وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ألا أخبركم عن النفر الثلاثة اما أحدهم فاوى الى الله فآواه الله واما الآخر فاستحيى فاستحيى الله منه واما الآخر فاعرض فاعرض الله عنه)
بذكرش هر چهـ بينى در خروشست ... دلى داند درين معنى كه كوشست
نه بلبل بر گلش تسبيح خوانيست ... كه هر خارى بتوحيدش زبانيست
وَما لَكُمْ اى أي شىء حصل لكم من العلل ايها المؤمنون حال كونكم لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اى تاركين القتال يعنى لا عذر لكم فى ترك المقاتلة وهذا استفهام بمعنى التوبيخ ولا يقال ذلك الا عند سبق التفريط وَالْمُسْتَضْعَفِينَ عطف على السبيل بحذف المضاف لا على اسم الله وان كان اقرب لان خلاص المستضعفين سبيل الله لا سبيلهم والمعنى فى سبيل الله وفى خلاص الذين استضعفهم الكفار بالتعذيب والاسر وهم الذين اسلموا بمكة وصدهم المشركون عن الهجرة فبقوا بين أظهرهم مستذلين مستضعفين يلقون منهم الأذى الشديد وانما خصهم بالذكر مع ان سبيل الله عام فى كل خير لان تخليص ضعفة المسلمين من أيدي الكفار من أعظم الخير واخصه مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ بيان للمستضعفين والولدان الصبيان جمع ولد وانما ذكرهم معهم تسجيلا بافراط ظلمهم حيث بلغ إذا هم الولدان غير المكلفين إرغاما لآبائهم وأمهاتهم ومبغضة لهم لمكانهم ولان المستضعفين كانوا يشركون صبيانهم فى دعائهم استنزالا لرحمة الله بدعاء صغارهم الذين لم يذنبوا كما فعل قوم يونس وكما وردت السنة بإخراجهم فى الاستسقاء ودلت الآية على ان استنقاذ الأسارى من المسلمين من أيدي الكفار واجب بما قدروا عليه من القتال وإعطاء المال الَّذِينَ صفة للمستضعفين يَقُولُونَ يعنى لا حيلة لهؤلاء المستضعفين ولا ملجأ الا الله فيقولون داعين رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ مكة الظَّالِمِ أَهْلُها بالشرك الذي هو ظلم عظيم وباذية المسلمين وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا اى ول علينا واليا من المؤمنين يوالينا ويقوم بمصالحنا يحفظ علينا ديننا وشرعنا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً ينصرنا على أعدائنا ولقد استجاب الله دعاءهم حيث يسر لبعضهم الخروج الى المدينة قبل الفتح وجعل لمن بقي منهم الى الفتح خير ولى وأعز ناصر ففتح مكة على يدى نبيه صلى الله عليه وسلم فتولاهم أي تولية ونصرهم أي نصرة ثم استعمل عليهم عتاب بن أسيد فجعل يضعف قدر الضعيف للحق ويعز العزيز بالحق فرأوا منه الولاية والنصرة كما أرادوا حتى صاروا أعز أهلها الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اى المؤمنون انما يقاتلون فى دين الله الحق الموصل لهم الى الله عز وجل فى إعلاء كلمته فهو وليهم وناصرهم لا محالة وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ اى فيما يوصلهم الى الشيطان فلا ناصر لهم سواه فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ كأنه قيل إذا كان الأمر كذلك فقاتلوا يا اولياء الله اولياء الشيطان إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ الكيد السعى فى فساد الحال على جهة الاحتيال كانَ ضَعِيفاً اى ان كيده للمؤمنين بالاضافة الى كيد الله بالكافرين ضعيف لا يؤبه به فلا تخافوا أولياءه فان اعتمادهم على أضعف شىء وأوهنه وهذا كما يقال للحق دولة وللباطل جولة قالوا إدخال كان فى أمثال هذه المواقع لتأكيد بيان انه منذ كان كان كذلك(2/237)
فالمعنى ان كيد الشيطان منذ كان كان موصوفا بالضعف قال الامام فى تفسيره إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً لان الله ينصر أولياءه والشيطان ينصر أوليائه ولا شك ان نصرة الشيطان لاوليائه أضعف من نصرة الله لاوليائه ألا ترى ان اهل الخير والدين يبقى ذكرهم الجميل على وجه الدهر وان كانوا حال حياتهم فى غاية الفقر والذلة. واما الملوك والجبابرة فاذا ماتوا انقرضوا ولا يبقى فى الدنيا رسمهم ولا طللهم. قيل النار حفت بالشهوات وان فى كل نفس شيطانا يوسوس إليها وملكا يلهمها الخير فلا يزال الشيطان يزين ويخدع ولا يزال الملك يمنعها ويلهمها الخير فايهما كانت النفس معه كان هو الغالب. قيل ان كيد الشيطان والنفس بمثابة الكلب ان قاومته مزق الإهاب وقطع الثياب وان رجعت الى ربه صرفه عنك برفق فالله تعالى جعل الشيطان عدوا للعباد ليوحشهم به اليه وحرك عليهم النفس ليدوم إقبالهم عليه فكلما تسلطا عليهم رجعوا اليه بالافتقار
وقاموا بين يديه على نعت اللجأ والاضطرار ... قال احمد بن سهل اعداؤك اربعة. الدنيا
وسلاحها لقاء الخلق وسجنها العزلة. والشيطان وسلاحه الشبع وسجنه الجوع. والنفس وسلاحها النوم وسجنها السهر. والهوى وسلاحه الكلام وسجنه الصمت واعلم ان كيد الشيطان ضعيف فى الحقيقة فان الله ناصر لاوليائه كل حين ويظهر ذلك الامداد فى نفوسهم بسبب تزكيتهم النفس وتخلية القلب عن الشواغل
الدنيوية وامتلاء أسرارهم بنور التوحيد فان الشيطان ظلمانى يهرب من النورانى لا محالة- روى- ان عمر بن الخطاب رضى الله عنه استأذن يوما على النبي عليه السلام وعنده نساء من قريش يسألنه عالية أصواتهن على صوته فلما دخل ابتدرن الحجاب فجعل صلى الله عليه وسلم يضحك فقال ما اضحكك يا رسول الله بابى أنت وأمي فقال صلى الله عليه وسلم (عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندى فلما سمعن صوتك بادرن الحجاب) فقال عمر أنت أحق ان يهبن يا رسول الله ثم اقبل عليهن فقال اى عدوات انفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن أنت أفظ واغلظ من رسول الله فقال عليه السلام (يا ابن الخطاب فو الذي نفسى بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك) - وروى- عن وهب بن منبه انه قال كان عابد فى بنى إسرائيل أراد الشيطان ان يضله فلم يستطع من أي جهة اراده من الشهوة والغضب وغير ذلك فاراده من قبل الخوف وجعل يدلى الصخرة من الجبل فاذا بلغه ذكر الله تباعد عنه ثم تمثل بالحية وهو يصلى فجعل يلتوى على رجليه وجسده حتى يبلغ رأسه وكان إذا أراد السجود التوى فى موضع رأسه فجعل ينحيه بيده حتى يتمكن من السجود فلما فرغ من صلاته وذهب جاء اليه الشيطان فقال له فعلت لك كذا وكذا فلم أستطع منك على شىء فاريد ان أصادقك اى ان أكون صديقا لك فانى لا أريد ضلالتك بعد اليوم فقال العابد مالى حاجة فى مصادقتك فقال الشيطان ألا تسألنى بأى شىء أضل به بنى آدم قال نعم قال بالشح والحدة والسكر فان الإنسان إذا كان شحيحا قللنا ماله فى عينه فيمنعه من حقوقه ويرغب فى اموال الناس
كريمانرا بدست اندر درم نيست ... خداوندان نعمت را كرم نيست
وقيل فى بعض الاشعار(2/238)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)
باشد چوابر بي مطر وبحر بي گهر ... آنرا كه با جمال نكو جود بار نيست
وإذا كان الرجل حديدا ادرناه بيننا كما يدير الصبيان الاكرة ولو كان يحيى الموتى لم نبال به
اگر آيد ز دوستى گنهى ... بگناهى نشايد آزردن
ور زبانرا بعذر بگشايد ... بايدت خشم را فرو خوردن
زانكه نزديك عاقلان بترست ... عفو ناكردن از گنه كردن
واما إذا سكر قدناه الى كل شىء كما تقاد العنز بإذنها
مى مزيل عقل شد اى نا خلف ... تا بچندى ميخورى در روزگار
آدمي را عقل بايد در بدن ... ور نه جان در كالبد دارد حمار
فعلى العاقل ان يجاهد فى سبيل الله فان المجاهدة على حقيقتها تقوى الروح الضعيف الذي استضعفه النفس بالاستيلاء عليه ويتضرع الى الله بالصدق والثبات حتى يخرج من قرية البدن الظالم أهلها وهو النفس الامارة بالسوء ويتشرف بولاية الله تعالى فى مقام الروح رزقنا الله وإياكم فتح باب الفتوح آمين يا ميسر كل عسير أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ- روى- ان ناسا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل ان يهاجر الى المدينة وشكوا اليه ما يلقون من أذى المشركين قالوا كنا فى عز فى حالة الجاهلية والآن صرنا اذلة فلو أذنت لنا قتلنا هؤلاء المشركين على فرشهم فقال صلى الله عليه وسلم (كفوا ايديكم) اى أمسكوا (عن القتال) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ واشتغلوا بما أمرتم به فانى لم أومر بقتالهم وكانوا فى مدة إقامتهم بمكة مستمرين على تلك الحالة فلما هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة وأمروا بالقتال فى وقت بدر كرهه بعضهم وشق ذلك عليه لكن لا شكا فى الدين ولا رغبة عنه بل نفورا من الاخطار بالأرواح وخوفا من الموت بموجب الجبلة البشرية لان حب الحياة والنفرة من القتل من لوازم الطباع وذلك قوله تعالى فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ اى فرض عليهم الجهاد إِذا فَرِيقٌ إذا للمفاجأة وفريق مبتدأ مِنْهُمْ صفة يَخْشَوْنَ النَّاسَ خبره والجملة جواب لما اى فاجأ فريق منهم ان يخشوا الكفار أن يقتلوهم كَخَشْيَةِ اللَّهِ مصدر مضاف الى المفعول محله النصب على انه حال من فاعل يخشون اى يخشونهم متشبهين باهل خشية الله تعالى أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً عطف عليه بمعنى او أشد خشية من اهل خشية الله وكلمة او للتنويع على معنى ان خشية بعضهم كخشية الله او خشية بعضهم أشد منها وَقالُوا عطف على جواب لما اى فلما كتب عليهم القتال فاجأ فريق منهم خشية الناس وقالوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ فى هذا الوقت لا على وجه الاعتراض على حكمه تعالى والإنكار لا يجابه بل على طريقة تمنى التخفيف لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ اى هلا أمهلتنا وتركتنا الى الموت حتى نموت بآجالنا على الفراش وهذا استزادة فى مدة الكف واستمهال الى وقت آخر حذرا من الموت وحبا للحياة قُلْ اى تزهيدا لهم فيما يؤملونه بالقعود من المتاع الفاني وترغيبا فيما ينالونه بالقتال من النعيم الباقي مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ اى ما يتمتع وينتفع به فى الدنيا سريع النقض وشيك الانصرام وان(2/239)
أخرتم الى ذلك الاجل ولو استشهدتم فى القتال صرتم احياء فتتصل الحياة الفانية بالحياة الباقية وَالْآخِرَةُ اى ثوابها الذي من جملته الثواب المنوط بالقتال خَيْرٌ لكم من ذلك المتاع القليل لكثرته وعدم انقطاعه وصفائه عن الكدورات وانما قيل لِمَنِ اتَّقى حثالهم على اتقاء العصيان والإخلاص بمواجب التكليف وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا عطف على مقدر اى تجزون ولا تنقصون ادنى شىء من أجور أعمالكم التي من جملتها مسعاتكم فى شأن القتال فلا ترغبوا عنه اعلم ان الآخرة خير من الدنيا لان نعم الدنيا قليلة ونعم الآخرة كثيرة ونعم الدنيا منقطعة ونعم الآخرة مؤبدة ونعم الدنيا مشوبة بالهموم والغموم والمكاره ونعم الآخرة صافية عن الكدورات ونعم الدنيا مشكوكة فان أعظم الناس تنعما لا يعرف انه كيف تكون عاقبته فى اليوم الثاني ونعم الآخرة يقينية فعلى العاقل ان يختار ما هو خير من كل وجه وهو الآخرة على ما هو شر من كل جهة وهو الدنيا: قال السعدي فى بعض قصائده
عمارت با سراى ديگر انداز ... كه دنيا را اساسى نيست محكم
فريدون را سرآمد پادشاهى ... سليمانرا برفت از دست خاتم
وفادارى مجوى از دهر خونخوار ... محالست انگبين در كام أرقم
مثال عمر سر بر كرده شمعيست ... كه كوته باز مى باشد دمادم
ويا برفى گدازان بر سر كوه ... كزو هر لحظه جزئى ميشود كم
- روى- ان رجلا اشترى دارا فقال لعلى رضى الله عنه اكتب القبالة فكتب [بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فقد اشترى مغرور من مغرور دارا دخل فيها فى سكة الغافلين لا بقاء لصاحبها فيها الحد الاول ينتهى الى الموت والثاني الى القبر والثالث الى الحشر والرابع الى الجنة او الى النار والسلام] فقرأ على الرجل فرد الدار وتصدق بالدنانير كلها وتزهد فى الدنيا فهذا هو حال العارفين حقيقة الحال قال القشيري رحمه الله مكنك من الدنيا ثم قللها فلم يعدها لك شيأ ثم لو تصدقت منها بشق تمرة استكثر منك وهذا غاية الكرم وشرط المحبة وهو استقلال الكثير من نفسه واستكثار القليل من حبيبه وإذا كان قيمة الدنيا قليلة فاخس من الخسيس من رضى بالخسيس بدلا من النفس وقال ان الله تعالى اختطف المؤمن من الكون بالتدريج فقال اولا قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ فاختطفهم من الدنيا بالعقبى ثم استلبهم عن الكونين بقوله وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى فلا بد للسالك ان يترقى الى أعلى المنازل ويسعى من غير فتور وكلال: قال مولانا جلال الدين قدس سره
اى برادر بي نهايت در كهيست ... هر كجا كه مى رسى بالله مايست
وثمرة المجاهدة لا تضيع البتة بل تجزى كل نفس بما عملت قال بعض المشايخ انما جعل الدار الآخرة محلا لجزاء عباده المؤمنين لان هذه الدار لا تسع ما يريد ان يعطيهم ظاهرا وباطنا وكل ما فى الجنة لا يوافق ما فى الدنيا الا من حيث التسمية ولانه تعالى أجل أقدارهم عن ان يجازيهم فى دار لا بقاء لها قال تعالى وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى ثم الجزاء فى تلك الدار له علامة فى هذه الدار وهى انه من وجد ثمرة عمله عاجلا وهى الحلاوة فيه والتوفيق لغيره والشكر عليه(2/240)
أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)
فهو دليل على وجود القبول لان الجزاء على ذلك مقصور قال ابراهيم بن أدهم لو يعلم الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف وقال بعضهم ليس شىء من البر الا ودونه عقبة يحتاج الى الصبر فيها فمن صبر على شدتها افضى الى الراحة والسهولة وانما هى مجاهدة النفس ثم مخالفة الهوى ثم المكابدة فى ترك الدنيا ثم اللذة والتنعم وانما يطيع العبد ربه على قدر منزلته منه فمن سره ان يعوف منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله فى قلبه وقيل لبعضهم هل تعرف الله فغضب وقال ترانى اعبد من لا اعرف فقال له السائل او تعصى من تعرف: قال السعدي قدس سره
عمرى كه ميرود بهمه حال سعى كن ... تا در رضاى خالق بيچون بسر برى
وقال ايضا
پير بودى وره ندانستى ... تو نه پيرى كه طفل كتابى
أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ المقدر بالأجل او العذاب وفى لفظ الإدراك اشعار بانهم فى الهرب منه وهو مجد فى طلبهم وهو كلام مبتدأ لا محل له من الاعراب وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ
اى وان كنتم فى قصور عالية الى السماء محكمة بالشيد وهو الجص لا يصعد إليها بنوا آدم قال مجاهد فى هذه الآية كان فيمن قبلكم امرأة وكان لها أجير فولدت جارية فقالت لا جيرها اقتبس لنا نارا فخرج فوجد بالباب رجلا فقال له الرجل ما ولدت هذه المرأة قال جارية قال اما هذه الجارية لا تموت حتى تزنى بمائة ويتزوجها أجيرها ويكون موتها بالعنكبوت فقال الأجير فى نفسه فانا أريد هذه بعد ان تفجر بمائة لا قتلنها فاخذ شفرة فدخل فشق بطن الصغيرة وخرج على وجهه وركب البحر وخيط بطن الصبية فعولجت وبرئت وشبت فكانت تزنى فاتت ساحلا من ساحل البحر فاقامت عليه تزنى ولبث الرجل ما شاء الله ثم قدم ذلك الساحل ومعه مال كثير فقال لامرأة من اهل الساحل اطلعى لى امرأة من أجمل النساء أتزوجها فقالت هاهنا امرأة من أجمل النساء ولكنها تفجر فقال ائتيني بها فاتتها فقالت قد قدم رجل له مال كثير وقال لى كذا وكذا فقالت انى تركت الفجور ولكن ان أراد ان يتزوجنى تزوجته قال فتزوجها فوقعت منه موقعا فبينما هو يوما عندها إذا خبرها بامره فقالت انا تلك الجارية وارته الشق فى بطنها وقد كنت افجر فما أدرى بمائة او اقل او اكثر فقال زوجها فى نفسه ان الرجل الذي كان خارج الباب قال يكون موتها بالعنكبوت ثم أخبرها بذلك قال فبنى لها برجا فى الصحراء وشيده فبينما هى يوما فى ذلك البرج إذا عنكبوت فى السقف فقالت هذا يقتلنى لا قتلنه إذ لا يقتله أحد غيرى فحركته فسقط فاتته فوضعت إبهام رجلها عليه فشدخته فساح سمه بين ظفرها واللحم فاسودت رجلها فماتت وفى ذلك نزلت هذه الآية أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وأجمعت الامة على ان الموت ليس له سن معلوم ولا أجل معلوم ولا مرض معلوم وذلك ليكون المرء على اهبة من ذلك مستعدا لذلك قال عليه السلام (أكثروا ذكر هاذم اللذات) يعنى الموت وهو كلام مختصر وجيز قد جمع التذكرة وابلغ فى الموعظة فان من ذكر الموت حقيقة ذكره نغض عليه اللذة الحاضرة ومنعه من تمنيها فى المستقبل وزهده فيما كان منها يؤمل ولكن النفوس(2/241)
مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)
الراكدة والقلوب الغافلة تحتاج الى تطويل الوعاظ وتزويق الألفاظ والا ففى قوله عليه السلام (أكثروا ذكر هاذم اللذات) مع قوله تعالى كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ما يكفى السامع ويشغل الناظر فيه: قال الحافظ قدس سره
سپهر پر شده پرويز نست خون افشان ... كه ريزه اش سر كسرى وتاج پرويزست
قال السعدي قدس سره
جهان اى پسر ملك جاويد نيست ... ز دنيا وفادارى اميد نيست
نه بر باد رفتى سحرگاه وشام ... سرير سليمان عليه السلام
بآخر نديدى كه بر باد رفت ... خنك آنكه با دانش ودار رفت
والاشارة فى الآية ان يا اهل البطالة فى زى الطلبة الذين غلب عليكم الهوى وجب إليكم الدنيا فاقعدكم عن طلب المولى ثم رضيتم بالحياة الدنيا واطمأننتم بها أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ اضطرارا ان لم تموتوا قبل ان تموتوا اختيارا وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ اى أجساد مجسمة قوية أمزجتها أوصلنا الله وإياكم الى حقيقة الفناء والبقاء آمين وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ اى نعمة كخصب يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ نسبوها الى الله وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بلية كقحط يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ أضافوها إليك يا محمد وقالوا ان هى الا بشؤمك كما قالت اليهود منذ دخل محمد المدينة نقضت ثمارها وغلت أسعارها قُلْ كُلٌّ من الحسنة والسيئة مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يبسط ويقبض حسب إرادته فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ اى أي شىء حصل لليهود والمنافقين من العلل حال كونهم لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً اى لا يقربون من فهم حديث عن الله تعالى كالبهائم ولو فهموا لعلموا ان الكل من عند الله والفقه هو الفهم ثم اختص من جهة العرف بعلم الفتوى ما أَصابَكَ يا انسان مِنْ حَسَنَةٍ من خير ونعمة فَمِنَ اللَّهِ تفضلا منه فان كل ما يفعله الإنسان من الطاعة لا يكافئ نعمة الوجود فكيف يقتضى غيره ولذلك قال عليه السلام (ما أحد يدخل الجنة الا برحمة الله) قيل ولا أنت قال (ولا انا الا ان يتغمدنى الله برحمته) وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ من بلية وشىء تكرهه فَمِنْ نَفْسِكَ لانها السبب فيها لاستجلابها المعاصي وهو لا ينافى قوله كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فان الكل منه إيجادا وإيصالا غير ان الحسنة احسان وامتنان والسيئة مجازاة وانتقام كما قالت عائشة رضى الله عنها ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها وحتى انقطاع شسع نعله الا بذنب وما يغفر الله اكثر واعلم ان للاعمال اربع مراتب. منها مرتبتان لله تعالى وليس للعبد فيهما مدخل وهما التقدير والخلق. ومنها مرتبتان للعبد هما الكسب والفعل فان الله تعالى منزه عن الكسب وفعل السيئة وانهما يتعلقان بالعبد ولكن العبد وكسبه مخلوق خلقه الله تعالى كما قال وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ فهذا تحقيق قوله قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ اى خلقا وتقديرا لا كسبا وفعلا فافهم واعتقد فانه مذهب اهل الحق وارباب الحقيقة كذا فى التأويلات النجمية قال الضحاك ما حفظ الرجل القرآن ثم نسيه الا بذنب ثم قرأ وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ(2/242)
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80)
قال فنسيان القرآن من أعظم المصائب وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا اى رسولا للناس جميعا لست برسول للعرب وحدهم بل أنت رسول العرب والعجم كقوله تعالى وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ فرسولا حال قصد بها تعميم الرسالة والجار متعلق بها قدم عليها للاختصاص وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً على رسالتك بنصب المعجزات وفى التأويلات النجمية يشير بقوله تعالى وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا اى الناس الذين قد نسوا الله ونسوا ما شاهدوا منه وما عاهدوا عليه الله وأرسلناك إليهم لتبلغهم كلامنا وتذكرهم أيامنا وتجدد لهم عهودنا وترغبهم فى شهودنا وتدعوهم إلينا وتهديهم الى صراطنا وتكون لهم سراجا منيرا يهتدون بهداك ويتبعون خطاك الى ان توصلهم الى الدرجات العلى وتنزلهم فى المقصد الأعلى وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً اى شاهدا لاحبائه وأوليائه لئلا يكتفوا براحة دون لقائه انتهى: قال الحافظ قدس سره
يوسف عزيزم رفت اى برادر آن ز چمن ... كز غمش عجب ديدم حال پير كنعان
وفى الآية تعليم الأدب ورؤية التأثير من الله تعالى- روى- ان أبا بكر رضى الله عنه ابتلى بوجع السن سبع سنين فاعلمه جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل عليه السلام عن حاله فقال (لم لم تذكر يا أبا بكر) فقال كيف أشكو مما جاء من الحبيب فلا بد من التخلق بالأخلاق الحسنة لان الكل من عند الله وانما أرسل الله رسوله لاخراج الناس من الظلمات الى النور فاذا تأدبوا بالآداب النبوية وصلوا الى الحقيقة المحمدية: قال الشيخ العطار
دعوتش فرمود بهر خاص وعام ... نعمت خود را برو كرده تمام
مبعث او سر نكونئ بتان ... امت او بهترين امتان
بر ميان دو كتف خورشيدوار ... داشته مهر نبوت آشكار
وكان خاتم النبوة بين كتفيه صلى الله عليه وسلم اشارة الى عصمته من وسوسة الشيطان لان الخناس يجيئ من بين الكتفين فيدخل خرطومه قبل قلب الإنسان فيوسوس اليه فاذا ذكر الله خنس وراءه وكان حول خاتم النبوة شعرات مائلة الى الحضرة مكتوب عليه [محمد نبى أمين] وقيل غير ذلك والتوفيق بين الروايات بتعدد الخطوط وتنوعها بحسب الحالات والتجليات او بالنسبة الى انظار الناظرين. ثم انه قد اتفق اهل العلم على افضلية شهر رمضان لانه انزل فيه القرآن ثم شهر ربيع الاول لانه مولد حبيب الرحمن. واما أفضل الليالى فقيل ليلة القدر لنزول القرآن فيها وقيل ليلة المولد المحمدي لو لاه ما انزل القرآن ولا تعينت ليلة القدر فعلى الامة تعظيم شهر المولد وليلته كى ينالوا منه شفاعته ويصلوا الى جواره مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ لانه فى الحقيقة مبلغ والآمر هو الله تعالى- روى- انه عليه السلام قال (من أحبني فقد أحب الله ومن أطاعني فقد أطاع الله) فقال المنافقون لقد قارف الشرك وهو ينهى عنه ما يريد الا ان نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى فنزلت وَمَنْ تَوَلَّى اى اعرض عن طاعته فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها انما عليك البلاغ وعلينا الحساب. قوله حفيظا حال من كاف أرسلناك(2/243)
وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)
وعليهم متعلق بحفيظا وَيَقُولُونَ إذا امرتهم بأمر طاعَةٌ اى أمرنا وشأننا طاعة فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ اى خرجوا بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ اى زورت خلاف ما قلت لها يا محمد فالضمير للخطاب او ما قالت لك من ضمان الطاعة فالضمير للغيبة واشتقاق البيت من البيتوتة ولما كان غالب الافكار التي يستقصى فيها الإنسان واقعا فى الليل إذ هناك يكون الخاطر أصفى والشواغل اقل سمى الفكر المستقصى مبيتا وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ يثبته فى صحائف أعمالهم للمجازاة فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ قلل المبالاة بهم وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فى الأمور كلها سيما فى شأنهم وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا يكفيك معرتهم وينتقم لك منهم إذا قوى امر الإسلام وعز أنصاره. والوكيل هو العالم بما يفوض اليه من التدبير أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ يتأملون فى معانيه ويتبصرون ما فيه واصل التدبير النظر فى ادبار الشيء وما يؤول اليه فى عاقبته ومنتهاه ثم استعمل فى كل تأمل وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ اى ولو كان من كلام البشر كما زعم الكفار لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً من تناقض المعنى وتفاوت النظم وكان بعضه فصيحا وبعضه ركيكا وبعضه يصعب معارضته وبعضه يسهل ومطابقة بعض اخبار المستقبلة للواقع دون بعض وموافقة العقل لبعض أحكامه دون بعض على ما دل عليه الاستقراء لنقصان القوة البشرية. وهل يجوز ان يقال بعض كلام الله ابلغ من بعض. قال الامام السيوطي فى الإتقان جوزه قوم لقصور نظرهم فينبغى ان يعلم ان معنى قول القائل هذا الكلام ابلغ من هذا الكلام ان هذا فى موضعه له حسن ولطف وبلاغة وذاك فى موضعه له حسن ولطف وهذا الحسن فى موضعه أكمل وابلغ من ذلك فى موضعه فلا ينبغى ان يقال ان قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ابلغ من تَبَّتْ بل ينبغى ان يقال تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ دعاء عليه بالخسران فهل توجد عبارة للدعاء بالخسران احسن من هذه وكذلك فى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لا توجد عبارة تدل على وحدانيته ابلغ منها فالعالم إذا انظر الى تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ فى باب الدعاء بالخسران ونظر الى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فى باب التوحيد لا يمكنه ان يقول أحدهما ابلغ من الآخر. وقال بعض المحققين كلام الله فى الله أفضل من كلامه فى غيره ف قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ أفضل من تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ لان فيه فضيلة الذكر وهو كلام الله وفضيلة المذكور وهو اسم ذاته وتوحيده وصفاته الايجابية والسلبية وسورة تبت فيها فضيلة الذكر فقط وهو كلام الله تعالى. قال الغزالي فى جوهر القرآن ومن توقف فى تفضيل الآيات أول قوله عليه السلام (أفضل سورة وأعظم سورة) بانه أراد فى الاجر والثواب لا ان بعض القرآن أفضل من بعض فالكل فى فضل الكلام واحد والتفاوت فى الاجر لا فى كلام الله تعالى من حيث هو كلام الله القديم القائم بذاته تعالى انتهى. يقول الفقير جامع هذه المجالس النفيسة قولهم ان هذه الآية فى غاية الفصاحة كما قال القاضي عند قوله تعالى وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ الآية يشعر بجواز القول التفاوت فى طبقات الفصاحة كما عليه علماء البلاغة ومن هنا: قال من قال
در بيان ودر فصاحت كى بود يكسان سخن ... گر چهـ گوينده بود چون جاحظ و چون أصمعي(2/244)
در كلام ايزد بيچون كه وحي منزلست ... كى بود تبت يدا مانند يا ارض ابلعي
قال العلماء القرآن يدل على صدقه عليه السلام من ثلاثة أوجه. أحدها اطراد ألفاظه فى الفصاحة. وثانيها اشتماله على الاخبار عن الغيوب. والثالث سلامته من الاختلاف وسبب سلامته منه على ما ذهب اليه اكثر المتكلمين ان القرآن كتاب كبير مشتمل على انواع كثيرة من العلوم فلو كان ذلك من عند غير الله لوقع فيه انواع من الكلمات المتناقضة لان الكتاب الكبير الطويل لا ينفك عن ذلك ولما لم يوجد فيه ذلك علمنا انه ليس من عند غير الله وانما هو وحي اوحى اليه عليه السلام من عند الله بوساطة جبرائيل فمن أطاعه فيه فقد أطاع الله والاطاعة سبب لنيل المطالب الدنيوية والاخروية ويرشدك على شرف الاطاعة ان كلب اصحاب الكهف لما تبعهم فى طاعة الله وعدله دخول الجنة: كما قال السعدي
سگ اصحاب كهف روزى چند ... پى مردم گرفت ومردم شد
فاذا كان من تبع المطيعين كذلك فما ظنك
بالمطيعين وكما ان من صلى ولم يؤد الزكاة لم تقبل منه الصلاة ومن شكر الله فى نعمائه ولم يشكر الوالدين لا يقبل منه فكذلك من أطاع الله ولم يطع الرسول لا يقبل منه. والاشارة ان الرسول صلى الله عليه وسلم كان لوصفه بالفناء فانيا فى الله باقيا بالله قائما مع الله فكان خليفة الله على الحقيقة فيما يعامل الخلق حتى قال وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وكان الله خليفته فيما يعامله الخلق حتى قال إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ ولهذا كان يقول صلى الله عليه وسلم (الله خليفتى على أمتي) وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً فانك لست لك حافظا فكيف لهم فانهم تولوا عنى لا عنك فانما على حسابهم لا عليك وفى قوله تعالى وَيَقُولُونَ طاعَةٌ اشارة الى احوال اكثر مريدى هذا الزمان إذا كانوا حاضرين فى الصحبة ينعكس تلألؤ أشعة أنوار الولاية فى مرآة قلوبهم فيزدادون ايمانا مع ايمانهم وارادة مع إرادتهم فيصغون بآذانهم الواعية الى الحكم والمواعظ الحسنة ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ويقولون السمع والطاعة فيما يسمعون ويخاطبون به فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ وهب لهم رياح الهوى وشهوة الحرص وتمايلت قلوبهم عن مجازات القرار على الولاية وعاد المشئوم الى طبعه بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ اى يغير عليهم ما يغيرون على أنفسهم لان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ فاصفح عنهم واصبر معهم وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ لعل الله يصلح بالهم ولا يجعل التغيير وبالهم ويحسن عاقبتهم ومآلهم وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا للمتوكلين عليه والملتجئين اليه ثم اخبر عن الدواء كما اخبر عن الداء بقوله أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ والاشارة ان العباد لو كانوا يتدبرون القرآن ويتفكرون فى آثار معجزاته وأنوار هداياته ونظم آياته وكمال فصاحته وجمال بلاغته وجزالة ألفاظه ورزانة معانيه ومتانة مبانيه وفى أسراره وحقائقه ودقة إشاراته ولطائفه وانواع معالجاته لامراض القلوب من إصابة ضرر الذنوب لوجدوا فيه لكل داء دواء ولكل مرض شفاء ولكل عين قرة ولكل وجه غرة ولرأوا كأسه موصوفا بالصفاء محفوظا من القذى بحرا لا تنقضى عجائبه وبرا لا تنتفى غرائبه روحا لا تباغض فيه ولا خلاف وجثة لا تناقض فيها ولا اختلاف(2/245)
وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)
وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ولم يجدوا فيه نقيرا ولا قطميرا انتخبته من التأويلات النجمية: وفى المثنوى
چون تو در قرآن حق بگريختى ... با روان انبيا آميختى
هست قرآن حالهاى انبيا ... ماهيان بحر پاك كبريا
ور بخوانى ونه قرآن پذير ... انبيا وأوليا را ديده گير
وَإِذا جاءَهُمْ اى بلغ ضعفة المسلمين أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ اى خبر من السرايا الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظفر وغنيمة او نكبة وهزيمة أَذاعُوا بِهِ اى أفشوا ذلك الخبر وأظهروه لعدم خبرتهم بالأحوال واستنباطهم للامور وكانت إذا عتهم مفسدة يقال أذاع السرور أذاع به والباء مزيدة وَلَوْ رَدُّوهُ اى ذلك الخبر إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ بترك التعرض له وجعله بمنزلة غير المسموع وتفويض امره الى رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ورأى كبار أصحابه كالخلفاء الاربعة او رأى أمراء السرايا فكبار الصحابة أولوا امر على معنى انهم البصراء بالأمور وان لم يكن لهم امر على الناس والأمراء أولوا امر على الناس مع كونهم بصراء بالأمور لَعَلِمَهُ اى لعلم تدبير ما أخبروا به على أي وجه يذكرونه الَّذِينَ اى الرسول وأولوا الأمر الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ اى يستخرجون تدبيره بتجاربهم وانظارهم الصحيحة ومعرفتهم بامور الحرب ومكايدها. واصل الاستنباط إخراج النبط وهو الماء يخرج من البئر أول ما تحفر يقال انبط الحفار إذا بلغ الماء وسمى القوم الذين ينزلون بالبطائح بين العراقين نبطا لاستناطهم الماء من الأرض وقيل كانوا يقفون من رسول الله صلى الله عليه وسلم واولى الأمر على أمن ووثوق بالظهور على بعض الأعداء او على خوف واستشعار فيذيعونه فينشر فيبلغ الأعداء فتعود اذاعتهم مفسدة ولوردوه الى الرسول والى اولى الأمر منهم وفوضوه إليهم وكانوا كأن لم يسمعوا لعلمه الذين يستنبطون تدبيره كيف يدبرونه وما يأتون ويذرون منه فالمراد بالمستنبطين منهم على كلا الوجهين الرسول وأولوا الأمر. ومن فى قوله يستنبطونه منهم اما تبعيضية واما بيانية تجريدية. وفى الآية نهى عن افشاء السر قيل لبعض الأدباء كيف حفظك للسر قال انا قبره ومن هذا قيل صدور الأبرار قبور الاسرار وفى المثنوى
ور بگوئى با يكى دو الوداع ... كل سر جاوز الاثنين شاع «1»
نكته كان جست تا كه از زبان ... همچوتيرى دان كه جست آن از كمان «2»
وا نگردد از ره آن تير اى پسر ... بند بايد كرد سيلى را ز سر
وفى الآية اشارة الى ارباب السلوك إذا فتح لهم باب من الانس او الهيبة او الحضور او الغيبة من آثار صفات الجمال والجلال اشاعوه الى الأغيار ولو كان رجوعهم فى حل هذه المشكلات الى سنن الرسول صلى الله عليه وسلم والى سير اولى الأمر منهم وهم المشايخ البالغون الواصلون ومن كان له شيخ كامل فهو ولى امره لعلمه الذين يستنبطونه منهم وهم ارباب الكشوف بحقائق الأشياء فهم الغواصون فى بحار أوصاف البشرية المستخرجون من أصداف
__________
(1) در أوائل دفتر يكم در بيان منع كردن خرگوش راز را از نخجيران
(2) در اواسط دفتر يكم در بيان بازگفتن بازرگان با طوطى آنچهـ در هندوستان ديده(2/246)
فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84) مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85) وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87) فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91)
العلوم درر حقائق المعرفة وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ بإرسال الرسول وإنزال الكتاب لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ بالكفر والضلال إِلَّا قَلِيلًا اى الا قليلا منكم فان من خصه الله بعقل راجح وقلب غير متكدر بالانهماك فى اتباع الشهوات يهتدى الى الحق والصواب ولا يتبع الشيطان ولا يكفر بالله وان فرض عدم إنزال القرآن وبعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وغيرهما ممن كان على دين المسيح قبل بعثته. وقال الشيخ نجم الدين قدس سره فى تأويلاته لعل الاستثناء راجع الى الصديق رضى الله عنه فانه كان قبل مبعث النبي عليه السلام يوافقه فى طلب الحق قالت عائشة رضى الله عنها لم اعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم الا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفى النهار بكرة وعشيا- وروى- عن النبي عليه السلام كنت وابو بكر كفرسى رهان سبقته فتبعنى ولو سبقنى لتبعته وفى الحقيقة كان النبي عليه السلام فضل الله ورحمته يدل عليه قوله تعالى هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا الى قوله ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وقوله تعالى وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ فلولا وجود النبي عليه السلام وبعثته لبقوا فى تيه الضلالة تائهين كما قال تعالى وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ يعنى قبل بعثته وكانوا قد اتبعوا الشيطان الى شفا حفرة من النار وكان عليه السلام فضلا ورحمة عليهم فانقذهم منها كما قال تعالى وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها: قال الشيخ العطار قدس سره
خويشتن را خواجه عرصات گفت ... انما انا رحمة مهدات گفت
: وقال حضرة الهدايى قدس سره
سرمايه سعادت عالم محمد است ... مقصود ازين طينت آدم محمد است
در صورت آدم آمد اگر چهـ مقدما ... در معنى پيشوا ومقدم محمد است
گر چهـ هدايى رسالت مكرم است ... محبوب حق محمد وخاتم محمد است
قال بعض الحكماء ان الله تعالى خلق محمدا صلى الله عليه وسلم فجعل رأسه من البركة وعينيه من الحياء واذنيه من العبرة ولسانه من الذكر وشفتيه من التسبيح ووجهه من الرضى وصدره من الإخلاص وقلبه من الرحمة وفؤاده من الشفقة وكفيه من السخاوة وشعره من نبات الجنة وريقه من عسل الجنة فلما أكمله بهذه الصفة أرسله الى هذه الامة فقال هذا هديتى إليكم فاعرفوا قدر هديتى وعظموه كذا فى زهرة الرياض. وقيل فى وجه عدم ارتحال جسده الشريف النظيف من الدنيا مع ان عيسى عليه السلام قد عرج الى السماء بجسده انه انما بقي جسمه الطاهر هنا لاصلاح عالم الأجساد وانتظامه فانه مظهر الذات وطلسم الكائنات فجميع الانتظام بوجوده الشريف كذا فى الواقعات المحمودية نقلا عن حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس الله سره آمين آمين يا رب العالمين فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الفاء جزائية والجملة جواب لشرط مقدر اى ان تثبط المنافقون وقصر الآخرون وتركوك وحدك فقاتل أنت يا محمد وحدك فى الطريق الموصل الى رضى الله وهو الجهاد ولا تبال بما فعلوا لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ مفعول(2/247)
ثان للفعل المخاطب المجهول اى إلا فعل نفسك لا يضرك لمخالفتهم وتقاعدهم فتقدم الى الجهاد وان لم يساعدك أحد فان الله ناصرك لا الجنود. والتكلف اسم لما يفعل بمشقة او بتصنع فالمحمود منه ما فعل بمشقة حتى الف ففعل بمحبة كالعبادات والمذموم منه ما يتعاطى تصنعا ورياء وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ على القتال اى رغبهم فيه بذكر الثواب والعقاب او بوعد النصرة والغنيمة وما عليك فى شأنهم الا التحريض فحسب لا التعنيف بهم- روى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعد أبا سفيان بعد حرب أحد موسم بدر الصغرى فى ذى القعدة وهى سوق من المدينة على ثمانية أميال ويقال لها حمراء الأسد ايضا فلما بلغ الميعاد دعا الناس الى الخروج فكرهه بعضهم فانزل الله هذه الآية فخرج صلى الله عليه وسلم فى سبعين راكبا فكفاهم الله القتال كما قال عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ اى يمنع بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا البأس فى الأصل المكروه ثم وضع موضع الحرب والقتال قال تعالى لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا وعسى من الله واجب لانه فى اللغة الاطماع والكريم إذا أطمع أنجز وقد فعل حيث القى فى قلوب الكفرة الرعب حتى رجعوا من مر الظهران- ويروى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وافى بجيشه بدرا وقام بها ثمانى ليال وكان معهم تجارات فباعوها وأصابوا خيرا كثيرا وقد مر فى سورة آل عمران وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً اى من قريش وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا اى تعذيبا وعقوبة ينكل من يشاهدها عن مباشرة ما يؤدى إليها ويجوز ان يكونا جميعا فى الدنيا وان يكون أحدهما فى الدنيا والآخر فى العقبى. ثم له ثلاثة أوجه. أحدها ان معناه ان عذاب الله تعالى أشد من جميع ما ينالكم بقتالهم لان مكروههم ينقطع ثم تصيرون الى الجنة وما يصل الى الكفار والمنافقين من عذاب الله يدوم ولا ينقطع. والثاني لما كان عذاب الله أشد فهو اولى ان يخاف ولا يجرى فى امره بالقتال منكم خلاف وهذا وعيد. والثالث لما كان عذاب الله أشد فهو يدفعهم عنكم ويكفيكم أمرهم وهذا وعد وانما جبن المتقاعدون لشدة بأس الكفار وصولتهم ولكن الله قاهر فوق عباده وقوة اليقين رأس مال الدين والموت تحفة المؤمن الكامل خصوصا إذا كان فى طريق الجهاد والدنيا سريعة الزوال ولا تبقى على كل حال وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه كثيرا ما ينشد هذه الأبيات
لا شىء مما نرى تبقى بشاشته ... يبقى الا له ويردى المال والولد
لم تغن عن هرمز يوما خزائنه ... والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجرى الرياح له ... والانس والجن فيما بينها ترد
اين الملوك التي كانت لعزتها ... من كل أوب إليها وافد يفد
حوض هنالك مورود بلا كذب ... لا بد من ورده يوما كما وردوا
وفى التأويلات النجمية فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ المعنى فجاهد فى طلب الحق نفسك فان فى طلب الحق لا تكلف نفسا اخرى الا نفسك وفيه معنى آخر لا تكلف نفس اخرى بالجهاد لاجل نفسك لان حجابك من نفسك لا من نفس اخرى فدع نفسك وتعال فانك صاحب يوم لا تملك نفس لنفس شيأ وذلك لانه صلى الله عليه وسلم اختص بهذا المقام(2/248)
مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)
من جميع الأنبياء والمرسلين وان يكون فانى النفس والذي يدل عليه ان الأنبياء يوم القيامة يقولون لبقاء نفوسهم نفسى نفسى ويقول النبي عليه السلام لفناء نفسه أمتي أمتي فافهم جدا ثم قال وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ على القتال يعنى فى الجهاد الأصغر والجهاد الأكبر عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ظاهرا وباطنا فالظاهر الكفار والباطن النفس وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا فى استيلاء سطوات صفات قهره عند تجلى صفة جلاله للنفس من بأس الكافر عليها انتهى: وفى المثنوى
اندرين ره مى تراش ومى خراش ... تا دم آخر دمى فارغ مباش «1»
اى شهان كشتيم ما خصمى برون ... ماند خصمى زوان بتر در اندرون «2»
كشتن اين كار عقل وهوش نيست ... شير باطن سخره خرگوش نيست
سهل شيرى دانكه صفها بشكند ... شير آنست آنكه خود را بشكند
مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وهو ثواب الشفاعة والتسبب الى الخير الواقع بها والشفاعة الحسنة هى التي روعى بها حق مسلم ودفع بها عنه شر او جلب اليه خير وابتغى بها وجه الله تعالى ولم تؤخذ عليها رشوة وكانت فى امر جائز لا فى حد من حدود الله ولا فى حق من الحقوق وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً وهى ما كانت بخلاف الحسنة يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها اى نصيب من وزرها مساولها فى المقدار من غير ان ينقص منه شىء. وعن مسروق انه شفع شفاعة فاهدى اليه المشفوع له جارية فغضب وردها وقال لو علمت ما فى قلبك لما تكلمت فى حاجتك لا أتكلم فيما بقي منها. ومن بلاغات الزمخشري شيآن شينان فى الإسلام الشفاعة فى الحدود والرشوة فى الاحكام والحدود عقوبة مقدرة يجب على الامام إقامتها حقا لله تعالى لئلا يتضرر العباد فالتعزير ليس بحد إذ ليس له قدر معين فان أكثره تسعة وثلاثون سوطا واقله ثلاثة وكذا القصاص لا يسمى حدا لانه حق العبد وهو ولى القصاص ولهذا سقط بالعفو والاعتياض فحد الزنى لغير المحصن مائة جلدة وللعبد نصفها وحد شرب الخمر ثمانون سوطا للحر وأربعون للعبد مفرقا على بدنه كما فى حد الزنى وحد القذف كحد الشرب فمن قذف محصنا او محصنة بصريح الزنى حد بطلب المقذوف المحصن لان فيه حق العبد من حيث دفع العار عنه وكذا طلب المسروق منه شرط القطع فى السرقة فهذه حدود لا يجرى فيها الشفاعة إذ الحق علم القاضي بالواقعة ولهذا قال فى ترجمة وصايا الفتوحات المكية [ونزديك حاكم در حدود الله شفاعت مكن از ابن عباس رضى الله عنهما درخواست كردند در باب دزدى شفاعت كند ابن عباس رضى الله عنهما گفت هر كه شفاعت كند وهر كه قبول كند هر دو در لعنت اندر اگر پيش از آنكه بحاكم معلوم نشود ميگفتيد مى شد] انتهى ولما كانت الشفاعة فى القصاص غير الشفاعة فى الحدود قال صلى الله عليه وسلم (ما من صدقة أفضل من صدقة اللسان) قيل وكيف ذلك قال (الشفاعة يحقن بها الدم ويجر بها المنفعة الى آخر ويدفع بها المكروه عن آخر) ذكره الامام الغزالي رحمه الله. وافصح الحديث عن ان الشفاعة هى التوسط بالقول فى وصول شخص الى منفعة من المنافع الدنيوية او الاخروية وخلاصه من مضرة ما كذلك وإذا كانت
__________
(1) در اواسط دفتر يكم در بيان رجوع بحكايت خواجه تاجر إلخ
(2) در اواسط دفتر يكم در بيان تفسير من جهاد الأصغر الى جهاد الأكبر(2/249)
فى امر غير مشروع لا تكون صدقة بل سيئة. وذكر فى ترجمة الوصايا ايضا [چون براى كسى شفاعت كنى وكار او ساخته شود زنهار هديه او قبول مكن كه رسول الله صلى الله عليه وسلم اثرا جمله ربا نهاده است شيخ اكبر قدس سره الأطهر فرمود كه در بعض بلاد عرب يكى از اعيان مرا بخانه خود دعوت كرد وترتيبى كرده بود وكرامتى مهيا داشته چون طعام إحضار كردند او را بسلطان بلند حاجتى بود از من طلب شفاعت كرد وسخن من نزد سلطان در غايت قبول بود شيخ فرمود كه او را گفتم نعم وبرخاستم وطعام نخوردم وهدايا قبول نكردم وحاجت او پيش سلطان گزاردم واملاك وى بوى بازگشت ومرا هنوز حديث نبوى وقوف نبود ولكن مروءت من چنين تقاضا كرد واستنكاف كردم كه كسى را بمن حاجتى باشد واز وى بمن نفعى عائد شود ودر حقيقت آن عنايت وعصمت حق بود] انتهى. وبالجملة ينبغى للمؤمن ان يشفع للجانى الى المجنىّ عليه بل ومن حقوق الإسلام ان يشفع لكل من له حاجة من المسلمين الى من له عنده منزلة ويسعى فى قضاء حاجته بما يقدر عليه: قال السعدي قدس سره
گر از حق نه توفيق خيرى رسد ... كى از بنده خيرى بغيري رسد
اميد است از آنانكه طاعت كنند ... كه بي طاعتانرا شفاعت كنند
ومن الشفاعة الحسنة الدعاء للمسلم فانه شفاعة الى الله تعالى وعن النبي عليه السلام (من دعا لاخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له وقال له الملك ولك مثل ذلك) وهذا بيان لمقدار النصيب الموعود والدعوة على المسلم بضد ذلك وانما يستجاب الدعاء بظهر الغيب لعبده عن شائبة الطمع والرياء بخلاف دعاء الحاضر للحاضر لانه قلما يسلم من ذلك فالغائب لا يدعو للغائب الا لله خالصا فيكون مقبولا والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فى الصلاة وغيرها دعاء من العبد المصلى لمحمد صلى الله عليه وسلم عن ظهر الغيب فشرع ذلك رسول الله وامر الله به فى قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ليعود هذا الخير من الملك على المصلى ولهذا جوز الحنفية قراءة الفاتحة لروحه المطهر عليه السلام ومنعها الشافعية لان الدعاء بالترحم يوهم التقصير ولذا لا يقال عند ذكر الأنبياء رحمة الله عليهم بل عليهم السلام والجواب ان نفع القراءة يعود على القارئ فأى ضرر فى ذلك وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً اى مقتدرا مجازيا بالحسنة والسيئة من اقات على الشيء إذا اقتدر عليه او شهيدا حفيظا. قال الامام الغزالي فى شرح الأسماء الحسنى معنى المقيت خالق الأقوات وموصلها الى الأبدان وهى الاطعمة والى القلوب وهى المعرفة فيكون بمعنى الرازق الا انه أخص منه إذ الرزق يتناول القوت وغير القوت والقوت ما يكتفى به فى قوام البدن او يكون معناه المستولى على الشيء القادر عليه والاستيلاء يتم بالقدرة والعلم وعليه يدل قوله تعالى وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً اى مطلعا قادرا فيكون معناه راجعا الى العلم والقدرة فوصفه بالمقيت أتم من وصفه بالقادر وحده وبالعالم وحده لانه دال على اجتماع المعنيين وبذلك يخرج هذا الاسم من الترادف. والاشارة فى الآية مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً لا يصال نوع من الخيرات الى الغير يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها فانها من(2/250)
وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)
خصوصيتها ان يكون له نصيب منها اى له نصيب من هذه الحسنة فمن تلك الخصوصية قد يشفع شفاعة حسنة وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ اى فى جبلته كِفْلٌ مِنْها يعنى من تلك السيئة التي هى إيصال نوع من الشر فيها قد يشفع شفاعة سيئة كما قال تعالى وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً وَكانَ اللَّهُ فى الأزل عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً شهيدا فى إيجاد المحسن والمسيئ مقتدرا عليما حفيظا يعطيهما استعداد شفاعة حسنة وسيئة لا يقدران اليوم على تبديل استعدادهما لقابلية الخير والشر فافهم جدا: قال الحافظ قدس سره
نقش مستورى ومستى نه بدست من وتست ... آنچهـ استاد ازل گفت بكن آن كردم
وقال السعدي قدس سره
گرت صورت حال بد يا نكوست ... نگاريده دست تقدير اوست
وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ التحية مصدر من حيى كالتسمية من سمى أصلها تحيية كتفعلة واصل الأصل تحييى بثلاث يا آت فحذفت الاخيرة وعوض عنها تاء التأنيث وأدغمت الاولى فى الثانية بعد نقل حركتها الى الحاء واصل التحية الدعاء بالحياة وطولها ثم استعملت فى كل دعاء لان الدعاء بالخير لا يخلو شىء منه عن الدعاء بنفس الحياة او بما هو السبب المؤدى الى قوتها وكمالها او بما هو الغاية المطلوبة منها وكانت العرب إذ القى بعضهم بعضا يقول حياك الله اى جعل الله لك حياة وأطال حياتك ويقول بعضهم عش الف سنة. ثم استعملها الشرع فى السلام وهى تحية الإسلام قال تعالى فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قيل تحية النصارى وضع اليد على الفم وتحية اليهود الاشارة بالأصابع وتحية المجوس الانحناء. وفى السلام مزية على تحية العرب وهى حياك الله لما انه دعاء بالسلامة من الآفات الدينية والدنيوية فانه إذا قال الإنسان لغيره السلام عليك فقد دعا فى حقه بالسلامة منها ويتضمن الوعد بسلامة ذلك الغير وامانه منه كأنه قال أنت سليم منى فاجعلنى سليما منك والسلامة مستلزمة لطول الحياة وليس فى الدعاء بطول الحياة ذلك ولان السلام من أسمائه تعالى فالبداية بذكره مما لا ريب فى فضله ومزيته ومعنى الآية إذا سلم عليكم من جهة المؤمنين فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها اى بتحية احسن منها بان تقولوا وعليكم السلام ورحمة الله ان اقتصر المسلم على الاول وبان تزيدوا وبركاته ان جمعهما المسلم وهو ان يقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته منتهى الأمر فى السلام لكونه مستجمعا لجميع فنون المطالب التي هى السلامة من المضار ونيل المنافع ودوامها ونمائها ولهذا اقتصر على هذا القدر فى التشهد- روى- عنه عليه السلام انه قال (من قال السلام عليكم كتب له عشر حسنات ومن قال السلام عليكم ورحمة الله كتب له عشرون حسنة ومن قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتب له ثلاثون حسنة) والمبتدئ بالسلام ان شاء يقول السلام عليكم وان شاء يقول سلام عليكم لان كل واحد من التعريف والتنكير وارد فى ألفاظ القرآن قال الله تعالى وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى. وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى لكن التنكير اكثر والكل جائز. واما التحليل من الصلاة فلا بد فيه من الالف واللام(2/251)
بالاتفاق ومعنى الجمع فى السلام عليكم الخطاب الى الرجل والملكين الحافظين معه فانهما يردان السلام ومن سلم عليه الملك فقد سلم من عذاب الله تعالى أَوْ رُدُّوها اى ردوا مثلها وأجيبوا به لان رد عينها محال فحذف المضاف نحو وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ. قال فى الكشاف رد السلام ورجعه جوابه بمثله لان المجيب يرد قول المسلم ويكرر- وروى- ان رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم السلام عليك فقال (وعليك السلام ورحمة الله) وقال الآخر السلام عليك ورحمة الله فقال (وعليك السلام ورحمة الله وبركاته) وقال الآخر السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال (وعليك) فقال الرجل نقصتنى فأين ما قال الله وتلا الآية اى أين رد الأحسن المذكور فى الآية فقال عليه السلام (انك لم تترك لى فضلا فرددت عليك مثله) فيكون قوله عليه السلام وعليك اى وعليك السلام ورحمة الله وبركاته من قبيل رد المثل وجواب التسليم واجب وانما التخيير بين الزيادة وتركها. قال ابو يوسف من قال لآخر اقرئ فلانا منى
السلام وجب عليه ان يفعل وإذا ورد سلام فى كتاب فجوابه واجب بالكتاب للآية إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً الحسيب بمعنى المحاسب على العمل كالجليس بمعنى المجالس اى انه تعالى كان على كل شىء من أعمالكم سيما رد السلام بمثله او بأحسن منه محاسبا مجازيا فحافظوا على مراعاة التحية حسبما أمرتم به. فالجمهور على ان الآية فى السلام فالسنة ان يسلم الراكب على الماشي وراكب الفرس على راكب الحمار والصغير على الكبير والقليل على الكثير ويسلم على الصبيان وهو أفضل من تركه. قال فى البستان وبه نأخذ ويسلم على اهل بيته حين يدخله فان دخل بيتا ليس فيه أحد فليقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فان الملائكة ترد عليه السلام ويسلم على القوم حين يدخل عليهم وحين يفارقهم ايضا فمن فعل ذلك شاركهم فى كل خير عملوه بعده. قال القرطبي ولا يسلم على النساء الشابات الأجانب خوف الفتنة من مكالمتهن بنزغة شيطان او خائنة عين. واما السلام على المحارم والعجائز فحسن ويسلم على اهل الإسلام من عرف منهم ومن لم يعرف. ولا يسلم على لاعب النرد والشطرنج والمغني والقاعد لحاجته ومطير الحمام والعاري فى الحمام وغيره. قال ابن الشيخ فى حواشيه ومن دخل الحمام ورأى الناس متزرين يسلم عليهم وان لم يكونوا متزرين لا يسلم عليهم لانه لا يسلم على المشتغل بمعصية انتهى لكن قال الام الغزالي فى الاحياء لا يسلم عند الدخول اى فى الحمام وان سلم عليه لم يجب بلفظ السلام بل يسكت ان أجاب غيره وان أحب ان يجيب قال عافاك الله ولا بأس ان يفتتح الداخل ويقول عافاك الله لابتداء الكلام انتهى ولا يرد فى الخطبة وتلاوة القرآن جهرا ورواية الحديث وعند دراسة العلم والاذان والاقامة وكذا لا يرد القاضي إذا سلم عليه الخصمان وكذا لا يسلم القاضي على الخصوم إذا جلس للحكم لتبقى الهيبة وتكثر الحشمة وبهذا جرى الرسم بان الولاة والأمراء لا بأس بان لا يسلموا إذا دخلوا فالمحتسب لا يسلم على اهل السوق فى طوافه للحسبة ليبقى على الهيبة. وقال بعضهم لا يسع القاضي والوالي والأمير ترك السلام إذا دخلوا لانه سنة فلا يسعهم ترك السنة بسبب تقلد العمل وكذا المتصدق إذا سلم عليه السائل او ان سؤاله لا يرد وكذا من له ورد من القرآن والدعوات فسلم عليه أحد فى حال ورده لا يرد وكذا(2/252)
إذا جلس فى المسجد للتسبيح او للقراءة او لانتظار الصلاة وإذا دخل الزائر فى المسجد فسلم عليه أحد من الداخلين فى المسجد يجوز وإذا لم يكن فى المسجد أحد إلا من يصلى ينبغى ان يقول الداخل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ولا يسلم فانه تكليف جواب فى غير محله حتى لا يرده قبل الفراغ وبعده وهو الصحيح. ولا يبادر بالسلام على الذمي الا لضرورة او حاجة له عنده ولا بأس بالدعاء للكافر والذمي بما يصلحه فى دنياه. قال ابن الملك الدعاء لاهل الكتاب بمقابلة إحسانهم غير ممنوع لما روى ان يهوديا حلب للنبى عليه السلام لقحة فقال عليه السلام (اللهم جمله) فبقى سواد شعره الى قريب من سبعين سنة. قال النووي الصواب ان ابتداء اهل الكتاب بالسلام حرام لانه إعزاز ولا يجوز إعزاز الكفار. وقال الطيبي المختار ان المبتدع لا يبدأ بالسلام ولو سلم على من لا يعرفه فظهر ذميا او مبدعا يقول استرجعت سلامى تحقيرا له. واما الاكل مع الكافر فان كان مرة او مرتين لتأليف قلبه على الإسلام فلا بأس فانه صلى الله عليه وسلم أكل مع كافر مرة فحملناه على انه كان لتأليف قلبه على الإسلام ولكن تكره المداومة عليه كما فى نصاب الاحتساب. وفيه ايضا هل يحتسب على المسلم إذا شارك ذميا الجواب نعم اما فى المفاوضة فلأنها غير جائزة بين المسلم والذمي فكان الاحتساب عليه لدفع التصرف الفاسد. واما فى العنان فلأنها مكروهة بين المسلم والذمي من شرح الطحاوي فكان الاحتساب لدفع المكروه وإذا سلم الذمي فقل عليك بلا واو وهو الرواية من الثقات او عليك مثله. قال فى الكشف ولا يقال لاهل الذمة وعليكم بالواو لانها للجمع وقال عليه السلام (إذا سلم عليكم أحد من اليهود فانما يقول السلام عليكم فقل عليك) اى عليك
مثله- روى- انه عليه السلام أتاه ناس من اليهود فقالوا السام عليكم يا أبا القاسم فقال (عليكم) فقالت عائشة بل عليكم السام والزام فقال عليه السلام (يا عائشة ان الله لا يحب الفحش والتفحش) قالت فقلت اما سمعت ما قالوا قال (أو ليس قد رددت عليهم فيستجاب لى فيهم ولا يستجاب لهم فى) والسنة الجهر فى السلام لقوله عليه السلام (أفشوا السلام) وعن ابى حنيفة رحمة الله عليه لا يجهر بالرد يعنى الجهر الكثير- وحكى- ان سياحا دخل على عالم فسلم عليه فرد عليه السلام وخافت ثم دخل عليه غنى فسلم فرد عليه الجواب وجهر فصاح السياح وقال رحمك الله ما تقول فى السلام أعلى نوعين أم على ثلاثة انواع فقال لا بل على نوع واحد فقال أيد الله الفقيه ارى السلام هاهنا على نوعين فتحير الفقيه وخجل فى نفسه فقال أيد الله الفقيه اسألك مسألة ما تقول فيمن حلف لا يدخل الدار التي بنيت بغير سنة فدخل دارك هذه أيحنث أم لا فسكت الفقيه فلم يجبه فقال تلاميذ الفقيه للسياح اخرج فانك شغلتنا فقال ايها الشبان ما مثله ومثلكم الا كمثل ضال ضل طريقه فجعل يسترشد من ضال مثله أرشده أم لا فهذا أستاذكم ضل طريق الآخرة وأنتم جئتم تطلبون منه ان يرشدكم فأنى يرشدكم ثم خرج كذا فى روضة العلماء: قال الصائب
ز بى دردان علاج درد خود جستن بان ماند ... كه خار از پابرون آرد كسى با نيش عقربها
الى هنا كلام الاحياء فاذا بلغ المقابر ومر بها قال وعليكم السلام اهل الديار من المسلمين والمؤمنين رحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين منا أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع وانا ان شاء الله بكم(2/253)
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)
لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية وفى الحديث (ما من عبد يمر بقبر رجل كان يعرفه فى الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام) قال ابن السيد على فى شرح الشرعة ولعل المراد انه يرد السلام بلسان الحال لا بلسان المقال يؤيده ما ورد فى بعض الاخبار من انهم يتأسفون على انقطاع الأعمال عنهم حتى يتحسرون على رد السلام وثوابه انتهى. قال الامام السيوطي رحمه الله الأحاديث والآثار تدل على ان الزائر متى جاء علم به المزور وسمع كلامه وآنس به ورد عليه وهذا عام فى حق الشهداء وغيرهم وانه لا توقيت فى ذلك وهو الأصح لان رسول الله صلى الله عليه وسلم شرع لامته ان يسلموا على اهل القبور سلام من يخاطبون من يسمع ويعقل. قال ارباب الحقيقة للروح اتصال بالبدن بحيث يصلى فى قبره ويرد على المسلم عليه وهو فى الرفيق الأعلى ومقره فى عليين ولا تنافى بين الامرين فان شأن الأرواح غير شأن الأبدان وانما يأتى الغلط هنا من قياس الغائب على الشاهد فيعتقد ان الروح مما يعهد من الأجسام التي إذا شغلت مكانا لم يكن ان تكون فى غيره. وقد مثل بعضهم بالشمس فى السماء وشعاعها فى الأرض كالروح المحمدي يرد على من يصلى عليه عند قبره دائما مع القطع بان روحه فى أعلى عليين وهو لا ينفك عن قبره كما قال عليه السلام (ما من مسلم يسلم على إلا رد الله علىّ روحى حتى أرد عليه السلام) . فان قلت هل يلزم تعدد الحياة من تلك وكيف يكون ذلك. قلت يؤخذ من هذا الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم حى على الدوام فى البرزخ الدنيوي لانه محال عادة ان يخلو الوجود كله من واحد يسلم على النبي عليه السلام فى ليل او نهار فقوله صلى الله عليه وسلم (رد الله على روحى) اى أبقى الحق فى شعور حياتى الحسى فى البرزخ وادراك حواسى من السمع والنطق فلا ينفك الحس والشعور الكلى عن الروح المحمدي الكلى ليس له غيبة عن الحواس والأكوان لانه روح العالم الكلى وسره الساري: قال العطار قدس سره فى نعت النبي المختار
خواجه كز هر چهـ گويم بيش بود ... در همه چيزى همه در پيش بود
وصف او در گفت چون آيد مرا ... چون عرق از شرم خون آيد مرا
او فصيح عالم ومن لال او ... كى توانم داد شرح حال او
وصف او كى لائق اين ناكسست ... واصف او خالق عالم بسست
انبيا از وصف تو حيران شده ... سرشناسان نيز سرگردان شده
والاشارة فى الآية وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ من الخير والشر فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها اما الخير فبخير احسن منه واما الشر فبحلم وعفو او مكافاة بالخير أَوْ رُدُّوها يعنى كافئوا المحسن بمثل إحسانه والمسيئ بمثل إساءته يدل عليه قوله تعالى وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها وقال وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وقد ورد عن النبي عليه السلام عن جبريل عن الله تعالى فى تفسير قوله خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ وقال النبي عليه السلام (تعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتعطى من حرمك) إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من العفو والإحسان حَسِيباً محاسبا فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره كذا فى التأويلات النجمية اللَّهُ مبتدأ وخبره قوله لا إِلهَ إِلَّا هُوَ اى لا اله فى الأرض ولا فى السماء غيره(2/254)
لَيَجْمَعَنَّكُمْ جواب قسم محذوف اى والله ليحشرنكم من قبوركم إِلى حساب يَوْمِ الْقِيامَةِ والقيامة بمعنى القيام والتاء للمبالغة لشدة ما يقع فيه من الهول لا رَيْبَ فِيهِ حال من اليوم اى حال كون ذلك اليوم لا شك فيه انه كائن لا محالة او صفة مصدر محذوف اى جمعا لا ريب فيه فضمير فيه يرجع الى الجمع وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً انكار لان يكون أحد اكثر صدقا منه فانه لا يتطرق الكذب الى خبره بوجه لانه نقص وهو على الله محال دون غيره وفى الحديث (كذبنى ابن آدم) اى نسبنى الى الكذب (ولم يكن له ذلك) يعنى لم يكن التكذيب لائقا به بل كان خطأ (وشتمنى) الشتم وصف الغير بما فيه نقص وإزراء (ولم يكن له ذلك فاما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدنى كما بدأنى) يعنى لن يحيينى الله تعالى بعد موتى (وليس أول الخلق باهون على من إعادته) بل إعادته أسهل لوجود اصل البنية وهذا مذكور على طريق التمثيل لان الاعادة بالنسبة الى قوانا أيسر من الإنشاء واما بالنسبة الى قدرة الله تعالى فلا سهولة له فى شىء ولا صعوبة (واما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا) وانما صار هذا شتما لان التولد هو انفصال الجزء من الكل بحيث ينمو وهذا انما يكون فى المركب وكل مركب محتاج (وانا الأحد) اى المنفرد بصفات الكمال من البقاء والتنزه وغيرهما (الصمد) بمعنى المصمود يعنى المقصود اليه فى كل الحوائج (الذي لم يلد) هذا نفى للتشبيه والمجانسة (ولم يولد) هذا وصف بالقدم والاولية (ولم يكن له كفوا أحد) هذا تقرير لما قبله كذا فى شرح المشارق لابن الملك. واعلم ان القيامة ثلاث. الصغرى وهى موت كل أحد قال النبي عليه السلام (من مات فقد قامت قيامته) والوسطى وهى موت جميع الخلائق بالنفخة الاولى. والكبرى وهى حشر الأجساد والسوق الى المحشر للجزاء بالنفخة الثانية: وفى المثنوى
سازد اسرافيل روزى ناله را ... جان دهد پوسيده صد ساله را
هين كه اسرافيل وقتند أوليا ... مرده را زيشان حياتست ونما «1»
وانما تحصل الحياة الباقية بعد الفناء عن النفس وأوصافها وطريقه ذكر الله تعالى بالإخلاص فاذا تجلى معنى لفظ الجلالة الذي هو الاسم الأعظم يضمحل العالم والوجود ويحصل الاستغراق فى بحر التوحيد فاذا استغرق فيه يغيب عنه ما سوى الله تعالى كما ان الإنسان إذا استغرق فى الماء لا يرى الغير أصلا. قال الشيخ ابو يزيد البسطامي ومن قال الله وقلبه غافل عن الله فخصمه الله- وحكى- ان بعض الصلحاء دخل ليلة بقبوليجة فى بلدة بروسة فرأى انه قد وضع سرير على الحوض وعليه بنت سلطان الجن ومعها جماعة كثيرة من هذه الطائفة فسألهم عن اصل ماء قبوليجة فارسلت ببعض جماعتها الى أصله فرأى انه ماء بارد فقال كيف يكون هذا أصله وهو حار فقالوا جماعتنا يذكرون فى رأس هذا الماء فى كل أسبوع الاسم الله والاسم هو فبحرارته يسخن الماء فتأثير الذكر غير منكر خصوصا من لسان ارباب التزكية والتصفية: وفى المثنوى
ذكر حق كن بانگ غولانرا بسوز ... چشم نرگس را ازين كركس بدوز «2»
والاشارة فى الآية اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يعنى كان الله فى الأزل لا اله اى لم يكن معه أحد يوجد الخلق من العدم الا هو لَيَجْمَعَنَّكُمْ فى العدم مرة اخرى إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ فيفرقكم فيها
__________
(1) در اواسط دفتر يكم در بيان دستان پير جنگى كه در عهد عمر رضى الله عنه براى خداى در گورستان چنگ ميزد
(2) در أوائل دفتر دوم در بيان تمثيل بر حقيقت سخن واطلاع بر كشف آن(2/255)
فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89)
فريق فى الجنة وفريق فى السعير وفريق فى مقعد صدق عند مليك مقتدر لا رَيْبَ فِيهِ اى لا شك فى الرجوع الى هذه المنازل والمقامات وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ليحدثكم بمصالح دينكم ودنياكم ومفاسد اخراكم وأولاكم ويهديكم الى الهدى وينجيكم من الردى كذا فى التأويلات النجمية فَما لَكُمْ ايها المؤمنون والمراد بعضهم. قوله ما مبتدأ ولكم خبره والاستفهام للانكار والنفي فِي الْمُنافِقِينَ متعلق بما تعلق به الخبر اى أي شىء كائن لكم فيهم اى فى أمرهم وشأنهم فِئَتَيْنِ اى فرقتين وهو حال من الضمير المجرور فى لكم والمراد انكار ان يكون للمخاطبين شىء مصحح لاختلافهم فى امر المنافقين وبيان وجوب بت القول بكفرهم واجرائهم مجرى المجاهرين بالكفر فى جميع الاحكام وذلك ان ناسا من المنافقين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الخروج الى البدر لاجتواء المدينة فلما خرجوا لم يزالوا راحلين مرحلة حتى لحقوا بالمشركين بمكة فاختلف المسلمون فيهم فقال بعضهم هم كفار وقال بعضهم هم مسلمون فانزل الله تعالى الآية وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ حال من المنافقين اى والحال انه تعالى ردهم الى الكفر وأحكامه من الذل والصغار والسبي والقتل. والإركاس الرد والرجع يقال ركست الشيء وأركسته لغتان إذا رددته وقلبت آخره على اوله بِما كَسَبُوا اى بسبب ما كسبوا من الارتداد واللحوق بالمشركين والاحتيال على رسول الله صلى الله عليه وسلم أَتُرِيدُونَ ايها المخلصون القائلون بايمانهم أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ اى تجعلوه من المهتدين ففيه توبيخ لهم على زعمهم ذلك واشعار بانه يؤدى الى المحال الذي هو هداية من أضل الله تعالى وذلك لان الحكم بايمانهم وادعاء اهتدائهم وهم بمعزل من ذلك سعى فى هدايتهم وارادة لها وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ اى ومن يخلق فيه الضلال كائنا من كان فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا من السبل فضلا عن ان تهديه اليه وتوجيه الخطاب الى كل واحد من المخاطبين للاشعار بشمول عدم الوجدان للكل على طريق التفصيل والجملة حال من فاعل تريدون او تهدوا والرابط هو الواو وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ بيان لغلوهم وتماديهم فى الكفر وتصديهم لاضلال غيرهم اثر بيان كفرهم وضلالهم فى أنفسهم وكلمة لو مصدرية فلا جواب لها اى تمنوا عن تكفروا كَما كَفَرُوا نصب على انه نعت لمصدر محذوف اى كفرا مثل كفرهم فما مصدرية فَتَكُونُونَ سَواءً عطف على تكفرون والتقدير ودوا كفركم وكونكم مستوين معهم فى الضلال. وفيه اشارة الى ان من ود الكفر لغيره كان ذلك من امارات الكفر فى باطنه وان كان يظهر الإسلام لانه يريد تسوية الاعتقاد فيما بينهما وهذا من خاصية الإنسان يحب ان يكون كل الناس على مذهبه واعتقاده ودينه وقال صلى الله عليه وسلم (الرضى بالكفر كفر) فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ اى إذا كان حالهم ما ذكر من ودادة كفركم فلا توالوهم حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اى حتى يؤمنوا ويحققوا ايمانهم بهجرة كائنة لله تعالى ورسوله عليه السلام لا لغرض من اغراض الدنيا وسبيل الله ما امر بسلوكه فَإِنْ تَوَلَّوْا اى عن الايمان المظاهر بالهجرة الصحيحة المستقيمة فَخُذُوهُمْ إذا قدرتم عليهم وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ من الحل والحرم فان(2/256)
إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91)
حكمهم حكم سائر المشركين اسرا وقتلا وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً اى جانبوهم مجانبة كلية ولا تقبلوا منهم ولاية ولا نصرة ابدا. والاشارة فى الآية الى ارباب الطلب السائرين الى الله تعالى فانهم نهوا عن اتخاذ اهل الدنيا أحباء وعن مخالطتهم حتى يهاجروا عماهم فيه من الحرص والشهوة وحب الدنيا ويوافقوهم فى طلب الحق وأمروا بان يعظوهم بالوعظ البليغ ويقتلوهم اى أنفسهم وصفاتها الغالبة كلما رأوهم إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ استثناء من قوله فخذوهم واقتلوهم اى الا الذين يتصلون وينتهون الى قوم عاهدوكم ولم يحاربوكم وهم الا سلميون فانه عليه السلام وادع وقت خروجه الى مكة هلال بن عويمر الأسلمي على ان لا يعينه ولا يعين عليه وعلى ان من وصل الى هلال ولجأ اليه فله من الجوار مثل الذي لهلال أَوْ جاؤُكُمْ عطف على الصلة اى والذين جاؤكم كافين عن قتالكم وقتال قومهم استثنى من المأمور بأخذهم وقتلهم فريقان أحدهما من ترك المحاربين ولحق بالمعاهدين والآخر من اتى المؤمنين وكف عن قتال الفريقين حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ حال بإضمار قد اى وقد ضاقت صدورهم فان الحصر بفتحتين الضيق والانقباض أَنْ يُقاتِلُوكُمْ اى ضاقت عن ان يقاتلوكم مع قومهم أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ معكم والمراد بالجائين الذين حصرت صدورهم عن المقاتلة بنوا مدلج وهم كانوا عاهدوا ان لا يقاتلوا المسلمين وعاهدوا قريشا ان لا يقاتلوهم فضاقت صدورهم عن قتالكم للعهد الذي بينكم ولانه تعالى قذف الرعب فى قلوبهم وضاقت صدورهم عن قتال قومهم لكونهم على دينهم نهى الله تعالى عن قتل هؤلاء المرتدين إذا اتصلوا باهل عهد للمؤمنين لان من انضم الى قوم ذوى عهد فله حكمهم فى حقن الدم وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ اى بنى مدلج عَلَيْكُمْ بان قوى قلوبهم وبسط صدورهم وأزال الرعب عنهم. قال فى الكشاف فان قلت كيف يجوز ان يسلط الله الكفرة على المؤمنين قلت ما كانت مكافتهم الا لقذف الله الرعب فى قلوبهم ولو شاء لمصلحة يراها من ابتلاء ونحوه لم يقذفه فكانوا متسلطين مقاتلين غير مكافين فذلك معنى التسليط فَلَقاتَلُوكُمْ عقيب ذلك ولم يكفوا عنكم واللام جواب لو على التكرير فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ اى فان لم يتعرضوا لكم مع ما علمتم من تمكنهم من ذلك بمشيئة الله تعالى وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ اى الانقياد والاستسلام فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا اى طريقا بالاسرار او بالقتل فان مكافتهم عن قتالكم وان لم يقاتلوا قومهم ايضا والقاءهم إليكم السلم وان لم يعاهدوكم كافية فى استحقاقهم لعدم تعرضكم لهم. قال بعضهم الآية منسوخة بآية القتال والسيف وهى قوله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ وقال آخرون انها غير منسوخة وقال إذا حملنا الآية على المعاهدين فكيف يمكن ان يقال انها منسوخة. قال الحدادي فى تفسيره لا يجوز مهادنة الكفار وترك أحد منهم على الكفر من غير جزية إذا كان بالمسلمين قوة على القتال واما إذا عجزوا عن مقاومتهم وخافوا على أنفسهم وذراريهم جاز لهم مهادنة العدو من غير جزية يؤدونها إليهم لان حظر الموادعة كان بسبب القوة فاذا زال السبب زال الحظر سَتَجِدُونَ قوما آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ اى يظهرون لكم الصلح(2/257)
يريدون ان يأمنوا منكم بكلمة التوحيد يظهرونها لكم وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ اى من قومهم بالكفر فى السر وهم قوم من اسد وغطفان إذا أتوا المدينة اسلموا وعاهدوا ليأمنوا المسلمين فاذا رجعوا الى قومهم كفروا ونكثوا عهودهم ليأمنوا قومهم كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ دعوا من جهة قومهم الى قتال المسلمين أُرْكِسُوا فِيها عادوا إليها وقلبوا فيها أقبح قلب واشنعه وكانوا فيها شرا من كل عدو شرير فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ بالكف عن التعرض لكم بوجه ما وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ اى لم يلقوا إليكم الصلح والعهد بل نبذوه إليكم وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ اى لم يكفوها عن قتالكم فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ اى تمكنتم منهم وَأُولئِكُمْ الموصوفون بما عد من الصفات القبيحة جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً اى حجة واضحة فى التعرض لهم بالقتل والسبي لظهور عداوتهم وانكشاف حالهم فى الكفر وغدرهم واضرارهم باهل الإسلام. والاشارة فى الآية الاولى ان الاختلاف واقع بين الامة فى ان خذلان المنافقين هل هو امر من عند أنفسهم او امر من عند الله وقضائه وقدره فبين الله بقوله فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ اى
صرتم فرقتين فرقة يقولون الخذلان فى النفاق منهم وفرقة يقولون من الله وقضائه وقدره وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا يعنى ان الله اركسهم بقدره وردهم بقضائه الى الخذلان بالنفاق ولكن بواسطة كسبهم ما ينبت النفاق فى قلوبهم ليهلك من هلك عن بينة ولهذا مثال وهو ان القدر كتقدير النقاش الصورة فى ذهنه والقضاء كرسمه تلك الصورة لتلميذه بالأسرب ووضع التلميذ الاصباغ عليها متبعا لرسم الأستاذ كالكسب والاختيار فالتلميذ فى اختياره لا يخرج عن رسم الأستاذ وكذلك العبد فى اختياره لا يمكنه الخروج عن القضاء والقدر ولكنه متردد بينهما ومما يؤكد هذا المثال والتأويل قوله تعالى قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وقال وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وذلك مثل ما ينسب الفعل الى السبب الأقرب تارة والى السبب الا بعد اخرى فالاقرب كقولهم قطع السيف يد فلان والا بعد كقولهم قطع الأمير يد فلان ونظيره قوله تعالى قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ وفى موضع اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها قال ابن نباتة
إذا ما الآله قضى امره ... فانت لما قد قضاه السبب
فعلى هذه القضية من زعم ان لا عمل للعبد أصلا فقد عاند وجحد ومن زعم انه مستبد بالعمل فقد أشرك فاختيار العبد بين الجبر والقدر لان أول الفعل وآخره الى الله فالعبد بين طرفى الاضطرار مضطر الى الاختيار فافهم جدا كذا فى التأويلات النجمية. واعلم ان الجبرية ذهبت الى انه لا فعل للعبد أصلا ولا اختيار وحركته بمنزلة حركة الجمادات والقدرية الى ان العبد خالق لفعله ولا يرون الكفر والمعاصي بتقدير الله تعالى ومذهب اهل السنة والجماعة الجبر المتوسط وهو اثبات الكسب للعبد واثبات الخلق لله تعالى واما مشاهدة الآثار فى الافعال من لله تعالى كما عليه اهل المكاشفة فذلك ليس من قبيل الجبر: قال فى المثنوى(2/258)
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94) لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)
گر بپرانيم تير آن نى ز ماست ... ما كمان وتير اندازش خداست
اين نه جبر اين معنئ جباريست ... ذكر جبارى براى زاريست
زارئ ما شد دليل اضطرار ... خجلت ما شد دليل اختيار
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ اى وما صح له ولالاق بحاله أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً بغير حق فان الايمان زاجر عن ذلك إِلَّا خَطَأً اى ليس من شأنه ذلك فى حال من الأحوال الا حال الخطأ فانه ربما يقع لعدم دخول الاحتراز عنه بالكلية تحت الطاقة البشرية فالمؤمن مجبول على ان يكون محلا لان يعرض له الخطأ كثيرا والخطأ ما لا يقارنه القصد الى الفعل او الى الشخص او لا يقصد به زهوق الروح غالبا او لا يقصد به محظور كرمى مسلم فى صف الكفار مع الجهل بإسلامه- روى- ان عياش بن ابى ربيعة وكان أخا ابى جهل لامه اسلم وهاجر الى المدينة خوفا من اهله وذلك قبل هجرة النبي عليه السلام فاقسمت امه لا تأكل ولا تشرب ولا يؤويها سقف حتى يرجع فخرج ابو جهل ومعه الحارث بن زيد بن ابى انيسة فاتياه وهو فى أطم اى جبل ففتل منه ابو جهل فى الذروة والغارب وقال أليس محمد يحثك على صلة الرحم انصرف وبرّ أمك ولك علينا ان لا نكرهك على شىء ولا نحول بينك وبين دينك حتى نزل وذهب معهما فلما بعدا من المدينة شدا يديه الى خلف بحبل وجلده كل واحد منهما مائة جلدة فقال للحارث هذا أخي فمن أنت يا حارث لله على ان وجدتك خاليا ان أقتلك وقدما به على امه فحلفت لا يحل وثاقه حتى يرجع عن دينه ففعل بلسانه مطمئنا قلبه على الايمان ثم هاجر بعد ذلك واسلم الحارث وهاجر فلقيه عياش لظهر قبا فانحنى عليه فقتله ثم اخبر بإسلامه فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قتلته ولم أشعر بإسلامه فنزلت وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً صغيرا كان او كبيرا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ اى فعليه اعتاق نسمة عبر عن النسمة بالرقبة كما يعبر عنها بالرأس مُؤْمِنَةٍ محكوم بإسلامها سواء تحققت فيها فروع الايمان وثمراته بان صلت وصامت او لم يتحقق فدخل فيها الصغير والكبير والذكر والأنثى وهذا التحرير هو الكفارة وهى حق الله تعالى الواجب على من قتل مؤمنا مواظبا على عبادة الله تعالى والرقيق لا يمكنه المواظبة على عبادة الله تعالى فاذا اعتقه فقد اقامه مقام ذلك المقتول فى المواظبة على العبادات وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ اى مؤداة الى ورثته يقتسمونها كسائر المواريث بعد قضاء الدين منها وتنفيذ الوصية وإذا لم يبق وارث فهى لبيت المال لا المسلمين يقومون مقام الورثة كما قال صلى الله عليه وسلم (انا وارث من لا وارث له) إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا اى يتصدق اهله عليه سمى العفو عنها صدقة حثا عليه وتنبيها على فضله وفى الحديث (كل معروف صدقة) وهو متعلق بعليه المقدر عند قوله وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ او بمسلمة اى تجب الدية ويسلمها الى اهله الا وقت تصدقهم عليه لان الدية حق الورثة فيملكون إسقاطها بخلاف التحرير فانه حق الله تعالى فلا يسقط بعفو الأولياء وإسقاطهم. واعلم ان الدية مصدر من ودى القاتل المقتول إذا اعطى وليه المال الذي هو بدل النفس وذلك المال يسمى الدية تسمية بالمصدر والتاء فى آخرها عوض عن الواو المحذوفة فى الاول كما فى العدة وهى اى الدية فى الخطأ من الذهب الف دينار ومن الفضة عشرة آلاف درهم وهى على العاقلة فى الخطأ(2/259)
وهم الاخوة وبنوا الاخوة والأعمام وبنوا الأعمام يسلمونها الى اولياء المقتول ويكون القاتل كواحد من العاقلة يعنى يعطى مقدار ما أعطاه واحد منهم لانه هو الفاعل فلا معنى لاخراجه ومؤاخذة غيره وسميت الدية عقلا لانها تعقل الدماء اى تمسكه من ان يسفك الدم لان الإنسان يلاحظ وجود الدية بالقتل فيجتنب عن سفك الدم فان لم تكن له عاقلة كانت الدية فى بيت المال فى ثلاث سنين فان لم يكن ففى ماله فَإِنْ كانَ اى المقتول مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ كفار محاربين وَهُوَ مُؤْمِنٌ ولم يعلم به القاتل لكونه بين اظهر قومه بان اسلم فيما بينهم ولم يفارقهم بالهجرة الى دار الإسلام او بان اسلم بعد ما فارقهم لمهم من المهمات فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ اى فعلى قاتله الكفارة دون الدية إذ لا وراثة بينه وبين اهله لكونهم كفارا ولانهم محاربون وَإِنْ كانَ اى المقتول المؤمن مِنْ قَوْمٍ كفرة بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ اى عهد موقت او مؤبد فَدِيَةٌ اى
فعلى قاتله دية مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ من اهل الإسلام ان وجدوا وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ كما هو حكم سائر المسلمين فَمَنْ لَمْ يَجِدْ اى رقبة لتحريرها بان لم يملكها ولا ما يتوصل به إليها وهو ما يصلح ان يكون ثمنا للرقبة فاضلا عن نفقته ونفقة عياله وسائر حوائجه الضرورية من المسكن وغيره فَصِيامُ اى فعليه صيام شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ وإيجاب التتابع يدل على ان المكفر بالصوم لو أفطر يوما فى خلال شهرين او نوى صوما آخر فعليه الاستئناف الا ان يكون الفطر بحيض او نفاس او نحوهما مما لا يمكن الاحتراز عنه فانه لا يقطع التتابع والإطعام غير مشروع فى هذه الكفارة بدليل الفاء الدالة على ان المذكور كل الواجب واثبات البدل بالرأى لا يجوز فلا بد من النص تَوْبَةً كائنة مِنَ اللَّهِ ونصبه على المفعول له اى شرع لكم ذلك توبة اى قبولا لها من تاب الله عليه إذا قبل توبته. فان قيل قتل الخطأ لا يكون معصية فما معنى التوبة. قلت ان فيه نوعا من التقصير لان الظاهر انه لو بالغ فى احتياط لما صدر عنه ذلك. فقوله توبة من الله تنبيه على انه كان مقصرا فى ترك الاحتياط وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً بحاله اى بانه لم يقصد القتل ولم يتعمد فيه حَكِيماً فيما امر فى شأنه. والاشارة فى قوله تعالى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ ان تربية النفس وتزكيتها ببذل المال وترك الدنيا مقدم على تربيتها بالجوع والعطش وسائر المجاهدات فان حب الدنيا رأس كل خطيئة وهى عقبة لا يقتحمها الا الفحول من الرجال كقوله تعالى فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ الآية. وان أول قدم السالك ان يخرج من الدنيا وما فيها. وثانيه ان يخرج من النفس وصفاتها كما قال (دع نفسك وتعال) والإمساك عن المشارب كلها من الدنيا والآخرة على الدوام انما هو بجذبة من الله تعالى وإعطائه القابلية لذلك: كما قيل
داد حق را قابليت شرط نيست ... بلكه شرط قابليت داد حق
- حكى- ان أولاد هارون الرشيد كانوا زهادا لا يرغبون فى الدنيا والسلطنة فلما ولد له ولد قيل له ادخله فى بيت من زجاج يعيش فيه مع التنعم والترنم والأغاني حتى يليق للسلطنة ففعل فلما كبر كان يوما يأكل اللحم فوقع عظم من يده فانكسر الزجاج فرأى السماء والعرض فسأل(2/260)
وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)
عنهما فاجابوا على ما هو فطلب منهم ان يخرجوه من البيت فلما خرج رأى ميتا وجاء اليه وتكلم له فلم يتكلم فسأل عنه فقالوا هو ميت لا يتكلم وقال وانا أكون كذلك قالوا كل نفس ذائقة الموت فتركهم وذهب الى الصحراء فذهبوا معه فاذا خمسة فوارس جاؤا اليه ومعهم فرس ليس عليه أحد فاركبوه وأخذوه وغابوا وليس كل قلب يصلح لمعرفة الرب كما ان كل بدن لا يصلح لخدمته ولهذا قال تعالى وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً اى بمن يصلح للجذبة والخدمة. قال الصائب
در سر هر خام طينت نشئه منصور نيست ... هر سفالى را صداى كاسه فغفور نيست
وهذا لا يكون بالدعوى فان المحك يميز الجيد والزيوف وعالم الحقيقة لا يسعه القيل والقال ألا يرى ان من كان سلطانا أعظم لا يرفع صوته بالتكلم لانه فى عالم المحو وكان امر سليمان عليه السلام لآصف بن برخيا بإتيان عرش بلقيس مع انه فى مرتبة النبوة لذلك اى لما انه كان فى عالم الاستغراق فلم يرد التنزل وقوله عليه السلام (لى مع الله وقت لا يسعنى فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل) اشارة الى تلك المرتبة اللهم اجعلنا من الواصلين الى جناب قدسك والمتنعمين فى محاضر قولك وانسك وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً حال كون ذلك القاتل مُتَعَمِّداً فى قتله اى قاصدا غير مخطئ- روى- ان مقيس بن صبابة الكناني كان قد اسلم هو واخوه هشام فوجد أخاه قتيلا فى بنى النجار فأتى رسول الله عليه السلام وذكر له القصة فارسل عليه السلام معه الزبير بن عياض الفهري وكان من اصحاب بدر الى بنى النجار يأمرهم بتسليم القاتل الى مقيس ليقتص منه ان علموه وبأداء الدية ان لم يعلموه فقالوا سمعا وطاعة لله تعالى ولرسوله عليه السلام ما نعلم له قاتلا ولكنا نؤدى ديته فاتوه بمائة من الإبل فانصرفا راجعين الى المدينة حتى إذا كانا ببعض الطريق اتى الشيطان مقيسا فوسوس اليه فقال أتقبل دية أخيك فتكون مسبة عليك اى عارا اقتل هذا الفهري الذي معك فتكون نفس مكان نفس وتبقى الدية فصلة فرماه بصخرة فشدخ رأسه فقتله ثم ركب بعيرا من الإبل وساق بقيتها الى مكة كافرا وهو يقول
قتلت به فهرا وحملت عقله ... سراة بنى النجار اصحاب قارع
وأدركت ثارى واضطجعت موسدا ... وكنت الى الأوثان أول راجع
فنزلت الآية وهو الذي استثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ممن آمنه فقتل وهو متعلق بأستار الكعبة: ونعم ما قيل
هر كه كند بخود كند ... گر همه نيك وبد كند
فَجَزاؤُهُ الذي يستحقه بجنايته جَهَنَّمُ وقوله تعالى خالِداً فِيها حال مقدرة من فاعل فعل مقدر يقتضيه مقام الكلام كأنه قيل فجزاؤه ان يدخل جهنم خالدا فيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ عطف على مقدر تدل عليه الشرطية دلالة واضحة كأنه قيل بطريق الاستئناف تقريرا وتأكيدا لمضمونها حكم الله بان جزاءه ذلك وغضب عليه اى انتقم منه وَلَعَنَهُ اى أبعده عن الرحمة بجعل جزائه ما ذكر وَأَعَدَّ لَهُ فى جهنم عَذاباً عَظِيماً لا يقادر قدره. واعلم ان العبرة بعموم اللفظ دون خصوص السبب والكلام فى كفر من استحل دم المؤمن وخلوده فى النار حقيقة فاما المؤمن إذا قتل مؤمنا متعمدا غير مستحل لقتله(2/261)
فلا يكفر بذلك ولا يخرج من الايمان فان أقيد ممن قتله كذلك كان كفارة له وان كان تائبا من ذلك ولم يكن مقادا كانت التوبة ايضا كفارة له لان الكفر أعظم من هذا القتل فاذا قبلت توبة الكافر فتوبة هذا القاتل اولى بالقبول وان مات بلا توبة ولا قود فامره الى الله تعالى ان شاء غفر له وارضى خصمه وان شاء عذبه على فعله تم يخرجه بعد ذلك الى الجنة التي وعده بايمانه لان الله تعالى لا يخلف الميعاد فالمراد بالخلود فى حقه المكث الطويل لا الدوام مع ان هذا اخبار منه تعالى بان جزاءه ذلك لابانه يجزيه بذلك كيف لا وقد قال الله عز وجل وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ولو كان هذا اخبارا بانه تعالى يجزى كل سيئة مثلها لعارضه قوله تعالى وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ وقد يقول الإنسان لمن يزجره عن امر ان فعلته فجزاؤك القتل والضرب ثم ان لم يجازه بذلك لم يكن ذلك منه كذبا فهذا التشديد والتغليظ الذي هو سنة الله تعالى لا يتعلق بالقاتل الثائب ولا بمن قتل عمدا بحق كما فى القصاص بل يتعلق بمن لم يتب وبمن قتل ظلما وعدوانا وفى الحديث (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرئ مسلم) وفيه (لو ان رجلا قتل بالمشرق وآخر رضى بالمغرب لاشترك فى دمه) وفيه (من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله تعالى) وفيه (ان هذا الإنسان بنيان الله ملعون من هدم بنيانه) وقد روى ان داود عليه السلام أراد بنيان بيت المقدس فبناه مرارا فكلما فرغ منه تهدم فشكا الى الله تعالى فاوحى الله اليه ان بيتي هذا لا يقوم على يدى من سفك الدماء فقال داود يا رب ألم يك ذلك القتل فى سبيلك قال بلى ولكنهم أليسوا من عبادى فقال يا رب فاجعل بنيانه على يدى من فاوحى الله اليه ان اومر ابنك سليمان يبنيه والغرض من هذه الحكاية مراعاة هذه النشأة الانسانية وان إقامتها اولى من هدمها ألا ترى الى اعداء الدين انه قد فرض الله فى حقهم الجزية والصلح ابقاء عليهم. وعن ابى هريرة رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أتدرون من المفلس) قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال (ان المفلس من أمتي من يأتى يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام ويأتى قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل انقضاء ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح فى النار) وفى الحديث (أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة وأول ما يقضى بين الناس فى الدماء ثم يحاسب العبد ويقضى عليه فى حق زكاته وغيرها هل منعها او أداها) الى غير ذلك من الأحوال الجزئية. ثم اعلم ان المقتول إذا اقتص منه الولي فذلك جزاؤه فى الدنيا وفيما بين القاتل والمقتول الاحكام باقية فى الآخرة لان الولي وان قتله فانما أخذ حق نفسه للتشفى ودرء الغيظ فاما المقتول فلم يكن له فى القصاص منفعة كذا فى تفسير الحدادي ولا كفارة فى القتل العمد لقوله عليه السلام (خمس من الكبائر لا كفارة فيهن الإشراك بالله
وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وقتل النفس عمدا واليمين الغموس) والولي مخير بين ثلاث فى القتل العمد القصاص والدية والعفو وذلك لان فى شرع موسى عليه السلام القصاص وهو القتل فقط وفى دين عيسى عليه السلام العقل او العفو فحسب وفى ملتنا للتشفى القصاص وللترفه الدية وللتكرم العفو وهو أفضل: قال السعدي قدس سره(2/262)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)
بدى را بدى سهل باشد جزا ... اگر مردى احسن الى من اسا
والاشارة فى الآية ان القلب مؤمن فى اصل الفطرة والنفس كافرة فى اصل الخلقة وبينهما عداوة جبلية وقتال أصلي وتضاد كلى فان فى حياة القلب موت النفس وفى حياة النفس موت القلب فلما كانت نفوس الكفار حية كانت قلوبهم ميتة فسماهم الله الموتى ولما كانت نفس الصديق ميتة وقلبه حيا قال النبي عليه السلام (من أراد ان ينظر الى ميت يمشى على وجه الأرض فلينظر الى الصديق) فالاشارة فى قوله وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً الى القلب والنفس يعنى النفس الكافرة إذا قتلت قلبا مؤمنا متعمدة للعداوة الاصلية باستيلاء صفاتها البهيمية والسبعية والشيطانية على القلب الروحاني وغلبة هواها عليه حتى يموت القلب بسمها القاتل فَجَزاؤُهُ اى جزاء النفس جَهَنَّمُ وهى سفل عالم الطبيعة خالِداً فِيها لان خروج النفس عن سفل الطبيعة انما كان بحبل الشريعة والتمسك بحبل الشريعة انما كان من خصائص القلب المؤمن كقوله تعالى ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فالايمان والعمل الصالح من شان القلب وصنيعه فاذا مات القلب وانقطع عمله تخلد النفس فى جهنم سفل عالم الطبيعة ابدا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ بان يبعدها ويطردها عن الحضرة والقربة ويحرمها من إيصال الخير والرحمة إليها بخطاب ارجعي الى ربك وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً هجرانا عن حضرة العلى العظيم وحرمانا من جنات النعيم كذا فى التأويلات النجمية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا نزلت الآية فى شان مرداس بن نهيك من اهل فدك وكان اسلم ولم يسلم من قومه غيره وكان عليه السلام بعث سرية الى قومه كان عليها غالب بن فضالة الليثي فلما وصلت السرية إليهم هربوا وبقي مرداس ثقة بإسلامه فلما وصلوا فدك كبروا وكبر مرداس معهم وكان فى سفح جبل ومعه غنمه فنزل إليهم وقال لا اله الا الله محمد رسول الله السلام عليكم فقتله اسامة بن زيد وساق غنمه فاخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فوجد وجدا شديدا وقال (قتلتموه ارادة ما معه وهو يقول لا اله الا الله) فقال اسامة انه قال بلسانه دون قلبه وفى رواية انما قالها خوفا من السلاح فقال عليه السلام (هلا شققت عن قلبه فنظرت أصادق هو أم كاذب) ثم قرأ الآية على اسامة فقال يا رسول الله استغفر لى فقال (فكيف بلا اله الا الله قال اسامة فما زال صلى الله عليه وسلم يعيدها حتى وددت ان لم أكن أسلمت الا يومئذ ثم استغفر لى وامر برد الأغنام وتحرير رقبة مؤمنة والمعنى ايها المؤمنون إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اى سافرتم وذهبتم للغزو من قول العرب ضربت فى الأرض إذا سرت لتجارة او غزو او نحوهما فَتَبَيَّنُوا التفعل بمعنى الاستفعال الدال على الطلب اى اطلبوا بيان الأمر فى كل ما تأتون وما تذرون ولا تعجلوا فيه بغير تدبر وروبة وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ اى لمن حياكم بتحية الإسلام لَسْتَ مُؤْمِناً وانما أظهرت ما أظهرت متعوذا بل اقبلوا منه ما أظهره وعاملوه بموجبه تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا حال من فاعل لا تقولوا منبئ عما يحملهم على العجلة وترك التأنى لكن لا على ان يكون النهى راجعا الى القيد فقط كما فى قولك لا تطلب العلم تبتغى به الجاه بل إليهما جميعا اى لا تقولوا له ذلك حال كونكم طالبين لماله الذي هو حطام سريع النفاد وعرض الدنيا ما يتمتع به فيها(2/263)
من المال نقدا كان او غيره قليلا كان او كثيرا يقال الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر وتسميته عرضا تنبيه على انه سريع الفناء قريب الانقضاء فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ
تغنيكم عن قتل أمثاله لماله وهو تنبيه على ان ثواب الله تعالى موصوف بالدوام والبقاء كَذلِكَ اى مثل ذلك الذي القى إليكم السلام كُنْتُمْ أنتم ايضا مِنْ قَبْلُ اى فى مبادى إسلامكم لا يظهر منكم للناس غير ما ظهر منه لكم من تحية الإسلام ونحوها فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بان قبل منكم تلك المرتبة وعصم بها دماءكم وأموالكم ولم يأمر بالتفحص عن سرائركم. الفاء للعطف على كنتم فَتَبَيَّنُوا الفاء فصيحة اى إذا كان الأمر كذلك فاطلبوا بيان هذا الأمر البين وقيسوا حاله بحالكم وافعلوا به ما فعل بكم فى أوائل أموركم من قبول ظاهر الحال من غير وثوق
على تواطئ الظاهر والباطن إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ من الأعمال الظاهرة والخفية وبكيفياتها خَبِيراً فيجازيكم بحسبها ان خيرا فخير وان شرا فشر فلا تتهافتوا فى القتل واحتاطوا فيه. قال الامام الغزالي رحمه الله الخبير هو الذي لا تعزب عنه الاخبار الباطنة ولا يجرى فى الملك والملكوت شىء ولا تتحرك ذرة ولا تسكن ولا تضطرب نفس ولا تطمئن الا ويكون عنده خبر وهو بمعنى العليم لكن العلم إذا أضيف الى الخفايا الباطنة سمى خبرة ويسمى صاحبه خبيرا وحظ العبد من ذلك ان يكون خبيرا بما يجرى فى عالمه وعالمه قلبه وبدنه والخفايا التي يتصف القلب بها من الغش والخيانة والطواف حول العاجلة وإضمار الشر واظهار الخير والبخل بإظهار الإخلاص والإفلاس عنه ولا يعرفها الا ذو خبرة بالغة قد خبر نفسه ومارسها وعرف مكرها وتلبيسها وخدعها فحاربها وتشمر لمعاداتها وأخذ الحذر منها فذلك من العباد جدير بان يسمى خبيرا انتهى كلام الامام: قال السعدي
نمى تازد اين نفس سركش چنان ... كه عقلش تواند گرفتن عنان
كه با نفس وشيطان برآيد بزور ... مصاف پلنگان نبايد ز مور
ودلت الآية على ان المجتهد قد يخطئ كما اخطأ اسامة وان خطاءه قد كان مغتفرا حيث لم يقتص منه وعلى ان الذكر اللساني معتبر كما ان ايمان المقلد صحيح لكن ينبغى للمؤمن ان يترقى من الذكر اللساني الى الذكر القلبي ثم الى الذكر الروحي ويحصل له التعين والمعرفة ويخلص من ظلمة الجهل ويتنور بنور المعرفة لان الإنسان يموت كما يعيش. عن ابن عباس ان جبريل عليه السلام جاء الى النبي عليه السلام فقال يا محمد ان ربك يقرئك السلام وهو يقول مالى أراك مغموما حزينا قال عليه السلام (يا جبريل طال تفكرى فى أمتي يوم القيامة) قال أفي امر اهل الكفر أم اهل الإسلام فقال (يا جبريل فى امر اهل لا اله الا الله محمد رسول الله) فاخذ بيده حتى اقامه الى مقبرة بنى سلمة ثم ضرب بجناحه الايمن على قبر ميت قال قم بإذن الله فقام الرجل مبيض الوجه وهو يقول لا اله الا الله محمد رسول الله فقال جبريل عد الى مكانك فعاد كما كان ثم ضرب بجناحه الأيسر فقال قم بإذن الله فخرج رجل مسود الوجه ارزق العينين وهو يقول وا حسرتاه وا ندامتاه فقال له جبريل عد الى مكانك فعاد كما كان ثم قال يا محمد على هذا يبعثون يوم القيامة وعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تموتون كما تعيشون وتبعثون(2/264)
لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95)
كما تموتون) هر كسى آن درود عاقبت كار كه كشت. والاشارة فى الآية الى البالغين الواصلين بالسير الى الله ان يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ووفقوا لمجرد الايمان بالغيب إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعنى سرتم بقدم السلوك فى طلب الحق حتى صار الايمان إيقانا والإيقان إحسانا والإحسان عيانا والعيان غيبا وصار الغيب شهادة والشهادة شهودا والشهود شاهدا والشاهد مشهودا وبهما اقسم الله بقوله وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ فافهم جدا وهذا مقام الشيخوخية فَتَبَيَّنُوا عن حال المريدين وتثبتوا فى الرد والقبول وفى قوله وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً اشارة الى ارباب الطلب فى البدء والارادة اى إذا تمسك أحد بذيل ارادتكم والقى إليكم السلام بالانقياد والاستسلام لكم فلا تقولوا ألست مؤمنا اى صادقا مصدقا فى التسليم لاحكام الصحبة وقبول التصرف فى المال والنفس على شرط الطريقة ولا تردوه ولا تنفروه بمثل هذه التشديدات وقولوا له كما امر الله موسى وهارون عليهما السلام فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً فما أنتم أعز من الأنبياء ولا المريد المبتدئ أذل من فرعون ولا يهولنكم امر رزقه فتجتنبون منه طلبا للتخفيف والى هذا المعنى أشار بقوله تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فلا تهتموا لاجل الرزق فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ اى كذلك كنتم ضعفاء فى الصدق والطلب محتاجين الى الصحبة والتربية بدواء الارادة فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بصحبة المشايخ وقبولهم إياكم والإقبال على تربيتكم وإيصال رزقكم إليكم وشفقتهم وعطفهم عليكم فَتَبَيَّنُوا ان تردوا صادقا اهتماما لرزقه او تقبلوا كاذبا حرصا على تكثير المريدين إِنَّ اللَّهَ كانَ فى الأزل بِما تَعْمَلُونَ اليوم من الرد والقبول والاحتياج الى الرزق الذي تهتمون له خَبِيراً بتقدير امور قدرها فى الأزل وفرغ منها كما قال عليه السلام (ان الله فرغ من الخلق والرزق والاجل) وقال (الضيف إذا نزل نزل برزقه وإذا ارتحل ارتحل بذنوب مضيفه) كذا فى التأويلات النجمية لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ عن الجهاد مِنَ الْمُؤْمِنِينَ حال من القاعدين اى كائنين من المؤمنين وفائدتها الإيذان من أول الأمر بعدم إخلال وصف القعود بايمانهم والاشعار بعلة استحقاقهم كما سيأتى من الحسنى غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ بالرفع صفة للقاعدون. فان قلت كلمة غير لا تتعرف بالاضافة فكيف جاز كونها صفة للمعرفة. قلت اللام فى القاعدون للعهد الذهني فهو جار مجرى النكرة حيث لم يقصد به قوم بأعيانهم والأظهر انه بدل من القاعدون. والضرر المرض والعاهة من عمى او عرج او شلل او زمانة او نحوها وفى معناه العجز عن الاهبة. عن زيد بن ثابت رضى الله عنه انه قال كنت الى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغشيته السكينة فوقعت فخذه على فخذى حتى خشيت ان ترضها اى تكسرها ثم سرى عنه وازيل ما عرض له من شدة الوحى فقال (اكتب فكتبت لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون) فقال ابن أم مكتوم وكان أعمى يا رسول الله وكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين فغشيته السكينة كذلك ثم سرى عنه فقال (اكتب لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر) قال زيد أنزلها الله وحدها فالحقتها فالمراد(2/265)
دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)
بالقاعدين هم الأصحاء الذين اذن لهم فى القعود عن الجهاد اكتفاء بغيرهم لان الغزو فرض كفاية قال ابن عباس رضى الله عنهما هم القاعدون عن بدر والخارجون إليها وهو الظاهر الموافق لتاريخ النزول وَالْمُجاهِدُونَ عطف على القاعدون فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ اى لا مساواة بينهم وبين من قعد عن الجهاد من غير علة فى الاجر والثواب. فان قلت معلوم ان القاعد بغير عذر والمجاهد لا يستويان فما فائدة نفى الاستواء. قلت فائدته تذكير ما بينهما من التفاوت العظيم ليرغب القاعد فى الجهاد رفعا لرتبته وانفة عن انحطاط منزلته فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ جملة موضحة لما نفى الاستواء فيه فان انتفاء الاستواء بينهما يحتمل ان يكون بزيادة درجة أحدهما على درجة الآخر وبنقصانها فبين الله تعالى بهذه الجملة ان انتفاء استوائهما انما هو بانه تعالى فضل المجاهدين كأنه قيل مالهم لا يستوون فاجيب بذلك عَلَى الْقاعِدِينَ غير اولى الضرر لكون الجملة بيانا للجملة الاولى المتضمنة لهذا الوصف دَرَجَةً تنوينها للتفخيم كما سيأتى ونصبها بنزع الخافض اى بدرجة او على المصدرية لانه لتضمنه معنى التفضيل ووقوعه موقع المرة من التفضيل كان بمنزلة ان يقال فضلهم تفضيلة واحدة ونظيره قولك ضربه سوطا بمعنى ضربه ضربة وَكُلًّا من القاعدين والمجاهدين وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى اى المثوبة الحسنى وهى الجنة لحسن عقيدتهم وخلوص نيتهم وانما التفاوت فى زيادة العمل المقتضى لمزيد الثواب. قوله كلا مفعول أول لوعد والحسنى مفعوله الثاني وتقديم الاول على الفعل لافادة القصر تأكيدا للوعد اى كلا منهما وعد الله الحسنى لا أحدهما فقط والجملة اعتراض جيئ بها تداركا لما عسى يوهمه تفضيل أحد الفريقين على الآخر من حرمان المفضول. قال الفقهاء وهذا يدل على ان الجهاد فرض كفاية وليس مفروضا على كل أحد بعينه لانه تعالى وعد القاعدين عنه الحسنى كما وعد المجاهدين ولو كان الجهاد واجبا على كل أحد على التعيين لما كان القاعد أهلا لوعد الله تعالى إياه بالحسنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ عطف على قوله فضل الله أَجْراً عَظِيماً نصب على المصدر لان فضل بمعنى آجر اى آجرهم اجرا عظيما وإيثاره على ما هو مصدر من فعله للاشعار بكون ذلك التفضيل اجرا لاعمالهم او مفعول ثان لفضل لتضمنه معنى الإعطاء اى وأعطاهم زيادة على القاعدين اجرا عظيما. وقيل نصب بنزع الخافض اى فضلهم بأجر عظيم دَرَجاتٍ بدل من اجرا بدل الكل مبين لكمية التفضيل مِنْهُ صفة لدرجات دالة على فخامتها وجلالة قدرها اى درجات كائنة منه تعالى وهى سبعون درجة ما بين كل درجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين خريفا او سبعمائة درجة وفى الحديث (ان فى الجنة مائة درجة أعدها الله تعالى للمجاهدين فى سبيله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض) ويجوز ان يكون انتصاب درجات على المصدرية كما فى قولك ضربه أسواطا اى ضربات كأنه قيل فضلهم تفضيلات وَمَغْفِرَةً بدل من اجرا بدل البعض لان بعض الاجر ليس من باب المغفرة أي مغفرة لما يفرط منهم من الذنوب التي لا يكفرها سائر الحسنات التي لا يأتى بها القاعدون ايضا حتى تعد من خصائصهم وَرَحْمَةً بدل الكل من اجرا(2/266)
مثل درجات ويجوز ان يكون انتصابهما بإضمار فعلهما اى غفر لهم مغفرة ورحمهم رحمة هذا ولعل تكرير التفضيل بطريق العطف المنبئ عن المغايرة وتقييده تارة بدرجة واخرى بدرجات مع اتحاد المفضل والمفضل عليه حسبما يقتضيه الكلام ويستدعيه حسن الانتظام اما لتنزيل الاختلاف العنواني بين التفضيلين وبين الدرجة والدرجات منزلة الاختلاف الذاتي تمهيدا لسلوك طريقة الإيهام ثم التفسير روما لمزيد التحقيق والتقرير كما فى قوله تعالى وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ كأنه قيل فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة لا يقادر قدرها ولا يفهم كنهها وحيث كان تحقق هذا العنوان البعيد بينهما موهما لحرمان القاعدين قيل وكلا وعد الله الحسنى ثم أريد تفسير ما أفاده التنكير بطريق الإبهام بحيث يقطع احتمال كونه للوحدة فقيل ما قيل ولله در شأن التنزيل واما للاختلاف بالذات بين التفضيلين وبين الدرجة والدرجات على ان المراد بالتفضيل الاول ماخولهم الله تعالى عاجلا فى الدنيا من الغنيمة والظفر والذكر الجميل الحقيق بكونه درجة واحدة وبالتفضيل الثاني ما أنعم به فى الآخرة من الدرجات العالية الفائتة للحصر كما ينبئ عنه تقديم الاول وتأخير الثاني
وتوسيط الوعد بالجنة بينهما كأنه قيل فضلهم عليهم فى الدنيا درجة واحدة وفى الآخرة درجات لا تحصى وقد وسط بينهما فى الذكر ما هو متوسط بينهما فى الوجود اعنى الوعد بالجنة توضيحا لحالهما ومسارعة الى تسلية المفضول والله سبحانه اعلم. وقيل المجاهدون الأولون من جاهد الكفار والآخرون من جاهد نفسه وعليه قوله عليه السلام (رجعنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر) وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً لذنوب من جاهد فى سبيله رَحِيماً يدخله الجنة برحمته وهو تذييل مقرر لما وعد من المغفرة والرحمة. قال القشيري رحمه الله ان الله سبحانه جمع أولياءه فى الكرامات لكنه غاير بينهم فى الدرجات فمن غنى وغيره اغنى منه ومن كبير وغيره اكبر منه هذه الكواكب متيرة لكن القمر فوقها وإذا طلعت الشمس بهرت اى غلبت جميعها بنورها انتهى فالجنة مشتركة بين الواصلين البالغين والطالبين المنقطعين بعذر وعوام المؤمنين القاعدين عن الطلب بلا عذر لكن الطائفة الاولى فى واد والأخريان فى واد آخر لا يستوون عند الله تعالى: قال المولى الجامى قدس سره
اى كمند بدن چوطفل صغير ... مانده در دست خواب غفلت أسير
پيش از آن كت أجل كند بيدار ... گر نمردى ز خواب سر بردار
انما السائرون كل رواح ... يحمدون السرى لدى الإصباح
ودلت الآية على ان اولى الضرر مساوون للمجاهدين فى الاجر والثواب- روى- عنه عليه السلام انه لما رجع من غزوة تبوك ودنا من المدينة قال (ان فى المدينة لأقواما ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد الا كانوا معكم فيه) قالوا يا رسول الله وهم بالمدينة قال (نعم وهم بالمدينة حبسهم حابس العذر) وهم الذين صحت نياتهم وتعلقت قلوبهم بالجهاد وانما منعهم عن الجهاد الضرر(2/267)
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99) وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100) وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101) وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102)
هر كسى از همت والاى خويش ... سود برد درخور كالاى خويش
قال عليه السلام (إذا مرض العبد قال الله تعالى اكتبوا لعبدى ما كان يعمله فى الصحة الى ان يبرأ) وقال المفسرون فى قوله تعالى ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ان من صار هر ما كتب الله له اجر عمله قبل هرمه غير منقوص. وقالوا فى تفسير قوله عليه السلام (نية المؤمن خير من عمله) ان المؤمن ينوى الايمان والعمل الصالح لو عاش ابدا فيحصل له ثواب تلك النية ابدا قالوا هذه المساواة مشروطة بشريطة اخرى سوى الضرر قد ذكرت فى قوله تعالى فى اواخر سورة التوبة لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ والنصيحة لهما طاعة لهما والطاعة لهما فى السر والعلن وتوليهما فى السراء والضراء والحب فيهما والبغض فيهما كما يفعل الموالي الناصح بصاحبه كذا فى تفسير الإرشاد. واعلم ان الجهاد من أفاضل المكاسب وامائل الحرف فلا ينبغى للعاقل ان يترك الجهاد او التحدث به فان من مات ولم يغزو لم يحدث به نفسه فقد مات ميتة جاهلية ومعنى التحدث طلبه الغزو واخطاره بالبال. قال بعض الكبار السبق بالهمم لا بالقدم وفى الحديث (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) ومعناه ان من أنعم الله عليه بهاتين النعمتين وهما صحة الجسد بالعافية التي هى كالتاج على رؤس الأصحاء لا يراه الا السقيم والفراغ من شواغل الدنيا وعلقها فمن حصل له هاتان النعمتان واشتغل عن القيام بواجب حق الله تعالى فهذا هو الذي غبن بضياع حظه ونصيبه من طاعة الله وبذل النفس فى الخدمة وتحصيل ما ينفعه لآخرته من انواع الطاعات والقربات اللهم اجعلنا من المنتفعين بحياتهم والمتوجهين إليك فى مرضهم وصحتهم ولا تقطعنا عنك ولو لحظة عين ولا تشغلنا عن الوصل بالبين انك أنت الغفور الرحيم إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ يحتمل ان يكون ماضيا فيكون اخبارا عن احوال قوم معينين انقرضوا ومضوا وان يكون مضارعا قد حذف منه احدى التاءين وأصله تتوفاهم وعلى هذا تكون الآية عامة فى حق كل من كان بهذه الصفة والظاهر ان لفظ المضارع هاهنا على حكاية الحال الماضية والقصد الى استحضار صورتها بشهادة كون خبر ان فعلا ماضيا وهو قالوا والمراد بتوفى الملائكة إياهم قبض أرواحهم عند الموت والملك الذي فوض اليه هذا العمل هو ملك الموت وله أعوان من الملائكة واسناد التوفى الى لله تعالى فى قوله اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ وفى قوله قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ مبنى على ان خالق الموت هو الله تعالى ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فى حال ظلمهم أنفسهم بترك الهجرة واختيار مجاورة الكفرة الموجبة للاخلال بامور الدين فانها نزلت فى ناس من مكة قد اسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة فريضة فانه تعالى لم يكن يقبل الإسلام بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة الا بالهجرة إليها ثم نسخ ذلك بعد فتح مكة بقوله عليه السلام (لا هجرة بعد الفتح) قال الله تعالى فيمن آمن وترك الهجرة الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وهو حال من ضمير توفاهم فانه وان كان مضافا الى المعرفة وحق الحال ان يكون نكرة الا ان أصله ظالمين أنفسهم فتكون الاضافة لفظية قالُوا اى الملائكة(2/268)
إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)
للمتوفين تقريرا لهم بتقصيرهم فى اظهار إسلامهم واقامة أحكامه من الصلاة ونحوها وتوبيخا لهم بذلك فِيمَ كُنْتُمْ اى فى أي شىء كنتم من امور دينكم كأنه قيل فماذا قالوا فى الجواب فقيل قالُوا متجانفين عن الإقرار الصريح بما هم فيه من التقصير متعللين بما يوجبه على زعمهم كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ اى فى ارض مكة عاجزين عن القيام بمواجب الدين فيما بين أهلها قالُوا ابطالا لتعللهم وتبكيتا لهم أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها الى قطر آخر منها تقدرون فيه على اقامة امور الدين كما فعله من هاجر الى المدينة والى الحبشة وقيل كانت الطائفة المذكورة قد خرجوا مع المشركين الى بدر فقتلوا فيها فضربت الملائكة وجوههم وادبارهم وقالوا لهم ما قالوا فيكون ذلك منهم تقريعا وتوبيخا لهم بما كانوا فيه من مساعدة الكفرة بانتظامهم فى عسكرهم ويكون جوابهم بالاستضعاف تعللا بانهم كانوا مقهورين تحت أيديهم وانهم أخرجوهم اى الى بدر كارهين فرد عليهم بانهم كانوا بسبيل من الخلاص من قهرهم متمكنين من المهاجرة فَأُولئِكَ الذين حكيت أحوالهم الفظيعة مَأْواهُمْ اى فى الآخرة جَهَنَّمُ كما ان مأواهم فى الدنيا دار الكفر لتركهم الواجب ومساعدتهم الكفار وكون جهنم مأواهم نتيجة لما قبله وهو الجملة الدالة على ان لا عذر لهم فى ذلك أصلا فعطف عليه عطف جملة على اخرى وَساءَتْ مَصِيراً مصيرهم جهنم إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الاستثناء منقطع فان المتوفين ظالمين أنفسهم اما مرتدون او عصاة بتركهم الهجرة مع القدرة عليها وهؤلاء المستضعفون اى المستذلون المقهورون تحت أيدي الكفار ليسوا بقادرين عليها فلم يدخلوا فيهم فكان الاستثناء منقطعا والجار والمجرور حال من المستضعفين اى كائنين منهم. فان قلت المستثنى المنقطع وان لم يكن داخلا فى المستثنى منه لكن لا بد ان يتوهم دخوله فى حكم المستثنى منه ومن المعلوم ان لا يتوهم دخول الأطفال فى الحكم السابق وهو كون مأواهم جهنم فكيف ذكر فى عداد المستثنى قلت للمبالغة فى التحذير من ترك الهجرة وإيهام انها لو استطاعها غير المكلفين لوجبت عليهم والاشعار بانه لا محيص لهم عنها البتة تجب عليهم إذا بلغوا حتى كأنها واجبة عليهم قبل البلوغ لو استطاعوا وان قوامهم يجب عليهم ان يهاجروا بهم متى أمكنت لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا صفة للمستضعفين إذ لا توقيت فيه فيكون فى حكم المنكر واستطاعة الحيلة وجدان اسباب الهجرة وما تتوقف عليه واهتداء السبيل معرفة طريق الموضع المهاجر اليه بنفسه او بدليل فَأُولئِكَ اشارة الى المستضعفين الموصوفين بما ذكر من صفات العجز عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ذكر بكلمة الاطماع ولفظ العفو إيذانا بان ترك الهجرة امر خطير حتى ان المضطر من حقه ان لا يأمن ويترصد الفرصة ويعلق بها قلبه وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً معنى كونه عفوا صفحه واعراضه عن العقوبة ومعنى كونه غفورا ستر القبائح والذنوب فى الدنيا والآخرة فهو كامل العفو تام الغفران: قال السعدي قدس سره
پس پرده بيند عملهاى بد ... هم او پرده پوشد ببالاى خود(2/269)
وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)
وفى الآية الكريمة ارشاد الى وجوب المهاجرة من موضع لا يتمكن الرجل فيه من اقامة امور دينه بأى سبب كان. وعن النبي صلى الله عليه وسلم (من فر بدينه من ارض الى ارض وان كان شبرا من الأرض استوجبت له الجنة وكان رفيق أبيه ابراهيم ونبيه محمد عليه السلام) قال الحدادي فى تفسيره فى قوله تعالى أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها دليل انه لا عذر لاحد فى المقام على المعصية فى بلده لاجل المال والولد والأهل بل ينبغى ان يفارق وطنه ان لم يمكنه اظهار الحق فيه ولهذا روى عن سعد بن جبير انه قال إذا عمل بالمعاصي بأرض فاخرج منها
سعديا حب وطن گرچهـ حديث است صحيح ... نتوان مرد بسختى كه من اينجا ز آدم
والاشارة فى الآية ان المؤمن عام وخاص وخاص الخاص كقوله فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وهو العام وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وهو الخاص وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ وهو خاص الخاص إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ هم العوام الذين ظلموا أنفسهم بتدسيتها من غير تزكيتها عن أخلاقها الذميمة وتحليتها بالأخلاق الحميدة ليفلحوا فحابوا وخسروا كما قال تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ اى قالت الملائكة حين قبضوا أرواحهم فى أي غفلة كنتم تضيعون اعماركم وتبطلون استعدادكم الفطري وفى أي واد من او دية الهوى تهيمون وفى أي روضة من رياض الدنيا كنتم تؤثرون الفاني على الباقي وتنسون الطهور والساقي وإخوانكم يجاهدون فى سبيل الله باموالهم وأنفسهم ويهاجرون عن الأوطان ويفارقون الاخوان والأخدان قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ اى عاجزين فى استيلاء النفس الامارة وغلبة الهوى مأسورى الشيطان فى حبس البشرية قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ اى ارض القلب واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فتحرجوا من مضيق ارض البشرية فتسلكوا فى فسحة عالم الروحانية بل تطيروا فى هواء الهوية فَأُولئِكَ يعنى ظالمى أنفسهم مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ البعد عن مقامات القرب وَساءَتْ مَصِيراً جهنم البعد لتاركى القرب والمتقاعدين عن جهاد النفس إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الذي صفتهم لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً فى الخروج عن الدنيا لكثرة العيال وضعف الحال ولا على قهر النفس وغلبة الهوى ولا على قمع الشيطان فى طلب الهدى وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا الى صاحب ولاية يتمسكون بعروته الوثقى ويعتصمون بحبل إرادته فى طلب المولى فيخرجهم من ظلمات ارض البشرية الى نور سماء الربوبية على أقدام العبودية وهم المقتصدون المشتاقون ولكنهم بحجب الانانية محجوبون ومن شهود جمال الحق محرومون فعذرهم بكرمه ووعدهم رحمته وقال فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ السكون عن الله والركون الى غير الله وَكانَ اللَّهُ فى الأزل عَفُوًّا ولعفوه أمكنهم التقصير فى العبودية غَفُوراً ولغفرانه امهلهم فى إعطاء حق الربوبية كذا فى التأويلات النجمية وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ترغيب فى المهاجرة وتأنيس لها وسبيل الله ما امر بسلوكه يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً اى متحولا يتحول اليه ومهاجرا وانما عبر عنه بذلك تأكيدا للترغيب لما فيه من الاشعار(2/270)
بكون ذلك المتحول بحيث يصل المهاجر بما فيه من الخير والنعمة الى ما يكون سببا لرغم انف قومه الذين هاجرهم. والرغم الذل والهوان وأصله لصوق الانف بالرغام وهو التراب يقال ارغم الله انفه اى ألصقه بالرغام ولما كان الانف من جملة الأعضاء فى غاية العزة والتراب فى غاية الذلة جعل قولهم رغم انفه كناية عن الذلة وَسَعَةً فى الرزق واظهار الدين وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً اى مفارقا قومه واهله وولده إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ اى الى طاعة الله وطاعة رسوله ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ اى قبل ان يصل الى المقصد وان كان ذلك خارج بابه كما ينبئ عنه إيثار الخروج من بيته على المهاجرة فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ الوقوع والوجوب متقاربان والمعنى ثبت اجره عند الله ثبوت الأمر الواجب وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً مبالغا فى المغفرة فيغفر له ما فرط منه من الذنوب التي من جملتها القعود عن الهجرة الى وقت الخروج رَحِيماً مبالغا فى الرحمة فيرحمه بإكمال ثواب هجرته- روى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث بالآيات المحذرة عن ترك الهجرة الى مسلمى مكة. قال جندب بن ضمرة من بنى الليث لبنيه وكان شيخا كبيرا لا يستطيع ان يركب الراحلة
احملوني فانى لست من المستضعفين وانى لأهتدى الطريق ولى من المال ما يبلغنى المدينة وابعد منها والله لا أبيت الليلة بمكة فحملوه على سرير متوجها الى المدينة فلما بلغ التنعيم وهو موضع قريب من مكة اشرف على الموت فاخذ يصفق بيمينه على شماله ثم قال اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه رسولك فمات حميدا فلما بلغ خبره اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لو توفى بالمدينة لكان أتم اجرا وقال المشركون وهم يضحكون ما أدرك هذا ما طلب فانزل الله هذه الآية فمن هذا قالوا المؤمن إذا قصد طاعة ثم أعجزه العذر عن إتمامها كتب الله له ثواب تمام تلك الطاعة. وفى الكشاف قالوا كل هجرة لغرض دينى من طلب علم او حج او جهاد او فرار الى بلد يزداد فيه طاعة او قناعة وزهدا فى الدنيا او ابتغاء رزق طيب فهى هجرة الى الله ورسوله وان أدركه الموت فى طريقه فاجره واقع على الله انتهى. قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره من مات قبل الكمال فمراده يجيئ اليه كما ان من مات فى طريق الكعبة يكتب له اجر حجين. يقول الفقير سمى الذبيح المتخلص بحقي سمعت مرة شيخى العارف العلامة أبقاه الله بالسلامة وهو يقول عند تفسير هذه الآية ان الطالب الصادق إذا سافر من ارض بشريته الى مقام القلب فمات قبل ان يصل الى مراده فله نصيب من اجر البالغين الى ذلك المقام لصدق طلبه وعدم انقطاعه عن الطريق الى حد الموت بل الله يكمله فى عالم البرزخ بوساطة روح من ارواحه او بوساطة فيضه. ومثل هذا جاء فى حق بعض السلاك وله نظير فى الشريعة كما روى عن الحسن البصري رحمه الله انه قال بلغني ان المؤمن إذا مات ولم يحفظ القرآن امر حفظته ان يعلموه القرآن فى قبره حتى يبعثه الله تعالى يوم القيامة مع اهله فاذا كان طالب القرآن الرسمى بالغا الى مراده وانّ فى البرزخ لحرصه على التحصيل فليس ببدع ان يكون طالب القرآن الحقيقي وأصلا الى مرامه فى عالم المثال المقيد لشغفه على التكميل. أقول واما ما قال الشيخ الكبير صدر الدين القنوى قدس سره فى الفلك الآخر من الفلوك من المتفق شرعا وعقلا وكشفا ان كل كمال لم يحصل للانسان(2/271)
فى هذه النشأة وهذه الدار فانه لا يحصل له بعد الموت فى الدار الآخرة انتهى فلعله فى حق اهل الحجاب الذين قعدوا عن الطلب رأسا لا فى حق اهل الحجاب الذين سلكوا فماتوا قبل الوصول الى مكاشفة الافعال ومشاهدة الصفات ومعاينة الذات. قال المولى الجامى فى شرح الكلمة الشعيبية من الفصوص الحكمية فما يدل على عدم الترقي بعد الموت من قوله تعالى وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى الآية انما هو بالنسبة الى معرفة الحق لا لمن لا معرفة له أصلا فانه إذا انكشف الغطاء ارتفع العمى بالنسبة الى الدار الآخرة ونعيمها وجحيمها والأحوال التي فيها واما قوله عليه السلام (إذا مات ابن آدم انقطع عمله) فهو يدل على ان الأشياء التي يتوقف حصولها على الأعمال لا تحصل وما لا يتوقف عليها بل يحصل بفضل الله ورحمته فقد يحصل وذلك من مراتب التجافي انتهى كلامه. فعلى السالك ان لا ينقطع عن الطريق ويرجو من الله التوفيق كى يصل الى منزل التحقيق: قال الحافظ الشيرازي
كاروان رفت تو در راه كمين گاه بخواب ... وه كه بس بيخبر از غلغل چندين جرسى
بال بگشاى صفير از شجر طوبى زن ... حيف باشد چوتو مرغى كه أسير قفسى
تا چومجمر نفسى دامن جانان گيرم ... جان نهاديم بر آتش ز پى خوش نفسى
چند پويد بهواي تو بهر سو حافظ ... يسر الله طريقا بك يا ملتمسى
وفى التأويلات النجمية ان الاشارة فى الآية من غاية ضعف الإنسان وحياته الحيوانية واستهواء الشيطان يكون الخوف غالبا على الطالب الصادق فى بدء طلبه فكما أراد أن يسافر عن الأوطان ويهاجر عن الاخوان طالبا فوائد اشارة سافروا لتصحوا وتغنموا لا زالة مرض القلب ونيل صحة الدين والفوز بغنيمة صحبة شيخ كامل مكمل وطبيب حاذق مشفق ليعالج مرض قلبه ويبلغه كعبة طلبه فتسول له النفس اعداد الرزق وعدم الصبر ويعده الشيطان بالفقر فقال تعالى على قضية وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اى طلب الله يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً اى بلادا أطيب من بلاده وإخوانا فى الدين احسن من إخوانه وَسَعَةً فى الرزق. وفيه اشارة اخرى وهى ومن يهاجر عن بلد البشرية فى طلب حضرة الربوبية يجد فى ارض الانسانية مراغما كثيرا اى متحولا ومنازل مثل القلب والروح والسر وسعة اى وسعة فى تلك العوالم الوسيعة او سعة من رحمة الله كما اخبر الله تعالى على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام عن تلك الوسعة والسعة بقوله (لا يسعنى ارضى ولا سمائى وانما يسعنى قلب عبدى المؤمن) فافهم يا كثير الفهم قصير النظر قليل العبر ثم قال دفعا للهواجس النفسانية والوساوس الشيطانية فى التخويف بالموت والإيعاد بالفوت وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ الى بيت بشريته بترك الدنيا وقمع الهوى وقهر النفس بهجران صفاتها وتبديل أخلاقها مُهاجِراً الى الله طالباله فى مبايعة رسوله ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ قبل وصوله فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ يعنى فقد أوجب الله تعالى على ذمة كرمه بفضله ورحمته ان يبلغه الى أقصى مقاصده وأعلى مراتبه فى الوصول بناء على صدق نيته وخلوص طويته إذا كان المانع من اجله ونية المؤمن خير من عمله وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً لذنب بقية انانية وجوده رَحِيماً عليه بتجلى صفة جوده ليبلغ(2/272)
وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101)
العبد الى كمال مقصوده بمنه وكرمه وسعة جوده انتهى كلام التأويلات وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ شروع فى بيان كيفية الصلاة عند الضرورات من السفر ولقاء العدو والمطر والمرض اى إذا سافرتم أي مسافرة كانت للهجرة او للجهاد او لغيرهما فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ اى حرج ومأثم فى أَنْ تَقْصُرُوا شيأ مِنَ الصَّلاةِ فهو صفة لمحذوف والقصر خلاف المد يقال قصرت الشيء اى جعلته قصيرا بحذف بعض اجرائه او أوصافه فمتعلق القصر حقيقة انما هو ذلك الشيء لا بعضه فانه متعلق الحذف دون القصر وعلى هذا فقوله من الصلاة ينبغى ان يكون مفعولا لتقصروا على زيادة من حسبما رآه الأخفش واما على تقدير ان تكون تبعيضية ويكون المفعول محذوفا كما هو رأى سيبويه اى شيأ من الصلاة فينبغى ان يصار الى وصف الجزء بصفة الكل والمراد قصر الرباعيات بالتنصيف فانها تصلى فى السفر ركعتين فالقصر انما يدخل فى صلاة الظهر والعصر والعشاء دون المغرب والفجر وادنى مدة السفر الذي يجوز فيه القصر عند ابى حنيفة رحمه الله مسيرة ثلاثة ايام ولياليها الأيام للمشى والليالى للاستراحة بسير الإبل ومشى الاقدام بالاقتصاد ولا اعتبار بإبطاء الضارب اى المسافر السائر واسراعه فلو سار مسيرة ثلاثة ايام ولياليهن فى يوم قصر ولو سار مسيرة يوم فى ثلاثة ايام لم يقصر ثم تلك المسيرة ستة برد جمع بريد كل بريد اربعة فراسخ وكل فرسخ ثلاثة أميال باميال هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي قدر أميال البادية كل ميل اثنا عشر الف قدم وهى اربعة آلاف خطوة فان كل ثلاثة أقدام خطوة. وظاهر الآية الكريمة التخيير بين القصر والإتمام وان الإتمام أفضل لكن عندنا يجب القصر لا محالة خلا ان بعض مشايخنا سماه عزيمة وبعضهم رخصة إسقاط بحيث لا مساغ للاتمام لا رخصة توفية إذ لا معنى للتخيير بين الأخف والأثقل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صدقة تصدق الله بها عليكم) وهو يدل على عدم جواز الا كمال لان التصدق بما لا يحتمل التمليك إسقاط محض لا يحتمل الرد فليس لنا الا التدين بما شرع الله والعمل بما حكم. قال فى الأشباه القصر للمسافر عندنا رخصة إسقاط بمعنى العزيمة بمعنى ان الإتمام لم يبق مشروعا حتى اثم به وفسدت لو أتم ومن لم يقعد على رأس الركعتين فسدت صلاته لاتصال النافلة بها قبل كمال أركانها وان قعد فى آخر الركعة الثانية قدر التشهد اجزأته الأخريان نافلة ويصير مسيئا بتأخير السلام. قال فى تفسير الحدادي المسافر إذا صلى الظهر أربعا ولم يقعد فى الثانية قدر التشهد فسدت صلاته كمصلى الفجر أربعا انتهى فان قلت فما تصنع بقوله فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا فلم ورد ذلك بنفي الجناح. قلت لما انهم الفوا الإتمام فكانوا مظنة ان يخطر ببالهم ان عليهم نقصانا فى القصر فصرح بنفي الجناح عنهم لتطيب به نفوسهم ويطمئنوا اليه كما فى قوله تعالى فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما مع ان ذلك الطواف واجب عندنا ركن عند الشافعي ثم ان العاصي كالمطيع فى رخصة السفر حتى ان الآبق وقاطع الطريق يقصران لان المقيم العاصي يمسح يوما وليلة كالمقيم المطيع فكذا المسافر ولان السفر ليس بمعصية فلا يعتبر غرض العاصي إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه اى ان خفتم(2/273)
وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102)
ان يتعرضوا لكم بما تكرهون من القتال وغيره فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة والقصر ثابت بهذا النص فى حال الخوف خاصة واما فى حال الامن فبالسنة. قال المولى ابو السعود فى تفسيره وهو شرط معتبر فى شرعية ما يذكر بعده من صلاة الخوف المؤداة بالجماعة واما فى حق مطلق القصر فلا اعتبار له اتفاقا لتظاهر السنن على مشروعيته. ثم قال بعد كلام بل نقول ان الآية الكريمة مجملة فى حق مقدار القصر وكيفيته وفى حق ما يتعلق به من الصلاة وفى مقدار مدة القصر الذي نيط به القصر فكل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من القصر فى حال الأمن وتخصيصه بالرباعيان على وجه التنصيف وبالضرب فى المدة المعينة بيان لا جمال الكتاب انتهى. وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال سافر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بين مكة والمدينة لا يخاف الا الله فصلى ركعتين كذا فى الوسيط إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً اى ظاهر العداوة وكمال عداوتهم من موجبات التعرض لكم بقتال او غيره وَإِذا كُنْتَ يا محمد فِيهِمْ اى مع المؤمنين الخائفين فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ اى إذا أردت ان تقيم بهم الصلاة. قال ابن عباس لما رأى المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاموا الى صلاة الظهر وهو يؤمهم وذلك فى غزوة ذات الرقاع ندموا على تركهم الاقدام على قتالهم فقال بعضهم دعوهم فان لهم بعدها صلاة هى أحب إليهم من آبائهم وأولادهم وأموالهم يريدون صلاة العصر فان رأيتموهم قاموا إليها فشدوا عليهم فاقتلوهم فنزل جبرائيل عليه السلام بهؤلاء الآيات بين الصلاتين فعلمه كيفية أداء صلاة الخوف واطلعه الله على قصدهم ومكرهم ذهب الجمهور الى ان صلاة الخوف ثابتة مشروعة بعده صلى الله عليه وسلم فى حق كل الامة غايته انه تعالى علم رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية أداء الصلاة حال الخوف لتقتدى به الامة فيتناولهم الخطاب الوارد له عليه السلام. قال فى الكشاف ان الائمة نواب عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى كل عصر قوام بما كان يقوم به فكان الخطاب له متناولا لكل امام يكون حاضرا بجماعة فى حال الخوف عليه ان يؤمهم كما أم رسول الله صلى الله عليه وسلم الجماعات التي كان يحضرها ألا يرى ان قوله تعالى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ لم يوجب كونه عليه السلام مخصوصا بها دون غيره من الائمة بعده فكذا صلاة الخوف فاندفع قول من قال صلاة الخوف مخصوصة بحضرة الرسول عليه السلام حيث شرط كونه بينهم فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ بعد ان جعلتهم طائفتين ولتقف الطائفة الاخرى بإزاء العدو ليحرسوكم منهم وَلْيَأْخُذُوا اى الطائفة القائمة معك وهم المصلون أَسْلِحَتَهُمْ اى لا يضعوها ولا يلقوها وانما عبر عن ذلك بالأخذ للايذان بالاعتناء باستصحابها كأنهم يأخذونها ابتداء فَإِذا سَجَدُوا اى القائمون معك وأتموا الركعة فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ اى فلينصرفوا الى مقابلة العدو للحراسة وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا بعد وهى الطائفة الواقفة تجاه العدو للحراسة فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ الركعة الباقية ولم يبين فى الآية الكريمة حال الركعة الباقية لكل من الطائفتين وقد بين ذلك بالسنة حيث روى عن ابن عمر وابن مسعود ان النبي عليه السلام حين صلى صلاة الخوف صلى بالطائفة الاولى ركعة وبالطائفة(2/274)
الاخرى ركعة كما فى الآية ثم جاءت الطائفة الاولى وذهبت هذه الى العدو حتى قضت الاولى الركعة الاخرى بلا قراءة وسلموا ثم جاءت الطائفة الاخرى وقضوا الركعة الاولى بقراءة حتى صار لكل طائفة ركعتان هذا إذا كان مسافرا او فى الفجر لان الركعة الواحدة شطر صلاته واما إذا كان مقيما او فى المغرب فيصلى بالطائفة الاولى الركعتين لانهما الشطر. وفى الكافي لو اخطأ الامام فصلى بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين اى فى المغرب فسدت صلاة الطائفتين. وتفصيل كيفية الصلاة عند الخوف من عدو او سبع كفى مؤونته باب الصلاة الخوف فى الفروع فارجع اليه وَلْيَأْخُذُوا اى هذه الطائفة حِذْرَهُمْ وهو التحذر والتيقظ وَأَسْلِحَتَهُمْ.
ان قلت الحذر من قبيل المعاني فكيف يتعلق الاخذ الذي لا يتعلق الا بما هو من قبيل الأعيان كالسلاح. قلت انه من قبيل الاستعارة بالكناية فانه شبه الحذر بآلة يستعملها الغازي وجعل تعلق الاخذ به دليلا على هذا التشبيه المضمر فى النفس فيكون استعارة تخييلية ولا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز من حيث ان اسناد الاخذ الى الاسلحة حقيقة والى الحذر مجاز وذلك لان الاخذ على حقيقته وانما المجاز إيقاعه فافهم ولعل زيادة الأمر بالحذر فى هذه المرة كونها مظنة لوقوف الكفرة على كون الطائفة القائمة مع النبي عليه السلام فى شغل شاغل واما قبلها فربما يظنونهم قائمين للحرب وتكليف كل من الطائفتين بأخذ الحذر والاسلحة لما ان الاشتغال بالصلاة مظنة لالقاء السلاح والاعراض عن ذكرها ومئنة لهجوم العدو كما ينطق به ما بعد الآية. قال الامام الواحدي فى قوله تعالى وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ رخصة للخائف فى الصلاة لان يجعل بعض فكره فى غير الصلاة وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً الخطاب للفريقين بطريق الالتفات اى تمنوا ان ينالوا منكم غرة وينتهزوا فرصة فيشدوا عليكم شدة واحدة والمراد بالامتعة ما يتمتع به فى الحرب لا مطلقا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ رخصة لهم فى وضع الاسلحة ان ثقل عليهم حملها بسبب ما يبلهم من مطر او يضعفهم من مرض وهذا يؤيد ان الأمر بالأخذ للوجوب دون الاستحباب. وقال الفقهاء حمل السلاح فى صلاة الخوف مستحب لان الحمل ليس من اعمال الصلاة والأمر فى قوله تعالى وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ محمول على الندب وَخُذُوا حِذْرَكُمْ أمرهم مع ذلك بأخذ الحذر اى بالتيقظ والاحتياط لئلا يهجم عليهم العدو غيلة. قال ابن عباس رضى الله عنهما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم محاربا ببني انمار فهزمهم الله تعالى فنزل النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمون ولا يرون من العدو أحدا فوضعوا أسلحتهم وخرج رسول الله يمشى لحاجة له وقد وضع سلاحه حتى قطع الوادي والسماء ترش فحال الوادي بينه عليه السلام وبين أصحابه فجلس فى اصل شجرة فبصر به غورث بن الحارث المحاربي فانحدر من الجبل ومعه السيف وقال لاصحابه قتلنى الله ان لم اقتل محمدا فلم يشعر رسول الله الا وهو قائم على رأسه وقد سل سيفه من غمده فقال يا محمد من يعصمك منى الآن فقال عليه السلام (الله عز وجل) ثم قال (اللهم اكفنى غورث ابن الحارث بما شئت) ثم أهوى بالسيف الى رسول الله ليضربه فانكب على وجهه من زلخة(2/275)
فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103) وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109)
زلخها بين كتفيه فندر سيفه فقام رسول الله فاخذه ثم قال (يا غورث من يمنعك منى) قال لا أحد قال عليه السلام (تشهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله وأعطيك سيفك) قال لا ولكن اشهد ان لا أقاتلك ابدا ولا أعين عليك عدوا فاعطاه سيفه فقال غورث والله لانت خير منى فقال عليه السلام (انا أحق بذلك منك) فرجع غورث الى أصحابه فقص عليهم قصته فآمن بعضهم قال وسكن الوادي فرجع رسول الله الى أصحابه وأخبرهم بالخبر إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً تعليل للامر بأخذ الحذر اى أعد لهم عذابا مهينا بان يخذلهم وينصركم عليهم فاهتموا بأموركم ولا تهملوا فى مباشرة الأسباب كى يحل بهم عذابه بايديكم فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ صلاة الخوف اى اديتموها على الوجه المبين وفرغتم منها فظهر منه ان القضاء يستعمل فيما فعل فى وقته ومنه قوله تعالى فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ حال كونكم قِياماً اى قائمين وَقُعُوداً اى قاعدين وَعَلى جُنُوبِكُمْ اى مضطجعين اى فداوموا على ذكر الله تعالى وحافظوا على مراقبته ومناجاته ودعائه فى جميع الأحوال حتى فى حال المسابقة والقتال كما فى قوله تعالى إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ سكنت قلوبكم من الخوف وأمنتم بعد ما تضع الحرب أوزارها فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ اى الصلاة التي دخل وقتها حينئذ اى أدوها بتعديل أركانها ومراعاة شرائعها. ومن حمل الذكر على ما يعم الذكر باللسان والصلاة من الحنفية فله ان يقول فى تفسير الآية فداوموا على ذكر الله فى جميع الأحوال وإذا أردتم أداء الصلاة فصلوها قائمين حال الصحة والقدرة على القيام وقاعدين حال المرض والعجز عن القيام ومضطجعين على الجنوب حال العجز عن القعود إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً اى فرضا موقتا. قال مجاهد وقته تعالى عليهم فلا بد من إقامتها فى حالة الخوف ايضا على الوجه المشروع وقيل مفروضا مقدرا فى الحضر اربع ركعات وفى السفر ركعتين فلا بد ان تؤدى فى كل وقت حسبما قدر فيه. قال فى شرح الحكم العطائية ولما علم الله تعالى ما فى العباد من وجود الشره المؤدى الى الملل القاطع عن بلوغ العمل جعل الطاعات فى الأوقات إذ جعل فى اليوم خمسا وفى السنة شهرا وفى المائتين خمسا وفى العمر زورة رحمة بهم وتيسيرا للعبودية عليهم ولو لم يقيد الطاعات بأعيان الأوقات لمنعهم عنها وجود التسويف فاذا يترك معاملته تعاميا وبطرا وبطالة واتباعا للهوى وانما وسع الوقت كى تبقى حصة الاختيار وهذا سر الوقت وكان الواجب على الامة ليلة المعراج خمسين صلاة فخفف الله عنهم وجازاهم بكل وقت عشرا فاجر خمسين فى خمسة اوقات قالوا وجه كون يوم القيامة على الكافر خمسين الف سنة لانه لما ضيع الخمسين عوقب بكل صلاة الف سنة كما أقروا على أنفسهم بقولهم لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وفى الحديث (من ترك صلاة حتى مضى وقتها ثم قضى عذب فى النار حقبا) والحقب ثمانون سنة كل سنة ثلاثمائة وستون يوما كل يوم الف سنة مما تعدون يعنى ترك الصلاة الى وقت القضاء اثم لو عاقب الله به يكون جزاءه هكذا ولكن الله يتكرم بان لا يجازى به إذا تاب عنه كذا فى مشكاة الأنوار وفى الحديث (خمسة لا تطفأ نيرانهم ولا تموت ديدانهم ولا يخفف عنهم(2/276)
وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)
من عذابها. مشرك بالله. وعاق لوالديه. والزاني بحليلة جاره. ورجل سلم أخاه الى سلطان جائر. ورجل او امرأة سمع المؤذن يؤذن ولم يجب من غير عذر) يعنى أخرها عن وقتها بغير عذر كذا فى روضة العلماء وفى الحديث (ما افترض الله على خلقه بعد التوحيد شيأ أحب اليه من الصلاة ولو كان شىء أحب اليه من الصلاة تعبد به ملائكته فمنهم راكع وساجد وقائم وقاعد) وكان آخر ما اوحى به الى النبي عليه السلام الصلاة وما ملكت ايمانكم. واعلم ان لله عبادا قد منحهم ديمومية الصلاة فهم فى صلاتهم دائمون من الأزل الى الابد وليس هذا يدرك بالعقول القاصرة ولا يعقلها الا العالمون بالله تعالى. وفى التأويلات النجمية إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً يعنى واجبا فى جميع الأوقات حين فرضت بقوله فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ اى اديموها رخص فيها بخمس صلوات فى خمسة اوقات لضرورة ضعف الانسانية كما كان الصلاة الخمس خمسين صلاة حين فرضت ليلة المعراج فجعلها بشفاعة النبي عليه السلام خمسا وهذا لعوام الخلق والا اثبت دوام الصلاة للخواص بقوله الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ: وفى المثنوى
پنج وقت آمد نماز رهنمون ... عاشقانش فى صلاة دائمون
نيست ز رغبا وظيفه ماهيان ... زانكه بي دريا ندارد انس وجان
هيچ كس با خويش زرغبا نمود ... هيچ كس با خود بنوبت يار بود
در دل عاشق بجز معشوق نيست ... در ميان شان فارق وفاروق نيست
وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ نزلت فى بدر الصغرى وهى موضع سوق لبنى كنانة كانوا يجتمعون فيها كل عام ثمانية ايام- روى- ان أبا سفيان قال عند انصرافه من أحد يا محمد موعدنا موسم بدر لقابل ان شئت فقال صلى الله عليه وسلم (ان شاء الله تعالى) فلما كان القابل القى الله الرعب فى قلبه فندم على ما قال فبعث نعيم بن مسعود ليخوف المؤمنين من الخروج الى بدر فلما أتى نعيم المدينة وجد المؤمنين يتجهزون للخروج فقال لهم ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ففتر المؤمنين فقال عليه السلام (لأخرجن ولو لم يخرج معى أحد) فانزل الله هذه الآية إرشادا لمن طرأ عليهم الوهن فى ابتغاء القوم اى طلب ابى سفيان وقوله. والمعنى لا تفتروا ولا تضعفوا فى طلب الكفار بالقتال اى لا يورثنكم ما أصابكم يوم أحد من القتل والجراحات فتورا وضعفا إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ من الجراح فَإِنَّهُمْ اى القوم يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ اى ان كان لكم صارف عن الحرب وهو انكم تألمون من الجراح فلهم مثل ذلك من الصارف ولكم اسباب داعية الى الحرب ليست لهم كما أشار إليها بقوله وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ من الثواب والنصر ما لا يَرْجُونَ والحاصل ليس ما تقاسونه من الآلام مختصا بكم بل هو مشترك بينكم وبينهم ثم انهم يصبرون على ذلك فما لكم لا تصبرون مع انكم اولى به منهم حيث ترجون من الله من اظهار دينكم على سائر الأديان ومن الثواب فى الآخرة ما لا يخطر ببالهم قطعا وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً مبالغا فى العلم فيعلم أعمالكم وضمائركم حَكِيماً فيما يأمر وينهى فجدّدوا فى الامتثال بذلك فان فيه عواقب حميدة وفى امره بابتغاء القوم بالقتال لهمة بالغة كاملة ومصلحة تامة شاملة فاطلبوهم بالقتال فان الله يعذبهم فى الدنيا بايديكم وفى الآخرة بايدى الزبانية فهل ينتظرون إلا سنة الله فى الكافرين(2/277)
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)
الأولين وهو إنزال العذاب بهم حين كذبوا أنبياءهم فلن تجد لسنة الله تبديلا بجعل التعذيب غير تعذيب وغير التعذيب تعذيبا ولن تجد لسنة الله تحويلا بنقل التعذيب عنهم الى غيرهم والحاصل انه لا يبدل نفس السنة ولا يحول محل السنة إذ لقد حق القول عليهم ولا يتبدل القول لديه. وفى الآية الكريمة حث على الشجاعة والتجلد واظهار الغلظة كما قال تعالى وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً: قيل
هست نرمى آفت جان سمور ... وز درشتى ميبرد جان خارپشت
قال سلمان الفارسي رضى الله عنه إذا اضطرب قلب المؤمن عند محاربة الكافر تتحدر ذنوبه كتحدر أوراق الشجرة بهبوب النسيم. وقال عطية بن قيس إذا خرجت غازيا فان خطر ببالي كثرة العدد والعدد رجعت عن السفر خوفا من الغرور وان خطر قلتهما قلت لا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم: ومن كلمات بهرام [هر آنكه سر تاج دارد. بايد كه دل از سر بردارد]
هر آنكه پاى نهد در نكار خانه ملك ... يقين كه مال وسر وهر چهـ هست دربازد
ومن كلمات السعدي قدس سره
در قژاكند مرد بايد بود ... بر مخنث سلاح جنگ چهـ سود
يقول الفقير سمعت من حضرة شيخى وسندى الذي هو بمنزلة روحى من جسدى انه قال السلطان والوزير بالنسبة الى العساكر الاسلامية كالقلب بالنسبة الى الأعضاء والجوارح الانسانية فاذا ثبت ثبتوا كما ان القلب إذا صلح صلح الجسد كله فان كان اقبال الامام بعشر مراتب كان اقبال قومه بمرتبة واحدة وان كان بمائة مرتبة كان إقبالهم بعشر مراتب وهكذا واما إدباره فعكسه فان كان بمرتبة كان ادبار القوم بعشر مراتب وان كان بعشر مراتب كان ادبارهم بمائة مرتبة وهكذا وليس الدخول بدار من باب تفرج البلدان والخروج الى المسير والتنعم فلا بد لكل مجاهد ان يجتهد فى خدمة الدين ويتوكل على الله ويعقد على وعده ويصبر على البلاء حتى يبلغ الكتاب اجله وان اتى الباب فلا يستعجل الأمناء ولا يهن ولا يحزن بمكث الفتح المطلوب بل ينتظر الى فرج الله بالنصر والفتح عن قريب فان انكسار القلوب مفتاح أبواب الغيوب ومدار انفتاح انواع الفتوح. والاشارة فى الآية وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ اى فى طلب النفس وصفاتها والجهاد معها إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فى الجهاد معها وتتعبون بالرياضات والمجاهدات وملازمة الطاعات والعبادات ومداومة الذكر ومراقبة القلب فى طلب الحق والقبول والوصول الى المقامات العلية فَإِنَّهُمْ يعنى النفس والبدن فى طلب الشهوات الدنيوية واللذات الحيوانية والمرادات الجسمانية يَأْلَمُونَ ويتعبون فى طلبها كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ العواطف الازلية والعوارف الابدية ما لا يَرْجُونَ النفوس الردية من هممها الدنية التي لا تتجاوز من قصورها عن المقاصد الدنيوية وَكانَ اللَّهُ فى الأزل عَلِيماً باستعداد كل طائفة من اصناف الخلق حَكِيماً فيما حكم لكل واحد منهم من المقاصد والمشارب قد علم كل أناس مشربهم وكل حزب بمالديهم فرحون إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ اى القرآن انزالا بِالْحَقِّ- روى- ان رجلا من الأنصار يقال له طعمة بن أبيرق من بنى ظفر سرق درعا من جاره قتادة(2/278)
وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)
ابن النعمان فى جراب دقيق فجعل الدقيق ينتثر من خرق فيه فخبأها عند زيد بن السمين اليهودي فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد وحلف ما أخذها وماله بها علم فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهى الى منزل اليهودي فاخذوها فقال دفعها الى طعمة وشهد له ناس من اليهود على ذلك فقالت بنوا ظفر انطلقوا بنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه ان يجادل اليهودي ليدفع فضيحة البهتان عن صاحبهم طعمة وقالوا له عليه السلام ان يعاقب اليهودي ويقطع يده بناء على شهادة قوم طعمة على براءته وعلى ان اليهودي هو السارق ولم يظهر له عليه السلام ما يوجب القدح فى شهادتهم بناء على كون كل واحد من الشاهد والمشهود له من المسلمين ظاهرا فلذلك مال طبعه الى نصرة الخائن والذب عنه الا انه لم يحكم بذلك بل توقف وانتظر الوحى فنزلت الآية ناهية عنه ومنبهة على ان طعمة وشهوده كاذبون وان اليهودي بريئ من ذلك الجرم لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ اى بما عرفك واوحى به إليك. فاراك ليس من الرؤية البصرية ولا من التي بمعنى العلم والا لاستدعى ثلاثة مفاعيل بل هو منقول من رأيت بمعنى الاعتقاد والمعرفة وسميت المعرفة المذكورة رؤية لكونها جارية مجرى الرؤية فى القوة والظهور والخلوص من وجوه الريب وَلا تَكُنْ اى فاحكم به ولا تكن لِلْخائِنِينَ اى لاجلهم والذب عنهم وهم طعمة ومن يعينه فانه روى ان قومه علموا ان تلك السرقة عمل طعمة بناء على انه سارق فى الجاهلية لكنهم بيتوا طول ليلهم واتفقوا على ان يشهدوا بالسرقة على اليهودي دفعا عن طعمة عقوبة السرقة فلذلك وصفهم الله جميعا بالخيانة او المراد بالخائنين هو وكل من يتسير بسيرته خَصِيماً اى مخاصما للبراء اى لا تخاصم اليهودي لا جلهم وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ مما هممت به تعويلا على شهادتهم. قال ابن الشيخ ولما صدر عنه عليه السلام الهم بذلك الحكم الذي لو وقع لكان خطأ فى نفسه امر الله تعالى إياه عليه السلام بان يستغفر لهذا العذر وان كان معذورا فيه عند الله بناء على ان حسنات الأبرار سيآت المقربين إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً مبالغا فى المغفرة والرحمة لمن يستغفره وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ
الاختيان والخيانة بمعنى اى يخونونها بالمعصية وانما قال يختانون أنفسهم وان كانوا ما خانوا أنفسهم لان مضرة خيانتهم راجعة إليهم كما يقال فيمن ظلم غيره ما ظلم الا نفسه كذا فى تفسير الحدادي والمراد بالموصول اما طعمة وأمثاله واما هو ومن عاونه وشهد ببراءته من قومه فانهم شركاء له فى الإثم والخيانة إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُ
عدم المحبة كناية عن البغض والسخط مَنْ كانَ خَوَّاناً
مفرطا فى الخيانة مصرا عليها أَثِيماً
منهمكا فيها اطلق على طعمة لفظ المبالغة الدال على تكرر الفعل منه مع ان الصادر منه خيانة واحدة واثم واحد لكون طبعه الخبيث مائلا الى تكثير كل واحد من الفعلين. وقد روى انه هرب الى مكة وارثد ونقب حائطا بها ليسرق متاع اهله فسقط الحائط عليه فقتله قيل إذا عثرت من رجل على سيئة فاعلم ان لها أخوات. وعن عمر رضى الله عنه انه امر بقطع يد سارق فجاءت امه تبكى وتقول هذه أول سرقة سرقها فاعف عنه فقال كذبت ان الله لا يؤاخذ عبده فى أول مرة يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ
يستترون منهم حياء وخوفا من ضررهم وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ
اى لا يستحيون منه سبحانه وهو أحق بان يستحيى(2/279)
هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109)
منه ويخاف من عقابه وَهُوَ مَعَهُمْ
عالم بهم وبأحوالهم فلا طريق الى الاستخفاء منه سوى ترك ما يستقبحه ويؤاخذ عليه إِذْ
ظرف منصوب بالعامل فى الظرف الواقع خبرا وهو معهم يُبَيِّتُونَ
يدبرون ويزورون ما لا يَرْضى
الله مِنَ الْقَوْلِ
من رمى البريء والحلف الكاذب وشهادة الزور فان طعمة قال ارمى اليهودي بانه سارق الدرع واحلف انى لم اسرقها فتقبل يمينى لانى على دينهم ولا تقبل يمين اليهودي وقال قوم طعمة من الأنصار نشهد زورا لندفع شين السرقة وعقوبتها عمن هو واحد منا وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ
من الأعمال الظاهرة والخافية مُحِيطاً
لا يفوت عنه شىء ها أَنْتُمْ
مبتدأ هؤُلاءِ
خبره والهاء فى أول كل منهما للتنبيه والجملة التي بعد هذه الجملة مبينة لوقوع أولاء خبرا كما تقول لبعض الأسخياء أنت حاتم تجود بما لك وتؤثر على نفسك والخطاب مع قوم من المؤمنين كانوا يذبون عن طعمة وعن قومه بسبب انهم كانوا فى الظاهر من المسلمين جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
المجادلة أشد المخاصمة والمعنى هبوا انكم خاصمتم عن طعمة وعن قومه فى الدنيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ
فمن يخاصم عنهم فى الآخرة إذا أخذهم الله بعذابه أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا
حافظا وحاميا من بأس الله وانتقامه.
