه الله بالسلامة يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ من الفداء وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قال العباس
__________
(1) در أوائل دفتر پنجم در بيان سبب رجوع كردن مهمان بخانه مصطفى صلى الله عليه وسلم إلخ.
(2) در اواسط دفتر ششم دو بيان استعداد عارف سرچشمه حيات أبدى إلخ.(3/375)
وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71)
فابدلنى الله خيرا مما أخذ منى لى الآن عشرون عبدا وان ادباهم ليضرب اى يتجر فى عشرين الف درهم وأعطاني سقاية زمزم ما أحب ان لى بها جميع اموال اهل مكة أنجز لي أحد الوعدين وانا ارجوا ان ينجز لى الوعد الثاني اى انتظر المغفرة من ربى فانه لا خلاف فى وعد الكريم
خلاف وعده محالست كز كريم آيد ... لئيم اگر نكند وعده وفا شايد
وَإِنْ يُرِيدُوا يعنى الأسرى خِيانَتَكَ اى نقض ما عاهدوك عليه من الإسلام بالارتداد على دين آبائهم فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ بكفرهم ونقض ما أخذ على كل عاقل من ميثاقه فى الأزل فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ان اقدر عليهم كما فعل يوم بدر فان أعادوا الخيانة فيمكنك منهم ايضا يقال مكنه من الشيء وامكنه منه اى اقدره عليه فتمكن منه وَاللَّهُ عَلِيمٌ فيعلم ما فى نياتهم وما يستحقونه من العقاب
برو علم يك ذره پوشيده نيست ... كه پيدا و پنهان بنزدش يكيست
حَكِيمٌ يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه حكمته البالغة وفى بعض الروايات ان العباس كان قد اسلم قبل وقعة بدر ولكن لم يظهر إسلامه لانه كان له ديون متفرقة فى قريش وكان يخشى ان اظهر إسلامه ضياعها عندهم وانما كلفه النبي عليه السلام الفداء لانه كان عليه ظاهر الا له ولما كان يوم فتح مكة وقهرهم الإسلام اظهر إسلامه ولم يظهر النبي عليه السلام اسلام العباس رفقا به كيلا يضيع ماله عند قريش وكان قد استأذن النبي عليه السلام فى الهجرة فكتب اليه (يا عم أقم مكانك الذي أنت فيه فان الله تعالى يختم بك الهجرة كما ختم بي النبوة) فكان كذلك وفى الآية بيان قدرة الله تعالى وان مريد الخلاص من يد قهره فى الدنيا والآخرة لا يجد اليه سبيلا الا بالايمان والإخلاص فهو القادر القوى الخالق وما سواه العاجز الضعيف المخلوق وفى الخبران النبي عليه السلام قال (ان الله تعالى قال قل للقوى لا يعجبنك قوتك فان أعجبتك قوتك ادفع الموت عن نفسك وقل للعالم لا يعجبنك علمك فان أعجبك فاخبرنى متى أجلك وقل للغنى لا يعجبنك غناك فان أعجبك فاطعم خلقى غداء واحدا) وفى الآية اشارة الى النفوس المأسورة التي أسرت فى الجهاد الأكبر عند استيلاء سلطان الذكر عليها والظفر بها ان اطمأنت الى ذكر الله والعبودية والانقياد تحت أحكامه يؤتها الله نعيم الجنة ودرجاتها وهى خير من شهوات الدنيا ونعيمها وزينتها فان الدنيا ونعيمها فانية والجنة ونعيمها باقية وخيانة النفس التجاوز عن حد الشريعة والطريقة يقال ان متابعة سبعة اصناف أورثت سبعة أشياء. الاول ان متابعة النفس أورثت الندامة كما قال تعالى فى قتل قابيل هابيل فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ. والثاني ان متابعة الهوى أورثت البعد كما قال لبلعام وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ يعنى فى البعد والخساسة والثالث ان متابعة الشهوات أورثت الكفر كما قال تعالى وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا يعنى الكفر. والرابع ان متابعة فرعون أورثت الغرق فى الدنيا والحرق فى الآخرة كما قال تعالى فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ الى قوله فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ. والخامس ان متابعة القادة الضالة أورثت الحسرة كما قال تعالى إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا الى قوله كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ. والسادس ان محبة النبي عليه السلام أورثت المحبة كما قال الله تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ.(3/376)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)
والسابع ان متابعة الشيطان أورثت جهنم كما قال تعالى إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بالله تعالى وبمحمد عليه الصلاة والسلام وبالقرآن وَهاجَرُوا أوطانهم وهى مكة حبا لله ولرسوله وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ بان صرفوها الى الكراع والسلاح وأنفقوها على المحاويج وَأَنْفُسِهِمْ بمباشرة القتال واقتحام المعارك والخوض فى المهالك ولعل تقديم الأموال على الأنفس لان المجاهدة بالأموال اكثر وقوعا وأتم دفعا للحاجة حيث لا تتصور المجاهدة بالنفس بلا مجاهدة بالمال هكذا فى تفسير الإرشاد يقول الفقير أصلحه الله القدير وجه التقديم عندى ان المال من توابع النفس والوجود وتوابعها اقدم منها فى البذل. وفى الآية اسلوب الترقي من الأدنى الى الأعلى ولذا قال سادات الصوفية قدس الله أسرارهم بذل المال فى مقابلة توحيد الافعال وبذل الوجود فى مقابلة توحيد ذات المعبود فِي سَبِيلِ اللَّهِ متعلق بجاهدوا قيد لنوعى الجهاد والمراد بسبيل الله الطريق الموصل الى ثوابه وجناته ودرجاته وقرباته وهو انما يكون موصلا بالإخلاص فبذل المال والنفس بطريق الرياء لا يوصل الى رضى الله ذى العظمة والكبرياء اللهم اجعلنا من الذين جاهدوا فى سبيلك لا فى سبيل غيرك: قال الشيخ المغربي قدس سره
كل توحيد نرويد ز زمينى كه درو ... خار شرك وحسد وكبر وريا وكين است
وَالَّذِينَ آوَوْا النبي والمهاجرين معه اى أعطوهم المأوى وانزلوهم ديارهم بالمدينة والإيواء الضم وَنَصَرُوا اى نصروهم على أعدائهم وأعانوهم بالسيف على الكفار فالاول فى حق المهاجرين والثاني فى حق الأنصار والأنصار كالعلم للقبيلتين الأوس والخزرج ولهذا جازت النسبة الى لفظ الجمع حيث قالوا الأنصاري نسبة الى الأنصار وسمعوا الأنصار لانهم نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وواحد الأنصار نصير كشريف واشراف: قال السلطان سليم الاول
شاهنشه آن كدا كه بود خاك راه او ... آزاد بنده كه كرفتار مصطفاست
آن سينه شاد كز غم او ساخت دل حزين ... وآن جان عزيز كز پى إيثار مصطفاست
أُولئِكَ الموصوفون بما ذكر من النعوت الفاضلة بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ فى الميراث وكان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالهجرة والنصرة دون الأقارب حتى نسخ بقوله وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ اى اولى بميراث بعض من الأجانب. والحاصل ان التوارث فى الابتداء بالهجرة والنصرة لا بمجرد القرابة فكان المهاجر يرثه اخوه الأنصاري إذا لم يكن بالمدينة ولىّ مهاجرى ولا توارث بينه وبين قريبه المسلم غير المهاجري واستمر أمرهم كذلك الى ان فتحت مكة فسقطت فرضية الهجرة ثم توارثوا بالقرابة. فالاولياء جمع ولى كصديق وأصدقاء والولي من الولي بمعنى القرب والدنو فكأنه قيل بعضهم أقرباء بعض لاقرابة بينهم وبين من لم يؤمن ولا بين من آمن ولم يهاجر كما قال تعالى وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا كسائر المؤمنين ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ اى من توليهم فى الميراث وان كانوا من اقرب(3/377)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)
أقاربكم حَتَّى يُهاجِرُوا ولما بين تعالى ان منكم المؤمن الذي لم يهاجر انقطاع الولاية بينه وبين المؤمنين وتوهم انه يجب ان يتحقق بينهم التقاطع التام لتحققه بينه وبين الكفار أزال هذا الوهم بقوله وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ اى ان طلب منكم المؤمنون الذين لم يهاجروا النصرة فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ اى فوجب عليكم نصرهم على من يعاديهم فى الدين إِلَّا عَلى قَوْمٍ منهم بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ اى الا إذا كان من يعاديهم ويحاربهم من الكفار بينهم وبينكم عهد موثق فحينئذ يجب عليكم الوفاء بالعهد وترك المحاربة معهم ولا يلزمكم نصر الذين آمنوا ولم يهاجروا عليهم بل الإصلاح بينهم على وجه غير القتال وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فلا تخالفوا امره كيلا يحل بكم عقابه وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ آخر فى الميراث منطوق الآية اثبات الموالاة بين الكفار والكفار ليسوا بمخاطبين بفروع الايمان فالمراد منه بطريق المفهوم المخالف نهى المسلمين عن موالاتهم وموارثتهم وإيجاب المباعدة بينهم ان وجد بينهم قرابة نسبية لان الموالاة بين الكفار مبنية على التناسب فى الكفر كما انها بين المؤمنين مبنية على التناسب فى الايمان فكما لا مناسبة بين الكفر والايمان من حيث ان الاول ظلمة والثاني نور فكذا لا مناسبة بين أهلهما فان الكافر عدو الله والمؤمن ولى الله فوجب التقاطع وازالة الوصلة من غير الجنس: قال الحافظ
نخست موعظه پير صحبت اين پندست ... كه از مصاحب نا جنس احتراز كنيد
إِلَّا اى ان لا إِلَّا تَفْعَلُوهُ اى ما أمرتم به من التواصل بينكم وتولى بعضكم بعضا حتى فى التوارث ومن قطع العلائق بينكم وبين الكفار تَكُنْ تامة فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ اى تحصل فتنة عظيمة فيها وهى ضعف الايمان وظهور الكفر وَفَسادٌ كَبِيرٌ فى الدارين وفيه اشارة الى مساعدة طالب النصرة بأى وجه كان فان تركها يؤدى الى الخسران وارتفاع الامان وفى الحديث (انصر أخاك ظالما او مظلوما) ونصرة الظالم بنهيه عن الظلم وفى فتاوى ضيخان إذا وقع النفير من قبل الروم فعلى كل من يقدر على القتال ان يخرج الى الغزو إذا ملك الزاد والراحلة ولا يجوز له التخلف الا بعذر بين انتهى. وكما انه لا كلام فى فضيلة الاعانة والامداد كذلك لا كلام فى الهجرة الى ما يقوم به دين المرء من البلاد- روى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما نزل بالمسلمين من توالى الأذى عليهم من كفار قريش مع عدم قدرته على إنقاذهم مما هم فيه قال لهم (تفرقوا فى الأرض فان الله سيجمعكم) قالوا الى اين تذهب قال (هاهنا) وأشار بيده الى جهة الحبشة وفى رواية قال لهم (اخرجوا الى ارض الحبشة فان بها ملكا عظيما لا يظلم عنده أحد وهى ارض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه) يقول الفقير أصلحه الله القدير سمعت من حضرة شيخى العلامة أبقاه الله بالسلامة انه قال لو كان لى مال لهاجرت من قسطنطينية الى ارض الهند لانه لا فائدة فى الاقامة مع سلطان لا غيرة له أصلا من جهة الدين ثم ذكر تورع سلطان الهند وهذا الكلام مطابق للشريعة والطريقة. وقد قال بعض الكبار ان الأولياء لا يقيمون فى بلاد الظلم وجاء فى الحديث (من فر بدينه من ارض الى ارض وان كان شبرا من الأرض استوجب الجنة وكان رفيق أبيه خليل الله ابراهيم ونبيه محمد عليهما الصلاة والسلام)(3/378)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)
فهاجر الى الحبشة ناس من مخافة الفتنة وفرارا الى الله تعالى بدينهم منهم من هاجر الى الله باهله ومنهم من هاجر بنفسه وهى الهجرة الاولى فمن آمن بان طلب الله تعالى حق واجب هاجر من غير الله فهاجر من أفعاله القبيحة الطبيعية الى الافعال الحسنة الشرعية ومن الأوصاف الذميمة الى الأخلاق الحميدة ومن الوجود المجازى الى الوجود الحقيقي وبذل ماله ونفسه فى طلب الحق وترك كل باطل هو غير الحق: قال السيد البخاري قدس سره
هست تاج عارفان اندر جهان از چار ترك ... ترك دنيا ترك عقبا ترك هستى ترك ترك
وفى الحديث (كان فيما كان قبلكم رجل قتل تسعا وتسعين نفسا فسال عن اعلم اهل الأرض فدل على راهب فاتاه فقال انه قتل تسعا وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به المائة ثم سأل عن اعلم اهل الأرض فدل على رجل عالم فقال انه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم ومن يحول بينك وبين التوبة انطلق الى ارض كذا وكذا فان بها أناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم ولا ترجع الى أرضك فانها ارض سوء فانطلق حتى إذا بلغ نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه الى الله وقالت ملائكة العذاب انه لم يعمل خيرا قط فاتاهم ملك فى صورة آدمي فجعلوه بينهم حكما فقال قيسوا ما بين الأرضين فالى أيتهما كان ادنى فهو لها فقاسوه فوجدوه ادنى الى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة) وفى رواية (فاوحى الله الى هذه ان تباعدى والى هذه ان تقربى) فان قلت الظاهر من الحديث انه قبلت توبة ذلك الرجل وهذا مخالف لما ثبت فى الشرع من ان حقوق العباد لا تسقط بالتوبة قلنا إذا تاب ظالم لغيره وقبل الله توبته يغفر له ذنب مخالفة امر الله وما بقي عليه من حق العبد فهو فى مشيئة الله ان شاء أخذ حقه منه والحديث من القسم الاول وعلى تقدير الإرضاء لا يكون ساقطا ايضا لاخذه عوضه من الله وفى الحديث استجاب ان يفارق التائب موضع الذنب والمساعدين ويستبدل منهم صحبة اهل الصلاح اللهم اجعلنا من المهاجرين والحقنا بعبادك الصالحين وَالَّذِينَ آمَنُوا بجميع ما يجب ان يؤمن به اجمالا وتفصيلا وَهاجَرُوا أوطانهم تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبا لمرضاة الله وَجاهَدُوا الكفار والمجاهدة. والجهاد [با كسى كار زار كردن در راه خداى] فِي سَبِيلِ اللَّهِ هو دين الإسلام والإخلاص الموصلان الى الجنة ودرجاتها وَالَّذِينَ آوَوْا اى ضموا المؤمنين الى أنفسهم فى مساكنهم ومنازلهم وواسوهم يقال أويت منزلى واليه او يا نزلته بنفسي وسكنته واوّيته أنزلته والمأوى المكان فالايواء بالفارسية [جايكاه دادن] وَنَصَرُوا اى أعانوهم على أعدائهم فالموصول الاول عبارة عن المهاجرين الأولين والثاني عن الأنصار كما سبق أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ ايمانا حَقًّا لانهم حققوا ايمانهم بتحصيل مقتضاه من الهجرة والجهاد وبذل المال ونصرة الحق. فالآية الاولى مذكورة لبيان حكمهم وهو انهم يتوارثون ويتولى بعضهم بعضا فى الميراث. وهذه الآية مذكورة لبيان ان الكاملين فى الايمان منهم هم الهاجرون الأولون والأنصار لا غيرهم فلا تكرار لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ اى واسع كثير يطعمهم الله تعالى(3/379)
وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)
فى الجنة طعاما يصير كالمسك وشجا ولا يستحيل فى أجوافهم نجوا وهو ما يخرج من البطن من ريح او غائط تم ألحق بهم فى الامرين من سيلحق بهم ويتسم بسمتهم فقال وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ اى من بعد الهجرة الاولى وَهاجَرُوا بعد هجرتكم وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فى بعض مغازيكم فَأُولئِكَ مِنْكُمْ اى من جملتكم ايها المهاجرون والأنصار وهم الذين جاؤا من بعدهم يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ ألحقهم الله بالسابقين وجعلهم منهم تفضلا منه وترغيبا فى الايمان والهجرة- روى- ان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار فكان المهاجر يرثه اخوه الأنصاري دون قريبه الغير المهاجر وان كان مسلما فنسخ الله تعالى ذلك الحكم بقوله وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ آخر منهم فى التوارث من الأجانب فِي كِتابِ اللَّهِ اى فى حكمه إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ومن جملته ما فى تعليق التوارث بالقرابة الدينية اولا وبالقرابة النسبية آخرا من الحكم البالغة
نه در احكام اوست چون و چرا ... نه در افعال او چكونه و چند
اعلم ان المهاجرين الأولين من حيث انهم أسسوا قاعدة الايمان واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من الأنصار يدل عليه قوله عليه السلام (لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار) فان المراد منه إكرام الأنصار بان لا رتبة بعد الهجرة أعلى من نصرة الدين. والمهاجرون على طبقات منهم من هاجر معه عليه السلام او بعد هجرته قبل صلح الحديبية وهو فى سنة ثنتين من الهجرة وهم المهاجرون الأولون. ومنهم من هاجر بعد صلح الحديبية قبل فتح مكة وهم اهل الهجرة الثانية. ومنهم ذو هجرتين هجرة الى الحبشة وهجرة الى المدينة وكانت الهجرة الى المدينة بعد ان هاجر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضا على المؤمن المستطيع ليكون فى سعة امر دينه ولينصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى إعلاء كلمة الله فلما فتح مكة أعلمهم بان الهجرة المفروضة قد انقطعت وانه ليس لاحد بعد ذلك ان ينال فضيلة الهجرة وان ينازع المهاجرين فى مراتبهم واما الهجرة التي تكون من المسلم لصلاح دينه الى مكة او الى غيرها فانها باقية ابد الدهر غير منقطعة وفى الحديث (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد دينى) وفى الحديث (من زارنى بعد موتى فكأنما زارنى فى حياتى ومن مات بأحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة) وروى الامام فى الاحياء ان النبي عليه الصلاة والسلام لما عاد الى مكة استقبل الكعبة وقال انك خير ارض الله وأحب بلاد الله الىّ ولولا انى أخرجت منك ما خرجت فما هو محبوب للنبى عليه السلام محبوب لامته ايضا فالاقامة بمكة مع الوفاء بحق المقام أفضل كيف لا والنظر الى البيت عبادة والحسنات فيها مضاعفة وللقاصر عن القيام بحق الموضع ترك الاقامة فان بعض العلماء كرهها لمثله- حكى- ان عمر بن عبد العزيز وأمثاله من الأمراء كان يضرب فسطاطين فسطاطا فى الحل وفسطاطا فى الحرم فاذا أراد ان يصلى او يعمل شيأ من الطاعات دخل فسطاط الحرم رعاية لفضل المسجد الحرام وإذا أراد ان يأكل او يتكلم او غير ذلك خرج الى فسطاط الحل ومقدار الحرم من قبل المشرق ستة أميال ومن الجانب الثاني اثنى عشر(3/380)
ميلاد ومن الجانب الثالث ثمانية عشر ميلا ومن الجانب الرابع اربعة وعشرون ميلا هكذا قال الفقيه ابو جعفر. وكما ان للاماكن الشريفة والبقاع المنيفة قدرا وحرمة عند الله تعالى وعند الناس فكذا القلوب الصافية لاهل الكمالات الوافية بل خطرها أعظم
مسجدى كو اندرون اولياست ... سجده كاه جمله است آنجا خداست
آن مجاز است اين حقيقت اى خران ... نيست مسجد جز درون سروران
وفى قوله تعالى فَأُولئِكَ مِنْكُمْ اشارة الى ان كل سالك صادق سلك طريق الحق من المتأخرين على قدم الايمان والهجرة والجهاد الحقيقي فهو من المتقدمين لانه ليس عند الله صباح ولا مساء فالواصلون كلهم كنفس واحدة وهم متبرئون من الزمان والمكان استوى عندهم الأمس واليوم والغد والقرب والبعد والعلو والسفل ولهذا قال عليه السلام (أمتي كالمطر لا يدرى أولهم خير أم آخرهم) وعد المتأخرين من إخوانه وقال (ووا شوقاه الى لقاء إخواني) هذا وكان الحسن إذا قرأ سورة الأنفال قال طوبى لجيش قائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبارزهم اسد الله وجهادهم طاعة الله ومددهم ملائكة الله وثوابهم رضوان الله نسأل الله تعالى ان يوفقنا لصالحات الأعمال وحسنات الأقوال والأحوال وان تجعلنا مشغولين بطاعة الله فى كل آن وحال تمت سورة الأنفال بفضل الله المتعال فى اواخر شهر ربيع الآخر من شهور سنة الف ومائة وواحد
تفسير سورة التوبة
مائة وثلاثون آية وهى مدينة اعوذ بالله من الشيطان الرجيم انما تركت التسمية أول براءة لعدم المناسبة بين الرحمة التي تدل عليها البسملة والتبري الذي يدل عليه أول براءة ورده فى الفتوحات بانها جاءت فى أوائل السور المبدوءة بويل قال واين الرحمة من الويل وقال فى التأويلات النجمية الحكمة فى ترك كتابة بسم الله الرحمن الرحيم فى أول سورة براءة وكتابتها فى سورة النمل ليعلم انها آية مكررة فى القرآن واكثر ما أنزلت فى أوائل السور لتكون فاصلة بين السورتين ولتكون كل سورة متوجّة بتاج اسم الله تعالى وصفة جماله وجلاله فحيث نزلت كتبت وحيث لم تنزل لم تكتب فلما لم تنزل فى أول براءة ما كتبت فى أولها ونزلت فى أول النمل واثنائها فكتبت فى الموضعين جميعا اه [در ترجمه اسباب نزول از بستان فقيه ابو الليث نقلى ميكند كه ثقات مشايخ بعنعنه از ذى النورين رضى الله عنه روايت كرد كه كاتب خاتمه يسألونك عن الأنفال وفاتحه براءة من الله من بودم حضرت مصطفى عليه الصلاة والسلام ميان اين دو سوره إملاء بسم الله نفرمودند] كذا فى تفسير الكاشفى وهو مؤيد لكلام التأويلات وقال حضرة الشيخ الأكبر والمسك الأذفر قدس سره الأطهر اعلم ان بسملة سورة براءة هى التي فى سورة النمل فان الحق سبحانه إذا وهب شيأ لم يرجع فيه ولا يرده الى العدم فلما خرجت رحمة براءة وهى البسملة وحكم التبري من أهلها برفع الرحمة الاختصاصية عنهم ووقف الملك بها لا يدرى اين يضعها فان كل(3/381)
بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
امة من الأمم الانسانية أخذت رحمتها بايمانها قال تعالى اعطوا هذه البسملة للبهائم التي آمنت بسليمان عليه السلام وهى لا يلزمها ايمان الا برسولها فلما عرفت قدر سليمان وآمنت به أعطيت من الرحمة الانسانية حظا وهو بسم الله الرحمن الرحيم الذي سلب من المشركين فلما وسعت الرحمة الرحمانية كل شىء فى الوجود الكونى أقيمت الباء فى براءة مقامها لانها من حروف آية الرحمة والامان لان كل شىء فى الوجود الكونى لا يخلو من رحمة الله عامة او خاصة انتهى واعلم ان الاستعاذة واجبة على كل من شرع فى قراءة القرآن سواء بدأ من أوائل السور او من اجزائها مطلقا وان أراد بها افتتاح الكتب والدرس كما يقرأ التلميذ على الأستاذ لا يتعوذ ثم ان البسملة لا بد منها فى أول الفاتحة مطلقا وفى أول كل سورة ابتدأت بها سوى براءة فانها لا تسمية فى أولها اجماعا والقارئ مخير فى التسمية وعدمها فيما بين اجزاء السور سوى اجزاء براءة فانه لا بسملة فى اجزائها ايضا كذا فى شرح الشاطبية للجعبرى بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ اى هذه براءة مبتدأة من جهة الله ورسوله واصلة إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ ايها المسلمون مِنَ الْمُشْرِكِينَ فمن لابتداء الغاية والى لانتهاء الغاية متعلقان بمحذوف كما تقول هذا كتاب من فلان الى فلان اى واصل منه اليه وليست كلمة من صلة براءة كما فى قولك برئت من فلان والبراءة من الله انقطاع العصمة ونقض العهد ولم يذكر ما تعلق به البراءة كما فى ان الله بريىء من المشركين اكتفاء بما فى حيز الصلة واحترازا عن تكرير لفظة من ولما كانت المعاهدة غير واجبة بل مباحة مأذونة وكان الاتفاق للعهد من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسب إليهم مع ان مباشرة أمرها انما تتصور من المسلمين لامن الله تعالى وان كانت بإذن الله تعالى بخلاف البراءة فانها واجبة أوجبها الله تعالى وامر منوط بجناب الله تعالى كسائر الأوامر غير متوقفة على رأى المخاطبين. والمعنى ان الله ورسوله قد برئا من العهد الذي عاهدتم به المشركين فانه منبوذ إليهم والعهد العقد الموثق باليمين وقد كانوا عاهدوا مشركى العرب من اهل مكة وغيرهم بإذن الله واتفاق الرسول فنكثوا الا بنى ضمرة وبنى كنانة فامر المسلمون بنبذ العهد الى الناكثين وأمهلوا اربعة أشهر كما قال تعالى فَسِيحُوا اى فقولوا لهم سيحوا وسيروا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مقبليين مدبرين آمنين من القتال غير خائفين من النهب والغارة. والسيح والسياحة الذهاب فى الأرض والسير فيها بسهولة على مقتضى المشيئة كسيح الماء على موجب الطبيعة ففيه من الدلالة على كمال التوسعة والترفيه ما ليس فى سيروا ونظائره وزيادة فى الأرض لقصد التعميم لا قطارها من دار الإسلام وغيرها والمراد اباحة ذلك لهم وتخليتهم وشأنهم للحرب او تحصين الأهل والمال او تحصيل الحرب او غير ذلك لا تكليفهم بالسياحة فيها والمراد بالأشهر الاربعة هى الأشهر الحرم التي علق القتال بانسلاخها هى شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم لان السورة نزلت فى شوال سنة تسع من الهجرة بعد فتح مكة فانه كان فى السنة الثامنة منها أمروا بان لا يتعرضوا للكفار بتلك المدة صيانة للاشهر الحرم عن القتال فيها ثم نسخ وجوبها ليتفكروا ويعلموا ان ليس لهم بعد هذه المدة الا الإسلام او السيف فيصير ذلك حاملا لهم على الإسلام ولئلا ينسبوا المسلمين الى الخيانة ونقض العهد على غفلة المعاهدين وقيل هى عشرون(3/382)
من ذى الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الاول وعشر من شهر ربيع الآخر لان التبليغ كان يوم النحر كما روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولى سنة الفتح عتاب بن أسيد الوقوف بالناس فى الموسم واجتمع فى تلك السنة فى الوقوف المسلمون والمشركون فلما كانت سنة تسع بعث أبا بكر رضى الله عنه أميرا على الموسم فلما خرج منطلقا نحو مكة اتبعه عليا رضى الله عنه راكب العضباء ليقرأ هذه السورة على اهل الموسم فقيل له عليه السلام لو بعثت بها الى ابى بكر فقال (لا يؤدى عنى الأرجل منى) وذلك لان عادة العرب ان لا يتولى امر العهد والنقض على القبيلة إلا رجل منها سيدهم او واحد من رهطه وعترته فبعث عليا ازاحة للعلة لئلا يقولوا هذا خلاف ما نعرفه فينا فى العهد والنقض فلما
دنا على سمع أبو بكر الرغاء وهو صوف ذوات الحوافر فوقف وقال هذا رغاء ناقة رسول الله فلما لحقه قال أمير أم مأمور قال مأمور فمضيا فلما كان قبل يوم التروية خطب أبو بكر وحدثهم عن مساكنهم وقام علىّ يوم النحر عند جمرة العقبة فقال (يا ايها الناس انى رسول الله إليكم فقالوا بماذا فقرأ عليهم ثلاثين او أربعين آية من أول هذه السورة ثم قال أمرت بأربع ان لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة الا كل نفس مؤمنة وان يتم الى كل ذى عهد عهده) وقال الحدادي كان الحج فى السنة التي قرأ على رضى الله عنه فيها هذه السورة فى العاشر من ذى القعدة ثم صار الحج فى السنة الثانية فى ذى الحجة وكان السبب فى تقديم الحج فى سنة العهد ما كان يفعله بنوا كناية فى النسيء وهو التأخير انتهى فعلى هذا كان المراد بالأشهر الاربعة من عشر ذى القعدة الى عشر من شهر ربيع الاول كما ذهب اليه البعض وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ بسياحتكم فى أقطار الأرض فى العرض والطول وان ركبتم متن كل صعب وذلول غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ اى لا تفوتونه بالهرب والتحصين قال فى ربيع الأبرار غير معجزى الله سابقى الله وكل معجز فى القرآن سابق بلغة كنانة وَأَنَّ اللَّهَ اى واعلموا انه تعالى مُخْزِي الْكافِرِينَ اى مذلكم فى الدنيا بالقتل والاسر وفى الآخرة بالعذاب وما يحصل لكم من الافتضاح. والاخزاء هو الازلال بما فيه فضيحة وعار قال القشيري قطع لهم مدة على وجه المهلة على انهم ان أقلعوا عن الضلال وجدوا فى المال ما فقدوا من الوصال وان أبوا الا التمادي فى الحرمة والجريمة انقطع ما بينهم وبينه من العصمة ثم ختم الآية بما معناه ان أصررتم على قبيح آثاركم مشيتم الى هلاككم بقدمكم وسعيتم فى عاجلكم فى اراقة دمكم وحصلتم فى آجلكم على ندمكم فما خسرتم الا فى صفقتكم
تبدلت وتبدلنا واخسرنا ... من ابتغى عوضا يسعى فلم يجد
ففى الآية دعوة الى الصلح والايمان بعد الحراب والكفران فمن كفر وعصى فقد خاصم ربه فجاء الندم فى تأخيره التوبة والاستغفار وعدم مبالاته بمباغتة قهر الملك الجبار قال بعض العرفاء ان شئت ان تصير من الابدال فحول خلقك الى بعض خلق الأطفال ففيهم خمس خصال لو كانت فى الكبار لكانوا ابدالا لا يهتمون للرزق: قال الصائب
فكر آب ودانه در كنج قفس بي حاصلست ... زير چرخ انديشه روزى چرا باشد مرا(3/383)
وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)
ولا يشكون من خالقهم إذا مرضوا
حافظ از جور تو حاشاك بنالد روزى ... كه از ان روز كه در بند توام دلشادم
ويأكلون الطعام مجتمعين
اگر خواهى كه يابى ملك ودولت ... بخور شاها بدرويشان نعمت
وإذا تخاصموا تسارعوا الى الصلح: قال السلطان سليم الاول
خواهى كه كنج عشق كنى لوح سينه را ... از دل بشوى آينه سان كرد كينه را
وإذا خافوا جرت عيونهم بالدموع: وفى المثنوى
سوز مهر وكريه ابر جهان ... چون همى دارد جهانرا خوش دهان
آفتاب عقل در سوز دار ... چشم را چون ابر أشك افروز دار
چشم كريان بايدت چون طفل خرد ... كم خور اين نانرا كه نان آب تو برد
واشارت الآية الكريمة الى النفوس المتمردة المشركة التي اتخذت الهوى الها وعبدت صنم الدنيا فهادنها الروح والقلب فى أوان الطفولية وعاهداها على ان لا يجاهداها ولا يقاتلاها الى حد البلوغ وهى ايضا لا تتعرض لهما الى استكمال القالب واستواء القوى البشرية التي بها تتحمل حمل الامانة وأعباء اركان الشريعة وظهور كمال العقل الذي به يستعد لقبول الدعوة وإجابتها وبه يعرف الرسل ومعجزاتهم وبه يثبت الصانع ويرى تعبده واجبا لاداء شكر نعمة الله وان الله ورسوله بريىء من تلك المعاهدة بعد البلوغ فانه أوان نقض عهد النفوس مع القلوب والأرواح لان النفس قبل البلوغ كانت تتصرف فى المأكول والمشروب والملبوس لتربية القالب ودفع الحاجة الماسة غالبا وذلك لم يكن مضرا جدا للقلب والروح فاما بعد البلوغ فزادت فى تلك التربية بالمأكول والمشروب والملبوس الضروري لاجل الشهوة ولما ظهرت الشهوة شملت آفتها المأكول والمشروب والملبوس والمنكوح واشتعلت نيرانها يوما فيوما وفيها مرض القلب والروح وبعثت الأنبياء لدفع هذا المرض وعلاجه كما قال عليه السلام (بعثت لدفع العادات وترك الشهوات) وفى قوله فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ اشارة الى ان للنفوس فى ارض البشرية سيرا وسياحة لتكميل الأوصاف الاربعة من النباتية والحيوانية والشيطانية والانسانية التي تتولد بازدواج الروح العلوي الروحاني المفرد والقالب السفلى المركب من العناصر الاربعة. فالنباتية تولد الماء. والحيوانية تولد الريح. والشيطانية تولد النار. والانسانية تولد التراب فلتكميل هذه الصفات أرخيت ازمة النفوس فى مراتع الدنيا ونعيمها الى البلاغة ثم قال وَاعْلَمُوا يعنى نفوس اهل السعادة أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ اى لا تعجزونه ان ينزعكم عن المراتع الدنيوية ويمتعكم بالمنافع الاخروية وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ يعنى مهلك اهل الشقاوة فى تيه الغفلات والشهوات كذا فى التأويلات النجمية وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الاذان بمعنى الإيذان كالعطاء بمعنى الإعطاء اى هذا اعلام واصل منهما إِلَى النَّاسِ كافة المؤمنين والكافرين ناكثين او غيرهم فالاذان عام والبراءة خاصة بالناكثين من المعاهدين والجملة عطف على قوله براءة يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ منصوب بما يتعلق(3/384)
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)
به الى الناس وفيه قولان. أحدهما انه يوم العيد فانه يتم فيه اركان الحج كطواف الزيادة وغيره ويتم فيه معظم أفعاله كالنحر والرمي وغيرهما واعلام البراءة كان فيه- وروى- ان النبي صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر عند الجمرات فى حجة الوداع فقال هذا يوم الحج الأكبر- وروى- ان عليا رضى الله عنه خرج يوم النحر على بغلة بيضاء الى الجبانة فجاء رجل فاخذ بلجامها وسأله عن يوم الحج الأكبر فقال هو يومك هذا خل سبيلها. والثاني انه يوم عرفة لقوله عليه الصلاة والسلام (الحج عرفة) حصر النبي عليه السلام افعال الحج فى الوقوف بعرفة لانه معظم أفعاله من حيث ان من أدرك الوقوف بعرفة فقد أدرك الحج ومن فاته الوقوف فاته الحج ووصف الحج بالأكبر لان العمرة تسمى الحج الأصغر ولاجتماع المسلمين والمشركين فى ذلك اليوم وموافقته لاعياد اهل الكتاب ولم يتفق ذلك قبله وبعده فعظم ذلك اليوم فى قلوب جميع الطوائف والملل وورد (ان الوقفة يوم الجمعة تعدل سبعين حجة) وهو الحج الأكبر أَنَّ اللَّهَ اى بان الله والباء صلة الاذان حذفت تخفيفا بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اى من عهدهم الذي نقضوه فالمراد بالمشركين المعاهدون الناكثون وَرَسُولِهِ قال المفسرون هو مرفوع معطوف على المستكن فى بريىء او منصوب على ان الواو بمعنى مع اى بريىء معه منهم او مجرور على القسم ولا تكرير فى ذكر بريىء لان قوله براءة اخبار بثبوت البراءة وهذا اخبار بوجوب الاعلام بذلك ولذلك علقه بالناس ولم يخصه بالمعاهدين كما قال اولا إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ فَإِنْ تُبْتُمْ من الكفر والغدر فَهُوَ اى فالتوبة خَيْرٌ لَكُمْ فى الدارين من الاقامة على الكفر والغدر وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ اى أعرضتم عن التوبة فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ غير سابقين ولا فائتين اى لا تفوتونه طلبا ولا تعجزونه هربا فى الدنيا. وبالفارسية [شما نه عاجز كنندكانيد خدايرا يعنى توانيد كه ازو بكر يزيد يا با او ستيزيد] وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ فى الآخرة والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر التبشير فى مقام الانذار تهكم بهم وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال كنت مع علىّ رضى الله عنه حين بعثه رسول الله بالبراءة الى مكة فقيل لابى هريرة بماذا كنتم تنادون قال كنا ننادى انه لا يدخل الجنة الا مؤمن ولا يحجن هذا البيت بعد هذا العام مشرك ولا عريان ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فأجله الى اربعة أشهر فاذا مضت اربعة أشهر فان الله بريىء من عهد المشركين ورسوله إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ استدراك اى استثناء منقطع من النبذ السابق الذي اخر فيه القتال اربعة أشهر كأنه قيل لا تمهلوا الناكثين فوق اربعة أشهر لكن الذين لم ينكثوا عهدهم فلا تجروهم مجرى الناكثين فى المسارعة الى قتلهم بل أتموا إليهم عهدهم ثُمَّ للدلالة على ثباتهم على عهدهم مع تمادى المدة لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً من شروط العهد ولم ينكثوا وينقص يتعدى الى اثنين فكم مفعول أول وشيأ مفعول ثان والى واحد فشيأ منصوب على المصدرية اى شيأ من النقصان قال الكاشفى [پس ايشان كم نكردند چيزى از عهدهاء شما يعنى نشكستند پيمان شما را] وَلَمْ يُظاهِرُوا لم يعاونوا عَلَيْكُمْ أَحَداً من أعدائكم كما عدت بنوا بكر على خزاعة حلفاء النبي عليه السلام فظاهرتهم قريش بالسلاح فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ عدى أتموا بالى(3/385)