وفى التأويلات النجمية وكيلا يتكلم بوكالتهم يوم لا تملك نفس لنفس شيأ والأمر يومئذ لله قال السعدي قدس سره
دران روز كز فعل پرسند وقول ... أولوا العزم را تن بلرزد ز هول
بجايى كه دهشت خورد انبيا ... تو عذر گنه را چهـ دارى بيا
فعلى العبد ان يتوب قبل الموت من كل معصية توبة نصوحا ويتدارك ما فرط من تقصيره فى فرائض الله ويرد المظالم الى أهلها حبة حبة ويستحل كل من تعرض له بلسانه شتما او قذفا او استهزاء او غيبة ويده ضربا وسوء ظنه بقلبه ويطيب قلوبهم حتى يموت ولم يبق عليه فريضة ولا مظلمة فما أشد فرحك اليوم بتمضمضك باعراض الناس وتناولك أموالهم وما أشد حسرتك فى ذلك اليوم إذا وقف بك على بساط العدل وشوفهت بخطاب السيئات وأنت مفلس فقير عاجز مهين لا تقدر على ان ترد حقا او تظهر عذرا فكيف بك يا مسكين فى يوم ترى فيه صحيفتك خالية عن حسنات طال فيها تعبك فتقول أين حسناتى فيقال نقلت الى صحيفة خصمائك فتوهن نفسك يا أخي إذا تطايرت الكتب ونصبت الموازين وقد نوديت باسمك على رؤس الخلائق أين فلان ابن فلان هلم الى العرض على الله وقد وكلت الملائكة بأخذك فقربتك الى الله لا يمنعها اشتباه الأسماء باسمك إذا عرفت انك المراد بالدعاء إذا فزع النداء قلبك فعلمت انك المطلوب فارتعدت فرائضك واضطربت جوارحك وتغير لونك وطار قلبك تخطى بك الصفوف الى ربك للعرض عليه والوقوف بين يديه وقد رفع الخلائق إليك أبصارهم وأنت فى أيديهم وقد طار قلبك واشتد رعبك لعلمك اين يراد بك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يؤمر بنفر من الناس يوم القيامة الى الجنة حتى إذا دنوا منها واستنشقوا رائحتها ونظروا الى قصورها والى ما أعد الله تعالى لاهلها ثم نودوا ان اصرفوهم(2/280)
وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)
عنها لا نصيب لهم فيها فيرجعون بحسرة وندامة ما رجع الأولون والآخرون بمثلها فيقولون يا ربنا لو ادخلتنا النار قبل ان ترينا ما أريتنا من ثواب ما اعددت لأوليائك فيقول الله تعالى ذاك أردت بكم كنتم إذا خلوتم بي بارزتمونى بالعظائم فاذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين ترون الناس خلاف ما ينطوى عليه قلوبكم هبتم الناس ولم تهابونى اجللتم الناس ولم تجلونى تركتم للناس ولم تتركو الى) يعنى لاجل الناس (فاليوم اذيقكم اليم عقابى مع ما حرمتكم) يعنى من جزيل ثوابى قال تعالى يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ
كذا فى تنبيه الغافلين فاذا عرفت هذا فاجتهد فى ان لا تكون من الذين لا يستخفون من الله واجعل خيانتك امانة واثمك طاعة وظلمك عدلا وتزويرك صدقا محضا واستغفر الله فان الاستغفار دواء الأوزار وبه ينفتح باب الملكوت الى الله الملك الغفار وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً
عملا قبيحا متعديا يسوء به غيره ويخزيه كما فعل طعمة بقتادة واليهودي أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ
بما يختص به كالحلف الكاذب وقيل السوء مادون الشرك والظلم الشرك لان الشرك ظلم عظيم. وقيل هما الصغيرة والكبيرة ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ
بالتوبة الصادقة وشرطت التوبة لان الاستغفار لا يكون توبة بالإجماع ما لم يقل معه تبت واسأت ولا أعود اليه ابدا فاغفرلى يا رب كما فى تفسير الحدادي يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً
لذنوبه كائنة ما كانت رَحِيماً
متفضلا عليه وفيه مزيد ترغيب لطعمة وقومه فى التوبة والاستغفار لما ان مشاهدة التائب لآثار المغفرة والرحمة نعمة زائدة.
وعن على رضى الله عنه قال حدثنى ابو بكر وصدق ابو بكر رضى الله عنه قال (ما من عبد يذنب ذنبا ثم يتوضأ ويصلى ركعتين ويستغفر الله الا غفر الله له وتلا هذه الآية ومن يعمل سوأ إلخ)
اى كه بى حد گناه كردستى ... مى نترسى از آن فعال شنيع
توبه كن تا رضاى حق يابى ... كه به از توبه نيست هيچ شفيع
وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً
من الآثام فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ
بحيث لا يتعدى ضرره ووباله الى غيره فليحترز عن تعريضها للعقاب والعذاب عاجلا وآجلا. وفى التأويلات النجمية فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ
فان رين الإثم يظهر فى الحال فى صفاء مرآة قلبه يعميه عن رؤية الحق ويصمه عن سماع الحق كما قال تعالى كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
فهو عالم بفعله حكيم فى مجازاته وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً
صغيرة او مالا عمد فيه من الذنوب أَوْ إِثْماً
كبيرة او ما كان عن عمد ثُمَّ يَرْمِ بِهِ
اى يقذف بأحد المذكورين ويسب به بَرِيئاً
اى مما رماه به ليحمله عقوبة العاجلة كما فعل طعمة بزيد اليهودي فَقَدِ احْتَمَلَ
اى بما فعل من تحميل جريرته على البرى بُهْتاناً
لا يقادر قدره وَإِثْماً مُبِيناً
اى بينا فاحشا لانه بكسب الاسم آثم وبرمى البريء باهت فهو جامع بين الامرين وسمى رمى البريء بهتانا لكون البريء متحيرا عند سماعه لعظمه فى الكذب يقال بهت الرجل بالكسر إذا دهش وتحير ويقال بهته بهتانا إذا قال عنه مالم يقله او نسب اليه ما لم يفعله- روى- عنه عليه السلام انه قال (الغيبة ذكرك أخاك بما يكره)(2/281)
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)
فقيل أفرأيت ان كان فى أخي ما أقول قال (ان كان فيه ما تقول فقد اغتبته وان لم يكن فيه فقد بهته) . وفى التأويلات النجمية فَقَدِ احْتَمَلَ
صاحب النفس بُهْتاناً
ابهت القلوب عن العبودية والطاعة وَإِثْماً مُبِيناً
بما أثمت به نفسه من المعاصي واثم بها قلبه فيكون بمنزلة من جعل اللب وهو القلب جلدا وهو النفس وهذا من اكبر الشقاوة فلا ينقطع عنه العذاب إذا صار كل وجوده جلودا فيكون من جملة الذين قال الله تعالى فيهم سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لانهم بدلوا الألباب بالجلود هاهنا انتهى. واعلم ان الاستغفار فرار العبد من الخلق الى الخالق ومن الانانية الى الهوية الذاتية وذلك عند صدق الطلب ومن طلبه وجده كما قال (ألا من طلبنى وجدنى) قال موسى عليه السلام أين أجدك يا ربى قال (يا موسى إذا قصدت الىّ فقد وصلت الىّ) فلا بد من الاستغفار مطلقا: ويقال، سلطان بلا عدل كنهر بلا ماء. وعالم بلا عمل كبيت بلا سقف.
وغنى بلا سخاوة كسحاب بلا مطر. وشاب بلا توبة كشجر بلا ثمر. وفقير بلا صبر كقنديل بلا ضوء. وامرأة بلا حياء كطعام بلا ملح. وتهذيب الأخلاق قبل الموت من سنن الأخيار والعمل الصالح قرين الرجل كما ان السوء كذلك
ناگهان بانگ در سراى افتاد ... كه فلانرا محل وعده رسيد
دوستان آمدند تا لب گور ... قدمى چند وباز پس كرديد
وين كز ودسترس نميد آرى ... مال وملك وقباله برده كليد
وين كه پيوسته با تو خواهد بود ... عمل تست ونفس پاك و پليد
نيك درياب وبد مكن زنهار ... كه بد ونيك باز خواهى ديد
- حكى- ان الشيخ وفا المدفون بقسطنطنية فى حريم جامعه الشريف اهدى اليه ثمانون الف درهم من قبل السلطان بايزيد الثاني ليعقد عقد النكاح لبعض بناته فقال لا افعل ولو أعطيت الدنيا وما فيها قيل ولم قال لان لى اورادا الى الضحى لا انفك عنها ساعة وأنام من الضحى الى الظهر لا اترك منه ساعة واما بعد الظهر فانتم لا ترضونه لان النهار يكون فى الانتقاص وهكذا يكون طالب الحق فى ليله ونهاره فان الدنيا فانية فالحى الباقي هو الله تعالى فلا بد من طلبه وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ
بالعصمة لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ
اى من بنى ظفروهم الذابون عن طعمة أَنْ يُضِلُّوكَ
اى بان يضلوك عن القضاء بالحق بتلبيسهم عليك مع علمهم بان الجاني هو صاحبهم وليس القصد فيه الى نفى همهم بل الى نفى تأثيره وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ
لان وباله عليهم وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ
محل الجار والمجرور النصب على المصدرية اى وما يضرونك شيأ من الضرر لان الله عاصمك وما خطر ببالك كان اعتمادا منك على ظاهر الأمر لا ميلا فى الحكم وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ
اى القرآن وَالْحِكْمَةَ
اى ما فى القرآن من الاحكام وعرفك الحلال والحرام وَعَلَّمَكَ
بالوحى من الغيب وخفيات الأمور ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
ذلك الى وقت التعليم وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
إذ لا فضل أعظم من النبوة العامة والرياسة(2/282)
التامة ومن ذلك الفضل العظيم عصمته وتعليمه ما لم يعلم. قال الحدادي فى تفسيره وفى هذه الآيات دلالة انه لا يجوز لاحد ان يخاصم لغيره فى اثبات حق او نفيه وهو غير عالم بحقيقة امره وانه لا يجوز للحاكم الميل الى أحد الخصمين وان كان أحدهما مسلما والآخر كافرا وان وجود السرقة فى يدى انسان لا يوجب الحكم بها عليه انتهى. واعلم ان هذه الآية جامعة لفضائل كثيرة. منها بيان ان وبال الشر يعود على صاحبه كما ان منفعة الخير تعود على فاعله: قال الصائب
أول بظالمان اثر ظلم ميرسد ... پيش از هدف هميشه كمان ناله ميكند
- حكى- ان الله تعالى ايبس يد رجل بذبح عجل بقرة بين يدى امه ثم ردها برد فرخ سقط من وكره الى امه يقال ثلاثة لا يفلحون بائع البشر وقاطع الشجر وذابح البقر- وحكى- ان امرأة وضعت لقمة فى فم سائل ثم ذهبت الى مزرعة فوضعت ولدها فى موضع فاخذه الذئب فقالت يا رب ولدي فاخذ آت عنق الذئب واستخرج ولدها من غير أذى ثم قال هذه اللقمة لتلك اللقمة التي وضعتها فى فم السائل فكل يرى اثر صنعه فى الدنيا ايضا. ومنها ان العلم والحكمة من أعظم الفضائل والمراد العلم النافع المقرب الى الله تعالى أعاذنا الله مما لم ينفع منه على ما قال عليه الصلاة والسلام فى دعائه (وأعوذ بك من علم لا ينفع) فان العلم النافع لا ينقطع مدده فى الآخرة ايضا على ما روى مسلم عن ابى هريرة رضى الله عنه إذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له. ومنها ان لا يرى العبد الفضائل والخيرات من نفسه بل من فضل الله ورحمته وليس للعبد ان يزكى نفسه فان الأنفس ليست بمحل التزكية فمن استحسن من نفسه شيأ فقط أسقط من باطنه أنوار اليقين والكامل لا يرى لنفسه قدرا فكيف لعمله وكل ما يعمله العبد من بدايته الى نهايته لا يقابل لنعمة الوجود- حكى- عن شاه شعاع الكرماني انه كان جالسا فى مسجد فقام فقير وسأل الناس فلم يعطوه شيأ فقال الكرماني من يشترى حج خمسين سنة بمن من الخبر. فيعطى هذا الفقير وكان هناك فقيه فقال ايها الشيخ قد استحففت بالشريعة فقال الكرماني لا ارى لنفسى قيمة فكيف ارى لعملى وليس المراد التعطيل عن العمل بل يعملون جميع الحسنات ولا يرون لها قدرا بل يرون التوفيق لها من فضل الله تعالى: قال السعدي قدس سره
كراز حق توفيق خيرى رسد ... كه از بنده خيرى بغيري رسد
چورويى بخدمت نهى بر زمين ... خدا را ثنا گوى وخود را مبين
والاشارة فى الآية ان فضل الله موهبة من مواهب الحق يؤتيه من يشاء وليس لأحد فيه مدخل بالكسب والاستجلاب وبذلك يهدى العبد للايمان ويوفقه للعمل الصالح والعظيم فى قوله وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
هو الله تعالى اى ان الله العظيم هو فضل الله عليك ورحمته كما انك فضل الله ورحمته على العالمين ولهذا قال (لولاك لما خلقت الافلاك) ومن فضل الله عليه انه لم يضله شىء من الروحانيات والجسمانيات عن طريق الوصول اللهم احفظنا من الموانع فى طريق الوصول إليك آفاقية او انفسية والحقنا بفضلك بالنفوس القدسية(2/283)
لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)
لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ اى فى كثير من تناجى الناس وهو فى اللغة سر بين اثنين وذهب الزجاج الى ان النجوى ما تفرد به الجماعة او الاثنان سرا كان او ظاهرا. قال مجاهد هذه الاية عامة فى حق جميع الناس غير مختصة بقوم طعمة وان نزلت فى تناجى قوم السارق لتخليصه إِلَّا مَنْ أَمَرَ اى الا فى نجوى من امر على انه مجرور بدل من كثير كما تقول لا خير فى قيامهم الا قيام زيد بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ المعروف كل ما يستحسنه الشرع ولا ينكره العقل فينتظم اصناف الجميل وفنون اعمال البر وقد فسر هنا بالقرض واغاثة الملهوف وصدقة التطوع على ان المراد بالصدقة الصدقة الواجبة قال صلى الله عليه وسلم (كل معروف صدقة) وأول اهل الجنة دخولا اهل المعروف وصنائع المعروف تقى مصارع السوء
تو نيكى كن بآب انداز اى شاه ... اگر ماهى نداند داند الله
وفى الحديث (عمل ابن آدم كله عليه لا له الا ما كان من امر بمعروف او نهى عن منكر او ذكر الله) أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ عند وقوع المشاقة والمعاداة بينهم من غير انه يجاوز فى ذلك حدود الشرع الشريف وفى الحديث (ألا أخبركم بأفضل درجة من الصلاة والصدقة) قالوا بلى يا رسول الله قال (إصلاح ذات البين) وفساد ذات البين هى الحالقة فلا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين. وعن ابى أيوب الأنصاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له (ألا ادلك على صدقة خير لك من حمر النعم) قال بلى يا رسول الله قال (تصلح بين الناس إذا تفاسدوا وتقرب بينهم إذا تباعدوا) قالوا ولعل السر فى افراد هذه الاقسام الثلاثة بالذكر ان عمل الخير المتعدى الى الناس اما لايصال المنفعة او لدفع المضرة والمنفعة.
اما جسمانية كاعطاء المال واليه الاشارة بقوله عز وجل إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ. واما روحانية واليه الاشارة بقوله أَوْ مَعْرُوفٍ. واما دفع الضرر فقد أشير اليه بقوله أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ اشارة الى الأمور المذكورة اعنى الصدقة والمعروف والإصلاح فانه يشاربه الى متعدد وانما بنى الكلام على الأمر حيث قال اولا الا من امر فهو كلام فى حق الآمر بالفعل ورتب الجزاء على الفعل حيث قال ومن يفعل فهو كلام فى حق الفاعل وكان المناسب للاول ان يبين حكم الآمر ويقول ومن يأمر بذلك ليدل على انه لما دخل الآمر فى زمرة الخيرين كان الفاعل ادخل فيهم وان العمدة والغرض هو الفعل واعتبار الأمر من حيث انه وصلة اليه. ففيه تحريض الآمر بالأمور المذكورة على فعلها ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ اى طلب رضى الله تعالى علة للفعل والتقييد به لان الأعمال بالنيات وان من فعل خيرا رياء وسمعة لم يستحق به غير الحرمان: قال السعدي
گرت بيخ اخلاص در بوم نيست ... ازين در كسى چون تو محروم نيست
ز عمرو اى پسر چشم اجرت مدار ... چودر خانه زيد باشى بكار
فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً يقصر عنه الوصف ويستحقر دونه مافات من اعراض الدنيا وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ يخالفه من الشق فان كلا من المتخالفين فى شق غير شق الآخر مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى ظهر له الحق بالوقوف على المعجزات الدالة على نبوته(2/284)
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121)
وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ اى غير ما هم مستمرون عليه من اعتقاد وعمل وهو الدين القيم نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى اى نجعله واليا لما تولاه من الضلال ونخذله بان نخلى بينه وبين ما اختار وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ اى ندخله فيها وَساءَتْ مَصِيراً اى جهنم- روى- ان طعمة عاند حكم الله وخالف رسول الله خوفا من فضاحة قطع اليد فهرب الى مكة واتبع دين أهلها ومات كافرا فعلى العاقل ان لا يخالف الجماعة وهم المؤمنون فان الشاة الخارجة عن القطيع يأكلها الذئب وسبيل المؤمنين هو السبيل الحق الموصل الى الجنة والقربة والوصلة واللقاء. والاشارة انه لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ اى الذين يتناجون من النفس والشيطان والهوى لانهم شرار ولا فيما يتناجون به لانهم يأمرون بالسوء والفحشاء والمنكر ثم استثنى وقال إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ اى الا فيمن امر بهذه الخيرات فان فيه الخير وهو الله تعالى فانه يأمر بالخيرات بالوحى عموما او يأمر بالخاطر الرحمانى والإلهام الرباني خواص عباده فالخاطر يكون بواسطة الملك وبغير الواسطة كما قال عليه السلام (ان للملك لمة وان للشيطان لمة فلمة الملك إيعاد بالخير ولمة الشيطان إيعاد بالشر) والإلهام ما يكون من الله تعالى بغير الواسطة وهو على ضربين. ضرب منه مالا شعور به للعبد انه من الله. وضرب منه ما يكون باشارة صريحة يعلم العبد انه آت من الله تعالى لتعليم نور الإلهام وتعريفه لا يحتاج الى معرفة آخر انه من الله تعالى وهذا يكون للولى وغير الولي كما قال بعض المشايخ حدثنى قلبى عن ربى وقال عليه السلام (ان الحق لينطق على لسان عمر) وقال (كادت فراسته ان تسبق الوحى) ثم قال وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ
اى ومن يفعل بما ألهمه الله طلبا لمرضاته فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ذكر بفاء التعقيب قوله فسوف يعنى عقيب الفعل نؤتيه اجرا وهو جذبة العناية التي تجذبه عنه وتوصله الى العظيم ثم قال وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ اى يخالف الإلهام الرباني الذي هو رسول الحق اليه مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى بتعريف الإلهام ونوره وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ الموقنين بالإلهام بان يتبع الهوى وتسويل النفس وسبيل الشيطان نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى اى نكله بالخذلان الى ما تولى وَنُصْلِهِ بسلاسل معاملاته التي تولى بها الى جَهَنَّمَ سفليات الصفات البهيمية والسبعية والشيطانية وَساءَتْ مَصِيراً اى ما صار اليه من عبادة الهوى واتباع النفس والشيطان واشراكهم بالله فى المطاوعة كذا فى التأويلات النجمية إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ يقال جاء شيخ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال انى شيخ منهمك فى الذنوب الا انى لم أشرك بالله شيأ منذ عرفته وآمنت به ولم اتخذ من دونه وليا ولم أوقع المعاصي جراءة وما توقعت طرفة عين انى أعجز الله هربا وانى لنادم تائب فما ترى حالتى عند الله فنزلت هذه الآية. فالشرك غير مغفور الا بالتوبة عنه وما سواه مغفور سواء حصلت التوبة او لم تحصل لكن لا لكل أحد بل لمن يشاء الله مغفرته وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً عن الحق فان الشرك أعظم انواع الضلالة وأبعدها عن الصواب والاستقامة.
قال الحدادي اى فقد ذهب عن الصواب والهدى ذهابا بعيدا وحرم الخير كله. والفائدة(2/285)
إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118)
فى قوله بَعِيداً ان الذهاب عن الجنة على مراتب أبعدها الشرك بالله تعالى انتهى. فالشرك أقبح الرذائل كما ان التوحيد احسن الحسنات. والسيئات على وجوه كاكل الحرام وشرب الخمر والغيبة ونحوها لكن أسوأ الكل الشرك بالله ولذلك لا يغفر وهو جلى وخفى حفظنا الله منهما. وكذا الحسنات على وجوه ويجمعها العمل الصالح وهو ما أريد به وجه الله واحسن الكل التوحيد لانه أساس جميع الحسنات وقامع السيئات ولذلك لا يوزن قال عليه السلام (كل حسنة يعملها ابن آدم توزن يوم القيامة الا شهادة ان لا اله الا الله فانها لا توضع فى ميزانه) لانها لو وضعت فى ميزان من قالها صادقا ووضعت السموات والأرضون السبع وما فيهن كان لا اله الا الله أرجح من ذلك ثم ان الله تعالى بين كون ضلالهم ضلالا بعيدا فقال إِنْ بمعنى ما النافية يَدْعُونَ اى المشركون وهو بمعنى يعبدون لان من عبد شيأ فانه يدعوه عند احتياجه اليه مِنْ دُونِهِ الضمير راجع الى الله تعالى إِلَّا إِناثاً جمع أنثى والمراد الأوثان وسميت أصنامهم إناثا لانهم كانوا يصورونها بصورة الإناث ويلبسونها انواع الحلل التي تتزين بها النساء ويسمونها غالبا بأسماء المؤنثات نحو اللات والعزى ومناة والشيء قد يسمى أنثى لتأنيث اسمه او لانها كانت جمادات لا أرواح فيها والجماد يدعى أنثى تشبيها له بها من حيثانه منفعل غير فاعل ولعله تعالى ذكره بهذا الاسم تنبيها على انهم يعبدون ما يسمونه إناثا لانه ينفعل ولا يفعل ومن حق المعبود ان يكون فاعلا غير منفعل ليكون دليلا على تناهى جهلهم وفرط حماقتهم وقيل المراد الملائكة فان من المشركين من يعبد الملائكة ويقول الملائكة بنات الله تعالى قال الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى مع اعترافهم بان إناث كل شىء اخسه وأرذله وَإِنْ يَدْعُونَ اى وما يعبدون بعبادة الأصنام إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً لانه الذي أمرهم بعبادتها وأغراهم عليها وكان طاعته فى ذلك عبادة له.
قيل كان فى كل واحد من تلك الأوثان شيطان يتراءى للسدنة والكهنة يكلمهم. وقال الزجاج المراد بالشيطان هاهنا إبليس بشهادة قوله تعالى بعد هذه الآية لَأَتَّخِذَنَّ وهو قول إبليس ولا يبعد ان الذي يتراءى للسدنة هو إبليس والمريد هو الذي لا يعلق بخير. فقيل من مرد اى تجرد للشر وتعرى من الخير يقال شجرة مرداء اى لاورق عليها وغلام امرد إذا لم يكن على وجهه شعر لَعَنَهُ اللَّهُ صفة ثانية للشيطان اى أبعده من رحمته الى عقابه بالحكم له بالخلود فى جهنم ويسقط بهذا قول من قال كيف يصح ان يقال لعنه الله وهو فى الدنيا لا يخلو من نعمة تصل اليه من الله تعالى فى كل حال لانه لا يعتد بتلك النعمة مع الحكم له بالخلود فى النار وَقالَ عطف عليه اى شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله وهذا القول الشنيع الصادر عنه عند اللعن الدال على فرط عداوته للناس فان الواو الواقعة بين الصفات انما تفيد مجرد الجمعية لَأَتَّخِذَنَّ هذه اللام واللامات الآتية كلها للقسم مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً اى مقطوعا واجبا قدّر لى وفرض وهو اى النصيب المفروض لابليس كل من أطاعه فيما زين له من المعاصي.
قال الحسن من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون كما فى حديث المشارق (يقول الله تعالى) اى(2/286)
وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119)
فى يوم الموقف (يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير فى يديك فيقول اخرج بعث النار) يعنى ميز أهلها والبعث بمعنى المبعوث (قال وما بعث النار) ما هنا بمعنى كم العددية ولذا أجيب عنها بالعدد (قال) اى الله تعالى (من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون قال النبي عليه السلام فذلك التقاول حين بشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها) كنايتان عن شدة اهوال يوم القيامة (وترى الناس سكارى) اى من الخوف (وما هم بسكارى) اى من الخمر (ولكن عذاب الله شديد قال) اى الراوي واشتد ذلك عليهم فقالوا يا رسول الله أينا ذلك الرجل الباقي من الالف فقال (ابشروا فان من يأجوج ومأجوج الفا ومنكم رجلا) والخطاب للصحابة وغيرهم من المؤمنين ثم قال (والذي نفسى بيده انى لأرجو ان تكونوا ربع اهل الجنة) قال الراوي فحمدنا الله وكبرنا ثم قال (والذي نفسى بيده انى لارجو ان تكونوا ثلث اهل الجنة) فحمدنا الله وكبرنا ثم قال (والذي نفسى بيده انى لارجو ان تكونوا شطر اهل الجنه) وترقى عليه السلام فى حديث آخر من النصف الى الثلثين وقال (ان اهل الجنة مائة وعشرون صنفا وهذه الامة منها ثمانون ان مثلكم فى الأمم) اى الكفرة (كمثل الشعرة البيضاء فى جلد الثور الأسود) فلا يستبعد دخول كل المؤمنين الجنة. فان قيل كيف علم إبليس انه يتخذ من عباد الله نصيبا. قيل فيه اجوبة. منها ان الله تعالى لما خاطبه بقوله لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ علم إبليس انه ينال من ذرية آدم ما يتمناه. ومنها انه لما وسوس لآدم فنال منه طمع فى ذريته. ومنها ان إبليس لما عاين الجنة والنار علم ان لها سكانا من الناس وَلَأُضِلَّنَّهُمْ عن الحق وإضلاله وسواس ودعاء الى الباطل ولو كان اليه شىء من الضلالة سوى الدعاء إليها لأضل جميع الخلق ولكنه لما قال عليه السلام فى حقه (خلق إبليس مزينا وليس اليه من الضلالة شىء) يعنى انه يزين للناس الباطل وركوب الشهوات ولا يخلق لهم الضلالة وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ الأماني الباطلة بان يخيل للانسان ادراك ما يتمناه من المال وطول العمر. وقيل يمنى الإنسان اى يوهمه انه لا جنة ولا نار ولا بعث ولا عقاب ولا حساب. وقيل بان يوهمه انه ينال فى الآخرة حظا وافرا من فضل الله ورحمته وَلَآمُرَنَّهُمْ بالبتك اى القطع والشق فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ اى فليقطعنها بموجب امرى ويشقنها من غير تلعثم فى ذلك ولا تأخير يقال بتكه اى قطعه ونقل الى بناء التفعيل اى التبتيك للتكثير. واجمع المفسرون على ان المراد به هاهنا قطع آذان البحائر والسوائب والانعام الإبل والبقر والغنم اى لا حملنهم على ان يقطعوا آذان هذه الأشياء ويحرموها على أنفسهم بجعلها للاصنام وتسميتها بحيرة وسائبة ووصيلة وحاميا وكان اهل الجاهلية إذا أنتجت ناقة أحدهم خمسة ابطن وكان آخرها ذكرا بحروا اذنها وامتنعوا من ركوبها وحلبها وذبحها ولا تطرد عن ماء ولا تمنع عن مرعى وإذا لقيها المعيى لم يركبها وقيل كانوا يفعلون ذلك بها إذا ولدت سبعة ابطن والسائبة المخلاة تذهب حيث شاءت وكان الرجل منهم يقول ان شفيت فناقتى سائبة او يقول ان قدم غائبى من السفر أو إن وصلت الى وطنى او ان ولدت امرأتى ذكرا او نحو ذلك فناقتى سائبة فكانت كالبحيرة وكذا من كثر ماله يسيب واحدة منها تكرّ ما وكانت لا ينتفع بشىء منها ولا تمنع عن ماء ومرعى الى ان تموت فيشترك(2/287)
فى أكلها الرجال والنساء. والوصيلة هى من الغنم إذا ولدت سبعة ابطن فان كان الولد السابع ذكرا ذبحوه لآلتهم وكان لحمه للرجال دون النساء وان كان أنثى كانوا يستعملونها وكانت بمنزلة سائر الغنم وان كان ذكرا وأنثى قالوا ان الاخت وصلت أخاها فلا يذبحون أخاها من أجلها وجرى مجرى السائبة وكانت المنفعة للرجال دون النساء فهى فعيلة بمعنى فاعلة والحامى هو البعير الذي ولد ولد ولده وقيل هو الفحل من الإبل إذا ركب ولد ولده قالوا له انه قد حمى ظهره فيهمل ولا يركب ولا يمنع عن الماء والمرعى وإذا مات يأكله الرجال والنساء وَلَآمُرَنَّهُمْ بالتغيير فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ عن
نهجه صورة وصفة. ويندرج فيه امور.
منها فقئ عين الحامى وكانت العرب إذا بلغت ابل أحدهم الفا عوّروا عين فحلها والحامى الفحل الذي طال مكثه عندهم. ومنها خصاء العبيد وعموم اللفظ يمنع الخصاء مطلقا لكن الفقهاء رخصوا فى خصاء البهائم لمكان الحاجة ومنعوه فى بنى آدم وعند ابى حنيفة يكره شراء الحصيان واستخدامهم لان الرغبة فيهم تدعو الى خصائهم. قال فى نصاب الاحتساب قرأت فى بعض الكتب ان معاوية دخل على النساء ومعه خصى مجبوب فنفرت منه امرأة فقال معاوية انما هو بمنزلة امرأة فقال أترى ان المثلة فيه قد أحلت ما حرم الله من النظر فتعجب من فطنتها وفقهها. ومنها الوشم وهو ان يغرز الجلد بابرة ثم يخشى بكحل او بنيلنج وهو دخان الشحم يعالج به الوشم حتى يخضر. قال بعض اصحاب الشافعي وجبت إزالته ان أمكن بالعلاج والا فبالجرح ان لم يخف فوت عضو. ومنها الوشر وهو ان تحدد المرأة اسنانها وترققها تشبها بالشواب. ومنها التنمص وهو نتف شعور الوجه يقال تنمصت المرأة إذا تزينت بنتف شعر وجهها وحاجبها والنامصة المرأة التي تزين النساء بالمنمص والمنمص والمنماص المنقاش وقد لعن النبي عليه السلام النامصة والمتنمصة والواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والواشرة والمستوشرة. والواصلة هى التي تصل شعر غيرها بنفسها. والمستوصلة هى التي تأمر غيرها بان توصل ذلك الى شعرها. قال ابن الملك الواصلة هى التي تصل الشعر بشعر آخر زورا.
والمستوصلة هى التي تطلبه والرجل والمرأة سواء فى ذلك هذا إذا كان المتصل شعر الآدمي لكرامته فلا يباح الانتفاع بشىء من اجزائه اما غيره فلا بأس بوصله. فيجوز اتخاذ النساء القراميل من الوبر. وقيل فيه تفصيل ان لم يكن لها زوج فهو حرام ايضا وان كان فان فعلته بإذن الزوج او السيد يجوز والا فلا ثم انها ان فعلت ذلك بصغيرة تأثم فاعلته ولا تأثم المفعولة لانها غير مكلفة. ويدخل فى التنمص نتف شعر العانة فان السنة خلق العانة ونتف الإبط.
ومنها السحق وهو لكونه عبارة عن تشبه الأنثى بالذكور من قبيل تغيير خلق الله عن وجهه صفة وفى الحديث المرفوع (سحاق النساء زنى بينهن) وكذا التخنث لما فيه من تشبه الذكر بالأنثى وهو اظهار اللين فى الأعضاء والتكسر فى اللسان. ومنها اللواطة لما فيها من اقامة ما خلق لدفع الفضلات مقام موضع الحراثة والنظر الى صبيح الوجه بالشهوة حرام ومجالسته حرام لانه عورة من القرن الى القدم وجاء فى بعض الروايات (ان مع كل امرأة شيطانين ومع كل غلام ثمانية عشر شيطانا) . ومنها عبادة الشمس والقمر والكواكب والحجارة(2/288)
يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121)
فان عبادتها وان لم تكن تغييرا لصورها لكنها تغيير لصفتها فان شيأ منها لم يخلق لان يعبد من دون الله وانما خلق لينتفع به العباد على الوجه الذي خلق لاجله وكذا الكفر بالله وعصيانه فانه ايضا تغيير خلق الله من وجهه صفة فانه تعالى فطر الخلق على استعداد التحلي بحلية الايمان والطاعة ومن كفر بالله وعصاه فقد أبطل ذلك الاستعداد وغير فطرة الله صفة ويؤيده قوله عليه السلام (كل مولود يولد على فطرة الإسلام فابواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه) وكذا استعمال الجوارح فى غير ما خلقت لاجله تغيير لها عن وجهها صفة.
والجمل الأربع وهى لأتخذن ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم كل واحدة منها مقول للشيطان فلا يخلو اما ان يقولها بلسان جسمه او بلسان فعله وحاله وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ بايثار ما يدعو اليه على ما امره الله به ومجاوزته عن طاعة الله تعالى الى طاعته فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً لانه ضيع رأس ماله بالكلية وبدل مكانه من الجنة بمكانه من النار يَعِدُهُمْ ما لا ينجزه من طول العمر والعافية ونيل لذائذ الدنيا من الجاه والمال وقضاء شهوات النفس وَيُمَنِّيهِمْ مالا ينالون نحو ان لا بعث ولا حساب ولا جزاء او نيل المثوبات الاخروية من غير عمل وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً وهو اظهار النفع فيما فيه الضرر وهذا الوعد اما بإلقاء الخواطر الفاسدة او بألسنة أوليائه. وغرورا اما مفعول ثان للوعد او مفعول لاجله اى ما يعدهم لشىء الا لان يغرهم. واعلم ان العمدة فى إغواء الشيطان ان يزين زخارف الدنيا ويلقى الأماني فى قلب الإنسان مثل ان يلقى فى قلبه انه سيطول عمره وينال من الدنيا أمله ومقصوده ويستولى على أعدائه ويحصل له ما تيسر لارباب المناصب والأموال وكل ذلك غرور لانه ربما لا يطول عمره وان طال فربما لا ينال أمله ومطلوبه وان طال عمره ووجد مطلوبه على احسن الوجوه فلا بد ان يفارقه بالموت فيقع فى أعظم انواع الغم والحسرة فان تعلق القلب بالمحبوب كلما كان أشد وأقوى كانت مفارقته أعظم تأثيرا فى حصول الغم والحسرة ولذلك قيل
الفت مكير همچوالف هيچ با كسى ... تا بشنوى الم نشوى وقت انقطاع.
فنبه سبحانه وتعالى على ان الشيطان انما يعد ويمنى لاجل ان يغر الإنسان ويخدعه ويفوت عنه أعز المطالب وانفع المآرب. فالعاقل من لا يتبع وسواس الشيطان ويبتغى رضى الرحمن بالتمسك بكتابه العظيم وسنن رسوله الكريم والعمل بهما ليفوز فوزا عظيما وكفى بذلك نصيحة أُولئِكَ اشارة الى اولياء الشيطان وهو مبتدأ مَأْواهُمْ اى مستقرهم وهو مبتدأ ثان جَهَنَّمُ خبر للثانى والجملة خبر للاول وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً اى معدلا ومهربا من حاص يحيص إذا عدل وعنها متعلق بمحذوف وقع حالا من محيصا اى كائنا عنها ولا يجوز ان يتعلق بيجدون لانه لا يتعدى بعن ولا بقوله محيصا لانه اما اسم مكان وهو لا يعمل مطلقا واما مصدر ومعمول المصدر لا يتقدم عليه. والاشارة ان الله خلق الجنة وخلق لها أهلا وهم السعداء وخلق النار وخلق لها أهلا وهم الأشقياء وخلق الشيطان مزينا وداعيا وآمرا بالهوى فمن يرى حقيقة الإضلال ومشيئته من إبليس فهو إبليس وقد قال تعالى يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ(2/289)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126) وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127)
والنصيب المفروض من العباد هم طائفة خلقهم الله تعالى اهل النار كقوله تعالى وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وهم اتباع الشيطان هاهنا وقد لعن الله الشيطان وأبعده عن الحضرة إذ كان سبب ضلالتهم كما قال عليه السلام (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها الا ذكر الله تعالى وما والاه) وانما لعن الله الدنيا وأبغضها لانها كانت سببا للضلالة وكذلك الشيطان ولا يغتر بوعد الشيطان الا الضال بالضلال البعيد الأزلي ولذا تولد منه الشرك المقدر بمشيئة الله الازلية.
واما من خلقه الله أهلا للجنة فقد غفر له قبل ان خلقه ومن غفر له فانه لا يسرك بالله شيأ وعن ابن عباس رضى الله عنهما لما نزل قوله تعالى وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ تطاول إبليس وقال انا شىء من الأشياء فلما نزل فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ يئس إبليس وتطاولت اليهود والنصارى ثم لما نزل قوله تعالى الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ يئس اليهود والنصارى وبقيت الرحمة للمؤمنين خاصة فهم خلقوا للرحمة ودخلوا الجنة بالرحمة ولهم الخلود فى الرحمة وبقي العذاب للشيطان واتباعه من الانس والجن ولهم الخلود فى النار كما قال الله تعالى وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً لانهم خلقوا لها فلا بد من الدخول فيها: قال الحافظ
پير ما گفت خطا بر قلم صنع نرفت ... آفرين بر نظر پاك خطا پوشش باد
فافهم تفز ان شاء الله تعالى وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ صلاح الأعمال فى إخلاصها فالعمل الصالح هو ما أريد به وجه الله تعالى وينتظم جميع أنواعه من الصلاة والزكاة وغيرهما سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ اى انهار الماء واللبن والخمر والعسل خالِدِينَ فِيها أَبَداً اى مقيمين فى الجنة الى الابد فنصب ابدا على الظرفية وهو لاستغراق المستقبل.
قال الحدادي انما ذكر الطاعة مع الايمان وجمع بينهما فقال آمنوا وعملوا الصالحات ليتبين بطلان توهم من يتوهم انه لا تضر المعصية والإخلال بالطاعة مع الايمان كمالا تنفع الطاعة مع الكفر وليتبين استحقاق الثواب على كل واحد من الامرين وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا اى وعد الله لهم هذا وعدا وحق ذلك حقا فالاول مؤكد لنفسه لانه مضمون الجملة الاسمية التي قبل وعد لان الوعد عبارة عن الاخبار بايصال المنفعة قبل وقوعها والثاني مؤكد لغيره لان الخبر من حيث انه خبر يحتمل الصدق والكذب وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا استفهام إنكاري اى ليس أحد اصدق من الله قولا ووعدا وانه تعالى اصدق من كل قائل فوعده اولى بالقبول ووعد الشيطان تخييل محض ممتنع الوصول. وقيلا نصب على التمييز والقيل والقال مصدران كالقول لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ جمع امنية بالفارسية «آرزو كردن» وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ اى ليس ما وعد الله من الثواب يحصل بامانيكم ايها المسلمون ولا بامانى اهل الكتاب وانما يحصل بالايمان والعمل الصالح. وأماني المسلمين ان يغفر لهم جميع ذنوبهم من الصغائر والكبائر ولا يؤاخذوا بسوء بعد الايمان. وأماني اهل الكتاب ان لا يعذبهم الله ولا يدخلهم النار الا أياما معدودة لقولهم نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ فلا يعذبنا. وعن الحسن ليس الايمان بالتمني ولكن ما وقر فى القلب وصدقه العمل ان قوما الهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا نحسن الظن بالله وكذبوا لو أحسنوا الظن بالله لاحسنوا العمل. قال بعضهم الرجاء(2/290)
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)
ما قارنه عمل والا فهو امنية والامنية منية اى موت إذ هي موجبة لتعطيل فوائد الحياة: قال السعدي
قيامت كه بازار نيهو نهند ... منازل باعمال نيكو نهند
بضاعت بچندان كه آرى برى ... اگر مفلسى شرمسارى برى
كسى را كه حسن عمل بيشتر ... بدرگاه حق منزلت پيشتر
ثم انه تعالى أكد حكم الجملة الماضية وقال مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً عملا قبيحا يُجْزَ بِهِ عاجلا او آجلا لما روى انه لما نزلت قال ابو بكر رضى الله عنه فمن ينجو مع هذا يا رسول الله فقال عليه السلام (اما تحزن اما تمرض اما يصيبك اللأواء) قال بلى يا رسول الله قال (هو ذلك) قال ابو هريرة رضى الله عنه لما نزل قوله تعالى مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ بكينا وحزنا وقلنا يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شىء قال (اما والذي نفسى بيده لكما أنزلت ولكن يسروا وقاربوا وسددوا) اى اقصدوا السداد اى الصواب (ولا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم فى العبادة لئلا يفضى ذلك بكم الى الملال فتتركوا العمل) كذا فى المقاصد الحسنة وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً اى ولا يجد لنفسه إذا جاوز موالاة الله ونصرته من يواليه وينصره فى دفع العذاب عنه وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ من للتبعيض اى بعضها وشيأ منها فان كل واحد لا يتمكن من كلها وليس مكلفا بها وانما يعمل منها ما هو تكليفه وفى وسعه وكم من مكلف لا حج عليه ولا جهاد ولا زكاة وتسقط عنه الصلاة فى بعض الأحوال مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى فى موضع الحال من المستكن فى يعمل ومن للبيان وَهُوَ مُؤْمِنٌ حال شرط اقتران العمل بها فى استدعاء الثواب المذكور لانه لا اعتداد بالعمل بدون الايمان فيه فَأُولئِكَ المؤمنون العاملون يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً اى لا ينقصون مما استحقوه من جزاء أعمالهم مقدار النقير وهى النقرة اى الحفرة التي فى ظهر النواة ومنها تنبت النخلة وهو علم فى القلة والحقارة وإذا لم ينقص ثواب المطيع فبالحرى ان لا يزاد عقاب العاصي لان المجازى ارحم الراحمين وفى الحديث (ان الله وعد على الطاعة عشر حسنات وعلى المعصية الواحدة عقوبة واحدة فمن جوزى بالسيئة نقصت واحدة من عشر وبقيت له تسع حسنات فويل لمن غلبت آحاده أعشاره) اى سيآته على حسناته. قال النيسابورى حكمة تضعيف الحسنات لئلا يفلس العبد إذا اجتمع الخصماء فى طاعته فيدفع إليهم واحدة ويبقى له تسع فمظالم العباد توفى من التضعيفات لا من اصل حسناته لان التضعيف فضل من الله تعالى واصل الحسنة الواحدة عدل منه واحدة بواحدة. وقد ذكر الامام البيهقي فى كتاب البعث فقال ان التضعيفات فضل من الله تعالى لا تتعلق بها العباد كما لا تتعلق بالصوم بل يدخرها الحق للعبد فضلا منه سبحانه فاذا دخل الجنة أثابه بها: قال السعدي قدس سره
نكو كارى از مردم نيك رأى ... يكى را بده مى نويسد خداى
جوانا ره طاعت امروز گير ... كه فردا جوانى نيايد ز پير
ره خير بازست وطاعت وليك ... نه هر كس تواناست بر فعل نيك
همه برگ بودن همى ساختى ... بتدبير رفتن نپرداختى(2/291)
وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)
واعلم ان جميع الأعمال الصالحة يزيد فى نور الايمان فعليك بالطاعات والحسنات والوصول الى المعارف الالهية فان العلم بالله أفضل الأعمال ولذلك لما قيل يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال (العلم بالله) فقيل الأعمال نريد قال (العلم بالله) فقيل نسأل عن العمل وتجيب عن العلم فقال (ان قليل العمل ينفع مع العلم وان كثير العمل لا ينفع مع الجهل) وذلك انما يحصل بتصفية الباطن مع صيقل التوحيد وانواع الاذكار ولا يعقلها الا العالمون. والاشارة لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ يعنى بامانى عوام الخلق الذين يذنبون ولا يتوبون ويطمعون ان يغفر الله لهم والله تعالى يقول وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ يعنى العلماء السوء الذين يغرون الخلق بالرجاء المذموم ويقطعون عليهم طريق الطلب والجد والاجتهاد مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ فى الحال بإظهار الرين على مرآة قلبه بعد الذنب كما قال عليه السلام (إذا أذنب عبد ذنبا نكت فى قلبه نكتة سوداء فان تاب ورجع منه صقل) وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا يخرجه من ظلمات المعصية الى نور الطاعة بالتوبة وَلا نَصِيراً سوى الله ينصره بالظفر على النفس الامارة فيزكيها عن صفاتها وعلى الشيطان فيدفع شره وكيده وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ اى الخالصات مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى يشير بالذكر الى القلب وبالأنثى الى النفس وَهُوَ مُؤْمِنٌ مخلص فى تلك الأعمال فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ المعنى ان القلب إذا عمل بما وجب عليه من التوجه الى العالم العلوي والاعراض عن العالم السفلى وغض البصر عن سوى الحق يستوجب دخول جنة القربة والوصلة والنفس إذا عملت بما وجب عليها من الانتهاء عن هواها وترك حظوظها وأداء حقوق الله تعالى فى العبودية واطمأنت بها تستحق الرجوع الى ربها والدخول فى جنة عالم الأرواح كما قال تعالى يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً فيما قدر لهم الله من الأعمال الصالحات ولا من الدرجات والقربات فليس من تمنى نعمته من غير ان يتعنى فى خدمته كمن تعنى فى خدمته من غير ان يتمنى نعمته وان بينهما بونا بعيدا من أعلى مراتب القرب الى أسفل سافلين البعد كذا فى التأويلات النجمية وَمَنْ استفهام إنكاري أَحْسَنُ دِيناً الدين والملة متحدان بالذات ومختلفان بالاعتبار فان الشريعة من حيث انها يطاع لها دين ومن حيث انها تملى وتكتب ملة والإملال بمعنى الاملاء مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ اى جعل نفسه وذاته سالمة خالصة لله تعالى بان لم يجعل لا حد حقا فيها لامن جهة الخالقية والمالكية ولا من جهة العبودية والتعظيم. وقوله دينا نصب على التمييز من احسن منقول من المبتدأ والتقدير ومن دينه احسن من دين من اسلم إلخ فالتفضيل فى الحقيقة جاربين الدينين لا بين صاحبيهما وَهُوَ مُحْسِنٌ الجملة حال من فاعل اسلم اى والحال انه آت بالحسنات تارك للسيآت وقد فسره النبي عليه السلام بقوله (ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك) والإحسان حقيقة الايمان. واعلم ان دين الإسلام مبنى على أمرين الاعتقاد والعمل فالله سبحانه أشار الى الاول بقوله أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ والى الثاني بقوله وَهُوَ مُحْسِنٌ اى فى الانقياد لربه بان يكون آتيا بجميع ما كلفه به على وجه الإجلال والخشوع وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ الموافقة لذين الإسلام المتفق على(2/292)
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126)
صحتها وقبولها بين الأديان كلها بخلاف ملة موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام حَنِيفاً حال من فاعل اتبع اى مائلا عن الأديان الزائغة ثم؟؟؟ ان الله تعالى رغب فى اتباع ملته فقال وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا اى اصطفاه وخصصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله والخلة من الخلال فانه ودّ تخلل النفس وخالطها وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ كأنه قيل لم خص الله تعالى ابراهيم عليه السلام بالخلة وله عباد مكرمون فاجاب بان جميع ما فى السموات وما فى الأرض من الموجودات له تعالى خلقا وملكا يختار منها ما يشاء ومن يشاء وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً احاطة علم وقدرة فكل واحد من علمه وقدرته محيط بجميع ما يكون داخلا فيهما وما يكون خارجا عنهما ومغايرا لهما مما لا نهاية له من الصدورات الخارجة عن هذه السموات والأرضين- روى- ان ابراهيم عليه السلام بعث الى خليل له بمصر فى ازمة أصابت الناس يمتار منه فقال خليله لو كان ابراهيم يريد لنفسه لفعلت ولكن يريد للاضياف وقد أصابنا ما أصاب الناس فاجتاز غلمانه ببطحاء لينة فملأوا منها الغرائر حياء من الناس فلما أخبروا ابراهيم ساءه الخبر فغلبته عيناه فنام فقامت سارة الى غرارة منها فاخرجت حوارى واختبزت فاستيقظ ابراهيم فاشتم رائحة الخبز فقال من اين هذا لكم فقالت من خليلك المصري فقال بل من عند خليلى الله عز وجل فسماه الله خليلا. وفى الخبر تعجب الملائكة من كثرة ماله وخدمه وكان له خمسة آلاف قطيع من الغنم وعليها كلاب المواشي باطواق الذهب فتمثل له ملك فى صورة البشر وهو ينظر أغنامه فى البيداء فقال الملك سبوح قدوس ربنا ورب الملائكة والروح فقال ابراهيم عليه السلام كرر ذكر ربى ولك نصف ما ترى من أموالي فكرر الملك فنادى ثانيا كرر تسبيح ربى ولك جميع ما ترى من مالى فتعجب الملائكة فقالوا جدير ان يتخذك الله خليلا فعلى هذا انما سمى الخليل خليلا على لسان الملائكة. قال القاضي فى الشفاء الخلة هنا أقوى من النبوة لان النبوة قد يكون فيها العداوة كما قال تعالى إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ ولا يصح ان تكون عداوة مع خلة ومن شرط الخلة استسلام العبد فى عموم أحواله لله بالله وان لا يدخر شيأ مع الله لا من ماله وجسده ولا من نفسه ولا من روحه وخلده ولا من اهله وولده وهكذا كان حال ابراهيم عليه السلام
جانكه نه قربانئ جانان بود ... جيفه تن بهتر از ان جان بود
هر كه نه شد كشته بشمشير دوست ... لاشه مردار به از جان اوست
ومن شرط المحبة فناء المحب فى المحبة وبقاؤه فى المحبوب حتى لم تبق المحبة من المحب الا الحبيب وهذا حال محمد صلى الله عليه وسلم. قيل لمجنون بنى عامر ما اسمك قال ليلى. قال شيخى وسندى ومن هو بمنزلة روحى فى جسدى فى كتاب اللائحات البرقيات ان الخلة والمحبة الالهية الاحدية تجلت لنبينا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم بحقيقتها ولابراهيم عليه السلام بصورتها ولغيرهما بخصوصياتها الجزئيات بحسب قابلياتهم ونبينا عليه السلام فى مقام الخلة والمحبة بمنزلة المرتبة الاحدية الذاتية وابراهيم عليه الصلاة والسلام بمنزلة المرتبة الواحدية(2/293)
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127)
الصفاتية وغيرهما بمنزلة المرتبة الواحدية الافعالية والى هذه المقامات والمراتب اشارة فى البسملة على هذا الترتيب ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم خليل الله وحبيبه بالفعل وابراهيم عليه السلام خليل الرحمن وحبيبه بالفعل وغيرهما من الأنبياء عليه السلام اخلاء الرحيم واحباؤه بالفعل انتهى كلام الشيخ العلامة أبقاه الله بالسلامة. واعلم انه عليه السلام قال (ان الله اتخذني خليلا كما اتخذ ابراهيم خليلا ولو كنت متخذا خليلا غير ربى لاتخذت أبا بكر خليلا) يعنى لو جاز لى ان اتخذ صديقا من الخلق يقف على سرى لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن لا يطلع على سرى الا الله ووجه تخصيصه بذلك ان أبا بكر رضى الله عنه كان اقرب بسر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لما روى انه عليه السلام قال (ان أبا بكر لم يفضل عليكم بصوم ولا صلاة ولكن بشىء كتب فى قلبه) وانفهم من عدم اتخاذه عليه السلام أحدا خليلا انفصاله عما سوى الله تعالى فكل الكائنات متصل به وهو غير متصل بشىء أصلا سوى الله سبحانه وتعالى اللهم ارزقنا شفاعته: قال الشيخ السعدي فى نعته الشريف
شبى بر نشست از فلك در گذشت ... بتمكين جاه از ملك در گذشت
چنان گرم درتيه قربت براند ... كه در سدره جبريل ازو باز ماند
فهذا انفصاله عن العلويات والسفليات ووصوله الى حضرة الذات وَيَسْتَفْتُونَكَ اى يطلبون منك الفتوى واشتقاق الفتوى من الفتى وهو الشاب القوى الحدث لانها جواب فى حادثة واحداث حكم او تقوية لبيان مشكل فِي حق توريث النِّساءِ إذ سبب نزولها ان عيينة بن حصين اتى النبي عليه السلام فقال أخبرنا انك تعطى الابنة النصف والاخت النصف وانما كنا نورث من يشهد القتال ويحوز الغنيمة فقال عليه السلام (كذلك أمرت) قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ يبين لكم حكمه فى حقهن والإفتاء تبيين المبهم وتوضيح المشكل وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ عطف على اسم الله اى يفتيكم الله وكلامه فيكون الإفتاء مسندا الى الله والى ما فى القرآن من قوله يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ فى أوائل هذه السورة ونحوه والفعل الواحد ينسب الى فاعلين بالاعتبارين كما يقال أغناني زيد وعطاؤه فان المسند اليه فى الحقيقة شىء واحد وهو المعطوف عليه الا انه عطف عليه شىء من أحواله للدلالة على ان الفعل انما قام بذلك الفاعل باعتبار اتصافه بتلك الحال فِي شأن يَتامَى النِّساءِ متعلق بيتلى كما ان فى الكتاب متعلق به ايضا والاضافة بمعنى من لانها اضافة الشيء الى جنسه اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ اى فرض لهن من الميراث وغيره وَتَرْغَبُونَ عطف على لا تؤتونهن عطف جملة مثبتة على جملة منفية أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ اى فى نكاحهن لجمالهن ومالهن وترغبون عن نكاحهن اى تعرضون لقبحهن وفقرهن فان كانت اليتيمة جميلة موسرة رغب وليها فى تزوجها وإلا رغب عنها وما يتلى فى حقوقهن قوله تعالى وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وقوله تعالى وَلا تَأْكُلُوها ونحوها من النصوص الدالة على عدم التعرض لاموالهم وَفى الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ عطف على يتامى النساء والعرب ما كانوا يورثونهم كما لا يورثون النساء وانما يورثون الرجال القوامين بالأمور وَفى أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى(2/294)
وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133)
فى أموالهم وحقوقهم بِالْقِسْطِ اى العدل وهو ايضا عطف على يتامى النساء وما يتلى فى حقهم قوله تعالى وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ. وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ ونحو ذلك وَما شرطية تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ على الإطلاق سواء كان فى حقوق المذكورين او غيرهم فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً فيجازيكم بحسبه. فعلى العاقل ان يطيع الله تعالى فيما امر ولا يأكل مال الغير بل يجتهد فى ان ينفق ما قدر عليه على اليتامى والمساكين قال حاتم الأصم من ادعى ثلاثا بغير ثلاث فهو كذاب. من ادعى حب الجنة من غير انفاق ماله فهو كذاب. ومن ادعى محبة الله من غير ورع عن محارم الله فهو كذاب. ومن ادعى محبة النبي عليه السلام من غير محبة الفقراء فهو كذاب وفى قوله تعالى وَما تَفْعَلُوا حث على فعل الخير وترغيب- حكى- ان امرأة جاءت الى حانوت ابى حنيفة تريد شراء ثوب فاخرج ابو حنيفة ثوبا جديدا قيمته اربعمائة درهم فقالت المرأة انى امرأة ضعيفة ولى بنت أريد تسليمها الى زوجها فبعنى هذا الثوب بما يقوم عليك فقال ابو حنيفة خذيه باربعة دراهم فقالت المرأة لم تسخر بي فقال ابو حنيفة معاذ الله ان أكون من الساخرين ولكنى كنت اشتريت ثوبين فبعت أحدهما برأس المال الذي نقدت فى الثوبين الا اربعة دراهم فبقى هذا على باربعة دراهم فاخذت المرأة الثوب باربعة دراهم ورجعت مستبشرة فرحة: قال السعدي قدس سره
بگير اى جوان دست درويش پير ... نه خود را بيفكن كه دستم بگير
كسى نيك بودى بهر دو سراى ... كه نيكى رساند بخلق خداى
واعلم ان النفس بمثابة المرأة لزوج الروح فكما أوجب الله على الرجال من الحقوق للنساء فكذلك أوجب على العبد الطالب الصادق من الحقوق للنفس كما قال عليه السلام لعبد الله ابن عمر حين جاهد نفسه بالليل بالقيام وبالنهار بالصيام (ان لنفسك عليك حقا فصم وأفطر وقم ونم) والرياضة الشديدة تقطع عن السير قال عليه السلام (ان هذا الدين مبين فاوغلوا فيه برفق) يريد لا تحملوا على أنفسكم ولا تكلفوها ما لا تطيق فتعجز فتترك الدين والعمل
اسب تازى دوتك همى ماند ... شتر آهسته ميرود شب وروزى
وكان النبي عليه الصلاة والسلام يتوسط فى إعطاء نفسه حقها ويعدل فيها غاية العدل فيصوم ويفطر ويقوم وينام وينكح النساء ويأكل فى بعض الأحيان ما يجد كالحلوى والعسل والدجاج وتارة يجوع حتى يشد الحجر على بطنه من الجوع. فيا ايها الغافل تنبه لرحيلك ومسراك واحذر ان تسكن الى موافقة هواك انتقل الى الصلاح قبل ان تنقل وحاسب نفسك على ما تقول وتفعل فان الله سبحانه بكل شىء عليم وبكل شىء محيط فاياك من الافراط والتفريط وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها امرأة فاعل فعل يفسره الظاهر اى ان خافت امرأة خافت وتوقعت من زوجها نُشُوزاً تجافيا عنها وترفعا من صحبتها كراهة لها ومنعا لحقوقها من النشز وهو ما ارتفع من الأرض فنشوز كل واحد من الزوجين كراهته صاحبه وترفعه عليه لعدم رضاه به أَوْ إِعْراضاً بان يقل مجالستها ومحادثتها وذلك لبعض الأسباب من طعن فى سن او دمامة او شين فى خلق او خلق او ملال او طموح عين الى اخرى او غير ذلك. قال الامام المراد(2/295)
بالنشوز اظهار الخشونة فى القول او الفعل او فيهما والمراد بالاعراض السكوت عن الخير والشر والمراعاة والإيذاء- روى- ان الآية نزلت فى خويلة ابنة محمد بن مسلمة وزوجها سعد بن الربيع تزوجها وهى شابة فلما علاها الكبر تزوج شابة وآثرها عليها وجفاها فاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتكت اليه ذلك فَلا جُناحَ عَلَيْهِما حينئذ أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً اى فى ان يصلحا بينهما إصلاحا بان تحط له المهر او بعضه او القسم كما فعلت سودة رضى الله عنها وكانت كبيرة مسنة وذلك ان أم المؤمنين سودة ابنة زمعة التمست من رسول الله حين أراد عليه السلام ان يطلقها ان يمسكها وتجعل نوبتها لعائشة رضى الله عنها لما عرفت مكان عائشة من قلبه عليه السلام فاجازه النبي عليه السلام ولم يطلقها وكان عليه السلام بعد هذا الصلح يقسم لعائشة يومها ويوم سودة. قال الحدادي مثل هذا الصلح لا يقع لازما لانها إذا أبت بعد ذلك الا المقاسمة على السواء كان لها ذلك وَالصُّلْحُ الواقع بين الزوجين خَيْرٌ اى من الفرقة او من سوء العشرة او من الخصومة. فاللام للعهد ويجوز ان لا يراد به التفضيل بل بيان انه خير من الخيور كما ان الخصومة شر من الشرور فاللام للجنس. قال السيوطي فى حسن المحاضرة فى احوال مصر والقاهرة ان شئت ان تصير من الابدال فحول خلقك الى بعض خلق الأطفال ففيهم خمس خصال وكانت فى الكبار لكانوا ابدالا لا يهتمون للرزق ولا يشكون من خالقهم إذا مرضوا ويأكلون الطعام مجتمعين وإذا خافوا جرت عيونهم بالدموع وإذا تخاصموا لم يتجاوزوا وتسارعوا الى الصلح ونعم ما قيل
ابلهست آنكه فعل اوست لجاج ... ابلهى را كجا علاج بود
تا توانى لجاج پيشه مگير ... كافت دوستى لجاج بود
وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ اى جعلت حاضرة له مطبوعة عليه لا تنفك عنه ابدا فلا المرأة تسمح بحقوقها من الرجل ولا الرجل يجود بحسن المعاشرة مع دمامتها وكبرسنها وعدم حصول اللذة بمجالستها واصل الكلام احضر الله الأنفس الشح فلما بنى للمفعول أقيم مفعوله الاول مقام الفاعل والشح البخل مع حرص فهو أخص من البخل. وعن عبد الله بن وهب عن الليث قال بلغني ان إبليس لقى نوحا فقال له إبليس يا نوح اتق الحسد والشح فانى حسدت آدم فخرجت من الجنة وشح آدم على شجرة واحدة منعها حتى خرج من الجنة. ولقى يحيى بن زكريا عليهما السلام إبليس فى صورته فقال له أخبرني بأحب الناس إليك وابغض الناس إليك قال أحب الناس الىّ المؤمن البخيل وابغضهم الىّ الفاسق السخي قال يحيى وكيف ذلك قال لان البخيل قد كفانى بخله والفاسق السخي أتخوف ان يطلع الله عليه فى سخائه فيقبله ثم ولى وهو يقول لولا انك يحيى لم أخبرك كذا فى آكام المرجان وَإِنْ تُحْسِنُوا ايها الأزواج بامساكهن بالمعروف وحسن المعاشرة مع عدم موافقتهن لطباعكم وَتَتَّقُوا ظلمهن بالنشوز والاعراض ولم تضطروهن الى بذل شىء من حقوقهن فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ من الإحسان والتقوى خَبِيراً عليما به وبالغرض فيه فيجازيكم ويثيبكم عليه البتة لاستحالة ان يضيع اجر المحسنين- روى- ان رجلا من بنى آدم كانت له امرأة من أجملهم فنظرت اليه يوما فقالت الحمد لله قال(2/296)
وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130)
زوجها مالك فقالت حمدت الله على انى وانك من اهل الجنة لانك رزقت مثلى فشكرت ورزقت مثلك فصبرت وقد وعد الله بالجنة للصابرين والشاكرين: قال السعدي قدس سره
چومستوره شد زن خوب روى ... بديدار او در بهشتست شوى
اگر پارسا باشد وخوش سخن ... نگه در نكويى وزشتى مكن
وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ اى محال ان تقدروا على ان تعدلوا وتسووا بينهن بحيث لا يقع ميل ما الى جانب إحداهن فى شأن من الشؤون البتة ولذلك كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول (اللهم هذا قسمى فيما املك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا املك) وأراد به التسوية فى المحبة وكان له فرط محبة لعائشة رضى الله عنها وَلَوْ حَرَصْتُمْ اى على اقامة العدل وبالغتم فى ذلك فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ اى فلا تجوروا على المرأة المرغوب عنها كل الجور واعدلوا ما استطعتم فان عجزكم عن حقيقة العدل انما يصح عدم تكليفكم به لا بما دونه من المراتب الداخلة تحت استطاعتكم ومالا يدرك كله لا يترك كله وفى الحديث (استقيموا ولن تحصوا) اى لن تستطيعوا ان تستقيموا فى كل شىء حتى لا تميلوا فَتَذَرُوها مجزوم عطف على الفعل قبله اى فلا تتركوا التي ملتم عنها حال كونها كَالْمُعَلَّقَةِ وهى المرأة التي لا تكون أيما فتزوج ولا ذات بعل يحسن عشرتها كالشىء المعلق الذي لا يكون فى الأرض ولا فى السماء وفى الحديث (من كانت له امرأتان فمال الى إحداهما جاء يوم القيامة واحد شقيه مائل) وكان لمعاذ رضى الله عنه امرأتان فاذا كان عند إحداهما لم يتوضأ فى بيت الاخرى فماتتا فى الطاعون فدفنهما فى قبر واحد وَإِنْ تُصْلِحُوا ما كنتم تفسدون من امورهن وَتَتَّقُوا الميل فيما يستقبل فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً يغفر لكم ما مضى من ميلكم رَحِيماً يتفضل عليكم برحمته وَإِنْ يَتَفَرَّقا اى وان يفارق كل واحد منهما صاحبه بان لم يتفق بينهما وفاق بوجه ما من الصلح او غيره يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا منهما اى يجعله مستغنيا عن الآخر ويكفه مهماته مِنْ سَعَتِهِ من غناه وقدرته وفيه زجر لهما عن مفارقة أحدهما رغما لصاحبه وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً اى مقتدرا متقنا فى أفعاله وأحكامه وله حكمة بالغة فيما يحكم من الفرقة يجعل لكل واحد منهما من يسكن اليه فيتسلى به عن الاول وتزول حرارة محبته عن قلبه وينكشف عنه هم عشقه فعلى المؤمن ترك حظ النفس والدور مع الأمر الإلهي فى جملة أموره وأحكامه والعمل فى حق النساء بقوله تعالى فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ والميل الى جانب العدل والاعراض عن طرف الظلم والاستحلال قبل ان يجيئ يوم لا بيع فيه ولا خلال. قال ابن مسعود رضى الله عنه يؤخذ بيد العبد أو الامة فينصب على رؤوس الأولين والآخرين ثم ينادى مناد هذا فلان ابن فلان فمن كان له حق فليأت الى حقه فتفرح المرأة ان يكون لها الحق على ابنها او أخيها او على أبيها او على زوجها ثم قرأ ابن مسعود رضى الله عنه فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ فيقول الرب تعالى للعبد آت هؤلاء حقوقهم فيقول رب لست فى الدنيا فمن اين أوتيهم فيقول للملائكة خذوا من اعماله الصالحة فاعطوا كل انسان منهم بقدر طلبته فان كان وليا لله فضلت من حسناته مثقال حبة من خردل من خير ضاعفها حتى يدخله بها الجنة ثم قرأ إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ(2/297)
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131)
حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً وان كان عبدا شقيا قالت الملائكة رب فنيت حسناته وبقي الطالبون فيقول للملائكة خذوا من أعمالهم السيئة فاضيفوها الى سيآته وصكواله صكا الى النار فلا بد من التوبة والاستغفار والرجوع الى الملك الغفار والمجاملة فى المعاملة مع الأخيار والأشرار ودفع الأذى عن اهل الإنكار والإقرار- حكى- ان أبا منصور بن ذكير كان رجلا زاهدا صالحا فلما دنت وفاته اكثر البكاء فقيل له لم تبكى عند الموت قال اسلك طريقا لم اسلكه قط فلما توفى رآه ابنه فى المنام فى الليلة الرابعة فقال يا أبت ما فعل الله بك فقال يا بنى ان الأمر أصعب مما تعد اى تظن لقيت ملكا عادلا اعدل العادلين ورأيت خصماء مناقشين فقال لى ربى يا أبا منصور قد عمرتك سبعين سنة فما معك اليوم فقلت يا ربى حججت ثلاثين حجة فقال الله تعالى لم اقبل منك فقلت يا رب تصدقت بأربعين الف درهم بيدي فقال لم اقبل منك فقلت ستون سنة صمت نهارها وقمت ليلها فقال لم اقبل منك فقلت الهى غزوت أربعين غزوة فقال لم اقبل منك فقلت إذا قد هلكت فقال الله تعالى ليس من كرمى ان أعذب مثل هذا يا أبا منصور اما تذكر اليوم الفلاني نحيت الذرة عن الطريق كيلا يعثر بها مسلم فانى قد رحمتك بذلك فانى لا أضيع اجر المحسنين فظهر من هذه الحكاية ان دفع الأذى عن الطريق إذا كان سببا للرحمة والمغفرة فلأن يكون دفع الأذى عن الناس نافعا للدافع يوم الحشر خصوصا عدم الاذية للمؤمنين وخصوصا للاهل والعيال والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده اللهم اجعلنا من النافعين لا من الضارين آمين وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ اى من الموجودات كائنا ما كان من الخلائق أرزاقهم وغير ذلك. قال الشيخ نجم الدين قدس سره لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ من الدرجات العلى وجنات المأوى والفردوس الأعلى وَما فِي الْأَرْضِ من نعيم الدنيا وزينتها وزخارفها والله مستغن عنها وانما خلقها لعباده الصالحين كما قال تعالى وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وخلق العباد لنفسه كما قال وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ اى بالله قد امرناهم فى كتابهم وهم اليهود والنصارى ومن قبلهم من الأمم. واللام فى الكتاب للجنس يتناول الكتب السماوية ومن متعلقة بوصينا او بأوتوا وَإِيَّاكُمْ عطف على الذين اى وصيناكم يا امة محمد فى كتابكم أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ اى بان اتقوا الله فان مصدرية حذف منها حرف الجر اى امرناهم وإياكم بالتقوى وَقلنا لهم ولكم إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ اى فان الله مالك الملك كله لا يتضرر بكفركم ومعاصيكم كما لا ينتفع بشكركم وتقواكم وانما وصاكم لرحمته لا لحاجته ثم قرر ذلك بقوله وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا اى عن الخلق وعبادتهم لا تعلق له بغيره تعالى لا فى ذاته ولا فى صفاته بل هو منزه عن العلاقة مع الأغيار حَمِيداً محمودا فى ذاته حمدوه او لم يحمدوه. قال الغزالي فى شرح الأسماء الحسنى والله تعالى هو الحميد لحمده لنفسه ازلا ولحمد عباده له ابدا ويرجع هذا الى صفات الجلال والعلو والكمال منسوبا الى ذكر الذاكرين له فان الحمد هو ذكر أوصاف الكمال من حيث هو كمال والحميد من العباد من حمدت عقائده وأخلاقه واعماله كلها من غير مثنوية وذلك هو محمد صلى الله عليه وسلم ومن يقرب منه من الأنبياء ومن عداهم من(2/298)
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133)
الأولياء والعلماء كل واحد منهم حميد بقدر ما يحمد من عقائده وأخلاقه واعماله وأقواله وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ذكره ثالثا للدلالة على كونه غنيا فان جميع المخلوقات تدل بحاجتها على غناه وبما فاض عليها من الوجود وانواع الخصائص والكمالات على كونه حميدا فلا تكرار فان كل واحد من هذه الألفاظ مقرون بفائدة جديدة وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا فى تدبير امور الكل وكل الأمور فلابد من ان يتوكل عليه لا على أحد سواء إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ اى يفنكم ويستأصلكم بالمرة وَيَأْتِ بِآخَرِينَ اى يوجد دفعة مكانكم قوما آخرين من البشر او خلقا آخرين مكان الانس ومفعول المشيئة محذوف لكونه مضمون الجزاء اى ان يشأ افناءكم وإيجاد آخرين يذهبكم يعنى ان ابقاءكم على ما أنتم عليه من العصيان انما هو لكمال غناه عن طاعتكم لا لعجزه سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ففيه تهديد للعصاة وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ اى افنائكم بالمرة وإيجاد آخرين دفعة مكانكم قَدِيراً بليغ القدر لا يعجزه مراد فاطيعوه فلا تعصوه واتقوا عقابه. والآية تدل على كمال قدرته وصبوريته حيث لا يؤاخذ العصاة على العجلة وفى الحديث (لا أحد اصبر على أذى سمعه من الله انه يشرك به ويجعل له الولد ثم هو يعافيهم ويرزقهم) يعنى يقول بعض عباد الله وامائه ان له شريكا فى ملكه وينسب له ولدا ثم الله تعالى يعطيهم من انواع النعم من العافية والرزق وغيرهما فهذا كرمه ومعاملته مع من يؤذيه فما ظنك بمعاملته مع من يحتمل الأذى منه ويثنى عليه ثم ان تأخير العقوبة يتضمن لحكم منها رجوع التائب وانقطاع حجة المصر وفى الحديث (ان الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيئ النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) . قال الشيخ الكلاباذى بسط اليد كناية عن الجود يعنى يجود الله لمسيى الليل ولمسيئ النهار بالامهال ليتوب كما روى انه عليه السلام قال (صاحب اليمين امير على صاحب الشمال وإذا عمل العبد حسنة كتب له عشر أمثالها وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين امسك فيمسك عنه سبع ساعات من النهار فان استغفر لم يكتب عليه وان لم يستغفر كتب سيئة واحدة) انتهى كلامه: قال الصائب
بر غفلت سياه دلان خنده ميزنند ... غافل مشو ز خنده دندان نماى صبح
يقال من لم ينزجر بزواجر القرآن ولم يرغب فى الطاعات فهذا أشد قسوة من الحجارة وأسوأ حالا من الجمادات فان دعوة الله عباده بكتبه على لسان الأنبياء لئلا يغتروا بزخارف الدنيا الدنية ويترقوا من حضيض الحظوظ النفسانية الى معارج الدرجات العلى ولقد وصاك الله تعالى بالتقوى فعليك بالأخذ بالوصية فان التقوى كنز عزيز فلئن ظفرت به فكم تجد فيه من جوهر شريف وخير كثير فانه جامع الخير كله. قال ابن عطاء للتقوى ظاهر وباطن فظاهرها حفظ حدود الشرع وباطنها الإخلاص فى النية وحقيقة التقوى الاعراض عن الدنيا والعقبى والإقبال والتوجه الى الحضرة العليا فمن وصل اليه فقد صار حرا عن رقية الكونين وعبد الله تعالى: قال الحافظ قدس سره
زير بارند درختان كه تعلق دارند ... اى خوشا سرو كه از بار غم آزاد آمد(2/299)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)
مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا كالمجاهد يريد بمجاهدته الغنيمة فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ اى فعنده تعالى ثوابهما له ان اراده فماله يطلب أخسهما فليطلبهما كمن يقول ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة او ليطلب الأشرف منهما فان من جاهد خالصا لوجه الله تعالى لم تخطئه الغنيمة وله فى الآخرة ما هى فى جنبه كلا شىء اى فعند الله ثواب الدارين فيعطى كلا ما يريده كقوله تعالى مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً عالما بجميع المسموعات والمبصرات عارفا بالأغراض اى يعرف من كلامهم ما يدل على انهم ما يطلبون من الجهاد سوى الغنيمة ومن أفعالهم ما يدل على انهم لا يسعون فى الجهاد الا عند توقع الفوز بالغنيمة. قال الحدادي فى الآية تهديد للمنافقين المرائين وفى الحديث (ان فى النار واديا تتعوذ منه جهنم كل يوم اربعمائة مرة أعد للقراء المرائين) :
قال السعدي قدس سره
نكو سيرتى بي تكلف برون ... به از نيك نام خراب اندرون
هر آنكه افكند تخم بر روى سنگ ... جوى وقت دخلش نيايد بچنگ
وعن النبي صلى الله عليه وسلم انه (لما خلق الله تعالى جنة عدن خلق فيها مالا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قال لها تكلمى فقالت قد أفلح المؤمنون ثلاثا ثم قالت انى حرام على كل بخيل مراء فينبغى للمؤمن ان يحترز من الرياء ويسعى فى تحصيل الإخلاص فى العمل وهو ان لا يريد بعمله سوى الله تعالى. قال بعضهم دخلت على سهل ابن عبد الله يوم الجمعة قبل الصلاة فرأيت فى البيت حية فجعلت اقدّم رجلا وأؤخر اخرى فقال سهل ادخل لا يبلغ أحد حقيقة الإخلاص وعلى وجه الأرض شىء يخافه ثم قال هل لك حاجة فى صلاة الجمعة فقلت بيننا وبين المسجد مسيرة يوم وليلة فاخذ بيدي فما كان قليلا حتى رأيت المسجد فدخلنا وصلينا الجمعة ثم خرجنا فوقف ينظر الى الناس وهم يخرجون فقال اهل لا اله الا الله كثير والمخلصون منهم قليل
عبادت بإخلاص نيت نكوست ... وگر نه چهـ آيد ز بيمغز پوست
فالمخلص فى عمله لا يقبل عوضا ولو اعطى له الدنيا وما فيها- حكاية-[آورده اند كه جوانمردى غلام خويش را گفت سخاوت آن نيست كه صدقه بكسى دهند كه او را بشناسند صد دينار بستان وببازار ببر وأول درويشى كه بينى بوى ده غلام ببازار رفت پيرى ديد كه حلاق سر او مى تراشيد زر بوى داد پير گفت كه من نيت كرده ام كه هر چهـ مرا فتوح شود بوى دهم وحلاق را گفت بستان حلاق گفت من نيت كرده ام سر او را از براى خدا بتراشم اجر خود از حق تعالى بصد دينار نمى فروشم وهيچ كس نستادند غلام بازگشت وزر باز آورد] كذا فى أنيس الوحدة وجليس الخلوة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ مبالغين فى العدل واقامة القسط فى جميع الأمور مجتهدين فى ذلك حق الاجتهاد شُهَداءَ لِلَّهِ بالحق تقيمون شهاداتكم بوجه الله تعالى كما أمرتم بإقامتها وهو خبر(2/300)
ثان وَلَوْ كانت الشهادة عَلى أَنْفُسِكُمْ بان تقروا عليها لان الشهادة على النفس اقرار على ان الشهادة عبارة عن الاخبار بحق الغير سواء كان ذلك عليه او على ثالث او بان تكون الشهادة مستتبعة لضرر ينالكم من جهة المشهود عليه بان يكون سلطانا ظالما او غيره أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ اى ولو كانت على والديكم وأقاربكم بان تقروا وتقولوا مثلا اشهد ان لفلان على والدي كذا او على أقاربي او بان تكون الشهادة وبالا عليهم على ما مر آنفا وفى هذا بيان ان شهادة الابن على الوالدين لا تكون عقوقا ولا يحل للابن الامتناع عن الشهادة على أبويه لان فى الشهادة عليهما بالحق منعا لهما من الظلم واما شهادته لهما وبالعكس فلا تقبل لان المنافع بين الأولاد والآباء متصلة ولهذا لا يجوز أداء الزكاة إليهم فتكون شهادة أحدهما شهادة لنفسه او لتمكن التهمة إِنْ يَكُنْ اى المشهود عليه غَنِيًّا يبتغى فى العادة رضاه ويتقى سخطه أَوْ فَقِيراً يترحم عليه غالبا وجواب الشرط محذوف لدلالة قوله تعالى فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما عليه اى فلا تمتنعوا عن اقامة الشهادة طلبا لرضى الغنى او ترحما على الفقير فان الله تعالى اولى بجنسى الغنى والفقير بالنظر لهما ولولا ان الشهادة عليهما مصلحة لهما لما شرعها وفى الحديث (انصر أخاك ظالما او مظلوما) قيل يا رسول الله كيف ينصره ظالما قال (ان يرده عن ظلمه) فان ذلك نصره معنى ومنع الظالم عن ظلمه عون له على مصلحة دينه ولذا سمى نصرا: قال السعدي قدس سره
بگمراه گفتن نكو ميروى ... گناه بزرگست وجور قوى
بگوى آنچهـ دانى سخن سودمند ... وگر هيچ كس را نيايد پسند
فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا يحتمل العدل والعدول اى فلا تتبعوا الهوى كراهة ان تعدلوا بين الناس او ارادة ان تعدلوا عن الحق وَإِنْ تَلْوُوا السنتكم عن شهادة الحق او حكومة العدل بان تأتوا بها لا على وجهها لىّ الشيء فتله وتحريفه ولى الشهادة تبديلها وعدم أدائها على ما شاهده بان يميل فيها الى أحد الخصمين أَوْ تُعْرِضُوا اى عن أدائها وإقامتها رأسا فالاعراض عنها كتمها فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ من لىّ الالسنة والاعراض بالكلية خَبِيراً فيجازيكم لا محالة على ذلك. وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان المراد بالآية القاضي يتقدم عليه الخصمان فيعرض عن أحدهما او يدافع فى إمضاء الحق او لا يسوى بينهما فى المجلس والنظر والاشارة ولا يمتنع ان يكون المراد بالآية القاضي والشاهد وعامة الناس فان اللفظ محتمل للجميع. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال عند نزول هذه الآية (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقم شهادته على من كانت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجحد حقا هو عليه وليؤده فورا ولا يلجئه الى سلطان وخصومة ليقطع بها حقه وأيما رجل خاصم الى فقضيت له على أخيه بحق ليس عليه فلا يأخذنه فانما اقطع له قطعة من نار جهنم) كذا فى تفسير الحدادي. قال فى الأشباه أي شاهد جاز له الكتمان فقل إذا كان الحق يقوم بغيره او كان القاضي فاسقا او كان يعلم انه لا يقبل انتهى. قال الفقهاء وستر الشهادة فى الحدود أفضل من أدائها لقوله عليه السلام للذى شهد عنده فى الحد (لو سترته بثوبك(2/301)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)
لكان خيرا لك) وقوله عليه السلام (من ستر على مسلم عيبا ستر الله عليه فى الدنيا والآخرة) وقال عليه السلام (ما من امرئ ينصر مسلما فى موضع ينهتك فيه عرضه وتستحل حرمته إلا نصره الله تعالى فى موطن يحب فيه نصرته وما من امرئ خذل مسلما فى موضع تنتهك فيه حرمته الاخذ له الله تعالى فى موضع يحب فيه نصرته) وقال عليه السلام (ادرأوا الحدود ما استطعتم) - يحكى- ان مسلما قتل ذميا عمدا فحكم ابو يوسف بقتل المسلم فبلغ زبيدة امرأة هارون الرشيد فبعثت الى ابى يوسف وقالت إياك ان تقتل المسلم وكانت فى عناية عظيمة بامر المسلم فلما حضر ابو يوسف وحضر الفقهاء وجيئ باولياء الذمي والمسلم وقال له الرشيد احكم بقتله فقال يا امير المؤمنين هو مذهبى غير انى لست اقتل المسلم به حتى تقوم البينة العادلة ان الذمي يوم قتله المسلم كان ممن يؤدى الجزية فلم يقدروا عليه فبطل دمه
تو روا داريكه من بي حجتى ... بنهم اندر شهر باطل سنتى
وفى قوله تعالى شُهَداءَ لِلَّهِ اشارة الى عوام المؤمنين ان كونوا شهدء الله بالتوحيد والوحدانية بالقسط يوما ما ولو كان فى آخر نفس من عمرهم على حسب ما قدر لهم الله تعالى. واشارة الى الخواص ان كونوا شهداء لله اى حاضرين مع الله بالفردانية. واشارة الى خواص الخواص ان كونوا شهداء لله فى الله غائبين عن وجودكم فى شهوده بالوحدة. وفى إشارته الى الخواص شركة للملائكة كما قال تعالى شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ فاما إشارته الى الأخص من الأنبياء وكبار الأولياء وهم أولوا العلم فمختصة بهم من سائر العالمين ولاولى العلم شركة فى شهود شهد الله انه لا اله الا هو وليس للملائكة فى هذا الشهود مدخل الا انهم قائمون بالقسط كذا فى التأويلات النجمية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خطاب لكافة المسلمين آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ اى اثبتوا على الايمان بذلك ودوموا عليه وازدادوا فيه طمأنينة ويقينا او آمنوا بما ذكر مفصلا بناء على ان ايمان بعضهم اجمالى. فان قلت لم قيل نزل على رسوله وانزل من قبل. قلت لان القرآن نزل منجما مفرقا بخلاف الكتب قبله فالمراد بالكتاب الاول القرآن وبالثاني الجنس المنتظم لجميع الكتب السماوية لقوله تعالى وَكُتُبِهِ وبالايمان به الايمان بان كل كتاب من تلك الكتب منزل منه على رسول معين لارشاد أمته الى ما شرع لهم من الدين بالأوامر والنواهي لكن لا على ان يراد الايمان بكل واحد من تلك الكتب بل خصوصية ذلك الكتاب ولا على ان احكام تلك الكتب وشرائعها باقية بالكلية ولا على ان الباقي منها معتبر بالاضافة إليها بل على ان الايمان بالكل مندرج تحت الايمان بالكتاب المنزل على رسوله وان احكام كل منها كانت حقة ثابتة الى ورود نسخها وان ما لم ينسخ منها الى الآن من الشرائع والاحكام ثابتة من حيث انها من احكام هذا الكتاب الجليل المصون عن النسخ والتبديل. وقيل الخطاب للمنافقين كانه قيل يا ايها الذين آمنوا نفاقا وهو ما كان بالالسنة فقط آمنوا إخلاصا وهو ما كان بها وبالقلوب. وقيل الخطاب لمؤمنى اهل الكتاب إذ روى ان ابن سلام وأصحابه قالوا يا رسول الله انا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير ونكفر بما سواه فنزلت فالمعنى حينئذ آمنوا(2/302)
ايمانا عاما شاملا يعم الكتب والرسل فان الايمان بالبعض كلا ايمان وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ اى بشىء من ذلك لان الكفر ببعضه كفر بكله ألا ترى كيف قدم الأمر بالايمان بهم جميعا وزيادة الملائكة واليوم الآخر فى جانب الكفر لما انه بالكفر بأحدها لا يتحقق الايمان أصلا وجمع الكتب والرسل لما ان الكفر بكتاب او برسول كفر بالكل وتقديم الرسول فيما سبق لذكر الكتاب بعنوان كونه منزلا عليه وتقديم الملائكة والكتب على الرسل لانهم وسائط بين الله وبين الرسل فى إنزال الكتب فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً عن المقصد بحيث لا يكاد يعود الى طريقه. قالوا أول ما يجب على المرء معرفة مولاه اى يجب على كل انسان ان يسعى فى تحصيل معرفة الله تعالى بالدليل والبرهان فان ايمان المقلد وان كان صحيحا عند الامام
الأعظم لكن يكون آثما بترك النظر والاستدلال فاول الأمر هو الحجة والبرهان ثم المشاهدة والعيان ثم الفناء عن سوى الرحمان. فمرتبة العوام فى الايمان ما قال عليه السلام (ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالبعث بعد الموت والجنة والنار والقدر خيره وشره) وهو ايمان غيبى: وفى المثنوى
بندگى در غيب آيد خوب وكش ... حفظ غيب آيد در استبعاد خوش
طاعت وايمان كنون محمود شد ... بعد مرگ اندر عيان مردود شد
ومرتبة الخواص فى الايمان هو ايمان عيانى وكان ذلك بان الله إذا تجلى لعبده بصفة من صفاته خضع له جميع اجزاء وجوده وآمن بالكلية عيانا بعد ما كان يؤمن قلبه بالغيب ونفسه تكفر بما آمن به قلبه إذا كانت النفس عن ننسم روائح الغيب بمعزل فلما تجلى الحق للجبل جعله دكا وخر موسى النفس صعقا فالنفس فى هذا المقام تكون بمنزلة موسى فلما أفاق قال تبت إليك وانا أول المؤمنين. ومرتبة الأخص فى الايمان هو ايمان عيانى وذلك بعد رفع حجب الانانية بسطوات تجلى صفة الجلال فاذا أفناه عنه بصفة الجلال يبقيه به بصفة الجمال فلم يبق له الابن وبقي فى العين فيكون ايمانا عينيا كما كان حال النبي عليه السلام ليلة المعراج فلما بلغ قاب قوسين كان فى حيز اين فلما جذبته العناية من كينونته الى عينونة او ادنى فاوحى الى عبده ما اوحى آمن الرسول بما انزل اليه اى من صفات ربه فآمنت صفاته بصفاته تعالى وذاته بذاته فصار كل وجوده مؤمنا بالله ايمانا عينيا ذاته وصفاته فاخبر عنهم وقال والمؤمنون كل آمن بالله يعنى آمنوا يهوية وجودهم كذا فى التأويلات النجمية هذا هو الايمان الحقيقي رزقنا الله وإياكم إياه: وفى المثنوى
بود كبرى در زمان با يزيد ... گفت او را يك مسلمان سعيد
كه چهـ باشد گر تو اسلام آورى ... تا بيابى صد نجات وسرورى
گفت اين ايمان اگر هست اى مريد ... آنكه دارد شيخ عالم با يزيد
من ندارم طاقت آن تاب آن ... كان فزون آمد ز كوششهاى جان
گر چهـ در ايمان ودين ناموقنم ... ليك در ايمان او بس مومنم
مؤمن ايمان اويم در نهان ... گر چهـ مهرم هست محكم بر دهان
باز ايمان خود گر ايمان شماست ... نى بدان ميلستم ونى مشتهاست(2/303)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)
آنكه صد ميلش سوى ايمان بود ... چون شما را ديد زان فاتر شود
زانكه نامى بيند ومعنيش نى ... چون بيابانرا مفازه گفتنى
والى هذا التجريد والتفريد ينال العبد بالذكر والتوحيد قال عليه السلام فى وصيته لعلى رضى الله عنه (يا على احفظ التوحيد فانه رأس مالى والزم العمل فانه حرفتى وأقم الصلاة فانها قرة عينى واذكر الحق فانه نصرة فؤادى واستعمل العلم فانه ميراثى) اللهم لا تحرمنا من هذا الميراث إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا يعنى اليهود بموسى ثُمَّ كَفَرُوا بعبادتهم العجل ثُمَّ آمَنُوا بعد عوده إليهم ثُمَّ كَفَرُوا بعيسى والإنجيل ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وازداد كذا يجيئ لازما ومتعديا يقال ازددت مالا اى زدته لنفسى ومنه قوله تعالى وَازْدَادُوا تِسْعاً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ مريدا لِيَغْفِرَ لَهُمْ اى ماداموا على كفرهم وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا اى ولا ليوفقهم طريقا الى الإسلام ولكن يخذلهم مجازاة لهم على كفرهم. فان قيل ان الله لا يغفر كفر مرة فما الفائدة فى قوله ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا.
قيل ان الكافر إذا آمن غفر له كفره فاذا كفر بعد إيمانه لم يغفر له الكفر الاول وهو مطالب بجميع كفره بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ وضع بشر موضع انذر واخبر تهكما بهم بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً اى وجيعا يخلص ألمه ووجعه الى قلوبهم وهذا يدل على ان الآية نزلت فى المنافقين وهم قد آمنوا فى الظاهر وكفروا فى السر مرة بعد اخرى ثم ازدادوا بالإصرار على النفاق وإفساد الأمر على المؤمنين الَّذِينَ اى هم الذين يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ اى اليهود أَوْلِياءَ أحباء فى العون والنصرة مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ حال من فاعل يتخذون اى متجاوزين ولاية المؤمنين المخلصين وكانوا يوالونهم ويقول بعضهم لبعض لا يتم امر محمد فتولوا اليهود أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ اى أيطلبون بموالاة الكفرة القوة والغلبة وهم أذلاء فى حكم الله تعالى فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً تعليل لما يفيده الاستفهام الإنكاري من بطلان رأيهم وخيبة رجائهم فان انحصار جميع افراد العزة فى جنابه تعالى بحيث لا ينالها الا أولياؤه الذين كتب لهم العزة والغلبة وقال وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يقتضى بطلان التعزيز بغيره سبحانه واستحالة الانتفاع به. قوله جميعا حال من المستكن فى قوله تعالى لله لاعتماده على المبتدأ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ خطاب للمنافقين بطريق الالتفات والجملة حال من فاعل يتخذون. قال المفسرون ان مشركى مكة كانوا يخوضون فى ذكر القرآن ويستهزئون به فى مجالسهم فانزل الله تعالى فى سورة الانعام وهى مكية وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ
ثم ان أحبار اليهود بالمدينة كانوا يفعلون ما فعله المشركون بمكة وكان المنافقون يقعدون معهم ويوافقونهم على ذلك الكلام الباطل فقال الله تعالى مخاطبالهم وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ اى والحال انه تعالى قد نزل عليكم قبل هذا بمكة. وفيه دلالة على ان المنزل على النبي عليه السلام وان خوطب به خاصة منزل على العامة فِي الْكِتابِ اى القرآن الكريم أَنْ مخففة اى ان الشان إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ فيه دلالة على ان مدار الاعراض عنهم هو العلم بخوضهم فى آيات الله ولذلك يخبر عنه تارة بالرؤية واخرى بالسماع يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها حالان من آيات الله اى(2/304)
مكفورا ومستهزاء وبها فى محل الرفع لقيامه مقام الفاعل والأصل يكفر بها أحد ويستهزئ فَلا تَقْعُدُوا جزاء الشرط مَعَهُمْ اى الكفرة المدلول عليهم بقوله يكفر بها ويستهزأ بها حَتَّى يَخُوضُوا الخوض بالفارسية «در حديث شدن» فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ اى غير القرآن وحتى غاية للنهى والمعنى انه تجوز مجالستهم عند خوضهم وشروعهم فى غير الكفر والاستهزاء. وفيه دلالة على ان المراد بالاعراض عنهم اظهار المخالفة بالقيام عن مجالسهم لا الاعراض بالقلب او بالوجه فقط إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ جملة مستأنفة سيقت لتعليل النهى غير داخلة تحت التنزيل واذن ملغاة عن العمل لاعتماد ما بعدها على ما قبلها اى لوقوعها بين المبتدأ والخبر اى لا تقعدوا معهم فى ذلك الوقت انكم ان فعلتموه كنتم مثلهم اى مثل اليهود فى الكفر واستتباع العذاب فان الرضى بالكفر كفر إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً يعنى القاعدين والمقعود معهم وهو تعليم لكونهم مثلهم فى الكفر بيانه ما يستلزمه من شركتهم لهم فى العذاب. واعلم ان الائتلاف هاهنا نتيجة تعارف الأرواح هنالك لقوله عليه السلام (الأرواح جنود مجندة) الحديث فمن تعارف أرواح الكافر والمنافق هناك يأتلفون هاهنا ومن تناكر أرواحهم وأرواح المؤمنين يختلفون هاهنا- روت- عائشة رضى الله عنها ان امرأة كانت بمكة تدخل على نساء قريش تضحكهنّ فلما هاجرن ووسع الله تعالى دخلت المدينة قالت عائشة فدخلت علىّ فقلت لها فلانة ما أقدمك قالت إليكن قلت فأين نزلت قالت على فلانة امرأة كانت تضحك بالمدينة قالت عائشة ودخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال (فلانة المضحكة عندكم) قالت عائشة قلت نعم فقال (فعلى من نزلت) قالت على فلانة المضحكة قال (الحمد لله ان الأرواح جنود) إلخ: ونعم ما قيل
همه مرغان كند با جنس پرواز ... كبوتر با كبوتر باز با باز
ولما كان الابد مرآة الأزل لا يظهر فيه الا ما قدر فى الأزل لذا قال الله تعالى إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً لانهم كانوا فى عالم الأرواح فى صف واحد وفى الدنيا بذلك التناسب والتعارف فى فن واحد وقال عليه السلام (كما تعيشون تموتون
وكما تموتون تحشرون) . ففى اشارة الآية نهى لاصحاب القلوب عن المجالسة مع ارباب النفوس والموافقة فى شىء من اهوائهم فانهم ان يفعلوا ذلك يكونوا مثلهم يعنى يكون القلب كالنفس وصاحب القلب كصاحب النفس بالصحبة والمخالطة والمتابعة: قال الحافظ قدس سره
نخست موعظه پير مجلس اين حرفست ... كه از مصاحب ناجنس احتراز كنيد
قال الحدادي فى تفسيره اذن لم يجز جلوس المؤمن معهم لاقامة فرض او سنة اما إذا كان جلوسه لاقامة عبادة وهو ساخط لتلك الحال لا يقدر على تغييرها فلا بأس بالجلوس كما روى عن الحسن انه حضر وابن سيرين جنازة وهناك نوح فانصرف ابن سيرين فذكر ذلك للحسن فقال ما كنا متى رأينا باطلا تركنا حقا اشرع ذلك فى ديننا ولم يرجع انتهى كلامه. وذكر ان الله تعالى اوحى الى يوشع بن نون عليه السلام انى مهلك من قومك أربعين الفا من خيارهم وستين الفا من شرارهم قال يا رب هؤلاء الاشراء فما بال الأخيار قال انهم لم يغضبوا لغضبى وأاكلوهم وشاربوهم وإذا كان(2/305)
الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)
الرجل مبتلى بصحبة الفجار فى سفره للحج او الغزاء لا يترك الطاعة بصحبتهم لكن يكرهه بقلبه ولا يرضى به فلعل الفاسق يتوب ببركة كراهة قلبه ومن دعى الى ضيافة فوجد ثمة لعبا او غناء يقعد ان كان غير قدوة ويمنع ان قدر وان كان قدوة كالقاضى والمفتى ونحوهما يمنع ويقعد فان عجز خرج وان كان ذلك على المائدة او كانوا يشربون الخمر خرج وان لم يكن قدوة وان علم قبل الحضور لا يحضر فى الوجوه كلها كذا فى تحفة الملوك الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ اى المنافقون هم الذين ينتظرون وقوع امر لكم خيرا كان او شرا فَإِنْ كانَ لَكُمْ ايها المؤمنون فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ اى ظفر ودولة وغنيمة قالُوا اى لكم أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ على دينكم مظاهرين لكم فاسهموا لنا فيما غنمتم وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ اى ظهور على المسلمين قالُوا اى للكفرة أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ الاستحواذ الاستيلاء اى ألم نغلبكم ونمكن من قتلكم واسركم فابقينا عليكم اى ترحمنا وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بان ثبطاهم عنكم وخيلنا لهم ما ضعفت به قلوبهم أو أمر جنا فى جنابكم وتوانينا فى مظاهرتهم عليكم والا لكنتم نهبة للنوائب فهاتوا نصيبا مما أصبتم وانما سمى ظفر المسلمين فتحا وظفر الكافرين نصيبا تعظيما لشأن المسلمين وتخسيسا لحظ الكافرين لان ظفر المسلمين امر عظيم تفتح له أبواب السماء حتى ينزل على أوليائه واما ظفر الكافرين فمقصور على امر دنيوى سريع الزوال فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ اى بين المؤمنين والمنافقين بطريق تغليب المخاطبين على الغائبين يَوْمَ الْقِيامَةِ اى يحكم حكما يليق بشأن كل منكم من الثواب والعقاب واما فى الدنيا فقد اجرى على من تفوه بكلمة الإسلام حكمه ولم يضع السيف على من تكلم بها نفاقا وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا اى ظهورا يوم القيامة كما قد يجعل ذلك فى الدنيا بطريق الابتلاء والاستدراج وبيانه ان الله تعالى يظهر اثر ايمان المؤمن يوم القيامة ويصدق موعدهم ولا يشاركهم الكفار فى شىء من اللذات كما شاركوهم اليوم حتى يعلموا ان الحق معهم دونهم إذ لو شاركوهم فى شىء منها لقالوا للمؤمنين ما نفعكم ايمانكم وطاعتكم شيأ لانا أشركنا واستوينا معكم فى ثواب الآخرة واما ان كان المعنى سبيلا فى الدنيا فيراد بالسبيل الحجة وحجة المسلمين غالبة على حجة الكل وليس لاحد ان يغلبهم بالحجة وقيل معنى السبيل الدولة الدائمة ولا دولة على الدوام للكافرين والا لكان الظهور والغلبة من قبلهم دائما وليس كذلك فان اكثر الظفر للمسلمين وانما ينال الكفار من المؤمنين فى بعض الأوقات استدراجا ومكرا وهذا يستمر الى انقراض اهل الايمان فى آخر الزمان. وعن كعب قال إذا انصرف عيسى ابن مريم والمؤمنون من يأجوج ومأجوج لبثوا سنوات ثم رأوا كهيئة الرهج والغبار فاذا هى ريح قد بعثها الله لتقبض أرواح المؤمنين فتلك آخر عصابة تقبض من المؤمنين ويبقى الناس بعدهم مائة عام لا يعرفون دينا ولا سنة يتهارجون تهارج الحمر عليهم تقوم الساعة وفى الحديث (الجهاد ماض منذ بعثني الله الى ان يقاتل آخر أمتي الدجال) ثم ان الله تعالى يحكم بينكم يوم القيامة ليعلم من اهل العزة والكرامة ومن اهل الغرة والندامة كما ان الشمع يحكم بين الصحيح والسقيم بإظهار حالهما إذا جيئ به فى حمام مظلم قد دخله الأصحاء والمرضى والجرحى ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا فان وبال كيدهم إليهم مصروف(2/306)
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143)
وجزاء مكرهم عليهم موقوف والحق من قبل الحق تعالى منصور اهله والباطل بنصر الحق مخيب أصله. وقد قيل الباطل يفور ثم يغور. فعلى المؤمن صرف علو الهمة فى الدين وفى تحصيل علم اليقين ولا يتربص للفتوحات الدنيوية ذاهلا عن الفتوحات الاخروية بل عن فتوحات الغيب ومشاهدة الحق فان أهم الأمور هو الوصول الى الرب الغفور. قال ابو يزيد البسطامي قدس سره ان لله خواص من عباده ولو حجبهم فى الجنة عن رؤيته لا ستغاثوا كما يستغيث اهل النار بالخروج من النار ولما كان موسى كليم الله طفلا فى حجر تربية الحق تعالى ما تجاوز حده ولا تعدى قصده بل قال رب انى لما أنزلت الى من خير فقير فلما كبر وبلغ مبلغ الرجال ما رضى بطعام الأطفال بل قال رب أرني أنظر إليك وكان غاية طلبه فى طفوليته هو الطعام والشراب وكان منتهى اربه فى رجوليته هو رفع الحجاب ومشاهدة الأحباب فالباب مفتوح للطلاب لا حاجب عليه ولا بواب وانما المحجوب عن المسبب من وقف مع الأسباب والمشروب حاضر والمحروم من حرم الشراب والمحبوب ناظر والمطرود من وقف وراء الحجاب فمن انس بسواه فهو مستوحش ومن ذكر غيره فهو غافل عنه ومن عول على سواه فهو مشرك فاذا لم يجد اليه سبيلا وفى ظله مقيلا: ونعم ما قيل
تو محرم نيستى محروم از آنى ... ره نامحرمان اندر حرم نيست
إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ
اى يفعلون ما يفعل المخادع من اظهار الايمان وابطان الكفر وَهُوَ خادِعُهُمْ
اى الله تعالى فاعل بهم ما يفعل الغالب فى الخداع حيث تركهم فى الدنيا معصومى الدماء والأموال وأعد لهم فى الآخرة الدرك الأسفل من النار ولم يخلهم فى العاجل من فضيحة وإحلال بأس ونقمة ورعب واثم. وقال ابن عباس رضى الله عنهما انهم يعطون نورا يوم القيامة كما للمؤمنين فيمضى المؤمنون بنورهم على الصراط وينطفئ نور المنافقين فينادون المؤمنين انظرونا نقتبس من نوركم فتناديهم الملائكة على الصراط ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا وقد علموا انهم لا يستطيعون الرجوع قال فيخاف المؤمنون حينئذ ان يطفأ نورهم فيقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا انك على كل شىء قدير وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى
اى متثاقلين متقاعسين كما ترى من يفعل شيأ عن كره لا عن طيب نفس ورغبة. قوله كسالى كأنه قيل ما كسالى فقيل يُراؤُنَ النَّاسَ
اى يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة ليحسبوهم مؤمنين وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ
عطف على يراؤن إِلَّا
ذكرا قَلِيلًا
إذ المرائى لا يفعل الا بحضرة من يرائيه وهو اقل أحواله والمراد بالذكر التسبيح والتهليل. قال فى الكشاف وهكذا ترى كثيرا من المتظاهرين بالإسلام لو صحبته الأيام والليالى لم تسمع منه تهليلة ولا تحميدة ولكن حديث الدنيا يستغرق أوقاته لا يفتر عنه مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ حال من فاعل يراؤن وذلك اشارة الى الايمان والكفر المدلول عليهما بمعونة المقام اى مرددين بينهما متحيرين قد ذبذبهم الشيطان والهوى بينهما وحقيقة المذبذب ما يذب ويدفع عن كلا الجانبين مرة بعده اخرى لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ حال من ضمير مذبذبين اى لا منسوبين الى المؤمنين فيكونون مؤمنين ولا الى الكافرين فيكونون مشركين وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ لعدم استعداده للهداية والتوفيق فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا موصلا الى الحق والصواب فضلا عن ان تهديه اليه والخطاب لكل من يصلح له كائنا من كان(2/307)
وكان صلى الله عليه وسلم يضرب مثلا للمؤمنين والمنافقين والكافرين كمثل رهط ثلاثة رفعوا الى نهر فقطعه المؤمن ووقف الكافر ونزل فيه المنافق حتى إذا توسط عجز فناداه الكافر هلم الى لا تغرق وناداه المؤمن هلم الى لتخلص فما زال المنافق يتردد بينهما إذ اتى عليه ماء فغرقه فكان المنافق لم يزل فى شك حتى يأتيه الموت
اى كه دارى نفاق اندر دل ... خار بادت خليده اندر حلق
هر كه سازد نفاق پيشه خويش ... خوار گردد بنزد خالق وخلق
والاشارة إِنَّ الْمُنافِقِينَ
انما يُخادِعُونَ اللَّهَ
فى الدنيا لان الله تعالى وَهُوَ خادِعُهُمْ
فى الأزل عند رش نوره على الأرواح وذلك ان الله خلق الخلق فى ظلمة ثم رش عليهم من نوره فلما رش نوره أصاب أرواح المؤمنين واخطأ أرواح المنافقين والكافرين ولكن الفرق بين المنافقين والكافرين ان أرواح المنافقين رأوا رشاش النور وظنوا انه يصيبهم فاخطأهم وأرواح الكافرين ما شاهدوا ذلك الرشاش ولم يصبهم وكأن المنافقين خدعوا عند مشاهدتهم الرشاش إذ ما أصابهم فمن نتائج مشاهدتهم الرشاش وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ
من نتائج حرمانهم إصابة النور قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ
كيما يرونهم النور وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا
لانهم يذكرونه بلسان الظاهر القالبى لا بلسان الباطن القلبي والقالب من الدنيا وهى قليلة قليل ما فيها والقلب من الآخرة وهى كثيرة كثير ما فيها فالذكر الكثير من لسان القلب كثير والفلاح فى الذكر الكثير لا فى القليل لقوله تعالى اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً اى بلسان القلب لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ولما كان ذكر المنافقين بلسان القالب كان قليلا فما أفلحوا به وانما كان ذكر المنافق بلسان الظاهر لانه رأى رشاش النور ظاهرا من البعد ولم يصبه فلو كان أصابه ذلك النور لكان صدره منشرحا به كما قال تعالى أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ اى على نور ممارش به ربه ومعدن النور هو القلب فكان قلبه ذاكرا لله بذلك النور فانه يصير لسان القلب فقليل الذكر منه يكون كثيرا فافهم جدا فلما كانت أرواح المنافقين مترددة متحيرة بين مشاهدة رشاش النور وبين الظلمة الخلقية لا الى هؤلاء الذين أصابهم النور ولا الى هؤلاء الذين لم يشاهدوا الرشاش لذلك كانوا مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ المؤمنين والكافرين لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ باخطاء ذلك النور كما قال ومن اخطأه فقد ضل فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا هاهنا الى ذلك النور يدل عليه قوله وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ اى ومن لم يجعل الله له قسمة من ذلك النور المرشش عليهم فماله اليوم نصيب من نور الهداية كذا فى التأويلات النجمية اللهم ارزقنا الذكر الكثير واعصمنا من الذنب الصغير والكبير.
يقال حصون المؤمن ثلاثة المسجد وذكر الله وتلاوة القرآن والمؤمن إذا كان فى واحد من ذلك اى من الأشياء الثلاثة فهو فى حصن من الشيطان قال على رضى الله عنه (يأتى على الناس زمان لا يبقى من الإسلام الا اسمه ومن القرآن إلا رسمه يعمرون مساجدهم وهى خراب من ذكر الله تعالى شر اهل ذلك الزمان علماؤهم منهم تخرج الفتنة وإليهم تعود: قال السعدي قدس سره(2/308)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)
كنون بايدت عذر تقصير گفت ... نه چون نفس ناطق ز گفتن بخفت
اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين آمين يا معين يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ اى لا تتشبهوا بالمنافقين فى اتخاذهم اليهود وغيرهم من اعداء الإسلام أحباء قوله من دون المؤمنين حال من فاعل لا تتخذوا اى متجاوزين ولاية المؤمنين أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً اى أتريدون بذلك ان تجعلوا لله عليكم حجة بينة على انكم منافقون فان موالاتهم أوضح ادلة النفاق فالسلطان هو الحجة يقال للامير سلطان يراد بذلك انه حجة ويجوز ان يكون بمعنى الوالي والمعنى حينئذ أتريدون ان تجعلوا سلطانا كائنا عليكم واليا امر عقابكم مختصا لله تعالى مخلوقا له منقادا لامره إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ هو الطبقة التي فى قعر جهنم وهى الهاوية والنار سبع دركات سميت بذلك لانها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض والدركات فى النار مثل الدرجات فى الجنة كل ما كان من درجات الجنة أعلى فثواب من فيه أعظم وما كان من دركات النار أسفل فعقاب من فيه أشد. وسئل ابن مسعود عن الدرك الأسفل فقال هو توابيت من حديد مبهمة عليهم لا أبواب لها. فان قلت لم كان المنافق أشد عذابا من الكافر. قلت لانه مثله فى الكفر وضم الى كفره الاستهزاء بالدين والخداع للمسلمين فالمنافقون أخبث الكفرة. فان قلت من المنافق.
قلت هو فى الشريعة من اظهر الايمان وابطن الكفر واما تسمية من ارتكب ما يفسق به بالمنافق فللتغليظ والتهديد والتشبيه مبالغة فى الزجر كقوله من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر ومنه قوله عليه الصلاة والسلام (ثلاث من كن فيه فهو منافق وان صام وصلى وزعم انه مسلم من إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا ائتمن خان) وقيل لحذيفة رضى الله عنه من المنافق فقال الذي يصف الإسلام ولا يعمل به. وعن الحسن اتى على النفاق زمان وهو مقروع فيه فاصبح قد عمم وقلد واعطى سيفا يعنى الحجاج. قال عمر بن عبد العزيز لو جاءت كل امة بمنافقيها وجئنا بالحجاج فضلناهم. وعن عبد الله بن عمر ان أشد الناس عذابا يوم القيامة ثلاثة المنافقون ومن كفر من اصحاب المائدة وآل فرعون قال الله تعالى فى اصحاب المائدة فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ وقال فى حق المنافقين إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وقال أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ قيل لا يمتنع ان يجتمع القوم فى موضع واحد ويكون عذاب بعضهم أشد من بعض ألا ترى ان البيت الداخل فى الحمام يجتمع فيه الناس فيكون بعضهم أشد أذى بالنار لكونه ادنى الى موضع الوقود وكذلك يجتمع القوم فى القعود فى الشمس وتأذى الصفراوي أشد واكثر من تأذى السوداوي والمنافق فى اللغة مأخوذ من النفق وهو السرب اى يستتر بالإسلام كما يستتر الرجل بالسرب وقيل هو ماخوذ من قولهم نافق اليربوع إذا دخل نافقاءه فاذا طلب من النافقاء خرج من القاصعاء وإذا طلب من القاصعاء خرج من النافقاء والنافقاء والقاصعاء حجر اليربوع وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً اى مانعا يمنع عنهم العذاب ويخرجهم من الدرك الأسفل من النار والخطاب لكل من يصلح له كائنا من كان إِلَّا الَّذِينَ تابُوا اى عن النفاق هو استثناء من المنافقين(2/309)
بل من ضميرهم فى الخبر وَأَصْلَحُوا ما أفسدوا من أحوالهم من حال النفاق بإتيان ما حسنه الشرع من افعال القلوب والجوارح وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ اى وثقوا به وتمسكوا بدينه وتوحيده وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ اى جعلوه خالصا لِلَّهِ لا يبتغون بطاعتهم الا وجهه فَأُولئِكَ الموصوفون بما ذكر من الصفات الحميدة مَعَ الْمُؤْمِنِينَ اى المؤمنين المعهودين الذين لا يصدر عنهم نفاق أصلا والا فهم ايضا مؤمنون اى معهم فى الدرجات العالية من الجنة لا يضرهم النفاق السابق وقد بين ذلك بقوله تعالى وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً لا يقادر قدره فيشاركونهم فيه ويساهمونهم وسوف كلمة ترجئة واطماع وهى من الله سبحانه إيجاب لانه أكرم الأكرمين ووعد الكريم انجاز وانما حذفت الياء من يؤتى فى الخط كما حذفت فى اللفظ لسكونها وسكون اللام فى اسم الله وكذلك سندع الزبانية ويدع الداع. واعلم ان الكافر وان أفسد برين الكفر صفاء روحه ولكن ما أضيف الى رين كفره رين النفاق فكان لرين كفره منفذ من القلب الى اللسان فيخرج بخاره من لسانه بإظهار الكفر وكان للمنافق مع رين كفره رين النفاق زائدا ولم يكن لبخار رينه منفذ الى لسانه فكان بخارات رين الكفر ورين النفاق تنفذ من منفذ قلبه الذي هو الى عالم الغيب فتراكم حتى انسد منفذ قلبه بها وختم عليه بإفساد كلية الاستعداد من صفاء الروحانية فلم يتفق له الخروج عن هذا الأسفل ولا ينصره نصير بإخراجه لانه محذول بعيد من الحق فى آخر الصفوف وقال تعالى إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ يعنى فى خلق أرواحكم فى صف أرواح المؤمنين فَلا غالِبَ لَكُمْ بان يردكم الى صف أرواح الكافرين وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ بان يخلق أرواحكم فى صف أرواح الكافرين فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ بان يخرجكم الى صف المؤمنين ثم استثنى منهم من كان كفره ونفاقه عارية وروحه فى اصل الخلقة خلقت فى صف المؤمنين ثم بأدنى مناسبة فى المحاذاة بين روحه وأرواح الكافرين والمنافقين ظهر عليه من نتائجها موالاة معلولة من القوم أياما معدودة فما أفسدت صفاء روحانيته بالكلية وما انسد منفذ قلبه الى عالم الغيب فهب له من مهب العناية نفحات الطاف الحق ونبه من نومة الغفلة ونبئ بالرجوع الى الحق بعد التمادي فى الباطل ونودى فى سره بان لا نصير لمن اختار الأسفل ولا يخرج منه إِلَّا الَّذِينَ تابُوا اى ندموا على ما
فعلوا ورجعوا عن تلك المعاملات الرديئة وَأَصْلَحُوا ما أفسدوا من حسن الاستعداد وصفاء الروحانية بترك الشهوات النفسانية والحظوظ الحيوانية وَاعْتَصَمُوا حبل اللَّهُ استعانة على العبودية وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فى الطلب لا يطلبون منه الا هو ثم قال من قام بهذه الشرائط فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ يعنى فى صف أرواحهم خلق روحه لا فى صف أرواح الكافرين وسوف يؤتى الله المؤمنين التأبين ويتقرب إليهم على قضية من تقرب الى شبرا تقربت اليه ذراعا ومن تقرب الى ذراعا تقربت اليه باعا ومن أتاني يمشى أتيته اهرول وهذا هو الذي سماه أَجْراً عَظِيماً والله العظيم كذا فى التأويلات النجمية: قال السعدي قدس سره
خلاف طريقت بود كاوليا ... تمننا كنند از خدا جز خدا(2/310)
مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147) لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148) إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152)
ما استفهامية بمعنى النفي فى محل النصب بيفعل اى أي شىء يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ الباء سببية متعلقة بيفعل اى بتعذيبكم إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ اى أيتشفى به من الغيظ أم يدرك به الثأر أم يستجلب به نفعا أم يستدفع به ضررا كما هو شأن الملوك اى لا يفعل بعذاب المؤمن الشاكر شيأ من ذلك لان كل ذلك محال فى حقه تعالى لانه تعالى غنى لذاته عن الحاجات منزه عن جلب المنفعة ودفع المضرة واما تعذيب من لم يؤمن او آمن ولم يشكر فليس لمصلحة تعود اليه تعالى بل لاستدعاء حال المكلف ذلك كاستدعاء سوء المزاج المرض والمقصود منه حمل المكلفين على الايمان وفعل الطاعات والاحتراز عن القبيح وترك المنكرات فكأنه قيل إذا أتيتم الحسنات وتركتم المنكرات فكيف يليق بكرمه ان يعذبكم وتعذيبه عباده لا يزيد فى ملكه وتركه عقوبتهم على فعلهم القبيح لا ينقص من سلطانه وجواب ان شكرتم محذوف لدلالة ما قبله عليه اى ان شكرتم وآمنتم فما يفعل بعذابكم. والشكر ضد الكفر والكفر ستر النعمة فالشكر إظهارها وانما قدم الشكر على الايمان مع ان الايمان مقدم على سائر الطاعات ولاثبات مع عدم الايمان لما انه طريق موصل اليه فان الناظر يدرك اولا ما عليه من النعم الانفسية والآفاقية فيشكر شكرا مبهما ثم يترقى الى معرفة المنعم بعد إمعان النظر فى الدلائل الدالة على ثبوته ووحدته فيؤمن به وَكانَ اللَّهُ شاكِراً الشكر من العبد هو الاعتراف بالنعمة الواصلة اليه مع ضروب من التعظيم ومن الله تعالى الرضى اى راضيا باليسير من طاعة عباده وأضعاف الثواب مقابلة واحدة الى عشرة الى سبعمائة الى ما شاء من الأضعاف عَلِيماً بحق شكركم وايمانكم فيستحيل ان لا يوفيكم أجوركم فينبغى لطالب الحق ان يخضع له خضوعا تاما ويشكره شكرا كثيرا. قال الجرجاني فى قوله تعالى لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ اى لئن شكرتم القرب لأزيدنكم الانس. وعن على رضى الله عنه إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر معناه من لم يشكر النعم الحاصلة لديه الواصلة اليه حرم النعم الفائتة منه القاصية عنه
چون بيابى تو نعمتى در چند ... خرد باشد چونقطه موهوم
شكر آن يافته فرو مگذار ... كه زنا يافته شوى محروم
فبالشكر والايمان يتخلص المرء من النيران والا فقد عرض نفسه للعذاب واستحق العذاب والعتاب وجه التعذيب ان التأديب فى الحكمة واجب فخلق الله النار ليعلم الخلق قدر جلال الله وكبريائه وليكونوا على هيبة وخوف من صنع جلاله ويؤدب بها من لم يتأدب بتأديب رسله الى خلقه وليعتبر اهل العقل بالنظر إليها فى الدنيا وبالاستماع لها فى الآخرة ولهذا السر علق النبي عليه السلام السوط حيث يراه اهل البيت لئلا يتركوا الأدب- روى- ان الله تعالى قال لموسى عليه السلام [ما خلقت النار بخلا منى ولكن اكره ان اجمع أعدائي وأوليائي فى دار واحدة] وادخل الله بعض عصاة المؤمنين النار ليعرفوا قدر الجنة ومقدار ما دفع الله عنهم من عظيم النقمة لان تعظيم النعمة واجب فى الحكمة. والاشارة فى الآية ان الله تعالى يذكر للعباد المؤمنين نعما من نعمه السالفة السابقة. منها إخراجهم من العدم(2/311)
لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148) إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149)
ببديع فطرته. ومنها انه خلق أرواحهم قبل خلق الأشياء. ومنها انه خلق أرواحهم نورانية بالنسبة الى خلق أجسادهم الظلمانية. ومنها ان أرواحهم لما كانت بالنسبة الى نور القدم ظلمانية رش عليهم من نور القدم. ومنها انه لما اخطأ بعض الأرواح ذلك النور وهو أرواح الكفار والمنافقين وقد أصاب أرواح المؤمنين قال ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ هذه النعم التي أنعمت بها عليكم من غير استحقاق منكم فانكم ان شكرتم هذه النعم برؤيتها ورؤية المنعم وَآمَنْتُمْ فقد أمنتم بي ونجوتم من عذابى وهو ألم الفراق فان حقيقة الشكر رؤية المنعم والشكر على وجود المنعم ابلغ من الشكر على وجود النعم وقال واشكروا لى اى اشكروا لوجودى وَكانَ اللَّهُ فى الأزل شاكِراً لوجوده ومن شكر لوجوده أوجد الخلق بجوده عَلِيماً بمن يشكره وبمن يكفره فاعطى جزاء شكر الشاكرين قبل شكرهم لان الله شكور واعطى جزاء كفر الكافرين قبل كفرهم لان الكافر كفور كذا فى التأويلات النجمية- تمت الجزء الخامس- الجزء السادس من الاجزاء الثلاثين لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ عدم محبته تعالى لشىء كناية عن سخطه والباء متعلقة بالجهر ومن بمحذوف وقع حالا من السوء اى لا يحب الجهر من أحد فى حق غيره بالسوء كائنا من القول إِلَّا مَنْ ظُلِمَ اى الأجهر المظلوم فان المظلوم له ان يجهر برفع صوته بالدعاء على من ظلمه او يذكر ما فيه من السوء تظلما منه مثل ان يذكر انه شرق متاعى او غصبه منى وقيل هو ان يبدأ بالشتيمة فيرد على الشاتم يعنى لو شتمه أحد ابتداء فله ان يرد على شاتمه اى جاز ان يشتمه بمثله ولا يزيد عليه وقيل ان رجلا ضاف قوما اى أتاهم ضيفا فلم يطعموه فاشتكاهم فعوتب على الشكاية فنزلت وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً لكلام المظلوم عَلِيماً بحال الظالم إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أي خير كان من الأقوال والافعال أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ لكم المؤاخذة عليه وهو المقصود وذكر إبداء الخير واخفائه تمهيد وتوطئة له ولذلك رتب عليه قوله فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً فان إيراده فى معرض جواب الشرط يدل على ان العمدة هو العفو مع القدرة اى كان مبالغا فى العفو عن العصاة مع كمال قدرته على المؤاخذة والانتقام فعليكم ان تقتدوا بسنة الله وهو حث المظلوم على العفو بعد ما رخص له فى الانتصار والانتقام حملا على مكارم الأخلاق. وعن على رضى الله عنه لا تتفرد دفع انتقام
صولت انتقام از مردم ... دولت مهترى كند باطل(2/312)
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150)
از ره انتقام يكسو شو ... تا نمانى بمهترى عاطل
واعلم ان الله تعالى لا يحب اظهار الفضائح والقبائح الا فى حق ظالم عظم ضرره وكثر كيده ومكره فعند ذلك يجوز اظهار فضائحه ولهذا قال عليه السلام (اذكروا الفاسق بما فيه كى يحذره الناس) وورد فى الأثر (ثلاثة ليست لهم الغيبة الامام الجائر والفاسق المعلن بفسقه والمبتدع الذي يدعو الناس الى بدعته) ثم ان اكثر السوء قولى فان اللسان صغير الجرم كبير الجرم وفى الحديث (البلاء موكل بالمنطق) - يحكى- ان ابن السكيت جلس مع المتوكل يوما فجاء المعتز والمؤيد ابنا المتوكل فقال أيما أحب إليك ابن اى أم الحسن والحسين قال والله ان قنبر خادم على رضى الله عنه خير منك ومن ابنيك فقال سلوا لسانه من قفاه ففعلوا فمات ومن العجب انه انشد قبل ذلك للمعتز والمؤيد وكان يعلمهما فقال
يصاب الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يصاب المرء من عثرة الرجل
فعثرته فى القول تذهب رأسه ... وعثرته فى الرجل تبرا على مهل
وفى المثنوى
اين زبان چون سنك وهم آهن وشست ... آنچهـ بجهد از زبان چون آتشست
سنك وآهن را مزن بر هم گزاف ... گه ز روى نقل وگه از روى لاف
زانكه تاريكست وهر سو پنبه زار ... در ميان پنبه چون باشد شرار
عالمى را يك سخن ويران كند ... روبهان مرده را شيران كند
والاشارة فى الآية لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ من العوام ولا التحدث مع النفس من الخواص ولا الخطرة التي تخطر بالبال من الأخص إِلَّا مَنْ ظُلِمَ بمعاصي دواعى البشرية من غير اختيار او بابتلاء من اضطرار. وايضا لا يحب الجهر بالسوء من القول بإفشاء اسرار الربوبية واسرار مواهب الالوهية الا من ظلم بغلبات الأحوال وتعاقب كؤوس عقار الجمال والجلال فاضطر الى المقال فقال باللسان الباقي لا باللسان الفاني انا الحق سبحانى وَكانَ اللَّهُ فى الأزل سَمِيعاً لمقالهم قبل إبداء حالهم عَلِيماً بأحوالهم ثم قال إِنْ تُبْدُوا خَيْراً يعنى مما كوشفتم به من الطاف الحق تنبيها للحق وإفادة لهم بالحق أَوْ تُخْفُوهُ صيانة لنفوسكم عن آفات الشوائب وأخذا بخطامها عن المشارب أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ مما يدعوكم اليه هوى النفس الامارة بالسوء او تتركوا إعلان ما جعل الله إظهاره سوأ فان الله كان عفوا فيكون عفوا متخلقا بأخلاقه متصفا بصفاته وايضا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ فى الأزل عَفُوًّا عنك بان لم يجعلك من المخذولين حتى صرت عفوا عما سواه وكان هو قَدِيراً على خذلانك حتى يقدر على ان لا يعفو عن مثقال ذرة لكفرانك ان الإنسان لظلوم كفار كذا فى التأويلات النجمية إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ اى يؤدى اليه مذهبهم ويقتضيه رأيهم لا انهم يصرحون بذلك كما ينبىء عنه قوله تعالى وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ اى بان يؤمنوا به تعالى ويكفروا بهم لكن لا بان يصرحوا بالايمان به تعالى وبالكفر بهم قاطبة بل بطريق الالتزام كما يحكيه قوله تعالى وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ(2/313)
أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152)
اى نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعضهم كما قالت اليهود نؤمن بموسى والتوراة وعزير ونكفر بما وراء ذلك وما ذلك الا كفر بالله تعالى ورسله وتفريق بين الله ورسله فى الايمان لانه تعالى قد أمرهم بالايمان بجميع الأنبياء وما من نبى من الأنبياء الا وقد اخبر قومه بحقية دين نبينا صلى الله عليه وسلم فمن كفر بواحد منهم كفر بالكل وبالله تعالى ايضا من حيث لا يحتسب وَيُرِيدُونَ بقولهم ذلك أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا اى طريقا وسطا بين الايمان والكفر ولا واسطة بينهما قطعا إذا لحق لا يختلف فان الايمان بالله انما يتم بالايمان برسله وتصديقهم فيما بلغوا عنه تفصيلا واجمالا فالكافر ببعض كالكافر بالكل فى الضلال كما قال فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ أُولئِكَ الموصوفون بالصفات القبيحة هُمُ الْكافِرُونَ اى الكاملون فى الكفر لا عبرة بما يدعونه ويسمونه ايمانا أصلا حَقًّا مصدر مؤكد لمضمون الجملة اى حق ذلك اى كونهم كاملين فى الكفر حقا او صفة لمصدر الكافرون اى هم الذين كفروا كفرا حقا اى يقينا محققا لا شك فيه وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً سيذوقونه عند حلوله ويهانون فيه ثم انه تعالى لما ذكر وعيد الكفار اتبعه بذكر وعد المؤمنين فقال وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ بان يؤمنوا ببعضهم ويكفروا بآخرين كما فعله الكفرة وانما دخل بين على أحد وهو يقتضى متعددا لعمومه من حيث انه وقع فى سياق النفي فهو بمنزلة ولم يفرقوا بين اثنين او بين جماعة أُولئِكَ المنعوتون بالنعوت الجليلة المذكورة سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ اى الله تعالى أُجُورَهُمْ الموعودة لهم وسمى الثواب اجرا لان المستحق كالاجرة وسوف لتأكيد الوعد اى الموعود الذي هو الإيتاء والدلالة على انه كائن لا محالة وان تأخر وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً لما فرط منهم رَحِيماً مبالغا فى الرحمة عليهم بتضعيف حسناتهم. والآية الاولى تدل على ان الايمان لا يحصل بزعم المرء وحسبانه انه مؤمن وانما يحصل بحصول شرائطه ونتائجه منه فمن نتائجه ما ذكر فى الآية الثانية من عدم التفريق بين الرسل ومن نتائجه القبول من الله والجزاء عليه فمن اخطأه النور عند الرش على الأرواح فقد كفر كفرا حقيقيا ولذلك سماهم الله فى الكفر حقا ومن أصابه النور عند ذلك فقد آمن ايمانا حقيقيا ولذلك لا ينفع الاول توسط الايمان كما لا يضر الثاني توسط العصيان: قال السعدي قدس سره
قضا گشتى آنجا كه خواهد برد ... وگر ناخدا جامه بر تن درد
- يحكى- انه كان شاب حسن الوجه وله احباب وكانوا فى الاكل والشرب والتنعم والتلذذ فنفدت دراهمهم فاجتمعوا يوما واجمعوا على ان يقطعوا الطريق فخرجوا الى طريق وترقبوا القافلة فلم يمر أحد من هذا الطريق الى ثلاثة ايام ورأى الشاب شيخا قال له يا ولدي ليس هذا صنعتك فاستغفر الله تعالى فان طلبتنى فانا اقرأ القرآن فى جامع السيد البخاري ببروسة فاحترق قلب الشاب من تأثير الكلام فقال لرفقائه لوتبعتم رأيى تعالوا نروح الى بروسة ونتجسس عن بعض التجار فنخرج خلفهم فنأخذ أموالهم فقبلوا قوله فلما جاؤا الى بروسة قال لهم تعالوا نصل فى جامع السيد البخاري وندع عنده ليحصل مرادنا فلما جاء الى الجامع ورأى الشيخ هناك يقرأ القرآن سقط على رجله وتاب وبقي عنده سنتين ثم بعد السنتين أرسله هذا(2/314)
يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (153) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (154) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)
الشيخ الى حضرة الشيخ اق شمس الدين فرباه وصار كاملا بعد ان كان مؤمنا ناقصا قاطع الطريق ولذا ينظر الى الخاتمة ولكن حسن العاقبة من سبق العناية فى البداية اللهم اجعلنا من المهديين آمين يا معين. واعلم ان الايمان والتوحيد هو اصل الأصول وهو وان كان لا يزيد ولا ينقص عند الامام الأعظم الا ان نوره يزيد بالطاعات وينقص بالسيئات فينبغى لطالب الحق ان يراعى احكام الشريعة وآداب الطريقة ليتقوى جانب روحانيته فان أنوار الطاعات كالاغذية النفيسة للارواح خصوصا نور التوحيد والذكر ولذكر الله اكبر وهو العمدة فى تصفية الباطن وطهارته. قال سيد الطائفة الجنيد قدس سره الأدب أدبان فادب السر طهارة القلب وادب العلانية حفظ الجوارح من الذنوب فعليك بترك الشرور والايمان الكامل بالله الغفور حتى تنال الاجر الموفور والسرور فى دار الحضور: قال الصائب
از زاهدان خشك رسايى طمع مدار ... سيل ضعيف واصل دريا نميشود
فلا بد من العشق فى طريق الحق ليصل الطالب الى السر المطلق ومجرد الامنية منية والسفينة لا تجرى على اليبس كما قالت رابعة يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ نزلت فى أحبار اليهود حين قالوا لرسول الله عليه السلام ان كنت نبيا صادقا فائتنا بكتاب من السماء جملة كما اتى به موسى عليه السلام وقيل كتابا محررا بخط سماوى على الواح كما نزلت التوراة فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ جواب شرط مقدراى ان استكبرت ما سألوه منك واستعظمت فقد سألوا موسى شيأ اكبر منه وأعظم وهذا السؤال وان صدر عن أسلافهم لكنهم لما كانوا مقتدين بهم فى كل ما يأتون وما يذرون أسند إليهم والمعنى ان لهم فى ذلك عرقا راسخا وان ما اقترحوا عليك ليس باول جهالتهم فَقالُوا الفاء تفسيرية أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً اى أرناه جهرة اى عيانا. والجهر حقيقة فى ظهور الصوت لحاسة السمع ثم استعير لظهور المرئي بحاسة البصر ونصبها على المصدر لان المعاينة نوع من الرؤية وهم النقباء السبعون الذين كانوا مع موسى عليه السلام عند الجبل حين كلمه الله تعالى سألوه ان يروا ربهم رؤية يدركونها بأبصارهم فى الدنيا فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ نار جاءت من السماء فاحرقتهم بِظُلْمِهِمْ اى بسبب ظلمهم وهو تعنتهم وسؤالهم لما يستحيل فى تلك الحال التي كانوا عليها وذلك لا يقتضى امتناع الرؤية مطلقا. وفى التأويلات النجمية فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً وما طلبوا الرؤية على موجب التعظيم او على موجب التصديق ولا حملهم عليها شدة الاشتياق او الم الفراق كما كان لموسى عليه السلام حين قال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ولعل خرة موسى فى جواب لَنْ تَرانِي كانت من شؤم القوم وما كان لنفسهم من سوء ادب هذا السؤال لئلا يطمعوا فى مطلوب لم يعطه نبيهم فما اتعظوا بحال نبيهم لانهم كانوا أشقياء والسعيد من وعظ بغيره حتى أدركتهم الشقاوة الازلية فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ بان طمعوا فى فضيلة وكرامة ما كانوا مستحقيها ومن طبع كافرا ولو يرى الله جهرة فانه لا يؤمن به ومن طبع مؤمنا عند رشاش النور باصابته فانه يؤمن بنبي لم يره وكتاب لم يقرأه بغير معجزة او بينة كما كان الصديق رضى الله عنه حين قال النبي صلى الله عليه وسلم له (بعثت) فقال صدقت وكما كان حال اويس القرني فانه لم ير(2/315)
وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (154) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155)
النبي عليه السلام ولا المعجزة وقد آمن به ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ اى عبدوه واتخذوه الها مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ اى المعجزات التي أظهرت لفرعون من العصا واليد البيضاء وفلق البحر ونحوها لا التوراة لانها لم تنزل عليهم بعد وهذه هى الجناية الثانية التي اقترفها ايضا اوائلهم فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ اى تجاوزنا عنهم بعد توبتهم مع عظم جنايتهم وجريمتهم ولم نستأصلهم وكانوا أحقاء به. قيل هذا استدعاء لهم الى التوبة كأنه قيل ان أولئك الذين أجرموا تابوا فعفونا عنهم فتوبوا أنتم ايضا حتى نعفو عنكم. ودلت الآية على سعة رحمة الله ومغفرته وتمام نعمته ومنته وانه لا جريمة تضيق عنها مغفرة الله وفى هذا منع من القنوط وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً اى تسلطا واستيلاء ظاهرا عليهم حيث أمرهم بان يقتلوا أنفسهم توبة عن معصيتهم فاختبأوا بأفنيتهم والسيوف تتساقط عليهم فياله من سلطان مبين وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ الباء سببية متعلقة بالرفع. والمعنى لاجل ان يعطوا الميثاق لقبول الدين- روى- ان موسى عليه السلام لما جاءهم بالتوراة فرأوا ما فيها من التكاليف الشاقة كبرت عليهم فابوا قبولها فامر جبرائيل عليه السلام بقلع الطور فظلله عليهم حتى قبلوا فرفع عنهم وَقُلْنا لَهُمُ على لسان موسى والطور مشرف عليهم ادْخُلُوا الْبابَ اى باب القرية وهى أريحا على ما روى من انهم دخلوا أريحا فى زمن موسى عليه السلام او باب القبة التي كانوا يصلون إليها فانهم لم يدخلو بيت المقدس فى حياة موسى سُجَّداً اى متطامنين منحنين شكرا على إخراجهم من التيه فدخلوها زحفا وبدلوا ما قيل لهم وَقُلْنا لَهُمُ على لسان داود لا تَعْدُوا اى لا تظلموا باصطياد الحيتان يقال عدا يعدو عدوا واعداء وعدوانا اى ظلم وجاوز الحد والأصل لا تعدووا بواوين الاولى لام الكلمة والثانية ضمير الفاعل صار بالاعلال على وزن لا تفعوا فِي يوم السَّبْتِ وكان يوم السبت يوم عبادتهم فاعتدى فيه أناس منهم فاشتغلوا بالصيد وَأَخَذْنا مِنْهُمْ على الامتثال بما كلفوه مِيثاقاً غَلِيظاً اى عهدا مؤكدا غاية التأكيد وهو قولهم سمعنا واطعنا قيل انهم اعطوا الميثاق على انهم ان هموا بالرجوع عن الدين فالله تعالى يعذبهم بأى انواع العذاب أراد فَبِما ما مزيدة للتأكيد نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ اى فبسبب نقضهم ميثاقهم ذلك فعلنا بهم ما فعلنا من اللعن والمسخ وغيرهما من العقوبات النازلة عليهم او على أعقابهم فالباء متعلقة بفعل محذوف وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ اى بالقرآن او بما فى كتابهم عندهم وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ كذكريا ويحيى عليهما السلام وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ جمع اغلف اى هى مغشاة بأغشية جبلية لا يكاد يصل إليها ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام ولا تفقه ما يقوله او هو تخفيف غلف بضم الغين واللام جمع غلاف اى هى اوعية للعلوم فنحن مستغنون بما عندنا عن غيره بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ كلام معترض بين المعطوفين جيىء به على وجه الاستطراد مسارعة على زعمهم الفاسد اى ليس كفرهم وعدم وصول الحق الى قلوبهم لكونها غلفا بحسب الجبلة بل الأمر بالعكس حيث ختم الله عليها بسبب كفرهم وليست قلوبهم كما زعموا بل هى مطبوع عليها بسبب كفرهم فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا منهم كعبد الله بن سلام واضرابه(2/316)
وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157)
أو ايمانا قليلا لا يعبأبه لنقصانه وهو ايمانهم ببعض الرسل والكتب دون بعض او بالايمان الغير المعتبر لا يجب ان يسموا مؤمنين فهم كافرون حقا. واعلم ان نقض الميثاق صار سببا لغضب الخلاق فعلى المؤمن ان يراعى احكام عهده وميثاقه ليسلم من البلاء. وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال اقبل علينا رسول الله فقال (يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله ان تدركوهن لم تظهر الفاحشة فى قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت فى أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا الكيل والميزان الا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذ بعض ما فى أيديهم وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا فيما انزل الله الا جعل الله بأسهم بينهم: قال فى المثنوى
سوى لطف بي وفايان هين مرو ... كان پل ويران بود نيكو شنو «1»
نقض ميثاق وعهود از بندگيست ... حفظ ايمان ووفا كار تقيست «2»
جرعه بر خاك وفا آنكس كه ريخت ... كى تواند صيد دولت زو گريخت «3»
وَبِكُفْرِهِمْ عطف على قولهم اى عاقبنا اليهود بسبب كذا وكذا وبسبب كفرهم بعيسى ايضا وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً يعنى نسبتها الى الزنى وبهتانا منصوب على انه مفعول به نحو قال شعرا او على المصدر الدال على النوع نحو جلست جلسة فان القول قد يكون بهتانا وغير بهتان وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وصفهم له عليه الصلاة والسلام برسول الله انما هو بطريق الاستهزاء به كما فى قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ فانهم على عداوته وقتله فكيف يقولون فى حقه انه رسول الله ونظم قولهم هذا فى سلك سائر جناياتهم ليس لمجرد كونه كذبا بل لتضمنه لا بتهاجهم وفرحهم بقتل النبي والاستهزاء به وَما اى والحال انهم ما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ اى وقع لهم التشبيه بين عيسى والمقتول فالفعل مسند الى الجار والمجرور نحو خيل اليه وليس عليه- روى- ان رهطا من اليهود سبوه بان قالوا هو الساحر ابن الساحرة والفاعل ابن الفاعلة فقذفوه وامه فلما سمع عليه الصلاة والسلام ذلك دعا عليهم فقال [اللهم أنت ربى وانا من روحك خرجت وبكلمتك خلقتنى ولم آتهم من تلقاء نفسى اللهم فالعن من سبنى وسب أمي] فاستجاب الله دعاءه ومسخ الذين سبوه وسبوا امه قردة وخنازير فلما رأى ذلك يهودا رأس القوم وأميرهم فزع لذلك وخاف دعوته عليه ايضا فاجتمعت كلمة اليهود على قتل عيسى عليه السلام فبعث الله تعالى جبريل فاخبره بانه يرفعه الى السماء فقال لاصحابه أيكم يرضى بان يلقى عليه شبهى فيقتل ويصلب ويدخل الجنة فقال رجل منهم انا فالقى الله عليه شبهه فقتل وصلب. وقيل كان رجل ينافق عيسى عليه السلام فلما أرادوا قتله قال انا أدلكم عليه فدخل بيت عيسى فرفع عليه السلام والقى شبهه على المنافق فدخلوا عليه فقتلوه وهم يظنون انه عيسى وقيل ان ططيانوس اليهودي دخل بيتا كان هو فيه فلم يجده فالقى الله تعالى شبهه عليه فلما خرج ظنوا انه عيسى فاخذ وقتل ثم صلب وأمثال هذه الخوارق لا يستبعد فى عصر النبوة. وقال كثير من المتكلمين ان اليهود لما قصدوا قتلة رفعه الله الى السماء
__________
(1) در اواخر دفتر دوم در ميان قصه منافقان ومسجد ضرار ساختن ايشان
(2) لم أجد بعينه فى المثنوى لكن المذكور فى اواسط دفتر پنجم در بيان مائده عيسى كه إلخ: نقض ميثاق وشكست نوبها. موجب لعنت بود ور انتها
(3) در أوائل دفتر پنجم در بيان معنى آيه لقد خلقنا الإنسان فى احسن تقويم إلخ [.....](2/317)
بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)
فخاف رؤساء اليهود من وقوع الفتنة بين عوامهم فاخذوا إنسانا وقتلوه وصلبوه ولبسوا على الناس انه هو المسيح والناس ما كانوا يعرفون المسيح الا بالاسم لما كان قليل المخالطة مع الناس فبهذا الطريق اندفع ما يقال إذا جاز ان يقال ان الله تعالى يلقى شبه انسان على انسان آخر فهذا يفتح باب السفسطة حيث يجوز ان يقال إذا رأينا زيدا لعله ليس بزيد ولكنه شخص آخر القى شبه زيد عليه وعند ذلك لا يبقى الطلاق والنكاح والملك موثوقا به. لا يقال ان النصارى ينقلون عن أسلافهم انهم شاهدوه مقتولا. لانا نقول ان تواتر النصارى ينتهى الى أقوام قليلين لا يبعد اتفاقهم على الكذب كذا فى تفسير الامام الرازي وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ اى فى شأن عيسى عليه السلام فانه لما وقعت تلك الواقعة اختلف الناس. فقال بعضهم ان كان هذا المقتول عيسى فاين صاحبنا وان كان صاحبنا فاين عيسى. وقال بعضهم الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا فان الله تعالى لما القى شبه عيسى على المقتول ألقاه على وجهه دون جسده وقال من سمع منه ان الله يرفعنى الى السماء انه رفع الى السماء. وقيل ان الذين اختلفوا فيه هم النصارى فقال قوم منهم انه ما قتل وما صلب بل رفعه الله السماء. وقال قوم منهم ان اليهود قتلوه فزعمت النسطورية ان المسيح صلب من جهة ناسوته اى جسمه وهيكله المحسوس لامن جهة لا هوته اى نفسه وروحه. واكثر الحكماء يختارون ما يقرب من هذا القول قالوا لانه ثبت ان الإنسان ليس عبارة عن هذا الهيكل بل هو اما جسم لطيف فى هذا البدن واما جوهر روحانى مجرد فى ذاته وهو مدبر فى هذا البدن والقتل انما ورد على هذا الهيكل واما النفس التي هى فى الحقيقة عيسى فالقتل ما ورد عليها. لا يقال كل انسان كذلك فما وجه التخصيص. لانا نقول ان نفسه كانت قدسية علوية سماوية شديدة الاشراق بالأنوار الالهية عظيمة القرب من أرواح الملائكة والنفس متى كانت كذلك لم يعظم تألمها بسبب القتل وتخريب البدن ثم انها بعد الانفصال عن ظلمة البدن تتخلص الى فسحة السموات وأنوار عالم الجلال فتعظم بهجتها وسعادتها هناك ومعلوم ان هذه الأحوال غير حاصلة لكل الناس وانما تحصل لا شخاص قليلين من مبدأ خلق آدم الى قيام الساعة. وزعمت الملكانية من النصارى ان القتل والصلب وصل الى اللاهوت بالاحساس والشعور لا بالمباشرة.