لتضمنه معنى فأدوا اى فأدوه إليهم تاما كاملا إِلى مُدَّتِهِمْ ولا تفاجئوهم بالقتال عند مضىّ الاجل المضروب للناكثين ولا تعاملوهم معاملتهم- روى- ان بنى ضمرة وهم حى من بنى كنانة عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية عند البيت وكان بقي لهم من عهدهم تسعة أشهر فأتم عليه الصلاة والسلام إليهم عهدهم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ تعليل لوجوب الامتثال وتنبيه على ان مراعاة حقوق العهد من باب التقوى وان التسوية بين الوفى والغادر منافية لذلك وان كان المعاهد مشركا: قال الحافظ
وفا وعهد نكو باشد ار بياموزى ... وكرنه هر كه تو بينى ستمكرى داند
قال الشيخ نصرآباديّ للمتقى علامات اربع حفظ الحدود وبذل المجهود والوفاء بالعهود والقناعة بالموجود: قيل فى الترجمة
متقى را بود چهار نشان ... حفظ احكام شرع أول آن
ثانيا آنچهـ دست رس باشد ... بر فقيران وبي كسان باشد
عهد را با وفا كند پيوند ... هر چهـ باشد بدان شود خرسند
واعلم ان الحج الأكبر يوم الوصول الى كعبة الوصال والحج الأصغر يوم الوصول الى كعبة القلب. وزيارة كعبة الوصال وطوافها حرام على مشركى الصفات الناسوتية لانها تميل الى غير الله وتركن الى ما سواه فلا تطوف الناسوتية حول كعبة اللاهوتية الا بعد فنائها وفناؤها انما يكون بالجذبات الالهية فاذا تداركت العناية الازلية العبد يخاطب يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ اما فى حال الحياة واما فى وقت الوفاة لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ أما ترى الى سحرة فرعون كيف قالوا إِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ وفى حديث المعراج (ثم ذهبت الى الجنة فرأيت رضوان خازنها فلما رآنى فرح بي ورحب بي وأدخلني الجنة وأراني فيها من العجائب ما وعد الله فيها لاوليائه مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ورأيت فيها درجات أصحابي ورأيت فيها الأنهار والعيون وسمعت فيها صوتا وهو يقول آمنا برب العالمين فقلت ما هذا الصوت يا رضوان قال هم سحرة فرعون وسمعت صوتا آخر وهو يقول لبيك اللهم فقلت من هو قال أرواح الحجاج وسمعت التكبير فقال هؤلاء الغزاة فسمعت التسبيح فقال هؤلاء الأنبياء ورأيت قصور الصالحين ثم بلغت الى سدرة المنتهى) وسميت المنتهى لان علم الخلائق ينتهى إليها (ثم تخلف عنى جبريل فقلت له أتتركني وحيدا فقال يا أكرم الخلق على الله ما جاوز هذا المكان أحد قبلك ولا يجاوز بعدك فاذا نادانى ربى فقال لى ادن منى يا محمد فلم ازل ادنو وهو يقول ادن الف كرة حتى قربت منه كما قال تعالى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى وما من مرة ادنو من ربى إلا قضى لى فيها حاجة ثم وقفت فقطرت على لسانى قطرة كانت احلى من العسل وأبرد من الثلج فعلمت علم الأولين والآخرين وقال لى يا محمد قد جعلت الإسلام حلوا فى قلوب أمتك حتى احبوه وجعلت الكفر مرا فى قلوبهم حتى ابغضوه) يقول الفقير ومنه يعرف ان الله تعالى جعل الكفر حلوا فى قلوب امة الدعوة حتى احبوه وجعل الايمان مرا فى قلوبهم حتى ابغضوه فحب الايمان من الجذبة الالهية والعناية الازلية وبه اتقى المؤمن من الكفر ثم من(3/386)
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
العصيان ثم من الجهل ثم من رؤية ما سوى الله والميل اليه. فيا اهل الايمان ادركتكم العناية العامة. ويا اهل العرفان جذبتكم الهداية الخاصة فقوموا واشكروا الله تعالى على ما أنعم عليكم وأوصله من كمال كرمه إليكم وقد نص على انه يحب المتقين فتارة تكون محبا وهو محبوب وتارة تكون محبوبا وهو محب ومقام المحبوبية أعلى المقامات ولو كان فوقه ما هو أعلى منه لما قيل لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حبيب الله فعليك ايها العاقل بالرجوع الى المولى قبل تمام المدة وهو حلول الاجل وقبل ان تكتنفك الموانع من الجبن والكسل وطريق الاختيار مقبولة دون طريق الاضطرار فان أقبلت فلك سعادة الوقت وان أعرضت فلك الشقاوة والمقت نسأل الله تعالى ان يهدينا الى طريق الرضى ويقيل عثرتنا فيما مضى آمين فَإِذَا انْسَلَخَ اى انقضى استعير له من الانسلاخ الواقع بين الحيوان وجلده الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ وانفصلت عما كانت مشتملة عليه ساترة له انفصال الجلد عن الشاة وانكشفت عنه انكشاف الحجاب عما وراءه وتحقيقه ان الزمان محيط بما فيه من الزمانيات مشتمل عليه اشتمال الجلد للحيوان وكذا كل جزء من اجزاءه الممتدة من الأيام والشهور والسنين فاذا مضى فكأنه انسلخ عما فيه ووصفت الأشهر بالحرم وهى جمع حرام لان الله تعالى حرم فيها القتال وهى شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم التي أبيح للناكثين ان يسيحوا فيها لا الأشهر الدائرة فى كل سنة وهى رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم لان نظم الآية يقتضى توالى الأشهر المذكورة وهذه ليست كذلك لان ثلاثة منها سرد وواحد فرد فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ الناكثين ابد الآباد فهذه الآية ناسخة لكل آية فى القرآن فيها ذكر الاعراض عن المشركين والصبر على إيذائهم على وفق ما اجمع عليه جمهور العلماء حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ادركتموهم فى حل او حرم وَخُذُوهُمْ اى ائسروهم والأخيذ الأسير وَاحْصُرُوهُمْ الحصر المنع والمراد اما حبسهم ومنعهم عن التبسط والتقلب فى البلاد او منعهم عن المسجد الحرام وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ اى كل ممر ومجتاز يجتازون منه فى أسفارهم وانتصابه على انه ظرف لاقعدوا اى ارصدوهم فى كل مكان يرصد فيه وارقبوهم حتى لا يمروا به وهذا امر لتضييق السبيل عليهم فليس معناه حقيقة القعود قال الكاشفى [بسته كردانيد بر ايشان راهها تا منتشر نشوند در بلاد وقرى] فَإِنْ تابُوا عن الشرك بالايمان حسبما اضطروا بما ذكر من القتل والاسر والحصر وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ تصديقا لتوبتهم وايمانهم واكتفى بذكرهما عن بقية العبادات لكونهما رئيسى العبادات البدنية والمالية فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ فدعوهم وشأنهم لا تتعرضوا لهم بشىء مما ذكر قال القاضي فى تفسيره فيه دليل على ان تاركي الصلاة ومانعى الزكاة لا يخلى سبيلهم انتهى وعن ابى حنيفة رحمه الله ان من ترك الصلاة ثلاثة ايام فقد استحق القتل قال الفقهاء الكافر إذا اكره على الإسلام فأجرى كلمة الإسلام على لسانه يكون مسلما فاذا عاد الى الكفر لا يقتل ويجبر على الإسلام كما فى هدية المهديين للمولى أخي چلبى وفيه ايضا كافر لم يقر بالإسلام الا انه إذا صلى مع المسلمين بجماعة يحكم بإسلامه وبلا جماعة لا وان صام او حج او ادى الزكاة لا يحكم بإسلامه فى ظاهر الرواية وفى اخرى انه ان حج على وجه الذي(3/387)
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)
يفعله المسلمون فى الإتيان بجميع الاحكام والتلبية وشهود كل المناسك يصير مسلما إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ تعليل للامر بتخلية السبيل اى فخلوهم فان الله يغفر لهم ما سلف من الكفر والغدر لان الايمان يجب ما قبله اى يقطعه كالحج ويثيبهم بايمانهم وطاعتهم واعلم ان الله تعالى امر فى هذه الآية بالجهاد وهو اربعة انواع. جهاد الأولياء بالقلب بتحليته بالأخلاق الحميدة. وجهاد الزهاد بالنفس بتزكيتها عن الأوصاف الرذيلة. وجهاد العلماء بإظهار الحق خصوصا عند سلطان جائر وامام ظالم. وجهاد الغزاة ببذل الروح
بهر روز مرك اين دم مرده باش ... تا شوى با عشق سرمد خواجه تاش «1»
كشته ومرده به پيشت اى قمر ... به كه شاه زندكان جاى دكر «2»
فالقتل اما قتل النفوس المشركة بالسيف الظاهر واما قتل النفوس العاصية بالسيف الباطن وقتلها فى نهيها عن هواها ومنعها عن مشتهاها واستعمالها على خلاف طبعها وضد طبيعتها قيل للحسين بن على رضى الله عنهما أي الجهاد أفضل قال مجاهدتك هواك ووصى رجل ولده فقال يا بنىّ اعص هواك والنساء واصنع ما شئت وقوله تعالى حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ يشير الى قتلها فى الطاعة والمعصية فقتلها فى الطاعة بملازمتها ومداومتها عليها وفطامها غن مشاربها فيها وإعجابها وتخليصها إياها: قال فى القصيدة الشهيرة بالبردة
وراعها وهى فى الأعمال سائمة ... وان هى استحلت المرعى فلا تسم
اى راع النفس فى اشتغالها بالأعمال عما هو مفسد ومنقص للكمال من الرياء والعجب والغفلة والضلال وان عدت النفس بعض التطوعات حلوا واعتادت به وألفته فاجتهد فى ان تقطع نفسك عنه واشتغل بما هو أشق عليها لان اعتبار العبادة انما هو بامتيازها من العادة فَإِنْ تابُوا ورجعوا الى الله اى رجعت النفوس عن هواها الى طلب الحق تعالى وَأَقامُوا الصَّلاةَ وداومت على العبودية والتوجه الى الحق وَآتَوُا الزَّكاةَ اى تزكت عن أوصافها الذميمة فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ عن مقاساة الشدائد بالرياضات والمجاهدات ليعملوا بالشريعة بعد الوصول الى الحقيقة فان النهاية هى الرجوع الى البداية كما فى التأويلات النجمية يقول الفقير ظهر من هذا ان السالك وان بلغ الى غاية المراتب ونهاية المطالب فهو متقيد فى إطلاقه بمرتبة الشريعة والعمل باحكامها بحيث لو انخلع عن الاحكام والآداب كان ملحدا سيىء الأدب مطرودا عن الباب مهجورا عن حريم قرب رب الأرباب فالشريعة الشريفة محك لكل سالك مبتدىء ولكل واصل منتهى يظهر بها صدق الطلب وخدمة الشكر وفى الكتب الكلامية ولا يصل العبد مادام عاقلا بالغا الى حيث يسقط الأمر والنهى لعموم الخطابات الواردة فى التكاليف واجماع المجتهدين على ذلك اللهم اجعلنا من المتقيدين بوثاق عبوديتك والمراعين لحقوق ربوبيتك وَإِنْ أَحَدٌ رفع بفعل يفسره ما بعده لا بالابتداء لان ان من عوامل الفعل مِنَ الْمُشْرِكِينَ الذين امرتك بقتلهم اسْتَجارَكَ اى طلب منك الامان والجوار بعد انسلاخ الأشهر الحرم فَأَجِرْهُ فآمنه ولا نسارع الى قتله حَتَّى يَسْمَعَ اى الى ان يسمع او ليسمع كَلامَ اللَّهِ اى القرآن فيما له وما عليه من الثواب والعقاب استدل الأشعري بهذه الآية الى انه يجوز ان يسمع
__________
(1) در اواخر دفتر سوم در بيان پيدا شدن روح القدس بصورت آدمي إلخ.
(2) در اواخر دفتر سوم در بيان عزم كردن آن وكيل از عشق كه رجوع كند بخارا.(3/388)
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7)
الكلام القديم الذي هو صفة الله تعالى ومنعه الشيخ ابو منصور. فمعنى حتى يسمع كلام الله يسمع ما يدل عليه كما يقال سمعت علم فلان فان حقيقة العلم لا تسمع بل سمعت خبرا دالا على علمه وكما يقال انظر الى قدرته تعالى اى الى ما يدل على قدرته تعالى والتفصيل فى كتب الكلام ثُمَّ أَبْلِغْهُ بعد استماعه له ان لم يؤمن مَأْمَنَهُ اى مسكنه الذي يأمن فيه وهو دار قومه [وبعد از ان باو مقاتله نماى] ذلِكَ يعنى الأمر بالاجارة وإبلاغ المأمين بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ ما الإسلام وما حقيقته او قوم جهلة فلا بد من إعطاء الامان حتى يفهموا الحق ولا يبقى لهم معذرة أصلا. ومن هاهنا قال الفقهاء حربى اسلم فى دار الحرب ولا يعلم بالشرائع من الصوم والصلاة ونحوهما ثم دخل دار الإسلام لم يكن عليه قضاؤها ولا يعاقب عليه إذا مات ولو اسلم فى دار الإسلام ولم يعلم بالشرائع يلزمه القضاء واعلم كما ان الكفار قوم لا يعلمون احكام الله فكذا النفس وصفاتها قوم لا يعلمون الله والطافه فلا يقبلون اليه ويعلمون الدنيا وشهواتها فيرغبون فيها وقد أمهل الله تعالى بفضله ليرجع العبد اليه والى طاعته- روى- انه كان فى بنى إسرائيل شاب قد عبد الله عشرين سنة ثم عصاه عشرين سنة ثم نظر فى المرآة فراى الشيب فى لحيته فساءه ذلك فقال الهى أطعتك عشرين سنة وعصيتك عشرين سنة فان رجعت إليك تقبلنى فسمع هاتفا من وراء البيت ولم ير شخصا وهو يقول احببتنا فاحببناك وتركتنا فتركناك وعصيتنا فامهلناك فان رجعت إلينا قبلناك وينبغى للعبد ان يسارع الى التوبة والاستغفار فان توبة الشاب احسن من توبة الشيخ فان الشاب ترك الشهوة مع قوة الداعي إليها والشيخ قد ضعفت شهوته وقل داعيه فلا يستويان: قال السعدي قدس سره [قحبه پير از نابكارى چهـ كند توبه نكند] لانه لا رغبة فى مجامعتها فانها تؤدى الى موت الفجأة [وشحنه معزول از مردم إزاري] لانه لا ولاية له على الناس
جوان كوشه نشين شير مرد راه خداست ... كه پير خود نتواند ز كوشه برخاست
شيخ كبير له ذنوب ... تعجز عن حملها المطايا
قد بيضت شعره الليالى ... وسودت قلبه الخطايا
يا من يأتى عليه عام بعد عام وقد غرق فى بحر الخطايا وهام. يا من يشاهد الآيات والعبر كلما توالت عليه الأعوام والشهور ويسمع الآيات والسور ولا ينتفع بما يسمع ولا بما يرى من عظائم الأمور ما الحيلة فيمن سبق عليه الشقاء فى الكتاب المسطور فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي فى الصدور ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور اللهم اجعلنا من المتلذذين بحسن خطابك والمستسعدين بقرب جنابك والمتصفين بمعرفة آيات صفاتك والواصلين الى اسرار ذاتك انك أنت الفياض كَيْفَ فى محل النصب على التشبيه بالحال والظرف والاستفهام إنكاري لا بمعنى انكار الواقع كما فى قوله تعالى كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ بل بمعنى انكار الوقوع يَكُونُ من الكون التام لِلْمُشْرِكِينَ هم الناكثون. والمعنى على أي حال يوجد لهم عَهْدٌ معتد به عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ يستحق ان يراعى حقوقه ويحافظ عليه الى تمام المدة ولا يتعرض لهم بحسبه قتلا وأخذا اى مستنكر مسنبعد ان يكون لهم عهد يجب الوفاء به(3/389)
كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8)
إِلَّا الَّذِينَ استدراك من النفي المفهوم من الاستفهام المتبادر شموله لجميع المعاهدين اى لكن الذين عاهَدْتُمْ يعنى بنى ضمرة وبنى كنانة عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [نزديك مسجد حرام يعنى در حديبية كه قريبست بمكه معظمه] والتعرض لكون المعاهدة عند المسجد الحرام لزيادة بيان أصحابها والاشعار بسبب وكادتها ومحل الموصول الرفع على الابتداء خبره قوله تعالى فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ والفاء لتضمنه معنى الشرط وما اما مصدرية منصوبة المحل على الظرفية بتقدير المضاف اى فاستقيموا لهم بوفاء أجلهم مدة استقامتهم لكم فى وفاء العهد فلم ينقضوه كما نقض غيرهم واما شرطية منصوبة المحل على الظرفية الزمانية اى أي زمان استقاموا لكم فى عهدهم فاستقيموا لهم بالوفاء او مرفوعة على الابتداء والعائد محذوف اى أي زمان استقاموا لكم فيه فاستقيموا لهم فيه إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ لنقض العهد تعليل للامر بالاستقامة واشعار بان المحافظة على العهد من لوازم التقوى وفى الحديث (لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف بقدر غدره) قال فى شرح الشهاب المراد باللواء التشهير يعنى يفتضح الغدّار يوم.
القيامة بقدر غدره: وفى المثنوى
سوى لطف بيوفايان هين مرو ... كان پل ويران بود نيكو شنو
نقض ميثاق وعهود از احمقيست ... حفظ ايمان ووفا كار تقيست
كَيْفَ يكون للمشركين عهد حقيق بالمراعاة عند الله سبحانه وعند رسوله عليه الصلاة والسلام وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ اى وحالهم انهم ان يظفروا بكم لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ اى لا يراعوا فى شأنكم. واصل الرقوب النظر بطريق الحفظ والرعاية ومنه الرقيب ثم استعمل فى مطلق الرعاية إِلًّا اى حلفا او قرابة وقيل الال اسم عبرى بمعنى الا له قال الأزهري ايل من اسماء الله تعالى بالعبرانية فجاز ان يكون معرب ال اى لا يراعوا حق الله تعالى وَلا ذِمَّةً اى عهدا حقا يعاقب على إغفاله واضاعته مع ما سبق لهم من تأكيد الايمان والمواثيق يعنى ان وجوب مراعاة حقوق العهد على كل من المتعاهدين مشروطة بمراعاة الآخر لها فاذا لم يراعها المشركون فكيف تراعونها يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ استئناف بيانى كأنه قيل بأى وجه لا يراعون الحلف او القرابة فكيف يقدمون على عدم المراعاة فاجيب بانهم يرضونكم بأفواههم حيث يظهرون الوفاء والمصافاة ويعدون لكم بالايمان والطاعة ويؤكدون ذلك بالايمان الفاجرة ويتعللون عند ظهور خلافه بالمعاذير الكاذبة ونسبة الإرضاء للافواه للايذان بان كلامهم مجرد ألفاظ يتفوهون بها من غير ان يكون لها مصداق فى قلوبهم وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ ما تتفّوه به أفواههم يعنى ان ألسنتهم تخالف قلوبهم وما فى بواطنهم من الضغائن ينافى ما أظهروه بألسنتهم من وعد الايمان والطاعة والوفاء بالعهد فهم انما يقولون كلاما حلوا مكرا وخديعة وفى الحديث (المكر والخديعة فى النار) يعنى أربابهما وفى الحديث (اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع) وهى جمع بلقمة وهى الأرض القفر التي لا شىء فيها وامرأة بلقعة إذا كانت خالية من كل خير والمعنى يفتقر الحالف ويذهب ماله وجاهه فينبغى للعاقل ان لا يجعل عادنه ان يحلف فى كل صغير وكبير فانه ربما يحلف كاذبا فيستحق العقوبة- ورد- ان البياع الحلاف إذا كان كاذبا(3/390)
فى يمينه يكون ثمن ما باعه أشد حرمة من لحم الخنزير وَأَكْثَرُهُمْ اى اكثر المشركين فاسِقُونَ خارجون عن الطاعة فان مراعاة حقوق العهد من باب الطاعة متمردون فى الكفر ليست لهم عقيدة تمنعهم ولا مروءة تردعهم وتخصيص الأكثر لما فى بعض الكفرة من التفادى عن الغدر والتعفف عما يجر احدوثة السوء والاحدوثة ما يتحدث الناس فى حقه من المثالب والمعائب يفول الفقير ذكر عند حضرة شيخى العلامة أبقاه الله بالسلامة مروءة بعض اهل الذمة فقال انه من آثار السعادة الازلية ويرجى ان ذلك يدعوه الى الايمان والتوحيد ويصير عاقبته الى النجاة والفلاح: وفى المثنوى
من نديدم در جهان جست وجو ... هيچ اهليت به از خوى نكو «1»
در پى خوباش وبا خوشخو نشين ... خو پذيرى روغن وكل را ببين «2»
پس يقين دان صورت خوب ونكو ... با خصال بد نيرزد يك طسو «3»
ور بود صورت حقير وناپذير ... چون بود خلقش نكو در پاش مير
وقد اوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا بوصية جامعة لمحاسن الأخلاق فقال (يا معاذ أوصيك بتقوى الله وصدق الحديث والوفاء بالعهد وأداء الامانة وترك الخيانة وحفظ الجوار ورحمة اليتيم ولين الكلام وبذل السلام وحسن العمل وقصر الأمل ولزوم الايمان والتفقه فى القرآن وحب الآخرة والجزع من الحساب وخفض الجناح وإياك ان تسب حكيما او تكذب صادقا او تطيع آثما او تعصى اماما عادلا او تفسد أرضا. أوصيك باتقاء الله عند كل حجر وشجر ومدر وان تحدث لكل ذنب توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية بذلك ادب الله عباده ودعاهم الى مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب) كذا فى العوارف اعلم ان النفس خلقت من السفليات وجبلت ميالة الى الدنيا وشهواتها ولذاتها والى الجفاء والغدر والرياء والنفاق وقد عاهدها الله يوم الميثاق على الصدق والإخلاص فهى ما دامت حية باقية على صفاتها الذميمة لا يمكنها العبودية الخالصة من شوب الطمع فى المقاصد الدنيوية والاخروية فاذا تنورت بالأنوار المنعكسة من تجلى صفات الجمال والجلال لمراءة القلب تفنى عن أوصافها المخلوقة وتبقى بالأنوار الخالقية فيثبتها الله بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة فتسلم من نقض العهد والمسجد الحرام اشارة الى مقام الوصول الذي هو حرام على اهل الدنيا والآخرة وهو مقام اهل الله وخاصته نسأل الله الوصول الى هذا المقام المكين والدخول فى هذا الحرم الامين: قال بعضهم
الزم الصدق والتقى ... واترك العجب والريا
واغلب النفس والهوى ... ترزق السؤل والمنى
فعلى العاقل المجاهدة مع النفس ورعاية العهود والحقوق ومجانبة الفسوق والعقوق قال الشبلي قدس سره عقدت وقتا ان لا آكل الا من الحلال فكنت أدور فى البراري فرأيت شجرة تين فمددت يدى إليها لآكل فنادتنى الشجرة احفظ عليك عقدك لا تأكل منى فانى ليهودى يقول الفقير فى هذه الحكاية شيآن. الاول ظهور الكرامة وهو تكلم الشجرة. والثاني
__________
(1) در أوائل دفتر دوم در بيان تمثيل بر حقيقت سخن واطلاع بر كشف آن.
(2) در اواسط دفتر ششم در بيان قصه عبد الغوث وربودن پريان او را إلخ.
(3) در أوائل دفتر دوم باز پرسيدن شاه حال از غلام ديكر. [.....](3/391)
اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)
تذكير الله تعالى إياه عقده وذلك بسبب صدقه فى إرادته وإخلاصه فى طلبه فمن أراد ان يصل الى هذه الرتبة فليحافظ وقته وليراقب فان فى المراقبة حصول المطالب عصمنا الله وإياكم من تجاوز الحد والخروج عن الطريق وشرفنا بالوقوف فى حد الحق والثبات فى طريق التحقيق اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ يعنى المشركين الناقضين تركوا الآيات الآمرة بالايفاء بالعهود والاستقامة فى كل امر وأخذوا بدلها ثَمَناً قَلِيلًا اى شيأ حقيرا من حطام الدنيا وهو اهواؤهم وشهواتهم التي اتبعوها فَصَدُّوا اى عدلوا واعرضوا من صد صدودا فيكون لازما او منعوا وصرفوا غيرهم من صده عن الأمر صدا فيكون متعديا عَنْ سَبِيلِهِ اى دينه الموصل اليه او سبيل بيته الحرام حيث كانوا يصدون الحجاج والعمار عنه ويحصرونهم إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى بئس العمل عملهم المستمر فما المضدرية مع ما فى حيزها فى محل الرفع على انها فاعل ساء والمخصوص بالذم محذوف وقيل ان أبا سفيان بن حرب جمع الاعراب وأطعمهم ليصدهم بذلك عن متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وليحملهم على نقض العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله فنقضوه بسبب تلك الاكلة ففاعل اشتروا الاعراب والثمن القليل هو ما أطعمهم ابو سفيان يقول الفقير هذا جار الى الآن فان بعض اهل الهوى والظلم يضيف بعض اهل الطمع والمداهنة ممن يعد من اعيان القوم ليشهدوا له عند السلطان او القاضي بالحق والعدل فيشترون بآيات الله ثمنا قليلا هو الضيافة لهم لا يَرْقُبُونَ اى لا يراعون ولا يحفظون فِي مُؤْمِنٍ اى فى شأنه وحقه إِلًّا اى حلفا او حق قرابة وَلا ذِمَّةً اى عهدا هذا ناعى عليهم عدم مراعاة حقوق عهد المؤمنين على الإطلاق فلا تكرار وَأُولئِكَ الموصوفون بما عدّ من الصفات السيئة هُمُ الْمُعْتَدُونَ المجاوزون الغاية القصوى من الظلم والشرارة فَإِنْ تابُوا عن الكفر وسائر العظائم وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ اى التزموا اقامتهما واعتقدوا فرضيتهما فَإِخْوانُكُمْ اى فهم إخوانكم فِي الدِّينِ متعلق بإخوانكم لما فيه من معنى الفعل اى لهم ما لكم وعليهم ما عليكم فعاملوهم معاملة الاخوان ومتى لم توجد هذه الثلاثة لا تحصل الاخوة فى الدين ولا عصمة الدماء والأموال وَنُفَصِّلُ الْآياتِ اى نبين الآيات المتعلقة بأحوال المشركين الناكثين وغيرهم وأحكامهم حالتى الكفر والايمان لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ اى ما فيها من الاحكام ويتفكرونها ويحافظون عليها وَإِنْ نَكَثُوا عطف على قوله تعالى فَإِنْ تابُوا اى وان لم يفعلوا ذلك بل نقضوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ الموثق بها وأظهروا ما فى ضمائرهم من الشر وأخرجوه من القوة الى الفعل وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ عابوه وقدحوا فيه بتصريح التكذيب وتقبيح الاحكام فَقاتِلُوا [پس بكشيد] أَئِمَّةَ الْكُفْرِ اى فقاتلوهم فوضع الظاهر موظع الضمير للاشارة الى علة وجوب مقاتلهم اى للايذان بانهم صاروا بذلك ذوى رياسة وتقدم فى الكفر أحقاء بالقتل وقيل المراد بأئمتهم رؤساؤهم كابى سفيان والحرث ابن هشام وابى جهل بن هشام وسهل بن عمرو وعكرمة بن ابى جهل واشاههم وتخصيصهم بالذكر ليس لنفى الحكم عما عداهم بل لان قتلهم أهم من حيث انهم هم المعتدون فى الشرارة(3/392)
ويدعون اتباعهم الى الافعال الباطلة كأنه قيل فقاتلوا من نكث الوفاء بالعهود لا سيما أئمتهم والرؤساء منهم. واصل ائمة أءممة جمع امام نحو مثال وامثلة إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ اى على الحقيقة حيث لا يراعونها ولا يعدون نقضها محذورا وان اجروها على ألسنتهم فالمراد بالايمان المثبتة لهم بقوله تعالى وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ ما أظهروه من الايمان وبالمنفية ما هو ايمان على الحقيقة فانهم إذا لم يراعوها فلا وجود لها فى الحقيقة ولا اعتبار بها لان ما لم يترتب عليه أحكامه ولوازمه فهو فى حكم المعدوم وهو تعليل لاستمرار القتال المأمور به المستفاد من سياق الكلام كأنه قيل فقاتلوهم الى ان يؤمنوا لانهم لا ايمان لهم حتى تعقدوا معهم عقدا آخر لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ متعلق بقوله فقاتلوا اى قاتلوهم ارادة ان ينتهوا اى ليكن غرضكم من القتال انتهاءهم عما هم عليه من الكفر وسائر العظائم التي يرتكبونها لا إيصال الاذية كما هو ديدن المؤذين والاذية هو المكروه اليسير أقول فيه اشارة الى ان الفاعل ينبغى ان يكون له غرض صحيح شرعى فى فعله كدفع المضرة فى قتل القملة والنملة وأشباههما لا ارادة التشفي
والانتقام وإيصال الأذى والآلام للقرص او لغيره وليكن هذا على ذكر من الصوفية المحتاطين فى كل الأمور والساعين فى طريق الفناء الى يوم ينفخ فى الصور قال الحدادي فى الآية بيان ان اهل العهد متى خالفوا شيأ مما عاهدوهم عليه فقد نقضوا العهد واما إذا طعن واحد منهم فى الإسلام فان كان شرط فى عهودهم ان لا يذكروا كتاب الله ولا يذكروا محمدا صلى الله عليه وسلم بما لا يجوز ولا يفتنوا مسلما عن دينه ولا يقطعوا عليه طريقا ولا يعينوا اهل الحرب بدلالة على المسلمين فانهم إذا فعلوا ذلك فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسول الله فان فعلوا شيأ من هذه الأشياء حل دمهم وان كان لم يشرط ذلك عليهم فى عهودهم وطعنوا فى القرآن وشتموا النبي عليه الصلاة والسلام ففيه خلاف من الفقهاء قال أصحابنا يعزرون ولا يقتلون واستدلوا بما روى انس بن مالك ان امرأة يهودية أتت النبي عليه السلام بشاة مسمومة ليأكل منها فجيىء بها وقيل له أنقتلها فقال لا ولحديث عائشة رضى الله عنها (فان الله عز وجل يحب الرفق فى امره كله) فقالت يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا فقال (بلى قد قلت عليكم) ولم يقتلهم النبي عليه السلام بذلك وذهب مالك الى ان من شتم النبي عليه السلام من اليهود والنصارى قتل الا ان يسلم انتهى ما فى تفسير الحدادي قال ابن الشيخ فى الآية دليل على ان الذمي إذا طعن فى الإسلام اى عابه وازدراه جاز قتله لانه عوهد على ان لا يطعن فى الدين فاذا طعن فقد خرج عن الذمة وعند ابى حنيفة يستتاب الذمي بطعنه فى الدين ولا ينقض عهده بمجرد طعنه ما لم يصرح بالنكث انتهى قال المولى أخي چلبى فى هدية المهديين الذمي إذا صرح بسبه عليه السلام او عرض او استخف بقدره او وصفه بغير الوجه الذي كفر به فلا خلاف عند الشافعي فى قتله ان لم يسلم لانه لم يعط له الذمة او العهد على هذا وهو قول عامة العلماء الا ان أبا حنيفة والثوري واتباعهما من اهل الكوفة قالوا لا يقتل لان ما هو عليه من الشرك أعظم لكن يعزر ويؤدب. وقيل لا يسقط اسلام الذمي الساب قتله لانه حق النبي عليه السلام وجب عليه لهتكه حرمته وقصده لحاق النقيصة والمعرة به عليه السلام فلم يكن(3/393)
أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16) مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)
رجوعه الى الإسلام مسقطاله كما لم يسقط سائر حقوق المسلمين من قبل إسلامه من قتل او قذف وإذا كنا لا نقبل توبة المسلم فلان لا نقبل توبة الكافر اولى كما فى الاسرار والحاوي فالمختار ان من صدر منه ما يدل على تخفيفه عليه السلام بعمد وقصد من عامة المسلمين يجب قتله ولا تقبل توبته بمعنى الخلاص من القتل وان اتى بكلمتي الشهادة والرجوع والتوبة لكن لو مات بعد التوبة او قتل حدّا مات ميته الإسلام فى غسله وصلاته ودفنه ولو أصر على السب وتمادى عليه وابى التوبة منه فقتل على ذلك كان كافرا وميراثه للمسلمين ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يكفن بل تستر عورته ويوارى كما يفعل بالكفار. والفرق بين من سب الرسول وبين من سب الله على مشهور القول باستتابته ان النبي عليه السلام بشر والبشر من جنس تلحقهم المعرة إلا من أكرمه الله تعالى بنبوته والباري منزه عن جميع المعائب قطعا وليس من جنس تلحقهم المعرة بجنسه واعلم انه قد اجتمعت الامة على ان الاستخفاف بنبينا وبأى نبى كان من الأنبياء كفر سواء فعله فاعل ذلك استحلالا أم فعله معتقدا بحرمته ليس بين العلماء خلاف فى ذلك والقصد للسب وعدم القصد سواء إذ لا يعذر أحد فى الكفر بالجهالة ولا بدعوى زلل اللسان إذا كان عقله فى فطرته سليما. فمن قال ان النبي صلى الله عليه وسلم كان اسود او يتيم ابى طالب او زعم ان زهده لم يكن قصدا بل لكمال فقره ولو قدر على الطيبات أكلها ونحو ذلك يكفر وكذا من عيره برعاية الغنم او السهو او النسيان او السحر او بالميل الى نسائه او قال لشعره شعير بطريق الاهانة وان أراد بالتصغير التعظيم لا يكفر ومن قال جن النبي ساعة يكفر ومن قال أغمي عليه لا يكفر- وحكى- عن ابى يوسف انه كان جالسامع هارون الرشيد على المائدة فروى عن النبي عليه السلام انه كان يحب القرع فقال حاجب من حجابه انا لا أحبه فقال لهارون انه كفر فان تاب واسلم فبها والا فاضرب عنقه فتاب واستغفر حتى أمن من القتل ذكره فى الظهيرية قالوا هذا إذا قال ذلك على وجه الاهانة اما بدونها فلا كما فى الخاقانية ولو قال رجل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل يلحس أصابعه الثلاث فقال الآخر [اين بي ادبيست] فهذا كفر والحاصل انه إذا استخف سنة او حديثا من أحاديثه عليه السلام يكفر ولو قال لو كانت الصلاة زائدة على الأوقات الخمسة او الزكاة على خمسة دراهم والصوم على شهر لا افعل منها شيأ يكفر ولو قال لآخر صل فقال الآخر ان الصلاة عمل شديد الثقل يكفر ولو صلى رجل فى رمضان لا فى غيره فقال [اين خود بسيارست] يكفر ولو ترك الصلاة متعمدا ولم ينو القضاء ولم يخف عقاب الله فانه يكفر ولو قال عند مجيىء شهر رمضان [آمد آن ماه كران] او جاء الضيف الثقيل يكفر ومن إشارات الآيات ان الطعن فى الدين هو الإنكار على مذهب السلوك والطلب وائمة الكفر هم النفوس كما ان ائمة الايمان هم القلوب والأرواح والنفوس لا وفاء لهم بالعهد على طلب الحق تعالى وترك ما سواه فلا بد من جهادهم حق جهادهم كى ينتهوا عن طبيعتهم وعما جبلوا عليه من الامارية بالسوء أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً [آيا كار زار نميكنيد با كروهى كه] نَكَثُوا [بشكنند] أَيْمانَهُمْ التي حلفوها مع الرسول والمؤمنين على ان لا يعاونوا عليهم فعاونوا بنى بكر(3/394)
قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16)