وزعمت اليعقوبية منهم ان القتل والصلب وقعا بالمسيح الذي هو جوهر متولد من جوهرين لَفِي شَكٍّ مِنْهُ اى لفى تردد والشك كما يطلق على ما لم يترجح أحد طرفيه يطلق على مطلق التردد وعلى ما يقابل العلم ولذلك أكد بقوله تعالى ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ استثناء منقطع لان اتباع الظن ليس من جنس العلم والمعنى لكنهم يتبعون الظن وَما قَتَلُوهُ قتلا يَقِيناً كما زعموا بقولهم انا قتلنا المسيح فيقينا نعت مصدر محذوف على ان يكون فعيلا بمعنى المفعول وهو المتيقن بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ رد وانكار لقتله واثبات لرفعه. قال الحسن البصري اى الى السماء التي هى محل كرامة الله تعالى ومقر ملائكته ولا يجرى فيها حكم أحد سواه فكان رفعه الى ذلك الموضع رفعا اليه تعالى لانه رفع عن ان يجرى عليه حكم العباد ومن هذا القبيل قوله تعالى وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وكانت الهجرة الى المدينة وقوله إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي اى الى موضع لا يمنعنى أحد من عبادة ربى والحكمة فى الرفع انه تعالى أراد به صحبة(2/318)
الملائكة ليحصل لهم بركته لانه كلمة الله وروحه كما حصل للملائكة بركة صحبة آدم ابى البشر من تعلم الأسماء والعلم وان مثل عيسى عند الله كمثل آدم كما ذكر فى الآية. وقيل رفع الى السماء لما لم يكن دخوله الى الوجود الدنيوي من باب الشهوة وخروجه لم يكن من باب المنية بل دخل من باب القدرة وخرج من باب العزة وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً لا يغالب فيما يريده فعزة الله تعالى عبارة عن كان قدرته فان رفع عيسى عليه السلام الى السموات وان كان معتذرا بالنسبة الى قدرة البشر لكنه سهل بالنسبة الى قدرة الله تعالى لا يغلبه عليه أحد حَكِيماً فى جميع أفعاله فيدخل فيها تدبير انه تعالى فى امر عيسى عليه السلام دخولا أوليا ولما رفع الله عيسى عليه السلام كساه الريش والبسه النور وقطعه عن شهوات المطعم والمشرب وطارمع الملائكة فهو معهم حول العرش فكان إنسيا ملكيا سماويا ارضيا. قال وهب بن منبه بعث عيسى على رأس ثلاثين سنة ورفعه الله وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وكانت نبوته ثلاث سنين. فان قيل لم لم يرد الله تعالى عيسى الى الدنيا بعد رفعه الى السماء. قيل اخر رده ليكون علما للساعة وخاتما للولاية العامة لانه ليس بعده ولى يختم الله به الدورة المحمدية تشريفا لها بختم نبى مرسل يكون على شريعة محمدية يؤمن بها اليهود والنصارى ويجدد الله تعالى به عهد النبوة على الامة ويخدمه المهدى واصحاب الكهف ويتزوج ويولد له ويكون فى امة محمد عليه السلام وخاتم أوليائه ووارثيه من جهة الولاية. واجمع السيوطي فى تفسير الدر المنثور فى سورة الكهف عن ابن شاهين اربعة من الأنبياء احياء اثنان فى السماء عيسى وإدريس واثنان فى الأرض الخضر والياس فاما الخضر فانه فى البحر واما صاحبه فانه فى البر. قال الامام السخاوي رحمه الله حديث (أخي الخضر لو كان حيا لزارنى) من كلام بعض السلف ممن أنكر حياة الخضر. واعلم ان الأرواح المهيمة التي من العقل الاول كلها صف واحد حصل من الله ليس بعضها بواسطة بعض وان كانت الصفوف الباقية من الأرواح بواسطة العقل الاول كما أشار صلى الله عليه وسلم (انا ابو الأرواح وانا من نور الله والمؤمنون فيض نورى) فاقرب الأرواح فى الصف الاول الى الروح الاول والعقل الاول روح عيسوى لهذا السر شاركه بالمعراج الجسماني الى السماء وقرب عهده بعهده فالروح العيسوى مظهر الاسم الأعظم وفائض من الخضرة الالهية فى مقام الجمع بلا واسطة اسم من الأسماء وروح من الأرواح فهو مظهر الاسم الجامع الإلهي وراثة اولية ونبينا عليه السلام أصالة كذا فى شرح الفصوص. ثم اعلم ان قوما قالوا على مريم فرموها بالزنى وآخرين جاوزوا الحد فى تعظيمها فقالوا ابنها ابن الله وكلتا الطائفتين وقعتا فى الضلال. ويقال مريم كانت ولية الله فشقى بها فرقتان اهل الافراط واهل التفريط وكذلك كل ولى له تعالى فمنكرهم شقىّ بترك احترامهم وطلب اذيتهم والذين يعتقدون فيهم ما لا يستوجبون يشقون بالزيادة فى إعظامهم وعلى هذه الجملة درج الأكثرون من الأكابر كذا فى التأويلات النجمية: وفى المثنوى
نازنينى تو ولى در حد خويش ... الله الله پامنه در حد پيش «1»
جمله عالم زين سبب گمراه شد ... كم كسى ز ابدال حق آگاه شد «2»
دير بايد تا كى سر آدمي ... آشكارا گردد از پيش وكمى «3»
__________
(1) در اواخر دفتر يكم در بيان دعا كردن بلعم باعورا كه إلخ
(2) در أوائل دفتر يكم در بيان حكايت مرد يقال إلخ
(3) در اواسط دفتر يكم در بيان مغرون شدن مريد ان إلخ(2/319)
وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159) فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161) لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162) إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)
زير ديوار بدن گنجست يا ... خانه مارست ومور واژدها
وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ اى ما من اليهود والنصارى أحد إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ اى بعيسى قَبْلَ مَوْتِهِ اى قبل موت ذلك الأحد من اهل الكتاب يعنى إذا عاين اليهودي امر الآخرة وحضرته الوفاة ضربت الملائكة وجهه ودبره وقالت أتاك عيسى عليه السلام نبيا فكذبت به فيؤمن حين لا ينفعه إيمانه لانقطاع وقت التكليف وتقول للنصرانى أتاك عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله فزعمت انه هو الله وابن الله فيؤمن بانه عبد الله حين لا ينفعه إيمانه قالوا لا يموت يهودى ولا صاحب كتاب حتى يؤمن بعيسى وان احترق او غرق او تردى او سقطه عليه جدار او أكله سبع او أي ميتة كانت حتى قيل لابن عباس رضى الله عنهما لو خر من بيته قال يتكلم به فى الهواء قيل أرأيت لو ضرب عنق أحدهم قال يتلجلج به لسانه وهذا كالوعيد لهم والتحريض على معاجلة الايمان به قبل ان يضطروا اليه ولم ينفعهم ايمانهم. وقيل الضميران لعيسى والمعنى وما من اهل الكتاب الموجودين عند نزول عيسى من السماء أحد الا ليؤمنن به قبل موته- روى- عن النبي عليه السلام انه قال (انا اولى الناس بعيسى لانه لم يكن بينى وبينه نبى ويوشك انه ينزل فيكم حكما عدلا فاذا رأيتموه فاعرفوه فانه رجل مربوع الخلق الى الحمرة والبياض وكان رأسه يقطر وان لم نصبه بلل فيقتل الخنزير ويريق الخمر ويكسر الصليب ويذهب الصخرة ويقاتل الناس على الإسلام حتى يهلك الله فى زمانه الملل كلها غير ملة الإسلام وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين ويهلك الله فى زمانه مسيح الضلالة الكذاب الدجال حتى لا يبقى أحد من اهل الكتاب وقت نزوله الا يؤمن به وتقع الامنة فى زمانه حتى ترتع الإبل مع الأسود والبقر مع النمور والغنم مع الذئاب وتلعب الصبيان بالحيات لا يؤذى بعضهم بعضا ثم يلبث فى الأرض أربعين سنة ثم يموت ويصلى عليه المسلمون ويدفنونه) وفى الحديث (ان المسيح جاىء فمن لقيه فليقرئه منى السلام) وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ اى عيسى عليه السلام عَلَيْهِمْ اى على اهل الكتاب شَهِيداً فيشهد على اليهود بالتكذيب وعلى النصارى بانهم دعوه ابن الله فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا اى بسبب ظلم عظيم خارج عن حدود الأشباه والاشكال صادر عن اليهود حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ولمن قبلهم لا لشىء غيره كما زعموا فانهم كانوا كلما ارتكبوا معصية من المعاصي التي اقترفوها حرم عليهم نوع من الطيبات التي كانت محللة لهم ولمن تقدمهم من أسلافهم عقوبة لهم كلحوم الإبل وألبانها والشحوم وفى التأويلات النجمية نكتة قال لهم حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ وقال لنا وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وقال كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً فلم يحرم علينا شيأ بذنوبنا وكما آمنا من تحريم الطيبات فى هذه الآية نرجو ان نؤمننا فى الآخرة من العذاب الأليم لانه جمع بينها فى الذكر فى هذه الآية. وقال اهل الاشارة ارتكاب المحظورات يوجب تحريم المباحات وانا أقول الإسراف فى ارتكاب المباحات يوجب حرمان المناجاة انتهى كلام التأويلات: قال السعدي
مرو در پى هر چهـ دل خواهدت ... كه تمكين تن نور جان كاهدت(2/320)
وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161) لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)
وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى بسبب منعهم عن دين الله وهو الإسلام ناسا كَثِيراً او صدا كثيرا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ اى والحال انهم قد نُهُوا عَنْهُ فان الربا كان محرما عليهم كما هو محرم علينا. وفيه دليل على ان النهى يدل على حرمة المنهي عنه وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ بالرشوة وسائر الوجوه المحرمة وَأَعْتَدْنا اى خلقنا وهيأنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ اى للمصرين على الكفر لا لمن تاب وآمن من بينهم عَذاباً أَلِيماً وجيعا يخلص وجعه الى قلوبهم سيذوقونه فى الآخرة كما ذاقوا فى الدنيا عقوبة التحريم لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ اى التائبون من اهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه وسماهم راسخين فى العلم لثباتهم فى العلم وتجردهم فيه لا يضطربون ولا تميل بهم الشبه بمنزلة الشجرة الراسخة بعروقها فى الأرض وَالْمُؤْمِنُونَ اى من غير اهل الكتاب من المهاجرين والأنصار يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ خبر المبتدأ وهو الراسخون وما عطف عليه. قال فى التأويلات النجمية كان عبد الله بن سلام عالما بالتوراة وقد قرأ فيها صفة النبي عليه السلام فلما كان راسخا فى العلم اتصل علم قراءته بعلم المعرفة فقال لما رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت انه ليس بوجه كذاب فآمن به ولما لم يكن للاحبار رسوخ فى العلم وان قرأوا صفة النبي عليه السلام فى التوراة فلما رأوا النبي عليه السلام ما عرفوه فكفروا به انتهى ونعم ما قيل فى حق الشرفاء
جعلوا لا بناء الرسول علامة ... ان العلامة شان من لم يشهر
نور النبوة فى كريم وجوههم ... يغنى الشريف عن الطراز الاخطر خضر
وَاعنى الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ فنصبه على المدح لبيان فضل الصلاة وَهم الْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ فرفعه على المدح ايضا وكذا رفع قوله تعالى وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قدم عليه الايمان بالأنبياء والكتب وما يصدقه من اتباع الشرائع لانه المقصود بالآية أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً اى ثوابا وافرا فى الجنة على جمعهم بين الايمان والعمل الصالح وهو ما أريد به وجه الله تعالى. ومن أفاضل الأعمال الصلوات الخمس وإقامتها وفى الحديث (من حافظ منكم على الصلوات الخمس حيث كان واين ما كان جاز الصراط يوم القيامة كالبرق اللامع فى أول زمرة السابقين وجاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر وكان له كل يوم وليلة حافظ عليهن اجر شهيد) وسر هذا الحديث مفهوم من لفظ الصلاة ووجه تسميتها بها لان اشتقاقها من الصلى وهو النار والخشبة المعوجة إذا أرادوا تقويمها يعرضونها على النار فتقوم وفى العبد اعوجاج لوجود نفسه الامارة فيه وسبحات وجه الله الكريم حارة بحيث لو كشف حجابها لا حرقت تلك السبحات من أدركته ومن انتهى اليه البصر كما ورد فى الحديث فبدخول المصلى فى الصلاة يستقبل تلك السبحات فيصيب المصلى من وهج السطوة الالهية والعظمة الربانية ما يزول به اعوجاجه بل يتحقق به معراجه فالمصلى كالمصطلى بالنار ومن اصطلى بها زال بها اعوجاجه فلا يعرض على نار جهنم إلا تحلة القسم وبذلك المقدار من المرور يذهب اثر دونه ولا يبقى له احتياج الى المكث على(2/321)
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163)
الصراط فيمر كالبرق اللامع وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع (ان اولياء الله المصلون ومن يقيم الصلوات الخمس التي كتبهن الله عليه ويصوم رمضان ويحتسب صومه ويؤتى الزكاة محتسبا طيبة بها نفسه ويجتنب الكبائر التي نهى الله عنها) فقال رجل من أصحابه يا رسول الله وكم الكبائر قال (تسع أعظمهن الإشراك بالله وقتل المؤمن بغير حق والفرار من الزحف وقذف المحصنة والسحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين المسلمين واستحلال البيت العتيق الحرام قبلتكم احياء وأمواتا لا يموت رجل لم يعمل هؤلاء الكبائر ويقيم الصلاة ويؤتى الزكاة الا رافق محمدا فى بحبوبة جنة ابوابها مصاريع الذهب) . واعلم ان الراسخين فى العلم هم الذين رسخوا بقدمي العمل والعلم الى ان بلغوا معادن العلوم فاتصلت علومهم الكسبية بالعلوم العطائية اللدنية وفى الحديث (طلعت ليلة المعراج على النار فرأيت اكثر أهلها الفقراء) قالوا يا رسول الله من المال قال (لا من العلم) وفى الحديث (العلم امام العمل والعمل تابعه) . قال حجة الإسلام الغزالي رحمه الله فى منهاج العابدين ولقد صرت من علماء امة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم الراسخين فى العلم ان أنت عملت بعلمك وأقبلت على عمارة معادك وكنت عبدا عالما عاملا لله تعالى على بصيرة غير جاهل ولا مقلد غير غافل فلك الشرف العظيم ولعلمك القيمة الكثيرة والثواب الجزيل وبناء امر العبادة كله على العلم سيما علم التوحيد وعلم السر فلقد روى ان الله تعالى اوحى الى داود عليه السلام فقال [يا داود تعلم العلم النافع] قال الهى وما العلم النافع قال [ان تعرف جلالى وعظمتى وكبريائى وكمال قدرتى على كل شىء فان هذا الذي يقربك الى] وعن على رضى الله عنه ما يسرنى ان لومت طفلا فادخلت الجنة ولم اكبر فاعرف ربى فان اعلم الناس بالله أشدهم خشية وأكثرهم عبادة وأحسنهم فى الله نصيحة إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ جواب لاهل الكتاب عن سؤالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ينزل عليهم كتابا من السماء واحتجاج عليهم بانه ليس بدعا من الرسل وانما شأنه فى حقيقة الإرسال واصل الوحى كشأن سائر مشاهير الأنبياء الذين لا ريب لاحدهم فى نبوتهم والوحى والإيحاء كالاعلام فى خفاء وسرعة اى أنزلنا جبرائيل عليك يا محمد بهذا القرآن كَما أَوْحَيْنا اى ايحاء مثل ايحائنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ بدأ بذكر نوح لانه ابو البشر وأول نبى عذبت أمته لردهم دعوته وقد أهلك الله بدعائه اهل الأرض قيل ان نوحا عليه السلام عمر الف سنة لم ينقص له سن ولا قوة ولم يشب له شعر ولم يبالغ أحد من أنبياء فى الدعوة ما بالغ ولم يصبر على أذى قومه ما صبر وكان يدعو قومه ليلا ونهارا وسرا وجهارا وكان يضرب من قومه حتى يغمى عليه فاذا أفاق عاد وبلغ وقيل هو أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة بعد محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ عطف على أوحينا الى نوح داخل معه فى حكم التشبيه اى كما أوحينا الى ابراهيم وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وهم أولاد يعقوب عليه السلام وهم اثنا عشر رجلا وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ خصهم بالذكر مع اشتمال النبيين عليهم تشريفا لهم وإظهارا لفضلهم فان ابراهيم أول اولى العزم منهم وعيسى آخرهم والباقين اشراف الأنبياء ومشاهيرهم(2/322)
وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)
وقدم ذكر عيسى على من بعده لان الواو للجمع دون الترتيب فتقدم ذكره فى الآية لا يوجب تقديمه فى الخلق والإرسال والفائدة فى تقديمه فى الذكر رد على اليهود لغلوهم فى الطعن فيه وفى نسبه فقدمه الله فى الذكر لان ذلك ابلغ فى كتب اليهود فى تبرئته مما رمى به ونسب اليه وَآتَيْنا اى كما آتينا داوُدَ زَبُوراً فالجملة عطف على أوحينا داخلة فى حكمه لان إيتاء الزبور من باب الإيحاء. والزبور هو الكتاب مأخوذ من الزبر وهو الكتابة. قال القرطبي كان فيه مائة وخمسون سورة ليس فيها حكم من الاحكام وانما هى حكم ومواعظ وتحميد وتمجيد وثناء على الله عز وجل وكان داود يبرز الى البرية ويقرأ الزبور فيقوم معه علماء بنى إسرائيل خلفه ويقوم الناس خلف العلماء ويقوم الجن خلف الناس وتجيئ الدواب التي فى الجبال إذا سمعت صوت داود فيقمن بين يديه تعجبا لما يسمعن من صوته ويجيئ الطير حتى يظللن على داود فى خلائق لا يحصيهن الا الله يرفرفن على رأسه وتجيئ السباع حتى تحيط بالدواب والوحش لما يسمعن فلما قارف الذنب وهو تزوج امرأة أوريا من غير انتظار الوحى بجبرائيل ولم يروا ذلك فقيل ذلك انس الطاعة وهذه وحشة المعصية وعن ابى موسى الأشعري قال قال لى رسول الله (لو رأيتنى البارحة وانا استمع لقراءتك لقد أعطيت مزمارا من مزامير آل داود) قال فقلت اما والله يا رسول الله لو علمت انك تسمع لحبرته تحبيرا. وعن ابى عثمان قال ما سمعت قط بربطا ولا مزمارا ولا عودا احسن من صوت ابى موسى وكان يؤمنا فى صلاة الغداة فنودّ انه يقرأ سورة البقرة من حسن صوته:
قال السعدي قدس سره
به از روى زيباست آواز خوش ... كه آن حظ نفس است واين قوت روح
وعند هبوب الناشرات على الحمى ... تميل غصون البان لا الحجر الصلد
وَرُسُلًا نصب بمضمر يدل عليه أوحينا معطوف عليه داخل معه فى حكم التشبيه كما قيل اى وكما أرسلنا رسلا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ اى سميناهم لك مِنْ قَبْلُ متعلق بقصصنا اى من قبل هذه السورة او اليوم وعرفناك قصتهم فعرفتهم وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ اى لم نسمهم لك والرسل هم الذين اوحى إليهم بجبريل والأنبياء هم الذين لم يوح إليهم بجبريل وانما اوحى إليهم بملك آخر أو برؤيا فى المنام او بشىء آخر من الإلهام. وعن ابى ذرّ رضى الله عنه قال قلت يا رسول الله كم كانت الأنبياء وكم كان المرسلون قال (كانت الأنبياء مائة الف واربعة وعشرين الفا وكان المرسلون ثلاثمائة وثلاثه عشر) وفى رواية سئل عن عدد الأنبياء فقال (مائتا الف واربعة وعشرون الفا) والاولى ان لا يقتصر على عدد فى التسمية لهذه الآية وخبر الواحد لا يفيد الا الظن ولا عبرة بالظن فى الاعتقاديات وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً عطف على انا أوحينا إليك عطف القصة على القصة وتأكيد كلم بالمصدر يدل على انه عليه السلام سمع كلام الله حقيقة لا كما يقوله القدرية من ان الله تعالى خلق كلاما فى محل فسمع موسى ذلك الكلام لان ذلك لا يكون كلام الله القائم به والافعال المجازية لا تؤكد بذكر المصادر لا يقال أراد الحائط ان يسقط ارادة. قال الفراء العرب تسمى ما وصل الى الإنسان كلاما(2/323)
رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165) لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (166) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)
بأى طريق وصل ما لم يؤكد بالمصدر فاذا أكد به لم يكن الا حقيقة الكلام والمعنى ان التكليم بغير واسطة منتهى مراتب الوحى خص به موسى من بينهم فلم يكن ذلك قادحا فى نبوة سائر الأنبياء فكيف يتوهم كون نزول التوراة عليه جملة قادحا فى صحة من انزل عليه الكتاب مفصلا مع ظهور ان نزولها كذلك لحكم مقتضية لذلك من جملتها ان بنى إسرائيل كانوا فى العناد وشدة الشكيمة بحيث لو لم يكن نزولها كذلك لما آمنوا بها الا بعد اللتيا والتي وقد فضل الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بان أعطاه مثل ما اعطى كل واحد منهم: قال العطار
كرده در شب سوى معراجش روان ... سر كل با او نهاده در ميان
رفت موسى بر بساط آن جناب ... خلع نعلين آمدش از حق خطاب
چون بنزديكى شد از نعلين دور ... گشت در وادي المقدس غرق نور
باز در معراج شمع ذو الجلال ... مى شنود آواز نعلين بلال
موسئ عمران اگر چهـ بود شاه ... هم نبود انجاش با نعلين راه
اين عنايت بين كه بهر جاه او ... كرد حق با چاكر درگاه او
چاكرش را كرد مرد كوى خويش ... دار بانعلين راهش سوى خويش
موسئ عمران چون آن رتبت بديد ... چاكر او را چنان قربت بديد
گفت يا رب امت او كن مرا ... در طفيل همت او كن مرا
اوست سلطان وطفيل او همه ... اوست دائم شاه وخيل او همه
- روى- ان موسى عليه السلام لما اتى طور سيناء انزل الله الظلمة على سبع فراسخ وطرد عنه الشيطان وطرد عنه الهوام ونحى عنه الملكين وكشف له السماء فرأى الملائكة قياما فى الهواء ورأى العرش بارزا وكلمه الله وناجاه حتى أسمعه كلامه من غير واسطة وكيفية وصوت وحرف رُسُلًا نصب على المدح اعنى رسلا مُبَشِّرِينَ لاهل الطاعة بالجنة وَمُنْذِرِينَ للعصاة بالنار لِئَلَّا يَكُونَ اللام متعلقة بأرسلنا لِلنَّاسِ خبر يكون عَلَى اللَّهِ متعلق بمحذوف وقع حالا من قوله حُجَّةٌ اى كائنة على الله. وحجة اسم يكون والمعنى لئلا يكون للناس على الله معذرة يوم القيامة يعتذرون بها قائلين لولا أرسلت إلينا رسولا فيبين لنا شرائعك ويعلمنا ما لم نكن نعلم من أحكامك وينبهنا من سنة الغفلة لقصور القوة البشرية عن ادراك جزئيات المصالح وعجز اكثر الناس عن ادراك كلياتها. ففيه تنبيه على ان بعثة الأنبياء الى الناس ضرورة وانما سميت المعذرة حجة مع استحالة ان يكون لاحد عليه سبحانه حجة فى فعل من أفعاله بل له ان يفعل ما يشاء للتنبيه على ان المعذرة فى القبول عنده تعالى بمقتضى كرمه ورحمته لعباده بمنزلة الحجة القاطعة التي لامرد لها ولذلك قال وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما أحد أغير من الله عز وجل لذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن وما أحد أحب اليه المدح من الله تعالى ولذلك مدح نفسه وما أحد أحب اليه العذر من الله تعالى ولذلك أرسل الرسل وانزل الكتاب) بَعْدَ الرُّسُلِ اى بعد ارسالهم وتبليغ الشرائع الى الأمم على ألسنتهم متعلق بحجة(2/324)
لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (166) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169)
وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً لا يغالب فى امر من الأمور من قضية الامتناع عن الاجابة الى مسألة المتعنتين حَكِيماً فى جميع أفعاله التي من جملتها إرسال الرسل وإنزال الكتب لكِنِ اللَّهُ استدراك على مفهوم ما قبله من سؤالهم على وجه التعنت ان ينزل عليهم ما وصفوه من الكتاب فهو بمنزلة قولهم لا نشهد بان الله تعالى بعثك إلينا رسولا حتى ينزل ما سألناه فقال تعالى انهم لا يشهدون بصدقك فى دعوى الرسالة لكن الله يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ من القرآن المعجز الدال على نبوتك ان جحدوك وكذبوك فان إنزال هذا القرآن البالغ فى الفصاحة الى حيث عجز الأولون والآخرون عن معارضته وإتيان ما يدانيه شهادة له عليه السلام بنبوته وصدقه فى دعوى الرسالة من الله تعالى فمعنى شهادة الله تعالى بما انزل اليه إثباته لصحته بإظهار المعجزات كما تثبت الدعاوى بالبينات أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ حال من الفاعل اى ملتبسا بعلمه الخاص الذي لا يعلمه غيره وهو تأليف على نمط بديع يعجز عنه كل بليغ او بعلمه بحال من انزل عليه واستعداده لاقتباس الأنوار القدسية وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ ايضا بنبوتك فان قلت من اين يعلم شهادة الملائكة. قلت من شهادة الله تعالى لان شهادتهم تبع لشهادته وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً على صحة نبوتك حيث نصب لها معجزات باهرة وحججا ظاهرة مغنية عن الاستشهاد بغيرها كأنه تعالى قال يا محمد ان كذبك هؤلاء اليهود فلا تبال بهم فان الله تعالى وهو اله العالمين يصدقك فى دعواك وملائكة السموات ايضا يصدقونك فى ذلك ومن صدقه رب العالمين والملائكة اى ملائكة العرش والكرسي والسموات السبع أجمعون لا ينبغى له ان يلتفت الى تكذيب اخس الناس وهم هؤلاء اليهود إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اى بما انزل الله ويشهد به وهم اليهود وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وهو دين الإسلام من أراد سلوكه بقوله ما نعرف صفة محمد فى كتابنا قَدْ ضَلُّوا بما فعلوا من الكفر والصد عن طريق الحق ضَلالًا بَعِيداً لانهم جمعوا بين الضلال والضلال ولان المضل يكون أعرق فى الضلال وابعد من الانقلاع عنه إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اى بما ذكر آنفا وَظَلَمُوا اى محمدا صلى الله عليه وسلم بانكار نبوته وكتمان نعوته الجليلة ووضع غيرها مكانها او الناس بصدهم عما فيه صلاحهم فى المعاش والمعاد لَمْ يَكُنِ اللَّهُ مريدا لِيَغْفِرَ لَهُمْ لاستحالة تعلق المغفرة بالكافر وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ لعدم استعدادهم للهداية الى الحق والأعمال الصالحة التي هى طريق الجنة والمراد بالهداية المفهومة من الاستثناء بطريق الاشارة خلق الله لاعمالهم السيئة المؤدية بهم الى جهنم عند صرف قدرتهم واختيارهم الى اكتسابها او سوقهم إليها يوم القيامة بواسطة الملائكة والطريق على عمومه والاستثناء متصل وقيل خاص بطريق الحق والاستثناء منقطع خالِدِينَ فِيها حال مقدرة من الضمير المنصوب والعامل فيها ما دل عليه الاستثناء دلالة واضحة كأنه قيل يدخلهم جهنم خالدين فيها أَبَداً نصب على الظرفية رافع لاحتمال حمل الخلود على المكث الطويل وَكانَ ذلِكَ اى جعلهم خالدين فيها عَلَى اللَّهِ يَسِيراً
لاستحالة ان يتعذر عليه شىء من مراداته تعالى. واعلم ان من كان فيه ذرة من النور المرشوش على الأرواح يوم خلقها يخرج به من النار كما قال عليه السلام (يخرج من النار من كان فى قلبه(2/325)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)
ذرة من الايمان) ومن لم يكن فيه ذلك النور يخلد فى النار لانه وقع فى ظلمة عظيمة لا يمكن الخروج منها وقد ضل ضلالا بعيدا اى من يوم رش النور لا ضلالا قريبا من هذا اليوم لان ضلال اليوم من نتائج ضلال ذلك اليوم ومثل هذا لا يهتدى الى طريق الحق والقربة الى الله تعالى فيحترق فى عذاب القطيعة ابدا ولا يخرج من نار الفرقة سرمدا. فعلى العبد ان يشهد بما شهد الله تعالى به ويقبل قول الله وقول الرسول وقول وارثيه من العلماء العاملين فانهم ينطقون عن الله وعن الرسول. قال شقيق رحمه الله الناس يقومون من مجلسى على ثلاثة اصناف كافر محض ومنافق محض ومؤمن محض وذلك لانى أفسر القرآن وأقول عن الله عز وجل وعن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فمن لا يصدقنى فهو كافر محض ومن صاق قلبه فهو منافق ومن ندم على ما صنع وعزم على انه لا يذنب كان مؤمنا مخلصا وأول الأمر الاعتقاد وذلك يحتاج الى العلم اولا والعمل ثانيا لانه ثمرته وسئل النبي عليه السلام عن العلم فقال (دليل العمل) قيل فما العقل قال عليه السلام (قائد الخير) قيل فما الهوى قال (مركب المعاصي) قيل فما المال قال (رداء المتكبرين) قيل فما الدنيا قال (سوق الاخرة) يا أَيُّهَا النَّاسُ خطاب لعامة الخلق قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ يعنى محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم ملتبسا بِالْحَقِّ وهو القرآن المعجز الذي شهد اعجازه على حقيته او بالدعوة الى عبادة الله وحده والاعراض عما سواه فان العقل السليم يشهد على انه الحق مِنْ عند رَبِّكُمْ متعلق بجاء اى جاء من عند الله وانه مبعوث مرسل غير متقول له فَآمِنُوا بالرسول وبما جاءكم به من الحق والفاء للدلالة على إيجاب ما قبلها لما بعدها خَيْراً لَكُمْ منصوب على انه مفعول لفعل واجب الإضمار اى اقصدوا أو ائتوا امرا خيرا لكم مما أنتم فيه من الكفر او على انه نعت لمصدر محذوف اى آمنوا ايمانا خيرا لكم وهو الايمان باللسان والجنان وَإِنْ تَكْفُرُوا اى ان تصروا وتستمروا على الكفر فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من الموجودات سواء كاتت داخلة فى حقيقتهما وبذلك يعلم حال أنفسهما على ابلغ وجه وآكده او خارجة عنهما مستقرة فيهما من العقلاء وغيرهم فيدخل فى جملتهم المخاطبون دخولا أوليا اى كلها له عز وجل خلقا وملكا وتصرفا لا يخرج من ملكوته وقهره شىء منها فمن هذا شأنه فهو قادر على تعذيبكم بكفركم لا محالة او فمن كان كذلك فهو غنى عنكم وعن غيركم لا يتضرر بكفركم ولا ينتفع بايمانكم او فمن كان كذلك فله عبيد يعبدونه وينقادون لامره وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً مبالغا فى العلم فهو عالم بأحوال الكل فيدخل فى ذلك علمه تعالى بكفرهم دخولا أوليا حَكِيماً مراعيا للحكمة فى جميع أفعاله التي من جملتها تعذيبه تعالى إياهم بكفرهم. واعلم ان النبي صلى الله عليه وسلم صورة النور الغيبى المرسل الى الأجساد فمن كان قابلا لافاضة نور دعوته فقد اهتدى ومن اخطأ فقد ضل. واتفق المشايخ على ان ألقى زمامه فى يد كلب مثلا حتى لا يكون تردده بحكم طبعه فنفسه أقوم لقبول الرياضة ممن جعل زمامه فى حكم نفسه يسترسل بها حيث شاء كالبهائم فلما تيقنت ان الواجب عليك ان تكون تابعا لا مسترسلا فلان تتبع سيد المرسلين محمدا صلى الله عليه وسلم الذي آدم ومن دونه من الأولياء والأنبياء تحت(2/326)
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (173) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175) يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)
لوائه خير لك بل واجب عليك وما أعظم حماقة من يحتاط بقول المنجم فى الاختلاج والفال وينقاد الى الاحتمالات البعيدة ثم إذا آل الأمر الى خبر النبوة عن الغيب أنكر فلا ترض لنفسك ان تصدق ابن البيطار فيما ذكره فى العقاقير والأحجار فتبادر الى امتثال ما أمرك به ولا تصدق سيد البشر صلى الله عليه وسلم فيما يخبر عنه وتتوانى بحكم الكسل عن الإتيان بما امر به او فعل.
واعلم انك لما اخرجك الله من صلب آدم فى مقام ألست رددت الى أسفل السافلين ثم منه دعيت لترتفع بسعيك وكسبك الى أعلى عليين حيث ما قدر لك على حسب قابليتك ولا يمكنك ذلك الا بأمرين. أحدهما بمحبته صلى الله عليه وسلم بان تؤثر حبه على نفسك وأهلك ومالك. والثاني بمتابعه صلى الله عليه وسلم فى جميع ما امر به ونهى عنه وبذلك تستحكم مناسبتك به وبكمال متابعتك يحصل لك الارتفاع الى اوج الكمال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان مثلى ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل اتى قوما فقال يا قوم انى رأيت الجيش بعيني) فيه اشارة الى ان هذا المثل مختص بالنبي عليه السلام لان ما انذر به من الأهوال هى التي رآها بعينيه واما سائر الأنبياء عليهم السلام فلم يكن لهم معراج ظاهر حتى يعاينوا تلك الأهوال (وانى انا النذير) وهو الذي يخوف غيره بالاعلام (العريان) وهو الذي لقى العدو فسلبوا ما عليه من الثياب فاتى قومه يخبرهم فصدق بعضهم لما عليه من آثار الصدق فنجوا وهذا القول مثل يضرب لشدة الأمر وقرب المحذور وبراءة المخبر من التهمة والكل موجود فى النبي عليه السلام (فالنجاء) بالمد نصب على الإغراء اى اطلبوا النجاء وهو الاسراع (فاطاعه طائفة من قومه فادلجوا) اى ساروا من أول الليل (فانطلقوا على مهلهم) وهو بفتح الميم والهاء ضد العجلة (وكذبت طائفة منهم فاصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش) اى أتاهم صباحا ليغير عليهم (فاهلكم واجتاحهم) اى أهلكهم بالكلية (فذلك) اى المثل المذكور وهذا بيان لوجه المشابهة (مثل من أطاعني واتبع ما جئت به من الحق) وفيه اشارة الى ان مطلق العصيان غير مستأصل بل العصيان مع التكذيب بالحق كذا فى شرح المشارق لابن الملك رحمه الله تعالى: قال السعدي قدس سره
خلاف پيمبر كسى ره گزيد ... كه هرگز بمنزل نخواهد رسيد
محالست سعدى كه راه صفا ... توان رفعت جز در پى مصطفا
يا أَهْلَ الْكِتابِ الخطاب للنصارى خاصة لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ اى لا تتجاوزوا الحد فى دينكم بالإفراط فى رفع شأن عيسى وادعاء ألوهيته والغلو مجاوزة الحد. واعلم ان الغلو والمبالغة فى الدين والمذهب حتى يجاوز حده غير مرضى كما ان كثيرا من هذه الامة غلوا فى مذهبهم فمن ذلك مذهب الغلاة من الشيعة فى امير المؤمنين على بن ابى طالب كرم الله وجهه حتى ادعوا إلهيته وكذلك المعتزلة غلوا فى التنزيه حتى نفوا صفات الله وكذا المشبهة غلوا فى اثبات الصفات حتى جسموه تعالى الله عما يفول الظالمون علوا كبيرا ولدفع الغلو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تطرونى كما اطرت النصارى عيسى ابن مريم) اى لا تتجاوزوا عن الحد فى مدحى كما بالغ النصارى فى مدح عيسى حتى ضلوا وقالوا انه ولد الله (وقولوا عبد الله(2/327)
ورسوله) اى قولوا فى حقى انه عبد الله ورسوله وفى تقديم العبد على الرسول كما فى التحيات ايضا نفى لقول اليهود والنصارى فان اليهود قالوا عزيز ابن الله والنصارى المسيح ابن الله فنحن نقول عبده ورسوله والغلو من العصبية وهى من صفات النفس المذمومة والنفس هى امارة بالسوء لا تأمر الا بالباطل
مبر طاعت نفس شهوت پرست ... كه هر ساعتش قبله ديگرست
وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ اى لا تصفوه بما يستحيل اتصافه من الحلول والاتحاد واتخاذ الصاحبة والولد بل نزهوه عن جميع ذلك. قوله الا الحق استثناء مفرغ ونصبه على انه مفعول به نحو قلت خطبة او نعت مصدر محذوف اى الا القول الحق وهو قريب من المعنى الاول إِنَّمَا الْمَسِيحُ مبتدأ وهو لقب من الألقاب المشرفة كالصديق والفاروق وأصله بالعبرية مشيحا ومعناه المبارك عِيسَى بدل منه معرب من ايشوع ابْنُ مَرْيَمَ صفة مفيدة لبطلان ما وصفوه به من نبوته له تعالى. ومريم بمعنى العابدة وسميت مريم مريم ليكون فعلها مطابقا لاسمها ولكون عيسى عليه السلام منسوبا الى امه تدعى الناس يوم القيامة بأسماء أمهاتهم ويدل عليه حديث التلقين بعد الدفن حيث يقال يا فلان ابن فلانة وفى النسبة الى الأمهات ستر منه تعالى للعباد ايضا رَسُولُ اللَّهِ خبر للمبتدأ اى انه مقصور على رتبة الرسالة لا يتخطاها وهذا هو القول الحق وَكَلِمَتُهُ عطف على رسول الله اى تكون بكلمته وامره الذي هو كن من غير واسطة اب ولا نطفة فان تكوين الخلق كله وان كان بكلمة كن له ولكن بالوسائط فان تعلق كن بتكوين الآباء قبل تعلقه بتكوين الأبناء فلما كان تعلق امر كن بعيسى فى رحم مريم من غير تعلقه بتكوين اب له تكون عيسى بكلمة كن وكن هى كلمة الله فعبر عن ذلك بقوله وكلمته القاها الى مريم يدل عليه قوله انه مثل عيسى عند الله يعنى فى التكوين كمثل آدم خلقه من تراب يعنى سوى جسمه من تراب ثم قال له يعنى عند بعث روحه الى القالب كن فيكون وانما ضرب مثله بآدم فى التكوين لانه ايضا تكون بكلمة كن من غير واسطة اب أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ اى أوصلها إليها وحصلها فيها بنفخ جبريل عليه السلام وَرُوحٌ مِنْهُ عطف على كلمته ومنه صفة لروح ومن لابتداء الغاية مجازا لا تبعيضية كما زعمت النصارى لا ستحالة التجزى على الله تعالى- وروى- انه كان لهارون الرشيد طبيب نصرانى وكان غلاما حسن الوجه جدا وكان كامل الأدب جامعا للخصال التي يتوصل بها الى الملوك وكان الرشيد مولعا بان يسلم وهو يمتنع وكان الرشيد يمنيه الأماني ان اسلم فأبى فقال له ذات يوم مالك لا تؤمن قال ان فى كتابكم حجة على من انتحله قال وما هى قال قوله تعالى وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فعنى بهذا ان عيسى عليه السلام جزء منه فضاق قلب الرشيد وجمع العلماء فلم يكن فيهم من يزيل شبهته حتى قيل له قد وفد حجاج من خراسان وفيهم رجل يقال له على بن الحسين بن واقد من اهل مرو وهو امام فى علم القرآن فدعاه فجمع بينه وبين الغلام فسأله الغلام عن ذلك فاستعجم عليه الجواب فى الوقت وقال قد علم الله يا امير المؤمنين فى سابق علمه ان هذا الخبيث يسألنى فى مجلسك هذا وانه لم يخل
كتابه(2/328)
عن جوابه وانه ليس يحضرنى الآن ولله علىّ ان لا اطعم ولا اشرب حتى أؤدي الذي يجب من الحق ان شاء الله تعالى ودخل بيتا مظلما واغلق عليه بابه واندفع فى قراءة القرآن حتى بلغ من سورة الجاثية وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ فصاح بأعلى صوته افتحوا الباب فقد وجدت الجواب ففتحوا ودعا الغلام فقرأ عليه الآية بين يدى الرشيد وقال ان كان قوله وروح منه يوجب ان يكون عيسى بعضا منه وجب ان يكون ما فى السموات وما فى الأرض بعضا منه فانقطع النصراني واسلم وفرح الرشيد فرحا شديدا ووصل على بن الحسين الواقدي المروزي بصلة جيدة فلما عاد على بن الحسين الى مرو صنف كتابا سماه كتاب النظائر فى القرآن وهو كتاب لا يوازيه كتاب. قيل معنى كونه روحا انه ذو روح صادر منه تعالى كسائر ذوى الأرواح الا انه تعالى أضاف روحه الى نفسه تشريفا. وقيل المراد بالروح هو الذي نفخ جبرائيل عليه السلام فى درع مريم فدخلت تلك النفخة بطنها فحملت بإذن الله من ذلك النفخ سمى النفخ روحا لانه كان ريحا يخرج من الروح وأضاف تعالى نفخة جبريل الى نفسه حيث قال وروح منه بناء على ان ذلك النفخ الواقع من جبريل كان بإذن الله تعالى وامره فهو منه. وعن ابى بن كعب انه قال ان الله تعالى لما اخرج الأرواح من ظهر آدم لاخذ الميثاق عليهم ثم ردهم الى صلبه امسك عنده روح عيسى الى ان أراد خلقه ثم أرسل ذلك الروح الى مريم فدخل فى فيها فكان منه عيسى عليه السلام. قيل خلق عيسى عليه السلام من ماء مريم ومن النفخ لا من أحدهما فقط وهو الأصح عند المحققين. قيل خرج فى ساعة النفخ. وقيل بعد المدة الكاملة بعد ثمانية أشهر والاول هو الأصح. وفى التأويلات النجمية ان شرف الروح على الأشياء بانه ايضا كعيسى تكون بامر كن بلا واسطة شىء آخر فلما تكون الروح بامر كن وتكون عيسى بامر كن سمى روحا منه لان الأمر منه تعالى كما قال قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي فكما ان احياء الأجسام الميتة من شأن الروح إذ ينفخ فيها فكذلك كان عيسى من شأنه احياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله وكذلك كان ينفخ فى الطين فيكون طيرا بإذن الله تعالى. واعلم ان هذا الاستعداد الروحاني الذي هو من كلمة الله مركوز فى جبلة الإنسان وخلق منه اى من الأمر وانما أظهره الله فى عيسى من غير تكلف منه فى السعى لاستخراج هذا الجوهر من معدنه لان روحه لم يركز فى أصلاب الآباء وأرحام الأمهات كارواحنا فكان جوهره ظاهرا فى معدن جسمه غير مخفى ببشرية اب وجوهرنا مخفى فى معدن جسمنا ببشرية آبائنا الى آدم فمن ظهور أنوار جوهر روحه كان الله تعالى يظهر عليه انواع المعجزات فى بدء طفوليته ونحن نحتاج فى استخراج الجوهر الروحاني من المعدن الجسماني الى نقل صفات البشرية المتولدة من بشرية الآباء والأمهات عن معادننا باوامر أستاذ هذه الصنعة ونواهيه وهو النبي عليه السلام كما قال تعالى وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فمن تخلص جوهر روحانيته من معدن بشريته وانسانيته يكون عيسى وقته فيحيى الله بانفاسه القلوب الميتة ويفتح به إذا ناصما وعيونا عميا فيكون فى قومه كالنبى فى أمته فافهم جدا: وفى المثنوى
عيسى اندر مهد دارد صد نفير ... كه جوان ناگشته ما شيخيم و پير(2/329)
پير پير عقل بايد اى پسر ... نى سفيدى موى اندر ريش وسر «2»
چون گرفتى پير هين تسليم شو ... همچوموسى زير حكم خضر شو «3»
دست را مسپار جز در دست پير ... حق شدست آن دست او را دستگير
چون بداري دست خود در دست پير ... پير حكمت كو عليم است وخبير «4»
ثم اعلم انه لما كان النافخ جبرائيل والولد سرّ أبيه كان الواجب ان يظهر عيسى على صورة الروحانيين والجواب انه انما كان على صورة البشر ولم يظهر على صورة الروحانيين لان الماء المحقق عند التمثل كان فى امه وهى بشر ولاجل تمثل جبريل ايضا عند النفخ بالصورة البشرية لانها أكمل الصور كما أشار صلى الله تعالى عليه وسلم فى تجلى الربوبية بصورة شاب قطط وظهور جبريل بصورة دحية فافهم والصورة التي تشهدها الام وتخيلها حال المواقعة لها تأثير عظيم فى صورة الولد حتى قيل ونقل فى الاخبار ان امرأة ولدت ولدا صورته صورة البشر وجسمه جسم الحية فلما سئلت عنها أخبرت انها رأت حية عند المواقعة. وسمع ان امرأة ولدت ولد له أعين اربع ورجلاه كرجل الدب وكانت قبطية جامعها زوجها وهى ناظرة الى دبين كانا عند زوجها ولله اسرار فى تكوين الأجساد كيف يشاء وهو على كل شىء قدير كذا فى حل الرموز فَآمِنُوا بِاللَّهِ وخصوه بالالوهية وَرُسُلِهِ أجمعين وصفوهم بالرسالة ولا تخرجوا بعضهم عن سلكهم بوصفه بالالوهية يعنى ان عيسى من رسله فآمنوا به كايمانكم بسائر الرسل ولا تجعلوه الها وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ اى الآلهة ثلاثة الله والمسيح ومريم ويشهد عليه قوله تعالى أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ او الله ثلاثة ان صح انهم يقولون الله ثلاثة أقانيم اقنوم الأب واقنوم الابن واقنوم روح القدس وانهم يريدون بالأول الذات وقيل الوجود وبالثاني العلم وبالثالث الحياة انْتَهُوا اى عن التثليث خَيْراً لَكُمْ اى انتهاء خيرا لكم او ائتوا خيرا لكم من القول بالتثليث إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ اى واحد بالذات منزه عن التعدد بوجه من الوجوه فالله مبتدأ واله خبره وواحد نعت اى منفرد فى آلهيته سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ اى أسبحه تسبيحا من ان يكون له ولد او سبحوه تسبيحا من ذلك فانه يتصور له مثل ويتطرق اليه فناء فان التوالد انما هو لحفظ النوع من الانقراض فلذلك لم تتوالد الملائكة ولا اهل الجنان فمن كان نشأته وتكوّنه للبقاء إذا لم يكن له ولد مع كونه حادثا ذا أمثال فبالاولى ان لا يتخذ الله تعالى ولدا وهو ازلى منزه عن الأمثال والأشباه: وفى المثنوى
لم يلد لم يولد است او از قدم ... نه پدر دارد نه فرزند ونه عم
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مستأنفة مسوقة لتعليل التنزيه وتقريره اى له ما فيهما من الموجودات خلقا وملكا وتصرفا لا يخرج من ملكوته شىء من الأشياء التي من جملتها عيسى فكيف يتوهم كونه ولدا له تعالى. قال ابن الشيخ فى حواشيه انه تعالى فى كل موضع نزه نفسه عن الولد ذكر ان جميع ما فى السموات والأرض مختص به خلقا وملكا للاشارة الى ان ما زعمه المبطلون انه ابن الله وصاحبته مملوك مخلوق له لكونه من جملة ما فى السموات وما فى الأرض فلا تتصور المجانسة والمماثلة بين الخالق والمخلوق والمالك والمملوك فكيف يعقل مع هذا توهم كونه
__________
(2) در اواسط دفتر چهارم در بيان كردن رسول صلى الله عليه وسلم سبب تفضيل واختيار كردن آن جوان إلخ
(3) در اواخر دفتر يكم در بيان وصيت كردن رسول خدا مر على را إلخ
(4) در أوائل دفتر پنجم در بيان آنكه ما سوى الله همه آكل ومأكولند(2/330)
لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172)
ولدا له وزوجة وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا اليه يكل كل الخلق أمورهم وهو غنى عن العالمين فأنى يتصور فى حقه اتخاذ الولد الذي هو شأن العجزة المحتاجين فى تدبير أمورهم الى من يخلفهم ويقوم مقامهم او يعينهم دلت الآية على التوحيد
كل شىء ذاته لى شاهد ... انما الله اله واحد
ومطلب اهل التوحيد أعلى المطالب وهو وراء الجنات وذوقهم لا يعاد له نعيم- حكى- ان وليا يقال له سكرى بابا يكون له فى بعض الأوقات استغراق أياما حتى يظنونه ميتا ويضعون على فمه فداما فانتبه يوما فارادان يطلق زوجته ويترك أولاده وقال كنت فى مجلس النبي عليه السلام فى الملكوت مع الأرواح وكان النبي عليه السلام يفسر قوله تعالى وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ يتكلم فى مراتب التوحيد على كرسى قوائمه اربع من الأنوار الاربعة على حسب المراتب الأربع اى من النور الأسود فى مرتبة الطبيعة ومن النور الأحمر فى مرتبة النفس ومن النور الأخضر فى مرتبة الروح ومن النور الأبيض فى مرتبة السر فقيل لى فى العرش أرسلوا سكرى بابا فان أولاده يبكون فلاجل ذلك أريد ان اترك الكل فتضرعوا وحلفوا بان لا يفعلوا مثل ذلك ابدا ففرغ ووجه التسمية بذلك انه كان يعطى سكر الكل من يطلبه منه حتى طلبوا فى الحمام امتحانا له فضرب برجله رحام الحمام قال خذوه فانقلب سكرا فاعتقدوه وزالت شبهتهم. قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى الملكوت ليس فى الفوق بل الملك والملكوت عندك هنا فان الله تعالى منزه عن الزمان والمكان والذهاب والإياب وهو معكم أينما كنتم فللسالك مرتبة ينظر فيها الى الله والى الحق ويسمى تلك بالمعية ثم بعد ذلك إذا وصل الى الفناء الكلى واضمحل وجوده يسمى ذلك بمقام الجمع ففى ذلك المقام لا يرى السالك ما سوى الله تعالى كمن احاطه نور لا يرى الظلمة ألا برى ان من نظر الى الشمس لا يرى غيرها وتلك الرؤية ليست بحاسة البصر ولا كرؤية الأجسام بل كما ذكر العلماء وكمل الأولياء والأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين والموحد إذا كان موحدا يوصله التوحيد الى الملكوت والجبروت واللاهوت اعنى الموحد يتخلص من الاثنينية ومن التقيد بالاكوان والأجسام والأرواح فيشاهد عند ذلك سر قوله تعالى إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ اللهم اجعلنا من الواصلين نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ
فى أساس البلاغة استنكف منه ونكف امتنع وانقبض آنفا وحميةنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ
اى من ان يكون عبدا له تعالى فان عبوديته شرف يتباهى بها وانما المذلة والاستنكاف فى عبودية غيره- روى- ان وفد نجران قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم تعيب صاحبنا قال (ومن صاحبكم) قالوا عيسى قال (وأي شىء أقول) قالوا تقول انه عبد الله قال (انه ليس بعار أن يكون عبدا لله) قالوا بلى بعار فنزلت لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
عطف على المسيح اى ولا يستنكف الملائكة المقربون ان يكونوا عبيدا والمراد بهم الكروبيون الذين حول العرش كجبريل وميكائيل واسرافيل ومن فى طبقتهم مَنْ يَسْتَنْكِفْ
اى يترفع نْ عِبادَتِهِ
اى عن طاعته فيشمل جميع الكفرة لعدم طاعتهم له تعالى يَسْتَكْبِرْ
الاستكبار دون الاستنكاف ولذلك عطف عليه وانما يستعمل حيث لا استحقاق بخلاف التكبر فانه قد يكون باستحقاق سَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ
اى فسيجمعهم(2/331)
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (173)
اليه يوم القيامةمِيعاً
المستنكف والمستكبر والمقر والمطيع فيجازيهم فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ اى ثواب أعمالهم من غير ان ينقص منها شيأ أصلا وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بتضعيفها أضعافا مضاعفة وبإعطاء ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا اى عن عبادته تعالى وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ بسبب استنكافهم واستكبارهم عَذاباً أَلِيماً وجيعا لا يحيط به الوصف وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ اى غيره تعالى وَلِيًّا يلى أمورهم ويدبر مصالحهم وَلا نَصِيراً بنصرهم من بأسه تعالى وينجيهم من عذابه. واحتج بالآية من زعم فضل الملائكة على الأنبياء عليهم السلام وقال مساقه لرد النصارى فى رفع المسيح عن مقام العبودية وذلك يقتضى ان يكون المعطوف وهو ولا الملائكة المقربون أعلى درجة من المعطوف عليه وهو المسيح حتى يكون عدم استنكافهم مستلزما لعدم استنكافه عليه السلام. وأجيب بان مناط كفر النصارى ورفعهم له عليه السلام عن رتبة العبودية لما كان اختصاصه عليه السلام وامتيازه عن سائر افراد البشر بالولادة من غير اب وبالعلم بالمغيبات وبالرفع الى السماء عطف على عدم استنكافه عن عبوديته عدم استنكاف من هو أعلى درجة منه فيما ذكر فان الملائكة مخلوقون من غير اب ولا أم وعالمون بما لا يعلمه البشر من المغيبات ومقامهم السموات العلى ولا نزاع لاحد فى علو درجتهم من هذه الحيثية وانما النزاع فى علوها من حيث كثرة الثواب على الطاعات كذا فى الإرشاد. قال فى التأويلات النجمية عند قوله تعالى لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
ما ذكرهم للفضيلة على عيسى وانما ذكرهم لان بعض الكفار قالوا الملائكة بنات الله كما قالت النصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ قال تعالى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى بل فضل الله المسيح عليهم بتقديم الذكر لان المسيح نسب اليه بالنبوة ونسبت الملائكة اليه بالبنتية وللذكر فضيلة وتقدم على الإناث كقوله تعالى فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فقدم الله الذكر على الأنثى وجعل له سهمين وللانثى واحدا فكما ان للذكر فضيلة على الأنثى فكذلك للمسيح فضيلة على الملائكة وفضيلته على الملائكة اكبر وأعظم يدل عليه ما صح عن جابر رضى الله عنه ان النبي عليه السلام قال (لما خلق الله آدم وذريته قالت الملائكة يا رب كما خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون ويركبون فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة قال الله تعالى لا اجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحى كمن قلت له كن فكان) وانا أقول ومن فضيلة عيسى على الملائكة انه اجتمع فيه ما كان شرفا لآدم لانه من ذريته من قبل الام وما كان شرفا للملائكة إذ قال له ايضا كن فكان فقد وجد فى عيسى ما لم يوجد فى الملائكة ولم يوجد فى الملائكة شىء لا يوجد فى عيسى فافهم جدا انتهى كلام التأويلات. واعلم ان أعظم الاستنكاف عن عبادة الله تعالى الشرك والاعراض عن توحيده كما ان اصل الأعمال التوحيد والايمان ثم ان الكبر من اكبر السيئات ولذا ورد فى بعض الأحاديث مقابلا للايمان قال عليه السلام (لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال حبة من خردل من كبر ولا يدخل النار من كان فى قلبه مثقال ذرة من ايمان) : قال السعدي قدس سره(2/332)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175)
ترا شهوت وكبر وحرص وحسد ... چوخون در ركند و چوجان در جسد
گر اين دشمنان تقويت يافتند ... سر از حكم ورأى تو بر تافتند
- حكى- ان قاضيا جاء الى ابى يزيد البسطامي رحمه الله يوما فقال نحن نعرف ما تعرفه ولكن لا نجد تأثيره فقال ابو يزيد خذ مقدارا من الجوز وعلق وعاءه فى عنقك ثم ناد فى البلد كل من يلطمنى ادفع له جوزة حتى لا يبقى منه شىء فاذا فعلت ذلك تجد التأثير فاستغفر القاضي فقال ابو يزيد قد أذنبت لانى اذكر ما يخلصك من كبر نفسك وأنت تستغفر منه: قال السعدي
كسى را كه پندار در سر بود ... مپندار هرگز كه حق بشنود
ز علمش ملال آيد از وعظ ننك ... شقايق بباران نرويد ز سنگ
فعلى العاقل ان يتواضع فان الرفعة فى التواضع وهو من أفضل العبادة يا أَيُّهَا النَّاسُ خطاب لعامة المكلفين قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ كائن مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ بواسطة النبي عليه السلام نُوراً مُبِيناً عنى بالبرهان المعجزات وبالنور القرآن اى جاءكم دلائل العقل وشواهد النقل ولم يبق لكم عذر ولا علة. والبرهان ما يبرهن به المطلوب وسمى القرآن نورا لكونه سببا لوقوع نور الايمان فى القلوب ولانه تتبين به الاحكام كما تتبين بالنور الأعيان فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ حسبما يوجبه البرهان الذي أتاهم وَاعْتَصَمُوا بِهِ اى امتنعوا به عن اتباع النفس الامارة وتسويلات الشيطان فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ ثواب قدره بإزاء إيمانه وعمله رحمة منه لاقضاء لحق واجب وَفَضْلٍ احسان زائد عليه مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ اى الى الله صِراطاً مُسْتَقِيماً هو الإسلام والطاعة فى الدنيا وطريق الجنة فى الآخرة وهو مفعول ثان ليهدى لانه يتعدى الى مفعولين بنفسه كما يتعدى الى الثاني بالى يقال هديته الطريق وهديته الى الطريق ويكون اليه حالا منه مقدما عليه ولو اخر عنه كان صفة له والمعنى ويهديهم الى صراط الإسلام والطاعة فى الدنيا وطريق الجنة فى العقبى مؤديا ومنتهيا اليه تعالى. والاشارة فى الآية ان الله تعالى اعطى لكل نبى آية وبرهانا ليقيم به الحجة على الامة وجعل نفس النبي عليه السلام برهانا منه وذلك لان برهان الأنبياء كان فى الأشياء غير أنفسهم مثل ما كان برهان موسى فى عصاه وفى الحجر الذي انفجرت منه اثنتا عشرة عينا وكان نفس النبي عليه السلام برهانا بالكلية فكان برهان عينيه ما قال عليه السلام (لا تستبقونى بالركوع والسجود فانى أراكم من خلفى كما أراكم من امامى) . وبرهان بصره ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى. وبرهان انفه قال (انى لاجد نفس الرحمان من قبل اليمن) . وبرهان لسانه ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى وبرهان بصاقه ما قال جابر رضى الله عنه انه امر يوم الخندق لا تخبزن عجينكم ولا تنزلن برمتكم حتى أجيء فجاء فبصق فى العجين وبارك ثم بصق فى البرمة وبارك فاقسم بالله انهم لأكلوا وهم الف حتى تركوه وانصرفوا وان برمتنا لتغط اى تغلى وان عجيننا ليخبز كما هو. وبرهان تفله انه تفل فى عين على كرم الله وجهه وهى ترمد فبرئ بإذن الله يوم خيبر. وبرهان يده ما قال تعالى وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وانه سبح الحصى فى يده: قال العطاري(2/333)
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)
داعىء ذرات بود آن پاك ذات ... در كفش تسبيح از ان گفتى حصاد
وبرهان إصبعه انه أشار بإصبعه الى القمر فانشق فلقتين حتى رؤى حراء بينهما
ماه را انگشت او بشكافته ... مهر از فرمانش از پس تافته
وبرهان ما بين أصابعه انه كان الماء ينبع من بين أصابعه حتى شرب منه ورفعه خلق عظيم.
وبرهان صدره انه كان يصلى ولصدره ازيز كازيز المرجل من البكاء. وبرهان قلبه انه تنام عيناه ولا ينام قلبه وقال تعالى ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى وقال أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وقال نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ وأمثال هذه البراهين كثيرة فمن أعظمها انه عرج به الى السماء حتى جاوز قاب قوسين وبلغ أو أدنى وذلك برهان لنفسه بالكلية وما اعطى نبى قبله مثله قط وكان بعد ان اوحى اليه افصح العرب والعجم وكان من قبل اميا لا يدرى ما الكتاب ولا الايمان وأي برهان أقوى واظهر وأوضح من هذا والله أكرم هذه الامة به ومن عليهم فمن آمن به ايمانا حقيقيا بنور الله لا بالتقليد فتجذبه العناية وتدخله فى عالم الصفات فان رحمته وفضله صفته ويهديه بنور القرآن وحقيقة التخلق بخلقه الى جنابه تعالى فبالاعتصام يصعد السالك من الصراط المستقيم الى حضرة الله الكريم ولا بد للعبد من الاعتمال والاكتساب فى البداية اتباعا للاوامر الواردة فى الكتب الالهية والسنن النبوية حتى ينتهى الى محض فضل الله تعالى فيكون هو المتصرف فى أموره ولذلك كان النبي عليه السلام يقول (اللهم لا تكلنى الى نفسى طرفة عين ولا اقل من ذلك) وقد قال بعض الكبار المريد من لا مذهب له يعنى يتمسك باشق الأقوال والمذاهب من جميع المذاهب فيتوضأ من الرعاف والفصد مثلا وان كان شافعيا ومن المس وان كان حنفيا وتنوير الباطن لا يحصل الا بانوار الذكر والعبادة والمعرفة وتعين على ذلك العبادة الخالصة إذا أديت على وجه الكمال والخدمة بمقتضى السنة تصقله بازالة خبث الشهوات والأخلاق المذمومات والتوحيد أفضل الأعمال الموصلة الى السعادة وفى الحديث (ان الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر الله يدخلون الجنة وهم يضحكون) وفى الحديث (ليس على اهل لا اله الا الله وحشة فى قبورهم ولا فى نشورهم كأنى انظر إليهم عند الصيحة ينفضون التراب عنهم ويقولون الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن ان ربنا لغفور شكور) وعلى هذا الحديث أول المشايخ هذه الآية الكريمة وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين ولا تجعلنا من الغافلين آمين يَسْتَفْتُونَكَ اى يطلبون منك الفتوى فى حق الكلالة قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ الإفتاء تبيين المبهم وتوضيح المشكل. والكلالة فى الأصل مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوة من الاعياء استعيرت للقرابة من غير جهة الوالد والولد لضعفها فى الاضافة الى قرابتهما وتطلق على من لم يخلف ولدا ولا والدا وعلى من ليس بوالد ولا ولد من المخلفين والمراد هنا الثاني اى الذي مات ولم يرثه أحد من الوالدين ولا أحد من الأولاد لما روى ان جابر بن عبد الله كان مريضا فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انى كلالة اى لا يخلفنى ولد ولا والد فكيف اصنع فى مالى فنزلت إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ استئناف مبين(2/334)
للفتيا وارتفع امرؤ بفعل يفسره المذكور وقوله لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ صفة له اى ان هلك امرؤ غير ذى ولد ذكرا كان او أنثى وَلَهُ أُخْتٌ عطف على قوله تعالى ليس له ولد او حال والمراد بالاخت من ليست لام فقط فان فرضها السدس فقط فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ اى بالفرض والباقي للعصبة أولها بالرد ان لم يكن له عصبة وَهُوَ اى المرء المفروض يَرِثُها اى أخته المفروضة ان فرض هلاكها مع بقائه إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ ذكرا كان او أنثى فالمراد بإرثه لها إحراز جميع مالها إذ هو المشروط بانتفاء الولد بالكلية لا إرثه لها فى الجملة فانه يتحقق مع وجود بنتها فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ عطف على الشرطية الاولى اى اثنتين فصاعدا فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ الضمير لمن يرث بالاخوة والتأنيث والتثنية باعتبار المعنى وفائدة الاخبار عنه باثنتين مع دلالة الف التثنية على الاثنينية التنبيه على ان المعتبر فى اختلاف الحكم هو العدد دون الصغر والكبر وغيرهما وَإِنْ كانُوا
اى من يرث بطريق الاخوة إِخْوَةً اى مختلطة رِجالًا وَنِساءً بدل من اخوة والأصل وان كانوا اخوة وأخوات فغلب المذكر على المؤنث فَلِلذَّكَرِ منهم مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يقسمون التركة على طريقة التعصيب وهذا آخر ما نزل فى
كتاب الله من الاحكام- روى- ان الصديق رضى الله عنه قال فى خطبته ان الآية التي أنزلها الله تعالى فى سورة النساء فى الفرائض أولها فى الولد والوالد وثانيها فى الزوج والزوجة والاخوة من الام والآية التي ختم بها السورة فى الاخت لابوين او لاب والآية التي ختم بها سورة الأنفال أنزلها فى اولى الأرحام يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ اى حكم الكلالة او أحكامه وشرائعه التي من جملتها حكمها أَنْ تَضِلُّوا اى كراهة ان تضلوا فى ذلك فهو مفعول لاجله على حذف المضاف وهو اشيع من حذف لا النافية بتقدير لئلا تضلوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ من الأشياء التي من جملتها أحوالكم المتعلقة بمحياكم ومماتكم عَلِيمٌ مبالغ فى العلم فيبين لكم ما فيه مصلحتكم ومنفعتكم والاشارة فى الآية ان الله تعالى لم يكل بيان قسمة التركات الى النبي صلى الله عليه وسلم مع انه تعالى وكل بيان اركان الإسلام من الشهادة والصلاة والزكاة والصيام والحج اليه واحكام الشريعة وقال وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وولاه بيان القرآن العظيم وقال لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وتولى قسمة التركات بنفسه تعالى كما قال عليه السلام (ان الله لم يرض بملك مقرب ولا نبى مرسل حتى تولى قسمة التركات واعطى كل ذى حق حقه ألا فلا وصية لوارث) وانما لم يوله قسمة التركات لان الدنيا مزينة للناس والمال محبوب الى الطباع وجبلت النفس على الشح فلو لم ينص الله تعالى على مقادير الاستحقاق وكان القسم موكولا الى النبي عليه السلام لكان الشيطان أوقع فى بعض النفوس كراهة النبي عليه الصلاة والسلام لذلك فيكون كفرا لقوله عليه السلام (لا يكون أحدكم مؤمنا حتى أكون اليه أحب من نفسه وماله وولده والناس أجمعين) كما أوقع فى نفوس بعض شبان الأنصار يوم حنين إذ أفاء الله على رسوله اموال هوازن فطفق النبي عليه السلام يعطى رجالا من قريش المائة من الإبل كل رجل منهم فقالوا يغفر الله لرسوله يعطى قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم(2/335)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)
قال انس فحدث رسول الله بمقالتهم فارسل الى الأنصار فجمعهم فى قبة من آدم ولم يدع معهم أحدا من غيرهم فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله فقال (ما حديث بلغني عنكم) فقال الأنصار اما ذووا رأينا فلم يقولوا شيأ واما أناس حديثة أسنانهم فقالوا كذا وكذا للذى قالوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم (انما اعطى رجالا حديثى عهد بكفر فاؤلفهم) او قال (استألفهم أفلا ترضون ان يذهب الناس بالأموال وترجعوا برسول الله الى رحالكم فو الله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به) قالوا أجل يا رسول الله قد رضينا فالنبى عليه السلام أزال ما أوقع الشيطان فى نفوسهم بهذا اللطائف فلو كان قسم التركات اليه لكان للشيطان مجال الى آخر الدنيا فى ان يوقع الشر فى نفوس الامة ولم يمكن إزالته من النفوس لتعذر الوصول الى الخلق كلهم فى حال الحياة وبعد الوفاة فتولى الله ذلك لانه بكل شىء عليم ولعباده غفور رحيم
برو علم يك ذره پوشيده نيست ... كه پنهان و پيدا بنزدش يكيست
فرو ماندكانرا برحمت قريب ... تضرع كنانرا بدعوت مجيب
فحسم الكلمة بما نص على المقادير فى الميراث فضلا منه وقطعا لمواد الخصومات بين ذوى الأرحام ورحمة على النسوان فى التوريث لضعفهن وعجزهن عن الكسب وإظهارا لتفضيل الذكور عليهن لنقصان عقلهن ودينهن وتبيانا للمؤمنين لئلا يضلوا بظن السوء بالنبي عليه السلام كما قال يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ كذا فى التأويلات النجمية على صاحبها النفحات القدسية والبركات القدوسية. تمت سورة النساء فى اواسط جمادى الآخرة من سنة تسع وتسعين بعد الالف ويتلوها سورة المائدة
تفسير سورة المائدة
وهى مائة وعشرون آية كلها مدينة الا الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ الآية فانها نزلت بعرفة عام حجة الوداع
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الوفاء هو القيام بمقتضى العهد وكذلك الإيفاء يقال وفى بالعهد وفاء واوفى به إيفاء إذا اتى ما عهد به ولم يغدر والنقل الى باب افعل لا يفيد سوى المبالغة والعقد هو العهد الموثق المشبه بعقد الحبل ونحوه والمراد بالعقود ما يعم جميع ما الزمه الله تعالى عباده وعقده عليهم من التكاليف والاحكام الدينية وما يعقدونه فيما بينهم من عقود الأمانات والمعاملات ونحوها مما يجب الوفاء به او يحسن دينا ان حملنا الأمر على معنى يعم الوجوب والندب. واحتج ابو حنيفة رحمه الله بهذه الآية على ان من نذر صوم يوم العيد او ذبح الولد يجب عليه ان يصوم يوما يحل فيه الصوم ويذبح ما يحل ان يتقرب بذبحه لانه عهد والزم نفسه ذلك فوجب عليه الوفاء بما صح الوفاء به. واحتج بها ايضا على حرمة الجمع بين الطلقات لان النكاح من العقود فوجب ان يحرم رفعه لقوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وقد ترك العمل بعمومه فى حق الطلقة الواحدة بالإجماع فبقى فيما عداها على الأصل وفى الحديث (ما ظهر الغلول فى قوم الا القى الله فى قلوبهم الرعب ولا فشا الزنى فى قوم الأكثر فيهم(2/336)
الموت ولا نقص قوم المكيال والميزان الا قطع عنهم الرزق ولا حكم قوم بغير حق إلا فشا فيهم الدم ولاختر قوم بالعهد الا سلط الله عليهم العدو)
هر كه او نيك ميكند يابد ... نيك وبد هر چهـ ميكند يابد
ثم انه تعالى لما امر المؤمنين بان يوفوا جميع ما أوجبه عليهم من التكاليف شرع فى ذكر التكاليف مفصلة فبدأ بذكر ما يحل ويحرم من المطعومات فقال عز وجل من قائل أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ البهيمة كل ذات اربع واضافتها الى الانعام للبيان كثوب الخز وافرادها لارادة الجنس اى أحل لكم أكل البهيمة من الانعام وهى الإبل والبقر والضأن والمعز وذكر كل واحد من هذه الأنواع الاربعة زوج بانثاه وانثاه زوج بذكره فكان جميع الأزواج ثمانية بهذا الاعتبار من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين على التفصيل المذكور فى سورة الانعام فالبهيمة أعم من الانعام لان الانعام لا تتناول غير الأنواع الاربعة من ذوات الأربع والحق بالانعام الظباء وبقر الوحش ونحوهما إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ استثناء من بهيمة الانعام بتقدير المضاف اى الا محرم ما يتلى عليكم اى الا الذي حرمه المتلو من القرآن من قوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ بعد هذه الآية او بتقدير نائب الفاعل اى الا ما يتلى عليكم فيه آية كريمة غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ الصيد بمعنى المصدر اى الاصطياد فى البر او المفعول اى أكل صيده بمعنى مصيده وهو نصب على الحالية من ضمير لكم ومعنى عدم احلالهم له تقرير حرمته عملا واعتقادا وهو شائع فى الكتاب والسنة وَأَنْتُمْ حُرُمٌ اى محرمون حال من الضمير فى محلى. والحرم جمع حرام بمعنى محرم يقال احرم فلان إذا دخل فى الحرم او فى الإحرام وفائدة تقييد إحلال بهيمة الانعام بما ذكر من عدم إحلال الصيد حال الإحرام إتمام النعمة واظهار الامتنان بإحلالها بتذكير احتياجهم اليه فان حرمة الصيد فى حالة الإحرام من مظان حاجتهم الى إحلال غيره حينئذ كأنه قيل أحلت لكم الانعام مطلقا حال كونكم ممتنعين عن تحصيل ما يغنيكم عنها فى بعض الأوقات محتاجين الى إحلالها إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ من تحليل وتحريم على ما توجبه الحكمة ومعنى الإيفاء بهما الجريان على موجبهما عقدا وعملا والاجتناب عن تحليل المحرمات وتحريم المحللات. والاشارة فى الآية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ التي جرت بيننا يوم الميثاق وعلى عهود العشاق وعقودهم على بذل وجودهم لنيل مقصودهم عاقدوا على عهد يحبهم ويحبونه ولا يحبون دونه فالوفاء بالعهد الصبر على الجفاء والجهد فمن صبر على عهوده فقد فاز بمقصوده عند بذل وجوده أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ اى ذبح بهيمة النفس التي هى كالانعام فى طلب المرام إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ يعنى الا النفس المطمئنة إذا تليت عليها ارجعي الى ربك فانها تنفرت من الدنيا وما فيها فانها كالصيد فى الحرم وأنتم حرم بالتوجه الى كعبة الوصال بإحرام الشوق الى حضرة الجمال والجلال متجردين عن كل مرغوب ومرهوب منفردين من كل مطلوب ومحبوب إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بذبح
النفس إذا كانت موصوفة بصفة البهيمة ترفع فى مراتع الحيوان السفلية ويحكم بترك ذبحها ويخاطبها بالرجوع الى حضرة الربوبية عند اطمئنانها(2/337)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)
مع ذكر الحق واتصافها بالصفات الملكية العلوية ما يُرِيدُ كما يريد كذا فى التأويلات النجمية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ نزلت فى الخطيم واسمه شريح بن ضبيعة البكري اتى المدينة من اليمامة وخلف خيله خارج المدينة ودخل وحده على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له الى ما تدعو الناس فقال (الى شهادة ان لا اله الا الله واقام الصلاة وإيتاء الزكاة) فقال حسن ألا ان لى أمراء لا اقطع امرا دونهم لعلى اسلم وآتى بهم وقد كان النبي عليه السلام قال لاصحابه (يدخل عليكم رجل من ربيعة يتكلم بلسان شيطان) ثم خرج شريح من عنده فقال عليه السلام (لقد دخل بوجه كافر وخرج بقفا غادر وما الرجل بمسلم) فمر بسرح المدينة فاستاقه فانطلق فتبعوه فلم يدركوه فلما كان العام المقبل خرج حاجا فى حجاج بكر بن وائل من اليمامة ومعه تجارة عظيمة وقد قلدوا الهدى فقال المسلمون للنبى عليه السلام هذا الخطيم قد خرج حاجا فخل بيننا وبينه فقال النبي عليه السلام (انه قد قلد الهدى) فقالوا يا رسول الله هذا شىء كنا نفعله فى الجاهلية فابى النبي عليه السلام فانزل الله هذه الآية وكان المشركون يحجون ويهدون فاراد المسلمون ان يغيروا عليهم فنهاهم الله عن ذلك. والشعائر جمع شعيرة وهى اسم لما أشعر اى جعل شعائر اى علما للنسك من مواقف الحج ومرامى الجمار والمطاف والمسعى والافعال التي هى علامات الحاج يعرف بها من الإحرام والطواف والسعى والحلق والنحر والمعنى لا تتهاونوا بحرمتها ولا تقطعوا اعمال من يحج بيت الله ويعظم مواقف الحج وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ اى ولا تستحلوا القتل والغارة فى الشهر الحرام وهو شهر الحج والأشهر الاربعة الحرم وهى ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب والافراد لارادة الجنس وَلَا الْهَدْيَ بان يتعرض له بالغصب او بالمنع من بلوغ محله وهو ما اهدى الى الكعبة من ابل او بقر او شاة تقربا الى الله تعالى جمع هدية وَلَا الْقَلائِدَ اى ذوات القلائد من الهدى بتقدير المضاف وعطفها على الهدى للاختصاص فانها اشرف الهدى اى ولا تحلوا ذوات القلائد منها خصوصا وهى جمع قلادة وهى ما يشد على عنق البعير وغيره من نعل او لحاء شجرة او غيرهما ليعلم به انه هدى فلا يتعرض له وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ اى ولا تحلوا قوما قاصدين زيارة الكعبة بان تصدوهم عن ذلك بأى وجه كان يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً حال من المستكن فى آمين اى قاصدين زيارته حال كونهم طالبين الرزق بالتجارة والرضوان اى على زعمهم لان الكافر لا نصيب له فى الرضوان اى رضى الله تعالى ما لم يسلم. قال فى الإرشاد انهم كانوا يزعمون انهم على سداد من دينهم وان الحج يقربهم الى الله تعالى فوصفهم الله بظنهم وذلك الظن الفاسد وان كان بمعزل من استتباع رضوانه تعالى لكن لا بعد فى كونه مدارا لحصول بعض مقاصدهم الدنيوية وخلاصهم من المكاره العاجلة لا سيما فى ضمن مراعاة حقوق الله تعالى وتعظيم شعائره انتهى. وهذه الآية الى هاهنا منسوخة بقوله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وبقوله فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا فلا يجوز ان يحج مشرك ولا يأمن كافر بالهدى والقلائد. قال الشعبي لم ينسخ من سورة المائدة الا هذه الآية وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا تصريح بما أشير اليه(2/338)
بقوله تعالى وَأَنْتُمْ حُرُمٌ من انتهاء حرمة الصيد بانتفاء موجبها والأمر للاباحه بعد الحظر كأنه قيل وإذا حللتم من الإحرام فلا جناح عليكم فى الاصطياد وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ يقال جرمنى فلان على ان صنعت كذا اى حملنى والمعنى لا يحملنكم شَنَآنُ قَوْمٍ اى شدة بغضهم وعداوتهم وهو مصدر شنئت أضيف الى المفعول او الفاعل فالمعنى على الاول بغضكم لبعض فحذف الفاعل وعلى الثاني بغض قوم إياكم فحذف المفعول أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ اى لان منعوكم عن زيارته والطواف به للعمرة عام الحديبية أَنْ تَعْتَدُوا ثانى مفعولى يجرمنكم اى لا يحملنكم شدة بغضكم لهم لصدهم إياكم عن المسجد الحرام على اعتدائكم عليهم وانتقامكم منهم للتشفى وَتَعاوَنُوا اى ليعن بعضكم بعضا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى اى على العفو والإغضاء ومتابعة الأمر ومجانبة الهوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ اى لا
يعن بعضكم بعضا على شىء من المعاصي والظلم للتشفى والانتقام وليس للناس اى يعين بعضهم بعضا على العدوان حتى إذا تعدى واحد منهم على الآخر تعدى ذلك الآخر عليه لكن الواجب ان يعين بعضهم بعضا على ما فيه البر والتقوى. واصل لا تعاونوا لا تتعاونوا فحذف منه احدى التاءين تخفيفا وانما اخر النهى عن الأمر مع تقدم التخلية مسارعة الى إيجاب ما هو مقصود بالذات فان المقصود من إيجاب ترك التعاون على الإثم والعدوان انما هو تحصيل التعاون على البر والتقوى. وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال (البر حسن الخلق والاسم ما حاك فى نفسك وكرهت ان يطلع عليه الناس) وَاتَّقُوا اللَّهَ فى جميع الأمور التي من جملتها مخالفة ما ذكر من الأوامر والنواهي فثبت وجوب الاتقاء فيها بالطريق البرهاني إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ فانتقامه أشد لمن لا يتقيه. واعلم ان شعائر الله فى الحقيقة هى مناسك الوصول الى الله وهى معالم الدين والشريعة ومراسم آداب الطريقة باشارة ارباب الحقيقة فان حقيقة البر هو التفرد للحق وحقيقة التقوى هو الخروج عما سوى الله تعالى فالوصول لا يمكن الا بهما لكنهما خطوتان لا يمكن للمريد الصادق ان يتخطى بها الا بمعاونة شيخ كامل مكمل واصل موصل فانه دليل هذا الطريق: قال الحافظ
بكوى عشق منه بي دليل راه قدم ... كه من بخويش نمودم صد اهتمام ونشد
وقال ايضا
شبان وادئ ايمن گهى رسد بمراد ... كه چند سال بجان خدمت شعيب كند
وفى الآية اشارة الى تعظيم ما عظمه الله من الزمان والمكان والاخوان وقد فضل الأشهر والأيام والأوقات بعضها على بعض كما فضل الرسل والأمم بعضها على بعض لتتسارع القلوب الى احترامها وتتشوق الأرواح الى إحيائها بالتعبد فيها ويرغب الخلق فى فضائلها وفضل الامكنة بعضها على بعض ليعظم الاجر بالإقامة فيها وخلق الله الناس سعيدا وشقيا والعبرة بالخاتمة وكل مخلوق من حيث انه مخلوق الله حسن حتى انه ينبغى ان يكون النظر الى الكافر من حيث انه مخلوق الله لا من حيث كفره وان لم يرض بكفره فعلى الناظر بنظر(2/339)
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)
التوحيد ان يحسن النظر ولا يحقر أحدا من خلق الله ولا يشتغل بالعداوة والبغضاء: قال السعدي قدس سره
دلم خانه مهر يارست وبس ... از ان مى نكنجد درو كين كس
ومن كلمات اسد الله كرم الله وجهه العداوة شغل يعنى من اشتغل بالعداوة ينقطع عن الاشتغال بالأمور المفيدة النافعة لان القلب لا يسع الاشتغالين المتضادين
هر كه پيشه كند عداوت خلق ... از همه چيزها جدا گردد
كه دلش خسته عنا باشد ... گه تنش بسته بلا گردد
وكان صلى الله عليه وسلم موصوفا بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال فعليك ان تقتدى به ولما مدح الله الأنبياء عليهم السلام ووصف كل نبى بصفة قال له تعالى فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ففعل فصار مستجمعا لكمال خصال الخير وكان كل واحد منهم مخصوصا بخصلة مثل نوح بالشكر وابراهيم بالحلم وموسى بالإخلاص وإسماعيل بصدق الوعد ويعقوب وأيوب بالصبر وداود بالاعتذار وسليمان بالتواضع وعيسى بالزهد فلما اقتدى بهم اجتمع له الكل فانت ايها المؤمن من امة ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فاتق الله واستحى من رسول الله كى تنجو من العقاب الشديد والعذاب المديد وتظفر بالخلد الباقي بالنعيم المقيم وتنال ما نال اليه ذو القلب السليم حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ اى تناولها فان التحليل والتحريم انما يتعلقان بالافعال دون الأعيان والميتة ما فارقه الروح من غير ذبح وَالدَّمُ اى الدم المسفوح اى المصبوب كالدماء التي فى العروق لا الكبد والطحال وكان اهل الجاهلية يصبونها فى أمعاء ويشوونها ويقولون لم يحرم من فزدله اى من فصدله وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ لعينه لا لكون ميتة حتى لا يحل تناوله مع وجود الذكاة فيه وفائدة تخصيص لحم الخنزير بالذكر دون لحم الكلب وسائر السباع ان كثيرا من الكفار الفوا لحم الخنزير فخص بهذا الحكم وذلك ان سائر الحيوانات المحرم أكلها إذا ذبحت كان لحمها طاهرا لا يفسد الماء إذا وقع فيه وان لم يحل أكله بخلاف لحم الخنزير. قال فى التنوير وليس الكلب بنجس العين قال العلماء الغذاء يصير جزأ من جوهر المغتذى ولا بد وان يحصل للمغتذى اخلاق وصفات من جنس ما كان حاصلا فى الغذاء والخنزير مطبوع على حرص عظيم ورغبة شديدة فى المشتهيات فحرم أكله على الإنسان لئلا يتكيف بتلك الكيفية ومن جملة خبائث الخنزير انه عديم الغيرة فانه يرى الذكر من الخنازير ينزو على أنثى له ولا يتعرض له لعدم غيرته فاكل لحمه يورث عدم الغيرة وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ اى رفع الصوت لغير الله عند ذبحه كقولهم باسم اللات والعزى. قال الفقهاء ولو سمى الذابح النبي عليه السلام مع الله فقال باسم الله ومحمد حرمت الذبيحة وفى الحديث (لعن الله من لعن والديه ولعن الله من ذبح لغير الله) قال النووي المراد به الذبح باسم غير الله كمن ذبح للصنم او لموسى او لغيرهما. ذكر الشيخ الماوردي ان ما يذبح عند استقبال السلطان تقربا اليه افتى اهل بخارى بتحريمه لانه مما اهل به لغير الله. وقال الرافعي هذا غير محرم لانهم انما يذبحونه استبشارا بقدومه فهو كذبح العقيقة لولادة المولود ومثل هذا لا يوجب التحريم كذا فى شرح المشارق لابن ملك(2/340)
وَالْمُنْخَنِقَةُ اى التي ماتت بالخنق وهو احتباس النفس بسبب انعصار الحلق وأكل المنخنقة حرام سواء حصل اختناقها بفعل آدمي او لا مثل ان يتفق ان تدخل البهيمة برأسها بين عودين من شجرة فتخنق فتموت وكان اهل الجاهلية يخنقون الشاة فاذا ماتت أكلوها وهذه المنخنقة من جنس الميتة لانها ماتت من غير تذكية وَالْمَوْقُوذَةُ المضروبة بنحو خشب او حجر حتى تموت من وقذته إذا ضربته قال قتادة كانوا يضربونها بالعصى فاذا ماتت أكلوها وهى فى معنى المنخنقة ايضا لانها ماتت ولم يسل دمها وَالْمُتَرَدِّيَةُ التي تردت من مكان عال او فى بئر فماتت قبل الذكاة. والتردي هو السقوط مأخوذ من الردى وهو الهلاك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدى بن حاتم (إذا تردت رميتك من جبل فوقعت فى ماء فلا تأكل فانك لا تدرى أسهمك قتلها أم الماء) فصار هذا الكلام أصلا فى كل موضع اجتمع فيه معنيان أحدهما حاظر والآخر مبيح انه يغلب جهة الحظر ولهذا قال صلى الله عليه وسلم (الحلال بين والحرام بين وبينهما امور مشتبهة فدع ما يريبك الى ما يريبك ألا وان لكل ملك حمى وان حمى الله محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك ان يقع فيه) وعن عمر رضى الله عنه انه قال كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الربا وَالنَّطِيحَةُ التي نطحتها اخرى فماتت بالنطح وهو بالفارسية «سروزدن» والتاء فى هذه الكلمات الأربع لنقلها من الوصفية الى الاسمية وكل ما لحقته هذه التاء يستوى فيه المذكر والمؤنث وقيل التاء فيها لكونها
صفات لموصوف مؤنث وهو الشاة كأنه قيل حرمت عليكم الشاة المنخنقة والموقوذة وخصت الشاة بالذكر لكونها أعم ما يأكله الناس والكلام يخرج على الأعم الأغلب ويكون المراد الكل وَما أَكَلَ السَّبُعُ اى وما أكل منه السبع فمات وكان اهل الجاهلية يأكلونه. والسبع اسم يقع على ماله ناب ويعدو على الإنسان والدواب ويفترسها كالاسد وما دونه وهو يدل على ان جوارح الصيد إذا أكلت مما اصطادته لم يحل إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ اى الا ما أدركتم ذكاته من هذه الأشياء وفيه بقية حياة يضطرب اضطراب المذبوح فانه يحل لكم فاما ما صار بجرح السبع الى حالة المذبوح فهو فى حكم الميتة فلا يكون حلالا وان ذبحته وكذلك المتردية والنطيحة إذا أدركتها حية قبل ان تصير الى حالة المذبوح فذبحتها تكون حلالا ولو رمى الى صيد فى الهواء وأصابه فسقط على الأرض ومات كان حلالا لان الوقوع على الأرض من ضرورته وان سقط على جبل او شجر ثم تردى منه فمات فلا يحل وهو من المتردية الا ان يكون السهم أصاب مذبحه فى الهواء فيحل كيف ما وقع لان الذبح قد حصل باصابة السهم المذبح واما ما أبين من الصيد قبل الذكاة فهو ميتة. والذكاة فى الشرع بقطع الحلقوم والمري وهو اسم لما اتصل بالحلقوم وهو الذي يجرى فيه الطعام والشراب واقل الذكاة فى الحيوان المقدور عليه قطع الحلقوم والمري وكماله ان يقطع الودجان معهما ويجوز بكل محدد من حديد او قصب او زجاج او حجر او نحوها فان جمهور العلماء على ان كل ما افرى الأوداج وانهر الدم فهو من آلات الذكاة ما خلا السن والظفر والعظم ما لم يكن السن والظفر منزوعين لان الذبح بهما يكون خنقا واما المنزوعان منهما إذا افريا الأوداج فالذكات جائزة بهما عندهم والذكاة الذبح التام الذي يجوز معه الاكل ولا يحرم لان اصل الذكاة إتمام الشيء ومنه الذكاء فى الفهم إذا كان(2/341)
تام العقل وفى الحديث (الذكاة ما بين اللبة واللحيين) فعلى هذا اللحم القديد الذي يجيئ الى دار الإسلام من دار افلاق لا يجوز أكله لانهم يضربون رأس البقر ونحوه بفأس ومثله فيموت فلا توجد الذكاة وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ النصب واحد الأنصاب وهى أحجار كانت منصوبة حول البيت يذبحون عليها ويعدون ذلك قربة قال الامام من الناس من قال النصب هى الأوثان وهذا بعيد لان هذا معطوف على قوله وما اهل لغير الله به وذلك هو الذبح على اسم الأوثان ومن حق المعطوف ان يكون مغايرا للمعطوف عليه. وقال ابن جريج النصب ليست بأصنام فان الأصنام أحجار مصورة منقوشة وهذه النصب أحجار كانوا نصبوها حول الكعبة وكانوا يذبحون عندها للاصنام وكانوا يلطخونها بتلك الدماء ويضعون اللحوم عليها فقال المسلمون يا رسول الله كان اهل الجاهلية يعظمون البيت بالدم ونحن أحق ان نعظمه وكان عليه السلام لم يكره ذلك فانزل الله تعالى لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها الى هنا كلام الامام وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ جمع زلم وهو القدح اى وحرم عليكم الاستقسام بالقداح وذلك انهم إذا قصدوا فعلا ضربوا ثلاثة قداح مكتوب على أحدها أمرني ربى وعلى الآخر نهانى ربى والثالث غفل اى خال عن الكتابة فان خرج الأمر مضوا على ذلك وان خرج الناهي اجتنبوا عنه وان خرج الغفل اجالوها ثانيا فمعنى الاستقسام طلب معرفة ما قسم لهم دون ما لم يقسم بواسطة ضرب القداح وقيل هو استقسام الجزور بالقداح على الأنصباء المعلومة اى طلب معرفة كيفية قسمة الجزور وقد تقدم تفصيله عند تفسير قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ فى سورة البقرة ذلِكُمْ اشارة الى الاستقسام بالأزلام فِسْقٌ اى تمرد وخروج عن الحد ودخول فى علم الغيب وضلال باعتقاد انه طريق اليه وافتراء على الله سبحانه ان كان هو المراد بقولهم ربى وشرك وجهالة ان كان هو الصنم. فظاهر هذه الآية يقتضى ان العمل على قول المنجمين لا تخرج من أجل نجم كذا واخرج من أجل نجم كذا فسق لان ذلك دخول فى علم الغيب ولا يعلم الغيب الا الله كذا فى تفسير الحدادي. واعلم ان استعلام الغيب بالطريق الغير المشروع كاستعلام الخير والشر من الكهنة والمنجمين منهى عنه بخلاف
استعلام الغيب بالاستخارة بالقرآن وبصلاة الاستخارة ودعائها وبالنظر والرياضة لانه استعلام بالطريق المشروع وان طلب ما قسم له من الخير ليس منهيا عنه مطلقا بل المنهي عنه هو الاستقسام بالأزلام وفى الحديث (العيافة والطرق والطيرة من الجبت) والمراد بالطرق الضرب بالحصى وفى الحديث (من تكهن او استقسم او تطير طيرة ترده من سفره لم ينظر الى الدرجات العلى من الجنة يوم القيامة) الْيَوْمَ اللام للعهد والمراد به الزمان الحاضر وما يتصل به من الازمنة الماضية والآتية ونظيره قولك كنت بالأمس شابا واليوم قد صرت شيخا فانك لا تريد بالأمس اليوم الذي قبل يومك ولا باليوم اليوم الذي أنت فيه. وقيل أراد يوم نزولها وقد نزلت بعد عصر يوم الجمعة يوم عرفة حجة الوداع والنبي عليه السلام واقف بعرفات على العضباء فكادت عضد الناقة تندق لثقلها فبركت وأياما كانت فهو منصوب على انه ظرف لقوله تعالى يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ اى من ابطالكم إياه ورجوعكم عنه بان تحللوا هذه الخبائث بعد ان جعلها الله محرمة او من ان يغلبوكم عليه لما شاهدوا(2/342)
من ان الله عز وجل وفى بوعده حيث أظهره على الدين كله وهو الأنسب بقوله تعالى فَلا تَخْشَوْهُمْ اى من ان يظهروا عليكم وَاخْشَوْنِ وأخلصوا الى الخشية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ بالنصر والإظهار على الأديان كلها او بالتنصيص على قواعد العقائد والتوقيف على اصول الشرائع وقوانين الاجتهاد وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي بالهداية والتوفيق او بإكمال الدين والشرائع او بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين وهدم منار الجاهلية ومناسكها والنهى عن حج المشركين وطواف العريان وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً اى اخترته لكم من بين الأديان وهو الدين عند الله لا غير. فقوله دينا نصب حالا من الإسلام ويجوز ان يكون رضيت بمعنى صيرت فقوله دينا مفعول ثان له. قال جابر بن عبد الله سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول قال (جبريل عليه السلام قال الله عز وجل هذا دين ارتضيته لنفسى ولن يصلحه الا السخاء وحسن الخلق فاكرموه بهما ما صحبتموه) وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ان رجلا من اليهود قال له يا امير المؤمنين آية فى كتابكم تقرءونها لو علينا معشر اليهود نزلت لا تخذنا ذلك اليوم عيدا قال أي آية قال الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ إلخ قال عمر قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي عليه السلام وهو قائم بعرفة يوم الجمعة أشار عمر الى ان ذلك اليوم كان عيدا لنا قال ابن عباس رضى الله عنهما كان ذلك اليوم خمسة أعياد جمعة وعرفة وعيد اليهود والنصارى والمجوس ولم تجتمع أعياد اهل الملل فى يوم قبله ولا بعده- وروى- انه لما نزلت هذه الآية بكى عمر رضى الله عنه فقال النبي عليه السلام (ما يبكيك يا عمر) قال أبكاني انا كنا فى زيادة من ديننا فاذا كمل فانه لم يكمل شىء الأنقص قال (صدقت) فكانت هذه الآية تنعى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاش بعدها احدى وثمانين يوما ومات يوم الاثنين بعد ما زاغت الشمس لليلتين خلتا من شهر ربيع الاول سنة احدى عشر من الهجرة. وقيل توفى يوم الثاني عشر من شهر ربيع الاول وكانت هجرته فى الثاني عشر منه: قال السعدي قدس سره
جهان اى برادر نماند بكس ... دل اندر جهان آفرين بند وبس
جهان اى پسر ملك جاويد نيست ... ز دنيا وفا دارى اميد نيست
منه دل برين سال خورده مكان ... كه گنبد نپايد برو كردكان
فَمَنِ اضْطُرَّ متصل بذكر المحرمات وما بينهما اعتراض بما يوجب التجنب عنها وهو ان تناولها فسوق وحرمتها من جملة الدين الكامل والنعمة التامة والإسلام المرضى والمعنى فمن اضطر الى تناول شىء من هذه المحرمات فِي مَخْمَصَةٍ اى مجاعة يخاف منها الموت او مباديه غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ حال من فاعل الجواب المحذوف اى فليتناول مما حرم غير مائل ومنحرف اليه بان يأكلها تلذذا او مجاوزا حد الرخصة او ينتزعها من مضطر آخر كقوله تعالى غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لا يؤاخذه بأكلها وهو تعليل للجواب المقدر- وروى- ان رجلا يا رسول الله انا نكون بأرض فتصيبنا المخمصة فمتى تحل لنا الميتة فقال (ما لم تصطبحوا او تغتبقوا او تجنفوا بها بقلافشانكم بها) ومن امتنع من الميتة حال المخمصة او صام ولم يأكل حتى مات اثم بخلاف من امتنع من التداوى حتى مات فانه لا يأثم لانه لا يقين بان هذا الدواء يشفيه ولعله يصح من غير علاج(2/343)
والاشارة فى الآيات ان ظاهرها خطاب لاهل الدنيا والآخرة وباطنها عتاب لاهل الله وخاصته حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ يا اهل الحق الْمَيْتَةُ وهى الدنيا بأسرها: قال فى المثنوى
در جهان مرده شان آرام نيست ... كين علف جز لايق انعام نيست
هر كرا گلشن بود بزم ووطن ... كى خورد او باده اندر كولخن
وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ يعنى حلالها وحرامها قليلها وكثيرها وذلك لان من الدم ما هو حلال والخنزير كله حرام والدم بالنسبة الى اللحم قليل واللحم بالنسبة الى الدم كثير وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ يعنى كل طاعة وعبادة وقراءة ودراسة ورواية تظهرون به لغير الله وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ يعنى الذين يخنقون نفوسهم بالمجاهدات ويقذونها بانواع الرياضات بنهيها عن المرادات وزجرها عن المخالفات للرياء والسمعة وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ الذين يردون نفوسهم من أعلى عليين الى أسفل سافلين بالتناطح مع الاقران والمماراة مع الاخوان والتفاخر بالعلم والزهد بين الأخدان وفى قوله وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ اشارة الى انه فيما تحتاجون اليه من القوت الضروري كونوا محترزين من أكيلة السباع وهم الظلمة الذين يتهاوشون فى جيفة الدنيا تهاوش الكلاب ويتجاذبونها بمخالب الاطماع الفاسدة الا ما ذكيتم بكسب خلال ووجه صالح بقدر ضرورة الحال وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ يشير الى ما ذبح عليه النفس بانواع الجد والاجتهاد من المطالب الدنيوية والاخروية وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ يعنى لا تكونوا مترددين متفئلين فى طلب المرام مبتغين لحصول المقصود متهاونين فى بذل الوجود فاذا انتهيتم عن هذه المناهي وتخلصتم من هذه الدواهي واخلصتم لله فى الله بالله وخرجتم من سجن الانانية وسجين الانسانية بالجذبات الربانية فقد عادت ليلتكم نهارا وظلمتكم أنوارا الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا من النفس وصفاتها والدنيا وشهواتها مِنْ دِينِكُمْ وتيقنوا ان ما بقي لكم الرجوع الى ملتهم ولا الصلاة الى قبلتهم فَلا تَخْشَوْهُمْ فانكم خلصتم من شبكة مكايدهم ونجوتم من عقد مصايدهم وَاخْشَوْنِي فان كيدى متين وصيدى مهين وبطشى شديد وحبسى مديد الْيَوْمَ اشارة الى الأزل أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ اى جعلت الكمالية فى الدين من الأزل نصيبا لكم من جميع اهل الملل والأديان وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي التي أنعمت بها عليكم فى الأزل من الكمالية الآن بإظهار دينكم على الأديان كلها فى الظاهر واما فى الحقيقة فسيجىء شرحه وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً تستكملون به الى الابد بحيث من يتبغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وذلك لان حقيقة الدين هى سلوك سبيل الله بقدم الخروج من الوجود المجازى للوصول الى الوجود الحقيقي والإنسان مخصوص به من سائر الموجودات ولهذه الامة اختصاص بالكمالية فى السلوك من سائر الأمم فالدين من عهد آدم عليه السلام كان فى التكامل بسلوك الأنبياء سبيل الحق الى عهد النبي عليه الصلاة والسلام فكل نبى سلك فى الدين مسلكا أنزله بقربه من مقامات القرب ولكن ما خرج أحد منهم بالكلية من الوجود المجازى للوصول الى الوجود الحقيقي بالكمال فقيل للنبى عليه السلام أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ فسلك النبي جميع المسالك التي سلكها الأنبياء بأجمعهم فلم يتحقق له الخروج ايضا بقدم السلوك من الوجود المجازى بالكلية حتى تداركته(2/344)
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4)
العناية الازلية لاختصاصه بالمحبوبية بجذبات الربوبية وأخرجته من الوجود المجازى ليلة اسرى بعد ما عبر به على الأنبياء كلهم وبلغ فى القرب الى الكمالية فى الدنو وهو سر او ادنى فاستسعد سعادة الوصول الى الوجود الحقيقي فى سر فاوحى الى عبده ما اوحى وفى الحقيقة قيل له فى تلك الحالة الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ولكن فى حجة الوداع فى يوم عرفة عند وقوفه بعرفات اظهر على الامة عند إظهاره على الأديان كلها وظهور كمالية الدين بنزول الفرائض والاحكام بالتمام فقال الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ويدل على هذا التأويل ما روى ابو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثلى ومثل الأنبياء من قبلى كمثل رجل ابتنى بيوتا فاحسنها وأجملها وأكملها الا موضع لبنة من زاوية من زواياها فجعل الناس يطوفون ويعجبهم البنيات فيقولون ألا وضعت هاهنا لبنة فيتم بناؤها) قال محمد صلى الله تعالى عليه وسلم (فانا اللبنة) متفق على صحته فصح ما قرر من مقامات الأنبياء وتكامل الدين بهم وكماليته بالنبي عليه السلام وبخروجه من الوجود المجازى بالكلية وان الأنبياء لم يخرجوا منه بالكلية ويدل على هذا المعنى ايضا ان الأنبياء كلهم يوم القيامة يقولون نفسى نفسى لبقية الوجود والنبي عليه السلام أمتي أمتي لفناء الوجود فافهم جدا ومن كرامة هذه الامة اشتراكهم فى كمالية الدين مع النبي بمتابعته وقال وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وهى اسبال تحصيل الكمال ومعظمها بعثة النبي عليه الصلاة والسلام وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً وهو استسلام الوجود المجازى الى النبي وخلفائه بعده ليطرح عليه اكسير المتابعة فيبدل الوجود المجازى المحبى بالوجود الحقيقي المحبوبى كما قال تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ يعنى ويغفر بالوجود الحقيقي ذنوب الوجود المجازى فافهم جدا وتنبه فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ يعنى فمن ابتلى بالتفاته الى شىء من الدنيا والآخرة مضطرا اليه فى غاية الاضطرار والابتلاء لسر التربية غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ يعنى غير مائل اليه للاعراض عن الحق ولكن من فترة تقع للصادقين او وقفة تكون للسالكين ثم يتداركونها بصدق الالتجاء الى الحق وأرواح المشايخ والاستعانة بهم وطلب الاستغفار من ولاية البنين واعانتهم فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لما ابتلاهم به رَحِيمٌ بان يهديهم الى الصراط المستقيم باقامة الدين القويم كذا فى التأويلات النجمية يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ ما للاستفهام وذا بمعنى الذي والمعنى ما الذي أحل لهم من المطاعم. ان قلت مفعول يسأل انما يكون مفردا فكيف وقع على الجملة. قلت لتضمن السؤال معنى القول قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ اى ما لم تستخبثه الطباع السليمة ولم تنفر منه كما فى قوله تعالى وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ والطيب فى اللغة المستلذ المشتهى فالتقدير كل ما يستلذ ويشتهى والعبرة فى الاستلذاذ والاستطابة باهل المروءة والأخلاق الجميلة فان اهل البادية يستطيبون أكل جميع الحيوانات كذا قال الامام فى تفسيره وَما عَلَّمْتُمْ عطف على الطيبات بتقدير المضاف على ان ما موصولة والعائد محذوف اى وصيد ما علمتموه مِنَ الْجَوارِحِ حال من الموصول جمع جارحة بمعنى كاسبة قال تعالى وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ وجوارح الإنسان أعضاؤه التي يكتسب بها ويحتمل ان يكون من الجرح بمعنى تفريق الاتصال فان الجوارح تجرح الصيد(2/345)
غالبا. والمراد بالجوارح فى الآية كل ما يكسب الصيد على اهله من سباع البهائم كالفهد والنمر والكلب ومن سباع الطير كالصقر والبازي والعقاب والنسر والباشق والشاهين ونحوها مما يقبل التعليم فان صيد جميعها حلال مُكَلِّبِينَ اى معلمين لها الصيد والمكلب مؤدب الجوارح ومضريها بالصيد ومضريها عليه مشتق من الكلب وذكر الكلب لكونه اقبل للصيد والتأديب فيه وانتصابه على الحالية من فاعل علمتم. فان قلت يلزم ان يكون المعنى وصيد ما علمتم معلمين ولا فائدة. قلت فائدتها المبالغة فى التعليم لما ان اسم المكلب لا يقع الا على النحرير فى علمه فكأنه قيل وما علمتم ماهرين فى تعليم الجوارح حاذقين فيه مشتهرين به تُعَلِّمُونَهُنَّ حال ثانية مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ من الحيل وطرق التعليم والتأديب فان العلم به الهام من الله تعالى او مكتسب بالعقل الذي هو منحة منه او مما علمكم ان تعلموه من اتباع الصيد بإرسال صاحبه
وان ينزجر بزجره وينصرف بدعائه ويمسك عليه الصيد ولا يأكل منه. قال صاحب الكشاف قوله تعالى تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فيه تنبيه على ان كل من يأخذ علما ينبغى ان يأخذه ممن هو متبحر فى ذلك العلم غواص فى بحار لطائفه وحقائقه وان احتاج فى ذلك الى ارتكاب سفر بعيد قال عليه السلام (اطلبوا العلم ولو بالصين) فكم من آخذ من غير متقن ضيع أيامه وعض عند لقاء النحارير أنامله فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ من تبعيضية لما ان البعض مما لا يتعلق به الاكل كالجلود والعظام والريش وما موصولة حذف عائدها وعلى متعلقة بامسكن اى فكلوا بعض ما امسكنه عليكم وهو الذي لم يأكلن منه واما ما أكلن منه فهو مما أمسكن على انفسهن لقوله عليه السلام لعدى بن حاتم (وان أكل منه فلا تأكل انما امسكه على نفسه) واليه ذهب اكثر الفقهاء. وقال بعضهم ومنهم ابو حنيفة يؤكل مما بقي من جوارح الطير ولا يؤكل مما بقي من الكلب والفرق انه يمكن ان يؤدب الكلب على الاكل بالضرب ولا يؤدب البازي على الاكل وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ الضمير لما فى ما علمتم اى سموا عليه عند إرساله او لما فى ما أمسكن اى سموا عليه إذا أدركتم ذكاته. وعن ابى ثعلبة قال قلت يا نبى الله انا بأرض قوم اهل كتاب أفنأكل فى آنيتهم وبأرض صيد اصيد بقوسي وبكلبى الذي ليس بمعلم وبكلبى المعلم فما يصلح لى قال (أما ما ذكرت من آنية اهل الكتاب فان وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وان لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله فكل وما صدت بكلبك المعلم فذكرت الله عليه فكل وما صدت بكلبك غير المعلم فادركت ذكاته فكل) وعن انس رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحى بكبشين أملحين أقرنين يطأ على صفاحهما ويذبحهما بيده ويقول بسم الله والله اكبر كذا فى تفسير البغوي. والمستحب ان يقول بسم الله الله اكبر بلا واو لان ذكر الواو يقطع نور التسمية كما فى شرح مختصر الوقاية وكره ترك التوجه الى القبلة وحلت كذا فى الذخيرة ومتروك التسمية عمدا حرام لانه ميتة بخلاف متروكها نسيانا فانه حلال وَاتَّقُوا اللَّهَ فى شأن محرماته إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ سريع إتيان حسابه او سريع تمامه إذا شرع فيه يتم فى اقرب ما يكون من الزمان والمعنى على التقديرين انه يؤاخذكم سريعا فى كل ما جل ودق ودلت الآية على اباحة الصيد. قال فى الأشباه الصيد مباح إلا للتلهي(2/346)
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)
او حرفة كذا فى البزازية وعلى هذا فاتخاذه حرفة كصيادى السمك حرام- يحكى- عن ابراهيم ابن أدهم انه قال كان ابى من ملوك خراسان فركبت الى الصيد فاثرت أرنبا إذ هتف بي هاتف يا ابراهيم ألهذا خلقت أم بهذا أمرت ففزعت ودفعت ثم أخذت ففعلت ثانيا ثم هتف بي هاتف من قربوس السرج والله ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت فنزلت فصادفت راعى ابى ولبست جبته وتوجهت الى مكة. ولما نزلت هذه الآية اذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اقتناء الكلاب التي ينتفع بها ونهى عن اقتناء ما لا ينتفع بها وامر بقتل الكلب العقور وبما يضر ويؤذى ورفع عما سواها مما لا ضرر فيه وفى الحديث (من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية او صيد او زرع انتقص من اجره كل يوم قيراط) والحكمة فى ذلك انه ينبح الضيف ويروع السائل كذا فى تفسير الحدادي وفى الحديث (لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب) والمراد بالملائكة ملائكة الرحمة والاستغفار اى النازلون بالبركة والرحمة والطائفون على العباد للزيارة واستماع الذكر لا الكتبة فانهم لا يفارقون المكلفين طرفة عين والمراد بالصورة صورة ذى الروح لمشابهته بيوت الأصنام وبعض الصور يعبد فابغض الأشياء الى الخواص ما عصى الله به. واما الكلب فلانه نجس فاشبه المتبرز وزاد فى بعض الأحاديث ولا جنب الا ان يتوضأ. قال فى الترغيب والترهيب ورخص للجنب إذا نام او أكل او شرب ان يتوضأ ثم قيل هذا فى حق كل من اخر الغسل لغير عذر ولعذر إذا امكنه الوضوء فلم يتوضأ او قيل هو الذي يؤخره تهاونا وكسلا ويتخذ ذلك عادة انتهى. قال فى الشرعة وشرحها لابن السيد على وينام بعد الوطء نومة خفيفة فانه أروح للنفس لكن السنة فيه ان يتوضأ او لا وضوءه للصلاة ثم ينام وكذا إذا أراد الاكل جنبا ولو أراد العود فليتوضأ والمراد به التنظف بغسل الذكر واليدين لا الوضوء الشرعي كما ذهب اليه بعض المالكية. والاشارة فى الآية ان ارباب الطلب واصحاب السلوك يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ او حرم عليهم من الدنيا والآخرة كما قال صلى الله عليه وسلم (الدنيا حرام على اهل الآخرة والآخرة حرام على اهل الدنيا وهما حرامان على اهل الله تعالى) قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وهى ما لا يقطع عليكم طريق الوصول الى الله فان الله طيب لا يقبل الا الطيب وكل مأكول ومشروب وملبوس ومقول ومعقول ومعمول طلبتموه بحظ من الحظوظ فقد لوثتموه للوث داعى الوجود فهو من الخبيثات لا يصلح الا للخبيثين وما طلبتموه بالحق للقيام بأداء الحقوق مطيبا بنفحات الشهود فهو من الطيبات لا يصلح الا للطيبين وفى قوله إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ اشارة الى انه تعالى يحاسب العباد على أعمالهم قبل ان يفرغوا منها ويجازيهم فى الحال بالإحسان احسان القربة ورفعة الدرجة وجذبة العناية وبالاساءة اساءة البعد والطرد الى السفل والخذلان: ونعم ما قيل [هر كه كند بخود كند ور همه نيك بد كند] قال الصائب
چرا ز غير شكايت كنم كه همچوحباب ... هميشه خانه خراب هواى خويشتنم
الْيَوْمَ أراد به الزمان الحاضر وما يتصل به من الازمنة الماضية والآتية او يوم النزول أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وهى ما لم تستخبثه الطباع السليمة وهى طباع اهل المروءة والأخلاق الجميلة او ما لم يدل نص شارع ولا قياس مجتهد على حرمته وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ اى(2/347)
اليهود والنصارى والمراد بطعامهم ما يتناول ذبائحهم وغيرها حِلٌّ لَكُمْ اى حلال وعن ابن عباس انه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال لا بأس وهو قول عامة التابعين وبه أخذ ابو حنيفة وأصحابه. وحكم الصابئين حكم اهل الكتاب عنده وقال صاحباه هما صنفان صنف يقرأون الزبور ويعبدون الملائكة وصنف لا يقرأون كتابا ويعبدون النجوم فهؤلاء ليسوا من اهل الكتاب واما المجوس فقد سن بهم سنة اهل الكتاب فى أخذ الجزية منهم دون أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم لقوله عليه السلام (سنوا بهم سنة اهل الكتاب غيرنا كحى نسائهم ولا آكلى ذبائحهم) ولو ذبح يهودى او نصرانى على اسم غير الله كالنصرانى يذبح باسم المسيح فذهب اكثر اهل العلم الى
انه يحل فان الله قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون. وقال الحسن إذا ذبح اليهودي او النصراني فذكر اسم غير الله وأنت تسمع فلا تأكله وإذا غاب عنك فكل فقد أحل الله لك وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ فلا عليكم ان تطعموهم وتبيعوه منهم ولو حرم عليهم لم يجز ذلك وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ رفع على انه مبتدأ حذف خبره لدلالة ما تقدم عليه اى حل لكم ايضا والمراد بهن الحرائر والعفائف وتخصيصهن بالذكر للبعث على ما هو الاولى لا لنفى ما عداهن فان نكاح الإماء المسلمات صحيح بالاتفاق وكذا غير العفائف منهن واما الإماء الكتابيات فهن كالمسلمات عند ابى حنيفة خلافا للشافعى وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ اى هن ايضا حل لكم وان كن حربيات وقال ابن عباس رضى الله عنهما لا تحل الحربيات. قال الحدادي واستدل بعض الفقهاء بظاهر الآية على انه لا يجوز للمسلم نكاح الامة الكتابية والصحيح انه يجوز بظاهر قوله تعالى بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ بدليل حل ذبائحهن وانما خص الله المحصنات بإباحة نكاحهن مع جواز نكاح غيرهن لان الآية خرجت مخرج الامتنان والمنة فى نكاح الحرائر العفائف أعظم وأتم يدل على ذلك انه لا خلاف فى جواز النكاح بين المسلم والامة المؤمنة وان كان فى الآية تخصيص المحصنات من المؤمنات والأفضل لمن أراد النكاح ان لا يعدل عن نكاح الحرائر الكتابيات مع القدرة عليهن وذلك ان نكاح الامة يؤدى الى ارقاق الولد لان الولد يتبع امه فى الرق والحرية ولا ينبغى لاحد ان يختار رق ولده كما لا ينبغى ان يختار رق نفسه إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ اى مهورهن وتقييد الحل بايتائها لتأكيد وجوبها والحث على الاولى وإذا ظرفية عاملها حل المحذوف مُحْصِنِينَ حال من فاعل آتيتموهن اى حال كونكم إعفاء بالنكاح وكذا قوله غَيْرَ مُسافِحِينَ اى غير مجاهرين بالزنى وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ اى ولا مسرين به والخدن الصديق يقع على الذكر والأنثى. قال الشعبي الزنى ضربان السفاح وهو الزنى على سبيل الإعلان واتخاذ الخدن وهو الزنى فى السر والله تعالى حرمهما فى هذه الآية وأباح التمتع بالمرأة على جهة الإحصان وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ اى ومن ينكر شرائع الإسلام التي من جملتها ما بين هاهنا من الاحكام المتعلقة بالحل والحرمة ويمتنع عن قبولها فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ اى بطل عمله الصالح الذي عمله قبل ذلك وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ هو مبتدأ من الخاسرين خبره وفى متعلقة بما تعلق به الخبر من الكون المطلق. قال الحدادي فقد بطل ثواب عمله وهو فى الآخرة من المغبونين غبن نفسه ومنزله وصار الى النار لا يغنى عن المرأة(2/348)
الكتابية اسلام زوجها ولا ينفعها ذلك ولا يضر المسلم كفر زوجته الكتابية: قال السعدي
برفتند وهر كس درود آنچهـ گشت ... نماند بجز نام نيكو وزشت
واعلم ان الكفر أقبح القبائح كما ان الايمان احسن المحاسن وعن ابن عباس رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال (لما خلق الله جنة عدن خلق فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قال لها تكلمى فقالت قد أفلح المؤمنون ثلاثا) وعن كعب الأحبار ان نوحا عليه السلام لما حضرته الوفاة دعا ابنه ساما من بين أولاده وقال أوصيك باثنتين وأنهاك عن اثنتين. فاما الاوليان فاحداهما شهادة ان لا اله الا الله فانها تخرق السموات السبع ولا يحجبها شىء ولو وضعت السموات والأرض وما فيهن فى كفة ووضعت هى فى الاخرى لرجحت. واما الثانية فان تكثر من قول سبحان الله والحمد لله فانها جامعة للثواب. واما الأخريان فالشرك بالله والاتكال على غير الله. قال القاضي عياض انعقد الإجماع على ان الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن بعضهم يكون أشد من بعض بحسب جرائمهم واما حسناتهم فمقبولة بعد إسلامهم على ما ورد فى الحديث. قال فى نصاب الاحتساب ما يكون كفرا بلا خلاف يوجب احباط العمل ويلزمه إعادة الحج ان كان قد حج ويكون وطؤه مع امرأته حراما والولد المتولد فى هذه الحالة يكون ولد الزنى وان كان اتى بكلمة الشهادة بعد ذلك إذا كان الإتيان على وجه العادة ولم يرجع عما قال
لان الإتيان بكلمة الشهادة على وجه العادة لا يرفع الكفر وما كان فى كونه كفرا اختلاف فان قائله يؤمر بتجديد النكاح والتوبة والرجوع عن ذلك بطريق الاحتياط واما ما كان خطأ من الألفاظ ولا يوجب الكفر فقائله مؤمن على حاله ولا يؤمر بتجديد النكاح ويؤمر بالاستغفار والرجوع عن ذلك انتهى كلام النصاب. والرجل والمرأة فى ذلك سواء حتى لو تكلمت المرأة بما يكون كفرا تبين من زوجها. فعلى العبد الصالح ان يختار من النساء صالحة عفيفة متقية. قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره لا تعطى الولاية لولد الزنى قال واشكر الله تعالى على ان جعلنى أول ولد ولدته أمي فانه ابعد من ان يصدر ألفاظ الكفر من أحد أبوي قال وارثه الأكبر الشيخ الشهير بالهدائي قدس سره قلت والفقير كذلك. والاشارة فى الآية أُحِلَّ لَكُمُ يا ارباب الحقيقة فى اليوم الذي قدر كمالية الدين فيه لكم فى الأزل جميع الطَّيِّباتُ التي تتعلق بسعادة الدارين بل أحل لكم التخلق بالأخلاق الطيبات وهى اخلاق الله المنزهات عن الكميات والكيفيات المبرءات من النقائص والشبهات وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وفى الحقيقة هم الأنبياء عليهم السلام حِلٌّ لَكُمْ اى غذيتم بلبان الولاية كما غذوا بلبان النبوة من حلمتى الشريعة والحقيقة وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ يعنى منبع لبن النبوة والولاية واحد وان كان الثدي اثنين فشربتم لبان الطافنا من مشرب الولاية وشرب الأنبياء لبان افضالنا من مشرب النبوة قد علم كل أناس مشربهم وللنبى عليه السلام شركة فى المشارب كلها وله اختصاص فى مجلس المقام المحمود من المحبوب بمشرب (أبيت عند ربى يطعمنى ويسقينى لا يشاركه فيه ملك مقرب ولا نبىء مرسل) وَكذلك حل لكم الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وهى أبكار حقائق القرآن التي أحصنت من إفهام الأزواج المؤمنات(2/349)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)
بها وهى ازواج العلماء وخواص هذه الامة وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وهى أبكار حقائق الكتب المنزلة على الامة السالفة التي أحصنت من الذين انزل عليهم الكتب وأدرجت فى القرآن وأخفيت لكم كما قال تعالى فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ يعنى فى القرآن مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ وهى أبكار حقائق جميع الكتب المنزلة فافهم جدا كلها لكم إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ اى مهور هذه الابكار وهى بذل الوجود مُحْصِنِينَ يعنى متعففين فى بذل الوجود فيكون على وجه الحق وبتصرف المشايخ الواصلين غَيْرَ مُسافِحِينَ على وفق الطبع وخلاف الشرع وبتصرف الهوى وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ يعنى فى بذل الوجود لا يكون ملتفتا الى شىء من الكونين ولا الى أحد فى الدارين سوى الله ليكون هو المشرب ومنه الشراب وهو الحريف والساقي وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ بهذه المعاملات والكمالات إذ حرم من العيان من هذه السعادات فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ الذي عمله على العمياء والتقليد وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ الذين خسروا الدنيا والعقبى والمولى كذا فى التأويلات النجمية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ المراد بالقيام اما القيام الذي هو من اركان الصلاة فالتقدير إذا أردتم القيام لها بطريق اطلاق اسم المسبب على السبب لان الجزاء لا بد وان يتأخر عن الشرط يعنى صحة قيام الصلاة بالطهارة واما القيام الذي هو من مقدمات مباشرة الصلاة فالتقدير إذا قصدتم الصلاة إطلاقا لاسم أحد لازميها على لازمها الآخرة فالوضوء من شرائط القيام الاول دون الثاني وهذا الخطاب خاص بالمحدثين بقرينة دلالة الحال فلا يلزم الوضوء على كل قائم الى الصلاة سواء كان محدثا أم لا كما يقتضيه ظاهر الآية فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ الغسل اجراء الماء على المحل وتسييله سواء وجد معه الدلك أم لا والوجه ما يواجهك من الإنسان وحده من قصاص الشعر الى أسفل الذقن طولا ومن شحمة الاذن الى شحمة الاذن عرضا يجب غسل جميعه فى الوضوء ويجب إيصال الماء الى ما تحت الحاجبين واهداب العينين والشارب والعذار والعنفقة وان كانت كثيفة وعند الامام لا يجب غسل ما تحت الشعر ففرض اللحية عنده مسح ما يلاقى الوجه دون ما استرسل من الذقن لانه لما سقطت فرضية غسل ما تحت اللحية انتقلت فرضيته الى خلفه وظاهر الآية ان المضمضة والاستنشاق غير واجبين فى الوضوء لان اسم الوجه يتناول الظاهر دون الباطن فهما من السنن وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ الجمهور على دخول المرفقين فى المغسول ولذلك قيل الى بمعنى مع كقوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ والمرافق جمع مرفق وهو مجتمع طرفى الساعد والعضد ويسمى مرفقا لانه الذي يرتفق به اى يتكأ عليه من اليد وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ الباء مزيدة كما القى بيده. والمسح الاصابة وقدر الواجب عند ابى حنيفة ربع الرأس لانه عليه السلام مسح على ناصيته وهو قريب من الربع فان للرأس جوانب اربعة ناصية وقذال وفودان والقذال مؤخر الرأس خلف الناصية وفودا الرأس جانباه. فى الواقعات المحمودية قال حضرت الشيخ الشهير بافتاده افندى انكشف لى وجه الاختلاف فى مقدار مسح الناصية وهو ان بدن الإنسان مربع فبالقياس اليه ينبغى ان يكون(2/350)
الممسوح ربع الرأس واما اعتبار قدر ثلاثة أصابع فبالنظر الى حال نفس الرأس فانه مسدس والسدس فيه قدر ثلاثة أصابع. قال المرحوم حضرة محمود الهدايى قلت فحينئذ ينبغى ان يكون الاعتبار الأخير اولى لانه بالنظر الى حال نفسه بخلاف الاول لانه بالقياس الى البدن.
فقال حضرة الشيخ افتاده وجه اولوية الاول ان البدن اكثر من الرأس فاتباع الأقل بالأكثر اولى انتهى. قال الحدادي واما مسح الأذنين فهو سنة فيمسح ظاهر اذنيه بإبهاميه وظاهرهما بمسبحتيه بماء الرأس واما مسح الرقبة فمستحب. وفى الحديث (من مسح رقبته فى الوضوء أمن من الغل يوم القيامة) وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ بالنصب عطفا على وجوهكم ويؤيده السنة الشائعة وعمل الصحابة وقول اكثر الائمة والتحديد إذ المسح لم يعهد محدودا وانما جاء التحديد فى المغسولات. قال فى الأشباه غسل الرجلين أفضل من المسح على الخفين لمن يرى جوازه والا فهو أفضل وكذا بحضرة من لا يراه انتهى وذهبت الروافض الى ان الواجب فى الرجلين المسح ورووا فى المسح خبرا ضعيفا شاذا. قال صاحب الروضة خف الروافض مثل فى السعة لانه لا يرى المسح على الخف ويرى المسح على الرجلين فيوسعه ليتمكن من إدخال يده فيه ليمسح برجله. وعن ابن المغيرة عن أبيه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فى سفر فقال (أمعك ماء) قلت نعم فنزل عن راحلته فمشى حتى توارى عنى فى سواد الليل ثم جاء فافرغت عليه من الاداوة فغسل وجه ويديه وعليه جبة من الصوف فلم يستطع ان يخرج ذراعيه منها حتى أخرجهما من أسفل الجبة فغسل ذراعيه ثم مسح برأسه ثم أهويت لا نزع خفيه فقال (دعهما فانى أدخلتهما طاهرين) فمسح عليهما كذا فى تفسير البغوي. وأطبق العلماء على ان وجوب الوضوء مستفاد من هذه الآية ومن سنته النية فينوى رفع الحدث او اقامة الصلاة ليقع قربة واستعمال السواك فى غلظة الخنصر وطول الشبر حالة المضمضة تكميلا للانقاء او قبل الوضوء وعند فقده يعالج بالأصابع وينال بالإصبع ثواب السواك. وفى الهداية الأصح ان السواك مستحب. وعن مجاهد قال ابطأ جبريل عليه السلام على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ثم أتاه فقال له النبي عليه السلام (ما حبسك يا جبريل) قال وكيف آتيكم وأنتم لا تقصون أظفاركم ولا تأخذون من شواربكم ولا تنقون براجمكم ولا تستاكون ثم قرأ وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ والبراجم مفاصل الأصابع والعقد التي على ظاهرها يجتمع فيها من الوسخ وفى الحديث (نقوا براجمكم) فامر بتنقيتها لئلا تدرن فتبقى فيها الجنابة ويحول الدرن بين الماء والبشرة وفى الحديث (نظفوا لثاتكم) جمع لثة بالتخفيف وهى اللحمة التي فوق الأسنان دون الأسنان فامر بتنظيفها لئلا يبقى فيها وحل الطعام فتتغير عليه النكهة وتتنكر الرائحة وينأذى الملكان لانه طريق القرآن ومقعد الملكين وتنفر الملائكة من الرائحة الكريهة وفى الحديث (ان العبد إذا تسوك ثم قام يصلى قام الملك خلفه فيستمع لقراءته فيدنو منه حتى يضع فاه على فيه فما يخرج من فيه شىء من القرآن إلا صار فى جوف الملك فطهروا أفواهكم للقرآن) وفى الحديث (ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك) . ويقول المتوضي بعد التسمية [الحمد لله الذي جعل الماء(2/351)
طهورا] . وعند المضمضة [اللهم اسقني من حوض نبيك كأسا لا اظمأ بعدها ابدا اللهم اعنى على ذكرك وشكرك وتلاوة كتابك] . وعند الاستنشاق [اللهم لا تحرمنى من رائحة نعيمك وجنانك] او يقول [اللهم أرحني رائحة الجنة ولا ترحنى رائحة النار] . وعند غسل الوجه [اللهم بيض وجهى يوم تبيض وجوه وتسود وجوه] او يقول [اللهم بيض وجهى بنورك يوم تبيض وجوه أوليائك ولا تسود وجهى بذنوبي يوم تسود وجوه أعدائك] . وعند غسل اليد اليمنى [اللهم أعطني كتابى بيمينى وحاسبنى حسابا يسيرا] وعند غسل اليد اليسرى [اللهم لا تعطنى كتابى بشمالى ولا من وراء ظهرى] . وعند مسح الرأس [اللهم حرم شعرى وبشرى على النار وأظلني تحت ظل عرشك يوم لا ظل الا ظلك اللهم غشنى برحمتك وانزل على من بركاتك] . وعند مسح الأذنين [اللهم اجعلنى من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه] . وعند مسح رقبته [اللهم أعتق رقبتى من النار] . وعند غسل الرجل اليمنى [اللهم ثبت قدمى على الصراط يوم تزل فيه الاقدام] . وعند غسل الرجل اليسرى [اللهم اجعل لى سعيا مشكورا وذنبا مغفورا وعملا مقبولا وتجارة لن تبور] ويقول بعد الفراغ [اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلنى من التوابين واجعلنى من المتطهرين واجعلنى
من عبادك الصالحين الذين أنعمت عليهم واجعلنى من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون] . والحكمة فى تخصيص الأعضاء الاربعة فى الوضوء ان آدم عليه السلام لما توجه الى الشجرة بالوجه وتناولها باليد ومشى إليها بالرجل ووضع يده على رأسه امره بغسل هذه الأعضاء تكفيرا للخطايا وقد جاء فى الحديث (ان العبد إذا غسل وجهه خرجت خطاياه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه) وكذلك فى بقية الأعضاء. وقيل خص بغسل هذه الأعضاء الامة المحمدية ليكونوا غرا محجلين بين الأمم كما روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى المقبرة فقال (السلام عليكم دار قوم مؤمنين وانا ان شاء الله بكم لاحقون وددت انا قد رأينا إخواننا) قالوا أو لسنا اخوانك يا رسول الله قال (أنتم أصحابي وإخواننا الذين يأتون بعد) قالوا كيف تعرف من يأتون بعد من أمتك يا رسول الله فقال (أرأيتم لو ان رجلا له خيل غر محجلة بين اظهر خيل دهم بهم ألا يعرف خيله) قالوا بلى يا رسول الله قال (فانهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين من الوضوء وانا فرطهم على الحوض) .
واعلم ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات الخمس يوم الفتح بوضوء واحد فقال عمر رضى الله عنه صنعت شيأ لم تكن تصنعه فقال عليه السلام (عمدا فعلته يا عمر) يعنى بيانا للجواز غير انه يستحب تجديد الوضوء لكل فرض وفى الحديث (من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات) وللتجديد اثر ظاهر فى تنوير الباطل. وكان بعض اهل الله يتوضأ عند الغيبة والكذب والغضب لظهور غلبة النفس وتصرف الشيطان فالوضوء هو النور الذي به تضمحل ظلمات النفس والشيطان. وكان على وجه بعضهم قرح لم يندمل اثنتي عشرة سنة لضرر الماء له. وكان مع ذلك لم يدع تجديد الوضوء عند كل فريضة. ونزل فى عين بعضهم ماء اسود فقال الكحال لا بد من ترك الوضوء أياما والا فلا يعالج فاختار ذهاب(2/352)
بصره على ترك الوضوء. ودوام الطهارة مستجلب لمزيد الرزق كما قال عليه السلام (دم على الطهارة يوسع عليك الرزق) والسنة ان يصلى بعد الوضوء ركعتين تسمى شكر الوضوء- روى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال (يا بلال حدثنى بأرجى عمل عملته فى الإسلام فانى سمعت دق نعليك بين يدى فى الجنة) قال ما عملت عملا أرجى عندى من انى لم أتطهر طهورا فى ساعة من ليل او نهار الا صليت بذلك الطهور ما كتب لى ان أصلي.
قال فى الاسرار المحمدية لابن فخر الدين الرومي ويصلى شكر الوضوء وان فى الأوقات المكروهة لا الأوقات المحرمة كما قبل صلاة الفجر وبعدها وبعد صلاة العصر ايضا لانها من الصلوات ذوات الأسباب. واما الأوقات المحرمة كطلوع الشمس وزوالها وغروبها فلا تجوز فيه أصلا فيصبر الى وقت اباحة الصلاة فيصليها حينئذ الا إذا كان بمكة. عن جبير ان النبي عليه السلام قال (يا بنى عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية شاء من ليل او نهار) وعن جندب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس الا بمكة الا بمكة الا بمكة) انتهى كلام الاسرار.
والاشارة فى الآية ان الخطاب فى قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هو خطاب مع الذين آمنوا ايمانا حقيقيا عند خطاب ألست بربكم بقولهم بلى. وهم اهل الصف الاول يوم الميثاق آمنوا بعد ما عاينوا. واهل الصف الثاني آمنوا إذ شاهدوا. واهل الصف الثالث آمنوا إذ سمعوا الخطاب. واهل الصف الرابع آمنوا تقليدا لا تحقيقا لانهم ما عاينوا ولا شاهدوا ولا سمعوا خطاب الحق بسمع الفهم والدراية بل سمعوا سماع القهر والنكاية فتحيروا حتى سمعوا جواب اهل الصفوف الثلاثة إذ قالوا بلى فقالوا بتقليدهم بلى فلا جرم هاهنا ما آمنوا وهم الكفار وان آمنوا ما آمنوا على التحقيق بل بالتقليد او بالنفاق وهم المنافقون.
واهل الصف الثالث هم المسلمون وعوام المؤمنين فكما آمنوا هناك بسماع الخطاب فكذلك هاهنا آمنوا بسماع كقوله تعالى إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا.
واما اهل الصف الثاني وهم خواص المؤمنين وعوام الأولياء فكما انهم آمنوا هناك إذ شاهدوا فكذلك هاهنا آمنوا بشواهد المعرفة كما قال وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا ومن هاهنا قال بعضهم ما نظرت فى شىء الا ورأيت الله فيه. واما اهل الصف الاول وهم الأنبياء وخواص الأولياء فكما آمنوا هناك إذ عاينوا فكذلك هاهنا آمنوا إذ عاينوا كقوله تعالى آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وذلك فى ليلة المعراج إذ اوحى الى عبده ما اوحى قال آمن الرسول بما انزل اليه من ربه وكان ايمان موسى عليه السلام نوعا من هذا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وانا أول المؤمنين.
وقال على رضى الله عنه لم اعبد ربا لم أره. وقال بعضهم رأى قلبى ربى وقال آخر ما نظرت فى شىء الا ورأيت الله فيه فخاطب اهل الصف الاول بقوله يا ايها الذين آمنوا تحقيقا ثم اهبطوا عن ممالك القرب الى مهالك البعد ومن رياض الانس الى سباخ الانس إِذا قُمْتُمْ من نوم الغفلة انتبهتم من رقدة الفرقة إِلَى الصَّلاةِ هى معراجكم للرجوع الى مقام قربكم كما قال(2/353)
وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ التي توجهتم بها الى الدنيا ولطختموها بالنظر الى الأغيار بماء التوبة والاستغفار وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ اى واغسلوا ايديكم عن التمسك بالدارين والتعلق بما فى الكونين حتى الصديق الموافق والرفيق المرافق وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ببذل نفوسكم وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ اى واغسلوا أرجلكم عن طين طينتكم والقيام بانانيتكم كذا فى التأويلات النجمية: قال الحافظ قدس سره
من هماندم كه وضو ساختم از چشمه عشق ... چار تكبير زدم يكسره بر هر چهـ كه هست
وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا اى فتطهروا أدغمت تاء التفعل فى الطاء لقرب مخرجهما واجتلبت همزة الوصل ليمكن الابتداء فقيل اطهروا وهذا التطهر عبارة عن الاغتسال والاطهار هو التطهر بالتكلف والمبالغة فلا يكون الا بغسل جميع ظاهر البدن حتى لو بقي العجين بين أظفاره ويبس لم يجز غسله لان الماء لا يصل تحته ولو بقي الدرن جاز الا ان ما تعذر إيصال الماء اليه كداخل العين ساقط بخلاف باطن الانف والفم حيث يمكن غسلهما ولا ضرر فيه فيجب. والدلك ليس بفرض لانه متمم فيكون مستحبا وليس البدن كالثوب لان النجاسة تخللت فيه دون البدن.
ففرض الغسل غسل الفم والانف وسائر البدن. وسنته غسل يديه لكونهما آلة التطهر.
وفرجه لانه مظنة النجاسة ونجاسة حقيقية ان كانت على سائر بدنه لئلا تتلاشى عند إصابة الماء. والوضوء وضوءه للصلاة الا انه يؤخر غسل رجليه الى ما بعد صب الماء على جميع بدنه ان كانتا فى مستنقع الماء تحرزا على الماء المستعمل وتثليث الغسل المستوعب هكذا حكى غسل رسول الله. ويبتدئ بمنكبه الايمن ثم الأيسر ثم الرأس فى الأصح. وليس على المرأة نقض ضفيرتها ولا بلها ان بل أصلها لان كون الشعر من البدن باعتبار أصوله فيكتفى ببل أصوله فيما فيه حرج وفيما لا حرج فيه يجب إيصال الماء الى جميعه كالضفيرة المفتولة وحكم المنقوضة ليس كذلك بل يجب إيصال الماء الى جميعها لعدم الحرج فيها. والرجل يجب عليه إيصال الماء الى جميع شعره والفرق ان حلق الشعر للمرأة مثلة دون الرجل والحرج مندفع عنه بغير الضفيرة وادنى ما يكفى من الماء فى الغسل صاع وفى الوضوء مد والصاع ثمانية أرطال والمد رطلان لما روى ان النبي عليه السلام كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد ثم اختلفوا هل المد من الصاع او من غيره فهذا ليس بتقدير لازم حتى لو أسبغ الوضوء والغسل بدون ذلك جاز ولو اغتسل بأكثر منه جاز ما لم يسرف فهو المكروه كذا فى الاختيار شرح المختار.
والجنب الصحيح فى المصر إذا خاف الهلاك من الاغتسال جاز له التيمم فى قولهم. واما المحدث فى المصر إذا خاف الهلاك من التوضؤ اختلفوا فيه على قول ابى حنيفة رحمه الله والصحيح انه لا يباح له التيمم كذا فى فتاوى قاضى خان. والمرأة إذا وجب عليها الغسل ولم تجد سترة من الرجال تؤخره والرجل إذا لم يجد سترة من الرجال لا يؤخره ويغتسل. وفى الاستنجاء إذا لم يجد سترة يتركه والفرق ان النجاسة الحكمية أقوى والمرأة بين النساء كالرجل بين الرجال كذا فى الأشباه وفى الحديث (ثلاثة لا تقربهم الملائكة جيفة الكافر والمتضمخ بالخلوف والجنب الا ان يتوضأ) وفى الحديث (لا ينقع بول فى طست فى البيت فان الملائكة لا تدخل بيتا فيه(2/354)
بول منتقع ولا تبولنّ فى مغتسلك) وفى الاغتسال منافع بدنية وفوائد دينية. منها مخالفة الكفار فانهم لا يغتسلون وازالة الدنس والابخرة الرديئة النفسانية التي تورث بعض الأمراض وتسكين حرارة الشهوات الطبيعية. قال الشيخ النيسابورى فى كتاب اللطائف فوائد الطهارة عشر طهارة الفؤاد وهو صرفه عما سوى الله تعالى. وطهارة السر المشاهدة. وطهارة الصدر الرجاء والقناعة. وطهارة الروح الحياء والهيبة. وطهارة البطن أكل الحلال والعفة عن أكل الحرام والشبهات. وطهارة البدن ترك الشهوات وازالة الأدناس. وطهارة اليدين الورع والاجتهاد. وطهارة اللسان الذكر والاستغفار. قال الثعلبي فى تفسير هذه الآية قال على رضى الله عنه اقبل عشرة من أحبار اليهود فقالوا يا محمد لماذا امر الله بالغسل من الجنابة ولم يأمر من البول والغائط وهما أقذر من النطفة فقال صلى الله عليه وسلم (ان آدم لما أكل من الشجرة تحول فى عروقه وشعره فاذا جامع الإنسان نزل من اصل كل شعرة فافترضه الله علىّ وعلى أمتي تطهيرا وتكفيرا وشكرا لما أنعم الله عليهم من اللذة التي يصيبونها) قال فى بدائع الصنائع فى احكام الشرائع انما وجب غسل جميع البدن بخروج المنى ولم يجب بخروج البول والغائط وانما وجب غسل الأعضاء المخصوصة لا غير لوجوه. أحدها ان قضاء الشهوة بانزال المنى استمتاع بنعمة يظهر اثرها فى جميع البدن وهى اللذة فامر بغسل جميع البدن شكرا لهذه النعمة وهذا لا يتقدر فى البول والغائط. والثاني ان الجنابة تأخذ جميع البدن ظاهره وباطنه لان الوطء الذي هو سببها لا يكون الا باستعمال جميع ما فى البدن من القوة حتى يضعف الإنسان بالإكثار منه ويقوى بالامتناع عنه واذن أخذت الجنابة جميع البدن الظاهر والباطن بقدر الإمكان ولا كذلك الحدث فانه لا يأخذ الا الظاهر من الأطراف لان سببه يكون بظواهر الأطراف من الاكل والشرب ولا يكون باستعمال جميع البدن فاوجب غسل ظاهر الأطراف لا سائر البدن. والثالث ان غسل الكل او البعض وجب وسيلة الى الصلاة التي هى خدمة الرب سبحانه والقيام بين يديه وتعظيمه فيجب ان يكون المصلى على اطهر الأحوال وانظفها ليكون اقرب الى التعظيم وأكمل فى الخدمة وكمال تعظيم النظافة يحصل بغسل جميع البدن وهذا هو العزيمة فى الحدث ايضا الا ان ذلك مما يكثر وجوده فاكتفى منه بأكثر النظافة وهى تنقية الأطراف التي تنكشف كثيرا ويقع عليها الابصار ابدا وأقيم ذلك مقام غسل كل البدن دفعا للحرج وتيسيرا وفضلا من الله ورحمة ولا حرج فى الجنابة لانها لا تكثر فبقى الأمر فيها على العزيمة انتهى كلام البدائع هذا غسل الحي.
واما غسل الميت فشريعة ماضية لما روى ان آدم عليه السلام لما قبض نزل جبريل بالملائكة وغسلوه وقالوا لأولاده هذه سنة موتاكم وفى الحديث (للمسلم على المسلم ستة حقوق ومن جملتها ان يغسله بعد موته) ثم هو واجب عملا بكلمة على ولكن إذا قام به البعض سقط عن الباقين لحصول المقصود وأريد بالسنة فى حديث آدم الطريقة ولو تعين واحد لغسله لا يحل له أخذ الاجرة عليه وانما وجب غسل الميت لانه تنجس بالموت كسائر الحيوانات الدموية الا انه يطهر بالغسل كرامة له ولو وجد ميت فى الماء فلا بد من غسله لان الخطاب بالغسل توجه لبنى آدم ولم يوجد منهم(2/355)
فعل. وقيل ان الميت إذا فارقته الروح وارتاح من شدة النزع انزل فوجب على الاحياء غسله كذا فى حل الرموز وكشف الكنوز. والفرق بين غسل الميت والحي انه يستحب البداءة بغسل وجه الميت بخلاف الحي فانه يبدأ بغسل يديه ولا يمضمض ولا يستنشق بخلاف الحي ولا يؤخر غسل رجليه بخلاف الحي ان كان فى مستنقع الماء ولا يمسح رأسه فى وضوء الغسل بخلاف الحي فى رواية كذا فى الأشباه. والاشارة فى الآية وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً بالالتفات الى غيرنا فَاطَّهَّرُوا بالنفوس عن المعاصي وبالقلوب عن رؤية الطاعات وبالاسرار عن رؤية الأغيار وبالأرواح عن الاسترواح من غيرنا وبسر السر عن لوث الوجود فلا بد من الطهارة مطلقا: قال الحافظ
چون طهارت نبود كعبه وبتخانه يكيست ... نبود خير در ان خانه كه عصمت نبود
وفى وجوب الغسل اشارة وتنبيه الى وجوب الغسل الحقيقي لوجود القلب والروح ولتلوثه بحب الدنيا وشهواتها فيجب غسلها بماء التوبة والندامة والإخلاص فهو أوجب الواجبات وآكدها واستقصاء اهل الله فى تطهير الباطن اكثر وأشد من استقصائهم فى طهارة الظاهر وقد يكون فى بعض متصوفة الزمان تشدد فى الطهارة فلو اتسخ ثوبه يغسله ولا يبالى بما فى باطنه من الغل وسائر الصفات الذميمة: قال السعدي قدس سره
كرا جامه پاكست وسيرت پليد ... در دوزخش را نبايد كليد
والقرآن لا يمسه الا المطهرون وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى مرضا يخاف منه الهلاك او ازدياده باستعمال الماء أَوْ كنتم مستقرين عَلى سَفَرٍ طال او قصر أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ هو المكان الغائر المطمئن والمجيء منه كناية عن الحدث لان المعتاد ان من يريده يذهب اليه ليوارى شخصه عن أعين الناس أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ملامسة النساء مماسة بشرة الرجل بشرة المرأة وهى كناية عن الجماع ومثل هذه الكناية من الآداب القرآنية إذا لتصريح مستهجن فَلَمْ تَجِدُوا ماءً المراد من عدم وجدان الماء عدم التمكن من استعماله لان ما لا يتمكن من استعماله كالمفقود فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً اى فتعمدوا شيأ من وجه الأرض طاهرا فالصعيد هو وجه الأرض ترابا او غيره سمى صعيدا لكونه صاعدا طاهرا والطيب بمعنى الطاهر سواء كان منبثا أم لا حتى لو فرضنا صخرا لا تراب عليه فضرب المتيمم يده عليه ومسح كان ذلك كافيا عند ابى حنيفة رحمه الله فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ اى من ذلك الصعيد اى الى المرفقين لما روى انه صلى الله عليه وسلم تيمم ومسح يديه الى مرفقيه ولانه بدل من الوضوء فيقدر بقدره والباء مزيدة ومن لابتداء الغاية والمعنى فانقلوا بعد وضعهما على الصعيد الى الوجوه والأيدي من غير ان يتخللها ما يوجب الفصل ما يُرِيدُ اللَّهُ بالأمر بالطهارة للصلاة او الأمر بالتيمم لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ اى تضييقا عليكم فى الدين وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ اى لينظفكم او ليطهركم من الذنوب فان الوضوء مكفر لها كما روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أيما رجل قام الى وضوئه يريد الصلاة ثم غسل كفيه نزلت خطيئة كفيه مع أول قطرة فاذا تمضمض نزلت خطيئة لسانه وشفتيه مع أول قطرة وإذا غسل وجهه ويديه الى المرفقين ورجليه الى الكعبين سلم من كل ذنب هو عليه وكان كيوم ولدته امه) او ليطهركم بالتراب إذا أعوزكم التطهير بالماء(2/356)
وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)
وَلِيُتِمَّ بشرعه ما هو مطهرة لابدانكم ومكفرة لذنوبكم نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ فى الدين او ليتم برخصته انعامه عليكم بعزائمه والرخصة ما شرع بناء على الاعذار والعزيمة ما شرع أصالة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نعمته. واعلم ان المقصود من طهارة الثوب وهو القشر الخارج البعيد ومن طهارة البدن وهو القشر القريب طهارة القلب وهو لب الباطن وطهارة القلب من نجاسات الأخلاق أهم الطهارات ولكن لا يبعد ان يكون لطهارة الظاهر ايضا تأثير فى اشراق نورها على القلب فاذا أسبغت الوضوء واستشعرت نظافة ظاهرك صادفت فى قلبك انشراحا وصفاء كنت لاتصادفه قبله وذلك لسر العلاقة التي بين عالم الملك وعالم الملكوت فان ظاهر البدن من عالم الشهادة والقلب من عالم الملكوت وكما ينحدر من معارف القلب آثار الى الجوارح فكذلك قد يرتفع من احوال الجوارح التي هى من عالم الشهادة آثار الى القلب ولذلك امر الله بالصلاة مع انها حركات الجوارح التي من عالم الشهادة ولذلك جعلها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى الدنيا ومن الدنيا فقال (حبب الى من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وجعلت قرة عينى فى الصلاة) ولا يستبعد ان يفيض من الطهارة الظاهرة اثر على الباطن وان أردت لذلك دليلا من الشرع فتفكر فى قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (خمس بخمس إذا أكل الربا كان الخسف والزلزلة وإذا جار الحكام قحط المطر وإذا ظهر الزنى كثر الموت وإذا منعت الزكاة هلكت الماشية وإذا تعدى على اهل الذمة كانت الدولة لهم) وان كنت تطلب لهذا مثلا من المحسوسات ايضا فانظر الى ما يفيض الله من النور بواسطة المرآة المحاذية للشمس على بعض الأجسام المحاذية للمرآة وبالجملة ان الله تعالى جعل الوضوء والتيمم من اسباب الطهارة فلا بد من الاجتهاد فى تحصيل الطهارة مطلقا وان كان التوفيق من الله تعالى: كما قال الحافظ
فيض ازل بزور زر ار آمدى بدست ... آب خضر نصيبه إسكندر آمدى
والاشارة فى الآية وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى بمرض حب الدنيا أَوْ عَلى سَفَرٍ فى متابعة الهوى أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ فى قضاء حاجة شهوة من الشهوات أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ وهى الدنيا فى تحصيل لذة من اللذات فَلَمْ تَجِدُوا ماءً التوبة والاستغفار فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فتمعكوا فى تراب أقدام الكرام فانه طهور للذنوب العظام فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ من تراب أقدامهم وشمروا لخدمتهم وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ لان فيه شفاء لقساوة القلوب ودواء لمرض الذنوب ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ بهذه الذلة والصغار وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ من الذنوب الكبار واكبر الكبائر الشرك بالله وأعظم الشركاء الوجود مع وجود المعبود وهذا ذنب لا يغفر الا بالتمرغ فى هذا التراب ولوث لم يطهر الا بالالتجاء الى هذه الأبواب وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ بعد ذوبان نحاس انانيتكم بنار تصرفات هممهم العالية بطرح اكسير أنوار الهوية لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إذ تهتدون بانوار الهوية الى رؤية أنوار النعمة كذا فى التأويلات النجمية وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بالإسلام لتذكركم المنعم وترغبكم فى شكره. فان قيل ذكر نعمة الإسلام مشعر بسبق النسيان وكيف يعقل من المسلم ان ينساها مع اشتغاله باقامة وظائف الإسلام على التوالي والدوام. قلنا المواظبة على وظائف الشيء تنزل منزلة الأمر الطبيعي المعتاد(2/357)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9)
فينسى كونها نعمة الهية فتكون اقامة وظائفه اتباعا لمقتضى الطبيعة فلا تكون عبادة وانما تكون شكرا لو وقع اتباعا للامر وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ اى عهده المؤكد الذي اخذه عليكم وقوله تعالى إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا ظرف لواثقكم به وفائدة التقييد به تأكيد وجوب مراعاته بتذكير قبولهم والتزامهم بالمحافظة عليه وهو الميثاق الذي اخذه على المسلمين حين بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فى حال اليسر والعسر والمنشط والمكره وَاتَّقُوا اللَّهَ فى نسيان نعمه ونقض ميثاقه إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ اى بخفياتها الملابسة لها ملابسة تامة مصححة لاطلاق الصاحب عليها فيجازيكم عليها فما ظنكم بجليات الأعمال واعلم ان أول النعم التي أنعم الله بها على المؤمنين إخراجهم من ظلمة العدم الى نور الوجود قبل كل موجود وخلقهم فى احسن تقويم لقبول الدين القويم وهدايتهم الى الصراط المستقيم واستماع الست بربكم وجواب بلى وتوفيقهم للسمع والطاعة ولو لم تكن نعمة التوفيق لقالوا سمعنا وعصينا كما قال اهل الخذلان والعصيان. وعن عبد الرحمن بن عوف بن مالك الأشجعي قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة او ثمانية او سبعة فقالوا ألا تبايعون رسول الله وكنا حديثى عهد ببيعته فقلنا قد بايعناك يا رسول الله قال (ألا تبايعون رسول الله) فبسطنا أيدينا وقلنا قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك قال (ان تعبدوا الله ولا تشركوا به شيأ وتصلوا الصلوات الخمس وتطيعوا أوامره جلية وخفية ولا تسألوا الناس) فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه حتى يكون هو ينزل فيأخذه. وعن ابى ذر رضى الله عنه قال بايعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا واو ثقنى سبعا واشهد الله على سبعا ان لا أخاف فى الله لومة لائم. وعنه قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم (أوصيك بتقوى الله بسر أمرك وعلانيتك وإذا اسأت فاحسن ولا تسألن أحدا شيأ وان سقط سوطك ولا تقبض امانة) : قال الحافظ الشيرازي
وفا وعهد نكو باشد ار بياموزى ... وگرنه هر كه تو بينى ستمگرى داند
اللهم اجعلنا من الموفين بعودهم آمين يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ مقيمين لاوامره ومتمسكين بها معظمين لها مراعين لحقوقها شُهَداءَ بِالْقِسْطِ اى بالعدل خبر بعد خبر وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ اى ولا يحملنكم شَنَآنُ قَوْمٍ اى شدة بغضكم للمشركين عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اى على ترك العدل فيهم فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يحل كمثلة وقذف وقتل نساء وصبية ونقض عهد تشّفيا مما فى قلوبكم اعْدِلُوا هُوَ اى العدل أَقْرَبُ لِلتَّقْوى التي أمرتم بها وإذا كان وجوب العدل فى حق الكفار بهذه المثابة فما ظنك بوجوبه فى حق المسلمين وَاتَّقُوا اللَّهَ فانه ملاك الأمر وزاد سفر الآخرة إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ من الأعمال فيجازيكم بذلك وحيث كان مضمون هذه الجملة التعليلية منبئا عن الوعد والوعيد عقب بالوعد لمن يخاف على طاعته تعالى وبالوعيد لمن يخل بها فقيل وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ التي من جملتها العدل والتقوى والمفعول الثاني لوعد محذوف وهو الجنة كما صرح به فى غير هذا الموضع لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَأَجْرٌ عَظِيمٌ(2/358)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10)
اى ثواب عظيم فى الجنة وهذه الجملة مفسرة لذلك المحذوف تفسير السبب للمسبب فان الجنة مسببة عن المغفرة وحصول الاجر فلا محل لها من الاعراب وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا التي من جملتها ما تليت من النصوص الناطقة بالأمر بالعدل والتقوى أُولئِكَ الموصوفون بما ذكر من الكفر وتكذيب الآيات أَصْحابُ الْجَحِيمِ ملابسوها ملابسة مؤبدة وفيه مزيد وعد للمؤمنين لان الوعيد اللاحق بأعدائهم مما يشفى صدورهم ويذهب ما كانوا يجدونه من اذاهم فان الإنسان يفرح بان يهدد أعداؤه. واعلم ان الله تعالى صرح للمؤمنين الأمر بالعدل وبين انه بمكان من التقوى بعد ما نهاهم عن الجور وبين انه مقتضى الهوى لكون الحامل عليه البغض والشنآن فعلى المؤمن العدل فى حق الأولياء والأعداء خصوصا فى حق نفسك وأهلك وأولادك لما ورد (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) ووجد فى سرير انوشروان مكتوبا- الملك لا يكون الا بالامارة والامارة لا تكون الا بالرجال ولا تكون الرجال الا بالأموال ولا تكون الأموال الا بالعمارة ولا تكون العمارة الا بالعدل بين الرعايا والسلطان شريك رعاياه فى كل خير عملوه-: قال الحافظ
شاه را به بود از طاعت صد ساله وزهد ... قدر يك ساعت عمرى كه درو داد كند
وفى ترجمة وصايا الفتوحات لمحمد بن واسع [از أكابر دين است روزى بر بلال بن برده كه والىء وقت بود در آمد واو در عيش بود و پيش او برف نهاده وبتنعم تمام نشسته محمد بن واسع را گفت يا أبا عبد الله اين خانه ما را چون بينى گفت اين خانه خوش است وليكن بهشت ازين خوشتر است وذكر آتش دوزخ از أمثال اين غافل كرداند پرسيد كه چهـ ميگويى در باب قدر گفت در همرازگان تو كه درين مقابر مدفونند فكرى بكن تا از قدر پرسيدن مشغول شوى گفت براى من دعا كن گفت دعاى من چهـ ميكنى وبر درگاه تو چندين مظلومند همه بر تو دعا ميكنند ودعاى ايشان بيشتر بالا ميرود ظلم مكن وبدعاء من حاجت نيست] ومن كلمات بهلول لهارون حين قال له من انا قال أنت الذي لو ظلم أحد فى المشرق وأنت فى المغرب سألك الله عن ذلك يوم القيامة فبكى هارون. وفى عين المعاني العالم لا يدخل على الظلمة تحاميا عن الدعاء لهم بالبقاء فورد من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب ان يعصى الله فى ارضه فلابد من النصيحة وترك المداهنة وفى الحديث (ما ترك الحق لعمر من صديق) وقال الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر
لما ادمت النصح والتحقيقا ... لم يتركالى فى الوجود صديقا
قال السعدي قدس سره
بگوى آنچهـ دانى سخن سودمند ... وگر هيچ كس را نيايد پسند
وبالجملة ان العدل من احسن الأخلاق- وحكى- ان انوشروان لما مات كان يطاف بتابوته فى جميع مملكته وينادى منادى من له علينا حق فليأت فلم يوجد أحد فى ولايته له عليه حق من درهم ولذا اشتهر بالعدل اشتهار حاتم بالجود حتى صار العادل لقبا له فلفظ العادل انما يطلق عليه لعدم جوره وظهور عدله لمجرد المدح والثناء عليه. واما سلاطين الزمان(2/359)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)
فلظهور جورهم وعدم اتصافهم بالعدل منعوا عن اطلاق العادل عليهم إذ إطلاقه عليهم حينئذ انما يكون لمجرد المدح لهم والثناء عليهم فيكون كذبا وكفرا فجواز اطلاق العادل على الكافر المنصف وعدم جواز إطلاقه على المسلمين الجائرين ليس بالنظر الى متانة العدل بل ذاك ليس الا ان العدل والجور متناقضان فلا يجتمعان. قال فى زهرة الرياض إذا كان يوم القيامة ينصب لواء الصدق لابى بكر رضى الله عنه وكل صديق يكون تحت لوائه. ولواء العدل لعمر رضى الله عنه وكل عادل يكون تحت لوائه. ولواء السخاوة لعثمان رضى الله عنه وكل سخى يكون تحت لوائه. ولواء الشهداء لعلى رضى الله عنه وكل شهيد يكون تحت لوائه وكل فقيه تحت لواء معاذ بن جبل. وكل زاهد تحت لواء ابى ذر. وكل فقير تحت لواء ابى الدرداء. وكل مقرئ تحت لواء ابى بن كعب. وكل مؤذن تحت لواء بلال. وكل مقتول ظلما تحت لواء الحسين بن على فذلك قوله تعالى يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ الآية.
والعدل فى الحقيقة هو الوسط المحمود فى كل فعل وقول وخلق وهو المأمور به فى قوله تعالى فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ولقد صار من نال اليه كالكبريت الأحمر والمسك الأذفر ومن الله الهداية والتوفيق آمين يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ متعلق بنعمة الله إِذْ هَمَّ قَوْمٌ ظرف لنفس النعمة اى اذكروا انعامه عليكم فى وقت همهم وقصدهم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ اى بان يبطشوا بكم بالقتل والإهلاك يقال بسط اليه يده إذا بطش به وبسط اليه لسانه إذا شتمه فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ عطف على هم وهو النعمة التي أريد تذكيرها وذكر الهم إيذان بوقوعها عند مزيد الحاجة إليها والفاء للتعقيب المفيد لتمام النعمة وكمالها اى منع أيديهم ان يمدوا إليكم عقيب همهم بذلك لا انه كفها عنكم بعد ما مدوها إليكم. وفيه من الدلالة على كمال النعمة من حيث انها لم تكن مشوبة بضرر الخوف والانزعاج الذي فلما يعرى عنه الكف بعد المد ما لا يخفى مكانه وذلك ما روى ان المشركين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعسفان فى غزوة ذى انمار وغزوة ذات الرقاع وهى السابعة من مغازيه عليه السلام قاموا الى الظهر معا فلما صلوا ندم المشركون على ان لا كانوا قد أكبوا عليهم فقالوا ان لهم بعدها صلاة هى أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم يعنون صلاة العصر وهموا ان يوقعوا بهم إذا قاموا إليها فردهم الله تعالى بكيدهم بان انزل صلاة الخوف. وقيل هو ما روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى بنى قريظة ومعه الشيخان وعلى رضى الله عنهم يستقرضهم لدية مسلمين قتلهما عمرو بن امية الضمري خطأ يحسبهما مشركين فقالوا أنعم يا أبا القاسم اجلس حتى نطعمك ونعطيك ما سألت فاجلسوه فى صفة وهموا بقتله وعمد عمرو بن جحاش الى رحى عظيمة يطرحها عليه فامسك الله تعالى يده ونزل جبريل فاخبر فخرج النبي عليه السلام. وقيل هو ما روى انه صلى الله عليه وسلم نزل منزلا وتفرق أصحابه فى الفضى يستظلون بها فعلق رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه بشجرة فجاء أعرابي فاخذه وسله فقال من يمنعك منى فقال عليه السلام (الله) فاسقطه جبريل عليه السلام من يده فاخذه الرسول عليه السلام فقال (من يمنعك منى) فقال لا أحد اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله وَاتَّقُوا اللَّهَ عطف على اذكروا اى اتقوه فى رعاية(2/360)
وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)
حقوق نعمته فلا تخلوا بشكرها وَعَلَى اللَّهِ اى عليه تعالى خاصة دون غيره استقلالا واشتراكا فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ فانه يكفيهم فى إيصال كل خير ودفع كل شر. واعلم ان التوكل عبارة عن الاعتصام بالله تعالى فى جميع الأمور ومحله القلب والحركة بالظاهر لا تنافى توكل القلب بعد ما تحقق للعبد ان التقدير من قبل الله فان تعسر شىء فبتقديره. وأعلى مراتب التوكل ان يكون بين يدى الله تعالى كالميت بين يدى الغاسل تحركه القدرة الازلية وهو الذي قوى يقينه ألا ترى الى ابراهيم عليه السلام لما هم نمرود وقومه ان يبسطوا اليه أيديهم فرموه فى النار جاءه جبريل وهو فى الهواء فقال ألك حاجة قال أما إليك فلا وفاه بقوله حسبى الله ونعم الوكيل وانظر الى حقيقة توكل النبي عليه السلام حيث كف الله عنه وعن أصحابه أيدي المشركين رأسا فلم يقدروا ان يتعرضوا له بل ابتلوا فى اغلب الأحوال بما لا يخطر ببالهم من البلايا جزاء لهم على همهم بالسوء: وفى المثنوى
قصه عاد وثمود از بهر چيست ... تا بدانى كه انبيا را ناز كيست
فالتوكل من معالى درجات المقربين فعلى المؤمن ان يتحلى بالصفات الحميدة ويسير فى طريق الحق بسيرة حسنة. ودخل حكيم على رجل فرأى دارا متجددة وفرشا مبسوطة ورأى صاحبها خاليا من الفضائل فتنحنح فبزق على وجهه فقال ما هذا السفه ايها الحكيم فقال بل هو عين الحكمة لان البصاق لزق الى اخس ما كان فى الدار ولم ار فى دارك اخس منك لخلوك عن الفضائل الباطنة فنبه بذلك على دناءته وقبحه لكونه مسترسلا فى لذاته مستغرقا أوقاته لعمارة ظاهره: قال الحافظ رحمه الله
قلندران حقيقت بنيم جو نخرند ... قباى اطلس آنكس كه از هنر عاريست
ثم اعلم ان كل شىء بقضاء الله تعالى وان الله يختبر عباده بما أراد فعليهم ان يعتمدوا عليه فى العسر واليسر والمنشط والمكره. وعن ابى عثمان قال كان عيسى عليه السلام يصلى على رأس جبل فاتاه إبليس فقال أنت الذي تزعم ان كل شىء بقضاء قال نعم قال الق نفسك من الجبل وقل قدر علىّ قال يا لعين الله يختبر العباد وليس العباد يختبرون الله وما على العبد الا التوكل والشكر على الانعام. ومن جملة انعام الله تعالى الإخراج من ظلمة العدم الى نور الوجود بامر كن والله يعلم ان رجوع العباد الى العدم ليس بهم ولا إليهم كما لم يكن خروجهم بهم فان خروجهم كان بجذبة امر كن فكذلك رجوعهم لا يكون الا بجذبة امر ارجعي فعليهم ان يكونوا واثقين بكرم الله وفضله مسارعين فى طلب مرضاة الله جاهدين على وفق الأوامر والنواهي فى الله ليهديهم الى جذبات عنايته ولطفه وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ اى بالله قد أخذ الله عهد طائفة اليهود والالتفات فى قوله تعالى وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً للجرى على سنن الكبرياء او لان البعث كان بواسطة موسى عليه السلام كما سيأتى اى شاهدا من كل سبط ينقب عن احوال قومه ويفتش عنها او كفيلا يكفل عليهم بالوفاء بما أمروا به. وقد روى ان النبي عليه السلام جعل للانصار ليلة العقبة اثنى عشر نقيبا وفائدة النقيب ان القوم إذا علموا ان عليهم نقيبا كانوا اقرب الى الاستقامة. والنقيب والعريف(2/361)
نظيران وقيل النقيب فوق العريف. قال فى شرح الشرعة العريف فعيل بمعنى مفعول وهو سيد القوم والقيم بامور الجماعة من القبيلة والمحلة يلى أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم وهو دون الرئيس والعرافة كالسيادة لفظا ومعنى وفى الحديث (العرافة حق ولا بد للناس من عرفاء ولكن العرفاء فى النار) يعنى ان سيادة القوم جائزة فى الشرع لان بها ينتظم مصالح الناس وقضاء أشغالهم فهى مصلحة ورفق للناس تدعو إليها الضرورة. وقوله ولكن العرفاء فى النار اى أكثرهم فيها إذ المجتنب عن الظلم منهم يستحق الثواب لكن لما كان الغالب منهم خلاف ذلك أجراه مجرى الكل كذا فى شرح المصابيح: قال السعدي
رياست بدست كسانى خطاست ... كه از دستشان دستها بر خداست
مكن تا توانى دل خلق ريش ... وگر ميكنى ميكنى بيخ خويش
نماند ستمكار بد روزگار ... بماند برو لعنت پايدار
مها زورمندى مكن بر كهان ... كه بر يك نمط مى نماند جهان
دل دوستان جمع بهتر كه گنج ... خزينه تهى به كه مردم برنج
بقومي كه نيكى پسندد خداى ... دهد خسرو عادل نيك راى
چوخواهد كه ويران كند عالمى ... كند ملك در پنجه ظالمى
وَقالَ اللَّهُ اى لبنى إسرائيل فقط إذ هم المحتاجون الى الترغيب والترهيب إِنِّي مَعَكُمْ اى بالعلم والقدرة والنصرة اسمع كلامكم وارى أعمالكم واعلم ضمائركم فاجازيكم بذلك وتم الكلام هنا ثم ابتدأ بالجملة الشرطية فقال مخاطبا لبنى إسرائيل ايضا لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي اى بجميعهم واللام موطئة للقسم المحذوف وَعَزَّرْتُمُوهُمْ اى نصرتموهم وقويتموهم وأصله الذب وهو المنع والدفع ومنه التعزير ومن نصر إنسانا فقد ذب عنه عدوه يقال عزرت فلانا اى فعلت به ما يرده عن القبيح ويمنعه عنه وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ بالإنفاق فى سبيل الخير او بالتصدق بالصدقات المندوبة فظهر الفرق بين هذا الاقراض وبين إخراج الزكاة فانها واجبة قَرْضاً حَسَناً وهو ان يكون من حلال المال وخياره برغبة واخلاص لا يشوبها رياء ولا سمعة ولا يكدرها من ولا أذى وانتصابه يحتمل ان يكون على المصدرية لانه اسم مصدر بمعنى اقراضا كما فى أنبتها نباتا حسنا بمعنى إنباتا ويحتمل ان يكون على المفعولية على انه اسم للمال المقرض لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ جواب للقسم المدلول عليه باللام ساد مسد جواب الشرط وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ اى بساطين تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اى من تحت أشجارها ومساكنها الْأَنْهارُ الاربعة وأخره لضرورة تقدم التخلية على التحلية فَمَنْ كَفَرَ اى برسلى وبشىء مما عدد فى حيز الشرط والفاء لترتيب بيان حكم من كفر على بيان حكم من آمن تقوية للترغيب والترهيب بَعْدَ ذلِكَ الشرط المؤكد المعلق به الوعد العظيم الموجب للايمان قطعا مِنْكُمْ متعلق بمضمر وقع حالا من فاعل كفر فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ اى وسط الطريق الواضح ضلالا بينا واخطأ خطأ فاحشا لا عذر معه أصلا بخلاف من كفر قبل ذلك إذ ربما يمكن(2/362)
ان يكون له شبهة ويتوهم له معذرة- روى- ان بنى إسرائيل لما استقروا بمصر بعد مهلك فرعون أمرهم الله تعالى بالمسير الى أريحا من ارض الشام وهى الأرض المقدسة وكانت لها الف قرية فى كل قرية الف بستان وكان يسكنها الجبابرة الكنعانيون وقال لهم انى كتبتها لكم دارا قرارا فاخرجوا إليها وجاهدوا من فيها وانى ناصركم وامر موسى عليه السلام ان يأخذ من كل سبط نقيبا أمينا يكون كفيلا على قومه بالوفاء بما أمروا به توثقة عليهم فاختار النقباء وأخذ الميثاق على بنى إسرائيل وتكفل لهم النقباء وسار بهم فلما دنا من ارض كنعان بعث النقباء يتجسسون له الاخبار ويعلمون علمها فرأوا اجراما عظيمة وقوة وشوكة فهابوا فرجعوا وحدثوا قومهم بما رأوا وقد نهاهم موسى عن ذلك فنكثوا الميثاق الأكالب بن يوقنا نقيب سبط يهودا ويوشع بن نون نقيب سبط افرائيم بن يوسف الصديق عليه السلام قيل لما توجه النقباء الى ارضهم للتجسس لقيهم عوج بن عنق وكان طوله ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا وثلث وذراع وقد عاش ثلاثة آلاف سنة وكان يحتجز بالسحاب ويشرب منه ويتناول الحوت من قرار البحر فيشويه بعين الشمس يرفعه إليها ثم يأكله ويروى ان الماء طبق ما على الأرض من جبل فى طوفان نوح وما جاوز ركبتى عوج وكانت امه عنق احدى بنات آدم وكان مجلسها جريبا من الأرض فلما لقى عوج النقباء وعلى رأسه حزمة حطب أخذ الاثني عشر نقيبا وجعلهم فى الحزمة فانطلق بهم الى امرأته وقال انظري الى هؤلاء الذين يزعمون قتالنا فطرحهم بين يديها وقال ألا اطحنهم برجلي فقالت لابل خل عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا ففعل ذلك- وروى- انه جعلهم فى كمه واتى بهم الملك فنشرهم بين يديه فقال ارجعوا الى قومكم فاخبروهم بما رأيتم وكان لا يحمل عنقودا من عنبهم إلا خمسة انفس او اربعة بينهم فى خشبة ويدخل فى شطر رمانة إذا نزع حبها خمسة انفس فجعلوا يتعرفون بأحوالهم فلما رجعوا قال بعضهم لبعض انكم ان أخبرتم بنى إسرائيل بخبر القوم ارتدوا عن نبى الله ولكن اكتموه الا عن موسى وهارون فيكونان هما يريان رأيهما فاخذ بعضهم على بعض الميثاق بذلك ثم انصرفوا الى موسى عليه السلام وكان معهم حبة من عنبهم وقر جمل فنكثوا عهدهم وجعل كل منهم ينهى سبطه عن قتالهم ويخبرهم بما رأى الأكالب ويوشع وكان معسكر موسى فرسخا فى
فرسخ فجاء عوج حتى نظر إليهم ثم رجع الى جبل فقوّر منه صخرة عظيمة على قدر المعسكر ثم حملها على رأسه ليطبقها عليهم فبعث الله الهدهد فقوّر من الصخرة وسطها المحاذي لرأسه فانتقبت فوقعت فى عنق عوج فطوقته فصرعته واقبل موسى عليه السلام وطوله عشرة اذرع وكذا طول العصا فترامى فى السماء عشرة اذرع فما أصاب العصا الا كعبه وهو مصروع فقتله قالوا فاقبلت جماعة ومعهم الخناجر حتى جذروا رأسه وهكذا سنة الله فيما أراد حيث ينصر أولياءه بما لا يخطر ببالهم ولله فى كل فعله حكمة تامة ومصلحة شاملة. واعلم ان الله تعالى كما جعل فى امة موسى من النقباء المختارين المرجوع إليهم عند الضرورة اثنى عشر كذلك جعل من كمال عنايته فى هذه الامة من النجباء البدلاء واعزة الأولياء أربعين رجلا فى كل حال وزمان كما قال النبي عليه السلام (يكون(2/363)
فى الامة أربعون على خلق ابراهيم وسبعة على خلق عيسى وواحدة على خلقى) فهم على مراتب درجاتهم ومناصب مقاماتهم امنة هذه الامة كما قال عليه السلام (بهم ترزقون وبهم تمطرون وبهم يدفع الله البلاء) قال ابو عثمان المغربي البدلاء أربعون والأمناء سبعة والخلفاء من الائمة ثلاثة والواحد هو القطب عارف بهم جميعا ومشرف عليهم ولا يعرفه أحد ولا يشرف عليه وهو امام الأولياء الثلاثة الذين هم الخلفاء من الائمة وهو يعرفهم وهم لا يعرفونه والخلفاء الثلاثة يعرفون السبعة الذين هم الأمناء ولا يعرفهم أولئك السبعة والسبعة يعرفون الأربعين الذين هم البدلاء ولا يعرفهم البدلاء الأربعون وهم يعرفون سائر الأولياء من الامة ولا يعرفهم من الأولياء أحد فاذا نقص من الأربعين واحد جعل مكانه واحد من الأولياء وإذا نقص من السبعة واحد جعل مكانه واحد من الأربعين وإذا نقص من الثلاثة واحد جعل مكانه واحد من السبعة وإذا مضى القطب الذي هو الواحد فى العدد وبه قوام اعداد الخلق جعل بدله واحد من الثلاثة هكذا الى ان يأذن الله تعالى فى قيام الساعة كما فى التأويلات النجمية. وقال الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر القطب يحفظ المركز والامام الايمن يحفظ عالم الأرواح والامام الأيسر يحفظ عام الأجساد والأوتاد الاربعة يحفظون الشرق والغرب والجنوب والشمال والابدال السبعة يحفظون أقاليم الكرة علوا وسفلا انتهى كلامه فى كتاب العظيمة. ويقول الفقير جامع هذه المجالس اللطائف سمعت من حضرة شيخى وسندى الذي بمنزلة روحى فى جسدى ان قطب الوجود إذا انتقل الى الدار الآخرة يكون خليفته فى الجانب الأيسر من الافراد دون الجانب الايمن وذلك لان يسار الامام يمين ويمينه يسار حين الاستقبال الى القوم واليه الاشارة بقوله تعالى فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ فان لفظة ما عند اهل التحقيق نافية واهل اليسار اهل الجلال والفناء واهل اليمين اهل الجمال والبقاء فافهم هذا السر البديع وكن ممن القى سمعه وهو شهيد فان المنكر الغافل طريد عن الحق بعيد
بسر وقت شان خلق كى ره برند ... كه چون آب حيوان بظلمت درند
: قال الصائب
سخن عشق با خرد گفتن ... بر رگ مرده نيشتر زدنست
ثم تحقيق قوله تعالى لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ ان اقامة الصلاة فى ادامتها بان تجعل الصلاة معراجك الى الحق وتديم العروج بدرجاتها الى ان تشاهد الحق كما شاهدت يوم الميثاق ودرجاتها اربع القيام والركوع والسجود والتشهد على حسب دركات نزلت بها من أعلى عليين وجوار رب العالمين الى أسفل السافلين القالب وهى العناصر الاربعة التي خلق منها قالب الإنسان فالمتولدات منها على اربعة اقسام ولكل قسم منها ظلمة وخاصية تحجبك عن مشاهدة الحق وهى الجمادية وخاصيتها التشهد ثم النباتية وخاصيتها السجود ثم الحيوانية وخاصيتها الركوع ثم الانسانية وخاصيتها القيام يشير إليك بالتخلص من حجب أوصاف الانسانية وأعظمها الكبر وهو من خاصية النار والركوع يشير إليك بالتخلص من حجب صفات الحيوانية وأعظمها الشهوة(2/364)
فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)
وهى من خاصية الهواء والسجود يشير إليك بالتخلص من حجب طبع النباتية وأعظمها الحرص على الجذب للشىء والنمو وهو من خاصية الماء والتشهد يشير إليك بالتخلص من حجب طبع الجمادية وأعظمها الجمودية وهى من خاصية التراب ومن هذه الصفات الأربع تنشأ بقية صفات البشرية فاذا تخلصت من هذه الدركات والحجب ورجعت بهذه المدارج الاربعة الى جوار رب العالمين وقربه فقد أقمت الصلاة مناجيا ربك مشاهدا له كما قال صلى الله عليه وسلم (اعبد الله كأنك تراه) كذا فى التأويلات النجمية فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ اى فبسبب نقض اليهود عهدهم وهو انهم كذبوا الرسل بعد موسى وقتلوا الأنبياء ونبذوا الكتاب وضيعوا فرائضه وما مزيدة لتأكيد الكلام وتمكينه فى النفس لَعَنَّاهُمْ اى طردناهم وابعدناهم من رحمتنا او مسخناهم قردة وخنازير او اذللناهم بضرب الجزية عليهم وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً اى غليظة شديدة بحيث لا تتأثر من الآيات والنذر وحجر قاس اى صلب غير لين يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ استئناف لبيان قسوة قلوبهم فانه لا قسوة أشد من تغيير كلام الله والافتراء عليه والمراد بالتحريف اما تبديلهم نعت النبي صلى الله عليه وسلم واما تبديلهم بسوء التأويل وقد سبق فى سورة البقرة وَنَسُوا حَظًّا اى وتركوا نصيبا وافرا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ من التوراة او من اتباع محمد عليه السلام والمعنى انهم حرفوا التوراة وتركوا حظهم مما انزل عليهم فلم ينالوه وقيل معناه انهم حرفوها فتركت بشؤمه أشياء منها عن حفظهم لما روى عن ابن مسعود رضى الله عنه قال قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية وتلا هذه الآية- روى- ان الله تعالى غير العلم على امية بن ابى الصلت وكان من بلغاء الشعراء كان نائما فاتاه طائر وادخل منقاره فى فيه فلما استيقظ نسى جميع علومه: قال الحافظ
نه من ز بي عملى در جهان ملولم وبس ... ملالت علما هم ز علم بي عملست
واعلم ان العلماء العاملين والمشايخ الواصلين لا يزالون يذكرون الناس كل عصر يوم الميثاق ومخاطبة الحق إياهم تشويقا لهم الى تلك الأحوال فمن سامع ومن معرض فالسامع لكونه معرضا عن الدنيا والعقبى وصل الى جوار المولى فكان مقبولا مرحوما والمعرض لكونه مقبلا على ما سوى المولى لم ينل شيأ فكان مردودا ملعونا لانه نقض عهده مع الله سبحانه وتعالى: وفى المثنوى
بي وفايى چون سگانرا عار بود ... بي وفايى چون روادارى نمود
حق تعالى فخر آورد از وفا ... گفت من اوفى بعهد غيرنا
وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ اى خيانة على انها مصدر كاللاغية والكاذبة قال الله تعالى لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً اى لغوا والمعنى ان الغدر والخيانة عادة مستمرة لهم ولا سلافهم بحيث لا يكادون يتركونها او يكتمونها فلا تزال ترى ذلك منهم إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ لم يخونوا وهم الذين آمنوا منهم كعبد الله بن سلام واضرابه وهو استثناء من الضمير المجرور فى منهم فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ اى اعرض عنهم ولا تتعرض لهم بالمعاقبة والمؤاخذة ان تابوا وآمنوا او عاهدوا والتزموا الجزية وقيل مطلق نسخ بآية السيف وهو قوله تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ(2/365)
وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ تعليل للامر بالصفح وحث على الامتثال وتنبيه على ان العفو عن الكافر الخائن احسان فضلا عن العفو عن غيره: قال السعدي
عدو را بالطاف كردن به بند ... كه نتوان بريدن بتيغ وكمند
چودشمن كرم بيند ولطف وجود ... نيايد دگر خبث ازو در وجود
وگر خواجه با دشمنان نيك خوست ... بسى بر نيايد كه كردند دوست
وكان عليه السلام محسنا له مكارم اخلاق يضيق نطاق بيان الواصفين عنها: ومن حكايات المولوى قدس الله سره فى المثنوى
كافران مهمان پيغمبر شدند ... وقت شام ايشان بمسجد آمدند
گفت اى ياران من قسمت كنيد ... كه شما پر از من وخوى منيد
هر يكى يارى يكى مهمان گزيد ... در ميان يك زفت بود وبي نديد
جسم ضخمى داشت كس او را نبرد ... ماند در مسجد چواندر جامه درد
مصطفى بردش چوواماند از همه ... هفت بز شيرده بر در رمه
كه مقيم خانه بودندى بزان ... بهر دوشيدن براى وقت خوان
نان وآش وشير آن هر هفت بز ... خورد آن بوقحط عوج ابن غز
جمله اهل بيت خشم آلو شدند ... كه همه در شير بز طامع شدند
معده طبلى خوار همچون طبل كرد ... قسم هجده آدمي تنها بخورد
وقت خفتن رفت ودر حجره نشست ... پس كنيزك از غضب در را ببست
از برون زنجير در را درفكند ... كه ازو بد خشمگين ودردمند
كبر را از نيم شب تا صبحدم ... چون تقاضا آمد ودرد شكم
از فراش خويش سويى در شتافت ... دست بر در چونهاد او بسته يافت
در گشادن حيله كرد آن حيله ساز ... نوع نوع وخود نشد آن بند باز
شد تقاضا بر تقاضا خانه تنگ ... ماند او حيران وبي درمان ودنگ
حيله كرد واو بخواب اندر خزيد ... خويشتن در خواب ودر ويرانه ديد
زانكه ويرانه بد اندر خاطرش ... شد بخواب اندر همانجا منظرش
خويش در ويرانه خالى چوديد ... او چنان محتاج واندر دم بريد
گشت بيدار وبديد آن جامه خواب ... بر حدث ديوانه شد از اضطراب
گفت خوابم بدتر از بيداريم ... كه خورم آن سو واين سو مى ريم
بانگ مى زد وا ثبورا وا ثبور ... همچنانكه كافر اندر قعر گور
منتظر كه كى شود اين شب بسر ... يا برآيد در گشادن بانگ در
تا گريزد او چوتيرى از كمان ... تا نبيند هيچكس او را چنان
مصطفى صبح آمد ودر را گشاد ... صبح آن گمراه را او راه داد
جامه خواب پر حدث را يك فضول ... قاصدان آورد در پيش رسول(2/366)
وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)
كه چنين كر دست مهمانت ببين ... خنده زد رحمة للعالمين
كه بيار آن مطهره اينجا به پيش ... تا بشويم جمله را با دست خويش
او بجد مى شست آن احداث را ... خاص ز امر حق نه تقليد وريا
كه دلش مى گفت كين را تو بشو ... كه در اينجا هست حكمت تو بتو
كافرك را هيكلى بد يادگار ... ياوه ديد آنرا وگشت او بي قرار
گفت آن حجره كه شب جا داشتم ... هيكل آنجا بي خبر بگذاشتم
كه چهـ شرمين بود شرمش حرص برد ... حرص اژدرهاست بي چيزست خرد
از پى هيكل شتاب اندر دويد ... در وثاق مصطفى وانرا بديد
كان يد الله ان حدث را هم بخود ... خوش همى شويد كه دورش چشم بد
هيكلش از ياد رفت وشد پديد ... اندر وشورى گريبانرا دريد
مى زد او دو دست را بر رو وسر ... كله را ميكوفت بر ديوار ودر
آنچنان كه خون ز بينى وسرش ... شد روان ورحم گردان مهترش
چون ز حد بيرون بلرزيد وطپيد ... مصطفى اش در كنار خود كشيد
ساكنش كرد وبسى بنواختش ... ديده اش بگشاده داد اشناختش
آب بر رو زد در آمد در سخن ... كى شهيد حق شهادت عرضه كن
گشت مؤمن گفت او را مصطفى ... كامشب هم باش وتو مهمان ما
گفت والله تا ابد ضيف توام ... هر كجا باشم بهر جا كه روم
يا رسول الله رسالت را تمام ... تو نمودى همچوشمع بي غمام
وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ اى وأخذنا من النصارى ميثاقهم كما أخذنا ممن قبلهم من اليهود ومن متعلقة باخذنا والتقديم للاهتمام وانما قال قالوا انا نصارى ولم يقل ومن النصارى تنبيها على انهم نصارى بتسميتهم أنفسهم بهذا الاسم ادعاء لنصرة الله بقولهم لعيسى عليه السلام نحن أنصار الله وليسوا موصوفين بانهم نصارى بتوصيف الله إياهم بذلك ومعنى أخذ الميثاق هو ما أخذ الله عليهم فى الإنجيل من العهد المؤكد باتباع محمد صلى الله عليه وسلم وبيان صفته ونعته فَنَسُوا حَظًّا اى تركوا نصيبا وافرا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فى تضاعيف الميثاق من الايمان وما يتفرع عليه من افعال الخير فَأَغْرَيْنا اى الزمنا والصقنا من غرى بالشيء إذ الزمه ولصق به واغراه غيره بَيْنَهُمُ ظرف لا غرينا الْعَداوَةَ وهى تباعد القلوب والنيات وَالْبَغْضاءَ اى البغض إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ غاية للاغراء او للعداوة والبغضاء اى يتعادون ويتباغضون الى يوم القيامة وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ اى يخبرهم فى الآخرة بِما كانُوا يَصْنَعُونَ وعيد شديد بالجزاء والعذاب كقول الرجل لمن يتوعده ساخبرك بما فعلت اى يجازيهم بما عملوا على الاستمرار من نقض الميثاق ونسيان الحظ الوافر مما ذكروا به وسوف لتأكيد الوعيد والتعبير عن العمل بالصنع للايذان برسوخهم فى ذلك قيل الذي القى العداوة بين النصارى رجل يقال له بولس وكان بينه وبين النصارى(2/367)
قتال قتل منهم خلقا كثيرا فاراد ان يحتال بحيلة يلقى بها بينهم القتال فيقتل بعضهم بعضا فجاء الى النصارى وجعل نفسه اعور وقال لهم ألا تعرفوننى فقالوا أنت الذي قتلت ما قتلت منا وفعلت ما فعلت فقال قد فعلت ذلك كله والآن تبت لانى رأيت عيسى عليه الصلاة والسلام فى المنام نزل من السماء فلطم وجهى لطمة فقأ عينى فقال أي شىء تريد من قومى فتبت على يده ثم جئتكم لا كون بين ظهرانيكم وأعلمكم شرائع دينكم كما علمنى عيسى عليه السلام فى المنام فاتخذوا له غرفة فصعد تلك الغرفة وفتح كوة الى الناس فى الحائط وكان يتعبد فى الغرفة وربما كانوا يجتمعون اليه ويسألونه ويجيبهم من تلك الكوة وربما يأمرهم بان يجتمعوا ويناديهم من تلك الكوة ويقول لهم بقول كان فى الظاهر منكرا وينكرون عليه فكان يفسر ذلك القول تفسيرا يعجبهم ذلك فانقادوا كلهم له وكانوا يقبلون قوله بما يأمرهم به فقال يوما من الأيام اجتمعوا عندى فقد حضرنى علم فاجتمعوا فقال لهم أليس خلق الله تعالى هذه الأشياء فى الدنيا كلها لمنفعة بنى آدم قالوا نعم فقال لم تحرمون على أنفسكم هذه الأشياء يعنى الخمر والخنزير وقد خلق لكم ما فى الأرض جميعا فاخذوا قوله فاستحلوا الخمر والخنزير فلما مضى على ذلك ايام دعاهم وقال حضرنى علم فاجتمعوا فقال لهم من أي ناحية تطلع الشمس فقالوا من قبل المشرق فقال ومن أي ناحية يطلع القمر والنجوم فقالوا من قبل المشرق فقال ومن يرسلهم من قبل المشرق قالوا الله تعالى فقال فاعلموا انه تعالى فى قبل المشرق فان صليتم له فصلوا اليه فحول صلاتهم الى المشرق فلما مضى على ذلك ايام دعا بطائفة منهم وأمرهم بان يدخلوا عليه فى الغرفة وقال لهم انى أريد ان اجعل نفسى الليلة قربانا لاجل عيسى وقد حضرنى علم فاريد ان أخبركم فى السر لتحفظوا عنى وتدعوا الناس الى ذلك بعدي ويقال ايضا انه أصبح يوما وفتح عينه الاخرى ثم دعاهم وقال لهم جاءنى عيسى الليلة وقال قد رضيت عنك فمسح يده على عينى فبرئت والآن أريد ان اجعل نفسى قربانا له ثم قال هل يستطيع أحد ان يحيى الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص الا الله تعالى فقالوا لا فقال ان عيسى قد فعل هذه الأشياء فاعلموا انه هو الله تعالى فخرجوا من عنده ثم دعا بطائفة اخرى فاخبرهم بذلك ايضا وقال انه كان ابنه ثم دعا بطائفة ثالثة وأخبرهم بذلك ايضا وقال انه ثالث ثلاثة وأخبرهم انه يريد ان يجعل نفسه الليلة قربانا فلما كان بعض الليالى خرج من بين ظهرانيهم فاصبحوا وجعل كل فريق يقول قد علمنى كذا وكذا وقال الفريق الآخر أنت كاذب بل علمنى كذا وكذا فوقع بينهم القتال فاقتتلوا وقتلوا خلقا كثيرا وبقيت العداوة بينهم
الى يوم القيامة وهم ثلاث فرق منهم النسطورية قالوا المسيح ابن الله والثانية الملكانية قالوا ان الله تعالى ثالث ثلاثة المسيح وامه والله والفرقة الثالثة اليعقوبية قالوا ان الله هو المسيح: قال جلال الدين رومى قدس سره
در تصور ذات او را كنج كو ... تا درآيد در تصور مثل او
گر بغايت نيك وگر بد گفته اند ... هر چهـ زو گفتند از خود گفته اند «1»
مى مكن چندين قياس اى حق شناس ... زانكه نايد ذات بيچون در قياس «2»
فعلى المؤمن ان يلاحظ قوله تعالى وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ وان يشتغل بنفسه عن
__________
(1) قوله گر بغايت نيك وگر بد گفته اند إلخ لم أجد فى المثنوى- فليراجع
(2) در أوائل دفتر يكم در بيان بردن پادشاه طبيب غيبى را إلخ(2/368)
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)
غيره وفى الحديث (ما منكم من أحد الا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر ايمن منه فلا يرى الا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى الا ما قدم فينظر بين يديه فلا يرى الا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق ثمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة) يعنى من لم يجد شيأ يتقى به النار فليتق منها بقول حسن يطيب به قلب المسلم فان الكلمة الطيبة من الصدقات. والاشارة فى الآية ان الله تعالى أخذ الميثاق من اليهود والنصارى على التوحيد كما أخذ من هذه الامة يوم الميثاق ولكنه لما وكل الفريقين الى أنفسهم نسوا ما ذكروا به فما بقي لهم حظ من ذلك الميثاق بابطال الاستعداد الفطري لكمال الانسانية فصاروا كالانعام بل هم أضل اى بل كالسباع يتحارشون ويتناوشون بالعداوة والبغضاء الى يوم القيامة فان ارباب الغفلة لا الفة بينهم وان اصحاب الوفاق لا وحشة بينهم واما هذه الامة لما أيدت بتأييد الا له إذ كتب فى قلوبهم الايمان بقلم خطاب ألست بربكم يوم الميثاق وأيدهم بروح منه ما نسوا حظا مما ذكروا به وقيل لنبيهم عليه الصلاة والسلام وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ وقال تعالى خطابا لهم إذ لم ينسوا حظهم ولم ينقضوا ميثاقهم فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ على ان ذكره إياهم كان قبل وجودهم وذكرهم إياه حين ذكرهم المحبة وقال يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ كذا فى التأويلات النجمية يا أَهْلَ الْكِتابِ يعنى اليهود والنصارى والكتاب جنس شامل للتوراة والإنجيل قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا الاضافة للتشريف والإيذان بوجوب اتباعه يُبَيِّنُ لَكُمْ
حال من رسولنا اى حال كونه مبينا لكم على التدريج حسبما تقتضيه المصلحة كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ اى كثيرا كائنا من الذي كنتم تخفونه على الاستمرار حال كونه من الكتاب اى التوراة والإنجيل الذي أنتم اهله والمتمسكون به كنعت محمد عليه السلام وآية الرجم فى التوراة وبشارة عيسى بأحمد عليهما السلام فى الإنجيل وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ مما تخفونه اى لا يظهره ولا يخبره إذا لم يضطر اليه امر دينى صيانة لكم عن زيادة الافتضاح قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ المراد بالنور والكتاب هو القرآن لما فيه من كشف ظلمات الشرك والشك وابانة ما خفى على الناس من الحق او الاعجاز الواضح والعطف المنبئ على تغاير الطرفين لتنزيل المغايرة بالعنوان منزلة المغايرة بالذات وقيل المراد بالأول هو الرسول صلى الله عليه وسلم وبالثاني القرآن يَهْدِي بِهِ اللَّهُ وحد الضمير لان المراد بهما واحد بالذات او لانهما فى حكم الواحد فان المقصود منهما دعوة الخلق الى الحق أحدهما رسول الهى والآخر معجزته وبيان ما يدعو اليه من الحق مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ اى رضاه بالايمان به سُبُلَ السَّلامِ اى طرق السلامة من العذاب والنجاة من العقاب على ان يكون السلام بمعنى السلامة كاللذاذ واللذاذة والرضاع والرضاعة او سبيل الله تعالى وهو شريعته التي شرعها للناس على ان يكون السلام هو الله تعالى وانتصاب سبل بنزع الخافض فان يهدى انما يتعدى الى الثاني بالى او باللام كما فى قوله تعالى إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُخْرِجُهُمْ الضمير لمن والجمع باعتبار المعنى كما ان الافراد فى اتبع باعتبار اللفظ مِنَ الظُّلُماتِ اى ظلمات فنون الكفر والضلال إِلَى النُّورِ الى الايمان وسمى الايمان نورا لان الإنسان إذا آمن ابصر به طريق نجاته فطلبه وطريق هلاكه فحذره بِإِذْنِهِ(2/369)
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)
اى بتيسيره وإرادته وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ اى طريق هو اقرب الطرق الى الله تعالى ومؤد اليه لا محالة وهذه الهداية عين الهداية الى سبل السلام وانما عطف عليها تنزيلا للتغاير الوصفي منزلة التغاير الذاتي كما فى قوله تعالى وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ. واعلم ان الله تعالى بعث النبي صلى الله عليه وسلم نورا يبين حقيقة حظ الإنسان من الله تعالى وانه تعالى سمى نفسه نورا بقوله تعالى اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لانهما كانتا مخفيتين فى ظلمة العدم فالله تعالى اظهرهما بالإيجاد وسمى الرسول نورا لان أول شىء أظهره الحق بنور قدرته من ظلمة العدم كان نور محمد صلى الله عليه وسلم كما قال (أول ما خلق الله نورى) ثم خلق العالم بما فيه من نوره بعضه من بعض فلما ظهرت الموجودات من وجود نوره سماه نورا وكل ما كان اقرب الى الاختراع كان اولى باسم النور كما ان عالم الأرواح اقرب الى الاختراع من عالم الأجسام فلذلك سمى عالم الأنوار والعلويات نورانيا بالنسبة الى السفليات فاقرب الموجودات الى الاختراع لما كان نور النبي عليه السلام كان اولى باسم النور ولهذا كان يقول (انا من الله والمؤمنون منى) وقال تعالى قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ- وروى- عن النبي عليه السلام انه قال (كنت نورا بين يدى ربى قبل خلق آدم باربعة عشر ألف عام وكان يسبح ذلك النور وتسبح الملائكة بتسبيحه فلما خلق الله آدم القى ذلك النور فى صلبه) وعن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (لما خلق الله آدم اهبطنى فى صلبه الى الأرض وجعلنى فى صلب نوح فى السفينة وقذفنى فى صلب ابراهيم ثم لم يزل تعالى ينقلنى من الأصلاب الكريمة والأرحام الطاهرة حتى أخرجني بين أبوي لم يلتقيا على سفاح قط) قال العرفي فى قصيدته النعتية
اين بس شرف گوهر تو منشى تقدير ... آن روز كه بگذاشتى إقليم قدم را
تا حكم نزول تو درين دار نوشته است ... صدره بعبث باز تراشيد قلم را
وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لما اعترف آدم بالخطيئة قال يا رب اسألك بحق محمد ان تغفر لى فقال الله يا آدم كيف عرفت محمدا ولم أخلقه قال لانك لما خلقتنى بيدك ونفخت فى من روحك رفعت رأسى فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا اله الا الله محمد رسول الله فعرفت انك لم تضف الى اسمك الا اسم أحب الخلق إليك فقال الله تعالى صدقت يا آدم انه لأحب الخلق الى فغفرت لك ولولا محمد لما خلقتك) رواه البيهقي فى دلائله لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ لا غير كما يقال الكرم هو التقوى نزلت فى نصارى نجران وهم اليعقوبية القائلون بانه تعالى قد يحل فى بدن انسان معين او فى روحه قُلْ يا محمد تبكيتا لهم ان كان الأمر كما تزعمون فَمَنْ استفهامية انكارية يَمْلِكُ الملك الضبط والحفظ التام عن حزم اى يمنع مِنَ اللَّهِ اى من قدرته وإرادته شَيْئاً وحقيقته فمن يستطيع ان يمسك شيأ منها إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً احتج بذلك على فساد قولهم وتقريره ان المسيح مقدور مقهور قابل للفناء كسائر الممكنات ومن كان كذلك فهو بمعزل عن الالوهية وكيف يكون آلها من لا يقدر على دفع الهلاك(2/370)
عن نفسه ولا عن غيره والمراد بالإهلاك الامانة والاعدام مطلقا لا بطريق السخط والغضب ولعل نظم امه فى سلك من فرض ارادة إهلاكهم مع تحقق هلاكها قبل ذلك لتأكيد التبكيت وزيادة تقرير مضمون الكلام بجعل حالها أنموذجا لحال بقية من فرض إهلاكه كأنه قيل قل فمن يملك من الله شيأ ان أراد ان يهلك المسيح ابن مريم وامه ومن فى الأرض وقد أهلك امه فهل مانعه أحد فكذا حال من عداها من الموجودين وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما اى ما بين قطرى العالم الجسماني لا بين وجه الأرض ومقعر فلك القمر فقط فيناول ما فى السموات من الملائكة وما فى اعماق الأرض والبحار من المخلوقات وهو تنصيص على كون الكل تحت قهره تعالى وملكوته اثر الاشارة الى كون البعض اى من فى الأرض كذلك اى له تعالى وحده ملك جميع الموجودات والتصرف المطلق فيها إيجادا واعداما واحياء واماتة لا لاحد سواه استقلالا ولا اشتراكا فهو تحقيق لاختصاص الالوهية به تعالى اثر بيان انتفائها عن كل ما سواه يَخْلُقُ ما يَشاءُ اى يخلق ما يشاء من انواع الخلق والإيجاد على ان ما نكرة موصوفة محلها النصب على المصدرية لا على المفعولية كأنه قيل يخلق أي خلق يشاؤه فتارة يخلق من غير اصل كخلق السموات والأرض واخرى من اصل كخلق ما بينهما فينشئ من اصل ليس من جنس كخلق آدم وكثير من الحيوانات ومن اصل يجانسه اما من ذكر وحده كخلق حواء او أنثى وحدها كخلق عيسى او منهما كخلق سائر الناس ويخلق بلا توسط شىء من المخلوقات كخلق عامة المخلوقات وقد يخلق بتوسط مخلوق آخر كخلق الطير على يد عيسى معجزة له واحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وغير ذلك فينسب كل اليه تعالى لا الى من اجرى ذلك على يده وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبله: وفى المثنوى
دامن او گير اى يار دلير ... كو منزه باشد از بالا وزير «1»
نى چوعيسى سوى گردون بر شود ... نى چوقارون در زمين اندر رود
ربى الاعلاست ورد آن مهان ... رب ادنى در خور اين ابلهان «2»
وعن عبادة من الصامت رضى الله عنه عن النبي عليه السلام قال (من شهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وان عيسى عبد الله ورسوله وكلمته القاها الى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق ادخله الله الجنة على ما كان من عمل) وعن الحارث الأشعري رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ان الله تعالى اوحى الى يحيى بن زكريا عليهما السلام بخمس كلمات ان يعمل بهن ويأمر بنى إسرائيل ان يعملوا بهن فكأنه ابطأ بهن فاتاه عيسى فقال ان الله أمرك بخمس كلمات ان تعمل بهن وتأمر بنى إسرائيل ان يعملوا بهن فاما ان تخبرهم واما ان أخبرهم فقال يا أخي لا تفعل فانى أخاف ان سبقتنى بهن ان يخسف بي او أعذب قال فجمع بنى إسرائيل ببيت المقدس حتى امتلأ المسجد وقعدوا على الشرفات ثم خطبهم فقال ان الله اوحى الى بخمس كلمات ان اعمل بهن وآمر بنى إسرائيل ان يعملوا بهن. اولاهن ان لا تشركوا بالله شيأ فان مثل من أشرك بالله
__________
(1) در أوائل دفتر سوم در بيان جمع آمدن اهل آفت هر صباحى بر در صومعه عيسى عليه السلام.
(2) در اواسط دفتر سوم در بيان آنكه حق تعالى ملوك را سبب مسخر كردن جباران إلخ(2/371)
وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)
كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب او ورق ثم اسكنه دارا فقال اعمل وارفع الى فجعل يعمل ويرفع الى غير سيده فأيكم يرضى ان يكون عبده كذلك فان الله خلقكم ورزقكم فلا تشركوا به شيأ وإذا قمتم الى الصلاة فلا تلتفتوا فان الله يقبل بوجهه الى وجه عبده ما لم يلتفت. وآمركم بالصيام ومثل ذلك كمثل رجل فى عصابة معه صرة من مسك كلهم يحب ان يجد ريحها وان الصيام عند الله أطيب من ريح المسك. وآمركم بالصدقة ومثل ذلك كمثل رجل اسره العدو فاوثقوا يده الى عنقه وقربوه ليضربوا عنقه فجعل يقول هل لكم ان أفدي نفسى منكم فجعل يعطى القليل والكثير حتى فدى نفسه. وآمركم بذكر الله كثيرا ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا فى اسره حتى اتى حصنا حصينا فاحرز نفسه فيه وكذلك العبد لا ينجو من الشيطان الذي هو اكبر الأعداء الا بذكر الله: قال فى المثنوى
ذكر حق كن بانكه غولانرا بسوز ... چشم نرگس را ازين كركس بدوز «1»
ذكر حق پاكست چون پاكى رسيد ... رخت بر بندد برون آيد پليد «2»
مى گريزد ضدها از ضدها ... شب گريزد چون بر افروزد ضيا
چون درآيد نام پاك اندر دهان ... نى پليدى ماند ونى آن دهان
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وانا آمركم بخمس الله أمرني بهن بالسمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فانه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه الا ان يراجع) والربقة بكسر الراء وفتحها وسكون الباء الموحدة واحدة الربق وهى عرى فى حبل يشد به إليهم وتستعار لغيره وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ اى قالت اليهود نحن أشياع ابنه عزير وقالت النصارى نحن أشياع ابنه المسيح كما يقول أقارب الملوك عند المفاخرة نحن الملوك او المعنى نحن من الله بمنزلة الأبناء للآباء وقربنا من الله كقرب الوالد لولده وحبنا إياه كحب الوالد لولده وغضب الله علينا كغضب الرجل على ولده والوالد إذا سخط على ولده فى وقت يرضى عنه فى وقت آخر وبالجملة انهم كانوا يدعون ان لهم فضلا ومزية عند الله على سائر الخلق فرد عليهم ذلك وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم قُلْ إلزاما لهم وتبكيتا فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ اى ان صح ما زعمتم فلأى شىء يعذبكم فى الدنيا بالقتل والاسر والمسح وقد اعترفتم بانه سيعذبكم فى الآخرة أياما معدودة بعدد ايام عبادتكم العجل ولو كان الأمر كما زعمتم لما صدر عنكم ما صدر ولما وقع عليكم ما وقع بَلْ اى لستم كذلك أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ اى من جنس ما خلق الله تعالى من غير مزية لكم عليهم يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ ان يغفر له من اولئكم المخلوقين وهم الذين آمنوا بالله تعالى وبرسله وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ان يعذبه منهم وهم الذين كفروا به تعالى وبرسله وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما من الموجودات لا ينتمى اليه تعالى شىء منها الا بالمملوكية والعبودية والكل تحت مملوكيته يتصرف فيه كيف يشاء إيجادا واعداما واماتة واثابة وتعذيبا فانى لهم ادعاء ما زعموا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ فى الآخرة خاصة لا الى غيره استقلالا ولا اشتراكا فيجازى كلا من المحسن والمسيئ بما يستدعيه عمله من غير مانع يمنعه
__________
(1) در أوائل دفتر دوم در بيان تمثيل بر حقيقت سخن إلخ
(2) در أوائل دفتر سوم در بيان امر كردن حق تعالى بموسى عليه السلام(2/372)
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)
وليست المحبة بالدعوى بل لها علامات ولله در من قال
تعصى الإله وأنت تظهر حبه ... هذا لعمرى فى الفعال بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته ... ان المحب لمن يحب مطيع
والله تعالى لا يحب من خالف شيأ من شريعة النبي عليه السلام من سننها وفروضها وحلالها وحرامها وانما يحب من أطاع امره ولا فوق بين الناس من حيث الصورة البشرية وانما تفاوتهم من حيث العلم والعمل والتقرب الى الله تعالى: قال السعدي قدس سره
ره راست بايد نه بالاى راست ... كه كافر هم از روى صورت چوماست
وانما يظهر التفاوت فى الآخرة لانها دار الجزاء فطوبى لعبد تفكر فى حاله ومصيره فرغب فى الزهد والطاعة قبل مضى الوقت: قال فى المثنوى
گر ببينى ميل خود سوى سما ... پر دولت برگشا همچون هما
ور بينى ميل خود سوى زمين ... نوحه ميكن هيچ منشين از حنين
عاقلان خود نوحها پيشين كنند ... جاهلان آخر بسر بر مى زنند
ز ابتداء كار آخر را ببين ... تا نباشى تو پشيمان روز دين
- وحكى- ان رجلا جاء الى صائغ يسأل منه الميزان ليزن رضاض ذهب له فقال الصائغ اذهب فانه ليس لى غربال فقال الرجل لا تسخر بي آت الميزان فقال الصائغ ليس لى مكنسة ثم قال اطلب منك الميزان ايها الصائغ وأنت تجيبنى بما يضحك منه فقال انما قلت ما قلت لانك شيخ مرتعش فعند الوزن يتفرق رضاضك من يدك بسبب ارتعاشك ويسقط الى التراب فتحتاج الى المكنسة والغربال للتخليص فبسبب فكرى لعاقبة أمرك قلت ما قلت
من ز أول ديدم آخر را تمام ... جاى ديگر رو ازينجا والسلام
واعلم ان أحباء الله هم اولياء الله على اختلاف درجاتهم وطبقاتهم. فمنهم عوام. ومنهم خواص. ومنهم أخص ولكل منهم مقام معلوم من المحبة. ورأى بعضهم معروفا الكرخي تحت العرش وقد قال الله تعالى لملائكته من هذا فقالوا أنت اعلم يا رب فقال هذا معروف الكرخي سكر من حبى فلا يليق إلا للقائي وكمال الحب انما يحصل بعد تزكية النفس فان النفس إذا كانت مغضوبة لا تتم الرحمة فى حقها وصاحبها انما يحب الله تعالى من وراء حجاب اللهم اجعلنا ممن يحبك حبا شديدا ويسلك فى محبتك طريقا سديدا يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا حال كونه يُبَيِّنُ لَكُمْ الشرائع والاحكام الدينية المقرونة بالوعد والوعيد عَلى فَتْرَةٍ كائنة مِنَ الرُّسُلِ مبتدأة من جهتهم وعلى متعلق بجاءكم على الظرفية اى جاءكم على حين فتور من الإرسال وانقطاع من الوحى ومزيد احتياج الى بيان الشرائع والاحكام الدينية يقال فتر الشيء يفتر فتورا إذا سكنت حركته وصارت اقل مما كانت عليه وسميت المدة بين الأنبياء فترة لفتور الدواعي فى العمل بتلك الشرائع ونبينا صلى الله تعالى عليه وسلم بعث بعد انقطاع الرسل لان الرسل كانت متواترة بعضها فى اثر بعض الى وقت رفع عيسى عليه السلام أَنْ تَقُولُوا تعليل لمجيئ الرسول بالبيان على حذف(2/373)
المضاف اى كراهة ان تقولوا معتذرين عن تفريطكم فى مراعاة احكام الدين ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ يبشرنا بالجنة وَلا نَذِيرٍ يخوفنا بالنار وقد انطمست آثار الشرائع السابقة وانقطعت اخبارها فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ متعلق بمحذوف تنبئ عنه الفاء الفصيحة وتبين انه معلل به اى لا تعتذروا بذلك فقد جاءكم بشير أي بشير ونذير أي نذير على ان التنوين للتفخيم. وفى الآية امتنان عليهم بان بعث إليهم حين انطمست آثار الوحى وكانوا أحوج ما يكون اليه وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على الإرسال تترى كما فعل بين موسى وعيسى عليهما السلام حيث كان بينهما الف وسبعمائة سنة والف نبى وعلى الإرسال بعد الفترة كما فعله بين عيسى ومحمد عليهما السلام حيث كان بينهما ستمائة سنة وتسع وتسعون سنة او خمسمائة وست وأربعون سنة واربعة أنبياء على ما روى الكلبي ثلاثة من بنى إسرائيل وواحد من العرب خالدين سنان العبسي وقيل لم يكن بعد عيسى الا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الأنسب بما فى تنوين فترة من التفخيم اللائق بمقام الامتنان عليهم بان الرسول قد بعث إليهم عند كمال حاجتهم اليه بسبب مضى دهر طويل بعد انقطاع الوحى ليعدوه أعظم نعمة من الله وفتح باب الى الرحمة وتلزمهم الحجة فلا يتعللوا غدا بانه لم يرسل إليهم من ينبههم من غفلتهم كذا فى الإرشاد. وفى الحديث (انا اولى الناس بعيسى ابن مريم فانه ليس بينى وبينه نبى) قال ابن الملك بطل بهذا قول من قال الحواريون كانوا أنبياء بعد عيسى عليه السلام انتهى ومعنى قوله نبى اى نبى داع للخلق الى الله وشرعه واما خالدين سنان فان اظهر بدعواه الانباء عن البرزخ الذي بعد الموت وما اظهر نبوته فى الدنيا. وقصته انه كان مع قومه يسكنون بلاد عدن فخرجت نار عظيمة من مغارة فاهلكت الزرع والضرع فالتجأ اليه قومه فاخذ خالد يضرب تلك النار بعصاه حتى رجعت هاربة منه الى المغارة التي خرجت منها ثم قال لاولاده انى ادخل المغارة خلف النار لاطفئها وأمرهم ان يدعوه بعد ثلاثة ايام تامة فانهم ان نادوه قبل ثلاثة ايام فهو يخرج ويموت وان صبروا ثلاثة ايام يخرج سالما فلما دخل صبروا يومين واستفزهم الشيطان فلم يصبروا ثلاثة ايام فظنوا انه هلك فصاحوا به فخرج خالد من المغارة وعلى رأسه ألم حصل
من صياحهم فقال ضيعتمونى وأضعتم قولى ووصيتي وأخبرهم بموته وأمرهم ان يقبروه ويرقبوه أربعين يوما فانه يأتيهم قطيع من الغنم يتقدمه حمار ابتر مقطوع الذنب فاذا حاذى قبره ووقف فلينبشوا عليه قبره فانه يقوم ويخبرهم بأحوال البرزخ والقبر عن يقين ورؤية فانتظروا أربعين يوما فجاء القطيع وتقدمه حمار ابتر فوقف حذاء قبره فهمّ مؤمنوا قومه ان ينبشوا عليه فابى أولاده خوفا من العار لئلا يقال لهم أولاد المنبوش قبره فحملتهم الحمية الجاهلية على ذلك فضيعوا وصيته وأضاعوه فلما بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جاءته بنت خالد فقال عليه السلام (مرحبا بابنة نبى إضاعة قومه) وانما امر خالد ان ينبش عليه ليسأل ويخبر ان الحكم فى البرزخ على صورة الحياة الدنيا فيعلم بذلك الاخبار صدق الرسل كلهم بما أخبروا به فى حياتهم الدنيا فكان غرض خالد عليه السلام ايمان العالم كله بما جاءت به الرسل من احوال القبر والمواطن والمقامات البرزخية ليكون رحمة(2/374)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21)
للجميع فانه تشرف بقرب نبوته من نبوة محمد عليه السلام وعلم خالد ان الله أرسله رحمة للعالمين ولم يكن خالد برسول فاراد ان يحصل من هذه الرحمة فى الرسالة المحمدية على حظ او فرو لم يؤمر بالتبليغ فاراد ان يحطى فى البرزخ بذلك التبليغ من مقام الرسالة ليكون أقوى فى العلم فى حق الخلق اى ليعلم قوة علمه بأحوال الخلائق فى البرزخ فاضاعه قومه وانما وصف النبي قومه بانهم أضاعوا نبيهم اى وصية نبيهم حيث لم يبلغوه مراده من اخباره احوال القبر كذا فى الفصوص وشروحه.
واتفق العلماء على انه صلى الله عليه وسلم ولد بمكة عام الفيل فى عاشر شهر ربيع الاول فى ليلة يوم الاثنين منه فلما تشرف العالم وجوده الشريف وعنصره اللطيف أضاءت قلوب الخلق واستنارت فهداهم الله به عليه السلام فابصره من ابصر وعمى من عمى وبقي فى الكفر والضلال
در كارخانه عشق از كفر ناگزيرست ... آتش كرا بسوزد گر بو لهب نباشد
وانما أضاف تعالى الرسول الى نفسه وقال رسولنا وما أضاف إليهم لان فائدة رسالته لم تكن راجعة إليهم ولما خاطب هذه الامة وأخبرهم عن مجيئ الرسول ما اضافه الى نفسه وانما جعله من أنفسهم فقال لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ لان فائدة رسالته كانت راجعة الى أنفسهم كما فى التأويلات النجمية. فعلى المؤمن ان يقتفى اثر الرسول صلى الله عليه وسلم ويتفكر فى الوعد والوعيد فقد جاء البشير والنذير بحيث لم يبق للاعتذار مجال أصلا- وروى- ان جبير بن مطعم قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالجحفة فقال (أليس تشهدون ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وانى رسول الله وان القرآن جاء من عند الله) فقلنا بلى قال (فابشروا فان هذا القرآن طرفه بيده الله وطرفه بايديكم فتمسكوا به فانكم لن تهلكوا ولن تضلوا بعده ابدا) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اى اذكر يا محمد لاهل الكتاب ما حدث وقت قول موسى لبنى إسرائيل ناصحالهم يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ اى انعامه عليكم إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ فى وقت جعله فيما بينكم من اقربائكم أنبياء فارشدكم وشرفكم بهم ولم يبعث فى امة من الأمم ما بعث فى بنى إسرائيل من الأنبياء وكثرة الاشراف والأفاضل فى القوم شرف وفضل لهم ولا شرف أعظم من النبوة وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً اى جعل فيكم او منكم ملوكا كثيرة فانه قد تكاثر فيهم الملوك تكاثر الأنبياء وجعل الكل فى مقام الامتنان عليهم ملوكا لما ان أقارب الملوك يقولون عند المفاخرة نحن الملوك. وقال السدى وجعلكم أحرار تملكون أنفسكم بعد ما كنتم فى أيدي القبط فى مملكة فرعون بمنزلة اهل الجزية قال ابن عباس رضى الله عنهما يعنى اصحاب خدم وحشم وكانوا أول من ملك الخدم ولم يكن لمن قبلهم خدم وقال بعضهم من له امرأة يأوى إليها ومسكن يسكنه وخادم يخدمه فهو من الملوك وكذا من كان مسكنه واسعا وفيه ماء جار فهو ملك وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ من البحر وإغراق العدو وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وغير ذلك مما آتاهم الله من الأمور العظام والمراد بالعالمين الأمم الخالية الى زمانهم يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ هى ارض بيت المقدس طهرت من الشرك وجعلت قرار الأنبياء ومسكن المؤمنين الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ اى كتب فى اللوح المحفوظ انها تكون مسكنا لكم ان آمنتم وأطعتم لقوله تعالى(2/375)
قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)
لهم بعد ما عصوا فانها محرمة عليهم وَلا تَرْتَدُّوا لا ترجعوا عَلى أَدْبارِكُمْ اى مدبرين خوفا من الجبابرة فهو حال من فاعل لا ترتدوا ويجوز ان يتعلق بنفس الفعل اى ولا ترجعوا على أعقابكم بخلاف ما امر الله فَتَنْقَلِبُوا فتنصرفوا حال كونكم خاسِرِينَ اى مغبونين بفوت ثواب الدارين قالُوا اى بنوا إسرائيل عند امر موسى ونهيه غير ممتثلين لذلك يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ اى متغلبين لا تتأتى مقاومتهم والجبار العالي الذي يجبر الناس ويكرههم كائنا من كان على ما يريده كائنا ما كان فعال من جبره على الأمر اى أجبره عليه وذلك ان النقباء الاثني عشر الذين خرجوا لتجسس الاخبار وانتهوا الى مدينة الجبارين لما رجعوا الى موسى واخبروه بما عاينوا من قوتهم وشوكتهم وطول قدودهم وعظم أجسامهم وان الرجل من بنى إسرائيل ليدخل تحت قدمهم لعظمه ووسعته قال لهم موسى اكتموا شأنهم ولا تخبروا به أحدا من اهل المعسكر فيفشلوا فاخبر كل واحد منهم قريبه وابن عمه إلا رجلين وفيا بما قال لهما موسى أحدهما يوشع بن نون بن افرائيم بن يوسف فتى موسى والآخر كالب بن يوفنا ختن موسى على أخته مريم بنت عمران وكان من سبط يهودا فشاع الخبر بين بنى إسرائيل فلذا قالو ان فيها قوما جبارين وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها من غير صنع من قبلنا فانه لا طاقة لنا بإخراجهم منها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها بسبب من الأسباب التي لا تعلق لنا بها فَإِنَّا داخِلُونَ حينئذ قالَ رَجُلانِ كانه قيل هل اتفقوا على ذلك او خالفهم البعض فقيل قال رجلان وهما كالب ويوشع مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ الله تعالى دون العدو ويتقونه فى مخالفة امره ونهيه وهو صفة لرجلان أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا بالتثبيت والوقوف على شؤونه تعالى والثقة بوعده وهو صفة ثانية لرجلان ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ اى باب بلد الجبارين وهو أريحا وتقديم الجار والمجرور عليه للاهتمام به لان المقصود انما هو دخول الباب وهم فى بلدهم اى باغتوهم وضاغتوهم فى المضيق وامنعوهم من البروز الى الصحراء لئلا يجدوا للحرب مجالا فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ اى باب بلدهم وهم فيه فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ من غير حاجة الى القتال فانا قد رأيناهم وشاهدناهم ان قلوبهم ضعيفة وان كانت أجسادهم عظيمة فلا تخشوهم واهجموا عليهم فى المضايق فانهم لا يقدرون فيها على الكر والفر وَعَلَى اللَّهِ خاصة فَتَوَكَّلُوا بعد ترتيب الأسباب ولا تعتمدوا عليها فانها بمعزل من التأثير وانما التأثير من عنايته العزيز القدير إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ به تعالى مصدقين لوعده فان ذلك مما يوجب التوكل عليه حتما قالُوا غير مبالين بقول ذينك الرجلين مصرين على القول الاول يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها اى ارض الجبابرة أَبَداً اى دهرا طويلا ما دامُوا فِيها اى فى ارضهم وهو بدل من ابدا بدل البعض لان الابد يعم الزمن المستقبل كله ودوام الجبارين فيها بعض منه فَاذْهَبْ الفاء فصيحة اى فاذا كان الأمر كذلك فاذهب أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا اى فقاتلاهم انما قالوا ذلك استهانة واستهزاء به تعالى وبرسوله وعدم مبالاة بهما لا انهم قصدوا ذهابهما حقيقة لان من هو فى صورة الإنسان يستبعد منه انه يجوز حقيقة الذهاب والمجيء على الله تعالى الا ان يكون من المجسمة إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ(2/376)
قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30)
أراد بذلك عدم التقدم لا عدم التأخر قالَ موسى عليه السلام لما رأى منهم ما رأى من العناد على طريقة البث والحزن والشكوى الى الله تعالى مع رقة القلب التي بمثلها تستجلب الرحمة وتستنزل النصرة رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي اى الا طاعة نفسى وأخي فَافْرُقْ بَيْنَنا يريد نفسه وأخاه والفاء لترتيب الفرق والدعاء به على ما قبله وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ الخارجين عن طاعتك المصرين على عصيانك بان تحكم لنا بما نستحقه وعليهم بما يستحقون قالَ الله تعالى فَإِنَّها اى الأرض المقدسة مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ تحريم منع لا تحريم تعبد وتكليف لا يدخلونها ولا يملكونها لان كتابتها لهم كانت مشروطة بالايمان والجهاد وحيث نكصوا على ادبارهم حرموا ذلك وانقلبوا خاسرين أَرْبَعِينَ سَنَةً ظرف لمحرمة فالتحريم موقت بهذه المدة لا مؤبد فلا يكون مخالفا لقوله تعالى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ فالمراد بتحريمها عليهم انه لا يدخلها أحد منهم فى هذه المدة لكن لا بمعنى ان كلهم يدخلونها بعدها بل بعضهم ممن بقي يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ اى يتحيرون فى البرية استئناف لبيان كيفية حرمانهم فَلا تَأْسَ فلا تحزن والاسى الحزن عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ- روى- انه عليه السلام ندم على دعائه عليهم فقيل لا تندم ولا تحزن عليهم فانهم أحقاء بذلك لفسقهم فلبثوا أربعين سنة فى ستة فراسخ وهم ستمائة الف مقاتل وكانوا يسيرون كل يوم جادين فاذا امسوا كانوا فى الموضع الذي ارتحلوا منه وكان الغمام يظللهم من حر الشمس ويطلع بالليل عمود من نور يضيئ لهم وينزل عليهم المن والسلوى ولا تطول شعورهم وإذا ولد لهم مولود كان عليه ثوب كالظفر يطوله وماؤهم من الحجر الذي يحملونه وهذه الإنعامات عليهم مع انهم معاقبون لما ان عقابهم كان بطريق الفرك والتأديب وأصح الأقاويل ان موسى وهارون كانا معهم فى التيه ولكن كان ذلك لهما روحا وسلامة كالنار لابراهيم وملائكة العذاب قال فى التأويلات النجمية والتعجب فى ان موسى وهارون بشؤم معاملة بنى إسرائيل بقيا فى التيه أربعين سنة وبنوا إسرائيل ببركة كرامتهما ظلل عليهم الغمام وانزل عليهم المن والسلوى فى التيه ليعلم اثر بركة صحبة الصالحين واثر شؤم صحبة الفاسقين انتهى: قال الحافظ
ملول همرهان بودن طريق كاردانى نيست ... بكش دشوارىء منزل بياد عهد آسانى
- روى- ان موسى عليه السلام خرج من التيه بعد أربعين سنة وسار بمن بقي من بنى إسرائيل الى أريحا وكان يوشع بن نون على مقدمته فحارب الجبابرة وفتحها واقام بها ما شاء الله ثم قبضه الله ولا يعلم قبره الا الله وهذا أصح الأقاويل لاتفاق العلماء على ان عوج بن عنق قتله موسى عليه السلام قال السدى فى وفاة هارون ان الله اوحى الى موسى انى متوفى هارون فائت به جبل كذا وكذا فانطلق موسى وهارون نحو ذلك الجبل فاذا هما بشجرة لم ير مثلها فاذا بيت مبنى وفيه سرير عليه فرش وإذا فيه ريح طيبة فلما نظر هارون الى ذلك أعجبه وقال يا موسى انى أحب ان أنام على هذا السرير قال فنم عليه فلما نام جاء ملك الموت فقال يا موسى خدعتنى فلما قبض رفع البيت وذهبت تلك الشجرة ورفع السرير به الى السماء فلما رجع موسى الى بنى إسرائيل وليس معه هارون قالوا ان موسى قتل هارون وحسده على حب بنى(2/377)
إسرائيل إياه فقال لهم موسى ويحكم كان أخي أفتروني اقتل أخي فلما كثروا عليه صلى ركعتين ثم دعا فنزل السرير حتى نظروا اليه بين السماء والأرض فصدقوه وعن على بن ابى طالب رضى الله عنه قال صعد موسى وهارون الجبل فقال بنوا إسرائيل أنت قتلته فآذوه فامر الله الملائكة فحملوه حتى مروا به على بنى إسرائيل وتكلمت الملائكة بموته حتى عرفت بنوا إسرائيل انه قد مات فبرأه الله مما قالوا ثم ان الملائكة حملوه ودفنوه فلم يطلع على موضع قبره أحد الا الرخم فجعله الله أصم وأبكم وقال عمرو بن ميمونة مات هارون وموسى فى التيه مات هارون قبل موسى وكانا خرجا الى بعض الكهوف فمات هارون ودفنه موسى وانصرف الى بنى إسرائيل فقالوا قتلته لحبنا إياه وكان محببا فى بنى إسرائيل فتضرع موسى الى ربه فاوحى الله اليه ان انطلق بهم الى قبره فنادى يا هارون فخرج من قبره ينقض رأسه فقال انا قتلتك
فقال لا ولكننى مت قال فعد الى مضجعك وانصرفوا واما وفاة موسى عليه الصلاة والسلام قال ابن اسحق كان صفى الله موسى قد كره الموت وأعظمه فاراد الله ان يحبب اليه الموت فنبىء يوشع بن نون فكان يغدو ويروح عليه فيقول له موسى يا نبى الله ما أحدث الله إليك فيقول له يوشع يا نبى الله ألم أصحبك كذا وكذا سنة فهل كنت اسألك عن شىء مما أحدث الله إليك حتى تكون أنت الذي تبثه به وتذكره ولا يذكر له شيأ ولما رأى موسى ذلك كره الحياة وأحب الموت وفى الحديث (جاء ملك الموت الى موسى فقال له أجب ربك قال فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها فرجع ملك الموت الى الله تعالى فقال انك أرسلتني الى عبد لا يريد الموت وقد فقأ عينى قال فرد الله اليه عينه وقال ارجع الى عبدى فقل له الحياة تريد فان كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما وارت يدك من شعرة فانك تعيش بها سنة قال ثم ماذا قال ثم تموت قال فالآن من قريب قال رب أدنني من الأرض المقدسة قدر رمية حجر) قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (لو انى عنده لأريتكم قبره الى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر) قال محمد بن يحيى قد صح حديث ملك الموت وموسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يرده الا كل مبتدع كذا فى تفسير الثعلبي وفى حديث آخر (ان ملك الموت كان يأتى الناس عيانا حتى اتى موسى ليقبضه فلطمه ففقأ عينه فجاء ملك الموت بعد ذلك خفية) وقال وهب خرج موسى لبعض حاجاته فمر برهط من الملائكة يحفرون قبرا لم يرشيأ قط احسن منه ومثل ما فيه من الخضرة والنضرة والبهجة فقال لهم يا ملائكة الله لمن يحفر هذا القبر فقالوا لعبد كريم على ربه فقال ان هذا العبد من الله بمنزل ما رأيت مضجعا احسن من هذا قالوا يا كليم الله أتحب ان يكون لك قال وددت قالوا فانزل واضطجع فيه وتوجه الى ربك قال فاضطجع فيه وتوجه الى ربه ثم تنفس أسهل نفس قبض الله روحه ثم سوت الملائكة عليه التراب وقيل ان ملك الموت أتاه بتفاحة من الجنة فشمها فقبض روحه- وروى- ان يوشع رآه بعد موته فى المنام فقال كيف وجدت الموت قال كشاة تسلخ وهى حية وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة فلما مات موسى وانقضت الأربعون بعث الله يوشع نبيا فاخبره ان الله قد امره بقتال الجبابرة فصدقوه وتابعوه فتوجه ببني إسرائيل الى اريحاء معه تابوت الميثاق فاحاط بمدينة اريحاء ستة أشهر فلما كان السابع نفخوا فى القرون(2/378)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)
وضج الشعب ضجة واحدة فسقط سور المدينة ودخلوا فقاتلوا الجبارين فهزموهم وهجموا عليهم يقتلونهم وكانت العصابة من بنى إسرائيل يجتمعون على عنق الرجل يضربونها لا يقطعونها وكان القتال يوم الجمعة فبقيت منهم البقية وكادت الشمس تغرب وتدخل ليلة السبت فقال اللهم اردد الشمس على وقال للشمس انك فى طاعة الله تعالى وانا فى طاعة الله فسأل الشمس ان تقف والقمر ان يقيم حتى ينتقم من اعداء الله قبل دخول السبت فردت عليه الشمس وزيد فى النهار ساعة حتى قتلهم أجمعين وتتبع ملوك الشام فاستباح منهم أحدا وثلاثين ملكا حتى غلب على جميع ارض الشام وصارت الشام كلها لبنى إسرائيل وفرق عماله فى نواحيها وجمع الغنائم فلم تنزل النار فأوحى الله الى يوشع ان فيها غلولا فمرهم فليبا يعوك فبايعوه فالتصقت يدرجل منهم بيده فقال هلم ما عندك فاتاه برأس ثور من ذهب مكلل بالياقوت والجواهر وكان قد غله فجعله فى القربان وجعل الرجل معه فجاءت النار فاكلت الرجل والقربان ثم مات يوشع ودفن فى جبل افرائيم وكان عمره مائة وستا وعشرين سنة وتدبيره امر بنى إسرائيل بعد موت موسى سبعا وعشرين سنة
جهان اى برادر نماند بكس ... دل اندر جهان آفرين بند وبس
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ اى على اهل الكتاب نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ اى خبر ابني ابى البشر وهما قابيل وهابيل بِالْحَقِّ اى تلاوة ملتبسة بالحق والصحة ذكر العلماء ان حواء كانت تلد فى كل بطن ولدين ذكرا وأنثى إلا شيثا فانها ولدته منفردا فولدت أول بطن قابيل وأخته إقليما ثم ولدت فى البطن الثانية هابيل وأخته ليوذا فلما أدركوا أوحى الله الى آدم انه يزوج كلا منهما توأمة الآخر لانه لم يكن يومئذ الا أختاهما وكانت توأمة قابيل أجمل فحسد عليها أخاه وسخط وزعم ان ذلك ليس من عند الله بل من جهة آدم فقال لهما قربا قربانا فمن أيكما قبل تزوجها ففعلا فنزلت نار على قربان هابيل فاكلته ولم تتعرض لقربان قابيل فازداد قابيل حسدا وسخطا وفعل ما فعل إِذْ قَرَّبا قُرْباناً ظرف لنبأ والقربان اسم لما يتقرب به الى الله تعالى من ذبيحة او صدقة وتوحيده لما انه فى الأصل مصدر والتقدير إذ قرب كل منهما قربانا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما هو هابيل وكان صاحب ضرع وقرب جملا سمينا او كبشا ولبنا وزبدا فنزلت نار من السماء بيضاء لا دخان لها فاكلته بعد دعاء آدم عليه السلام وكانت القرابين إذا كانت مقبولة نزلت من السماء نار فاكلتها وان لم تكن مقبولة لم تنزل النار واكلتها الطير والسباع وقيل ما كان فى ذلك الوقت فقير يدفع اليه ما يتقرب به الى الله تعالى فكانت علامة قبوله ما ذكر من مجيئ النار والاكل وروى سعيد بن جبير وغيره نزلت نار من السماء فاحتملت قربان هابيل ورفع بها الى الجنة فلم يزل يرعى الى ان فدى به الذبيح عليه السلام وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ وهو قابيل كان صاحب زرع وقرب اردأ ما عنده من القمح ولم تتعرض له النار أصلا لانه سخط حكم الله ولم يخلص النية فى قربانه وقصد الى اخس ما عنده فنزلا عن الجبل الذي قربا عليه وقد غضب قابيل لرد قربانه وكان يضمر الحسد فى نفسه الى ان اتى آدم مكة لزيارة البيت فلما غاب آدم اتى قابيل هابيل وهو فى غنمه فعند ذلك قالَ اى من لم يتقبل قربانه لاخيه لَأَقْتُلَنَّكَ اى والله لا قتلنك قال ولم قال لان الله قبل قربانك ورد قربانى وتنكح أختي الحسناء وانكح(2/379)
لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30)
أختك الدميمة فيحدث الناس انك خير منى ويفخر ولدك على ولدي قالَ الذي تقبل قربانه وما ذنبى إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ اى القربان مِنَ الْمُتَّقِينَ لا من غيرهم وانما تقبل قربانى ورد قربانك لما فينا من التقوى وعدمه اى انما أديت من قبل نفسك لا من قبلى فلم تقتلنى والتقوى من صفات القلب لقوله عليه السلام (التقوى هاهنا) وأشار الى القلب وحقيقة التقوى ان يكون العامل على خوف ووجل من تقصير نفسه فيما اتى به من الطاعات وان يكون فى غاية الاحتراز من ان يأتى بتلك الطاعة لغرض سوى طلب مرضاة الله وان يكون فيه شركة لغير الله تعالى لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ اى والله لئن مددت الى يدك وباشرت قتلى حسبما او عدتنى به وتحقق ذلك منك ما انا بفاعل مثله لك فى وقت من الأوقات ثم علل ذلك بقوله إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ قيل كان هابيل أقوى ولكن تحرّج عن قتله واستسلم له خوفا من الله تعالى لان القتل للدفع لم يكن مباحا فى ذلك الوقت قال البغوي وفى الشرع جائز لمن أريد قتله ان ينقاد ويستسلم طلبا للاجر كما فعل عثمان رضى الله عنه إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ تعليل آخر لامتناعه عن المعارضة على انه غرض متأخر عنه كما ان الاول باعث متقدم عليه وانما لم يعطف تنبيها على كفاية كل منهما فى العلية والمعنى انى أريد باستسلامى لك وامتناعي عن التعرض لك ان ترجع بإثمي اى بمثل اثمى لو بسطت يدك إليك وبإثمك ببسط يدك الىّ كما فى قوله صلى الله عليه وسلم (المستبان ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم) اى على البادئ عين اثم سبه ومثل سبه صاحبه بحكم كونه سببا له وكلاهما نصب على الحالية اى ترجع ملتبسا بالاثمين حاملا لهما ولعل مراده بالذات انما هو عدم ملابسته للاثم لا ملابسة أخيه له فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ فى الآخرة وَذلِكَ اشارة الى كونه من اصحاب النار جَزاءُ الظَّالِمِينَ اى عقوبة من لم يرض بحكم الله تعالى فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ من طاع له المرتع إذا اتسع اى وسعته وسهلته اى جعلته سهلا وهوّنته وتقدير الكلام فصورت له نفسه ان قتل أخيه طوع له سهل عليه ومتسع له لا ضيق فيه ولا حرج فان قتل النفس بغير حق لا سيما قتل الأخ إذا تصوره الإنسان يجده شيأ عاصيا نافرا كل النفرة عن دائرة الشرع والعقل بعيدا عن الاطاعة والانقياد البتة ثم ان النفس الامارة إذا استعملت القوة السبعية الغضبية صار ذلك الفعل أسهل عليها فكأن النفس صيرته كالمطيع لها بعد ان كان كالعاصى المتمرد عليها ويتم الكلام بدون اللام بان يقال فطوعته نفسه قتل أخيه الا انه جيئ باللام لزيادة الربط كما فى قولك حفظت لزيد ماله مع تمام الكلام بان يقال حفظت مال زيد فَقَتَلَهُ قيل لم يدر قابيل كيف يقتل هابيل فتمثل إبليس وأخذ طائرا او حية ووضع رأسه على الحجر ثم شدخها بحجر آخر وقابيل ينظر فتعلم منه فوضع رأس هابيل بين حجرين وهو مستسلم لا يستعصى عليه او اغتاله وهو نائم وغنمه ترعى وذلك عند جبل ثور او عقبة حراء او بالبصرة فى موضع المسجد الأعظم وكان لهابيل يوم قتله عشرون سنة وعن بعض الكبار ان آدم لما هبط الى الأرض تفكر فيما أكل فاستقاء فنبتت شجرة السم من قيئه فاكلت الحية ذلك السم ولذا صارت مؤذية مهلكة وكان قد بقي شىء مما أكل فلما غشى حواء حصل قابيل ولذا كان قاتلا باعثا للفساد فى وجه الأرض(2/380)
فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)
فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ خسر دينه ودنياه قال ابن عباس رضى الله عنهما حسر دنياه وآخرته اما الدنيا فانه أسخط لوالديه وبقي مذموما الى يوم القيامة واما الآخرة فهو العقاب العظيم فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً أرسله يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ البحث بالفارسية «بكندن» لِيُرِيَهُ المستكن الى الله تعالى او للغراب واللام على الاول متعلقة ببعث حتما وعلى الثاني بيبحث ويجوز تعلقها ببعث ايضا كَيْفَ يُوارِي يستر سَوْأَةَ أَخِيهِ اى جسده الميت فانه مما يستقبح انه يرى وقيل عورته لانه كان قد سلب ثيابه. وكيف حال من ضمير يوارى والجملة ثانى مفعولى يرى- روى- انه لما قتله تركه بالعراء اى الأرض الخالية عن الأشجار ولم يدر ما يصنع به لانه كان أول ميت على وجه الأرض من بنى آدم فخاف عليه السباع فحمله فى جراب على ظهره أربعين يوما او سنة حتى أروح وعفت عليه الطيور والسباع تنظر متى يرمى به فتأكله فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر فحفر له بمنقاره ورجليه حفرة فالقاه فيها وواراه وقابيل ينظر اليه وكأنه قيل فماذا قال عند مشاهدة حال الغراب فقيل قالَ يا وَيْلَتى هى كلمة جزع وتحسر والالف بدل من ياء المتكلم والمعنى يا ويلتى احضرى فهذا أوانك والنداء وان كان أصله لمن يتأتى منه الإقبال وهم العقلاء الا ان العرب تتجوز وتنادى ما لا يعقل إظهارا للتحسر ومثله يا حسرة على العباد والويل والويلة الهلكة أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ اى عن ان أكون مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي تعجب من عدم اهتدائه الى ما اهتدى اليه الغراب وقوله فاوارى بالنصب عطف على أكون اى أعجزت عن كونى مشبها بالغراب فمواريا فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ اى على قتله لما كان من التحير فى امره وحمله على رقبته مدة طويلة وغير ذلك فلما كان ندمه لاجل هذه الأسباب لا للخوف من الله بسبب ارتكاب المعصية لم يكن ندمه توبة ولم ينتفع بندمه- روى- انه لما قتل ابن آدم أخاه رجفت الأرض بما عليها سبعة ايام ثم شربت الأرض دمه كشرب الماء فناداه الله اين أخوك هابيل قال ما أدرى ما كنت عليه رقيبا فقال الله تعالى ان دم أخيك لينادينى من الأرض فلم قتلت أخاك قال فاين دمه ان كنت قتلته فحرم الله تعالى على الأرض يومئذ ان تشرب دما بعده ابدا قال مقاتل كان قبل ذلك يستأنس السباع والطيور والوحوش فلما قتل قابيل هابيل نفروا فلحقت الطيور بالهواء والوحوش بالبرية والسباع بالغياض واشتاك الشجر وتغيرت الاطعمة وحمضت الفواكه وامر الماء واغبرت الأرض فقال آدم قد حدث فى الأرض حدث فاتى الهند فاذا قابيل قد قتل هابيل وكان جسد قابيل ابيض قبل ذلك فاسود فسأله آدم عن أخيه فقال ما كنت عليه وكيلا قال بل قتلته ولذلك اسود جسدك ومكث آدم حزينا على قتل ولده مائة سنة لا يضحك وانشأ يقول وهو أول من قال الشعر
تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبر قبيح
تغير كل ذى لون وطعم ... وقل بشاشة الوجه الصبيح
وعن ابن عباس رضى الله عنهما من قال ان آدم قال شعرا فقد كذب ان محمدا والأنبياء كلهم فى النهى عن الشعر سواء ولكن لما قتل قابيل هابيل رثاه آدم وهو سريانى فلما قال آدم(2/381)
مرثية قال لشيث يا بنى انك وصيي احفظ هذا الكلام ليتوارث فيرق الناس عليه فلم يزل ينقل حتى وصل الى يعرب بن قحطان وكان يتكلم بالعربية والسريانية وهو أول من خط بالعربية وكان يقول الشعر فنظر فى المرثية فرد المقدم الى المؤخر والمؤخر الى المقدم فوزنه شعرا وزيد فيه أبيات منها
ومالى لا أجود بسكب دمع ... وهابيل تضمنه الضريح
ارى طول الحياة على نقما ... فهل انا من حياتى مستريح
- وروى- عن انس رضى الله عنه انه قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم الثلاثاء فقال (يوم الدم فيه حاضت حواء وفيه قتل ابن آدم أخاه) فلما مضى من عمر آدم مائة وثلاثون سنة وذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين ولدت له حواء شيئا وتفسيره هبة الله يعنى انه خلف من هابيل علمه الله تعالى ساعات الليل والنهار واعلمه عبادة الخلق فى كل ساعة منها وانزل عليه خمسين صحيفة وصار وصى آدم وولى عهده. واما قابيل فقيل له اذهب طريدا شريدا فزعا مرعوبا لا تأمن من تراه فاخذ بيد أخته إقليما وهرب بها الى عدن من ارض اليمن فاتاه إبليس فقال له انما أكلت النار قربان هابيل لانه كان يعبد النار فانصب أنت ايضا نارا تكون لك ولعقبك فبنى بيت النار وهو أول من عبد النار وكان لا يمر به أحد إلا رماه فاقبل ابن له أعمى ومعه ابن له فقال للاعمى ابنه هذا أبوك قابيل فرمى الأعمى أباه بحجارة فقتله فقال ابن الأعمى قتلت أباك فرفع يده فلطم ابنه فمات فقال الأعمى ويل لى قتلت ابى برميتى وقت ابني بلطمتى قال مجاهد فعقلت احدى رجلى قابيل الى فخذها وساقها وعلقت من يومئذ الى يوم القيامة وجهه الى الشمس حيثما دارت عليه فى الصيف حظيرة من نار وفى الشتاء حظيرة من ثلج وهو أول من عصى الله فى الأرض من ولد آدم وهو أول من يساق الى النار وفى الحديث (لا تقتل نفس ظلما الا كان على ابن آدم الاول كفل من دمها) لانه أول من سن القتل وهو اب يأجوج ومأجوج شر أولاد توالدوا من شر والد قالوا واتخذ أولاد قابيل آلات اللهو من اليراع والطبول والمزامير والعيدان والطنابير وانهمكوا اللهو وشرب الخمر وعبادة النار والزنى والفواحش حتى غرقهم الله بالطوفان ايام نوح وبقي نسل شيث وفى التواريخ لما ذهب قابيل الى سمت اليمن كثروا وخلفوا وطفقوا يتحاربون مع أولاد آدم يسكنون فى الجبال والمغارات والغياض الى زمن مهلاييل بن قينان بن انوش بن شيث ففرقهم مهلاييل الى أقطار الأرض وسكن هو فى ارض بابل وكان كيومرث أخاه الصغير وهو أول السلاطين فى العالم فاخذوا يبنون المدن والحصون واستمر الحرب بينهم الى آخر الزمان واعلم ان الكدر لا يرتفع من الدنيا وانما يرتفع التكدر عن قلوب اهل الله تعالى كالنار والماء لا يرتفعان ابدا لكن يرتفع إحراق النار لبعض كما وقع لابراهيم عليه السلام وإغراق الماء لبعض كما وقع لموسى عليه السلام والدنيا تذهب على هذا فطوبى لمن رضى وصبر: قال الحافظ(2/382)
درين چمن گل بيخار كس نچيد آرى ... چراغ مصطفوى با شرار بو لهبيست
وله
مكن ز غصه شكايت كه در طريق طلب ... براحتى نرسيد آنكه زحمتى نكشيد
والاشارة فى الآيات ان آدم الروح بازدواجه مع حواء القلب ولد قابيل النفس وتوأمته إقليما الهوى فى بطن اولا ثم ولد هابيل القلب وتوأمته ليوذا العقل وكان إقليما الهوى فى غاية الحسن لان القلب يميل الى طلب المولى وما عنده وهو محبب اليه وكان ليوذا العقل فى نظر هابيل القلب فى غاية القبح والدمامة لان القلب به يعقل عن طلب الحق والفناء فى الله ولهذا قيل العقل عقيلة الرجال وفى نظر قابيل النفس ايضا فى غاية القبح لان النفس به تعقل عن طلب الدنيا والاستهلاك فيها فالله تعالى حرم الازدواج بين التوأمين كليهما وامر بازدواج توأمة كل واحد منهما الى توأم الاخرى لئلا يعقل القلب عن طلب الحق بل يحرضه الهوى على الاستهلاك والفناء فى الله ولهذا قال بعضهم لولا الهوى ما سلك أحد طريقا الى الله فان الهوى إذا كان قرين النفس يكون حرصا فيه تنزل النفس الى أسفل سافلين الدنيا وبعد المولى وإذا كان قرين القلب يكون عشقا فيه يصعد القلب الى أعلى عليين العقبى وقرب المولى ولهذا سمى العشق هوى كما قال الشاعر
أتاني هواها قبل ان اعرف الهوى ... فصادف قلبى فارغا فتمكنا
ولتعقل النفس عن طلب الدنيا بل يحرضها العقل على العبودية وينهاها عن متابعة الهوى فذكر آدم الروح لولديه ما امر الله به فرضى هابيل القلب وسخط
قابيل النفس وقال هى أختي يعنى إقليما الهوى ولدت معى فى بطن وهى احسن من اخت هابيل القلب يعنى ليوذا العقل وانا أحق بها ونحن من ولائد جنة الدنيا وهما من ولائد ارض العقبى فانا أحق بأختي فقال له أبوه انها لا تحل لك يعنى إذ كان الهوى قرينك فتهلك فى اودية حب الدنيا وطلب لذاتها وشهواتها فابى ان يقبل قابيل النفس هذا الحكم من آدم الروح وقال الله تعالى لم يأمر به وانما هذا من رأيه فقال لهما آدم الروح قربا قربانا فايكما يقبل قربانه فهوا حق بها فخرجا ليقربا وكان قابيل النفس صاحب زرع يعنى مدبر النفس النامية وهى القوة النباتية فقرب طعاما من أردى زرعه وهو القوة الطبيعية وكان هابيل القلب راعيا يعنى مواشى الأخلاق الانسانية والصفات الحيوانية فقرب جملا يعنى الصفة البهيمية وهى أحب الصفات اليه لاحتياجه إليها لضرورة التغذي والبقاء ولسلامتها بالنسبة الى الصفات السبعية الشيطانية فوضعها قربانهما على جبل البشرية ثم دعا آدم الروح فنزلت نار المحبة من سماء الجبروت فاكلت جمل الصفة البهيمية لانها حطب هذه النار ولم تأكل من قربان قابيل النفس حبة لانها ليست من حطبها بل هى من حطب نار الحيوانية فهذا تحقيق قوله تعالى وَاتْلُ عَلَيْهِمْ الآية. والاشارة فى قوله فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ اى نفس قابيل النفس طوعت له وجوزت قَتْلَ أَخِيهِ وهو القلب لان النفس أعدى عدو القلب فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ يعنى فى قتل القلب خسارة النفس فى الدنيا والآخرة اما فى الدنيا فتحرم عن الواردات والكشوف والعلوم الغيبية التي(2/383)
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)
منشأها القلب وعن ذوق المشاهدات ولذة المؤانسات فتبقى فى خسران جهولية الإنسان كقوله تعالى وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ واما فى الآخرة فتخسر الدخول فى جنات النعيم ولقاء الرب الكريم والنجاة من الجحيم والعذاب الأليم وفى قوله فَبَعَثَ اللَّهُ إشارات منها ليعلم ان الله قادر على ان يبعث غُراباً او غيره من الحيوان الى الإنسان ليعلمه ما لم يعلم كما يبعث الملائكة الى الرسل والرسل الى الأمم ليعلموهم ما لم يعلموا. ومنها لئلا يعجب الملائكة والرسل أنفسهم باختصاصهم بتعليم الحق فانه يعلمهم بواسطة الغراب كما يعلمهم بواسطة الملائكة والرسل. ومنها ليعلم الإنسان انه محتاج فى التعلم الى غراب ويعجز ان يكون مثل غراب فى العلم. ومنها ان لله تعالى فى كل حيوان بل فى كل ذرة آية تدل على وحدانيته واختياره حيث يبدى المعاملات المعقولة من الحيوانات الغير العاقلة. ومنها اظهار لطفه مع عباده فى اسباب التعيش حتى إذا أشكل عليهم امر كيف يرشدهم الى الاحتيال بلطائف الأسباب لحله كذا فى التأويلات النجمية مِنْ أَجْلِ ذلِكَ شروع فيما هو المقصود بتلاوة النبأ من بيان بعض آخر من جنايات بنى إسرائيل ومعاصيهم وذلك اشارة الى عظم شأن القتل وافراط قبحه اى من أجل كون القتل على سبيل العدوان مشتملا على انواع المفاسد من خسارة جميع الفضائل الدينية والدنيوية وجمع السعادات الاخروية كما هى مندرجة فى إجمال قوله فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ ومن الابتلاء بجميع ما يوجب الحسرة والندامة من غير ان يكون لشىء منها ما يدفعه البتة كما هو مندرج فى إجمال قوله فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ وأجل فى الأصل مصدر أجل شرا إذا جناه وهيجه استعمل فى تعليل الجنايات اى فى جعل ما جناه الغير علة لامر يقال فعلته من أجلك اى بسبب ان جنيت ذلك وكسبته ثم اتسع فيه واستعمل فى كل تعليل ومن لابتداء الغاية متعلقة بقوله تعالى كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ وتقديمها عليه للقصر اى من ذلك ابتدئ الكتب ومنه نشأ لا من شىء آخر اى قضينا عليهم فى التوراة وبينا أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً واحدة من النفوس بِغَيْرِ نَفْسٍ اى بغير قتل نفس يوجب الاقتصاص أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ اى فساد يوجب اهدار دمها كالشرك وقطع الطريق وهو عطف على ما أضيف اليه غير بمعنى نفى كلا الامرين معا كما فى قولك من صلى بغير وضوء او تيمم بطلت صلاته لا نفى أحدهما كما فى قولك من صلى بغير وضوء او ثوب بطلت صلاته فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً من حيث انه هتك حرمة الدماء وسن القتل وجرأ الناس عليه او من حيث ان قتل الواحد والجميع سواء فى استجلاب غضب الله والعذاب العظيم وقوله جميعا حال من الناس او تأكيد وَمَنْ أَحْياها اى تسبب لبقاء حياتها بعفو او منع عن القتل او استنقاذ من بعض اسباب الهلكة فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً فكأنما فعل ذلك بالناس جميعا والمقصود من التشبيه المبالغة فى تعظيم امر القتل بغير حق والترغيب فى الاحتراز عنه وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ اى اهل الكتاب رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ اى وبالله لقد جاءتهم رسلنا حسبما أرسلناهم بالآيات الواضحة بتقرير ما كتبنا عليهم تأكيدا لوجوب مراعاته وتأييدا لتحتم المحافظة عليهم ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ اى بعد ما ذكر من الكتب وتأكيد الأمر بإرسال الرسل(2/384)
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)
تترى وتجديد العهد مرة بعد اخرى وثم للتراخى فى الرتبة والاستبعاد فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ فى القتل غير مبالين به والإسراف فى كل امر التباعد عن حد الاعتدال مع عدم مبالاة به. قوله بعد ذلك وقوله فى الأرض يتعلقان بقوله لمسرفون وهو خبر انّ وبهذا اى بقوله تعالى وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا اتصلت القصة بما قبلها. وفى التأويلات النجمية اعلم ان كل شىء ترى فيه آية من الله تعالى فهو فى الحقيقة رسول من الله إليك ومعه آية بينة ومعجزة ظاهرة يدعوك بها الى الله ثم ان كثيرا من الذين شاهدوا الآيات وتحققوا البينات بعد رؤية الآيات فى الأرض لمسرفون اى فى ارض البشرية مجاوزون حد الشريعة والطريقة بمخالفة أوامر الله ونواهيه انتهى. واعلم ان اهل الغفلة يشاهدون الآثار لكنهم غافلون عن الحقيقة فهم كأنهم لا بصر لهم بل غيرة الحق تمنعهم من الرؤية الصحيحة لكونهم أغيارا غير لائقين بالدخول فى المجلس الخاص: قال الحافظ
معشوق عيان ميكذرد بر تو وليكن ... اغيار همى بيند از آن بسته نقابست
وكل ذرة من ذرات الكائنات وان كانت قائمة بالحق وبنوره فى الحقيقة الا ان الدنيا خيال يحتاج السالك الى العبور عن مسالكه الى ان ينتهى الى الحق: وفى المثنوى
اين جهانرا كه بصورت قائمست ... كفت پيغمبر كه حلم نائمست
از ره تقليد تو كردى قبول ... سالكان اين ديده پيدا بي رسول
روز در خوابى مگو كين خواب نيست ... سايه فرعست اصل جز مهتاب نيست
خواب بيداريت آن دان اى عضد ... كه نبيند خفته كو در خواب شد
او كمان برده كه اين دم خفته أم ... بي خبر زان كوست در خواب دوم
وهذه اى اليقظة من المنام على الحقيقة لا تتيسر الا لارباب المكاشفة الصحيحة واصحاب المشاهدة الواضحة اللهم أفض علينا من هذا المقام إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ اى يحاربون أولياءهما وهم المسلمون جعل محاربتهم محاربتهما تعظيما لهم والمراد بالمحاربة قطع الطريق وهو انما يكون من قوم اجتمعوا فى الصحراء وتعرضوا الدماء المسلمين وأموالهم وأزواجهم وامائهم ولهم قوة وشوكة تمنعهم ممن أرادهم وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً حال من فاعل يسعون اى مفسدين. نزلت فى قوم هلال بن عويمر الأسلمي وكان وادعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ان لا يعينه ولا يعين عليه ومن أتاه من المسلمين فهو آمن لا يهاج ومن مر بهلال الى رسول الله فهو آمن لا يهاج فمر قوم من بنى كنانة يريدون الإسلام بناس من قوم هلال ولم يكن هلال يومئذ حاضرا فقطعوا عليهم وقتلوهم وأخذوا أموالهم.
فان قلت بنفس ارادة الإسلام لا يخرج الشخص عن كونه حربيا والحد لا يجب بقطع الطريق عليه وان كان مستأمنا. قلت معناه يريدون تعلم احكام الإسلام فانهم كانوا مسلمين او يقال جاؤا على قصد الإسلام فهم بمنزلة اهل الذمة والحد واجب بالقطع على اهل الذمة ولما كانت المحاربة والفساد على مراتب متفاوتة ووجوه شتى من القتل بدون أخذ المال ومن القتل مع اخذه ومن اخذه بدون قتل ومن الاخافة بدون قتل وأخذ شرعت لكل مرتبة من نلك المراتب عقوبة معينة بطريق التوزيع فقيل أَنْ يُقَتَّلُوا اى حدا من غير صلب ان افردوا القتل(2/385)
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)
ولو عفا الأولياء لا يلتفت الى ذلك لانه حق الشرع ولا فرق بين ان يكون القتل بآلة جارحة اولا أَوْ يُصَلَّبُوا اى يصلبوا مع القتل ان جمعوا بين القتل والاخذ بان يصلبوا احياء وتبعج بطونهم برمح الى ان يموتوا ولا يصلبوا بعد ما قتلوا لان الصلب حيا ابلغ فى الردع والزجر لغيره عن الاقدام على مثل هذه المعصية أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ اى أيديهم اليمنى من الرسغ وأرجلهم اليسرى من الكعب ان اقتصروا على أخذ مال من مسلم او ذمى وكان فى المقدار بحيث لو قسم عليهم أصاب كلا منهم عشرة دراهم او ما يساويها قيمة اما قطع أيديهم فلأخذ المال واما قطع أرجلهم فلاخافة الطريق بتفويت امنه أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ان لم يفعلوا غير الاخافة والسعى للفساد والمراد بالنفي عندنا هو الحبس فانه نفى عن وجه الأرض بدفع شرهم عن أهلها ويعزرون ايضا لمباشرتهم منكر الاخافة وازالة الا من ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ كائن فِي الدُّنْيا اى ذل وفضيحة. قوله ذلك مبتدأ ولهم خبر مقدم على المبتدأ وهو الخزي والجملة خبر لذلك وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ غير هذا عَذابٌ عَظِيمٌ لا يقادر قدره لغاية عظم جنايتهم. فقوله تعالى لهم خبر مقدم وعذاب مبتدأ مؤخر وفى الآخرة متعلق بمحذوف وقع حالا من عذاب لانه فى الأصل صفة له فلما قدم انتصب حالا اى كائنا فى الآخرة إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ استثناء مخصوص بما هو من حقوق الله عز وجل كما ينبئ عنه قوله تعالى فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ اما ما هو من حقوق الآدميين فانه لا يسقط بهذه التوبة فان قطاع الطريق ان قتلوا إنسانا ثم تابوا قبل القدرة عليهم يسقط بهذه التوبة وجوب قتلهم حدا وكان ولى الدم على حقه فى القصاص والعفو وان أخذوا مالا ثم تابوا قبل القدرة عليهم يسقط بهذه التوبة وجوب قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وكان حق صاحب المال باقيا فى ماله وجب عليهم رده واما إذا تاب بعد القدرة عليه فظاهر الآية ان التوبة لا تنفعه ويقام الحد عليه فى الدنيا كما يضمن حقوق العباد وان سقط عنه العذاب العظيم فى العقبى. والآية فى قطاع المسلمين لان توبة المشرك تدرأ عنه العقوبة قبل القدرة وبعدها يعنى ان المشرك المحارب لو آمن بعد القدرة عليه فلا سبيل عليه بشىء من الحدود ولا يطالب بشىء مما أصاب فى حال الكفر من دم او مال كما لو آمن قبل القدرة عليه. واما المسلمون المحاربون فمن تاب منهم قبل القدرة عليه اى قبل ان يظفر به الامام سقطت عنه العقوبة التي وجبت حقا لله ولا يسقط ما كان من حقوق العباد فان كان قد قتل فى قطع الطريق سقط عنه بالتوبة قبل القدرة عليه تحتم القتل ويبقى عليه القصاص لولى القتل ان شاء عفا عنه وان شاء استوفاه وان كان قد أخذ المال يسقط عنه القطع وان كان جمع بينهما يسقط عنه تحتم القتل والصلب ويجب ضمان المال. وقال بعضهم إذا جاء تائبا قبل القدرة عليه لا يكون لأحد تبعة فى دم ولا مال الا ان يوجد معه مال بعينه فيرده على صاحبه. روى عن على رضى الله عنه ان الحارث بن بدر جاءه تائبا بعد ما كان يقطع الطريق ويسفك الدماء ويأخذ الأموال فقبل توبته ولم يجعل عليه تبعة أصلا واما من تاب بعد القدرة عليه فلا يسقط عنه شىء من الحقوق. اعلم ان قطع الطريق واخافة المسافرين من أقبح السيئات كما ان دفع الأذى عن الطريق من احسن الصالحات وفى الحديث (عرضت على اعمال أمتي حسنها وسيئها(2/386)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)
فوجدت فى محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق ووجدت فى مساوى أعمالها النخاعة تكون فى المسجد لا تدفن) وفى الحديث (من أشار الى أخيه) اى أخيه المسلم والذمي فى حكمه (بحديدة) اى بما هو آلة القتل لانه جاء فى رواية (بسلاح) مكان بحديدة (فان الملائكة تلعنه) يعنى تدعو عليه بالبعد عن الجنة أول الأمر لانه خوف مسلما بإشارته وهو حرام لقوله عليه الصلاة والسلام (لا يحل لمسلم ان يروع المسلم) او لانه قد يسبقه السلاح فيقتله كما صرح به فى رواية مسلم (لا يشر أحدكم الى أخيه فانه لا يدرى لعل الشيطان ينزغ فى يده وان كان أخاه) اى المشير أخا المشار اليه (لا بيه وامه) يعنى فان كان هازلا ولم يقصد ضربه كنى به عنه لان الأخ الشقيق لا يقصد قتل أخيه غالبا. والاشارة فى الآية ان محاربة الله ورسوله معاداة اولياء الله فان فى الخبر الصحيح حكاية عن الله تعالى (من عادى لى وليا فقد بارزني بالحرب وانى لأغضب لاوليائى كما يغضب الليث لجروه) ألا يرى ان بلعم بن باعوراء فى زمن موسى عليه السلام كان بحيث إذا نظر رأى العرش فلما مال الى الدنيا وأهلها ميلة واحدة ولم يترك لولى من أوليائه حرمة واحدة سلب الله معرفته وجعله بمنزلة الكلب المطرود فجزاء مثل هذا المحارب ان يقتل بسكين الخذلان او يصلب بحبل الهجران على جذع الحرمان او تقطع ايديه عن أذيال الوصال وارجله من خلاف عن الاختلاف او ينفى من ارض القربة والائتلاف فله فى الدنيا بعد وهوان وفى الآخرة عذاب القطيعة والهجران الا الذين تابوا الى الله واستغفروا واعتذروا عن اولياء الله من قبل ان تقدروا عليهم برد الولاية ايها الأولياء فان ردكم رد الحق وقبولكم قبول الحق وان مردود الولاية مفقود العناية: قال الحافظ
كليد كنج سعادت قبول اهل دلست ... مباد كس كه درين نكته شك وريب كند
: وفى المثنوى
لا جرم آن راه بر تو بسته شد ... چون دل اهل دل از تو خسته شد
زود شان درياب واستغفار كن ... همچوابرى كريها وزار كن
تا كلستان شان سوى تو بشكفد ... ميوهاى پخته بر خود وا كفد
هم بران در كرد كم از سك مباش ... با سك كهف ار شدستى خواجه تاش
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ اى اخشوا عذابه واحذروا معاصيه وَابْتَغُوا اى اطلبوا لانفسكم إِلَيْهِ اى الى ثوابه والزلفى منه الْوَسِيلَةَ اى القربة بالأعمال الصالحة قوله تعالى اليه متعلق بالوسيلة قدم عليها للاهتمام وليست بمصدر حتى يمتنع ان يتقدم معمولها عليها بل هى فعيلة بمعنى ما يتوسل به ويتقرب الى الله تعالى من وسل الى كذا تقرب اليه والجمع الوسائل. وقال عطاء الوسيلة أفضل درجات الجنة وفى الحديث (سلوا الله لى الوسيلة فانها درجة فى الجنة لا ينالها الا عبد واحد وأرجو من الله ان يكون هوانا) وفى الحديث (من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت سيدنا محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته حلت له شفاعتى يوم القيامة) . قال المولى الفنارى فى تفسير الفاتحة اما الوسيلة فهى أعلى درجة فى جنه عدن وهى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصلت له(2/387)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37) وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)
بدعاء أمته فعل ذلك الحق سبحانه لحكمة أخفاها فانا بسببه نلنا السعادة من الله وبه كنا خير امة أخرجت للناس وبه ختم الله بنا الأمم كما ختم به النبيين وهو صلى الله عليه وسلم مبشر كما امر ان يقول ولنا وجه خاص الى الله تعالى نناجيه منه ويناجينا وكذا كل مخلوق له وجه خاص الى ربه فامرنا عن امر الله ان ندعو له بالوسيلة حتى ينزل فيها بدعاء أمته وهذا من باب الغيرة الالهية انتهى وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ بمحاربة الأعداء الظاهرة والباطنة لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ بالوصول الى الله والفوز بكرامته. والاشارة فى الآية ان الله تعالى جعل الفلاح الحقيقي فى اربعة أشياء. أحدها الايمان وهو إصابة رشاشة النور فى بدء الخلقة وبه يخلص العبد من حجب ظلمة الكفر. وثانيها التقوى وهو منشأ الأخلاق المرضية ومنبع الأعمال الشرعية وبه يخلص العبد من ظلمة المعاصي. وثالثها ابتغاء الوسيلة وهو فناء الناسوتية فى بقاء اللاهوتية وبه يتخلص العبد من ظلمة أوصاف الوجود. ورابعها الجهاد فى سبيل الله وهو اضمحلال الانانية فى اثبات الهوية وبه يتخلص العبد من ظلمة الوجود ويظفر بنور الشهود فالمعنى الحقيقي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا باصابة النور اتَّقُوا اللَّهَ بتبديل الأخلاق الذميمة وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ فى إفناء الأوصاف وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ ببذل الوجود لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ بنيل المقصود من المعبود كذا فى التأويلات النجمية.
واعلم ان الآية الكريمة صرحت بالأمر بابتغاء الوسيلة ولا بد منها البتة فان الوصول الى الله تعالى لا يحصل الا بالوسيلة وهى علماء الحقيقة ومشايخ الطريقة: قال الحافظ
قطع اين مرحله بي همرهىء خضر مكن ... ظلماتست بترس از خطر كمراهى
والعمل بالنفس يزيد فى وجودها واما العمل وفق اشارة المرشد ودلالة الأنبياء والأولياء فيخلصها من الوجود ويرفع الحجاب ويوصل الطالب الى رب الأرباب. قال الشيخ ابو الحسن الشاذلى كنت انا وصاحب لى قد أوينا الى مغارة لطلب الدخول الى الله وأقمنا فيها ونقول يفتح لنا غدا او بعد غد فدخل علينا يوما رجل ذوهيبة وعلمنا انه من اولياء الله فقلنا له كيف حالك فقال كيف يكون حال من يقول يفتح لنا غدا او بعد غد يا نفس لم لا تعبدين الله لله فتيقظنا وتبنا الى الله وبعد ذلك فتح علينا فلا بد من قطع التعلق من كل وجه لينكشف حقيقة الحال: قال الحافظ
فداى دوست نكرديم عمر مال دريغ ... كه كار عشق زما اين قدر نمى آيد
وفى صحبة الأخيار والصلحاء شرف عظيم وسعادة عظمى- وحكى- ان خادم الشيخ ابى يزيد البسطامي كان رجلا مغربيا فجرى الحديث عنده فى سؤال منكر ونكير فقال المغربي والله ان يسألانى لأقولن لهما فقالوا له ومن اين يعلم ذلك فقال اقعدوا على قبرى حتى تسمعونى فلما انتقل المغربي جلسوا على قبره فسمعوا المسألة وسمعوه يقول أتسألونني وقد حملت فروة ابى يزيد على عنقى فمضوا وتركوه ولا تستبعد أمثال هذا فان جواب المجيب المدقق يذهب معه من هنا فحصل مثل هذا الزاد: وفى المثنوى
كنج زرى كه چوخسبى زير ريك ... با تو باشد آن نباشد مرد ريك
پيش پيش آن جنازت مى رود ... مونس كور وغريبى ميشود
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ اى لكل واحد منهم ما فِي الْأَرْضِ اى من اصناف(2/388)
يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37)
أموالها وذخائرها وسائر منافعها وهو اسم ان ولهم خبرها جَمِيعاً توكيد للموصول او حال منه وَمِثْلَهُ عطف على الموصول اى ضعفه مَعَهُ ظرف وقع حالا من المعطوف والضمير راجع الى الموصول لِيَفْتَدُوا بِهِ متعلق بما تعلق به خبر ان اعنى الاستقرار المقدر فى لهم وبه متعلق بالافتداء والضمير راجع الى الموصول ومثله معا وتوحيده لاجرائه مجرى اسم الاشارة كأنه قيل بذلك مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ متعلق بالافتداء ايضا اى لو ان ما فى الأرض ومثله ثابت لهم لجعلوه فدية لانفسهم من العذاب الواقع يومئذ وافتدوا به ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ ذلك وهو جواب لو ولو بما فى حيزة خبر ان والجملة تمثيل للزوم العذاب لهم واستحالة نجاتهم منه بوجه من الوجوه المحققة والمفروضة وفى الحديث (بجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له أرأيت لو كان لك ملئ الأرض ذهبا أكنت تفتدى به فيقول نعم فيقال له انك كنت سئلت ما هو الأيسر من ذلك) اى ما هو أسهل من الافتداء المذكور وهو ترك الإشراك بالله تعالى وإتيان كلمة الشهادة وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وجيع يخلص وجعه الى قلوبهم يُرِيدُونَ كأنه قيل فكيف يكون حالهم او ماذا يصنعون فقيل انهم يريدون أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ له وجوه الاول انهم يقصدون ذلك ويطلبون المخرج فيلفحهم لهب النار ويرفعهم الى فوق فهناك يريدون الخروج ولات حين مناص والثاني انهم يكادون يخرجون منها لقوة النار وزيادة رفعها إياهم والثالث انهم يتمنون ويريدون بقلوبهم وَما هُمْ اى يريدون ذلك والحال انهم ليسوا بِخارِجِينَ مِنْها لانهم كلما أرادوا ان يخرجوا منها أعيدوا فيها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ اى دائم لا ينقطع وهو تصريح بعدم تناهى مدته بعد بيان شدته وفى الحديث (يقال لاهل الجنة لكم خلود ولا موت ولاهل النار يا اهل النار خلود ولا موت) اى لكم خلود فى النار- روى- ان هذين القولين يكونان بعد ان يؤتى بالموت فى صورة كبش فيذبح بين الجنة والنار وانما يمثل الموت بهذا المثال ليشاهدوا بأعينهم ويستقر فى أنفسهم ان الموت ارتفع فيزداد اهل الجنة فرحا واهل النار ترحا وتخصيص صورة الكبش لانه لما كان فداء عن إسماعيل الذي نبينا عليه السلام من نسله كان فى المعنى فداء عن جميع الاحياء فى الدنيا لانهم خلقوا لاجله فناسب ان يكون فداء عنهم فى دار الآخرة ايضا كذا فى شرح المشارق لابن الملك. واعلم ان الكفر وجزاءه وهو الخلود فى النار اثر اخطاء رشاش النور الإلهي فى عالم الأرواح وقد أنعم الله تعالى على المؤمنين باصابة ذلك النور: وفى المثنوى
مؤمنان كان عسل زنبوروار ... كافران خود كان زهرى همچومار «1»
جنبش خلق از قضا ووعده است ... تيزىء دندان ز سوز معده است «2»
نفس أول راند بر نفس دوم ... ماهى از سر كنده باشد نى زدم
تو نميدانى كزين دو كيستى ... جهد كن چندانكه بينى چيستى
چون نهى بر پشت كشتى بار را ... بر توكل ميكنى آن كار را
تو نميدانى كه از هر دو كىء ... غرقه اندر سفر يا ناجىء
__________
(1) در اواخر دفتر سوم در بيان وحي آمدن از حق تعالى بموسى عليه السلام إلخ
(2) در اواخر دفتر سوم در بيان نوميد شدن انبيا عليه السلام إلخ [.....](2/389)
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)
چونكه بر بوكست جمله كارها ... كار دين اولى كزين يا بي رها
قال بعض الصلحاء رأيت فى منامى كانى واقف على قناطر جهنم فنظرت الى هول عظيم فجعلت أفكر فى نفسى كيف العبور على هذه فاذا قائل يقول يا عبد الله ضع حملك واعبر قلت ما حملى قال دع الدنيا: قال الحافظ
تا كى غم دنياى دنى اى دل دانا ... حيفست ز خوبى كه شود عاشق زشتى
وفى الحديث (يؤتى بانعم اهل الدنيا) الباء فيه للتعدية وأنعم افعل تفضيل من النعمة اى بأكثرهم نعمة (من اهل النار يوم القيامة فيصبغ فى النار صبغة) يعنى يغمس فيها مرة أراد من الصبغ الغمس إطلاقا للملزوم على اللازم لان الصبغ انما يكون بالغمس غالبا ثم أراد من غمسه فيها إصابة نفحة من النار به (ثم يقال يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط هل مربك نعيم قط فيقول لا والله يا رب) شدة العذاب آنسته ما مضى عليه من نعم الدنيا (ويؤتى باشد الناس بؤسا) اى شدة وبلاء فى الدنيا (من اهل الجنة فيصبغ صبغة من الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط هل مربك شدة قط فيقول لا والله ما مربى بؤس قط ولا رأيت شدة قط) كذا فى شرح المشارق لابن ملك
هر چند غرق بحر گناهم ز صد جهت ... گر آشناى عشق شوم ز اهل رحمتم
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ وهو مبتدأ محذوف الخبر اى حكم السارق والسارقة ثابت فيما يتلى عليكم فقوله تعالى فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما بيان لذلك الحكم المقدر فما بعد الفاء مرتبط بما قبلها ولذلك اتى بها فيه لانه هو المقصود مما قبلها ولو لم يأت بالفاء لتوهم انه اجنبى وانما فدر الخبر لان الأمر إنشاء لا يقع خبرا الا بإضمار وتأويل والمراد بايديهما إيمانهما ولذلك ساغ وضع الجمع موضع المثنى كما فى قوله تعالى فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما اكتفاء بتثنية المضاف اليه وتفصيل ما يتعلق بالسرقة سيجيئ فى آخر المجلس جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ منصوبان على المفعول له والمعنى فاقطعوهما مكافاة لهما على ما فعلا من فعل السرقة وعقوبة رادعة لهما من العود ولغيرهما من الاقتداء بهما وبما متعلق بجزاء ومن الله صفة نكالا اى نكالا كائنا منه تعالى. والنكال اسم بمعنى التنكيل مأخوذ من النكول وهو الامتناع وَاللَّهُ عَزِيزٌ غالب على امره يمضيه كيف يشاء من غير ند ينازعه ولا ضد يمانعه حَكِيمٌ فى شرائعه لا يحكم الا بما تقتضيه الحكمة والمصلحة ولذلك شرع هذه الشرائع المنطوية على فنون الحكم والمصالح فَمَنْ تابَ من السراق الى الله تعالى مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ اى من بعد ان ظلم غيره بأخذ ماله والتصريح به مع ان التوبة لا تتصور قبله لبيان عظم نعمته تعالى بتذكير عظم جنايته وَأَصْلَحَ اى امره بالتفصى عن تبعات ما باشره والعزم على ان لا يعود الى السرقة فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ اى يقبل توبته فلا يعذبه فى الآخرة واما القطع فلا تسقطه التوبة عندنا لان فيه حق المسروق منه. قال الحدادي لا تقطع يده إذا رد المآل قبل المرافعة الى الحاكم واما إذا رفع الى الحاكم ثم تاب فالقطع واجب فان كانت توبته حقيقة كان ذلك زيادة درجات له كما ان الله تعالى ابتلى الصالحين والأنبياء بالبلايا(2/390)
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)
والمحن والأمراض زيادة لهم فى درجاتهم وان لم تكن توبته حقيقة كان الحد عقوبة له على ذنبه وهو مؤاخذ فى الآخرة ان لم يتب إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ مبالغ فى المغفرة والرحمة ولذلك يقبل التوبة أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد به الجميع والاستفهام الإنكاري لتقرير العلم والمراد بذلك الاستشهاد على قدرته تعالى على ما سيأتى من التعذيب والمغفرة على ابلغ وجه وأتمه اى ألم تعلم ان الله له السلطان القادر والاستيلاء الباهر المستلزمان للقدرة التامة على التصرف الكلى فيهما وفيما فيهما إيجادا واعداما واحياء واماتة الى غير ذلك حسبما تقتضيه مشيئته يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ان يعذبه ولو على الذنب الصغير وهو عدل منه وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ ان يغفر له ولو كان الذنب عظيما وهو الفضل منه اى يعذب لمن توجب الحكمة تعذيبه ويغفر لمن توجب الحكمة مغفرته وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على ما ذكر من التعذيب والمغفرة. قال ابن الشيخ انه تعالى لما أوجب قطع يد السارق وعقاب الآخرة لمن مات قبل التوبة ثم ذكر انه يقبل توبته ان تاب اردفه ببيان انه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فيعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء يحسن منه التعذيب تارة والمغفرة اخرى لانه مالك جميع المحدثات وربهم وإلههم والمالك له ان يتصرف فى ملكه كيف شاء وأراد لا كما زعمت المعتزلة من ان حسن أفعاله تعالى ليس لاجل كونه الها للخلق ومالكا بل لاجل كونها على وفق مصالح الخلق ومتضمنة لرعاية ما هو الأصلح لهم انتهى. واعلم ان السرقة هى أخذ مكلف خفية قدر عشرة دراهم مضروبة من حرز لا ملك له فيه ولا شبهته فاحترز بالمكلف عن أخذ صبى ومجنون وبالخفية وهو ركن السرقة عن الغصب وقطع الطريق. وقوله قدر عشرة دراهم اى عينا او قيمة وهذا نصباب السرقة فى حق القطع واما فى حق العيب فاخذ ما دون العشرة يعد سرقة ايضا شرعا ويعد عيبا حتى يرد العبد به على بائعه وعند الشافعي نصاب السرقة ربع دينار ولنا قوله عليه السلام (لا قطع الا فى ربع دينار او فى عشرة دراهم) والاخذ بالأكثر اولى احتيالا لدرء الحد والمعتبر فى هذه الدراهم ما يكون عشرة منها وزن سبعة مثاقيل واحترز بالمضروبة عما قيمته دونها حتى إذا سرق تبرا عشرة لا يساوى عشرة مضروبة لا يجب القطع وقوله من حرز اى من مال ممنوع من ان يصل اليه يد الغير سواء كان المانع بناء او حافظا. قال البغوي إذا سرق شيأ من غير حرز كثمر فى حائط لا حارس له او حيوان فى برية لا حافظ له او متاع فى بيت منقطع عن البيوت لا قطع عليه وقيد بقوله ولا شبهته لانه لو كان له شبهة فى المسروق كما إذا سرق من بيت المال او فى الحرز كما إذا سرق من بيت اذن للناس بالدخول فيه كالحمام والرباط لا يقطع لان القطع يندرئ بالشبهة وكذا لا قطع بسرقة مال سيده لوجود الاذن بالدخول عادة وكذا بسرقة مال زوجته او زوجها ولو من حرز خاص لآخر لا يسكنان فيه لان اليد المبسوطة لكل من الزوجين فى مال الآخر ثابتة وهو مانع عن القطع وكذا لا قطع بسرقة مال من بينهما قرابة ولاء لجريان الانبساط بين الأصول والفروع بالانتفاع فى المال والدخول فى الحرز ولا بسرقة من بيت ذى رحم محرم(2/391)
ولو كان المسروق مال غيره لعدم الحرز ويقطع يمين السارق من زنده وهو مفصل الذراع فى الكف ويحسم بان يدخل فى الدهن الحار بعد القطع لقطع الدم لانه لو لم يحسم لا فضى الى التلف والحد زاجر لا متلف ولهذا لا يقطع فى الحر الشديد والبرد الشديد وان سرق ثانيا بعد ما قطعت يده اليمنى تقطع رجله اليسرى من المفصل وان سرق ثالثا لا يقطع بل يحبس حتى يتوب ويظهر عليه سيما الصالحين والتائبين لقول على رضى الله عنه فيمن سرق ثلاث مرات انى لا ستحيى من الله ان لا ادع له يدا يأكل بها ويستنجى ورجلا يمشى عليها وفى الحديث (اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله) وفيه دليل
على ان التوبة يعلم اثرها وتثبت السرقة بما يثبت به شرب الخمر أي بالشهادة او بالإقرار مرة ونصابها رجلان لان شهادة النساء غير مقبولة فى الحدود وطلب المسروق منه شرط القطع لان الخيانة على ملك الغير لا تظهر الا بخصومته ولا فرق فى القطع بين الشريف والوضيع. وعن عائشة رضى الله عنها قالت سرقت امرأة مخزومية فاراد النبي صلى الله عليه وسلم ان يقطع يدها فاستشفع لها اسامة بن زيد وكان النبي عليه الصلاة والسلام يحبه فلم يقبل وقال (يا اسامة أتشفع فى حد من حدود الله انما أهلك الذين قبلكم انهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا شرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) وفى الحديث نهى عن الشفاعة فى الحدود بعد بلوغ الامام ولهذا رد رسول الله صلى الله عليه وسلم شفاعة اسامة واما قبله فالشفاعة من المجنى عليه جائزة والستر على الذنب مندوب إذا لم يكن صاحب شر وأذى: قال السعدي
پس پرده بيند عملهاى بد: ... هم او پرده پوشد ببالاى خود
وفى الحديث ايضا دلالة على وجوب العدل فى الرعية واجراء الحكم على السوية. قال الامام ابو منصور فان قيل ما الحكمة فى قطع يد قيمتها ألوف بسرقة عشرة دراهم فكيف يكون قطعها جزاء لفعل السارق وقد قال تعالى وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها قلنا جزاء الدنيا محنة يمتحن بها المرء ولله تعالى ان يمتحن بما شاء ابتداء اى من غير ان يكون ذلك جزاء على كسب العبد ولان القطع ليس بجزاء ما أخذ من المال ولكن لما هتك من الحرمة ألا يرى انه قال جزاء بما كسبا فيجوز ان يبلغ جزاء هتك تلك الحرمة قطع اليد وان قصر على العشرة علم ذلك لان مقادير العقوبات انما يعلمها من يعلم مقادير الجنايات وإذا كان الأمر كذلك فالحق التسليم والانقياد انتهى. ونعم ما قال يونس بن عبيد فى باب الترهيب لا تأمن من قطع فى خمسة دراهم خير عضو منك ان يكون عذابه هكذا غدا كما فى منهاج العابدين. فعلى العاقل ان يتوب عن الزلل وينقطع عن الحيل ويتوجه الى الله الأعلى الاجل: وفى المثنوى
حيلها و چارها گر اژدهاست ... پيش الا الله آنها جمله لاست «1»
قفل زفتست وكشانيده خدا ... دست در تسليم زن اندر رضا «2»
ثم ان الله تعالى انما بدأ بالسارق فى هذه الآية قبل السارقة وفى آية الزنى بدأ بالزانية لان السرقة تفعل بالقوة والرجل أقوى من المرأة والزنى يفعل بالشهوة والمرأة اكثر شهوة
__________
(1) در أوائل دفتر سوم در بيان باز وحي آمدن بمادر موسى إلخ
(2) در اواخر دفتر سوم در بيان حكايت امير وغلامش نماز باره بود إلخ(2/392)
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)
والمرأة ادعى من الرجل الى نفسها منه إليها ولهذا لو اجتمع جماعة على امرأة لم يقدروا عليها الا بمرادها ولهذا قيل قال الله تعالى وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ولم يقل وعصت حواء مع انها أكلت قبل آدم ودعته الى الاكل وقيل انما قطعت يد السارق لانها باشرت ولم يقطع ذكر الزاني للمباشرة خوفا لقطع النسل وتحصل ايضا لذة الزنى بجميع البدن. قال النيسابورى قطعت يد السارق لانها أخذت المال الذي هو يد الغنى وعماده كأنه أخذ يد انسان فجزوا يده لتناولها حق الغير وقيل قال الله تعالى وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فكل ما عند العبد من مال فهو خزانة الحق عنده والعبد خازنه فمهما تعدى خزانة مولاه بغير اجازة استحق السياسة بقطع آلة التعدي الى خيانة خزانته وهى اليد المتعدية. ثم ان السرقة كما تكون من المال كذلك تكون من العبادات وفى الحديث (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته) قالوا يا رسول الله كيف يسرق من صلاته قال (لا يتم ركوعها ولا سجودها) وفى الحديث (ان الرجل ليصلى ستين سنة وما تقبل له صلاة) لعله يتم الركوع ولا يتم السجود ويتم السجود ولا يتم الركوع كذا فى الترغيب والترهيب فمثل هذا المصلى يقطع يمينه عن نيل الوصال فلا يصل الى مراده بل يبقى فى الهجران والقطيعة إذ هو أساء الأدب بل قصر فيما امر الرب سبحانه وتعالى يا أَيُّهَا الرَّسُولُ خاطبه صلى الله عليه وسلم بعنوان الرسالة للتشريف لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ اى صنع الذين فان الذوات مع قطع النظر عن العوارض لا توجب الحزن والفرح يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ اى يقعون فى الكفر سريعا فى إظهاره إذا وجدوا منه فرصة والمقصود نهيه عليه السلام عن ان يتحزن بصنيعهم بناء على انه تعالى ناصره عليهم والمعنى لا تحزن ولا تبال بتهافتهم فى الكفر سريعا مِنَ الَّذِينَ بيان للمسارعين فى الكفر قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ متعلق بقالوا والفائدة فى بيان تعلقه بالأفواه مع ان القول لا يكون الا بالفم واللسان الاشارة الى ان ألسنتهم ليست معبرة عما فى قلوبهم وان ما يجرون على ألسنتهم لا يجاوز أفواههم وانما نطقوا به غير معتقدين له بقلوبهم وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ جملة حالية من ضمير قالوا جىء بها للتصريح بما أشار اليه بقوله بأفواههم وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا عطف على من الذين قالوا وبه يتم بيان المسارعين فى الكفر بتقسيمهم الى قسمين المنافقين واليهود سَمَّاعُونَ خبر مبتدأ محذوف والتقدير هم اى المنافقون واليهود سماعون لِلْكَذِبِ اللام اما لتقوية العمل واما لتضمن السماع معنى القبول واما لام كى والمفعول محذوف والمعنى هم مبالغون فى سماع الكذب او فى قبول ما تفتريه أحبارهم من الكذب على الله سبحانه وتحريف كتابهم او سماعون اخباركم وأحاديثكم ليكذبوا عليكم بالزيادة والنقص والتبديل فان منهم من يسمع من الرسول عليه السلام ثم يخرج ويقول سمعت منه كذا وكذا ولم يسمع ذلك منه سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ خبر ثان للمبتدأ المقدر مقرر للاول ومبين لما هو المراد بالكذب على الوجهين الأولين واللام مثل اللام فى سمع الله لمن حمده فى الرجوع الى معنى من اى قبل منه حمده والمعنى مبالغون فى قبول كلام قوم آخرين لَمْ يَأْتُوكَ صفة اخرى لقوم اى لم يحضروا مجلسك وتجافوا عنك تكبرا وافراطا فى البغضاء قيل هم يهود خيبر(2/393)
والسماعون بنوا قريظة يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ صفة اخرى لقوم اى يميلونه ويزيلونه عن مواضعه بعد ان وضعه الله فيها اما لفظا باهماله او تغيير وصفه واما بحمله على غير المراد واجرائه فى غير مورده يَقُولُونَ صفة اخرى لقوم اى يقولون لأتباعهم السماعين لهم عند القائهم إليهم أقاويلهم الباطلة مشيرين الى كلامهم الباطل إِنْ أُوتِيتُمْ من جهة الرسول هذا المحرف فَخُذُوهُ واعملوا بموجبه فانه الحق وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ بل أوتيتم غيره فَاحْذَرُوا قبوله وإياكم وإياه- روى- ان شريفا من خيبر زنى بشريفة وكانا محصنين وحدهما الرجم فى التوراة فكرهوا رجمهما لشرفهما فارسلوهما مع رهط منهم الى بنى قريظة فقدم الرهط حتى نزلوا على قريظة والنضير فقالوا لهم انكم خبير بهذا الرجل ومعه فى بلده وقد حدث فينا حدث فلان وفلانة فجرا وقد احصنا فنحب ان تسألوا لنا محمدا عن قضائه فيه فقالت لهم قريظة والنضير إذا والله
يأمركم بما تكرهون ثم انطلق قوم منهم كعب ابن الأشرف وكعب بن اسد وكنانة بن ابى الحقيق وغيرهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد أخبرنا عن الزاني والزانية إذا احصنا ما حدهما فى كتابك فقال (هل ترضون بقضائي) قالوا أنعم فنزل جبريل عليه السلام بالرجم فاخبرهم بذلك فابوا ان يأخذوا به فقال له جبريل اجعل بينك وبينهم ابن صوريا ووصفه له فقال عليه السلام (هل تعرفون شابا امرد ابيض اعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا) قالوا نعم فقال (اى رجل هو فيكم) قالوا هو اعلم يهودى بقي على وجه الأرض بما انزل الله على موسى فى التوراة قال (فارسلوا اليه) ففعلوا فاتاهم فقال له عليه السلام (أنت ابن صوريا) قال نعم قال (وأنت اعلم يهودى) قال كذلك يزعمون قال (أتجعلونه بينى وبينكم) قالوا نعم قال له النبي عليه السلام (أنشدك بالله الذين لا اله الا هو الذي انزل التوراة على موسى وأخرجكم من مصر وفلق لكم البحر وأنجاكم وأغرق آل فرعون والذي ظلل عليكم الغمام وانزل عليكم المن والسلوى وانزل عليكم كتابه فيه حلاله وحرامه هل تجدون فى كتابكم الرجم على من أحصن) قال ابن صوريا نعم والذي ذكرتنى به لولا خشيت ان تحرقنى التوراة ان كذبت او غيرت ما اعترفت لك ولكن كيف هى فى كتابك يا محمد قال (إذا شهد اربعة رهط عدول انه قد ادخله فيها كما يدخل الميل فى المكحلة وجب عليه الرجم) فقال ابن صوريا والذي انزل التوراة على موسى هكذا انزل الله فى التوراة على موسى فقال له النبي عليه السلام (فماذا كان أول ما ترخصتم به فى امر الله تعالى) قال كنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فكثر الزنى فى اشرافنا حتى زنى ابن عم ملكنا فلم يرجم ثم زنى رجل آخر فى أسوة من الناس فاراد ذلك الملك رجمه فقام دونه قومه وقالوا والله لا ترجمه حتى ترجم فلانا ابن عمك فقلنا تعالوا نجتمع فلنضع شيأ دون الرجم يكون على الشريف والوضيع فوضعنا الجلد والتحميم وهو ان يجلد أربعين جلدة بحبل مطلى بالقار ثم تسود وجوههما ثم يحملان على حمارين وجوههما من قبل دبر الحمار يطاف بهما فجعلوا هذا مكان الرجم فقالت اليهود لابن صوريا ما اسرع ما أخبرته به وما كنت لما أثنينا عليك باهل ولكنك كنت غائبا فكرهنا ان نغتابك فقال لهم انه قد نشدنى بالتوراة ولولا خشية التوراة ان تهلكنى(2/394)
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43)
لما أخبرته فامر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فرجما عند باب المسجد وقال (اللهم انى أول من احيى أمرك إذا ماتوه) فانزل الله تعالى يا أَيُّهَا الرَّسُولُ الآية وَمِنَ شرطية يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ اى ضلالته او فضيحته كائنا من كان فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ فلن تستطيع له مِنَ اللَّهِ شَيْئاً فى دفعها أُولئِكَ المنافقون واليهود الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ اى من رجس الكفر وخبث الضلالة لانهما كهم فيهما وإصرارهم عليهما واعراضهم عن صرف اختيارهم الى تحصيل الهداية بالكلية لَهُمْ اى للمنافقين واليهود فِي الدُّنْيا خِزْيٌ اما المنافقون فخزيهم فضيحتهم وهتك سترهم بظهور نفاقهم فيما بين المسلمين واما خزى اليهود فالذل والجزية والافتضاح بظهور كذبهم فى كتمان نص التوراة وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ اى مع الخزي الدنيوي عَذابٌ عَظِيمٌ هو الخلود فى النار سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ تكرير لما قبله أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ اى الحرام كالرشى من سحته إذا استأصله لانه مسحوت البركة فَإِنْ جاؤُكَ الفاء فصيحة اى وإذا كان حالهم كما شرح فان جاؤك متحاكمين إليك فيما شجر بينهم من الخصومات فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ بيان لحال الامرين اثر التخيير فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً من الضرر بان يعادوك لاعراضك عنهم فان الله يعصمك من الناس وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ بالعدل الذي أمرت به كما حكمت بالرجم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ العادلين فيحفظهم من كل مكروه ومحذور ويعظم شأنهم وفى الحديث (المقسطون عند الله على منابر من نور) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ تعجيب من تحكيمهم لمن لا يؤمنون به وبكتابه والحال ان الحكم منصوص عليه فى كتابهم الذي يدعون الايمان به وتنبيه على انهم ما قصدوا بالتحكيم معرفة الحق واقامة الشرع وانما طلبوا به ما هو أهون عليهم وان لم يكن ذلك حكم الله على زعمهم وفيها حكم الله حال من التوراة او رفعها بالظرف وان جعلتها مبتدأ فمن ضميرها المستكن فيه ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ عطف على يحمكونك داخل فى حكم التعجب وثم للتراخى فى الرتبة مِنْ بَعْدِ ذلِكَ اى من بعد ما حكموك وهو تصريح بما علم قطعا لتأكيد الاستبعاد والتعجب اى ثم يعرضون عن حكمك الموافق لكتابهم من بعد ما رضوا بحكمك وَما أُولئِكَ الموصوفون بما ذكر بِالْمُؤْمِنِينَ اى بكتابهم لاعراضهم عنه اولا وعن حكمك الموافق لكتابهم ثانيا او بك وبه. وفى الآيات ذم للظلم ومدح للعدل وقدح فى الحرام والرشوة وفى الحديث (كل لحم أنبته السحت فالنار اولى به) وفيه (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش) وأراد بالرائش الذي يمشى بينهما: وفى المثنوى
اى بسا مرغى پرنده دانه جو ... كه بريده حلق او هم حلق او
اى بسا ماهى در آب دور دست ... كشته از حرص كلو مأخوذ شست
اى بسا مستور در پرده بده ... شومى فرج وكلو رسوا شده
اى بسا قاضىء حبر نيك خو ... از كلوى رشوتى او زرد رو
بلكه در هاروت وماروت آن شراب ... از عروج چرخشان شد سد باب
ذكر فى ادب القاضي للخصاف الرشوة على اربعة أوجه اما ان يرشوه لانه قد خوفه فيعطيه(2/395)
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)
الرشوة ليدفع الخوف عن نفسه او يرشوه ليسوى امره بينه وبين السلطان او يرشوه ليتقلد القضاء من السلطان او يرشو القاضي ليقضى له. ففى الوجه الاول لا يحل الاخذ لان الكف عن التخويف كف عن الظلم وانه واجب حقا للشرع فلا يحل اخذه لذلك ويحل للمعطى الإعطاء لانه جعل المال وقاية للنفس وهذا جائز موافق للشرع. وفى الوجه الثاني ايضا لا يحل الاخذ لان القيام بامور المسلمين واجب بدون المال فلا يحل له الاخذ. وفى الوجه الثالث لا يحل له الاخذ والإعطاء واما الرابع فحرام الاخذ سواء كان القضاء بحق او ظلم. اما الظلم فلوجهين. أحدهما انه رشوة. والثاني انه سبب للقضاء بالجور. واما الحق فلوجه واحد وهو انه أخذ المال لاقامة الواجب. واما العطاء فان كان بجور لا يجوز وان كان بحق جاز. قال ابن مسعود رضى الله عنه من شفع شفاعة يرد بها حقا او يدفع بها ظلما فاهدى له فقبل فهو سحت.
وفى نصاب الاحتساب ان المحتسب او القاضي إذا اهدى اليه ممن يعلم انه يهدى لاحتياجه الى القضاء والحسبة لا يقبل ولو قبل كان رشوة واما ممن يعرف انه يهدى للتودد والتحبب لا للقضاء والحسبة فلا بأس به وكان الصحابة رضى الله عنهم يتوسعون فى قبول الهدايا بينهم وهذا لان الهدية كانت عادتهم وكانوا لا يلتمسون منهم شيأ وانما كانوا يهدون لاجل التودد والتحبب وكانوا يستوحشون برد هداياهم فلا يكون فيه معنى الرشوة فلهذا كانوا يقبلونها. قال قوم ان صلات السلاطين نحل للغنى والفقير إذا لم يتحقق انها حرام وانما التبعة على المعطى قالوا لان النبي صلى الله عليه وسلم قبل هدية المقوقس ملك الاسكندرية واستقرض من اليهود مع قول الله تعالى أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ واما حال السوق فمتى علمت ان الحرام هو الأكثر فلا تشتر الا بعد التفتيش وان كان كثيرا وليس بالأكثر فلك السؤال ولقد كان النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه يشترون من الأسواق مع علمهم بان فيهم اهل الربا والغصب والغلول. قال الحدادي ومن السحت ثمن الخمر والخنزير والميتة وعسب الفحل واجرة النائحة والمغنية والساحر وهدية الشفاعة ومهر البغي وحلوان الكاهن هكذا. قال عمر وعلى وابن عباس رضى الله عنهم قالوا والمال الذي يأخذه المغني والقوال ونحوهما حكم ذلك أخف من الرشوة فان صاحب المال أعطاه عن غير اختيار بغير عقد. قال ابن كيسان سمعت الحسن يقول إذا كان لك على رجل دين فاكلت فى بيته فهو سحت. فعليك ايها المؤمن المتقى بالاحتياط فى أمورك حتى لا تقع فى الشبهات بل فى الحرام وانما تحصل التصفية للقلب بأكل الغذاء الحلال: قال الحافظ
صوفى شهر بين كه چون لقمه شبهه ميخورد ... پاردمش دراز باد اين حيوان خوش علف
والمقصود من البيت تشبيه الذي لا يحترز عن الشبهات بالحيوان فى الاكل من كل ما يجده من غير تفرقة ولان تناول الشبهات من كمال الحرص لانه لو لم يكن له حرص لكان له قناعة بالحلال ولو قليلا والحيوان يعظم من كثرة الاكل والشرب والنوم وهى حكم الطبيعة إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ حال كونها فِيها هُدىً تهدى شرائعها وأحكامها الى الحق وترشد الناس اليه وَنُورٌ تكشف ما انبهم من الاحكام وما يتعلق بها من المستورة بظلمات الجهل يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ اى أنبياء بنى إسرائيل اى يحكمون باحكامها ويحملون الناس عليها الَّذِينَ أَسْلَمُوا ان قلت(2/396)
وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)
النبيون أعظم من الإسلام فكيف يمدح نبى بانه رجل مسلم وما الوصف به بعد الوصف بالنبوة الا تنزل من الأعلى الى الأدنى. قلت قد يذكر الوصف مدحا للوصف ففائدة التوصيف تنويه شأن الصفة والتنبيه على عظم قدرها حيث وصف بها عظيم كما وصف الأنبياء بالصلاح والملائكة بالايمان وقد قيل أوصاف الاشراف اشراف الأوصاف: قال
ما ان مدحت محمدا بمقالتي ... لكن مدحت مقالتى بمحمد
لِلَّذِينَ هادُوا متعلق بيحكم اى يحكمون فيما بينهم واللام لبيان اختصاص الحكم بهم أعم من ان يكون لهم او عليهم كانه قيل لاجل الذين هادوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عطف على النبيون اى هم ايضا يحكمون باحكامها وهم الزهاد والعلماء من ولد هارون الذين التزموا طريقة النبيين وجانبوا دين اليهود بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ اى بالذي استحفظوه من جهة النبيين وهو التوراة حيث سألوهم ان يحفظوها من التضييع والتحريف على الإطلاق ولا ريب فى ان ذلك منهم عليهم السلام استخلاف لهم فى اجراء أحكامها من غير إخلال بشىء منها والباء سببية متعلقة بيحكم اى ويحكم الربانيون والأحبار ايضا بسبب ما حفظوه من كتاب الله حسبما وصاهم به انبياؤهم وسألوهم ان يحفظوه وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ اى رقباء لا يتركونهم ان يغيروا فهو من الشهود بمعنى الحضور فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ كائنا من كان ايها الرؤساء والأحبار واقتدوا فى مراعاة أحكامها وحفظها بمن قبلكم من الأنبياء وأشياعهم وَاخْشَوْنِ فى الإخلال بحقوق مراعاتها فكيف بالتعرض لها بسوء نهوا ان يخشوا غير الله فى حكوماتهم ويداهنوا فيها خشية ظالم او مراقبة كبير ودلالة الآية تتناول حكام المسلمين وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي الاشتراء استبدال السلعة بالثمن اى أخذها بدلا منه ثم استعير لاخذ شىء بدلا مما كان له عينا كان او معنى أخذا منوطا بالرغبة فيما أخذ والاعراض عما اعطى ونبذ اى لا تستبدلوا بآياتى التي فيها بان تخرجوها منها او تتركوا العمل بها وتأخذوا لانفسكم بدلا منها ثَمَناً قَلِيلًا من الرشوة والجاه وسائر الحظوظ الدنيوية فانها وان جلت قليلة مسترذلة فى نفسها لا سيما بالنسبة الى ما فات عنهم بترك العمل بها
آن جهان جيفه است ومردار ورخيص ... بر چنين مردار چون باشم حريص «1»
پس حيات ماست موقوف فطام ... اندك اندك جهد كن تم الكلام «2»
ولما كان الاقدام على التحريف لدفع ضرر كما إذا خشى من ذى سلطان او لجلب نفع كما إذا طمع فى الحظوظ الدنيوية نهوا عن كل منهما صريحا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مستهينا به منكرا له كائنا من كان كما يقتضيه ما فعلوه من التحريف فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ لاستهانتهم به وتمردهم بان حكموا بغيره ولذلك وصفهم بقوله الظالمون والفاسقون فكفرهم بانكاره وظلمهم بالحكم على خلافه وفسقهم بالخروج عنه وَكَتَبْنا فرضنا عطف على أنزلنا التوراة عَلَيْهِمْ اى على الذين هادوا فِيها اى فى التوراة أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ اى تقادبها إذا قتلها بغير حق وَالْعَيْنَ تفقأ بِالْعَيْنِ إذا فقئت بغير حق وَالْأَنْفَ تجذم بِالْأَنْفِ المقطوعة بغير حق وَالْأُذُنَ تصلم
__________
(1) لم أجد
(2) در ديباجه دفتر دوم(2/397)
وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)
بِالْأُذُنِ المقطوعة ظلما وَالسِّنَّ تقلع بِالسِّنِّ المقلوعة بغير حق وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ اى ذات قصاص بحيث تعرف المساواة واما ما لا يمكن الاقتصاص منه من كسر عظم او جرح لحم كالجائفة ونحوها فلا قصاص فيه لانه لا يمكن الوقوف على نهايته ففيه أرش او حكومة فَمَنْ تَصَدَّقَ اى من المستحقين بِهِ اى بالقصاص اى فمن عفا عنه فالتعبير بالتصدق للمبالغة فى الترغيب فيه فَهُوَ اى التصدق كَفَّارَةٌ لَهُ اى للمتصدق يكفر الله تعالى بها ما سلف من ذنبه واما الكافر إذا عفا فلا يكون عفوه كفارة له مع إقامته على الكفر وفى الحديث (من أصيب بشىء من جسده فتركه لله كان كفارة له) وفى الحديث (ثلاث من جاء بهن يوم القيامة مع الايمان دخل الجنة من أي أبواب الجنة شاء وتزوج من الحور العين حيث شاء من عفا عن قاتله ومن قرأ دبر كل صلاة مكتوبة قل هو الله أحد عشر مرات ومن ادى دينا خفيا) وقال بعضهم الهاء كناية عن الجارح والقاتل يعنى إذا عفا المجنى عليه عن الجاني فعفوه كفارة لذنب الجاني لا يؤخذ به فى الآخرة كما ان القصاص كفارة له فاما اجر العافي فعلى الله وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ من الاحكام والشرائع فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ المبالغون فى الظلم المتعدون لحدوده تعالى الواضعون للشىء فى غير موضعه وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ عطف على أنزلنا التوراة اى آثار النبيين المذكورين بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ اى أرسلناه عقيبهم وجئنا به بعدهم يقال قفوت اثره قفوا وقفّوا اى اتبعته فهو يتعدى الى واحد وإذا قلت قفيت على اثره بفلان يكون المعنى اتبعته إياه وحقيقة التقفية الإتيان بالشيء فى قفا غيره والتضعيف فيه ليس للتعدية فان فعل المضعف قد يكون بمعنى فعل المجرد كقدّر وقدر وانما تعدى الى الثاني بالباء فمفعوله الاول محذوف اى اتبعنا النبيين الذين ذكرناهم بعيسى وجعلناه ممن يقفوهم فحذف المفعول وجعل على آثارهم كالقائم مقامه مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ حال من عيسى وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ عطف على قفينا فِيهِ هُدىً وَنُورٌ كما فى التوراة وهو فى محل النصب على انه حال من الإنجيل اى كائنا فيه ذلك كأنه قيل مشتملا على هدى ونور وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ عطف عليه داخل فى حكم الحالية وتكرير ما بين يديه من التوراة زيادة تقرير وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ عطف على مصدقا منتظم معه فى سلك الحالية جعل كله هدى بعد ما جعل مشتملا عليه حيث قيل فيه هدى وتخصيص كونه هدى وموعظة للمتقين لانهم المهتدون بهداه والمنتفعون بجدواه: قال الحافظ
گر انگشت سليمانى نباشد ... چهـ خاصيت دهد نقش نگينى
فكما ان الانتفاع بالخاتم انما يكون لمن كان له مشرب سليمانى كذلك الانتفاع بالكتاب انما يكون لمن له تقوى رجحانى وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ اى آتيناه الإنجيل وقلنا ليحكم اهل الإنجيل بما انزل الله فيه وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ منكرا له مستهينا به فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ المتمردون الخارجون عن الايمان وفيه دلالة على ان الإنجيل مشتمل على الاحكام وان عيسى عليه السلام كان مستقلا بالشرع مأمورا بالعمل بما فيه من الاحكام قلت او كثرت لا بما فى التوراة خاصة وفيه تهديد عظيم للحكام وفى الحديث (يؤتى بالقاضي العدل(2/398)
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)
يوم القيامة فيلقى من شدة العذاب ما يتمنى انه لم يفصل بين أحد فى تمرتين) فاذا كان هذا حال القاضي العدل فما ظنك بالجائر والمرتشي
بو حنيفه قضا نكرد وبمرد ... تو بميرى اگر قضا نكنى
وفى الحديث (القضاة ثلاثة قاضيان فى النار وقاض فى الجنة قاض قضى بغير حق وهو يعلم فذاك فى النار وقاض قضى وهو لا يعلم فاهلك حقوق الناس فذاك فى النار وقاض قضى بحق فذاك فى الجنة) كذا فى المقاصد الحسنة للامام السخاوي- حكى- ان بنى إسرائيل كانوا ينصبون لاجراء الاحكام بينهم حكاما ثلاثة حتى إذا رفع الخصم الأمر الى واحد منهم فلم يرض به الآخر ترافعا الى الثاني ثم الى الثالث ليطمئن قلبه فذات يوم تصور ملك بصورة انسان يريد امتحان هؤلاء الحكام فركب على رمكة وقام على رأس بئر فاذا رجل اتى ببقرة له مع عجلها ليسقيهما فلما سقاهما وأراد الرجوع أشار الملك الى العجل فجاء الى جنب الرمكة فكلما نادى صاحبه ودعاه لم يستمع ولم يذهب الى الام فجاء الرجل ليسوقه بأى وجه يمكن فقال الملك يا هذا الرجل ان العجل قد ولدته رمكتى هذه فاذهب وخلنى وعجلى فقال الرجل يا عجبا العجل ملكى قد ولدته بقرتي هذه فتنازعا وترافعا الى القاضي الاول فسبق الملك الرجل الى القاضي وقال ان قضيت لى بالعجل دفعت لك كذا فقبله القاضي فلما تحاكما حكم بالعجل للملك فلم يرض به الرجل فترافعا الى الثاني فحكم هو ايضا بالعجل للملك فلم يرض به الرجل ايضا فترافعا الى الثالث فلما عرض الملك الرشوة عليه قال لا أستطيع هذا الحكم فانى قد حضت فقال الملك ايش تقول هل تحيض الرجال والحيض من خواص النساء فقال القاضي له تتعجب من كلامى ولا تتعجب من كلامك فكما ان الرجال لا تحيض فكذلك الرمكة لا تلد عجلا فقال الملك هناك قاضيان فى النار وقاض فى الجنة وهذا الكلام منقول من لسانه كذا ذكر البعض نقلا عن فم حضرة الشيخ الشهير بهدائى الاسكدارى قدس سره وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ يا محمد الْكِتابَ اى القرآن حال كونه ملتبسا بِالْحَقِّ والصدق حال كونه مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ اى مصدقا لما تقدمه من جنس الكتب المنزلة من حيث انه نازل حسبما نعت فيه وموافقا له فى التوحيد والعدل واصول الشرائع وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ اى رقيبا على سائر الكتب المحفوظة عن التغير فانه يشهد لها بالصدق والصحة والثبات وتقرر اصول شرائعها وما يتأبد من فروعها ويعين أحكامها المنسوخة ببيان انتهاء مشروعيتها المستفادة من تلك الكتب وانقضاء وقت العمل بها ولا ريب ان تمييز أحكامها الباقية على المشروعية ابدا عما انتهى وقت مشروعيته وخرج عنها من احكام كونه مهيمنا عليها فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها اى إذا كان شأن القرآن كما ذكر فاحكم بين اهل الكتاب عند تحاكمهم إليك بِما أَنْزَلَ اللَّهُ اى بما أنزله إليك فانه مشتمل على جميع الاحكام الشرعية الباقية فى الكتب الالهية وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ بالانحراف عنه الى ما يشتهونه فعن متعلقة بلا تتبع على تضمين معنى العدول ونحوه كأنه قيل لا تعدل عما جاءك من الحق متبعا أهواءهم لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً الخطاب بطريق الالتفات للناس كافة لكن لا للموجودين خاصة بل للماضين ايضا بطريق التغليب واللام(2/399)
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)
متعلقة بجعلنا المتعدى لواحد وهو اخبار بجعل ماض لا إنشاء وتقديما عليه للتخصيص ومنكم متعلق بمحذوف وقع صفة لما عوض عنه تنوين كل والمعنى لكل امة كائنة منكم ايها الأمم الباقية والخالية جعلنا اى عينا ووضعنا شرعة ومنهاجا خاصين بتلك الامة لا تكاد أمة تتخطى شرعتها التي عينت لها فالأمة من مبعث موسى الى مبعث عيسى عليهما السلام شرعتهم التوراة والتي كانت من مبعث عيسى الى مبعث النبي عليهما السلام شرعتهم الإنجيل واما أنتم ايها الموجودون فشرعتكم القرآن ليس إلا فآمنوا به واعملوا بما فيه والشرعة والشريعة هى الطريقة الى الماء شبه بها الدين الذي شرعه الله اى سنه من نحو الصوم والصلاة والحج والنكاح وغير ذلك من وجوه الصلاح لكونه سبيلا موصلا الى ما هو سبب للحياة الابدية كما ان الماء سبب للحياة الفانية والمنهاج الطريق الواضح فى الدين من نهج الأمر إذا وضح قيل فيه دليل على انا غير متعبدين بشرائع من قبلها والتحقيق انا متعبدون باحكامها الباقية من حيث انها احكام شريعتنا لا من حيث انها شرعة للاولين وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ان يجعلكم امة واحدة لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً اى جماعة واحد متفقة على دين واحد فى جميع الاعصار من غير اختلاف بينكم وبين من قبلكم من الأمم فى شىء من الاحكام الدينية ولا نسخ ولا تحويل وَلكِنْ لم يشأ ذلك اى ان يجعلكم امة واحدة بل شاء ما عليه ألسنة الالهية الجارية فيما بين الأمم لِيَبْلُوَكُمْ اى ليعاملكم معاملة من يبتليكم فِي ما آتاكُمْ من الشرائع المختلفة المناسبة لاعصارها وقرونها هل تعملون بها مذعنين لها معتقدين ان اختلافها بمقتضى المشيئة الالهية المبنية على أساس الحكم البالغة والمصالح النافعة لكم فى معاشكم ومعادكم او تزيغون عن الحق وتتبعون الهوى وتستبدلون المضرة بالجدوى وتشترون الضلالة بالهدى: وفى المثنوى
گر بسوزد باغت انگورت دهد ... در ميان ماتمى سورت دهد
لانسلم واعتراض از ما برفت ... چون عوض مى آيد از مفقود زفت
فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ اى إذا كان الأمر كما ذكر فسارعوا الى ما هو خير لكم فى الدارين من العقائد الحقية والأعمال الصالحة المندرجة فى القرآن الكريم وابتدروها انتهازا للفرصة وإحراز المسابقة الفضل إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً اى مرجع من آمن ومن لم يؤمن جميعا حال من ضمير الخطاب فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ اى فيفعل بكم من الجزاء الفاصل بين المحق والمبطل لا يبقى لكم معه شائبة شك فيما كنتم تختلفون فيه فى الدنيا من امر الدين والشريعة وانما عبر عن ذلك بما ذكر لوقوعه موقع ازالة الاختلاف التي هى وظيفة الاخبار وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عطف على الكتاب اى أنزلنا عليك الكتاب والحكم بما فيه وَاحْذَرْهُمْ مخافة أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ اى يضلوك ويصرفوك عن بعضه ولو كان اقل قليل بتصوير الباطل بصورة الحق فالمراد بالفتنة هاهنا الميل عن الحق والوقوع فى الباطل كما فى قوله عليه السلام (أعوذ بك من فتنة المحيا) اى العدول عن الطريق المستقيم وكل من صرف من الحق الى الباطل وأميل عن القصد فقد فتن- روى- ان أحبار اليهود قالوا اذهبوا بنا الى محمد فلعلنا نفتنه عن دينه فذهبوا اليه صلى الله عليه وسلم فقالوا(2/400)
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)
يا أبا القاسم قد عرفت انا أحبار اليهود وانا ان اتبعناك اتبعك اليهود كلهم وان بيننا وبين قومنا خصومة فنتحاكم إليك فاقض لنا عليهم ونحن نؤمن بك ونصدقك فابى ذلك رسول الله فنزلت. واستدل العلماء بهذه الآية على ان الخطأ والنسيان جائز على الرسل لانه تعالى قال وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ والتعمد فى مثل هذا غير جائز على الرسل فلم يبق الا الخطأ والنسيان فَإِنْ تَوَلَّوْا اى اعرضوا عن الحكم بما انزل الله وأرادوا غيره فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ اى فاعلم ان اعراضهم من أجل ان الله يريد أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ اى يعجل لهم العقوبة فى الدنيا بان يسلطك عليهم ويعذبهم فى الدنيا بالقتل والجلاء والجزية ويجازيهم بالباقي فى الآخرة فالمراد ببعض ذنوبهم ذنب توليهم عن حكم الله تعالى وانما عبر عنه بذلك تنبيها على ان لهم ذنوبا كثيرة هذا مع عظمه واحد من جملتها وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ اى متمردون فى الكفر مصرون عليه خارجون عن الحدود المعهودة فلذا يتولون عن حكم الله أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ انكار وتعجب من حالهم وتوبيخ لهم والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام اى أيتولون عن حكمك فيبغون حكم الجاهلية وهى الملة الجاهلية التي هى هوى وجهل لا يصدر عن كتاب ولا يرجع الى وحي وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً انكار لان يكون أحد حكمه احسن من حكمه تعالى او مساوله وان كان ظاهر السبك غير متعرض لنفى المساواة وإنكارها يرشدك اليه العرف المطرد والاستعمال الناشئ فانه إذا قيل من أكرم من فلان او الأفضل من فلان فالمراد به حتما انه أكرم من كل كريم وأفضل من كل فاضل وحكما نصب على التمييز من احسن منقول من المبتدأ والتقدير ومن حكمه احسن من حكم الله لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ اى عندهم واللام للبيان فيتعلق بمحذوف كما فى سقيالك فان سقيا دعاء للمخاطب بان يسقيه الله فيكون لك بيانا له اى هذا الاستفهام لقوم يوقنون فانهم الذين يتدبرون الأمور بانظارهم فيعلمون يقينا ان حكم الله عز وجل احسن الاحكام وأعدلها وليست اللام متعلقة بقوله حُكْماً لان حكم الله لا يخص قوما دون قوم. فقد دلت الآيات على ان الدين واحد من حيث الأصول مختلف من جهة الفروع ولله ان يحكم فى كل عصر وزمان بما أراد ففيه حكم ومصالح فعلينا بالتسليم والانقياد وترك الاعتراض والمسارعة الى الخيرات قبل الموت والفوت وفى الحديث (اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك) لان الرجل يقدر على الأعمال فى حال شبابه ما لا يقدر عليه فى حال هرمه ولان الشاب إذا تعود فى المعصية لا يقدر على الامتناع منها فى هرمه (وصحتك قبل سقمك) لان الصحيح نافذ الأمر فى ماله ونفسه لانه إذا مرض ضعف بدنه عن الطاعة وقصرت يده عن ماله الا فى مقدار ثلثه (وفراغك قبل شغلك) يعنى فى الليل تكون فارغا وبالنهار تكون مشغولا فينبغى ان تصلى بالليل فى حال فراغك وتصوم بالنهار فى وقت شغلك خصوصا فى ايام الشتاء لان الصوم فى الشتاء غنيمة المؤمن كما قال عليه السلام (الشتاء غنيمة المؤمن طال ليله فقامه وقصر نهاره فصامه) وفى رواية اخرى (الليل طويل فلا تقصره بمنامك والنهار مضيئ(2/401)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)
فلا تكدره بآثامك) (وغناك قبل فقرك) يعنى إذا كنت راضيا بما اعطاك الله من القوت فاغتنم ذلك ولا تطمع فيما فى أيدي الناس (وحياتك قبل مماتك) لان الرجل مادام حيا يقدر على العمل فاذا مات انقطع عمله ولهذا تتمنى الموتى ان يعودوا الى الدنيا فيتهللوا مرة او يصلوا ركعة فالفرصة غنيمة والعمر قليل: قال الحافظ
بگذشتن فرصت اى برادر ... در كرم روى چوميغ باشد
درياب كه عمر بس عزيزست ... كر فوت شود دريغ باشد
وقال السيد الشريف لابنه
نصيحت همينست جان پدر ... كه عمرت عزيزست ضايع مكن
فينبغى للعاقل ان لا يضيع أيامه: قال الحكيم: بكودكى بازي. بجوان مستى به پيرى سستى.
خدا را كى پرستى. فاذا تم شغلك بالشريعة فاجتهد فى الطريقة وهى باطن الشريعة واقتد باولى الألباب فانه كما ان لكل نبى شرعة ومنهاجا كذلك لكل ولى طريقة مسلوكة مخصوصة وقد ضل من ضل منارهم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خطاب يعم حكمه كافة المؤمنين من المخلصين وغيرهم وان كان سبب وروده بعضا منهم إذ روى ان عبادة بن الصامت رضى الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان لى موالى من اليهود كثيرا عددهم وانى ابرأ الى الله ورسوله من ولايتهم وأوالي الله ورسوله فقال عبد الله بن ابى انى رجل أخاف الدوائر لا ابرأ من ولاية موالىّ وهم يهود بنى فينقاع فقال تعالى لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ اى لا تتخذوا أحدا منهم وليا بمعنى لا تصافوهم ولا تعاشروهم مصافاة الأحباب ومعاشرتهم لا بمعنى لا تجعلوهم اولياء لكم حقيقة فانه امر ممتنع فى نفسه لا يتعلق به النهى بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ اى بعض كل فريق من ذينك الفريقين اولياء بعض آخر من ذلك الفريق لا من الفريق الآخر لانه لا موالاة بين فريقى اليهود والنصارى رأسا والكل متفقون على الكفر مجمعون على مضارتكم ومضاركم فيكيف يتصور بينكم وبينهم موالاة وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ اى من يتخذهم اولياء فَإِنَّهُ مِنْهُمْ اى هو على دينهم ومعهم فى النار وهذا إذا تولاهم لدينهم واما الصحبة لمعاملة شراء شىء منهم او طلب عمل منهم مع المخالفة فى الاعتقاد والأمور الدينية فليس فيه هذا الوعيد. قال المولى ابو السعود وفيه زجر شديد للمؤمنين عن اظهار صورة الموالاة لهم وان لم تكن موالاة فى الحقيقة إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ تعليل لكون من يتولاهم منهم اى لا يرشد الذين ظلموا أنفسهم بترك إخوانهم المؤمنين وبموالاة اعداء الله بل يخليهم وشأنهم فيقعون فى الكفر والضلالة اللهم لا تكلنى الى نفسى طرفة عين ولا اقل من ذلك: قال الحافظ
در ره عشق از ان سوى فناصد خطرست ... تا نكوى كه چوعمرم بسر آمد رستم
فَتَرَى يا محمد او كل من له اهلية للخطاب رؤية بصرية الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ اى مرض النفاق ورخاوة العقد فى الدين يُسارِعُونَ فِيهِمْ حال من الموصول اى(2/402)
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53)
مسارعين فى موالاتهم ومعاونتهم وإيثار فى على الى للدلالة على انهم مستقرون فى الموالاة وانما مسارعتهم من بعض مراتبها الى بعض آخر منها والمراد بهم عبد الله بن ابى واضرابه الذين كانوا يسارعون فى موادة اليهود ونصارى نجران وكانوا يعتدرون الى المؤمنين بانهم لا يؤمنون ان تصيبهم صروف الزمان كما قال تعالى يَقُولُونَ معتذرين نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ وهو حال من ضمير يسارعون والدائرة من الصفات الغالبة التي لا يذكر معها موصوفها اى يدور علينا دائرة من دوائر الدهر ودولة من دوله بان ينقلب الأمر وتكون الدولة للكفار وقيل نخشى ان يصيبنا مكروه من مكاره الدهر كالجدب والقحط فلا يعطونا الميرة والقرض ولعلهم كانوا يظهرون للمؤمنين انهم يريدون بالدوائر المعنى الأخير ويضمرون فى أنفسهم المعنى الاول فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ رد من جهة الله تعالى لعللهم الباطلة وقطع لاطماعهم الفارغة وتبشير للمؤمنين بالظفر فان عسى منه سبحانه وعد محتوم لما ان الكريم إذا أطمع اطعم لا محالة فما ظنك بأكرم الأكرمين. والمراد بالفتح فتح مكة او فتح قرى اليهود من خيبر وفدك او هو القضاء الفصل بنصره عليه السلام على من خالفه وإعزاز الدين. قال الحدادي وسمى النصر فتحا لان فيه فتح الأمر المغلق أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ بقطع شأفة اليهود من القتل والاجلاء. والشأفة قرحة تخرج فى أسفل القدم فتكوى وتذهب يقال فى المثل استأصل الله شأفته اى أذهبه الله كما ذهب تلك القرحة بالكي فَيُصْبِحُوا اى أولئك المنافقون المتعللون بما ذكر عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ وهو ما كانوا يكتمون فى أنفسهم من الكفر والشك فى امره صلى الله عليه وسلم وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا عند ظهور ندامة المنافقين وهو كلام مبتدأ مسوق لبيان كمال سوء حال الطائفة المذكورة اى ويقول الذين آمنوا مخاطبين لليهود مشيرين الى المنافقين الذين كانوا يوالونهم ويرجون دولتهم ويظهرون لهم غاية المحبة وعدم المفارقة فى السراء والضراء عند مشاهدتهم لخيبة رجائهم وانعكاس تقريرهم بوقوع ضد ما كانوا يترقبون ويتعللون به تعجيبا للمخاطبين من حالهم وتعريضا بهم أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ اى بالنصرة والمعونة كما قالوا فيما حكى عنهم وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ فاسم الاشارة مبتدأ وما بعده خبره والمعنى انكار ما فعلوه واستبعاده وتخطئتهم فى ذلك والخطاب فى معكم لليهود من جهة المؤمنين. وجهد الايمان أغلظها وهو فى الأصل مصدر ونصبه على تقدير واقسموا بالله يجهدون جهد ايمانهم فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه ولا يبالى بتعريفه لفظا لانه مأول بنكرة اى مجتهدين فى ايمانهم او على المصدر اى اقسموا اقسام اجتهاد فى اليمين حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ جملة مستأنفة مسوقة من جهته تعالى لبيان مآل ما صنعوه من ادعاء الولاية والاقسام على المعية فى المنشط والمكره أثر الاشارة الى بطلانه بالاستفهام الإنكاري اى بطلت أعمالهم التي عملوها فى شأن الموالاة وسعوا فى ذلك سعيا بليغا حيث لم يكن لليهود دولة فغبنوا بما صنعوا من المساعى وتحملوا من مكاره المشاق: قال الحافظ
اسم أعظم بكند كار خود اى دل خوش باش ... كه بتلبيس وحيل ديو سليمان نشود(2/403)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)
واعلم ان للحق دولة وللباطل صولة والباطل يفور ثم يغور. فعلى المؤمن ان لا يميل الى جانب الباطل واهله أصلا كائنا من كان- روى- عن ابى موسى الأشعري انه قال قلت لعمر بن الخطاب ان لى كاتبا نصرانيا فقال مالك قاتلك الله ألا اتخذت حنيفا اما سمعت قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ قلت له دينه ولى كتابه قال لا تكرموهم إذ أهانهم الله ولا تأتمنوهم إذ خونهم الله ولا تدنوهم إذا قصاهم الله- وروى- انه قال لا قوام للبصرة الا به فقال مات النصراني والسلام يعنى هب انه مات فما كنت تكون صانعا حينئذ فاصنعه الساعة واستغن عنه بغيره. قال الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر شاهدت دمشق ان الرجال والنساء كانوا يوالون النصارى ويسامحون فى المعاملة ويذهبون بأطفالهم وصغارهم الى الكنائس ويرشون عليهم بطريق التبرك من ماء المعمودية وهذا كفر والعياذ بالله والمعمودية ماء للنصارى اصفر كانوا يغمسون فيه أولادهم ويعتقدون انه تطهير للمولود كالخنان لغيرهم وقس عليه تعظيم نوروز النصارى وإهداء شىء فى ذلك اليوم إليهم والمشاركة معهم ويلزم الحسبة فى بعض الأمور قطعا لعرق الموالاة. وفى ملتقطة الناصري ولا ادع المشرك يضرب البربط. قال محمد كل شىء امنع من المسلم فانى امنع من المشرك الا الخمر والخنزير ولكن يمنع اهل الكفر من إدخال الخمور والخنازير فى الأسواق على سبيل الشهرة لان فيها استخفافا للمسلمين وما صالحناهم ليستخفوا بالمؤمنين وان حضر لهم عيد لا يخرجون فيه صليبهم ويمنعون من اظهار بيع المزامير والطنبور واظهار الغناء وغير ذلك مما منع منه المسلم ويمنعون من احداث الكنيسة. قال عليه الصلاة والسلام (لا خصاء فى الإسلام ولا كنيسة) والمراد بالخصاء خصاء بنى آدم فيجوز خصاء البهائم وبه نقول فكما يجوز ذبح الحيوان لحاجة الناس الى لحمه فكذلك يجوز خصاء الحيوان إذا كان فى ذلك منفعة للناس. فان قلت لم لا يجوز خصاء بنى آدم وفيه منفعة ايضا. قيل لا منفعة فيه لانه لا يجوز للخصى ان ينظر الى النساء كما لا يجوز للفحل كذا فى بستان العارفين.