على خزاعة قال الكاشفى [ديكر از عهدها ميان پيغمبر وقريش آن بود كه حلفا يكديكر را نرنجانند وبر قتال ايشان با يكديكر مظاهره نكنند قريش ببني بكر را كه حلفاء ايشان بودند بسلاح ومرد مدد دادند با بنى خزاعه كه حلفاى رسول بودند جنك كردند] وَهَمُّوا [وقصد كردند مشركان] بِإِخْراجِ الرَّسُولِ حين تشاوروا فى امره بدار الندوة فيكون نعيا عليهم جنايتهم القديمة وقيل هم اليهود نكثوا عهد الرسول وهموا بإخراجه من المدينة وَهُمْ بَدَؤُكُمْ اى بدأوا نقض العهد بالمعاداة والمقاتلة أَوَّلَ مَرَّةٍ لان رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءهم اولا بالكتاب المبين وتحداهم به فعدلوا عن المحاجة لعجزهم عنها الى المقاتلة فما يمنعكم ان تعارضوهم وتصادموهم أَتَخْشَوْنَهُمْ أتتركون قتالهم خشية ان ينالكم مكروه منهم فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ فقاتلوا أعداءه ولا تتركوا امره. قوله فالله مبتدأ خبره أحق وان تخشوه بدل من الله اى أي خشية أحق من خشيتهم فان تخشوه فى موضع رفع ويجوز ان يكون فى موضع نصب او جر على الخلاف إذا حذف حرف الجر وتقديره بان تخشوه اى أحق من غيره بان تخشوه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فان قضية الايمان ان لا يخشى الا منه قال فى التأويلات النجمية أتخشون فوات حظوظ النفس فى اجتهادها وخشية فوات حقوق الله والوصول اليه اولى ان كنتم مؤمنين بالوصول اليه قاتِلُوهُمْ [كارزار كنيد با مشركان] يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ يعنى [بشمشيرهاى شما مقتول شوند] وَيُخْزِهِمْ [ورسوا سازد شان بمقهوريت ومغلوبيت] وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ اى يجعلكم جميعا غالبين عليهم أجمعين ولذلك اخر عن التعذيب وَيَشْفِ [شفا بخشد] صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ممن لم يشهد القتال وهم خزاعة قال ابن عباس رضى الله عنهما هم بطن من اليمن وسبأ قدموا مكة فاسلموا فلقوا من أهلها أذى كثيرا فبعثوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون اليه فقال عليه السلام (ابشروا فان الفرج قريب) : قال الحافظ
آنكه پيرانه سرم صحبت يوسف بنواخت ... اجر صبريست كه در كلبه احزان كردم
وَيُذْهِبْ [وببرد خداى تعالى بنصرت شما بر كفار] غَيْظَ قُلُوبِهِمْ [اندوه دلهاء آنان را كه بواسطه اذاء كفار ملول بودند] ولقد أنجز الله ما وعدهم به على أجمل ما يكون وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ كلام مستأنف ينبىء عما سيكون من بعض اهل مكة من التوبة المقبولة فكان كذلك حيث اسلم ناس منهم وحسن إسلامهم مثل ابى سفيان وعكرمة بن ابى جهل وسهل بن عمر وغيرهم وَاللَّهُ عَلِيمٌ بما كان وما سيكون حَكِيمٌ لا يفعل ولا يأمر الا على وفق الحكمة أَمْ حَسِبْتُمْ [آيا مى پنداريد اى مؤمنان] وأم منقطعة. والمعنى بل أحسبتم ومعنى بل الاضراب عن أمرهم بالقتال الى توبيخهم على الحسبان أَنْ تُتْرَكُوا مهملين غير مأمورين بالجهاد وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ اى والحال انه لم يتبين الخلص وهم الذين جاهدوا من غيرهم وفائدة التعبير عن عدم التبين بعدم علم الله تعالى ان المقصود هو التبيين من حيث كونه متعلقا للعلم ومدارا للثواب قال(3/395)
مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17)
الحدادي وكان الله تعالى قد علم قبل أمرهم بالقتال من لا يقاتل ممن يقاتل ولكنه يعلم ذلك غيبا وأراد العلم الذي يجازى عليه وهو علم المشاهدة لانه يجازيهم على علمهم لا على علمه فيهم انتهى وعدم التعرض لحال المقصرين لما ان ذلك بمعزل من الاندراج تحت ارادة أكرم الأكرمين وَلَمْ يَتَّخِذُوا عطف على جاهدوا داخل فى حيز الصلة اى ولما يعلم الله الذين لم يتخذوا مِنْ دُونِ اللَّهِ متعلق بالاتخاذ ان أبقى على حاله او مفعول ثان له ان جعل بمعنى التصيير وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً اى بطانة وصاحب سر وهو الذي تطلعه على ما فى ضميرك من الاسرار الخفية من الولوج وهو الدخول قال ابو عبيدة كل شىء أدخلته فى شىء وليس منه فهو وليجة تكون للواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ اى بجميع أعمالكم لا يخفى عليه شىء منها فيعلم غرضكم من الجهاد هل فيه اخلاص او هو مشوب بالعلل كاحراز الغنيمة او جلب الثناء او نحو ذلك: قال السعدي
منه آب زر جان من بر پشيز ... كه صراف دانا نكيرد بچيز
زر اندود كانرا بآتش برند ... پديد آيد آنكه كه مس يا زرند
وفى الآية حث على الجهاد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لرباط يوم فى سبيل الله محتسبا من غير شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم اجرا من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها ورباط يوم فى سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا من شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم اجرا من عبادة الفى سنة صيامها وقيامها فان رده الله الى اهله سالما لم يكتب عليه سيئة الف سنة ويكتب له الحسنات ويجرى له اجر الرباط الى يوم القيامة) وفى الحديث (من آمن بالله وبرسوله واقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله ان يدخل الجنة جاهد فى سبيل الله او جلس فى ارضه التي ولد فيها) قالوا أفلا نبشر الناس قال (ان فى الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين فى سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فاذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فانه اوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر انهار الجنة) وفى الحديث (المجاهد من جاهد نفسه لله تعالى جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم أشجع الناس اقهرهم لهواه) كم عاقل أسير هواه عليه امير عبد الشهوات أذل من عبد الرق ان المرآة لا تريك خدوش وجهك مع صداها وكذلك نفسك لا تريك عيوب نفسك مع هواها وفى الآية بيان ان المؤمن المخلص يجتنب عن الكافر والمنافق ولا يتخذهما صاحبى سر- روى- عن شداد بن أوس وعبادة بن الصامت قالا بينما كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال (هل فيكم غريب) يعنى اهل كتاب قلنا لا يا رسول الله فامر يغلق الباب فقال (ارفعوا ايديكم فقولوا لا اله الا الله) فرفعنا أيدينا ساعة ثم وضع رسول الله يده ثم قال (الحمد لله اللهم انك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني عليها الجنة انك لا تخلف الميعاد) ثم قال (ابشروا فان الله قد غفر لكم) أقول هذا التلقين تلقين خاص قد توارثه الخواص من لدنه عليه السلام الى هذا اليوم ولم يطلعوا عليه العوام ولم يفشوا أسرارهم الى الأجانب فان ذلك من الخيانة وكذا ولاية المؤمن للكافر ومحبته له من الخيانة وما الاختلاط الا من محبة الكفر والعياذ بالله تعالى من ذلك ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ نزلت الآية فى جماعة من رؤساء قريش(3/396)
أسروا يوم بدر فبهم العباس عم النبي عليه السلام فاقبل عليهم نفر من اصحاب رسول الله فعيروهم بالشرك وجعل على رضى الله عنه يوبخ العباس بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطع رحمه وعون المشركين عليه واغلظ القول له فقال العباس مالكم تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا فقال له على وهل لكم من محاسن قال نعم نعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقى الحاج فقال الله تعالى ردا ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ اى ما صح وما استقام على معنى نفى الوجود والتحقق لا نفى الجواز كما فى قوله تعالى أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ اى ما وقع وما تحقق لهم أَنْ يَعْمُرُوا عمارة معتدا بها مَساجِدَ اللَّهِ اى المسجد الحرام وانما جمع لانه قبلة المساجد وامامها فعامره كعامرها أو لأن كل ناحية من نواحيه المختلفة الجهات مسجد على حاله بخلاف سائر المساجد إذ ليس فى نواحيها اختلاف الجهة قيل لعكرمة لم تقرأ مساجد وانما هو مسجد واحد قال إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ اى شيأ من المساجد فضلا عن المسجد الحرام الذي هو أفضل افراد الجنس على ان تعريف الجمع بالاضافة للجنس فالآية على هذا الوجه كناية عن عمارة المسجد على وجه آكد من التصريح بذلك ذكر فى القنية ان أعظم المساجد حرمة المسجد الحرام ثم مسجد المدينة ثم مسجد بيت المقدس ثم الجوامع ثم مساجد الشوارع فانها أخف مرتبة حتى لا يعتكف فيها إذا لم يكن لها امام معلوم ومؤذن ثم مساجد البيوت فانه لا يجوز الاعتكاف فيها الا للنساء انتهى وهذه المساجد هى المساجد المجازية. واما المساجد الحقيقة فهى القلوب الطاهرة عن لوث الشرك مطلقا كما قال من قال
مسجدى كو اندرون اولياست ... سجده كاه جمله است آنجا خداست
آن مجازست اين حقيقت اى خران ... نيست مسجد جز درون سروران
ولهذا يعبر عن هدم المسجد بهدم قلب المؤمن شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ اى بإظهار آثار الشرك من نصب الأوثان حول البيت للعبادة فان ذلك شهادة صريحة على أنفسهم بالكفر وان أبوا ان يقولوا نحن كفار كما نقل عن الحسن وقال السدى شهادتهم على أنفسهم بالكفر ان اليهودي لو قيل له ما أنت قال يهودى ويقول النصراني هو نصرانى ويقول المجوسي هو مجوسى او قولهم نعبد الأصنام ليقربونا الى الله زلفى وهو حال من الضمير فى يعمروا اى محال ان يكون ما سموه عمارة عمارة بيت الله مع ملابستهم لما ينافيها ويحبطها من عبادة غيره تعالى فانها ليست من العمارة فى شىء أُولئِكَ الذين يدعون عمارة المسجد وما يضاهيها من اعمال البر مع ما بهم من الكفر حَبِطَتْ [تباه وباطل شده است بواسطه كفر] أَعْمالُهُمْ التي يفتخرون بها وان كانت من جنس طاعة المسلمين وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ لكفرهم ومعاصيهم قال القاضي عياض انعقد الإجماع على ان الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا بتخفيف عذاب لكن بعضهم يكون أشد عذابا من بعض بحسب جرائمهم وذكر الامام الفقيه ابو بكر البيهقي انه يجوز ان يراد مما ورد فى الآيات والاخبار فى بطلان خيرات الكفار انهم لا يتخلصون بها من النار ولكن يخفف عنهم ما يستوجبونه بجنايات ارتكبوها سوى الكفر(3/397)
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)
ووافقه المازري قال الواحدي دلت الآية على ان الكفار ممنوعون من عمارة مسجد المسلمين ولو اوصى لم تقبل وصيته وهو مجمع عليه بين الحنفية ويمنع من دخول المساجد فان دخل بغير اذن مسلم استحق التعزير وان دخل باذنه لم يعزر والاولى تعظيم المساجد ومنعها منهم إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ شامل للمسجد الحرام وغيره مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وحده والايمان بالرسول داخل فى الايمان بالله لما علم من تقارنهما وعدم انفكاك أحدهما عن الآخر فى مثل الشهادة والاذان والاقامة وَالْيَوْمِ الْآخِرِ بما فيه من البعث والحساب والجزاء وَأَقامَ الصَّلاةَ مع الجماعة واكثر المشايخ على انها واجبة وفى الحديث (صلاة الرجل فى جماعة تضعف على صلاته فى بيته وفى سوقه خمسا وعشرين ضعفا) والجماعة فى التراويح أفضل وكل ما شرع فيه الجماعة فالمسجد فيه أفضل فثواب المصلين فى البيت بالجماعة دون ثواب المصلين فى المسجد بالجماعة وَآتَى الزَّكاةَ اى الصدقة المفروضة عن طيب نفس وقرن الزكاة بالصلاة فى الذكر لما ان إحداهما لا تقبل الا بالأخرى اى انما تستقيم عمارتها ممن جمع هذه الكمالات العلمية والعلمية وَلَمْ يَخْشَ فى امور الدين إِلَّا اللَّهَ فعمل بموجب امره ونهيه غير آخذ له فى الله لومة لائم ولا خشية ظالم فيندرج فيه عدم الخشية عند القتال ونحو ذلك. واما الخوف الجبلي من الأمور المخوفة كالظلمة والسباع المهلكة والدواهي العظيمة فهو لا يقدح فى الخشية من الله إذ الخشية من الله ارادة ناشئة من تصور عظمة الله واحاطة علمه بجميع المعلومات وكمال قدرته على مجازاة الأعمال مطلقا وهذا الخوف الجبلي لا يدخل تحت القصد والارادة فَعَسى أُولئِكَ [پس آن كروه شايد] أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ الى مباغيهم من الجنة وما فيها من فنون المطالب العلية وإبراز اهتدائهم مع ما بهم من الصفات السنية فى معرض التوقع لقطع اطماع الكفرة عن الوصول الى مواقف الاهتداء والانتفاع بأعمالهم التي يحسبون انهم لها محسنون ولتوبيخهم بقطعهم بانهم مهتدون فان المؤمنين مع ما بهم من هذه الكمالات إذا كان أمرهم دائرا بين لعل وعسى فما بال الكفرة وهم هم وأعمالهم أعمالهم
جايى كه شير مردان در معرض عتابند ... روباه سيرتان را آنجا چهـ تاب باشد
[وديكر منع مؤمنانست از اغترار باعمال خويش وبر ان اعتماد نمودن] كما قال الحدادي كلمة عسى من الله واجبة والفائدة فى ذكرها فى آخر هذه الآية ليكون الإنسان على حذر من فعل ما يحبط ثواب عمله [كه هر كه بعمل مغرورست از فيض ازل مهجورست]
مباش غره بعلم وعمل كه شد إبليس ... بدين سبب ز در باركاه عزت دور
واعلم ان عمارة المساجد تعم أنواعا منها البناء وتجديد ما انهدم منها وفى الحديث (سبع يجرى للعبد أجرهن وهو فى قبره بعد موته من تعلم علما او كرى نهرا او حفر بئرا او غرس نخلا او بنى مسجدا او ورث مصحفا او ترك ولدا يستغفر له بعد موته) وفى الحديث (من بنى مسجدا لله تعالى أعطاه الله بكل شبر او بكل ذراع أربعين الف الف مدينة من ذهب وفضة وياقوت وزبر جد ولؤلؤ فى الجنة فى كل مدينة الف الف بيت فى كل بيت الف الف سرير على كل(3/398)
سرير زوجة من الحور العين فى كل بيت أربعون الف مائدة على كل مائدة أربعون الف قصة فى كل قصعة أربعون الف الف لون من طعام ويعطى الله له من القوة حتى يأتى على تلك الأزواج وعلى ذلك الطعام والشراب) ذكره الزندوستى فى الروضة. فان خرب المسجد وتعطل او خربت المحلة ولا يصلى فيه أحد صار المسجد ميراثا لورثة الباني عند محمد. وقال ابو يوسف هو على حاله مسجد وان تعطل ولو أرادوا ان يجعلوا المسجد مستغلا والمستغل مسجدا لم يجز يقول الفقير من الناس من جعل المسجد إصطبل الدواب او مطمورة الغلة او نحوه وكذا الكتاب ونحوه من محال العلم والعبادات وقد شاهدناه فى ديار الروم والعياذ بالله تعالى قال على رضى الله عنه ست من المروءة ثلاث فى الحضر وثلاث فى السفر. فاما اللاتي فى الحضر فتلاوة كتاب الله وعمارة مسجد الله واتخاذ الاخوان فى الله. واما اللاتي فى السفر فبذل الزاد وحسن الخلق والمزاح فى غير معاصى الله ذكره
الخطيب فى الروضة ومنها قمها اى كنسها وتنظيفها قال الحسن مهور الحور العين كنس المساجد وعمارتها وفى الحديث (نظفوا أفنيتكم ولا تتشبهوا باليهود بجمع الاكباء) اى الكناسات فى دورها وفى الحديث (غسل الانا وطهارة الفنا يورثان الغنى) فاذا كان الأمر فى طهارة الفناء وهو فناء البيت والدكان ونحوهما هكذا فما ظنك فى تنظيف المسجد والكتاب ونحوهما ومنها تزيينها بالفرش قال بعضهم أول من فرش الحصير فى المساجد عمر بن الخطاب رضى الله عنه وكانت قبل ذلك مفروشة بالحصى وهو بالفارسية [سنك ريزه] اى فى زمنه صلى الله عليه وسلم وذلك ان المطر جاء ذات ليلة فاصبحت الأرض مبتلة فجعل الرجل يأتى بالحصباء فى ثوبه فيبسطها تحته ليصلى عليها فلما قضى رسول الله الصلاة قال ما احسن هذا البساط ثم امر ان يحصب جميع المسجد فمات قبل ذلك فحصبه عمر رضى الله عنه وفى الاحياء اكثر معروفات هذه الاعصار منكرات فى عصر الصحابة إذ من عد المعروف فى زماننا من فرش المساجد بالبسط الرقيقة وقد كان يعد فرش البواري فى المسجد بدعة كانوا لا يرون ان يكون بينهم وبين الأرض حائل انتهى قال الفقهاء يستحب له ان يصلى على الأرض بلا حائل او ما تنبته كالحصير والبوريا لانه اقرب الى التواضع وفيه خروج عن خلاف الامام مالك فان عنده يكره السجود على ما ليس من جنس الأرض ولا بأس بان يصلى على اللبود وسائر الفرش إذا كان المفروش رقيقا بحيث يجد الساجد تمكنه من الأرض وقد روى انه عليه السلام سجد على فروة مدبوغة ولا بأس بتبييض المسجد بالجص او بالتراب الأبيض- ذكر- ان الوليد بن عبد الملك أنفق على عمارة مسجد دمشق فى تزيينه مثل خراج الشام ثلاث مرات- وروى- ان سليمان بن داود عليهما السلام بنى مسجد بيت المقدس وبالغ فى تزيينه حتى نصب الكبريت الأحمر على رأس القبة وكان ذلك أعز ما يوجد فى ذلك الوقت وكان يضيىء من ميل وكانت الغزالات يغزلن فى ضوئه من مسافة اثنى عشر ميلا وكان على حاله حتى خربه بخت نصر ونقل جميع ما فيه من الذهب والفضة والجواهر والآنية الى ارض بابل وحمل مائة الف وسبعين عجلة ومنها تعليق القناديل فى المساجد وإسراج المصابيح والشموع وفى الحديث (من علق(3/399)
قنديلا صلى عليه سبعون الف ملك حتى ينكسر ذلك القنديل) كما فى الكشف وقال انس رضى الله عنه من أسرج فى مسجد سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له مادام فى ذلك المسجد ضوؤه. وكان سليمان عليه السلام امر باتخاذ الف وسبعمائة قنديل من الذهب فى سلاسل الفضة. ذكر ان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءت العتمة يوقد فيه سعف النخل فلما قدم تميم الداري المدينة صحب معه قناديل وحبالا وزيتا وعلق تلك القناديل بسوارى المسجد وأوقدت فقال صلى الله عليه وسلم (نورت مسجدنا نور الله عليك اما والله لو كان لى بنت لأنكحتها هذا) وفى كلام بعضهم أول من جعل فى المسجد المصابيح عمر بن الخطاب ويوافقه قول بعضهم والمستحب من بدع الافعال تعليق القناديل فيها يعنى المساجد وأول من فعل ذلك عمر بن الخطاب فانه لما جمع الناس على ابى بن كعب رضى الله عنه فى صلاة التراويح علق القناديل فلما رأها على كرم الله وجهه تزهر قال نورت مسجدنا نور الله قبرك يا ابن الخطاب ولعل المراد تعليق ذلك بكثرة فلا يخالف ما تقدم عن تميم الداري. وعن بعضهم قال أمرنا المأمون ان اكتب بالاستكثار من المصابيح فى المساجد فلم أدر ما اكتب لانه شىء لم اسبق اليه فاريت فى المنام اكتب فان فيه أنسا للمتهجدين ونفيا لبيوت الله تعالى عن وحشة الظلم فانتبهت وكتبت بذلك قال بعضهم لكن زيادة الوقود كالواقع ليلة النصف من شعبان ويقال لها ليلة الوقود ينبغى ان يكون ذلك كتزيين المساجد ونقشها وقد كرهه بعضهم والله اعلم الكل من انسان العيون فى سيرة النبي المأمون قال الشيخ عبد الغنى النابلسى فى كشف النور عن اصحاب القبور ما خلاصته ان البدعة الحسنة الموافقة لمقصود الشرع تسمى سنة فبناء القباب على قبور العلماء والأولياء والصلحاء ووضع الستور والعمائم والثياب على قبورهم امر جائز إذا كان القصد بذلك التعظيم فى أعين العامة حتى
لا يحتقروا صاحب هذا القبر وكذا إيقاد القناديل والشمع عند قبور الأولياء والصلحاء من باب التعظيم والإجلال ايضا للاولياء فالمقصد فيها مقصد حسن. ونذر الزيت والشمع للاولياء يوقد عند قبورهم تعظيما لهم ومحبة فيهم جائز ايضا لا ينبغى النهى عنه ومنها الدخول والقعود فيها والمكث والعبادة والذكر ودراسة العلوم ونحو ذلك قال ابن عباس رضى الله عنهما ألا أدلكم على ما هو خير لكم من الجهاد قالوا بلى قال ان تبنوا مسجدا فيتعلم فيه القرآن والفقه فى الدين او السنة كما فى الاسرار المحمدية ومنها صيانتها مما لم تبن له كحديث الدنيا وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحديث فى المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش) ويقال حديث الدنيا فى المسجد وفى مجلس العلم وعند الميت وفى المقابر وعند الاذان وعند تلاوة القرآن يحبط ثواب عمل ثلاثين سنة وفى الحديث (قال الله تعالى ان بيوتى فى ارضى المساجد وان زوارى فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر فى بيته ثم زارنى فى بيتي) فحق على المزور ان يكرم زائره قال الامام القشيري قدس سره عمارة المساجد التي هى مواقف العبودية لا تتأتى الا بتخريب أوطان البشرية فالعابد يعمر المسجد بتخريب أوطان شهوته والزاهد يعمره بتخريب أوطان ملاحظته ولكل منهم(3/400)
أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)
صنف مخصوص وكذلك رتبهم بالايمان مختلفة فايمان من حيث البرهان وايمان من حيث البيان وايمان من حيث العيان وشتان ما بينهم انتهى كلامه نسأل الله الغفار ان يجعلنا من العمار والزوار أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ- روى- ان المشركين قالوا القيام على السقاية وعمارة المسجد الحرام خير ممن آمن وجاهد وكانوا يفتخرون بالحرم ويستكثرون به من أجل انهم اهله وعماره فانزل الله هذه الآية قال الكاشفى [آورده اند كه بعض از اهل حرم در جاهليت زمره حاج را نبيذ زبيب با عسل وسويق ميدادند ودر زمان آن حضرت رسالت پناه صلى الله عليه وسلم آن منصب سقايت بعباس تعلق داشت ومتصدىء عمارة مسجد الحرام شيبة بن طلحة بود روزى اين هر دو با مرتضى على بمقام مفاخرت در آمده عباس بسقايت وشيبه بعمارت مباهات مى نمودند وعلى بإسلام وجهاد مفتخر مى بود حق سبحانه وتعالى بتصديق على آيت فرستاد]- وروى- النعمان بن بشير قال كنت عند منبر رسول الله فقال رجل ما أبالي ان لا اعمل بعد ان أسقي الحاج وقال آخر ما أبالي ان لا أعمل عملا بعد ان اعمر المسجد الحرام وقال آخر الجهاد فى سبيل الله أفضل مما قلتما فزجرهم عمر رضى الله عنه وقال لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله وهو يوم الجمعة ولكن إذا صليتم استفتيت رسول الله فيما اختلفتم فيه فدخل فأنزل الله هذه الآية، والمعنى أجعلتم ايها المشركون او المؤمنون المؤثرون للسقاية والعمارة ونحوهما على الهجرة والجهاد ونظائرهما سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام فى الفضيلة وعلو الدرجة كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ السقاية والعمارة مصدران لا يتصور تشبيههما بالجثث فلا بد من تقدير مضاف فى أحد الجانبين اى أجعلتم أهلهما كمن آمن او أجعلتموها كايمان من آمن فان السقاية والعمارة وان كانتا فى أنفسهما من اعمال البر والخير لكنهما بمعزل عن صلاحية ان يشبه أهلهما باهل الايمان والجهاد او يشبه نفسهما بنفس الايمان والجهاد وذلك قوله تعالى لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ اى لا يساوى الفريق الاول الثاني من حيث اتصاف كل واحد منهما بوصفيهما ومن ضرورته عدم التساوي بين الوصفين الأولين وبين الآخرين لان المدار فى التفاوت بين الموصوفين وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ اى الكفرة الظلمة بالشرك ومعاداة الرسول منهمكون فى الضلالة فكيف يساوون الذين هداهم الله ووفقهم للحق والصواب الَّذِينَ آمَنُوا استئناف لبيان مراتب فضلهم اثر بيان عدم الاستواء وضلال المشركين وظلمهم وَهاجَرُوا من أوطانهم الى رسول الله وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ العدو فى طاعة الله بِأَمْوالِهِمْ [ببذل كردن مالهاى خود بمجاهدان وتهيه اسباب قتال ايشان] وَأَنْفُسِهِمْ [در باختن نفسهاى خود در معارك حرب] اى هم باعتبار اتصافهم بهذه الأوصاف الجليلة أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ اى أعلى رتبة واكثر كرامة ممن لم يتصف بها كائنا من كان وان حاز جميع ما عداها من الكمالات التي من جملتها السقاية والعمارة قال الحدادي وانما قال أعظم وان لم يكن للكفار درجة عند الله لانهم كانوا يعتقدون ان لهم درجة عند الله وهذا كقوله تعالى أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا وَأُولئِكَ(3/401)
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)
المنعوتون بتلك النعوت هُمُ الْفائِزُونَ المختصون بالفوز العظيم او بالفوز المطلق كأن فوز من عداهم ليس بفوز من نسبة الى فوزهم واما على الثاني فهو لمن يؤثر الثقاية والعمارة من المؤمنين على الهجرة والجهاد يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ فى الدنيا على ألسنة الرسل بِرَحْمَةٍ عظيمة مِنْهُ هى النجاة من العذاب فى الآخرة وَرِضْوانٍ [خشنودى كامل ازيشان] وَجَنَّاتٍ اى بساتين عالية لَهُمْ فِيها اى فى تلك الجنات نَعِيمٌ مُقِيمٌ نعم لانفاد لها خالِدِينَ فِيها اى فى الجنات أَبَداً تأكيد للخلود لزيادة توضيح المراد إذ قد يراد به المكث الطويل إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ اى ثواب كثير فى الجنة لا قدر عنده لا جور الدنيا [در كشف الاسرار فرموده كه رحمت براى عاصيانست ورضوان براى مطيعان وجنت براى كافه مؤمنان رحمت را تقديم كرد تا اهل عصيان رقم نا اميدى بر صفحات احوال خود نكشند كه هر چند گناه عظيم بود رحمت از ان أعظم است]
كنه ما فزون بود ز شمار ... عفوت افزونتر از كناه همه
قطره ز آب رحمت تو بس است ... شستن نامه سياه همه
اعلم انه كما ان الكفار بالكفر الجلى لا يساوون المؤمنين فى أعمالهم وطاعاتهم كذلك المشركون بالشرك الخفي لا يساوون المخلصين فى أحوالهم ومقاماتهم فالزهد والتصوف والتعرف والتعبد المشوبة بالرياء والهوى والأغراض لا ثمرة لها عند اهل الطلب لانها خدمة فاسدة كبذر فاسد
دنيا دارى وآخرت مى طلبى ... اين ناز بخانه پدر بايد كرد
قيل لا تطمع فى المنزلة عند الله وأنت تريد المنزلة عند الناس وفرقوا بين الخادم والمتخادم بان المتخادم من كانت خدمته مشوبة بهواه فلا يراعى واجب الخدمة فى طرفى الرضى والغضب لانحراف مزاج قلبه بوجود الهوى وبحب المحمدة والثناء من الخلق والخادم من ليس كذلك قال السرى الزهد ترك حظوظ النفس من جميع ما فى الدنيا ويجمع هذه الحظوظ المالية والجاهلية حب المنزلة عند الناس وحب المحمدة والثناء. وجاء فى الأثر (لا يزال لا اله الا الله يدفع عن العباد سخط الله ما لم يبالوا بما نقص من دنياهم فاذا فعلوا ذلك وقالوا لا اله الا الله قال الله تعالى كذبتم لستم بها صادقين) - روى- ان عابدا من بنى إسرائيل راودته ملكة عن نفسه فقال اجعلوا لى ماء فى الخلاء اتنظف به ثم صعد أعلى موضع فى القصر فرمى بنفسه فاوحى الله تعالى الى ملك الهواء ان الزم عبدى قال فلزمه ووضعه على الأرض وضعا رفيقا فقيل لابليس ألا اغويته قال ليس لى سلطان على من خالف هواه وبذل نفسه لله فهذا هو الجهاد فى الله وثمرته الخلاص من الهلاك مطلقا قال العلماء بالله ينبغى للمريد ان يكون له فى كل شىء نية لله تعالى حتى فى أكله وشربه وملبوسه فلا يلبس الا لله ولا يأكل الا لله ولا ينام الا لله وقد ورد فى الخبر (من تطيب لله جاء يوم القيامة وريحه أطيب من المسك الأذفر ومن تطيب لغير الله جاء يوم القيامة وريحه أنتن من الجيفة) فالمريد ينبغى ان يتفقد جميع أقواله وأفعاله ولا يسامح نفسه ان تتحرك بحركة او تتكلم بكلمة الا لله تعالى. وفى الأخير من الآيات اشارة الى من جاهد النفس وبذل الوجود والموجود جميعا فانه(3/402)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)
أعظم قربة فى مقام العندية من النفوس المتمردة ومن وصل الى مقام العندية فالله يعظم اجره اى يجده فى مقام العندية فافهم واسأل ولا تغفل عن حقيقة الحال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا سبب نزولها انه لما امر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة الى المدينة كان من الناس من يتعلق به زوجته وولده وأقاربه فيقولون ننشدك الله ان لا تروح وتدعنا الى غير شىء فنضيع بعدك فيرق لهم ويدع الهجرة فقال الله تعالى أيها المؤمنون لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ الكفرة بمكة أَوْلِياءَ يعنى [اين كروه بدوستى مگيريد] إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ اى اختاروه عَلَى الْإِيمانِ عدى استحب بعلى لتضمنه معنى اختار وحرص وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ [وهر كرا از شما ايشانرا دوست دارد يعنى اين عمل ازيشان پسندد] ومن للجنس لا للتبعيض فَأُولئِكَ المتولون هُمُ الظَّالِمُونَ بوضعهم الموالاة فى غير موضعها كأن ظلم غيرهم كلاظلم عند ظلمهم قال الامام الصحيح ان هذه السورة انما نزلت بعد فتح مكة فكيف يمكن حمل هذه الآية على إيجاب الهجرة والحال ان الهجرة انما كانت واجبة قبل فتح مكة. والأقرب ان تكون هذه الآية محمولة على إيجاب التبري من اقربائهم المشركين وترك الموالاة معهم باتخاذهم بطانة وأصدقاء بحيث يفشون إليهم أسرارهم ويؤثرون المقام بين أظهرهم على الهجرة الى دار الإسلام ويدل عليه قوله تعالى وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ اى المشركون مثلهم قال الحدادي انما جعلوا ظالمين لموالاة الكفار لان الراضي بالكفر يكون كافرا قال الكاشفى [چواين آيت آمد متخلفان از هجرت گفتند كه حالا ما در ميان قبائل وعشائر خوديم وبمعاملات وتجارات اشتغال نموده اوقات ميگذرانيم چون عزيمت هجرت كنيم بالصرورة قطع پدر وفرزند بايد كرد تجارت از دست برود وما بي كسبى وبي مالى بمانيم آيت ديگر آمد كه] قُلْ يا محمد للذين تركوا الهجرة إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ اى اقرباؤكم من المعاشرة وهى المخالطة وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها اى اكتسبتموها وأصبتموها بمكة وانما وصفت بذلك ايماء الى عزتها عندهم لحصولها بكدّ اليمين وَتِجارَةٌ اى امتعة اشتريتموها للتجارة والربح تَخْشَوْنَ كَسادَها بفوات وقت رواجها بغيبتكم عن مكة المعظمة فى ايام الموسم وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها اى منازل تعجبكم الاقامة فيها لكمال نزاهتها من الدور والبساتين أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ اى من طاعة الله وطاعة رسوله بالهجرة الى المدينة وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ اى وأحب إليكم من الجهاد فى طاعة الله والمراد الحب الاختياري المستتبع لاثره الذي هو الملازمة وعدم المفارقة لا الحب الجبلي الذي لا يخلو عنه البشر فانه غير داخل تحت التكليف الدائر على الطاقة فَتَرَبَّصُوا اى انتظروا جواب للشرط حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ [تا بيارد خداى تعالى] بِأَمْرِهِ هى عقوبة عاجلة او آجلة وهو وعيد لمن آثر حظوظ نفسه على مصلحة دينه وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ الخارجين عن الطاعة فى موالاة المشركين اى لا يرشدهم الى ما هو خير لهم وفى الآية الكريمة وعيد شديد لا يتخلص منه الا اقل قليل فانك لو تتبعت اخوان زماننا من الزهاد الورعين لوجدتهم يتحيرون ويتحزنون بفوات احقر شىء من الأمور الدنيوية ولا يبالون بفوات اجلّ حظ(3/403)
من الحظوظ الدينية فان محصول الآية ان من اثر هذه المشتهيات الدنيوية على طاعة الرحمن فليستعد لنزول عقوبة آجلة او عاجلة ولينظر ان ما آثره من الحظوظ العاجلة هل يخلص من الأهوال والدواهي النازلة اللهم عفوك وغفرانك يا ارحم الراحمين قال الكاشفى [اى عزيز مردى بايد كه ابراهيم وار روى از كون بگرداند فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ مال را بذل مهمان. وفرزند را قصد قربان وخود را فداى آتش سوزان كند تا درو دعوىء دوستى صادق باشد]
آنكس كه ترا شناخت جانرا چهـ كند ... فرزند وعيال وخانمانرا چهـ كند
ديوانه كنى هر دو جهانش بخشى ... ديوانه تو هر دو جهانرا چهـ كند
[آورده نماند كه حضرت صلى الله عليه وسلم فرموده است كه] (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من ماله وولده والناس أجمعين) قال ابن ملك المراد به نفى كمال الايمان وبالحب الحب الاختياري مثلا لو امر رسول الله مؤمنا بان يقاتل الكافر حتى يكون شهيدا او امر بقتل أبويه وأولاده الكافرين لاحب ان يختار ذلك لعلمه ان السلامة فى امتثال امره عليه السلام وان لا يخير كما ان المريض ينفر بطبعه عن الدواء ولكن يميل اليه ويفعله لظنه ان صلاحه فيه كيف ونينا عليه السلام اعطف علينا منا ومن آبائنا وأولادنا لانه عليه السلام يسعى لنا لا لغرض قال القاضي ومن محبته عليه السلام نصرة سنته والذب اى المنع والدفع عن شريعته [از حضرت شيخ الإسلام قدس سره منقولست كه احمد بن يحيى دمشقى روزى پيش مادر و پدر نشسته بود قصه قربان كردن حضرت إسماعيل از قرآن بريشان ميخواند گفتند اى احمد از پيش ما بر خيز وبرو كه ما ترا در كار خدا كرديم احمد برخاست وگفت الهى اكنون جز تو كسى ندارم رو بكعبه نهاد وبعد از ان كه بيست و چهار موقف ايستاده بود قصد زيارت والدين كرد چون بدمشق آمد وبدر سراى خود رسيد حلقه در بجنبانيد مادرش آواز داد كه من على الباب جواب داد كه انا احمد ابنك مادرش گفت پيش ازين ما را فرزندى بود او را در كار خدا كرديم احمد ومحمود را با ما چهـ كار
ما هر چهـ داشتيم فداى تو كرده ايم ... جانرا اسير بند هواى تو كرده ايم
ما كرده ايم ترك خود وهر دو كون نيز ... وينها كه كرده ايم براى تو كرده ايم
وهذا لما ان المهاجرين كانوا يكرهون الموت فى بلدة هاجروا منها وتركوها لله تعالى لئلا ينقص ثواب الهجرة إذ في العود نقض العمل الا ان يكون لضرورة دون اختيار قال فى التأويلات اصل الدين هو محبة الله تعالى وان صرف استعداد محبة الله فى هذه الأشياء المذكورة فيه فسق وهو الخروج من محبة الخالق الى محبة المخلوق وان من آثر محبة المخلوق على محبة الخالق فقد أبطل الاستعداد الفطري لقبول الفيض الإلهي واستوجب الحرمان وأدركه القهر والخذلان فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ اى بقهره وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ الخارجين عن حسن الاستعداد يعنى لا يهديهم الى حضرت جلاله وقبول فيض جماله بعد ابطال حسن الاستعداد وعن بشر بن الحارث رضى الله عنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فى المنام فقال لى يا بشر أتدري لم رفعك الله تعالى على اقرانك قلت لا يا رسول الله قال باتباعك لسنتى وخدمتك الصالحين ونصحك لاخوانك ومحبتك لاصحابى واهل بيتي هو الذي بلغك منازل الأبرار(3/404)
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)
أقول المحبة الخالصة باب عظيم لا يفتح الا لاهل القلب السليم وتأثيرها غريب وأمرها عجيب نسأل الله تعالى سبحانه ان يجعلنا من الذين آثروا حب الله وحب رسوله على حب ما سواهما آمين لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ اى بالله قد أعانكم يا اصحاب محمد على عدوكم وأعلاكم عليهم مع ضعفكم وقلة عددكم وعددكم فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ من الحروب وهى مواقعها ومقاماتها. جمع موطن وهو كل موضع اقام به الإنسان لأمر والمراد بها واقعات بدر والأحزاب وقريظة والنضير والحديبية وخيبر وفتح مكة وَيَوْمَ حُنَيْنٍ عطف على محل فى مواطن بحذف المضاف فى أحدهما اى وموطن يوم حنين ليكون من عطف المكان على المكان او فى ايام مواطن كثيرة ويوم حنين ليكون من عطف الزمان على الزمان وأضيف اليوم الى حنين لوقوع الحرب يومئذ بها فيوم حنين هى غزوة حنين ويقال لها غزوة هوازن ويقال لها غزوة أوطاس باسم الموضع الذي كانت به الواقعة فى آخر الأمر وحنين واد بين مكة والطائف إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ [چون بشگفت آورد شما را] اى سرتكم كثرة عددكم ووفور عددكم والاعجاب هو السرور بالتعجب رهو بدل من يوم حنين وكانت الواقعة فى حنين بين المسلمين وهم اثنا عشر الفا عشرة آلاف منهم ممن شهد فتح مكة من المهاجرين والأنصار والفان من الطلقاء وهم اهل مكة سموا بذلك لانه عليه السلام اطلقهم يوم فتح مكة عنوة ولم يقيدهم بالاسار وبين هوازن وثقيف وكانوا اربعة آلاف سوى الجم الغفير من امداد سائر العرب- روى- انه عليه السلام فتح مكة فى اواخر رمضان وقد بقيت منه ثلاثة ايام وقيل فتحها لثلاث عشرة ليلة مضت من رمضان ومكث فيها الى ان دخل شوال فغدا يوم السبت السادس منه خارجا الى غزوة حنين واستعمل على مكة عتاب بن أسيد يصلى بهم ومعاذبن جبل يعلمهم السنن والفقه وحين فتحت مكة أطاعه عليه الصلاة والسلام قبائل العرب الا هوازن ونقيفا فان أهلهما كانوا طغاة مردة فخافوا ان يغزوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وظنوا انه عليه السلام يدعوهم الى الإسلام فثقل ذلك عليهم فحشدوا وبغوا وقالوا ان محمدا لاقى قوما لا يحسنون القتال فاجمعوا أمرهم على ذلك فاخرجوا معهم أموالهم ونساءهم وأبناءهم وراءهم فحملوا النساء فوق الإبل وراء صفوف الرجال ثم جاؤا بالإبل والغنم والذراري وراء ذلك كى يقاتل كل منهم عن اهله وماله ولا يفر أحد بزعمهم فساروا كذلك حتى نزلوا باوطاس وقد كان عليه السلام بعث إليهم عينا ليتجسس عن حالهم وهو عبد الله بن ابى حدر من بنى سليم فوصل إليهم فسمع مالك بن عوف امير هوازن يقول لاصحابه أنتم اليوم اربعة آلاف رجل فاذا لقيتم العدو فاحملوا عليهم حملة رجل واحد واكسروا جفون سيوفكم فو الله لا تضربون باربعة آلاف سيف شيأ الا فرج فاقبل العين الى النبي عليه السلام فاخبره بما سمع من مقالتهم فقال سلمة ابن سلامة الوقسى الأنصاري يا رسول الله لن نغلب اليوم من قلة معناه بالفارسية [ما امروز از قلت لشكر مغلوب نخواهم شد] فساءت رسول الله كلمته وقيل ان هذه الكلمة قالها أبو بكر رضى الله عنه وقيل قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الامام صاحب التفسير الكبير وهو بعيد لانه عليه السلام كان فى اكثر الأحوال متوكلا على الله منقطع القلب عن الدنيا وأسبابها(3/405)
قال ابن الشيخ فى حواشيه الظاهر ان القول بها لا ينافى التوكل على الله ولا يستلزم الاعتماد على الأسباب الظاهرة فان قوله لن نغلب اليوم من قلة نفى للقلة وإعجاب بالكثرة. والمعنى ان وقعت مغلوبية فلامر آخر غير القلة فركب صلى الله عليه وسلم بغلته دلدل ولبس درع داود عليه السلام التي لبسها حين قتل جالوت ووضع الالوية والرايات مع المهاجرين والأنصار فلما كان بحنين وانحدروا فى الوادي وذلك عند غبش الصبح يوم الثلاثاء خرج عليهم القوم وكانوا كمنوالهم فى شعاب الوادي ومضايقه وكانوا رماة فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزم المشركون وخلوا الذراري فاكب المسلمون فتنادى المشركون يا حماة السوء اذكروا الفضائح فتراجعوا وحملوا عليهم فادركت المسلمين كلمة الاعجاب اى لحقهم شؤم كلمة الاعجاب فانكشفوا ولم يقوموا لهم مقدار حلب شاة وذلك قوله تعالى فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً [پس
دفع نكرد از شما آن كثرت شما] والإغناء إعطاء ما تدفع به الحاجة اى لم تعطكم تلك الكثرة مما تدفعون به حاجتكم شيأ من الإغناء وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ اى رحبها وسعتها على ان ما مصدرية والباء بمعنى مع اى لا تجدون فيها مقرا تطمئن اليه نفوسكم من شدة الرعب ولا تثبتون فيها كمن لا يسعه مكانه: قال الشاعر
كان بلاد الله وهى عريضة ... على الخائف المطلوب كفة حابل
اى حبالة صيد ثُمَّ وَلَّيْتُمْ الكفار ظهوركم مُدْبِرِينَ اى منهزمين لا تلوون على أحد يقال ولى هاربا اى أدبر. فالادبار الذهاب الى خلف خلاف الإقبال- روى- انه بلغ فلهم اى منهزمهم مكة وسر بذلك قوم من اهل مكة وأظهروا الشماتة حتى قال أخو صفوان ابن امية لامه ألا قد أبطل الله السحر اليوم فقال له صفوان وهو يومئذ مشرك اسكت فض الله فاك اى أسقط اسنانك والله لان يربنى من الربوبية اى يملكنى ويدبر امرى رجل من قريش أحب الى من ان يربنى رجل من هوازن ولما انهزموا بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده وليس معه إلا عمه العباس آخذا بلجام بغلته وابن عمه ابو سفيان بن حرب بن عبد المطلب أخذا بركابه وهو يركض البغلة نحو المشركين ويقول
انا النبي لا كذب ... انا ابن عبد المطلب
وهذا ليس بشعر لانه لم يقع عن قصد وانما قال انا ابن عبد المطلب ولم يقل انا ابن عبد الله لان العرب كانت تنسبه صلى الله عليه وسلم الى حده عبد المطلب لشهرته ولموت عبد الله فى حياته فليس من الافتخار بالآباء الذي هو من عمل الجاهلية وقال الخطابي انه عليه السلام انما قال انا ابن عبد المطلب لا على سبيل الافتخار ولكن ذكرهم عليه السلام بذلك رؤيا رأها عبد المطلب ايام حباته وكانت القصة مشهورة عندهم فعرفهم بها وذكرهم إياها وهى احدى دلائل نبوته عليه السلام وقصة الرؤيا على ما فى عقد الدرر واللآلى ان عبد المطلب جد النبي عليه السلام بينا هو مائم فى الحجر انتبه مذعورا قال العباس فتبعته وانا يومئذ غلام اعقل ما يقال فاتى كهنة قريش فقال رأيت كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهرى ولها اربعة أطراف طرف قد بلغ مشارق الأرض وطرف قد بلغ مغاربها وطرف قد بلغ عنان السماء وطرف قد جاوز الثرى فبينا انا انظر عادت شجرة خضراء لها نور فبينا انا كذلك قام علىّ شيخان فقلت لاحدهما من أنت قال(3/406)
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26)
انا نوح نبى رب العالمين وقلت للآخر من أنت قال انا ابراهيم خليل رب العالمين ثم انتبهت قالوا ان صدقت رؤياك ليخرجن من ظهرك نبى يؤمن به اهل السموات واهل الأرض ودلت السلسلة على كثرة اتباعه وأنصاره لتداخل حلق السلسلة ورجوعها شجرة يدل على ثبات امره وعلو ذكره وسيهلك من لم يؤمن به كما هلك قوم نوح وستظهر به ملة ابراهيم والى هذا وقعت اشارة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين قال
انا النبي لا كذب ... انا ابن عبد المطلب
كانه يقول انا ابن صاحب تلك الرؤيا مفتخرا بها لما فيها من علم نبوته وعلو كلمته انتهى- روى- انه عليه السلام كان يحمل على الكفار فيفرون ثم يحملون عليه فيقف لهم فعل ذلك بضع عشرة مرة قال العباس كنت اكف البغلة لئلا تسرع به نحو المشركين وناهيك بهذا شهادة على تناهى شجاعته حيث لم يخف اسمه فى تلك الحال ولم يخف الكفار على نفسه وما ذلك الا لكونه مؤيدا من عند الله العزيز الحكيم فعند ذلك قال (يا رب ائتنى بما وعدتني) وقال للعباس وكان صيتا جمهورىّ الصوت (صح بالناس) يروى من شدة صوته انه أغير يوما على مكة فنادى وا صباحاه فاسقطت كل حامل سمعت صوته وكان صوته يسمع من ثمانية أميال فنادى الأنصار فخذا فخذا ثم نادى يا اصحاب الشجرة وهم اهل بيعة الرضوان يا اصحاب سورة البقرة وهم المذكورون فى قوله آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ وكانوا يحفظون سورة البقرة ويقولون من حفظ سورة البقرة وآل عمران فقد جد فينا فكروا عنقا واحدا اى جماعة واحدة يعنى دفعة وهم يقولون لبيك لبيك وذلك قوله تعالى ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ اى رحمته التي تسكن بسببها القلوب وتطمئن إليها اطمئنانا كليا مستتبعا للنصر القريب واما مطلق السكينة فقد كانت حاصلة له عليه السلام قبل ذلك ايضا وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ شامل للمنهزمين وغيرهم فعاد المنهزمون وظفروا وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها اى بأبصاركم كما يرى بعضكم بعضا وهم الملائكة عليهم البياض على خيول بلق وكان يراهم الكفار دون المؤمنين فنظر النبي عليه السلام الى قتال المشركين فقال (هذا حين حمى الوطيس) والوطيس حجارة توقد العرب تحتها النار يشوون عليها اللحم وهو فى الأصل التنور وهذه من الكلمات التي لم تسمع إلا منه صلى الله عليه وسلم. وحمى الوطيس كناية عن شدة الحرب ثم نزل عن بغلته وقيل لم ينزل بل قال (يا عباس ناولنى من الحصباء) او انخفضت بغلته حتى كادت بطنها تمس الأرض ثم قبض قبضة من تراب فرمى به نحو المشركين وقال (شاهت الوجوه) فلم يبق منهم أحد الا امتلأت به عيناه ثم قال عليه السلام (انهزموا ورب الكعبة) وهو أعظم من انقلاب العصا حية لان ابتلاعها لحبالهم وعصيهم لم يقهر الغدو ولم يشتت شمله بل زاد بعدها طغيانه وعتوه على موسى بخلاف هذا الحصى فانه أهلك العدو وشتت شمله وكان من دعائه عليه السلام يومئذ (اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان) فقال له جبريل عليه السلام لقد لقنت الكلمات التي لقنها الله موسى يوم فلق البحر. واختلفوا فى عدد الملائكة يومئذ فقيل خمسة آلاف وقيل ثمانية آلاف وقيل ستة عشر الفا. وفى قتالهم ايضا فقيل قاتلوا وقيل لم يقاتلوا الا يوم بدر وانما كان نزولهم لتقوية قلوب المؤمنين بإلقاء الخواطر الحسنة وتأييدهم(3/407)
ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27)
بذلك وإلقاء الرعب فى قلوب المشركين وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا بالقتل والاسر والسبي وَذلِكَ اى ما فعل بهم مما ذكر جَزاءُ الْكافِرِينَ فى الدنيا ولما هزم الله المشركين بوادي حنين ولوا مدبرين ونزلوا باوطاس وبها عيالهم وأموالهم فبعث رسول الله رجلا من الأشعريين يقال له ابو عامر وامره على جيش الى أوطاس فسار إليهم فاقتتلوا وهزم الله المشركين وسبى المسلمون عيالهم وهرب أميرهم مالك بن عوف فاتى الطائف وتحصن بها وأخذوا اهله وماله فيمن أخذ وقتل امير المؤمنين ابو عامر ثم انه عليه السلام اتى الطائف فحاصرهم بقية ذلك الشهر فلما دخل ذو القعدة وهو شهر حرام انصرف عنهم فاتى الجعرانة وهو موضع بين مكة والطائف سمى المحل باسم امرأة وهى ريطة بنت سعد وكانت تلقب بالجعرانة وهى المرادة فى قوله تعالى كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها فاحرم منها بعمرة بعد ان قام بها ثلاث عشرة ليلة وقال اعتمر منها سبعون نبيا وقسم بها غنائم حنين وأوطاس وكان السبي ستة آلاف رأس والإبل اربعة وعشرين الفا والغنم اكثر من أربعين واربعة آلاف اوقية قضة وتألف أناسا فجعل يعطى الرجل الخمسين والمائة من الإبل ولما قسم ما بقي خص كل رجل اربع من الإبل وأربعون شاة فقال طائفة من الأنصار يا للعجب ان اسيافنا تقطر من دمائهم وغنائمنا ترد عليهم فبلغ ذلك النبي عليه السلام فجمعهم فقال (يا معشر الأنصار ما هذا الذي بلغني عنكم) فقالوا هو الذي بلغك وكانوا لا يكذبون فقال (الم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي وكنتم اذلة فأعزكم الله بي وكنتم وكنتم اما ترضون ان ينقلب الناس بالشاء والإبل وتنقلبون برسول الله الى بيوتكم) فقالوا بلى رضينا يا رسول الله والله ما قلنا ذلك الا محبة لله ولرسوله فقال صلى الله عليه وسلم (ان الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ [از پس اين جنك] عَلى مَنْ يَشاءُ ان يتوب عليه منهم لحكمة تقتضيه اى يوفقه للاسلام وَاللَّهُ غَفُورٌ يتجاوز عما سلف منهم من الكفر والمعاصي رَحِيمٌ يتفضل عليهم ويثيبهم- روى- ان ناسا منهم جاؤا رسول الله وبايعوه على الإسلام وقالوا يا رسول الله أنت خير الناس وابرّ الناس وقد سبى أهلونا وأولادنا وأخذت أموالنا فقال عليه السلام (ان عندى ما ترون ان خير القول أصدقه اختاروا اما ذراريكم ونساءكم واما أموالكم) قالوا ما كنا نعدل بالاحساب شيأ هو جمع حسب وهو ما بعد من المفاخر كنوا بهذا القول عن اختيار ما سبى منهم من الذراري والنسوان على استرجاع الأموال فان ترك الذراري والنسوان فى ذل الاسر واختيار استرجاع الأموال عليها يفضى الى الطعن فى أحسابهم وينافى المروءة فقام النبي عليه السلام فقال (ان هؤلاء جاؤنا مسلمين وانا خيرناهم بين الذراري والأموال فلم يعدلوا بالاحساب شيأ فمن كان بيده سبى وطابت نفسه ان يرد فشأنه) اى فيلزم شأنه (وليفعل ما طاب له ومن لا فليعطنا وليكن قرضا علينا حتى نصيب شيأ فنعطيه مكانه) قالوا رضينا وسلمنا فقال عليه السلام (انا لا ندرى لعل فيكم من لا يرضى فمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا) فرفعت اليه العرفاء انهم قد رضوا ثم قال صلى الله تعالى عليه وسلم (لوفد هوازن ما فعل مالك بن عوف) قالوا يا رسول الله هرب فلحق بحصن الطائف مع ثقيف فقال صلى الله عليه وسلم (اخبروه انه ان أتاني مسلما رددت عليه اهله(3/408)
وماله وأعطيته مائة من الإبل) فلما بلغه هذا الخبر نزل من الحصن مستخفيا خوفا ان تحبسه ثقيف إذا علموا الحال وركب فرسه وركضه حتى اتى الدهناء محلا معروفا وركب راحلته ولحق برسول الله فادركه بالجعرانة واسلم فرد عليه أهله وماله واستعمله عليه السلام على من اسلم من هوازن وكان مالك بن عوف بعد ذلك ممن افتتح عامة الشام ثم فى القصة إشارات منها ان عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تلك الواقعة كانوا فى غاية الكثرة والقوة فلما اعجبوا بكثرتهم صاروا منهزمين فلما تضرعوا فى حال الانهزام الى الله تعالى قواهم حتى هزموا عسكر الكفار وذلك يدل على ان الإنسان متى اعتمد على الدنيا فاته الدين ومتى أطاع الله ورجح الدين على
الدنيا آتاه الله الدين والدنيا على احسن الوجوه. وكما ان اكثر الأسباب الصورية وان كان مدارا للفتح الصوري لكنه فى الحقيقة لا يحصل الا بمحض فضل الله. فكذا كثرة الأعمال والطاعات وان كانت سببا للفتح المعنوي لكنه فى الحقيقة ايضا لا يحصل الا بخصوص هداية الله تعالى فلا بد من العجز والافتقار والتضرع الى الله الغفار: قال الحافظ
تكيه بر تقوى ودانش در طريقت كافريست ... راهرو كر صد هنر دارد توكل بايدش
ومنها ان المؤمن لا يخرج من الايمان وان عمل الكبيرة لانهم قد ارتكبوا الكبيرة حيث هربوا وكان عددهم اكثر من عدد المشركين فسماهم الله تعالى مؤمنين فى قوله ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وذلك لان حقيقة الايمان هو التصديق القلبي فلا يخرج المؤمن عن الاتصاف به الا بما ينافيه ومجرد الاقدام على الكبيرة لغلبة شهوة او غيرة جاهلية او عار أو كسل او خوف خصوصا إذا اقترن به خوف العقاب ورجاء العفو والعزم على التوبة لا ينافيه قال الحافظ
بپوش دامن عفوى بزلت من مست ... كه آب روى شريعت بدين قد نرود
وقال السعدي پرده از روى لطف كو بردار كه اشقيا را اميد مغفرتست ومنها انه صلى الله عليه وسلم لم ينهزم قط فى موطن من المواطن واما ما روى عن سلمة ابن الأكوع رضى الله عنه مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما فمنهزما حال من سلمة لامن النبي عليه السلام قال القاضي عبد الله بن المرابط من قال ان نبى الله عليه السلام هزم فى بعض غزاوته يستتاب فان تاب فيها ونعمت وإلا قتل فانه نسب اليه ما لا يليق بمنصبه وألحق به نقصا وذلك لا يجوز عليه إذ هو على بصيرة من امره، ويقين من عصمته وقد أعطاه الله تعالى من الشجاعة ورباطة الجاش ما لم يعط أحدا من العالمين فكيف يتصور الانهزام فى حقه
شاهى وملائكه سپاهست ... خلق تو عظيم وحق كواهست
ومنها ان ذا القعدة شهر شريف ينبغى ان يعرف قدره ويجاهد المرء فيه نفسه وهو الثلاثون يوما التي واعد الله فيها موسى عليه السلام وامره ان يصومها حتى يجيىء بعدها الى طور المناجاة والمكالمات والمشاهدات قال كعب الأحبار. رضى الله عنه اختار الله الزمان فاحبه اليه الأشهر الحرم وذو القعدة من الأشهر الحرم بلا خلاف وسمى ذا القعدة لقعودهم فيه عن القتال(3/409)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)
وعن قتادة قال سألت انساكم اعتمر النبي عليه السلام قال أربعا. عمرة الحديبية فى ذى القعدة حيث صده المشركون. وعمرة من العام القابل حيث صالحهم. وعمرة الجعرانة إذ قسم غنيمة أراها حنين قلت كم حج قال واحدة ومعناه بعد الهجرة الى المدينة فانه صلى الله عليه وسلم قد حج قبلها كما فى عقد الدرر واللآلى وكذا قال صاحب الروضة وفى السنة التاسعة حج أبو بكر رضى الله عنه بالناس. وفى العاشرة كانت حجة الوداع ولم يحج النبي عليه السلام بعد الهجرة سواها وحج قبل النبوة وبعدها حجات لم يتفق على عددها واعتمر بعد الهجرة اربع عمر وفى هذه السنة مات ابراهيم ابن النبي عليه السلام. وفى الحادية عشرة فاته صلى الله عليه وسلم انتهى اللهم اختم لنا بالخير واجعل لنا فى رياض انسك مبوأ ومنزلا وفى حظائر قدسك مستقرا ومقاما وموئلا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ النجس بفتحتين مصدر بمعنى النجاسة وصفوا بالمصدر مبالغة كأنهم عين النجاسة يجب الاجتناب عنهم والتبري منهم وقطع مودتهم قال الحدادي سمى المشرك نجسا لان الشرك يجرى مجرى القذر فى انه يجب تجنبه كما يجب تجنب النجاسات او لانهم لا يتطهرون من الجنابة والحدث ولا يجتنبون عن النجاسة الحقيقية فهم ملابسون لها غالبا فحكم عليهم بانهم نجس بمعنى ذوى نجاسة. حكمية وحقيقية فى أعضائهم الظاهرة او انهم نجس بمعنى ذوى نجاسة فى باطنهم حيث تنجسوا بالشرك والاعتقاد الباطل. فعلى هذا يحتمل ان يكون نجس صفة مشبهة كحسن فيجوز ترك تقدير المضاف فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ الفاء سببية اى فلا يقربوه بسبب انهم عين النجاسة فضلا عن ان يدخلوه فان نهيهم عن اقترابه للمبالغة فى نهيهم عن دخوله قال فى التبيان اى لا يدخلوا الحرم كله وحدود الحرم من جهة المدينة على ثلاثة أميال ومن طريق العراق على سبعة أميال ومن طريق الجعرانة على تسعة أميال ومن طريق الطائف على تسعة أميال ومن طريق جدة على عشرة أميال انتهى بَعْدَ عامِهِمْ هذا وهو السنة التاسعة من الهجرة التي حج فيها أبو بكر رضى الله عنه أميرا وكانت حجة الوداع فى السنة العاشرة هو الظاهر الذي عليه الامام الشافعي واما على مذهب الامام الأعظم فالمراد من الآية المنع من الدخول حاجا او معتمرا فالمعنى لا يحجوا ولا يعتمروا بعد هذا العام ويدل عليه قول على رضى الله عنه حين نادى ببراءة ألا لا يحج بعد عامنا هذا مشرك فلا يمنع المشرك عنده من دخول الحرم والمسجد الحرام وساتر المساجد قال فى الأشباه فى احكام الذمي ولا يمنع من دخول المسجد جنبا بخلاف المسلم ولا يتوقف دخوله على اذن مسلم عندنا ولو كان المسجد الحرام. ثم قال فى احكام الحرم ولا يسكن فيه كافر وله الدخول فيه انتهى يقول الفقير لعل الحكمة فى ان الجنب المسلم يمنع من دخول المسجد دون الجنب الكافر ان ما هو عليه الكافر من الشرك او الخبث القلبي والجنابة المعنوية أعظم من حدثه الصوري فلا فائدة فى منعه نعم إذا كان عليه نجاسة حقيقية يمنع لانا مأمورون بتطهير المساجد عن القاذورات ولذا قالوا بحرمة إدخال الصبيان والمجانين فى المساجد حيث غلب تنجيسهم وإلا فيكره كما فى الأشباه هذا فلما منعوا من قربان المسجد الحرام. قال أناس من تجار بكر بن وائل وغيرهم من المشركين بعد قراءة على هذه الآية ستعلمون يا اهل(3/410)
مكة إذا فعلتم هذا ماذا تلقون من الشدة ومن اين تأكلون اما والله لنقطعن سبلكم ولا نحمل إليكم شيأ فوقع ذلك فى انفس اهل مكة وشق عليهم والقى الشيطان فى قلوب المسلمين الحزن وقال لهم من اين تعيشون وقد نفى المشركون وانقطعت عنكم الميرة فقال المسلمون قد كنا نصيب من تجاراتهم فالآن تنقطع عنا الأسواق والتجارات ويذهب عنا الذي كنا نصيبه فيها فانزل الله تعالى قوله وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً اى فقرا بسبب منعهم من الحج وانقطاع ما كانوا يجلبونه إليكم من الأرزاق والمكاسب فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ من عطائه او من تفضله بوجه آخر وقد أنجز وعده بان أرسل السماء عليكم مدرارا اكثر من خيرهم وميرهم ووفق اهل تبالة وجرش واسلموا وامتاروا لهم ثم فتح عليهم البلاد والغنائم وتوجه إليهم الناس من أقطار الأرض إِنْ شاءَ ان
يغنيكم قيده بالمشيئة مع ان التقييد بها ينافى ما هو المقصود من الآية وهو ازالة خوفهم من العيلة لفوائد الفائدة الاولى ان لا يتعلق القلب بتحقق الموعود بل يتعلق بكرم من وعد به ويتضرع اليه فى نيل جميع المهمات ودفع جميع الآفات والبليات والثانية التنبيه على ان الإغناء الموعود ليس يجب على الله تعالى بل هو متفضل فى ذلك لا يتفضل به الا عن مشيئته وإرادته والثالثة التنبيه على ان الموعود ليس بموعود بالنسبة الى جميع الاشخاص ولا بالنسبة الى جميع الامكنة والأزمان إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بمصالحكم حَكِيمٌ فيما يعطى ويمنع قال الكاشفى [حكم كننده است بتحقيق آمال ايشان اگر درى در بندد ديگرى بگشايد]
كمان مدار اگر ضايعم تو بگذارى ... كه ضايعم نگذارد مسبب الأسباب
براى من در احسان اگر تو در بندى ... درى دگر بگشايد مفتح الأبواب
- روى- عن الشيخ ابى يعقوب البصري رضى الله عنه قال جعت مرة فى الحرم عشرة ايام فوجد ضعفا فحدثتنى نفسى ان اخرج الى الوادي لعلى أجد شيأ ليسكن به ضعفى فخرجت فوجدت سلجمة مطروحة فاخذتها فوجدت فى قلبى منها وحشة وكأن قائلا يقول لى جعت عشرة ايام فآخرها يكون حظك سلحمة مطروحة متغيرة فرميت بها فدخلت المسجد فقعدت فاذا برجل جاء فجلس بين يدى ووضع قمطرة وقال هذه لك قلت كيف خصصتنى بها فقال اعلم انا كنا فى البحر منذ عشرة ايام فاشرفت السفينة على الغرق فنذر كل واحد منا نذرا ان خلصنا الله ان يتصدق بشىء ونذرت انا ان خلصنى الله ان أتصدق بهذه على أول من يقع عليه بصرى من المجاورين وأنت أول من لقيته قلت افتحها فاذا فيها كعك سميذ ممصر ولوز مقشر وسكر كعاب فقبضت قبضة من ذا وقبضه من ذا وقلت رد الباقي الى صبيانك هدية منى إليهم وقد قبلتها ثم قلت فى نفسى رزقك يسير إليك مند
عشرة ايام وأنت تطلبه من الوادي ... قال الصائب
فكر آب ودانه در كنج قفس بي حاصلست ... زير چرخ انديشه روزى چرا باشد مرا
وفى الآية اشارة الى ان الله تعالى قد رفع قلم التكليف عن الإنسان الى ان يبلغ استكمال القالب ففى تلك المدة كانت النفس وصفاتها يطفن حول كعبة القلب مستمدة من القوى(3/411)
قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)
العقلية والروحانية وبهذا يظفرن بمشتهياتهن من الدنيا ونعيمها حتى صار تعبد الدنيا دأبهن والإشراك بالله طبعهن وبذلك تكامل القالب واستوت أوصاف البشرية الحيوانية عند ظهور الشهوة بالبلوغ ثم اجرى الله عليهم قلم التكليف ونهى القلب عن اتباع النفوس وامره بقتالها ونهاها عن تطوافها لئلا تنجس كعبة القلب بنجاسة شرك النفس والأوصاف الذميمة فلما منعت النفس عن تطوافها بحوالى القلب خاف القلب من فوات حظوظه من الشهوات بتبعية النفس فاغناه الله عن تلك الحظوظ بما يفتح عليه من فضل مواهبه من الواردات الربانية والشواهد والكشوف الرحمانية وفى قوله إِنْ شاءَ اشارة الى ان ما عند الله لا ينال الا بمشيئة الله كذا فى التأويلات النجمية: قال الحافظ
سكندر را نمى بخشند آبى ... بزورو زر ميسر نيست اين كار
قاتِلُوا [بكشيد اى مؤمنان وكارزار كنيد] الَّذِينَ [با آنانكه] لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ كما ينبغى فان اليهود مثنية والنصارى مثلثة فايمانهم بالله كلا ايمان وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ كما ينبغى فان اليهود ذهبوا الى نفى الاكل والشرب فى الجنة والنصارى الى اثبات المعاد الروحاني فعلمهم بأحوال الآخرة كلا علم فكذا ايمانهم المبنى عليه ليس بايمان والمؤمن الكامل هو الذي يصف الله تعالى بما يليق به فيوحده وينزهه ويثبت المعاد الجسماني والروحاني كليهما والنعيم الصوري والمعنوي ايضا فان لكل من الجسم والروح حظا من النعيم يليق بحاله ويناسب لمقامه وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ اى ما ثبت تحريمه بالوحى المتلو وهو الكتاب او غير المتلو وهو السنة وذلك مثل الدم والميتة ولحم الخنزير والخمر ونظائرها وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ يجوز ان يكون مصدر يدينون وان يكون مفعولا به ويدينون بمعنى يعتقدون ويقبلون. والحق صفة مشبهة بمعنى الثابت واضافة الدين اليه من قبيل اضافة الموصوف الى صفته واصل الكلام ولا يدينون الدين الحق وهو دين الإسلام فانه دين ثابت نسخ جميع ما سواه من الأديان وعن قتادة ان الحق هو الله تعالى. والمعنى ولا يدينون دين الله الذي هو الإسلام فان الدين عند الله الإسلام مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ من التوراة والإنجيل وهو بيان للذين لا يؤمنون حَتَّى للغاية يُعْطُوا اى يقبلوا ان يعطوا فان غاية القتال ليست نفس هذا الإعطاء بل قبوله الْجِزْيَةَ فعلة من جزى دينه إذا قضاه سمى ما يعطيه المعاهد مما تقرر عليه بمقتضى عهده جزية لوجوب قضائه عليه أو لأنها تجزى عن الذمي اى تقضى وتكفى عن القتل فانه إذا قبلها يسقط عنه القتل عَنْ يَدٍ حال من الضمير فى يعطوا اى عن يدهم بمعنى مسلمين بايديهم غير باعثين بايدى غيرهم ولذلك منع من التوكيل فيه او عن يد مطيعة غير ممتنعة اى منقادين مطيعين فاذا احتيج فى أخذها منهم الى الجبر والإكراه لا يبقى عقد الذمة بل يعود حكم القتل والقتال فالاعطاء عن يد كناية عن الانقياد والطوع يقال اعطى فلان بيده إذا استسلم وانقاد وعلاقة المجاز ان من ابى وامتنع لا يعطى بيده بخلاف المطيع او عن غنى. ولذلك قيل لم تجب الجزية على الفقير العاجز عن الكسب او عن انعام عليه فان ابقاء مهجتهم بما بذلوا من الجزية نعمة عظيمة عليهم او عن يد قاهرة مستولية عليهم وهى(3/412)
يد الآخذ فعن سببية كما فى قولك يسمنون عن الاكل والشرب اى يبلغون الى غاية السمن وحسن الهيئة بسبب الاكل والشرب وَهُمْ صاغِرُونَ اى أذلاء وذلك بان يأتى بها بنفسه ماشيا غير راكب ويسلمها وهو قائم والمتسلم جالس ويؤخذ بتلبيبه اى بجيبه ويجر ويقال له أد الجزية يا ذمى او يا عدو الله وان كانوا يؤدونها واعلم ان الكفار ثلاثة انواع نوع منهم يقاتلون حتى يسلموا إذ لا يقبل منهم الا الإسلام وهم مشركوا العرب والمرتدون. اما مشركوا العرب فلان النبي عليه السلام بعث منهم فظهرت المعجزات لديهم فكفرهم يكون افحش. واما المرتدون فلانهم عدلوا عن دين الحق بعد اطلاعهم على محاسنه فيكون كفرهم أقبح فالعقوبة على قدر الجناية وفى وضع الجزية تخفيف لهم فلم يستحقوه ونوع آخر يقاتلون حتى يسلموا او يعطوا الجزية وهم اليهود والنصارى والمجوس. اما اليهود والنصارى فهذه الآية. واما المجوس فبقوله عليه السلام (سنوابهم سنة اهل الكتاب غير ناكحى نسائهم وآكلى ذبائحهم)
والنوع الثالث منهم الكفرة الذين ليسوا مجوسا ولا اهل كتاب ولا من مشركى العرب كعبدة الأوثان من الترك والهند ذهب ابو حنيفة وأصحابه رحمهم الله الى جواز أخذ الجزية منهم لجواز اجتماع الدينين فى غير جزيرة العرب وهم من غير العرب ومقدارها على الفقير المعتمل اثنا عشر درهما فى كل شهر درهم هذا إذا كان فى اكثر الحول صحيحا اما إذا كان فى أكثره او نصفه مريضا فلا جزية عليه وعلى المتوسط الحال اربعة وعشرون درهما فى كل شهر درهمان وعلى الغنى ثمانية وأربعون درهما فى كل شهر اربعة دراهم ولا شىء على فقير عاجز عن الكسب ولا على شيخ فان او زمن او مقعد او أعمى او صبى او امرأة او راهب لا يخالط الناس وانما لم توضع عليهم الجزية لان الجزية شرعت زجرا عن الكفر وحملاله على الإسلام فيجرى مجرى القتل فمن لا يعاقب بالقتل وهم هؤلاء لا يؤاخذ بالجزية لان الجزية خلف من القتال وهم ليسوا باهله فاذا حصل الزاجر فى حق المقاتلة وهم الأصل انزجر التبع قال الحدادي اما طعن الملحدة كيف يجوز أقدار الكفار على كفرهم بأداء الجزية بدلا من الإسلام فالجواب انه لا يجوز ان يكون أخذ الجزية منهم رضى بكفرهم وانما الجزية عقوبة لهم على إقامتهم على الكفر وإذا جاز إمهالهم بغير الجزية للاستدعاء الى الايمان كان إمهالهم بالجزية اولى انتهى فعلى الولاة والمتسلمين ان لا يتعدوا ما حد الله تعالى فى كتابه فان الظلم لا يجوز مطلقا ويعود وباله على الظالم بل يسرى الى غيره ايضا وفى الحديث (خمس بخمس إذا أكل الربا كان الخسف والزلزلة وإذا جار الحكام قحط المطر وإذا ظهر الزنى كثر الموت وإذا منعت الزكاة هلكت الماشية وإذا تعدى على اهل الذمة كانت الدولة لهم) كذا فى الاسرار المحمدية لابن فخر الدين الرومي: وفى المثنوى
جمله دانند اين اگر تو نكروى ... هر چهـ مى كاريش روزى بدروى
يقول الفقير رأينا من السنة الرابعة والتسعين بعد الالف الى هذا الآن وهى السنة الاولى بعد المائة والالف من استيلاء الكفار على البلاد الرومية وعلى البحر الأسود والأبيض ما لم يره أحد قبلنا ولا يدرى أحد ماذا يكون غدا والأمر بيد الله تعالى وذلك بسبب الظلم(3/413)
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)
المفرط على اهل الإسلام واهل الذمة الساكنين فى تلك الديار فعاد الصغار والذل من الكفار الى المسلمين الكاذبين فصاروا هم صاغرين والعياذ بالله تعالى وليس الخبر كالمعاينة نسأل الله تعالى اللحوق بأهل الحق والدخول فى الأرض المقدسة ثم ان مما حرم الله على اهل الحق الدنيا ومحبتها فان حب الدنيا رأس كل خطيئة والكفار لما قصروا انظارهم على الدنيا وأخذوها بدلا من الآخرة وضعت عليهم الجزية وجزية النفس الامارة معاملاتها على خلاف طبعها لتكون صاغرة ذليلة تحت احكام الشرع وآداب الطريقة فلا بد من جهادها وتذليلها ليعود العز والدولة الى طرف الروح: وفى المثنوى
آنچهـ در فرعون بود اندر تو هست ... ليك اژدرهات محبوس چهست
آتشت را هيزم فرعون نيست ... زانكه چون فرعون او را عون نيست
فهذه حال النفس فلا بد من قهرها الى ان تفنى عن دعواها واسناد العز إليها وعند ذلك تكون فانية مطمئنة مستسلمة لامر الله منقادة مسخرة تحت حكمه وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ يقرأ بالتنوين على ان عزيز مبتدأ وابن خبره ولم يحذف التنوين إيذانا بان الاول مبتدأ وان ما بعده خبره وليس بصفة [وعزيز بن شرحيا از نسل يعقوبست از سبط لاوى وبچهارده پشت بهارون بن عمران ميرسد] وهو قول قدمائهم ثم انقطع فحكى الله تعالى عنهم ذلك ولا عبرة بانكار اليهود وفى البحر وتذم طائفة او تمدح بصدور ما يناسب ذلك من بعضهم- روى- ان بخت نصر البابلي لما ظهر على بنى إسرائيل قتل علماءهم ولم يبق فيهم أحد يعرف التوراة وكان عزير إذ ذاك صغيرا فاستصغره فلم يقتله وذهب به الى بابل مع جملة من اخذه من سبايا بنى إسرائيل فلما نجا عزير من بابل ارتحل على حمارله حتى نزل بدير هر قل على شط دجلة فطاف فى القرية فلم يرفيها أحدا وعامة شجرها حامل فاكل من الفاكهة واعتصر من العنب فشرب منه وجعل فضل الفاكهة فى سلة وفضل العصير فى زق فلما رأى خراب القرية وهلاكها قال أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها قالها تعجبا لا شكا فى البعث فالقى الله تعالى عليه النوم ونزع منه الروح وبقي ميتا مائة عام وأمات حماره وعصيره وتينه عنده وأعمى الله تعالى عنه العيون فلم يره أحد ثم انه تعالى أحياه بعد ما أماته مائة سنة واحيى حماره ايضا فركب حماره حتى اتى محلته فانكره الناس وأنكر هو ايضا الناس ومنازله فتتبع اهله وقومه فوجد ابنا له شيخا ابن مائة سنة وثمانى عشرة سنة وبنو بنيه شيوخ فوجد من دونهم عجوزا عمياء مقعدة اتى عليها مائة وعشرون سنة كانت امة لهم وقد كان خرج عزيز عنهم هى بنت عشرين سنة فقال لهم انا عزيز كان الله أماتني مائة سنة ثم بعثني قالت العجوز ان عزيرا كان مستجاب الدعوة يدعو للمريض وصاحب البلاء بالعافية فادع الله يرد الى بصرى حتى أراك فان كنت عزيرا عرفتك فدعا ربه ومسح بيده على عينيها فصحت وأخذ بيدها وقال لها قومى بإذن الله تعالى فاطلق رجلها فقامت صحيحة فنظرت فقالت اشهد انك عزير وقال ابنه كان لابى شامة مثل الهلال بين كتفيه فكشف عن كتفيه فاذا هو عزير قال السدى والكلبي لما رجع عزير الى قومه وقد احرق بخت نصر التوراة(3/414)
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)