ثم اعلم ان النفس والشيطان والقوى الشريرة فى وجود الإنسان كاليهود والنصارى فكما انه يلزم مجانبتهم وعدم موالاتهم لان الله تعالى عاداهم وامر بمعاداتهم فكذلك ما ذكر من النفس وغيرها لا يجوز موالاتها والحمل على هواها لانها تسوق الى النار نار جهنم ونار القطيعة فالمؤمن مأمور بالمعاداة لمن عادى الله تعالى مطلقا والا لم يصح إيمانه: وفى المثنوى
آنچهـ در فرعون بود اندر تو هست ... ليك اژدرهات محبوس چهست
چهـ خرابت ميكند نفس لعين ... دور مى اندازدت سخت اين قرين
آتشت را هيزم فرعون نيست ... زانكه چون فرعون او را عون نيست
يعنى ان فرعون ساعده اسباب الدعوى والهوى ولذلك قال ما قال وفعل ما فعل واما أنت فليس لك الأسباب مساعدة ولا تجدعونا فى هواك ولذا لا تظهر صورة ما أظهره يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ هذا من الكائنات التي اخبر عنها القرآن قبل وقوعها- روى- انه ارتد عن الإسلام احدى عشرة فرقة ثلاث فى عهد رسول الله صلى الله عليه(2/404)
وسلم بنوا مدلج ورئيسهم ذو الخمار وهو اسود العنسي كان كاهنا تنبأ باليمن واستولى على بلاده حتى اخرج عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل معاذ بن جبل وسادات اليمن فكتب عليه السلام الى معاذ بن جبل ومن معه من المسلمين وأمرهم ان يحثوا الناس على التمسك بدينهم وعلى النهوض الى حرب الأسود فقتله فيروز الديلمي على فراشه قال ابن عمر فأتى الخبر النبي عليه السلام من السماء الليلة التي قتل فيها فقال عليه الصلاة والسلام (قتل الأسود البارحة قتله رجل مبارك) قيل ومن هو قال (فيروز) فبشر عليه السلام أصحابه بهلاك الأسود وقبض عليه السلام من الغد واتى خبر مقتل العنسي المدينة فى آخر شهر ربيع الاول وكان ذلك أول فتح جاء أبا بكر رضى الله عنه والفرقة الثانية من المرتدين بنوا حنيفة باليمامة ورئيسهم مسيلمة الكذاب وكان قد تنبأ فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى آخر سنة عشر من الهجرة زعم انه أشرك مع رسول الله فى النبوة وكتب الى النبي عليه السلام من مسلمة رسول الله الى محمد رسول الله اما بعد فان الأرض نصفها لى ونصفها لك وبعث بذلك الكتاب رجلين من أصحابه فقال لهما رسول الله عليه السلام (لولا ان الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما) ثم أجاب (من محمد رسول الله الى مسيلمة الكذاب اما بعد فان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) فمرض عليه السلام وتوفى فبعث ابو بكر خالد بن الوليد الى مسيلمة الكذاب فى جيش كثير حتى أهلكه الله على يدى وحشي غلام مطعم بن عدى قاتل حمزة بن عبد المطلب بعد حرب شديد وكان وحشي يقول قتلت خير الناس فى الجاهلية وشر الناس فى الإسلام يريد فى جاهليتى وإسلامي. والفرقة الثالثة بنوا اسد ورئيسهم طليحة بن خويلد وكان طليحة آخر من ارتد وادعى النبوة فى حياة رسول الله عليه السلام وأول من قوتل بعد وفاته عليه السلام من اهل الردة فبعث ابو بكر خالد بن الوليد فهزمهم خالد بعد قتال شديد وأفلت طليحة فمر على وجهه هاربا نحو الشام ثم انه اسلم بعد ذلك وحسن إسلامه ثم ان الله تعالى لما قبض نبيه عليه السلام ارتد عامة العرب الا اهل مكة واهل المدينة واهل البحرين من عبد القيس فقال المرتدون اما الصلاة فنصلى واما الزكاة فلا نغصب أموالنا فكلم ابو بكر فى ذلك فقال والله لا افرق بين ما جمع الله تعالى بقوله أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ والله لو منعونى عتودا مما أدوا الى رسول الله لقاتلتهم عليه فبعث الله عز وجل عصائب مع ابى بكر رضى الله عنه فقاتل على ما قاتل عليه نبى الله حتى أقروا بالزكاة المفروضة. قال انس بن مالك كرهت الصحابة قتال مانعى الزكاة قالوا هم اهل القبلة فتقلد ابو بكر سيفه وخرج وحده فلم يجدوا بدا من الخروج على اثره.
وقال ابن مسعود رضى الله عنه كرهنا ذلك فى الابتداء ثم حمدناه فى الانتهاء وقيل ما ولد بعد النبيين مولود أفضل من ابى بكر لقد قام مقام نبى فى قتال اهل الردة: قال الشيخ العطار فى نعت ابى بكر رضى الله عنه
هر چهـ بود از باركاه كبريا ... ريخت در صدر شريف مصطفا
آن همه در سينه صديق ريخت ... لا جرم تا بود ازو تحقيق ريخت(2/405)
وقال الحسن لولا ما فعل ابو بكر لا لحد الناس فى الزكاة الى يوم القيامة. قال فى الأشباه المعتمد فى المذهب عدم الاخذ كرها. قال فى المحيط ومن امتنع عن أداء الزكاة فالساعى لا يأخذ منه كرها ولو أخد لا يقع المأخوذ عن الزكاة لكونها بلا اختيار ولكن يجبره بالحبس ليؤدى بنفسه فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ مكانهم بعد إهلاكهم بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ اى يريد بهم خير الدنيا والآخرة وَيُحِبُّونَهُ اى يريدون اطاعته ويتحرزون عن معاصيه قيل هم اهل اليمن قال عليه السلام (الايمان يمان والحكمة يمانية) وانما نسب الايمان إليهم اشعارا بكماله فيهم لان من اتصف بشىء وقوى قيامه به نسب ذلك الشيء اليه لا ان يكون فى ذلك نفى له عن غيرهم فلا منافاة بينه وبين قوله عليه الصلاة والسلام (الايمان فى اهل الحجاز) ثم ان المراد بذلك الموجودون منهم فى ذلك الزمان لا كل اهل اليمن فى كل الأحيان كذا فى شرح المشارق لابن الملك. وقيل هم الأنصار رضى الله عنهم. وقيل هم اهل فارس وفى الحديث (لو كان الايمان معلقا بالثريا لناله أبناء فارس) وفيه فضيلة لهذه القبيلة أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ جمع ذليل اى ارقاء ورحماء متذللين ومتواضعين لهم واستعماله بعلى لتضمين معنى العطف والحنو أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ اى أشداء متغلبين عليهم من عزه إذا غلبه يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صفة اخرى لقوم مترتبة على ما قبلها مبينة مع ما بعدها لكيفية عزتهم وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ عطف على يجاهدون بمعنى انهم جامعون بين المجاهدة فى سبيل الله وبين التصلب فى الدين. وفيه تعريض بالمنافقين فاتهم إذا خرجوا فى جيش المسلمين خافوا أولياءهم اليهود فلا يكادون يعملون شيأ يلحقهم فيه لوم من جهتهم واللومة المرة من اللوم وفيها وفى تنكير لائم مبالغتان كأنه قيل لا يخافون من شىء من اللومات الواقعة من أي لائم كان فالمبالغة الاولى انتفاء الخوف من جميع اللومات والثانية انتفاء الخوف من جميع اللوام كل ذلك لان النكرة فى سياق النفي تعم ذلِكَ اشارة الى ما تقدم من الأوصاف الجليلة التي وصف بها القوم من المحبة والذلة والعزة والمجاهدة فى سبيل الله وانتفاء خوف اللوم من كل واحد فَضْلُ اللَّهِ اى لطفه وإحسانه لا انهم مستقلون فى الاتصاف بها يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ايتاءه إياه ويوفقه لكسبه وتحصيله حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة وَاللَّهُ واسِعٌ كثر الفواضل والألطاف عَلِيمٌ مبالغ فى العلم بجميع الأشياء التي من جملتها من هواهل للفضل والتوفيق: قال الحافظ
سكندر را نمى بخشند آبى ... بزور وزر ميسر نيست اين كار
واعلم ان من السالكين من يقطع العقبات ويحرق الحجب فى سبعين سنة ومنهم من من يقطعها فى عشرين سنة ومنهم من يحصل له فى سنة ومنهم من يقطعها فى شهر بل فى جمعة بل فى ساعة حتى ان منهم من تحصل له فى لحظة بتوفيق خاص وعناية سابقة أما تذكر سحرة فرعون ما كان مدتهم الا لحظة حيث رأوا معجزة موسى قالوا آمنا برب العالمين فابصروا الطريق وقطعوه حقه فصاروا من ساعة الى ساعة بل اقل من العارفين بالله- وحكى- ان ابراهيم بن أدهم كان على ما كان عليه من امر الدنيا فعدل عن ذلك وقصد(2/406)
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)
الطريق الحق فلم يكن الا مقدار سيره من بلخ الى مرو الروذ حتى صار بحيث أشار الى رجل سقط من القنطرة فى الماء الكثير هنالك ان قف فوقف الرجل مكانه فى الهواء فتخلص. وان رابعة البصرية كانت امة كبيرة يطاف بها فى سوق البصرة لا يرغب فيها أحد لكبر سنها فرحمها بعض التجار فاشتراها بنحو مائة درهم فاعتقها فاختارت الطريق الحق فاقبلت على العبادة فما تمت لها سنة حتى زارها قراء البصرة وعلماؤها لعظم منزلتها. واما الذي لم تسبق له العناية ولا توجهت له ولم يعامل بالفضل فيوكل الى نفسه فربما يبقى فى شعب من عقبة واحدة من العقبات سبعين سنة ولا يقطعها وكم يصيح وكم يصرخ ما اظلم هذا الطريق واشكله وأعسر هذا الأمر واعضله. فان قلت لم اختص هذا بالتوفيق الخاص وحرم هذا وكلاهما مشتركان فى ربقة العبودية فعند هذا السؤال تنادى من سرادق الجلال ان الزم الادم واعرف سر الربوبية وحقيقة العبودية فانه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ذلك تقدير العزيز العليم وان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
رضا بداده بده وز جبين گره بگشاى ... كه بر من وتو در اختيار نگشادست
اللهم اجعلنا ممن سبقت له العناية وتقدم فى حقه التوفيق الخاص والهداية آمين يا رب العالمين إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا اى لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء لان بعضهم اولياء بعض وليسوا باوليائكم انما اولياؤكم الله ورسوله والمؤمنون فاختصوهم بالموالاة ولا تخطئوهم الى الغير. قال فى التأويلات النجمية فموالاة الله فى معاداة ما سوى الله كما قال الخليل عليه السلام فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ وموالاة الرسول فى معاداة النفس ومخالفة الهوى كما قال عليه السلام (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به) وقال (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين) وموالاة المؤمنين فى مؤاخاتهم فى الدين كقوله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ وقال عليه السلام (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ بدل من الذين آمنوا وَهُمْ راكِعُونَ حال من فاعل الفعلين اى يعملون ما ذكر من اقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهم خاشعون ومتواضعون لله تعالى والمقصود تمييز المؤمن المخلص ممن يدعى الايمان ويكون منافقا لأن الإخلاص انما يعرف بكونه مواظبا على الصلاة والزكاة فى حال الركوع اى فى حال الخشوع والإخبات لله تعالى وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا اى ومن يتخذهم اولياء فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ اى فانهم الغالبون ولكن وضع الظاهر موضع المضمر تنبيها على البرهان عليه وكأنه قيل ومن يتول هؤلاء فهم حزب الله وحزب الله هم الغالبون وتشريفا لهم باضافتهم اليه تعالى وتعريضا بمن يوالى غير هؤلاء بانه حزب الشيطان وحزب الرجل أصحابه والحزب الطائفة يجتمعون لأمر حزبهم اى أصابهم. واعلم ان الغلبة على اعداء الله الظاهرة والباطنة كالهوى والنفس والشيطان انما تحصل بنصرة الله تعالى كما قال تعالى إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وليست النصرة والغلبة الا بتأثير الله تعالى وهو المعز وكل العزة منه تعالى- وروى- ان الله تعالى شكا من هذه الامة ليلة المعراج شكايات. الاولى انى لم أكلفهم عمل الغد وهم يطلبون منى رزق الغد.(2/407)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62)
والثانية انى لا ارفع أرزاقهم الى غيرهم وهم يرفعون عملهم الى غيرى. والثالثة انهم يأكلون رزقى ويشكرون غيرى ويخونون معى ويصالحون خلقى. والرابعة ان العزة لى وانا المعز وهم يطلبون العزة من سواى. والخامسة انى خلقت النار لكل كافروهم يجتهدون ان يوقعوا أنفسهم فيها فمن اتبع هوى النفس ولم يهتم لتزكيتها فقد سعى فى الحاق نفسه بزمرة الأعداء فلم يكن منصورا البتة إذ لا يحصل من الجسارة الا الخسارة والهوى مقتضى النفس والنفس ظلمانية ولا يتولد من الظلماني الا الظلمة: قال فى المثنوى
عكس نورانى همه روشن بود ... عكس ظلمانى همه كلخن بود
عكس هر كس را بدان اى دوربين ... پهلوى جنسى كه خواهى مى نشين
فعلى المؤمن ان يجتهد بالصوم والصلاة ووجوه العبادات الى ان يزكى نفسه عن سفساف الأخلاق ويغلب الأعداء الباطنة والغلبة عليها مفتاح الغلبة على الأعداء الظاهرة ولذاترى الأنبياء والأولياء منصورين مظفرين على كل حال وهذه النصرة والولاية من آثار عناية الله السابقة فكما ان من رش عليه من نور الأزل لم ير ظلمة ابدا كذلك من لم يهتد بذلك النور فى بداية الأمر لم يصل الى المراد الى آخر العمر: قال الحافظ
بآب زمزم وكوثر سفيد نتوان كرد ... كليم بخت كسى را كه بافتند سياه
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا- روى- ان رفاعة بن زيد وسويد بن الحارث أظهرا الإسلام ثم نافقا وكان رجال من المؤمنين يوادونهما فنهاهم الله تعالى عن الموالاة وقال لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً قوله الذين اتخذوا مفعول أول لقوله لا تتخذوا ومفعوله الثاني قوله اولياء ودينكم مفعول أول لقوله اتخذوا وهزؤا مفعوله الثاني. والهزؤ السخرية والاستهزاء واللعب بالفارسية [بازي] ومعنى اتخاذهم دين المسلمين مهزوا به وتلاعبهم به اظهارهم ذلك باللسان مع الإصرار على الكفر فى القلب وقد رتب النهى عن موالاتهم على اتخاذهم دينهم هزؤا ولعبا ايماء الى العلة وتنبيها على ان من هذا شأنه جدير بالمعاداة فكيف بالموالاة مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ بيان للمستهزئين ومن قبلكم متعلق باوتوا وَالْكُفَّارَ بالنصب عطف على الموصول الاول والمراد المشركون خصوا به لتضاعف كفرهم فالنهى عن موالاة من ليس على الحق رأسا سواء من كان ذادين تبع فيه الهوى وحرفه عن الصواب كاهل الكتاب ومن لم يكن كالمشركين أَوْلِياءَ وجانبوهم كل المجانبة وَاتَّقُوا اللَّهَ فى ذلك بترك موالاتهم إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ اى حقا لان الايمان يقتضى الاتقاء وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها اى الصلاة او المناداة هُزُواً وَلَعِباً كان المؤذنون إذا أذنوا للصلاة تضاحكت اليهود فيما بينهم وتغامزوا سفها واستهزاء بالصلاة وتجهيلا لاهلها وتنفيرا للناس عنها وعن الداعي إليها ذلِكَ اى الاستهزاء المذكور المستقر بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ اى بسبب عدم عقلهم فان السفه يؤدى الى الجهل بمحاسن الحق والهزء به ولو كان لهم عقل فى الجملة لما اجترءوا على تلك العظيمة: وفى المثنوى
كشتى بي لنگر آمد مرد شر ... كه ز باد كژ نيابد او حذر(2/408)
لنكر عقلست عاقل را أمان ... لنكرى در يوزه كن از عاقلان
قال العلماء ثبوت الاذان ليس بالمنام وحده بل هو ثابت بنص هذه الآية فان المعنى إذا دعوتم الناس الى الصلاة بالأذان والنداء الدعاء بارفع الصوت. وفى الاذان حكم منها اظهار شعائر الإسلام وكلمة التوحيد والاعلام بدخول وقت الصلاة وبمكانها والدعاء الى الجماعة الى غير ذلك ولو وجد مؤذن حسن الصوت يطلب على أذانه الاجر والرزق وآخر يتبرع بالأذان لكن غير حسن الصوت فايهما يؤخذ ففيه وجهان أصحهما انه يرزق حسن الصوت فان لحسن الصوت تأثيرا كما ان لقبحه تغييرا وتنفيرا: وفى المثنوى
يك مؤذن داشت بس آواز بد ... در ميان كافرستان بانك زد
چند گفتندش مكو بانك نماز ... كه شود جنك وعداوتها دراز
او ستيزه كرد وبس بى احتراز ... گفت در كافرستان بانك نماز
خلق خائف شد ز فتنه عامه ... خود بيامد كافرى با جامه
شمع وحلوا با چنان جامه لطيف ... هديه آورد وبيامد چون أليف
پرس پرسان كين مؤذن كو كجاست ... كه صلا وبانك او راحت فزاست
دخترى دارم لطيف وبس سنى ... آرزو مى بود او را مؤمنى
هيچ اين سودا نمى رفت از سرش ... پندها مى داد چندين كافرش
هيچ چاره مى ندانستم در ان ... تا فرو خواند اين مؤذن آن أذان
گفت دختر چيست اين مكروه بانك ... كه بكوشم آمد اين دو چار دانك
من همه عمر اين چنين آواز زشت ... هيچ نشنيدم درين دير وكنشت
خواهرش گفتا كه اين بانگ أذان ... هست اعلام در شعار مؤمنان
باورش نامد بپرسيد از دگر ... آن ديگر هم گفت آرى اى پدر
چون يقين گشتش رخ او زرد شد ... از مسلمانى دل او سرد شد
باز رستم من ز تشويش وعذاب ... دوش خوش خفتم در ان بى خوف خواب
راحتم اين بود از آواز او ... هديه آوردم بشكر آن مرد كو
چون بديدش گفت اين هديه پذير ... كه مرا كشتى مجير ودستگير
گر بمال ملك وثروت فردمى ... من دهانت را پر از زر كردمى
ورد فى التأذين فضائل وفى الحديث (أول الناس دخولا الجنة الأنبياء ثم الشهداء ثم بلال) مع مؤذنى الكعبة ثم مؤذنوا بيت المقدس ثم مؤذنوا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ثم سائر المؤذنين على قدر أعمالهم وفى الحديث (ثلاثة لا يكترثون من الحساب ولا تفزعهم الصيحة ولا يحزنهم الفزع الأكبر حامل القرآن العامل بما فيه يقدم على الله سيدا شريفا ومؤذن اذن سبع سنين لا يأخذ على أذانه طعما وعبد مملوك احسن عبادة ربه وادي حق مولاه) وإذا اجتمع الاذان والامامة فى شخص فالامامة أفضل لمواظبة النبي عليه السلام عليها وانما أم ولم يؤذن لانه عليه السلام لو اذن لكان كل من تخلف عن الاجابة كافرا ولانه لو كان داعيا لم يجز(2/409)
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)
ان يشهد لنفسه ولانه لو اذن وقال اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله لتوهم ان ثمة نبيا غيره ولأن الاذان رآه غيره فى المنام فولاه الى غيره وايضا انه عليه السلام كان إذا عمل عملا أثبته اى جعله ديمة وكان لا يتفرغ لذلك لا شتغاله بتبليغ الرسالة وهذا كما قال سيدنا عمر رضى الله عنه لولا الخليفى لاذنت. وكره اللحن فى الاذان لما روى ان رجلا جاء الى ابن عمر رضى الله عنهما فقال انى أحبك فقال انى أبغضك فى الله فقال لم فقال لانه بلغني انك تغنى فى اذانك يعنى تلحن وذلك مثل ان يقول آلله بمد الالف الاولى لانه استفهام وشك وان يقول أكبار بمد الباء لانه اسم الشيطان وغير ذلك الى آخر كلمات الاذان. واجابة المؤذن واجبة على كل من سمعه وان كان جنبا او حائضا إذ لم يكن فى الخلاء او فى الجماع. وذكر تاج الشريعة ان اجابة المؤذن سنة. وقال النووي مستخبة فيقول بمثل ما يقول المؤذن وضعف تقبيل ظفرى ابهاميه مع مسبحتيه والمسح على عينيه عند قوله محمد رسول الله لانه لم يثبت فى الحديث المرفوع لكن المحدثين اتفقوا على ان الحديث الضعيف يجوز العمل به فى الترغيب والترهيب فقط ويقول عند حى على الصلاة «لا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم» وعند حى على الفلاح «ما شاء الله كان وما لم يشألم يكن» وعند قوله الصلاة خير من النوم «صدقت وبالخير نطقت» وفى قوله قد قامت الصلاة «أقامها الله وادامها» وحين ينتهى الى قوله قد قامت الصلاة يجيب بالفعل دون القول- وروى- عن ميمونة رضى الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بين صف الرجال والنساء فقال (يا معشر النساء إذا سمعتن أذان هذا الحبشي وإقامته فقلن كما يقول فان لكن بكل حرف الف درجة) قال عمر رضى الله عنه هذا فى النساء فما للرجال قال (ضعفان يا عمر) قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى حبذا الكلام ونعم النداء الاذان فعند قوله الله أكبر الله اكبر «لو انكشف وتجلى عظمة الله تعالى وكبرياؤه» وعند قوله اشهد ان لا اله الا الله «لو انكشف وحدانيته» وعند اشهد ان محمدا رسول الله «لو انكشف حقانيته» وعند الحيعلتين «لو ظهر الطلب من الطالب الى المطلوب» وعند الله اكبر الله اكبر لا اله الا الله «لو تجلى الذات لتم المقصود وحصل المراد» انتهى. ومن فضائل الاذان انه لو اذن خلف المسافر فانه يكون فى أمان الى ان يرجع. وان اذن فى اذن الصبى وأقيم فى اذنه الاخرى إذا ولد فانه أمان من أم الصبيان وإذا وقع هذا المرض ايضا وكذا إذا وقع حريق او هجم سيل او برد او خاف من شىء كما فى الاسرار المحمدية. والاذان اشارة الى الدعوة الى الله حقيقة والداعي هو الوارث المحمدي يدعو اهل الغفلة والحجاب الى مقام القرب ومحل الخطاب فمن كان أصم عن استماع الحق استهزأ بالداعي ودعوته لكمال جهالته وضلالته ومن كان ممن القى السمع وهو شهيد يقبل الى دعوة الله العزيز الحميد وينجذب الى حضرة العزة ويدرك لذات شهود الجمال ويغتنم مغانم اسرار الوصال
جوانا سر متات از پند پيران ... كه رأى پيرت از بخت جوان به
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ- روى- ان نفرا من اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دينه فقال عليه السلام (أؤمن بالله وما انزل إلينا وما انزل الى ابراهيم واسمعيل واسحق(2/410)
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60)
ويعقوب والأسباط وما اوتى موسى وعيسى وما اوتى النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) فحين سمعوا ذكر عيسى عليه السلام قالوا لا نعلم اهل دين اقل حظا فى الدنيا والآخرة منكم ولا دينا شرا من دينكم فانزل الله هذه الآية اى قل لهؤلاء اليهود الفجرة هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا من نقم منه كذا إذا عابه وأنكره وكرهه اى ما تعيبون وما تنكرون مناديننا لعلة من العلل إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ اى الا لان آمنا بالله فهو مفعول له لتنقمون على حذف المفعول به الذي هو الدين وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا من القرآن المجيد وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ انزاله من التوراة والإنجيل وسائر الكتب الالهية وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ عطف على ان آمنا اى ولان أكثركم متمردون خارجون عن الايمان بما ذكر حتى لو كنتم مؤمنين بكتابكم الناطق بصحة كتابنا لآمنتم به واسناد الفسق الى أكثرهم مع ان كلهم فاسقون لانهم الحاملون لا عقابهم على التمرد والفساد وقيل هو عطف على ان آمنا على انه مفعول به لكن لا على ان المستثنى مجموع المعطوفين بل هو ما يلزمهما من المخالفة كأنه قيل ما تكرهون من جهتنا الا الايمان بالله وبجميع كتبه المنزلة والا مخالفتكم حيث دخلنا الايمان وأنتم خارجون منه قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ الخطاب لليهود بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ الاشارة الى المنقوم وهو الايمان والمنقوم منهم المؤمنون اى هل أخبركم بما هو شر فى الحقيقة لا ما تعتقدونه شرا وان كان فى نفسه خيرا محضا. قال ابن الشيخ ومن المعلوم قطعا انه لا شر فى دين الإسلام فالمراد الزيادة المطلقة مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ اى جزاء ثابتا فى حكمه تعالى والمثوبة مختصة بالخبر كالعقوبة مختصة بالشر فوضعت هاهنا موضعها على طريق التهكم ونصبها على التمييز من بشر مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ خبر لمبتدأ محذوف بتقدير مضاف قبله مناسب لما أشير اليه بكلمة ذلك اى هو دين من لعنه الله وهو اليهود وابعدهم الله من رحمته وسخط عليهم بكفرهم وانهماكهم فى المعاصي بعد وضوح الآيات وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ اى مسخ بعضهم قردة فى زمن داود عليه السلام بدعائه عليهم حين اعتدوا فى السبت واستخلوه ومسخ بعضهم خنازير فى زمن عيسى عليه السلام بعد أكلهم من المائدة وحين كفروا بعد مارأوا الآيات البينة. وقيل كلا المسخين فى اصحاب السبت مسخت شبانهم قردة وشيوخهم خنازير ولما نزلت هذه الآية قال المسلمون لليهود يا اخوة القردة والخنازير فنكسوا رؤسهم وافتضحوا وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ عطف على صلة من وضميره المستكن يعود الى من أي أطاع الشيطان فيما سول له أُولئِكَ الموصوفون بتلك القبائح والفضائح شَرٌّ مَكاناً جعل مكانهم شرا ليكون ابلغ فى الدلالة على شرارتهم وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ عطف على شر مقرر له اى اكثر ضلالا عن الطريق المستقيم. وفيه دلالة على كون دينهم شرا محضا بعيدا عن الحق لان ما يسلكونه من الطريق دينهم فاذا كانوا أضل كان دينهم ضلالا مبينا لا غاية وراءه وصيغة التفضيل فى الموضعين للزيادة مطلقا لا بالاضافة الى من يشاركهم فى اصل الشرارة والضلال. واعلم ان كل صنف من الناس يفرح بما لديه ويبغض الآخر بما هو عليه ولكن الحق أحق ان يتبع فالمؤمن يحب المؤمن فان المحبة من(2/411)
وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62)
الأخلاق الحسنة والأوصاف الشريفة وفى الحديث (ان من عباد الله عبادا ما هم بانبياء وشهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله تعالى) قالوا يا رسول الله أخبرنا من هم وما أعمالهم فلعلنا نحبهم قال (هم قوم تحابوا فى الله على غير أرحام منهم ولا اموال يتعاطون فو الله ان وجوههم أنوار وانهم يعلون منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس) . وسئل عبد الله السالمى بأى شىء يعرف اولياء الله من بين عباده فقال بلطافة اللسان وحسن الخلق وبشاشة الوجه وسخاوة النفس وقلة الاعتراض وقبول الاعتذار وكمال الشفقة على عامة الخلق: قال الحافظ
تاج شاهى طلبى گوهر ذاتى بنماى ... ور خود از گوهر جمشيد وفريدون باشى
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى لا تزال البغضاء بين البيراميين وبين الخلوتية وكذا بينهم وبين اتباع السيد البخاري مع ان البغضاء لا تليق باهل الحق ألا يرى انا لم نسمع من دور آدم الى خاتم النبيين عليهم السلام نوع بعض بين نبيين أصلا مع انه قد يتفق فى بعض الأوقات ان يجتمع ثلاثة واربعة من الأنبياء وكذا اتباعهم لا يطعنون فى واحد منهم:
قال السعدي
دلم خانه مهر يارست وبس ... از ان مى نكنجد درو كين كس
قال بعضهم القلوب ثلاثة. قلب يطير فى الدنيا حول الشهوات. وقلب يطير فى العقبى حول الكرامات. وقلب يطير فى سدرة المنتهى حول المناجاة: قال الحافظ
غلام همت رندان بى سر و پايم ... كه هر دو كون نيرزد به پيش شان يك كاه
فعلى العاقل ان يشتغل بالتوحيد كى يتخلص من ظلمات النفس وهواها والشيطان ووساوسه نظر عمر بن الخطاب الى شاب فقال يا شاب ان وقيت شر ثلاثة فقد وقيت شر الشيطان ان وقيت لقلقك وقبقبك وذبذبك. قال الأصمعي اللقلق اللسان والقبقب البطن والذبذب الفرج وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا نزلت فى ناس من اليهود كانوا يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم يظهرون له الايمان نفاقا فالخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام والجمع للتعظيم اوله مع من عنده من المسلمين اى إذا جاؤكم أظهروا الإسلام وَقَدْ اى والحال انهم قد دَخَلُوا ملتبسين بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا من عندك ملتبسين بِهِ اى بالكفر كما دخلوا لم يؤثر فيهم ما سمعوا منك وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ من الكفر وصيغة التفضيل لان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يظن نفاقهم من اماراته اللائحة عليهم ويتوقع انه يظهره الله: وفى المثنوى
نيست بازي با مميز خاصه او ... كه بود تمييز عقلش غيب كو
هيچ سحر وهيچ تلبيس ودغل ... مى نبندد پرده بر اهل دول
وَتَرى يا محمد رؤية بصرية كَثِيراً مِنْهُمْ اى من اليهود والمنافقين حال كونهم يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ اى الكذب على الإطلاق وإيثار كلمة فى على كلمة الى للدلالة على انهم مستقرون فى الإثم وانما مسارعتهم من بعض مراتبه الى بعض آخر منها كقوله تعالى(2/412)
لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)
أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ لا انهم خارجون منه متوجهون اليه كما فى قوله تعالى وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ وَالْعُدْوانِ اى الظلم المتعدى الى الغير وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ اى الحرام لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى لبئس شيأ كانوا يعملونه والجمع بين صيغتى الماضي والمستقبل للدلالة على الاستمرار لَوْلا حرف تحضيض يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ المراد بهم العلماء الا ان الرباني الزاهد العارف الواصل والحبر العالم العامل المقبول عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وهو قولهم آمنا وليسوا بمؤمنين وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ مع علمهم بقبحها ومشاهدتهم لمباشرتهم لها لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ هو ابلغ من قوله لبئس ما كانوا يعملون لان الصنع أقوى من العمل فان العمل انما يسمى صناعة إذا صار مستقرا راسخا متمكنا فجعل جرم من عمل الإثم والعدوان وأكل السحت ذنبا غير راسخ وذنب التاركين للنهى عن المنكر ذنبا راسخا وفى الآية مما ينعى على العلماء من توانيهم فى النهى عن المنكرات ما لا يخفى: قال الشيخ السعدي
كرت نهى منكر برآيد ز دست ... نشايد چوبى دست و پايان نشست
چودست وزبانرا نماند مجال ... بهمت نمانيد مردى رجال
قال عمر بن عبد العزيز ان الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة ولكن إذا أظهروا المعاصي فلم ينكروا استحق القوم جميعا للعقوبة ولولا حقيقة هذا المعنى فى التوبيخ على المشايخ والعلماء فى ترك النصيحة لما اشتغل المحققون بدعوة الخلق وتربيتهم لاستغراقهم فى مشاهدة الحق ومؤانستهم به. قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره السالك إذا وصل الى الحقيقة اما ان يرسل للارشاد او يبقى فى حضور الوصلة ولا يريد الفرقة كالشيخ ابى يزيد البسطامي فانه لا يختر الإرشاد ولكن الإرشاد طريقة الأنبياء عليهم السلام فانه ما من نبى الا وهو قد بعث وأرسل لارشاد الخلق ولم يبق فى عالم الحضور: قال فى المثنوى خطابا من قبل الله تعالى الى حضرة النبي عليه السلام
هين بمگذار اى شفا رنجور را ... تو ز خشم كور عصاى كور را
نى تو گفتى قائد أعمى براه ... صد ثواب واجر يابد از اله
هر كه او چل گام كورى را كشد ... كشت آمر زيده ويابد رشد
پس بكش تو زين جهان بي قرار ... چوق كورانرا قطار اندر قطار
كار هادى اين بود تو هادىء ... ماتم آخر زمانرا شادىء
هين روان كن اى امام المتقين ... اين خيال انديشگان را تا يقين
خيز دردم تو بصور سهمناك ... تا هزاران مرده بررويد ز خاك
واهل الحقيقة والعلماء العاملون المتجردون عن الغرض سوى إعلاء كلمة الله تعالى محفوظون فى أقوالهم وأفعالهم- وحكى- ان زاهدا من التابعين كسر ملاهى مروان بن الحكم الخليفة فاتى له به فامر بان يلقى بين يدى الأسد فالقى فلما دخل ذلك الموضع افتتح الصلاة فجاءت الأسد وجعلت تحرك ذنبها حتى اجتمع عليه ما كان فى ذلك الموضع من الأسد فجعلت تلحسه بألسنتها(2/413)
وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)
وهو يصلى ولا يبالى فلما أصبح مروان قال ما فعل بزاهدنا قيل القى بين يدى الأسد قال انظروا هل أكلته فجاؤا فوجدوا الأسد قد استأنست به فتعجبوا من ذلك فاخرجوه وحملوه الى الخليفة فقال له اما كنت تخاف منها قال لا كنت مشغولا متفكرا طول الليل لم أتفرغ الى خوفهم فقال له فيما ذا تتفكر قال فى هذه الأسد حيث جاءتنى تلحسنى بألسنتها فكنت أتفكر ألعابها طاهر أم نجس فتفكرى فى هذا منعنى عن الخوف منها فتعجب منه فخلى سبيله كذا فى نصاب الاحتساب وَقالَتِ الْيَهُودُ قال المفسرون ان الله تعالى قد بسط النعمة على اليهود حتى كانوا من اكثر الناس مالا واخصبهم ناحية فلما عصوا الله فى شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبوه كف الله عنهم ما بسط عليهم من النعمة فعند ذلك قالت اليهود يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ اى مقبوضة ممسكة عن العطاء. وغل اليد وبسطها مجاز عن محض البخل والجود من غير قصد فى ذلك الى اثبات يد وغل او بسط قال الله تعالى وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ اى لا تمسكها عن الانفاق غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ دعاء عليهم بالبخل المذموم والمسكة اى أمسكت أيديهم عن الانفاق فى الخير وجعلوا بخلاء واليهود ابخل الناس ولا امة ابخل منهم وَلُعِنُوا اى ابعدوا وطردوا من رحمة الله تعالى بِما قالُوا اى بسبب ما قالوا من الكلمة الشنعاء وهذا الدعاء عليهم تعليم للعباد والا فهو اثر العجز تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ اى ليس شأنه عز وجل كما وصفتموه بل هو موصوف بغاية الجود ونهاية الفضل والإحسان وهذا المعنى انما يستفاد من تثنية اليد فان غاية ما يبذله السخي من ماله ان يعطيه بيديه جميعا ويد الله من المتشابهات وهى صفة من صفات الله تعالى كالسمع والبصر والوجه ويداه فى الحقيقة عبارة عن صفاته الجمالية والجلالية وفى الحديث (كلتا يديه يمين)
أديم زمين سفره عام اوست ... برين خوان يغما چهـ دشمن چهـ دوست
يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ اى هو مختار فى إنفاقه يوسع تارة ويضيق اخرى على حسب مشيئته ومقتضى حكمته وقد اقتضت الحكمة بسبب ما فيهم من شؤم المعاصي ان يضيق عليهم: وفى المثنوى
چونكه بد كردى بترس ايمن مباش ... زانكه تخسمت وبروياند خداش
چند كاهى او بپوشاند كه تا ... آيدت زان بد پشيمان وحيا
بارها پوشد پى اظهار فضل ... باز گيرد از پى اظهار عدل
تا كه اين هر دو صفت ظاهر شود ... آن مبشر گردد اين منذر شود
وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ وهم علماؤهم ورؤساؤهم. قوله كثيرا مفعول أول ليزيدن ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وهو القرآن وما فيه من الاحكام وهو فاعل يزيدن طُغْياناً وَكُفْراً مفعول ثان للزيادة اى ليزيدنهم طغيانا على طغيانهم وكفرا على كفرهم القديمين اما من حيث الشدة والغلو واما من حيث الكم والكثرة إذ كلما نزلت آية كفروا بها فيزداد طغيانهم وكفرهم بحسب المقدار كما ان الطعام الصالح للاصحاء يزيد المرضى مرضا وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ اى بين اليهود فان بعضهم جبرية وبعضهم قدرية وبعضهم مرجئة وبعضهم مشبهة اما الجبرية فهم الذين ينسبون فعل العبد الى الله تعالى ويقولون لا فعل للعبد أصلا ولا اختيار(2/414)
وحركته بمنزلة حركة الجمادات. واما القدرية فهم الذين يزعمون ان كل عبد خالق لفعله ولا يرون الكفر والمعاصي بتقدير الله. واما المرجئة فهم الذين لا يقطعون على اهل الكبائر بشىء من عفو او عقوبة بل يرجعون الحكم فى ذلك اى يؤخرونه الى يوم القيامة واما المشبهة فهم الذين شبهوا الله تعالى بالمخلوقات ومثلوه بالمحدثات الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ اى جعلناهم مختلفين فى دينهم متباغضين كما قال تعالى تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى فلا تكاد تتوافق قلوبهم ولا تتطابق أقوالهم والجملة مبتدأة مسوقة لازاحة ما عسى يتوهم فى ذكر طغيانهم وكفرهم من الاجتماع على امر يؤدى الى الإضرار بالمسلمين. قيل العداوة أخص من البغضاء لان كل عدو مبغض بلا عكس كلى إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ متعلق بألقينا كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ اى كلما أرادوا محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم واثارة شر عليه أَطْفَأَهَا اللَّهُ اى ردهم الله وقهرهم بان أوقع بينهم منازعة كف بها عنه شرهم: وفى المثنوى خطابا من قبل الله تعالى الى حضرة صاحب الرسالة عليه السلام
هر كه در مكر تو دارد دل كرو ... كردنش را من زنم تو شاد شو
بر سر كوريش كوريهانهم ... او شكر پندارد وزهرش دهم
چيست خود آلاجق آن تركمان ... پيش پاى نره پيلان جهان
آن چراغ او به پيش صرصرم ... خود چهـ باشد اى مهين پيغمبرم
وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً اى يجتهدون فى الكيد للاسلام واهله واثارة الشر والفتنة فيما بينهم مما يغاير ما عبر عنه بايقاد نار الحرب. وفسادا اما مفعول له او فى موضع المصدر اى يسعون للفساد او يسعون سعى فساد وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ولذلك اطفأ نائرة افسادهم ولا يجازيهم إلا شرا. واعلم ان الله تعالى مهما وكل الإنسان الى حساسة طبعه وركاكة نظره وعقله فلا يترشح منه الا ما فيه من الأقوال الشنيعة والافعال الرذيلة ولذلك قالت اليهود يد الله مغلولة: ونعم ما قال فى المثنوى
در زمين كر نيشكر ور خودنى است ... ترجمان هر زمين نبت وى است
واهل الحسد يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ولكن لا يزيدهم الحسد الا الطغيان فكما ان مصائب قوم عند قوم فوائد كذلك فوائد قوم عند قوم مصائب. قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره ان جماعة السيد البخاري حسدوا لنا حتى قصدوا القتل بالسلاح واشتغلوا بالأسماء القهرية على حسب طريقهم فلم أقاتل دفعا للفتنة ثم رأيت فى موضع قرب جامع السيد البخاري قد أخذ طريقى ماء عظيم فلم يبق إلا طريق ضيق فلما قربت منه لم يبق اثر من الماء ثم انه مات كثير من تلك الجماعة ولكن لم أباشر انا فى حقهم شيأ قال كيف أميل الى مشيختهم وتصرف ثمانية عشر الف عالم بيدي بقدرة الله تعالى فى الباطن وان كنت عاجزا فى الظاهر- وحكى- ان مولانا جلال الدين اشتغل عند صلاح الدين شركوه بعد المفارقة من شمس الدين التبريزي فلما سمعه بعض اتباع مولانا أرادوا قتله فارسل اليه مولانا ابنه السلطان ولد فقال الشيخ صلاح الدين ان الله تعالى أعطاني قدرة على قلب السماء الى الأرض(2/415)
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)
فلو أردت أهلكتهم بقدرة الله تعالى لكن الاولى ان ندعو لاصلاحهم فدعا الشيخ فامن السلطان ولد فلانت قلوبهم واستغفروا اللهم بحق أصفيائك خلصنا من رذائل الأوصاف وسفساف الأخلاق انك أنت القادر الخلاق وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ اى اليهود والنصارى آمَنُوا بما يجب به الايمان وَاتَّقَوْا من المعاصي مثل الكذب وأكل السحت ونحو ذلك لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ اى لعفونا عنهم وسترنا عليهم ذنوبهم وهو الخلاص من العذاب وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ اى ولجعلناهم خالدين فيها وهو الظفر بالثواب. وفيه تنبيه على ان الإسلام يجب ما قبله وان جل وان الكتابي لا يدخل الجنة ما لم يسلم وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ اى عملوا بما فيهما من التصديق بسيد المرسلين والوفاء لله تعالى بما عاهدوا فيهما واقامة الشيء عبارة عن رعاية حقوقه وأحكامه كاقامة الصلاة وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ من القرآن المجيد المصدق لكتبهم وإيراده بهذا العنوان للتصريح ببطلان ما كانوا يدعون من عدم نزوله الى بنى إسرائيل لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ اى لوسع الله عليهم أرزاقهم بان يفيض عليهم بركات السماء والأرض بانزال المطر وإخراج النبات. وفيه تنبيه على ان ما أصابهم من الضنك والضيق انما هو من شؤم جناياتهم لا لقصور فى فيض الفياض: وفى المثنوى
هين مراقب باش كر دل بايدت ... كز پى هر فعل چيزى زايدت
اين بلا از كودنى آيد ترا ... كه نكردى فهم نكته ورمزها
وكأنه قيل هل كلهم كذلك مصرون على عدم الايمان والتقوى والاقامة فقيل مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ اى طائفة عادلة غير غالية ولا مقصرة كعبد الله بن سلام واضرابه ممن آمن من اليهود وثمانية وأربعين ممن آمن من النصارى. والاقتصاد فى اللغة الاعتدال فى العمل من غير غلو ولا تقصير وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ مقول فى حقهم ساءَ ما كانوا يَعْمَلُونَ وفيه تعجب بحسب المقام اى ما أسوأ عملهم من العناد والمكابرة وتحريف الحق والاعراض عنه. وفى الآية بيان ان التقوى سبب لتوسعة الرزق واستقامة الأمر فى الدنيا والآخرة. قال عبد الله القلانسي ركبت سفينة فى بعض أسفاري فبدت ريح شديدة فاشتغل اهل السفينة بالدعاء والنذر واشاروا الىّ بالنذر ايضا فقلت انى مجرد عن الدنيا فالحوا علىّ فقلت ان خلصنى الله لا آكل لحم الفيل فقالوا من يأكل لحم الفيل حتى تكفه عن نفسك فقلت هكذا خطر ببالي فخلصنى الله بجماعة ورمانا الى ساحل البحر فمضى ايام لم نجد ما نأكل فبينا نحن جياع إذ ظهر جروفيل فقتلوه وأكلوا لحمه ولم آكل رعاية لنذرى وعهدى فالحوا علىّ فقالوا انه مقام الاضطرار فلم اقبل قولهم ثم ناموا فجاءت أم الجرو ورأت عظام ولدها وشمت الجماعة فردا فردا فكل من وجدت رائحته أهلكته ثم جاءتنى فلما لم تجد الرائحة وجهت الىّ ظهرها واشارت الىّ بالركوب فركبت فحملتنى واوصلتنى تلك الليلة الى موضع واشارت الىّ بالنزول فنزلت ولقيت وقت السحر جماعة فاخذونى الى البيت وأضافوني فاخبرتهم قصتى على لسان ترجمان فقالوا من ذلك الموضع الى هنا مسيرة ثمانية ايام وقد قطعتها فى ليلة واحدة فظهر من هذه الحكاية انه برعاية جانب التقوى والوفاء بالعهد يستقيم امر المرء من جهة الدين والدنيا وان شهوة واحدة من(2/416)
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)
شهوات الدنيا لها حزن طويل وكيد عظيم بل هلاك كما وقع لتلك الجماعة التي أكلوا جرو الفيل [وقتى زنبورى موريرا ديد كه بهزار حيله دانه بخانه ميكشد ودران رنج بسيار مى ديد او را گفت اى مور اين چهـ رنجست كه بر خود نهاده بيا كه مطعم ومشرب من ببين كه هر طعامكه لطيف ولذيذ ترست تا از من زياده نيايد بپادشاهان نرسد هرانجا كه خواهم نشينم وآنچهـ خواهم گزينم وخورم ودرين سخن بود كه بر پريد وبدكان قصابى بر مسلوخى نشست قصاب كه كارد در دست داشت بران زنبور مغرور زدد و پاره كرد بر زمين انداخت ومور بيامد و پاى كشان او را مى برد وگفت «رب شهوة ساعة أورثت صاحبها حزنا طويلا» زنبور گفت مرا بجايى مبر كه نخواهم مور گفت هر كه از روى حرص وشهوت جايى نشيند كه خواهد بجايى كشندش كه نخواهد] . واعلم ان قوله تعالى لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ اشارة الى ما يحصل بالوهب الرحمانى وما يحصل بالكسب الإنساني فمن عمل بما علم واجتهد فى طريق الحق كل الاجتهاد ينال مراتب الأذواق والمشاهدات فيحصل له جنتان جنة العمل وجنة الفضل وهذا الرزق المعنوي هو المقبول: وفى المثنوى
اين دهان بستى دهانى باز شد ... كه خورنده لقمهاى راز شد
گر زشير وديو تن را وابرى ... در فطام او بسى نعمت خورى
اللهم أمدنا بفيض فضلك وإحسانك يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ جميع ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ مما يتعلق بمصالح العباد فلا يرد ان بعض الاسرار الإلهية يحرم افشاؤه. قال ابو هريرة حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائين من العلم فاما أحدهما فقد بثثته واما الآخر لو بثثته لقطع هذا الحلقوم والتحقيق ان ما يتعلق بالشريعة عام تبليغه وما يتعلق بالمعرفة والحقيقة خاص ولكل منهما اهل فهو كالامانة عند المبلغ يلزم دفعها الى أربابها وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ اى ان لم تبلغ جميعه خوفا من ان ينالك مكروه فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ لان كتمان بعضها ككتمان الكل والرسالة لا سبيل لها ان يبلغها الا باللسان فلذلك لم يرخص له فى تركها وان خاف فهذا دليل لقولنا فى المكره على الطلاق والعتاق إذا تكلم به وقع لان تعلق ذلك باللسان لا بالقلب والإكراه لا يمنع فعل اللسان فلا يمنع النفاذ كذا فى التيسير وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ أمان من الله تعالى للنبى عليه السلام كيلا يخاف ولا يحذر كما روى فى الخبر ان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لما دخل المدينة قالت اليهود يا محمد انا ذووا عدد وبأس فان لم ترجع قتلناك وان رجعت ذودناك وأكرمناك فكان عليه السلام يحرسه مائة من المهاجرين والأنصار يبيتون عنده ويخرجون معه خوفا من اليهود فلما نزل قوله تعالى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ علم ان الله يحفظه من كيد اليهود وغيرهم فقال للمهاجرين والأنصار (انصرفوا الى رحالكم فان الله قد عصمنى من اليهود) فكان صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يخرج وحده فى أول الليل وعند السحر الى اودية المدينة وحيث ما شاء يعصمه الله مع كثيرة أعدائه وقلة أعوانه وكان الشج والرباعية قبل ذلك او لان المراد العصمة من القتل وقد حفظه من ذلك واما سائر البلايا والمحن فذلك مما كان يجرى على سائر الأنبياء والأولياء. قال الكرماني ما وقع من الابتلاء(2/417)
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70) وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)
والسقم فى الأنبياء عليهم السلام لنيل جزيل الاجر وليعلم انهم بشر تصيبهم محن الدنيا وما يطرأ على الأجسام وانهم مخلوقون فلا يفتتن بما ظهر على أيديهم من المعجزات انتهى إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ تعليل لعصمته عليه السلام اى لا يمكنهم مما يريدون لك من الإضرار. وفيه اشارة الى ان من سنة الله تعالى ان لا يهدى الى حضرته قوما جحدوا نبوة الأنبياء وما قبلوا رسالة الرسل ليبلغوا إليهم من ربهم او أنكروا على الأولياء وما استمسكوا بعروة ولايتهم ليوصلوهم الى الله تعالى سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا وفى الآية ايضا اشارة الى ان من امتثل لامر الخالق يعصمه من مضرة المخلوق كما عصم النبي عليه السلام وابو بكر الصديق رضى الله عنه فى الغار حين الهجرة فاذا عصم الله من امتثل لامره يعصم ايضا من يستشفع برسوله عليه السلام ويهديه الى سواء الصراط- حكى- ان سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم اخطأ الجيش بأرض الروم واسر فانطلق هاربا يلتمس الجيش فاذا بالأسد فقال يا أبا الحارث انا سفينة مولى رسول الله فكان مرادى كيت وكيت فاقبل الأسد يتبصبص حتى قام الى جنبه كما سمع صوتا أهوى اليه فلم يزل كذلك حتى بلغ الجيش ثم رجع الأسد: قال السعدي فى البستان
يكى ديدم از عرصه رودبار ... كه پيش آمدم بر پلنگى سوار
چنان هول از آن حال بر من نشست ... كه ترسيدنم پاى رفتن ببست
تبسم كنان دست بر لب گرفت ... كه سعدى مدار آنچهـ آيد شكفت
تو هم كردن از حكم داور مپيچ ... كه كردن نپيچد زحكم تو هيچ
محالست چون دوست دارد ترا ... كه در دست دشمن گذارد ترا
وعن جابر رضى الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم فى بعض الغزوات فنزل مع قومه فى واد فتفرق الناس يستظلون بالأشجار وينامون واستظل عليه السلام بشجرة معلقا سيفه بغصنها فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فلما حضرنا رأينا أعرابيا فقال عليه السلام (ان هذا اخترط على سيفى وانا نائم فاستيقظت وهو فى يده صلتا فقال من يمنعك منى فقلت الله) يعنى يمنعنى الله منك (فسقط السيف من يده فاخذته فقلت من يمنعك منى فقال كن خير آخذ) قال الراوي قال له النبي عليه السلام أتشهد ان لا اله الا الله وانى رسول الله قال لا ولكن أعاهدك على ان لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخلى عليه السلام سبيله وفى الحديث كمال توكل النبي عليه السلام وتصديق قوله وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ واستحباب مقابلة السيئة بالحسنة كذا فى شرح المشارق لابن الملك رحمه الله تعالى قُلْ يا محمد مخاطبا ليهود والنصارى يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ اى دين يعتد به ويليق بان يسمى شيأ لظهور بطلانه ووضوح فساده حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ ومن اقامتهما الايمان بمحمد والإذعان لحكمه فان الكتب الإلهية بأسرها آمرة بالايمان بما صدقته المعجزة ناطقة بوجوب الطاعة له والمراد اقامة أصولهما وما لم ينسخ من فروعهما وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ اى القرآن المجيد بالايمان به ونسب الانزال إليهم لانهم كانوا يدعون عدم نزوله الى نبى(2/418)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69)
إسرائيل وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ وهم علماؤهم ورؤساؤهم ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ اى القرآن طُغْياناً وَكُفْراً على طغيانهم وكفرهم القديمين وهو مفعول ثان ليزيدن فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ اى فلا تحزن عليهم لزيادة طغيانهم وكفرهم بما تبلغه إليهم فان ضرر ذلك لاحق بهم لا يتخطاهم وفى المؤمنين مندوحة لك عنهم. وفى الآية اشارة الى ان حقيقة الدين انما هى احكام ظاهرة وباطنة والتزين بالأعمال ظاهرا وبالأحوال باطنا وهذا لا يتصور الا بمقدمتين ونتائج اربع فاما المقدمتان فاولاهما الجذبة الإلهية وثانيتهما التربية الشيخية واما النتائج فاولاها الاعراض عن الدنيا وما يتعلق بها كلها وثانيتها التوجه الى الحق بصدق الطلب وهما من نتائج الجذبة ثم تزكية النفس عن الأخلاق الذميمة وتحلية القلب بالأخلاق الإلهية وهما من نتائج التربية الشيخية باستمداد القوة النبوة والقوم الكافرون هم اهل الإنكار يتعلقون بظاهر الدين ولا يعرفون وراءه غاية وليس الأمر كذلك فان لكل ظاهر باطنا: وفى المثنوى
فائده هر ظاهرى خود باطنست ... همچونفع اندر دواها كامنست «1»
هيچ خطاطى نويسد خط بفن ... بهر عين خط نه بهر خواندن «2»
كند بينش مى نبيند غير اين ... عقل او بى سير چون نبت زمين
نبت را چهـ خوانده چهـ ناخوانده ... هست پاى او بكل درمانده
گر سرش جنبد بسير بادرو ... تو بسر جنبانيش غره مشو
آن سرش گويد سمعنا اى صبا ... پاى او گويد عصينا خلنا
والحامل على الإنكار هو الحسد كما كان لطائفة اليهود والنصارى فلا بد من تزكية النفس من مثل هذا القبيح- حكى- ان تلميذا للفضيل بن عياض حضرته الوفاة فدخل عليه الفضيل وجلس عند رأسه وقرأ سورة يس فقال يا أستاذ لا تقرأ هذه ثم سكت ثم لقنه فقال لا اله الا الله فقال لا أقولها لانى بريئ منها ومات على ذلك فدخل الفضيل منزله وجعل يبكى أربعين يوما لم يخرج من البيت ثم رآه فى النوم وهو يسحب الى جهنم فقال بأى شىء نزع الله المعرفة عنك وكنت اعلم تلاميذى فقال بثلاثة. أولها بالنميمة فانى قلت لاصحابى بخلاف ما قلت لك. والثاني بالحسد حسدت أصحابي. والثالث كان لى علة فجئت الى الطبيب وسألته عهنا فقال تشرب فى كل سنة قدحا من الشراب فان لم تفعل بقيت بك العلة فكنت اشربه نعوذ بالله من سخطه الذي لا طاقة لنا به كذا فى منهاج العابدين إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اى بألسنتهم فقط وهم المنافقون وَالَّذِينَ هادُوا اى دخلوا فى اليهودية وَالصَّابِئُونَ اى الذين صبت قلوبهم ومالت الى الجهل وهم صنف من النصارى يقال لهم السائحون يحلقون اوساط رؤسهم وقد سبق فى سورة البقرة وَالنَّصارى جمع نصران وهو معطوف على الذين هادوا. وقوله والصابئون رفع على الابتداء وخبره محذوف والجملة معطوفة على جملة قوله إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا إلخ والتقدير ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كيت وكيت والصابئون كذلك وانما لم يعطف على ما قبله بل جعل مع خبره المحذوف جملة مستقلة اتى بها فى خلال الجملة الاولى
__________
(1) در اواخر دفتر چهارم در بيان در آتش رفتن سنى إلخ.
(2) در اواخر دفتر چهارم در بيان تفسير آيه كريمه «وما خلقنا السموات والأرض» إلخ.(2/419)
على نية التأخير للدلالة على ان الصابئين مع كونهم أشد الفرق المذكورين فى هذه الآية ضلالا إذا قبل توبتهم وغفر ذنوبهم على تقدير الايمان الصحيح والعمل الصالح فقبول توبة باقى الفرق اولى واخرى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ اى من أحدث من هذه الطوائف ايمانا خالصا بالمبدأ والمعاد وَعَمِلَ صالِحاً حسبما يقتضيه الايمان بهما. قوله من فى محل الرفع بالابتداء وخبره فلا خوف إلخ والجملة خبر ان فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ حين يخاف الكفار العقاب وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ حين يحزن المقصرون على تضييع العمر وتفويت الثواب والمراد بيان دوام انتفائهما لا بيان انتفاء دوامهما. قال الحدادي فى تفسيره اما نفى الحزن عن المؤمنين هاهنا فقد ذهب بعض المفسرين الى انه لا يكون عليهم حزن فى الآخرة ولا خوف ونظيره قوله تعالى تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وقال بعضهم ان المؤمنين يخافون ويحزنون لقوله تعالى يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ
وقوله يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وقال صلى الله عليه وسلم (يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة) فقالت عائشة واسوءتاه فقال صلى الله تعالى عليه وسلم (اما سمعت قول الله تعالى لكل امرئ منهم يومئذ شان يغنيه) قالوا وانما نفى الله تعالى فى هذه الآية الحزن عن المؤمنين لان حزنهم لما كان فى معرض الزوال ولم يكن له بقاء معهم لم يعتد بذلك انتهى: وفى المثنوى
هر كه ترسد مرو را ايمن كنند ... مر دل ترسنده را ساكن كنند
لا تخافوا هست نزل خائفان ... هست درخور از براى خائف آن
آنكه خوفش نيست چون گويى مترس ... درس چهـ دهى نيست او محتاج درس
واعلم ان اولياء الله لا خوف عليهم فيما لا يكون على شىء لانهم يقيمون القرآن عملا بالظاهر والباطن ولا هم يحزنون على ما يقاسون من شدائد الرياضات والمجاهدات ومخالفات النفس فى ترك الدنيا وقمع الهوى ولا على ما أصابهم من البلاء والمحن والمصيبات والآفات لانهم تخلصوا من التقليد وفازوا بالتحقيق وارتفع عنهم تعب التكاليف فهم مع الله فى جميع أحوالهم فعلى المؤمن معالجة مرضه القلبي من الأوصاف الرذيلة والتخلص من النفاق واللحاق باهل الاتفاق.
قال ابراهيم الخواص قدس سره دواء القلب خمسة. قراءة القرآن بالتدبر. وخلاء البطن. وقيام الليل والتضرع. الى الله عند السحر. ومجالسة الصالحين. قال حضرة الشيخ الشهير بالهدائي قدس سره ونحن نقول المصلح فى الحقيقة هو الله ولكن أشد الأشياء تأثيرا هو الذكر قال الله تعالى أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ قال على رضى الله عنه [يأتى على الناس زمان لا يبقى من الإسلام الا اسمه ولا من القرآن الا رسمه يعمرون مساجدهم وهى خراب من ذكر الله شر اهل ذلك الزمان علماؤهم منهم تخرج الفتنة وإليهم تعود] : قال السعدي
علم چند انكه بيشتر خوانى ... چون عمل در تو نيست نادانى
نه محقق بود نه دانشمند ... چارپايى برو كتابى چند
آن تهى مغز را چهـ علم وخبر ... كه بروهيز مست ويا دفتر
واعلم ان زبدة العلوم هى العلم بالله وما سواه فمن محسناته ومن علم فهو كامل فى نفسه الا ان العمل(2/420)
لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70) وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71)
هو المقصود ومجرد القراءة لا يغنى شيأ ولا يجلب نفعا فطوبى لمن صاحب رفيق التوفيق لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ اى بالله قد أخذنا عهدهم بالتوحيد وسائر الشرائع والاحكام المكتوبة عليهم فى التوراة وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ذوى عدد كثير واولى شأن خطير ليذكروهم وليبينوا لهم امر دينهم كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ جواب شرط محذوف كأنه قيل فماذا فعلوا بالرسل فقيل كلما جاءهم رسول من أولئك الرسل بما يخالف هواهم من الشرائع ومشاق التكاليف عصوه وعادوه كأنه قيل كيف عصوهم فقيل فَرِيقاً كَذَّبُوا اى فريقا منهم كذبوهم من غير ان يتعرضوا لهم بشىء آخر من المضار وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ اى فريقا آخر منهم لم يكتفوا بتكذيبهم بل قتلوهم ايضا كزكريا ويحيى عليهما السلام وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ اى حسب بنوا إسرائيل وظنوا ان لا يصيبهم من الله تعالى بلاء وعذاب بقتل الأنبياء وتكذيبهم وجه حسبانهم انهم وان اعتقدوا فى أنفسهم انهم مخطئون فى ذلك التكذيب والقتل الا انهم كانوا يقولون نحن ابناؤه واحباؤه وكانوا يعتقدون ان نبوة أسلافهم وآبائهم تدفع عنهم العذاب الذي يستحقونه بسبب ذلك القتل والتكذيب فَعَمُوا عطف على حسبوا والفاء للدلالة على ترتيب ما بعدها على ما قبلها اى آمنوا بأس الله تعالى فتمادوا فى فنون الغى والفساد وعموا عن الدين بعد ما هداهم الرسل الى المعاملة الظاهرة وبينوا لهم مناهجة الواضحة اى عملوا معاملة الأعمى الذي لا يبصر وَصَمُّوا عن استماع الحق الذي القوه عليهم اى عملوا معاملة الأصم الذي لا يسمع ولذلك فعلوا بهم ما فعلوا قال المولى ابو السعود وهذا اشارة الى المرة الاولى من مرتى إفساد بنى إسرائيل حين خالفوا احكام التوراة وركبوا المحارم وقتلوا شعيبا وقيل حبسوا ارمياء عليه السلام ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ حين تابوا ورجعوا عما كانوا عليه من الفساد وبعد ما كانوا ببابل دهرا طويلا تحت قهر بخت نصر أسارى فى غاية الذل والمهانة فوجه الله عز وجل ملكا عظيما من ملوك فارس الى بيت المقدس ليعمره وينجى بقايا بنى إسرائيل من اسر بخت نصر بعد مهلكهم وردهم الى وطنهم وتراجع من تفرق منهم فى الأكناف فعمروه فى ثلاثين سنة فكثروا وكانوا كاحسن ما كانوا عليه ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا وهو اشارة الى المرة الاخرى من مرتى افسادهم وهو اجتراؤهم على قتل زكريا ويحيى وقصدهم قتل عيسى عليهم السلام كَثِيرٌ مِنْهُمْ بدل من الضمير فى الفعلين. قال الحدادي قوله كَثِيرٌ مِنْهُمْ يقتضى فى المرة الثانية انهم لم يكفروا كلهم وانما كفر أكثرهم كما قال تعالى لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ وقال تعالى مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ فيجازيهم وفق أعمالهم ومن اين لهم ذلك الحسبان الباطل ولقد وقع ذلك فى المرة الاولى حيث سلط الله عليهم بخت نصر فاستولى على بيت المقدس فقتل من اهله أربعين الفا ممن يقرأ التوراة وذهب بالبقية الى ارضه فبقوا هناك على أقصى ما يكون من الذل والنكد الى ان أحدثوا توبة صحيحة فردهم الله عز وعلا الى ما حكى عنهم من حسن الحال ثم عادوا الى المرة الاخرى من الإفساد فبعث الله عليهم الفرس فغزاهم ملك بابل من ملوك الطوائف ففعل بهم ما فعل. قيل دخل(2/421)
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)
صاحب الجيش مذبح قرابينهم فوجد فيه دما يغلى فسألهم فقالوا دم قربان لم يقبل منا فقال ما صدقتمونى فقتل عليه الوفا منهم ثم قال ان لم تصدقونى ما تركت منكم أحدا فقالوا انه دم يحيى عليه السلام فقال بمثل هذا ينتقم الله منكم ثم قال يا يحيى قد علم ربى وربك ما أصاب قومك من أجلك فاهدأ بإذن الله تعالى قبل ان لا أبقى أحدا منهم فهدأ. واعلم ان من مقتضى النفس نسيان العهد بينها وبين الله ونسيان نعمه بالكفران وكيف الكفران والإنسان غريق فى بحر كرمه ولطفه فيجب عليه شكر ذلك وإرسال الرسل وتوضيح السبل ونزول المطر وإنبات الأرض وصحة البدن وقوة القلب واندفاع الموانع ومساعدة الأسباب كل ذلك من النعم الجليلة- وحكى- ان دانيال عليه السلام وجد خاتمه فى عهد عمر رضى الله عنه وكان على فصه أسدان وبينهما رجل يلحسانه وذلك ان بخت نصر لما تتبع الصبيان وقتلهم وولد هو ألقته امه فى غيضة رجاء ان ينجو منه فقيض الله سبحانه أسدا يحفظه ولبوة ترضعه وهما يلخسانه فلما كبر صور ذلك فى خاتمه حتى لا ينسى نعمة الله عليه ولا بد فى قطع طريق الآخرة من تحمل المشاق والقيام بالحقوق الواجبة بينه وبين الخلاق. ذكر عن الفضيل انه قال من عزم على طريق الآخرة فليجعل فى نفسه اربعة ألوان من الموت الأبيض والأحمر والأسود والأخضر. فالموت الأبيض الجوع. والأسود ذم الناس. والأحمر مخالفة الشيطان. والأخضر الوقائع بعضها على بعض اى المصائب والأوجاع وإذا كان المرء أعمى وأصم فى هذا الطريق فلا جرم يضل ولا يهتدى: قال فى المثنوى
كور را هر كام باشد ترس چاه ... با هزاران ترس مى آيد براه «1»
مرد بينا ديده عرض راه را ... پس بداند او مغاك و چاه را
ماهيانرا بحر نگذارد برون ... خاكيانرا بحر نگذارد درون «2»
اصل ماهى آب وحيوان از كلست ... حيله وتدبير اينجا باطلست
قفل زفتست وگشاينده خدا ... دست در تسليم زن اندر رضا
والعصيان وان كان سببا للنسيان ورين العمى والصمم الا ان ما قضاه الله وقدره لا يتغير فليبك على نفسه من ضاع عمره فى الهوى وتتبع الشهوات فلم يجد الى طلب الحق سبيلا والى طريق الرشد دليلا اللهم انك أنت الهادي لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ نزلت فى نصارى نجران السيد والعاقب ومن معهما وهم المار يعقوبية قالوا ان الله حل فى ذات عيسى واتحد بذاته تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وَقالَ الْمَسِيحُ اى قالوا ذلك والحال قد قال المسيح مخاطبا لهم يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ فانى عبد مربوب مثلكم فاعبدوا خالقى وخالقكم إِنَّهُ اى الشان مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ اى شيأ فى عبادته او فيما يخص به من الصفات والافعال فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فلن يدخلها ابدا كما لا يصل المحرم عليه الى المحرم فانها دار الموحدين وَمَأْواهُ النَّارُ فانها هى المعدة للمشركين وَما لِلظَّالِمِينَ بالاشراك مِنْ أَنْصارٍ اى من أحد ينصرهم بانقاذهم من النار اما بطريق المغالبة او بطريق الشفاعة وهو من تمام كلام عيسى. ثم حكى ما قاله النسطورية والملكانية من النصارى فقال
__________
(1) در أوائل دفتر سوم در بيان سبب جرأت ساحران فرعون إلخ
(2) در اواخر دفتر سوم در بيان حكايت امير وغلامش إلخ(2/422)
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77)
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ اى أحد ثلاثة آلهة والالهية مشتركة بينهم وهم الله وعيسى ومريم وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ اى والحال ليس فى الوجود ذات واجب مستحق للعبادة من حيث انه مبدأ جميع الموجودات الالهية موصوف بالوحدانية متعال عن قبول الشركة وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ عن مقالتهم الاولى والثانية ولم يوحدوا لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ اى والله ليمسنهم ووضع الموصول موضع الضمير لتكرير الشهادة عليهم بالكفر فمن بيانية حال من الذين عَذابٌ أَلِيمٌ نوع شديد الألم من العذاب يخلص وجعه الى قلوبهم أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ اى أيصرون فلا يتوبون عن تلك العقائد الزائغة والأقاويل الباطلة وهمزة الاستفهام لانكار الواقع واستبعاده لا لانكار الوقوع وفيه تعجيب من إصرارهم وتحضيض على التوبة وَيَسْتَغْفِرُونَهُ بالتوحيد والتنزيه عما نسبوه اليه من الاتحاد والحلول وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ اى والحال انه تعالى مبالغ فى المغفرة يغفر لهم عند استغفارهم ويمنحهم من فضله مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ اى ما هو الا مقصور على الرسالة لا يكاد يتخطاها كالرسل الماضية من قبله خصه الله تعالى بآيات كما خصهم بها فان احيى الموتى على يده فقد احيى العصا وجعلها حية تسعى على يد موسى وهو اعجب وان خلقه من غير اب فقد خلق آدم من غير اب وأم وهو اغرب منه وكل ذلك من جنابه عز وجل وانما موسى وعيسى مظاهر شؤونه وأفعاله وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ اى ما امه ايضا الا كسائر النساء اللاتي يلاز من الصدق اى صدق الأقوال فى المعاملة مع الخلق وصدق الافعال والأحوال فى المعاملة مع الخالق لا يصدر منهن ما يكذب دعوى العبودية والطاعة كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ ويفتقران اليه افتقار الحيوانات فكيف يكون الها من لا يقيمه الا أكل الطعام انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ الباهرة المنادية ببطلان ما تقولوا عليهما نداء يكاد يسمعه صم الجبال ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ اى كيف يصرفون عن استماعها والتأمل فيها. وثم لاظهار ما بين العجبين من التفاوت اى ان بياننا الآيات امر بديع فى بابه واعراضهم عنها مع تعاضد ما يوجب قبولها أبدع قُلْ يا محمد إلزاما لهؤلاء النصارى ومن سلك طريقتهم من اتخاذ غير الله الها أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ اى متجاوزين إياه ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً يعنى عيسى وهو وان ملك ذلك بتمليك الله إياه لكنه لا يملكه من ذاته ولا يملك مثل ما يضر الله به من البلايا والمصائب وما ينفع به من الصحة والسعة وانما قال ما مع ان أصله ان يطلق على غير العاقل نظرا الى ما هو عليه فى ذاته فانه عليه الصلاة والسلام فى أول أحواله لا يوصف بعقل ولا بشىء من الفضائل فكيف يكون الها وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ بالأقوال والعقائد فيجازى عليها ان خيرا فخير وان شرا فشر وهو حال من فاعل تعبدون قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ اى غلوا باطلا فترفعوا عيسى الى ان تدعوا له الالوهية كما ادعته النصارى او تضعوه فتزعموا انه لغير رشدة كما زعمته اليهود وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ يعنى أسلافهم وأئمتهم الذين قد ضلوا قبل مبعث محمد عليه السلام فى شريعتهم وَأَضَلُّوا كَثِيراً اى من تابعهم على بدعهم وضلالهم وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ عن قصد السبيل الذي(2/423)
هو الإسلام بعد مبعثه لما كذبوه وبغوا عليه وحسدوه. قال الشيخ نجم الدين فى تأويلاته ان النصارى لما أرادوا ان يسلكوا طريق الحق بقدم الفعل وينظروا الى احوال الأنبياء بنظر العقل تاهوا فى اودية الشبهات وانقطعوا فى بوادي الهلكات جل جناب القدس عن ادراك عقول الانس هيهات هيهات وهذا حال من يحذو حذوهم ويقفوا اثرهم فاطرت النصارى عيسى عليه السلام إذ نظروا بالعقل فى امره فوجدوه مولودا من أم بلا اب فحكم عقلهم ان لا يكون مولود بلا اب فينبغى ان يكون هو ابن الله واستدلوا على ذلك بانه يخلق من الطين كهيئة الطير ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى ويخبر عما يأكلون فى بيوتهم وما يدخرون وهذا من صفات الله تعالى ولو لم يكن المسيح ابن الله لما امكنه هذا وانما
امكنه لان الولد سرابيه وقال بعضهم ان المسيح لما استكمل تزكية النفس عن صفات الناسوتية حل لاهوتية الحق فى مكان ناسوتيته فصار هو الله تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. ثم اعلم ان امة محمد لما سلكوا طريق الحق باقدام جذبات الالوهية على وفق المتابعة الحبيبية أسقط عنهم كلفة الاستدلال ببراهين الوصول والوصال كما كان حال الشبلي حين غسل كتبه بالماء وكان يقول نعم الدليل أنتم ولكن اشتغالي بالدليل بعد الوصول الى المدلول محال: وفى المثنوى
چون شدى بر بامهاى آسمان ... سرد باشد جست وجوى نردبان
آينه روشن كه شد صاف وجلى ... جهل باشد بر نهادن صيقلى
پيش سلطان خوش نشسته در قبول ... جهل باشد جستن نامه ورسول
فهؤلاء القوم بعد ما وصلوا الى سرادقات حضرة الجلال شاهدوا بانوار صفات الجمال ان الإنسان هو الذي حمل امانة الحق من بين سائر المخلوقات وهى نور فيض الالوهية بواسطة الأنبياء فهم مخصوصون بأحسن التقويم فى قبول هذا الكمال فتحقق لهم ان عيسى عليه السلام صار قابلا بعد التزكية للتخلية بفيض الخالقية والمحبية كان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذن الله لا باذنه اعنى كان صورة الفعل منه ومنشأ صفة الخالقية حضرة الالوهية وهذا كما ان لكرة البلور المخروط استعدادا فى قبول فيض الشمس إذا كانت فى محاذاتها فتقبل الفيض وتحرق المحلوج المحاذي لها بذلك الفيض فمصدر الفعل المحرق من الكرة ظاهرا ومنشأ الصفة المحرقية حضرة الشمس حقيقة فصار للكرة بحسن الاستعداد قابلية لفيض الشمس وظهر منها صفات الشمس وما جلت الشمس فى كرة البلور تفهم ان شاء الله وتغتنم فكذلك حال الأنبياء فى المعجزات وكبار الأولياء فى الكرامات والفرق ان الأنبياء مستقلون بهذا المقام والأولياء متبعون. قال الامام الغزالي فى قول ابى يزيد انسلخت من نفسى كما تنسلخ الحية من جلدها فنظرت فاذا انا هو إذ من انسلخ من شهوات نفسه وهواها وهمها لا يبقى فيه متسع لغير الله ولا يكون له هم سوى الله وإذا لم يحل فى القلب الا جلال الله وجماله صار مستغرقا كأنه هو لا انه هو تحقيقا. وقوله ايضا سبحانى ما أعظم شأنى يحمل على انه قد شاهد كمال حظه من صفة القدس فقال سبحانى ورأى عظيم شأنه بالاضافة الى شأن عموم الخلق فقال ما أعظم شأنى وهو مع ذلك يعلم قدسه وعظم شأنه بالاضافة(2/424)
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82)
الى الخلق ولا نسبة له الى قدس الرب وعظم شأنه وقول من قال من الصوفية انا الحق فوارد على سبيل التجوز ايضا كما يقول الشاعر انا من أهوى ومن أهوى انا وذلك متأول عند الشاعر فانه لا يعنى به انه هو تحقيقا بل كأنه هو فانه مستغرق بالهم به كما يكون مستغرق الهم بنفسه فيعتبر هذه الحالة بالاتحاد على سبيل التجوز. قال الشيخ ابو القاسم الجرجاني ان الأسماء التسعة والتسعين تصير اوصافا للعبد السالك وهو بعد فى السلوك غير واصل. فان قلت ما معنى الوصول.
قلت معنى السلوك هو تهذيب الأخلاق والأعمال والمعارف وذلك اشتغال بعمارة الظاهر والباطن والعبد فى جميع ذلك مشغول بنفسه عن ربه الا انه مشتغل بتصفية باطنه ليستعد للوصول وانما الوصول هو ان ينكشف له جلية الحق ويصير مستغرقا به فان نظر الى معرفته فلا يعرف الا الله وان نظر الى همته فلا همة له سواه فيكون كله مشغولا لا بكله مشاهدة وهما لا يلتفت فى ذلك الى نفسه ليعمر ظاهره بالعبادة وباطنه بتهذيب الأخلاق وكل ذلك طهارة وهى البداءة واما النهاية فان ينسلخ عن نفسه بالكلية ويتجرد له فيكون كأنه هو وذلك هو الوصول: وفى المثنوى
كاركاه كنج حق در نيستيست ... غره هستى چهـ دانى نيست چيست «1»
آب كوزه چون در آب جو شود ... محو كردد دروى وجو او شود «2»
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا حال كونهم مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ اى طردوا وابعدوا من رحمة الله تعالى عَلى لِسانِ داوُدَ متعلق يلعن يعنى اهل ايلة لما اعتدوا فى السبت قال داود عليه الصلاة والسلام اللهم العنهم واجعلهم آية ومثلا لخلقك فمسخوا قردة وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ اى على لسان عيسى ابن مريم يعنى كفار اصحاب المائدة لما أكلوا من المائدة ولم يؤمنوا قال عيسى اللهم العنهم كما لعنت اصحاب السبت واجعلهم آية فمسخوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل ما فيهم امرأة ولا صبى كأنه قيل بأى سبب وقع ذلك فقيل ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ اى ذلك اللعن الشنيع المقتضى للمسح بسبب عصيانهم واعتدائهم ما حرم عليهم كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ استئناف اى لا ينهى بعضهم بعضا عن قبيح يعملونه واصطلحوا على الكف عن نهى المنكر لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ تعجيب من سوء فعلهم مؤكدا بالقسم تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ اى من اهل الكتاب ككعب بن الأشرف واضرابه حيث خرجوا الى مشركى مكة ليتفقوا على محاربة النبي عليه السلام والرؤية بصرية يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا حال من كثيرا لكونه موصوفا اى يوالون المشركين بعضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ اى لبئس شيأ قدموا ليردوا عليه يوم القيامة أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ هو المخصوص بالذم بتقدير المضاف اى موجب سخط الله والخلود فى العذاب لان نفس السخط المضاف الى الباري تعالى لا يقال له انه المخصوص بالذم انما المخصوص بالذم هو الأسباب الموجبة له وَلَوْ كانُوا اى الذين يتولون المشركين من اهل الكتاب يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ اى نبيهم وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ اى الى ذلك النبي من التوراة والإنجيل مَا اتَّخَذُوهُمْ اى المشركين أَوْلِياءَ
__________
(1) در اواخر دفتر سوم در بيان تفسير خير لا تفضلونى على يونس بن متى إلخ
(2) در اواخر دفتر سوم در بيان جواب كفتن عاشق عاذلانرا وتهديد كنند كانرا(2/425)
لان تحريم ذلك مصرح فى شريعة ذلك النبي وفى الكتاب المنزل اليه فالايمان يمنع من التولي قطعا وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ خارجون عن الدين والايمان بالله ونبيهم وكتابهم وفى الآيات امور الاول ان الإنسان الكامل الذي يصلح لخلافة الحق هو مظهر صفات لطف الحق وقهره فقبولهم قبول الحق وردهم رد الحق ولعنهم لعن الحق وصلاتهم صلاة الحق فمن لعنوه فقد لعنه الحق ومن صلوا عليه فقد صلى الحق عليه لقوله تعالى لنبيه عليه السلام إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وقال هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ فمظهر اللعن كان لسان داود وعيسى وكانت اللعنة من الله حقيقة لقوله كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وهم الذين لعنهم داود وصرح هاهنا ان اللعن كان منه تعالى وان كان على لسان داود عليه السلام: فى المثنوى
اين نكردى تو كه من كردم يقين ... اى صفاتت در صفات مادفين «1»
ما رميت إذ رميت كشته ... خويشتن در موج چون كف هشته
وفى محل آخر
كه ترا از تو بكل خالى كند ... تو شوى پست او سخن عالى كند «2»
كر چهـ قرآن از لب پيغمبر است ... هر كه كويد حق نكفت او كافرست
والثاني ان الله تعالى سمى العصيان منكرا لانه يوجب النكرة كما سمى الطاعة معروفا لانها توجب المعرفة والاقدام على الفعل المنكر معصية والإصرار على المعصية كالكفر فى كونه سببا للرين المحيط بجوانب القلب ومن ذلك ترك النهى عن المنكر وفى الحديث (يحشر يوم القيامة أناس من أمتي من قبورهم الى الله تعالى على صورة القردة والخنازير بما داهنوا اهل المعاصي وكفوا عن نهيهم وهم يستطيعون) فالمداهنة من اعمال الكفار والدعوة الى الله من اخلاق الأخيار: وفى المثنوى
هر كسى كو از صف دين سركش است ... ميرود سوى صفى كان واپس است «3»
توز كتار تعالوا كم مكن ... كيمياى پس شكرفست آن سخن
گر مسى گردد ز گفتارت نفير ... كيميا را هيچ از وى وا مكير
اين زمان گر بست نفس ساحرش ... كفت تو سودش دهد در آخرش
قل تعالوا قل تعالوا اى غلام ... هين كه ان الله يدعو بالسلام
والثالث ان المؤمن والكافر ليسا من جنس واحد وتولى الكافر موجب لسخط الله لان موالاة الأعداء توجب معاداة الأولياء فينبغى للمؤمن الكامل ان ينقطع عن صحبة الكفار والفجار واهل البدع والأهواء وارباب الغفلة والإنكار: وفى المثنوى
ميل مجنون پيش آن ليلى روان ... ميل ناقه پس پى طفلش دوان «4»
كفت اى ناقه چوهر دو عاشقيم ... ما دو ضد پس همره نالايقيم
نيستت بر وفق من مهر ومهار ... كرد بايد از تو صحبت اختيار
جان ز هجر عرش اندر فاقه ... تن ز عشق خار بن چون ناقه
جان كشايد سوى بالا بالها ... در زده تن در زمين چنكالها
اللهم خلصنا من خلاف الجنس مطلقا لَتَجِدَنَّ يا محمد أَشَدَّ النَّاسِ مفعول أول
__________
(1) در اواخر دفتر يكم چهارم در بيان خشم كردن پادشاه برنديم إلخ
(2) در اواخر دفتر چهارم در بيان قصه سبحانى ما أعظم شانى إلخ
(3) در اواسط دفتر چهارم در بيان امير كردن رسول عليه السلام جوان هذيلى را إلخ
(4) در اواسط دفتر چهارم در بيان چاش عقل با نفسى همچون تنازع مجنون باناقه إلخ [.....](2/426)
للوجدان عَداوَةً تمييز لِلَّذِينَ آمَنُوا متعلق بعداوة الْيَهُودَ مفعول ثان للوجدان وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا يعنى مشركى العرب معطوف على اليهود وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى إعرابه كاعراب ما سبق. اما عداوة اليهود والمشركين المنكرين للمعاد فلشدة حرصهم الذي هو معدن الأخلاق الذميمة فان من كان حريصا على الدنيا طرح دينه فى طلب الدنيا واقدم على كل محظور ومنكر فلا جرم تشتد عداوته مع كل من نال جاها او مالا. واما مودة النصارى فلانهم فى اكثر الأمر معرضون عن الدنيا مقبلون على العبادة وترك طلب الرياسة والتكبير والترفع وكل من كان كذلك فانه لا يحسد الناس ولا يؤذيهم بل يكون لين العريكة فى طلب الحق سهل الانقياد له انظر الى كفر النصارى مع كونه اغلظ من كفر اليهود لان كفر النصارى فى الألوهية وكفر اليهود فى النبوة واما قوله تعالى وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ فانما قاله طائفة منهم ومع ذلك خص اليهود بمزيد اللعنة دونهم وما ذاك الا بسبب حرصهم على الدنيا ويؤيده قوله عليه السلام (حب الدنيا رأس كل خطيئة) قال البغوي لم يرد به جميع النصارى لانهم فى عداوتهم للمسلمين كاليهود فى قتلهم المسلمين واسرهم وتخريب بلادهم وهدم مساجدهم وإحراق مصاحفهم لا مودة ولا كرامة لهم بل الآية نزلت فيمن اسلم منهم مثل النجاشي وأصحابه وكان النجاشي ملك الحبشة نصرانيا قبل ظهور الإسلام ثم اسلم هو وأصحابه قبل الفتح ومات قبله ايضا وقال اهل التفسير ائتمرت قريش ان يفتنوا المؤمنين عن دينهم فوثب كل قبيلة على من فيها المسلمين يؤذونهم ويعذبونهم فافتتن من افتتن وعصم الله منهم من شاء ومنع الله رسوله بعمه ابى طالب فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حل بأصحابه ولم يقدر على منعهم ولم يؤمر بعد بالجهاد أمرهم بالخروج الى ارض الحبشة وقال (ان بها ملكا صالحا لا يظلم ولا يظلم عنده أحد فاخرجوا اليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجا) وأراد به النجاشي واسمه اصحمة بالمهملتين وهو بالحبشية عطية وانما النجاشي اسم الملك كقولهم قيصر لملك الروم وكسرى لملك الفرس فخرج إليها سرا أحد عشر رجلا واربع نسوة منهم عثمان ابن عفان وامرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجوا الى البحر وأخذوا سفينة الى ارض الحبشة بنصف دينار وذلك فى رجب فى السنة الخامسة من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه هى الهجرة الاولى ثم خرج جعفر بن ابى طالب وتتابع المسلمون إليها فكان جميع من هاجر الى الحبشة من المسلمين اثنين وثمانين رجلا سوى النساء والصبيان
سعديا حب وطن گرچهـ حديثست صحيح ... نتوان مرد بسختى كه من اينجا زادم
فلما علمت قريش بذلك وجهوا عمر بن العاص وصاحبه بالهدايا الى النجاشي وبطارقته ليردوهم إليهم فعصمهم الله فلما انصرفا خائبين واقام المسلمون هناك بخير دار وحسن جوار الى ان هاجر رسول الله وعلا امره وذلك فى سنة ست من الهجرة كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى النجاشي على يد عمرو بن امية الضمري ليزوجه أم حبيبة بنت ابى سفيان وكانت قد هاجرت اليه مع زوجها فمات زوجها فارسل النجاشي الى أم حبيبة جارية يقال(2/427)
لها نزهة تخبرها بخطية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها فاعطتها اوضاحا لها سرورا بذلك وأمرها ان توكل من يزوجها فوكلت خالدين سعيد بن العاص فانكحها على صداق اربعمائة دينار وكان الخاطب لرسول الله النجاشي فانفذ إليها على يد نزهة اربعمائة دينار فلما جاءتها بها أعطتها خمسين دينارا فردتها وقالت أمرني الملك ان لا آخذ منك شيأ وقالت انا صاحبة دهن الملك وثيابه وقد صدقت محمدا صلى الله عليه وسلم وآمنت به فحاجتى منك ان تقرئيه منى السلام قالت نعم ثم امر الملك نساءه ان يبعثن الى أم حبيبة بما عند هن من عود وعنبر وكان عليه السلام يراه عليها وعندها فلا ينكر قالت أم حبيبة فخرجنا فى سفينتين وبعث معنا النجاشي الملاحين فلما خرجنا من البحر ركبنا الظهر الى المدينة ورسول الله عليه السلام بخيبر فخرج من خرج اليه وأقمت بالمدينة حتى قدم النبي عليه السلام فدخلت عليه فكان يسألنى عن النجاشي فقرأت عليه من نزهة السلام فرد عليها السلام فانزل الله
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ يعنى أبا سفيان مَوَدَّةً يعنى تزويج أم حبيبة ولما جاء أبا سفيان تزويج أم حبيبة برسول الله عليه الصلاة والسلام قال ذاك الفحل لا يقرع انفه ثم قال عليه السلام (لا أدرى انا بفتح خيبر اسرّ أم بقدوم جعفر) وبعث النجاشي بعد قدوم جعفر الى رسول الله ابنه أزهر بن اصحمة بن الحر فى ستين رجلا من الحبشة وكتب اليه يا رسول الله اشهد انك رسول الله صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت لله رب العالمين وقد بعثت ابني أزهر وان شئت ان آتيك بنفسي فعلت والسلام عليك يا رسول الله فركبوا سفينة فى اثر جعفر وأصحابه فلما بلغوا اواسط البحر غرقوا وكان جعفر يوم وصل المدينة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل فى سبعين رجلا عليهم ثياب الصوف منهم اثنان وستون من الحبشة وثمانية من اهل الشام منهم بحيرا الراهب فقرأ عليهم رسول الله سورة يس الى آخرها فبكوا حين سمعوا القرآن فآمنوا وقالوا ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى عليه السلام فانزل الله تعالى هذه الآية وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى يعنى وفد النجاشي الذين قدموا مع جعفر وهم السبعون وكانوا اصحاب الصوامع ذلِكَ اى كونهم اقرب مودة للمؤمنين بِأَنَّ مِنْهُمْ اى بسبب ان منهم قِسِّيسِينَ وهم علماء النصارى وعبادهم ورؤساؤهم. والقسيس صيغة مبالغة من تقسس الشيء إذا تتبعه وطلبه بالليل سموا به لمبالغتهم فى تتبع العلم قاله الراغب. وقال قطرب القسيس العالم بلغة الروم. وعن عروة بن الزبير انه قال ضيعت النصارى الإنجيل وادخلوا فيه ما ليس منه وبقي واحد من علمائهم على الحق والدين وكان اسمه قسيسا فمن كان على مذهبه ودينه فهو قسيس وَرُهْباناً هو جمع راهب كراكب وركبان وقيل انه يطلق على الواحد وعلى الجمع. والترهب التعبد مع الرهبة فى صومعة والتنكير لافادة الكثرة ولا بد من اعتبارها فى القسيسين ايضا إذ هى التي تدل على مودة جنس النصارى للمؤمنين فان اتصاف افراد كثيرة بجنس الخصلة مظنة لا تصاف الجنس بها والا فمن اليهود ايضا قوم مهتدون ألا يرى الى عبد الله بن سلام واضرابه قال تعالى مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ إلخ لكنهم لما لم يكونوا فى الكثرة كالذين من النصارى لم يتعد حكمهم الى جنس اليهود وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ عطف على ان منهم اى وبانهم لا يستكبرون(2/428)
وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (86) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)
عن قبول الحق إذا فهموه ويتواضعون ولا يتكبرون كاليهود. وفيه دليل على ان التواضع والإقبال على العلم والعمل والاعراض عن الشهوات محمود وان كانت فى كافر أقول ذكر عند حضرة شيخى العلامة أبقاه الله بالسلامة رجولية بعض اهل الذمم ومروته فقال انه من آثار السعادة الازلية ويرجى ان ذلك يدعوه الى الايمان والتوحيد ويصير عاقبته الى الفلاح: قال الحافظ
كارى كنيم ور نه خجالت بر آورد ... روزى كه رخت جان بجهان دگر كشيم
- تم الجزء السادس- الجزء السابع من الاجزاء الثلاثين وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ عطف على لا يستكبرون اى ذلك بسبب انهم لا يستكبرون وان أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا عند سماع القرآن وهو بيان لرقة قلوبهم وشدة خشيتهم ومسارعتهم الى قبول الحق وعدم تأنفهم عنه تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ اى تملأ بالدمع فاستعير له الفيض الذي هو الأنصاب من الامتلاء مبالغة ومن الدمع متعلق بتفيض ومن لابتداء الغاية والمعنى تفيض من كثرة الدمع والرؤية بصرية وتفيض حال من المفعول مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ من الاولى لابتداء الغاية متعلق بمحذوف على انها حال من الدمع والثانية لبيان الموصول فى قوله ما عرفوا اى حال كونه ناشئا ومبتدأ من معرفة الحق حاصلا من اجله وبسببه كأنه قيل ماذا يقولون عند سماع القرآن فقيل يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا بهذا القرآن فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ اى اجعلنا فى جملة الذين شهدوا بانه حق وَما لَنا اى أي شىء حصل لنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ حال من الضمير فى لنا اى غير مؤمنين على توجيه الإنكار والنفي الى السبب والمسبب جميعا وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ عطف على الجلالة اى بالله وما جاءنا من الحق حال من فاعل جاءنا اى جاءنا فى حال كونه من جنس الحق او من لابتداء الغاية متعلقة بجاءنا ويكون المراد بالحق الباري تعالى وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ حال اخرى من الضمير المذكور بتقدير مبتدأ اى أي شىء حصل لنا غير مؤمنين ونحن نطمع فى صحبة الصالحين وانما قدر المبتدأ ليكون الحال هو الجملة الاسمية لان المضارع المثبت لا يقع حالا بالواو الا بتأويل تقدير المبتدأ فَأَثابَهُمُ اللَّهُ اى أعطاهم وجازاهم بِما قالُوا اى عن اعتقادهم بدليل قوله مما عرفوا من الحق جَنَّاتٍ اى بساتين تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ اى تجرى من تحت أشجارها ومساكنها وغرفها انهار الماء والعسل والخمر واللبن خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الثواب جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ اى الذين أحسنوا النظر والعمل او الذين اعتادوا الإحسان فى الأمور وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فماتوا على ذلك عطف التكذيب بآيات الله على الكفر مع انه ضرب منه لما ان القصد الى بيان حال المكذبين أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ(2/429)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87)
اهل النار الشديدة الوقود وهم الذين استتروا بحجب أوصاف البهيمية والسبعية والشيطانية فاصمهم الله وأعمى أبصارهم سمعوا ولم يستمعوا وشاهدوا ولم يبصروا بخلاف من قال لهم الله ألست بربكم فاسمعهم كلامه ووفقهم للجواب حتى شهدوا ربوبيته فقالوا بلى شهدنا فكذلك هاهنا أسمعهم كلامه وعرفهم حقيقة كلامه فاشتاقوا اليه وتذكر قلوبهم ما شاهدوا عند الميثاق من تلك المشاهدة فبكوا بكاء الشوق وبكاء المعرفة: وفى المثنوى
خوى بد در ذات تو أصلي نبود ... كز بد أصلي مى نيابد جز جحود
آن بدى عاريتى باشد كه او ... أرد اقرار وشود او توبه جو
همچوآدم ذلتش عاريه بود ... لا جرم اندر زمان توبه نمود
چونكه أصلي بود جرم آن بليس ... ره نبودش جانب توبه نفيس
- حكى- ان سلطانا زار قبر ابى يزيد قدس سره فسأل عن حاله من بعض اصحاب ابى يزيد فقال من رآه لم يدخل النار فقال السلطان ان أبا جهل رأى النبي عليه السلام ومع ذلك يدخل النار وليس شيخك فوق النبي عليه السلام فقال ايها السلطان ان أبا جهل لم ير النبي صلى الله عليه وسلم بل رأى يتيم ابى طالب فلو رأى انه رسول الله لآمن به وخلص من النار وبنور العرفان آمنت بلقيس فانها لما رأت كتاب سليمان شاورت قومها فقالوا نقاتله فقالت انه يدعى النبوة والأنبياء عباد الله المكرمون لا يقاتلهم أحد فبعد الامتحان آمنت به: قال المولوى قدس سره
چون سليمان سوى مرغان سبا ... يك صفيرى كرد بست آن جمله را
جز مكر مرغى كه بد بي جان و پر ... يا چوماهى گنگ بود از اصل كر
نى غلط گفتم كه گر كرسر نهد ... پيش وحي كبريا شمعش دهد
چونكه بلقيس از دل وجان عزم كرد ... بر زمان رفته هم أفسوس خورد
ترك مال وملك كرد او آنچنان ... كه بترك نام وننگ آن عاشقان
آن غلامان وآن كنيزان بناز ... پيش چشمش همچو پوسيده پياز
باغها وقصرها وآب رود ... پيش چشم از عشق او گلخن نمود
عشق در هنگام استيلا وخشم ... زشت كرداند لطيفانرا بچشم
هر زمرد را نمايد كندنا ... غيرت عشق اين بود معنىء لا
لا اله الا هو اينست اى پناه ... كه نمايد دمه تر او يك سياه
واعلم انه فى العالم العلمي وفق من وفق فجرى على ذلك التوفيق فى هذا العالم العيني الشهادى ثم لا يزال على ذلك فى جانب الابد حتى يدخل الجنة الصورية الحسية مع اذواق الروحانية المعنوية خالدا فيها فهذا هو ثمرة ذلك البذر ومحصول ذلك الزرع والحرث كما قال الله تعالى فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا إلخ فعلى المؤمن ان يجتهد فى تحصيل اليقين ويدخل الجنة العاجلة التي هى المعرفة الالهية كما قال مما عرفوا من الحق ويتخلص من نار البعد والفراق كما قال أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ اى لا تمنعوا ما طاب ولذمنه أنفسكم كمنع التحريم وَلا تَعْتَدُوا اى لا تتجاوزوا حدود ما أحل لكم(2/430)
وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)
الى ما حرم عليكم فان محرم ما أحل الله يحل ما حرم الله او ولا تسرفوا فى تناول الطيبات فان الإسراف تجاوز الى الحرام كتناول المحرمات إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ اى لا يرضى عمل المعتدين على أنفسهم المتجاوزين حدود الله وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً اى ما أحل لكم وطاب مما رزقكم الله فحلالا مفعول كلوا ومما رزقكم الله حال منه تقدمت عليه لكونه نكرة. قال عبد الله بن المبارك الحلال ما أخذته من وجهه والطيب ما غذى ونمى فاما الجوامد كالطين والتراب وما لا يغذى فمكروه الا على وجه التداوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ تأكيد للوصية بما امر به فان قوله كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا وان كان المراد به هاهنا الإباحة والتحليل الا انه انما أباح أكل الحلال فيفيد تحريم ضده فأكد التحريم المستفاد منه بقوله وَاتَّقُوا اللَّهَ وزاده تأكيدا بقوله الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ فان الايمان يوجب التقوى بالانتهاء عما نهى عنه وعدم التجاوز عما حد له. قال الامام قوله تعالى كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ يدل على انه تعالى قد تكفل برزق كل أحد فانه لو لم يتكفل برزقه لما قال كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وإذا تكفل برزقه وجب ان لا يبالغ فى الطلب وان يعول على وعده وإحسانه فانه أكرم من ان يخلف الوعد ولذلك قال عليه السلام (فاتقوا الله واجملوا فى الطلب) : قال الحافظ
ما آبروى فقر وقناعت نمى بريم ... با پادشه بگوى كه روزى مقدرست
: وقال الصائب
رزق اگر بر آدمي عاشق نمى باشد چرا ... از زمين گندم گريبان چاك مى آيد چرا
قال اهل التفسير ذكر النبي عليه السلام يوما النار ووصف القيامة وبالغ فى الانذار فرق له الناس وبكوا فاجتمع عشرة من الصحابة فى بيت عثمان بن مظعون الجمحي وتشاورا واتفقوا على ان يترهبوا ويلبسوا المسوح ويجبوا مذاكيرهم ويصوموا الدهر ويقوموا الليل ولا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللحم والودك ولا يقربوا النساء والطيب ويسيحوا فى الأرض فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتى دار عثمان بن مظعون فلم يصادفه فقال لامرأته أم حكيم بنت امية واسمها خولة وكانت عطارة (أحق ما بلغني عن زوجك وأصحابه فكرهت ان تكذب على رسول الله وكرهت ان تبدى خبر زوجها) فقالت يا رسول ان كان قد أخبرك عثمان فقد صدق فرجع رسول الله فلما جاء عثمان أخبرته زوجته بذلك فمضى الى رسول الله فسأله النبي عليه السلام عن ذلك فقال نعم فقال عليه السلام (أمانى لم آمر بذلك ان لا نفسكم عليكم حقا فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا فانى أقوم أنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم والدسم وآتى النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى) ثم جمع الناس وخطبهم وقال (ما بال قوم حرموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا اما انى لا آمركم ان تكونوا قسيسين ولا رهبانا فانه ليس من دينى ترك اللحم والنساء ولا اتخذ الصوامع وان سياحة أمتي الصوم ورهبانيتهم الاجتهاد فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيأ وحجوا واعتمروا واقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان واستقيموا يستقم لكم فانما هلك من هلك قبلكم بالتشديد شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فاولئك بقاياهم فى الديارات والصوامع) فانزل(2/431)
الله هذه الآية- وروى- ان عثمان بن مظعون جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان نفسى تحدثنى بان اختصى فائذن لى فى الاختصاء قال (مهلا يا عثمان فان اختصاء أمتي الصيام) : وفى المثنوى
هين مكن خود را خصى رهبان مشو ... زانكه عفت هست شهوت را گرو
بي هوا نهى از هوا ممكن نبود ... غازىء بر مردگان نتوان نمود
پس كلو از بهر دام شهوتست ... بعد از آن لا تسرفوا آن عفتست
چونكه رنج صبر نبود مر ترا ... شرط نبود پس فرو نايد چرا
حبذا آن شرط وشادا آن جزا ... آن جزاى دلنواز جان فزا
قال يا رسول الله ان نفسى تحدثنى بان أترهب فى رؤوس الجبال قال (مهلا يا عثمان فان ترهب أمتي الجلوس فى المساجد لانتظار الصلاة) قال يا رسول الله ان نفسى تحدثنى ان اخرج من مالى كله قال (مهلا يا عثمان فان صدقتكم يوما بيوم وتعف نفسك وعيالك وترحم المساكين واليتيم فتعطيها أفضل من ذلك) قال يا رسول الله ان نفسى تحدثنى ان اطلق امرأتى خولة قال (مهلا يا عثمان فان الهجرة فى أمتي من هجر ما حرم الله عليه او هاجر الى فى حياتى او زار قبرى بعد وفاتي او مات وله امرأة او امرأتان او ثلاث او اربع) قال يا رسول الله فان نهيتنى ان لا أطلقها فان نفسى تحدثنى ان لا اغشاها قال (مهلا يا عثمان فان المسلم إذا غشى امرأته او ما ملكت يمينه فلم يكن له من وقعته تلك ولد كان له وصيف فى الجنة وان كان له من وقعته تلك ولد فمات قبله كان له فرطا وشفيعا يوم القيامة وان مات بعده كان له نورا يوم القيامة) قال يا رسول الله ان نفسى تحدثنى ان لا آكل اللحم قال (مهلا يا عثمان فانى أحب اللحم وأكله إذا وجدته ولو سألت ربى ان يطعمنيه فى كل يوم لا طعمنيه) قال يا رسول الله فان نفسى تحدثنى ان لا أمس الطيب قال (مهلا يا عثمان فان جبرائيل عليه السلام أمرني بالطيب غبا وقال يوم الجمعة لا مترك له يا عثمان لا ترغب عن سنتى فمن رغب عن سنتى ثم مات قبل ان يتوب صرفت الملائكة وجهه عن حوضى يوم القيامة) وعن ابى موسى الأشعري قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل لحم الدجاج ورأيته يأكل الرطب والبطيخ. وعن عائشة رضى الله عنها ان النبي عليه السلام كان يأكل الدجاج والفالوذج وكان يعجبه الحلواء والعسل وقال (ان المؤمن حلو يحب الحلاوة) قال (ان فى بطن المؤمن زاوية لا يملأها الا الحلو) وجاء رجل الى الحسن فقال له ان لى جارا لا يأكل الفالوذج قال ولم قال لئلا يؤدى شكره قال أفيشرب الماء البارد قال نعم قال ان جارك هذا جاهل ان نعمة الله عليه فى الماء البارد اكثر من نعمته فى الفالوذج. وسئل فضيل عن ترك الطيبات من الحوارى واللحم والخبيص للزهد وقال لمن قال لا آكل الخبيص ليتك تأكل وتتقى ان الله لا يكره ان تأكل الحلال الصرف كيف برك لوالديك وصلتك للرحم كيف عطفك على الجار كيف رحمتك للمسلمين كيف كظمك للغيظ كيف عفوك عمن ظلمك كيف إحسانك الى من أساء إليك كيف صبرك واحتمالك للاذى أنت الى احكام هذا أحوج منك الى ترك الخبيص. والحاصل ان الافراط(2/432)
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)
فى الرهبانية والاحتراز التام عن الذات والطيبات مما يوقع الضعف فى الأعضاء الرئيسة التي هى القلب والدماغ وإذا وقع الضعف فيها اختلت الفكرة وباختلالها تفوت عنها الكمالات المتعلقة بالقوة النظرية رأسا وينتقص كمالاتها المتعلقة بالقوة العملية فان تمامها وكمالها يبنى على كمال القوة النظرية. وايضا الرهبانية التامة توجب خرابية الدنيا وانقطاع الحرث والنسل فلما كانت عمارة الدنيا والآخرة منوطة بترك تلك الرهبانية والمواظبة على المعرفة والمحبة والطاعة اقتضت الحكمة ان لا يحرم الإنسان ما طاب ولذ مما أحل الله كما نطقت الآية به. ولكن اشارة الآية ايضا الى الاعتدال كما قال وَلا تَعْتَدُوا فالاعتدال فى التناول وكذا فى الرياضة ممدوح جدا ولذا ترى المرشد الكامل يأمر فى ابتداء امره بترك اللحم والدسم والجماع وغيرها ولكن على الاعتدال بحسب مزاجه فان للرياضات تأثيرا عظيما فى إصلاح الطبيعة وهو امر مهم فى باب السلوك جدا فلا متمسك لارباب الظاهر فى ترك الرياضة مطلقا وقد أشار النبي عليه الصلاة والسلام فى وصاياه لعثمان بن مظعون الى جملة من الأمر فافهم وارشد الى طريق الصواب ولا تفريط ولا افراط فى كل باب لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ اليمين تقوية أحد الطرفين بالمقسم به واللغو فى اليمين الساقط الذي لا يتعلق به حكم وهو عند الامام الأعظم ان يخلف على شىء يظن انه كذلك وليس كما يظن مثل ان يرى الشيء من بعيد فيظن انه كذا فيقول والله انه كذا فاذا هو بخلافه فلا مؤاخذة فى هذا اليمين بإثم ولا كفارة واما الغموس وهى حلفه على امر ماض او حال كذبا عمدا مثل قوله والله لقد فعلت كذا وهو لم يفعله وعكسه ومثل والله ما لهذا على دين وهو يعلم ان له عليه دينا فحكمها الإثم لانها كبيرة قال عليه السلام (من حلف كاذبا ادخله الله النار ولا كفارة فيها الا التوبة) قوله فى ايمانكم صلة يؤاخذكم كما ان باللغو صلة له اى لا يؤاخذكم فى حق ايمانكم بسبب ما كان لغوا منها بان لا يتعلق بها حكم دنيوى ولا اخروى وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ اى بتقيدكم الايمان وتوثيقا بالقصد والنية والمعنى ولكن يؤاخذكم بما عقدتموها إذا حنثتم او بنكث اى نقض ما عقدتم فحذف للعلم به وهذا اليمين هى اليمين المنعقدة وهى الحلف على فعل امر او تركه فى المستقبل فَكَفَّارَتُهُ اى الفعلة التي تذهب إثمه وتستره وعند الامام لا يجوز التكفير قبل الحنث لقوله عليه السلام (من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا فليأت بالذي هو خير ثم ليكفر عن يمينه) إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ محل من اوسط النصب لانه صفة مفعول محذوف تقديره ان تطعموا عشرة مساكين طعاما كائنا من اوسط ما تطعمون من فى عيالكم من الزوجة والأولاد والخدم اى من اقصده فى النوع او المقدار وهو نصف صاع من بر لكل مسكين كالفطرة ولو اطعم فقيرا واحدا عشرة ايام اجزأه ولو أعطاه دفعة لا يجوز الا عن يوم واحد أَوْ كِسْوَتُهُمْ عطف على اطعام فيكسو كل واحد من العشرة ثوبا يستر عامة بدنه وهو الصحيح ولا يجزئ السراويل لان لابسه يسمى عريانا عرفا أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ اى او اعتاق انسان كيف ما كان مؤمنا كان او كافرا ذكرا او أنثى صغيرا او كبيرا ولا يجوز الأعمى والأصم الذي(2/433)
لا يسمع أصلا والأخرس لفوات جنس المنفعة ومقطوع اليدين او إبهاميهما او الرجلين أو يد ورجل من جانب واحد ومجنون مطبق لان الانتفاع ليس الا بالعقل ومدبر وأم ولد لاستحقاقهما الحرية بجهة فكان الرق فيهما ناقصا ومكاتب ادى بعضا لانه تحرير بعوض فيكون تجارة والكفارة عبادة فلا بد ان تكون خالصة لله تعالى وكذا لا يجوز معتق بعضه لانه ليس برقبة كاملة. ومعنى او فى الآية إيجاب احدى الخصال الثلاث مطلقا وخيار التعيين للمكلف اى لا يجب عليه الإتيان بكل واحد من هذه الأمور الثلاثة ولا يجوز له تركها جميعا ومتى اتى بواحدة منها فانه يخرج عن العهدة فاذا اجتمعت هذه القيود الثلاثة فذاك هو الواجب المخير فَمَنْ لَمْ يَجِدْ اى شيأ من الأمور المذكورة فَصِيامُ اى فكفارته صيام ثَلاثَةِ أَيَّامٍ متتابعات عند الامام الأعظم ذلِكَ اى الذي ذكرت لكم
وأمرتكم به كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وحنثتم وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ بان تضنوا بها ولا تبذلوها لكل امر وبان تبروا فيها ما استطعتم ولم يفت بها خير فان عجز عن البرّ او رأى غير المحلوف عليه خيرا منه فله حينئذ ان يحنث ويكفر كما قال الفقهاء من اليمين المنعقدة ما يجب فيه البر كفعل الفرائض وترك المعاصي لان ذلك فرض عليه فيتأكد باليمين. ومنها ما يجب فيه الحنث كفعل المعاصي وترك الواجبات وفى الحديث (من حلف ان يطيع الله فليطعه ومن حلف ان يعصيه فلا يعصه) . ومنها ما يفضل فيه الحنث كهجران المسلم ونحوه وما عدا هذه الاقسام الثلاثة من الايمان التي يستوى فيها الحنث والبر يفضل فيه البر حفظا لليمين ولا فرق فى وجوب الكفارة بين العامد والناسي والمكره فى الحلف والحنث لقوله عليه السلام (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق واليمين كَذلِكَ اشارة الى مصدر الفعل الآتي لا الى تبيين آخر مفهوم مما سبق والكاف مقحمة لتأكيد ما أفاده اسم الاشارة من الفحامة ومحله فى الأصل النصب على انه نعت لمصدر محذوف واصل التقدير يبين الله تبيينا كائنا مثل ذلك التبيين فقدم على الفعل لافادة القصر واعتبرت الكاف مقحمة للنكتة المذكورة اى مثل ذلك البيان البديع يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ اعلام شريعته وأحكامه لا بيانا ادنى منه لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نعمته فيما يعلمكم ويسهل عليكم المخرج. والاشارة ان من عقد اليمين على الهجران من الله تعالى فكفارته إطعامه عشرة مساكين وهم الحواس الخمس الظاهرة والخمس الباطنة فانها مدخل الآفات وموئل الفترات مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ وهم القلب والروح والسر والخفي وطعامهم الشوق والمحبة والصدق والإخلاص والتفويض والتسليم والرضى والانس والهيبة والشهود والكشوف وأوسطه الذكر والتذكر والفكر والتفكر والتشوق والتوكل والتعبد والخوف والرجاء فاطعام الحواس الظاهرة والقوى الباطنة هذه الاطعمة باستعمالها فى التعبد بها والتحفظ عما ينافيها او كسوتهم وهى إلباس الحواس والقوى بلباس التقوى او تحرير رقبة النفس عن عبودية الهوى والحرص على الدنيا فمن لم يجد السبيل الى هذه الأشياء فصيام ثلاثة ايام وذلك لان الأيام لا تخلوا عن ثلاثة اما يوم مضى او يوم حضر او يوم قد بقي فصيام اليوم الذي قد مضى بالإمساك عما عقد عليه او قصد اليه او بالصبر على التوبة(2/434)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)
عنه وصيام الذي قد حضر بالإمساك عن التغافل عن الأهم وبالصبر على الجد والاجتهاد ببذل الجهد فى طلب المراد وصيام اليوم الذي قد بقي بالإمساك عن فسخ العزيمة فى ترك الجريمة ونسخ الإخلاص فى طلب الخلاص وبالصبر على قدم الثبات فى تقديم الطاعات والمبرات وصدق التوجه الى حضرة الربوبية بمساعى العبودية
مكن وقت ضايع بافسوس وحيف ... كه فرصت عزيزست والوقت سيف
قال ابن الفارض قدس سره
وكن صارما كالوقت فالمقت فى عيسى ... وإياك علّ فهى اخطر علة
وفى المثنوى
اى كه صبرت نيست از دنياى دون ... چونت صبرست از خداى دوست چون
چونكه بي اين شرب كم دارى سكون ... چون ز ابرارى خدا وز يشرون
اعلم ان الطالب الصادق عند غلبات الشوق ووجدان الذوق يقسم عليه بجماله وجلاله ان يرزقه شظية من إقباله ووصاله وذلك فى شريعة الرضى لغو وفى مذهب التسليم سهو فيعفو عنه رحمة عليه لضعف حاله ولا يؤاخذه بمقاله وان الاولى الذوبان والجمود بحسن الرضى بحسب جريان احكام المولى فى القبول والرد والإقبال والصدّ إيثار الاستقامة فى أداء حقوقه على الكرامة وعلى لذة تقريبه وإقباله وشهوده ووصوله ووصاله كما قال قائلهم
أريد وصاله ويريد هجرى ... فاترك ما أريد لما يريد
كذا فى التأويلات النجمية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ هذه هى الآية الرابعة من الآيات الأربع التي نزلت فى الخمر وقد سبق التفصيل فى سورة البقرة ويدخل فى الخمر كل مسكر وَالْمَيْسِرُ اى القمار كله فيدخل فيه النرد والشطرنج والاربعة عشر والكعب والبيضة وغير ذلك مما يقامرون به وَالْأَنْصابُ اى الأصنام المنصوبة للعبادة واحدها نصب بفتح النون وسكون الصاد وَالْأَزْلامُ هى سهام مكتوب على بعضها أمرني ربى وعلى بعضها نهانى ربى يطلبون بها علم ما قسم من الخير والشر قال المفسرون كان اهل الجاهلية إذا اراده أحدهم سفرا او غزوا او تجارة او غير ذلك طلب علم انه خير او شر من الأزلام وهى قداح كانت فى الكعبة عند سدنة البيت على بعضها أمرني ربى وعلى بعضها نهانى ربى وبعضها غفل لا كتابة عليها ولا علامة فان خرج السهم الآمر مضوا على ذلك وان خرج الناهي يجتنبون عنه وان خرج الغفل اجالوها ثانيا فمعنى الاستسقام بالأزلام طلب معرفة ما قسم لهم دون ما لم يقسم لهم وهى جمع زلم رِجْسٌ قذر يعاف عند العقول اى تكرهه وتنفر منه العقول السليمة. والرجس بمعنى النجس الا ان النجس يقال فى المستقذر طبعا والرجس اكثر ما يقال فى المستقذر عقلا وسميت هذه المعاصي رجسا لوجوب اجتنابها كما يجب اجتناب الشيء المستقذر مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ صفة لرجس اى رجس كائن من عمله اى من تزيينه لانه هو الداعي اليه والمرغب فيه والمزين له فى قلوب فاعليه فَاجْتَنِبُوهُ اى الرجس لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ اى راجين فلا حكم امر بالاجتناب وهو تركه جانبا وظاهر الأمر على الوجوب إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
وهو(2/435)
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92)
اشارة الى المفاسد الدنيوية اما العداوة فى الخمر فهى ان الشاربين إذا سكروا عربدوا وتشاجروا كما فعل الأنصاري الذي شج سعد بن ابى وقاص بلحى الجمل واما العداوة فى الميسر فهى ان الرجل كان يقامر على الأهل والمال ثم يبقى حزينا مسلوب الأهل والمال مغتاظا على حرفاته والفرق بين العداوة والبغضاء ان كل عدو مبغض بلا عكس كلى. وقوله تعالى فى الخمر متعلق بيوقع على ان تكون كلمة فى هنا لا فادة معنى السببية كما فى قوله عليه السلام (ان امرأة دخلت النار فى هرة) اى يوقع بينكم هذين الشيئين فى الخمر بسبب شربها وتخصيص الخمر والميسر تنبيها على انهما المقصودان بالبيان لان هذه الآية خطاب مع المؤمنين والمقصود نهيهم عن الخمر والميسر وانما ضم الأنصاب والأزلام إليهما مع ان تعاطيهما مختص باهل الجاهلية تأكيدا لقبح الخمر والميسر وإظهارا لكون هذه الاربعة متقاربة فى المفسدة وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ اى يمنعكم عنهما وهو اشارة الى المفاسد الدينية فان شرب الخمر يورث الطرب واللذة الجسمانية والنفس إذا استغرقت فى اللذة غفلت عن ذكر الله وعن الصلاة وكذا من يقامر بالميسر ان كان غالبا صار استغراقه فى لذة الغلبة يورثه الغفلة عن العبادة وان صار مغلوبا صار شدة اهتمامه بان يختال بحيلة يصير بها غالبا مانعا من ان يخطر بباله شىء سواه وتخصيص الصلاة بالإفراد مع دخولها فى الذكر للتعظيم والاشعار بان الصاد عنها كالصاد عن الايمان لما انها عماده فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ لفظه استفهام ومعناه امر اى انتهوا وهذا نهى بألطف الوجوه ليكون ادعى الى الانتهاء فلما سمعها عمر رضى الله عنه قال انتهينا يا رب وحرمت الخمر فى سنة ثلاث من الهجرة بعد وقعة أحد وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فيما امرا به وهو عطف على اجتنبوه وَاحْذَرُوا عما نهيا عنه فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ اى أعرضتم عن الامتثال والطاعة فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ وقد فعل ذلك بما لا مزيدة عليه وخرج عن عهدة الرسالة أي خروج وقامت عليكم الحجة انتهت الاعذار وانقطعت العلل وما بقي بعد ذلك الا العقاب اعلم ان الله تعالى قرن الخمر والميسر بالأصنام ففيه تحريم بليغ لهما ولعل قوله عليه السلام (شارب الخمر كعابد الوثن) مستفاد من هذه الآية وفى الحديث (من شرب الخمر فى الدنيا سقاه الله من سم الأساود وسم العقارب إذا شربه تساقط لحم وجهه فى الإناء قبل ان يشربها فاذا شربها تفسخ لحمه كالجيفة يتأذى به اهل الموقف ومن مات قبل ان يتوب من شرب الخمر كان حقا على الله ان يسقيه بكل جرعة شربها فى الدنيا شربة من صديد جهنم) وفى الحديث (لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة اليه وآكل ثمنها) وفى الحديث (من شرب الخمر بعد ان حرمها الله على لسانى فليس له ان يزوج إذا خطب ولا يصدق إذا حدث ولا يشفع إذا تشفع ولا يؤمن على امانة فمن ائتمنه على أمانته فاستهلكها فحق على الله ان لا يخلف عليه) : قال الحسين الواعظ الكاشفى فى تفسيره
بي نمكى دان جگر آميخته ... بر جگر بي نمكان ريخته
بي خبر آن مرد كه چيزى چشيد ... كش قلم بي خبرى در كشيد(2/436)
لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)
والاشارة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ايمانا حقيقيا مستفادا من كتابة الحق بقلم العناية فى قلوبهم إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ فاما الخمر فانها تخمر العقل وهو نور روحانى علوى من اوليات المخلوقات ومن طبعه الطاعة والانقياد والتواضع لربه كالملك وضده الهوى وهو ظلمانى نفسانى سفلى من أخريات المخلوقات ومن طبعه التمرد والمخالفة والآباء والاستكبار عن عبادة ربه كالشيطان فاذا خمر الخمر نور العقل صار مغلوبا لا يهتدى الى الحق وطريقه ثم يغلب ظلمة الهوى فتكون النفس امارة بالسوء وتستمد من الهوى فتتبع بالهوى السفلى جميع شهواتها النفسانية ومستلذاتها الحيوانية السفلية فيظفر بها الشيطان فيوقعها فى مهالك المخالفات كلها ولهذا قال عليه السلام (الخمر أم الخبائث) لان هذه الخبائث كلها تولدت منها. واما الميسر فان فيه تهيج اكثر الصفات الذميمة وهى الحرص والبخل والكبر والغضب والعداوة والبغض والحقد والحسد وأشباهها وبها يضل العبد عن سواء السبيل. واما الأنصاب فهى تعبد من دون الله فهى تصير العبد مشركا بالله. واما الأزلام فما يلتفت اليه عند توقع الخير والشر والنفع والضر من دون الله تعالى من المضلات فان الله هو الضار والنافع ثم قال تعالى رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ يعنى هذه الأشياء أخبث شىء من اعمال الشيطان التي يغوى بها العباد ويضلهم عن صراط الحق وطريق الرشاد فَاجْتَنِبُوهُ اى اجتنبوا الشيطان ولا تقبلوا وساوسه واتركوا هذه الأعمال الخبيثة لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ تخلصون من مكايد الشيطان وخباثة هذه الأعمال كذا فى التأويلات النجمية لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ اى اثم وحرج فِيما طَعِمُوا اى تناولوا أكلا او شربا فيتناول شرب الخمر وأكل مال الميسر فانزل الله تعالى هذه الآية إِذا مَا اتَّقَوْا ان يكون فى ذلك شىء من المحرمات وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ اى واستمروا على الايمان والأعمال الصالحة ثُمَّ اتَّقَوْا عطف على اتقوا داخل معه فى حيز الشرط اى اتقوا ما حرم عليهم بعد ذلك مع كونه مباحا فيما سبق وَآمَنُوا اى بتحريمه ثُمَّ اتَّقَوْا اى ما حرم عليهم بعد ذلك مما كان مباحا من قبل على ان الشروط بالاتقاء فى كل مرة اباحة كل ما طعموه فى ذلك الوقت لا اباحة كل ما طعموه قبله لانتساخ اباحة بعضه حينئذ وَأَحْسَنُوا اى عملوا الأعمال الحسنة الجميلة المنتظمة لجميع ما ذكر من الأعمال القلبية والقالبية وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ فلا يؤاخذهم بشىء وفيه ان من فعل ذلك صار محسنا ومن صار محسنا صار لله محبوبا ومقام المحبوبية فوق جميع المراتب ولذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حبيب الله وقد فسر الإحسان (بان تعبد الله كأنك تراه) يعنى ان الإحسان مرتبة المشاهدة فاذا ترقى العبد من الايمان الغيبى الى الايمان الشهودى ثم فنى عن كل قيد حتى عن الإطلاق فقدتم امره وكان طعمه وشربه وتصرفه فى المكونات مما لا يضره لانه قد استوفى الشرائط كلها فلا يقاس عليه غيره ثم ان المحسن مطلقا يتناول كل اهل ويستحق المدح والثناء:
وفى المثنوى
محسنان مردند وإحسانها بماند ... اى خنك آن را كه اين مركب براند(2/437)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)
ظالمان مردند وماند آن ظلمها ... واى جانى كو كند مكر ودهان
گفت پيغمبر خنك آنرا كه او ... شد ز دنيا ماند ازو فعل نكو
مرد محسن ليك احسانش نمرد ... نزد يزدان دين واحسان نيست خرد
واى آن كو مرد وعصيانش نمرد ... تا نپندارى بمرگ او جان ببرد
وورد فى فضائل عشر ذى الحجة (ان من تصدق فى هذه الأيام بصدقة على مسكين فكأنما تصدق على رسل الله وأنبيائه ومن عاد فيه مريضا فكأنما عاد اولياء الله وبدلاءه ومن شيع جنازة فكأنما شيع جنائز شهداء بدر ومن كسا مؤمنا كساه الله تعالى من حلل الجنة ومن ألطف يتيما اظله الله فى القيامة تحت عرشه ومن حضر مجلسا من مجالس العلم فكأنما حضر مجالس أنبياء الله ورسوله) كذا فى روضة العلماء: قال السعدي قدس سره
بإحساني آسوده كردن دلى ... به از الف ركعت بهر منزلى
- حكى- انه وقع القحط فى بنى إسرائيل فدخل فقير سكة من السكك وكان فيها بيت غنى فقال تصدقوا على لاجل الله فاخرجت اليه بنت الغنى خبزا حارا فاستقبله الغنى فقال من دفع إليك هذا الخبز فقال ابنة من هذا البيت فدخل وقطع يد ابنته اليمنى فحول الله حاله فافتقر ومات فقيرا ثم ان شابا غنيا استحسن الابنة لكونها حسناء فتزوجها وأدخلها داره فلما جن الليل أحضرت مائدة فمدت اليد اليسرى فقال الفتى سمعت ان الفقراء يكونون قليلى الأدب فقال مدى يدك اليمنى فمدت اليسرى ثانيا وثالثا فهتف بالبيت هاتف اخرجى يدك اليمنى فالرب الذي أعطيت الخبز لاجله رد عليك يدك اليمنى فاخرجت يدها اليمنى بامر الله تعالى وأكلت معه كذا فى الروضة
تو نيكى كن بآب انداز اى شاه ... اگر ماهى نداند داند الله
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا نزلت عام الحديبية فى السنة السادسة من الهجرة. والحديبية بتخفيف الياء الاخيرة وقد تشدد موضع قريب من مكة أراد عليه السلام زيارة الكعبة فسار مع أصحابه من المدينة وهم الف وخمسمائة وأربعون رجلا فنزلوا بالحديبية فابتلاهم الله بالصيد وهم محرمون كانت الوحوش تغشاهم فى رحالهم بحيث كانوا متمكنين من صيدها أخذا بايديهم وطعنا برماحهم فهموا بأخذها فانزل الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ يقال بلوته بلوا جربته واختبرته واللام جواب قسم محذوف اى والله ليعاملنكم معاملة من يختبركم ليتعرف أحوالكم بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ اى بتحريم شىء حقير هو الصيد بمعنى المصيد كضرب الأمير فمن بيانية قطعا والمراد صيد البر مأكولا وغير مأكول ما عدا المستثنيات من الفواسق فاللام للعهد وفى الحديث (خمس فواسق يقتلن فى الحل والحرم الحية والعقرب والغراب والفارة والكلب العقور) وأراد بالكلب العقور الذئب على ما ورد فى بعض الروايات تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ اى تصل اليه ايديكم ورماحكم بحيث تأخذون بايديكم وتطعنون برماحكم فالتأكيد القسمي فى ليبلونكم انما هو لتحقيق ما وقع من ان عدم توحش الصيد عنهم ليس الا لابتلائهم لا لتحقيق وقوع المبتلى به كما لو كان(2/438)
النزول قبل الابتلاء وتنكير شىء للتحقير المؤذن بان ذلك ليس من الفتن الهائلة التي تزل فيها أقدام الراسخين كالابتلاء بقتل الأنفس وإتلاف الأموال وانما هو من قبيل ما ابتلى به اهل ايلة من صيد السمك يوم السبت وفائدته التنبيه على ان من لم يتثبت فى مثل هذا كيف يتثبت عند ما هو أشد منه من المحن لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ الخوف من الله بمعنى الخوف من عقابه وبالغيب حال من مفعول يخافه وهو عقاب الله اى ليتميز الخائف من عقابه الأخروي وهو غائب مترقب لقوة إيمانه فلا يتعرض للصيد ممن لا يخاف كذلك لضعف إيمانه فيقدم عليه فعلم الله تعالى لما كان مقتضى ذاته وامتنع عليه التجدد والتغير كما امتنع ذلك على ذاته جعل هاهنا مجازا عن تميز المعلوم وظهوره على طريق اطلاق السبب على المسبب حيث قال القاضي ذكر العلم وأراد وقوع المعلوم وظهوره وابو السعود انما عبر عن ذلك بعلم الله اللازم له إيذانا بمدار الجزاء ثوابا وعقابا فانه ادخل فى حملهم على الخوف فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ اى بعد بيان ان ما وقع ابتلاء من جهته تعالى بما ذكر من الحكمة والمعنى فمن تعرض للصيد بعد ما بينا ان ما وقع من كثرة الصيد وعدم توحشه منهم ابتلاء مؤدّ الى تميز المطيع من العاصي فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ لان الاعتداء بعد ذلك مكابرة صريحة وعدم مبالاة بتدبير الله وخروج عن طاعته وانخلاع عن خوفه وخشيته بالكلية والمراد عذاب الآخرة ان مات قبل التوبة والتعزير والكفارة فى الدنيا بنزع ثيابه فيضرب ضربا وجيعا مفرقا فى أعضائه كلها
ما خلا الوجه والرأس والفرج ويؤمر بالكفارة. والاشارة فى الآية ان الله تعالى جعل البلاء للولاء كاللهب للذهب فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ايمان المحبين الذين تجردوا عن ملاذ الدنيا وشهواتها من الحلال وأحرموا بحج الوصول وعمرة الوصال لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ فى أثناء السلوك بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ وهو ما سنح من المطالب النفسانية الحيوانية والمقاصد الشهوانية الدنيوية تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ اى ما يتعلق بشهوات نفوسكم ولذات أبدانكم وَرِماحُكُمْ اى ما يتعلق بالمال والجاه لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ وهو يعلم ويرى اى ليظهر الله ويميز بترك المطالب والمقاصد فى طلب الحق من يخافه بالغيبة والانقطاع عنه ويحترز عن الالتفات لغيره فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ اى تعلق بالمطالب بعد الطلب فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ من الرد والصد والانقطاع عن الله كذا فى التأويلات النجمية قال أوحد المشايخ فى وقته ابو عبد الله الشيرازي قدس سره رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام وهو يقول من عرف طريقا الى الله فسلكه ثم رجع عنه عذبه الله بعذاب لم يعذب به أحدا من العالمين. يقول الفقير سمى الذبيح الحقي غفر الله ذنوبه انما كان عذابه أشد لانه رجع عن طريقه بعد معرفته انه الحق الموصل الى الله تعالى وليس من يعلم كمن لا يعلم وسبب الرجوع الامتحانات فى الطريق: قال فى المثنوى
قلب چون آمد سيه شد در زمان ... زر در آمد شد زرىء او عيان
دست و پاانداخت زر در پوته خش ... در رخ آتش همى خندد رخش
قال الحافظ(2/439)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)
ترسم كزين چمن نبرى آستين گل ... گز گلشنش تحمل خارى نميكنى
فينبغى للطالب الصادق ان يتحمل مشاق الرياضات ويزكى نفسه عن الشهوات ويحترز عن أكل ما يجده من الحلال فضلا عما حرم الله الملك المتعال فان إصلاح الطبيعة والنفس وان كان بفضل الله وعنايته لكن الصوم وتقليل الطعام من الأسباب القوية فى هذا الباب- يحكى- ان سالكا خاطب نفسه بعد رياضات شديدة فقال من أنت ومن انا فقالت له نفسه أنت أنت وانا انا فاشتغل بالتزكية ثانيا حتى حج ماشيا مرات فسأل ايضا فاجابت بما اجابت به اولا فاشتغل أشد من الاول وعالجوا بتقليل الطعام حتى أمات نفسه فسأل من أنت فقالت أنت أنت وانا صرت فانية ولم يبق من وجودى اثر فاستراح بعون الله تعالى. وسئل حضرة المولوى هل يعصى الصوفي قال لا الا ان يأكل طعاما قبل الاشتهاء فانه سم له وداء اللهم أعنا على إصلاح هذه النفس الامارة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وهو عند ابى حنيفة اسم لكل ممتنع متوحش من الحيوانات سواء كان مأكول اللحم او لم يكن والمراد ما عدا الفواسق وهى العقرب والحية والغراب والفارة والكلب العقور فانها تقتل فى الحل والحرم وَأَنْتُمْ حُرُمٌ جمع حرام وهو المحرم وان كان فى الحل وفى حكمه من فى الحرم وان كان حلالا اى لابس حله فالمحرم لا يتصيد أصلا سواء كان فى الحل او فى الحرم بالسلاح او بالجوارح من الكلاب والطير والحلال يتصيد فى الحل دون الحرام اى حرم مكة ومقداره من قبل المشرق ستة أميال ومن الجانب الثاني اثنا عشر ميلا ومن الجانب الثالث ثمانية عشر ميلا ومن الجانب الرابع اربعة وعشرون ميلا هكذا قال الفقيه ابو جعفر. وانما ذكر القتل دون الذبح للايذان بكونه فى حكم الميتة فكل ما يقتله المحرم من الصيد لا يكون مذكى وغير المذكى لا يجوز أكله والمعنى لا تقتلوه والحال أنتم محرمون وَمَنْ شرطية قَتَلَهُ اى الصيد المعهود البرى مأكولا كان او غير مأكول حال كون القاتل كائنا مِنْكُمْ اى من المؤمنين ولعل المقصود من التقييد بالحال توبيخ المؤمن على عدم جريانه على مقتضى إيمانه مُتَعَمِّداً حال ايضا من فاعل قتله اى ذاكرا لا حرامه عالما بحرمة قتل ما يقتله والتقييد بالتعمد مع ان محظورات الاجرام يستوى فيها الخطأ والعمد لان الأصل فعل المتعمد والخطأ لاحق به للتغليظ فَجَزاءٌ اى فعليه جزاء وفدية مِثْلُ ما قَتَلَ اى مماثل لما قتل فهو صفة الجزاء والمراد به عند ابى حنيفة وابى يوسف المثل باعتبار القيمة لا باعتبار الخلقة والهيئة فيتقوم الصيد حيث صيد او فى اقرب الأماكن اليه ان قتل فى بر لا يباع ولا يشترى فيه فان بلغت قيمته قيمة هدى تخير الجاني بان يشترى بها ما قيمته قيمة الصيد فيهديه الى الحرم وبين ان يشترى بها طعاما فيعطى كل مسكين نصف صاع من بر او صاعا من تمر وبين ان يصوم عن طعام كل مسكين يوما فان فضل ما لا يبلغ طعام مسكين تصدق به او صام عنه يوما كاملا لان الصوم مما لا يتبعض فيكون قوله تعالى مِنَ النَّعَمِ بيانا للهدى المشترى بالقيمة على أحد وجوه التخيير فان فعل ذلك يصدق عليه انه جزى بمثل ما قتل من النعم والنعم فى اللغة من الإبل والبقر والغنم فاذا انفردت الإبل قيل انها نعم وإذا انفردت البقر والغنم لم تسم نعما يَحْكُمُ بِهِ اى بمثل ما قتل صفة لجزاء ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ اى رجلان عدلان من(2/440)
المسلمين هَدْياً الهدى ما يهدى الى البيت تقربا الى الله تعالى من النعم أيسره شاة وأوسطه بقرة وأعلاه بدنة اى ناقة وهو حال مقدرة من الضمير فى به والمعنى مقدرا انه يهدى بالِغَ الْكَعْبَةِ صفة لهديا لان الاضافة لفظية والأصل بالغا الكعبة ومعنى بلوغه الكعبة ذبحه بالحرم حتى لو دفع الهدى المماثل للمقتول الى فقراء الحرم لم يجز بالاتفاق بل يجب عليه ذبحه فى الحرم وله ان يتصدق به بعد ذبحه فى الحرم حيث شاء عند ابى حنيفة أَوْ كَفَّارَةٌ عطف على محل من النعم على انه خبر مبتدأ محذوف والجملة صفة ثانية لجزاء طَعامُ مَساكِينَ عطف بيان لكفارة عند من لا يخصصه بالمعارف أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً عطف على طعام إلخ كأنه قيل فعليه جزاء مماثل للمقتول
هو من النعم او طعام مساكين او صيام ايام بعددهم فحينئذ تكون المماثلة وصفا لازما للجزاء يقدر به الهدى والطعام والصيام. اما الأولان فبلاواسطة. واما الثالث فبواسطة الثاني فيختار الجاني كلا منها بدلا من الآخرين قال الفراء العدل بالكسر المثل من جنسه والعدل بالفتح المثل من غير جنسه فعدل الشيء ما عادله من جنسه كالصوم والإطعام وعدله ما عدل به فى المقدار كأن المفتوح تسمية بالمصدر والمكسور بمعنى المفعول وذلك اشارة الى الطعام وصياما تمييز للعدل والخيار فى ذلك للجانى عند ابى حنيفة وابى يوسف وللحكمين عند محمد لِيَذُوقَ متعلق بالاستقرار فى الجار والمجرور اى فعليه جزاء ليذوق قاتل الصيد وَبالَ أَمْرِهِ اى سوء عاقبة هتكه لحرمة الإحرام والوبال فى الأصل المكروه والضرر الذي ينال فى العاقبة من عمل سولته نفسه عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ من قتل الصيد محرما قبل التحريم وَمَنْ عادَ الى قتل الصيد بعد النهى عنه وهو محرم ومن شرطية فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ اى فهو ممن ينتقم الله منه لان الفعل إذا وقع جزاء لا يحتاج الى الحرف بخلاف الجملة الاسمية فقدر المبتدأ لئلا تصير الفاء الجزائية لغوا والمراد بالانتقام التعذيب فى الآخرة واما الكفارة فعن بعضهم انها واجبة على العائد وعن بعضهم انه لا كفارة عليه تعلقا بالظاهر واصل الانتقام الانتصار والانتصاف وإذا أضيف الى الله تعالى أريد به المعاقبة والمجازاة وَاللَّهُ عَزِيزٌ غالب لا يغالب ذُو انْتِقامٍ شديد ممن أصر على العصيان والاعتداء قال الله تعالى مخاطبا لخليله [يا ابراهيم خف منى كما تخاف من السبع الضارى] يعنى ان الله تعالى إذا أراد اجراء قضائه على أحد لا يفرق بين نبى وولى وعدو كما لا يفرق السبع المفترس بين نفاع وضرار فهو تعالى شديد البطش فكيف يتخلص المجرمون من يد قهره وانتقامه فليحذر العاقل من المخالفة والعصيان بقدر الاستطاعة والإمكان أينما كان فان الإنسان لا يحصد الا ما يزرع: قال فى المثنوى
جمله دانند اين اگر تو نگروى ... هر چهـ مى كاريش روزى بدروى
والعجب ان الإنسان الضعيف كيف يعصى الله القوى وليس الا من الانهماك فى الشهوات والغفلة عن الله تعالى والنكتة فى قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ انه أباح الصيد لمن كان حلالا وهم اهل السلو من العوام الذين رضوا من الكمالات الدينية بالأعمال البدنية من قصور هممهم الدنية وحرم الصيد على من كان حراما وهم اهل(2/441)
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)
المحبة المحرمون من الدنيا لزيارة كعبة الوصلة يعنى من قصدنا فعليه بحسم الاطماع جملة ولا ينبغى ان يكون له مطالبة بحال من الأحوال الا طلب الوصال ويقال العارف صيد الحق ولا يكون للصيد صيد وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ اى من الطلاب إذا التفت لشىء من الدنيا مُتَعَمِّداً وهو واقف على مضرته وعالم بما فيه فيغلب عليه الهوى ويقع فيه بحرص النفس فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يجازى نفسه برياضة ومجاهدة ويماثل ألمها تلك اللذة والشهوة يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ وهو القلب والروح يحكمان على مقدار الايمان وعلى انواع الرياضات بتقليل الطعام والشراب او ببذل المال او بترك الجام او بالعزلة والخلوة وضبط الحواس هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ اى خالصا لله تعالى فيما يعمل بحيث يصلح لقبول الحق من غير ملاحظة الخلق أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ وهم العقل والقلب والسر والروح والخفي فانهم كانوا محرمين من اغذيتهم الروحانية من صدق التوجه الى الحق وخلوص الاعراض عن الخلق وتجرع الصبر على المكروهات والفطام عن المألوفات والشكر على الموهوبات والرضى بالمقدرات والتسليم للاحكام الازليات أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً والصيام هو الإمساك عن ملاحظة الأغيار وطلب الاختيار والركون الى غير الملك الجبار لِيَذُوقَ النفس الامارة وَبالَ أَمْرِهِ اى تتألم بألم هذه المعاملات التي على خلاف طبعها جزاء وكفارة لما نالت من لذائذ الشهوات وحلاوة الغفلات عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ من الطالبين قبل أقدامهم على الطلب وَمَنْ عادَ الى تعلق شىء من الدنيا بعد الخروج عنها بقدم الصدق فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ بالخذلان فى الدنيا والخسران فى العقبى وَاللَّهُ عَزِيزٌ لا يوجد لمن تعلق بالكونين حتى يتجرد الطالب عن القليل والكثير والصغير والكبير ذُو انْتِقامٍ ينتقم من أحبائه باحتجاب التعزز بالكبرياء والعظمة على قدر التفاتهم الى غيره وملاحظتهم ما سواه وينتقم من أعدائه بما قاله وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ الآية من التأويلات النجمية وفى المثنوى
عاشق صنع توام در شكر وصبر ... عاشق مصنوع كى باشم چوكبر
عاشق صنع خدا با فر بود ... عاشق مصنوع او كافر بود
فعلى الطالب الصادق ان ينقطع عن الالتفات الى الغير ويتصل الى من بيده الخير والله الموفق والمعين أُحِلَّ لَكُمْ الخطاب للمحرمين صَيْدُ الْبَحْرِ اى ما يصاد فى المياه كلها بحرا كان او نهرا او غديرا وهو ما لا يعيش الا فى الماء مأكولا كان او غير مأكول فما يعيش فى البر والبحر كالبط والضفدع والسرطان والسلحفاة وجميع طيور الماء لا يسمى صيد البحر بل كل ذلك صيد البر ويجب الجزاء على قاتله قال الامام جميع ما يصطاد فى البحر ثلاثة أجناس. السمك وجميع أنواعه حلال. والضفادع وجميع أنواعها حرام واختلفوا فيما سوى هذين الجنسين فقال ابو حنيفة انه حرام وقال الأكثرون انه حلال لعموم هذه الآية وقال محيى السنة جملة حيوانات الماء على قسمين سمك وغيره. اما السمك فميتته حلال مع اختلاف أنواعها قال النبي عليه الصلاة والسلام (أحلت لنا ميتتان(2/442)
السمك والجراد) ولا فرق بين ان يموت بسبب او بغير سبب وعند ابى حنيفة يحل الا ان يموت بسبب من وقوع على حجر او انحسار الماء عنه ونحو ذلك. واما غير السمك فقسمان قسم يعيش فى البر كالضفدع والسرطان ولا يحل أكله وقسم يعيش فى الماء ولا يعيش فى البر الا عيش المذبوح فاختلف فيه فذهب قوم الى ان لا يحل شىء منها الا السمك وهو قول ابى حنيفة وذهب قوم الى ان ميتة الكل حلال لان كلها سمك وان اختلف صورها كالجريث يقال له حية الماء لكونه على شكل الحية وأكله مباح بالاتفاق وَطَعامُهُ اى طعام البحر وهو ما قذفه البحر ولفظه او نضب عنه الماء اى غار وبقي هو فى ارض يابسة فيؤخذ من غير معالجة فى اخذه وقال المولى ابو السعود وَطَعامُهُ اى ما يطعم من صيده وهو تخصيص بعد التعميم والمعنى أحل لكم التعرض لجميع ما يصاد فى المياه والانتفاع به انتهى مَتاعاً لَكُمْ نصب على انه مفعول له قال المولى ابو السعود مختص بالطعام كما ان نافلة فى قوله تعالى وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً حال مختصة بيعقوب اى أحل لكم طعامه تمتعا للمقيمين يأكلونه طريا وَلِلسَّيَّارَةِ منكم يتزودونه قديدا وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ وهو ما يفرخ فيه وان كان يعيش فى الماء فى بعض الأوقات كطير الماء ما دُمْتُمْ حُرُماً ما مصدرية ظرفية اى مدة دوامكم محرمين لا خلاف فى الاصطياد انه حرام على المحرم فى البر فاما عين الصيد فظاهر الآية يوجب حرمة ما صاد الحلال على المحرم وان لم يكن له مدخل فيه لكن مذهب ابى حنيفة انه يحل له ما صاده الحلال وان صاده لاجله إذا لم يشر اليه ولم يدل عليه وكذا ما ذبحه قبل إحرامه لان الخطاب للمحرمين وكأنه قيل حرم عليكم ما صدتم فى البر فيخرج منه مصيد غيرهم وَاتَّقُوا اللَّهَ فيما نهاكم عنه من جميع المعاصي التي من جملتها أخذ الصيد فى الإحرام الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ لا الى غيره حتى يتوهم الخلاص من اخذه تعالى بالالتجاء اليه كما قال تعالى إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ اى المنتهى والمرجع بسوق الملائكة الى حيث أمرهم الله اما الى الجنة واما الى السعير وفى الحديث (من اشتاق الى الجنة سارع الى الخيرات ومن اشفق من عذاب جهنم كف نفسه عن المحرمات ومن زهد فى الدنيا هانت عليه المصيبات) ومن أراد سهولة الموت فليبادر الى الخيرات فمن لم يترك شهوة لم يرض عنه ربه بطاعته ومن لم يتق الله فى سره لم ينتفع بما أبداه من علامة التقوى: وفى المثنوى
كافرم من گر زيان گر دست كس ... در ره ايمان وطاعت يكنفس «1»
كار تقوى دارد ودين وصلاح ... كه بدان باشد بدو عالم فلاح «2»
والاشارة فى الآية أُحِلَّ لَكُمْ ايها المستغرقون فى بحر الحقائق صَيْدُ الْبَحْرِ ما تصيدون من بحر المعرفة بالمشاهدات والكشوف وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ يعنى تشبعون بما يرد عليكم من وارد الحق وتجلى الصفات كما قال عليه السلام (أبيت عند ربى يطعمنى ويسقينى) وتطعمون منه السائرين الى الله من اهل الارادة كقوله تعالى فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ وهذا حال المشايخ واهل التربية من العلماء الراسخين وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ
__________
(1) در أوائل دفتر يكم در بيان ترجيح دادن شير جهد را إلخ
(2) در أوائل دفتر ششم در بيان حكايت غلام هندو كه إلخ(2/443)
جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)
ايها الطلاب صَيْدُ الْبَرِّ وهو ما سنح فى أثناء السير الى الله من مطالب الدنيا والآخرة كما قال عليه السلام (الدنيا حرام على اهل الآخرة والآخرة حرام على اهل الدنيا وكلتا هما حرامان على اهل الله) ما دُمْتُمْ حُرُماً اى ما دمتم محرمين الى كعبة الوصول متوجهين الى حضرة الوصال فان حكم المتوجه ينافى حكم الواصل الكامل لان من وصل صارمحوا والمتوجه صاح وبون بين الصاحي والماحي فان افعال الصاحي به ومنه واحوال الماحي ليست به ولا منه والله غالب على امره فبى يسمع وبي ينطق وبي يبطش ولهذا قال تعالى وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا اى إذا فرغتم من مناسك الوصول وسلكتم مسالك الأصول سقط عنكم كلف المحرمين ومؤونات المسافرين وثبت لكم لزوم العاكفين واحكام الطائفين كما قال وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ يعنى اتقوا بالله الذي اليه تجمعون وتصلون عما سواه لكيلا تحوروا بعد ما تكوروا نعوذ بالله من الحور بعد الكور كذا فى التأويلات النجمية المسماة ببحر الحقائق اللهم أفض علينا من بركات أوليائك وأدر علينا من كاسات أحبائك واودائك جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ اى صيرها وانما سمى البيت كعبة لتكعبه اى لتربعه والعرب تسمى كل بيت مربع كعبة تشبيها له بكعب الرجل الذي عند ملتقى الساق والقدم فى كونه على هيئته فى التربيع. وقيل سميت كعبة لارتفاعها عن الأرض وأصلها من الخروج والارتفاع وسمى الكعب كعبا لنتوه وخروجه من جانبى القدم ومنه قيل للجارية إذا قاربت البلوغ وخرج ثدياها كاعب والكعبة لما ارتفع ذكرها فى الدنيا واشتهر أمرها فى العالم سميت بهذا الاسم ولذلك انهم يقولون لمن عظم قدره وارتفع شأنه فلان علا كعبه قال صاحب اسئلة الحكم جعل الله لبيته العتيق اربعة اركان وهى فى الحقيقة ثلاثة اركان لانه شكل مكعب ولذلك سميت بالكعبة تشبيها بالكعب فسرّ كونه على اربعة اركان بالوضع الحادث اشارة الى قلوب المؤمنين لان قلب المؤمن لا يخلو من اربعة خواطر الهى وملكى ونفسانى وشيطانى فركن الحجر بمنزلة الشيطاني لان الشرع شرع ان يقال عنده أعوذ بالله من الشقاق والنفاق وبالذكر المشروع تعرف مراتب الأركان واما سركونه مثلث الشكل المكعب فاشارة الى قلوب الأنبياء عليهم السلام ليميز الله رسله وأنبياءه بالعصمة التي أعطاهم والبسهم إياها فليس لنبى الا ثلاثة خواطر الهى وملكى ونفسى ولغيرهم هذه وزيادة الخاطر الشيطاني فمنهم من ظهر حكمه عليه فى الظاهر وهم عامة الخلق ومنهم من يخطر له ولا يؤثر فى ظاهره وهم المحفوظون من أوليائه بالعصمة الوجوبية للانبياء والحفظ الجوازي للاولياء الْبَيْتَ الْحَرامَ عطف بيان على جهة المدح دون التوضيح كما تحبىء الصفة كذلك وسمى البيت الحرام لان الله تعالى حرمه وعظم حرمته فالحرام بمعنى المحرم وفى الحديث (ان الله تعالى حرم مكة يوم خلق السموات والأرض) قال ابن ملك اعلم ان مكة شرفها الله حرمها ابراهيم عليه السلام لما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام انه قال (ان ابراهيم حرم مكة وانى حرمت المدينة) وما روى انه عليه السلام قال (ان هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات) فالمراد به كتابته فى اللوح المحفوظ ان ابراهيم سيحرمه انتهى كلامه يقول الفقير ان حرمته العرضية وان كانت حادثة لكن حرمته الذاتية(2/444)
قديمة وتلك الكتابة من الحرمة الذاتية عند الحقيقة وقد جاء فى بعض التفاسير فى قوله تعالى ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ انه لم يجبه بهذه المقالة من الأرض الا ارض الحرم فلذلك حرمها فصارت حرمتها كحرمة المؤمن انما حرم دمه وعرضه وماله بطاعته لربه فارض الحرم لما قالت اتينا طائعين حرم صيدها وشجرها وخلاها فلا حرمة الا لذى طاعة وفى الخبر (لم يأكل الحيتان الكبار صغارها فى ارض الحرم فى الطوفان لحرمتها) قِياماً لِلنَّاسِ مفعول ثان للجعل ومعنى كونه قياما لهم انه مدار لقيام امر دينهم ودنياهم. اما الاول فلانه يتوجه اليه الحجاج والعمار فيكون ما فى البيت من المناسك العظيمة والطاعات الشريفة سببا لحط الخطيئات وارتفاع الدرجات ونيل الكرامات. واما الثاني فلانه يجبى الى الحرم ثمرات كل شىء يربح فيه التجار وكانوا يأمنون فيه من النهب والغارة ولا يتعرض لهم أحد بسوء فى الحرم حتى ان الرجل إذا أصاب ذنبا فى الجاهلية والإسلام
او قتل قتيلا لجأ الى الحرم ويأمن فيه: قال المحيي فى فتوح الحرمين مدحا لحضرة الكعبة
هيچ نبى هيچ ولى هم نبود ... كه او نه برين در رخ اميد سود
هادئ ره نيست بجز لطف دوست ... آمدنت را طلب از نزد اوست
تا نزند سر ز چمن نو گلى ... نغمه سرايى نكند بلبلى
وَالشَّهْرَ الْحَرامَ اى وجعل الشهر الحرام الذي يؤدى فيه الحج وهو ذو الحجة قياما لهم ايضا فالمفعول الثاني محذوف ثقة بما مر ووجه كون الشهر الحرام سببا لقيام الناس ان العرب كان يتعرض بعضهم لبعض بالقتل والغارة فى سائر الأشهر فاذا دخل الشهر الحرام زال الخوف وقدروا على سفر الحج والتجارات آمنين على أنفسهم وأموالهم فكان سببا لاكتساب منافع الدين والدنيا ومصالح المعاش والمعاد وقد فضل الله الأشهر والأيام والأوقات بعضها على بعض كما فضل الرسل والأمم بعضها على بعض لتبادر النفوس وتسارع القلوب الى إدراكها واحترامها وتتشوق الأرواح الى إحيائها بالتعبد فيها ويرغب الخلق فى فضائلها قال الامام النيسابورى عشر ذى الحجة أفضل الأيام وأحبها عند الله تعالى بعد شهر رمضان لانها هى التي ناجى فيها كليم الله موسى ربه وفيها احرم جميع الخلق بالحج ووجد آدم التوبة فى ايام العشر وإسماعيل الفداء وهود النجاة ونوح الانجاء ومحمد الرسالة وأصحابه الرضوان فى البيعة وبشارة خيبر وفتح الحديبية ونزول المغفرة بقوله تعالى لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وغير ذلك من الآيات والكرامات وصيام يوم من العشر كصيام الف يوم وقيام ليلة منها كعبادة من حج واعتمر طول سنته فصوم هذا العشر مستحب استحبابا شديدا لا سيما التاسع وهو يوم عرفة لكن يستحب الفطر يوم عرفة للحجاج لئلا يلحقهم فتور عن أداء الطاعات المشروعة فى ذلك اليوم ويؤدوها على الحضور والكمال وفى الحديث (خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت انا والنبيون لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير) وَالْهَدْيَ اى وجعل الله الهدى ايضا قياما لهم وهو ما يهدى الى البيت ويذبح هناك ويفرق لحمه بين الفقراء فانه نسك المهدى وقوام لمعيشة الفقراء فكان سببا لقيام امر الدين والدنيا يقول الفقير(2/445)
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102) مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104)
ومنه يعرف ان المقصود من القربان دفع حاجة الفقراء ولذا يستحب للمضحى ان يتصدق بأكثر أضحيته بل بكلها
هر كسى از همت والاى خويش ... سود برد او در خور كالاى خويش
وللحجاج يوم عيد القربان مناسك الذهاب من منى الى المسجد الحرام فلغيرهم الذهاب الى المصلى موافقة لهم والطواف فلغيرهم صلاة العيد لقوله عليه السلام (الطواف بالبيت صلاة) واقامة السنن من الحلق وقص الأظفار ونحوها فلغيرهم ازالة البدعة واقامة السنة والقربان فلغيرهم ايضا ذلك ولكن ليس كل مال يصلح لخزانة الرب ولا كل قلب يصلح لمعرفة الرب ولا كل نفس تصلح لخدمة الرب: وفى المثنوى
آن توكل كو خليلان ترا ... تا نبرد تيغت إسماعيل را
آن كرامت چون كليمت از كجا ... تا كنى شهراه قعر نيل را
وَالْقَلائِدَ اى وجعل الله القلائد ايضا قياما للناس وهى جمع قلادة وهى ما يقلد به الهدى من نعل او لحاء شجر ليعلم به انه هدى فلا يتعرض له بركوب او حمل والمراد بالقلائد ذوات القلائد وهى البدن وهى الناقة والبقرة مما يجوز فى الهدى والأضاحي وخصت بالذكر لان الثواب فيها اكثر وبهاء الحج بها اظهر ولذا ضحى عمر رضى الله عنه بنجيبة طلبت منه بثلاثمائة دينار لقوله تعالى وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ووجه كون القلائد سببا لقيام الناس ان من قلد هديا لم يتعرض له أحد وربما كانوا يقلدون رواحلهم إذا رجعوا من مكة من لحاء شجر الحرم فيأمنون بذلك وكان اهل الجاهلية يأكل الواحد منهم القضيب والشجر من الجوع وهو يرى الهدى والقلائد فلا يتعرض له تعظيما له ذلِكَ اشارة الى الجعل منصوب بفعل مقدر اى شرع الله ذلك وبين لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ فان تشريع هذه الشرائع المستتبعة لدفع المضار الدينية والدنيوية قبل وقوعها وجلب المنافع الاولوية والاخروية من أوضح الدلائل على حكمة الشارع وعلى عدم خروج شىء من علمه المحيط وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ تعميم بعد تخصيص للتأكيد اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وعيد لمن انتهك محارمه وآصر على ذلك وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وعد لمن حافظ على مراعاة حرمانه تعالى او انقطع عن الانتهاك بعد تعاطيه ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ اى تبليغ الرسالة فى امر الثواب والعقاب وهو تشديد فى إيجاب القيام بما امر به اى الرسول قد اتى بما وجب عليه من التبليغ بما لا مزيد عليه وقامت عليكم الحجة ولزمتكم الطاعة فلا عذر لكم من بعد فى التفريط وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ اى ما تظهرون من القول والعمل وما تخفون فيؤاخذكم بذلك نقيرا وقطميرا: قال السعدي قدس سره
برو علم يك ذره پوشيده نيست ... كه پنهان و پيدا بنزدش يكيست
والاشارة فى الآية ان الله تعالى كما جعل الكعبة فى الظاهر قياما للعوام والخواص يلوذون به ويستنجحون بالتضرع والابتهال هناك حاجاتهم الدنيوية والاخروية كذلك جعل كعبة القلب فى الباطن قياما للخواص وخواص الخواص ليلوذوا به بطريق دوام الذكر ونفى الخواطر بالكلية واثبات(2/446)
الحق بالربوبية والواحدية بان لا موجود الا هو ولا وجود الا له ولا مطلوب ولا محبوب الا هو وسماه البيت الحرام ليعلم انه بيت الله على الحقيقة وحرام ان يسكن فيه غيره فيراقبه عن ذكر ما سوى الحق وحبه وطلبه الى ان يفتح الله أبواب فضله ورحمته والشهر الحرام هو ايام الطلب والسير الى الله حرام على الطالب فيها مخالطة الخلق وملاحظة ما سوى الحق والهدى هو النفس البهيمية تساق الى كعبة القلب مع القلائد وهى اركان الشريعة فتذبح على عتبة القلب بسكين آداب الطريقة عن شهواتها ولذاتها الحيوانية وفى قوله تعالى ذلِكَ لِتَعْلَمُوا الآية اشارة الى ان العبد إذا وصل الى كعبة القلب فيرى بيت الله ويشاهد أنوار الجمال والجلال فبتلك الأنوار يشاهد ما فى السموات وما فى الأرض لانه ينظر بنور الله فيعلم على التحقيق أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ يسدل الحجاب لغير الأحباب ممن ركنوا الى الدنيا واغتروا بزينتها وشهواتها وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لطالبيه وقاصدى حضرته بفتح الأبواب ورفع الحجاب ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ بالقال والحال وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ من الايمان باقدار اللسان وعمل الأركان وَما تَكْتُمُونَ من تصديق الجنان او التكذيب وصدق التوجه وخلوص النية فى طلب الحق كذا فى التأويلات النجمية قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ نزلت فى حجاج اليمامة لما هم المسلمون ان يوقعوا بهم بسبب انه كان فيهم الحطيم وقد اتى المدينة فى السنة السابقة واستاق سرح المدينة فخرج فى العام القابل وهو عام عمرة القضاء حاجا فبلغ ذلك اصحاب السرح فقالوا للنبى عليه السلام هذا الحطيم خرج حاجا مع حجاج اليمامة فخل بيننا وبينه فقال عليه السلام (انه قلد الهدى) ولم يأذن لهم فى ذلك بسبب استحقاقهم الا
من بتقليد الهدايا فنزلت الآية تصد يقاله عليه السلام فى نهيه إياهم عن تعرض الحجاج وان كانوا مشركين وقد مضت هذه القصة فى أول السورة عند قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ الآية وبقي حكم هذه الآية الى ان نزلت سورة البراءة فنسخ بنزولها لانه قد كان فيها إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وفيها فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ فنسخ حكم الهدى والقلائد والشهر الحرام والإحرام وامنهم بها بدون الإسلام وسبب النزول وان كان خاصا لكن حكمه عام فى نفى المساواة عند الله بين الردى وبين الجيد ففيه ترغيب فى الجيد وتحذير عن الردى ويتناول الخبيث والطيب أمورا كثيرة. فمنها الحرام والحلال فمثقال حبة من الحلال أرجح عند الله من ملىء الدنيا من الحرام لان الحرام خبيث مردود والحلال طيب مقبول فهما لا يستويان ابدا كما ان طالبهما كذلك إذا طالب الخبيث خبيث وطالب الطيب طيب والله تعالى يسوق الطيب الى الطيب كما انه يسوق الخبيث الى الخبيث كما قال الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ والطيب عند سادات الصوفية قدس الله أسرارهم ما كان بلا فكر وحركة نفسانية سواء سيق من طرف صالح او فاسق لانه رزق من حيث لا يحتسب وهو مقبول وخلافه مردود ولا بعد فى هذا لان حسنات الأبرار سيآت المقربين وبينهما بون بعيد وايضا الخبيث من الأموال ما لم يخرج منها حق الله والطيب ما أخرجت منه(2/447)
الحقوق والخبيث ما أنفق فى وجوه الفساد والطيب ما أنفق فى وجوه الطاعات والطيب من الأموال ما وافق نفع الفقراء فى اوقات الضرورات والخبيث ما دخل عليهم فى وقت استغنائهم فاشتغلت خواطرهم بها. ومنها المؤمن والكافر والعادل والفاسق فالمؤمن كالعسل والكافر كالسم والعادل كشجرة الثمرة والفاسق كشجرة الشوك فلا يستويان على كل حال. ومنها الأخلاق الطيبة والأخلاق الخبيثة فمثل التواضع والقناعة والتسليم والشكر مقبول ومثل الكبر والحرص والجزع والكفران مردود لان الاول من صفات الروح والثاني من صفات النفس والروح طيب علوى والنفس خلافه: وفى المثنوى
هين مرو اندر پى نفسى چوزاغ ... كو بگورستان برد نه سوى باغ «1»
نفس اگر چهـ زيركست وخرده دان ... قبله اش دنياست او را مرده دان «2»
ومن اخلاق النفس حب المال والكبار قدعوا المال الطيب حجابا فما ظنك بالخبيث منه فلابد من تصفية الباطن وتخليته عن حب ما سوى الله تعالى. ومنها العلوم النافعة والعلوم الغير النافعة فالنافعة كعلوم الشريعة وغير النافعة كعلوم الفلاسفة: وفى المثنوى
علم دين فقهست وتفسير وحديث ... هر كه خواند غير ازين گردد خبيث «3»
ومنها الأعمال الصالحة والأعمال الغير الصالحة فما أريد به وجه الله تعالى فهو صالح وما أريد به الرياء والسمعة فهو غير صالح
عبادت بإخلاص نيت نكوست ... وگر نه چهـ آيد ز بي مغز پوست
قال فى التأويلات النجمية الخبيث ما يشغلك عن الله والطيب ما يوصلك الى الله. وايضا الطيب هو الله الواحد والخبيث ما سواه وفيه كثرة وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ الواو لعطف الشرطية على مثلها المقدر اى لو لم يعجبك كثرة الخبيث ولو أعجبتك وكلتاهما فى موضع الحال من فاعل لا يستوى اى لا يستويان كائنين على كل حال مفروض وجواب لو محذوف والمعنى والتقدير ان الخبيث ولو أعجبتك كثرته يمتنع ان يكون مساويا للطيب فان العبرة بالجودة والرداءة دون القلة والكثرة فان المحمود القليل خير من المذموم الكثير بل كلما كثر الخبيث كان أخبث ومعنى الاعجاب السرور بما يتعجب منه يقال يعجبنى امر كذا اى يسرنى والخطاب فى أعجبك لكل واحد من الذين امر النبي عليه السلام بخطابهم فَاتَّقُوا اللَّهَ فى تحرى الخبيث وان كثروا آثروا الطيب وان قل يا أُولِي الْأَلْبابِ يا ذوى العقول الصافية وهم فى الحقيقة من تخلصت قلوبهم وأرواحهم من قشور الأبدان والنفوس لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ راجين ان تنالوا الفلاح وهو سعادة الآخرة ثم ان التقوى على مراتب قال ابن عطاء التقوى فى الظاهر مخالفة الحدود وفى الباطن النية والإخلاص وقال فى قوله تعالى اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وهو صدق قولك لا اله الا الله وليس فى قلبك شىء سواه ومن وصايا حضرة المولوى قبيل وفاته [أوصيكم بتقوى الله فى السر والعلانية وبقلة الطعام وقلة المنام وقلة الكلام وهجر المعاصي والآثام وترك الشهوات على الدوام واحتمال الجفاء من جميع الأنام وترك مجالسة السفهاء والعوام ودوام مصاحبة الصالحين الكرام فان خير الناس من ينفع الناس وخير الكلام ما قل
__________
(1) در أوائل دفتر چهارم در بيان آموختن پيشه كور كنى قابيل از زاع إلخ
(2) در اواسط دفتر چهارم در بيان آنكه عارف را غداييست از نور حق إلخ
(3) لم أجد(2/448)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102)
ودل] واعلم ان النافع هو التقوى والسبب المنجى هو الايمان والعمل الصالح دون الحسب والنسب فلا يغرنك الشيطان بكثرة أموالك وأولادك ووفرة مفاخر آبائك وأجدادك فاصل البول الماء الطيب الصافي والله تعالى يخرج الميت من الحي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ- روى- انه لما نزلت وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ قال سراقة بن مالك أكل عام فاعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعاد ثلاثا فقال (لا ولو قلت نعم لو جبت ولو وجبت لما استطعتم فاتركونى ما تركتكم فانما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فاذا أمرتكم بامر فخذوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شىء فاجتنبوه) فنزلت وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه عليه السلام كان يخطب ذات يوم غضبان من كثرة ما يسألون عنه مما لا يعنيهم فقال لا اسأل عن شىء الا أجبت فقال رجل اين ابى فقال (فى النار) وقال آخر من ابى فقال (حذافة) وكان يدعى لغيره فنزلت إِنْ تُبْدَ لَكُمْ الشرطية وما عطف عليها صفتان لاشياء والمساءة معلقة بالابداء والإبداء معلق بالسؤال. فالمعنى لا تسألوا عن أشياء ان تسألوا عنها فى زمان الوحى تظهر لكم وان تظهر لكم تغمكم والعاقل لا يفعل ما يغمه. قال البغوي فان من سأل عن الحج لم يأمن ان يأمر به فى كل عام فيسوءه ومن سأل عن نسبه لم يأمن ان يلحقه بغيره فيفتضح عَفَا اللَّهُ عَنْها استئناف مسوق لبيان ان نهيهم عنها لم يكن لمجرد صيانتهم عن المساءة بل لانها فى نفسها معصية مستتبعة للمؤاخذة وقد عفا عنها وفيه من حثهم على الجد فى الانتهاء عنها ما لا يخفى وضمير عنها للمسألة المدلول عليها بلا تسألوا اى عفا الله عن مسألتكم السالفة حيث لم يفرض عليكم الحج فى كل عام جزاء بمسألتكم وتجاوز عن عقوبتكم الاخروية بسبب مسألتكم فلا تعودوا الى مثلها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ اى مبالغ فى مغفرة الذنوب والإغضاء عن المعاصي ولذلك عفا عنكم ولم يؤاخذكم بعقوبة ما فرط منكم فالجملة اعتراض تذييلى مقرر لعفوه تعالى قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ اى سألوا هذه المسألة لكن لا عينها بل مثلها فى كونها محظورة ومستتبعة للوبال وعدم التصريح بالمثل للبالغة فى التحذير مِنْ قَبْلِكُمْ متعلق بسألها ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها اى بسببها كافِرِينَ فان بنى إسرائيل كانوا يستفتون أنبياءهم فى أشياء فاذا أمروا تركوها فهلكوا كما سأل قوم ثمود صالحا الناقة وسأل قوم عيسى مائدة قال ابو ثعلبة ان الله فرض فرائض فلا تضيعوها ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها وحد حدودا فلا تعتدوها وعفا عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها قال الحسين الواعظ الكاشفى فى تفسيره [پس نيكبخت آنست كه از حال ديگران عبرت گيرد بقول وفعل فضولى اشتغال ننمايد ودرين باب گفته اند]
بگوى آنچهـ گفتن ضرورت شود ... دگر گفته ها را فرو بند در
بجاى آر فعلى كه لازم بود ... ز افعال بي حاصل اندر گذر
وكان رجل يحضر مجلس ابى يوسف كثيرا ويطيل السكوت فقال له يوما مالك لا تتكلم ولا تسأل عن مسألة قال أخبرني ايها القاضي متى يفطر الصائم فال إذا غابت الشمس قال فان لم تغب الى نصف الليل فتبسم وتمثل بيت جرير(2/449)
وفى الصمت زين للخلى وانما ... صحيفة لب المرء ان يتكلما
وفى الحديث (عجبت من بنى آدم وملكاه على نابيه فلسانه قلمهما وريقه مدادهما كيف يتكلم فيما لا يعنيه) والاشارة فى الآيتين ان الله تعالى نهى اهل الايمان ان يتعلموا العلوم اللدنية وحقائق الأشياء بطريق السؤال لانها ليست من علوم القال وانما هى من علوم الحال فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ اى عن حقائق أشياء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ بيانها بطريق القال تَسُؤْكُمْ إذ لم تهتدوا الى الحقائق ببيان القال فتقع عقولكم المشوبة بآفات الهوى والوهم والخيال فى الشبهات فتتهالكوا فى أوديتها كما كان حال طوائف الفلاسفة إذ طلبوا علوم حقائق الأشياء بطريق القال والبراهين المعقولة فما كانت منها مندرجة تحت نظر العقول المجردة عن شوائب الوهم والخيال أصابوها وما ضاق نطاق العقول عن دركها استزلهم الشيطان عند البحث عن الصراط المستقيم وأوقعهم فى اودية الشبهات وبوادي الهلكات فهلكوا واهلكوا خلقا عظيما بتصانيفهم فى العلوم الالهية وبعضهم خلطوها بعلم الأصول وقرروا شبهاتهم فيها فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل وما علموا ان تعلم علوم الحقائق بالقال محال وان تعلمها انما يحصل بالحال كما كان حال الأنبياء مع الله فقد علمهم علوم الحقائق بالاراءة لا بالرواية فقال تعالى وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وقال فى حق النبي عليه السلام لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا وقال لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى وقال عليه السلام (أرنا الأشياء كما هى) وكما كان حال الامة مع النبي عليه السلام كان يعلمهم الكتاب بالقال والحكمة بالحال بطريق الصحة وتزكية نفوسهم عن شوائب آفات النفس وأخلاقها كقوله تعالى يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وقال تعالى فيمن تحقق له فوائد الصحة على موائد المتابعة سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ثم قال وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ اى وان كان لا بد لكم من السؤال عن حقائق الأشياء فاسألوا عنها بعد نزول القرآن اى من القرآن ليخبركم عن حقائقها على قدر عقولكم. اما العوام منكم فيؤمنون بمتشابهات القرآن فانها بيان حقائق الأشياء ويقولون كل من عند ربنا ولا يتصرفون فيها بقولهم طلبا للتأويل فانه لا يعلم تأويلها الا الله والراسخون فى العلم وهم الخواص. واما أخص الخواص فيفهمون مما يشير القرآن اليه من حقائق الأشياء بالرموز والإشارات والمتشابهات ما لا يفهم غيرهم كما أشار بقصة موسى والخضر الى ان تعلم العلم اللدني انما يكون بالحال فى الصحبة والمتابعة والتسليم وترك الاعتراض على الصاحب المعلم لا بالقال ولا بالسؤال لقوله تعالى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً يعنى فى المتابعة وترك الاعتراض قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ يعنى ان من شرط المتابعة ترك السؤال عن افعال المعلم وغيرها فلما لم يستطع موسى معه صبرا ليتعلم بالحال وفتح باب القال والسؤال فقال أخرقتها لتغرق أهلها أقتلت نفسا زكية فما واساه الخضر وقال أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قالَ يعنى موسى إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي(2/450)
مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104)
يشير الى ان تعلم العلم اللدني بالحال فى الصحبة والمتابعة والتسليم لا بالقال والسؤال وفى السؤال الانقطاع عن الصحبة فافهم جدا فلما عاد فى الثالثة الى السؤال وقال لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ثم قال عَفَا اللَّهُ عَنْها اى عما سألتم وطلبتم من علوم الحقائق بالقال قبل نزول هذه الآية وَاللَّهُ غَفُورٌ لمن تاب ورجع الى الله فى طلب علوم الحقائق بالقال والسؤال حَلِيمٌ لمن يطلب بالحال يحلم عنهم فى أثناء ما يصدر منهم مما ينافى امر الطلب الى ان يوفقهم لما يوافق الطلب ثم قال قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ يعنى من مقدمى الفلاسفة فقد شرعوا فى طلب العلوم الالهية بالقال ونظر العقل فوقعوا فى اودية الشبهات ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ اى بسبب الشبهات التي وقعوا فيها بتتبع القيل والقال وكثرة السؤال وترك متابعة الأنبياء عليهم السلام كذا فى التأويلات النجمية ما جَعَلَ اللَّهُ هو الجعل التشريعي ويتعدى الى واحد اى ما شرع وما وضع وما سن مِنْ مزيدة لتأكيد النفي بَحِيرَةٍ كان اهل الجاهلية إذا نتجت الناقة خمسة ابطن آخرها ذكر بحروا اذنها اى شقوها وحرموا ركوبها ودرها ولا تطرد عن ماء ولا مرعى فهى فعيلة من البحر وهو الشق بمعنى المفعولة وَلا سائِبَةٍ كان الرجل منهم يقول إذا قدمت من سفرى او برئت من مرضى فناقتى سائبة وجعلها كالبحيرة فى تحريم الانتفاع بها فهى فاعلة من قولهم ساب الماء يسيب سيبا إذا جرى على وجه الأرض ويقال ايضا سابت الحية فالسائبة هى التي تركت حتى تسيب حيث شاءت وَلا وَصِيلَةٍ كانوا إذا ولدت الشاة أنثى فهى لهم وان ولدت ذكرا فهو لآلهتهم وان ولدت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها واستحيوا الذكر من أجل الأنثى فلا يذبح لآلهتهم. فمعنى الآية ما جعل الله أنثى تحلل ذكرا محرما عند الانفراد فهى فعيلة بمعنى فاعلة وَلا حامٍ كانوا إذا نتجت من صلب الفحل عشرة ابطن قالوا قد حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى فهو اسم فاعل من حمى يحمى اى منع يقال حماه يحميه إذا حفظه وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ اى يكذبون عمدا حيث يفعلون ما يفعلون ويقولون الله أمرنا بهذا وامامهم عمرو بن لحى الخزاعي فانه كان اقدم من ملك مكة وكان أول من غير دين إسماعيل فاتخذ الأصنام ونصب الأوثان وشرع البحيرة والسائبة والوصيلة والحامى- روى- انه عليه السلام قال فى حقه (رأيت عمرو بن لحى الخزاعي يجر قصبه فى النار يؤذى اهل النار بريح قصبه) والقصب المعى هذا شأن رؤسائهم وكبارهم وَأَكْثَرُهُمْ وهم أراذلهم الذين يوقعونهم فى معاصى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يَعْقِلُونَ انه افتراء باطل حتى يخالفوهم ويهتدوا الى الحق بانفسهم فيبقون فى اسر التقليد وَإِذا قِيلَ لَهُمْ اى للاكثر على سبيل الهداية والإرشاد تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ من الكتاب المبين للحلال والحرام وَإِلَى الرَّسُولِ الذي انزل هو عليه لتقفوا على حقيقة الحال وتميزوا الحرام من الحلال قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا بيان لعنادهم واستعصائهم على الهادي الى الحق وانقيادهم للداعى الى الضلال. وحسبنا مبتدأ وما وجدنا خبره وهو فى الأصل مصدر والمراد(2/451)
به اسم الفاعل اى كافينا الذي وجدنا عليه آباءنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ الواو للعطف على شرطية اخرى مقدرة قبلها والتقدير أيحسبهم ذلك اى أيكفيهم وجدان آبائهم على هذا المقال او أيقولون هذا القول ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيأ من الدين ولا يهتدون للصواب والمعنى ان الاقتداء انما يكون بمن علم انه عالم مهتد وذلك لا يعرف الا بالحجة قال الحسين الواعظ فى تفسيره [يعنى ايشان جاهل وگمراه بودند تقليد ايشان نافع نيست بلكه تقليد عالم مى بايد تا كار بتحقيق انجامد] قال جلال الدين رومى قدس سره فى المثنوى
از مقلد تا محقق فرقهاست ... اين يكى كوهست وان ديگر صداست «1»
دست در بينا زنى آيى براه ... دست در كورى زنى افتى بچاه «2»
قال الشيخ على دده فى اسئلة الحكم اما ما ورد فى الأحاديث النبوية فى حق الدجاجلة وظهورها بين الامة فلا شك عند اهل العلم ان الدجاجلة هم الائمة المضلون لا سيما من متصوفة الزمان او متشيخيهم وقد شاهدناهم فى عصرنا هذا قاتلهم الله حيثما كانوا انتهى قال بعضهم قلت لمتشبه بالصوفية ظاهرا يعني جبتك لما علم من أحواله فقال إذا باع الصياد شبكته فبأى شىء يتصيد
بر وى ريا خرقه سهلست دوخت ... گرش با خدا در توانى فروخت
بنزديك من شبرو راهزن ... به از فاسق پارسا و پيرهن
والاشارة ان الشيطان كلما سلط على قوم أغراهم على التصرف فى انعام أجسامهم ونفوسهم مبتدعين غير متبعين وهم يزعمون ان هذه التصرفات لله وفى الله وفى قوله ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ اشارة الى من يتصرف بما لم يؤمر به كمن يشق اذنه او يثقبها ويجعل فيها الحلقة من الحديد او يثقب صدره او ذكره ويجعل عليه القفل او يجعل فى عنقه الغل او يحلق لحيته مثل ما يفعل هؤلاء القلندرية قال الحافظ قدس سره
قلندرى نه بريشست وموى يا ابرو ... حساب راه قلندر بدانكه موى بموست
گذشتن از سر مو در قلندرى سهلست ... چوحافظ آنكه ز سر بگذرد قلندر اوست
وَلا سائِبَةٍ وهم الذين يدرون فى البلاد مسيبين خليعى العذار يرتعون فى مراتع البهيمية والحيوانية بلا لجام الشريعة وقيد الطريقة وهم يدعون انهم أهل الحق قد لعب الشيطان بهم فاتخذوا إلههم هو أهم وَلا وَصِيلَةٍ وهم الذين يبيحون المحرمات ويستحلون الحرمات ويتصلون بالاجانب من طريق الاخوة والابوة كالاباحية والزنادقة فيغتر به ويظن انه بلغ مقام الوحدة وانه محمى عن النقصان بكل حال ولا يضره مخالفات الشريعة إذ هو بلغ مقام الحقيقة فهذا كله من وساوس الشيطان وهواجس النفس ما امر الله بشىء من ذلك ولا رخص لاحد فيه فهؤلاء الذين وضعوا هذه الطريقة وابتدعوها لا يعلمون شيأ من الشريعة والطريقة ولا يهتدون الى الحقيقة فانهم اهل الطبيعة وارباب الخديعة ولقد شاعت فى الآفاق فتنهم وكملت فيهم غرتهم ومالهم من دافع ولا مانع ولا وازع على ان الخرق قد اتسع على الراقع
ارى الف بان لا يقوم بهادم ... فكيف بيان خلفه الف هادم
__________
(1) در أوائل دفتر دوم در بيان تمام قصه زنده شدن استخوان إلخ
(2) لم أجد(2/452)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108) يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ اى الزموا إصلاح أنفسكم وحفظها مما يوجب سخط الله وعذاب الآخرة لا يَضُرُّكُمْ ضلال مَنْ ضَلَّ بالفارسي [زيانى نرساند شما را بي راهىء آنكس كه گمراه شد] إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إذا كنتم مهتدين. والآية نزلت لما كان المؤمنون يتحسرون على الكفرة ويتمنون ايمانهم وفيهم من الضلال بحيث لا يكادون يرعوون عنه بالأمر والنهى إِلَى اللَّهِ لا لاحد سواه مَرْجِعُكُمْ رجوعكم يوم القيامة جَمِيعاً الضلال والمهتدى فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فى الدنيا من اعمال الهداية والضلال اى فيجازيكم على ذلك فهو وعد ووعيد للفريقين المهتدين والضالين وتنبيه على ان أحدا لا يؤاخذ بعمل غيره ولا يتوهمنّ ان فى الآية رخصة فى ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مع استطاعتهما كيف لا ومن جملة الاهتداء ان ينكر على المنكر حسب الطاقة
اگر بينى كه نابينا و چاهست ... اگر خاموش بنشينى گناهست
وفى الحديث (من رأى منكم منكرا ان استطاع ان يغيره فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه) وقد روى ان الصديق قال يوما على المنبر يا ايها الناس انكم تقرءون هذه الآية وتضعونها غير موضعها ولا تدرون ما هى وانما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ان الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه عمهم الله بعقاب) فامروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ولا تغتروا بقول الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ الآية فيقول أحدكم علىّ نفسى والله لتأمرن بالمعروف وتنهون عن المنكر او ليستعملن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب ثم ليدعن خياركم فلا يستجاب لهم ولو قيل لرجل لم لا تأمر بالمعروف قال [مرا چهـ كارست] او قيل لرجل [فلانرا امر معروف كن] فقال [مرا او چهـ كرده است] او قال [من عافيت گزيده أم] او قال [مرا با اين فضولى چهـ كار] يخاف عليه الكفر فى هذه الصور: قال المولوى قدس سره
تو ز گفتار تعالوا كم مكن ... كيمياى بس شكرفست اين سخن
گرمسى گردد ز گفتارت نفير ... كيميا را هيچ از وى وامگير
فالامر بالمعروف والنهى عن المنكر فرض لا يسقط الا عند العجز عن ذلك وكان السلف مغدورين فى بعض الأزمان فى ترك الإنكار باليد واللسان
چودست وزبانرا نماند مجال ... بهمت نمايند مردى رجال
والحاصل ان هذا يختلف باختلاف الاشخاص والأحوال والأوقات فعلى المحب ان لا يتجاوز عن الحد ويراعى حكم الوقت فان لكل زمان دولة ورجالا والاشارة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اى ايمان الطالبين الموقنين بان الوجدان فى الطلب كما قال تعالى (الا من طلبنى وجدنى) عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ فاشتغلوا بتزكيتها فانه قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها فلا تشتغلوا قبل تزكيتها بتزكية نفوس الخلق ولا تغتروا بارادة الخلق وبقولهم وحسن ظنهم فيكم وتقربهم إليكم فانها للطالب سم الساعة وان مثل السالك المحتاج الى المسلك والذي يدعى إرادته ويتمسك به كمثل غريق فى البحر محتاج الى سابح كامل فى صنعته لينجيه من الغرق فيتشبت به(2/453)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ (106)
غريق آخر فى البحر وهو يأخذ بيده لينجيه فيهلكان جميعا فالواجب على الطالب المحق ان يتمسك بذيل ارادة صاحب دولة فى هذا الشأن مسلك كامل ويستسلم للاحكام ولا يلتفت الى كثرة الهالكين فانه لا يهلك على الله الا هالك لا يَضُرُّكُمْ ايها الطالبون مَنْ ضَلَّ من المغرقين إِذَا اهْتَدَيْتُمْ الى الحق به إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً ايها الطالبون بجذبات العناية على طريق الهداية والمضلون بسلاسل القهر والخذلان على طريق المكر والعصيان فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ اى فيذيقكم لذة ثواب أعمالكم او الم عقوبة أعمالكم والمعنى ليس للطالب ان يلتفت فى أثناء سلوكه الى أحد من اهل الصدق والارادة بان يقبله ليربيه ويغتر بانه شيخ يقتدى به الى ان يتم امر سلوكه بتسليك مسلك كامل واصل ثم ان يرى شيخه ان له رتبة الشيخوخة فيثبته باشارة التحقق فى مقام التربية ودعوة الخلق فحينئذ يجوز له ان يكون هاديا مرشدا للمريدين باحتياط وافر فقد قال تعالى وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ فاما فى زماننا هذا فقد آل الأمر الى ان من لم يكن مريدا قط يدعى الشيخوخة ويخبر بالشيخوخة الجهال والضلال من جهالته وضلالته حرصا لانتشار ذكره وشهرته وكثرة مريديه وقد جعلوا هذا الشأن العظيم والثناء الجسيم لعب الصبيان وضحكة الشيطان حتى يتوارثونه كلما مات واحد منهم كانوا يجلسون ابنه مقامه صغيرا كان او كبيرا ويلبسون منه الخرق ويتبركون به وينزلونه منازل المشايخ فهذه مصيبة قد عمت ولعل هذه طريقة قد تمت فاندرست آثارها والله اعلم باخبارها الى هاهنا من الاشارة من التأويلات النجمية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تصديره بحرف النداء والتنبيه لاظهار كمال العناية بمضمونه- روى- ان تميم بن أوس الداري وعدى بن زيد خرجا الى الشام للتجارة وكانا حينئذ نصرانيين ومعهما بديل بن ابى مريم مولى عمرو بن العاص وكان مسلما فلما قدما الى الشام مرض بديل فكتب كتابا فيه اسماء جميع ما معه وطرحه فى درج الثياب ولم يخبرهما بذلك واوصى إليهما بان يدفعا متاعه الى اهله ومات ففتشاه فوجدا فيه اناء من فضة وزنه ثلاثمائة مثقال منقوشا بالذهب فغيباه ودفعا المتاع الى اهله فاصابوا فيه الكتاب فقالوا لهما هل باع صاحبكما شيأ من متاعه قالا لا قالوا فهل طال مرضه فانفق شيأ على نفسه قالا لا انما مرض حين قدم البلد فلم يلبث ان مات قالوا فانا وجدنا فى متاعه صحيفة فيها تسمية متاعه وفيها اناء منقوش مموّه بالذهب وزنه ثلاثمائة مثقال قالا ما ندرى انما اوصى إلينا بشىء وأمرنا ان ندفعه إليكم ففعلنا وما لنا بالاناء من علم فرفعوهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فاستحلفهما بعد صلاة العصر عند المنبر بالله الذي لا اله الا هو انهما لم يخونا شيأ مما دفع ولا كتما فحلفا على ذلك فخلى صلى الله عليه وسلم سبيلهما ثم انه وجد الإناء فى مكة فقال من بيده اشتريته من تميم وعدي وقيل لما طالت المدة اظهراه فبلغ ذلك بنى سهل اولياء بديل فطلبوه منهما فقالا كنا اشتريناه من بديل فقالوا الم نقل لكما هل باع صاحبنا من متاعه شيأ فقلتمالا قالا ما كان لنا بينة فكرهنا ان نقربه فرفعوهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى فَإِنْ عُثِرَ الآية فقام عمرو بن العاص والمطلب بن ابى وداعة السهميان فحلفا بالله بعد العصر انهما كذبا وخانا فدفع الإناء إليهما واتفق العلماء على ان(2/454)
هذه الآية أشكل ما فى القرآن أعرابا ونظما وحكما شَهادَةُ بَيْنِكُمْ اى شهادة الخصومات الجارية بينكم فبين ظرف أضيف اليه شهادة على طريق الاتساع فى الظروف بان يجعل الظرف كأنه مفعول للفعل الواقع فيه فيضاف ذلك الفعل اليه على طريق إضافته الى المفعول نحو يا سارق الليلة اى يا سارق فى الليلة وارتفاع الشهادة على انها مبتدأ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ اى شارفه وظهرت علائمه ظرف للشهادة حِينَ الْوَصِيَّةِ بدل من الظرف وفى إبداله منه تنبيه على ان الوصية من المهمات المقررة التي لا ينبغى ان يتهاون بها المسلم ويذهل عنها اثْنانِ خبر للمبتدأ بتقدير المضاف لئلا يلزم حمل العين على المعنى اى شهادة بينكم حينئذ شهادة اثنين او فاعل شهادة بينكم على ان خبرها محذوف اى فيما نزل علكم ان يشهد بينكم اثنان واختلفوا فى هذين الاثنين. فقال قوم هما الشاهدان اللذان يشهدان على وصية الموصى.