ولم يكن من الله عهد بين الخلق بكى عزير على التوراة فاتاه ملك باناء فيه ماء فسقاه من ذلك الماء فمثلت التوراة فى صدره فقال لبنى إسرائيل يا قوم ان الله بعثني إليكم لاجدد لكم توراتكم قالوا فاملها علينا فاملاها عليهم من ظهر قلبه ثم ان رجلا قال ان أبى حدثنى عن جدى ان التوراة جعلت فى خابية ودفنت فى كرم كذا فانطلقوا معه حتى أخرجوها فعارضوها بما كتب لهم عزير فلم يجدوه غادر منها حرفا فقالوا ان الله تعالى لم يقذف التوراة فى قلب رجل الا انه ابنه فعند ذلك قالت اليهود المتقدمون عزير ابن الله وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ هو ايضا قول بعضهم وانما قالوه استحالة لان يكون ولد بلا أب أو لأن يفعل ما فعله من إبراء الأكمه والأبرص واحياء الموتى من لم يكن الها ذلِكَ اشارة الى ما صدر عنهم من العظيمتين قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ اى ليس فيه برهان ولا حجة وانما هو قول بالفم فقط كالمهمل قال الحدادي معناه انهم لا يتجاوزون فى هذا القول عن العبارة الى المعنى إذ لا برهان لهم لانهم يعترفون ان الله لم يتخذ صاحبة فكيف يزعمون ان له ولدا يُضاهِؤُنَ اى يضاهى ويشابه قولهم فى الكفر والشناعة فحذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه فانقلب مرفوعا قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ اى من قبلهم وهم المشركون الذين يقولون الملائكة بنات الله او اللات والعزى بنات الله قاتَلَهُمُ اللَّهُ دعاء عليهم جميعا بالإهلاك فان من قاتله الله هلك فهو من قبيل ذكر الملزوم وارادة اللازم لتعذر ارادة الحقيقة ويجوز ان يكون تعجبا من شناعة قولهم من قطع النظر عن العلاقة المصححة للانتقال من المعنى الأصلي الى المعنى المراد أَنَّى يُؤْفَكُونَ كيف يصرفون من الحق الى الباطل والحال انه لا سبيل اليه أصلا والاستفهام بطريق التعجب اتَّخَذُوا اى اليهود أَحْبارَهُمْ اى علماءهم جمع حبر بالكسر وهو افصح وسمى العالم حبرا لكثرة كتابته بالجر أو لتحبره المعاني او بالبيان الحسن وغلب فى علماء اليهود من أولاد هارون وَرُهْبانَهُمْ اى اتخذوا النصارى علماء هم جمع راهب وهو الذي تمكنت الرهبة والخشية فى قلبه وظهرت آثارها فى وجهه ولسانه وهيئته وغلب فى عباد النصارى واصحاب الصوامع منهم أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ اى كالارباب فهو من باب التشبيه البليغ. والمعنى أطاعوا علماءهم وعبادهم فيما امروهم به طاعة العبيد للارباب فحرموا ما أحل الله وحللوا ما حرم الله وفى الحديث (ان محرم الحلال كمحلل الحرام) اى ان عقوبة محرم الحلال كعقوبة محلل الحرام وذلك كفر محض ومثاله ان من اعتقد ان اللبن حرام يكون كمن اعتقد ان الخمر حلال ومن اعتقد ان لحم الغنم حرام يكون كمن اعتقد ان لحم الخنزير حلال وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ عطف على رهبانهم اى اتخذه النصارى ربا معبودا بعد ما قالوا انه ابن الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا وجمع اليهود والنصارى فى ضمير اتخذوا لا من اللبس وَما أُمِرُوا اى والحال ان أولئك الكفرة ما أمروا فى التوراة والإنجيل وبادىء العقل إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً عظيم الشأن هو الله تعالى ويطيعوا امره ولا يطيعوا امر غيره بخلافه فان ذلك مخل بعبادته فان جميع الكتب السماوية متفقة على ذلك قاطبة واما إطاعة الرسول وسائر من امر الله بطاعته فهى فى الحقيقة إطاعة الله تعالى لا إِلهَ إِلَّا هُوَ صفة ثانية لالها سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ما مصدرية اى(3/415)
يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)
تنزيها له عن الإشراك به فى العبادة والطاعة يُرِيدُونَ اى يريد اهل الكتابين أَنْ يُطْفِؤُا يخمدوا نُورَ اللَّهِ اى يردوا القرآن ويكذبوه فيما نطق به من التوحيد والتنزه عن الشرك والأولاد والشرائع التي من جملتها ما خالفوه من امر الحل والحرمة بِأَفْواهِهِمْ بأقاويلهم الباطلة الخارجة منها من غير ان يكون لها مصداق تنطبق عليه واصل تستند اليه حسبما حكى عنهم وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ انما صح الاستثناء المفرغ من الموجب لكونه بمعنى النفي اى لا يريد الله شيأ من الأشياء الا إتمام نوره بإعلاء كلمة التوحيد وإعزاز دين الإسلام وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ جواب لو محذوف لدلالة ما قبله عليه والجملة معطوفة على جملة قبلها مقدرة كلتاهما فى موقع الحال اى لا يريد الله الا إتمام نوره ولو لم يكره الكافرون ذلك بل ولو كرهوا اى على كل حال مفروض وقد حذفت الاولى فى الباب حذفا مطردا لدلالة الثانية عليها دلالة واضحة لان الشيء إذا تحقق عند المانع فلان يتحقق عند عدمه اولى
چراغى را كه ايزد بر فروزد ... كسى كش پف كند سبلت بسوزد
هُوَ الَّذِي اى الذي لا يريد شيأ الا إتمام نوره ودينه هو الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ ملتبسا بِالْهُدى اى القرآن الذي هو هدى للمتقين وَدِينِ الْحَقِّ اى الدين الحق وهو دين الإسلام لِيُظْهِرَهُ اى ليغلب الرسول عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ اى على اهل الأديان كلهم فالمضاف محذوف او ليظهر الدين الحق على سائر الأديان بنسخه إياها حسبما تقتضيه الحكمة واللام فى ليظهره لاثبات السبب الموجب للارسال فهذه اللام لام الحكمة والسبب شرعا ولام العلة عقلا لان افعال الله تعالى ليست بمعللة بالأغراض عند الاشاعرة لكنها مستتبعة لغايات جليله. فنزل ترتب الغاية على ما هى ثمرة له منزلة ترتب الغرض على ما هو غرض له وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ذلك الإظهار ووصفهم بالشرك بعد وصفهم بالكفر للدلالة على انهم ضموا الكفر بالرسول الى الكفر بالله قال ابن الشيخ وغلبة دين الحق على سائر الأديان تكون على التزايد ابدا وتتم عند نزول عيسى عليه السلام لما روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى نزول عيسى ويهلك فى زمانه الملل كلها الا الإسلام وقيل ذلك عند خروج المهدى فانه حينئذ لا يبقى أحد إلا دخل فى الإسلام والتزم أداء الخراج وفى الحديث (لا يزداد الأمر إلا شدة ولا الدنيا الا إدبارا ولا الناس الا شحا ولا تقوم الساعة الا على شرار الناس ولا مهدى الا عيسى بن مريم) ومعناه لا يكون أحد صاحب المهدى الا عيسى بن مريم فانه ينزل لنصرته وصحبته والمهدى الذي من عترة النبي عليه السلام امام عادل ليس بنبي ولا رسول والفرق بينهما ان عيسى هو المهدى المرسل الموحى اليه والمهدى ليس بنبي موحى اليه وايضا ان عيسى خاتم الولاية المطلقة والمهدى خاتم الخلافة المطلقة وكل منهما يخدم هذا الدين الذي هو خير الأديان وأحبها الى الله تعالى وعن بعض الروم قال كان سبب إسلامي انه غزانا المسلمون فكنت أساير جيشهم فوجدت غزاة فى الساقة فاسرت نحو عشرة نفر وحملتهم على البغال بعد ان قيدتهم وجعلت مع كل واحد منهم رجلا موكلابه فرأيت فى بعض الأيام رجلا من الأسرى يصلى فقلت للموكل به(3/416)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)
فى ذلك فقال لى انه فى كل وقت صلاة يدفع الىّ دينارا فقلت وهل معه شىء قال لا ولكنه إذا فرغ من صلاته ضرب بيده الى الأرض ودفع لى ذلك فلما كان الغد لبست ثوبا خلقا وركبت فرسادونا وسرت مع الموكل لا تعرف صحة ذلك فلما دنا وقت صلاة الظهر أومى الى ان يدفع لى دينارا حتى اتركه يصلى فاشرت اليه انى لا آخذ إلا دينارين فاومى برأسه نعم فلما فرغ من صلاته رأيته قد ضرب بيده الى الأرض فدفع الى منها دينارين فلما كان وقت العصر أشار كالمرة الاولى فاشرت اليه انى لا آخذ الا خمسة دنانير فاشار الى بالاجابة فلما فرغ من صلاته فعل كفعله الاول فدفع الىّ خمسة دنانير فلما كان وقت المغرب أشار كذلك فقلت لا آخذ الا عشرة فاجابنى فلما صلى فعل كما تقدم فدفع الىّ عشرة فلما نزلنا وأصبحنا دعوت به وسألته عن خبره وخيرته فى رجوعه الى بلاد الإسلام فاختار الرجوع فاركبته بغلا ودفعت له زادا وحملته بنفسي على البغل فقال أماتك الله تعالى على أحب الأديان اليه فوقع فى قلبى من ذلك الوقت الإسلام فعلى المؤمن المخلص ان يعظم الرسول الذي أرسله الله بهذا الدين الحق وقد عظمه الله ورفع ذكره وكتب اسمه على صفحات الكون قال بعض الشيوخ دخلت بلاد الهند فوصلت الى مدينة رأيت فيها شجرة تحمل ثمرا يشبه اللوز له قشرة فاذا كسرت خرجت منها ورقة خضراء مطوية مكتوب عليها بالحمرة لا اله الا الله محمد رسول الله كتابة هندية واهل الهند يتبركون بها ويستسقون بها إذا منعوا الغيث ويتضرعون عندها فحدثت بهذا الحديث أبا يعقوب الصياد فقال لى ما استعظم هذا كنت بالأيلة فاصطدت سمكة مكتوب على اذنها اليمنى لا اله الا الله وعلى اليسرى محمد رسول الله فقذفت بها الى الماء وانما قذف بها احتراما لها لما عليها من اسم الله تعالى واسم رسوله عليه السلام
شهباز هواى قاب قوسين ... پر شد ز تو آشيان كونين
وفى الحديث (لا تجعلونى كقدح الراكب) اى لا تنسونى فى حالة الشدة والرخاء (ولا تذكرونى كصنيع الراكب مع قدحه المعلق فى مؤخر رحله إذا احتاج اليه من العطش استعمله وإذا لم يحتج اليه تركه) وقيل لا تجعلونى فى آخر الدعاء فان اللائق ان يذكر اسمه الشريف اولا وآخرا ويجعل الدعاء له عنوان الادعية
هر چند شد آخرين مقدم ... شد بر همه نور تو مقدم
جعلنا الله وإياكم من خدام عتبة بابه والمتقربين بكل وسيلة الى عالى جنابه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ اى علماء اليهود وهم من ولد هارون وَالرُّهْبانِ وهم اصحاب الصوامع من النصارى جمع راهب وقد سبق لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ يأخذونها بطريق الرشوة لتغيير الاحكام والشرائع والتخفيف والمسامحة فيها ويوهمون الناس انهم حذاق مهرة فى تأويل الآية وبيان مراد الله تعالى منها يقول الفقير وهكذا يفعل المفتون الماجنون والقضاة الجائرون فى هذا الزمان يفتون على مراد المستفتى طمعا لما له ويقضون بمرجوح الأقوال بل على خلاف الشرح ويرون ان لهم فى ذلك سندا(3/417)
يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)
قويا قاتلهم الله وانما عبر عن الاخذ بالأكل مع ان المذموم منهم مجرد أخذها بالباطل اى بطريق الارتشاء سواء أكلوا ما أخذوه أو لم يأكلوا بناء على ان الاكل معظم الغرض من الاخذ وَيَصُدُّونَ اى يمنعون الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ عن دين الإسلام او يعرضون عنه بانفسهم بأكلهم الأموال بالباطل وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ اى يجمعونهما ويحفظونهما سواء كان ذلك بالدفن او بوجه آخر والكنز فى كلام العرب هو الجمع وكل شىء جمع بعضه الى بعض فهو مكنوز يقال هذا جسم مكتنز الاجزاء إذا كان مجتمع الاجزاء وسمى الذهب ذهبا لانه يذهب ولا يبقى وسميت فضة لانها تنفض اى تنفرق ولا تبقى وحسبك بالاسمين دلالة على فنائهما وانه لا بقاء لهما- يقال- لما خرج آدم عليه السلام من الجنة بكى له كل شىء فيها إلا شجرة العود والذهب والفضة فقال الله تعالى لو كان فى قلوبكم رأفة لبكيتم من خوفى ولكن من قسا قلبه أحرقته بالنار وعزتى وجلالى لا يصاغ منكم حلقة ولا دينار ولا درهم ولا سوار الا بتوقد النار وأنت يا شجرة العود لا تبرحي فى النار والأحزان الى يوم القيامة. ثم المراد بالموصول ما يعم الكثير من الأحبار والرهبان وغيرهم من المسلمين الكانزين الغير المنفقين وهو مبتدأ خبره فبشرهم وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ اى لا ينفقون منها اى يؤدون زكاتها ولا يخرجون حق الله منها فحذف من وأريد إثباتها بدليل قوله تعالى فى آية اخرى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً وقال عليه السلام (فى مائتى درهم خمسة دراهم وفى عشرين مثقالا من الذهب نصف مثقال) ولو كان الواجب انفاق جميع المال لم يكن لهذا التقدير وجه كما فى تفسير الحدادي وانما قيل ولا ينفقونها مع ان المذكور شيآن لان المراد بهما دنانير ودراهم كثيرة وقيل الضمير يعود على الأموال او على الكنوز المدلول عليها بالفعل او على الفضة لكونها اقرب فاكتفى ببيان أحدهما عن بيان الآخر ليعلم بذلك كقوله تعالى وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وكذا الكلام فى قوله عَلَيْها الآتي فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ وضع الوعيد لهم بالعذاب موضع البشارة بالتنعم لغيرهم يَوْمَ منصوب بعذاب يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ يقال حميت النار اى اشتدت حرارتها اى يوم توقد النار الحامية اى الشديدة الحرارة على تلك الدنانير والدراهم وعليها فى موضع رفع لقيامه مقام الفاعل فَتُكْوى [پس داغ كرده شود] بِها [بدان دينارها ودرمهاى سوزان] جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ وانما تكوى هذه الأعضاء دون غيرها لان الغنى إذا رأى الفقير الطالب للزكاة كان يعبس جبهته وإذا بالغ فى السؤال يعرض عنه بجنبه وإذا بالغ يقوم من موضعه ويولى ظهره ولم يعطه شيأ غالبا أو لأن مقصود الكانز من جميع المال لما كان طلب الوجاهة بالغنى تعلق الكي بأعلى وجهه وهو الجبهة ولما قصد به ايضا التنعم بالمطاعم الشهية التي ينتفخ بسببها جنباه وبالملابس البهية التي يلقيها على ظهره تعلق الكي بالجنوب والظهور ايضا هذا ما كَنَزْتُمْ اى يقال لهم حين الكي فى ذلك اليوم هذا ما جمعتم فى دار الدنيا لِأَنْفُسِكُمْ اى لمنفعتها فكان عين مضرتها وسبب تعذيبها فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ(3/418)
تَكْنِزُونَ
اى وبال كنزكم فما مصدرية والمضاف محذوف لان المعنى المصدري ليس بمذوق وانما يذاق وباله وعذابه وانما ذاقوه فى الآخرة لانهم فى الدنيا فى منام الغفلة عن الآخرة والنائم لا يذوق ألم الكي فى النوم وانما يذوقه عند الانتباه والناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا
مردمان غافلند از عقبى ... همه كويا بخفتگان مانند
ضرر غفلتى كه مى ورزند ... چون بميرند آنگهى دانند
[در امالى امام ظهير الدين ولواجى مذكور است كه. اگر ديگران خزينه مال كنند تو خزانه اعمال كن. واگر ديگران كنوز اعراض فانيه جويند تو رموز اسرار باقيه جوى]
يكدرم كان دهى بدرويشى ... بهتر از كنجهاى مدخرست
زانچهـ دارى تمتعى بر دار ... كان دكر روزى كسى دكرست
وفى الحديث (ما من صاحب كنز لا يؤدى زكاته الا احمى عليها فى نار جهنم فتجعل صفائح فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره حتى يحكم الله بين عباده فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله اما الى الجنة واما الى النار وما من صاحب ابل لا يؤدى زكاتها الأبطح لها بقاع قرقر تستن عليه بقوائمها واخفافها) اى ترفع يديها (وتطرحهما معا على صاحبها كلما مضى عليه آخرها رد عليه أولها حتى يحكم الله بين عباده فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة ثم يرى سبيله اما الى الجنة واما الى النار وما من صاحب غنم لا يؤدى زكاتها الأبطح لها بقاء قرقر تطأه باظلافها وتنطحه بقرونها ليس فيها جماع ولا منكسر قرنها كلما مضى عليه آخرها رد عليها أولها حتى يقضى الله بين عباده فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة ثم يرى سبيله اما الى الجنة واما الى النار) واعلم ان الزكاة شكر لنعمة المال كما ان الصوم والصلاة والحج شكر لنعمة الأعضاء ولذا صارت صلاة الضحى شكر النعمة ثلاثمائة وستين مفصلا فى البدن وهى اى الزكاة تمليك خمسة دراهم فى مائتين للفقير المسلم لله تعالى ولرضاه فالتمليك رجاء للعوض ليس بزكاة وعائل يتيم لو أطعمه من زكاته صح خلافا لمحمد لوجود الركن وهو التمليك وهذا إذا سلم الطعام اليه واما إذا لم يدفع اليه فلا يجوز لعدم التمليك وهذا ايضا إذا لم يستخدمه فلو دفع شيأ من زكاته الى خادمه الغير المملوك وجاء للعوض وهو خدمته لم يكن لله تعالى وهذا غافل عنه اكثر الناس ولو أنفق على أقاربه بنية الزكاة جاز الا إذا حكم عليه بنفقتهم قالوا الأفضل فى صرف الزكاة ان يصرفها الى اخوته ثم أعمامه ثم أخواله ثم ذوى الأرحام ثم جيرانه ثم اهل سكنه ثم اهل مصره والفرق بين الزكاة وصدقة الفطر انه لا يجوز دفع الزكاة لذمى بخلاف صدقة الفطر ولا وقت لها ولصدقة الفطر وقت محدود يأثم بالتأخير عن اليوم الاول قال الفقهاء افتراض الزكاة عمرى وقيل فورى وعليه الفتوى فيأثم بتأخيرها وترد شهادته. أي رجل يستحب له اخفاؤها فقل الخائف من الظلمة حتى لا يعلموا كثرة ماله. أي رجل غنى عند الامام فلا تحل له فقير عند محمد فتحل له فقل من له دور يستغلها ولا يملك نصابا فمن(3/419)
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
كان له دار لا تكون للسكنى ولا للتجارة وقيمتها تبلغ النصاب يجب بها صدقة الفطر دون الزكاة ولو اشترى زعفرانا ليجعله على كعك التجارة لا زكاة فيه ولو كان سمسما وجبت والفرق ان الاول مستهلك دون الثاني والملح والحطب للطباخ والحرض والصابون للقصار والشب والقرظ للدباغ كالزعفران والعصفر والزعفران للصباغ كالسمسم كذا فى الأشباه ثم المعتبر فى الذهب والفضة الوزن وجوبا وأداء لا الذي يروج بين الناس من ضرب الأمير وجاز دفع القيمة فى زكاة وكفارة غير الاعتاق وعشر ونذر وإذا قال الناذر على ان أتصدق اليوم بهذا الدرهم على هذا الفقير فتصدق غدا بدرهم آخر على غيره يجزئه عندنا ولا تؤخذ الزكاة من تركته بغير وصية وان اوصى اعتبرت من الثلث والمريض إذا خاف من ورثته يخرجها سرا عنهم إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ العدة مصدر بمعنى العدد أي ان عدد الشهور التي تتعلق بها الاحكام الشرعية من الحج والعمرة والصوم والزكاة والأعياد وغيرها وهى الشهور العربية القمرية التي تعتبر من الهلال الى الهلال وهى تكون مرة ثلاثين يوما ومرة تسعة وعشرين ومدة السنة القمرية ثلاثمائة واربعة وخمسون يوما وثلث يوم دون الشهور الرومية والفارسية التي تكون تارة ثلاثين يوما وتارة أحدا وثلاثين ومدة السنة الشمسية ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم وللشمس اثنا عشر برجا تسير فى كلها فى سنة والقمر فى كل شهر وهى حمل ثور جوزاء سرطان اسد سنبلة ميزان عقرب قوس جدى دلو حوت واصطلحوا على ان جعلوا ابتداء السنة الشمسية من حين حلول مركز الشمس نقطة رأس الحمل الى عودها الى تلك النقطة لان الشمس إذا حلت هناك ظهر فى النبات قوة ونشو ونماء وتغير الزمان من رثاثة الشتاء الى نضارة الربيع واعتدل الزمان فى كيفيتى الحر والبرد. ولما كانت السنة عند العرب عبارة عن اثنى عشر شهرا من الشهور القمرية وكانت السنة القمرية اقل من السنة الشمسية بمقدار وبسبب ذلك النقصان تنتقل الشهور القمرية من فصل الى فصل كان الحج والصوم والفطر يقع تارة فى الصيف واخرى فى الشتاء. ولما كانت عند سائر الطوائف عبارة عن مدة تدور فيها الشمس دورة تامة كانت أعيادهم وصومهم تقع فى موسم واحد ابدا عِنْدَ اللَّهِ اى فى حكمه وهو ظرف لقوله عدة اثْنا عَشَرَ خبر لان شَهْراً تمييز مؤكد كما فى قولك عندى من الدنانير عشرون دينارا فِي كِتابِ اللَّهِ صفة لاثنا عشر والتقدير اثنا عشر شهرا مثبتة فى كتابه وهو اللوح المحفوظ وانما قال فى كتاب الله لان كثيرا من الأشياء توصف بانها عند الله ولا يقال انها فى كتاب الله يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ظرف منصوب بما تعلق به قوله فى كتاب الله اى مثبتة فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض اى منذ خلق الاجرام اللطيفة والكثيفة وانما قال ذلك لان الله تعالى اجرى الشمس والقمر فى السموات يوم خلق الله السموات والأرض فمبلغ عدد الشهور اثنا عشر من غير زيادة أولها المحرم وآخرها ذو الحجة وانما خصت باثنى عشر لانهم كانوا ربما جعلوها ثلاثة عشر وذلك انهم كانوا يؤخرون الحج فى كل عامين من شهر الى آخر ويجعلون الشهر الذي انسأوا فيه اى أخروا ملغى فتكون تلك السنة ثلاثة عشر شهرا ويكون العام الثاني على ما كان عليه(3/420)
الاول سوى ان الشهر الملغى فى الاول لا يكون فى العام الثاني وعلى هذا تمام الدورة فيستدير حجهم فى كل خمس وعشرين سنة الى الشهر الذي بدىء منه ولذا خرج الحساب من أيديهم وربما يحجون فى بعض السنة فى شهر ويحجون من قابل فى غيره الى ان كان العام الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصادف حجهم ذا الحجة فوقف بعرفة يوم التاسع وأعلمهم بطلان النسيء كما سيجيئ وهذه الشهور قد نظمها بعضهم بقوله
چون محرم بگذرد آيد بنزد تو صفر ... پس ربيعين وجمادين ورجب آيد ببر
باز شعبانست وماه صوم وعيد وذى القعد ... بعد از ان ذى الحجة نام ماهها آيد بسر
. اما المحرم فسمى بذلك لانهم كانوا يحرمون القتال فيه حتى ان أحدهم كان يظفر بقاتل أبيه او ابنه فلا يكلمه ولا يتعرض له. واما صفر فسمى بذلك لخلوهم من الطعام وخلو منازلهم من الزاد ولذلك كانوا يطلبون الميرة فيه ويرحلون لذلك يقال صفر السقاء إذا لم يكن فيه شىء والصفر الخالي من كل شىء كذا فى التبيان وقال فى شرح التقويم سمى بذلك لخلوه عن التحريم الذي كان فى المحرم. واما الربيعان فسميا بذلك لان العرب كانت تربع فيهما لكثرة الخصب فيهما. والربيع عند العرب اثنان ربيع الشهور وربيع الازمنة. اما ربيع الشهور فهو شهران بعد صفر اى ربيع الاول وربيع الآخر بتنوين ربيع على ان الاول صفته وكذا الآخر والاضافة غلط. واما ربيع الازمنة فهو ايضا اثنان الربيع الاول وهو الذي تأتى فيه الكماة والنور ويسمونه ربيع الكلاء والربيع الثاني وهو الفصل الذي تدرك فيه الثمار فربيعا الشهور لا يقال فيهما الأشهر ربيع الاول وشهر ربيع الآخر ليمتازا عن الربيعين فى الازمنة. واما الجماديان فسميا بذلك لان الماء كان يجمد فيهما لشدة البرد فيهما كذا فى التبيان وقال فى شرح التقويم جمادى الاولى بضم الجيم وفتح الدال فعالى من الجمد بضم الجيم والميم وسكون الميم لغة فيه وهو المكان الصلب المرتفع الخشن وانما سمى بذلك لان الزمان فى أول وضع هذا الاسم كان حارا والامكنة فى الصلابة والارتفاع والخشونة من تأثير الحرارة وجمادى الآخرة تالية للشهر المتقدم فى المعنى المذكور قال ابن الكمال جمادى الاولى والآخرة فعالى كحبارى والدال مهملة والعوام يستعملونها بالمعجمة المكسورة ويصفونها بالأول فيكون فيها ثلاث تحريفات قلب المهملة معجمة والفتحة كسرة والتأنيث تذكيرا. وكذا جمادى الآخرة يقولون جمادى الآخر بلا تاء والصحيح الآخرة بالتاء او الاخرى وهما معرفتان من اسماء الشهور فادخال اللام فى وصفهما صحيح. وكذا ربيع الاول وربيع الآخر فى الشهور واما ربيع الازمنة فالربيع الاول باللام انتهى. واما رجب فسمى بذلك لان العرب فى الجاهلية كانوا يعظمونه ويتركون فيه القتال والمحاربة يقال رجبته بالكسر اى عظمته والترجيب التعظيم وكانوا يسمونه رجب مضر وهو اسم قبيلة لكونه أشد تعظيما له من بقية العرب ولذلك قال عليه السلام فيه (رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان) وانما وصف رجب بقوله الذي للتأكيد او لبيان ان رجب الحرام هو الذي بينهما الا ما كانوا يسمونه رجب على حساب النسيء او يسمون رجب وشعبان رجبين فيغلبون رجب عليه وربما يقال شعبانان تغليبا له على رجب. واما شعبان فسمى بذلك(3/421)
لانهم كانوا يتفرقون ويتشعبون من التشعيب وهو التفريق. واما رمضان فسمى بذلك لشدة الحر الذي كان يكون فيه حتى ترمض الفصال كما قيل للشهر الذي يحج فيه ذو الحجة قال فى شرح التقويم الرمض شدة وقع الشمس على الرمل وغيره وسبب تسمية هذا الشهر بهذا الاسم ان العرب كانت تسمى الشهور بلوازم الازمنة التي كانت الشهور واقعة فيها وكانت اللوازم وقت التسمية هاهنا رمض الجر اى شدته انتهى. وقيل سمى رمضان لانه ترمض فيه الذنوب رمضا اى تغفر. وكان مجاهد يكره ان يقول رمضان ويقول لعله اسم من اسماء الله فالوجه ان يقال شهر رمضان لما روى (لا تقولوا جاء رمضان وذهب رمضان ولكن قولوا جاء شهر رمضان فان رمضان اسم من اسماء الله تعالى) على ما فى التيسير قال فى التلويح العلم هو شهر رمضان بالاضافة ورمضان محمول على الحذف للتخفيف ذكره فى الكشاف وذلك لانه لو كان رمضان علما لكان شهر رمضان بمنزلة انسان زيد ولا يخفى قبحه ولهذا كثر فى كلام العرب شهر رمضان ولم يسمع شهر رجب وشهر شعبان على الاضافة انتهى قال المولى حسن چلبى قد يمنع القبح بان الاضافة البيانية شائعة عرفا فلا مجال لاستقباحها بعد ان تكون مطردة انتهى. واما شوال فسمى بذلك لانه يشول الذنوب اى يرفعها ويذهبها لانه من شال يشول إذا رفع الشيء ومن ذلك قولهم شالت الناقة بذنبها اى رفعته إذا طلبت الضراب كذا فى التبيان وقال فى شرح التقويم هو من الشول وهو الخفة من الحرارة فى العمل والخدمة
وانما سمى بذلك لخروج الإنسان فيه عن مخالفة النفس الامارة وقمع شهواتها اللذين كانا فى الإنسان فى رمضان بإطلاق طوع المستلذات والمشتهيات فعند خروجه عن ذلك كان يجد خفة فى نفسه ويستريح. واما ذو القعدة فسمى بذلك لانهم كانوا يقعدون فيه لكثرة الخصب فيه او يقعدون عن القتال قال فى شرح التقويم انما سمى هذا الشهر بهذا الاسم لانه زمان يحصل فيه قعود مكة. والقعدة بفتح القاف وسكون العين المهملة قال ابن ملك قولهم ذو القعدة وذو الحجة يجوز فيهما فتح القاف والحاء وكسرهما لكن المشهور فى القعدة الفتح وفى الحجة الكسر. واما ذو الحجة فسمى بذلك لانهم كانوا يحجون فيه وقال فى كتاب عقد الدرر واللآلي فى فضائل الأيام والشهور والليالى تكلم بعض اهل العلم على معانى اسماء الشهور فقال كانت العرب إذا رأوا السادات تركوا العادات وحرموا الغارات قالوا المحرم. وإذا مرضت أبدانهم وضعفت اركانهم واصفرت ألوانهم قالوا صفر. وإذا نبتت الرياحين واخضرت البساتين قالوا ربيعين. وإذا قلت الثمار وبرد الهواء وانجمد الماء قالوا جماديين. وإذا ماجت البحار وجرت الأنهار ورجبت الأشجار قالوا رجب. وإذا تشعبت القبائل وانقطعت الوسائل قالوا شعبان. وإذا حر الفضاء ورمضت الرمضاء قالوا رمضان. وإذا ارتفع التراب وكثر الذباب وشالت الإبل الاذناب قالوا شوال. وإذا رأوا التجار قعدوا من الاسفار والمماليك والأحرار قالوا ذو القعدة. وإذا قصدوا الحج من كل فج ووج وكثر العج والثج قالوا ذو الحجة انتهى مِنْها اى من تلك الشهور الاثني عشر أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ واحد فرد وهو رجب وثلاثة سرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم. والحرم بضمتين جمع الحرام اى اربعة أشهر حرم(3/422)
يحرم فيها القتال جعلت انفس الأشهر حرما لكونها ازمنة لحرمة ما حل فيها من القتال وهو من قبيل اسناد الحكم الى ظرفه اسنادا مجازيا واجزاء الزمان وان كانت متشابهة فى الحقيقة الا انه تعالى له ان يميز بعض الأمور المتشابهة بمزيد حرمة لم يجعلها فى البعض الآخر. كما ميز يوم الجمعة. ويوم عرفة بحرمة لم يجعلها فى سائر الأيام حيث خصهما بعبادة مخصوصة تميزا بها عن سائر الأيام. وكذا ميز شهر رمضان عن سائر الشهور بمزيد حرمة لم يجعلها لسائر الشهور. وميز بعض ساعات الليل والنهار بان جعلها اوقاتا لوجوب الصلاة فيها. وكما ميز الأماكن والبلدان وفضلها على سائرها كالبلد الحرام والمسجد الحرام فخص الله تعالى بعض الأوقات وبعض الأماكن بمزيد التعظيم والاحترام فلا بعد فى تخصيص بعض الأشهر بمزيد الحرمة بان جعل انتهاك المحارم فيها أشد وأعظم من انتهاكها فى سائر الأشهر ويضاعف فيها السيئات بتكثير عقوباتها ويضاعف فيها الحسنات بتكثير مثوباتها وفى اسئلة الحكم فضل الأشهر والأيام والأوقات بعضها على بعض كما فضل الرسل والأمم بعضها على بعض لتبادر النفوس وتسارع القلوب الى إدراكها واحترامها وتتشوق الأرواح الى إحيائها بالتعبد فيها ويرغب الخلق فى فضائلها. واما تضاعف الحسنات فى بعضها فمن المواهب اللدنية والاختصاصات الربانية وفى الاسرار المحمدية ان الله تعالى إذا أحب عبدا استعمله فى الأوقات الفاضلات بفواضل الأعمال الصالحات وإذا مقته والعياذ بالله شتت همه واستعمله بسيىء الأعمال وأوجع فى عقوبته وأشد لمقته بحرمان بركة الوقت وانتهاك حرمته فليبذل المريد كل وسعه حتى لا يغفل عنها اى عن الأوقات الفاضلة فانها موسم الخيرات ومظانّ التجارات ومتى غفل التاجر عن المواسم لم يربح ومتى غفل عن فضائل الأوقات لم تنحج دع التكاسل تغنم قد جرى مثل [كه زاد راهروان جستيست و چالاكى] واتفق اهل العلم على افضلية شهر رمضان لانه انزل فيه القرآن. ثم شهر ربيع الاول لانه مولد حبيب الرحمن. ثم رجب لانه فرد لانه فرد أشهر الحرم. ثم شعبان لانه شهر حبيب الرحمن مقسم الأعمال والآجال بين شهرين عظيمين رجب ورمضان ففيه فضل الجوارين العظيمين ليس لغيره. ثم ذو الحجة لانه موطن الحج والعشر التي تعادل كل ليلة منها ليلة القدر. ثم المحرم شهر الأنبياء عليهم السلام ورأس السنة واحد الأشهر الحرم ثم الأقرب الى أفضل الأشهر من وجوه ذلِكَ اى تحريم الأشهر الاربعة المعينة هو الدِّينُ الْقَيِّمُ المستقيم دين ابراهيم وإسماعيل عليهما السلام والعرب ورثوه منهما حتى أحدثت النسيء فغيروا فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ بهتك
حرمتهن وارتكاب ما حرم فيهن قال فى التبيان قال فى الاثني عشر منها فوحد الضمير لانه للكثرة. وقال فى الاربعة فيهن فجمع الضمير لانه للقلة وسببه ان الضمير فى القلة للمؤنث يرجع بالهاء والنون وفى الكثرة يرجع بالهاء والالف للفرق بين القلة والكثرة والجمهور على ان حرمة القتال فيهن منسوخة واوّلوا الظلم بارتكاب المعاصي فيهن فانه أعظم وزرا كارتكابها فى الحرم وخلال الإحرام يعنى ان هذه الأشهر الاربعة خصت بالنهى عن ظلم النفس فيها مع ان الظلم حرام فى كل وقت لبيان ان الظلم فيها اغلظ كأنه قيل فلا تظلموا فيهن خصوصا أنفسكم وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً مصدر كف فان(3/423)
مصدر الثلاثي قد يجىء على فاعلة نحو عافية ومعناه معنى كل وجميع وهو منصوب على الحال اما من الفاعل وهو الواو فالمعنى قاتلوا جميعا المشركين اى مجتمعين على قتالهم متعاونين متناصرين ومن التعاون الدعاء بالنصرة إذ هو سلاح معنوى كما ان السيف سلاح صورى فمن تأخر ودعا فقلبه مجتمع بمن اقدم وغزا إذ التفرق الصوري لا يقدح فى الاجتماع المعنوي: كما قال الحافظ
در راه عشق مرحله قرب وبعد نيست ... مى بينمت عيان ودعا مى فرستمت
كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً كذلك اى مجتمعين واما من المفعول فالمعنى قاتلوا المشركين جميعا اى بكليتهم ولا تتركوا القتال مع بعضهم كما انهم يستحلون قتال جميعكم واما منهما معها نحو ضرب زيد عمرا قائمين فان المصدر عام للتثنية والجمع. فجميع المؤمنين يقاتل جميع الكافرين ويجوز ان يكون منصوبا على الظرف اى فى الحل والحرم وفى جميع الأزمان فى الأشهر الحرم وفى غيرها والى الابد فان الجهاد مستمر الى آخر الزمان وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ اى معكم بالنصر والامداد فيما تباشرون من القتال وانما وضع المظهر موضعه مدحالهم بالتقوى وحثا للقاصرين عليه وإيذانا بانه المدار فى النصر كذا فى الإرشاد وقال القاضي هى بشارة وضمان لهم بالنصرة بسبب تقواهم فان السلاح والدعاء لا ينفذان الا بالتقوى على مراتبها فكلمة التقوى هى كلمة الشهادة وبها بقي المؤمن نفسه وماله وعياله من التعرض فى الدنيا ومن العذاب فى العقبى ثم انها إذا قارنت بشرائطها الظاهرة والباطنة يحصل تقوى القلب وهو التخلي عن الأوصاف الذميمة ثم يحصل تقوى السر وهو التخلي عما سوى الله فمن كان لله كان الله له بالنصرة والامداد واعلم ان السيف سيفان سيف ظاهر وهو سيف الجهاد الصوري وسيف باطن وهو سيف الجهاد المعنوي فبالاول تنقطع عروق الكفرة الظاهرة الباغية وبالثاني عروق القوى الباطنة الطاغية والاول بيد مظهر الاسم الظاهر وهو السلطان وجنوده والثاني بيد مظهر الاسم الباطن وهو القطب وجنوده فنسأل الله تعالى ان ينصر سلطاننا بالاسم الممد والناصر والمعين ويخذل أعدائنا بالاسم المنتقم والقهار وذى الجلال: وقد قال السعدي
دعاى ضعيفان اميدوار ... ز بازوى مردى به آيد بكار
ففى الآية حث على المجاهدة مع الأعداء وفى الحديث (القتل فى سبيل الله مصمصة) اى مطهرة غاسلة من الذنوب يقال مصمص الإناء إذا جعل فيه الماء وحركه ومضمضه كذلك عن الأصمعي كذا فى تاج المصادر وفى الحديث (ان أبواب الجنة تحت ظلال السيوف) يعنى كون المجاهد فى القتال بحيث يعلوه سيوف الأعداء سبب للجنة حتى كان ابوابها حاضرة معه او المراد بالسيوف سيوف المجاهد هذا كناية عن الدنو من العدو فى الضراب لانه إذا دنا منه كان تحت ظل سيفه حين رفعه ليضربه وانما ذكر السيوف لانها اكثر سلاح العرب ومن التقوى الاحتراز عن الرياء والسمعة فى حضور معارك الحروب ومحافل الدعاء: قال خسرو الدهلوي
غازىء رسمى كه بغارت رود ... هست چوحاجى كه تجارت رود
آنكه غزا خوانى وجويى رضا ... كر غرضى هست نباشد غزا
رو بغزا دل غرض آلوده واى ... جهد خود است اين نه جهاد خداى(3/424)
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)