وقال آخرون هما الوصيان لان الآية نزلت فيهما ولانه قال تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان ولا يلزم الشاهدين الإيصاء وان صح الى واحد الا انه ورد فى الآية الإيصاء الى اثنين احتياطا واعتضادا لاحدهما بالآخر. فعلى هذا تكون الشهادة بمعنى الحضور كقولك شهدت وصية فلان بمعنى حضرت والشهيد الذي حضرته الوفاة فى الغزو حتى لو مضى عليه وقت صلاة وهو حى لا يسمى شهيدا لان الوفاة لم تحضره فى الغزو ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هما صفتان للاثنان اى صاحبا امانة وعقل من أقاربكم لانهم اعلم بأحوال الميت وانصح له واقرب الى تحرى ما هو أصلح له او من اهل دينكم يا معشر المؤمنين وهذه جملة تامة تتناول حكم الشهادة على الوصية فى الحضر والسفر أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ عطف على اثنان او شهادة عدلين آخرين من غيركم اى من الأجانب او من غير اهل دينكم اى من اهل الذمة وقد كان ذلك فى بدء الإسلام لعزة وجود المسلمين لا سيما فى السفر ثم نسخ بقوله تعالى وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ فلا يقبل شهادة الذمي على المسلم لعدم ولايته عليه والشهادة من باب الولاية وتقبل شهادة الذمي على الذمي لان اهل الذمة بعضهم اولياء بعض إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ اى سرتم وسافرتم فيها فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ عطف على الشرط وجوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه اى ان سافرتم فقار بكم الاجل حينئذ وما معكم من الأقارب او من اهل الإسلام من يتولى لامر الشهادة كما هو الغالب المعتاد فى الاسفار فشهادة بينكم شهادة آخرين او فانه يشهد آخران فقوله تعالى إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ تقييد لقوله أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ تَحْبِسُونَهُما استئناف وقع جوابا عما نشأ من اشتراط العدالة كأنه قيل فكيف نصنع ان ارتبنا بالشاهدين فقيل تحبسونهما اى تقفونهما وتصبرونهما للتحليف مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ من صلة واللام للعهد الخارجي اى بعد صلاة العصر لتعينها عندهم للتحليف بعدها لانه وقت اجتماع الناس وتصادم ملائكة الليل وملائكة النهار ولان جمع اهل الايمان يعظمون ويجتنبون فيه الحلف الكاذب وقد روى ان النبي عليه السلام وقتئذ حلف من حلف قال الشافعي الايمان تغلظ فى الدماء والطلاق والعتاق والمال إذا بلغ مائتى درهم بالزمان والمكان فيحلف بعد صلاة العصر بمكة بين الركن والمقام وفى المدينة عند المنبر وفى بيت المقدس عند الصخرة(2/455)
فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107)
وفى سائر البلدان فى اشرف المساجد وقال ابو حنيفة لا يختص الحلف بزمان ولا مكان فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ عطف على تحبسونهما إِنِ ارْتَبْتُمْ شرطية محذوفة الجواب لدلالة ما سبق من الحبس والاقسام عليه سيقت من جهته تعالى معترضة بين القسم وجوابه للتنبيه على اختصاص الحبس والتحليف بحال الارتياب اى ان ارتاب فيهما الوارث منكم بخيانة وأخذ شىء من التركة فاحبسوهما وحلفوهما بالله لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً جواب القسم اى مقسم عليه فان قوله فيقسمان يتضمن قسما مضمرا فيه. والاشتراء استبدال السلعة بالثمن اى أخذها بدلا منه ثم استعير لاخذ شىء بازالة ما عنده عينا كان او معنى على وجه الرغبة فى المأخوذ والاعراض عن الزائل كما هو المعتبر فى المستعار منه والضمير فى به لله. والمعنى لا نأخذ لانفسنا بدلا من الله اى من حرمته عرضا من الدنيا بان نهتكها ونزيلها بالحلف الكاذب اى لا نحلف بالله كاذبين لاجل المال وطمع الدنيا وَلَوْ كانَ اى المقسم له المدلول عليه بفحوى الكلام وهو الميت ذا قُرْبى اى قريبا منافى الرحم تأكيد لتبرئهم من الحلف كاذبا ومبالغة فى التنزه كأنهما قالا لا نأخذ لا نفسنا بدلا من حرمة اسمه تعالى مالا ولو انضم اليه رعاية جانب الأقرباء فقد انضم إليها ما هو أقوى منها وادعى الى الحلف كاذبا وهى صيانة حظ أنفسهما فلا يتحقق ما قصداه من المبالغة فى التنزه عنه والتبري منه. قلت صيانة أنفسهما وان كانت أهم من رعاية الأقرباء لكنها ليست ضميمة للمال بل راجعة اليه وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ معطوف على لا نشترى به داخل معه فى حكم القسم وشهادة الله منصوب على انها مفعول بها أضيفت اليه تعالى لانه هو الآمر بها وبحفظها وعدم كتمانها وتضييعها إِنَّا إِذاً اى إذ كتمناها لَمِنَ الْآثِمِينَ اى العاصين فَإِنْ عُثِرَ اى اطلع بعد التحليف عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً اى فعلا ما يوجب اثما من تحريف وكتم بان ظهر بايديهما شىء من التركة وادعيا استحقاقهما له بوجه من الوجوه فَآخَرانِ اى رجلان آخران وهو مبتدأ خبره يَقُومانِ مَقامَهُما اى مقام اللذين عثر على خيانتهما وليس المراد بمقامهما مقام أداء الشهادة التي تولياها ولم يؤدياها كما هى بل هو مقام الحبس والتحليف على الوجه المذكور لاظهار الحق مِنَ الَّذِينَ حال من فاعل يقومان اى من اهل الميت الذين اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ من بينهم اى الاقربان الى الميت الوارثان له الاحقان بالشهادة اى باليمين ومفعول استحق محذوف اى استحق عليهم ان يجردوهما للقيام بالشهادة ويظهروا بهما كذب الكاذبين وهما فى الحقيقة الآخران القائمان مقام الأولين على وضع المظهر مقام المضمر فاستحق مبنى للفاعل والاوليان فاعله وهو تثنية الاولى بالفتح بمعنى الأقرب. وقرىء على البناء للمفعول وهو الأظهر اى من الذين استحق عليهم الإثم اى جنى عليهم وهم اهل الميت وعشيرته فالاوليان مرفوع على انه خبر لمحذوف كأنه قيل ومن هم فقيل الاوليان فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ عطف على يقومان لَشَهادَتُنا المراد بالشهادة اليمين كما فى قوله تعالى فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ اى ليميننا على انهما كاذبان فيما ادعيا من الاستحقاق مع كونها حقة صادقة فى نفسها أَحَقُّ بالقبول مِنْ شَهادَتِهِما اى من يمينهما مع كونها كاذبة فى نفسها لما انه قد ظهر للناس استحقاقهما للاثم ويميننا منزهة عن الريب والريبة فصيغة التفضيل مع انه لا حقيقة(2/456)
ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108)
فى يمينهما رأسا انما هى لامكان قبولها فى الجملة باعتبار احتمال صدقهما فى ادعاء تملكهما لما ظهر فى أيديهما وَمَا اعْتَدَيْنا عطف على جواب القسم اى ما تجاوزنا فيها شهادة الحق وما اعتدينا عليهما بابطال حقهما إِنَّا إِذاً اى إذا اعتدينا فى يميننا لَمِنَ الظَّالِمِينَ أنفسهم بتعريضها لسخط الله تعالى وعذابه بسبب هتك حرمة اسم الله تعالى او لمن الواضعين الحق فى غير موضعه ومعنى النظم الكريم ان المحتضر ينبغى ان يشهد على وصيته عدلين من ذوى نسبه او دينه فان لم يجدهما بان كان فى سفر فآخرين من غيرهم ثم ان وقع ارتياب بهما اقسما على انهما ما كتما من الشهادة ولا من التركة شيأ بالتغليظ فى الوقت فان اطلع بعد ذلك على كذبهما بان ظهر يا يديهما شىء من التركة وادعيا تملكه من جهة الميت حلف الورثة وعمل بايمانهم وانما انتقل اليمين الى الأولياء لان الوصيين ادعيا انهما ابتاعاه والوصي إذا أخذ شيأ من مال الميت وقال انه اوصى به حلف الوارث إذا أنكر ذلك وتحليف المنكر ليس بمنسوخ ذلِكَ اى الحكم الذي تقدم تفصيله أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها اى اقرب الى ان تؤدى الشهود الشهادة على وجهها الذي تحملوها عليه من غير تحريف ولا خيانة خوفا من العذاب الأخروي هذا كما ترى حكمة شرعية التحليف بالتغليظ المذكور أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ بيان لحكمة شرعية رد اليمين على الورثة معطوف على مقدر ينبئ عنه المقام كأنه قيل ذلك ادنى ان يأتوا بالشهادة على وجهها ويخافوا عذاب الآخرة بسبب اليمين الكاذبة او يخافوا الافتضاح على رؤس الاشهاد بابطال ايمانهم والعمل بايمان الورثة فينزجوا عن الخيانة المؤدية اليه فأى الخوفين وقع حصل المقصود الذي هو الإتيان بالشهادة على وجهها وَاتَّقُوا اللَّهَ فى شهادتكم فلا تحرفوها وفى ايمانكم فلا تحلفوا ايمانا كاذبة وفى أماناتكم فلا تخونوها وفيما بينه الله من الاحكام فلا تخالفوا حكمه وَاسْمَعُوا ما توعظون به كائنا ما كان سمع طاعة وقبول وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ الخارجين عن الطاعة اى فان لم تتقوا ولم تسمعوا كنتم فاسقين والله لا يهدى القوم الفاسقين اى الى طريق الجنة او الى ما فيه نفعهم واعلم ان الشهادة فى الشرع الاخبار عن امر حضره الشهود وشاهدوه اما معاينة كالافعال نحو القتل والزنى او سماعا كالعقود والاقرارات فلا يجوز له ان يشهد الا بما حضره وعلمه وسمعه ولهذا لا يجوز له أداء الشهادة حتى تذكر الحادثة وفى الحديث (إذا علمت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع) وفى الشهادة احياء حقوق الناس وصون العقود عن التجاحد وحفظ الأموال على أربابها وفى الحديث (أكرموا شهودكم فان الله يستخرج بهم الحقوق) ومن تعين للتحمل لا يسعه ان يمتنع إذا طلب لما فيه من تضييع الحقوق الا ان يقوم الحق بغيره بان يكون فى الصك سواه ممن يقوم الحق به فيجوز له الامتناع لان الحق لا يضيع بامتناعه وهو مخير فى الحدود بين الشهادة والستر لأن اقامة الحدود حسبة والستر على المسلم حسبة والستر أفضل وفى الحديث (من ستر على مسلم ستره الله عليه فى الدنيا والآخرة) ثم اعلم ان اليمين الفاجرة تبقى الديار بلاقع فينبغى لطالب الآخرة ان يجتنب عن الكذب لطمع الدنيا وان يختار الصدق فى كل قول وفعل: قال الحافظ
طريق صدق بياموز از آب صافى دل ... براستى طلب آزادگى چوسرو چمن(2/457)
يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109)
والامانة من الأوصاف الجميلة والله تعالى يأمر بأداء الأمانات وان قل أصحابها فى هذا الزمان ولله در القائل
أمين مجوى ومگو با كسى امانت عشق ... درين زمانه مگر جبرئيل أمين باشد
وعاقبة الخيانة الافتضاح: كما قال الصائب
خيانتهاى پنهان ميكشد آخر برسوايى ... كه دزد خانگى را شحنه در بازار ميگردد
فلابد من التقوى وسماع الاحكام الازلية والله لا يهدى الى حضرته القوم الفاسقين يعنى الذين كانوا خارجين عند رشاش النور وأصابته كما قال عليه السلام (فمن أصابه ذلك النور فقد اهتدى ومن اخطأه فقد ضل) عصمنا الله وإياكم من مخالفة امره ولا يجعلنا ممن ضاع أنفاس عمره انه هو الموفق والمرشد والوهاب يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ اى اذكروا يوم يجمع الله الرسل وهو يوم القيامة والمراد جمعهم وجمع أممهم وانما لم يذكر الأمم لانهم اتباع لهم فَيَقُولُ اى الله تعالى للرسل ماذا أُجِبْتُمْ اى أي اجابة أجبتم من جهة الأمم حين دعوتموهم الى توحيدى وطاعتى أإجابة اقرار وتصديق أم اجابة انكار وتكذيب فماذا فى محل النصب على انه مفعول مطلق للفعل المذكور بعده. وفيه اشارة الى خروجهم من عهدة الرسالة كما ينبغى والا لصدر الخطاب بان يقال هل بلغتم رسالتى ولم يقل ماذا أجابوا بناء على كمال تحقير شأنهم وشدة الغيظ والسخط عليهم فان قلت ما وجه السؤال مع انه تعالى لا يخفى عليه شىء قلت توبيخ القوم كما ان قوله تعالى وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ المقصود منه توبيخ من فعل ذلك الفعل بها قالُوا كأنه قيل فماذا يقول الرسل هنا لك فقيل يقولون لا عِلْمَ لَنا بما كنت أنت تعلم إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ تعليل لذلك اى لانك تعلم ما أضمروه وما أظهروه ونحن لا نعلم الا ما أظهروه فعلمنا فى علمك كالمعدوم وهذا الجواب يتضمن التشكي من الأمم كأنه قيل علمك محيط بجميع المعلومات فتعلم بما ابتلينا من قبلهم وكابدنا من سوء اجابتهم فنلتجئ إليك فى الانتقام منهم وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان هذا الجواب انما يكون فى بعض مواطن القيامة وذلك عند زفرة جهنم وجثّو الأمم على الركب لا يبقى ملك مقرب ولا نبى مرسل الا قال نفسى نفسى فعند ذلك تطير القلوب من أماكنها فيقول الرسل من شدة هول المسألة وهو الموطن لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ وترجع إليهم عقولهم فيشهدون على قومهم انهم بلغوهم الرسالة وان قومهم كيف ردوا عليهم فان قيل كيف يصح ذهول العقل مع قوله تعالى لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ.
قيل ان الفزع الأكبر دخول جهنم: قال السعدي قدس سره
در ان روز كز فعل پرسند وقول ... أولو العزم را تن بلرزد ز هول
بجايى كه دهشت خورد أنبياء ... تو عذر گنه را چهـ دارى بيا
برادر ز كار بدان شرم دار ... كه در روى نيكان شوى شرمسار
سر از جيب غفلت بر آور كنون ... كه فردا نماند بخجلت نكون
وقيل قولهم لا عِلْمَ لَنا ليس المقصود منه نفى العلم بجوابهم حال التبليغ ولا وقت حياة الأنبياء بل المقصود نفى علمهم بما كان من الأمم بعد وفاة الأنبياء فى العاقبة وآخر الأمر الذي به(2/458)
إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110)
الاعتبار لان الثواب والعقاب انما يدوران على الخاتمة وذلك غير معلوم لهم فلهذا المعنى قالوا لا عِلْمَ لَنا وفى الحديث (انى على الحوض انظر من يرد علىّ منكم والله ليقطعن دونى رجال فلأقولن اى ربى منى ومن أمتي فيقول انك لا تدرى ما أحدثوا بعدك ما زالوا يرجعون على أعقابهم) وهو عبارة عن ارتدادهم أعم من ان يكون من الأعمال الصالحة الى السيئة او من الإسلام الى الكفر وفى الحديث (يدعى نوح يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب فيقول هل بلغت فيقول نعم فيقال لأمته هل بلغكم فيقولون ما أتانا من نذير فيقول من يشهد لك فيقول محمد وأمته فيشهدون انه قد بلغ) فذلك قوله تعالى وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ انما شهد محمد وامة بذلك مع انهم بعد نوح لعلمهم بالقرآن ان الأنبياء كلهم قد بلغوا أممهم ما أرسلوا به وقد جاء فى الرواية (ثم يؤتى بمحمد فيسأل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد بصدقهم) فذلك قوله تعالى وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً فعلى العاقل ان يجيب الى دعوة الحق وينتصح بنصيحة الناصح الصدق
امروز قدر پند عزيزان شناختم ... يا رب روان ناصح ما از تو شاد باد
واعلم ان القيامة يوم يتجلى الحق فيه بالصفة القهارية قال تعالى لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ. قال حضرة شيخنا العلامة أبقاه الله بالسلامة هذا ترتيب أنيق فان الذات الاحدى يدفع بوحدته الكثرة وبقهره الآثار فيضمحل الكل فلا يبقى سواه تعالى وقيامة العارفين دائمة لانهم يكاشفون الأمور ويشهادون الأحوال فى كل موطن على ما هى عليه وهى القيامة الكبرى وحشر الخواص بل الأخص اللهم اجعلنا ممن مات بالاختيار قبل الموت بالاضطرار إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اى اذكروا ايها المؤمنون وقت قول الله تعالى لعيسى ابن مريم وهو يوم القيامة اذْكُرْ نِعْمَتِي اى انعامى عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ وليس المراد بامره عليه السلام يومئذ بذكر النعم تكليف الشكر إذ قد مضى وقته فى الدنيا بل ليكون حجة على من كفر حيث اظهر الله على يده معجزات كثيرة فكذبته طائفة وسموه ساحرا وغلا آخرون فاتخذوه الها فيكون ذلك حسرة وندامة عليهم يوم القيامة والفائدة فى ذكر امه ان الناس تكلموا فيها ما تكلموا ثم عد الله تعالى عليه نعمة نعمة فقال إِذْ أَيَّدْتُكَ ظرف لنعمتى اى اذكر انعامى عليكما وقت تأييدى لك بِرُوحِ الْقُدُسِ اى بجبريل الطاهر على ان القدس الطهور وأضيف اليه الروح مد حاله بكمال اختصاصه بالطهر كما فى رجل صدق ومعنى تأييده به ان جبريل عليه السلام يجعل حجته ثابتة مقررة تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا استئناف مبين لتأييده عليه السلام والمعنى تكلمهم فى الطفولة والكهولة على سواء اى من غير ان يوجد تفاوت بين كلامه طفلا وبين كلامه كهلا فى كونه صادرا عن كمال العقل وموافقا لكمال الأنبياء والحكماء فانه تكلم حال كونه فى المهد اى فى حجر الام او الذي يربى فيه الطفل بقوله إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا وتكلم كهلا بالوحى والنبوة فتكلمه فى تينك الحالتين على حد واحد وصفة واحدة من غير تفاوت معجزة عظيمة حصلت له وما حصلت(2/459)
لاحد من الأنبياء قبله ولا بعده وكل معجزة ظهرت منه كما انها نعمة فى حقه فكذلك هى نعمة فى حق امه لانها تدل على براءة ساحتها مما نسبوها اليه واتهموها به وحمل مريم ما كان من الرجال كسائر النساء وانما كان بروح منه كما قال تعالى وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا فهذه نعمة خاصة بمريم وكذلك ولادة عيسى وخلقته ما كانت من نطف الرجال وانما كانت كلمته ألقاها الى مريم وروح منه فهذه نعمة خاصة بعيسى. والكهل من الرجال الذي جاوز الثلاثين ووخطه الشيب اى خالطه وقيل المراد بتكلمه كهلا ان يكلم الناس بعد ان ينزل من السماء فى آخر الزمان بناء على انه رفع قبل ان اكهل فيكون قوله تعالى وَكَهْلًا دليلا على نزوله- وروى- ان الله تعالى أرسله وهو ابن ثلاثين سنة فمكث فى رسالته ثلاثين شهرا ثم رفعه الله تعالى اليه وينزل على هذا السن ثم يكهل وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ اى اذكر نعمتى عليكما
وقت تعليمى لك جنس الكتب المنزلة وخص الكتابان بالذكر مع دخولهما فى الجنس إظهارا لشرفهما والمراد بالحكمة العلم والفهم لمعانى الكتب المنزلة واسرارها وقيل هى استكمال النفس بالعلم بها وبالعمل بمقتضاها وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ اى تصور منه هيئة مماثلة لهيئة الطير بِإِذْنِي ان بتسهيلى وتيسيرى فَتَنْفُخُ فِيها اى فى الهيئة المصورة فَتَكُونُ اى تلك الهيئة طَيْراً بِإِذْنِي فالخلق حقيقة لله تعالى ظاهر على يده عليه السلام عند مباشرة الأسباب كما ان النفخ فى مريم كان من جبريل والخلق من الله تعالى سألوا منه عليه السلام على وجه التعنت فقالوا له اخلق لنا خفاشا واجعل فيه روحا ان كنت صادقا فى مقالتك فاخذ طينا وجعل منه خفاشا ثم نفخ فيه فاذا هو يطير بين السماء والأرض وانما طلبوا منه خلق خفاش لانه اعجب من سائر الخلق ومن عجائبه انه لحم ودم يطير بغير ريش ويلد كما يلد الحيوان ولا يبيض كما يبيض سائر الطيور وله ضرع يخرج منه اللبن ولا يبصر فى ضوء النهار ولا فى ظلمة الليل وانما يرى فى ساعتين بعد غروب الشمس ساعة وبعد طلوع الفجر ساعة قبل ان يسفر جدا ويضحك كما يضحك الإنسان ويحيض كما تحيض المرأة فلما رأوا ذلك منه ضحكوا وقالوا هذا سحر وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي الأكمه الذي ولد أعمى والأبرص هو الذي به برص اى بياض فى الجلد ولو كان بحيث إذا غرز بابرة لا يخرج منه الدم لا يقبل العلاج ولذا خصا بالذكر وكلاهما مما أعيى الأطباء:
وفى المثنوى
صومعهء عيسى است خوان اهل دل ... هان وهان اى مبتلا اين در مهل «1»
جمع كشتندى ز هر أطراف خلق ... از ضرير وشل ولنگ واهل دلق
او چوفارغ گشتى از أوراد خويش ... چاكشتكه بيرون شدى آن خوب كيش
پس دعا كردى وگفتى از خدا ... حاجت ومقصود جمله شد روا
خوش روان وشادمانه سوى خان ... از دعاى او شدندى پاروان
آزمودى تو بسى آفات خويش ... يافتى صحت ازين شاهان كيش
__________
(1) در أوائل دفتر سوم در بيان جمع آمدن اهل آفت هر صباحى بر در صومعهء عيسى عليه السلام إلخ(2/460)
وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115)
چند آن لنگىء تو رهوار شد ... چند جانت بي غم وآزار شد
وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي اى تحيى الموتى وتخرجهم من قبورهم احياء قيل اخرج سام ابن نوح ورجلين وجارية كما سبق تفصيله فى سورة آل عمران قال الكلى كان عيسى عليه السلام يحيى الموتى بياحى ويا قيوم وهو الاسم الأعظم عند العلماء المحققين وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ اى منعت اليهود الذي أرادوا لك السوء عن التعرض لك إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات الواضحة ظرف لكففت فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ اى ما هذا الذي جئت به الا سحر ظاهر ردا وإنكارا فبقوا على مرض الكفر ولم يعالجوا بعلاج الايمان على يد الحكيم الإلهي الحاذق- حكى- عن الشبلي انه اعتل فحمل الى البيمارستان وكتب على بن عيسى الوزير الى الخليفة فى ذلك فارسل الخليفة اليه مقدم الأطباء ليداويه فما أنجحت مداواته قال الطبيب للشبلى والله لو علمت ان مداواتك فى قطعة لحم من جسدى ما عسر على ذلك قال الشبلي دوائى فيما دون ذلك قال الطبيب وما هو قال بقطعك الزنار فقال الطبيب اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله فاخبر الخليفة بذلك فبكى وقال نفذنا طبيبا الى مريض وما علمنا انا نفذنا مريضا الى طبيب قال اليافعي هذا هو الطبيب الحاذق وحكمته من الحكمة التي بها العلل تزول وفيه أقول
إذا ما طبيب القلب أصبح جسمه ... عليلا فمن ذا للطبيب طبيب
فقل هم أولوا علم لدنى وحكمة ... الهية يشفى بذاك قلوب
وكل مرشد كامل فهو عيسى وقته فان قلت ان اولياء الله هم الأطباء حقيقة ومن شأن الطبيب ان يعالج ويبرئ دون ان يهلك ويمرض فما شأن ابراهيم الخواص أشار بإصبعيه الى عينى رجل فى برية أراد ان يسلب منه ثيابه فسقطتا. قلت انما دعا ابراهيم على اللص بالعمى ودعا ابراهيم بن أدهم على الذي ضربه بالجنة لان الخواص شهد من اللص انه لا يتوب الا بعد العقوبة فرأى العقوبة أصلح له وابن أدهم لم يشهد توبة الظالم فى عقوبته فتفضل عليه بالدعاء فتوة منه وكرما فحصلت البركة والخير بدعائه للظالم فجاءه مستغفرا معتذرا فقال له ابراهيم الرأس الذي يحتاج الى الاعتذار تركته ببلخ وقد كان الأنبياء يدعون مطلقا بحسب الأحوال والمصالح وكل ذلك بإذن الله تعالى فهم فى دعائهم فانون عن انانيات وجودهم لا يصدر من لسانهم الا حق مطابق للواقع والحكمة والأولياء تلولهم فى ذلك ولكن الناس لا يعلمون: وفى المثنوى
چون بباطن بنگرى دعوى كجاست ... او ودعوى پيش آن سلطان فناست
مات زيد زيد اگر فاعل بود ... ليك فاعل نيست كو عاطل بود
او ز روى لفظ نحوى فاعلست ... ور نه او مفعول وموتش قاتلست
وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ جمع حوارى يقال فلان حوارى فلان اى صفوته وخالصته من الحور وهو البياض الخالص سمى به اصحاب عيسى عليه السلام لخلوص نياتهم ونقاء سرائرهم وكان بعضهم من الملوك وبعضهم من صيادى السمك وبعضهم من القصارين وبعضهم من الصباغين اذكر يا محمد وقت ان امرتهم على ألسنة رسلى او ألهمت إياهم وألقيت فى قلوبهم أَنْ مفسرة لما فى الإيحاء من معنى(2/461)
إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)
القول آمِنُوا بِي اى بوحدانيتى فى الربوبية والالوهية وَبِرَسُولِي اى وبرسالة رسولى ولا تزيلوه عن حيزه حطا ولا رفعا قالُوا كأنه قيل فماذا قالوا حين اوحى إليهم ذلك فقيل قالوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ اى مخلصون فى أيماننا من اسلم وجهه لله اى أخلص إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ منصوب باذكر يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ هذا السؤال كان فى ابتداء أمرهم قبل ان يستحكم معرفتهم بالله ولذلك أساءوا الأدب مع عيسى عليه الصلاة والسلام حيث لم يقولوا يا رسول الله او يا روح الله وخاطبوه باسمه ونسبوه الى امه ولو وفقوا للادب لقالوا يا روح الله ونسبوه الى الله ثم رفضوا الأدب مع الله وقالوا هل يستطيع ربك كالمتشكك فى استطاعته وكمال قدرته على ما يشاء كيف يشاء ثم أظهروا دناءة همتهم وخساسة نهمتهم إذ طلبوا بواسطة مثل عيسى من الله تعالى مائدة دنيوية فانية وما رغبوا فى فائدة دينية باقية ولو رغبوا فى الفائدة الدينية لنالوا المائدة الدنيوية ايضا قال الله تعالى مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ والمائدة الخوان الذي عليه الطعام من ماده إذا أعطاه ورفده كأنها تميد من تقدم إليها ونظيره قولهم شجرة مطعمة قال فى الشرعة وضع الطعام على الأرض أحب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم على السفرة وهى على الأرض والاكل على الخوان فعل الملوك اى آداب الجبارين لئلا يتطأطأوا عند الاكل وعلى المنديل فعل العجم اى اهل فارس من المتكبرين وعلى السفرة فعل العرب وهى فى الأصل طعام يتخذه المسافر للسفر ثم سمى بها الجلد المستدير المحمول هو فيه قالَ كأنه قيل فماذا قال لهم عيسى عليه السلام حين قالوا ذلك فقيل قال اتَّقُوا اللَّهَ اى من أمثال هذا السؤال إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ اى بكمال قدرته تعالى او بصحة نبوتى قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها تمهيد عذر وبيان لما دعاهم الى السؤال لا نريد بالسؤال ازالة شبهتنا فى قدرته تعالى على تنزيلها او فى صحة نبوتك حتى يقدح ذلك فى الايمان والتقوى بل نريد ان نأكل منها اى أكل تبرك يتشفى بسببها مرضانا ويتقوى بها أصحاؤنا ويستغنى بها فقراؤنا وقيل مرادهم أكل احتياج لانهم قالوا ذلك فى زمن المجاعة والقحط وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا لكمال قدته تعالى بانضمام علم المشاهدة الى علم الاستدلال وَنَعْلَمَ علما يقينا أَنْ مخففة اى انه قَدْ صَدَقْتَنا فى دعوى النبوة وان الله يجب دعوتنا وان كنا عالمين بذلك من قبل وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ نشهد عليها عند الذين لم يحضروها من بنى إسرائيل ليزداد المؤمنون منهم بشهادتنا طمأنينة ويقينا ويؤمن بسببها كفارهم او من الشاهدين للعين دون السامعين للخبر قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لما رأى عليه السلام ان لهم غرضا صحيحا فى ذلك وانهم لا يقلعون عنه أزمع على استدعائها واستنزالها وأرد ان يلزمهم الحجة بكمالها اللَّهُمَّ اى يا الله والميم عوض عن حرف النداء وهى كلمة عظيمة من قالها فقد ذكر الله تعالى بجميع أسمائه وفى الميم سبعون اسما من أسمائه تعالى قد اندرجت فيها رَبَّنا ناداه سبحانه مرتين إظهارا لغاية التضرع ومبالغة فى الاستدعاء(2/462)
قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115)
أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ متعلق بأنزل تَكُونُ لَنا عِيداً صفة لمائدة واسم تكون ضمير المائدة وخبرها عيدا ولنا حال منه اى يكون يوم نزولها عيدا فعظمه وانما أسند ذلك الى المائدة لان شرف اليوم مستفاد من شرفها وقيل العيد السرور العائد ولذلك سمى يوم العيد عيدا لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا بدل من لنا باعادة العامل اى عيدا لمتقدمينا ومتأخرينا- روى- انها نزلت يوم الأحد ولذلك اتخذه النصارى عيدا وَآيَةً كائنة مِنْكَ دالة على كمال قدرتك وصحة نبوتى وَارْزُقْنا اى المائدة والشكر عليها وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ تذييل جار مجرى التعليل اى خير من يرزق لانه خالق الأرزاق ومعطيها بلا عوض قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ اجابة الى سؤالكم فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ اى بعد تنزيلها مِنْكُمْ حال من فاعل يكفر فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ بسبب كفره بعد معاينة هذه الآية الباهرة عَذاباً اسم مصدر بمعنى التعذيب اى تعذيبا لا أُعَذِّبُهُ صفة لعذابا والضمير له اى أعذبه تعذيبا لا أعذب ذلك التعذيب اى مثل ذلك التعذيب أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ اى من عالمى زمانهم او من العالمين جميعا فانهم مسخوا قردة وخنازير ولم يعذب مثل ذلك غيرهم- روى- ان عيسى عليه السلام اغتسل ولبس المسح وصلى ركعتين فطأطأ رأسه وغض بصره ثم دعا فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين وهم ينظرون حتى سقطت بين أيديهم فبكى عيسى عليه الصلاة والسلام وقال اللهم اجعلنى من الشاكرين اللهم اجعلها رحمة للعالمين ولا تجعلها مثلة وعقوبة ثم قام وتوضأ وصلى وبكى ثم كشف المنديل الذي عليها وقال بسم الله خير الرازقين فاذا سمكة مشوية بلا فلوس ولا شوكة يسيل دسمها وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل وحولها من انواع البقول ما خلا الكراث وإذا خمسة ارغفة على واحد منها زيتون وعلى الثاني عسل وعلى الثالث سمن وعلى الرابع جبن وعلى الخامس قديد فقال شمعون رأس الحواريين يا روح الله أمن طعام الدنيا أم من طعام الآخرة قال ليس منهما ولكنه اخترعه الله بقدرته كلوا ما سألتم واشكروا يمددكم الله ويزدكم من فضله فقالوا يا روح الله لو أريتنا من هذه الآية آية اخرى فقال يا سمكة احيى بإذن الله فاضطربت ثم قال لها عودى كما كنت فعادت مشوية فلبث المائدة يوما واحدا فأكل من أكل منها ثم طارت ولم تنزل بعد ذلك اليوم وقيل كانت تأتيهم أربعين يوما غبا اى تنزل يوما ولا تنزل يوما يجتمع عليها الفقراء والأغنياء والصغار والكبار يأكلون حتى إذا فاء الفيء طارت وهم ينظرون فى ظلها ولم يأكل منها فقير الا غنى مدة عمره ولا مريض الا برئ ولم يمرض ابدا ثم اوحى الله الى عيسى ان اجعل مائدتى فى الفقراء والمرضى دون الأغنياء الأصحاء فاضطرب الناس بذلك اى تعاظم على الأغنياء والأصحاء حتى شكوا وشككوا الناس فى شأن المائدة ونزولها من السماء حقيقة فمسخ منهم من مسخ فاصبحوا خنازير يسعون فى الطرقات والكناسات ويأكلون العذرة فى الحشوش فلما رأى الناس ذلك فزعوا الى عيسى وبكوا على الممسوخين فلما أبصرت الخنازير عيسى بكت وجعلت تطوف به وجعل يدعوهم بأسمائهم واحدا بعد واحد فيبكون ويشيرون برؤسهم فلا يقدرون على الكلام فعاشوا ثلاثة ايام ثم هلكوا ولم يتوالدوا(2/463)
وكذلك كل ممسوخ والاشارة ان الله تعالى سلخ صورة الانسانية عن حقائق صفات الحيوانية وألبسهم الصور من حقائق صفاتهم فمسخوا خنازير ليعتبر الخلق ويتحقق لهم ان الناس يحشرون على صور صفاتهم يوم تبلى السرائر يوم تبيض وجوه وتسود وجوه كما قال عليه السلام (يموت الناس على ما عاشوا فيه ويحشرون على ما ماتوا عليه) يعنى يحشرون على صورة صفاتهم التي ماتوا عليها: وفى المثنوى
هر خيالى كو كند در دل وطن ... روز محشر صورتى خواهد شدن «1»
زانكه حشر حاسدان روز گزند ... بي كمان بر صورت گرگان كنند «2»
حشر پر حرص وخس ومردار خوار ... صورت خوكى بود روز شمار
زانيانرا كنده أندام نهان ... خمر خوارانرا همه كنده دهان
سيرتى كاندر وجودت غالبست ... هم بران تصوير حشرت واجبست
قال القاضي فى تفسيره وعن بعض الصوفية المائدة عبارة عن حقائق المعارف فانها غذاء الروح كما ان الاطعمة غذاء البدن وعلى هذا فلعل الحال انهم رغبوا فى حقائق لم يستعدوا للوقوف عليها وقال لهم عيسى ان حصلتم الايمان فاستعملوا التقوى حتى تتمكنوا من الاطلاع عليها فلم يقلعوا عن السؤال والجواب فيها فسأل لاجل اقتراحهم فبين الله تعالى ان انزاله سهل ولكن فيه خطر وخوف عاقبة فان السالك إذا انكشف له ما هو أعلى من مقامه لعله لا يتحمله ولا يستقر له فيضل به ضلالا بعيدا انتهى كلام القاضي قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره ان قوم عيسى عليه السلام عصوا مرة فرفعت المائدة وانا نعصى فى كل وقت مع ان نعم الله تعالى مترادفة وذلك لان المائدة التي نزلت عليهم من مرتبة الصفة والنعم الفائضة علينا مرتبة الذات وما هو من الذات لا يتغير ولا يتبدل وانما التغير فى الصفة وقد بقي هنا شىء وهو ان الأعياد اربعة لاربعة أقوام. أحدها عيد قوم ابراهيم كسر الأصنام حين خرج قومه الى عيد لهم. والعيد الثاني عيد قوم موسى واليه الاشارة بقوله تعالى فى سورة طه قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ. والعيد الثالث عيد قوم عيسى واليه الاشارة بقوله تعالى رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً الآية. والعيد الرابع عيد امة محمد عليه السلام وهو ثلاثة عيد يتكرر كل أسبوع وعيدان يأتيان فى كل عام مرة من غير تكرر فى السنة فاما العيد المتكرر فهو يوم الجمعة وهو عيد الأسبوع وهو مرتب على إكمال الصلوات المكتوبات لان الله فرض على المؤمنين فى اليوم والليلة خمس صلوات وان الدنيا تدور على سبعة ايام فكلما كمل دور أسبوع من ايام الدنيا واستكمل المسلمون صلواتهم شرع لهم فى يوم استكمالهم يوم الجمعة وهو اليوم الذي كمل فيه الخلق وفيه خلق آدم وادخل الجنة واخرج منها وفيه ينتهى امر الدنيا فتزول وتقوم الساعة فيه وفيه الاجتماع على سماع الذكر والموعظة وصلاة الجمعة وجعل ذلك لهم عيدا ولذلك نهى عن افراده بالصوم وفى شهود الجمعة شبه من الحج ويروى انها حج المساكين وقال سعيد بن المسيب شهود الجمعة أحب الى من حجة نافلة والتكبير فيها يقوم مقام الهدى على قدر السبق والشهود الجمعة يوجب تكفير الذنوب الى الجمعة الاخرى إذا سلم ما بين الجمعتين
__________
(1) در اواسط دفتر پنجم در بيان فيما يرجى من رحمة الله إلخ
(2) در اواسط دفتر دوم در بيان آمدن دوستان ببيمارستان جهة پرسش ذو النون(2/464)
وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)
من الكبائر كما ان الحج المبرور يكفر ذنوب تلك السنة الى الحجة الاخرى وقد روى إذا سلمت الجمعة سلمت الأيام. واما العيدان اللذان ينكرران فى كل عام انما يأتى كل واحد منهما مرة واحدة فاحدهما عيد الفطر من صوم رمضان وهو مرتب على إكمال الصيام وهو الركن الثالث من اركان الإسلام ومبانيه فاذا استكمل المسلمون صيام شهرهم المفروض عليهم استوجبوا من الله المغفرة والعتق من النار فان صيامه يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب وآخره عتق من النار والعيد الثاني عيد النحر وهو اكبر العيدين وأفضلهما وهو مترتب على إكمال الحج وهو الركن الرابع من اركان الإسلام ومبانيه فاذا أكمل المسلمون حجتهم غفر لهم وانما يكمل الحج يوم عرفة والوقوف بعرفة ركن الحج الأعظم- وروى- انس رضى الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال قد ابد لكم الله بهما خيرا منهما الفطر والأضحى واجتمعت الامة على هذا من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم الى يومنا هذا بلا نكير منكر فهذه أعياد الدنيا تذكر أعياد الآخرة وقد قيل كل يوم كان للمسلمين عيدا فى الدنيا فهو عيد لهم فى الجنة يجتمعون فيه على زيارة ربهم ويتجلى لهم فيه فيوم الجمعة فى الجنة. يدعى يوم المزيد ويوم الفطر والأضحى يجتمع اهل الجمعة فيهما للزيارة هذا لعوام اهل الجنة واما خواصهم فكل يوم لهم عيد يزورون ربهم كل يوم مرتين بكرة وعشيا والخواص كانت ايام الدنيا كلها لهم أعيادا فصارت ايامهم فى الآخرة كلها أعيادا. واما أخص الخواص فكل نفس عيد لهم قال فى التأويلات النجمية رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ اى مائدة الاسرار والحقائق التي تنزلها من سماء العناية عليها أطعمة الهداية تَكُونُ لَنا يعنى لاهل الحق وارباب الصدق عِيداً نفرح بها لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا اى لاول أنفاسنا وآخرها فان ارباب الحقيقة يراقبون الأنفاس أولها وآخرها لتصعد مع الله وتهوى مع الله ففى صعود النفس مع الله يكون عيدا لهم وفى هويه مع الله عيدا لهم: كما قال بالفارسية [صوفيان در دمى دو عيد كنند] وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اى اذكر يا محمد للناس وقت قول الله تعالى لعيسى عليه السلام فى الآخرة توبيخا للكفرة وتبكيتا لهم بإقراره عليه السلام على رؤوس الاشهاد بالعبودية وامره لهم بعبادته تعالى أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مفعول ثان للاتخاذ مِنْ دُونِ اللَّهِ حال من فاعل اتخذوني كأنه قيل صيرونى وأمي الهين اى معبودين متجاوزين عن الوهية الله تعالى ومعبوديته والمراد اتخاذهما بطريق اشراكهما به سبحانه كما فى قوله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً لان أحدا منهم لم يذهب الى القول بآلهية عيسى ومريم مع القول بنفي آلهية الله تعالى ولما لم يكن المقصود انكار نفس القول بل قصد توبيخ من قال به ولى حرف الاستفهام المبتدأ ولم يقل كذا لانه يفيد انكار نفس القول قال المولى ابو السعود رحمه الله ليس مدار اصل الكلام ان القول متيقن والاستفهام لتعيين القائل كما هو المتبادر من إيلاء الهمزة المبتدأ على الاستعمال الفاشي وعليه قوله تعالى أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا وتظاهره بل على ان المتيقن هو الاتخاذ والاستفهام لتعيين انه بامره عليه السلام او من تلقاء أنفسهم كما فى قوله تعالى أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ(2/465)
مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)
عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ انتهى قال فى التأويلات النجمية الإثبات بعد الاستفهام نفى كما ان النفي بعد الاستفهام اثبات كقوله أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ اى انا ربكم ونظير النفي فى الإثبات قوله تعالى أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ اى ليس مع الله آله فمعناه ما قلت أنت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله ولكنهم بجهلهم قد بالغوا فى تعظيمك حتى اطروك وجاوزوا حدك فى المدح ولهذا قال النبي عليه السلام (لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم) انتهى. فان قيل ما وجه هذا السؤال مع علمه تعالى ان عيسى عليه الصلاة والسلام لم يقله. قيل ذلك لتوبيخ قومه وتعظيم امر هذه المقالة. قال ابو روق إذا سمع عيسى هذا الخطاب ارتعدت مفاصله وانفجرت من اصل كل شعرة من جسده عين من دم وهذا الخطاب وان كان ظاهره مع عيسى ولكن كان حقيقة مع الامة لان سنة الله ان لا يكلم الكفار يوم القيامة ولا ينظر إليهم قالَ كأنه قيل فماذا يقول عيسى حينئذ فقيل يقول سُبْحانَكَ علم للتسبيح اى أنزهك تنزيها لائقابك من ان أقول ذلك او من ان يقال فى حقك ذلك ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ اى ما يستقيم وما ينبغى لى ان أقول قولا لا يحق لى ان أقوله إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ اى هذا القول فَقَدْ عَلِمْتَهُ لانى لا اقدر على هذا القول الا بان توجده فىّ وتكونه بقولك كن فصدوره عنى مستلزم لعلمك به قطعا فحيث انتفى العلم انتفى الصدور حتما ضرورة ان عدم اللازم مستلزم لعدم الملزوم تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي اى ما اخفيه فى نفسى كما تعلم ما اعلنه وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ اى ولا اعلم ما تخفيه من معلوماتك فعبر عما يخفيه الله من معلوماته بقوله ما فى نفسك للمشاكلة لوقوعه فى صحبة قوله تعلم ما فى نفسى فان معلومات الإنسان مختفية فى نفسه بمعنى كون صورها مرتسمة فيها بخلاف معلومات الله تعالى فان علمه تعالى حضورى لا تنقطع صورة شىء منها فى ذاته فلا يصح ان يحمل النفس على المعنى المتبادر إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ما كان وما يكون ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ تصريح بنفي المستفهم عنه بعد تقديم ما يدل عليه اى ما امرتهم الا ما أمرتني به وانما قيل ما قلت لهم نزولا على قضية حسن الأدب ومراعاة لما ورد فى الاستفهام أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ تفسير للضمير فى به وفى أمرت معنى القول وليس تفسيرا لما فى قوله ما أمرتني لانه مفعول لصريح القول والتقدير الا ما أمرتني به بلفظ هو قولك ان اعبدوا الله ربى وربكم وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً رقيبا اراعى أحوالهم واحملهم على العمل بموجب أمرك وامنعهم عن المخالفة او مشاهدا لاحوالهم من كفر وايمان ما دُمْتُ فِيهِمْ اى مدة دوامى فيما بينهم فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي اى قبضتنى إليك من بينهم ورفعتنى الى السماء كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ اى أنت لا غيرك كنت الحافظ لاعمالهم والمراقب لها فمنعت من أردت عصمته عن المخالفة بالإرشاد الى الدلائل والتنبيه عليها بإرسال الرسول وإنزال الآيات وخذلت من خذلت من الضالين فقالوا ما قالوا وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ مطلع عليه مراقب له فعلى متعلقة بشهيد والتقديم لمراعاة الفاصلة إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ اى فانك تعذب عبادك ولا اعتراض على المالك المطلق فيما يفعل بملكه. وفيه(2/466)
قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)
تنبيه على انهم استحقوا التعذيب حيث عبدوا غيره تعالى وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ اى فلا عجز ولا استقباح فانك القادر والقوى على الثواب والعقاب الذي لا يثيب ولا يعاقب الا عن حكمة وصواب فان المغفرة مستحسنة لكل مجرم فان عذبت فعدل وان غفرت ففضل. فان قلت مغفرة المشرك قطعية الانتفاء بحسب الوجود وتعذيبه قطعى الوجود فما معنى ان المستعمل فيما كان كل واحد من جانبى وجوده وعدمه جائزا محتمل الوقوع قلت كون غفران المشرك قطعى الانتفاء بحسب الوجود لا ينافى كونه جائز الوجود بحسب العقل فصح استعمال كلمة ان فيهما لانه يكفى فى صحة استعمالها مجرد الإمكان الذاتي والجواز وقيل الترديد بالنسبة الى فرقتين والمعنى ان تعذبهم اى من كفر منهم وان تغفر لهم اى من آمن منهم- روى- انه لما نزلت هذه الآية احيى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ليلته وكان بها يقوم وبها يقعد وبها يسجد ثم قال (أمتي أمتي يا رب) فبكى فنزل جبرائيل عليه السلام فقال الله يقرئك السلام ويقول لك انا سنرضيك فى أمتك ولا نسوءك قالَ اللَّهُ اى يقول الله تعالى يوم القيامة عقيب جواب عيسى عليه السلام مشيرا الى صدقه فى ضمن بيان حال الصادقين الذين هو فى زمرتهم هذا اى يوم القيامة وهو مبتدأ وخبره ما بعده يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ المراد الصدق فى الدنيا فان النافع ما كان حال التكليف فالجانى المعترف يوم القيامة بجنايته لا ينفعه اعترافه وصدقه وكذا الجاني المعترف فى الدنيا بجنايته لا ينفعه يومئذ اعترافه وصدقه فانه ليس المراد كل من صدق فى أي شىء كان بل فى الأمور الدينية التي معظمها التوحيد الذي نحن بصدده والشرائع والاحكام المتعلقة به والصادقون الرسل الناطقون بالصدق الداعون الى ذلك والأمم المصدقون لهم المعتقدون بهم عقدا وعملا لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً كأنه قيل ما لهم من النفع فقيل لهم نعيم دائم وثواب خالد وهو الفوز الكبير. قوله ابدا اى الى الابد تأكيد للخلود يعنى بالفارسية [زمان بود ايشان نهايت ندارد] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بالطاعة وَرَضُوا عَنْهُ بنيل الكرامة والرضوان فيض زائد على الجنات لا غاية وراءه ولذلك قال تعالى ذلِكَ اى نيل الرضوان الْفَوْزُ الْعَظِيمُ اى النجاة الوافرة وحقيقة الفوز نيل المراد وانما عظم الفوز لعظم شأن المطلوب الذي تعلق به الفوز وهو الرضى الذي لا مطلب وراءه أصلا لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ تحقيق للحق وتنبيه على كذب النصارى وفساد ما زعموا فى حق المسيح وامه اى له تعالى خاصة ملك السموات والأرض وما فيهما من العقلاء وغيرهم يتصرف فيها كيف يشاء إيجادا واعداما واماتة واحياء وامرا ونهيا من غير ان يكون لشىء من الأشياء مدخل فى ذلك وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ بالغ فى القدرة منزه عن العجز والضعف ومقدس تبارك وتعالى وتقدس
نيست خلقش را دگر كس مالكى ... شركتش دعوى كند جز هالكى
واحد اندر ملك واو را يار نى ... بندگانش را جز او سالار نى
واعلم ان الآية نطقت بنفع الصدق يوم القيامة فلا ينفع الكذب والرياء بوجه من الوجوه أصلا(2/467)
دلا دلالت خيرت كنم براه نجات ... مكن بفسق مباهات وزهد هم مفروش
فعلى العاقل ان يجتهد فى طريق الصدق فان الصدق بعد الايمان يجر الى الإحسان وقبل الايمان الى الايمال- كما حكى- عن ابراهيم الخواص قدس سره انه كان إذا أراد سفرا لم يعلم أحدا ولم يذكره وانما يأخذ ركوته ويمشى قال حامد الأسود فبينما نحن معه فى مسجد إذ تناول ركوته ومشى فاتبعته فلما وافيا القادسية قال لى يا حامد الى اين قلت يا سيدى خرجت بخروجك قال انا أريد مكة ان شاء الله تعالى قلت وانا أريد مكة ان شاء الله تعالى فلما كان بعد ايام إذا بشاب قد انضم إلينا فمشى يوما وليلة معنا لا يسجد لله تعالى سجدة فقربت من ابراهيم وقلت ان هذا الغلام لا يصلى فجلس وقال يا غلام مالك لا تصلى والصلاة أوجب عليك من الحج فقال يا شيخ ما على صلاة قلت ألست بمسلم قال لا قلت فأى شىء أنت قال نصرانى ولكن اشارتى فى النصرانية الى التوكل وادعت نفسى انها أحكمت حال التوكل فلم أصدقها فيما ادعت حتى أخرجتها الى هذه الفلاة التي ليس فيها موجود غير المعبود اثير ساكنى وامتحن خاطرى فقام ابراهيم ومشى وقال دعه معك فلم يزل سائرا معنا حتى وافينا بطن مرو فقام ابراهيم ونزع خلقانه فطهرها بالماء ثم جلس وقال له ما اسمك قال عبد المسيح فقال يا عبد المسيح هذا دهليز مكة يعنى الحرم وقد حرم الله على امثالك الدخول اليه قال الله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا والذي أردت ان تكشف من نفسك قد بان لك فاحذر ان تدخل مكة فان رأيناك بمكة أنكرنا عليك قال حامد فتركناه ودخلنا مكة وخرجنا الى الموقف فبينما نحن جلوس بعرفات إذا به قد اقبل عليه ثوبان وهو محرم يتصفح وجوه الناس حتى وقف علينا فاكب على ابراهيم فقبل رأسه فقال له ما رواءك يا عبد المسيح فقال له هيهات انا اليوم عبد من المسيح عبده فقال له ابراهيم حدثنى حديثك قال جلست مكانى حتى أقبلت قافلة الحجاج فقمت وتنكرت فى زى المسلمين كأنى محرم فساعة وقعت عينى على الكعبة اضمحل عندى كل دين سوى دين الإسلام فاسلمت فاغتسلت وأحرمت وها انا أطلبك يومى فالتفت الى ابراهيم وقال يا حامد انظر الى بركة الصدق فى النصرانية كيف هداه الى الإسلام ثم صحبناه حتى مات بين الفقراء رحمه الله سبحانه وتعالى
سلام على السادات من كل صادق ... سلام على ذى الوجد من كل عاشق
سلام على ذى الصحو من سكر غفلة ... سلام على الناجين من كل كلفة
سلام على من مات من قبل موته ... سلام على من فات من قبل فوته
اللهم اجعلنا من الناجين فاننا من زمرة المحتاجين آمين يا معين تمت سورة المائدة مع ما فيها من الفائدة والحمد لله على نعمه المتوافرة والصلاة على رسوله وآله صلاة متكاثرة وذلك فى اليوم الثالث من شهر الله المحرم المنتظم فى سلك سنة الف ومائة ويتلوها سورة الانعام ان شاء الله تعالى- تمت الجلد الثاني من تفسير روح البيان-(2/468)
الجزء الثالث
تفسير روح البيان للإمام الشّيخ إسماعيل حقّى البروسوي المتوفي سنة: 1137 هـ الجزء الثالث دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع(3/1)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6)
من تفسير روح البيان
تفسير سورة الانعام
وهى مكية وآيها مائة وخمس وستون وقيل ست آيات او ثلاث من قوله قُلْ تَعالَوْا مدينة ومن الله ارجوا تمامه بفضله وكرمه وهو قاضى الحاجات بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الانعام نزلت بمكة جملة واحدة ليلا معها سبعون الف ملك قد سدوا ما بين الخافقين ولهم زجل اى صوت بالتسبيح والتحميد والتمجيد حتى كادت الأرض ترتج فقال النبي صلى الله عليه وسلم (سبحان ربى العظيم سبحان ربى العظيم) وخر ساجد- وروى- عنه مرفوعا (من قرأ سورة الانعام يصلى عليه أولئك السبعون الف ملك ليله ونهاره) ثم دعا عليه السلام بالكتاب وامر بكتابتها من ليلته تلك- وروى- عنه عليه السلام مرفوعا (من قرأ ثلاث آيات من أول سورة الانعام الى قوله تكسبون حين يصبح وكل الله به سبعين الف ملك يحفظونه وكتب له مثل أعمالهم الى يوم القيامة وينزل ملك من السماء السابعة ومعه مرزبة من حديد كلما أراد الشيطان ان يلقى فى قلبه شيأ من الشر ضربه بها وجعل بينه وبين الشيطان سبعين الف حجاب فاذا كان يوم القيامة قال الله تعالى يا ابن آدم امش تحت ظلى وكل من ثمار جنتى واشرب من ماء الكوثر واغتسل من ماء السلسبيل فانت عبدى وانا ربك لا حساب عليك ولا عذاب) كذا رواه الامام الواحدي فى الوسيط الْحَمْدُ لِلَّهِ الالف واللام فى الحمد لاستغراق الجنس واللام فى لله للاختصاص لانه تعالى قال بربهم يعدلون ودفع تسويتهم بربهم مما جعل مقصودا بالذات وفى التأويلات النجمية اللام لام التمليك يعنى كل حمد يحمده اهل السموات والأرض فى الدنيا والآخرة ملك له وهو الذي أعطاهم استعداد الحمد ليحمدوه بآثار قدرته على قدر استعدادهم واستطاعتهم لكن حمد الخلق له مخلوق فان وحمده لنفسه قديم باق فان قيل أليس شكر(3/2)
المنعم واجبا مثل شكر الأستاذ على تعليمه وشكر السلطان على عدله وشكر المحسن على إحسانه قال عليه السلام (من لم يشكر الناس لم يشكر الله) فالجواب ان الحمد والتعظيم المتعلق بالعبد المنعم نظرا الى وصول النعمة من قبله وهو فى الحقيقة راجع اليه تعالى لانه تعالى لو لم يخلق نفس تلك النعمة ولو لم يحدث داعية الإحسان فى قلب العبد المحسن لما قدر ذلك العبد على الإحسان والانعام فلا محسن فى الحقيقة الا الله ولا مستحق للحمد الا هو تعالى وفى تعليق الحمد باسم الذات المستجمع لجميع الصفات اشارة الى انه المستحق له بذاته سواء حمده حامد او لم يحمده قال البغوي حمد الله نفسه تعليما لعباده اى احمدوه: وفى المثنوى
چونكه آن خلاق شكر وحمد جوست ... آدمي را مدح جويى نيز خوست
خاصه مرد حق كه در فضلست چست ... پر شود زان باد چون خيك درست
ور نباشد اهل زان باد دروغ ... خيك بدريد است كى كيرد فروغ
الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ بما فيها من الشمس والقمر والنجوم وَالْأَرْضَ بما فيها من البر والبحر والسهل والجبل والنبات والشجر خلق السموات وما فيها فى يومين يوم الأحد ويوم الاثنين وخلق الأرض وما فيها فى يومين يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء. وفى تعليق الحمد بالخلق تنبيه على استحقاقه تعالى باعتبار أفعاله وآلائه ايضا وتخصيص خلق السموات والأرض بالذكر لانهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد وفيهما العبرة والمنافع لهم وجمع السموات دون الأرض وهى مثلهن لان طبقاتها مختلفة بالذات متفاوتة الآثار والحركات قالوا ما بين كل سماءين مسيرة خمسائة عام. السماء الدنيا موج مكفوف اى متصادم بعضه على بعض يمنع بعضه بعضا اى ممنوع من السيلان. والثانية مرمرة بيضاء. والثالثة حديدة. والرابعة نحاس او صفر. والخامسة فضة. والسادسة ذهب. والسابعة ياقوتة حمراء واما الأرض فهى تراب لا غير. والأكثرون على تفضيل الأرض على السماء لان الأنبياء خلقوا من الأرض وعبدوا فيها ودفنوا فيها وان الأرض دار الخلافة ومزرعة الآخرة وأفضل البقاع على وجه الأرض البقعة التي ضمت جسم الحبيب صلى الله تعالى عليه وسلم فى المدينة المنورة لان الجزء الأصلي من التراب محل قبره صلى الله عليه وسلم ثم بقعة الحرم المكي ثم بيت المقدس والشام منه ثم الكوفة وهى حرم رابع وبغداد منه وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ الجعل هو الإنشاء والإبداء كالخلق خلا ان ذلك مختص بالانشاء التكويني وفيه معنى التقدير والتسوية وهذا عام له كما فى الآية الكريمة وللتشريعى ايضا كما فى قوله ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ الآية اى ما شرع وما سن وجمع الظلمات لكثرة أسبابها فان سببها تخلل الجرم الكثيف بين النير والمحل المظلم وذلك التخلل يتكثر بتكثر الاجرام المتخللة بخلاف النور فان سببه ليس الا النار حتى ان الكواكب منيرة بناريتها فهى اجرام نارية وان الشهب منفصلة من نار الكواكب قال الحدادي وانما جمع الظلمات ووحد النور لان النور يتعدى والظلمة لا تتعدى- روى- ان هذه الآية نزلت تكذيبا للمجوس فى قولهم الله خالق النور والشيطان خالق الظلمات وفى التيسير انه رد على الثنوية فى اضافتهم خلق النور الى يزدان وخلق الظلمات الى أهرمن وعلى ذلك خلق كل خير(3/3)
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2)
وشر ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ عطف على الجملة السابقة. وثم لاستبعاد الشرك بعد وضوح ما ذكر من الآيات التكوينية ببطلانه. والباء متعلقة بيعدلون وقدم المعمول على العامل للاهتمام وتحقيق الاستبعاد ويعدلون من العدل وهو التسوية يقال عدلت هذا بهذا إذا ساويته والمعنى انه تعالى مختص باستحقاق الحمد والعبادة باعتبار ما فصل من شؤونه العظيمة الخاصة به الموجبة لقصر الحمد والعبادة عليه ثم هؤلاء الكفرة لا يعملون بموجبه ويعدلون به سبحانه أي يسوون به غيره فى العبادة التي هى أقصى غايات الشكر الذي رأسه الحمد مع كون كل ما سواه مخلوقاله غير متصف بشىء من مبادى الحمد والاشارة ان الله تعالى خلق سموات القلوب وارض النفوس وجعل الظلمات فى النفوس وهى صفاتها البهيمية والحيوانية وأخلاقها السبعية والشيطانية والنور فى القلوب وهو صفاتها الملكية وأخلاقها الروحانية الباقية فمن غلب عليه النور وهو صفة الملكية الروحانية يميل الى عبودية الحق تعالى ويقبل دعوة الأنبياء ويؤمن بالله ورسوله ويتحلى بحلية الشريعة فالله تعالى يكون وليه فيخرجه من ظلمات الصفات الخلقية الحيوانية الى الصفات الملكية كقوله تعالى اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ومن غلب عليه الظلمات البشرية الحيوانية واتبع طاغوت الهوى واستلذ بشهوات الدنيا فالطاغوت يكون وليه فيخرجه من نور الصفات الروحانية الى ظلمات الصفات الحيوانية كقوله تعالى وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ فهذا معنى قوله تعالى ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ يعنى بعد ان خلق سموات القلوب وارض النفوس وجعل فيهن الظلمات النفسانية والنور الروحاني مال نفوس الكفار بغلبات صفاتها الى طاغوت الهوى فعبدوه وجعلوه عديلا لربهم كذا فى التأويلات النجمية- حكى- انه جاء جماعة من فقهاء اليمن الى الشيخ العارف بالله ابى الغيث ابن جميل قدس سره يمتحنونه فى شىء فلما دنوا منه قال مرحبا بعبيد عبدى فاستعظموا ذلك فلحقوا شيخ الطريقين وامام الفريقين أبا الذبيح اسمعيل بن محمد الحضرمي قدس سره فاخبروه بما قاله الشيخ ابو الغيث المذكور لهم فضحك وقال صدق الشيخ أنتم عبيد الهوى والهوى عبده
غلام همت آنم كه زير چرخ كبود ... ز هر چهـ رنك تعلق پذيرد آزادست
هُوَ اى الله تعالى الَّذِي خَلَقَكُمْ اى ابتدأ خلقكم ايها الناس مِنْ طِينٍ اى تراب مخلوط بالماء فانه المادة الاولى للكل لما انه منشأ لآدم الذي هو اصل البشر قال السعدي بعث الله جبريل الى الأرض ليأتيه بطائفة منها فقالت الأرض انى أعوذ بالله منك ان تنقص منى فرجع جبرائيل ولم يأخذ شيأ قال جلال الدين رومى قدس سره فى المثنوى
معدن شرم وحيا بد جبرائيل ... بست آن سوكندها بروى سبيل «1»
قال يا رب انها عاذت بك فبعث ميكائيل فاستعاذت كالمرة الاولى فرجع
خاك لرزيد ودر آمد در گريز ... كشت اولا به وكنان أشك ريز «2»
رفت ميكائيل سوى رب دين ... خالى از مقصود دست وآستين
گفت اسرافيل را يزدان ما ... كه برو از ان خاك پر كن كف بيا «3»
__________
(1) در اواسط دفتر پنجم در بيان حكايت ابتداى خلقت آدم عليه السلام إلخ
(2) در اواسط دفتر پنجم در بيان فرمان آمدن بميكائيل إلخ
(3) در اواسط دفتر پنجم در بيان فرستادن اسرافيل را إلخ(3/4)
آمد اسرافيل هم سوى زمين ... باز آغازيد خاكستان حنين
زود اسرافيل باز آمد بشاه ... گفت عذر وماجرا نزد آله
فبعث ملك الموت فعاذت منه بالله فقال وانا أعوذ بالله ان أخالف امره فاخذ من وجه الأرض فخلط الحمراء والسوداء والبيضاء فلذلك اختلف ألوان ابن آدم ثم عجنها بالماء العذب والملح والمر فلذلك اختلف اخلاقهم فقال الله تعالى لملك الموت رحم جبرائيل وميكائيل الأرض ولم ترحمها لا جرم اجعل أرواح من اخلق من هذا الطين بيدك
گفت يزدان كه بعلم روشنم ... من ترا جلاد اين خلقان كنم
- وروى- عن ابى هريرة خلق الله آدم من تراب وجعله طينا ثم تركه حتى كان حمأ مسنونا اى اسود متغيرا منتنا ثم خلقه وصوره وتركه حتى كان صلصالا كالفخار اى يابسا مصوتا كالمطبوخ بالنار ثم نفخ فيه من روحه وانما خلق من تراب لان مقام التراب مقام التواضع والمسكنة ومقام التواضع الرفعة والثبات ولذا ورد (من تواضع رفع الله) وكان دعاؤه صلى الله عليه وسلم (أحيني مسكينا وأمتني مسكينا) . وهو الحكمة فى تعذيب الإنسان بالنار لا بالماء لان الظرف المعمول من التراب إذا تنجس ببول او قذر آخر لا يطهر بالماء فالانسان المتنجس بنجاسة المعاصي لا يطهر الا بالنار. وهو الحكمة ايضا فى التيمم عند عدم الماء ويقبر كل جسد فى الموضع الذي أخذت منه طينته التي خمرت فى أول نشأة أبناء آدم عليه السلام قال الامام مالك لا اعرف اكبر فضل لابى بكر وعمر رضى الله عنهما من انهما خلقا من طينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقرب قبرهما من حضرة الروضة المقدسة المفضلة على الأكوان بأسرها زادها الله تشريفا وتعظيما ومهابة ثُمَّ قَضى اى كتب لموت كل واحد منكم أَجَلًا خاصا به اى حدا معينا من الزمان يفنى عند حلوله لا محالة وثم للايذان بتفاوت ما بين خلقهم وبين تقدير آجالهم وَأَجَلٌ مُسَمًّى اى حد معين لبعثكم جميعا وهو مبتدأ خبره قوله عِنْدَهُ اى مثبت معين فى علمه لا يتغير ولا يقف على وقت حلوله أحد لا مجملا ولا مفصلا واما أجل الموت فمعلوم اجمالا وتقريبا بناء على ظهور اماراته او على ما هو المعتاد فى أعمار الإنسان وتسميته أجلا انما هى باعتبار كونه غاية لمدة لبسهم فى القبور لا باعتبار كونه مبدأ لمدة القيامة كما ان مدار التسمية فى الاجل الاول هو كونه آخر مدة الحياة لا كونه أول مدة الممات لما ان الاجل فى اللغة عبارة عن آخر المدة لا عن أولها قال حكماء الإسلام ان لكل انسان اجلين. أحدهما الآجال الطبيعية. والثاني الآجال الاخترامية. اما الآجال الطبيعية فهو الذي لو بقي الشخص على طبيعته ومزاجه ولم يعترضه العوارض الخارجية والآفات المهلكة لانتهت مدة بقائه الى ان تتحلل رطوبته وتنطفىء حرارته الغريزيتان. واما الآجال الاخترامية فهى التي تحصل بسبب من الأسباب الخارجية كالحرق والغرق ولدغ الحشرات وغيرها من الأمور المنفصلة قال بعض الأفاضل الاجل هو الوقت المضروب لطريان الزوال على كل ذى روح ولا يطرأ عليه إلا عند حلول ذلك الوقت لا يتأخر عنه ولا يسبقه كما يدل عليه قوله تعالى ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ فان قلت قوله تعالى وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ(3/5)
مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى
صريح فى الدلالة على السبق على المسمى قلت تعدد الاجل انما هو بالنسبة إلينا واما بالنسبة اليه تعالى فهو واحد قطعا تحقيقه انه تعالى عالم فى الأزل كل الموجودات ومقدر لها حسبما شمله علمه فهو يقول فى الأزل مثلا ان فلانا ان اتقى وأطاع يبلغ الى اجله المسمى والمراد بالأجل هاهنا الاجل الثاني الأطول ووصفه بالمسمية ليس للتخصيص لان الاجل المسمى على كل حال وان لم يتق ولم يطع لم يبلغ هذه المرتبة لكن يعلم انه يفعل أحد الفعلين معينا فيقدر له الاجل المعين فيكون المقدر فى علم الله الاجل المعين وانا لعدم اطلاعنا فى علم الله تعالى لم نعلم ان ذلك الفلان أي الفعلين فعل وأيما الأجلين قضى له فاذا فعل أحدهما المعين وحل الاجل المرتب عليه علمنا ان ذلك هو المقدر المسمى فالتردد بالنسبة إلينا لا فى التقدير والا يلزم ان لا يكون علم الله تعالى بما فعل العبد قبل الوقوع وعلى هذا قول الله للكافر اسلم تدخل الجنة ولا تكفر تدخل النار مع علمه وتقديره عدم إسلامه فى
الأزل والأمر والنهى لاظهار الاطاعة او المخالفة فى الظاهر كمن يريد اظهار عدم إطاعة عبده له للحاضرين فيأمره بشىء وهو يعلم انه لا يفعله والعلم بعدم الاطاعة للحاضرين المترددين انما يحصل بامره وكذا صورة الطاعة وجميع المقدرات الالهية من افعال العباد الاختيارية من هذا القبيل فظهر ان التردد بالنسبة إلينا دون علم الله الا ان يطلعنا عليه باخباره الواقع فى علمه كما اطلع نبيه عليه السلام على بعض ما وقع من حال الكفار فى زمانه بقوله أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وقوله خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وقوله فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ فهذا اخبار بما فى علمه من انهم لا يختارون الايمان هذا غاية ما يقال فى هذا المقام والعلم عند الله الملك العلام ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ استبعاد لامترائهم فى البعث بعد ما تبين انه تعالى خالقهم وخالق أصولهم ومحييهم الى آجالهم فان من قدر على خلق المواد وجمعها وإبداع الحياة فيها وابقائها ما يشاء كان اقدر على جمع تلك المواد وإحيائها ثانيا والمرية هى الشك المجتلب بالشبهة أصلها من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها ليدر لبنها للحلب والمري استخراج اللبن من الضرع قال ابو السعود وصفهم بالامتراء الذي هو الشك وتوجيه الاستبعاد اليه مع انهم جازمون بانتفاء البعث مصرون على إنكاره كما ينبىء عنه قولهم أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ونظائره للدلالة على ان جزمهم المذكور فى أقصى مراتب الاستبعاد والاستنكار واعلم ان الإنسان وقت كونه نطفة ينكر صبرورته بشرا سويا فى الزمان الآتي وعند تصوره بصورة البشر يلزمه الحجة فانكاره الحشر انكار عين ما كان فيه: وفى المثنوى
پس مثال تو چوآن حلقه زنيست ... كز درونش خواجه گويد خواجه نيست
حلقه زن زين نيست در يابد كه هست ... پس ز حلقه بر ندارد هيچ دست
پس هم انكارت مبيّن ميكند ... كز جماد او حشر صدفن ميكند
والاشارة ثُمَّ ان الله تعالى قَضى للروح من حكمته أَجَلًا لايام فراقه عن الحضرة وبعده عن وطنه الحقيقي وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ وهو أجل الوصلة بعد الفرقة فى مقام العندية كقوله فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ(3/6)
وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3)
فلاجل الفرقة مدى ومنتهى ولاجل الوصلة لامدى ولا منتهى وانما قال مسمى لان وقت الوصلة مسمى عنده وهو حين يجذبه اليه بجذبة ارجعي الى ربك ولايام الوصلة ابتداء وهو حين تطلع شمس التوحيد من مشرق القلوب الى ان تبلغ حد استواء الوحدة ثم تتسرمد فلا غروب لها ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ يا اهل الوصلة كما يمترى اهل الفرقة هذا محال جدا فعلى العاقل الاجتهاد قبل حلول الاجل والتهيؤ للوصول بحسن التوجه والعمل قال بعض المشايخ من ضيع حكم وقته فهو جاهل ومن قصر فيه فهو غافل وفى الحديث (ان لله خواص يسكنهم الرفيع من الجنان كانوا اعقل الناس كان هممهم المسابقة الى ربهم عز وجل والمسارعة الى ما يرضيه زهدوا فى الدنيا وفى فضولها وفى رياستها ونعيمها فهانت عليهم فصبروا قليلا واستراحوا طويلا) - روى- ان السرى السقطي قدس سره دخل عليه ابو القاسم الجنيد قدس سره وهو يبكى فقال له ما يبكيك قال جاءتنى البارحة الصبية فقالت يا أبت هذه ليلة حارة وهذا الكوز تعلقه هاهنا قال السرى فغلبتنى عيناى فنمت فرأيت جارية من احسن الخلق قد نزلت من السماء فقلت لمن أنت قالت لمن لا يشرب الماء المبرد فى الكيزان فتناولت الكوز وضربت به الأرض قال الجنيد فرأيت الخزف المكسور ولم يرفعه حتى عفا عليه التراب يا هذا انظر الى تركهم النعيم لم يرضوا لأنفسهم ان يشربوا ماء باردا او يأكلوا طعاما لذيذا فحين راقبوا الأوقات عوضهم الله حالات خارجة عن حسابات الساعات فلا انتهاء لاذواقهم أصلا وَهُوَ اى الله تعالى مبتدأ خبره قوله اللَّهُ باعتبار المعنى الوصفي اى المعبود ولذا تعلق به قوله فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ والمعنى وهو المعبود والمستحق للعبادة فيهما ولا يلزم من كونه تعالى معبودا فيهما كونه متحيزا فيهما فانه منزه عن الزمان والمكان- روى- ان امام الحرمين أستاذ الامام الغزالي نزل ببعض الأكابر ضيفا فاجتمع عنده العلماء والأكابر فقام واحد من اهل المجلس فقال ما الدليل على تنزهه عن المكان وهو قال الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى فقال الدليل عليه قول يونس فى بطن الحوت لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فتعجب منه الناظرون فالتمس صاحب الضيافة بيانه فقال الامام ان هاهنا فقيرا مديونا بألف درهم ادعته دينه حتى أبينه فقبل صاحب الضيافة دينه فقال ان رسول الله لما ذهب فى المعراج الى ما شاء الله من العلى قال هناك (لا احصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) ولما ابتلى يونس عليه السلام بالظلمات فى قعر البحر ببطن الحوت قال لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فكل منهما خاطبه بقوله أنت وهو خطاب الحضور ولو كان هو فى مكان لما صح ذلك فدل ذلك على انه ليس فى مكان يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ خبر ثان اى ما اسررتموه وما جهرتم به من الأقوال وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ اى ما تفعلون لجلب نفع او دفع ضر من الأعمال المكتسبة بالقلوب او بالجوارح سرا وعلانية فيجازيكم على كل ذلك ان خيرا فخير وان شرا فشر وفى التأويلات النجمية وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ اى فى سموات الوجود وَفِي الْأَرْضِ اى فى ارض النفوس يَعْلَمُ سِرَّكُمْ الذي أودع فيكم وهو سر الخلافة الذي اختص به الإنسان لقبول الفيض الإلهي وَجَهْرَكُمْ اى ما هو(3/7)
ظاهر منكم من الصفات الحيوانية والأحوال النفسانية وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ باستعمال الاستعداد السرى والجهرى فى المأمورات والمنهيات من الخير والشر وقد خص الإنسان بهذا الكسب ايضا دون الملك والحيوان فان الملك لا يقدر ان يكتسب من الصفات الحيوانية شيأ ولا الحيوان قادر على ان يكتسب من الصفات الملكية شيأ والإنسان متصرف فى هاتين الصفتين وله اكتساب التخلق بأخلاق الله بالتقرب الى الله بأداء ما افترض عليه والتزام النوافل واجتناب النواهي الى ان يصير من خير البرية وله ايضا ان يكتسب من الشر ما يصير به شر البرية انتهى قال حسين الواعظ الكاشفى فى تفسيره الفارسي [در نقد النصوص فرموده كه انسان مرآتيست ذات وجهين در يك رويش خصائص ربوبيت ودر روى ديگر نقايص عبوديت چون خصائص نكرى از همه موجودات بزرگوارتر و چون نقائص عبوديت شمارى از همه خوارتر وبيمقدارتر
چون در خود از أوصاف تو يابم اثرى ... حاشا كه بود نكوتر از من دگرى
وآن دم كه فتد بحال خويشم نظرى ... در هر دو جهان نباشد از من بتري
پس حق سبحانه وتعالى مى فرمايد كه من اسرار خصائص شما در تيه غيب ميدانم وآثار نقائص شما در عالم شهادت مى شناسم وديگر ميدانم آنچهـ شما ميكنيد از علا كه سبب ترقى باشد بر درجات انسانيه يا موجب تنزل بدركات حيوانيه ودانستن اين داناى سالك را بر ان دارد كه بإصلاح وتزكيه اعمال مشغول شده از حيز استيفاء حظوظ حيوانى بر ذروه استئناس با نعيم روحانى متصاعد گردد]
حيف باشد كه عمر انسانى ... چون بهايم بخواب وخور گذرد
آدمي ميتواند از كوشش ... كه مقام فرشته در گذرد
انتهى قال شيخنا العلامة ابقاء الله بالسلامة عند تأويل الحديث القدسي (سر الإنسان سرى وسرى سره) يعنى سره ظاهر سرى وصورة سرى وسرى باطن سره وحقيقة سره ثم قال واعلم ان سر الإنسان عبارة عن الحقيقة الانسانية الظاهرة على صورة الحقيقة الالهية كما قال عليه السلام (خلق الله آدم على صورته) ولما نزلت تلك الحقيقة الانسانية من مرتبة الغيب الى منزلة الشهادة وتجلى لها الحق سبحانه بجماله وجلاله أودع فى جانبها الشرقي نور جماله وجانبها الغربي ظلمة جلاله واقام فى الاول ملكا يهدى الى الحق وفى الثاني شيطانا يدعو الى الباطل والملك سادن قبضة الجمال ويد اللطف والشيطان خادم قبضة الجلال ويد القهر وإذا أراد الحق ان يصرف تلك الحقيقة الانسانية الى الحق يأمر الملك ان يلهمها إياه فتراه بالنور الإلهي الجمالي الذي فاض من تجلى الجمال فتتبعه وتقبله وتكون روحا مادام وتكون على الحق ثابتة ويصير قالبها الذي هو لوحه فى اثبات الحق قلبا ترتعى فى روضته ويتجلى لها الحق سبحانه بالتجليات الجمالية والألطاف الخالصة المورثة طمأنينتها وسكينتها وتكون على الاستسلام والطاعة والصبر والرضى وغير ذلك من الأخلاق الحميدة واما إذا أراد ان يصرفها الى الباطل فيخلى بينها وبين الشيطان فيلقنها إياه فلا تراه ولا تفهمه اى لا تعلم انه باطل يحجبها عن الحق لان الظلمة الحاصلة من تجلى الجلال تمنعها عن ذلك فلا تجتنبه بل تأخذه وتصير نفسا مظلمة بعد(3/8)
وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6)
كونها روحا نورانيا فتجريه فى قالبها الذي هو محل لذلك ويكون ذلك القالب طبيعة مظلمة بعد كونه قلبا نورانيا فيتجلى الحق تعالى بالتجليات الجلالية والأحوال القهرية التي تورث الاضطراب وعدم الاستسلام فتكون على المخالفة والاعراض وتتصف بالأوصاف الذميمة بعد الاتصاف بالحميدة هكذا الى آخر الأمر إذ ذلك سنته القديمة وعادته الازلية الى ما شاء الله تعالى فانه إذا أراد بعبده خيرا يفقهه فى الدين ويجذبه الى نفسه مما سواه ولا يسلط الشيطان عليه كما قال إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ بل للملائكة السادنة لقبضة الجمال عليهم سلطان بسلطانى عليهم واحكام القبضتين جارية فى العوالم فى الأنفس والآفاق على أيدي سدنتهما الى تمام الأمر والحكم فى التقلب للغالب انتهى كلام حضرة الشيخ قدس سره وهو الذي ما جاء مثله بعد الصدر القنوى والله اعلم اللهم اجعلنى من تابعيه حقيقة ومتبعيه شريعة وطريقة وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ ما نافية ومن الاولى مزيدة للاستغراق والثانية تبعيضية واقعة بمجرورها صفة لآية والمراد بالآيات اما الآيات التنزيلية فاتيانها نزولها. والمعنى ما ينزل الى اهل مكة آية من الآيات القرآنية إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ غير ملتفتين اى على وجه التكذيب والاستهزاء واما الآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وغيرها من تعاجيب المصنوعات فاتيانها ظهورها لهم. والمعنى ما يظهر لهم آية من الآيات التكوينية الدالة على وحدانية الله تعالى الا كانوا عنها معرضين تاركين للنظر الصحيح فيها المؤدى الى الايمان بمكونها وعن متعلقة بمعرضين والجملة فى محل النصب على انها حال من مفعول تأتى ففيها دلالة على كمال مسارعتهم الى الاعراض وإيقاعهم له فى آن الإتيان كما يفصح عنه كلمة لما فى قوله تعالى فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فان الحق عبارة عن القرآن الذي اعرضوا عنه حيث اعرضوا عن كل آية منه وعبر عنه بذلك لكمال قبح ما فعلوا به فان تكذيب الحق مما لا يتصور صدوره عن أحد والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها لكن لا على انه شىء مغاير له فى الحقيقة واقع عقيبه او حاصل بسببه بل على ان الاول عين الثاني حقيقة وانما الترتيب بسبب التغاير الاعتباري كما فى قوله تعالى فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً بعد قوله تعالى وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فان ما جاؤه اى فعلوه من الظلم والزور عين قولهم المحكي لكنه لما كان مغايرا له مفهوما واشنع منه حالا رتب عليه بالفاء ترتيب اللازم على الملزوم تهويلا لامره كذلك مفهوم التكذيب بالحق لما كان اشنع من مفهوم الاعراض المذكور اخرج مخرج اللازم البطلان فرتب عليه بالفاء إظهارا لغاية بطلانه ثم قيد بذلك لكونه بلا تأمل تأكيدا لشناعته والمعنى انهم حيث اعرضوا عن تلك الآيات عند إتيانها فقد كذبوا بما لا يمكن تكذيبه أصلا من غير ان يتدبروا فى حاله ومآله فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ سوف لتأكيد مضمون الجملة والانباء جمع نبأ وهو الخبر الذي له عظم وشأن وما عبارة عن الحق المذكور وانباؤه عبارة عما سيحيق بهم من العقوبات العاجلة اى سيعلمون ما يؤول اليه عاقبة استهزائهم بالآيات فقتلهم الله يوم بدر بالسيف أَلَمْ يَرَوْا لما ذكر تعالى قبائحهم من الاعراض والتكذيب والاستهزاء اتبعه بما يجرى مجرى الموعظة فوعظهم بالقرون الماضية فقال الم يروا وهمزة الإنكار لتقرير الرؤية وهى(3/9)
عرفانية مستدعية لمفعول واحد والضمير لاهل مكة اى ألم يعرفوا بمعاينة الآثار وسماع الاخبار كَمْ عبارة عن الاشخاص استفهامية كانت او خبرية أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ من متعلقة باهلكنا والمراد من قبل خلق اهل مكة او من قبل زمانهم على حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه مِنْ قَرْنٍ مميز لكم عبارة عن اهل عصر من الاعصار سموا بذلك لاقترانهم برهة من الدهر كما فى قوله صلى الله تعالى عليه وسلم (خير القرون قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) وأراد بالقرن الاول الصحابة وبالثاني التابعين وبالثالث تابع التابعين وقيل هو عبارة عن مدة من الزمان ثمانين سنة او سبعين او ستين او أربعين او ثلاثين او مائة فالمضاف على هذا محذوف اى من اهل قرن لان نفس الزمان لا يتعلق به الإهلاك مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ استئناف لبيان كيفية الإهلاك وتفصيل مباديه مبنى على سؤال نشأ من صدر الكلام كأنه قيل كيف كان ذلك فقيل مكناهم وتمكين الشيء فى الأرض
جعله قارا فيها ولما لزمه جعلها مقرا له ورد الاستعمال بكل منهما فقيل تارة مكنه فى الأرض واخرى مكن له فى الأرض حتى اجرى كل منهما مجرى الآخر ومنه قوله تعالى ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ بعد قوله تعالى مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ كأنه قيل فى الاول مكنا لهم وفى الثاني ما لم نمكن لكم وما نكرة موصوفة بالجملة المنفية بعدها والعائد محذوف محلها النصب على المصدرية اى مكناهم تمكينا لم نمكنه لكم ويحتمل ان يكون مفعولا به لمكناهم على المعنى لان معنى مكناهم أعطيناهم اى أعطيناهم ما لم نعطكم وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ اى المطر او السحاب عَلَيْهِمْ متعلق بأرسلنا مِدْراراً مغزارا اى كثير الدرور والصب وهو حال من السماء قال ابن الشيخ المدرار مفعال وهو من ابنية المبالغة للفاعل كامرأة مذكار ومئناث وأصله من در اللبن درورا وهو كثرة وروده على الحالب يقال سحاب مدرار ومطر مدرار إذا تتابع منه المطر فى اوقات الاحتياج اليه وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ اى صيرناها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ اى من تحت أشجارهم ومساكنهم وقصورهم والمعنى أعطيناهم من البسط فى الأجسام والامتداد فى الأعمار والسعة من الأموال والاستظهار بأسباب الدنيا فى استجلاب المنافع واستدفاع المضار ما لم نعط اهل مكة ففعلوا ما فعلوا من الكفران والعصيان فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ اى أهلكت كل قرن من تلك القرون بسبب ما يخصهم من الذنوب فما اغنى عنهم تلك العدد والأسباب فسيحل بهؤلاء مثل ما حل بهم من العذاب وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ اى أحدثنا من بعد إهلاك كل قرن قَرْناً آخَرِينَ بدلا من الهالكين وهو لبيان كمال قدرته تعالى وسعة سلطانه وان ما ذكر من إهلاك الأمم الكثيرة لم ينقص من ملكه شيئا بل كلما أهلك امة انشأ بدلها اخرى يعمر بهم بلاده ومن عادته تعالى اذهاب اهل الظلم بعد الامهال ومجيئه باهل العدل والانصاف ونفى اهل الرياء والسمعة واثبات اهل الصدق والإخلاص ولن يزال الناس من اهل الخير فى كل عصر وعن ابى الدرداء رضى الله عنه انه قال ان لله عبادا يقال لهم الابدال لم يبلغوا ما بلغوا بكثرة الصوم والصلاة والتخشع وحسن الحلية ولكن بلغوا بصدق الروع وحسن النية وسلامة الصدر والرحمة بجميع المسلمين اصطفاهم الله(3/10)
وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12)
بعلمه واستخلصهم لنفسه وهم أربعون رجلا على مثل قلب ابراهيم عليه السلام لا يموت الرجل منهم حتى يكون الله قد انشأ من يخلفه واعلم انهم لا يسبون شيأ ولا يلعنون ولا يؤذون من تحتهم ولا يحقرونه ولا يحسدونه من فوقهم أطيب الناس خبرا وألينهم عريكة وأسخاهم نفسا لا تدركهم الخيل المجراة ولا الرياح العواصف فيما بينهم وبين ربهم انما قلوبهم تصعد فى السقوف العلى ارتباحا الى الله تعالى فى استباق الخيرات أولئك حزب الله ألا ان حزب الله هم المفلحون وهذا بعض كلامه وفى قوله تعالى فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ اشارة الى ان الهلاك مطلقا صوريا ومعنويا بدنيا وماليا انما هو بشؤم المعصية وكفران النعمة: ونعم ما قيل
شكر نعمت نعمتت افزون كند ... كفر نعمت از كفت بيرون كند
فمن اعرض عن المعجزات والكرامات والإلهامات لاقباله على الدنيا وزينتها وشهواتها كأنهم الانعام بل هم أضل لان الانعام ما كذبت بالحق وهو قد كذب
دريغ آدمي زاده پر محل ... كه باشد چوانعام بل هم أضل
وقوله تعالى فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ اى فى الدنيا والآخرة أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ اما فى الدنيا فمن استهزائهم بأقوال الأنبياء والأولياء وأحوالهم يصمهم الله ويعمى أبصارهم فلا يهتدون الى حق ولا الى حقيقة سبيلا واما فى الآخرة فيعذبهم بعذاب القطعية والبعد والحرمان والخلود فى النيران- حكى- ان امام الحرمين كان يدرس يوما فى المسجد بعد صلاة الصبح فمر عليه بعض شيوخ الصوفية ومعه أصحابه من الفقراء وقد دعوا الى بعض المواضع فقال امام الحرمين فى نفسه ما شغل هؤلاء الا الا كل والرقص فلما رجع الشيخ من الدعوة مر عليه وقال يا فقيه ما تقول فيمن صلى الصبح وهو جنب ويقعد فى المسجد ويدرس العلوم ويغتاب الناس فذكر امام الحرمين انه كان عليه غسل ثم حسن اعتقاده بعد ذلك فى الصوفية أقول وأول الأمر اعتقادهم ثم الاتباع بطريقتهم ثم الوصول الى مقاماتهم وقيل لابى القاسم الجنيد قدس سره ممن استفدت هذه العلوم فقال من جلوسى بين يدى الله تعالى ثلاثين سنة تحت تلك الدرجة وأشار الى درجة فى داره فهذه الطريقة لا تنكشف اسرارها ولا تتلألأ أنوارها الا بعد اجتهاد تام وسلوك قوى والله الهادي وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ- روى- ان بعض المشركين قالوا يا محمد لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه اربعة من الملائكة يشهدون انه من عند الله وانك رسوله فانزل الله تعالى قوله وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ اى مكتوبا فى رق فالكتاب بمعنى مفعول فَلَمَسُوهُ اى الكتاب بِأَيْدِيهِمْ بعد ما رأوه بأعينهم بحيث لم يبق لهم فى شأنه اشتباه فذكر اللمس لان التزوير لا يقع فيه فلا يمكنهم ان يقولوا انما سكرت أبصارنا اى سدت وذكر الأيدي مع ان اللمس لا يكون عادة الا بها لدفع التجوز فانه يتجوز به للتفحص كما فى قوله تعالى وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ اى تفحصنا لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا تعنتا وعنادا للحق بعد ظهوره كما هو دأب المحجوج اللجوج إِنْ هذا اى الكتاب إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ اى بين كونه سحرا على كل أحد ولا شك ان من حرم التوفيق وكذب بالحق غيبا وحدسا كذب به عيانا وحسا فلو ان اهل الإنكار رأوا الأولياء والصالحين(3/11)
وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12)
يطيرون فى الهواء لقالوا هذا سحر وهؤلاء شياطين وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ شروع فى قدحهم فى النبوة صريحا بعد ما أشير الى قدحهم فيها ضمنا ولولا تحضيضية بمعنى الأمر والضمير فى عليه للنبى عليه السلام اى هلا انزل عليه ملك بحيث نراه ويكلمنا انه نبى وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ولو أنزلنا ملكا على هيئة حسبما اقترحوه والحال انه من هول المنظر بحيث لا يطيق مشاهدته قوى الآحاد البشرية لقضى الأمر اى هلاكهم بالكلية ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ اى لا يمهلون بعد نزوله طرفة العين ومعنى ثم بعد ما بين الامرين قضاء الأمر وعدم الانظار وجعل عدم الانظار أشد من قضاء الأمر لان مفاجأة العذاب أشد من نفس العذاب وأشق وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً الهاء للمطلوب وهو ان يكون الشاهد على نبوته عليه السلام ملكا لَجَعَلْناهُ رَجُلًا اى لمثلنا ذلك الملك رجلا لما مر من عدم استطاعة الآحاد لمعاينة الملك على هيكله وكان جبرائيل عليه السلام يأتى النبي عليه السلام فى صورة دحية الكلبي وجاء الملكان الى داود عليه السلام فى صورة رجلين مختصمين اليه وجاءت الملائكة الى ابراهيم فى صورة الضيفان فان القوة البشرية لا تقوى على رؤية الملك وصورته وانما رآهم كذلك الافراد من الأنبياء لقوتهم القدسية وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ جواب محذوف اى ولو جعلناه رجلا لخلطنا عليهم بتمثيله رجلا ما يَلْبِسُونَ على أنفسهم حينئذ بان يقولوا له انما أنت بشر ولست بملك والتعبير عن تمثيله تعالى رجلا باللبس لكونه سببا للبسهم وفيه تأكيد لاستحالة جعله ملكا كأنه قيل لو فعلناه لفعلنا ما لا يليق بشأننا من لبس الأمر عليهم من لبست الأمر على القوم البسه من باب ضرب إذا شبهت وجعلته مشكلا عليهم وأصله الستر بالثوب وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ برسل متعلق باستهزئ ومن ابتدائية متعلقة بمحذوف وقع صفة لرسل وهو تسلية لرسول الله عليه السلام عما يلقاه من قومه اى وبالله لقد استهزىء برسل اولى شأن خطير وذوى عدد كثير كائنين من زمان قبل زمانك على حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه فَحاقَ عقيبه اى أحاط او نزل او حل او نحو ذلك فان معناه يدور على الشمول واللزوم ولا يكاد يستعمل الا فى الشر والحيق ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ما موصولة اسمية والعائد الهاء فى به وبه متعلق بيستهزئون والموصول مع صلته فاعل حاق اى فاحاط بهم الذي كانوا يستهزئون به حيث اهلكوا لاجله فاسناد الإحاطة والإهلاك الى الرسل من قبيل الاسناد الى السبب والمعنى أحاط الله بهم واهلكهم بسبب استهزائهم بالرسل وقد أنجز الله ذلك يوم بدر أي انجاز قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ اى سافروا فى الأرض لتعرف احوال الأمم الماضية ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ اى تفكروا فى انهم كيف اهلكوا بعذاب الاستئصال وثم لتفاوت ما بين الواجبين فان وجوب السير ليس الا لكونه وسيلة الى النظر ومثله قوله توضأ ثم صل والعاقبة مصدر وهى منتهى الأمر ومآله اعلم ان الاستهزاء من شيم النفوس المتمردة بأرباب الدين من الأنبياء والأولياء فى كل زمان وحين- يروى- ان النبي عليه السلام كان جالسا فى المسجد الحرام مع جماعة من المستضعفين بلال وصهيب وعمار(3/12)
وغيرهم فمر بهم ابو جهل فى ملا من قريش فقال يزعم محمد ان هؤلاء ملوك الجنة فاستهزأ بفقراء المسلمين وقد فعل الله به ما فعل يوم بدر فنال جزاء استهزائه وذلك محل العبرة لاولى الابصار: وفى المثنوى
نى ترا حفظ زبان از راز كس ... نى نظر كردن بعبرت پيش و پس
پيش چهـ بود ياد مرك ونزع خويش ... پس چهـ باشد مردن ياران ز پيش
- حكى- ان شيعيا يقال له ابن هيلان كان يتكلم بما لا ينبغى فى حق الصحابة فبينما هو يهدم خائطا إذ سقط عليه فهلك فدفن بالبقيع مقبرة المدينة فلم يوجد ثانى يوم فى القبر الذي دفن فيه ولا التراب الذي ردم به القبر بحيث يستدل بذلك لنبشه وانما وجدوا اللبن على حاله حسبما شاهده الجم الغفير حتى كان ممن وقف عليه القاضي جمال الدين وصار الناس يجيئون لرؤيته إرسالا الى ان اشتهر امره وعد ذلك من الآيات التي يعتبر بها من شرح الله صدره نسأل الله السلامة كذا فى المقاصد الحسنة للامام السخاوي. فعلم منه عاقبة الطعن والاستهزاء وان الله تعالى ينقل جيفة الفاسق من المحل المتبرك به الى المكان المتشأم منه كما ورد فى الحديث الصحيح (من مات من أمتي يعمل عمل قوم لوط نقله الله إليهم حتى يحشر معهم) كما فى الدرر المنتثرة للامام السيوطي وهذا صريح فى نقل جسده لان الحشر بالروح والجسد جميعا فكما ان الله تعالى ينقل أجساد الأشرار من مقام شريف الى محل وضيع كذلك ينقل أجسام الأخيار من مكان وضيع الى مقام شريف كالبقيع والحجون مقبرتى المدينة ومكة فان الله تعالى يسوق الأهل الى الأهل وهذا آخر الزمان وقلما يوجد فيه من هو متوجه الى القبلة فى الظاهر والباطن والحياة والممات ونعم ما قيل ذهب الناس وما بقي الا النسناس وهم الذين يتشبهون بالناس وليسوا بالناس وهم يأجوج ومأجوج او حيوان بحرى صورته كصورة الإنسان او خلق على صورة الناس أشبهوهم فى شىء وخالفوهم فى شىء وليسوا من بنى آدم وقيل هم من بنى آدم- روى- ان حيا من عاد عصوا رسولهم فمسخهم الله نسناسا لكل رجل منهم يد ورجل من شق واحد ينقز كما ينقز الطير ويرعون كما ترعى البهائم فأين الأخيار وابن أولوا الابصار مضوا والله ما بقي الا القليل: قال الحافظ قطعه
بدرين ظلمت سرا تا كى ببوى دوست بنشينم ... كهى انكشت در دندان كهى سر بر سر زانوا
تناهى الصبر مذخلت بمأوى الأسد سرحان ... وطار العقل إذ غنت بمغنى الورق غربان
بيا اى طائر فرخ بياور مژده دولت ... عسى الأيام ان يرجعن قوما كالذى كانوا
اى كالوضع الذي كانوا عليه من الانتظام مطلقا قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ الجاء لاهل مكة الى الإقرار بان الكل من العقلاء وغيرهم لله خلقا وملكا وتصرفا كأنه يقول هل لكم سبيل الى عدم الإقرار بذلك مع كونه من الظهور بحث لا يقدر أحد على إنكاره وفى تصدى السائل للجواب قبل ان يجيب غيره ايماء الى ان مثل هذا السؤال لكون جوابه متعينا ليس من حقه ان ينتظر جوابه بل حقه ان يبادر الى الاعتراف بالجواب كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ جملة مستقلة داخلة تحت الأمر مسوقة لبيان انه تعالى رؤف بالعباد(3/13)
لا يعجل عليهم بالعقوبة ويقبل منهم التوبة والانابة ومعنى كتب الرحمة على نفسه التزمها وأوجبها تفضلا وإحسانا لانه تعالى منزه عن ان يجب عليه شىء حقيقة وفى التعبير عن الذات بالنفس حجة على من ادعى ان لفظ النفس لا يطلق على الله تعالى لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ جواب قسم محذوف اى والله ليجمعنكم فى القبور مبعوثين او محشورين الى يوم القيامة فيجازيكم على شرككم وسائر معاصيكم وان أمهلكم بموجب رحمته ولم يعاملكم بالعقوبة الدنيوية لا رَيْبَ فِيهِ اى فى اليوم او فى الجميع الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ اى بتضييع رأس مالهم وهو الفطرة الاصلية والعقل السليم وهو مبتدأ وخبره قوله فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط والاشعار بان عدم ايمانهم بسبب خسرانهم فان ابطال العقل باتباع الحواس والوهم والانهماك فى التقليد واغفال النظر أدى بهم الى الإصرار على الكفر والامتناع من الايمان والخروج عن دائرة الرحمة الخاصة قال القاضي والمراد بالرحمة ما يعم الدارين ومن ذلك الهداية الى معرفته والعلم بتوحيده بنصب الادلة وإنزال الكتب والامهال على الكفر وفى تفسير الكاشفى [مراد رحمت ذاتيه باشد كه رحمت مطلقه كونيد واين رحمتيست كه بر همه چيز فرا رسيده ونتيجه آن عطاء ادنيست بي سابقه سؤال واستدعا ورابطه حاجت واستحقاق چنانچهـ در مثنوى معنوى واردست]
در عدم ما مستحقان كى بديم ... كه برين جان وبرين دانش زديم «1»
ما نبوديم وتقاضامان نبود ... لطف تو نا كفته ما مى شنود «2»
قال الامام الأكمل فى شرح الحديث عن ابى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (جعل الله الرحمة مائة جزء فامسك عنده تسعة وتسعين وانزل فى الأرض جزأ واحدا فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حوافرها عن ولدها يمص ان تصيبه) فهذا مما يدل على كمال الرجاء والبشارة للمسلمين لانه حصل فى هذه الدار من رحمة واحدة ما حصل من النعم الظاهرة والباطنة فما ظنك بمائة رحمة فى الدار الآخرة وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال قدم على النبي عليه السلام سبى فاذا امرأة من السبي تحلب ثديها وتسعى قاذا وجدت صبيا فى السبي أخذته فالصقته ببطنها وارضعته فقال لنا النبي عليه السلام (أترون هذه طارحة ولدها فى النار) قلنا لا وهى قادرة على ان لا تطرحه فقال (الله ارحم بعباده من هذه بولدها) وفى المثنوى
آتش از قهر خدا خود ذره ايست ... بهر تهديد لئيمان دره ايست «3»
با چنين قهرى كه زفت وفايقست ... برد لطفش بين بر آتش سابقست
رحمت بيچون چنين دان اى پدر ... نايد اندر وهم از وى جز اثر «4»
قال حضرة الشيح الأكبر قدس سره الأطهر فى الفتوحات المكية وجدنا آية الرحمة وهى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تتضمن الف معنى كل معنى لا يحصل الا بعد انقضاء حول ولا بد من حصول هذه المعاني التي تضمنها بسم الله الرحمن الرحيم لانه ما ظهر الا ليعطى معناه فلا بد من كمال الف سنة لهذه الامة اللهم ارحمنا إذا عرق الجبين وكثر الأنين وبكى علينا الحبيب ويئس منا الطبيب اللهم ارحمنا إذا وارانا التراب وودعنا الأحباب وفارقنا النعيم وانقطع النسيم
__________
(1) در اواسط دفتر ششم در بيان انابت طالب كنج و پشيمانى او إلخ [.....]
(2) در أوائل دفتر يكم در بيان اعتراض كردن مر مدان بر خلوت وزير إلخ
(3) در اواخر دفتر چهارم در بيان باز التماس كردن ذو القرنين از كوه فاف إلخ
(4) در اواخر دفتر سوم در بيان شناختن هر حيوان ببوى عدو خويش إلخ(3/14)
وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)
اللهم ارحمنا إذا نسى اسمنا وبلى جسمنا واندرس قبرنا وانطوى ذكرنا اللهم ارحمنا يوم تبلى السرائر وتبدى الضمائر وتنشر الدواوين وتحشر الموازين اللهم يا حى يا قيوم يا رحمن يا رحيم برحمتك نستعين. هذه مناجاة حضرة الشيخ المذكور ولعمرى انها مناجاة شريفة ومناداة لطيفة وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ- روى- ان كفار مكة أتوا رسول الله فقالوا يا رسول الله قد علمنا انك ما يحملك على ما تدعونا اليه الا الفقر والحاجة فنحن نجمع لك من القبائل أموالا تكون أغنانا رجلا وترجع عما أنت عليه من الدعوة فانزل الله تعالى هذه الآية والمعنى ولله تعالى خاصة جميع ما استقر فيهما واشتملا عليه فان أراد يعطى رسوله مالا كثيرا ليكون اغنى الخلق نزل الملوان منزلة المكان فعبر عن نسبة الأشياء الزمانية إليهما بالسكنى فيهما وَهُوَ السَّمِيعُ المبالغ فى سماع كل مسموع الْعَلِيمُ المبالغ فى العلم بكل معلوم فلا يخفى عليه شىء من الأقوال والافعال وفى الخبر (ان الله تعالى خلق جوهرتين إحداهما مظلمة والاخرى مضيئة فاستخلص من المضيئة كل نور فخلق من نورها النهار ومن الباقي النار واستخلص من الظلمة كل ظلمة فخلق منها الليل وخلق من الباقي الجنة فالليل من الجنة والنار من النار) ولذلك كان الانس بالليل اكثر فالليل انس المحبين وقرة أعين المحبوبين وقدم الليل على النهار لان الليل لخدمة المولى والنهار لخدمة الخلق ومعارج الأنبياء كانت بالليل والقدر فى الليل خير من الف شهر وليس فى الأيام مثلها وكان بعض الأولياء يقول إذا جاء الليل جاء الخلق الأعظم يقول الفقير جامع هذه المجالس اما من حجب عن سر الليل وحلاوة المناجاة فيه وذوق الخلوة والوحدة فالمحبوب اليه النهار كعلماء الرسوم ألا ترى الى ثعلب النحوي يقول وددت ان الليل نهار حتى لا تنقطع عنى أصحابي وهذا حرص منه على الكثرة والالفة معها والأفكل معلم لم يكن أعلى حالا من المجتهدين ألا ترى ان امامنا الأعظم كان يدرس ويحيى الليل
هر كنج سعادت كه او داد بحافظ ... از يمن دعاى شب وورد سحرى بود
وعلم من التقرير المذكور افضلية الليل على النهار واعلم ان الكل خلق الله تعالى ولكل منهما ملك موكل به وفى الخبر عن سلمان رضى الله عنه قال الليل موكل به ملك يقال له شراهيل فاذا حان وقت الليل أخذ خرزة سوداء فدلاها من قبل المغرب فاذا نظرت إليها الشمس وجبت فى اسرع من طرفة العين وقد أمرت ان لا تغرب حتى ترى الخرزة فاذا غربت جاء الليل وقد نشرت الظلمة من تحت جناحى ملك فلا تزال الخرزة معلقة حتى يجيىء ملك آخر يقال له هراهيل بخرزة بيضاء فيعلقها من قبل المطلع فاذا رأتها الشمس طلعت فى طرفة عين وقد أمرت ان لا تطلع حتى ترى الخرزة البيضاء فاذا طلعت جاء النهار فنشر النور من تحت جناحى ملك فلنور النهار ملك موكل ولظلمة الليل ملك موكل عند الطلوع والغروب كما وردت الاخبار قُلْ يا محمد لكفار مكة ونزلت حين دعوه الى الشرك ودين آبائه أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا اى معبودا بطريق الاستقلال او الاشتراك وقد اتخذني الله فى أزليته حبيبا كما قال عليه السلام (لو كنت متخذا خليلا غير الله لا تخذت أبا بكر خليلا(3/15)
قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)
ولكن الله اتخذ صاحبكم خليلا) اى لا اتخذ فالمنكر هو اتخاذ غير الله وليا لا نفس اتخاذ الولي لكن قدم المفعول لكونه مناط الإنكار فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مبدعهما اى خالقهما ابتداء لا على مثال سبق وهو بدل من الجلالة وَهُوَ اى والحال انه يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ اى يرزق الخلق ولا يرزق وتخصيص الطعام بالذكر لشدة الحاجة اليه قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وجهه لله مخلصاله لان النبي امام أمته فى الإسلام وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اى وقيل لى لا تكونن من المشركين به تعالى فى امر من امور الدين ومعناه أمرت بالإسلام ونهيت عن الشرك وحقيقة الإسلام الإخلاص من حبس الوجود وما خلص منه غيره عليه السلام بالكلية ولهذا يقول الأنبياء نفسى نفسى وهو يقول أمتي أمتي قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي اى بمخالفة امره ونهيه أي عصيان كان عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ اى عذاب يوم القيامة مفعول أخاف وفيه قطع لاطماعهم وتعريض بانهم عصاة مستوجبون للعذاب العظيم مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ اى من يصرف عنه العذاب فى ذلك اليوم العظيم ويومئذ ظرف للصرف فَقَدْ رَحِمَهُ اى نجاه وأنعم عليه وَذلِكَ الصرف الْفَوْزُ الْمُبِينُ اى النجاة الظاهرة وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ دليل آخر على انه لا يجوز للعاقل ان يتخذ غير الله وليا اى ببلية كمرض وفقر ونحو ذلك والباء للتعدية وترجمته بالفارسية [واگر برساند خدا بتو سختى] فَلا كاشِفَ لَهُ اى فلا قادر على كشف ذلك الضر ورفعه عنك إِلَّا هُوَ تعالى وحده وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ من صحة ونعمة ونحو ذلك فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فكان قادرا على حفظه وادامته فلا يقدر غيره على رفعه كقوله فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال اهدى الى النبي عليه السلام بغلة أهداها كسرى فركبها بحبل من شعر ثم أردفني خلفه ثم ساربى مليا ثم التفت الى فقال (يا غلام) فقلت لبيك يا رسول الله فقال (احفظ الله بحفظك احفظ الله تجده امامك تعرّف الى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله فقد مضى القلم بما هو كائن فلو جهد الخلائق ان ينفعوك بما لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه ولو جهدوا ان يضروك بما لم يكتب الله عليك ما قدروا عليه فان استطعت ان تعمل بالصبر مع اليقين فافعل فان لم تستطع فاصبر فان فى الصبر على ما تكره خيرا كثيرا واعلم ان النصر مع الصبر وان مع الكرب الفرج وفَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً فان قلت قد يتصور ان يكشف الإنسان عن صاحبه كربة من الكرب قلت كاشف الضر فى الحقيقة هو الله تعالى اما بواسطة الأسباب او بغيرها: قال الحافظ
كر رنج پيشت آيد وكر راحت اى حكيم ... نسبت مكن بغير كه اينها خدا كند
وكذا الاستعانة فى الحقيقة من الله تعالى فالاستعانة من الأنبياء والأولياء انما هى استشفاع منهم فى قضاء الحاجة والموحد لا يعتقد ان فى الوجود مؤثرا غير الله تعالى وَهُوَ الْقاهِرُ اى القادر الذي لا يعجزه شىء مستعليا فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ فى كل ما يفعله ويأمر به الْخَبِيرُ بأحوال عباده وخفايا أمورهم. صور قهره تعالى وعلو شانه بالعلو الحسى فعبر عنه بالفوقية بطريق الاستعارة التمثيلية فقوله وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ عبارة عن كمال القدرة(3/16)
قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)
كما ان قوله وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ عبارة عن كمال العلم قال المولى الفنارى فى تفسيره الفوقية من حيث القدرة لا من حيث المكان لعلو شأنه تعالى عن ذلك فانه تعالى قاهر للممكنات معدومة كانت او موجودة لانه يقهر كل واحد منهما بضده فيقهر المعدومات بالإيجاد والتكوين والموجودات بالافناء والإفساد وفى التأويلات النجمية وقد عم قهره جميع عباده فقهر الكفار بموت القلوب وحياة النفوس إذا اخطأهم النور المرشش على الأرواح فى بدء الخلقة فضلوا فى ظلمات الطبيعة وما اهتدوا الى نور الشريعة وقهر نفوس المؤمنين بانوار الشريعة فاخرجهم من ظلمات الطبيعة بالقيام على طاعته وقهر قلوب المحبين بلوعات الاشتياق فآنسها بلطف مشاهده وقهر أرواح الصديقين بسطوات تجلى صفات جلاله وبالجملة لا ترى شيأ سواه الا وهو مقهور تحت اعلام عزته وذليل فى ميادين صمديته فعلى العبد ان يعرف مولاه ويشتغل بعبوديته وهو الله تعالى الذي خلق كل شىء وأوجده وقهره- وحكى- عن الشيخ عبد الواحد بن زيد قدس سره قال كنت فى مركب فطرحتنا الريح الى جزيرة وإذا فيها رجل يعبد صنما فقلنا له يا رجل من تعبد فاومأ الى الصنم فقلنا له ان آلهك هذا مصنوع عندنا من يصنع مثله ما هذا بآله يعبد قال فانتم من تعبدون قلنا نعبد الذي فى السماء عرشه وفى الأرض بطشه وفى الاحياء والأموات قضاؤه تقدست أسماؤه وجلت عظمته وكبرياؤه قال ومن أعلمكم بهذا قلنا وجه إلينا رسولا كريما فاخبرنا بذلك قال ما فعل الرسول فيكم قلنا لما ادى الرسالة قبضه الملك اليه واختار له ما لديه قال فهل ترك عندكم من علامة قلنا نعم ترك عندنا كتابا للملك قال فارونى كتاب الملك فانه ينبغى ان تكون كتب الملوك حسانا فاتيناه بالمصحف فقال ما اعرف هذا فقرأنا عليه سورة فلم يزل يبقى حتى ختمنا السورة فقال ينبغى لصاحب هذا الكلام ان لا يعصى ثم اسلم وحسن إسلامه ثم مات بعد ايام على احسن حال والحمد لله الملك المتعال فى الغدو والآصال انه هو المعبود المقصود واليه يأول كل امر موجود قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً- روى- ان قريشا قالوا لرسول الله يا محمد لقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا ان ليس لك عندهم ذكر ولا صفة فارنا من يشهد انك رسول الله فانهم انكروك فانزل الله تعالى هذه الآية امر حبيبه عليه السلام بان يقول لهم أي شىء أعظم من جهة الشهادة قُلِ اللَّهُ اى الله اكبر شهادة فشهادته اكبر من شهادة الخلق فان شهادة الخلق وعلومهم لا تحيط بحقائق الأشياء كلها والحق سبحانه هو الذي يحيط علمه بجميع حقائق الأشياء امر له عليه السلام بان يتولى الجواب بنفسه للايذان بتعينه وعدم قدرتهم على ان يجيبوا بغيره شَهِيدٌ اى هو شهيد بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ على صدقى وَأُوحِيَ إِلَيَّ من جهته تعالى هذَا الْقُرْآنُ الشاهد بصحة رسالتى لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ اى أخوفكم بما فيه من الوعيد ايها الموجودون وقت نزول القرآن وَمَنْ بَلَغَ عطف على ضمير المخاطبين اى بلغه القرآن من الانس والجن الى يوم القيامة قال محمد بن كعب القرطبي من بلغه القرآن فكأنما رأى محمدا عليه السلام وسمع منه أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ الجاء لهم الى الإقرار باشراكهم إذ لا سبيل لهم الى إنكاره لاشتهارهم به والاستفهام فيه للانكار والتوبيخ والمعنى بالفارسية [آيا شماييد كه(3/17)
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)
گواهى ميدهيد] أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لهم لا أَشْهَدُ بذلك وان شهدتم به فانه باطل صرف قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ تكرير الأمر للتأكيد اى بل انما اشهد انه تعالى لا اله الا هو اى متفرد بالالوهية وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ به من الأصنام الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ جواب عما سبق من قولهم لقد سألنا عنك اليهود والنصارى والمراد بالموصول اليهود والنصارى وبالكتاب الجنس المتنظم للتوارة والإنجيل يَعْرِفُونَهُ اى محمدا عليه السلام بحليته ونعوته فى كتابهم كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ بحلاهم المعينة لهم- روى- ان رسول الله لما قدم المدينة قال عمر رضى الله عنه لعبد الله بن سلام انزل الله تعالى على نبيه هذه الآية فكيف هذه المعرفة فقال يا عمر لقد عرفته فيكم حين رأيته كما اعرف ابني ولأنا أشد معرفة بمحمد منى با بنى لانى لا أدرى ما صنع النساء واشهد انه حق من الله تعالى فقال عمر وفقك الله يا ابن سلام الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ اى غبنوا أنفسهم من اهل الكتابين والمشركين بان ضيعوا فطرة الله التي فطر الناس عليها واعرضوا عن البينات الموجبة للايمان بالكلية وهو مبتدأ خبره قوله فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ لما انهم مطبوع على قلوبهم والفاء السببية تدل على ان تضييع الفطرة الاصلية والعقل السليم سبب لعدم الايمان قال البغوي وذلك ان الله تعالى جعل لكل آدمي منزلا فى الجنة ومنزلا فى النار فاذا كان يوم القيامة جعل الله للمؤمنين منازل اهل النار فى الجنة ولاهل النار منازل اهل الجنة فى النار وذلك هو الخسران وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً
لوصفهم النبي المنعوت فى الكتابين بخلاف أوصافه عليه السلام فانه افتراء على الله تعالى وبقولهم الملائكة بنات وقولهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله ونحو ذلك اى لا أحد اظلم منه أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ كأن كذبوا بالقرآن وبالمعجزات وسموها سحرا وحرفوا التوراة وغيروا نعوته عليه السلام فان ذلك تكذيب بآياته وكلمة او للايذان بان كلا من الافتراء والتكذيب وحده بالغ غاية الافراط فى الظلم كيف وهم قد جمعوا بينهما فاثبتوا ما نفاه الله تعالى ونفوا ما أثبته إِنَّهُ اى الشان لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ اى لا ينجون من مكروه ولا يفوزون بمطلوب وإذا كان حال الظالمين هذا فما ظنك بمن فى الغاية القاصية من الظلم وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا يوم منصوب على الظرفية بمضمر مؤخر قد حذف إيذانا بضيق العبارة عن شرحه وبيانه والحشر جمع الناس الى موضع معلوم والضمير للكل وجميعا حال منه والمعنى ويوم نحشر الناس كلهم ثم نقول للمشركين خاصة للتوبيخ والتقريع على رؤس الاشهاد ما نقول كان من الأحوال والأهوال ما لا يحيط به دائرة المقال والعطف بثم للتراخى الحاصل بين مقامات يوم القيامة فى المواقف فان فيه مواقف بين كل موقف وموقف تراخ على حسب طول ذلك اليوم أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ اى آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله فالاضافة مجازية باعتبار اثباتهم الشركة لآلهتهم الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ اى تزعمونها شركاء شفعاء والزعم القول الباطل والكذب فى اكثر الكلام ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا الفتنة مرفوع على انه اسم تكن والخبر الا ان قالوا والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء وفتنتهم اما كفرهم مرادا به عاقبته اى لم تكن عاقبة كفرهم الذي التزموه مدة(3/18)
انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26) وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27)
أعمارهم وافتخروا به شيأ من الأشياء إلا جحوده والتبري منه بان يقولوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ واما جوابهم عبر عنه بالفتنة لانه كذب وانما يقولون مع علمهم بانه بمعزل من النفع رأسا من فرط الحيرة والدهش كما يقولون ربنا أخرجنا منها وقد أيقنوا بالخلود انْظُرْ يا محمد كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ بانكار صدور الإشراك عنهم فى الدنيا وتعجب من كذبهم فانه امر عجيب وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ عطف على كذبوا داخل فى حيز انظر اى كيف زال وذهب وبطل افتراؤهم فانهم كانوا يفترون فى حق الأصنام انها شفعاؤهم عند الله تعالى فبطل ذلك بالكلية يوم القيامة وفى الآيات امور. الاول اطلاق لفظ الشيء على الله تعالى لكن بمعنى شاىء لا بمعنى مشيىء وجوده فهو الشائي المريد. والثاني انه يلزمه التبري من الشرك عقيب التوحيد قال المولى الشهير بأخي چلبى فى حواشى صدر الشريعة اسلام اليهود والنصارى مشروط بالتبري من اليهودية والنصرانية بعد الإتيان بكلمتي الشهادة وبدون التبري لا يكونان مسلمين ولواتيا بالشهادتين مرارا لانهما فسرا قولهما بانه رسول الله إليكم لكن هذا فى الذين اليوم بين ظهرانى اهل الإسلام اما إذا كان فى دار الحرب وحمل عليه رجل من المسلمين فاتى بالشهادتين او قال دخلت دين الإسلام او فى دين محمد عليه السلام فهذا دليل توبته انتهى قال فى الدر المختصر فى صفة الايمان ان يقول ما أمرني الله تعالى به قبلته وما نهانى عنه انتهيت عنه فاذا اعتقد ذلك بقلبه وأقر بلسانه كان ايمانا صحيحا وكان مؤمنا بالكل انتهى وايمان المقلد صحيح عند الامام الأعظم الا انه يأثم بترك النظر والاستدلال وفى فصل الخطاب من نشأ فى بلاد المسلمين وسبح الله تعالى عند رؤية صنائعه فهو خارج عن حد التقليد. والثالث ان قوله تعالى كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ يشير الى ان الآباء قد تحقق عندهم انهم مصادر الأبناء ومبدأ وجود الأبناء منهم فكذلك اهل المعرفة تحقق عندهم ان الله تعالى مصدرهم ومبدأ وجودهم منه: قال الحافظ
در مكتب حقائق و پيش اديب عشق ... هان اى پسر بكوش كه روزى پدر شوى
خواب وخورت ز مرتبه خويش دور كرد ... آنكه رسى بخويش كه بي خواب وخور شوى
فالوصول الى المبدأ القديم بعد العبور من جسر الوصف الحادث. والرابع ان النافع هو الايمان والتوحيد والصدق والإخلاص دون الشرك والكذب- يروى- ان المشركين إذا رأوا يوم القيامة مغفرة الله تعالى وتجاوزه عن اهل التوحيد قال بعضهم لبعض تعالوا نكتم الشرك لعلنا تنجو مع اهل التوحيد فيقولون والله ربنا ما كنا مشركين فيختم على أفواههم وتشهد عليهم جوارحهم بالكفر فلا يفلحون. وكذا اهل الرياء من اهل التوحيد يزعمون انهم على اليقين وكمال الإخلاص وأفعالهم الصادرة عن جوارحهم تدل على خلاف ذلك فانما خلق الله جهنم لتطهير اهل الشرك مطلقا لكن اهل الكفر مخلدون فافهم المقام واعلم ان الله تعالى واحد وكل شىء يشهد على وحدته وعلى هذه الوحدة يعرفه ويشاهده اهل المعرفة والمشاهدة فان كثرة الآثار لا تنافى الوحدة كالنواة مع الشجرة: قال الحافظ
تا دم وحدت زدى حافظ شوريده حال ... خامه توحيد كش بر ورق اين وآن
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ إذا قرأت القرآن- روى- انه اجتمع ابو سفيان(3/19)
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26) وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27)
والوليد والنضر وعتبة وشيبة وابو جهل واضرابهم يستمعون تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا للنضر وكان صاحب اخبار يا أبا قتيلة ما يقول محمد فقال والذي جعلها بيته ما أدرى ما يقول الا انه يحرك لسانه ويقول أساطير الأولين مثل ما حدثتكم عن القرون الماضية فقال ابو سفيان انى ارى بعض ما يقول حقا فقال ابو جهل كلا فنزلت فالضمير للمشركين وَجَعَلْنا اى انشأنا عَلى قُلُوبِهِمْ الضمير راجع الى من باعتبار المعنى أَكِنَّةً اى اغطية كثيرة لا يقادر قدرها خارجة مما يتعارفه الناس. جمع كنان بالكسر وهو ما يستر به الشيء أَنْ يَفْقَهُوهُ مفعول له بحذف المضاف اى كراهة ان يفقهوا ما يستمعون من القرآن المدلول عليه بذكر الاستماع وَجعلنا فِي آذانِهِمْ وَقْراً اى صمما وثقلا كراهة ان يستمعوه حق الاستماع وهذا تمثيل معرب عن كمال جهلهم بشؤون النبي عليه السلام وفرط نبوّ قلوبهم عن فهم القرآن الكريم ومج أسماعهم له وهذا دليل على ان الله تعالى يقلب القلوب فيشرح بعضها للهدى ويجعل بعضها فى اكنة فلا تفقه كلام الله ولا تؤمن كما هو مذهب اهل السنة وفى الآية اشارة الى ان مكافاة من يستمع الى كلام الله تعالى او الى حديث النبي عليه السلام او الى كلمات ارباب الحقائق بالإنكار ليأخذوا عليها ويطعنوا فيها ان يجعل الله تعالى حجابا على قلوبهم وسمعهم حتى لا يصل إليهم أنوارها ولا يجدون حلاوتها ولا يفهمون حقائقها: قال المولى الجامى
عجب نبود كه از قرآن نصيبت نيست جز حرفى ... كه از خورشيد جز كرمى نبيند چشم نابينا
وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ من الآيات القرآنية اى يشاهدوها بسماعها لا يُؤْمِنُوا بِها اى كفروا بكل واحدة منها وسموها سحرا وافتراء وأساطير لفرط عنادهم واستحكام التقليد فيهم حَتَّى ابتدائية ومع هذا لا مانع من ان تفيد معنى الغاية اى بلغ بهم ذلك المنع من فهم القرآن الى انهم إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ اى حال كونهم مجادلين لك يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا اى لا يكتفون بمجرد عدم الايمان بما سمعوا من الآيات الكريمة بل يقولون إِنْ هذا اى ما هذا القرآن إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اى أباطيلهم وأكاذيبهم. جمع اسطورة بالضم كالاضاحيك والأعاجيب جمع اضحوكة واعجوبة: وفى المثنوى
چون كتاب الله بيامد هم بران ... اين چنين طعنه زدند آن كافران «1»
كه أساطير است وافسانه نژند ... نيست تعميقى وتحقيقي بلند
تو ز قرآن اى پسر ظاهر مبين ... ديو آدم را نبيند غير طين «2»
وَهُمْ اى الكفار يَنْهَوْنَ الناس عَنْهُ اى عن القرآن والايمان به وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ اى يتباعدون عنه بانفسهم إظهارا لغاية نفورهم منه وتأكيد لنهيهم عنه فان اجتناب الناهي عن المنهي عنه من متممات النهى ولعل ذلك هو السر فى تأخير النأى عن النهى. والنأى البعد وَإِنْ يُهْلِكُونَ اى ما يهلكون بالنهى والنأى إِلَّا أَنْفُسَهُمْ لان ضرره عليهم وَما يَشْعُرُونَ اى والحال انهم ما يعلمون اى لا باهلاك أنفسهم ولا باقتضاء ذلك عليها من غير ان يضروا بذلك شيأ من القرآن والرسول والمؤمنين وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ الخطاب
__________
(1) در اواخر دفتر سوم در بيان ذكر بداند بشيدن قاصر فهمان إلخ
(2) در اواخر دفتر سوم در بيان حديث ان للقرآن ظهرا وبطنا إلخ(3/20)
بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)
اما لرسول الله صلى الله عليه وسلم او لكل أحد من اهل المشاهدة والعيان. والوقف الحبس وجواب لو ومفعول ترى محذوف اى لو تراهم حين يوقفون على النار حتى يعاينوها لرأيت ما لا يساعده التعبير فَقالُوا يا للتنبيه لَيْتَنا نُرَدُّ الى الدنيا وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا القرآنية وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بها العاملين بمقتضاها حتى لا نرى هذا الموقوف الهائل ونصب الفعلين على جواب التمني بإضمار ان بعد الواو وإجرائها مجرى الفاء والمعنى ان رددنا لم نكذب ونكن من المؤمنين بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ اى ليس الأمر على ما قالوه من انهم لوردوا الى الدنيا لآمنوا فان التمني الواقع منهم يوم القيامة ليس لاجل كونهم راغبين فى الايمان بل لانه ظهر لهم فى موقفهم ذلك ما كانوا يخفون فى الدنيا وهى النار التي وقفوا عليها والمراد بإخفائها تكذيبهم لها فان التكذيب بالشيء كفر به وإخفاء له محالة وَلَوْ رُدُّوا الى الدنيا فرضا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ من الشرك ونسوا ما عاينوه بالكلية لاقتصار انظارهم على الشاهد دون الغائب كابليس قد عاين من آيات الله تعالى ثم عاند فلاراد لما قضاه الله تعالى ولا مبدل لما حكم فى الأزل وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ اى لقوم ديدنهم الكذب فى كل ما يأتون وما يذرون وبهذه الآية يفتى بقتل اهل البغي والفساد إذ لا يؤمن من ان يعودوا لما نهوا عنه: وفى المثنوى
آن ندامت از نتيجه رنج بود ... نه ز عقل روشنى چون كنج بود
چونكه شد رنج آن ندامت شد عدم ... مى نيرزد خاك آن توبه وندم
ميكند او توبه و پير خرد ... بانكه لوردوا لعادوا ميزند
وَقالُوا عطف على عادوا داخل فى حير الجواب إِنْ هِيَ اى ما الحياة فالضمير للحياة فان من الضمائر ما يذكر مبهما ولا يعلم ما يرجع اليه لا بذكر ما بعده إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ بعد ما فارقنا هذه الحياة كأن لم يروا ما رأوا من الأحوال التي أولها البعث والنشور وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ اى حبسوا للسؤال كما يوقف العبد الجاني بين يدى سيده للعتاب والجواب محذوف اى لرأيت امرا عظيما قالَ لهم على لسان الملائكة موبحا وهو استئناف أَلَيْسَ هذا البعث والحساب بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا انه لحق قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ الذي عاينتموه بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ اى بسبب كفركم فى الدنيا بذلك. وخص لفظ الذوق للاشارة الى ان ما يجدونه من العذاب فى كل حال هو ما يجده الذائق لكون ما يجدون بعده أشد من الاول قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ اى قد غبن الذين كذبوا بالبعث بعد الموت حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ غاية لتكذيبهم لا لخسرانهم فانه أبدى لاحد له بَغْتَةً حال من فاعل جاءتهم اى باغتة مفاجئة والبغت والبغتة مفاجأة الشيء بسرعة من غير ان يشعر به الإنسان حتى لو كان له شعور بمجيئه ثم جاءه بسرعة لا يقال فيه بغتة والوقت الذي تقوم فيه القيامة يفجأ الناس فى ساعة لا يعلمها أحد الا الله تعالى فلذلك سميت ساعة خفيفة يحدث فيها امر عظيم وسميت الساعة ساعة لسعيها الى جانب الوقوع ومسافته الأنفاس والمعنى انهم قد كذبوا الى ان ظهرت الساعة بغتة فان قيل انما يكذبون الى ان يموتوا(3/21)
والجواب ان زمان الموت آخر زمان من ازمنة الدنيا وأول زمان من ازمنة الآخرة فمن انتهى تكذيبه الى هذا الوقت صدق انه كذب الى ان ظهرت الساعة بغتة ولذلك قال عليه الصلاة والسلام (من مات فقد قامت قيامته) قالُوا جواب إذا يا حَسْرَتَنا الحسرة هى شدة الندم والتألم ونداؤها مجاز لان الحسرة لا يتأتى منها الإقبال وانما المعنى على المبالغة فى شدة التحسر كأنهم نادوا الحسرة وقالوا ان كان لك وقت فهذا أوان حضورك ومثله يا ويلتنا والمقصود التنبيه على خطأ المنادى حيث ترك ما أحوجه تركه الى نداء هذه الأشياء عَلى ما فَرَّطْنا فِيها اى على تفريطنا فى شان الساعة وتقصيرنا فى مراعاة حقها والاستعداد لها بالايمان بها واكتساب الأعمال الصالحة فعلى متعلق بالحسرة وما مصدرية والتفريط التقصير فى الشيء مع القدرة على فعله وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ حال من فاعل قالوا. والأوزار جمع وزر وهو فى الأصل الحمل الثقيل يقال وزرته اى حملته ثقيلا ومنه وزير الملك لانه يتحمل أعباء ما قلده الملك من مؤونة رعيته وحشمه سمى به الإثم والذنب لغاية ثقله على صاحبه والحمل من توابع الأعيان الكشفية لا من عوارض المعاني فلا يوصف به العرض الا على سبيل التمثيل والتشبيه وذكر الظهور كذكر الأيدي فى قوله تعالى فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ فان المعتاد حمل الأثقال على الظهور كما ان المألوف هو الكسب بالأيدي. والمعنى انهم يتحسرون على ما لم يعملوا من الحسنات والحال انهم يحملون أوزار ما عملوا من السيئات أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ اى بئس شيأ يزرون اى يحملون وزرهم قال السدى وغيره ان المؤمن إذا خرج من قبره استقبله احسن شىء صورة وأطيبه ريحا فيقول هل تعرفنى فيقول لا فيقول انا عملك الصالح فاركبنى فقد طالما ركبتك فى الدنيا فذلك قوله تعالى يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً اى ركبانا. واما الكافر فيستقبله أقبح شىء صورة وأنتنه ريحا فيقول هل تعرفنى فيقول لا فيقول انا عملك الخبيث طالما ركبتنى فى الدنيا وانا اليوم أركبك فهو معنى قوله تعالى وَهُمْ يَحْمِلُونَ إلخ فيكون الحمل على حقيقته لان للاعمال صورا تظهر فى الآخرة وان كان نفسها إعراضا واعلم ان الأوزار كثيرة لكن ذنب الوجود فوق الكل إذ هو الباعث على سائر الأوزار وهو ثقل مانع عن السلوك فعلى السالك ان يتوب عن الكل ويفنى فى طريق الحق فناء كليا: قال الحافظ
فكر خود ورأى خود در عالم رندى نيست ... كفرست درين مذهب خود بينى وخود رأيى
قال بعضهم لا يمكن الخروج من النفس بالنفس وانما يمكن الخروج من النفس بالله تعالى قال الشيخ ابو عبد الله محمد بن على الترمذي الحكيم قدس
سره ذكر الله تعالى يرطب القلب ويلينه فاذا خلا عن الذكر أصابته حرارة النفس ونار الشهوات فقسا ويبس وامتنعت الأعضاء من الطاعة فاذا مددتها انكسرت كالشجرة إذا يبست لا تصلح الا للقطع وتصير وقودا للنار أعاذنا الله منها فالذكر والتوحيد والاتباع الى اهله هو اصل الأصول- حكى- عن على بن الموفق انه قال حججت سنة من السنين فى محمل فرأيت رجالا فاحببت المشي معهم فنزلت واركبت واحدا فى المحمل ومشيت معهم فتقدمنا الى البرية وعدلنا عن الطريق فنمنا(3/22)
وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)
فرأيت فى منامى جوارى معهن طشوت من ذهب وأباريق من فضة يغسلن ارجل المشاة فبقيت انا فقالت إحداهن لصواحبها أليس هذا منهم قلن هذا له محمل فقالت بلى هو منهم لانه أحب المشي معهم فغسلن رجلى فذهب عنى كل تعب كنت أجده هذه حال من مشى مع ولى باعتقاد صحيح فكيف مع نبى فلو ان كفار مكة ومشركى العرب استمعوا الى النبي عليه السلام واتبعوا الذكر الذي انزل اليه لنجوا واسقطوا كل حمل عن ظهورهم ومشوا الى جنة الفردوس لكن الله تعالى يهدى من يشاء وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا على حذف المضاف اى ما اعمال الدنيا اى الأعمال المتعلقة بها من حيث هى هى إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ يلهى الناس ويشغلهم بمنفعته الزائلة عن الايمان والعمل الصالح المؤدى الى اللذة الدائمة واللعب عما يشغل النفس وينفرها عما تنتفع به واللهو صرفها عن الجد الى الهزل وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ التي هى محل الحياة الاخرى خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ الكفر والمعاصي لان منافعها خالصة عن المضار ولذاتها غير منغصة بالآلام مستمرة على الدوام أَفَلا تَعْقِلُونَ الفاء للعطف على مقدر اى أتغفلون فلا تعقلون أي الامرين خير. وسميت الدنيا بالدنيا لدنوها قبل الآخرة او لدناءتها. وسميت الآخرة بالآخر لتأخرها عن خلقها وانما جعل الله الآخرة غائبة عن الابصار لانها لو كانت حاضرة لما جحدوها ولارتفعت التكاليف والمحن فجعل ما على الأرض زينة للابتلاء وحقيقة الدنيا ما يشغلك عن ربك قال اهل التحقيق السموات والأرضون وما فيهما من عالم الكون والفساد يدخل فى حد الدنيا. واما العرش والكرسي وما يتعلق بهما من الأعمال الصالحة والأرواح الطيبة والجنة وما فيها فمن حد الآخرة وفى الخبر القدسي لما خلق الله الدنيا خاطبها بقوله (يا دنيا اخدمي من خدمنى وأتعبي من خدمك) ولهذا كانت الدنيا تجيىء لبعض أوليائه وتكنس داره فى صورة العجوز ولبعض أوليائه تجيىء كل يوم برغيف فان قلت ان الله تعالى خلق هذه الدنيا للمؤمن فلم امر بالزهد فيها قلت السكر إذا نثر على رأس الختن لا يلتقطه لعلو همته ولو التقطه لكان عيبا وفى الحديث (جوعوا أنفسكم لوليمة الفردوس) والضيف إذا كان حكيما لا يشبع من الطعام رجاء الحلواء- حكى- ان قاضيا من اهل بغداد كان مارا بزقاق كلخان مع خدمه وحشمه كالوزير فطلع الكلخانى وهو يهودى فى صورة جهنمى كأن القطران يقطر من جوانبه فأخذ بلجام بغلة القاضي فقال أيد الله القاضي ما معنى قول نبيكم (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) أما ترى ان الدنيا جنة لك وأنت مؤمن محمدى والدنيا سجن لى وانا كافر يهودى والحديث دلالته بالعكس فاجاب القاضي وكان من فضلاء الدنيا وما ترى من زينتها وحشمتها سجن لى بالنسبة الى ما وعد الله فى الجنة وجنة لك بالنسبة الى الدركات المعودة فى النيران قيل مثل الدنيا والآخرة مثل رجل له امرأتان ان ارضى إحداهما أسخط الاخرى واحتضر عابد فقال ما تأسفى على دار الآخرة والغموم والخطايا والذنوب وانما تأسفى على ليلة نمتها ويوم افطرته وساعة غفلت فيها عن ذكر الله تعالى
نه عمر خضر بماند نه ملك إسكندر ... نزاع بر سر دنياى دون مكن درويش(3/23)
فالدنيا لا تبقى والآخرة خير وأبقى- يحكى- ان جعفر بن سليمان رحمه الله قال مررت انا ومالك ابن ذينار رضى الله عنه بالبصرة فبينما ندور فيها مررنا بقصر يعمر وإذا بشاب حسن يأمر ببناء القصر ويقول افعلوا واصنعوا فدخلنا عليه وسلمنا فرد السلام قال مالك كم نويت ان ننفق على هذا القصر قال مائة الف درهم قال ألا تعطينى هذا المال فاضعه فى حقه واضمن لك على الله تعالى قصرا خيرا من هذا القصر بولدانه وخدمه وقبابه وخيمه من ياقوتة حمراء مرصع بالجوهر ترابه الزعفران ملاطه المسك لم تمسه يدان ولم يبينه بان قال له الجليل سبحانه كن فكان فاثر فى الشاب كلامه فاحضر البدر ودعا بدواة وقرطاس ثم كتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما ضمن مالك بن دينار لفلان بن فلان انى ضمنت لك على الله قصرا بدل قصرك صفته كما وصفت والزيادة على الله واشتريت لك بهذا المال قصرا فى الجنة افسح من قصرك فى ظل ظليل بقرب العزيز الجليل ثم طوى الكتاب ودفعه الى الشاب
وأنفق ما اخذه من المال على الفقراء وما اتى على الشاب أربعون ليلة حتى مات ووصى ان يجعل الكتاب بين كفنه وبدنه ووجد مالك ليلة وفاته كتابا موضوعا فى المحراب فاخذه ونشره فاذا هو مكتوب بلا مداد هذه براءة من الله العزيز الحكيم مالك بن دينار وفينا الشاب القصر الذي ضمنته له وزيادة سبعين ضعفا: وفى المثنوى
هر كه پايان بين ترا ومسعود تر ... جدترا وكارد كه افزون ديد بر «1»
زانكه داند كين جهان كاشتن ... هست بهر محشر وبرداشتن
آخرت قطار اشتران بملك ... در تبع دنياش همچون بشم و پشك «2»
پشم بگزينى شتر نبود ترا ... وربود اشتر چهـ قيمت پشم را
يعنى ان اخترت الدنيا التي هى كصفوف الجمل وآثرتها على الآخرة التي هى كنفس الجمل تكون محروما من الآخرة كما ان من اختار الصوف يحرم من الجمل بخلاف من كان الجمل ملكا فانه لا قيمة عنده لصوفه ولا زغبه وقال قدس سره فى محل آخر
باز كونه اى أسيران جهان ... نام خود كرديد أميران جهان «3»
اى تو بنده اين جهان محبوس جان ... چند كويى خويش را خواجه جهان
تخته بندست آنكه تختش خوانده ... صدر پندارى وبر در مانده «4»
پادشاهى نيستت بر ريش خود ... پادشاهى چون كنى بر نيك وبد
بي مراد تو شود ريشت سپيد ... شرم دار از ريش خود اى كژ اميد
افتخار از رنك وبو واز مكان ... هست شادى وفريب كودكان «5»
كون ميكويد بيا من خوش پى أم ... وان فسادش كفته رو من لا شى أم «6»
اى ز خوبىء بهاران لب كزان ... بنكر آن سردى وزردىء خزان
روز ديدى طلعت خورشيد خوب ... مرك او را ياد كن وقت غروب
بدر را ديدى برين خوش چار طاق ... حسرتش را هم ببين وقت محاق
كودكى از حسن شد مولاى خلق ... بعد فردا شد خرف رسواى خلق
__________
(1) در اواخر دفتر چهارم در بيان كفتن خليل مر جبرئيل را إلخ
(2) در اواخر دفتر چهارم در بيان اختيار كردن پادشاه دختر درويش إلخ
(3) در أوائل دفتر چهارم در بيان قصه عطارى كه سنك ترازوى او كل سر إلخ
(4) در أوائل دفتر چهارم در بيان دلدارى كردن ونواختن سليمان عليه السلام رسولان بلقيس را إلخ
(5) در اواخر دفتر چهارم در بيان شرح كردن موسى عليه السلام وعده سيم را با فرعون
(6) در اواسط دفتر چهارم در بيان نصيحت دنيا اهل دنيا ريزبان حال(3/24)
قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37)
اى بديده لونها چرب وخيز ... فضله آنرا ببين در آب ريز
مر خبث را كو كه آن خوبيت كو ... بر طبق آن زوق وآن نغزى وبو
پس انامل رشك استادان شده ... در صناعت عاقبت لرزان شده
نركس چشم خمار همچوجان ... آخر اعمش بين وآب از وى چكان
حيدرى كاندر صف شيران رود ... آخر او مغلوب موشى ميشود
زلف جعد مشكبار عقل بر ... آخر آن چون ذنب زشت خنك وخر
خوش ببين كونش ز أول با كشاد ... وآخر آن رسواييش ببين وفساد
والاشارة الحياة التي تكون بالتمتعات الدنيوية النفسانية كلعب الصبيان ولهو اهل العصيان تزيد فى الحجب والسير من البشرية الى الروحانية بترك الشهوات والاعراض عن غير الحق والإقبال على الله خير للذين يتقون عما سوى الله بالله أفلا تعقلون ان الله تعالى خلقكم لهذا الشأن لا لغيره كما قال وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي اللهم احفظنا من تضييع العمر واهدنا الى حقيقة الأمر انك أنت الوهاب الهادي قَدْ نَعْلَمُ قد هنا للتكثير والمراد بكثرة علمه تعالى كثرة نعلقه إِنَّهُ اى الشان لَيَحْزُنُكَ يا محمد الَّذِي يَقُولُونَ فاعل يحزنك والعائد محذوف اى الذي يقوله كفار مكة وهو ما حكى عنهم من قولهم إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ونحو ذلك فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ اى لا تعتد بما يقولون وكله الى الله تعالى فانهم فى تكذيبهم آيات الله لا يكذبونك فى الحقيقة وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ اى ولكنهم يكذبون بآيات الله وينكرونها فما يفعلون فى حقك فهو راجع الىّ فى الحقيقة لانك فان عما سوى الله باق بالله وانا انتقم منهم لا محالة أشد انتقام والمراد بالظلم جحودهم والجحود عبارة عن الإنكار مع العلم بخلافه والباء متعلقة بالفعل والتقديم للقصر يقال جحد حقه وبحقه إذا أنكره وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فان البلية إذا عمت طابت اى وبالله لقد كذبت من قبل تكذيبك رسل أولوا شأن خطير وذوا عدد كثير او كذبت رسل كانوا من زمان قبل زمانك فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا اى على تكذيبهم وإيذائهم حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا اى كان غاية صبرهم نصرالله تعالى إياهم فتأس بهم واصطبر على مانا لك من قومك والنصر الموعود للصابرين يحتمل ان يكون بطريق اظهار الحجج والبراهين ويحتمل ان يكون بطريق القهر والغلبة او باهلاك الأعداء: قال الحافظ
اى دل صبور باش ومخور غم كه عاقبت ... اين شام صبح كردد واين شب سحر شود
وقال ايضا
كرت چونوح نبى صبر هست برغم طوفان ... بلا بگردد وكام هزار ساله بر آيد
وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ اى مواعيده بالنصرة والغلبة كما قال تعالى وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ اى من خبرهم ما يسكن به قلبك وهو نصره تعالى إياك وقال المولى ابو السعود والجار(3/25)
وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37)
والمجرور فى محل الرفع على انه فاعل اما باعتبار مضمونه اى بعض نبأ المرسلين او بتقدير الموصوف اى بعض من نبأ المرسلين وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ اى عظم عليك وشق اعراضهم عن الايمان بما جئت به من القرآن وعدم عدهم له من قبيل الآيات وأحببت ان تحبيبهم الى ما سألوا اقتراحا لحرصك على إسلامهم فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً اى سربا ومنفذا فِي الْأَرْضِ تنفذ فيه الى جوفها قال ابن الشيخ النفق سرب فى الأرض له مخلص الى مكان آخر ومنه نافقاء اليربوع لان اليربوع يخرق الأرض الى القعر ثم يصعد من ذلك الى وجه الأرض من جانب آخر أَوْ سُلَّماً مصعدا فِي السَّماءِ تعرج به فيها فَتَأْتِيَهُمْ منها بِآيَةٍ مما اقترحوه والجواب محذوف اى فافعل وجملة الشرطية الثانية جواب للشرطية الاولى والمقصود بيان حرصه البالغ على اسلام قومه وانه لو قدر ان يأتيهم بآية من تحت الأرض او من فوق السماء لاتى بها رجاء لايمانهم وإيثار الابتغاء على الاتخاذ ونحوه للايذان بان ما ذكر من النفق والسلم مما لا يستطاع ابتغاؤه فكيف باتخاذه وَلَوْ شاءَ اللَّهُ هدايتهم لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى ولكن لم يشأ ذلك لعدم صرف اختيارهم الى جانب الهدى مع تمكنهم منه ومشاهدتهم للآيات الداعية اليه فلم يؤمنوا فلا تتهالك عليه فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ بالحرص على ما لا يكون والجزع فى مواطن الصبر فان ذلك من دأب الجهلة بدقائق شؤونه تعالى التي من جملتها ما ذكر من عدم تعلق مشيئته تعالى بايمانهم. وفى الآية تربية وتأديب للنبى عليه السلام من الله تعالى كما قال عليه السلام (ان الله أدبني فاحسن تأديبى) لئلا يبالغ فى الشفقة على غير أهلها إِنَّما يَسْتَجِيبُ اى يقبل دعوتك الى الايمان الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ما يلقى إليهم سماع فهم وتدبر دون الموتى الذين هؤلاء منهم: قال الحافظ
كوهر پاك ببايد كه شود قابل فيض ... ور نه هر سنك وكلى لؤلؤ ومرجان نشود
وَالْمَوْتى اى الكفار شبههم بهم فى عدم السماع يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ من قبورهم ثُمَّ إِلَيْهِ تعالى لا الى غيره يُرْجَعُونَ اى يردون للجزاء فحينئذ يستجيبون واما قبل ذلك فلا سبيل اليه وَقالُوا اى رؤساء قريش لَوْلا تحضيضية بمعنى هلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ كالناقة والعصا والمائدة من الخوارق الملجئة الى الايمان قُلْ لهم إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً كما اقترحوا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ان نزولها بلاء عليهم لوجوب هلاكهم ان جحدوها اعلم ان الناس فى الأديان على اربعة اقسام. سعيد بالنفس والروح فى لباس السعادة وهم الأنبياء واهل الطاعة. والثاني شقى بالنفس فى لباس الشقاوة وهم الكفار والمصرون على الكبائر. والثالث شقى بالنفس فى لباس السعادة مثل بلعم بن باعورا وبر صيصا وإبليس. والرابع سعيد بالنفس فى لباس الشقاوة كبلال وصهيب وسلمان فى أوائل أمرهم ثم بدل لباسهم بلباس التقوى والهداية فان قلت ما الحكمة فى ان الله تعالى خلق الخلق سعيدا وشقيا وقال وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ قلنا قال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما ان الله تعالى علم فى الأزل ان فلانا فى خلقه يعصى لعدم سبق استعداده للسعادة فجعله شقيا لسبق القضاء عليه بمقتضى استعداده فى الأعيان الثابتة ومظهرية(3/26)
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42)
استعداده لشؤون الجلال كأنه سأل بلسان الاستعداد كونه شقيا يسأله من فى السموات والأرض بلسان القال والحال والاستعداد كل يوم هو فى شأن يفيض ويعطى كل شىء ما يستعد من السعادة والشقاوة على حسب الاستعدادات فى الأعيان الثابتة الغيبية العلمية وعلم سبحانه وتعالى ان عبده يطيع فجعله سعيدا اى بمقتضى استعداده للسعادة الإجمالي والقابلية المودعة فى النشأة الانسانية بقوله أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى فتلك الاجابة منهم تدل على الاستعداد السعادى الأزلي فلو لم يكن ذلك لما صح عليهم التكليف والخطاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب فاذا عرفت ان الإنسان سعيد وشقى فاستعداد السعيد لا يعطى الا الأقوال المرضية والافعال الحسنة والأخلاق الحميدة التي تورث الانبساط واستعداد الشقي لا يعطى الا التي تورث الانقباض فلذا امر الله تعالى حبيبه بالصبر وتحمل الإيذاء من اهل الشقاوة والقهر والجلال والابتلاء فى الدنيا سبب للغفران وتكميل الدرجات التي لا تنال فى الجنان الا على قدر البلاء وفى الخبر (ان فى الجنة مقامات معلقة فى الهواء يأوى إليها اهل البلاء كالطير الى وكره ولا ينالها غيرهم) وان الرجل يبتلى على حسب دينه فان كان فى دينه صلابة اشتد بلاؤه وان كان فى دينه رقة ابتلى على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى وما عليه خطيئة والبلاء سوط الله على عباده كيلا يركنوا الى الدنيا ولا يشغلوا بها ويفروا الى الله من ضرب سوطه كما يفر الخيل الى مستقره والآخرة هى دار القرار
ما بلا را بكس عطا نكنيم ... تا كه نامش ز أوليا نكنيم
وبالجملة فمن ابتلى بشىء من المصائب والبلايا فالعاقبة حميدة فى الصبر وبالصبر يكون من الامة المرحومة حقيقة ويدخل فى اثر النبي عليه السلام وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ من زائدة لتأكيد الاستغراق وفى متعلقة بمحذوف هو وصف الدابة اى وما فرد من افراد الدواب يستقر فى قطر من أقطار الأرض وَلا طائِرٍ من الطيور فى ناحية من نواحى الجوّ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ كما هو المشاهد المعتاد. فقيد الطيران بالجناح تأكيد كما يقال نظرت بعيني وأخذت بيدي او هو قطع لمجاز السرعة لانه يقال طار فلان فى الأرض اى اسرع إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ محفوظة أحوالها مقدرة أرزاقها وآجالها ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ يقال فرط فى الشيء ضيعه وتركه اى ما تركنا فى القرآن شيأ من الأشياء المهمة التي بينا انه تعالى مراع فيها لمصالح جميع مخلوقاته على ما ينبعى بل قد بينا كل شىء اما مفصلا او مجملا اما المفصل فكقوله تعالى أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ واما المجمل فكقوله تعالى ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا- روى- ان الامام الشافعي كان جالسا فى المسجد الحرام فقال لا تسألونى عن شىء الا أجيبكم فيه من كتاب الله تعالى فقال رجل ما تقول فى المحرم إذا قتل الزنبور فقال لا شىء عليه فقال اين هذا فى كتاب الله فقال قال الله تعالى وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ الآية ثم ذكر اسنادا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال (عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي) ثم ذكر اسنادا الى عمر رضى الله انه قال (للمحرم قتل الزنبور) ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ اى الأمم يُحْشَرُونَ يوم القيامة الى ربهم لا الى غيره فيقضى(3/27)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39)
بينهم وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا اى القرآن صُمٌّ لا يسمعونها سمع تدبر وفهم فلذلك يسمعونها أساطير الأولين ولا يعدونها من الآيات ويقترحون غيرها. وهو جمع أصم والمقصود تشبيه حالهم بحال الأصم لكن حذف حرف التشبيه للمبالغة وَبُكْمٌ لا يقدرون على ان ينطقوا بالحق ولذلك لا يستجيبون دعوتك. وهو جمع ابكم فِي الظُّلُماتِ اى ظلمات الكفر خبر ثالث للمبتدأ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ إضلاله اى ان يخلق فيه الضلال يُضْلِلْهُ اى يخلقه فيه لكن لا ابتداء بطريق الجبر من غير ان يكون له دخل ما فى ذلك بل عند صرف اختياره الى كسبه وتحصيله وَمَنْ يَشَأْ هدايته يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ لا يضل من ذهب اليه ولا يزل من ثبت قدمه عليه وفى الآيات امور الاول ان غير الإنسان من الأمم ايضا وفى الحديث (لولا ان الكلاب امة لامرت بقتلها فاقتلوا منها كل اسود بهيم) وذلك لان الكلب الأسود شيطان لكونه اعقر الكلاب واخبثها وأقلها نفعا وأكثرها نعاسا ومن هذا قال احمد بن حنبل لا يخل الصيد به والاشارة ان ما يدب فى ارض البشرية ويتحرك كالسمع والبصر واللسان والأعضاء كلها والنفس وصفاتها وكذا ما يطير بجناحي الشريعة والطريقة كالقلب والروح وصفاتها امم أمثالكم فى السؤال عن أفعالهم وأحوالهم يدل عليه قوله تعالى إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا والثاني ان الحشر عام كما قال ابو هريرة رضى الله عنه يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة البهائم والدواب والطير وكل شىء فيأخذ للجماء من القرناء كما فى الحديث (لتؤدن الحقوق الى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) اى يقتص للشاة التي لا قرن لها من التي لها قرن قال ابن ملك وفيه دلالة على حشر الوحوش كما قال الله تعالى وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ لكن القصاص فيها قصاص مقابلة لا قصاص تكليف انتهى. ثم يقال للبهائم والوحوش والطيور كونى ترابا فتكون ترابا مثل تراب ارض ذلك العالم وعند ذلك يتمنى الكافر ويقول الَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً
قال الحدادي والمراد بهذا الافناء للبهائم بعد ان أحياها انه إفناء لا يكون فيه الم والثالث ان الذين ختم الله على قلوبهم فهم كالاصم والأبكم الاصليين ومن خاصة الأبكم ان يكون أصم: كما قال فى المثنوى
دائما هر كرا صلى كنك بود ... ناطق آنكس شد كه از مادر شود «1»
چون سليمان سوى مرغان سبا ... يك صفيرى كرد بست آن جمله را «2»
جز مكر مرغى كه بد بي جان و پر ... يا چوماهى كنك بود از اصل كر
نى غلط كفتم كه كركر سر نهد ... پيش وحي كبريا سمعش دهد
فقلوب الخلق بيد الله تعالى يصرفها كيف يشاء- روى- ان كفار مكة اجتمعوا على قتل النبي عليه السلام فبينما هم كذلك إذ دخل عليهم إبليس فقال لماذا اجتمعتم فاخبروه بالقصة فقال لابى جهل يا أبا الحكم لو انك حملت صنمك وآلهك الذي تعبده ووضعته بين يدى محمد وسجدت له ربما يسمع محمد منه شيأ وكان صنمه مرصعا بالجوهر والياقوت فحمل ابو جهل صنمه ووضعه بين يدى النبي عليه السلام وسجد له. وقال الهى نعبدك ونتقرب إليك هذا محمد شتمنا بسببك ونطمع منك ان تنصرنا وتشتم محمدا فاخذ الصنم يتحرك ويتكلم ويشمّ
__________
(1) در أواخر دفتر چهارم در بيان آنكه روح حيوانى وعقل جز دمى إلخ.