والاشارة إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ اى تعديد عدة الشهور عِنْدَ اللَّهِ فى الأزل اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ فى علم الله يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ يعنى اقتضت الحكمة الإلهية الازلية ان يكون من الشهور يوم خلق السموات والأرض اربعة أشهر حرم اى يعظم انتهاك المحارم فيها باشد مما يعظم فى غيرها بل هى أشهر الطاعات والعبادات محرمة فيها الشواغل الدنيوية والحظوظ النفسانية على الطلاب. وفيه اشارة الى ان ايام الطالب واوقات عمره ينبغى ان تصرف جملتها فى الطلب فان لم يتيسر له ذلك فثلثها والا فنصفها وان لم يكن فمحرم صرف ثلثها فى غير الطلب ولا يفلح من نقص من صرف الثلث شيأ فى الطلب إذ لا بد له من صرف بعض عمره فى تهيىء معاشه ومعاش اهله وعياله ومن استغنى عن هذا المانع فمحرم عليه صرف لحظة من عمره فى غير الطلب وتوابعه كما قال ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ اى المستقيم يعنى من صرف شيأ من عمره فى شىء غير طلب الحق ما استقام دينه بل فيه اعوجاج بقدر ذلك فافهم جدا ثم قال فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ اى فى ثلث العمر لان الاربعة هى ثلث الاثني عشر يعنى ان صرفتم شيأ من ثلث اعماركم المحرم فى شىء من المصالح الدنيوية فقد ظلمتم أنفسكم باستيلائها على القلوب والأرواح عند غلبات صفاتها لانه مهما يكن صرف اكثر العمر فى الدنيا ومصالحها واستيفاء الحظوظ النفسانية تكون النفس غالبة على القلب والروح فتخالفهما وتنازعهما بجميع صفاتها الذميمة وتميل الى الدنيا وشهواتها وتعبد هواها فتكون مشركة بالله فلهذا قال وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً اى قلوبكم وصفاتها وأرواحكم وصفاتها كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً اى النفوس وصفاتها جميعا ومقاتلة النفوس بمخالفتها وردعها عن هواها وكسر صفاتها ومنعها عن شهواتها وشغلها بالطاعات والعبادات واستعمالها فى المعاملات الروحانية والقلبية وجملتها التزكية عن الأوصاف الذميمة والتحلية بالأخلاق الحميدة ثم قال وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ وهم القلوب والأرواح المتقية عن الشرك يعنى عن الالتفات لغير الله ولو لم يكن الله معهم بالنصر والتوفيق لما اتقوا وانما اتقوا بالله عما سواه كذا فى التأويلات النجمية إِنَّمَا النَّسِيءُ مصدر نسأه اى أخره كمس مسيسا كانت العرب إذا جاء شهر حرام وهم محاربون احلوه وحرموا مكانه شهرا آخر حتى رفضوا خصوص الأشهر واعتبروا مجرد العدد قال الكاشفى [آورده اند كه طباع اهل جاهليت بقتل وغارت مستأنس شده بود ودر ماههاى حرام قتال نميكردند و چون سه ماه متصل حرام بود بتنك آمده گفتند ما سه ماه پى در پى بى تاراج وغارت تحمل نداريم پس قلمش كنانى صورتى بر انگيخت ودر موسم ندا كرد وايستاده شد وخطبه خواند كه يا معشر العرب خداى شما را درين محرم حلال كردانيد وحرمت او را تأخير كرد بماه صفر مردمان قول او را قبول نمودند باز سال ديگر منادى فرمود كه خداى تعالى درين سال محرم را حرام ساخت وصفر را حلال كرد وكاه بودى كه در اثناى محاربات ايشان حرام نوشتى حرمت او را تأخير كردندى بما هى بعد ازو او را حلال داشتندى ودر هر سالى چهار ماه را حرام ميدانستند اما اختصاص أشهر حرم را فرو گذاشته مجرد عدد را اختيار كردندى واعتبار داشتندى واين عمل را نسىء مى گفتند حق سبحانه وتعالى فرمود] إِنَّمَا النَّسِيءُ اى انما تأخير حرمة شهر الى شهر آخر زِيادَةٌ [افزونيست](3/425)
فِي الْكُفْرِ لانه تحليل ما حرمه الله وتحريم ما حلله فهو كفر آخر مضموم الى كفرهم وبدعة زائدة على بدع سائر الكفار يُضَلُّ على بناء المفعول من أضل بِهِ [بدين عمل] وهو النسيء الَّذِينَ كَفَرُوا والمضل هو الله تعالى اى يخلق فيهم الضلال عند مباشرتهم لمباديه وأسبابه او الرؤساء فالموصول عبارة عن الاتباع اى الاتباع يضلون به بإضلال الرؤساء او الشيطان فانه مظهر الاسم المفضل يقول الفقير سمعت من حضرة شيخنا العلامة أبقاه الله بالسلامة ان الشيطان والنفس والضلال امر واحد فى الحقيقة لكن الاول بحسب الشريعة والثاني بحسب الطريقة والثالث بحسب الحقيقة فلكل مقام تعبير لا يناسب تعبير المقام الآخر يُحِلُّونَهُ اى الشهر المؤخر فالضمير الى النسيء المدلول عليه بالنسيىء عاماً من الاعوم ويحرمون مكانه شهرا آخر مما ليس بحرام وَيُحَرِّمُونَهُ اى يحافظون على حرمته كما كانت
والتعبير عن ذلك بالتحريم باعتبار احلالهم له فى العام الماضي عاماً آخر إذا لم يتعلق بتغييره غرض من أغراضهم لِيُواطِؤُا المواطأة عبارة عن الموافقة والاجتماع على حكم اى ليوافقوا قال الكاشفى [تا موافق سازند وتمام كنند] عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ اى عدد ما حرمه من الأشهر الاربعة فانهم كانوا يقولون الأشهر الحرم اربعة وقد حرمنا اربعة أشهر فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ اى يتوصلوا بهذه الحيلة الى إحلال الشهر الذي حرمه الله بخصوصه من الأشهر المعينة فهم وان راعوا أحد الواجبين وهو نفس العدد الا انهم تركوا الواجب الآخر وهو رعاية حكم خصوص الشهر زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ اى جعل أعمالهم مشتهاة للطبع محبوبة للنفس والمزين هو الله تعالى فى الحقيقة او الشيطان او النفس على تفاوت المراتب وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ هداية موصلة الى المطلوب البتة وانما يهديهم الى ما يوصل اليه عند سلوكه وهم قد أعرضوا عنه بسوء اختيارهم فتاهوا فى تيه الضلال [در ينابيع آورده كه جاهلان عرب در سالى چهار ماه حرام ميداشتند وخلق را از دست وزبان خود ايمن ميساختند مؤمنان مؤدب بدان سزاوارترند كه در همه ماهها مسلمانانرا از ضرر خود سالم دارند وايذا وآزار خلق بزبان ودست فرو گذارند كه مجازات إضرار همان اضرارست ومكافات آزار آزار]
آزار دل خلق مجو بي سببى ... تا بر نكشند يا ربى نيمشبى
بر مال وجمال خويشتن تكيه مكن ... كانرا بشبى برند واين را به تبى
يقول الفقير سامحه الله التقدير بلغت مسامحات الناس فى هذا الزمان الى حيث تساوت عندهم الأشهر الحرم وغيرها أما ترى إليهم فى شهر رمضان الذي جعله الله شهر هذه الامة المرحومة وفضله على سائر الشهور كيف لا يبالون من ارتكاب المحرمات فيه وأمسكوا عنها فى النار بسبب نوم او غيره من الموانع البشرية وأكبوا عليها فى الليالى فوا أسفا على غربة هذا الدين وزوال أنوار اليقين ومن الله التوفيق الى الأعمال المرضية خصوصا فى الأوقات الفاضلة نهارا أو ليالي ثم ان النسيء المذكور وقعت اليه الاشارة فى قوله عليه السلام (لا عدوى ولا هامة ولا صفر) اما العدوى فهو اسم من الأعداء كالدعوى من الادعاء وهو مجاوزة العلة من صاحبها(3/426)
الى غيره وكانت العرب فى الجاهلية تعتقد ان الأمراض تعدى بطبعها من غير اعتقاد تقدير الله لذلك. فالمعنى ليس نفى سراية العلة فان السراية والتعدية واقعة بل اضافتها الى العلة من غير ان يكون ذلك بفعل الله تعالى ويدل عليه قوله عليه السلام (لا يورد ممرض على مصحح) والممرض صاحب الإبل المريضة والمصحح صاحب الإبل الصحيحة والمراد النهى عن إيراد الإبل المريضة على الصحيحة وهو من باب اجتناب الأسباب التي هى سبب البلاء إذا كان فى عافية منه فكما انه مأمور ان لا يلقى نفسه فى الماء او فى النار او يدخل تحت ما اشرف على الانهدام ونحوه مما جرت العادة بانه يهلك او يؤذى فكذلك مأمور بالاجتناب عن مقاربة المريض كالمجزوم والقدوم على بلد الطاعون فان هذه كلها اسباب المرض والتلف والله تعالى هو خالق الأسباب ومسبباتها ففى الأمر بالاجتناب صيانة للمؤمن الضعيف يقينه لئلا يعتقد التأسير من الأسباب اى عند وقوع البلاء او يعتقدان السراية كانت بالطبع لا بقضاء الله تعالى وقدره واما إذا قوى التوكل على الله والايمان بقضائه وقدره فتجوز مباشرة بعض هذه الأسباب كما ورد ان النبي عليه السلام أكل مع مجذوم وقال (بسم الله ثقة بالله توكلت على الله) ونظيره ما روى عن خالد بن الوليد وعمر رضى الله عنهما من شرب السم وانما لم يؤثر فيهما لانهما انما شرباه فى مقام الحقيقة لا ببشريتهما وانما اثر فى النبي عليه السلام بعد تنزله الى حالة بشرية وذلك ان إرشاده عليه السلام كان فى عالم التنزل غير ان تنزله كان من مرتبة الروح وهى اعدل المراتب ولم يؤثر فيه حتى مضى عليه اثنتا عشرة سنة فلما احتضر تنزل الى ادنى المراتب لان الموت انما يجرى على البشرية فلما تنزل الى تلك المرتبة اثر فيه فليفهم هذا المقام فانه من مزالق الاقدام. واما قوله (ولا هامة) بالتخفيف ففيه تأويلان. أحدهما ان العرب كانت تتشاءم بالهامة وهى الطير المعروف من طير الليل وقيل هى البومة كانت إذا سقطت على دار أحدهم قالوا نعت اليه نفسه او بعض اهله هذا تفسير مالك بن انس. والثاني ان العرب كانت تعتقد ان روح القتيل الذي لم يؤخذ بثاره تصير هامة فتنشر جناحيها عند قبره وتصحيح اسقوني اسقوني من دم قاتلى فاذا أخذ بثاره طارت وقيل كانوا يزعمون ان عظام الميت إذا بليت تصير هامة ويسمونها الصدى بالفارسية [كوف] وتخرج من القبر وتتردد وتأتى الميت بأخبار اهله وهذا تفسير اكثر العلماء وهو المشهور ويجوز ان يكون المراد النوعين وانه عليه السلام نهى عنهما جميعا وفى فتاوى قاضى خان إذا صاحت الهامة فقال أحد يموت رجل قال بعضهم يكون ذلك كفرا وكذا لو رجع فقال ارجع لصياح العقعق كفر عند بعضهم. واما قوله (ولا صفر) ففيه تأويلان ايضا. الاول ان الجاهلية كانت تعتقد ان فى الجوف حية يقال لها الصفر تعض كبد الإنسان عضا إذا جاع. والثاني ان المراد تأخيرهم تحريم المحرم الى صفر وهو النسيء الذي كانوا يفعلونه ويجوز ان يكون المراد هذا والاول جميعا وان الصفرين جميعا باطلان لا اصل لهما وقيل كانوا يتشاءمون بصفر فنفاه النبي عليه السلام بقوله ولا صفر يحكى ان بعض الاعراب أراد السفر فى أول السنة فقال ان سافرت فى المحرم كنت جديرا ان احرم وان رحلت فى صفر خشيت على يدى ان نصفر فاخر السفر الى شهر ربيع(3/427)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)
الاول فلما سافر مرض ولم يحظ بطائل فقال ظننته من ربيع الرياض فاذا هو من ربيع الأمراض. وكانت وقعة صفين بين على ومعاوية غرة صفر سنة سبع وثلاثين قيل لذلك احترز عن صفر قال فى روضة الاخبار ذهب الجمهور الى ان القعود فى صفر اولى من الحركة عن النبي عليه السلام (من بشرنى بخروج صفر أبشره بالجنة) انتهى يقول الفقير هذا الحديث لا يدل على مدعاه وهو اولوية القعود فى صفر فان النبي عليه السلام انما قال كذلك شغفا بشهر ولادته ووفاته وحبا لدخوله فان الأنبياء والأولياء يستبشرون بالموت لكونه تحفة لهم وينتظرون زمانه إذ ليس انتقالهم الا الى جوار الله تعالى وفى الحديث (لا تسافروا فى محاق الشهر ولا إذا كان القمر فى العقرب) وكان على يكره التزوج والسفر إذا نزل القمر فى العقرب وهو اسناد صحيح قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى ان نحوسة الأيام قد ارتفعت عن المؤمنين بشرف نبينا عليه السلام واما ما نقل عن على من انه عد سبعة ايام فى كل شهر نحسا فعلى تقدير صحة النقل محمول على نحوسة النفس والطبيعة فليست السعادة والشقاوة الا لسعادتهما وشقاوتهما فاذا تخلصتا من الشقاوة لم يبق نحوسة انتهى قال فى عقد الدرر واللآلى وكثير من الجهال يتشاءم من صفر وربما ينهى عن السفر والتشاؤم بصفر هو من جنس الطيرة المنهي عنها وكذا التشاؤم بيوم من الأيام كيوم الأربعاء وايام العجائز فى آخر الشتاء وكذا تشاؤم اهل الجاهلية بشوال فى النكاح فيه خاصة. وقد قيل ان طاعونا وقع فى شوال فى سنة من السنين فمات فيه كثير من العرائس فتشاءم بذلك اهل الجاهلية وقد ورد الشرع بابطاله قالت عائشة رضى الله عنها تزوجنى رسول الله فى شوال وبنى بي فى شوال فأى نسائه كان أحظى عنده منى فتخصيص الشؤم بزمان دون زمان كصفر او غيره غير صحيح وانما الزمان كله خلق الله تعالى وفيه تقع اعمال بنى آدم فكل زمان اشتغل فيه المؤمن بطاعة الله فهو زمان مبارك عليه وكل زمان اشتغل فيه بمعصية الله فهو مشئوم عليه فالشؤم فى الحقيقة هو المعصية كما قال ابن مسعود رضى الله عنه ان كان الشؤم فى شىء ففيما بين اللحيين يعنى اللسان وفى الحديث (الشؤم فى ثلاث فى المرأة والدار والفرس) وتفسيره ان شؤم المرأة إذا كانت غير ولود وشؤم الدار جار السوء فان المرء يتأذى به كما جاء فى الحديث (ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين فان الميت يتأذى بجار السوء كما يتأذى الحي بجار السوء) وشؤم الفرس إذا لم يغز عليه فى سبيل الله فان الخيل ثلاثة فرس للرحمن وفرس للانسان وفرس للشيطان فاما الذي للرحمن فما اتخذ فى سبيل الله وقوتل عليه اعداؤه واما الذي للانسان فهو الذي يرتبطها يلتمس بطنها فهو ستر من الفقر واما الذي للشيطان فهو مار وهن عليه وقومر يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شروع فى بيان غزوة تبوك وهى ارض بين الشام والمدينة ويقال لها غزوة العسرة ويقال لها الفاضحة لانها أظهرت حال كثير من المنافقين- وروى- انه عليه السلام لما فتح مكة وغزا هوازن وثقيفا بحنين وأوطاس وحاصر الطائف وفتحها واتى الجعرانة واحرم بها للعمرة واعتمر ثم اتى المدينة فامر بالخروج الى غزوة الروم قبل الشام وذلك فى شهر رجب سنة تسع بلغه عليه السلام ان الروم قد جمعت له جموعا كثيرة بالشأم وانهم قدموا مقدماتهم الى البلقاء المحل المعروف(3/428)
إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
وقيل للروم بنوا الأصفر لانهم ولد روم بن العيص بن اسحق نبى الله عليه الصلاة والسلام وكان يسمى الأصفر لصفرة به. فقد ذكر العلماء بأخبار القدماء ان العيص تزوج بنت عمه إسماعيل فولدت له الروم وكان به صفرة فقيل له الأصفر وقيل الصفرة كانت بابيه العيص وكان ذلك فى زمان عسرة من الناس وجدب فى البلاد وشدة من الحر حين طابت ثمار المدينة وأينعت واستكملت ظلالها وطالت المسافة بينهم وبين العدو فشق عليهم الخروج فانزل الله تعالى هذه الآية وقال ايها المؤمنون ما لَكُمْ استفهام فى اللفظ وانكار وتوبيخ فى المعنى إِذا قِيلَ لَكُمُ من طرف رسول الله الآمر بامر الله انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [بيرون رويد در راه خداى تعالى وجهاد كنيد] ومعناه بالعربية اخرجوا الى الغزو يقال نفر القوم ينفرون نفرا ونفيرا إذا خرجوا الى مكان لمصلحة توجب الخروج والقوم الذين يخرجون يقال لهم النفير واستنفر الامام الناس لجهاد العدو اى طلب منهم الخروج الى الغزو وحثهم عليه اثَّاقَلْتُمْ أصله تثاقلتم وهو ماض لفظا مضارع معنى لانه حال من مالكم إِلَى الْأَرْضِ متعلق باثاقلتم على تضمينه معنى الميل والإخلاد. والمعنى أي سبب وغرض حصل لكم واستقر إذا قيل لكم ذلك كنتم متثاقلين اى مائلين الى الدنيا وشهواتها الفانية عما قريب وكرهتم مشاق السفر والجهاد المستتبعة للراحة الخالدة فالارض هى الدنيا وشهواتها وقيل ملتم الى الاقامة بأرضكم ودياركم أَرَضِيتُمْ باستفهام التوبيخ [آيا راضى شديد وخوشدل گشتيد] بِالْحَياةِ الدُّنْيا ولذاتها من الثمار والظلال مِنَ الْآخِرَةِ اى بدل الآخرة ونعيمها فكلمة من بمعنى البدل كما فى قوله تعالى لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً اى بدلكم فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا اى فما التمتع بها وبلذائذها فِي الْآخِرَةِ اى فى جنب الآخرة إِلَّا قَلِيلٌ اى مستحقر لا يعتدبه لان متاع الدنيا فان معيوب ومتاع الآخرة باق مرغوب- روى- انه عليه السلام قال (والله ما الدنيا فى الآخرة الأمثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه فى اليم فلينظر بم يرجع) إِلَّا كلمتان ان للشرط ولا للننفى اى ان لم تَنْفِرُوا تخرجوا الى الغزو يُعَذِّبْكُمْ اى الله تعالى عَذاباً أَلِيماً وجيعا لابدانكم وقلوبكم اى يهلككم بسبب فظيع كقحط وظهور عدو وَيَسْتَبْدِلْ بكم بعد إهلاككم قَوْماً غَيْرَكُمْ اى قوما مطيعين مؤثرين للآخرة على الدنيا ليسوا من أولادكم ولا أرحامكم كاهل اليمن وأبناء فارس وَلا تَضُرُّوهُ اى الله تعالى بترك الجهاد شَيْئاً اى لا يقدح تثاقلكم فى نصرة دينه أصلا فانه الغنى عن كل شىء فى كل شىء وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على إهلاككم والإتيان بقوم آخرين واعلم ان البطالة تقسى القلب كما جاء فى الحديث [زيرا مرد بايد بشغل معاد مشغول باشد يا بشغل معاش از وجه مباح تا در شغل دين فضل وثواب مى ستاند ودر شغل معاش خانه را آبادان مى دارد پس چون نه باين شغل مشغول شود ونه بآن بي كار ماند واز بى كارى سياه دل وسخت طبع شود] فلا بد من الحركة فان البركات فى الحركات الحضرية والسفرية والسفر على نوعين سفر الدنيا وسفر الآخرة وفى كليهما مشقة وان كان الثاني أشق وفى الحديث (السفر قطعة من العذاب) [بعض مشايخ گفته اند كه اگر نه آنستى كه لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم نشايد گردانيدن(3/429)
إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
من گفتمى السفر قطعة من السقر و پيغمبر عليه السلام سفر را پاره از دوزخ گفت از مرگ نگفت زيرا كه در مرگ رنج تن باشد رنج دل نبود ودر سفر رنج دل وتن باشد وحجاج گفتى كه اگر نه شادى بخانه آمدن بودى كه مسافر چون بخانه رسد همه رنج سفر فراموش كند من مردمانرا نكشتمى بسفر عذاب دادمى] ومن سفر الدين الخروج الى الغزو وفى الحديث (لغدوة فى سبيل الله) وهو الذهاب فى أول النهار (او روحة) وهو الذهاب فى آخره (خير من الدنيا وما فيها) يعنى ان فضل الغدوة والروحة فى سبيل الله وثوابهما خير من نعيم الدنيا بأسرها لانه زائل ونعيم الآخرة باق وحق الجهاد ان ينوى نصرة الدين بقهر اعداء الله وبذل النفوس فى رضاه تعالى ويكثر ذكره تعالى ويكف عن ذكر النساء والأولاد والأموال والموطن فهو يفتره فالجهاد بهذا الوجه أفضل الأعمال [على مرتضى رضى الله عنه كويد كه معصيت غازيان زيان ندارد وطاعت سخن چينان سود ندارد ودعاى مخنث نشنوند ونماز خمر خواره نپذيرند] فعلى المرء ان يغتنم ايام حياته ويجتهد فى تحصيل مرضاة ربه وفى الحديث (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) شبه النبي عليه السلام المكلف بالتاجر والصحة والفراغ برأس المال لانهما من اسباب الأرواح ومقدمات نيل النجاح فمن عامل الله تعالى بامتثال أوامره يربح كما قال تعالى هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ومن عامل الشيطان باتباعه يضيع رأس ماله ولا ينفعه ندم باله وفى امتثال امر الله عاقبة حميدة إذ رب شىء تكرهه النفس كالجهاد وهو عند الله محبوب فبترك الراحة واختيار المشقة ينال العبد أمانيه الدنيوية والاخروية والتوفيق اليه من الله تعالى وليس كل أحد من لا يبالى بانتقاص دنياه إذا كان التكامل فى طرف دينه: قال الحافظ
حام را طاقت پروانه پر سوخته نيست ... ناز كانرا نرسد شيوه جان افشانى
ثم اعلم انه كما ان الله تعالى يستبدل بذوات ذواتا اخر كذلك يستبدل بصفات صفات اخر فالذاهب خلف مشتهياته والتابع لهواه فى كل حركاته وسكناته يهلك فى وادي الطبيعة والنفس ولا يصل الى مقامات رجال عالم القدس والانس ولا يتفق له معهم الصحبة فى مقالهم ومقامهم وحالهم إذ بينهما بون بعيد من حيث ان صفاته صفات النفس وأحواله احوال الطبيعة وصفاتهم صفات الروح واخلاقهم اخلاق الله ولذا يحشر كثير من الناس فى صورة صفاته الغالبة المذمومة الا ان يتداركه الله تعالى بفضله ويكسوه كسوة الوجود الإنساني على الحقيقة إِلَّا تَنْصُرُوهُ ان لم تنصروا محمدا فى غزوة تبوك فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ فسينصره الله كما نصره إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا اى تسببوا لخروجه بان هموا بقتله والا فهو عليه السلام انما خرج بإذن الله تعالى وامره لا بإخراج الكفرة إياه ثانِيَ اثْنَيْنِ حال من ضميره عليه السلام اى أحد اثنين من غير اعتبار كونه عليه السلام ثانيا فان معنى قولهم ثالث ثلاثة ورابع اربعة ونحو ذلك أحد هذه الاعداد مطلقا لا الثالث والرابع خاصة والاثنان أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم إِذْ هُما فِي الْغارِ بدل من إذ أخرجه بدل البعض إذ المراد به زمان متسع والغار ثقب فى أعلى ثور وثور جبل فى يمنى مكة على مسير ساعة وقال فى التبيان(3/430)
على فرسخين او نحوهما وفى القاموس ويقال له ثور اطحل واسم الجبل اطحل نزله ثور بن عبد مناة فنسب اليه وفى انسان العيون وانما قيل للجبل ذلك لانه على صورة الثور الذي يحرث عليه- وتحرير القصة- انه لما ابتلى المسلمون بأذى الكفار اذن صلى الله عليه وسلم لهم فى الهجرة وقال (انى رأيت دار هجرتكم ذات نخيل بين لابتين) وهما الحرتان وقال (انى لارجو ان يؤذن لى فى الهجرة إليها) فقال أبو بكر وهل ترجو ذلك بابى أنت قال (نعم) فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله ليصحبه عند هجرته فلم يتخلف الا هو وعلىّ وصهيب ومن كان محبوسا او مريضا او عاجزا عن الخروج فابتاع أبو بكر بعد هذا المقال النبوي راحلتين بثمانمائة درهم فحبسهما فى داره يعلفهما الخبط إعدادا لذلك والخبط محركة ورق
ينفض بالمخابط ويجفف ويطحن ويخلط بدقيق او غيره ويعجن بالماء فتوجره الإبل اى تأكله فكانتا عنده قريبا من ثلاثة أشهر لان الهجرة كانت فى ذى الحجة ومهاجرته عليه السلام كانت فى ربيع الاول ولما رأت قريش قوة امر رسول الله حيث بايعه الأوس والخزرج وصار له أنصار فى القبائل والأقطار خافوا من ان يخرج ويجمع الناس على حربهم وقد وقعوا فيما خافوا منه ولو كان بعد حين ونعم ما قيل إذا أدبر الأمر كان العطب فى الحيلة فاجتمعوا فى دار الندوة ليتشاوروا فى امره عليه السلام ودار الندوة هى أول دار بنيت بمكة كانت منزل قصى بن كلاب وكانت جهة الحجر عند مقام الحنفي الآن وكان لها باب للمسجد وقيل لها دار الندوة لاجتماع الندوة وهى الجماعة فيها وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة لانه اجتمع فيه اشراف بنى عبد شمس وبنى نوفل وبنى عبد الدار وبنى اسد وبنى محزوم وغيرهم ممن لا يعد من قريش ولم يتخلف من اهل الرأى والحجى أحد وكانت مشاورتهم فى يوم السبت فقد سئل صلى الله عليه وسلم عن يوم السبت فقال (يوم مكرو خديعة) قالوا ولم يا رسول الله قال (ان قريشا أرادوا ان يمكروا فيه) وجاء إليهم إبليس فى صورة شيخ نجدى وقال انا من اهل نجد وانما قال ذلك لان قريشا قالوا لا يدخلن معكم فى المشاورة أحد من اهل تهامة لان هواهم كان مع محمد فعند ذلك قالوا هو من اهل نجد لامن مكة فلا يضركم حضوره معكم وعند المشورة قال بعضهم بالحبس وبعضهم بالنفي كما بين فى تفسير قوله تعالى وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا فى سورة الأنفال فمنعه إبليس واتفقت آراؤهم على قول ابى جهل وهو ان يخرجوا اليه من كل قبيلة من قريش شابا جليدا اى قويا بسيف صارم ويقتلوه فيفرق دمه فى القبائل بحيث لا يقدر بنوا عبد مناف على حرب قومهم جميعا فيرضون بالدية واستحسن الشيخ النجدي هذا الرأى وتفرقوا عن تراض فلما امسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فاخبره بمكر قريش وامره بمفارقة مضجعه تلك الليلة فلما علم ما يكون منهم قال لعلى رضى الله عنه (نم على فراشى واتشح بردائي هذا الحضرمي فانه لن يخلص إليك شىء تكرهه منهم) وكان عليه السلام يشهد العيدين فى ذلك الرداء وكان طوله اربعة اذرع وعرضه ذراعين وشبرا وهل كان اخضر او احمر يدل للثانى قول جابر رضى الله عنه كان يلبس رداء احمر فى العيدين والجمعة وفى سيرة الحافظ الدمياطي وارتد بردائي هذا الأحمر والحضرمي منسوب الى حضر موت التي هى القبيلة او البلدة باليمن كان عليه السلام يتسجى بذلك البرد عند نومه وانما امر عليا رضى الله عنه(3/431)
ان يضطجع على فراشه ليمنعهم سواد علىّ عن طلبه حتى يبلغ هو وصاحبه الى ما امره الله ان يبلغا اليه فلما مضى عتمة من الليل اى الثلث الاول منه اجتمعوا على باب رسول الله وكانوا مائة فجعلوا يتطلعون من شق الباب ويرصدون متى ينام فيثبون عليه فيقتلونه فخرج عليه السلام عليهم وهم ببابه وقرأ قوله تعالى يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ الى قوله فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ فاخذ الله أبصارهم عنه عليه السلام فلم يبصروه حتى خرج من بينهم. وعن النبي عليه السلام انه ذكر فى فضل يس انها (إذا قرأها خائف أمن او جائع شبع او عار كسى او عاطش سقى او سقيم شفى) وعند خروجه عليه السلام أخذ حفنة من تراب فذرها عليهم فاتاهم آت فقال ما تنتظرون قالوا محمدا قال قد خيبكم الله والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك رجلا منكم الا وضع على رأسه ترابا وانطلق لحاجته فما ترون ما بكم فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فاذا عليه تراب فدخلوا على علىّ فقالوا له يا على اين محمد فقال لا أدرى اين ذهب وكان قد انطلق الى بيت ابى بكر باشارة جبرائيل عليه السلام فلما دخل عليه قال (قد اذن لى فى الخروج) فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله بابى أنت اى اسألك الصحبة قال (نعم) فبكى أبو بكر سرورا ولله در القائل ورد الكتاب من الحبيب بانه سيزورنى فاستعبرت اجفانى هجم السرور على حتى انه من فرط ما قد سرنى أبكاني يا
عين صار الدمع عندك عادة تبكين من فرح ومن احزان قال ابو بكر فخذ بابى أنت احدى راحلتى هاتين فانى اعددتهما للخروج فقال عليه السلام (نعم بالثمن) وذلك لتكون هجرته عليه السلام الى الله بنفسه وماله وإلا فقد أنفق أبو بكر رضى الله عنه على رسول الله اكثر ماله. فعن عائشة رضى الله عنها أربعين الف درهم. وفى رواية أربعين الف دينار وهى الناقة القصوى او الجدعاء وقد عاشت بعده عليه السلام وماتت فى خلافة ابى بكر واما ناقته عليه السلام العضباء فقد جاء ان ابنته فاطمة رضى الله عنها تحشر عليها ثم استأجر رسول الله وابو بكر رجلا من بنى الدئل وهو عبد الله بن أريقط ليدلهما على الطريق للمدينة وكان على دين قريش فدفعا اليه راحلتيهما وواعداه غار جبل ثور بعد ثلاث ليال ان يأتى بالراحلتين صباح الليلة الثالثة فمكث عليه السلام فى بيت ابى بكر الى الليلة القابلة فخرجا الى طرف الغار وجعل ابو بكر يمشى مرة امام النبي ومرة خلفه فسأله رسول الله عن ذلك فقال يا رسول اذكر الرصد فاكون امامك واذكر الطلب فاكون خلفك لا كون فداءك فمشى عليه السلام ليلته على أطراف أصابعه اى لئلا يظهر اثر رجليه على الأرض حتى حفيت رجلاه فلما رآهما ابو بكر قد حفيتا حمله على كاهله وجعل يشتد به حتى اتى فم الغار فانزله وفى رواية كانت قدما رسول الله قد قطرتا دما ويشبه ان يكون ذلك من خشونة الجبل والا فبعد المكان لا يحتمل ذلك ولعلهم ضلوا طريق الغار حتى بعدت المسافة ويدل عليه قوله فمشى ليلته او انه عليه السلام ذهب الى جبل حنين فناداه اهبط عنى فانى أخاف ان تقتل على ظهرى فاعذب فناداه جبل ثور الى يا رسول الله وكان الغار معروفا بالهوام فلما أراد رسول الله دخوله قال له أبو بكر مكانك يا رسول حتى أستبرئ الغار فدخل واستبرأه وجعل يسد الحجرة بثيابه خشية(3/432)
ان يخرج منها شىء يؤذيه اى رسول الله فبقى جحر وكان فيه حية فوضع رضى الله عنه عقبه عليه ثم دخل رسول الله فجعلت تلك الحية تلسعه وصارت دموعه تتحدر فتفل رسول الله على محل اللدغة فذهب ما يجده وقال بعضهم والسر فى اتخاذ رافضة العجم اللباد المفضض على رؤسهم تعظيما للحية التي لدغت أبا بكر فى الغار وذلك لانهم يزعمون ان ذلك على صورة تلك الحية ولما دخل رسول الله وأبو بكر الغار امر الله شجرة وهى التي يقال لها القتاد وقيل أم غيلان فنبتت فى وجه الغار فسترته بفروعها ويقال انه عليه السلام دعا تلك الليلة الشجرة وكانت امام الغار فاقبلت حتى وقفت على باب الغار وانها كانت مثل قامة الإنسان وقال الحدادي وكان عليه السلام مر على ثمامة وهى شجرة صغيرة ضعيفة فامر أبا بكر ان يأخذها معه فلما صار الى باب الغار امره ان يجعلها على باب الغار وبعث الله العنكبوت فنسجت ما بين فروعها نسجا متراكما بعضه على بعض كنسج اربع مسنين كما قال فى القصيدة البردية
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على ... خير البرية لم تنسج ولم تحم
اى ظنوا ان الحمام ما وكر وما باض على باب الغار الذي فيه خير البرية وظنوا ان العنكبوت لم تنسج ولم تحم اى لم تطف من حام حوله اى طاف ودار فهو من قبيل علفتها تبنا وماء باردا: وقال المولى الجامى
شد دو سه تارى كه عنكبوت تنيد ... بر دران غار پرده دار محمد
وقد نسج العنكبوت ايضا على نبى الله داود عليه السلام لما طلبه جالوت. ونسج ايضا على عورة سيدنا زيد بن على بن الحسين بن ابى طالب وهو أخو الامام محمد الباقر وعم جعفر الصادق وقد كان يوسف بن عمر الثقفي امير العراقين من قبل هشام بن عبد الملك صلبه عريانا للخروج عليه وذلك فى سنة ست وعشرين ومائة واقام مصلوبا اربع سنين وقيل خمس سنين فلم تر عورته وقيل بطنه الشريف ارتخى على عورته فغطاها ولا مانع من وجود الامرين وكانوا عند صلبه وجهوه الى غير القبلة فدارت خشبته التي عليها الى ان صار وجهه الى القبلة ثم احرقوا خشبته وجسده رضى الله عنه قال العلماء ويكفى للعنكبوت شرفا نسجها على الغار ونهى النبي عليه
السلام يومئذ عن قتل العنكبوت وقال (انها جند من جنود الله تعالى) : قال فى المثنوى
جمله ذرات زمين وآسمان ... لشكر حقنده كاه امتحان
واما قوله عليه السلام (العنكبوت شيطان فاقتلوه) وفى لفظ (العنكبوت شيطان مسخه الله فاقتلوه) فان صح فلعله صدر قبل وقعة الغار فهو منسوخ. وعن على طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فان تركه فى البيوت يورث الفقر وهذا لا يقدح فى شرفها وذكر فى حياة الحيوان ان ما تنسجه العنكبوت يخرج من خارج جلدها لا من جوفها. ومن خواصها انها إذا وضع نسجها على الجراحة الطرية فى ظاهر البدن حفظها بلا ورم ويقطع سيلان الدم إذا وضع عليه والعنكبوت التي تنسج على الكنيف إذا علقت على المحموم يبرأ قاله ابن زهير. وامر الله تعالى حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار وباضتا وبارك عليه السلام على الحمامتين وانحدرتا فى الحرم وهل حمام الحرم من نسل تينك الحمامتين اولا ففيه اختلاف والظاهر انه ليس من نسلهما لانه(3/433)
روى فى قصة نوح عليه السلام انه بعث الحمامة من السفينة لتأتيه بخبر الأرض ووقعت بوادي الحرم فاذا الماء قد نضب من موضع الكعبة وكانت طينتها حمراء فاختضبت رجلها ثم جاءته فمسح عنقها وطوّقها طوقا ووهب لها الحمرة فى رجليها وأسكنها الحرم ودعالها بالبركة. وذكر ان حمام مكة أظلته عليه السلام يوم فتحها فدعا لها بالبركة. وكان المسيح عليه السلام يقول لاصحابه ان استطعتم ان تكونوا بلها فى الله مثل الحمام فافعلوا وكان يقال انه ليس شىء ابله من الحمام انك تأخذ فرخه من تحته فتذبحه ثم يعود الى مكانه ذلك فيفرخ فيه ومن طبعه انه يطلب وكره ولو أرسل من الف فرسخ يحمل الاخبار ويأتى بها من المسافة البعيدة فى المدة القريبة كما قال فى المغرب الحمام بأرض العراق والشام تشترى باثمام غالية وترسل من الغايات البعيدة بكتب الاخبار فتؤديها وتعود بالاجوبة قال الجاحظ لولا الحمام لما عرف بالبصرة ما حدث بالكوفة فى بياض يوم واحد واليه الاشارة فى اشعار البلغاء: كما قال المولى جلال الدين قدس سره فى المثنوى
رقعه كر بر پرّ مرغى دوختى ... پرّ مرغ از تفّ رقعه سوختى
: قال السلطان سليم الاول يعنى فاتح مصر
مرغ چشم من كه پروازش بجز سوى تو نيست ... بسته أم از أشك صد جا نامه شوقش ببال
وقال فى حياة الحيوان اتخاذ الحمام للبيض والفراخ وللانس ولحمل الكتب جائز بلا كراهة واما اللعب بها والتطير والمسابقة فقيل يجوز لانه يحتاج إليها فى الحرب لنقل الاخبار والأصح كراهيته فان قامر بالحمام ردت شهادته ولما فقد المشركون رسول الله شق عليهم ذلك وخافوا وطلبوه بمكة أعلاها وأسفلها وبعثوا القافة اى الذين يقفون الأثر فى كل وجه ليقفوا اثره فوجد الذي ذهب الى جبل ثور وهو علقمة بن كرز اسلم عام الفتح اثره انتهى الى الغار فقال هاهنا انقطع الأثر ولا أدرى أخذ يمينا أم شمالا أم صعد الجبل وكان عليه السلام شثن الكفين والقدمين يقال شثنت كفه شثنا وشثونة خشنت وغلظت فهو شثن الأصابع بالفتح كذا فى القاموس فاقبل فتيان قريش من كل بطن بعصيهم وسيوفهم فلما انتهوا الى فم الغار قال قائل منهم ادخلوا الغار فقال امية بن خلف وما اربكم اى حاجتكم الى الغار ان عليه لعنكبوتا كان قبل ميلاد محمد ولو دخل لما نسج ذلك العنكبوت وتكسر البيض وعند ما حاموا حول الغار حزن ابو بكر رضى الله عنه خوفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى إِذْ يَقُولُ بدل ثان او ظرف ثان والقائل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم لِصاحِبِهِ وهو أبو بكر الصديق رضى الله عنه ولذلك قالوا من أنكر صحبة ابى بكر فقد كفر لانكاره كلام الله تعالى وكذا الروافض إذا كانوا يسبون الشيخين اى أبا بكر وعمر رضى الله عنهما ويلعنونهما يكفرون وإذا كانوا يفضلون عليا عليهما يكونون مبتدعين والمبتدع صاحب الكبيرة والبدعة الكبيرة كما فى هدية المهديين وعن ابى بكر رضى الله عنه انه قال لجماعة أيكم يقرأ سورة التوبة قال رجل انا اقرأ فلما بلغ الى قوله إذ يقول لصاحبه الآية بكى رضى الله عنه وقال انا والله صاحبه لا تَحْزَنْ ولم يقل لا تخف لان حزنه على رسول
الله يغفله عن حزنه(3/434)