(2) در أوائل دفتر چهارم در بيان آزاد شدن بلقيس از ملك إلخ.(3/28)
قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42)
فدخل فى قلب النبي عليه السلام شىء ورجع الى بيت خديجة فلم يلبث ان دق الباب فاذا شاب دخل وبيده سيف فسلم وقال مرنى يا رسول الله حتى امتثل أمرك فقال عليه السلام (من أنت) قال انا من الجن قال (كم تبلغ قوتك) قال اقدر ان اقلع جبلى حراء وابى قبيس وارميهما فى البحر قال (من اين أقبلت الساعة) قال كنت فى جزيرة البحر السابع إذ أتاني جبرائيل فقال أدرك فلانا الشيطان دخل فى الصنم وشتم النبي عليه السلام فاقتله بهذا السيف فادركته فى الأرض الرابعة فقتلته فقال له عليه السلام (ارجع فانى استعين بربي من عدوى) وقال الشاب لى إليك حاجة هى ان ترجع الى مكان كنت فيه أمس فانهم يستخبرون ذلك الصنم ثانيا فرجع فى الغد ومعه أبو بكر الصديق فجاء ابو جهل مع صنمه ففعل كما فعل بالأمس فاخذ الصنم يتحرك ويقول لا اله الا الله محمد رسول الله وانا صنم لا انفع ولا أضر ويل لمن عبدنى من دون الله فلما سمعوا ذلك قام ابو جهل وكسر صنمه وقال ان محمدا سحر الأصنام فظهر ان الله تعالى يقول الحق من ألسنة المظاهر ولكن لا يسمع المنافق والكافر قُلْ يا محمد لاهل مكة أَرَأَيْتَكُمْ الكاف حرف خطاب أكد به ضمير الفاعل المخاطب لتأكيد الاسناد لا محل له من الاعراب كالكاف فى إياك وذلك الكاف يدل على احوال المخاطب من الافراد والتذكير ونحوها فهو يطابق ما يراد به والتاء تبقى على حالة واحدة مفردة مفتوحة ابدا نحو أرأيتك أرأيتكما أرأيتكم ومبنى التركيب وان كان على الاستخبار عن الرؤية قلبية كانت او بصرية لكن المراد به الاستخبار عن متعلقها اى أخبروني فجعل العلم او الابصار الذي هو سبب الاخبار مجازا عن الاخبار وجعل الاستفهام الذي للتبكيت والإلجاء الى الإقرار مجازا عن الأمر بجامع الطلب إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ فى الدنيا كما اتى من قبلكم من الأمم أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ اى القيامة المشتملة على ذلك العذاب وهو العذاب الأخروي. والساعة اسم لوقت تقوم فيه القيامة سمى بها لانها ساعة خفيفة يحدث فيها امر عظيم أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ هذا مناط الاستخبار ومحط التبكيت إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ جواب الشرط محذوف اى ان كنتم صادقين فى ان أصنامكم آلهة كما انها دعواكم المعروفة فاخبرونى أغير الله تدعون ان أتاكم عذاب الله فان صدقهم بهذا المعنى من موجبات اخبارهم بدعائهم غيره سبحانه بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ عطف على جملة منفية كأنه قيل لا غيره تعالى تدعون بل إياه تدعون فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ اى الى كشفه عطف على تدعون اى فيكشف اثر دعائكم إِنْ شاءَ كشفه فقبول الدعاء تابع لمشيئته تعالى فقد يقبله كما فى بعض دعواهم المتعلقة بكشف العذاب الدنيوي وقد لا يقبله كما فى بعض آخر منها وفى جميع ما يتعلق بكشف العذاب الأخروي الذي من جملته الساعة فانه تعالى لا يغفر ان يشرك به فلا يشاء فى الآخرة وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ عطف على تدعون ايضا اى تتركون ما تشركون به تعالى من الأصنام تركا كليا لما ركز فى العقول انه القادر على كشف العذاب دون غيره فالنسيان هنا بمعنى الترك لا بمعنى الغفلة وَلَقَدْ أَرْسَلْنا اى وبالله لقد أرسلنا رسلا إِلى أُمَمٍ كثيرة مِنْ قَبْلِكَ اى كائنة من زمان قبل زمانك فمن لابتداء الغاية فى الزمان على مذهب الكوفية مثل نمت(3/29)
فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49)
من أول الليل وصمت من أول الشهر الى آخره وقال المحشى سنان چلبى من زائدة على قول من جوز زيادتها فى الموجب واما عند غيره فهى بمعنى فى كما فى قوله تعالى إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَأَخَذْناهُمْ الفاء فصيحة تفصح ان الكلام مبنى على اعتبار الحذف اى فكذبوا رسلهم فأخذناهم بِالْبَأْساءِ اى بالشدة والفقر وَالضَّرَّاءِ اى الضر والآفات وهما صيغتا تأنيث لا مذكر لهما لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ اى لكى يدعوا الله فى كشفها بالتضرع والتذلل ويتوبوا اليه من كفرهم ومعاصيهم فَلَوْلا هلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا عذابنا تَضَرَّعُوا اى لم يفعلوا ذلك مع قيام المقتضى له فلولا يفيد اللوم والتنديم وذلك عند قيام الداعي الى الفعل وانتفاء العذر فى تركه وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ استدراك على المعنى اى لم يتضرعوا ولكن يبست وجفت قلوبهم ولو كان فى قلوبهم رقة وخوف لتضرعوا وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى حسن لهم الكفر والمعاصي بان أغواهم ودعاهم الى اللذة والراحة دون التفكر والتدبر ولم يخطر ببالهم ان ما اعتراهم من البأساء والضراء ما اعتراهم الا لاجله فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ عطف على مقدر اى فانهمكوا فيه ونسوا ما ذكروا به من البأساء والضراء فلما نسوه فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ من فنون النعماء على منهاج الاستدراج حَتَّى ابتدائية ومع ذلك غاية لقوله فتحنا إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا اى صاروا معجبين بحالهم. فالفرح فرح البطر كفرح قارون بما أصابه من الدنيا أَخَذْناهُمْ بالعذاب بَغْتَةً اى فجأة ليكون أشد عليهم وقعا وأفظع هو لا كما قال اهل المعاني انهم انما أخذوا فى حال الراحة والرخاء ليكون أشد تحسرهم على ما فاتهم من حال السلامة والعافية فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ متحسرون غاية الحسرة آيسون من كل خير راجون فاذا للمفاجأة. والإبلاس بمعنى اليأس من النجاة عند ورود المهلكة والمعنى الحسرة والحزن فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا اى آخرهم بحيث لم يبق منهم أحد فالدابر يقال للتابع للشىء من خلفه كالولد للوالد يقال دبر فلان القوم يدبر دبرا ودبورا إذا كان آخرهم قال البغوي معناه انهم استؤصلوا بالعذاب فلم يبق منهم باقية ووضع الظاهر موضع الضمير للاشعار بعلة الحكم فان هلاكهم بسبب ظلمهم الذي هو وضع الكفر موضع الشكر واقامة المعاصي مقام الطاعات وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ على إهلاكهم فان هلاك الكفار والعصاة من حيث انه تخليص لاهل العرض من شؤم عقائدهم الفاسدة وأعمالهم الخبيثة نعمة جليلة يحق ان يحمد عليها لا سيما مع ما فيه من إعلاء كلمة الحق التي نطقت بها رسلهم عليهم السلام وفى الآيات امور. منها ان الله تعالى هو المرجع فى كل امر حال الاختيار والاضطرار والعاقل لا يلتجىء الى غيره تعالى لان ما سوى الله آلات واسباب والمؤثر فى الحقيقة هو الله تعالى فشأن المؤمن هو النظر الى بابه والاستعداد من جنابه حال السراء والضراء بخلاف الكافر فانه يفتح عينيه عند نزول الشدة والمقبول هو الرجوع اختيارا فان العبد المطيع لا يترك باب سيده على كل حال. ومنها ان الله تعالى يقلب الإنسان تارة من البأساء والضراء الى الراحة والرخاء وانواع الآلاء والنعماء واخرى يعكس الأمر كما يفعله الأب المشفق بولده(3/30)
يخاشنه تارة ويلاطفه اخرى طلبا لصلاحه وإلزاما للحجة وازاحة للعلة ففى هذه المعاملة تربية له وفائدة عظيمة فى دينه ودنياه ان تفطن: قال الصائب
نهاد سخت تو سوهان بخرد نمى كيد ... وكر نه پست وبلند زمان سوهانست
ومنها ان الهلاك بقدر الاستدراج ونعوذ بالله تعالى من المكروه وفى الحديث (إذا رأيت الله تعالى يعطى عبدا فى الدنيا على معصية ما يحب فان ذلك منه استدراج) ثم قرأ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ الآية وفى التأويلات النجمية فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ اى من البلاء فى صورة النعماء لارباب الظاهر بالنعمة الظاهرة من المال والجاه والقبول والصحة وأمثالها ولارباب الباطن بالنعمة الباطنة من فتوحات الغيب واراءة الآيات وظواهر الكرامات ورؤية الأنوار وكشف الاسرار والاشراف على الخواطر وصفاء الأوقات ومشاهدة الروحانية وأشباهها مما يربى به أطفال الطريقة فان كثيرا من متوسطى هذه الطائفة تعتريهم الآفات فى أثناء السلوك عند سآمة النفس من المجاهدات وملالتها من كثرة الرياضات
فيوسوسهم الشيطان وتسول لهم أنفسهم انهم قد بلغوا فى السلوك رتبة قد استغنوا بها عن صحبة الشيخ وتسليم تصرفاته فيخرجون من عنده ويشرعون فى الطلب على وفق أنفسهم فيقعون فى ورطة الخذلان وسخرة الشيطان فيريهم الأشياء الخارقة للعادة وهم يحسبون انها من نتائج العبادة وكان بعضهم يسير فى البادية وقد أصابه العطش فانتهى الى بئر فارتفع الماء الى رأس البئر فرفع رأسه الى السماء وقال اعلم انك قادر ولكن لا أطيق هذا فلو قيضت لى بعض الاعراب يصفعنى صفعا ويسقينى شربة ماء كان خيرا لى ثم انى اعلم ان ذلك الرفق ليس من جهته وقال الشيخ ابو عبد الله القرشي قدس سره من لم يكن كارها لظهور الآيات وخوارق العادات منه كراهية الخلق لظهور المعاصي فهى حجاب فى حقه وسترها عنه رحمة. ومنها ان العجب مذموم مهلك وفى الحديث (ثلاث مهلكات شح مطاع وهى متبع وإعجاب المرء بنفسه
مرد معجب ز اهل دين نبود ... هيچ خود بين خداى بين نبود
بيخبر از جهان ومست يكيست ... خويشتن بين وبت پرست يكيست
وعلاجه رؤية التوفيق من الله تعالى. ومنها ان النعمة لا بد لها من الحمد والشكر وفى الخبر الصحيح (أول من يدعى الى الجنة الحامدون لله على كل حال) ولما حمد نوح عليه السلام بقوله الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وجد السلامة حيث قال تعالى يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا فلا بد من الحمد على السلامة سواء كانت من جهة الدين او من جهة الدنيا إذ كل منهما نعمة ودخل رجل على سهل بن عبد الله فقال ان اللص دخل دارى وأخذ متاعى فقال اشكر الله لو دخل اللص قلبك وهو الشيطان وأفسد التوحيد ماذا كنت تصنع يقول الفقير جامع هذه المجالس الشريفة سئلت فى المنام عن معنى الحمد فقلت الحمد اظهار الكمال بتهيئة أسبابه فقال السائل وهو واحد من سادات المشايخ ما تهيئة الأسباب فقلت ان ترفع يديك الى السماء وتنظر الى جانب الملكوت وتظهر الخضوع والخشوع وان تثنى على الله تعالى ثناء حقا كما ينبغى(3/31)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49)
ثم استيقظت فجاء التفسير بحمد الله تعالى مشيرا الى مراتب الشكر: كما قال بعضهم الشكر قيد للنعم. مستلزم دفع النقم. وهو على ثلاثة قلب يد فاعلم وفم والحمد لله تعالى ولى الانعام على الاستمرار والدوام قُلْ يا محمد لاهل مكة أَرَأَيْتُمْ اى أخبروني ايها المشركون فان الرؤية بصرية كانت او علمية سبب الاخبار كما سبق إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ اى اصمكم وَأَبْصارَكُمْ اى اعماكم بالكلية وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ بان غطى عليها ما يزول به عقلكم وفهمكم بحيث تصيرون مجانين مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ من استفهامية مبتدأ واله خبره وغير صفة له يَأْتِيكُمْ بِهِ اى بما اخذه منكم وهى صفة اخرى له والجملة متعلق الرؤية ومناط الاستخبار اى أخبروني ان سلب الله عنكم اشراف اعضائكم من أحد غير الله يأتيكم بها ومن المعلوم انه لا يقدر عليه الا الله سبحانه فهو المستحق للعبادة والتعظيم وهو احتجاج آخر على المشركين انْظُرْ يا محمد وتعجب كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ اى نكررها ونقررها مصروفة من اسلوب الى اسلوب تارة بترتيب المقدمات العقلية وتارة بطريق الترغيب والترهيب وتارة بالتنبيه والتذكير بأحوال المتقدمين قال الحدادي التصريف توجيه المعنى فى الجهات التي تظهرها أتم الإظهار ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ اى يعرضون عنها فلا يؤمنون وثم لاستبعاد صدفهم اى اعراضهم عن تلك الآيات بعد تصريفها على هذا النمط البديع الموجب للاقبال عليها قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ اى أخبروني ايها المشركون إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً اى ليلا او نهارا لما ان الغالب فيما اتى ليلا البغتة اى الفجأة وفى ما اتى نهارا الجهرة وهو المناسب لما فى سورة الأعراف من قوله تعالى أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ والقرآن يفسر بعضه بعضا وهو اللائح بالبال هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ الاستفهام بمعنى النفي ومتعلق الاستخبار محذوف اى أخبروني ان أتاكم عذابه العاجل الخاص بكم بغتة او جهرة كما اتى من قبلكم من الأمم ماذا يكون الحال ثم قيل بيانا لذلك هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ اى ما يهلك بذلك العذاب الخاص بكم الا أنتم ووضع المظهر موضع المضمر إيذانا بان مناط هلاكهم ظلمهم الذي هو وضعهم للكفر موضع الايمان وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ حالان مقدرتان من المرسلين اى ما نرسلهم الا مقدرا تبشيرهم وإنذارهم ففيهما معنى العلة الغائية قطعا اى لم نرسلهم لان يقترح عليهم الآيات ويتلهى بهم بل لان يبشروا قومهم بالثواب على الطاعة وينذروهم بالعقاب على المعصية التبشير الاخبار بالخبر السار والانذار الاخبار بالخبر الضار فَمَنْ آمَنَ بهم وَأَصْلَحَ عمله او دخل فى الصلاح فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من العذاب الذي انذروه دنيويا كان اواخر ويا وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ بفوات ما بشروا به من الثواب العاجل والآجل وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وهى ما ينطق به الرسل عليهم السلام عند التبشير والانذار ويبلغونه الى الأمم يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ الأليم وأسند المس الى العذاب مع ان حقه ان يسند الى الاحياء لكونه من الافعال المسبوقة بالقصد والاختيار على طريق الاستعارة بالكناية فجعل كأنه حى يطلب إيلامهم والوصول إليهم بِما كانُوا يَفْسُقُونَ اى بسبب فسقهم المستمر الذي هو الإصرار على الخروج عن(3/32)
قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)
التصديق والطاعة وفى الآيات ترغيب وترهيب: وفى الكلمات القدسية (يا ابن آدم لا تأمن مكرى حتى تجوز على الصراط) - روى- ان الله تعالى قال يا ابراهيم ما هذا الوجل الشديد الذي أراه منك فقال يا رب كيف لا اوجل وآدم ابى كان محله القرب منك خلقته بيدك ونفخت فيه من روحك وأمرت الملائكة بالسجود له فبمعصية واحدة أخرجته من جوارك فاوحى الله تعالى اليه يا ابراهيم اما عرفت ان معصية الحبيب على الحبيب شديدة «وعن مالك ابن دينار قال دخلت جبانة البصرة فاذا انا بسعدون المجنون فقلت كيف حالك وكيف أنت قال يا مالك كيف يكون حال من امسى وأصبح يريد سفرا بعيدا بلا اهبة ولا زاد ويقدم على رب عدل حاكم بين العباد ثم بكى بكاء شديدا فقلت ما يبكيك فقال والله ما بكيت حرصا على الدنيا ولا جزعا من الموت والبلى لكن بكيت ليوم مضى من عمرى لم يحسن فيه عمل
كارى كنيم ور نه خجالت بر آورد ... روزى كه رخت جان بجهان دكر كشيم
أبكاني والله قلة الزاد وبعد المفازة والعقبة الكؤود ولا أدرى بعد ذلك أصير الى الجنة أم الى النار فسمعت منه كلام حكمة فقلت ان الناس يزعمون انك مجنون فقال ما بي حنة ولكن حب مولاى خالط قلبى واحشائى وجرى بين لحمى ودمى وعظامى
در ره منزل ليلى كه خطرهاست درو ... شرط أول قدم آنست كه مجنون باشى
كاروان رفت وتو در خواب وبيابان در پيش ... كى روى ره ز كه پرسى چهـ كنى چون باشى
وعلى تقدير الزلة فليبادر العاقل الى التوبة والاستغفار حتى يتخلص من عذاب الملك القهار كما قال تعالى فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا إلخ- روى- ان الملائكة تعرج الى السماء بسيئات العبد فاذا عرضوها على اللوح المحفوظ يجدون مكانها حسنات فيخرون على وجوههم ويقولون ربنا انك تعلم اننا ما كتبنا عليه الا ما عمل فيقول الله تعالى صدقتم ولكن عبدى ندم على خطيئته واستشفع الىّ بدمعته فغفرت ذنبه وجدت عليه بالكرم وانا أكرم الأكرمين فالايمان وإصلاح العمل والندم على الزلل سبب النجاة فى الدنيا والآخرة قال بعض الكبار ان الايمان والإسلام يمكن ان يكونا شيأ واحدا فى الحقيقة ولكن خص كل منهما بنوع مجازا عرفيا فكل ما كان فيه التصديق القلبي اطلق عليه الايمان لوجود اصل معناه فيه كمالا يخفى قُلْ يا محمد للكفرة الذين يقترحون عليك تارة تنزيل الآيات واخرى غير ذلك لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ اى لا ادعى ان خزائن مقدوراته تعالى مفوضة الىّ أتصرف فيها كيف أشاء استقلالا واستدعاء حتى تقترحوا علىّ تنزيل الآيات او إنزال العذاب او قلب الجبال ذهبا او غير ذلك مما لا يليق بشأنى فالخزانن جمع خزينة بمعنى مخزونة قال الحدادي وليس خزائن الله مثل خزائن العباد وانما خزائن الله تعالى خزائن مقدوراته التي لا توجد الا بتكوينه إياها ويجوز ان يكون جمع خزانة وهى اسم للمكان الذي يخزن فيه الشيء وخزن الشيء إحرازه بحيث لا تناله الأيدي وكانوا يقولون ان كنت رسولا من عند الله تعالى فوسع علينا منافع الدنيا وخيراتها فالمعنى لا ادعى ان مفاتح الرزق بيدي فاقبض وابسط وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ عطف على محل عندى خزائن الله ولا مزيده مذكرة للنفى اى ولا ادعى ايضا انى اعلم الغيب من أفعاله تعالى حتى تسألونى عن وقت(3/33)
وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51)
الساعة او وقت نزول العذاب او نحوهما وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ من الملائكة حتى تكلفونى من الأفاعيل الخارقة للعادات ما لا يطيق به البشر من الرقى الى السماء ونحوه او تعدوا عدم اتصافى بصفاتهم قادحا فى امرى كما ينبىء عنه قولهم مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ والمعنى انى لا ادعى شيأ من هذه الأشياء الثلاثة حتى تقترحوا علىّ ما هو من آثارها وأحكامها وتجعلوا عدم إجابتي الى ذلك دليلا على عدم صحة ما أدعية من الرسالة التي لا تعلق لها بشىء مما ذكر قطعا بل انما هى عبارة عن تلقى الوحى من جهته عز وجل والعمل بمقتضاه فحسب حسبما ينبىء عنه قوله تعالى إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ اى ما افعل الا اتباع ما يوحى الىّ من غير ان يكون لى مدخل ما فى الوحى او فى الموحى بطريق الاستدعاء او بوجه آخر من الوجوه أصلا والوحى ثلاثة. ما ثبت بلسان الملك والقرآن من هذا القبيل. وما تبت باشارة الملك من غير ان يبينه بالكلام واليه الاشارة بقوله عليه السلام (ان روح القدس نفث فى روعى ان نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها) . والثالث ما تبدى لقلبه اى ظهر لقلبه بلا شبهة إلهاما من الله تعالى بان أراه الله بنور من عنده كما قال لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وابى الاشعرية واكثر المتكلمين ان يحكم عليه السلام بالاجتهاد كما تدل عليه الآية إذ ثبت بها انه لا يتبع الا الوحى والجواب انه جعل اجتهاده عليه السلام وحيا باعتبار المآل فان تقريره عليه السلام على اجتهاده يدل على انه هو الحق كما إذا ثبت بالوحى ابتداء قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ مثل للضال والمهتدى فانه عليه السلام لما وصف نفسه بكونه متبعا للوحى الإلهي لزم منه ان يصف نفسه بالاهتداء ويصف من عانده واستبعد دعواه بالضلال فالعمل بغير الوحى يجرى مجرى عمل الأعمى والعمل بمقتضى الوحى يجرى مجرى عمل البصير أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ اى ألا تسمعون هذا الكلام الحق فلا تتفكرون فيه فتهتدوا باتباع الوحى والعمل بمقتضاه فمناط التوبيخ عدم الامرين معا اى الاستماع والتفكر وَأَنْذِرْ بِهِ اى خوف من العذاب بما يوحى الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ اى يبعثوا ويجمعوا الى ربهم اى الى موضع لا يملك أحد فيه نفعهم ولا ضرهم الا الله تعالى. وقيل يخافون يعلمون لان خوفهم انما كان من علمهم لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ قريب ينفعهم وَلا شَفِيعٌ يشفع لهم وجملة النفي اى ليس فى موضع الحال من ضمير يحشرون فان المخوف هو الحشر على هذه الحال. وقوله من دونه حال من اسم ليس اى متجاوزا لله تعالى والمراد بالموصول المؤمنون العاصون كما فى اكثر التفاسير وانما نفى الشفاعة لغيره مع ان الأنبياء والأولياء يشفعون كما هو مذهب اهل السنة لانهم لا يشفعون الا باذنه فكانت الشفاعة فى الحقيقة من الله تعالى وقال المولى ابو السعود رحمه الله المراد بالموصول المجوزون من الكفار للحشر سواء كانوا جارمين بأصله كاهل الكتاب وبعض المشركين المعترفين بالبعث المترددين فى شفاعة آبائهم الأنبياء كالاولين او فى شفاعة الأصنام كالآخرين او مترددين فيهما معا كبعض الكفرة الذين يعلم من حالهم انهم إذا سمعوا بحديث البعث يخافون ان يكون حقا واما المنكرون للحشر رأسا والقائلون به القاطعون بشفاعة آبائهم او بشفاعة الأصنام فهم خارجون ممن امر بانذارهم انتهى فالكلام على هذا ظاهر لان الظالمين ليس لهم من حميم ولا شفيع يطاع لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ تعليل للامر اى(3/34)
وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)
انذرهم لكى يتقوا الله باقلاعهم عما هم فيه وعمل الطاعات او يتقوا الكفر والمعاصي والاشارة ان الله تعالى امر نبيه عليه السلام ان يكلم الكفار على قدر عقولهم فقال قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ على انها عندى ولكن لا أقول لكم وهى علم حقائق الأشياء وماهياتها وقد كان عنده فى اراءة سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم وفى اجابة قوله عليه السلام (أرنا الأشياء كما هى) فى قوله (أوتيت جوامع الكلم) وما امره الله تعالى الا ان قل ليس عندى خزائن الله قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر «ولا تبذر الاسرار» يعنى بيان الحقائق الذي هو غذاء القلب والروح كالسمراء يعنى الحنطة للجسم «فى ارض عميان» يعنى فى ارض استعداد هؤلاء الطوائف الذين لا يبصرون الحق ولا يشاهدونه فى جميع الأشياء كما فى شرح الفصوص للمولى الجامى قدس سره: قال السعدي قدس سره
دريغست بأسفله كفت از علوم ... كه ضايع شود تخم در شوره بوم
ولا اعلم الغيب فانه صلى الله عليه وسلم كان يخبر عما مضى وعما سيكون باعلام الحق وقد قال عليه السلام ليلة المعراج (قطرت فى حلقى قطرة علمت ما كان وما سيكون) فمن قال ان نبى الله لا يعلم الغيب فقد اخطأ فيما أصاب ولا أقول لكم انى ملك وان كنت قد عبرت عن مقام الملك حين قلت لجبرائيل تقدم فقال لو دنوب انملة لا حرقت: كما قال السعدي قدس سره
شبى بر نشست از فلك بر كذشت ... بتمكين وجاه از ملك در كذشت
چنان كرم در تيه قربت براند ... كه در سدره جبريل ازو باز ماند
ان اتبع الا ما يوحى الى يعنى لا أخبركم عن مقاماتى وأحوالي مما لى مع الله وقد لا يسعنى فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل الا عما يوحى الى ان أخبركم وكيف أخبركم عما أعمى الله بصائركم عنه وانا به بصير فلا يستوى الأعمى والبصير ثم قال وانذر به يعنى اخبر بهذه الحقائق والمعاني الذين يخافون اى يرجعون ان يحشروا الى ربهم بجذبات العناية ويتحقق لهم ليس لهم فى الوصول الى الله من دونه ولى يعنى من الأولياء ولا شفيع يعنى من الأنبياء لان الوصول لا يمكن الا بجذبات الحق لعلهم يتقون عما سوى الله بالله فى طلب الوصول قال السرى السقطي قدس سره خرجت يوما الى المقابر فاذا ببهلول فقلت له أي شىء تصنع هنا قال أجالس قوما لا يؤذوننى وان غبت لا يغتابوننى فقلت له تكون جائعا فولى وانشأ يقول
تجوّع فان الجوع من عمل التقى ... وان طويل الجوع يوما سيشبع
قيل مثل الصالحين وما زينهم الله به دون غيرهم مثل جند قال لهم الملك تزينوا للعرض على غدا فمن كانت زينته احسن كانت منزلته عندى ارفع ثم يرسل الملك فى السر بزينة عنده ليس عند الجند مثلها الى خواص مملكته واهل محبته فاذا تزينوا بزينة الملك فخروا سائر الجند عند العرض على الملك فهذا مثل من وفقهم الله تعالى للاعمال الصالحة والأحوال الزكية ولا حاجة لهم ان يصفوا ما عندهم الى عامة الناس فان علمهم بذلك كاف وسيظهر يوم العرض الأكبر وعند الكثيب الأحمر
أولئك خدام كرام وسادة ... ونحن عبيد السوء بئس عبيد
وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ- روى- ان رؤساء قريش قالوا لرسول الله(3/35)
وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)
صلى الله عليه وسلم حين رأوا فى مجلسه الشريف فقراء المؤمنين مثل صهيب وعمار وخباب وبلال وسلمان وغيرهم لو طردت هؤلاء الأعبد وأرواح جبابهم وكان عليهم جباب صوف لا غير لجالسناك وحادثناك فقال عليه السلام (ما انا بطارد المؤمنين) فقالوا فاذا نجن جئناك فاقمهم عنا حتى يعرف العرب فضلنا فان وفود العرب تأتيك فنستحيى ان ترانا مع هؤلاء فاذا قمنا عن مجلسك فاقعدهم معك ان شئت فهم عليه السلام ان يفعل ذلك طمعا فى ايمانهم فانزل الله تعالى هذه الآية يعلمه انه لا يحب ان تفضل غنيا على فقير ولا شريفا على وضيع لان طريقه فيما أرسل به الدين دون احوال الدنيا. والطرد الابعاد وبالفارسية [مزان از مجلس خود آن درويشانرا كه ميخوانند پروردگار خود را وذكر او ميكنند بامداد وشبانكاه] والمراد بذكر الوقتين الدوام ومن دام ذكره دام جلوسه مع الله كما قال (انا جليس من ذكرنى) يُرِيدُونَ بذكرهم وعبادتهم وَجْهَهُ تعالى ورضاه لا شيأ من اغراض الدنيا. حال من ضمير يدعون اى يدعونه تعالى مخلصين له وقيد الدعاء بالإخلاص تنبيها على انه ملاك ملاك الأمر
عبادت بإخلاص نيت نكوست ... وكرنه چهـ آيد ز بي مغز پوست
واشعارا بانه من أقوى موجبات الإكرام المنافى للابعاد ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ لما لم يقتصر المشركون فى طعن فقراء المسلمين على وصفهم بكونهم موالى ومساكين بل طعنوا فى ايمانهم ايضا حيث قالوا يا محمد انهم انما اجتمعوا عندك وقبلوا دينك لانهم يجدون عندك مأكولا وملبوسا بهذا السبب والا فهم عارون عن دينك والايمان بك دفع الله تعالى ما عسى يتوهم كونه مسوغا لطردهم من أقاويلهم فقال ما عَلَيْكَ اى ليس عليك الا اعتبار ظاهر حالهم وهو اتسامهم بسمة المتقين وان كان لهم باطن غير مرضى كما يقوله المشركون فمضرة حساب ايمانهم لا ترجع الا إليهم لا إليك لان المضرة المرتبة على حساب كل نفس عائدة إليها لا الى غيرها فالمقصود منه دفع طعن الكفار وتثبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على تربية الفقراء وادنائهم. وضمير حسابهم. وعليهم للذين يدعون ربهم وكلمة من فى قوله من شىء زائدة وهو فاعل عليك وعليهم لاعتمادها على النفي ومن حسابهم ومن حسابك صفة لشىء ثم قدمت فصارت حالا قال المولى ابو السعود وذكر قوله تعالى وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ مع ان الجواب قدتم بما قبله للمبالغة فى بيان انتفاء كون حسابهم عليه عليه السلام بنظمه فى سلك ما لا شبهة فيه أصلا وهو انتفاء كون حسابه عليه السلام عليهم على طريقة قوله تعالى لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ فَتَطْرُدَهُمْ جواب النفي نحو ما تأتينا فتحدثنا بنصب فتحدث على ان يكون المعنى انتفاء التحديث لانتفاء سببه الذي هو الإتيان والآية الكريمة من هذا القبيل فانه لو كانت مضرة حسابهم مستقرة على المخاطب لكان ذلك سببا لابعاد من يتوهم الوهن فى إيمانه فحكم بان هذا السبب غير واقع حتى يقع مسببه الذي هو الطرد فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ جواب النهى وهو وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ الآية وَكَذلِكَ فَتَنَّا ذلك اشارة الى مصدر ما بعده من الفعل الذي هو عبارة عن تقديمه تعالى(3/36)
لفقراء المؤمنين فى امر الدين بتوفيقهم للايمان مع ما هم عليه فى امر الدنيا من كمال سوء الحال والكاف مقحمة لتأكيد ما أفاده اسم الاشارة من الفخامة والمعنى ذلك الفتون الكامل البديع فتنا اى ابتلينا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ اى بعض الناس ببعضهم لافتون غيره حيث قدمنا الآخرين فى امر الدنيا على الأولين المتقدمين عليهم فى امر الدنيا تقدما كليا لِيَقُولُوا اللام للعاقبة اى ليكون عاقبة أمرهم ان يقول البعض الأولون مشيرين الى الآخرين محقرين لهم نظرا الى ما بينهما من التفاوت الفاحش الدنيوي وتعاميا عما هو مناط التفضل حقيقة أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا بان وفقهم لاصابة الحق ولما يسعدهم عنده تعالى من دوننا ونحن المتقدمون والرؤساء وهم العبيد والفقراء وغرضهم بذلك انكار وقوع المن رأسا على طريقة قولهم لو كان خيرا ما سبفونا اليه لا تحقير الممنون عليهم مع الاعتراف بوقوعه بطريق الاعتراض عليه تعالى قال الكلبي ان الشريف إذا نظر الى للوضيع قد اسلم قبله استنكف وانف ان يسلم وقال قد سبقنى هذا بالإسلام فلا يسلم أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ رد لقولهم ذلك
وابطال له اى أليس الله بأعلم بالشاكرين لنعمه حتى تستبعدوا انعامه عليهم. وفيه اشارة الى ان أولئك الضعفاء عارفون لحق نعمة الله تعالى فى تنزيل القرآن والتوفيق للايمان شاكرون له تعالى على ذلك وتعريض بان القائلين بمعزل من ذلك كله قال فى التأويلات النجمية وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ يعنى الفاضل بالمفضول والمفضول بالفاضل فليشكر الفاضل وليصبر المفضول فان لم يشكر الفاضل فقد تعرض لزوال الفضل وان صبر المفضول فقد سعى فى نيل الفضل والمفضول الصابر يستوى مع الفاضل الشاكر كما كان سليمان فى الشكر مع أيوب فى الصبر فان سليمان مع كثرة صورة اعماله فى العبودية كان هو وأيوب مع عجزه عن صورة اعمال العبودية متساويين فى مقام نعم العبدية فقال لكل واحد منهما نِعْمَ الْعَبْدُ ففتنة الفاضل للمفضول رؤية فضله على المفضول وتحقيره ومنع حقه عنه فى فضله وفتنة المفضول فى الفاضل حسده على فضله وسخطه عليه فى منع حقه من فضله عنه فانه انقطع بالخلق او رأى المنع والعطاء من الخلق وهو المعطى والمانع لا غير فعلى العاقل ان يختار ما اختاره الله ولا يريد الا ما يريده قال الكاشفى فى تفسيره الفارسي [در كشف الاسرار آورده كه أرادت بر سه وجه است. أول أرادت دنياى محض كما قال تعالى تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا ونشان آن دو چيز است در زيادتىء دنيا بنقصان دين راضى بودن واز درويشان ومسلمانان اعراض نمودن. ودوم أرادت آخرة محض كما قال تعالى وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وآن نيز دو علامت دارد در سلامتىء دين بنقصان دنيا رضا دادن ودر مؤانست والفت بروى درويشان كشادن. سوم أرادت حق محض كما قال تعالى يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ونشان آن پاى بر سر كونين نهادن است واز خود وخلق آزاد كشتن]
ما را خواهى خطى بعالم در كش ... در بحر فنا غرقه شو ودم در كش
فهم يريدون وجهه تعالى فكل يريدون منه وهم يريدونه ولا يريدون منه كما قيل
وكل له سؤل ودين ومذهب ... ووصلكمو سؤلى ودينى رضاكمو(3/37)
وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)
وتكلم الناس فى الارادة فاكثروا وتحقيقها اهتياج يحصل فى القلب يسلب القرار من العبد حتى يصل الى الله تعالى فصاحب الارادة لا يهدأ ليلا ولا نهارا ولا يجد من دون وصوله اليه سكوتا ولا قرارا كما فى التأويلات النجمية وفى الآية الكريمة بيان فضل الفقراء وعن ابى سعيد الخدري قال جلست فى نفر من ضعفاء المهاجرين وكان بعضهم يستتر ببعض من العرى وقارئ يقرأ علينا إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام علينا فلما قام سكت القارئ فسلم رسول الله وقال (ما كنتم تصنعون) قلنا يا رسول الله كان قارئ يقرأ علينا وكنا نستمع الى كتاب الله تعالى فقال رسول الله (الحمد لله الذي جعل من أمتي من امر بي ان اصبر نفسى معهم) قال ثم جلس وسطنا ليعدل نفسه فينا ثم قال بيده هكذا فتحلقوا وبرزت وجوههم له قال فما رأيت رسول الله عرف منهم أحدا غيرى فقال (ابشروا يا معاشر صعا ليك المهاجرين بالفوز التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم) وذلك مقدار خمسمائة سنة وفى الحديث (يؤتى بالعبد الفقير يوم القيامة فيعتذر الله عز وجل اليه كما يعتذر الرجل الى الرجل فى الدنيا فيقول وعزتى وجلالى ما زويت الدنيا عنك لهوانك علىّ ولكن لما اعددت لك من الكرامة والفضيلة اخرج يا عبدى الى هذه الصفوف وانظر الى من أطعمك او كساك وأراد بذلك وجهى فخذ بيده فهو لك والناس يومئذ قذ الجمهم العرق فيتخلل الصفوف وينظر من فعل به ذلك فى الدنيا فيأخذه بيده ويدخل الجنة) قال الحافظ
توانكرا دل درويش خود بدست آور ... كه مخزن زر وگنج ودرم نخواهد ماند
برين رواق زبر جد نوشته اند بزر ... كه چز نكوى اهل كرم نخواهد ماند
وفى الحديث (لكل شىء مفتاح ومفتاح الجنة حب المساكين والفقراء) الصبر هم جلساء الله يوم القيامة: قال الشيخ العطار قدس سره
حب دريشان كليد جنت است ... دشمن ايشان سزاى لعنت است
اللهم اجعلنا من الأحباب ولا تطردنا خارج الباب وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا- روى- ان قوما جاؤا الى النبي عليه السلام فقالوا انا أصبنا ذنوبا عظاما فما تدارك الاستغفار وتدبير الاعتذار فسكت عنهم ولم يرد عليهم شيأ فانصرفوا مأيوسين فنزلت قال الامام كل من آمن بالله دخل هذا التشريف فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ من كل مكروه وآفة والسلام بمعنى التسليم اى الدعاء بالسلامة فمعنى سلام عليكم سلمنا عليكم سلاما اى دعوت بان يسلمكم الله من الآفات فى دينكم ونفسكم وانما امره بان يبدأهم بالسلام مع ان العادة ان الجائى يسلم على القاعد حتى ينبسط إليهم بالسلام عليهم لئلا يحتشموا من الانبساط اليه هذا هو السلام فى الدنيا واما فى الآخرة فتسلم عليهم الملائكة عند دخول الجنة كقوله سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ والله يبتدىء بالسلام عليهم بقوله سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ وقوله فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ يشير الى السلام الذي سلمه الله على حبيبه عليه السلام ليلة المعراج إذ قال له (السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته) فقال فى قبول السلام (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) والذي تاب من بعد ظلمه منتظم فى سلك اهل الصلاح فمورد(3/38)
وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)
الآية لا ينافى هذا المعنى كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ اى قضاها وأوجبها على ذاته المقدسة بطريق التفضل والإحسان قال ابن الشيخ كلمة على تفيد الإيجاب وإذا اجتمعا تأكد الإيجاب وهو لا ينافى كونه تعالى فاعلا مختارا بل هو عبارة عن تأكيد وبيان لفضله وكرمه اه قال فى التأويلات النجمية قال فى حديث ربانى للجنة (انما أنت رحمتى ارحم بك من أشاء من عبادى) فيرحم بجنته من شاء من عباده ويرحم بذاته من شاء من عباده أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بدل من الرحمة والتقدير كتب على نفسه انه من عمل إلخ فان مضمون هذه الجملة لا شك انه رحمة والسوء بالفارسية [كار بد] بِجَهالَةٍ حال من فاعل عمل اى عمله ملتبسا بجهالة حقيقة بان يفعله وهو لا يعلم ما يترتب عليه من المضرة والعقوبة او حكما بان يفعله عالما بسوء عاقبته فان من عمل ما يؤدى الى الضرر فى العاقبة وهو عالم بذلك او ظان فهو فى حكم الجاهل فهو حال مؤكدة لانها مقررة لمضمون قوله مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً لان عمل السوء لا ينفك عن الجهالة حقيقة او حكما قال اهل الاشارة يشير بقوله مِنْكُمْ الى ان عامل السوء صنفان. صنف منكم ايها المؤمنون المهتدون. وصنف من غيركم وهم الكفار الضالون. والجهالة جهالتان جهالة الضلالة وهى نتيجة اخطاء النور المرشش فى عالم الأرواح وجهالة الجهولية وهى التي جبل الإنسان عليها فمن عمل من الكفار سوأ بجهالة الضلالة فلا توبة له بخلاف من عمل سوأ من المؤمنين بجهالة الجهولية المركوزة فيه فان له توبة كما قال تعالى ثُمَّ تابَ اى رجع عنه مِنْ بَعْدِهِ اى من بعد عمله وَأَصْلَحَ اى ما أفسده والإصلاح هو ان لا يعود ولا يفسد فَأَنَّهُ خبر مبتدأ محذوف اى فامره ان الله تعالى غَفُورٌ له رَحِيمٌ به قال الكاشفى فى تفسيره الفارسي [امام قشيرى رحمه الله فرموده كه اگر ملك بر تو ذلت مى نويسد ملك براى تو رحمت مى نويسد پس ترا دو كتابت است يكى ازلى ويكى وقتى مقررست كه كتابت وقتى كتابت ازلى را باطل نمى تواند ساخت مضمون اين آيت شريف شفاست بيماران بيمارستان كناه را وشفا بشرط پرهيزست: يعنى توبه واستغفار]
دردمندان كنه را روز وشب ... شربتى بهتر ز استغفار نيست
آرزومندان وصال يار را ... چاره غير از نالها وزار نيست
وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ الكاف مقحمة لتأكيد ما أفاده اسم الاشارة من الفخامة وذلك اشارة الى مصدر الفعل الذي بعده اى هذا التفصيل البديع نفصل الآيات القرآنية ونبينها فى صفة اهل الطاعة واهل الاجرام المصرين منهم والأوابين ليظهر الحق ويعمل به وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ اى تظهر طريقتهم فيجتنب عنها. ورفع سبيل على انه فاعل فانه يذكر فى لغة بنى تميم ويؤنث فى لغة اهل الحجاز ووجه الاستبانة والإيضاح ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة فعلى العاقل ان يسلك طريق الفوز والفلاح ويصل الى ما وصل اليه اهل الصلاح. وأول الطريق هو التوبة والاستغفار قال العلماء تذكر اولا قبح الذنوب وشدة عقوبة الله ثم تذكر ضعفك وقلة حيلتك فى ذلك فمن لا يتحمل قرص نملة وحر شمس كيف يتحمل نار جهنم ولسع حيات فينبغى ان تجتهد فى الخروج من الذنوب على أقسامها التي بينك وبين عباد الله(3/39)
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57)
بالاستحلال ورد المظالم. واما التي هى من ترك الواجبات من صلاة وصيام وزكاة فتقضى ما أمكن منها. واما التي بينك وبين الله كشرب الخمر وضرب المزامير وأكل الربا فتندم على ما مضى منها وتوطن قلبك على ترك العود الى مثلها ابدا فاذا أرضيت الخصوم بما أمكن وقضيت الفوائت بما تقدر عليه وبرأت قلبك من الذنوب فينبغى ان ترجع اليه بحسن الابتهال والضراعة ليكفيك ذلك بفضله فتذهب فتغتسل وتغسل ثيابك فتصلى ركعتين كما فى الحديث الصحيح (ما من عبد يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقول فيصلى ركعتين ثم يستغفر الله الا غفر له) وفى حديث آخر (أيما عبد او امة ترك صلاته فى جهالته فتاب وندم على تركها فليصل يوم الجمعة بين الظهر والعصر اثنتي عشرة ركعة يقرأ فى كل منها الفاتحة وآية الكرسي والإخلاص والمعوذتين مرة لا يحاسبه الله تعالى يوم القيامة ووجد صحيفة سيآته حسنات) ذكره فى مختصر الاحياء يقول الفقير جامع هذه الفوائد ان هذا الحديث على تقدير صحته لا ينفهم منه ان هذه الصلاة تكون قضاء لجميع ما فات منه وتقوم بدله كيف وقد ذكر فى اوله التوبة والندامة ومن مقتضاها قضاء ما سلف كمامر آنفا فمعنى ان الله تعالى لا يحاسبه يوم القيامة لا يقول له لم أخرت الصلاة التي فرضت عليك عن أوقاتها وذلك ببركة هذه الصلاة الشريفة التي هى تأكيد لتوبته وزيادة فى اعتذاره وقد عرف فى الشرع ان العبد كما يحاسب على ترك الصلوات كذلك يحاسب على تأخيرها عن أوقاتها وبهذا البيان انحل ما أشكل على بعض من مواظبة الناس على قضاء صلوات يوم وليلة فى آخر جمعة من شهر رمضان بين الظهر والعصر فان ما يصلونه هى الصلاة المذكورة عند الحقيقة لكنهم يغلطون فى زعمهم وفى الكيفية والله اعلم وفى كتاب الترغيب والترهيب انه جاء رجل الى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال وا ذنوباه وا ذنوباه مرتين او ثلاثا فقال له عليه السلام (قل اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبى ورحمتك أرجى عندى من عملى) فقالها ثم قال (عد) فعاد ثم قال (عد) فعاد ثم قال (قم فقد غفر الله لك) ومن استغفر للمؤمنين كل يوم كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة وما الميت فى قبره الا كالغريق المنتظر ينتظر دعوة تلحقه من اب او أم او أخ صديق فاذا ألحقته كانت أحب اليه من الدنيا وما فيها وان الله تعالى ليدخل على اهل القبور من دعاء اهل الأرض أمثال الجبال وان هدية الاحياء الى الأموات الاستغفار لهم ربنا اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين يوم يقوم الحساب فانك مرجع كل تواب وأواب قُلْ إِنِّي نُهِيتُ كان كفار قريش يدعونه عليه السلام الى دين آبائه فنزلت اى صرفت وزجرت بما نصب لى من الادلة وانزل علىّ من الآيات فى امر التوحيد أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ اى عن عبادة ما تعبدونه مِنْ دُونِ اللَّهِ كائنا ما كان قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ اشارة الى الموجب للنهى كأنهم قالوا لم نهيت عما نحن فيه ولم تمتنع عن متابعتنا أجاب بان ما أنتم عليه هوى وليس بهدى فكيف اتبع الهوى واترك الهدى قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً اى ان اتبعت أهواءكم فقد ضللت اى تركت سبيل الحق وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ من الذين سلكوا طريق الهدى عطف على ما قبله قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ كائنة مِنْ رَبِّي والبينة الحجة الواضحة التي تفصل بين الحق والباطل يقال انا على بينة من هذا الأمر وانا على يقين منه إذا كان ثابتا عندك بحجة واضحة وشاهد صدق والمراد بها(3/40)
قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)
القرآن والوحى وَكَذَّبْتُمْ بِهِ جملة مستأنفة سيقت للاخبار بذلك والضمير المجرور للتنبيه والتذكير باعتبار البيان والبرهان والمعنى انى على بينة عظيمة كائنة من ربى وكذبتم بها وبما فيها من الاخبار التي من جملتها الوعيد بمجىء العذاب ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ- روى- ان رؤساء قريش كانوا يستعجلون العذاب بقولهم مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بطريق الاستهزاء او بطريق الإلزام حتى قام النضر بن الحارث فى الحطيم وقال اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ والمعنى ليس ما تستعجلون به من العذاب الموعود فى القرآن وتجعلون تأخره ذريعة لتكذيبى فى حكمى وقدرتى حتى أجيء به واظهر لكم صدقه اى ليس امره بمفوض الى إِنِ الْحُكْمُ اى ما الحكم فى ذلك وغيره تعجيلا وتأخيرا إِلَّا لِلَّهِ وحده من غير ان يكون لى دخل ما فيه بوجه من الوجوه يَقُصُّ الْحَقَّ اى يقول الحق ويتبعه فى بيان جميع أحكامه ولا يحكم الا بما هو حق فتأخير العذاب حق ثابت جار على حكمة بليغة واصل الحكم المنع فكأنه يمنع الباطل عن معارضة الحق او الخصم عن التعدي على صاحبه وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبله مشير الى ان قص الحق هاهنا بطريق خاص هو الفصل بين الحق والباطل قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي اى فى قدرتى ومكنتى ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ من العذاب الذي ورد به الوعيد بان يكون امره مفوصا الى من جهته عز وجل لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ اى بان ينزل ذلك عليكم اثر استعجالكم بقولكم متى هذا الوعد ونظائره. وفى بناء الفعل للمفعول من الإيذان بتعين الفاعل الذي هو الله سبحانه وتهويل الأمر ومراعاة حسن الأدب ما لا يخفى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ اى بحالهم وبانهم مستحقون للامهال بطريق الاستدراج لتشديد العذاب ولذلك لم يفوض الأمر الىّ فلم يقض الأمر بتعجيل العذاب فعابد الأصنام سواء أمهل او لا يذوق العذاب ولا يتخلص منه أصلا وكذا عابد الدنيا والنفس والشيطان والهوى فان ذلك فى نار الجحيم وهذا فى نار الفراق العظيم فعلى العاقل ان لا يتبع الهوى كما امر الله تعالى فقال قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قال بعضهم جزت مرة ببلاد السواد فرأيت شيخا جالسا فى الهواء فسلمت عليه فرد السلام على فقلت له بم جلست فى الهواء قال خالفت الهوى فاسكنت فى الهواء وجاء جماعة من فقهاء اليمن الى الشيخ الكبير ابى الغيث قدس سره يمتحنونه فى شىء فلما دنوا منه قال مرحبا بعبيد عبدى فاستعظموا ذلك فلحقوا شيخ الطرفين وامام الفريقين العالم العارف أبا الذبيح إسماعيل بن محمد الحضري فأخبروه بما قال الشيخ ابو الغيث لهم فضحك الشيخ وقال صدق الشيخ أنتم عبيد الهوى والهوى عبده وانما يتخلص المرء من الهوى بالتقوى: وفى المثنوى
چونكه تقوى بست دو دست هوا ... حق كشايد هر دو دست عقل را
پس حواس پيره محكوم تو شد ... چون خرد سالار ومخدوم تو شد
واعلم ان الهوى من أوصاف النفس فالآيات متعلقة بإصلاح النفس ومن كان على بينة من ربه وهى فى الحقيقة النور الذي ينشرح به الصدر يكون على الهدى لاعلى الهوى وله علامات(3/41)
وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)
كما لا يخفى- حكى- ان بعض الصالحين كان يتكلم على الناس ويعظهم فمر عليه فى بعض الأيام يهودى وهو يخوفهم ويقرأ قوله تعالى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا فقال اليهودي ان كان هذا الكلام حقا فنحن وأنتم سواء فقال له الشيخ لا ما نحن سواء بل نحن نرد ونصدر وأنتم تردون ولا تصدرون ننجو نحن منها بالتقوى وتبقون أنتم فيها جثيا بالظلم ثم قرأ الآية الثانية ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا فقال اليهودي نحن المتقون فقال له الشيخ كلا بل نحن وتلا قوله تعالى وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ الى قوله تعالى الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ فقال اليهودي هات برهانا على صدق هذا فقال له الشيخ البرهان حاضر يراه كل ناظر وهو ان تطرح ثيابى وثيابك فى النار فمن سلمت ثيابه فهو الناجي منها ومن أحرقت ثيابه فهو الباقي فيها فنزعا ثيابهما فاخذ الشيخ ثياب اليهودي ولفها ولف عليها ثيابه ورمى الجميع فى النار ثم دخل النار فاخذ الثياب ثم خرج من الجانب الآخر ثم فتحت الثياب فاذا ثياب الشيخ المسلم سالمة بيضاء قد نطفتها النار وأزالت عنها الوسخ وثياب اليهودي قد صارت حراقة مع انها مستورة وثياب الشيخ المسلم ظاهرة للنار فلما رأى ذلك اسلم والحمد لله فهذه الحكاية مناسبة لما ذكر من الآيات إذ كفار قريش كانوا من اهل الظلم والهوى فلم ينفعهم دعواهم فصاروا الى العذاب والمؤمنون كانوا من اهل العدل والبينة والهدى فانتج تقواهم ووصلوا الى جنات مفتحة لهم الأبواب ومن سلم لباسه من النار سلم وجوده بالطريق الاولى بل الثوب فى الحقيقة هو الوجود الظاهري الذي استتر به الروح الباطني فلا بد من تطهيره المؤدى الى تطهير الباطن يسره الله وَعِنْدَهُ اى الله تعالى خاصة مَفاتِحُ الْغَيْبِ اى خزائن غيوبه. جمع مفتح بفتح الميم وهو المخزن والكنز والاضافة من قبيل لجين الماء وهو المناسب للمقام كما فى حواشى سعدى چلبى المفتى ويجوز ان يكون جمع مفتح بكسر الميم وهو المفتاح اى آلة الفتح فالمعنى ما يتوصل به الى الغيب شبه الغيب بالخزائن المستوثق بها بالاقفال واثبت لها مفاتح على سبيل التخييل ولما كان عنده تلك المفاتح كان المتوصل الى ما فى الخزائن من المغيبات هو لا غير كما فى حواشى ابن الشيخ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ تأكيد لمضمون ما قبله قال فى تفسير الجلالين وهى الخمسة التي فى قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الآية رواه البخاري قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (مفأتح الغيب خمس لا يعلمها الا الله لا يعلم ما فى الأرحام الا الله ولا يعلم ما فى غد الا الله ولا يعلم متى يأتى المطر الا الله ولا يدرى بأى ارض تموت النفس الا الله ولا يعلم متى تقوم الساعة الا الله) وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ من الموجودات مفصلة على اختلاف أجناسها وأنواعها وتكثير افرادها وهو بيان لتعلق علمه تعالى بالمشاهدات اثر بيان تعلقه بالمغيبات تكملة له وتنبيها عن ان الكل بالنسبة الى علمه المحيط سواء فى الجلاء وَما تَسْقُطُ مِنْ زائدة وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها يريد ساقطة وثابتة يعنى يعلم عدد ما يسقط من ورق الشجر وما يبقى عليه وهى مبالغة فى احاطة علمه بالجزئيات وَلا حَبَّةٍ عطف على ورقة وهى بالفارسية [دانه] فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ اى كائنة فى بطونها لا يعلمها قال الكاشفى [مراد تخميست كه(3/42)
در زمين افتد] وَلا رَطْبٍ عطف على ورقة ايضا وهو بالفارسية [تر] وَلا يابِسٍ بالفارسية [خشك] اى ما يسقط من شىء من هذه الأشياء الا يعلمه قال الحدادي الرطب واليابس عبارة عن جميع الأشياء التي تكون فى السموات وفى الأرض لانها لا تخلو من احدى هاتين الصفتين انتهى فيختصان بالجسمانيات إذا الرطوبة واليبوسة من أوصاف الجسمانيات إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ هو اللوح المحفوظ فهو بدل اشتمال من الاستثناء الاول او هو علمه تعالى فهو بدل منه بدل الكل. وقرىء ولا رطب ولا يابس بالرفع على الابتداء والخبر الا فى كتاب وهو الأنسب بالمقام لشمول الرطب واليابس حينئذ لما ليس من شأنه السقوط قال الحدادي فان قيل ما الفائدة فى كون ذلك فى اللوح مع ان الله تعالى لا يخفى عليه
شىء وان كان عالما بذلك قبل ان يخلقه وقبل ان يكتبه لم يكتبها ليحفظها ويدرسها قيل فائدته ان الحوادث إذا حدثت موافقة للمكتوب از دادت الملائكة بذلك علما ويقينا بعظيم صفات الله تعالى يقول الفقير ان الملائكة ليست من اهل الترقي والتنزل فقصر الفائدة على ذلك مما لا معنى له بل نقول ان اللوح قلب هذا التعين كقلب الإنسان قد انتقش فيه ما كان وما سيكون وهو من مراتب التنزلات فقد ضبط الله فيه جميع المقدورات الكونية لفوائد ترجع الى العباد يعرفها العلماء بالله: قال الحافظ
معرفت نيست درين قوم خدايا سببى ... تا برم كوهر خود را بخريدار ديكر
والاشارة فى الآية ان الله تعالى جعل لكل شىء من المكونات شهادة تناسب ذلك الشيء وغيبا مناسبا له وجعل لغيب كل مفتاحا يفتح به باب غيب ذلك الشيء وشهادته فينفعل ذلك الشيء كما اراده الله فى الأزل وقدره وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ ذلك الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ لانه لا خالق الا هو ليس لنبى ولا لولى مدخل فى علم هذه المفاتح ولا فى استعمالها لانه مختص بالخالق فقط وسأضرب لك مثلا تدرك به هذه الحقيقة وذلك مثل نقاش للصورة فان لكل صورة مما ينقشه شهادة هى هيئتها وغيبا هو علم التصوير ومفتاحا يفتح به باب علم التصوير على هيئة الصورة لتنفعل الصورة كما هى ثابتة فى ذهن النقاش هو القلم والقلم بيد النقاش لا مدخل لتصرف غيره فيه فالله تعالى هو النقاش المصور والصور هى المكونات المختلفة الغيبية والشهادية وشهادة كل صورة منها خلقتها وتكوينها وقلم تصويرها الذي هو مفتاح يفتح به باب علم تكوينها على صورتها وكونها هو الملكوت فبقلم ملكوت كل شىء يكون كون كل شىء وقلم الملكوت بيد الله تعالى كما قال فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وكما ان الأشياء مختلفة فالملكوتيات مختلفات وملكوت كل شىء من الجماد والنبات والحيوان والإنسان والملك مناسب لصورته ولهذا جمع المفاتح ووحد الغيب وقال وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لان الغيب هو علم التكوين وهو واحد فى جميع الأشياء وفى الملكوت كثرة كما فى أقلام المصور فافهم جدا وَبعلم التكوين يَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ لان به كوّن البر وهو عالم الشهادة والصورة والبحر وهو عالم الغيب والملكوت يدل على هذا المعنى قوله لا عالم الغيب والشهادة وَبهذا العلم ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها لانه مكونها ومثبتها ومسقطها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ اى حبة الروح فى ظلمات(3/43)
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62) قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)
صفات ارض النفس وايضا ولا حبة فى ظلمات الأرض اى ارض القلب وظلمات صفات البشرية الا وهو ركبها ويعلم كمالها ونقصانها وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ الرطب هو الموجود فى الحال واليابس هو المعدوم فى الحال وسيكون موجودا. وايضا الرطب الروحانيات واليابس الجماديات وايضا الرطب المؤمن واليابس الكافر. وايضا الرطب العالم واليابس الجاهل. وايضا الرطب العارف واليابس الزاهد. وايضا الرطب اهل المحبة واليابس اهل السلوة. وايضا الرطب صاحب الشهود واليابس صاحب الوجود. وايضا الرطب الباقي بالله واليابس الباقي بنفسه إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ وهو أم الكتاب كذا فى التأويلات النجمية قدس سره مؤلفها العزيز الشريف وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ الخطاب عام للمؤمن والكافر اى ينيمكم فى الليل ويجعلكم كالميت فى زوال الاحساس والتمييز ومن هنا ورد (النوم أخ الموت) والتوفى فى الأصل قبض الشيء بتمامه وعن على رضى الله عنه يخرج الروح عند النوم ويبقى شعاعه فى الجسد فبذلك يرى الرؤيا فاذا انتبه من النوم عادت الروح الى الجسد بأسرع من لحظة يعنى ان الذي يرى الرؤيا هو الروح الإنساني وانه يرى فى عالم البرزخ ما صدر عن الروح الحيواني من القبيح والحسن وهو ظل الروح الإنساني والتعبير بالحيوانى والإنساني اصطلاح الحكماء واما اهل السلوك فيعبرون عنها بالروح وتنزله وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ اى ما كسبتم فيه وجوارح الإنسان أعضاؤه التي يكسب بها الأعمال خص الليل بالنوم والنهار بالكسب جريا على العادة ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ اى يوقظكم فى النهار عطف على يتوفاكم وتوسيط قوله ويعلم بينهما لبيان ما فى بعثهم من عظيم الإحسان إليهم بالتنبيه على انه بعد علم ما يكتسبونه من السيئات مع كونها موجبة لا بقائهم على التوفى بل لاهلاكهم بالمرة يفيض عليهم الحياة ويمهلهم كما ينبىء عنه كلمة التراخي كأنه قيل هو الذي يتوفاكم فى جنس الليل ثم يبعثكم فى جنس النهار مع علمه بما ستجرحون فيه لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى اى ليبلغ المتيقظ آخر اجله المسمى له فى الدنيا وقضاء الاجل فصل الأمر على سبيل التمام فمعنى قضاء الاجل فصل مدة العمر من غيرها بالموت والاجل آخر مدة الحياة ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ اى رجوعكم بالموت لا الى غيره أصلا ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ بالمجازاة بأعمالكم التي كنتم تعملونها فى تلك الليالى والأيام وَهُوَ الْقاهِرُ مستعليا فَوْقَ عِبادِهِ اى المتصرف فى أمورهم لا غيره يفعل بهم ما يشاء إيجادا واعداما واحياء واماتة وتعذيبا واثابة الى غير ذلك ويجوز ان يكون فوق خبرا بعد خبر وليس معنى فوق معنى المكان لاستحالة اضافة الأماكن الى الله تعالى وانما معناه الغلبة والقدرة ونظيره فلان فوق فلان فى العلم اى اعلم منه: وفى المثنوى
دست شد بالاى دست اين تا كجا ... تا بيزدان كه اليه المنتهى
كان يكى درياست بي غور وكران ... جمله درياها چوسيلى پيش آن
حيلها و چارها كر اژدهاست ... پيش الا الله آنها جمله لاست
وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً عطف على الجملة الاسمية قبلها اى يرسل عليكم خاصة ايها المكلفون ملائكة تحفظ أعمالكم وهم الكرام الكاتبون والحكمة فيه ان المكلف إذا علم ان(3/44)
اعماله تكتب عليه وتعرض على رؤوس الاشهاد كان از جر عن المعاصي وان العبد إذا وثق بلطف سيده واعتمد على عفوه وستره لم يحتشم منه احتشامه من خدمه المطلعين عليه: قال الكاشفى
نه انديشى از ان روزيكه در وى ... چكرها خون ودلها ريش بينى
دهندت نامه اعمال وكويند ... بخوان تا كردهاى خويش بينى
مكن ور ميكنى بارى در ان كوش ... كه اندر نامه نيكى پيش بينى
ورد فى الخبران على كل واحد منا ملكين بالليل وملكين بالنهار يكتب أحدهما الحسنات والآخر السيئات وصاحب اليمين امير على صاحب الشمال فاذا عمل العبد حسنة كتبت له بعشر أمثالها وإذا عمل سيئة فاراد صاحب الشمال ان يكتب قال له صاحب اليمين امسك فيمسك عنه ست ساعات او سبع ساعات فان هو استغفر الله لم يكتب عليه وان لم يستغفر كتب سيئة واحدة فان قلت هل تعرف هؤلاء الملائكة العزم الباطن كما يعرفون الفعل الظاهر قلت نعم لان الحفظة تنتسخ من السفرة وهى من الخزنة التي وكلت باللوح وقد كتب فيه احوال العوالم وأهاليها من السرائر والظواهر فبعد وقوفهم على ذلك يكتبون ثانيا من أول اليوم الى آخره ومن أول الليل الى آخره حسبما يصدر عن الإنسان وقيل إذا همّ العبد بحسنة فاح من فيه رائحة المسك فيعلمون بهذه العلامة فيكتبونها وإذا هم بسيئة فاح منه ريح النتن فان قلت والملائكة التي ترفع عمل العبد فى اليوم أهم الذين يأتون عدا أم غيرهم قلت قال بعض العلماء الظاهر انهم هم وان ملكى الإنسان لا يتغيران عليه مادام حيا وقال بعض المشايخ من جاء منهم لا يرجع ابدا مرة اخرى ويجيىء آخرون مكانهم الى نفاد العمر واختلف فى موضع جلوس الملكين وفى الخبر النبوي (نقوا أفواهكم بالخلال فانها مجلس الملكين الكريمين الحافظين وان مدادهما الريق وقلمهما اللسان وليس عليهما شىء امر من بقايا الطعام بين الأسنان) ولا يبعد ان يوكل بالعبد ملائكة سوى هذين الملكين كل منهم يحفظه من أذى كما جاء فى الروايات حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حتى هى التي يبتدأ بها الكلام وهى مع ذلك تجعل ما بعدها من الجملة الشرطية غاية لما قبلها كأنه قيل ويرسل عليكم حفظة يحفظون أعمالكم مدة حياتكم حتى إذا انتهت مدة أحدكم كائنا من كان وجاء اسباب الموت ومباديه تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا الآخرون المفوض إليهم ذلك وهم ملك الموت وأعوانه وانتهى هناك حفظ الحفظة وَهُمْ اى الرسل لا يُفَرِّطُونَ اى لا يقصرون فيما يؤمرون بالتواني والتأخير طرفة عين واعلم ان القابض لارواح جميع الخلق هو الله تعالى حقيقة وان ملك الموت وأعوانه وسائط ولذلك أضيف التوفى إليهم وقد يكون التوفى بدون وساطتهم كما نقل فى وفاة فاطمة الزهراء رضى الله عنها وغيرها وأعوان ملك الموت اربعة عشر ملكا سبعة منها ملائكة الرحمة وإليهم يسلم روح المؤمن بعد القبض وسبعة منهم ملائكة العذاب وإليهم يسلم روح الكافر بعد الوفاة قال مجاهد قد جعلت الأرض لملك الموت كالطشت يتناول من حيث يشاء يقول الفقير ليس على ملك الموت صعوبة فى قبض الأرواح وان كثرت وكانت فى امكنة مختلفة وكيفية لا تعرف بهذا العقل الجزئى كما لا تعرف كيفية وسوسة الشيطان فى قلوب(3/45)
ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62) قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63)
جميع اهل الدنيا- روى- فى الحبر ان رسول الله دخل على مريض يعوده فرأى ملك الموت عند رأسه فقال (يا ملك الموت ارفق به فانه مؤمن) فقال ملك الموت يا محمد ابشر وطب نفسا وقرعينا فانى بكل مؤمن رفيق انى لاقبض روح المؤمن فيصرخ اهله فاعتزل فى جانب الدار فاقول مالى من ذنب وانى مأمور وان لى لعودة فالحذر الحذر وما من اهل بيت مدر ولا وبر فى بر وبحر الا وانا أتصفحهم فى كل يوم خمس مرات حتى انى لا علم بصغيرهم وكبيرهم منهم بانفسهم والله لو أردت ان اقبض روح بعوضة لما قدرت عليها حتى يأمرنى الله تعالى بقبضها قال العلماء الموت ليس بعدم محض ولافناء صرف وانما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته وحيلولة بينهما وتبذل حال وانتقال من دار الى دار ولما خلق الله الموت على صورة كبش أملح قال له اذهب الى صفوف الملائكة على هيئتك هذه فلم يبق ملك إلا غشي عليه الفى عام ثم أفاقوا فقالوا يا ربنا ما هذا قال الموت قالوا لمن ذلك قال على كل نفس قالوا لم خلقت الدنيا قال ليسكنها بنوا آدم قالوا لم خلقت النساء قال ليكون النسل قالوا من يسلط عليه هذا هل يشتغل بالنساء والدنيا قال ان طول الأمل ينسيهم الموت حتى يكون منهم أخذ الدنيا وشهوة النساء ولذلك قيل الموت من أعظم المصائب وأعظم منه الغفلة عنه ثُمَّ رُدُّوا عطف على توفته والضمير للكل المدلول عليه بأحدكم اى ردوهم الملائكة بعد البعث إِلَى اللَّهِ اى الى حكمه وجزائه فى موقف الحساب فالرد الى الله ليس على ظاهره لكونه تعالى متعاليا عن المكان والجهة بل هو عبارة عن جعلهم منقادين لحكم الله تعالى مطيعين لقضائه بان يساقوا الى حيث لا مالك ولا حاكم فيه سواه مَوْلاهُمُ اى مالكهم الذي يملك أمورهم على الإطلاق واما قوله تعالى وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ فالمولى فيه بمعنى الناصر فلا تناقض وهو بدل من الجلالة الْحَقِّ الذي لا يقضى الا بالعدل وهو صفة للمولى أَلا اى اعلموا وتنبهوا لَهُ الْحُكْمُ اى القضاء بين العباد يومئذ لاحكم لغيره فيه بوجه من الوجوه وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ يحاسب جميع الخلائق فى اسرع زمان وأقصره لا يشغله حساب عن حساب ولا شأن عن شأن لا يتكلم بآلة ولا يحتاج الى فكرة وروية وعقد يد ومعنى المحاسبة تعريف كل واحد ما يستحقه من ثواب وعقاب قال بعض العلماء المحاسبة لتقدير الأعمال والوزن لاظهار مقاديرها فيقدم الحساب على الميزان ولهذا لا ميزان لمن يدخل الجنة بلا حساب واعلم ان الحشر والحساب لا يكون على وجه الأرض وانما يكون فى الأرض المبدلة وهى ارض بيضاء كالفضة لم يسفك فيهادم ولم يظلم عليها أحد فاذا ثبت الحشر والحساب وان الله تعالى هو المحاسب وجب على العاقل ان يحاسب نفسه قبل ان يناقش فى الحساب لانه هو التاجر فى طريق الآخرة وبضاعته عمره وربحه صرف عمره فى الطاعات والعبادات وخسرانه صرفه فى المعاصي والسيئات ونفسه شريكه فى هذه التجارة وهى وان كانت تصلح للخير والشر لكنها أميل واقبل الى المعاصي والشهوات فلا بد له من مراقبتها ومحاسبتها: قال السعدي قدس سره
تو غافل در انديشه سود ومال ... كه سرمايه عمر شد بايمال
قُلْ يا محمد لاهل مكة مَنْ استفهام يُنَجِّيكُمْ اى يخلصكم ويعطى لكم نجاة(3/46)
قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)
مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ من شدائدهما وأهوالهما فى اسفاركم استعيرت الظلمة للمشقة لمشار كتهما فى الهول وابطال الابصار فقيل لليوم الشديد يوم مظلم ويوم ذو كواكب اى اشتدت ظلمته حتى صار كالليل فى ظلمته بناء على ان الليل إذا لم يستنر بنور القمر ظهرت الكواكب صغارها وكبارها وكلما اشتدت ظلمته اشتد ظهور الكواكب تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً اى معلنين ومسرين على ان يكون تضرعا وخفية مصدرين فى موضع الحال من فاعل تدعونه وتدعون حال من فاعل ينجيكم اى داعين إياه تعالى والتضرع اظهار الضراعة وهى شدة الفقر والحاجة الى الشيء لَئِنْ أَنْجانا حال من فاعل تدعون ايضا على ارادة القول اى تدعونه قائلين والله لئن خلصنا مِنْ هذِهِ الظلمات والشدائد لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ اى الراسخين فى الشكر المداومين عليه لاجل هذه النعمة. والشكر الاعتراف بالنعمة مع القيام بحقها وحق نعمة الله ان يطاع منعمها ولا يعصى فضلا عن ان يشرك به ما لا يقدر على شىء أصلا قُلِ لهم اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ اى غم سواها والكرب غاية الغم الذي يأخذ بالنفس ثُمَّ أَنْتُمْ بعد ما تشاهدون من هذه النعم الجليلة تُشْرِكُونَ بعبادته تعالى غيره. والمناسب لقولهم لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ان يقال ثم أنتم لا تشكرون اى لا تعبدون لكن وضع تشركون موضعه تنبيها على ان الإشراك بمنزلة ترك الشكر رأسا قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً لاجل اشراككم مِنْ فَوْقِكُمْ اى عذابا كائنا من جهة الفوق كما فعل بقوم نوح عليه السلام بحيث اهلكهم بان أرسل عليهم الطوفان والصاعقة والريح والصيحة وأهلك قوم لوط واصحاب الفيل بان أمطر عليهم حجارة أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ اى من جهة السفل كما أغرق فرعون وخسف بقارون. وقيل من فوقكم ملوككم وأكابركم ورؤسائكم ومن تحت أرجلكم عبيدكم السوء وسفلتكم وسفهائكم وكلمة او لمنع الخلو دون الجمع فلا منع لما كان من الجهتين معا كما فعل بقوم نوح أَوْ يَلْبِسَكُمْ من لبست عليه الأمر اى خلطته من باب ضرب واما لبست الثوب فمن باب علم ومصدر الاول اللبس بالفتح والثاني بالضم والمعنى او يخلطكم شِيَعاً منصوب على انه حال من مفعول يلبسكم وهو جمع شيعة كسدرة وسدر. والشيعة كل قوم اجتمعوا على امر اى يخلطكم حال كونكم فرقا متجزئين على أهواء شتى ومذاهب مختلفة كل فرقة مشايعة لامام فينشب بينكم القتال اى يهيج ويظهر فهذا الخلط هو خلط اضطراب لا خلط اتفاق وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ يقاتل بعضكم بعضا ومن سنة الله تعالى ان يذيق الكافرين بأس المؤمنين وبالعكس وان يذيق بعض الكافرين بأس بعض وبعض المؤمنين بأس بعضهم كما هو فى اكثر الأزمان والاعصار على حسب التربية المبنية على جماله وجلاله تعالى وفى الحديث (سألت ربى ثلاثا فاعطانى اثنتين ومنعنى واحدة سألت ربى ان لا يهلك أمتي بالسنة فاعطانيها فسألته ان لا يهلك أمتي بالغرق فاعطانيها وسألته ان لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها) أراد بالسنة قحطا يعم أمته وبالغرق بفتح الراء ما يكون على سبيل العموم كطوفان نوح عليه السلام قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى البر وسوى تأثير طوفان نوح عليه السلام يظهر فى كل ثلاثين سنة مرة واحدة لكن على الخفة فيقع مطر(3/47)
وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)
كثير ويغرق بعض القرى والبيوت من السيل اه كلامه وأراد عليه السلام بالبأس الحرب والفتن وفى الحديث (فناء أمتي بالطعن والطاعون) وفى آخر (إذا وضع السيف فى أمتي لم يرفع منها الى يوم القيامة) وفيه معجزة للنبى عليه السلام حيث كان الأمر كما أخبره. والبأس الشدة فى الحرب وسبب دخول البأس عدم حكم الائمة بكتاب الله تعالى وسبب تسلط العدو نقض عهد الله وعهد رسوله كما جاء فى بعض الأحاديث انْظُرْ يا محمد كَيْفَ نُصَرِّفُ لهم الْآياتِ القرآنية من حال الى حال بالوعد والوعيد اى نبين لهم آية على اثر آية ونوردها على وجوه مختلفة من أول السورة الى هنا لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ كى يفقهوا ويقفوا على جلية الأمر فيرجعوا عما هم عليه من المكابرة والعناد وَكَذَّبَ بِهِ اى بالعذاب الموعود او القرآن المجيد الناطق بمجيئه قَوْمُكَ اى المعاندون منهم وَهُوَ الْحَقُّ اى والحال ان ذلك العذاب واقع لا محالة او انه الكتاب الصادق فى كل ما نطق قُلْ لهم لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ بحفيظ وكل الى أمركم لا منعكم من التكذيب وأجبركم على التصديق انما انا منذر وقد حرجت من العهدة حيث أخبرتكم بما سترونه لِكُلِّ نَبَإٍ اى خبر من اخبار القرآن مُسْتَقَرٌّ اسم زمان اى وقت يقع فيه ويستقر زمن عذابكم وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عند وقوعه فى الدنيا او فى الآخرة او فيهما معا فعلى العاقل ان يتضرع الى الله تعالى فى دفع الشدائد ولا يصر على ذنبه فانه سبب للابتلاء وكل ظلمة انما تجيء من ظلمات النفس الامارة: كما قال فى المثنوى
هر چهـ بر تو آيد از ظلمات غم ... آن ز بي شرمى وكستاخيست هم
قال الصائب:
چرا ز غير شكايت كنم كه همچوحباب ... هميشه خانه خراب هواى خويشتنم
والاشارة ان البر هو الأجسام والبحر هو الأرواح فالارواح وان كانت نورانية بالنسبة الى الأجسام لكن بالنسبة الى الحق ونور ألوهيته ظلمانية كما قال عليه السلام (ان الله خلق الخلق فى ظلمة ثم رش عليهم من نوره) فمعناه إذا خلقتكم فى ظلمة الخليقة فمن ينجيكم من ظلمات بر البشرية وظلمات بحر الروحانية إذ تدعونه تضرعا اى بالجسم وخفية اى بالروح لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ حين تجلى لكم نور من أنوار صفاته فبعضكم يشرك ويقول انا الحق وبعضكم يقول سبحانى ما أعظم شأنى قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ حين تقولون انا الحق وسبحان عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ بان يرخى حجابا بينه وبينكم يعذبكم به عزة وغيرة أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ اى حجابا من أوصاف بشريتكم باستيلاء الهوى عليكم أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً يجعل الخلق فيكم فرقا فرقة. يقولون هم الصديقون وفرقة يقولون هم الزنادقة وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ بالقتل والصلب وقطع الاعراق كما فعل بابن منصور قالوا وكان قد جرى من الحلاج قدس سره كلام فى مجلس جامد بن عباس وزير المقتدر بحضرة القاضي ابى عمر فافتى بحل دمه وكتب خطه بذلك وكتب معه من حضر المجلس من الفقهاء وقال له الحلاج ظهرى حمى ودمى حرام وما يحل لكم ان تتأولوا علىّ(3/48)
وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)
بما يبيحه وانما اعتقادي الإسلام ومذهبى السنة وتفضيل الائمة الاربعة الخلفاء الراشدين وبقية العشرة من الصحابة رضى الله عنهم ولى كتب فى السنة موجودة فى الوراقين فالله الله فى دمى ولم يزل يردد هذا القول وهم يكتبون خطوطهم الى ان استكملوا ما احتاجوا اليه وانفضوا من المجلس وحمل الحلاج الى السجن وكتب الوزير الى المقتدر يخبره بما جرى فى المجلس فعاد جواب المقتدر بان القضاة إذا كانوا قد أفتوا بقتله فليسلم الى صاحب الشرطة وليتقدم بضربه الف سوط فان مات والا فيضرب الف سوط آخر ثم ليضرب عنقه فسلمه الوزير الى الشرطي وقال له ما رسم به المقتدر وقال ايضا ان لم يتلف بالضرب يقطع يده ثم رجله ثم يحز رأسه وتحرق جثته وان خدعك وقال لك انا اجرى لك الفرات ودجلة ذهبا وفضة فلا تقبل منه ذلك ولا ترفع العقوبة عنه فتسلمه الشرطي ليلا وأصبح يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذى الحجة من سنة تسع وثلاثمائة فاخرجه الى باب الطاق وهو يتبختر فى قيوده واجتمع من العامة خلق لا يحصى عددهم وضربه الجلاد الف سوط ولم يتأوه ولما فرغ من ضربه قطع أطرافه الاربعة ثم حز رأسه ثم أحرقت جثته ولما صار رمادا ألقاه فى دجلة ونصب الرأس ببغداد على الجسر وادعى بعض أصحابه انه لم يقتل ولكن القى شبهه على عدو من اعداء الله تعالى كما وقع فى حق عيسى عليه السلام والأولياء ورثة للانبياء يقول الفقير لهذا التشبيه والتخييل نظائر فى حكايات المشايخ يجدها من تتبع ومرادى بيان جوازه لا اعتقاد انه كان كذلك فان قلت من حق ولاية الحلاج ان لا يحترق ولا يكون رمادا قلت ذلك غير لازم فان الأجساد مشتركة فى قبول العوارض والآفات ألا ترى الى حال أيوب ويحيى وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام وقد ذكر اهل التفسير فى اصحاب الرس انهم قتلوا الأنبياء المبعوثين إليهم وأكلوا لحومهم تمردا وعنادا ورسوا بئرهم بعظامهم نعم قد يكون فى هذه النشأة امور خارجة عن العادة خارقة كاحوال بعض الأنبياء والأولياء الذين قتلوا مثلا ثم أحياهم الله تعالى واما فى القبر فقد ثبت ان الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء ومن يليهم وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا إذا منصوب بجوابه وهو فاعرض والمراد بالخطاب النبي عليه السلام وأمته. والخوض فى اللغة الشروع فى الشيء مطلقا الا انه غلب فى الشروع فى الشيء الباطل والآيات القرآن. والمعنى إذا رأيت الذين يشرعون فى القرآن بالتكذيب والاستهزاء به والطعن فيه كما هو دأب كفار قريش فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ بترك محالستهم والقيام عنهم عند خوضهم فى الآيات حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ اى استمر على الاعراض الى ان يشرعوا فى حديث غير آياتنا فالضمير الى الآيات والتذكير باعتبار كونها حديثا او قرآنا وَإِمَّا أصله ان ما فادغمت نون ان الشرطية فى ما المزيدة يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ اى ما أمرت به من ترك مجالستهم فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى اى بعد ان تذكره فهو مصدر بمعنى الذكر ولم يجىء مصدر على فعلى غير ذكرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ الذين وضعوا التكذيب والاستهزاء موضع التصديق والتعظيم وهذا الانساء محض احتمال يدل عليه كلمة ان الشرطية فلا يلزم وقوعه مع ان العلماء قد اتفقوا على جواز السهو والنسيان على الأنبياء عليهم السلام والمراد بالشيطان إبليس او واحد من أكابر جنوده لان الذي(3/49)
وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)
هو قرينه عليه السلام اسلم فلا يأمره إلا بخير بخلاف قرين كل واحد من الامة وفى الحديث (فضلت على آدم بخصلتين كان شيطانى كافرا فاعاننى الله عليه فاسلم وكان أزواجي عونا لى وكان شيطان آدم وزوجته عونا على خطيئته) ولما قال المسلمون لئن كنا نقوم كلما استهزؤا بالقرآن لم نستطع ان نجلس فى المسجد الحرام ونطوف بالبيت لانهم يخوضون ابدا رخص الله تعالى فى مجالستهم على سبيل الوعظ والتذكير فقال وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ الضمير فى حسابهم للخائضين ومن زائدة وشىء فى محل الرفع على انه مبتدأ للخبر المقدم وهو على الذين اى وما على المؤمنين الذين يجتنبون عن قبائح اعمال الخائضين وأقوالهم شىء مما يحاسبون عليه من الجرائم والآثام وَلكِنْ ذِكْرى اى ولكن عليهم ان يذكروهم ذكرى ويمنعوهم عن الخوض وغيره من القبائح بما أمكن من العظة والتذكير ويظهروا لهم الكراهة والنكير فنصب ذكرى على المصدرية والواو للعطف. ولكن خالص للاستدراك فلا يلزم الجمع بين حرفى العطف كما ان اللام مع سوف تخرج عن كونها للحال وتخلص للتأكيد لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ اى يجتنبون الخوض حياء وكراهة لمساءتهم وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً المراد بالموصول الكفار الخائضون فى الآيات ودينهم هو الذي كلفوه وأمروا باقامة مواجبه وهو دين الإسلام ومعنى اتخاذه لعبا ولهوا انهم سخروا به واستهزؤا. واللعب عمل يشغل النفس وينفرها عما تنتفع به. واللهو صرفها عن الجد الى الهزل وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا واطمأنوا بها حتى زعموا ان لاحياة بعدها ابدا والمعنى اعرض عنهم واترك معاشرتهم وملاطفتهم ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم ولا تشغل قلبك بهم وليس المراد ان يترك إنذارهم لانه تعالى قال وَذَكِّرْ بِهِ اى بالقرآن من يصلح للتذكر أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ اى لئلا تسلم الى الهلاك وترهن بِما كَسَبَتْ بسبب ما عملت من القبائح. واصل البسل والابسال المنع ولذا صح استعمال الابسال فى معنى الإسلام الى الهلاك لان الإسلام الى الهلاك يستلزم المنع فانه إذا اسلم أحد الى الهلاك كان المسلم اليه وهو الهلاك يمنع المسلم وهو الشخص من الخروج عنه والخلاص منه وفى التفسير الفارسي للكاشفى [تا تسليم كرده نشود بهلاك يا رسوا نكرده نفس هر كافرى بسبب آنچهـ كرده است از بديها] لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ استئناف مسوق للاخبار بذلك والأظهر انه حال من نفس كأنه فى قوة نفس كافرة او نفوس كثيرة كما فى قوله تعالى عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ ومن دون الله حال من ولى اى ليس لتلك النفس غيره تعالى من يدفع عنها العذاب وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ اى تفد تلك النفس كل فداء بان جاءت مكانها بكل ما كان فى الأرض جميعا لا يُؤْخَذْ مِنْها اى لا يقبل فقوله كل عدل نصب على المصدر فالعدل هاهنا ليس بمعنى ما يفتدى به كما فى قوله تعالى لا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ بل المراد المعنى المصدري فان قلت الاخذ يتعلق بالأعيان لا بالمعنى قلت نعم الا ان الامام قال الاخذ قد يستعمل بمعنى القبول كما فى قوله تعالى وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ اى يقبلها وإذا حمل الاخذ فى هذه الآية على القبول جاز اسناده الى المصدر بلا محذور والمقصود من هذه الآية بيان ان وجوه الخلاص منسدة على تلك النفس ومن أيقن بهذا كيف لا ترتعد فرائصه(3/50)
إذا اقدم على المعصية أُولئِكَ المتخذون دينهم لعبا ولهوا المغترون بالحياة الدنيا الَّذِينَ أُبْسِلُوا اى اسلموا الى العذاب بِما كَسَبُوا بسبب أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائغة وفى التفسير الفارسي [آن كروه آن كسانند كه سپرده شده اند بملائكه عذاب بسبب آنچهـ كرده اند از قبائح افعال] قال ابو السعود أولئك الذين اسلموا الى ما كسبوا من القبائح انتهى وهو جعل معنى الباء كما فى قوله مررت بزيد لَهُمْ شَرابٌ كأنه قيل ماذا لهم حين ابسلوا بما كسبوا فقيل لهم شراب مِنْ حَمِيمٍ اى من ماء مغلى يتجرجر فى بطونهم وتتقطع به امعاؤهم وَعَذابٌ أَلِيمٌ بنار تشتعل بأبدانهم بِما كانُوا يَكْفُرُونَ اى بسبب كفرهم المستمر فى الدنيا واعلم ان التكذيب بايات الله تعالى والاستهزاء بها هو الكفر وعاقبة الكفر هو العذاب الأليم وكذا الإصرار على المعاصي يجر كثيرا من عصاة المؤمنين الى الموت على الكفر والعياذ بالله وعن ابى اسحق الفزاري
قال كان رجل يكثر الجلوس إلينا ونصف وجهه مغطى فقلت له انك تكثر الجلوس إلينا ونصف وجهك مغطى اطلعنى على هذا فقال وتعطينى الامان قلت نعم قال كنت نباشا فدفنت امرأة فاتيت قبرها فنبشت حتى وصلت الى اللبن ثم ضربت بيدي الى الرداء ثم ضربت بيدي الى اللفافة فمددتها فجعلت تمدها هى فقلت أتراها تغلبنى فجيت على ركبتى فجررت اللفافة فرفعت يدها فلطمتنى وكشف وجهه فاذا اثر خمس أصابع فقلت له ثم مه قال ثم رددت عليها لفافتها وإزارها ثم رددت التراب وجعلت على نفسى ان لا انبش ما عشت قال فكتبت بذلك الى الأوزاعي فكتب الى الأوزاعي ويحك سله عمن مات من اهل السنة ووجهه الى القبلة فسألته عن ذلك فقال أكثرهم حول وجهه عن القبلة فكتبت بذلك الى الأوزاعي فكتب الىّ انا لله وانا اليه راجعون ثلاث مرات اما من حول وجهه عن القبلة فانه مات على غير السنة وأراد بالسنة ملة الإسلام نسأل الله تعالى العفو والمغفرة والرضوان: قال الحافظ قدس سره
يا رب از ابر هدايت برسان بارانى ... پيشتر ز انكه چوكردى ز ميان بر خيزم
وفى الآيات اشارة الى انه لا يصلح للطالب الصادق المجالسة مع الذين يخوضون فى احوال الرجال ولا حظ لهم منها سوى التزيي بزيهم واللبس لخرقتهم لان الطبع من الطبع يسرق
نفس از هم نفس بگيرد خوى ... بر حذر باش از لقاى خبيث
باد چون بر فضاى بد كذر ... بوى بد كيرد از هواى خبيث
فلا بد من الصحبة مع الأخيار والاتعاظ بكلمات الكبار وعن عبد الله بن الأحنف قال خرجت من مصر أريد الرملة لزيادة الرود بادى قدس سره فرآنى عيسى بن يونس المصري فقال لى هل ادلك قلت نعم قال عليك بصور فان فيها شيخا وشابا قد اجتمعا على حال المراقبة فلو نظرت إليهما نظرة لاغنتك باقى عمرك قال فدخلت عليهما وانا جائع عطشان وليس على ما يسترنى من الشمس فوجدتهما مستقبلين القبلة فسلمت عليهما وكلمتهما فلم يكلمانى فقلت أقسمت عليكما بالله ألا ما كلمتمانى فرفع الشيخ رأسه وقال يا ابن الأحنف ما اقل شغلك حتى تفرغت إلينا ثم اطرق فاقمت بين يديهما حتى صلينا الظهر والعصر فذهب عنى الجوع والعطش فقلت(3/51)
قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)
للشاب عظنى بشىء انتفع به فقال نحن اهل المصائب ليس لنا لسان العظة فاقمت عندهما ثلاثة ايام بلياليها لم نأكل فيها شيأ ولم نشرب فلما كان عشية اليوم الثالث قلت فى قلبى لا بد من سؤالهما فى وصية انتفع بها باقى عمرى فرفع الشاب رأسه الىّ وقال عليك بصحبة من يذكرك الله بنظره ويعظك بلسان فعله لا بلسان قوله ثم التفت فلم أرهما وانشد لسان الحال
شدوا المطايا قبيل الصبح وارتحلوا ... وخلفونى على الاطلال ابكيها
ثم ان النصيحة سهلة والمشكل قبولها ومن أراد الله تعالى هدايته وسبقت منه له عناية يجذبه لا محالة الى باب ناصح له فى ظاهره وباطنه فبهتدى بنور العظة والتذكير الى مسالك الوصول الى الله الخبير فيترقى من حضيض هوى النفس التي تلعب كالصبيان الى اوج هدى الروح الذي له وقار واطمئنان وعلو شأن فهذه الآيات الكريمة تنادى على داء النفس ودوائها ومن الله الاعانة فى إصلاحها قُلْ أَنَدْعُوا أنعبد والاستفهام للانكار مِنْ دُونِ اللَّهِ اى متجاوزين عبادة الله تعالى ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا اى ما لا يقدر على نفعنا إذا عبدناه ولا على ضرنا إذا تركناه وهو الأصنام والقادر على النفع والضر هو الله تعالى وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا جمع عقب بالفتح وكسر القاف موخر القدم اى نرجع من الإسلام الى الشرك بإضلال المضل بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ الى الإسلام وأنقذنا من الشرك كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ حال من فاعل نرد اى أنرد على أعقابنا مشبهين بالذي ذهبت به مردة الجن الى المهامة وأضلته فِي الْأَرْضِ متعلق باستهوته حَيْرانَ حال من هاء استهوته وهو صفة مشبهة مؤنثه حيرى والفعل منه حاريحار حيرة اى متحيرا ضالا عن الطريق لَهُ أَصْحابٌ الجملة صفة حيران اى لهذا المستوي رفقة يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى اى يهدونه الى الطريق المستقيم وسماه هدى تسمية للمفعول بالمصدر مبالغة كأنه نفس الهدى ائْتِنا على ارادة القول على انه بدل من يدعونه اى يقولون له ائتنا شبه الله تعالى من أشرك وعبد غير الله مع قيام البرهان الفاصل بين الحق والباطل بشخص موصوف بثلاثة أوصاف الاول استهوته مردة الجن والغيلان فى المهامة والمفاوز والثاني كونه حيران تائها ضالا عن الجادة لا يدرى كيف يصنع والثالث ان يكون له اصحاب يدعونه قائلين له ائتنا فقد اعتسفت المهامة وضللت عن الجادة وهو لا يجيبهم ولا يترك متابعة الجن والشياطين. والجن أجسام لطيفة تتشكل باشكال مختلفة وتقدر على ان تنفذ فى بواطن الحيوان نفوذ الهواء فى خلال الأجسام المتخلخلة قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ الذي هدانا اليه وهو الإسلام هُوَ الْهُدى وحده وما عداه ضلال محض وغى بحت وَقل ايضا أُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ اى بان نسلم فاللام بمعنى الباء والعرب تقول امرتك لتفعل وان تفعل وبان تفعل وَأَنْ اى بان أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ تعالى فالاسلام رئيس الطاعات الروحانية والصلاة رئيس الطاعات الحسمانية والتقوى رئيس ما هو من قبيل التروك والاحتراز عن كل ما لا ينبغى وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ يجمعون يوم القيامة للحساب وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ اى العلويات والسفليات وما فيهما بِالْحَقِّ حال من فاعل خلق اى قائما بالحق والحكمة وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ يوم ظرف(3/52)
لمضمون جملة قوله الحق والواو بحسب المعنى داخل عليها والمعنى وامره المتعلق بكل شىء يريد خلقه من الأشياء فى حين تعلقه به لا قبله ولا بعده من افراد الأحيان الحق اى المشهود له بالحقية المعروف بها وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ لا ملك فيه لغيره ولو مجازا كما فى الدنيا عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ اى هو عالم ما غاب وما شوهد وَهُوَ الْحَكِيمُ فى كل ما يفعله الْخَبِيرُ بجميع الأمور الجلية والخفية وفى الحديث (لما فرغ الله من خلق السموات والأرض خلق الصور فاعطاه اسرافيل فهو واضعه على فيه شاخص ببصره الى العرش متى يؤمر) قال ابو هريرة رضى الله عنه قلت يا رسول الله ما الصور قال (القرن) قلت كيف هو قال (عظيم والذي نفسى بيده ان عظم دائرة فيه كعرض السماء والأرض) ويقال ان فيه من الثقب على عدد أرواح الخلائق قالوا ان النفخة ثلاث. أولاها نفخة الفزع فانهم إذا سمعوا النفخة يعلمون انهم يموتون يقينا ولم يبق من ايام
الدنيا شىء فيأخذهم الفزع لاجل العرض والحساب والعذاب. والنفخة الثانية الصعق وهو موت الخلائق أجمعين حتى لا يبقى الا الله تعالى كل شىء هالك الا وجهه. والنفخة الثالثة نفخة البعث من القبور ومن النفخة الى النفخة أربعون عاما فعند موت جميع الخلائق تجعل أرواحهم فى الصور وليس من الإنسان شىء الا يبلى الا عظما واحدا لا تأكله الأرض ابدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة ويجمع الله ما تفرق من أجساد الناس من بطون السباع وحيوانات الماء وبطن الأرض وما أصاب النيران منها بالحرق والمياه بالغرق وما أبلته الشمس وذرته الرياح وذلك بعد ما انزل ماء من تحت العرش يقال له الحيوان فتمطر السماء أربعين سنة حتى يكون من الفوق اثنى عشر ذراعا ثم يأمر الله الأجساد فتنبت كنبات البقل فاذا جمعها وأكمل كل بدن منها ولم يبق الا الأرواح يحيى حملة العرش ثم يحيى جبرائيل وميكائيل واسرافيل فينفخ فى الصور فتخرج الأرواح من ثقب الصور كامثال النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض فيقول الله تعالى ليرجعن كل روح الى جسده فتدخل الأرواح فى الأرض الى الأجساد ثم تدخل فى الخياشيم فتمشى فى الأجساد مشى السم فى اللديغ ثم تنشق الأرض فاول من يخرج منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الامة شبابا كلهم أبناء ثلاث وثلاثين واللسان يومئذ بالسريانية سراعا الى ربهم هذا فى المؤمنين المخلصين. واما الكافرون فيقولون هذا يوم عسير فيوقفون خفاة عراة مقدار سبعين عاما لا ينظر الله إليهم فتبكى الخلائق حتى تنقطع الدموع ثم تدمع دما حتى يبلغ منهم الأذقان ويلجمهم ثم يفعل الله فيهم ما يشاء فعليك بالإسلام الحقيقي والتسليم حتى تنجو وهو ترك الوجود كالكرة فى ميدان القدر مستسلما لصولجان القضاء لمجارى احكام رب العالمين وهو انما يحصل بمحض فضل الله تعالى لكن الأنبياء والأولياء وسائط: كما أشار اليه صاحب المثنوى فقال
سازد اسرافيل روزى ناله را ... جان دهد پوسيده صد ساله را
أوليا را در درون هم نغمهاست ... طالبانرا زان حياة بي بهاست
نشنود آن نغمها را كوش حس ... كز ستمها كوش حس باشد نجس(3/53)
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74)
هين كه اسرافيل وقتند أوليا ... مرده را زيشان حياتست ونما
نغمهاى اندرون أوليا ... اولا كويد كه اى اجزاى لا
هين زلاى نفى سرها بر زنيد ... اين خيال ووهم يكسو افكنيد
اى همه پوسيده در كون وفساد ... جان باقيان نروئيد ونزاد
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ اعلم ان ابراهيم عليه السلام لما سلم قلبه للعرفان ولسانه لاقامة البرهان على فساد طريق اهل الشرك والطغيان وسلم بدنه للنيران وولده للقربان وماله للضيفان ثم انه سأل ربه وقال وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ وجب فى كرم الله تعالى انه يجيب دعاءه ويحقق مطلوبه فاجاب دعاءه وجعل جميع الطوائف واهل الأديان والملل معترفين بفضله حتى ان المشركين ايضا يعظمونه ويفتخرون بكونهم من أولاده ولما كانوا معترفين بفضله لا جرم جعل الله تعالى مناظرته مع قومه حجة على مشركى العرب اى واذكر يا محمد لاهل مكة وقت قول ابراهيم لابيه آزر اى موبخاله على عبادة الأصنام فان ذلك مما يبكتهم وآزر عطف بيان لابيه وهو تارح بفتح الراء وسكون الحاء المهملة علمان لاب ابراهيم كاسرائيل ويعقوب او آزر لقبه وتارح اسم له وكان من قرية من سواد الكوفة يقال لها كوثى أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً اى أتجعلها لنفسك آلهة على توجيه الإنكار الى اتخاذ الجنس من غير اعتبار الجمعية وانما أريد صيغة الجمع باعتبار الوقوع إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ الذين يتبعونك فى عبادتها فِي ضَلالٍ عن الحق مُبِينٍ اى بين كونه ضلالا لا اشتباه فيه. والرؤية اما علمية فالظرف مفعولها الثاني واما بصرية فهو حال من المفعول والجملة تعليل للانكار والتوبيخ ثم اعلم ان عبادة الأصنام كفر فدلت الآية على ان آزر كان كافرا وذلك لا يقدح فى شأن نسب نبينا صلى الله عليه وسلم واما قوله عليه السلام (لم ازل انقل من أصلاب الطاهرين الى أرحام الطاهرات) فذلك محمول على انه ما وقع فى نسبه من ولد من الزنى ونكاح اهل الجاهلية صحيح كما يدل عليه قوله عليه السلام (ولدت من نكاح لا من سفاح) اى زنى وقوله (لما خلق الله تعالى آدم اهبطنى فى صلبه الى الأرض وجعلنى فى صلب نوح فى السفينة وقذفنى فى صلب ابراهيم ثم لم يزل تعالى ينقلنى من الأصلاب الكريمة والأرحام حتى أخرجني بين أبوي لم يلتقيا على سفاح قط) - وروى- ان حواء لما وضعت شيتا انتقل النور المحمدي من جبهتها الى جبهته ولما كبر وبلغ مبلغ الرجال أخذ آدم عليه العهود والمواثيق ان لا يودع هذا السر الا فى المطهرات المحصنات من النساء ليصل الى المطهرين من الرجال فانتقل ذلك النور الى يانش ويقال انوش ثم الى قنان ثم الى مهلائيل ثم الى يرد ثم الى خنوخ على وزن ثمود وهو إدريس عليه السلام ويقال أخنوخ ثم الى متوشلح ثم الى لملك ثم الى نوح عليه السلام ثم الى سام ابو العرب ثم الى ارفخشذ ثم الى شالخ ثم الى عابر على وزن ناصر ويقال عيبر على وزن جعفر ثم الى فالخ ويقال فالغ ثم الى ارغو ويقال راغو ثم الى شاروخ ثم الى ناخود ثم الى تارح وهو آزر ثم الى ابراهيم عليه السلام ثم الى اسمعيل عليه السلام وفيه لغة اخرى وهى اسمعين(3/54)
وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)
بالنون على ما حكاه النوى ثم الى قندار ثم الى حمل ثم الى النبت ثم الى سلامان ثم الى يشجب على وزن ينصر ثم الى يعرب على وزن ينصر ايضا ثم الى الهميسع ثم الى اليسع ثم الى أدد ثم الى أدو الى هنا اختلف فى اسماء اهل النسب بخلاف ما بعده ثم الى عدنان ثم الى معد ثم الى نزار ثم الى مضر ثم الى الياس بفتح الهمزة فى الابتداء والوصل وقيل بكسر الهمزة ضد الرجاء ثم الى مدركة ثم الى خزيمة ثم الى كنانة ثم الى النضر ثم الى مالك ثم الى فهر ثم الى غالب ثم الى لوى ثم الى كعب ويجتمع عمر رضى الله عنه مع النبي عليه السلام فى النسب فى كعب ثم الى مرة ويجتمع ابو بكر مع النبي عليه السلام فى النسب فى مرة ثم الى كلاب ثم الى قصى ثم الى عبد مناف ثم الى هاشم ثم الى عبد المطلب ثم الى عبد الله اب السر المصون والدر المكنون محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم يرض بعض اهل العلم بما اشتهر بين الناس من عبادة قريش صنما استدلالا بقوله تعالى حكاية عن ابراهيم عليه السلام وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ فى سورة ابراهيم وقوله تعالى فى حق ابراهيم وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ فى حم الزخرف والجواب ان الآية الاولى تدل بظاهرها على الأبناء الصلبية ولو سلم دلالتها على الأحفاد ايضا كما تدل على كل ولد من ذريته. ومعنى الآية الثانية وجعل الله كلمة التوحيد كلمة باقية فى نسله وذريته على انه لا تخلو سلسلة نسبه عن اهل التوحيد والايمان فلا تدل على ايمان كل أعقابه وأحفاده وهو اللائح بالبال والله اعلم بحقيقة الحال والاشارة فى الآية ان الله تعالى اظهر قدرته فى إخراج الحي من الميت بقوله وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً دون الله إذ الأصل منهمك فى الجحود لموت قلبه والنسل مضمحل فى الشهود لحياة قلبه والأصنام ما يعبد من دون الله إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ بما أراني الله ملكوت الأشياء كما فى التأويلات النجمية ومن بلاغات الزمخشري كم يحدث بين الخبيثين ابن لا يؤبن والفرث والدم يخرج من بينهما اللبن: قال السعدي
چوكنعانرا طبيعت بي هنر بود ... پيمبر زادگى قدرش نيفزود
هنر بنماى اگر دارى نه كوهر ... كل از خارست وابراهيم از آزر
وقال [خاكستر اگر چهـ نسب عالى دار كه آتش جوهر علويست وليكن بنفس خود چون هنرى ندارد با خاك برابر است قيمت شكر نه از نى است كه آن خاصيت وى است] فظهر ان الله تعالى من شأنه القديم إخراج الحي من الميت ولا يختص به نسب وكذا امر العكس ومن الله التوفيق وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ ذلك اشارة الى الاراءة التي تضمنها قوله نرى لا الى اراءة اخرى يشبه بها هذه الاراءة كما يقال ضربته كذلك اى هذا الضرب المخصوص والكاف مقحمة لتأكيد ما أفاده اسم الاشارة من الفخامة. والمعنى كذلك التبصير نبصره عليه السلام مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى ربوبيته تعالى ومالكيته لهما وسلطانه القاهر عليهما وكونهما بما فيهما مربوبا ومملوكا له تعالى لا تبصيرا آخر ادنى منه والملكوت مصدر على زنة المبالغة كالرهبوت والجبروت ومعناه الملك العظيم والسلطان القاهر والأظهر مختص بملك الله عز سلطانه وهذه الاراءة من الرؤية البصرية المستعارة للمعرفة ونظر البصيرة اى عرفناه(3/55)
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)
وبصرناه وصيغة الاستقبال حكاية للحال الماضية لاستحضار صورتها فان قيل رؤية البصيرة حاصلة لجميع الموحدين كرؤية البصر ومقام الامتنان يأبى ذلك والجواب انهم وان كانوا يعرفون اصل دليل الربوبية الا ان الاطلاع على آثار حكمة الله تعالى فى كل واحد من مخلوقات هذا العالم بحسب أجناسها وأنواعها واشخاصها وأحوالها مما لا يحصل الا لاكابر الأنبياء ولهذا كان عليه السلام يقول فى دعائه (أرنا الأشياء كما هى) قال فى التأويلات النجمية اعلم ان لكل شىء من العالم ظاهرا. يعبر عنه تارة بالجسماني لما له من الابعاد الثلاثة من الطول والعرض والعمق ولتحيزه وقبول القسمة والتجزى. وتارة بالدنيا لدنوها الى الحس. وتارة بالصورة لقبول التشكل ولادراكه بالحس. وتارة بالشهادة لشهوده فى الحس. وتارة بالملك لتملكه والتصرف فيه بالحس. وباطنا يعبر عنه تارة بالروحانى لخلوه عن الابعاد الثلاثة وعن التحيز والتجزى فى الحس. وتارة بالآخرة لتأخره عن الحس. وتارة بالمعنى لتعريه عن التشكل وبعده عن الحس. وتارة بالغيب لغيبوبته عن الحس. وتارة بالملكوت لملاك عالم الملك والصورة به فان قيام الملك بالملكوت وقيام الملكوت بقدرة الحق كما قال الله تعالى فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ اى من طريق الملكوت والملكوت من الاوليات التي خلقها الله تعالى من لا شىء بامركن إذ كان الله ولم يكن معه شىء يدل عليه قوله أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فنبه على ان الملكوت لم يخلق من شىء وما سواه خلق من شىء وقد سمى الله تعالى ما خلق بالأمر امرا وما خلق من الشيء خلقا فقال أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ فالله تعالى ارى ابراهيم ملكوت الأشياء والآيات المودعة فيها الدالة على التوحيد انتهى وقد اطلق العلماء الملك على ما يدرك بالبصر والملكوت على ما يدرك بالبصيرة فالملكوت لا ينكشف لارباب العقول بل لاصحاب القلوب فان العقل لا يعطى الا الإدراك الناقص بخلاف الكشف وتلك المكاشفة لا تحصل الا لاهل المجاهدة فانها ثمرة المجاهدة وهى مما يعز منا له جدا اللهم اجعلنا من اهل العيان دون السامعين للاثر وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ اللام متعلقة بمحذوف مؤخر والجملة اعتراض مقرر لما قبلها اى ليكون من زمرة الراسخين فى الإيقان البالغين درجة عين اليقين من معرفة الله تعالى فعلنا ما فعلنا من التبصير البديع المذكور لا لامر آخر فان الوصول الى تلك الغاية القاصية كمال مترتب على ذلك التبصير لا عينه وليس القصر لبيان انحصار فائدته فى ذلك كيف لا وارشاد الخلق والزام المشركين من فوائده بل لبيان انه الأصل الأصيل والباقي من مستتبعاته فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ اى ستره بظلامه رَأى كَوْكَباً جواب لما فان رؤيته انما تحقق بزوال نور الشمس عن الحس وهذا صريح فى انه لم يكن فى ابتداء الطلوع بل كان غيبته عن الحس بطريق الاضمحلال بنور الشمس والتحقيق انه كان قريبا من الغروب قيل كان ذلك هو الزهرة وقيل هو المشترى وكلاهما من الكواكب السبعة السيارة قالَ كأنه قيل فماذا صنع عليه السلام حين رأى الكوكب فقيل قال على سبيل الموافقة مع الخصم هذا رَبِّي وكان أبوه وقومه يعبدون الأصنام والكواكب واستدل على فساد قول يحكيه على رأى خصمه ثم يكر عليه بالابطال فَلَمَّا أَفَلَ اى غرب(3/56)
فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80)
قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ اى الأرباب المنتقلين من مكان الى مكان المتغيرين من حال الى حال المحتجبين بالأستار فانهم بمعزل عن استحقاق الربوبية قطعا فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً اى مبتدئا فى الطلوع اثر غروب الكوكب قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ كما أفل النجم قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي الى جنابه لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ تعريض لقومه بانهم على ضلال ولعله عليه السلام كان إذ ذاك فى موضع كان من جانبه الغربي جبل شامخ يستتر به الكواكب والقمر وقت الظهر من النهار او بعده بقليل وكان الكواكب قريبا منه وافقه الشرقي مكشوف والا فطلوع القمر بعد أفول الكوكب ثم أفوله قبل طلوع الشمس مما لا يكاد يتصور فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً اى مبتدئة فى الطلوع قالَ هذا الجرم المشاهد رَبِّي هذا أَكْبَرُ من الكوكب والقمر وهو تأكيد لما رامه من اظهار النصفة بقوله لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا أَفَلَتْ كما أفل الكوكب والقمر وقويت عليهم الحجة ولم يرجعوا قالَ مخاطبا للكل صادعا بالحق بين أظهرهم يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ بالله تعالى من الأصنام والاجرام المحتاجة الى محدث فقالوا له ما تعبد قال إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ اى أخلصت دينى وعبادتى وجعلت قصدى لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ اى لله الذي خلقهما حَنِيفاً اى مائلا عن الأديان الباطلة كلها الى الدين الحق ميلا لا رجوع فيه وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ به تعالى فى شىء من الافعال والأقوال وهذه حال من كملت صقالة مرآة قلبه عن طبع الطبع وتنزهت عن ظلمة هوى النفس وشهواتها فانه لا يلتفت الى الاجرام والأكوان بل الى اليمين والشمال لان شوق الخلة الى الحضرة نصبه فى محاذاة ذاته المقدسة عن الجهة: قال فى المثنوى
آفتاب از امر حق طباخ ماست ... ابلهى باشد كه كوئيم او خداست
آفتاب كر بگيرد چون كنى ... آن سياهى زو تو چون بيرون كنى
نى بدرگاه خدا آرى صداع ... كه سياهى را ببر داده شعاع
كر كشندت نيم شب خورشيد كو ... تا بنالى يا أمان خواهى ازو
حادثات اغلب بشب واقع شود ... وان زمان معبود تو غائب شود
سوى حق گر راستانه خم شوى ... وارهى از اختران محرم شوى
وَحاجَّهُ قَوْمُهُ اى جادلوه فى دينه وهددوه بالأصنام ان تصيبه بسوء ان تركها قالَ أَتُحاجُّونِّي بنون ثقيلة أصله أتحاجونني بنونين اولاهما نون الرفع والثانية نون الوقاية فاستثقل اجتماعهما فادغم الاولى فى الثانية اى أتجادلونني فِي اللَّهِ اى فى شأنه تعالى ووحدانيته وَقَدْ هَدانِ اى والحال ان الله تعالى هدانى الى الحق وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ اى ما تشركون به تعالى من الأصنام ان يصيبنى بسوء لعدم قدرتها على شىء إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً استثناء متصل والمستثنى منه وقت محذوف والتقدير لا أخاف معبوداتكم فى وقت من الأوقات الا وقت مشيئته تعالى شيأ من إصابة مكروه بي من جهتها وذلك انما يكون من جهته تعالى من غير دخل لآلهتكم فيه أصلا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً كأنه تعليل(3/57)
وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)
للاستثناء اى أحاط بكل شىء علما فلا يبعد ان يكون فى علمه نعالى ان يحيق به مكروه من قبلها بسبب من الأسباب لا بالطعن فيها أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ اى أتعرضون عن التأمل فى ان آلهتكم جمادات غير قادرة على شىء ما من نفع ولا ضر فلا تتذكرون انها غير قادرة على اضرارى وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ بالله من الأصنام وهى لا تضر ولا تنفع والاستفهام انكار الوقوع ونفيه بالكلية وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ حال من ضمير أخاف بتقدير مبتدأ اى وكيف أخاف انا ما ليس فى حيز الخوف أصلا وأنتم لا تخافون غائلة ما هو أعظم المخوفات وأهولها وهو اشراككم بالله الذي ليس كمثله شىء فى الأرض ولا فى السماء ما هو من جملة مخلوقاته وانما عبر عنه بقوله ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ اى باشراكه عَلَيْكُمْ سُلْطاناً اى حجة وبرهانا على طريقة التهكم مع الإيذان بان الأمور الدينية لا يعول فيها الا على الحجة المنزلة من عند الله تعالى فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ أنحن أم أنتم قال المولى ابو السعود المراد بالفريقين الفريق الآمن فى محل الأمن والفريق الآمن فى محل الخوف إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ من أحق به فاخبرونى الَّذِينَ آمَنُوا اى أحد الفريقين الذين آمنوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ اى لم يخلطوه بِظُلْمٍ اى بشرك كما يفعله الفريق المشركون حيث يزعمون انهم يؤمنون بالله تعالى وان عبادتهم للاصنام من تتمات ايمانهم وأحكامه لكونها لاجل التقريب والشفاعة كما قالوا ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى وهذا معنى الخلط أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ فقط من العذاب وَهُمْ مُهْتَدُونَ الى الحق ومن عداهم فى ضلال مبين وَتِلْكَ اشارة الى ما احتج به ابراهيم على قومه من قوله فَلَمَّا جَنَّ الى قوله وَهُمْ مُهْتَدُونَ حُجَّتُنا الحجة عبارة عن الكلام المؤلف للاستدلال على الشيء آتَيْناها إِبْراهِيمَ اى ارشدناه إليها او علمناه إياها وهو حال من حجتنا لا صفة لانها معرفة بالاضافة عَلى قَوْمِهِ متعلق بحجتنا والاشارة ان محجة السلوك الى الله تعالى انما هى تحقق بالآيات التي هى أفعاله وهذه مرقاة لهم وهى الرتبة الاولى ثم شهود صفاته بإراءته لهم وهى الرتبة الثانية ثم التحقق بوجوده وذاته عند التجلي لاسرارهم وهذا مبدأ الوصول ولا غاية له فقوله وتلك اى اراءة الملكوت وشواهد الربوبية فى مرآة الكواكب وصدق التوجه الى الحق والاعراض والتبري مما سواه والخلاص من شرك الانانية والايمان الحقيقي والإيقان بالعيان آتيناها ابراهيم وأريناه بذاتنا من غير واسطة حتى جعلها حجة على قومه نَرْفَعُ الى دَرَجاتٍ اى رتبا عظيمة عالية من العلم والحكمة مَنْ نَشاءُ رفعه كما رفعنا درجات ابراهيم حتى فاق فى زمن صباه شيوخ اهل عصره واهتدى الى ما لم يهتد اليه الا أكابر الأنبياء عليهم السلام
داد حق را قابليت شرط نيست ... بلكه شرط قابليت داد اوست
إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ فى كل ما فعل من رفع وخفض عَلِيمٌ بحال من يرفعه واستعداده له على مراتب متفاوتة ثم ان المقصود من المباحث الجارية بين ابراهيم وبين قومه انما هو الزام القوم وإرشادهم الى طريق النظر والاستدلال وتنبيههم على ضلالهم فى امر دينهم كما هو المختار عند اجلاء المفسرين وعلى هذا المسلك جريت فى تفسير الآيات كما وقفت وقال بعضهم المقصود مما حكى الله(3/58)
عن ابراهيم من الاستدلال على وحدانية الله تعالى وابطال الوهية ما سواه نظره واستدلاله فى نفسه وتحصيل المعرفة لنفسه فيحمل على ان ذلك فى زمان مراهقته وأول أوان بلوغه وان المراد بالملكوت الآيات قال الحدادي وهو الأقرب الى الصحة قال الكاشفى فى تفسيره الفارسي وَكَذلِكَ و چنانكه بدو نموده بوديم كمراهىء قوم او را همچنان نُرِي إِبْراهِيمَ بنموديم ابراهيم را مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عجائب وبدائع آسمانها وزمينها از ذروه عرش تا تحت الثرى بر وى منكشف ساخته تا استدلال كند بدان در قدرت كامله حق تعالى وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ وتا باشد از بي كمانان يا موفق بود در علم استدلال در معالم آورده كه نمرود بن كنعانكه پادشاهى روى زمين تعلق بدو داشت در شهر بابل نشستى شبى در واقعه ديد كه كوكبى إذ أفق آن بلده طلوع نمود كه در شعشه جمال او نور آفتاب وماه نابود كشت از غايت فزع بيدار شد وكاهنان وحكماء مملكت تعبير اين واقعه
برين وجه كردند كه درين سال بولايت بابل مولودى حجسته طالع از خلوتخانه عدم بفضاء صحراى وجود خرامد كه هلاك تو واهل مملكت تو بدو دست او باشد وهنوز اين مولود از مستقر صلب بمستودع رحم نپيوسته نمرود بفرمود تا ميان زنان وشوهران تفريق كردند وبر هـژده يكى بر ايشان مؤكل ساخت وآزر را كه يكى از محرمان ومقربان نمرود بود شبى با زن خود او فى بنت نمر پنهان ز مؤكلان خلوت دست داد وحامله شد وبامدادش را كاهنان با نمرود كفتند امشب آن كودك برحم پيوسته است نمرود خشم كرفته بفرمود تا بر هر حامله يكى مؤكل ساختند تا اگر پسر بزايد بكشند زنانى كه در تفحص احوال حامله بودند چون مادر ابراهيم را اثر حمل ظاهر نبود ازو در كذشتند وديكر كسى بدو التفات نكرد تا وقتى كه وضع حمل نزديك رسيد او فى ترسيد كه اگر پسرى زايد ناكاه خبر بكسان نمرود رسد فى الحال او را بكشند ببهانه از شهر بيرون رفت وغارى در ميان كوه نشان داشت در ان غار ابراهيم را بزاد ودر خرقه پيچيد وهمانجا كذاشته در غار بسنك استوار كرد وآزر را كه از حمل خبر داشت كفت كه از ترس كماشتكان نمرود بصحرا رفتم و پسرى بزادم وفى الحال بمرد در خاكش دفن كردم وباز كشتم آزر باور كرد واوفى روز ديكر با غار آمد ديد كه ابراهيم انكشتان خود را از يكى شير واز ديكرى عسل بيرون ميكشد ومى نوشد اوفى چون اين حال بديد خوش وقت شد وبا شهر مراجعت نمود: القصة ابراهيم چون شير تربيت از پستان عنايت الهى نوشيد بروزى چندان مى باليد كه كودك ديكر در ماهى وبماهى چندان بزرك ميشد كه ديكرى در سالى
چوماه نو كه با روى دل افروز ... بود زاينده نورش روز تا روز
چون پانزده ماهه شد با جوانان پانزده ساله مقابل كشت واز خانه بيرون آمد وكفته اند هفت سال با سيزده سال يا هفتده سال در غار بود بر هر تقدير چون ابراهيم بزرك شد اوفى بآزر كفت كه پسر تو آن روز خبر مرك او بدروغ دادم جوانى رسيده است در غايت خوب رويى ونيكو خويى پس آزر را بغار آورد وابراهيم را بوى نمود آزر بجمال پسر خوش آمد(3/59)
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)
وبا او كفت اين را از غار بخانه آور كه بملازمت نمرود بريم آزر برفت واوفى از غار بدر آورد نماز شام بود در پايان غار كلهاى اسب واشتر ورمهاى كوسفند جمع بودند ابراهيم از مادر پرسيد كه هر آيينه اين ها را پروردگارى خواهد بود كه آفريده وروزى ميدهد پس مادر را كفت كه هيچ مخلوقى را از خالقى چاره نيست آفريده گار او باشد وبمدد تربيت يابد پروردگار من كيست مادرش كفت من پروردگار تو أم ابراهيم كفت پروردگار تو كيست كفت پدر تو ابراهيم كفت خداى او كيست كفت نمرود كفت خداى نمرود كيست مادرش بانك بر ابراهيم زد كه مثل اين سخنان مكو كه خطر عظيم دارد در زمان نمرود بعضى ستاره وآفتاب وماه مى پرستيدند وبرخى بت پرست بودند وجمعى پرستش نمرود مى كردند ابراهيم با مادر بشهر روانه شد فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً پس بعضى كه ستاره پرست بودندى روى بوى سجده كردند قالَ هذا رَبِّي اى اينست پروردگار من بر سبيل استفهام يا بزعم آن قوم فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ پس قدرى ديكر راه رفتند وشب چهاردهم بود ماه طبق سيمين بر كناره خوان سبز فلك نمودار شد فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً جمعى ماه پرستان پيش وى بسجده در فتادند قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ يعنى از خط نصف النهار بجانب مغرب ميل كرد قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ پس از آنجا در كذشتند ونزديك شهر رسيدند آفتاب ابتداء طلوع كرد جمعى متوجه او شده عزم سجود كردند فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً در حالتى كه من مائلم از همه أديان بدين توحيد وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ در تفسير منير مذكور است كه چون ابراهيم عليه السلام بشهر در آمد او را بديدن نمرود بردند او مردى ديد كه كريه منظر وابراهيم او را ديد بر تختي نشسته وغلامان ماه منظر وكنيزان پرى پيكر كرد تخت او صف زده از مادر پرسيد كه اين چهـ كس است كه مرا بدين او آوريده آيد كفتند خداى همه كس است پرسيد كه اين ملازمان بر حوالىء تخت كيانند كفت آفريدگان اويند ابراهيم تبسم فرمود وكفت اى مادر چگونه است كه اين خداى شما ديكر انرا از خود خوبتر آفريده است بايستى كه او ازيشان خوبتر بودى كذا فى ذلك التفسير للكاشفى مع اختصار وَوَهَبْنا لَهُ الهبة فى اللغة التبرع والعطية الخالية عن تقدم الاستحقاق والضمير لابراهيم عليه السلام إِسْحاقَ ابنه الصلبى وهو اب أنبياء بنى إسرائيل وَيَعْقُوبَ ابن اسحق كُلًّا هَدَيْنا اى كل واحد منهما وفقنا وأرشدنا الى الفضائل الدينية والكلمات العلمية والعملية لا أحدهما دون الآخر وَنُوحاً منصوب بمضمر يفسره هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ اى من قبل ابراهيم وعدّ هداه نعمة على ابراهيم من حيث انه أبوه وشرف الوالد يتعدى الى الولد وَهدينا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ اى ذرية نوح ولم يرد من ذرية ابراهيم لانه ذكر فى جملتهم يونس ولوطا ولم يكونا من ذرية ابراهيم كذا قال البغوي وقال ابن الأثير فى جامع الأصول يونس من ذرية ابراهيم لانه كان من الأسباط فى زمن شعيب أرسله الله الى نينوى من بلد الموصل(3/60)
وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)
ولا بعد فى عد لوط من ذرية ابراهيم ايضا باعتبار انه كان ابن أخيه هاجر معه الى الشام قال سعدى چلبى المفتى ومحيى السنة يعنى البغوي أوثق من ابن الأثير داوُدَ ابن ايشا وَسُلَيْمانَ ابنه وسلسلتهما تنتهى الى يهودا بن يعقوب وَأَيُّوبَ من اموص بن رازخ بن روم بن عيصا بن اسحق بن ابراهيم وَيُوسُفَ ابن يعقوب بن اسحق بن ابراهيم وَمُوسى ابن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب وَهارُونَ هو أخو موسى اكبر منه بسنة وليس ذكرهم على ترتيب أزمانهم وَكَذلِكَ اى كما جزيناهم برفعة الدرجات نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ على إحسانهم على قدر استحقاقهم. فاللام للجنس ويجوز ان تكون الكاف مقحمة واللام للعهد والمعنى ذلك الجزاء البديع الذي هو عبارة عما اوتى المذكورون من فنون الكرامات نجزيهم لاجزاء آخر ادنى منه فالمراد بالمحسنين هم المذكورون والإظهار فى موضع الإضمار للثناء عليهم بالإحسان الذي هو عبارة عن الإتيان بالأعمال الحسنة على الوجه اللائق الذي هو حسنها الوصفي المقارن لحسنها الذاتي وَزَكَرِيَّا اى وهديناه ايضا وهو ابن اذن وسلسلته تنتهى الى سليمان وَيَحْيى ابنه وَعِيسى ابن مريم ابنة عمران من بنى ماثان الذين هم ملوك بنى إسرائيل. وفى ذكره دليل على ان الذرية تتناول أولاد البنت فيكون الحسن والحسين من ذرية سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم مع انتسابهما اليه بالأم ومن آذاهما فقد آذى ذريته عليه السلام يقول الفقير فاذا كان النسب من طرف الام صحيحا معتبرا فالذى كانت سيادته من طرفها مقبول كما هو من طرف الأب إذ المعتبر انتهاء السلسلة الى الحسنين من أي جانب كان وَإِلْياسَ ابن أخ هارون أخي موسى قال البغوي الصحيح ان الياس غير إدريس لان الله تعالى ذكره فى ولد نوح وإدريس هو جد ابى نوح كُلٌّ منهم مِنَ الصَّالِحِينَ الكاملين فى الصلاح وهو الإتيان بما ينبغى والتحرز عما لا ينبغى وَإِسْماعِيلَ عطف على نوحا اى وهدينا إسماعيل بن ابراهيم كما هدينا نوحا ولعل الحكمة فى افراد اسمعيل عن باقى ذرية ابراهيم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من ذرية إسماعيل والكائنات كانت تبعا لوجوده فما جعل الله إسماعيل تبعا لوجود ابراهيم ولا هدايته تبعا لهدايته لشرف محمد صلى الله عليه وسلم فلذا أفرده عنهم وأخره فى الذكر
آنچهـ أول شد پديد از جيب غيب ... بود نور جان او بي هيچ ريب
بعد از ان ان نور مطلق زد علم ... كشت عرش وكرسى ولوح وقلم
يك علم از نور پاكش علم اوست ... يك علم ذريت آدم ازوست
وَالْيَسَعَ ابن أخطوب بن العجوز واللام زائدة لانه علم أعجمي وَيُونُسَ ابن متى وَلُوطاً بن هاران بن أخي ابراهيم وَكلًّا منهم فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ اى عالمى عصرهم بالنبوة لا بعضهم دون بعض وَمِنْ آبائِهِمْ من تبعيضية اى وفضلنا بعض آباء المذكورين كآدم وشيث وإدريس إذ من الآباء من لم يكن نبيا ولا مفضلا مهديا وَذُرِّيَّاتِهِمْ اى وبعض ذرياتهم من بعضهم كأولاد يعقوب ومن جملة ذرياتهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما فى تفسير الحدادي وانما أراد ذرية بعضهم لان عيسى ويحيى لم يكن لهما ولد وكان(3/61)
ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)
ذرية بعضهم من كان كافرا وَإِخْوانِهِمْ كأخوة يوسف فى عصرهم ويحتمل ان يكون المراد بهم كل من آمن معهم فانهم كلهم دخلوا فى هداية الإسلام وَاجْتَبَيْناهُمْ عطف على فضلنا اى اصطفيناهم وَهَدَيْناهُمْ اى ارشدناهم إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ لا يضل من سلك اليه ذلِكَ الهدى هُدَى اللَّهِ الاضافة للتشريف يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وهم مستعدون للهداية والإرشاد وَلَوْ أَشْرَكُوا اى لو أشرك هؤلاء الأنبياء مع فضلهم وعلو شأنهم لَحَبِطَ عَنْهُمْ اى بطل وذهب ما كانُوا يَعْمَلُونَ من الأعمال المرضية الصالحة فكيف بمن عداهم وهم هم وأعمالهم أعمالهم وهذا غاية التوبيخ والترهيب للعوام والخواص لئلا يأمنوا مكر الله أُولئِكَ المذكورون من الأنبياء الثمانية عشر الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ اى جنس الكتاب المتحقق فى ضمن أي فرد كان من افراد الكتب السماوية والمراد بايتائه التفهيم التام بما فيه من الحقائق والتمكين من الإحاطة بالجلائل والدقائق أعم من ان يكون ذلك بانزال ابتداء او بالايراث بقاء فان المذكورين لم ينزل على كل واحد منهم كتاب معين وَالْحُكْمَ اى الحكمة او فصل الخطاب على ما يقتضيه الحق والصواب وَالنُّبُوَّةَ اى الرسالة فَإِنْ يَكْفُرْ بِها اى بهذه الثلاثة هؤُلاءِ اهل مكة فَقَدْ وَكَّلْنا بِها اى أمرنا بمراعاتها وفقنا للايمان بها والقيام بحقوقها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ فى وقت من الأوقات بل مستمرون على الايمان بها وهم اصحاب النبي عليه السلام والباء صلة كافرين وفى بكافرين لتأكيد النفي أُولئِكَ الأنبياء المتقدم ذكرهم الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ اى هداهم الله الى الحق والنهج المستقيم فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ اى فاختص هداهم بالاقتداء ولا تفتد بغيرهم والمراد بهداهم طريقتهم فى الايمان بالله تعالى وتوحيده واصول الدين دون الشرائع القابلة للنسخ فانها بعد النسخ لا تبقى هدى واحتج العلماء بهذه الآية على انه عليه السلام أفضل جميع الأنبياء عليهم السلام لان خصال الكمال وصفات الشرف كانت متفرقة فيهم. فداود وسليمان كانا من اصحاب الشكر على النعمة. وأيوب كان من اصحاب الصبر على البلية. ويوسف كان جامعا بينهما.
وموسى كان صاحب المعجزات القاهرة. وزكريا. ويحيى. وعيسى. والياس كانوا اصحاب الزهد.