على نفسه وهذا النهى تأنيس وتبشير له كما فى قوله تعالى له عليه السلام وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ وبه يرد ما زعمته الرافضة ان ذلك كان غضبا من ابى بكر وذماله لان حزنه ان كان طاعة فالنبى عليه السلام لا ينهى عن الطاعة فلم يبق الا انه معصية كذا فى انسان العيون إِنَّ اللَّهَ مَعَنا بالعون والعصمة والمراد بالمعية الولاية التي لا تحوم حولها شائبة من الحزن وما هو المشهور من اختصاص مع بالمتبوع فالمراد ما فيه من المتبوعية فى الأمر المباشر وتأمل الفرق بين قوله عليه السلام إِنَّ اللَّهَ مَعَنا وبين قول موسى عليه السلام إِنَّ مَعِي رَبِّي كيف تجده دقيقا والله الهادي- روى- ان المشركين لما طلعوا فوق الغار وعلوا على رؤسهما اشفق ابو بكر على رسول الله عليه السلام فقال عليه السلام (ما ظنك باثنين الله ثالثهما) فاعماهم الله عن الغار فجعلوا يترددون حوله فلم يروه وذكر ان أبا بكر لما قال للنبى عليه السلام لو ان أحدهم نظر الى قدميه لا بصرنا قال له النبي عليه السلام (لو جاؤنا من هاهنا لذهبنا من هاهنا) فنظر الصديق الى الغار فاذا هو قد انفرج من الجانب الآخر وإذا البحر قد اتصل به وسفينة مشدودة الى جانبه قال ابن كثير وهذا ليس بمنكر من حيث القدرة العظيمة وفى الآية دلالة على علو طبقة الصديق وسابقة صحبته وهو ثانى رسول الله فى عالم الأرواح حين خرج من العدم وثانيه حين خرج مهاجرا وثانيه فى الغار وثانيه فى الخلافة وثانية فى القبر بعد وفاته وثانيه فى انشقاق الأرض عنه يوم البعث وثانيه فى دخول الجنة كما قال عليه السلام (اما انك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي) وقال ايضا (ألا أبشرك) قال بلى بابى أنت وأمي قال (ان الله عز وجل يتجلى للخلائق يوم القيامة ويتجلى لك خاصة) - وروى- ان أبا بكر عطش فى الغار فقال عليه السلام (اذهب الى صدر الغار فاشرب فانطلق ابو بكر الى صدر الغار فوجد ماء احلى من العسل وابيض من اللبن واذكى رائحة من المسك فشرب منه فقال عليه السلام (ان الله امر الملك الموكل بانهار الجنة ان يخرق نهرا من جنة الفردوس الى صدر الغار لتشرب يا أبا بكر) قال أبو بكر يا رسول الله ولى عند الله هذه المنزلة فقال عليه السلام (نعم وأفضل والذي بعثني بالحق نبيا لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان عمله عمل سبعين نبيا) فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ أمنته التي تسكن عندها القلوب وقال الكاشفى [رحمت خود را كه سبب آرامش است] عَلَيْهِ اى على النبي عليه السلام فالمراد بها ما لا يحوم حوله شائبة الخوف أصلا او على صاحبه وهو الأظهر إذ هو المنزعج وكان رسول الله ساكنا وعلى طمأنينة من امره واليه أشار الشيخ فريد الدين العطار قدس سره
خواجه أول كه أول يار اوست ... ثانى اثنين إذ هما فى الغار اوست
چون سكينه شد ز حق منزل برو ... كشت مشكلهاى عالم حل برو
وقال سعدى چلبى المفتى فى حواشيه بل الاول هو الأظهر المناسب للمقام وإنزال السكينة لا يلزم ان يكون لرفع الانزعاج بل قد يكون لدفعه كما سبق فى قصة حنين والفاء للتعقيب الذكرى انتهى. وفى مصحف حفصة فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ اى قوّى النبي عليه السلام بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وهم الملائكة النازلون يوم بدر والأحزاب وحنين ليعينوه على العدو(3/435)
والجملة معطوفة على نصره الله وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى يعنى جعل الله الشرك مقهورا مغلوبا ابدا الى يوم القيامة او دعوتهم الى الكفر: يعنى [دعوت كفر را كه از ايشان صادر مى شد خوار وبيمقدار ساخت وَكَلِمَةُ اللَّهِ اى التوحيد او الدعوة الى الإسلام وهى بالرفع على الابتداء هِيَ ضمير فصل لدفع توهم انه قد يفوق غير كلمة الله الْعُلْيا الى يوم القيامة وهو خبر المبتدأ وجعل الله ذلك بان اخرج رسوله من بين الكفر. وقرأ يعقوب كلمة الله بالنصب عطفا على كلمة الذين وهو ضعيف لانه يشعر بان كلمة الله كانت سفلى ثم صارت عليا وليس كذلك بل هى عالية فى نفسها ابدا. وفى مناظرات المكي لو قال أحد وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله وقطع ولم يقل وكلمة الله هى العليا كان كافرا ان كان عمدا وَاللَّهُ عَزِيزٌ [وخداى تعالى عاليست عزيز كند اهل توحيد را] حَكِيمٌ فى امره وتدبيره وحكمه قال الكاشفى [داناست خوار ساز داهل كفر را ومقصود از إيراد قصه غار در اثناى امر بغزوه تبوك آنست كه اگر شما اى كارهاى جهاد يارى نكنيد پيغمبر مرا من او را يارى كنم چنانچهـ در آن محل كه با او يك كس بيش نبود تمام صناديد قريش بقصد او بر خواسته بودند من او را يارى كردم واز ميان دشمنانش بسلامت بيرون آوردم پس مفتاح نصرت بقبضه منست: وما النصر إلا من عند الله]
يارى از من جو نه از خيل وسپاه ... راز با من كوى نه بامير وشاه
هر كرا يارى كنم برتر شود ... هر كرا دور افكنم ابتر شود
وتمام القصة انه لما انصرف قريش من الغار وايسوا منهما أرسلوا لاهل السواحل ان من اسر او قتل أحدهما كان له مائة ناقة وفى رواية مائتان ومكثا فى الغار ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن ابى بكر وهو غلام يعرف يأتيهما حين يختلط الظلام ويخبرهما بما وعاه من اخبار اهل مكة ويدلج من عندهما بفجر فيصبح مع قريش بمكة كبائت فى بيته وكان عامر بن فهيرة مولى ابى بكر يرعى لابى بكر اغناما له نهاره ثم يروح عليهما فيحلبها لهما وكانت اسماء بنت ابى بكر تأتيهما إذا امست بطعامهما وشرابهما فلما طلع صبح الليلة الثالثة اتى الدليل بالراحلتين فركباهما وانطلقا نحو المدينة وانطلق معهما عامر بن فهيرة رديفا لابى بكر وانزل الله عليه وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً قال زيد بن اسلم جعل الله له مدخل صدق المدينة ومخرج صدق مكة وسلطانا نصيرا الأنصار رضى الله عنهم ولما خرج من مكة التفت إليها وبكى وقال (انى لا خرج منك وانى لاعلم انك أحب بلاد الله وأكرمها على الله ولولا ان أهلك أخرجوني ما خرجت) وهو يدل على ان مكة أفضل من سائر البلاد وفى الحديث (من صبر على حرمكة ساعة من نهار تباعدت عنه جهنم مسيرة مائة عام والحسنة فيها بمائة الف حسنة) والكلام فى غير ما ضم أعضاءه الشريفة من ارض المدينة والا فذاك أفضل بقاع الأرض بالإجماع حتى من العرش والكرسي- ذكر- ان الطوفان موّج تلك التربة المكرمة عن محل الكعبة حتى أرساها بالمدينة فهى من جملة ارض مكة ولما سمع سراقة بن مالك بن جعشم الكناني ان الكفار جعلوا فيهما ان قتلا او اسرا مائة(3/436)
انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)
ناقة ركب خلفهما حتى أدركهما فى طريق الساحل فصاح وقال يا محمد من يمنعك منى اليوم فقال عليه السلام (يمنعنى الجبار الواحد القهار) ونزل جبريل وقال يا محمد ان الله يقول لك قد جعلت الأرض مطيعة لك فائمرها بما شئت فقال عليه السلام (يا ارض خذيه) فاخذت ارجل جواده الى الركب فقال يا محمد الامان فقال عليه السلام (يا ارض اطلقيه) فاطلقته يقال عاهد سبع مرات ثم نكث العهد وكلما نكث تغوص قوائم فرسه فى الأرض وفى السابعة تاب توبة صدق ورجع الى مكة وصار لا يرى واحدا من طلابه عليه السلام إلا رده يقول اختبرت الطريق فلم ار أحدا وقصة نزوله المدينة مذكورة فى السير انْفِرُوا اى اخرجوا ايها المؤمنون مع النبي عليه السلام الى غزوة تبوك قال تاج المصادر النفير والنفور [بسفر بيرون شدن] خِفافاً وَثِقالًا جمع خفيف وثقيل اى حال كونكم شبانا وشيوخا او فقراء واغنياء او ركبانا ومشاتا او أصحاء ومرضى او عزبا او متأهلين او خفافا مسرعين خارجين ساعة استماع النفير وثقالا بعد التروية فيه والاستعداد له او مقلين من السلاح ومكثرين منه او نشاطا وغير نشاط اى خفت عليكم الحركة او ثقلت او مشاغيل وغير مشاغيل او مهازيل وسمانا او أقوياء وضعفاء يا غريبان وكدخدايان كما فى الكاشفى وهذا ليس لتخصيص الامرين المتقابلين بالارادة من غير مقارنة للباقى قال المولى ابو السعود اى على أي حال كان من يسر او عسر بأى سبب كان من الصحة والمرض او الغنى والفقر او قلة العيال وكثرتهم او غير ذلك مما ينتظمه مساعدة الأسباب وعدمها بعد الإمكان والقدرة فى جملة. وعن ابن أم مكتوم أعليّ ان انفر فقال عليه السلام (نعم) فرجع الى اهله فلبس سلاحه ووقف بين يديه فنزل قوله تعالى لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وعن ابن عباس رضى الله عنهما نسخت بقوله تعالى لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى الآية [سلمى ميكويد سبك روحان بارتكاب طاعات وكران باران از مباشرت مخالفات. امام قشيرى ميفرمايد كه خفاف آنانند كه از بند شهود ما سوى آزادند وثقال ايشانند كه بقيد تعلقات مقيدانند] وفى بحر الحقائق انفروا ايها الطلاب فى طلب الحق خفافا مجردين عن علائق الأولاد والاهالى منقطعين عن عوائق الأموال والاملاك وثقالا متمولين ومتأهلين وايضا خفافا مجذوبين بالعناية وثقالا سالكين بالهداية [يعنى خفاف مجذوبانند از كشش عنايت براه سلوك در آمده وثقال سالكانند كه بپرورش متوجه جذبه حقانى شده هر دو طائفه در راهند اما يكى ببال كشش مى پرد ويكى بپاى كوشش راه ميبرد آنكه بپاميره د در هر قدمى عالمى زير پاميكند وآنكه ببال اقبال مى پرديدم بساط مشاهده ما سوى را طى مى كند]
مرد عارف چون بدان پر مى پرد ... در دمى از نه فلك مى بگذرد
سير زاهد در دمى يك روزه راه ... سير عارف هر زمان تا تخت شاه
وَجاهِدُوا [وجهاد كنيد] والجهاد فى الاصطلاح قتال الكفار لتقوية الدين كما فى شرح الترغيب المنذرى وهو المراد بما فى خالصة الحقائق نقلا عن اهل الحكمة الجهاد بذل المجهود وقتال المتمردين حملا لهم على الإسلام ومنعا لهم عن عبادة الأصنام واعلم ان الجهاد لا ينافى كونه عليه السلام نبى الرحمة وذلك انه مأمور بالجهاد مع من خالفه من الأمم(3/437)
بالسيف ليرتدعوا عن الكفر وقد كان عذاب الأمم المتقدمة عند مخالفة أنبياءهم بالهلاك والاستئصال فاما هذه الامة فلم يعاجلوا بذلك كرامة لنبيهم عليه السلام ولكن يجاهدوا بالسيف وله بقية بخلاف العذاب المنزل وقد روى ان قوما من العرب قالوا يا رسول الله أفنانا السيف فقال (ذلك أبقى لآخركم) كذا فى أبكار الافكار بِأَمْوالِكُمْ [بمالهاى خود كه تهيه زاد وسلاح كنيد] وَأَنْفُسِكُمْ [وبنفسهاى خود كه مباشر كارزار كرديد] فهو إيجاب للجهاد بهما ان أمكن وبأحدهما عند إمكانه وإعواز الآخر حتى ان من ساعده النفس والمال يجاهد بهما ومن ساعده المال دون النفس يغزى مكانه من حاله على عكس حاله وفى التأويلات النجمية وانما قدم انفاق المال فى طلب الحق على بذل النفس لان بذل النفس مع بقاء الصفات الذميمة غير معتبر وهى الحرص على الدنيا والبخل بها قاشار بانفاق المال الى ترك الدنيا وفى الحديث (تعس عبد الدينار وعبد الدرهم) قوله تعس بفتح العين وكسرها عثر او هلك او لزمه الشر او سقط لوجهه او انتكب وهو دعاء عليه اى أتعسه الله وانما دعا عليه السلام على عبد الدنيا والدرهم لانه حرص على تحصيل المال من الحرام والحلال وبخل بالإنفاق فى سبيل الملك الخلاق فوقف على متاع الدنيا الفاني وترك العمل لنعيم الآخرة الباقي: قال السلطان ولد قدس سره
بگذار جهان را كه جهان آن تو نيست ... وين دم كه همى زنى بفرمان تو نيست
كر مال جهان جمع كنى شاد مشو ... ور تكيه بجان كنى جان آن تو نيست
فِي سَبِيلِ اللَّهِ هذا اللفظ عام يقع على كل عمل خالص لله تعالى سلك به طريق التقرب الى الله تعالى بأداء الفرائض والنوافل وانواع الطاعات وإذا اطلق فهو فى الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه كما فى شرح الترغيب يقول الفقير فمعنى فى سبيل الله اى فى الطريق الموصل الى الجنة والقربة والرضى وهو ان لا يكون بهوى وغرض وان كان حصول الجنة كما فى المفاتيح- حكى- انه كتب واحد الى يوسف بن أسباط وهو من متقدمى الصوفية ان نفسى تنازعنى الى الغزو فما تقول فيه فكتب فى الجواب لان ترد نفسك عن هواها خير من ان تقتل او تقتل فى المعركة- وحكى- انه لما دنا قتيبة بن مسلم من بلدة بخارى ليفتحها فانتهى الى جيحون أخذ الكفار السفن حتى لا يعبر جيش المسلمين عليها فقال قتيبة اللهم ان كنت تعلم انى ما خرجت الا للجهاد فى سبيلك ولاعزاز دينك ولو جهك فلا تغرقنى فى هذا البحر وان خرجت لغير هذا فاغرقنى فى هذا البحر ثم أرسل دابته فى جيحون فعبره مع أصحابه بإذن الله- روى- ان بعضهم رأى إبليس فى صورة شخص يعرفه وهو ناحل الجسم مصفر اللون باكى العين محقوقف الظهر فقال له ما الذي انحل جسمك قال صهيل الخيل فى سبيل الله ولو كان فى سبيلى لكان أحب الىّ فقال له فما الذي غير لونك فقال تعاون الجماعة على الطاعة ولو تعاونوا على المعصية لكان أحب الىّ قال فما الذي ابكى عينك قال خروج الحاج اليه لا بتجارة أقول قد قصدوه وأخاف ان لا يخيبهم فيحزننى ذلك وفى الصحيحين عن ابى سعيد يرفعه قيل يا رسول الله اى الناس أفضل فقال رسول الله (مؤمن مجاهد بنفسه وماله) قالوا ثم من قال (مؤمن فى شعب من الشعاب يتقى الله ويدع الناس من شره) ذلِكُمْ اى ما ذكر(3/438)
من النفير والجهاد خَيْرٌ لَكُمْ من القعود وترك الامداد فان قيل ما معنى كون الجهاد خيرا من تركه والحال انه لا خير فى تركه أجيب بان معناه ان ما يستفاد من الجهاد من ثواب الآخرة خير مما يستفيده القاعد عنه من الراحة وسعة العيش والتنعم بهما كما قال فى البحر الخيرية فى الدنيا بغلبة العدو ووراثة الأرض وفى الآخرة بالثواب ورضوان الله تعالى قال سعد چلبى وفى الترك خير دنيوى فيه الراحة إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الخير علمتم انه خير لان فيه استجلاب خير الدنيا وخير الآخرة وفى خلافه مفاسد ظاهرة وفى بحر الحقائق ترك الدنيا وبذل النفس خير لكم فى طلب الحق من المال والنفس إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قدر طلب الحق وعزة السير اليه فان الحاصل من المال والنفس الوزر والوبال والحاصل من الطلب الوصول والوصال انتهى قال فى زبدة التفاسير عن انس رضى الله عنه ان أبا طلحة رضى الله عنه قرأ سورة براءة فاتى على هذه الآية انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا فقال اى بنى جهزونى فقال بنوه رحمك الله قد غزوت مع النبي عليه السلام حتى مات ومع ابى بكر وعمر رضى الله عنهما حتى ماتا فنحن نغزو عنك فقال لا جهزونى فغزا بحرا فمات فى البحر فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها الا بعد سبعة ايام فدفنوه فيها ولم يتغير يقول الفقير وذلك لان أجساد الأنبياء والأولياء والشهداء لا تبلى ولا تتغير لما ان الله تعالى قد نقى أبدانهم من العفونة الموجبة للتفسخ وبركة الروح المقدس الى البدن كالا كسير ثم ان الناس صنفان ارباب رخصة واصحاب عزيمة ولله در اصحاب العزيمة فى مسابقتهم ومسارعتهم فعليك بطريقتهم وسيرتهم وهذه الآية الكريمة متعلقة بمرتبة النفس وإصلاحها فان النفس مجبولة على حب المال وفى بذله تزكيتها عن هذه الرذيلة فمن علم ان الغنى والفقر من الله تعالى وآمن بالقدر ايمانيا عيانيا هان عليه البذل ولم يبق عنده مقدار للمال كما ان من علم ان الموت بالأجل وان المرء لا يموت قبل حلول ذلك الاجل لا يفر من محاربة العدو وحفظ المال وإمساكه انما يحسن لاجل الانفاق وقت الحاجة والا فكنزه مذموم [گويند كه نافع مولاى عبد الله بن عمر رضى الله عنهما كه استاد امام شافعى بود در وقت
مردن گفت اين جايكه را بكنيد بكندند بيست هزار درم در سبويى پديد آمد گفت آنگاه كه از جنازه من باز آمده باشيد بدرويش دهيد او را گفتند يا شيخ چون تو كسى درم نهد گفت بحق اين وقت تنگ كه زكاة وى بر گردن من نيست وهرگز عيالان خود را بسختى نداشتم لكن هرگاه كه مرا آرزويى بودمى آنچهـ بدان آرزو بايستى دادن در سبو افكند مى تا اگر مرا سختى پيش آيد بدر سفله نبايد رفتن] كذا فى شرح الشهاب وفى هذه الحكاية امور. الاول ان من كان اماما للناس ومقتدى فى الدين لا ينبغى له ان يدخر ويكنز المال طمعا وحرصا لان الناس على دين ملوكهم وقد قيل [شيخ چون مائل بمال آيد مريد او مباش مائل دينار هرگز مالك ديدار نيست] . والثاني ان من غلبت عليه شهوته فمنع طبيعته عن مقتضاها بامساك ماله عن الصرف لها رجاء بذله لخير منه فقد جاهد مع نفسه وطبيعته اما مع نفسه فلانه ما كتم المال لا جل الكنز بل لا جل البذل لا نفع شىء فى وقت ما. واما مع طبيعته فلانه منعها من مقتضاها وراضها ومثل هذا هو الجهاد الأكبر. والثالث ان عرض الاحتياج على اللئيم ملوم مذموم شرعا وطريقة ولذا من جاع(3/439)
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43)
واحتاج فكتمه عن الناس واقبل الى الله تعالى كان على الله ان يفتح له رزق سنة والشكاية من الحبيب الى الحبيب عين التوحيد والى غيره شرك تعلق به الوعيد فعلى العاقل ان يختار طريق اصحاب الصفة فانهم كانوا مع الحق وفى معاونته دائما ببذل أموالهم ان منحوا وأنفسهم ان منعوا لان ما لا يدرك كله لا يترك كله فكل مأمور بمقدار طاقته الا بقدر الطاقة هذا هو اللائح بالبال والله اعلم بحقيقة الحال نسأل الله سبحانه ان يوفقنا لبذل المجهود وترك ملاحظة المفقود ويوصلنا الى جنابه انه هو المروم والمقصود لَوْ كانَ [آورده اند كه چون حضرت رسول صلى الله عليه وسلم مردمانرا بغزوه تبوك اشارت فرمود ايشان سه فرقه شدند. جمعى مسارعت نمودند وفرمانرا بسمع اطاعت شنودند وآن أكابر مهاجرين وأنصار بودند. وبعضى ضعفاء مؤمنانرا كران آمد فرمان خدا وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بر هواى نفس اختيار كردند. وبرخى دستورى اقامت وتخلف طلبيدند وآنها منافقان بودند ودرشان ايشان نازل شد كه] لو كان يا محمد ما دعوتهم اليه فاسم كان محذوف دل عليه ما قبله عَرَضاً قَرِيباً العرض ما عرض لك من نافع الدنيا اى غنما سهل المأخذ قريب المنال وَسَفَراً قاصِداً ذا قصد وتوسط بين القريب والبعيد ففاعل بمعنى ذى قصد كلابن وتامر بمعنى ذى لبن وذى تمر وسمى السفر سفرا لانه يسفر اى يكشف عن اخلاق الرجال لَاتَّبَعُوكَ فى الخروج طمعا فى المال وتعليق الاتباع بكلا الامرين يدل على عدم تحققه عند توسط السفر فقط وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ اى المسافة الشاقة التي تقطع بمشقة وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ السين للاستقبال اى سيحلف المتخلفون عن الغزو إذا رجعتم إليهم من غزوة تبوك وقد صنع كما اخبر فهو من جملة المعجزات النبوية لَوِ اسْتَطَعْنا اى قائلين لو كان لنا استطاعة من جهة العدة او من جهة الصحة او من جهتهما جميعا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ اى الى الغزاة. فقوله بالله متعلق بسيحلفون. وقوله لخرجنا ساد مسد جوابى القسم والشرط جميعا لان قولهم لو استطعنا فى قوة بالله لو استطعنا فيكون بالله قسما يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ بدل من سيحلفون لان الحلف الكاذب إهلاك للنفس ولذلك قال عليه الصلاة والسلام (اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع) جمع بلقع وبلقعة وهى الأرض القفر التي لا شىء بها والمرأة البلقعة الخالية من الخير يعنى من حلف عمدا كذبا لاجل الدنيا وزيادة المال وبقاء الجاه فقد تعرض لزوال ما فى يده من المال والجاه وبزواله يفتقر وتخرب داره من البركة وفى الحديث (اليمين الكاذبة منفقة للسلعة) اى سبب لنفاقها ورواجها فى ظن الحالف (ممحقة للكسب) اى سبب لمحق بركة المسكوب وذهابها اما بتلف يلحقه فى ماله او بانفاقه فى غير ما يعود نفعه اليه فى العاجل او ثوابه فى الآجل او بقي عنده وحرم نفعه او ورثه من لا يحمده وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ اى فى مضمون الشرطية وفيما ادعوا ضمنا من انتفاء تحقيق المقدم حيث كانوا مستطيعين للخروج ولم يخرجوا عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ لام لم ولام لهم متعلقتان بالاذن لاختلافهما فى المعنى فان الاولى للتعليل والثانية للتبليغ والضمير المجرور لجميع المستأذنين اى لأى سبب أذنت لهم فى التخلف حين اعتلوا بعللهم واعلم ان قوله تعالى لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ دل على(3/440)
ان قوما تخلفوا عن اتباعه عليه السلام لان لو لانتفاء الجواب لانتفاء الشرط وقوله عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ دل على ان ذلك التخلف كان بإذن رسول الله والعفو يستدعى سبق الخطأ وهذا الخطأ ليس من قبيل الذنب بل من ترك الاولى والأفضل الذي هو التأنى والتوقف الى انجلاء الأمر وانكشاف الحال. فقوله عفا خبر: يعنى [در گذار پند خداى از تو] . وقوله لم أذنت لهم بيان لما أشير اليه بالعفو من ترك الاولى وانما قدم الله العفو على العتاب تصديقا وتحقيقا لقوله تعالى لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وقوله لم أذنت لهم ما كان على وجه العتاب حقيقة بل كان على اظهار لطفه به وكمال رأفته فى حقه كما فى التأويلات النجمية قال سفيان ابن عيينة انظروا الى هذا اللطف بدا بالعفو قبل ذكر المعفو ولقد اخطأ وأساء الأدب وبئسما فعل فيما قال
وكتب من زعم ان الكلام كناية عن الجناية وان معناه اخطأت وبئسما فعلت كما فى الإرشاد ويجوز ان يكون إنشاء كما قال الكاشفى فى تفسيره عَفَا اللَّهُ عَنْكَ [دعاء له است حق سبحانه وتعالى پيغمبر خود را ميفرمايد كه عفو كناد از تو خداى وعادت مردم مى باشد كه دعا كند كسى را بعفو ورحمت ومغفرت بي وقوع خطايى از وى چنانچهـ مثلا يكى تشنه را آب دهد او در جواب ميگويد غفر الله لك يا در جواب عاطس ميگويد يرحمك الله] انتهى أقول ولقد أصاب فى تفسيره وأجاد فى تقريره فان خطأ النبي عليه السلام وسهوه ونسيانه ليس من قبيل خطأ الامة وسهوهم ونسيانهم فالاولى للتأدب ان يسكت عما يشين بحاله او لا يليق بكماله حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا اى فيما أخبروا به عند الاعتذار من عدم الاستطاعة من جهة المال او من جهة البدن او من جهتهما معا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ فى ذلك فتعامل كلا من الفريقين بما يستحقه وهو بيان لذلك الاولى والأفضل. وحتى متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام تقديره لم سارعت الى الاذن لهم وهلا أخرتهم وتأنيت الى ان يتبين الأمر وينجلى او ليتبين كما هو قضية الجزم فحتى بمعنى الى او بمعنى اللام ولا يجوز ان يتعلق بأذنت لان ذلك يوجب ان يكون اذن لهم الى هذه الغاية او لاجل التبين وهذا لا يعاتب عليه واعلم ان الآية الاولى اشارت الى ان من كان مطلوبه الدنيا وزينتها يجد له مساعدا ومصاحبا كثيرا ومن كان مطلوبه الحق والوصول اليه لا يجد له مرافقا وموافقا الا اقل من القليل لصعوبة الانقطاع عن الحظوظ والأماني: وفى المثنوى
حفت الجنة بمكروهاتنا ... حفت النيران من شهواتنا
يعنى جعلت الجنة محفوفة بالأشياء التي كانت مكروهة لنا وجعلت لنار محاطة بالأمور التي كانت محبوبة لنا وإتيان الحظوظ أسهل من تركها ولذا ترى الرجل يدخل النار بألف درهم ولا يدخل الجنة بدرهم واحد والآية الاخيرة أفادت التحري والتأنى فى الأمور وفى حديث انس رضى الله عنه ان رجلا قال للنبى أوصني فقال النبي عليه السلام (خذ الأمر بالتدبر فان رأيت فى عاقبته خيرا فامضه وان خفت غيا فامسك) والعجلة صفة من صفات الشيطان- روى- انه لما رأى خلقة آدم من الطين قبل ان ينفخ فيه الروح عجل فى امره وقال وعزة ربى ان جعل هذا خيرا وفضله على فلا أطيعه وان جعلنى خيرا منه لاهلكنه فلما نفخ فيه الروح وامر الملائكة(3/441)
لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)
وإبليس بالسجود له عجل إبليس بالاباء لاظهار العداوة والسعى فى هلاكه على ما عزم عليه اولا ولم يتأن وينظر فى امره. واما التأنى فمن أوصاف الرحمن ولذا خلق السموات والأرض فى ستة ايام وان كان قادرا على ان يخلقها فى مقدار طرفة عين فعلى العاقل العمل بالتأنى والأفضل والجهاد الى آخر العمر وحلول الاجل كيلا يكون من المتخلفين قال شقيق ان الله تعالى اظهر هذا الدين وجعل عزه فى الجهاد فمن أخذ منه حظه فى زمانه كان كمن شاهده كله وشارك من مضى قبله من الغزاة ومن تبطأ عنه فى زمانه فقد شارك المتخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اثمهم وعارهم والتبطؤ والتخلف انما هو من الكسل الطبيعي البدني ومن كان له حظ روحانى يجد فى نفسه المسارعة الى الخيرات: وفى المثنوى
هر كرانى وكسل خود از تنست ... جان ز خفت جمله در پريدنست
اللهم اعصمنا من الكسل فى باب الدين وأعنا انك أنت المعين لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فى أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وان الخلص منهم يبادرون اليه من غير توقف على الاذن فضلا عن ان يستأذنوك فى التخلف وحيث استأذنك هؤلاء فى التخلف كان مظنة للتأنى فى أمرهم بل دليلا على نفاقهم وعلة عدم الاستئذان الايمان كما ان علة الاستئذان عدم الايمان بناء على قاعدة ان تعليق الحكم بالوصف يشعر بعلية الوصف له وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ شهادة لهم بالانتظام فى زمرة المتقين وعدة لهم باجزال الثواب واشعار بان ما صدر عنهم معلل بالتقوى إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ فى التخلف الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قال فى التبيان كان الاستئذان فى ذلك الوقت علامة النفاق قيل كانوا تسعة وثلاثين رجلا وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ عطف على الصلة والماضي للدلالة على تحقق الريب والريب شك مع اضطراب القلب ودل على ان الشاك المرتاب غير مؤمن فَهُمْ حال كونهم فِي رَيْبِهِمْ وشكهم المستقر فى قلوبهم يَتَرَدَّدُونَ اى يتحيرون فان التردد [ديدن المتحير] كما ان الثبات [ديدن المستبصر] وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ يدل على ان بعضهم قالوا عند الاعتذار كنا نريد الخروج لكن لم نتهيأ له وقد قرب الرحيل بحيث لا يمكننا فكذبهم الله وقال لو أرادوا الخروج معك الى العدو فى غزوة تبوك لَأَعَدُّوا لَهُ اى للخروج فى وقته عُدَّةً اى اهبة من الزاد والراحلة والسلاح وغير ذلك مما لا بد منه للسفر وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ ولكن ما أرادوه لما انه تعالى كره نهوضهم للخروج لما فيه من المفاسد الآتية. والانبعاث [برانگيخته شدن] كما فى التاج فلكن للاستدراك من المقدم وفى حواشى سعدى چلبى الظاهر ان لكن هاهنا للتأكيد انتهى فَثَبَّطَهُمْ اى حبسهم بالجبن والكسل فتثبطوا عنه ولم يستعدوا له والتثبيط صرف الإنسان عن الفعل الذي يهم به وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ الذين شأنهم القعود وملازمة البيوت وهم الزمنى والمرضى والعميان والنساء والصبيان ففيه ذم لهم وظاهره يخالف قوله تعالى انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا فلذا حملوه على التمثيل بان يشبه إلقاء الله تعالى فى قلوبهم كراهة الخروج بامر آمر أمرهم بالقعود ثم بين سر كراهته تعالى لانبعاثهم فقال لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ [در ميان شما] اى مخالطين لكم ما زادُوكُمْ اى ما اورثوكم شيأ من الأشياء(3/442)
لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52)
إِلَّا خَبالًا اى فسادا وشرا كالتجبين وتهويل امر الكفار والسعى للمؤمنين بالنميمة وإفساد ذات البين وإغراء بعضهم على بعض وتحسين الأمر لبعضهم وتقبيحه للبعض الآخر ليتخلفوا وتفترق كلمتهم فهو استثناء مفرغ من أعم العام الذي هو الشيء فلا يلزم ان يكون فى اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خبال وفساد ويزيد المنافقون ذلك الفساد بخروجهم فيما بينهم لان الزيادة المستثناة انما هى الزيادة بالنسبة الى أعم العام لا بالنسبة الى ما كان فيهم من القبائح والمنكرات وفى البحر قد كان فى هذه الغزوة منافقون كثير ولهم لا شك خبال فلو خرج هؤلاء لا لتأموا فزاد الخبال انتهى وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ اى لسعوا بينكم واسرعوا بإلقاء ما يهيج العداوة او ما يؤدى الى الانهزام. والإيضاع تهيج المركوب وحمله على الاسراع من قولهم وضع البعير وضعا إذا اسرع واوضعته انا إذا حملته على الاسراع. والمعنى لأوضعوا ركائبهم بينكم على حذف المفعول والمراد به المبالغة فى الاسراع بالنمائم لان الراكب اسرع من الماشي. والخلال جمع خلل وهو الفرجة بين الشيئين وهو بمعنى بينكم منصوب على انه ظرف اوضعوا يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ حال من فاعل اوضعوا اى حال كونهم باغين اى طالبين الفتنة لكم وهى افتراق الكلمة وَفِيكُمْ [ودر ميان شما] سَمَّاعُونَ لَهُمْ اى نمامون يسمعون حديثكم لاجل نقله إليهم فاللام للتعليل أو فيكم قوم ضعفة يسمعون للمنافقين اى يطيعونهم فاللام لتقوية العمل لكون العامل فرعا كقوله تعالى فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ علما محيطا بضمائرهم وظواهرهم وما فعلوا فيما مضى وما يأتى منهم فيما سيأتى وهو شامل للفريقين السماعين والقاعدين لَقَدِ ابْتَغَوُا اى طلب هؤلاء المنافقون الْفِتْنَةَ تشتيت شملك وتفريق أصحابك عنك مِنْ قَبْلُ اى قبل غزوة تبوك يعنى يوم أحد فان أبيا انصرف يوم أحد مع ثلاثمائة من أصحابه وبقي النبي عليه السلام مع سبعمائة من خلص المؤمنين وقد تخلف بمن معه عن تبوك ايضا بعد ما خرج النبي عليه السلام الى ذى جدة أسفل من ثنية الوداع وكذا ابتغوا الفتنة فى حرب الخندق حيث قالوا يا اهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا وفى ليلة العقبة ايضا حيث القوا شيأ بين قوائم ناقة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالليل حتى تنفر وتلقى النبي عليه السلام عن ظهرها وايضا وقف اثنا عشر رجلا من المنافقين على ثنية الوداع ليلة العقبة ليفتكوا به عليه السلام فاخبره الله بذلك وسلمه منهم والفتك ان يأتى الرجل صاحبه وهو غارّ غافل حتى يشد عليه فيقتله وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ تقليب الأمر تصريفه من وجه الى وجه وترديده لاجل التدبير والاجتهاد فى المكر والحيلة يقال للرجل المتصرف فى وجوه الحيل حول قلب اى اجتهدوا ودبروا لك الحيل والمكايد ورددوا الآراء فى ابطال أمرك حَتَّى جاءَ الْحَقُّ اى النصر والتأييد الإلهي وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ غلب دينه وعلا شرفه وَهُمْ كارِهُونَ والحال انهم كارهون لذلك اى على رغم منهم وقال الكاشفى [وايشان ناخواهانند نصرت ودولت ترا اما چون خداى تعالى مى خواهد كراهت ايشانرا اثرى نيست]
چون ترا اندر حريم قرب خود ره داده شاه ... از نفير پرده دار وطعن دربان غم مخور(3/443)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49)
انظر الى ما فى هذه الآيات من تقبيح حال المنافقين وتسلية رسول الله والمؤمنين وبيان كون العاقبة للمتقين ولن يزال الناس مختلطا مخلصهم بمنافقهم من ذلك الوقت الى هذا الحين لكن من كان له نية صادقة صالحة يختار فراق اهل الهوى والرياء أجمعين لان صحبة غير الجنس لا تزيد الا تشويشا وتفرقه فى باب الدين وكسلا فى عزيمة اهل اليقين فاجهد ان لا ترى الاضداد ولا تجاورهم فكيف ان تعاشرهم وتخالطهم يا مسكين: وفى المثنوى
چون ببندى تو سر كوزه تهى ... در ميان حوض ويا جوئى تهى «1»
تا قيامت او فرو نايد ببست ... كه دلش خاليست دروى باد هست
ميل بادش چون سوى بالا بود ... ظرف خود را هم سوى بالا كشد
باز آن جانها كه جنس انبياست ... سوى ايشان كش كشان چون سايه هاست
جان هامان جاذب قبطى شده ... جان موسى جاذب سبطى شده «2»
معدهء خركه كشد در اجتذاب ... معدهء آدم جذوب كندم آب
ثم فى قوله تعالى وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ذم للنمام والنميمة وهى كشف ما يكره كشفه يقال ان ثلث عذاب القبر من النميمة قال عبد الله بن المبارك ولد الزنى لا يكتم الحديث قال الامام الغزالي أشار به الى ان كل من لم يكتم الحديث ومشى بالنميمة دل على انه ولد الزنى وفى حديث المعراج (قلت لمالك أرني جهنم فقال لا تطيق على ذلك فقلت مثل سم الخياط فقال انظر فنظرت فرأيت قوما على صورة القردة قال هم القتاتون) اى النمامون وفرق بعضهم بين القتات والنمام بان النمام هو الذي يتحدث مع القوم والقتات هو الذي يتسمع على القوم وهم لا يعلمون ثم ينم كذا فى شرح المصابيح- روى- ان الحسن البصري جاء اليه رجل بالنميمة وقال ان فلانا وقع فيك فقال له الحسن متى قال قال اليوم قال اين رأيته قال فى منزله قال ما كنت تصنع فى منزله قال كانت له ضيافة قال ماذا أكلت فى منزله قال كيت وكيت حتى عدد تمانية ألوان من الطعام فقال الحسن يا هذا قد وسع بطنك ثمانية ألوان من الطعام أوسع حديثا واحدا قم من عندى يا فاسق. وفيه اشارة الى ان النمام ينبغى ان يبغض ولا يوثق بصداقته- وذكر- ان حكيما من الحكماء زاره بعض إخوانه وأخبره بخبر عن غيره فقال له الحكيم قد ابطأت فى الزيارة وأتيتني بثلاث جنايات بغضت الىّ أخي وشغلت قلبى الفارغ واتهمت نفسك الامينة كذا فى الروضة والاحياء وهذا عادة الاخوان خصوصا فى هذا الزمان سامحهم الله الملك الديان فعلى العاقل حفظ اللسان وحفظ الجوارح من مساوى الكلام وانواع الآثام فان السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا وَمِنْهُمْ اى من المنافقين مَنْ يَقُولُ لك يا محمد ائْذَنْ لِي فى القعود عن غزوة تبوك وَلا تَفْتِنِّي من فتنه يفتنه أوقعه فى الفتنة كفتنه وافتتنه- يلزم ويتعدى كما قال فى تاج المصادر الفتون والفتن [دو فتنه افكندن وفتنه شدن] والمعنى لا توقعنى فى الفتنة وهى المعصية والإثم يريد انى متخلف لا محالة أذنت أو لم تأذن لى حتى لا أقع فى المعصية بالمخالفة اولا تلقنى فى الهلكة فانى ان خرجت
__________
(1) در اواخر دفتر چهارم در بيان قصه آن زن كه طفل او بر سر إلخ.
(2) در اواسط دفتر چهارم در بيان نصيحت دنيا اهل دنيا كه زبان حال وبيوفائى إلخ.(3/444)
معك هلك مالى وعيالى لعدم من يقوم بمصالحهم أَلا [بدانكه] فِي الْفِتْنَةِ اى فى عينها ونفسها وأكمل افرادها سَقَطُوا لا فى شىء مغاير لها وهى فتنة التخلف ومخالفة الرسول وظهور النفاق. يعنى انهم وقعوا فيما زعموا انهم محترزون عنه فالفتنة هى التي سقطوا فيها لا ما احترزوا عنه من كونهم مأمورين بالخروج الى غزوة تبوك وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ معطوف على الجملة السابقة داخل تحت التنبيه اى جامعة للمنافقين وغيرهم من الكفار يوم القيامة من كل جانب اى انهم يدخلون جهنم لا محالة لان الشيء إذا كان محيطا بالإنسان فانه لا يفوته كما فى الحدادي او جامعة لهم الآن لا حاطة أسبابها من الكفر والمعاصي وقيل تلك المبادي المتشكلة بصور الأعمال والأخلاق هى النار بعينها ولكن لا يظهر ذلك فى هذه النشأة وانما يظهر عند تشكلها بصورها الحقيقة فى النشأة الآخرة وقس عليها الأعمال والأخلاق المرضية ألا ترى ان دم الشهيد يتشكل بصورة المسك فلا يفوح منه الا المسك كما ورد فى الشرع وقال بعضهم هذه الآية نزلت فى جد بن قيس من المنافقين دعاه النبي عليه السلام الى الخروج الى العدو وحرضه على الجهاد (فقال له يا جد بن قيس هل لك فى جلاد بنى الأصفر) يعنى طوال القدّ منهم فان الجلاد من النخل هى الكبار الصلاب (نتخذ منهم سرارى ووصفاء) فقال جد ائذن لى فى القعود ولا تفتنى بذكر نساء الروم فانه قد علمت الأنصار انى رجل مولع بالنساء اى مفرط فى التعلق بهن فاخشى ان ظفرت ببنات الأصفر ان لا اصبر عنهن فاواقعهن قبل القسمة فاقع فى الفتنة والإثم فلما سمع النبي عليه السلام قوله اعرض عنه وقال (أذنت لك) ولم يقبل الله تعالى عذر جد وبين انه قد وقع فى الفتنة بمخالفة النبي عليه السلام والمراد ببني الأصفر الروم وهم جبل من ولد روم بن عيصو بن اسحق بن ابراهيم عليهم السلام والوجه فى تسمية الروم ببني الأصفر ان ملوك الروم انقضوا فى الزمان الاول فبقيت منهم امرأة فتنافسوا فى الملك حتى وقع بينهم شر عظيم فاتفقوا على ان يملكوا أول من اشرف عليهم فجلسوا مجلسا لذلك وأقبل رجل من اليمن معه عبد له حبشى يريد الروم فابق العبد فاشرف عليهم فقالوا انظروا فى أي شىء وقعتم فزوجوه تلك المرأة فولدت غلاما فسموه الأصفر فخاصمهم المولى فقال صدق انا عبده فارضوه فذلك قيل للروم بنوا الأصفر لصفرة لون هذا الولد لكونه مولدا بين الحبشي والمرأة البيضاء وفى الروض قيل لهم بنوا الأصفر لان عيصو بن اسحق كان به صفرة وهو جدهم وقيل ان الروم بن عيصو هو الأصفر وهو أبوهم وامه تسمة بنت إسماعيل عليه السلام وليس كل الروم من ولد بنى الأصفر فان الروم الاول فيما زعموا من ولد يونان بن يافث بن نوح عليهم السلام انتهى وقيل قيل لهم بنوا الأصفر لان جدهم روم بن عيصو ابن اسحق بن ابراهيم تزوج بنت ملك الحبشة فجاء لون ولده بين البياض والسواد فقيل له الأصفر وقيل لاولاده بنوا الأصفر وقيل لان جيشا من الحبشة غلب على ناحيتهم فى وقت فوطئ نساءهم فولدت أولادا صفراء بين سواد الحبشة وبياض الروم- حكى- عن بعض العارفين انه رأى النبي عليه السلام فى المنام فقال يا رسول الله انى أريد ان أتوجه الى الروم(3/445)
إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)
فقال عليه السلام الروم لا يدخله المعصوم فاختلج فى صدره ان فى الروم العلماء والصلحاء والأولياء اكثر من ان يحصى ثم تتبع فوجد ان المراد من المعصوم الأنبياء واما هؤلاء فيسمون المحفوظين الكل من أنوار المشارق وثبت فى الصحيح انه (لا يبقى مسلم وقت قيام الساعة) لكن يكون الروم وهم قوم معروف اكثر الكفرة فى ذلك الوقت كما كانوا اليوم أكثرهم ثم ان القعود عن الغزو من بخل الرجل وهو من اذم الصفات قال ابراهيم بن أدهم إياك والبخل قبل وما البخل قال اما البخل عند اهل الدنيا فهو ان يكون الرجل شحيحا بماله واما الذي عند اهل الآخرة فهو الذي يبخل بنفسه عن الله تعالى ألا وان العبد إذا جاد بنفسه لله تعالى أورث قلبه الهدى والتقى وأعطاه السكينة والوقار والعلم الراجح والعقل الكامل فعلى العاقل الجود بماله ونفسه فى الجهاد الأصغر والأكبر حتى ينال الرضى من الله تعالى والجود من امدح الصفات- وحكى- عن ابى جهيم بن حذيفة قال انطلقت يوم تبوك اطلب عمى ومعى ماء أردت ان اسقيه ان كان به رمق فرأيته ومسحت وجهه فقلت له أسقيك الماء فاشار برأسه نعم فاذا رجل يقول آه من العطش فاومى برأسه ان اذهب اليه فاذا هو هشام بن العاص فقلت أسقيك قال نعم فلما دنوت منه سمعت صوتا يقول آه من العطش فاشار الى ان اذهب به اليه فذهبت فاذا هو ميت فرجعت بالماء الى هشام فاذا هوميت فرجعت الى عمى فاذا هو ميت كذا فى خالصة الحقائق: قال الحافظ الشيرازي قدس سره
فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ ... كه كار عشق ز ما اين قدر نمى آيد
: قال السعدي قدس سره
اگر كنج قارون بچنك آورى ... نماند مگر آنچهـ بخشى برى
إِنْ تُصِبْكَ فى بعض غزواتك حَسَنَةٌ ظفر وغنيمة كيوم بدر تَسُؤْهُمْ تلك الحسنة اى تورثهم يعنى المنافقين مساءة وحزنا لفرط حسدهم وعداوتهم لك وَإِنْ تُصِبْكَ فى بعضها مُصِيبَةٌ جراحة وشدة كيوم أحد او قتل وهزيمة على ان يكون المراد بالخطاب المؤمنين كما يدل عليه ما بعد الآية من إيراد ضمائر المتكلم مع الغير والا فمن قال ان النبي عليه السلام هزم فى بعض غزواته يستتاب فان تاب فيها ونعمت والا قتل لانه نقص ولا يجوز ذلك عليه خاصة إذ هو على بصيرة من امره ويقين من عصمته كما فى هدية المهديين نقلا عن القاضي عبد الله بن المرابط يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا [احتياط كار خود را] مِنْ قَبْلُ اى من قبل إصابة المصيبة: يعنى [دور انديشى كرديم وبدين حرب نرفتيم] وَيَتَوَلَّوْا اى يدبروا عن مجلس الاجتماع والتحدث الى أهاليهم وَهُمْ فَرِحُونَ بما صنعوا من الاعتزال عن المسلمين والقعود عن الحرب والجملة حال من الضمير فى يقولوا او يتولوا لامن الأخير فقط لمقارنة الفرح لهما معا قُلْ بيانا لبطلان ما بنوا عليه مسرتهم من الاعتقاد لَنْ يُصِيبَنا ابدا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ فى اللوح المحفوظ لَنا اللام للتعليل اى لا جلنا من خير وشر وشدة ورخاء لا يتغير بموافقتكم ومخالفتكم وامور العباد لا تجرى الأعلى تدبير قد احكم وأبرم هُوَ مَوْلانا ناصرنا ومتولى أمورنا وَعَلَى اللَّهِ(3/446)
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52)
وحده وهو من تمام الكلام المأمور به ويجوز ان يكون ابتداء كلام من الله تعالى فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ التوكل تفويض الأمر الى الله تعالى والرضى بما فعله وان كان ذلك بعد ترتيب المبادي العالية والمعنى ان حق العبد ان يتوكل على مولاه ويبتغى رضوانه ويعتقد انه لن يصيبه شىء من الأشياء الا ما قدر له
پير ما گفت خطا بر قلم صنع نرفت ... آفرين بر نظر پاك خطا پوشش باد
وفى الحديث (ان العبد لا يبلغ حقيقة الايمان حتى يعلم ان ما أصابه لم يكن ليخطئه وما اخطأه لم يكن ليصيبه) قُلْ للمنافقين هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا التربص التمكث مع انتظار مجيىء شىء خيرا كان او شرا والباء للتعدية واحدى التاءين محذوفة إذ الأصل تتربصون. والمعنى ما تنتظرون بنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ اى العاقبتين اللتين كل واحدة منهما من حسنى العواقب وهما النصر والشهادة وهذا نوع بيان لما أبهم فى الجواب الاول وكشف لحقيقة الحال باعلام ان ما يزعمونه مضرة للمسلمين من الشهادة انفع مما يعدونه منفعة من النصر والغنيمة. والمعنى فما تفرحون الا بما نلنا مما هو احسن العواقب وحرمانكم من ذلك فأين أنتم من التيقظ والعمل بالحزم كما زعمتم وفى الحديث (يضمن الله لمن خرج فى سبيله لا يخرج الا ايمانا بالله وتصديقا برسوله ان يدخله الجنة او يرجعه الى منزله الذي خرج منه نائلا مانال من اجر أو غنيمة)
دولت اگر مدد دهد دامنش آورم بكف ... گر بكشد زهى طرب ور بكشد زهى شرف
وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أحد السوأيين من العواقب أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ [آنكه برساند خداى تعالى بشما] بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ كما أصاب من قبلكم من الأمم المهلكة من الصيحة والرجفة والخسف وكون العذاب من عند الله عبارة عن عدم كونه بايدى العباد أَوْ بعذاب بِأَيْدِينا وهو القتل بسبب الكفر فَتَرَبَّصُوا الفاء فصيحة اى إذا كان الأمر كذلك فتربصوا بنا ما هو عاقبتنا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ما هو عاقبتكم فاذا القى كل منا ومنكم ما يتربصه لا تشاهدون الا ما يسرنا ولا نشاهد الا ما يسوؤكم وفى الحديث (مثل المؤمن مثل السنبلة تحركها الريح فتقوم مرة وتقع اخرى ومثل الكافر مثل الأرزة لا تزال قائمة حتى تنقعر) أي تنقطع يقال قعر الشجرة قلعها من أصلها فانقعرت. والأرزة شجر يشبه الصنوبر يكون بالشام وبلاد الأرمن وقيل هو شجر الصنوبر: يعنى [مؤمن را عيش خوش نبود شادى با غم ونعمت با شدت ودرستى با بيمارى و چنين بسيار بماند وكافر تن درست ودل خوش بود لكن بيك كرت بسر اندر آيد وهلاك شود] وفى الحديث (من أهان لى وليا فقد بارزني بالمحاربة) يعنى ان الولي وهو المؤمن المطيع ينصر الله تعالى فيكون الله ناصره فمن عادى من كان الله ناصره فقد بارز بمحاربة الله وكل كافر ومنافق فهو مهين الأولياء واهانتهم بذر محصوله الهلاك والاستئصال وفى المثنوى
قصه عاد وثمود از بهر چيست ... تا بدانى كانبيا را ناز كيست
اين نشان خسف وقذف وصاعقه ... شد بيان عز نفس ناطقه
جمله حيوانرا پى انسان بكش ... جمله انسان را بكش از بهرهش
هش چهـ باشد عقل كل هوشمند ... هوش جزئى هش بود اما نژند(3/447)
قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)
وقد ذم الله المنافقين بتغيير الحال وعدم مواطأة الحال بالمقال وفى الحديث (لا يستقيم ايمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه) وفى الحديث (طوبى لمن طاب كسبه وصلحت سريرته وكرمت علانيته وعزل عن الناس شره) وفى الحديث (من شر الناس ذو الوجهين الذي يأتى هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه آخر ومن كان ذا وجهين فى الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار) كما فى أبكار الافكار قُلْ جوابا لجد بن قيس من المنافقين وهو قد استأذن فى التخلف عن غزوة تبوك وقال أعينك بمالى أَنْفِقُوا ايها المنافقون أموالكم فى سبيل الله حال كونكم طَوْعاً اى طائعين من قبل أنفسكم أَوْ كَرْهاً او كارهين مخافة القتل كما فى الحدادي وقال فى الإرشاد طَوْعاً اى من غير الزام من جهته عليه السلام ولا رغبة من جهتكم او هو فرضى لتوسيع الدائرة انتهى اى فلا يخالفه قوله وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ كما سيأتى لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ يحتمل ان يكون المراد منه انه عليه السلام لا يقبله منهم بل يرد عليهم ما يبذلونه او انه تعالى لا يقبله منهم ولا يثيبهم عليه قوله أنفقوا امر فى معنى الخبر اى أنفقتم وذلك لان قوله لن يتقبل منكم يأبى عن حمله على معناه الظاهر إذ لا وجه لان يؤمر بشىء ثم يخبر بانه عبث لا يجدى نفعا بوجه ما- روى- انه لما اعتذر من الخروج لامه ولده عبد الله عنه وقال له والله لا يمنعك الا النفاق وسينزل الله فيك قرآنا فاخذ نعله وضرب به وجه ولده فلما نزلت الآية قال له ألم اقل لك فقال له اسكت يا لكع فو الله لأنت أشد علىّ من محمد ثم علل رد انفاقهم بقوله إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ اى كافرين فالمراد بالفسق ما هو الكامل منه لا الذي هو دون الكفر كما قال الكاشفى [بدرستى كه شما هستيد گروهى بيرون رفتگان از دائره اسلام ونفقه كافر قبول نيست] فالتعليل هنا بالفسق وفيما بعده بالكفر حيث قال ألا انهم كفروا بالله واحد- روى- انه تاب من النفاق وحسنت توبته ومات فى خلافة عثمان رضى الله عنه وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ استثناء من أعم الأشياء اى ما منعهم من قبول نفقاتهم منهم شىء من الأشياء الا كفرهم فالمستثنى المفرغ مرفوع المحل على انه فاعل منع. وقوله ان تقبل مفعوله الثاني بنزع الخافض او بنفسه فانه يقال منعت الشيء ومنعت فلانا حقه ومنعته من حقه وقال ابو البقاء ان تقبل فى موضع نصب بدلا من المفعول فى منعهم وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ [ونمى آيند بنماز جماعت] وهو معطوف على كفروا إِلَّا وَهُمْ كُسالى اى لا يأتونها فى حال من الأحوال الا حال كونهم متثاقلين قال الكاشفى [مگر ايشان كاهلانند بنماز مى آيند بكسالت وكراهت نه بصدق وأرادت] والكسالى جمع كسلان كما يقال سكارى وسكران قال البغوي كيف ذكر الكسل فى الصلاة ولا صلاة لهم أصلا قيل الذم واقع على الكفر الذي يبعث على الكسل فان الكفر مكسل والايمان منشط وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ قال ابن الشيخ الرغبة والنشاط فى أداء العبادات متفرعة على رجاء الثواب بها وخوف العقاب على تركها المتفرعين على الايمان بما جاء به النبي عليه السلام من عند الله والمنافق لا يؤمن بذلك فلا يرجو ثواب الآخرة ولا يخاف عقابها فيكون كسلان فى إتيان الصلاة وكارها للانفاق لزعمه انهما اتعاب للبدن وتضييع للمال بلا فائدة وفيه ذم الكسل قيل من دام كسله خاب أمله: قال أبو بكر الخوارزمي(3/448)
لا تصحب الكسلان فى حالاته ... كم صالح بفساد آخر يفسد
عدوى البليد الى الجليد سريعة ... والجمر يوضع فى الرماد فيخمد
: وفى المثنوى كر هزاران طالبند ويك ملول از رسالت باز مى ماند رسول كى رسانند آن امانت را بتو تا نباشى پيششان راكع دو تو فَلا تُعْجِبْكَ الاعجاب استحسان على وجه التعجب من حسنه قال الكاشفى [پس بايد كه ترا بشكفت نيارد خطاب بآن حضرتست ومراد امت اند مؤمنانرا ميفرمايد كه متعجب نگردانند شما را] أَمْوالُهُمْ اى اموال المنافقين وَلا أَوْلادُهُمْ فان ذلك وبال عليهم واستدراج لهم كما قال إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ضمير بها راجع الى الأموال دون الأولاد. والمعنى ليعذبهم بالتعب فى جمعها والوجل فى حفظها والكره فى إنفاقها ويجوز ان يرجع إليهما معا بناء على ان الأولاد ايضا اسباب للتعذيب الدنيوي من حيث انهم ان عاشوا يبتلى أصولهم بمتاعب تربيتهم وتحصيل اسباب معاشهم من المآكل والمشارب والملابس وان ماتوا يبتلى أصولهم بحسرة فراقهم فان من أحب شيأ كان تألمه على فراقه شديدا يقول الفقيران قلت ان المؤمن والكافر يشتركان فى هذا التعب والحسرة فما معنى تخصيص الكافر اى المنافق قلت نعم الا ان المؤمن أخف حالا لايمانه وأمله ثواب الآخرة وصبره على الشدائد فيكون التعذيب بتربية الأولاد وحسرة فراقهم كلا تعذيب بالنسبة اليه وَتَزْهَقَ اصل الزهوق خروج الشيء بصعوبة أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ اى فيموتوا كافرين مشتغلين بالتمتع عن النظر فى العاقبة فيكون ذلك لهم نقمة لا نعمة [نه مال ايشانرا دست گيرد ونه فرزند بفرياد رسد] وفى ارادة الله زهوق أنفسهم على الكفر لينالوا وباله اشارة الى جواز الرضى بكفر الغير وموته عليه إذا كان شريرا مؤذيا ينتقم الله منه اى من غير استحسان واستجازة كما قال الفقهاء إذا دعا على ظالم أماتك الله على الكفر او قال سلب الله عنك الايمان او دعا عليه بالفارسية [خدا جان تو بكافرى بستاند] فهذا لا يكون كفرا إذا كان لا يستحسنه ولا يستجيزه ولكن تمنى ان يسلب الله الايمان منه حتى ينتقم الله منه على ظلمه وإيذائه الخلق واعلم ان الطاعة فى العبودية بثلاثة انواع بالمال والبدن والقلب اما بالمال فهو الانفاق فى سبيل الله وفى الحديث (من جهز غازيا ولو بسلك ابرة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومن جهز غازيا ولو بدرهم أعطاه الله سبعين درجة فى الجنة من الدر والياقوت) وعن ابى هريرة رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى بفرس يجعل كل خطوة منه أقصى بصره فسار ومعه جبريل فأتى على قوم يزرعون فى يوم ويحصدون فى يوم كلما حصدوا عاد كما كان فقال (يا جبرائيل من هؤلاء) قال هؤلاء المجاهدون فى سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف وما أنفقتم من شىء فهو يخلفه واما بالبدن فهو القيام بالأوامر والنواهي والسنن والآداب المستحسنة المستحبة واما بالقلب فهو الايمان والصدق والإخلاص فى النية فالطاعة بالمال والبدن لا تقبل عند إعواز طاعة القلب كطاعة المنافقين وطاعة القلب عند إعواز الطاعة(3/449)
وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)
بالمال والبدن مقبولة لقوله عليه السلام (نية المؤمن ابلغ من عمله) فالقربة لا تقبل الأعلى حقيقة الايمان وهو شرط اقامة الطاعات المالية والبدنية وفى الحديث (ان إعطاء هذا المال فتنة وإمساكه فتنة) وذلك لان إنفاقه على طريق الرياء او بالمنة والأذى فتنة وكذا إمساكه إذ فى الإمساك ملامة وذلالة بل ضلالة وفى الحديث (ان لكل امة فتنة وان فتنة أمتي المال) [حقيقت فتنه آنست كه هر چيزى كه آن مرورا از دين ورشد مشغول دارد آنرا كه از توفيق محرومست وآنرا كه موافقيست اگر پادشاه دنيا شود آن پادشاهى او را از دين مشغول ندارد] : وفى المثنوى
چيست دنيا از خدا غافل بدن ... نى قماش ونقره وميزان وزن
مال را كز بهر دين باشى حمول ... نعم مال صالح خواندش رسول
آب در كشتى هلاك كشتى است ... آب اندر زير كشتى پستى است
چونكه مال وملك را از دل براند ... زان سليمان خويش جز مسكين نخواند
[ومعاويه زنى را پرسيد كه على را ديده گفت بلى گفت چهـ گونه مردى بود على گفت لم يبطره الملك ولم تعجبه النعمة وعمر بن الخطاب رضى الله عنه گويد كه هر كه مال او را نفريبد هيچ جادويى وديوى او را نفريبد ومردى پيغمبر را صلى الله عليه وسلم گفت مرا چاره بياموز كه ديو مرا نفريبد گفت دوستىء مال در دل مدار وبا هيچ زن نا محرم خالى مباش] كذا فى شرح الشهاب
مكن تكيه بر ملك وجاء وحشم ... كه پيش از تو بودست وبعد از تو هم
وَيَحْلِفُونَ اى المنافقون بِاللَّهِ يحتمل ان يتعلق بيحلفون ويحتمل ان يكون من كلامهم إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ اى لمن جملة المسلمين وَما هُمْ مِنْكُمْ لكفر قلوبهم وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ اى يخافون منكم ان تفعلوا بهم ما تفعلون بالمشركين فيظهرون الإسلام تقية ويؤكدونه بالايمان الفاجرة يقال فرق كفرح اى فزع والفرق بفتحتين الفزع لَوْ يَجِدُونَ [اگر بيابيد] وإيثار صيغة الاستقبال فى الشرط وان كان المعنى على المضي لافادة استمرار عدم الوجدان مَلْجَأً اى مكانا حصينا يلجأون اليه من رأس جبل او قلعة او جزيرة مفعل من لجأ اليه يلجأ اى انضم اليه ليتحصن به أَوْ مَغاراتٍ هى الكهوف الكائنة فى الجبال الرفيعة اى غير انا وكهوفا يخفون فيها أنفسهم جمع مغارة وهى مفعلة اسم للموضع الذي يغور فيه الإنسان اى يغيب ويستتر أَوْ مُدَّخَلًا هو السرب الكائن تحت الأرض كالبئر اى نفقا يندسون فيه وينحجرون او قوما يمكنهم الدخول فيما بينهم يحفظونهم منكم كما فى الحدادي وهو مفتعل من الدخول أصله مدتخل قال ابن الشيخ عطف المغارات والمدخل على الملجأ من قبيل عطف الخاص على العام لتحقيق عجزهم عن الظفر بما يتحصنون فيه فان الملجأ هو المهرب الذي يلتجىء اليه الإنسان ويتحصن به من أي نوع كان لَوَلَّوْا اى لصرفوا وجوههم واقبلوا إِلَيْهِ اى الى أحد ما ذكر وَهُمْ يَجْمَحُونَ اى يسرعون اسراعا لا يردهم شىء كالفرس الجموح لئلا يجتمعوا معكم ويتبعدوا عنكم(3/450)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)
والجموح النفور باسراع يقال فرس جموح إذا لم يرده لجام. والمعنى انهم وان كانوا يحلفون لكم انهم منكم الا انهم كاذبون فى ذلك وانما يحلفون خوفا من القتل لتعذر خروجهم من بلادهم ولو استطاعوا ترك دورهم وأموالهم والالتجاء الى بعض الحصون او الغيران التي فى الجبال او السروب التي تحت الأرض لفعلوه تسترا عنكم واستكراها لرؤيتكم ولقائكم وفيه بيان لكمال عتوهم وطغيانهم واشارة الى ان المنافق يصعب عليه صحبة المخلص فان الجنس الى الجنس يميل لا الى خلافه: قال السعدي فى كتاب الگلستان [طوطى را با زاغى همقفس كردند از قبح مشاهده او مجاهده برده مى گفت اين چهـ طلعت مكروهست وهيأت ممقوت ومنظر ملعون وشمائل ناموزون يا غراب البين يا ليت بينى وبينك بعد المشرقين
على الصباح بروى تو هر كه بر خيزد ... صباح روز سلامت برو مسا باشد
بداخترى چوتو در صحبت تو بايستى ... ولى چنانكه تو در جهان كجا باشد
عجبتر انكه غراب هم از محاورت طوطى بجان آمده بود لا حول كنان از گردش گيتى همى ناليد ودستهاى تغابن يكديگر همى ماليد وميگفت اين چهـ بخت نكونست وطالع دون وايام بوقلمون لايق قدر من آنستى كه با زاغى در ديوار باغي حرامان همى رفتمى
پارسا را بس اين قدر زندان ... كه بود هم طويله رندان
تا چهـ كنه كرده ام روزگارم بعقوبت آن در سلك صحبت چنين ابلهى خود رأى وناجنس ويافه دراى بچنين بند بلا كرده است
كس نيايد بپاى ديوارى ... كه بران صورتت نكار كنند
كر ترا در بهشت باشد جاى ... ديگران دوزخ اختيار كنند
اين مثل براى ان آوردم تا بدانى كه صد چندانكه دانا را زنادان نفرتست نادانرا از دانا وحشتست] قيل أضيق السجون معاشرة الاضداد وقال الأصمعي دخلت على الخليل وهو جالس على الحصير الصغير فاشار الى بالجلوس فقلت أضيق عليك فقال مه ان الدنيا بأسرها لا تسع متباغضين وان شبرا بشبر يسع المتحابين قال بعضهم الصديق الموافق خير من الشقيق المخالف فعلى العاقل ان يراعى جانب الآفاق والأنفس بقدر الإمكان ويجتهد فى إصلاح الظاهر والباطن فى كل زمان ويجانب الأعداء وان ادعوا انهم من جملة الاخوان ومن الأعداء النفس وصفاتها وهى تدعى انها على سيرة الروح والقلب والسر وسجيتها وليست كذلك لان منشأ هذه عالم الأمر والأرواح ومنشأ تلك عالم الحلق والأشباح فلا بد من إصلاحها وازالة أخلاقها الرديئة لتكون لائقة بصحبة الروح ويحصل بسببها انواع الذوق والفتوح وَمِنْهُمْ اى من المنافقين مَنْ يَلْمِزُكَ ان يعيبك فان اللمز والهمز العيب واللامز كالهامز واللماز واللمزة كالهماز والهمزة بمعنى العياب وقيل اللامز هو من يعيبك فى وجهك والهامز من يعيبك بالغيب فِي الصَّدَقاتِ اى فى شأن الزكاة ويطعن عليك فى قسمتها جمع صدقة من الصدق يسمى بها عطية يراد بها المثوبة لا التكرمة لان بها يظهر صدقه فى العبودية كما فى الكرامانى والآية نزلت فى ابى الجواظ المنافق حيث قال(3/451)
وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64)
ألا ترون الى صاحبكم يقسم صدقاتكم فى رعاة الغنم ويزعم انه يعدل فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها بيان لفساد لمزهم وانه لا منشأ له سوى حرصهم على حطام الدنيا اى ان اعطوا من تلك الصدقات قدر ما يريدون رَضُوا بما أعطوه وما وقع من القسمة واستحسنوها وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها ذلك المقدار بل اقل مما طمعوا إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ اى يفاجئون السخط دلت إذا الفجائية على انهم إذا لم يعطوا فاجأسخطهم ولم يمكن تأخره لما جبلوا عليه أمن محبة الدنيا والشره فى تحصيلها وفى التأويلات النجمية النفاق تزيين الظاهر بأركان الإسلام وتعطيل الباطن عن أنوار الايمان والقلب المعطل عن نور الايمان يكون مزينا بظلمة الكفر بحب الدنيا ولا يرضى الا بوجدان الدنيا ويسخط بفقدها: قال السعدي نكند دوست زينهار از دوست دل نهادم بر آنچهـ خاطر اوست كر بلطفم بنزد خود خواند ور بقهرم براند او داند وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ اى ما أعطاهم الرسول من الصدقات طيبى النفوس به وان قل وذكر الله تعالى للتعظيم والتنبيه على ان ما فعله الرسول عليه السلام كان بامره سبحانه فلا اعتراض عليه لكون المأمور به موافقا للحكمة والصواب وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ اى كفانا فضله وصنعه بنا وما قسمه لنا فان جميع ما أصابنا انما هو تفضل منه سواء كان لكسبنا مدخل فيه او لم يكن سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ صدقة اخرى وَرَسُولُهُ فيعطينا منها اكثر مما أعطانا اليوم إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ ان يغنينا من فضله والآية بأسرها فى حيز الشرط والجواب محذوف بناء على ظهوره ولتذهب فيه النفس كل مذهب ممكن اى لكان خيرا لهم [زيرا كه رضا بقسمت سبب بهجت است وجزع در ان موجب محنت. سلمى از ابراهيم أدهم نقل ميكند كه هر كه بمقادير خرسند شد از غم وملال بازرست]
رضا بداده بده وز جبين كره بگشا ... كه بر من وتو در اختيار نگشادست
ودرين معنى فرموده است بشنو اين نكته كه خود را ز غم آزاده كنى خون خورى گر طلب روزىء ننهاده كنى يقال إذا كان القدر حقا كان السخط حمقا ولما قدم سعد بن ابى وقاص رضى الله عنه مكة بعد ما كف بصره قيل له أنت مجاب الدعوة لم لا تسأل رد بصرك فقال قضاء الله تعالى أحب الىّ من بصرى قيل لحكيم ما السبب فى قبض الكف عند الولادة وفتحه عند الموت فانشد ومقبوض كف المرء عند ولادة دليل على الحرص المركب فى الحي ومبسوط كف المرء عند وفاته يقول انظروا انى خرجت بلا شىء- حكى- ان نباشا تاب على يد ابى يزيد البسطامي قدس سره فسأله ابو يزيد عن حاله فقال نبشت عن ألف فلم ار وجوههم الى القبلة الا رجلين فقال ابو يزيد مساكين أولئك نهمة الرزق حولت وجوههم عن القبلة فعلى العاقل التوكل على الله والاعتماد بوعده فان الله كاف لعبده ومن وجد الله فقد ما دونه لان فقدان الله فى وجدان ما سواه ووجدانه(3/452)