وإسماعيل كان صاحب الصدق فكل منهم قد غلب عليه خصلة معينة فجمع الله كل خصلة فى حبيبه عليه السلام لانه إذا كان مأمورا بالاقتداء لم يقصر فى التحصيل
هر چهـ بخوبان جهان داده اند ... قسم تو نيكوتر از ان داده اند
هر چهـ بنازند بدان دلبران ... جمله ترا هست زيادت بر ان
وفى التأويلات النجمية أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ بصفاته الى ذاته فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ لا انهم سلكوا مسلكا غير مسلوك حتى انتهى سير كل واحد منهم الى منتهى قدر له كما أخبرت انى رأيت آدم فى السماء الدنيا ويحيى وعيسى فى السماء الثانية ويوسف فى السماء الثالثة وإدريس فى السماء الرابعة وهارون فى السماء الخامسة وموسى فى السماء السادسة وابراهيم فى السماء السابعة فاقتد بهم حتى تسلك مسالكهم الى ان تنتهى الى سدرة المنتهى وهو منتهى(3/62)
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)
مقام الملائكة المقربين ثم يعرج بك الى المحل الأدنى والمقام الأرفع حتى تخرج من نفسك وتدنو اليه به الى ان تصل الى مقام قاب قوسين او ادنى مقاما لم يصل اليه أحد قبلك لا ملك مقرب ولا نبى مرسل قُلْ لكفار قريش لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ اى على القرآن أَجْراً اى جعلا من جهتكم كما لم يسأله من قبلى من الأنبياء عليهم السلام وهذا من جملة ما امر بالاقتداء بهم فيه إِنْ هُوَ اى ما القرآن إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ اى إلا عظة وتذكير لهم من جهته سبحانه فلا يختص بقوم دون آخرين وعلى هذا جرى الأولياء من اهل الإرشاد إذ لا اجر للتعليم والإرشاد إذ الاجر من الدنيا ولا يجوز طمع الدنيا لاهل الآخرة ولا لاهل الله تعالى وانما خدمة الدين مجردة عن الأغراض مطلقا وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ اصل القدر السبر والحزر يقال قدر الشيء يقدره بالضم قدرا إذا سبره وحزره ليعلم مقداره ثم استعمل فى معرفة الشيء مقداره وأحواله وأوصافه فقيل لمن عرف شيأ هو يقدر قدره ولمن لم يعرفه بصفاته انه لا يقدر قدره ونصب حق قدره على المصدرية وهو فى الأصل صفة للمصدر اى قدره الحق وضميره يرجع الى الله تعالى واما ضمير الجمع فالى اليهود لما روى ان مالك بن الصيف من أحبار اليهود ورؤسائهم خرج مع نفر الى مكة معاندين ليسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء وكان رجلا سمينا فاتى رسول الله بمكة فقال له عليه السلام أنشدك بالذي انزل التوراة على موسى هل تجد فيها ان الله تعالى يبغض الحبر السمين قال نعم قال فانت الحبر السمين وقد سمنت من مأكلتك التي تطعمك اليهود ولست تصوم اى تمسك فضحك القوم فخجل مالك بن الصيف فقال غضبا ما انزل الله على بشر من شىء فلما رجع مالك الى قومه قالوا له ويلك ما هذا الذي بلغنا عنك أليس ان الله انزل التوراة على موسى فلم قلت ما قلت قال أغضبني محمد فقلت ذلك قالوا له وأنت إذا غضبت تقول على الله غير الحق وتترك دينك فاخذوا الرياسة والحبرية منه وجعلوهما الى كعب بن الأشرف فنزلت هذه الآية والمعنى ما عرفوه تعالى حق معرفته فى اللطف بعباده والرحمة عليهم ولم يراعوا حقوقه تعالى فى ذلك بل أخلوا بها اخلالا فعبر عن المعرفة بالقدر لكونه سببا لها وطريقا إليها إِذْ قالُوا منكرين لبعثة الرسل وإنزال الكتب كافرين بنعمه الجليلة فيهما ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ اى كتاب ولا وحي مبالغة فى انكار إنزال القرآن إذ القائلون من اهل الكتاب كما مر آنفا قُلْ لهم على طريق التبكيت والقام الحجر مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى يعنى التوراة حال كون ذلك الكتاب نُوراً بينا بنفسه ومبينا لغيره. بالفارسي [روشناى دهنده] وَهُدىً بيانا لِلنَّاسِ وحال كونه تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ اى تضعونه فى قراطيس مقطعة وورقات مفرقة بحذف الجار بناء على تشبيه القراطيس بالظرف المبهم وهى جمع قرطاس بمعنى الصحيفة تُبْدُونَها صفة قراطيس اى تظهرون ما تحبون ابداءه منها وَتُخْفُونَ كَثِيراً مما فيها كنعوت النبي عليه السلام وآية الرجم وسائر ما كتموه من احكام التوراة وَعُلِّمْتُمْ ايها اليهود على لسان محمد ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ وهو ما أخذوه(3/63)
وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)
من الكتاب من المعلوم والشرائع. فقوله علمتم حال من فاعل تجعلونه بإضمار قد مفيد لتأكيد التوبيخ فان ما فعلوه بالكتاب من التفريق والتقطيع للابداء والإخفاء شناعة عظيمة فى نفسها ومع ملاحظة كونه مأخذا لعلومهم ومعارفهم اشنع وأعظم قُلِ اللَّهُ اى أنزله الله امره عليه السلام بان يجيب عنهم اشعارا بان الجواب متعين لا يمكن غيره تنبيها على انهم بهتوا وأفحموا ولم يقدروا على التكلم أصلا ثُمَّ ذَرْهُمْ اى دعهم واتركهم فِي خَوْضِهِمْ اى فى باطلهم الذي يخوضون فيه اى يشرعون فلا عليك بعد الا التبليغ والزام الحجة يَلْعَبُونَ حال من الضمير الاول والظرف صلة ذرهم او يلعبون ويقال لكل من عمل ما لا ينفعه انما أنت لاعب وَهذا القرآن كِتابٌ أَنْزَلْناهُ وصفه به ليعلم انه هو الذي تولى انزاله بالوحى على لسان جبريل وليس تركيب ألفاظه على هذه الفصاحة من قبل الرسول مُبارَكٌ اى كثير الفائدة والنفع وكيف وقد أحاط بالعلوم النظرية والعملية فان اشرف العلوم النظرية هو معرفة ذات الله وصفاته وأفعاله وأحكامه ولا يوجد كتاب يفيد معرفة هذه الأمور مثل ما أفاده القرآن. واما العلوم العملية فالمطلوب منها اما اعمال الجوارح واما اعمال القلوب وهى المسمى بعلم الأخلاق وتزكية النفس فانك لا تجد شيأ منهما مثل ما تجده فى القرآن العظيم قال فى التأويلات النجمية مُبارَكٌ على العوام بان يدعوهم الى ربهم. وعلى الخواص بان يهديهم الى ربهم. وعلى خواص الخواص بان يوصلهم الى ربهم ويخلقهم بأخلاقه وفى كتاب المحبوب شفاء لما فى القلوب كما قيل
وكتبك حولى لا تفارق مضجعى ... وفيها شفاء للذى انا كاتمه
اين چهـ منشور كريمست كه از هر شكنش ... بوى جان پرور احسان وعطا مى آيد
اين چهـ أنفاس روان بخش عبير افشانست ... كه ازو رائحه مشك خطا مى آيد
مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ من التوراة لنزوله حسبما وصف فيها وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى عطف على ما دل عليه مباك اى للبركات ولانذارك اهل أم القرى فالمضاف محذوف والمراد بام القرى مكة وسميت بها لان الأرض دحيت من تحتها فهى اصل الأرض كلها كالام اصل النسل قال الكاشفى فى تفسيره الفارسي قرى جمع قرية است واو را از قرا كرفته اند بمعنى جمع است پس هر جا كه مجتمعى باشد از شهروده انرا قريه توان كفت وَمَنْ حَوْلَها اهل الشرق والغرب قال فى التأويلات النجمية أم القرى هى الذرة المودعة فى القلب التي هى المخاطب فى الميثاق وقد دحيت جميع ارض القالب من تحتها ومن حولها من الجوارح والأعضاء والسمع والبصر والفؤاد والصفات والأخلاق بان يتنوروا بانواره وينتفعوا باسراره ويتخلقوا بأخلاقه وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وبما فيها من انواع العذاب يُؤْمِنُونَ بِهِ اى بالكتاب لانهم يخافون العاقبة ولا يزال الخوف يحملهم على النظر والتأمل حتى يؤمنوا به وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ يعنى المؤمنون بالكتاب يداومون على الصلوات الخمس التي هى اشرف التكاليف والطاعات ولذا خصص محافظتها(3/64)
من بين سائر العبادات وفى الآيات امور الاول ان المخلوق لا يقدر قدر الخالق ولا يدركه باعتبار كنه ذاته وتجرده عن التعينات الاسماتية والصفاتية بخيال در نكنجد تو خيال خود مرنجان فكل من عرف الله بآلة محلوقة فهو على الحقيقة غير عارف ومن عرفه بآلة قديمة كما قال بعضهم عرفت ربى بربي فقد عرف الله ولكن على قدر استعداده فى قبول فيض نور الربوبية الذي به عرف الله على قدره لانها بينت ذاته وصفاته فالذى يقدر الله حق قدره هو الله تعالى لا غيره
كنه خردم در خور اثبات تو نيست ... داننده ذات تو بجز ذات تو نيست
ما للتراب ورب الأرباب والثاني ذم السمن كما عرف فى سبب النزول فال ابن الملك السمن المذموم ما يكون مكتسبا بالتوسع فى المأكول لا ما يكون خلقة وفى الحديث (ليأتى الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة واقرأوا ان شئتم فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا) قال العلماء معنى هذا الحديث انه لا ثواب لهم وأعمالهم مقابلة بالعذاب فلا حسنة لهم توزن فى موازين القيامة ومن لا حسنة له فهو فى النار قال القرطبي فى تذكرته وفيه من الفقه ذم السمن لمن تكلفه لما فى ذلك من تكلف المطاعم والاشتغال بها عن المكارم بل يدل على تحريم كثرة الاكل الزائد على قدر الكفاية المبتغى به الترفه والسمن انتهى وفى الفروع ان الاكل فرض ان كان لدفع هلاك نفسه ومأجور عليه ان كان لتمكينه من صومه وصلاته قائما ومباح الى الشبع ليزيد قوته وحرام فوق الشبع الا لقصد قوة صوم الغد ولئلا يستحيى ضيفه: قال السعدي قدس سره
باندازه خور زاد اگر مردمى ... چنين پر شكم آدمي يا خمى
ندارند تن پروان آگهى ... كه پر معده باشد ز حكمت تهى
قال الامام السخاوي فى المقاصد الحسنة فى الحديث (ان الله يكره الحبر السمين) وفى التوراة (ان الله ليبغض الحبر السمين) وفى رواية (ان الله يبغض القارئ السمين) قال الشافعي رحمه الله ما أفلح سمين قط الا ان يكون محمد بن الحسن فقيل له ولم قال لانه لا يفكر والعاقل لا يخلو من احدى حالتين اما ان يهمّ لآخرته ومعاده او لدنياه ومعاشه والشحم مع الهم لا ينعقد فاذا خلا من المعنيين صار فى حد البهائم بعقد الشحم ثم قال الشافعي كان ملك فى الزمان الاول كثير اللحم جدا فجمع المتطببين وقال احتالوا حيلة تخف عنى لحمى هذا قليلا فما قدروا فنقبوا له رجلا عاقلا أديبا متطببا وبعثوه فاشخص اليه بصره وقال أيعالجنى ذلك الفتى قال أصلح الله الملك انا رجل متطبب منجم دعنى انظر الليلة فى طالعك أي دواء يوافق فاشفيك فهدأ عليه فقال ايها الملك الامان قال لك الامان قال رأيت طالعك يدل على ان عمرك شهر فمتى أعالجك وان أردت بيان ذلك فاحبسنى عندك فان كان لقولى حقيقة فخل عنى والا فاقتص منى قال فحبسه ثم رفع الملك الملاهي واحتجب عن الناس وخلا وحده مغتما ما يرفع رأسه يعد الأيام كلما انسلخ يوم ازداد غما حتى هزل وخف لحمه ومضى لذلك ثمانية وعشرون يوما فبعث اليه فاخرجه فقال ما ترى فقال أعز الله الملك انا أهون على الله من ان اعلم الغيب(3/65)
والله ما اعرف عمرى فكيف اعرف عمرك انه لم يكن عندى دواء الا الهم فلم اقدر اجلب إليك الهم الا بهذه العلة فاذابت شحم الكلى فاجازه واحسن اليه والثالث ما فى قوله تعالى قُلِ اللَّهُ من لطائف العبارات من اهل الإشارات قال فى التفسير الفارسي [شيخ ابو سعيد ابو الخير قدس سره در كلمه قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فرموده كه الله بس وما سواه هوس وانقطع النفس وشيخ الإسلام فرموده كه قُلِ اللَّهُ دل سوى او داد ثُمَّ ذَرْهُمْ غير او را فرو كذار وشبلى با بعض اصحاب خود ميكفت كه عليك بالله ودع ما سواء]
چون تفرقه دلست حاصل ز همه ... دلرا بيكى سپار وبگسل ز همه
فالآية باشارتها تدل على ان من أراد الوصول الى الله تعالى فلينقطع عما سواه فانه لعب ولهو واللاهي واللاعب ليس على شىء نسأل الله سبحانه ان يحفظنا من اشتغال بما سواه والرابع مدح القرآن وبيان فضيلته وفائدته قال احمد بن حنبل رأيت رب العزة فى المنام فقلت يا رب ما أفضل ما تقرب به المتقربون إليك قال كلامى يا احمد قلت يا رب بفهم أم بغير فهم قال بفهم وبغير فهم والنظر الى المصحف عبادة برأسه وله اجر على حدته ما عدا اجر القراءة وعن حميد بن الأعرج قال من قرأ القرآن وختمه ثم دعا أمن على دعائه اربعة آلاف ملك ثم لا يزالون يدعون له ويستغفرون ويصلون عليه الى المساء او الى الصباح فعلى العاقل ان يجتهد حتى يختم القرآن فى أوائل الأيام الصيفية والليالى الشتائية ليستزيد فى دعائهم واستغفارهم وفى الحديث (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) وينبغى ان يقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يطلب عوضا ولا يقصد جزاء ولا شكورا بل يعلم للتقرب الى الله تعالى ويقتدى بالأنبياء حيث قدم كل واحد منهم على دعوته قوله لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً قال فى الاسرار المحمدية من أخذ الجراية ليتعلم فهى له حلال ولكن من تعلم ليأخذ الجراية فهى عليه حرام. وفيه ايضا لا يتخذ صحيفة القرآن إذا درست وقاية للكتب بل يمحوها بالماء وكان من قبلنا يستشفى بذلك الماء وينبغى لقارىء القرآن ان يجود ويحسن صوته وفى الحديث (ليس منا من لم يتغن بالقرآن وحسنوا القرآن بأصواتكم فان الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا) قيل أراد بالتغنى الاستغناء وقيل الترنم وترديد الالحان وهو اقرب عند اهل اللغة كذا فى الاسرار- ويحكى- عن ظهير الدين المرغينانى انه قال من قال لمقرىء زماننا أحسنت عند قراءته يكفر كذا فى شرح الهداية لتاج الشريعة وقال فى البزازية من يقرأ القرآن بالالحان لا يستحق الاجر لانه ليس بقارئ قال الله تعالى قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ انتهى وسأل الحجاج بعض جلسائه عن ارق الصوت عندهم فقال أحدهم
ما سمعت صوتا ارق من صوت قارئ حسن الصوت يقرأ كتاب الله تعالى فى جوف الليل قال ذلك الحسن وقال آخر ما سمعت صوتا اعجب من ان اترك امرأتى ماخضا وأتوجه الى المسجد بكيرا فيأتينى آت فيبشرنى بغلام فقال وا حسناء فقال شعبة بن علقمة التميمي لا والله ما سمعت اعجب الى من ان أكون جائعا فاسمع خفخفة الخوان فقال الحجاج أبيتم يا بنى تميم الا حب الزاد والمقصود من هذه الحكاية بيان اختلاف مشارب الناس فمن أحب الله وانس بكلامه وتجرد عن الاعراض وكان القارئ متحاشيا من الانغام الموسقية والحان اهل الفسق(3/66)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94) إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)
قارئا على لحون العرب محسنا صوته فلا مجال للطعن فيه والدخل ظاهرا وباطنا والله اعلم وَمَنْ استفهام مبتدأ اى لا أحد أَظْلَمُ خبره مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً مفعول افترى اى اختلق كذبا وافتعله فزعم انه تعالى بعثه نبيا كمسيلمة الكذاب والأسود العبسي او اختلق عليه احكاما كعمرو بن لحى وهو أول من غير دين إسماعيل عليه السلام ونصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة قال عليه السلام فى حقه (رأيته يجر قصبه فى النار) قال قتادة كان مسيلمة يسجع ويتكهن كما قال فى معارضة سورة الكوثر انا أعطيناك الجماهر فصل لربك وهاجر انا كفيناك المكابر والمجاهر فانظر كيف كان سافل الألفاظ والبنا فاسد المعاني والجنى فادعى النبوة وكان قد أرسل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولين فقال عليه السلام (أتشهدان ان مسيلمة نبى) قالا نعم فقال عليه السلام (لولا ان الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما) وفى الحديث (بينا انا نائم أتيت بخزائن الأرض فوضع فى يدى سواران من ذهب فكبرا علىّ وأهماني فاوحى الى ان انفخهما فنفختهما فذهبا فاولتهما بالكذابين اللذين انا بينهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة قال القاضي وجه تأويلهما بالكذابين ان السوار كالقيد لليد يمنعها عن البطش فكذا الكذابان يقومان بمعارضة شريعته ويصدان عن نفاذ أمرها قتل صاحب صنعاء وهو الأسود العبسي فى مرض موت النبي عليه السلام قتله فيروز الديلمي فما بلغ خبر قتله النبي عليه السلام قال فاز فيروز وقتل صاحب اليمامة وهو مسيلمة فى عهد الصديق قتله الوحشي قاتل حمزة فلما قتله قال قتلت خير الناس فى الجاهلية وشر الناس فى إسلامي أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ من جهته تعالى وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ اى والحال انه لم يوح اليه شَيْءٌ أصلا كعبد الله بن سعد بن ابى سرح كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نزلت وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ فلما بلغ ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ قال عبد الله فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ تعجبا من تفصيل خلق الإنسان فقال عليه السلام (اكتبها فكذلك نزلت) فشك عبد الله وقال لئن كان محمد صادقا اى فى قوله فكذلك نزلت لقد اوحى الى كما اوحى اليه ففى التحقيق انا أكون مثله ولئن كان كاذبا لقد قلت كما قال فعلىّ ان ادعى نزول الوحى مثله فارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين ثم رجع الى الإسلام قبل فتح مكة إذ نزل النبي عليه السلام بمرو وَمَنْ اى وممن قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وهم المستهزءون الذين قالوا لو نشاء لقلنا مثل هذا وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومفعول ترى محذوف لدلالة الظرف عليه اى ولو ترى الظالمين إذ هم. فالظالمون مبتدأ وما بعده خبره وإذ مضاف الى الجملة والمراد بالظالمين الجنس فيدخل فيهم المتلبئة وغيرهم وجواب لو محذوف اى لو ترى الظالمين فى هذا الوقت لرأيت امرا عظيما فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ اى شدائده وسكراته. جمع غمرة وهى الشدة الغالبة من غمره الماء إذا علاه وغطاه وَالْمَلائِكَةُ اى ملك الموت وأعوانه من ملائكة العذاب باسِطُوا أَيْدِيهِمْ بقبض أرواحهم كالمتقاضى الملظ اى كالغريم الملازم الملح الذي يبسط يده الى من عليه الحق ويعنفه عليه فى المطالبة ولا يمهله ويقول له اخرج الى مالى عليك الساعة ولا أزال من مكانى(3/67)
حتى انزعه من كبدك وحدقتك او باسطوها بالعذاب قائلين أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ اى أرواحكم إلينا من أجسادكم وهذا القول منهم تغليظ وتعنيف والا فلا قدرة لهم على الإخراج المذكور او اخر جوها من العذاب وخلصوها من أيدينا الْيَوْمَ اى وقت الاماتة او الوقت الممتد بعده الى ما لا نهاية له تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ اى العذاب المتضمن لشدة واهانة والهون الهوان اى الحقارة بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ كاتخاذ الولد ونسبة الشريك وادعاء النبوة والوحى كذبا وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ فلا تتأملون فيها ولا تؤمنون بها وفى الحديث (ان المؤمن إذا احتضر أتته الملائكة بحريرة فيها مسك وضبائر من الريحان وتسل روحه كما تسل الشعرة من العجين ويقال لها أيتها النفس الطيبة اخرجى راضية مرضية ومرضيا عنك الى روح الله وكرامته فاذا خرجت روحه وضعت على ذلك المسك والريحان وطويت عليها الحريرة وبعث بها الى عليين
وان الكافر إذا احتضر أتته الملائكة بمسح فيه جمرة فتنزع روحه انتزاعا شديدا ويقال لها أيتها النفس الخبيثة اخرجى ساخطة ومسخوطا عليك الى هو ان الله وعذابه فاذا خرجت روحه وضعت على تلك الجمرة وان لها نشيجا اى صوتا ويطوى عليها المسح ويذهب بها الى سجين) كذا فى تفسير ابى الليث رحمه الله والاشارة ان الذين يراؤن فى التأوه والزعقات واظهار المواجيد والحالات لهم من الله خطرات ونظرات وليس لهم منها نصيب الا الزفرات والحسرات والمتشبع بما لم يملك كلابس ثوبى زور وفى معناه انشدوا
إذا انسكبت دموع فى خدود ... تبين من بكى ممن تباكى
والذي نزل نفسه منزلة المحدثين واهل الاشارة ولم يلق الى أسرارهم خصائص الخطاب ولم تلهم نفوسهم بها والذين يتشدقون ويتفيهقون فى الكلام الذين يدعون انهم يتكلمون بمثل ما انزل الله من الحقائق والاسرار على قلوب عباده الواصلين الكاملين فكلهم من الظالمين وتظهر مضرة ظلمهم وافترائهم عند انقطاع تعلق الروح عن البدن وإخراج النفس من القالب كرها لتعلقها بشهوات الدنيا ولذاتها وحرمانها من لذة الحقائق الغيبية والشهوات الاخروية إذ الملائكة يبسطون أيديهم بالقهر إليهم لنزع أنفسهم بالهوان والشدة وهى متعلقة بحسب الافتراء والكذب واستحلاء رفعة المنزلة عند الخلق وطلب الرياسة بأصناف المخلوقات فتكون شدة النزع والهوان بقدر تعلقها بها كما قال الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ يعنى آياته المودعة فى أنفسكم تعرضون عنها وتراؤن بما ليس لكم ولعل تعلق النفس يتقطع عن البدن بيوم او يومين او ثلاثة ايام وتعلقها عن أوصاف المخلوقات لا ينقطع بالسنين ولعله الى الحشر والكفار الى الابد وهم فى عذاب النزع بالشدة ابدا وهو العذاب الأليم والعذاب الشديد ومن نتائج هذه الحالة عذاب القبر فافهم جدا- وحكى- عن بعض العصاة انه مات فلما حفروا قبره وجدوا فيه حية عظيمة فحفروا له قبرا آخر فوجدوها فيه ثم كذلك قبرا بعد قبر الى ان حفروا نحوا من ثلاثين قبرا وفى كل قبر يجدونها فلما رأوا انه لا يهرب من الله هارب ولا يغلب الله غالب دفنوه معها وهذه الحية هى عمله: قال الحافظ(3/68)
وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)
كارى كنيم ور نه خجالت بر آورد ... روزى كه رخت جان بجهان دگر كشيم
وَلَقَدْ جِئْتُمُونا للحساب والجزاء وهو بمعنى المستقبل اى تجيئوننا وانما ابرز فى صورة الماضي لتحققه كقوله تعالى أَتى أَمْرُ اللَّهِ والخطاب لكفار قريش لانها نزلت حين قالوا افتخارا واستخفافا للفقراء نحن اكثر أموالا وأولادا فى الدنيا وما نحن بمعذبين فى الآخرة فُرادى جمع فرد اى منفردين عن الأموال والأولاد وسائر ما آثرتموه من الدنيا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بدل من فرادى اى على الهيئة التي ولدتم عليها فى الانفراد او حال من ضمير فرادى اى مشبهين ابتداء خلقكم عراة حفاة غر لا بهما اى ليس بهم شىء مما كان فى الدنيا نحو البرص والعرج كذا فى القاموس وفى الخبر (انهم يحشرون يوم القيامة عراة حفاة غرلا) قالت عائشة رضى الله عنها واسوءتاه الرجل والمرأة كذلك فقال عليه السلام (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه لا ينظر الرجال الى النساء ولا النساء الى الرجال شغل بعضهم عن بعض) وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ ما تفضلنا به عليكم فى الدنيا فشغلتم به عن الآخرة. والتخويل تمليك الخول اى الخدم والاتباع وأحدهم خائل او الإعطاء على غير جزاء وَراءَ ظُهُورِكُمْ ما قدمتم منه شيأ ولم تحملوا نقيرا بخلاف المؤمنين فانهم صرفوا همتهم الى العقائد الصحيحة والأعمال الصالحة فبقيت معهم فى قبورهم وحضرت معهم فى محفل القيامة فهم فى الحقيقة ما حضروا فرادى
چون ازينجا وارهى آنجا روى ... در شكر خانه ابد شاكر شوى
وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الأصنام الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ اى شركاء لله فى ربوبيتكم واستحقاق عبادتكم لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ اى وقع التقطع بينكم كما يقال جمع بين الشيئين اى أوقع الجمع بينهما قال الكاشفى [منقطع كشت آنچهـ ميان شما بود از وصلت ومودت] وَضَلَّ عَنْكُمْ اى بطل وضاع ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ انها شفعاؤكم فلم يقدروا على دفع شىء من العذاب عنكم أو أنها شركاؤكم لله فى ربوبيتكم وهو الأنسب لسياق النظم ألا ترى الى قوله تعالى الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ اعلم ان للانسان اعداء اربعة هى المال والأهل والأولاد والأصدقاء وهى لا تدخل فى القبر مع الميت فيبقى فريدا وحيدا منهم. وأصدقاء اربعة هى كلمة الشهادة والصلاة والصوم وذكر الله وهى تدخل فى القبر وتشفع عند الله تعالى فتصحب الميت فلا يبقى وحيدا فعلى العاقل ان يتفكر فى تجرده وتفرده فيسعى فى تحصيل لباس له هو التقوى ومصاحب هو العمل الصالح وفى الحديث (ان عمل الإنسان يدفن معه فى قبره فان كان العمل كريما أكرم صاحبه وان كان لئيما أسلمه وان كان عملا صالحا آنس صاحبه وبشره ووسع عليه قبره ونوره وحماه من الشدائد والأهوال والعذاب والوبال وان كان عملا سيئا فزع صاحبه وروّعه واظلم عليه قبره وضيقه وعذبه وخلى بينه وبين الشدائد والأهوال والعذاب والوبال) قال اليافعي وقد سمعت عن بعض الصالحين فى بعض بلاد اليمن انه لما دفن بعض الموتى وانصرف الناس سمع فى القبر صوتا ودقا عنيفا ثم خرج من القبر كلب اسود فقال له الشيخ الصالح ويحك ايش أنت فقال انا عمل الميت فقال فهذا الضرب فيك أم فيه قال بل فى وجدت عنده سورة يس وأخواتها فحالت بينى وبينه وضربت وطردت فانظر انه لما قوى عمله الصالح غلب على عمله الطالح(3/69)
إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)
وطرده عنه بكرم الله تعالى ولو كان عمله القبيح أقوى لغلب عليه وافزعه وعذب: قال السعدي
غم وشادمانى نماند وليك ... جزاى عمل ماند ونام نيك
مكن تكيه بر ملك وجاه وحشم ... كه پيش از تو بودست وبعد از تو هم
قال القشيري وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى اى دخلتم الدنيا بخرقة وخرجتم منها بخرقة ألا وتلك الخرقة ايضا لبسه وما دخلت الا بوصف التجرد وما خرجت الا بحكم التجرد ثم الأثقال والأوزار والأعمال والأوصال لا يأتى عليها حصر ولا مقدار فلا مالكم اغنى ولا حالكم يدفع عنكم ولا شفيع يخاطبنا فيكم ولقد تفرق وصلكم وتبدد شملكم وتلاشى ظنكم وخاب سعيكم انتهى كلام القشيري والاشارة ان المجيء الى الله يكون بالتجرد ثم بالتفريد ثم بالتوحيد فالتجريد هو التجرد عن الدنيا وما يتعلق يها. والتفريد هو التفرد عن الدنيا والآخرة رجوعا الى الله خاليا عن التعلق بهما كما كان فى بدء الخلقة روحا مجردا عن تعلقات الكونين كقوله لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ يعنى أول خلقة الروح قبل تعلقه بالقالب فانه خلقة ثانية كما قال ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ وقال وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ فللعبد فى السير الى الله كسب وسعى بالتجريد والتفريد عن الدنيا والآخرة كما قال وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ يعنى من تعلقات الكونين وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ يعنى الأعمال والأحوال التي ظننتم انها توصلكم الى الله تعالى لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وبينها عند انتهاء سيركم وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ انها توصلكم الى الله فاذا وصل العبد الى سرادقات العزة انتهى سيره كما انتهى سير جبرائيل ليلة المعراج عند سدرة المنتهى وهو منتهى سير السائرين من الملك والانس والتوحيد هو التوحد لقبول فيض الوحدانية عن التجلي بصفات الواحدية لتوصل العبد بجذبة ارجعي الى ربك الى مقام الوحدة ولو لم تدركه العناية الازلية بجذبات الربوبية لا نقطع عن السير فى الله بالله وبقي فى السدرة وهو يقول وما منا الا له مقام معلوم فافهم كذا فى التأويلات النجمية إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ الفلق الشق بابانة. والحب جمع حبة وهى اسم لجميع البزور المقصودة بذواتها كالبر والشعير والذرة ونحوها والمعنى شاق الحب بالنبات اى يشق الحبة اليابسة فيخرج منها ورق اخضر وَالنَّوى واحدتها نواة وهى الشيء الموجود فى داخل الثمر مثل نواة الخوج والمشمش والتمر ونحوها والمعنى شاق النوى بالشجر اى يشق النواة الصلبة فيخرج شجرة ذات أوراق وأغصان يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ بيان لما قبله اى يخرج ما ينمو من الحيوان والنبات مما لا ينمو من النطفة والحب وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ كالنطفة والحب مِنَ الْحَيِّ كالحيوان والنبات وهو معطوف على فالق الحب فالحى والميت مجاز عن النامي والجامد تشبيها للنامى بالحي والحي حقيقة فيما يكون موصوفا بالحياة المستتبعة للحس والحركة الارادية والميت حقيقة فيما يكون خاليا عن صفة الحياة ممن تكون الحياة من شأنه ومنهم من حمل اللفظ على الحقيقة وقال يخرج من النطفة الميتة بشرا حيا ومن الدجاجة بيضة ميتة قال ابن عباس رضى الله عنهما يخرج المؤمن من الكافر كما فى حق ابراهيم عليه السلام والكافر من المؤمن كما فى حق ولد نوح عليه السلام والعاصي من المطيع وبالعكس والعالم من(3/70)
فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)
الجاهل وبالعكس والعاقل من الأحمق وبالعكس والاشارة يخرج نخل الايمان من نوى الحروف الميتة فى كلمة الا اله الا الله ومخرج ميت النفاق من الكلمة الحية وهى لا اله الا الله ذلِكُمُ القادر العظيم الشأن اللَّهَ المستحق للعبادة وحده فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ فكيف تصرفون عن عبادته الى غيره ولا سبيل اليه أصلا. والافك فى اللغة قلب الشيء وصرفه والخطاب لكفار قريش لان السورة مكية فالِقُ الْإِصْباحِ خبر آخر لان. والإصباح بكسر الالف مصدر بمعنى الدخول فى ضوء النهار سمى به الصبح اى فالق عمود الفجر عن بياض النهار وأسفاره وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً يسكن اليه التعب بالنهار لاستراحته من سكن اليه إذا اطمأن اليه استئناسا به او سكن فيه الخلق من قوله تعالى لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ اى وجعلهما حُسْباناً اى على أدوار مختلفة يحسب بها الأوقات فانه تعالى قدر حركه الشمس بمقدار من السرعة والبطيء بحيث تتم دورتها فى سنة وقدر حركة القمر بحيث تتم الدورة فى شهر وبهذا التقدير تنتظم المصالح المتعلقة بالفصول الاربعة كنضج الثمار وامور الحرث والنسل ونحو ذلك مما يتوقف عليه قوام العالم وباختلاف منازل القمر وتجدد الاهلة فى كل شهر يعلم آجال الديون ومواقيت الأشياء فمعنى جعل الشمس والقمر حسبانا جعلهما علمى حساب. فالحسبان بالضم مصدر بمعنى الحساب والعد وبابه نصر. واما الحسبان بكسر الحاء فهو من باب علم ومعناه الظن والتخمين وتقدم الشمس لضيائها على القمر لانها معدن الأنوار الفلكية من البدور والنجوم وأصلها فى النورانية وان أنوارهم مقتبسة من نور الشمس على قدر تقابلهم وصفوة اجرامهم قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره نور القمر ليس من نفسه وانما هو من عالم الأنوار فهو ليس بناقص فى ذاته وانما ذلك بسبب عروض الكشافة بالتدريج ولولا ذلك لم تعرف الشهور والسنون والشمس والقمر عينا هذا التعين وظاهرهما الى الفوق والذي نراه جانبهما الداخل فهو تارة يفتح عينيه واخرى يغمض كما انا نفعل كذلك والكواكب ليست مركوزة فيه وانما هى بانعكاس الأنوار فى بعض عروقه اللطيفة والذي يرى كسقوط النجم فكدفع الشمس من موضع الى موضع وهذا لا يطلع عليه الحكماء وانما يعرفه اهل السلوك ثم قال الليل والنهار فى عالم الآخرة ليسا بالظلمة والضياء بل لهما علامة اخرى بتجلى من التجليات فيعرفون به الليل والنهار وكيف يكون الليل هنا بالظلمة وقد قال عليه السلام (لو خرج ورق من أوراقها الى الدنيا لاضاء العالم) انتهى كلامه ذلِكَ اشارة الى جعلهما حسبانا اى ذلك التسيير البديع بالحساب المعلوم تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الذي قهرهما وسيرهما على الوجه المخصوص الْعَلِيمِ بما فيهما من المنافع والمصالح المتعلقة بمعاش الخلق ومعادهم: قال السعدي
ابر وباد ومه وخورشيد وفلك در كارند ... تا تو نانى بكف آرى وبغفلت نخورى
همه از بهر تو سر كشته وفرمان بردار ... شرط انصاف نباشد كه تو فرمان نبرى
وَهُوَ الَّذِي [واوست خداونديكه بقدرت كامله] جَعَلَ لَكُمُ اى انشأ لاجلكم وأبدع النُّجُومَ التي تختلف مواضعها من جهة الشمال والجنوب والصبا والدبور(3/71)
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)
لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ اى فى ظلمات الليل فى البر والبحر واضافتها إليهما للملابسة فان الحاجة الى الاهتداء بها انما تحقق عند ذلك قال الحدادي لتعرفوا بها الطرق من بلد الى بلد فى المفاوز ولجج البحار فى الليالى المظلمة فى السفن فان من النجوم ما يجعله السائر تلقاء وجهه. ومنها ما يجعله على يمينه. ومنها ما يجعله على يساره. ومنها ما يجعله خلفه ليظهر له الطريقي التي تؤديه الى بغيته. وللنجوم فوائد اخر وهى انها زينة السماء ورمى الشياطين وغير ذلك قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ اى بينا الآيات الدالة على قدرتنا فصلا فصلا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ فانهم المنتفعون بها وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مع كثرتكم مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ من نفس آدم وحدها فانه خلقنا جميعا منه وخلق امّنا حواء من ضلع من أضلاع آدم فصار كل الناس محدثة مخلوقة من نفس واحدة حتى عيسى فان ابتداء تكوينه من مريم التي هى مخلوقة من ماء أبويها وانما منّ علينا بهذا لان الناس إذا رجعوا الى اصل واحد كانوا اقرب الى ان يألف بعضهم بعضا قال اهل الاشارة ان الله تعالى كما خلق آدم ابتداء وجعل أولاده منه كذلك خلق روح محمد صلى الله عليه وسلم قبل الأرواح كما قال (أول ما خلق الله روحى) ثم خلق الأرواح من روحه فكان آدم أبا البشر وكان محمد صلى الله عليه وسلم أبا الأرواح واليه يشير قوله تعالى هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ كل واحد منهما مصدر ميمى مرفوع على الابتداء والخبر محذوف اى فلكم استقرار فى الأصلاب او فوق الأرض واستيداع فى الأرحام او تحت الأرض وجعل صلب الأب مستقر النطفة ورحم الام مستودعا لها لان النطفة حصلت فى صلب الأب لا من قبل الغير وحصلت فى رحم الام بفعل الغير فاشبهت الوديعة كأن الرجل أودعها ما كان مستقرا عنده وقال الحسن يا ابن آدم أنت وديعة فى أهلك ويوشك ان تلحق بصاحبك وانشد قول لبيد
وما المال والأهلون الا وديعة ... ولا بد يوما ان ترد الودائع
والقلب ايضا من الودائع والأمانات: قال الصائب
ترا بگوهر دل كرده اند امانتدار ... نه دزد امانت حق را نكاه دار مخسب
قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ المبينة لتفاصيل خلق البشر من هذه الآية ونظائرها لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ غوامض الدقائق باستعمال الفطنة وتدقيق النظر وانما ذكر مع ذكر النجوم يعلمون ومع ذكر تخليق بنى آدم يفقهون لان ذلك اشارة الى آيات الآفاق وهذا الى آيات الأنفس ولا شك ان آيات الآفاق اظهر واجلى وآيات الأنفس أدق وأخفى فكان ذكر الفقه لها انسب واولى لان الفقه عبارة عن الوقوف على المعنى الخفي واصل تركيب الفقه يدل على الشق والفتح والفقيه العالم الذي يشق الاحكام ويفتش عن حقائقها ويفتح ما استغلق منها فالفقه انما يطلق حيث يكون فيه حذاقة وتدقيق نظر قال الحدادي الفقه فى اللغة هو الفهم لمعنى الكلام الا انه قد جعل فى العرف عبارة عن علم الغيب على معنى انه استدراك معنى الكلام بالاستنباط من الأصول ولهذا لا يجوز ان يوصف الله تعالى بانه فقيه لانه لا يوصف بالعلم على جهة الاستنباط ولكنه عالم بجميع الأشياء على وجه أحد انتهى ثم هذه الآيات الآفاقية والانفسية تفصح عن صنع الله البديع وتدعو اهل الشرك الى التوحيد والايمان واهل الإخلاص الى الشهود(3/72)
وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105)
والعيان واهل المعصية الى الطاعة والتوبة باللسان والجنان فان الامتنان بذكر النعم الجليلة يستدعى شكرا لها ومعرفة لحقها ولكل قوم وفريق سلوك الى طريق التحقيق على حسب ما أنعم عليه من توحيد الافعال والصفات والذات فعلى العاقل ان يجتهد فى طلب الحق فان المقصود من ترتيب مقدمات العوالم آفاقية كانت او انفسية هو الوصول الى الظاهر من جهة المظاهر وانما اصل الحجاب هو الغفلة- وحكى- ان الشيخ أبا الفوارس شاهين بن شجاع الكرماني رحمه الله خرج للصيد وهو ملك كرمان فامعن فى الطلب حتى وقع فى برية مقفرة وحده فاذا هو بشاب راكب على سبع وحوله سباع فلما رأته ابتدرت نحوه فزجرها الشاب عنه فلما دنا اليه سلم عليه وقال له يا شاه ما هذه الغفلة عن الله اشتغلت بدنياك عن آخرتك وبلذتك وهواك عن خدمة مولاك انما اعطاك الله الدنيا لتستعين بها على خدمته فجعلتها ذريعة الى الاشتغال عنه فبينما الشاب يحدثه إذ خرجت عجوز بيدها شربة ماء فناولتها الشاب فشرب فدفع باقيه الى الشاه فشربه فقال ما شربت شيأ ألذ منه ولا أبرد ولا أعذب ثم غابت العجوز فقال الشاب هذه الدنيا وكلها الله الى خدمتى فما احتجت الى شىء الا أحضرته الى حين يخطر مبالى أما بلغك ان الله تعالى لما خلق الدنيا قال لها (يا دنيا من خدمنى فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه) فلما رأى ذلك تاب وكان منه ما كان وانشد بعضهم
خدمت لما ان صرت من خدمك ... ودار عندى السرور من نعمك
وكانت الحادثات تطرقنى ... فاستحشمتنى إذ صرت من حشمك
اللهم اجعلنا من الملازمين لبابك ولا تقطعنا عن جنابك وَهُوَ اى الله تعالى الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً خاصا هو المطر ثم التفت من الغيبة الى التكلم فقال فَأَخْرَجْنا بعظمتنا فالنون للعظمة لا الجمع فان الملك العظيم يعبر عن نفسه بلفظ الجمع تعظيما له بِهِ اى بسبب ذلك الماء مع وحدته نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ ينبت كنبات الحنطة والشعير والرمان والتفاح وغيرها فشىء مخصص فلا يلزم ان يكون لكل شىء نبات كالحجر مثلا والنبت والنبات ما يخرج من الأرض من الناميات سواء كان له ساق كالشجر أو لم يكن كالنجم فان قيل كيف جعل الله المطر سببا للنبات والفاعل بالسبب يكون مستعينا بفعل السبب والله تعالى مستغن عن الأسباب قيل لان المطر سبب يؤدى الى النبات وليس بمولود له والله تعالى قادر على إنبات النبات بدون المطر وانما يكون الفاعل بالسبب مستعينا بذلك السبب إذا لم يمكنه فعل ذلك الشيء الا بذلك السبب كما ان الإنسان إذا لم يمكنه ان يصعد السطح الا بالسلم فان السلم آلة للصعود والظاهر انه إذا صعد السطح بالسلم لم يكن السلم آلة له لانه يمكنه ان يصعد السطح بدون السلم فَأَخْرَجْنا مِنْهُ شروع فى تفصيل ما أجمل من الإخراج وقد بدأ بتفصيل حال النجم اى فاخرجنا من النبات الذي لا ساق له شيأ غضا خَضِراً بمعنى اخضر وهو اى الشيء الأخضر الخارج من النبات ما تشعب من اصل النبات الخارج من الحبة نُخْرِجُ مِنْهُ صفة لخضرا اى نخرج من ذلك الخضر المتشعب حَبًّا مُتَراكِباً هو السنبل المنتظم للحبوب المتراكبة بعضها فوق بعض على هيئة مخصوصة وَمِنَ النَّخْلِ شروع فى تفصيل حال(3/73)
الشجر اثر بيان حال النجم وهو خبر مقدم مِنْ طَلْعِها بدل منه باعادة العامل وهو شىء يخرج من النخل كأنه نعلان مطبقان والحمل بينهما منضود قِنْوانٌ مبتدأ اى وحاصلة من طلع النخل قنوان جمع قنو وهو للثمر بمنزلة العنقود للعنب دانِيَةٌ سهلة المجتنى قريبة من القاطف فانها وان كانت صغيرة ينالها القاعد تأتى بالثمر لا تنتظر الطول او ملتفة متقاربة وفيه اختصار معناه من النخل ما قنوانها دانية ومنها ما هى بعيدة فاكتفى بذكر القريبة عن البعيدة لان النعمة فى القريبة أكمل واكبر وفى الحديث (أكرموا عماتكم النخل فانها خلقت من فضلة طينة آدم وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران فاطعموا نساءكم الولد الرطب فان لم يكن رطب فتمر) انتهى فظهر ان السبب فى اطعام النفساء رطبا ان مريم رضى الله عنها كان أول ما أكلت حين وضع عيسى عليه السلام هو الرطب كما قال تعالى فى سورة مريم وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا وورد فى فضيلة السفرجل ايضا انه شكا بعض الأنبياء الى الله تعالى من قبح أولاد أمته فاوحى الله اليه مرهم ان يطعموا نساءهم الحبالى السفرجل فى الشهر الثالث والرابع لان فيه تصور الجنين فانه يحسن الولد وَأخرجنا به جَنَّاتٍ بساتين كائنة مِنْ أَعْنابٍ فهو غطف على نبات كل شىء ولعل زيادة الجنات هنا من غير اكتفاء بذكر اسم الجنس كما فيما تقدم وما تأخر لما ان الانتفاع بهذا الجنس لا يتأتى غالبا الا عند اجتماع طائفة من افراده وكل نبت متكاثف يستر بعضه بعضا فهو جنة من جن إذا استتر والأعناب جمع عنب وهو بالفارسية [انگور] وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ اى وأخرجنا ايضا شجر الزيتون وشجر الرمان مُشْتَبِهاً اوراقهما ومشتملا على الغصن من اوله الى آخره فى كليهما وهو حال وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ ثمرهما وفى التفسير الفارسي [مُشْتَبِهاً در حالتى كه آن درختان بعضى ببعضي مانند در برك وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ ونه مانند يكديكر در طعم ميوه چهـ بعضى بغايت ترش ميباشد وبعضى شيرين وبرخى ترش وشيرين] انْظُرُوا يا مخاطبين نظر اعتبار إِلى ثَمَرِهِ [بميوه هر درختى] إِذا أَثْمَرَ إذا اخرج ثمره كيف يخرجه ضئيلا لا يكاد ينتفع به وَيَنْعِهِ والى حال نضجه كيف يعود ضخما ذانفع ولذة والينع فى الأصل مصدر ينعت الثمرة إذا أدركت. وقوله إذا اثمر ظرف لقوله انظروا امر بالنظر فى أول حال حدوث الثمرة وفى كمال نضجها مع كونها نابتة من ارض واحدة ومسقية بماء واحد ليعلم كيف تتبدل وتنتقل الى احوال مضادة للاحوال السابقة وحصول هذه التغيرات مسند الى
القادر الحكيم العليم المدبر لهذا العالم على وفق الرحمة والحكمة والمصلحة قال القرطبي هذا الينع هو الذي يتوقف عليه جواز بيع الثمرة وهو ان يطيب أكل الفاكهة وتأمن العاهة وهو عند طلوع الثريا بما اجرى الله تعالى عادته عليه- روى- ابو هريرة عن النبي عليه السلام انه قال (إذا طلعت الثريا صباحا رفعت العاهة عن اهل البلد) وطلوعها صباحا فى اثنتي عشرة تمضى من شهر أيار وهو آخر الشهور الثلاثة من أول فصل الربيع وهى اذار ونيسان وأيار إِنَّ فِي ذلِكُمْ اشارة الى ما امر بالنظر اليه لَآياتٍ عظيمة دالة على وجود القادر الحكيم ووحدته لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ خصوا بالذكر لانهم المنتفعون(3/74)
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100)
بالاستدلال بها والاعتبار والاشارة فى الآية ان الله تعالى ينزل من سماء العناية ماء الهداية فيخرج به انواع المعارف والاسرار على حسب مراتب اهل الزهد والفتوى واهل العشق والتقوى إذ القلب كالروضة ينشأ منه ما هو مستعد له وكل نبت يترجم عن ترابه: كما قال فى المثنوى
در زمين كر نى شكر ور خودنى است ... ترجمان هر زمين نبت وى است
والنخل أعلى من غيره ولذا يقال انه اشارة الى اصحاب الولايات فمن ثمرات ولايتهم ما هو متدان للطالبين والمريدين يعنى منهم من يكون مريبا فينتفع بثمرات ولايته ومنهم من يختار العزلة والانقطاع عن المتمسكين به وجملة شؤونهم ناظرة الى امر الله تعالى واذنه ولذا لا يطعن فيهم الا جاهل وهم فى خلواتهم وجلواتهم يتفكهون من روضات القلوب ويتلذذون بلذائذ حبات الغيوب وأمرهم مستور عن الخلق وأعينهم وعن بعضهم قال رأيت عند قبر النبي عليه السلام تسعة من الأولياء فتبعتهم فالتفت الى أحدهم وقال اين تمر قلت أسير معكم لحبى فيكم فانى سمعت عمن زرتموه عليه السلام انه قال (المرء مع من أحب) فقال أحدهم انك لا تقدر على المسير الى هذا الموضع الذي نقصده فانه لا يقدر عليه الا من بلغ سنه أربعين سنة فقال آخر دعه لعل الله يرزقه فسرت معهم والأرض تطوى من تحتنا طيا فلم نزل حتى انتهينا الى مدينة مبنية بالذهب والفضة وأشجارها متكاثفة وأنهارها مطردة رائقة وفواكهها كبيرة فائقة فدخلنا وأكلنا من ثمرها وأخذت معى ثلاث تفاحات فلم يمنعونى من أخذها فسألتهم عند الانصراف عن المدينة قالوا مدينة الأولياء إذا أرادوا التنزه ظهرت لهم أينما كانوا ما دخلها أحد قبل الأربعين غيرك وكنت كلما جعت أكلت من التفاحة وهى لا تتغير ورجعت الى أهلي وقد بقي معى تفاحة واحد غير التي ادخرتها لنفسى فعانقتنى أختي وقالت اين الذي اطرفتنا به من سفرك فقلت وما الذي اطرفكم به وانا بعيد عن الدنيا وعن الراحة قالت فاين التفاحة فعميت عليها وقلت وأي تفاحة قالت يا مسكين والله لقد أدخلوني تلك المدينة وانا بنت عشرين سنة واما أنت فلم ترها الا بعد ان طردوك وانا والله جذبت إليها جذبة وخطبت إليها خطبة قلت اى اخت فالبدل الكبير منهم يقول لى لم يدخلها أحد لم يبلغ أربعين سنة غيرك قالت نعم من المريدين واما المرادون فيدخلونها ولا يرضون بها ومتى شئت أريتكها فقلت قد شئت فقالت يا مدينتى احضرى فو الله لقد رأيت المدينة بعينها تتدلى إليها وترف عليها فمدت يدها وقالت اين تفاحك قال فتساقط على من التفاح ما علانى فضحكت ثم قالت من عنده من الملك هذا يحتاج الى تفاحتك قال فاستحقرت والله نفسى عند ذلك وما كنت اعلم ان أختي منهم رضى الله عنها وعنهم: قال السعدي
نه هر كس سزاوار باشد بصدر ... كرامت بفضلست ورتبت بقدر
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ قال الكاشفى الأصح انها نزلت فى الزنادقة اعنى المجوس ويقال لهم الثنوية ايضا قالوا ان الله تعالى وإبليس اخوان فالله تعالى خلق الناس والدواب والانعام وكل خير ويعبرون عن الله بيزدان وإبليس خالق السباع والحيات والعقارب وكل شر ويعبرون عن إبليس باهر من وهذا كقوله تعالى وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وإبليس من الجنة والمعنى وجعلوا الجن شركاء لله فى اعتقادهم الباطل وَخَلَقَهُمْ حال من فاعل(3/75)
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)
جعلوا بتقدير قد اى والحال انهم قد علموا ان الله خالقهم دون الجن وليس من يخلق كمن لا يخلق فالضمير للجاعلين ويحتمل ان يكون للجن اى والحال انه تعالى خلق الجن فكيف يجعلون مخلوقه شريكا له وَخَرَقُوا لَهُ اى افتعلوا وافتروا له تعالى يقال خرق واخترق واختلق وافترى إذا كذب بَنِينَ وَبَناتٍ فقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله وقالت طائفة من العرب الملائكة بنات الله بِغَيْرِ عِلْمٍ بحقيقة ما قالوه من خطأ او صواب بل رميا بقول عن عمى وجهالة من غير فكر وروية. والباء متعلقة بمحذوف هو حال من فاعل خرقوا اى خرقوا ملتبسين بغير علم سُبْحانَهُ اى تنزه تعالى بذاته تنزها لائقا به وَتَعالى من العلو اى استعلى ويجوز فى صفات الله تعالى علا ولا يجوز ارتفع لان العلو قد يكون بالاقتدار والارتفاع يقتضى الجهة والمكان ولما فى السبحان والتعالي من معنى التباعد قيل عَمَّا يَصِفُونَ اى تباعد عما يصفونه من ان له شريكا او ولدا بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى هو مبدع من غير مثال سبق لقطرى العالم العلوي والسفلى بلا مادة فاعل على الإطلاق منزه عن الانفعال بالمرة والوالد عنصر الولد منفعل بانتقال مادته عنه فكيف يكون له ولد فالفعيل بمعنى المفعل كالاليم والحكيم بمعنى المؤلم والمحكم والاضافة حقيقية وقيل هو من اضافة الصفة المشبهة الى فاعلها اى بديع سمواته وارضه من بدع إذا كان على نمط عجيب وشكل فائق وحسن رائق أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ اى من اين او كيف يوجد له ولد والحال ان اسباب الولادة منتفية فان وجود الولد بلا والدة محال وان أمكن بلا والد كعيسى عليه السلام والمراد بالصاحبة الزوجة: وفى المثنوى
لم يلد لم يولد است او از قدم ... نى پدر دارد نه فرزند ونه عم
وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ انتظم بالتكوين والإيجاد من الموجودات التي من جملتها ما سموه ولدا له تعالى فكيف يتصور ان يكون المخلوق ولدا لخالقه
خالق أفلاك وأنجم بر علا ... مردم وديو و پرى ومرغ را
وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ من شأنه ان يعلم كائنا ما كان مخلوقا او غير مخلوق عَلِيمٌ مبالغ فى العلم ازلا وابدا فلا يخفى عليه خافية مما كان وما سيكون من الذوات والصفات والأحوال التي من جملتها ما يجوز عليه تعالى وما لا يجوز من المحالات التي كان ما زعموه فردا من افرادها ذلِكُمُ اى ذلك الموصوف بتلك الصفات العظيمة ايها المشركون اللَّهُ المستحق للعبادة خاصة مبتدأ وخبره رَبُّكُمْ اى مالك أمركم
نيست خلقش را دكر كس مالكى ... شركتش دعوى كند جز هالكى
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ اى لا شريك له أصلا خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ مما كان وما سيكون فلا تكرار وهذه اخبار مترادفة فَاعْبُدُوهُ حكم مسبب عن مضمونها فان من جمع هذه الصفات استحق العبادة خاصة وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ اى وهو مع تلك الصفات متولى أموركم فكلوها اليه وتوسلوا بعبادته الى إنجاح مآربكم الدنيوية والاخروية ورقيب على أعمالكم فيجازيكم قال الامام الغزالي قدس سره والوكيل ينقسم الى من يفى بما وكل اليه وفاء تاما من غير قصور والى من لا يفى بالجميع والوكيل المطلق هو الذي يفى بالأمور الموكولة(3/76)
لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)
اليه وهو ملى بالقيام بها وفىّ بإتمامها وذلك هو الله تعالى فقط وقد فهمت من هذا مقدار يدخل العبد فى معنى هذا الاسم انتهى كلامه وعن الشيخ ابى حمزة الخراسانى رحمه الله قال حججت سنة من السنين فبينما انا امشى إذ وقعت فى بئر فنازعتنى نفسى ان استغيث فقلت لا والله لا استغيث فما استتم هذا الخاطر حتى مر برأس البئر رجلان فقال أحدهما للآخر تعالى حتى نسد رأس هذا البئر لئلا يقع فيه أحد فأتيا بقصب وبارية وطمسا رأس البئر فهممت ان اصيح ثم قلت فى نفسى الجأ الى من هو اقرب منهما وسكت وفوضت امرى الى الله تعالى فبينما انا بعد ساعة إذا بشىء جاء وكشف عن رأس البئر وادلى رجله وكأنه يقول تعلق بي فى همهمة منه كنت اعرف منها ذلك فتعلقت به فاخرجنى فاذا هو سبع فمر وهتف بي هاتف يا أبا حمزة أليس هذا احسن نجيناك من التلف فالله تعالى قادر على ذلك وهو على كل شىء وكيل والاشارة فى الآيات ان الله تعالى كما اخرج بماء اللطف والهداية من ارض القلوب لأربابها انواع الكمالات اخرج بماء القهر والخذلان من ارض النفوس لأصحابها انواع الضلالات حتى أشركوا بالله تعالى وقالوا ما قالوا من أسوأ المقال مع انه تعالى متفرد بالذات والصفات والافعال فعلى العاقل ان يستعيذ بالله من مكره وقهره ويستجلب بطاعته مزيد رضاءه ورحمته ويقطع النظر عن الغير فى كل شر وخير فان الكل من الله تعالى وان كان لا يرضى لعباده الكفر
گناه اگر چهـ نبود اختيار ما حافظ ... تو در طريق ادب كوش وكو كناه منست
اللهم لا تؤمنا مكرك فانه لا يأمن منه الا القوم الكافرون لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ البصر حاسة النظر وقد تطلق على العين من حيث انها محله وادراك الشيء عبارة على الوصول اليه والإحاطة به اى لا تصل اليه الابصار ولا تحيط به وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ اى يحيط بها علمه وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ فيدرك ما لا تدركه الابصار ولهذا خص الابصار بإدراكه تعالى إياها مع انه يدرك كل شىء لان الابصار لا تدرك نفسها ولا يجوز فى غيره ان يدرك البصر وهو لا يدركه ففيه دليل على ان الخلق لا يدركون بالأبصار كنه حقيقة البصر وهو الشيء الذي صار به الإنسان يبصر من عينيه دون ان يبصر من غيرهما من سائر أعضائه اعلم ان الإدراك غير الرؤية لان الإدراك هو الوقوف على كنه الشيء والإحاطة به والرؤية المعاينة وقد تكون الرؤية بلا ادراك لانه يصح ان يقال رآه وما أدركه فالادراك أخص من الرؤية ونفى الأخص لا يستلزم نفى الأعم فالله يجوز ان يرى من غير ادراك واحاطة كما يعرف فى الدنيا ولا يحاط به يعنى ان معرفة الله تعالى ممكنة من حيث الارتباط بينه وبين الخلق وانتشاء العالم منه بقدر الطاقة البشرية إذ منه مالا تفيه الطاقة البشرية وهو ما وقع به الكمل فى ورطة الحيرة وأقروا بالعجز عن حق المعرفة وقالوا ما عرفناك حق معرفتك فذات الله تعالى من حيث تجرده عن النسب والإضافات لايدرك ولهذا سئل النبي عليه السلام هل رأيت ربك قال (نورانى أراه) اى النور المجرد لا يمكن رؤيته وكذا أشار الحق فى كتابه لما ذكر ظهور نوره فى مراتب المظاهر قال الله تعالى اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فلما فرغ من ذكر مراتب التمثيل قال نُورٌ عَلى نُورٍ فاحد النورين هو الضياء(3/77)
والآخر هو النور المطلق الأصلي ولهذا تمم فقال يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ اى يهدى الله بنوره المتعين فى المظاهر والساري فيها الى نوره المطلق الاحدى فانما تتعذر الرؤية والإدراك باعتبار تجرد الذات عن المظاهر والنسب والإضافات فاما فى المظاهر ومن ورائية حجابية المراتب فالادراك ممكن كما قيل
كالشمس تمنعك اجتلاءك وجهها ... فاذا اكتست برقيق غيم أمكنا
والى مثل هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم فى بيان الرؤية الجنانية المشبهة برؤية الشمس والقمر فاخبر عن اهل الجنة انهم يرون ربهم وانه ليس بينه وبينهم حجاب الا رداء الكبرياء على وجهه فى جنة عدن فنبه صلى الله عليه وسلم على بقاء الرتبة الحجابية وهى رتبة المظهر وتحقيقه ان اهل الاعتزال بالغوا فى نفى الرؤية واستدلوا على مذهبهم بما ورد فى الصحيحين
عن ابى موسى (جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين ان ينظروا الى ربهم الا رداء الكبرياء على وجهه) قالوا ان الرداء حجاب بين المرتدي والناظرين فلا تمكن الرؤية وجوابهم انهم حجبوا وان المرتدي لا يحتجب عن الحجاب إذ المراد بالوجه الذات وبرداء الكبرياء هو العبد الكامل المخلوق على الصورة الجامعة للحقائق الامكانية والالهية والرداء هو الكبرياء وإضافته للبيان والكبرياء رداؤه الذي يلبسه عقول العلماء بالله يقول الفقير فى شرح هذا المقام قوله ولكنهم حجبوا إلخ وذلك لان المرآة لا تكون حجابا للناظر كما ان اللباس كذلك بالنسبة الى البدن نفسه إذ لا واسطة بينهما فالرداء من المرتدي بمنزلة المرآة من النظر وكذا المرتدي من الرداء بمنزلة الناظر من المرآة إذ المراد بالوجه الذات بطريق اطلاق اسم الجزء على الكل فالمرتدى وهو الذات لا يحتجب عن حجابه وانما يحتجب به عن الغير كالقناع للعروس فانه كشف بالاضافة إليها وحجاب بالنسبة الى غيرها وبرداء الكبرياء إلخ الحقيقة المحمدية التي هى حقيقة الحقائق ولكل موجود حصة من تلك الحقيقة بقدر قابليته لكنها فى نفسها حقيقة واحدة وهو الوجود العام الشامل كالحيوان الناطق فانه معنى واحد عام شامل لجميع الافراد وكثرته بالنسبة الى تلك الافراد لا تنافى وحدته الحقيقة فمعنى قوله عليه السلام وما بين القوم وبين ان ينظروا الى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه حقيقة كل منهما التي تجلى الذات فيها بحسب صفاء مرآتها ومعرفتها وتلك الحقيقة ليست بحجاب بين القوم وبين الذات الاحدية إذ ما وراء تلك الحقيقة مع قطع النظر عن التجلي فيها وكونها مرآة له اطلاق صرف لا يتعلق به رؤية رداء أيا كان فكل ناظر ينكشف له جمال الذات من حقيقة نفسه فينظر اليه من تلك الحقيقة وهى ليست بحجاب للنظر ولا للذات إذ هى كالمرآة فالنظر الظاهري قيد تام وما وراء تلك الحقيقة من الذات اطلاق صرف فلا مناسبة بينهما بوجه من الوجوه وتلك الحقيقة بين التقييد والإطلاق برزخ جامع لهما كما قال عليه السلام (من عرف نفسه فقد عرف ربه) فالعارف إذ لم يتعلق عرفانه بنفسه الكلية وحقيقته الجامعة لا يتأتى منه عرفان ربه لان ربه مطلق عن القيود والنسب والإضافات وهو بهذا الاعتبار لا تتعلق به المعرفة واما نفسه المتجلى فيها الرب بحقائق أسمائه فتتعلق بها تلك الرؤية من تلك الحيثية فتكون حقيقة نفسه ومعرفتها مرآة معرفة ربه فلا حجاب بين المرتدي وردائه(3/78)
أصلا وانما غلط من غلط بقياس الغائب على الشاهد وهو ممنوع باطل لانه لا يلزم ان يكون هناك رداء مانع وبرزخ بين الناظر والمرتدي ولذا قال الكبرياء رداؤه الذي يلبسه عقول العلماء بالله فالتردد فى ان الرداء حجاب بين المرتدي والناظرين فلا يمكن الرؤية انما هو من عمى البصيرة والعياذ بالله وهو فى ثلاثة أشياء إرسال الجوارح فى معاصى الله والتصنع بطاعة الله والطمع فى خلق الله فالحق ليس بمحجوب عنك لثبوت احاطته وانما المحجوب أنت عن النظر اليه بما تراكم على بصيرتك من العيوب العارضة وما يلازم بصرك من العيب اللازم الذي هو الفناء الحسى الذي لا يرتفع الا فى الدار الآخرة فلذلك كانت الرؤية موقوفة عليها والا فالحجاب فى حقه تعالى ممتنع غير متصور فلا تكن ممن يطلب الله لنفسه ولا يطالب نفسه لربه فذلك حال الجاهلين وقال بعض المفسرين ان الإدراك إذا قرن بالبصر كان المراد منه الرؤية فانه يقال أدركت ببصرى ورأيت ببصرى بمعنى واحد فمعنى قوله لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ اى لا تراه فى الدنيا فهو مخصوص برؤية المؤمنين له فى الآخرة لقوله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ وحديث الشيخين (انكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر) والمراد تشبيه الرؤية بالرؤية فى الجلاء والوضوح لا تشبيه المرئي بالمرئي اى فى الجهة وانما يرونه فى الآخرة لانها قلب الدنيا فالبصيرة هناك كالبصر فى الدنيا فيكون البصر الظاهر فى الدنيا باطنا فى الآخرة والبصيرة الباطنة ظاهرة فيستعد الكل للرؤية بحسب حاله واما فى الدنيا فالرؤية غاية الكرامة فيها وغاية الكرامة فيها لأكرم الخلق وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صاحب المقام المحمود الذي شاهد ربه ليلة المعراج بعيني رأسه يعنى رآه بالسر والروح فى صورة الجسم فكان كل وجوده
الشريف عينا لانه تجاوز فى تلك الليلة عن عالم العناصر ثم عن عالم الطبيعة ثم عن عالم الأرواح حتى وصل الى عالم الأمر وعين الرأس من عالم الأجسام فانسلخ عن الكل ورأى ربه بالكل فافهم هداك الله الى خير السبل فان العبارة هاهنا لاتسع غير هذا قال فى التأويلات النجمية لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ اى لا تلحقه المحدثات لا الابصار الظاهرة ولا الابصار الباطنة تقدست صمديته عن كل لحوق ودرك ينسب الى مخلوق ومحدث بل وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ بالتجلى لها فيفنى المحدثات فيكون هو بصره الذي يبصر به فاستوت عند التجلي الابصار الظاهرة والباطنة فى الرؤية بنور الربوبية وَهُوَ اللَّطِيفُ من ان يدركه المحدثات او يلحقه المخلوقات الْخَبِيرُ بمن يستحق ان يتجلى له الحق ويدرك ابصارها باطلاعه عليها فيستعدها للرؤية ومن لطف الله انه أوجد الموجودات وكون المكونات فضلا منه وكرما من غير ان يكون استحقاقها للوجود انتهى ولو رآه انسان فى الموطن الدنيوي لوجب عليه شكره ولو شكره لاستحق الزيادة ولا مزيد على الرؤية ولذلك حرمها وهذا هو المعنى فى قوله عليه السلام (لن تروا ربكم حتى تموتوا) قال ابن عطاء إتمام النعيم بالنظر الى وجه الله الكريم على الوجه اللائق بجلاله فى الدار الآخرة حسبما جاء الوعد الصدق بذلك كما فى الدنيا إذ غالب النصوص يقتضى منع ذلك بل يكاد يقع الإجماع على نفى وقوع ذلك ومنعه شرعا وان جاز عقلا انتهى واما الرؤية فى المنام فقد(3/79)
حكيت عن كثير من السلف كأبى حنيفة وعن ابى يزيد رحمه الله رأيت ربى فى المنام فقلت له كيف الطريق إليك فقال اترك نفسك ثم تعال وروى عن حمزة القارئ انه قرأ على الله القرآن من اوله الى آخره فى المنام حتى إذا بلغ الى قوله وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ قال الله تعالى يا حمزة وأنت القاهر ولاخفاء فى ان الرؤية فى المنام نوع مشاهدة يكون بالقلب دون العين وفى الحديث (رأيت ربى فى المنام فى صورة شاب امرد) وسر تجليه فى صورة الانسانية بصفة الربوبية ان الحقيقة الانسانية اجمع الحقائق فانه تعالى لما استخلف الإنسان وجعله خاتما على خزائن الدنيا والآخرة ظهر جميع ما فى الصورة الإلهية من الأسماء فى النشأة الانسانية الجامعة بين النشأة العنصرية والروحانية واليه يشير قوله عليه السلام (ان الله خلق آدم على صورته) واطلاق الصورة على الحق مجاز باعتبار اهل الظاهر إذ لا تستعمل فى الحقيقة الا فى المحسوسات ففى المعقولات مجاز واما عند المحققين فحقيقة لان العالم الكبير باسره صورة الحضرة الالهية ومظاهر أسمائها بحضراتها تفصيلا واجمالا والإنسان الكامل صورته جمعا فان قلت ألرؤية أقوى انواع الإدراك أم العلم قلت قد قيل بالأول ولهذا يتلذذ المؤمنون برؤية الله تعالى فوق ما يتلذذون بمعرفته قال الامام فى الاحياء ان الرؤية نوع كشف وعلم الا انها أوضح وأتم من العلم فاذا جاز تعلق العلم به ليس فى جهة جاز تعلق الرؤية من غير جهة وكما جاز ان يعلم من غير كيفية وصورة جاز ان يرى كذلك من غير كيفية وصورة قال بعضهم الرؤية أعلى من المعرفة لان العارفين مشتاقون الى منازل الوصال والواصلون لا يشتاقون الى منازل المعرفة وقال بعضهم المعرفة ألطف والرؤية اشرف قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره وصلة العلماء على قدر علمهم واستدلالهم ووصلة الكمل على قدر مشاهدتهم وعيانهم لكن لا على وجه مشاهدة سائر الأشياء فانه تعالى منزه عن الكيف والأين بل هى عبارة عن ظهورة وانكشاف الوجود الحقيقي عند اضمحلال وجود الرائي وفنائه انتهى أقول فظهر من هذا ان من فنى عن ذاته وصفاته وأفعاله واضمحل عن بشريته وهويته فجائز ان يرى الله تعالى فى الدنيا بالبصيرة بعد الانسلاخ التام
چون تجلى كرد أوصاف قديم ... پس بسوزد وصف حادث را كليم
وذلك كالشمس فى الجلاء لا يكابر فيه أحد أصلا لان القلب من عالم الملكوت والبصيرة كالبصر له وعالم الملكوت مطلق عن قيود الأمور الوهمية التي هى الزمان والمكان والجهة والكيفية وغيرها لانها من احكام عالم الملك فاين هذا من ذاك ولا يقاس أحدهما على الآخر وحقيقة ذوق هذا المطلب الا على لا تعرف الا بالسلوك: قال الحافظ
شكر كمال حلاوت پس از رياضت يافت ... نخست در شكن ننك از ان مكان كيرد
ثم اللطيف
من يعلم دقائق المصالح وغوامضها وما دق منها وما لطف ثم يسلك فى إيصالها الى المستصلح سبيل الرفق دون العنف وإذا اجتمع الرفق فى الفعل واللطف فى الإدراك تم معنى اللطيف ولا يتصور كمال ذلك فى العلم والفعل الا لله تعالى وحظ العبد من هذا الوصف الرفق بعباد الله تعالى والتلطف بهم فى الدعوة الى الله تعالى والهداية الى سعادة الآخرة(3/80)
قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105)
من غير إزراء وعنف ومن غير تعصب وخصام واحسن وجوه اللطف فيه الجذب الى قبول الحق بالشمائل والسير المرضية والأعمال الصالحة فانها أوقع وألطف من الألفاظ المزينة قال الشيخ الأكبر قدس سره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتمونى أصلي) ولم يقل صلوا كما قلت لكم لان الفعل أرجح فى نفس التابع المقتدى من القول كما قيل
وإذا المقال مع الفعال وزنته ... رجح الفعال وخف كل مقال
انتهى: وفى المثنوى
بند فعلى خلق را جذاب تر ... كه رسد در جان هر با كوش كر
والخبير هو الذي لا تعزب عنه الاخبار الباطنة ولا يجرى فى الملك والملكوت شىء ولا تتحرك ذرة ولا تسكن ولا تضطرب نفس ولا تطمئن الا ويكون عنده خبرها وهو بمعنى العليم لكن العلم إذا أضيف الى الخفايا الباطنة سمى خبرة وسمى صاحبه خبيرا وحظ العبد من ذلك ان يكون خبيرا بما يجرى فى عالمه وعالمه قلبه وبدنه والحفايا التي يتصف القلب بها من الغش والخيانة والطواف حول العاجلة وإضمار الشر واظهار الخير والتجمل بإظهار الإخلاص والإفلاس عنه لا يعرفها الا ذو خبرة بالغة قد خبر نفسه ومارسها وعرف مكرها وتلبيسها وخدعها فحادبها وتشمر لمعاداتها وأخذ الحذر منها فذلك من العباد جدير بان يسمى خبيرا قَدْ جاءَكُمْ اى قل يا محمد للناس وخصوصا لاهل مكة قد جاءكم بَصائِرُ كائنة مِنْ رَبِّكُمْ اى دلائل التوحيد وحقية النبوة ودلائل البعث والحساب والجزاء وغير ذلك. والبصائر جمع بصيرة وهى نور تبصر به النفس كما ان البصر نور تبصر به العين فاستعير لفظ البصيرة من القوة المودعة فى القلب لادراك المعقولات للحجة البينة لكون كل واحدة منهما سبب الإدراك فَمَنْ أَبْصَرَ اى الحق بتلك البصائر وآمن به فَلِنَفْسِهِ ابصر لان نفعه لها وَمَنْ عَمِيَ اى لم يبصر الحق بعد ما ظهر له بتلك ظهورا بينا وضل عنه وانما عبر بالعمى عنه تقبيحا له وتنفيرا عنه فَعَلَيْها وباله والاشارة ان الله تعالى اعطى لكل عبد بصيرة لقلبه يبصر بها الحقائق المودعة فى الغيوب والكمالات المعدة لأرباب القلوب كما اعطى بصرا لقالبه يبصر به الأعيان فى الشهادة وما أعد لهم فيها من المأكول والمشروب والملبوس والمنكوح فمن نظر ببصر البصيرة الى المراتب العلوية الاخروية الباقية وابصر كمالات القرب وما أعد الله مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فيشتغل بتحصيله ويقبل على الله بسلوك سبيله ويعرض عن الدنيا الدنية ويترك زينتها وشهواتها الفانية فذلك تحصيل سعادة وكرامة لنفسه فان الله غنى عن العالمين ومن عمى عن النظر بالبصيرة وغير هذه الكمالات لما ابصر ببصر القالب الى الدنيا وزينتها واستلذ بشهواتها واستحلى مراتعها الحيوانية فعميت بصيرته فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي فى الصدور فذلك تحصيل شقاوة وخسارة على نفسه كذا فى التأويلات النجمية وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ وانما انا منذر ومبلغ والله هو الحفيظ عليكم يحفظ أعمالكم ويجازيكم عليها وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ اى ومثل هذا التصريف البديع نصرف الآيات(3/81)
اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)
الدالة على المعاني الرائقة الكاشفة عن المعاني الفائقة ولا تصرف ادنى منه من الصرف وهو نقل الشيء من حال الى حال وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ علة لمحذوف واللام للعاقبة والدرس القراءة والتعلم اى وليقولوا فى عاقبة أمرهم درست صرفنا اى قرأت وتعلمت من غيرك نحو سيار وجبير كانا عبدين لقريش من سبى الروم كان قريش يقولون له عليه السلام انك تتعلم هذه الاخبار منهما ثم تقرأ علينا على زعم انها من عند الله وَلِنُبَيِّنَهُ عطف على ليقولوا واللام على الأصل اى التعليل لان التبين مقصود التصريف والضمير للآيات باعتبار القرآن لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وتخصيص التبيين بهم لما انهم المنتفعون به اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ اى دم يا محمد على ما أنت عليه من اتباع القرآن الذي عمدة أحكامه التوحيد وان قدحوا فى تصريف آياته لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لا شريك له أصلا وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ولا تبال بأقوالهم ولا تلتفت الى آرائهم فانه لا يجوز الفتور فى تبليغ الدعوة والرسالة بسبب جهل الجاهلين
بكوى آنچهـ دانى سخن سودمند ... وكر هيچ كس را نيايد پسند
كه فردا پشيمان بر آرد خروش ... كه آوخ چرا حق نكردم بكوش
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ توحيدهم وعدم اشراكهم ما أَشْرَكُوا وهو دليل على انه تعالى لا يريد ايمان الكافر لكن لا بمعنى انه تعالى يمنعه عنه مع توجهه اليه بل بمعنى انه تعالى لا يريده منه لعدم صرف اختياره الجزئى نحو الايمان وإصراره على الكفر وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ متعلق بما بعده وكذا عليهم الآتي حَفِيظاً رقيبا مهيمنا من قبلنا تحفظ عليهم أعمالهم وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ من جهتهم تقوم بامورهم وتدبر مصالحهم قال الحدادي وانما جمع بين حفيظ ووكيل لاختلاف معناهما. فان الحافظ للشىء هو الذي يصونه عما يضره. والوكيل بالشيء هو الذي يجلب الخير اليه فقد ظهر ان عدم قبول الحق من الشقاوة الاصلية ولذا لم يشأ الله سعادتهم وهدايتهم. وعلامة الشقاوة جمود العين وقساوة القلب وحب الدنيا وطول الأمل. وعلامة السعادة حب الصالحين والدنو منهم وتلاوة القرآن وسهر الليل ومجالسة العلماء ورقة القلب وعن ابراهيم المهلب السائح رحمه الله قال بينا انا أطوف إذا بجارية متعلقة بأستار الكعبة وهى تقول بحبك لى ألا رددت علىّ قلبى فقلت يا جارية من اين تعلمين انه يحبك قالت بالعناية القديمة جيش فى طلبى الجيوش وأنفق الأموال حتى أخرجني من بلاد الشرك وأدخلني فى بلاد التوحيد وعرفنى نفسى بعد جهلى إياها فهل هذا يا ابراهيم الا لعناية او محبة: قال الحافظ
چون حسن عاقبت نه برندى وزاهديست ... آن به كه كار خود بعنايت رها كنند
والواجب على العبد ان يسارع الى الأعمال الصالحة فانها من علامات السعادة والتأخير وطول الأمل من علامات الشقاوة- حكى- ان بعض العباد كان يسأل الله تعالى ان يريه إبليس فقيل له اسأل الله العافية فابى الا ذلك فاظهره الله تعالى له فلما رآه العابد قصده بالضرب فقال له إبليس لولا انك تعيش مائة سنة لاهلكتك ولعاقبتك فاغتر بقوله فقال فى نفسه ان عمرى بعيد فافعل ما أريد ثم أتوب فوقع فى الفسق وترك العبادة وهلك وهذه الحكاية تحذرك طول الأمل فانه آفة عظيمة: قال الصائب(3/82)
وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)
در سر اين غافلان طول امل دانى كه چيست ... آشيان كردست مارى در كبوتر خانه
واعلم انه ما على الرسول عليه السلام الا التبليغ ودلالة كل قوم الى ما خلق له. فيدعو العوام الى التوحيد. والخواص الى الوحدانية. وخواص الخواص الى الوحدة وكذا حال الولي الوارث لكن الوصول الى هذه المقامات انما يكون بهداية الله ومشيئته فليس فى وسع المرشد ان يوصل كل من أراد الى ما اراده فيبقى من يبقى فى الاثنينية ويصل من يصل الى عالم الوحدة والسبب الموصل هو التوحيد فكما ان الكافر لا يكون مؤمنا الا بكلمة التوحيد فكذا المؤمن لا يكون مخلصا الا بتكرارها لان الشرك مطلقا جليا كان او خفيا لا يزول الا بالتوحيد مطلقا فالمؤمن الناقص كما انه لا يلتفت الى المشرك بالشرك الجلى وحاله كذلك المؤمن الكامل لا ينظر الى جانب المشرك بالشرك الخفي ولذا قال تعالى لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ لكن الاعراض من حيث الحقيقة لا ينافى الإقبال من حيث الظاهر لاجل الدعوة حتى يلزم الحجة ويحصل الافحام وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ فالسلام على من اتبع الهدى والملام على من اتبع الهوى: قال الحافظ
چهـ شكرهاست درين شهر كه قانع شده اند ... شاهبازان طريقت بمقام مكسى
وَلا تَسُبُّوا اى لا تشتموا ايها المؤمنون الَّذِينَ اى الأصنام يَدْعُونَ اى يدعونها آلهة ويعبدونها مِنْ دُونِ اللَّهِ اى متجاوزين عبادة الله تعالى والمراد بالداعين كفار مكة وقال المولى ابو السعود رحمه الله اى لا تشتموهم من حيث عبادتهم لآلهتهم كأن تقولوا تبا لكم ولما تعبدونه مثلا فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً اى تجاوزا عن الحق الى الباطل بان يقولوا لكم مثل قولكم لهم وهو منصوب على المصدر لكونه نوعا من عامله لان السبب من جنس العدو او على انه مفعول له اى لاجل العدو بِغَيْرِ عِلْمٍ حال اى يسبونه غير عالمين بالله تعالى وبما يجب ان يذكر به اى مصاحبين للجهل لانهم لو قدروا الله حق قدره لما اقدموا عليه فان قلت انهم كانوا مقرين بالله وعظمته وان الأصنام انما تعبد ليكونوا شفعاء عند الله فكيف يسبونه قلت انهم لا يفعلون ذلك صريحا لكن ربما يفضى فعلهم الى ذلك وايضا ان الغيظ والغضب انما يحمل الإنسان على التكلم بما ينافى العقل ألا يرى ان المسلم قد يتكلم لشدة غضبه بما يؤدى الى الكفر والعياذ بالله وفى الآية دليل على ان الطاعة إذا أدت الى معصية راجحة وجب تركها فان ما يؤدى الى الشرشر ألا يرى ان سب الأصنام وطعنها من اصول الطاعات وقد نهى الله تعالى عنه لكونه مؤديا الى معصية عظيمة وهى شتم الله وشتم رسوله وفتح باب السفاهة قال الحدادي وفى هذا دليل على ان الإنسان إذا أراد ان يأمر غيره بالمعروف ويعلم ان المأمور يقع بذلك فى أشد مما هو فيه من شتم او ضرب او قتل كان الاولى ان لا يأمره ويتركه على ما هو فيه: قال السعدي قدس سره
مجال سخن تا نيابى مكوى ... چوميدان نبينى نكهدار كوى
كَذلِكَ اى مثل ذلك التزيين القوى وهو تزيين المشركين سب الله تعالى وعبادة الأوثان(3/83)
زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ من الخير والشر والطاعة والمعصية باحداث ما يمكنهم منه ويحملهم عليه توفيقا او تخذيلا ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مالك أمرهم مَرْجِعُهُمْ اى رجوعهم بالبعث بعد الموت فَيُنَبِّئُهُمْ [پس خبر دهد ايشانرا] من غير تأخير بِما كانُوا يَعْمَلُونَ فى الدنيا على الاستمرار من السيئات المزينة لهم وهو وعيد بالجزاء والعذاب كقول الرجل لمن يتوعده سأخبرك بما فعلت وفيه نكتة وهى ان كل ما بظهر فى هذه النشأة من الأعيان والاعراض فانما يظهر بصورة مستعارة مخالفة لصورته الحقيقية التي بها يظهر فى النشأة الآخرة فان المعاصي سموم قاتلة قد برزت فى الدنيا بصورة يستحسنها نفوس العصاة كما نطقت به هذه الآية الكريمة وكذا الطاعات فانها مع كونها احسن الاحاسن قد ظهرت عندهم بصورة مكروهة ولذلك قال عليه السلام (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات) فاعمال الكفرة قد برزت لهم فى هذه النشأة بصورة مزينة يستحسنها الطغاة وستظهر فى النشأة الآخرة بصورتها الحقيقية المنكرة الهائلة فعند ذلك يعرفون ان أعمالهم ماذا فعبر عن إظهارها بصورها الحقيقية بالأخبار بها لما ان كلامنهما سبب للعلم بحقيقتها كما هى كذا فى تفسير الإرشاد ويظهر صور الأعمال القبيحة لاهل السلوك فى البرزخ الدنيوي فيجتهدون فى تبديلها- حكى- عن
الشيخ ابى بكر الضرير رحمه الله قال كان فى جوارى شاب حسن الوجه يصوم النهار ولا يفطر ويقوم الليل ولا ينام فجاءنى يوما وقال يا أستاذ انى نمت عن وردى الليلة فرأيت كأن محرابى قد انشق وكأنى بجوار قد خرجن من المحراب لم ار احسن وجها منهن وإذا فيهن واحدة شوهاء لم ار أقبح منها منظرا فقلت لمن أنتن ولمن هذه فقلن نحن لياليك التي مضين وهذه ليلة نومك فلو مت فى ليلتك هذه لكانت هذه حظك ثم انشأت الشوهاء تقول
اسأل لمولاك وارددني الى حالى ... فانت قبحتنى من بين اشكالى
وقد أردت بخير إذ وعظت بنا ... ابشر فانت من المولى على حال
قالت جارية من الحسان
نحن الليالى اللواتى كنت تسهرها ... تتلو القرآن بترجيع ورنات
وقد قال بعض الكبار انكشاف عيب النفس خير من انكشاف الملكوت إذا المقصود إصلاح الطبيعة والنفس والاكل والشرب والمنام من الصفات البهيمية التي هى مقتضى الطبيعة وفى التأويلات النجمية زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ من المقبولين اعمال اهل القبول ومن المردودين اعمال اهل الرد ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ اى باقدام تلك الأعمال كلا الفريقين يذهبون الى ربهم فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ اما اهل القبول فيسلكون على أقدام الأعمال الصالحة طريق اللطف فينبئهم بالفضل والإحسان انهم كانوا يحسنون واما اهل الرد فيقطعون على أقدام المخالفات فى بوادي القهر والهلكات فينبئهم بالعدل والخسران انهم كانوا يسيئون انتهى وفى المثنوى
جمله دانند هين اگر تو نكروى ... هر چهـ مى كاريش روزى بدروى
وعن بعض الصالحين قال كانت فى جانبى عجوز قد أضنتها العبادة فسألتها ان ترفق بنفسها(3/84)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)
فقالت يا شيخ أما علمت ان رفقى بنفسي غيبنى عن باب المولى ومن غاب عنه مشتغلا بالدنيا عرض نفسه للمحن والبلوى وما قدر عملى إذا اجتهدت فكيف إذا قصرت ثم قالت وا سوأتاه من حسرة السباق وفجعة الفراق. فاما حسرة السباق فاذا قام القائمون من قبورهم وركب الأبرار نجائب الأنوار وساروا الى قصر من العز والجلال ورفعت لهم منازل المحبين وقدمت بين أيديهم نجائب المقربين وبقي المسبوق فى جملة المحزونين فعند ذلك ينقطع فؤاده حسرة وتأسفا ويذوب ندامة وتلهفا. واما فجعة الفراق فعند تمييز الناس والافتراق وذلك ان الله سبحانه إذا جمع الخلق فى صعيد واحد امر ملكا فنادى ايها المجرمون امتازوا ان المتقين قد فازوا وهو قوله تعالى وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ فيتميز الرجل من زوجته والولد من والدته والحبيب من حبيبه هذا يحمل مبجلا الى رياض النعيم وهذا يساق مسلسلا مغلغلا الى عذاب الجحيم وقد طال منهم التلفت والوداع ودموعهم تجرى كالانهار بفجعة الفراق وانشدوا بالبين والفراق
لو كنت ساعة بيننا ما بيننا ... ورأيت كيف نكرر التوديعا
لعلمت ان من الدموع لأبحرا ... تجرى وعاينت الدماء دموعا
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ- روى- ان قريشا قالوا يا محمد انك تخبرنا ان موسى عليه السلام كانت معه عصا فيضرب بها الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عينا وتخبرنا ان عيسى عليه السلام كان يحيى الموتى وان صالحا عليه السلام اخرج الناقة من الجبل فائتنا أنت ايضا بآية بينة فان فعلت ذلك لنصدقنك ونؤمنن لك وحلفوا على ذلك وبالغوا فى تأكيد الحلف فقال عليه السلام (أي شىء تحبون) قالوا تجعل لنا الصفا ذهبا او ابعث لنا بعض موتانا حتى نسأله عنك أحق ما تقول أم باطل او أرنا الملائكة يشهدون لك فقال عليه السلام (فان فعلت بعض ما تقولون تصدقوننى) قالوا نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعين وسأل المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ينزلها عليهم حتى يؤمنوا فهم عليه السلام بالدعاء فجاء جبريل عليه السلام فقال ان شئت كان ذلك ولئن كان فلم يصدقوا عنده ليعذبنهم بعذاب الاستئصال ولئن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم فانزل الله تعالى هذه الآية اى حلف كفار قريش بالله تعالى جَهْدَ أَيْمانِهِمْ مصدر فى موقع الحال اى جاهدين فى ايمانهم وجهد الايمان أغلظها وأشدها لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ من مقترحاتهم لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ لهم إِنَّمَا الْآياتُ كلها عِنْدَ اللَّهِ اى هو قادر عليها يظهر منها ما يشاء وليس شىء منها بقدرتي وإرادتي وانما انا نذير ثم بين تعالى الحكمة فى عدم مجىء الآيات فقال مخاطبا للمسلمين وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ اى أي شىء يعلمكم ان الآية التي يقترحونها إذا جاءت لا يؤمنون بل يبقون على ما كانوا عليه من الكفر والعناد اى لا تعلمون ذلك فتتمنون مجيئها طمعا فى ايمانهم فانكر السبب اى الاشعار مبالغة فى نفى المسبب اى الشعور وفيه بيان ان ايمانهم فاجرة وانه لا يغنى وضوح الادلة لمن لم يساعده سوابق الرحمة وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ عطف على لا يؤمنون اى وما يشعركم انا حينئذ نحول قلوبهم عن الحق فلا يفهمون وَأَبْصارَهُمْ عن اجتلائه فلا يبصرونه(3/85)
وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)
فلا يؤمنون بها كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ اى بما جاء من الآيات أَوَّلَ مَرَّةٍ من انشقاق القمر ونحوه وَنَذَرُهُمْ اى ندعهم عطف على لا يؤمنون داخل فى حكم الاستفهام الإنكاري فِي طُغْيانِهِمْ ضلالهم متعلق بنذرهم يَعْمَهُونَ اى متحيرين لا نهديهم هداية المؤمنين فهو حال من الضمير المنصوب فى نذرهم ووجه هذا التقليب والترك فساد استعدادهم واعراضهم عن الحق بالكلية فان الله تعالى لا يفعل بهم ذلك مع توجههم الى الحق واستعدادهم لقبوله فانه إجبار محض فان كان مقهورا مطبوعا على قلبه فليعلم ان ذلك لعدم تأثير اللطف فيه أصلا فلله الحجة البالغة ومن الله الهداية والتوفيق: تم الجزء السابع فى أوائل شهر ربيع الآخر من سنة الف ومائة الجزء الثامن من الاجزاء الثلاثين وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ تفصيل ما ذكر على الإجمال بقوله وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ اى ولو اننا نزلنا إليهم الملائكة كما سألوه بقولهم لو انزل علينا الملائكة فنراهم عيانا وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وشهدوا بحقية الايمان بعد ان احييناهم حسبما اقترحوه بقولهم فائت بآية قال صاحب التيسير وأحيينا لهم كل الموتى فكلموهم بان شهدوا لك وان كانوا سألوا منك احياء اثنين من موتاهم قصى بن كلاب وجدعان بن عمرو وكانا كبيرين منهم وصدوقين حيث قالوا لئن أحييتهما فشهدا لك بالنبوة لشهدنا نحن ايضا وَحَشَرْنا اى جمعنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا جمع قبيل بمعنى كفيل وانتصابه على الحالية من المفعول اى كفلاء بصحة الأمر وصدق النبي عليه السلام او جمع قبيل الذي هو جمع قبيلة بمعنى جماعات اى وحشرنا كل شىء نوعا نوعا وفوجا فوجا من سائر المخلوقات وفى التيسير اى وبعثنا كل حيوان من الفيل الى البعوض اى أقمنا القيامة ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا فى حال من الأحوال الداعية الى الايمان إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ اى الا فى حال مشيئة الله لايمانهم وهيهات ذلك وحالهم حالهم من التمادي فى العصيان والغلو فى التمرد والطغيان وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ اى ولكن اكثر المؤمنين يجهلون عدم ايمانهم عند مجيىء الآيات لجهلهم عدم مشيئة الله تعالى لايمانهم فيتمنون مجيئها طمعا فيما لا يكون فالجملة مقررة لمضمون قوله تعالى وَما يُشْعِرُكُمْ الآية واعلم ان الآية وان عظمت لا تضطر الى الايمان ان لم يشأ الله تعالى فانه لا آية أعظم من قيام الساعة والله تعالى يقول وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وجملة الأمر ان المشيئة تغير السجية وعدمها من فساد الاستعداد فلذا بقي اهل الضلال فى يد القهر والجلال: قال السعدي
ز وحشي نيايد كه مردم شود ... بسعى اندر او تربيت كم شود
توان پاك كردن ز ژنك آيينه ... ولكن نيايد ز سنك آيينه(3/86)
وقال الحافظ
كر جان بدهد سنك سيه لعل نكردد ... با طينت أصلي چهـ كند بد كهر افتاد
واما قول المولوى قدس سره فى المثنوى
كر تو سنك خاره ومرمر شوى ... چون بصاحب دل رسى كوهر شوى
فاشارة الى المستبعد بحكم الأصل فان التربية تنفع فيه فجميع المعجزات من الأنبياء والكرامات من الأولياء علمية كانت او كونية تربية لمن فى زمانهم فمن حسن استعداده مال واهتدى ومن فسد اعرض وضل وترى كثيرا من المغرورين المشغولين باحكام طبائعهم الخبيثة ونفوسهم المتمردة يقولون كالطلبة لو انا صادفنا المرشد الكامل ورأينا منه العلامة واضحة لكنا أول من يسلك بطريقتهم ويتمسك بأذيال حقيقتهم فقل لهم ان الشمس شمس وان لم يرها الضرير والعسل عسل وان لم يجد طعمه الممرور والطالب المستعد لا يقع فى الامنية ولا يضيع نقد عمره بخسارة بل يجتهد كل حين بما أمكن له من الطاعات ويكون فى طريق الطلب فان ما لا يدرك كله لا يترك قله: قال فى المثنوى
كر كران وكر شتابنده بود ... عاقبت جوينده يابنده بود
ثم هذا الاستعداد وانشرح الصدر فى طريق الحق نور من الله تعالى يقذفه فى قلب أي عبد شاء وليس بحداثة السن ولا بالشيخوخة وكم رأيت وسمعت من غلبه الحال فى عنفوان عمره وعنوان امره وعن بعض الصالحين قال حججت سنة من السنين وكانت سنة كثيرة الحر والسموم فلما كان ذات يوم وقد توسطنا ارض الحجاز انقطعت عن الحاج وغفلت قليلا فلم أشعر ليلا الا وانا وحدي فى البرية فلاح لى شخص امامى فاسرعت اليه ولحقته وإذا به غلام امرد لا نبات بعارضيه كأنه القمر المنير والشمس الضاحية وعليه اثر الدلال والترف فقلت له السلام عليك يا غلام فقال وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا ابراهيم فعجبت منه كل العجب ورابنى امره فلم أتمالك ان قلت له يا غلام سبحان الله من اين تعرفنى ولم ترنى قبلها فقال لى يا ابراهيم ما جهلت مذ عرفت ولا قطعت مذ وصلت فقلت ما الذي اوقعك فى هذه البرية فى مثل هذه السنة الكثيرة الحر والقيظ فاجابنى يا ابراهيم ما آنس بسواه ولا رافقت غيره وانا منقطع اليه بالكلية مقر له بالعبودية فقلت له من اين المأكول والمشروب فقال لى تكفل به المحبوب فقلت والله انى خائف عليك لاجل ما ذكرت لك فاجابنى ودموعه تتحدر على خديه كاللؤلؤ الرطب
فلو أجوع فذكر الله يشبعنى ... ولا أكون بحمد الله عطشانا
وان ضعفت فوجد منه يحملنى ... من الحجاز الى أقصى خراسانا
فقلت له بالله عليك يا غلام ألا ما أعلمتني حقيقة عمرك فقال اثنتا عشرة سنة ثم رجوته فدعا لى باللحوق الى أصحابي فلما وقفنا بعرفة ودخلنا الحرم إذا انا بالغلام وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يبكى ويناجى ثم وقع ساجدا ومات الى رحمة الله تعالى ثم رأيته فى المنام فقلت ما الذي فعل بك إلهك فقال أوقفني بين يديه وقال لى ما بغيتك فقلت الهى وسيدى أنت بغيتي فقال لى(3/87)
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)
أنت عبدى حقا ولك عندى ان لا احجب عنك ما تريد فقلت أريد ان تشفعنى فى القرن الذي انا فيه قال شفعتك فيه ثم انه صافحنى فاستيقظت بعد المصافحة فلم ار أحدا الا ويقول لى يا ابراهيم لقد از عجت الناس من طيب رائحة يدك قال بعض المحدثين ولم تزل رائحة الطيب تخرج من يد ابراهيم حتى قضى نحبه رحمه الله رحمة واسعة وَكَذلِكَ اى كما جعلنا لك عدوا كأبى جهل وغيره من كفار قريش جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ قبلك عَدُوًّا وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ان عداوتهم وما يبتنى عليها مما لا خير فيه من الأقاويل الكاذبة والأفاعيل الباطلة ليس مختصا به عليه السلام بل كما ابتلى هو وأمته بكيد الأعداء ابتلى جميع الأنبياء وأممهم شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ اى مردة الفريقين على ان الاضافة بمعنى من البيانية وهو بدل من عدوا. والشياطين جمع شيطان وهو يطلق على كل عات متمرد من الانس والجن والشيطان من الجن إذا اعياه المؤمن وعجز عن اغوائه ذهب الى متمرد من الانس فاغراه على المؤمن ليفتنه وعن مالك بن دينار انه قال شياطين الانس أشد علىّ من شياطين الجن وذلك انى ان تعوذت بالله من شياطين الجن ذهبت عنى وشياطين الانس تجيئنى فتجرنى الى المعاصي عيانا يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ كلام مستأنف مسوق لبيان احكام عداوتهم وتحقيق وجه الشبه بين المشبه والمشبه به. والوحى الكلام الخفي والقول السريع الذي يلقى سرا اى يلقى يوسوس شياطين الجن والانس او بعض الجن الى بعض وبعض الانس الى بعض زُخْرُفَ الْقَوْلِ اى المموه منه المزين ظاهره والباطل باطنه يقال فلان زخرف كلامه إذا زينه بالكذب والباطل غُرُوراً مفعول له ليوحى اى ليغرّوهم وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ عدم ما ذكر من العداوة والإيحاء ما فَعَلُوهُ اى ما ذكر فاعيد ضمير الواحد الى الاثنين باعتباره فَذَرْهُمْ اى إذا كان ما فعلوه فى حقك بمشيئته تعالى فاتركهم وَما يَفْتَرُونَ وافتراءهم اى كفرهم وسائر مكائدهم فان لهم فى ذلك عقوبات شديدة ولك عواقب حميدة لابتناء مشيئته تعالى على الحكم البالغة البتة وَلِتَصْغى إِلَيْهِ الى زخرف القول علة اخرى للايحاء معطوفة على غرورا وانما لم ينصب لفقد شرطه إذ الغرور فعل الموحى وإصغاء الافئدة فعل الموحى اليه اى يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول ليغروهم به ولتميل اليه أَفْئِدَةُ قلوب الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ واما المؤمنون بها فلا يتصور منهم الميل الى تلك المزخرفات لعلمهم ببطلانها ووخامة عاقبتها وَلِيَرْضَوْهُ لانفسهم بعد ما مالت اليه افئدتهم وَلِيَقْتَرِفُوا اى يكتسبوا بموجب ارتضائهم له ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ له من القبائح التي لا يليق ذكرها وهى ما قضى عليهم فى اللوح المحفوظ يقال اقترب فلان ذنبا إذا عمله ومالا إذا اكتسبه وفى الآية اشارة الى ان البلايا للسائرين الى الله هى المطايا وان أشد البلاء شماتة الأعداء فلما كانت رتبة الأنبياء أعلى كانت عداوة الكفار لهم اوفى وفى ذلك ترقيات لهم وتجليات: قال الحافظ
چهـ جورها كه كشيدند بلبلان از دى ... ببوى آنكه دكر نو بهار باز آيد
والاشارة فى شطان الانس الى النفس الامارة بالسوء وهى أعدى الأعداء ولهذا قدم(3/88)
ذكره على الجن هاهنا بخلاف المواضع الأخر وليعلم ان عداوة النفس واصحاب النفوس أشد وأصعب من عداوة شياطين الجن فان كيد الشيطان مع كيد الإنسان ضعيف وارباب القلوب لا يصغون الى زخارف اقوال اصحاب النفوس بل كلما تشتد عداوة الأعداء يقوى ايمان الأولياء
وفا كنيم وملامت كشيم وخوش باشيم ... كه در طريقت ما كافريست رنجيدن
وانما يتسلط الشيطان على ابن آدم بفضول النظر والكلام والطعام وبمخالطة الناس ومن اختلط فقد استمع الى الا كاذيب وعن بعض الشيوخ ان الشيطان أشد بكاء على المؤمن إذا مات من بعض اهله لما فاته من افتتانه إياه فى الدنيا وإذا عرج بروح المؤمن الى السماء قالت الملائكة سبحان الذي نحبى هذا العبد من الشيطان يا ويحه كيف نجا فعلى المؤمن ان يحترز من وساوسه وحديث نفسه ايضا كيلا يفتضح عند الله وعند الناس فانه روى ان الوسواس الخناس يخبر بما وقع فى قلب ابن آدم وحدث به نفسه وان لم يخبره لغيره كما حكى ان عمر بن الخطاب رضى الله عنه ذكر امرأة فى نفسه فجعل الناس يتحدثون
به فيما بينهم واعلم ان قرين المرء من الجن إذا اسلم سلم من شره ومن الجن قوم مؤمنون منتفعون بعلوم كل البشر محبون- حكى- عن ابراهيم الخواص قال حججت سنة من السنين فبينا انا امشى مع أصحابي إذا عارضنى عارض من سرى يقتضى الخلوة وخروجا عن الطريق الجادة فاخذت طريقا غير الطريق الذي عليه الناس فمشيت ثلاثة ايام بليالهن ما خطر على سرى ذكر طعام ولا شراب ولا حاجة فانتهيت الى برية خضراء فيها من كل الثمرات والرياحين ورأيت فى وسطها بحيرة فقلت كانها الجنة وبقيت متعجبا فبينا انا أتفكر إذا انا بنفر قد اقبلوا سيماهم سيما الآدميين عليهم المرقعات الحسان فخفوابى وسلموا علىّ فقلت وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته فوقع فى خاطرى انهم من الجن فقال قائل منهم قد اختلفنا فى مسألة ونحن نفر من الجن قد سمعنا كلام الله تعالى من محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الجن وسلبتنا نغمة كلامه جميع امور الدنيا وقد عين الله لنا هذه البحيرة فى هذه البرية قلت وكم بيننا وبين الموضع الذي تركت فيه أصحابي فتبسم بعضهم وقال يا أبا اسحق لله عز وجل عجائب واسرار الموضع الذي أنت فيه لم يحضره آدمي قبلك الا شاب من أصحابهم توفى هاهنا وذاك قبره أشار الى قبر على شفير البحيرة حوله روضة ورياحين لم ار مثلها قبل ثم قال بينك وبين القوم الذين فارقتهم مسيرة كذا وكذا شهرا او قال كذا وكذا سنة فقلت أخبروني عن الشاب فقال قائل منهم بينما نحن قعود على شفير البحيرة نتذاكر المحبة إذ بشخص قد اقبل إلينا وسلم علينا فرددنا عليه السلام فقلنا له من اين اقبل الشاب قال من مدينة نيسابور قلنا له ومتى خرجت منها قال منذ سبعة ايام قلنا له وما الذي از عجك على الخروج من وطنك قال سمعت قول الله تعالى وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ قلنا له ما معنى الانابة وما معنى الإسلام وما معنى العذاب فقال الانابة ان ترجع بك منك اليه والإسلام ان تسلم نفسك له وتعلم انه اولى بك منك والعذاب الفرقة ثم صاح صيحة عظيمة فمات فواريناه وهذا قبره رضى الله عنه قال ابراهيم فتعجبت مما وصفوا ثم دنوت من قبره وإذا عند(3/89)
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)
رأسه باقة نرجس كأنها رحى عظيمة وعلى قبره مكتوب هذا حبيب الله فتيل الغيرة وعلى ورقها مكتوب صفة الانابة فقرأت ما هو على النرجس مكتوب فسألونى ان أفسره لهم ففسرته فوقع فيهم الطرب فلما أفاقوا وسكنوا قالوا قد كفينا جواب مسألتنا قال ووقع علىّ النوم فما انتبهت الا وانا قريب من مسجد عائشة رضى الله عنها وإذا فى وعائى باقة ريحان فبقيت معى سنة كاملة لم تتغير فلما كان بعد فقدتها رضى الله عنه وعنهم وعن جميع الصالحين أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً الهمزة للانكار والفاء للعطف على مقدر وغير مفعول ابتغى وحكما حال وتقديم المفعول للايذان بان مدار الإنكار هو ابتغاء غيره حكما لا مطلق الابتغاء والحكم ابلغ من الحاكم وادل على الرسوخ لما انه لا يطلق الا على العادل وعلى من تكرر منه الحكم بخلاف الحاكم وفى الكلام ارادة القول وإضماره- روى- ان مشركى مكة قالوا يا محمد اجعل بيننا وبينك حكما من أحبار اليهود او من اساقفة النصارى يفصل بين المحق والمبطل فانهم قرأوا الكتب قبلك فانزل الله هذه الآية وقال قل يا محمد أأميل عن لحق فاطلب غير الله تعالى حال كون ذلك الغير قاضيا بينى وبينكم وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ الجملة حال من فاعل ابتغى اى والحال ان الله تعالى هو الذي انزل إليكم وأنتم امة امية لا تدرون ما تأتون وما تذرون القرآن الناطق بالحق والصواب مُفَصَّلًا اى مبينا فيه الحق والباطل والحلال والحرام وغير ذلك من الاحكام بحيث لم يبق فى امر الدين شىء من التخليط والإبهام فأى حاجة بعد ذلك الى الحكم وهذا كما ترى صريح فى ان القرآن الكريم كاف فى امر الدين مغن عن غيره بينانه وتفصيله وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ كلام مستأنف غير داخل تحت القول المقدر مبين ان الذين وثقوا بهم ورضوا بحكميتهم من علماء اهل الكتابين عالمون بحقية القرآن ونزوله من عند الله تعالى والمعنى وعلماء اليهود والنصارى الذين فهمناهم التوراة والإنجيل يعلمون ان ذلك الكتاب اى القرآن منزل من ربك حال كونه ملتبسا بِالْحَقِّ والصدق وهو بالفارسي [براستى ودرستى] وهو متعلق بمحذوف وقع حالا من الضمير المستكن فى منزل فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ اى من الشاكين فى انهم يعلمون بحقية القرآن لما لا تشاهد منهم آثار العلم واحكام المعرفة فالفاء لترتيب النهى على الاخبار بعلم اهل الكتاب بشأن القرآن وفى انه منزل من ربك بالحق فيكون من باب التوبيخ والالهاب اى الثبات على اليقين كقوله وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فالفاء لترتيب النهى على نفس علمهم بحال القرآن ثم انه تعالى لما بين كمال الكتاب المذكور من حيث إضافته اليه تعالى بكونه منزلا منه بالحق بين ايضا كماله من حيث ذاته فقال وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عبر عن الكتاب اى القرآن بالكلمة لانها الأصل فى الاتصاف بالصدق والعدل وبها يظهر الآثار من الحكم صِدْقاً وَعَدْلًا مصدران نصبا على الحال اى صادقة وعادلة ومعنى تمامها عبارة عن بلوغها الغاية فى كونها كافية فى بيان ما يحتاج اليه المكلفون الى يوم القيامة علما وعملا وفى كونها صدقا وعدلا والمعنى انها بلغت الغاية القاصية صدقا فى الاخبار والمواعيد كالخبر عن وجود ذات الله تعالى وصفاته الثبوتية والسلبية وكالخبر عن احكام الله تعالى فى الوعد والوعيد والثواب(3/90)
والعقاب وكالخبر عن احوال المتقدمين وعن الغيوب المستقبلة وعدلا فى الاقضية والاحكام المتعلقة بالمكلفين من الجن والانس كالصلاة والصوم والزكاة والحج وسائر التكاليف الشرعية سواء كانت امرا او نهيا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ لا أحد يبدل شيأ من ذلك بما هو اصدق واعدل ولا بما هو مثله فكيف يتصور ابتغاء حكم غيره تعالى وَهُوَ السَّمِيعُ لكل ما يتعلق به السمع الْعَلِيمُ بكل ما يمكن ان يعلم فيدخل فى ذلك اقوال المتحاكمين وأحوالهم الظاهرة والباطنة دخولا أوليا ومحصول الآية ان القرآن حكم الله تعالى وحجته الغالبة بين الناس فلا عدول عنه الى غيره إذ لا يعدل عنه الا المنكر سواء كان إنكاره عناديا كالعالم بحقيته او تكذيبيا كالجاهل بها واما المقر فهو له جذبة الهية ينجذب بالعمل بما فيه الى درجات العلم والعرفان وكمال الإيقان إذ
هو كلمة حق وصدق والصدق يهدى الى الجنة والقربة والوصلة ولا ترتفع التكليفات عن العبد وان وصل الى تجلى الذات مادام فى عالم الدنيا لا كما زعمه بعض الزاعمين واما فى عالم الآخرة فترتفع التكليفات فعبادة ذلك العالم التوحيد ليس الا ولا بد من رعاية الشريعة فى جميع المراتب فان الكمال فيه والا فهو ناقص ولذلك ترى المجاذيب لا يخلون عن نقصان ألا يرى ان الأنبياء عليهم السلام لم يسمع عن واحد منهم عروض السفه والجنون فكامل العقل يحس صرير الباب وصوت الذباب فى حال استغراقه- حكى- ان الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر قال يوما لمريديه هل صدر منى شىء يخالف الشريعة قالوا لا فحمد الله تعالى وقال ما كنت هاهنا منذ ثلاثين سنة والإنسان اشرف المخلوقات واشرف الإنسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولذلك صار مظهرا للفرقان الكريم من المبتدأ القديم وهو الحكم الذي نصبه الله تعالى لاحقاق الحق وابطال الباطل
ألا اى احمد مرسل شود هر مشكل از تو حل ... كنم وصف ترا مجمل تويى سلطان هر مولى
شريعت از تو روشن شد طريقت هم مبرهن شد ... حقيقت خود معين شد زهى سلطان بي همتا
واعلم ان هذه الآية متعلقة بمرتبة النفس وإصلاحها فان ابتغاء حكم غير الله تعالى من هوى النفس فاصلاحها بالانقياد والتسليم وكل من له حظ من علم القرآن ظاهرا او باطنا فهو وارث النبي عليه السلام بقدر حاله والحاكم هو عالم امر الله لا الجاهل قال على كرم الله وجهه من افتى الناس بغير علم لعنه السماء والأرض وسألت بنت علىّ البلخي إياها عن القيء إذا خرج الى الحلق فقال يجب إعادة الوضوء فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يا على حتى يكون ملىء الفم فقال علمت ان الفتوى تعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فآليت على نفسى ان لا افتى ابدا وسئل الشعبي عن مسألة فقال لا اعلم فقيل ألا تستحيى وأنت فقيه العراقين قال ولم لا استحيى مما لا تستحيى منه الملائكة حيث قالت لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا فعلى العامة ان يرجوا فى الأمور الظاهرة الى اعلم البلدة او العصر بقدر الإمكان وعلى الخاصة ان يستفتوا فى الأحوال الباطنة من الأعرف وان كان اميا لا يعرف اصطلاحات العلماء إذ له حكمة معنوية تغنى عن الاصطلاحات وهو الذي يليق بان يسمى حكيما وقد اتفق اهل الله تعالى على ان العبد إذا وصل الى الله فالله تعالى يعلمه ويلهمه فيميز بين الحق والباطل ولا(3/91)
وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117) فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)
يكون ما يتكلمه خارجا عن الشريعة واليه يشير قول من قال ما اتخذ الله من ولى جاهل ولو اتخذه لعلمه وكما ان الاصحاب ما خرجوا عن حكم النبي عليه السلام كما قال تعالى فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ وقال وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ كذلك اهل الارادة ما خرجوا عن امر المرشد الكامل إذ الحكم وان كان لله تعالى فى الحقيقة كما نطقت به الآية الا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خليفة الله تعالى وكذا من ورثه قولا وحالا وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وذلك ان اهل مكة كانوا يستحلون أكل الميتة ويدعون المسلمين الى أكلها وكانوا يقولون انما ذلك ذبح الله فهو أحل مما ذبحتم أنتم بسكاكينكم فانزل الله تعالى هذه الآية والمعنى ان تطع الكفار يا محمد لانهم اكثر من فى الأرض يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى دينه وشريعته كأنه قيل كيف يضلون فقيل إِنْ يَتَّبِعُونَ اى ما يتبعون فى امور دينهم ومجادلتهم لك فى امر الميتة إِلَّا الظَّنَّ وهو ظنهم ان آباءهم كانوا على الحق فهم على آثارهم يهتدون فيضلون ضلالا مبينا ولا ريب ان الضال المتصدي للارشاد انما يرشد غيره الى مسلك نفسه فهم ضالون مضلون فان سبيل الحق لا يسلك بالظن والتقليد والهوى وانما يسلك بالصدق والتحقيق والهدى وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ اى ما هم الا يكذبون على الله تعالى فى تحليل الميتة وغيره إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بعلم مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ فيجازى كلا منهم بما يستحقون فاحذر ان تكون من الفريق الاول قال الحدادي وانما قال اعلم لان الله يعلم الشيء من كل جهاته وغيره يعلم الشيء من بعض جهاته فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ مسبب عن انكار اتباع المضلين الذين يحرمون الحلال ويحللون الحرام. والمعنى كلوا ايها المؤمنون مما ذكر اسم الله تعالى خاصة على ذبحه لا مما ذكر عليه اسم غيره فقط او مع اسم الله تعالى او مات حتف انفه فان الايمان بالآيات القرآنية يقتضى استباحة ما أحله الله والاجتناب عما حرمه وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وأي سبب حاصل لكم فى ان لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه قال الامام ان المشركين كانوا يبيحون أكل ما ذبح على اسم الله تعالى ولا ينازعون فيه وانما النزاع فى انهم ايضا كانوا يبيحون أكل الميتة والمسلمون كانوا يحرمونها وإذا كان كذلك كان ورود الأمر بإباحة ما ذكر اسم الله عليه عبثا لانه يقتضى اثبات الحكم فى المتفق عليه وترك الحكم فى المختلف فيه فاجاب بان معنى كلوا اجعلوا أكلكم مقصورا على ما ذكر اسم الله عليه ومعنى ان لا تأكلوا ان لا تجعلوا أكلكم مقصورا عليه فيفيد تحريم أكل الميتة فقط وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ اى والحال انه تعالى قد بين لكم ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ مما لم يحرمه بقوله تعالى فى هذه السورة قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً الآية فبقى ما عدا ذلك على الحل لا بقوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ الآية لانها مدنية وهذه السورة مكية فان قلت قوله تعالى قُلْ لا أَجِدُ الآية مذكور بعده هذه الآية وصيغة فصل تقتضى التقدم قلت ان التأخر فى التلاوة لا يوجب التأخر فى النزول ويجوز ان يحمل على التفصيل بالوحى(3/92)
الغير المتلو كما ذهب اليه سعذى چلبى المفتى وجعله اولى عنده إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ مما حرم عليكم فانه ايضا حلال حال الضرورة فالاستثناء متصل والمستثنى منه ما حرم وما مصدرية بمعنى المدة اى وقد فصل لكم الأشياء التي حرمت عليكم فى جميع الأوقات الا وقت الاضطرار إليها وان جعلت موصولة تعين ان يكون الاستثناء منقطعه لان ما اضطر اليه حلال فلا يدخل تحت ما حرم عليهم وَإِنَّ كَثِيراً من الكفار لَيُضِلُّونَ الناس بِأَهْوائِهِمْ بما تهواه أنفسهم من تحليل الميتة وغيرها بِغَيْرِ عِلْمٍ مقتبس من الشريعة الشريفة مستند الى الوحى إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ المتجاوزين الحق الى الباطل والحلال الى الحرام اعلم ان اهل الهوى على انواع فالمعتزلة والشيعة ونحوهما من اهل القبلة اهل هوى لانهم يخالفون اهل السنة والجماعة بتأويل الكتاب والسنة على حسب هو
أهم فيضلون الناس بهواهم كما يضل الكفار واهل الشرك. واما أخذ الإشارات من الآيات والأحاديث على وجه يطابق الشرع الشريف فذلك ليس بهوى بل هو عرفان محض: قال فى المثنوى
تو ز قرآن اى پسر ظاهر مبين ... ديو آدم را نبيند جز كه طين
ظاهر قرآن چوشخص آدميست ... كه نقوشش ظاهر وجانش خفيست
فالتقليد لاصحاب الإشارات ليس كالتقليد لاصحاب الضلالات لانهم بنوا أمرهم على العيان واليقين لا على الظن والتخمين وكذا اهل الدنيا اهل هوى بالنسبة الى اهل العقبى فان الكون كله خيال وتابع الخيال لا يعد من العقلاء والرجال وعن بهلول رحمه الله قال بينما انا ذات يوم فى بعض شوارع البصرة إذ الصبيان يلعبون بالجوز واللوز وإذا انا بصبى ينظر إليهم ويبكى فقلت هذا صبى يتحسر على ما فى أيدي الصبيان ولا شىء معه فيلعب به فقلت له اى بنى ما يبكيك اشتر لك من الجوز واللوز ما تلعب به مع الصبيان فرفع بصره الىّ وقال يا قليل العقل ما للعب خلقنا فقلت اى بنى فلماذا خلقنا فقال للعلم والعبادة فقلت من اين لك ذلك بارك الله فيك قال من قول الله عز وجل أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ وكذا اهل العقبى اهل هوى بالنسبة الى اهل المولى فاهل المولى تجردوا عن تعلق الكونين وتجاوزوا عن اعتبار الوصل والبين وما نظروا الى شىء غيره: قال صاحب المحمدية
سالكان در كهت را هر دو عالم يك نفس ... والهان حضرتت را از حور جنت ملال
وقد حرم الله الدنيا على اهل الآخرة والآخرة على اهل الدنيا وحرم كلا منهما على اهل الله تعالى لكن من تناول من الدنيا قدر ما يسد به جوعته ويستر به عورته فانه ليس من اهل الدنيا لان ذلك من الضرورات البشرية وفيه اذن الله تعالى لمحافظة الدائرة البدنية التي هى الاس والاشارة فى قوله تعالى فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ يعنى ان من امارات الايمان ان تأكلوا الطعام بحكم الشرع لا على وفق الطبع وتذيبوه بذكر الله كما قال عليه السلام (أذيبوا طعامكم بذكر الله) فان الاكل على الغفلة والنسيان والاستعانة به على العصيان يورث موت الجنان والحرمان من الجنان وفى هذا الحديث اشارة الى مشروعية(3/93)
وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)
الجهر إذ ذوبان الطعام فى صورة الجهر اظهر ويدل عليه ما ورد ايضا من الركعتين بعد الطعام او من تلاوة عشر آيات من القرآن إذ الحركة البدنية تفضى الى استمراء الطعام وانهضامه الذي به تحصل قوة البدن وبقوة البدن يقوى المرء على العبادة وفى العبادة بعد الطعام شكر للنعمة والشكر اما بالقلب او باللسان او بالأعضاء والجوارح وَذَرُوا اى اتركوا ايها المؤمنون ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ من اضافة الصفة الى الموصوف اى الإثم الظاهر والإثم الباطن والمراد بالإثم ما يوجب الإثم وهو المعاصي كلها لانها لا تخلو من هذين الوجهين فيدخل فيه ما يعلن وما يسر سواء كان من اعمال القلوب او الجوارح فاعمال الجوارح ظاهرة كالاقوال والافعال واعمال القلوب باطنة كالعقائد الفاسدة والعزائم الباطلة وحقيقة ظاهر الإثم طلب نعم الدنيا وباطنه الميل الى نعم العقبى لان كلا منهما يصير سببا للبعد عن حضرة المولى
ظاهر وباطن خود پاك كن از لوث كناه ... تا كه پاكيزه شوى در صف مردان اله
إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ اى يعملون المعصية ظاهرا وباطنا سَيُجْزَوْنَ سيعاقبون فى الآخرة بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ اى يكسبون فى الدنيا كائنا ما كان فلا بد من اجتنابهما
جمله دانند اين اگر تو نكروى ... هر چهـ ميكاريش روزى بد روى
والاشارة ان الله تعالى كما خلق للانسان ظاهرا هو بدن جسمانى وباطنا هو قلب روحانى فكذلك جعل للاثم ظاهرا هو كل قول وفعل موافق للطبع مخالف للشرع وباطنا هو كل خلق حيوانى وسبعى وشيطانى جبلت النفس عليه وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ اى اتركوا الأعمال الطبيعية باستعمال الأعمال الشرعية واتركوا الأخلاق الذميمة النفسانية بالتحلق بالأخلاق الملكية الروحانية إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ ظاهره وباطنه بالافعال والأخلاق سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ عاجلا وآجلا اما عاجلا فلكل فعل وقول طبيعى ظلمة تصدأ مرآة القلب بها فيخرف مزاج الأخلاق القلبية الروحانية ويتقوى مزاج الأخلاق النفسانية الظلمانية وبه يغلب الهوى ويميل الى الدنيا وشهواتها فباظهار كل خلق منها على وفق الهوى يزيد رينا وقسوة فى القلب فيحتجب به عن الله تعالى كما قال تعالى كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ واما آجلا فبهذه الموانع والحجب ينقطع العبد عن الله ويبقى محجوبا معذبا فى النار خالدا مخلدا كما قال تعالى كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ كذا فى التأويلات النجمية اعلم ان العصاة كلهم فى خطر المشيئة بل الطائعون لا يدرون بماذا يختم لهم فيا ايها العاصي لا تغتر فان العناية لاتحصل لكل عاص ولا تدرى انك ممن أراد الله تعالى عفوه فان المعفو من أول الأمر وقع قليلا- كما حكى- عن مالك بن دينار قال رأيت بالبصرة قوما يحملون جنازة وليس معهم أحد ممن يشيع الجنازة فسألتهم عنه قالوا هذا رجل من كبار المذنبين قال فصليت عليه وأنزلته فى قبره ثم انصرفت الى الظل فنمت فرأيت ملكين قد نزلا من السماء فشقا قبره ونزل أحدهما اليه وقال لصاحبه اكتبه من اهل النار فما فيه جارحة سلمت من المعاصي والأوزار فقال له صاحبه يا أخي لا تعجل عليه اختبر عينيه قال قد اختبرتهما فوجدتهما مملوءتين بالنظر الى محارم الله قال فاختبر سمعه قال قد اختبرته فوجدته مملوأ بسماع الفواحش والمنكرات قال فاختبر لسانه قال قد اختبرته فوجدته(3/94)
وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124) فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)
مملوأ بالخوض فى المحظورات وارتكاب المحرمات قال فاختبر يديه قال قد اختبرتهما فوجدتهما مملوءتين بتناول الحرام وما لا يحل من الشهوات واللذات قال فاختبر رحليه قال قد اختبرتهما فوجدتهما مملوءتين بالسعي فى النجاسات والأمور المذمومات قال يا أخي لا تعجل عليه ودعنى انزل اليه فنزل اليه الملك الثاني واقام عنده ساعة وقال يا أخي قد اختبرت قلبه فوجدته مملوأ ايمانا فاكتبه مرحوما سعيدا ففضل الله تعالى يستغرق ما عليه من الذنوب والخطايا: قال السعدي قدس سره
عروسى بود نوبت ما تمت ... كرت نيك روزى بود خاتمت
يعنى يوم وفاتك يكون يوم فرح وسرور ان كنت ممن قبض على الايمان نسأل الله عفوه ورجاه
الهى بحق نبى فاطمه ... كه بر قول ايمان كنم خاتمه
وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ اى عمدا إذ الناسي حال نسيانه لا يكون مكلفا وذكر الله تعالى فى قلب كل مؤمن واما العامد فلأنه لما ترك التسمية عمدا فكأنه نفى ما فى قلبه ويدخل فيه الميتة لانها مما لم يذكر اسم الله عليه وكذا ما ذبح على اسم غيره تعالى وَإِنَّهُ اى الاكل منه او عدم ذكر التسمية لَفِسْقٌ اى خروج لما لا يحل فان من ترك التسمية عامدا حال الذبح لا يحل أكل ذبيحته عند الامام الأعظم واعلم ان المشركين جادلوا المسلمين فقالوا أتأكلون مما قتلتم ولا تأكلون مما قتله الله فانزل الله الآية وأجاب بجواب أعم ونبى الحرمة على وصف يشمل الكل وهو ترك الذكر وَإِنَّ الشَّياطِينَ اى إبليس وجنوده لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ اى يوسوسون الى المشركين. والوحى إلقاء المعنى الى النفس مع الخفية لِيُجادِلُوكُمْ ايها المؤمنون فى تحليل الميتة بالوساوس الشيطانية وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ فى استحلال الحرام وساعدتموهم على أباطيلهم إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ضرورة ان من ترك طاعة الله الى طاعة غيره واتبعه فى دينه فقد أشرك به تعالى بل آثره عليه سبحانه والاشارة لا تأكلوا طعاما الا بامر الله وعلى ذكر الله وفى طلب الله ليندفع بنور الذكر ظلمة الطعام وشهوته وان ظلمة الطعام وشهوته مؤدية الى الفسق الذي هو الخروج من النور الروحاني الى الظلمة النفسانية وفى الحديث (ان الشيطان يستحل الطعام الا بذكر اسم الله عليه) اى لانه لا يذكر اسم الله عليه بعد الشروع وما لم يشرع فيه أحد لا يتمكن الشيطان من استحلاله وفيه اشارة الى انه ان سمى واحد من الآكلين حصل اصل السنة ومن نسى التسمية فى أول الطعام فانه يقول حين يذكر بسم الله اوله وآخره فاذا قال ذلك فقد تدارك تقصيره وهذا بخلاف الوضوء فان التسمية سنة فى اوله بحيث لو نسيها فى اوله ثم تذكر فى وسطه لم يكن هذا تداركا لسنة التسمية وذلك لان الوضوء كله عمل واحد بخلاف الاكل فان كل لقمة أكلة وكان رجل يأكل فلم يسم حتى لم يبق من طعامه الا لقمة فلما رفعها الى فيه قال بسم الله اوله وآخره فضحك النبي عليه السلام ثم قال (مازال الشيطان يأكل معه فلما ذكر اسم الله تعالى استقاء ما فى ما بطنه) وهذا الحديث يدل على ان الشيطان يأكل بمضغ وبلع كما ذهب اليه قوم وقال آخرون أكل الشيطان صحيح لكنه تشمم واسترواح وانما المضغ والبلع لذوى الجثث والشياطين أجسام رقاق قال فى آكام المرجان كل ما لم يسم عليه من طعام او شراب او لباس او غير ذلك مما ينتفع به فللشيطان(3/95)
أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)
تصرف واستعمال اما بإتلاف عينه كالطعام واما مع بقاء عينه قال ثعلبة بن سهيل كنت اصنع شرابا لى اشربه فى السحر فاذا جاء السحر جئت فلا أجد شيأ فوضعت شرابا آخر وقرأت عليه يس فلما كان السحر جئت فاذا الشراب على حاله وإذا شيطان أعمى يدور حول البيت وفى الحديث (ان الشيطان حساس خاس فاحذروه على أنفسكم من بات وفى يده ريح غمر فاصابه شىء فلا يلومنّ الا نفسه) قال بعض ارباب الاشارة انما حرم أكل ما لم يذكر اسمه عليه لان العارف حبيب الله والحبيب لا يذبح ولا يأكل ولا يشرب ولا يلبس ولا يفرش ولا يفعل شيأ الا باسم حبيبه ألا ترى ان يعقوب عليه السلام كان يقول فى جميع أحواله يوسف وانما وجبت التسمية عند الذبائح لان مرارة النزع شديدة وذكر اسم الله تعالى احلى من كل شىء فامرنا بالتسمية عند الذبائح كى تسمع الشاة ذكر الله عند الموت فلا تشتد مرارة النزع مع حلاوة اسم الله ولذلك قال عليه السلام (لقنوا موتاكم بشهادة ان لا اله الا الله يسهل عليكم سكرات الموت) فلما كان الاحياء والامانة من الله تعالى وحده لم يجز ان يذبح باسم غيره تعالى ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل ما ذبح للجن وعلى اسمها واستنبط بعض الخلفاء عينا وأراد اجراءها وذبح للجن عليها لئلا يغور ماؤها فاطعم ذلك ناسا فبلغ ذلك ابن شهاب فقال اما انه قد ذبح ما لم يحل له واطعم الناس ما لا يحل لهم وكان من عادة الجاهلية قبل الإسلام تزيين جارية حسناء وإلباسها احسن ثيابها والقاءها فى النيل حتى يطلع ثم قطع تلك السنة الجاهلية على يدى من أخاف الجن وقمعها عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهكذا هذه العين لو حفرها رجل عمرى لم يذبح لهم عصفورا فما فوقه ولكن لكل زمان رجال فلو دوام انسان على اسم الله لا تحرقه النار ولا تغرقه البحار ولا تنهشه الحيات ولا تضره السموم لان كل مضر خلق مخوفا لمن يخاف الله فاذا خاف العبد من الله بكماله فله التسخير والتأثير
توهم كردن از حكم داور مپيچ ... كه كردن نپيچد ز حكم تو هيچ
محالست چون دوست دارد ترا ... كه در دست دشمن كذارد ترا
وقد ظهر لك من هذا كله ان إحراق البخور وإلقاء ماء الورد ورشه وذبح شىء من مكان يتوهم فيه الجن كله شرك يجب ان يحترز عنه وكذا من ذبح دجاجة لتصويتها مثل الديك او ذبح ديكا لتصويته قبل الوقت وهو السحر والقاها فى مكان فقد ذبح ذلك للجن فى اعتقاده لانه أراد به صيانة نفسه واهله وأولاده وماله من إصابة الجن والبلاء ولو كان لله تعالى لأكلها بل لو كان مخلصا لما فعل مثل هذا أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً- روى- عن ابن عباس ان أبا جهل رمى النبي عليه السلام بفرث فاخبر حمزة بما فعل ابو جهل وهو راجع من الصيد بيده قوس وكان يومئذ لم يؤمن بعد فلقى أبا جهل فضرب رأسه بالقوس فقال ابو جهل أما ترى ما جاء به سفه عقولنا وسب آلهتنا فقال حمزة وأنتم أسفه الناس تعبدون الحجارة من دون الله تعالى اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله فنزلت هذه الآيات والهمزة للانكار والنفي والواو لعطف الجملة الاسمية على مثلها الذي يدل عليه الكلام اى أنتم ايها المؤمنون مثل المشركين ومن كان ميتا فَأَحْيَيْناهُ أعطيناه الحياة وما يتبعها من القوى المدركة(3/96)
والمتحركة وَجَعَلْنا لَهُ مع ذلك من الخارج نُوراً عظيما يَمْشِي بِهِ اى بسببه فِي النَّاسِ اى فيما بينهم آمنا من جهتهم كَمَنْ مَثَلُهُ اى صفته العجيبة فِي الظُّلُماتِ خبر مبتدأ محذوف اى هو فى الظلمات لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها بحال وهو حال من المستكن فى الظرف فمن الاولى موصولة مبتدأة وكمن خبرها وهى ايضا موصولة صلتها الجملة الاسمية الواقعة بعدها فالاولى تمثيل لمن هداه الله تعالى وانفذه من الضلال وجعل له نور الحجج والآيات يتأمل بها فى الأشياء فيميز بين الحق والباطل والمحق والمبطل كحمزة رضى الله عنه والثانية تمثيل لمن بقي على الضلالة لا يفارقها أصلا كأبى جهل كَذلِكَ اى كما زين للمؤمن من إيمانه زُيِّنَ اى من جهة الله تعالى بطريق الخلق او من جهة الشيطان بطريق الوسوسة لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى ما استمروا على عمله من فنون الكفر والمعاصي وبهذا التزيين بقوا فى ظلمات الكفر والضلالة ولم يهتدوا الى نور الايمان والهداية قال ارباب الحقيقة الموت بهوى النفس والحياة بمحبة الحق وايضا الموت بالنكرة والحياة بالمعرفة وفرق بين حياة المعرفة وحياة البشرية فاهل العموم حى بحياة البشرية لكنه كالميت فى قبر قالبه لا يمكنه الخروج من ظلمات وجوده المجازى واهل الخصوص حى بحياة المعرفة فحياة البشرية تزول لقوله تعالى كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ بخلاف حياة المعرفة لقوله تعالى فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وقوله عليه السلام (المؤمن حى فى الدارين)
نميرد هر كرا جانش تو باشى ... خوشا جانى كه جانانش تو باشى
: قال الحافظ
هركز نميرد آنكه دلش زنده شد بعشق ... ثبت است بر جريده عالم دوام ما
وفى التفسير الفارسي [شاه كرمانى اين آيت بر خواند كه أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ كفت نشان اين آيت سه چيز است از خلق عزلت وبا حق دعوت ودوام ذكر بر زبان ودل وبزركى اين معنى را نظم فرموده]
بر روى خلائق در صحبت مكشاى ... مى باش بكلى متوجه بخداى
غافل مشو از ذوق دل وذكر زبان ... تا زنده جاويد شوى در دو سراى
واعلم ان الحي الحقيقي الذي ما كان ميتا ولا يموت ابدا هو الله تعالى وما سواه فهو ميت لانه كان ميتا فى العدم وسيموت ايضا: قال الحافظ
من هماندم كه وضو ساختم از چشمه عشق ... چار تكبير زدم يكسره تر هر چهـ كه هست
يعنى شاهدت جميع الخلق موتى بسبب الوصول الى مقام العشق والفناء قال الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر من شهد الخلق لا فعل لهم فاز ومن شهدهم لا حياة لهم فقد فاز ومن شهدهم عين العدم فقد وصل وعن عبد الواحد بن زيد رحمه الله قال مررت براهب فسألته منذ كم أنت فى هذا الموضع فقال منذ اربع وعشرين سنة قلت من أنيسك قال الفرد الصمد قلت ومن المخلوقين قال الوحش فسألته وما طعامك قال ذكر الله تعالى قلت ومن المأكولات قال ثمار هذه الأشجار ونبات الأرض قلت أفلا تشتاق الى أحد قال نعم الى حبيب قلوب(3/97)
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)
العارفين قلت ومن المخلوقين قال من كان شوقه الى الله تعالى سبحان كيف يشتاق الى غيره قلت فلم اعتزلت عن الخلق قال لانهم سراق العقول وقطاع طريق الهدى قلت ومتى يعرف العبد طريق الهدى قال إذا هرب الى ربه من كل شىء سواه واشتغل بذكره عن ذكر ما سواه ولكل سالك خطوة فى السلوك الى ملك الملوك- كما حكى- ايضا عن الشيخ عبد الواحد بن زيد قال قصدت بيت المقدس فضلت الطريق فاذا بامرأة أقبلت الىّ فقلت لها يا غريبة أنت ضالة فقالت كيف يكون غريبا من يعرفه وكيف يكون ضالا من يحبه ثم قالت خذ رأس عصاى وتقدم بين يدى فاخذت رأس عصاها وتقدمت بين يديها ست أقدام او اقل او اكثر فاذا انا بمسجد بيت المقدس فدلكت عينى وقلت لعل هذا غلط منى فقالت يا هذا سيرك سير الزاهدين وسيرى سير العارفين فالزاهد سيار والعارف طيار ومتى يلحق السيار بالطيار ثم غابت عنى فلم ارها بعد ذلك فظهر من هذه الحكاية ان للعارف نورا يمشى به الى حيث شاء والجاهل يبقى فى وادي الحيرة ولا يجد سبيلا الا بتوفيق الله تعالى وهدايته فكما ان الأعمى والبصير ليسا على سواء فكذلك البصير الجاهل والعالم سواء كان جهله وعلمه فى مرتبة الشريعة او الطريقة او المعرفة او الحقيقة فالله تعالى باين بين اهل الحال كما باين بين اهل المقال وعظم النور وسعته بالنسبة الى فسحة القلب ومعرفته فالقلب بيد الله تعالى يقلبه كيف يشاء ولذلك زين لاهل الايمان وجوه الخير والطاعات وزين لاهل الكفر صنوف الشر والسيئات لكن العباد ليسوا بمجبورين فلهم اختيار فى الخروج من الظلمات فاذا لم يصرفوا استعداداتهم الى ما خلقوا لاجله بقوا فى ظلمات الطبيعة والنفس هذا هو الكلام بالنسبة الى ظاهر الحال واما ان نظرت الى اسناد الاحياء والجعل فى الآية المذكورة الى الله تعالى فمقتضى التوحيد ان الكل بيد الله ولا تأثير الا من عند الله فان وجدت خيرا فلتحمد الله كثيرا فقد سبقت لك العناية وساعدك التوفيق فرب تقليد يوصل الى التحقيق والله الهادي وَكَذلِكَ اى كما صيرنا فى مكة فساقها أكابر جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ متعلق بالفعل أَكابِرَ مفعول ثان جمع اكبر بمعنى عظيم مُجْرِمِيها مفعول أول جمع مجرم. بالفارسية [كنهكار] لِيَمْكُرُوا فِيها اى ليفعلوا المكر فى تلك القرية لانهم لاجل رياستهم اقدر على المكر والغدر وترويج الأباطيل على الناس من غيرهم وكان صناديد قريش ومجرموها اجلسوا على كل طريق من طرق مكة اربعة نفر ليصرفوا الناس عن الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم يقولون لكل من تقدم إياك وهذا الرجل فانه كاهن ساحر كذاب قال البغوي وذلك سنة الله تعالى ان جعل فى كل قرية اتباع الرسل ضعفاءهم كما قال فى قصة نوح أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ وجعل فساقهم اكابرها ليمكروا فيها والمكر السعى بالفساد فى خفية ومداجاة والآية تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ لان وباله عليهم وَما والحال انهم لا يَشْعُرُونَ بذلك أصلا بل يزعمون انهم يمكرون بغيرهم وَإِذا جاءَتْهُمْ لما بين ان فساق كل قرية يكونون رؤساءها المتميزين بكثرة المال والجاء بين ما كان من رؤساء مكة من الجرم والفسق وهو انه إذا جاءتهم آيَةٌ دالة على صحة النبوة قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ(3/98)
حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ
من الوحى والكتاب لما روى ان أبا جهل قال زاحمنا بنى عبد مناف فى الشرف حتى إذا صرنا كفرسى رهان قالوا منا نبى يوحى اليه والله لا نرضى به الا ان يأتينا وحي كما يأتيه فارادوا اى قوم مكة ان تحصل لهم النبوة والرسالة كما حصلتا لمحمد عليه السلام وان يكونوا متبوعين لا تابعين قال صاحب التيسير وهذه غاية السفه ان يقال لرجل آمن فيقول لا او من حتى يجعلنى الله نبيا قال الامام الثعلبي المراد برسل الله هو حضرة النبي عليه السلام كما انه المخاطب فى قوله تعالى يا أَيُّهَا الرُّسُلُ وصيغة الجمع للتعظيم وفى شرح التعرف ان الله تعالى لم يجمع شمائل جميع الأنبياء الا فى النبي صلى الله عليه وسلم خاطبه بقوله يا أَيُّهَا الرُّسُلُ هر چهـ خوبان همه دارند تو تنها دارى واعلم ان ما بين الجلالتين من هذه السورة من الأماكن التي يرجى فيها استجابة الدعاء فليحافظ
على ذلك اللَّهُ أَعْلَمُ من كل شىء يعلم حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ اى الموضع الصالح لوضعها فيه ويضعها وهؤلاء ليسوا أهلا لها لان الاهلية بالفضائل النفسانية لا بالنسب والمال فحيث نصب على المفعولية بيعلم المقدر توسعا سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا اى يصيبهم البتة مكان ما تمنوه من عز النبوة وشرف الرسالة صَغارٌ اى ذلة وحقارة بعد كبرهم عِنْدَ اللَّهِ اى يوم القيامة فهو منصوب بقوله سيصيب مجاز عن حشرهم يوم القيامة وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ اى بسبب مكرهم المستمر وحيث كان هذا من معظم مواد اجرامهم صرح بسببيته واعلم ان النبوة اختصاص الهى عطائى غير كسبى كالسلطنة فلا ينالها المجاهد وان اتى بجميع الشرائط والأسباب وكذا الولاية لكنها كالوزارة فيجوز ان ينالها بعض المجاهدين فليس كل مجاهد وأصلا وقد يكون الوصول بدون المجاهدة ايضا إذا كمل الاستعداد وسبقت العناية- كما روى- عن بعض شيوخ اليمن انه خرج يوما من زبيد الى نحو الساحل المعروف بالأهواز ومعه تلميذ له فمر فى طريقه على قصب ذرة كبار فقال للتلميذ خذ معك من هذا القصب ففعل المريد وتعجب فى نفسه وقال ما مراد الشيخ بهذا ولم يقل له الشيخ شيأ حتى إذا بلغ الى محلة لعبيد يقال لهم السناكم يأكلون الميتات ويشربون المسكرات ولا يعرفون الصلوات وإذا بهم يشربون ويلعبون ويلهون ويطربون ويغنون ويضربون فقال الشيخ للتلميذ ائتنى بهذا الشيخ الطويل الذي يضرب الطبل فاتاه التلميذ فقال له أجب الشيخ فرمى الطبل من رقبته ومشى معه الى الشيخ فلما وقف بين يديه قال الشيخ للتلميذ اضربه فضربه حتى استوفى منه الحد ثم قال له الشيخ امش قد أمنا فمشى حتى بلغوا البحر فامره الشيخ ان يغسل ثيابه ويغتسل وعلمه كيفية ذلك وكيفية الوضوء ففعل ثم علمه كيف يصلى وتقدم الشيخ فصلى بهما الظهر فلما فرغوا من الصلاة قام الشيخ ووضع سجادته على البحر وقال له تقدم فقام ووضع قدميه على السجادة ومشى على الماء حتى غاب عن العين فالتفت التلميذ الى الشيخ وقال وا مصيبتاه وا حسرتاه لى معك كذا وكذا سنة ما حصل لى من هذا شىء وهذا فى ساعة واحدة حصل له هذا المقام وهذه(3/99)
فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)
الكرامات العظام فبكى الشيخ قال يا ولدي وايش كنت انا هذا فعل الله تعالى قيل لى فلان من الابدال توفى فاقم فلانا مقامه فامتثلت الأمر كما يمتثل الخدام وودت انه حصل لى هذا المقام فظهر ان الله تعالى اعلم حيث يجعل ولايته ايضا: قال الحافظ
چون حسن عاقبت نه برندى وزاهديست ... آن به كه كار خود بعنايت رها كنند
والاشارة وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها ان القرية هى القالب.
وأكابر مجرميها اى مفسدى حسن الاستعداد بقبول الشقاوة هى النفس والهوى والشيطان يمكرون فيها بمخالفات الشرع وموافقات الطبع وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ لان فساد استعدادهم عائد الى أنفسهم بحصول الشقاوة وفوات السعادة وَما يَشْعُرُونَ ولا شعور لهم على ما يفعلون بانفسهم وان مرجعهم الى النار وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ اى النفس والهوى والشيطان من دأبهم ان لا يؤمنوا برؤية الآيات إذ جبلوا على التمرد والإباء والإنكار ولسان حالهم يقول لن نؤمن حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اى القلب والسر والروح لانهم مهبط اسرار الحق والهاماته اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ يخص بها القلب والسر والروح ونفسا تطمئن بذكر الله فتستحق رسالة ارجعي الى ربك سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ يعنى اصحاب النفس الامارة بالسوء لهم ذلة البعد من عند الله وَعَذابٌ شَدِيدٌ وهو عذاب الفرقة والانقطاع بِما كانُوا يَمْكُرُونَ اى بما أفسدوا استعداد الوصلة وهو جزاء مكرهم وكيدهم كذا فى التأويلات النجمية فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ معناه بالفارسية [پس هر كرا خواهد خداى] أَنْ يَهْدِيَهُ اى يعرفه طريق الحق ويوفقه للايمان يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فيتسع له وينفسح وهو كناية عن جعل النفس قابلة للحق مهيأة بحلوله فيها مصفاة عما يمنعه وينافيه فالمعنى من أراد الله منه الايمان قوى صوارفه عن الكفر ودواعيه الى الايمان وجعل قلبه قابلا لحلول الايمان مهيئا لتحليه به صافيا خاليا عما ينافيه ويمنعه ولما نزلت هذه الآية سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرح الصدر فقال (نور يقذفه الله فى قلب المؤمن فينشرح له وينفسح) فقالو هل لذلك امارة يعرف بها فقال (نعم الانابة الى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله) واعلم ان العلم علمان علم المعاملة وعلم المكاشفة فالاول هو العلم بما يقرب اليه تعالى وما يبعد عنه وهو مقدم على الثاني الذي هو نور يظهر فى القلب فيشاهد به الغيب لانه الشرط له قال تعالى وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ولا ينفك عنه لان الحديث المذكور صرح بان الانابة والتجافي والاستعداد التي هى من علم المعاملة علامة ذلك النور وفى فضل المكاشفة ورد قوله عليه السلام (فضل العالم على العابد كفضلى على أمتي) إذ غير المكاشفة تبع للعمل لثبوته شرطا له قال فى التأويلات النجمية كلما كان الحجاب ارق كان الايمان أقوى والقلب أنور وأصفى الى ان يصير الايمان إيقانا لكمال رقة الحجاب وتنور القلب الى ان يصير الإيقان عيانا عند رفع الحجاب وتجلى الحق بصفة جماله الى ان يصير العيان عينا يتجلى صفة جلاله وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ اى يخلق فيه الضلال لصرف اختياره اليه يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً بالفارسية [تنك] حَرَجاً بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يدخله الايمان اى من أراد الله منه الكفر قوى صوارفه عن الايمان(3/100)
وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130)
وقوى دواعيه الى الكفر. والحرج بالفتح مصدر وصف به مبالغة وبالكسر اسم الفاعل وهو المتزايد فى الضيق فهو أخص من الاول فكل حرج ضيق من غير عكس قيل الحرج موضع الشجر الملتف يعنى ان قلب الكافر لا يصل اليه الايمان كما لا تصل الراعية الى الموضع الذي التف فيه الشجر كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ قال الامام فى كيفية هذا التشبيه وجهان الاول كما ان الإنسان إذا كلف الصعود الى السماء نقل ذلك التكليف عليه وعظم وقعه عليه وقويت نفرته منه فكذلك الكافر يثقل عليه الايمان وتعظم نفرته منه. والثاني ان يكون التقدير ان قلبه يتباعد عن الإسلام ويتباعد عن قبول الايمان فشبه ذلك البعد ببعد من يصعد من الأرض الى السماء انتهى كما قال الكاشفى فى تفسيره الفارسي [كويى بالا ميرود در آسمان يعنى ميكريزد از قبول حق ميخواهد كه بآسمان رود] واعلم ان القلوب متفاوتة. فمنهما ما يشق عليه الايمان وهى قلوب الكفرة. ومنها ما يشق عليه الذوق والوجدان وهى قلوب اهل النقصان من اهل الايمان فان بعض الناس منهم من يتباعد عن الكلمات العرفانية بل ينكر احوال اصحاب الفضائل النفسانية وهذا لان من انهمك فى الصفات الحيوانية وحكم عليه الصفات السبعية والشيطانية لا يسوغ له الشرب من المشارب الروحانية ولذا يوصى بكتم ما يتعلق بالاسرار عن الأغيار
چرا صدف نكند چاك سينه را صائب ... درين زمانه كه جوهر شناس نايابست
كَذلِكَ اى مثل الجعل المذكور يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ اى العذاب والخذلان او اللعنة او الشيطان اى يسلطه عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اى عليهم فوضع الظاهر موضع المضمر للاشعار بان جعله تعالى معلل بما فى حيز الصلة من كمال نبوهم عن الايمان وإصرارهم على الكفر والطغيان وَهذا اى البيان الذي جاء به القرآن صِراطُ رَبِّكَ اى طريقه الذي ارتضاه حال كونه مُسْتَقِيماً لمن يسلكه فلا يعوج به حتى يورده الى الجنة قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ اى ذكرناها فصلا فصلا بحيث لا يختلط واحد منها بالآخر لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ اى يتعظون وخصوا بالذكر لانهم المنتفعون بتفصيل الآيات لَهُمْ كأن سائلا يسأل عما أعد الله تعالى للمتذكرين بما فى تضاعيف الآيات فقيل لهم دارُ السَّلامِ اى السلامة من كل المكاره وهى الجنة عِنْدَ رَبِّهِمْ حال من دار السلام اى نزله وضيافته كما تقول نحن اليوم عند فلان اى فى كرامته وضيافته. وقيل العندية كناية عن وعدها والتكفل بها وَهُوَ وَلِيُّهُمْ اى مولهم ومحبهم او ناصرهم على أعدائهم بِما كانُوا يَعْمَلُونَ اى بسبب الأعمال الصالحة واعلم ان الله تعالى بين حسن الايمان وقبح الكفر وحال السعيد والشقي ورغب فى طريق الأنبياء والأولياء وجعل العمل الصالح وهو ما أريد به وجه الله سببا لمحبة الله ودخول دار السلام وهى دار القرار التي يأمن من دخلها من العذاب مطلقا فالله تعالى ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور- روى- ان عمر بن الخطاب جهز جيشا الى فتح بعض حصون ديار العجم اربعة آلاف فارس وامر عليهم ابنه عبد الله رضى الله عنهما قال فسرنا حتى حاصرنا قلعة على جبل عال لا يصل اليه أسلحتنا فحاصرناها وكان فيها جيش(3/101)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)
من الكفار وكانت اميرتهم امرأة حسناء فحصل لنا تعب شديد ففى ذات يوم نظرت اميرتهم من المنظرة عسكرنا فرأت شابا حسنا من شبان العرب وكان شابا فارسا ماهرا فى الحرب فلما وقع نظرها عليه تأوهت فقالت لها بعض جواريها لم تأوهت يا ملكة وأنت فى حصار ومنعة فقالت ان حصننا هذا يفتحه هذا الشاب قالت وكيف ذلك قالت سترين بعد ساعة ثم أرسلت اليه الملكة رسولا تقول هل أجد إليك سبيلا فتكون لى وأكون لك فقال الشاب نعم بشرطين ان تسلمى الحصن الخارج إلينا والداخل اليه فارسلت مع الرسول تستفهم اما الخارج فعرفنا واما الداخل فما عرفنا قال لها تسلمى قلبك الى الله تعالى وتقرين له بالوحدانية فارسلت اليه قوما ادخل بعسكرك فانى قد فتحت لك الباب فلما دخل الحصن عرض عليها الإسلام فقالت اعلم انى ملكة ذات همة عالية فهل فى عسكرك من هو اكبر منك حتى اسلم على يديه قال نعم أميرنا وكبيرنا وهو ابن امير المؤمنين فلما حضرت بين يدى عبد الله بن عمر رضى الله عنهما عرض عليها الإسلام فقالت كالاول هل أحد اكبر منك فى المسلمين حتى اسلم بين يديه فقال لها نعم والدي امير المؤمنين عمر رضى الله عنه فقالت أرسلني اليه حتى اسلم بين يديه فارسلها ومعها عسكر واموال جزيلة أخرجتها معها من الحصار فلا زالت حتى وصلت الى عمر رضى الله عنه فقالت له يا امير المؤمنين هل هنا أحد اكبر منك قال نعم محمد رسول الله وهذا قبره الشريف وأشار الى الروضة المطهرة فقالت لا اسلم الا بين يديه فاجابها لما قالت فلما أتت الروضة المنورة سلمت وجلست بأدب ووقار فى حضرة النبي عليه السلام وقالت اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله ثم قالت خرجت من الظلمات الى النور وانا أخشى يا رسول الله ان يدنس إيماني المعاصي فاسأل ربك الذي أرسلك إلينا بالحق ان يقبض روحى قبل ان أعصيه مرة اخرى ثم وضعت رأسها على عتبة المصطفى صلى الله عليه وسلم فماتت من ساعتها فبكى عمر رضى الله عنه من حسن حالها وامر بغسلها وتجهيزها ودفنها بالبقيع بين الصحابة رضى الله عنهم
بروز واقعة تابوت من ز سرو كنيد ... كه ميروم بهواي بلند بالايى
اللهم اجعلنا من الذين سلكوا الصراط المستقيم ووصلوا الى جنابك بالقلب السليم فنجوا من عذابك الأليم آمين يا كريم يا رحيم وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً اى واذكر يا محمد لاهل مكة وغيرهم يوم يحشر الله الثقلين جميعا ويجمعهم فى موقف القيامة فيقول بطريق التوبيخ يا مَعْشَرَ الْجِنِّ اى يا جماعة الشياطين فان المعشر الجماعة التي تضبطهم جهة واحدة وحصل بينهم معاشرتهم ومخالطتهم ويجمع على معاشر. قال بعضهم سميت الجماعة بالمعشر لبلوغها غاية الكثرة فان العشر هو العدد الكامل الكثير الذي لا عدد بعده الا بتركيبه بما فيه من الآحاد فتقول أحد عشر واثنا عشر فاذا قيل معشر فكأنه قيل محل العشر الذي هو الكثرة الكاملة. وسمى الجن جنا لاجتنانهم اى استتارهم عن أعين الناس قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ اى من اغوائهم واضلالهم اى أضللتم خلقا كثيرا من الانس وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ اى اولياء الشياطين الذين أطاعوهم حال كونهم مِنَ الْإِنْسِ فهو حال من أولياؤهم رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ اى انتفع الانس بالجن والجن بالانس. اما انتفاع الانس بالجن فمن حيث(3/102)
ان الجن كانوا يدلونهم على انواع الشهوات وما يتوصل به إليها ويسهلون طريق تحصيلها عليهم. واما انتفاع بالجن بالانس فمن حيث ان الانس أطاعوهم ولم يضيعوا سعيهم والرئيس المطاع ينتفع بانقياد اتباعه له وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا اى أدركنا الوقت الذي وقت لنا وهو يوم القيامة قالوه اعترافا بما فعلوا من طاعة الشياطين واتباع الهوى وتكذيب البعث وإظهارا للندامة عليها وتحسرا على حالهم واستسلاما لربهم
كنون بايد اى خفته بيدار بود ... چومرك اندر آرد ز خوابت چهـ سود
چهـ خوش كفت با كودك آموزگار ... كه كارى نكرديم وشد روزكار
ولعل الاقتصار على حكاية كلام الضالين للايذان بان المضلين قد اقحموا بالمرة فلم يقدروا على التكلم أصلا قالَ كأنه قيل فماذا قال الله تعالى حينئذ فقيل قال النَّارُ مَثْواكُمْ اى منزلكم فهو اسم مكان بمعنى مكان الاقامة خالِدِينَ فِيها قال ابن عباس رضى الله عنهما الخلق اربعة. فخلق فى الجنة كلهم. وخلق فى النار كلهم. وخلقان فى الجنة والنار. اما الذي فى الجنة كلهم فالملائكة. واما الذي فى النار كلهم فالشياطين. واما الذي فى الجنة والنار فالانس والجن لهم الثواب وعليهم العقاب إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ قال فى التأويلات النجمية إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ ان يتوب ويرجع الى الله فلا تكون النار مثواه فالاستثناء راجع الى اهل التوبة فى الدنيا لا الى اهل الخلود فى النار انتهى وقال بعضهم ما مصدرية بتقدير مضاف كما فى آتيك خفوق النجم والاستثناء من مضمون الجملة التي قبله وهى قوله النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها كأنه قيل يخلدون فى عذاب النار الابد كله الا اوقات مشيئة الله تعالى ان ينقلوا من النار الى الزمهرير- فقد روى- انهم ينقلون من عذاب النار ويدخلون واديا فيه من الزمهرير ما يميز بعض أوصالهم من بعض فيتعاوون ويطلبون الرد الى الجحيم ففى الاستثناء تهكم بهم وفى تفسير الجلالين إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ من الأوقات التي يخرجون فيها لشوب من حميم فانه خارجها كما قال الله ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ وقيل يفتح لهم وهم فى النار باب الى الجنة فيسرعون نحوه حتى إذا صاروا اليه سد عليهم الباب وقيل إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ قبل الدخول كأنه قيل النار مثواكم ابدا الا وقت امهالكم الى وقت الإدخال والخلود كما ينتقص من الآخر كذلك ينتقص من الاول هذا ما ذهب اليه علماء الظاهر فى توجيه الاستثناء الا ان حضرة الشيخ نجم الدين قدس سره قال فى ذلك حفظا لظاهر الشرع وللعلماء بالله تحقيق بديع فى هذه المقام لا يتحمله عقول العوام ونحن نشير الى نبذ من ذلك ونوصى بالستر الا على السالك قال المولى رمضان فى شرح العقائد اعلم ان اهل النار لم يقنطوا من الخلاص حتى إذا ذبح كبش الموت بين الجنة والنار ونودى أهلهما بالخلود ايس اهل النار من الخلاص فاعتادوا بالعذاب ولم يتألموا حتى آل أمرهم الى ان يتلذذوا به حتى لوصب عليهم نسيم الجنة استنكروه وتعذبوا به كالجعل يستطيب الروث ويتألم من الورد انتهى كلامه وهذا معنى ما قال الشيخ الأكبر والمسك الأذفر والكبريت الأحمر قدس سره الأطهر تبقى جهنم خالية وان العذاب من العذاب انتهى ولا يغرنك ظاهر هذا الكلام الاكبرى(3/103)
وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)
فان اتفاق العلماء من الطرفين على ان المخلد لا يخرج من النار ولا تبقى جهنم خالية من جسده قال حضرة شيخنا وسندنا الذي فضله الله تعالى على العالمين بما خصه من كمالات الدين فكما إذا استقر اهل دار الجمال فيها يظهر عليهم اثر الجمال ويتذوقون دائما ابدا ويختفى منهم جلال الجمال واثره بحيث لا يحسونه ولا يرونه ولا يتألمون به قطعا سرمدا فكذلك إذا استقر اهل دار الجلال فيها بعد مرور الاحقاب يظهر على بواطنهم اثر جمال الجلال ويتذوقون به ابدا ويحتفى منهم اثر نار الجلال بحيث لا يحسونه ولا يرونه ولا يتألمون به سرمدا لكن كما عرفت ليس كذلك الا بعد انقطاع إحراق النار بواطنهم وظواهرهم بعد مرور الأيام والاحقاب وكل منهم تخرقه النار خمسين الف سنة من سنى الآخرة لشرك يوم واحد من ايام الدنيا والظاهر عليهم بعد مرور الاحقاب هو الحال الذي يدوم عليهم ابدا وهو الحال الذي كانوا عليه فى الأزل وما بينهما ابتلاءات رحمانية والابتلاء حادث قال تعالى وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ عصمنا الله وإياكم من دار البوار انتهى كلام الشيخ رضى الله عنه إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ فى أفعاله ومنها تخليد اولياء الشياطين فى النار عَلِيمٌ بأحوال الثقلين وأعمالهم وبما يليق بها من الجزاء وَكَذلِكَ اى كما خذلنا عصاة الجن والانس حتى استمتع بعضهم ببعض نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً اى نسلط بعضهم على البعض فنأخذ من الظالم بالظالم بِما كانُوا يَكْسِبُونَ بسبب ما كانوا مستمرين على كسبه من الكفر والمعاصي وجاء (من أعان ظالما سلطه الله عليه) وعن ابن عباس رضى الله عنهما إذا أراد الله بقوم خيرا ولى أمرهم خيارهم وإذا أراد بقوم شرا ولى أمرهم شرارهم وجاء فى بعض الكتب الالهية انى انا الله ملك الملوك قلوب الملوك بيدي فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة ومن عصانى جعلته عليه نقمة فلا تشغلوا أنفسكم بسبب الملوك ولكن توبوا الى أعطفهم عليكم وفى الحديث (الظالم عدل الله فى الأرض ينتقم به ثم ينتقم منه) وفى المرفوع (يقول الله عز وجل انتقم ممن ابغض بمن ابغض ثم أصير كلا الى النار) وفى الزبور انى لانتقم من المنافق بالمنافق ثم انتقم من المنافقين جميعا وقول القائل كيف يجوز وصفه بالظلم وينسب الى انه عدل من الله تعالى جوابه ان المراد بالعدل هنا ما يقابل بالفضل فالعدل ان يعامل كل أحد بفعله ان خيرا فخير وان شرا فشر والفضل ان يعفو مثلا عن المسيء وهذا على طريق اهل السنة بخلاف المعتزلة فانهم يوجبون عقوبة المسيء ويدعون ان ذلك هو العدل ومن ثمة سموا أنفسهم اهل العدل والى ما صار اليه اهل السنة يشير قوله تعالى قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ اى لا تمهل الظالم ولا تتجاوز عنه بل عجل عقوبته لكن الله تعالى يمهل من يشاء ويتجاوز عمن يشاء ويعطى من يشاء لا يسأل عما يفعل كذا فى المقاصد الحسنة للامام السخاوي: وفى المثنوى
چونكه بد كردى بترس ايمن مباش ... زانكه تخمست وبرو بروياند خداش
چند كاهى او بپوشاند كه تا ... آيدت زان بد پشيمان وحيا
بارها پوشد پى اظهار فضل ... باز كيرد از پى اظهار عدل
تا كه اين هر دو صفت ظاهر شود ... آن مبشر كردد اين منذر شود(3/104)
يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130)
واعلم ان الظلم مطلقا مفسد للاستعداد الفطري الروحاني القابل للفيض الرباني ولذا لا ينجع فى الظالم الكلام الحق واكثر ما يكون من ارباب الرياسة للقدرة والغلبة وفى الحديث (ان من اشراط الساعة اماتة الصلوات واتباع الشهوات وان تكون الأمراء خونة والوزراء فسقة) فوثب سلمان فقال بابى وأمي أهذا كائن قال (نعم يا سلمان عندها يذوب قلب المؤمن كما يذوب الملح فى الماء ولا يستطيع ان يغير) قال أو يكون ذلك قال (نعم يا سلمان ان أذل الناس يومئذ المؤمن يمشى بين أظهرهم بالمخافة ان تكلم أكلوه وان سكت مات بغيظه) كذا فى روضة الاخبار: قال السعدي قدس سره
خبر دارى از خسروان عجم ... كه كردند بر زير دستان ستم
نه آن شوكت و پادشاهى بماند ... نه آن ظلم بر روستايى بماند
مكن تا توانى دل خلق ريش ... وكر ميكنى ميكنى بيخ خويش
اللهم احفظنا من الظلم والفساد انك حافظ العباد والبلادا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ
اى يقول الله تعالى يوم القيامة للثقلين جميعا ألم يأتكم فى الدنيا اى كل فريق منكم سُلٌ
اى رسول معين من الله تعالى نْكُمْ
صفة لرسل اى كائنة منكم اعلم ان الجن والانس مكلفون بالاتفاق لكن الرسول إليهم يحتمل ان يكون من جنسهم كما كان جبريل ونحوه رسل الملائكة من جنسهم وخواص البشر رسل الانس من أنفسهم لان الجنس الى الجنس أميل والاستفادة والاستئناس فى الجنسية اظهر ويحتمل ان يكون من غير جنسهم بان يكون من البشر وذلك لا يمنع الاستفادة لانه يجوز ان يستفيد خواصهم من الرسل ويكونوا رسل الرسول الى قومهم كاستفادة خواص البشر من خواص الملائكة وقد قام الإجماع على ان نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم مرسل الى الثقلين ودعا كل واحد من الفريقين الى الايمان بالله واليوم الآخر وقد كان الأنبياء قبله يبعثون الى قومهم خاصة واما سليمان عليه السلام فانه لم يبعث الى الجن بالرسالة العامة بل بالملك والضبط والسياسة التامة فقوله تعالى سُلٌ مِنْكُمْ
اما محمول على المعنى الاول بان يكون الرسل من جنس الفريقين وقد ذهب اليه الضحاك ومن تبعه حيث قالوا لا معنى للعدول عن الظاهر بغير ضرورة وأيدوه بما قال ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله تعالى وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ فى كل ارض نبى مثل نبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوح وابراهيم كابراهيم وعيسى كعيسى وصححه صاحب آكام المرجان كيف وابن عباس رضى الله عنهما سلطان المفسرين بالاتفاق ولا معنى لقول السخاوي فى المقاصد الحسنة انه اخذه من الاسرائيليات وهذا كما قالوا ان فى كل سماء كعبة حيالها يطوفها أهلها وكذا فى كل ارض ويناسب هذا ما قاله حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره خطابا لحضرة الهدائى الآن عوالم كثيرة يتكلم فيها محمود وافتاده كثير واما محمول على المعنى الثاني وهو الذي ادعوا فيه الإجماع وفيه تفصيل شأن البشر فالرسل من الانس خاصة لكن لما جمعوا مع الجن فى الخطاب صح ذلك ونظيره يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ والمرجان يخرج من الملح دون العذب وقيل الرسل يعم رسل الرسل وقد ثبت ان نفرا من الجن قد استمعوا(3/105)
ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133) إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135)
القرآن وانذروا به قومهم هذا ما وفقني الله تعالى لترتيبه وتهذيبه فى هذا الباب والله يقول الحق ويهدى الى الصواب قُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي
اى يقرأون عليكم كتبى يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا
يعنى يوم القيامةالُوا
جوابا عند ذلك التوبيخ الشديدهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا
ان قد بلغنا وهو اعتراف منهم بالكفر واستحقاق العذاب وشهدنا إنشاء الشهادة مثل بعت واشتريت فلفظ الماضي لا يقتضى تقدم الشهادة غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا
فلم يؤمنوا شَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ
فى الآخرةنَّهُمْ كانُوا
فى الدنياافِرِينَ
اى بالآيات والنذر التي أتى بها الرسل وهو ذم لهم على سوء نظرهم وخطأ رأيهم فانهم اغتروا بالحياة الدنيوية واللذات المخدجة واعرضوا عن الآخرة بالكلية حتى كان عاقبة أمرهم ان اضطروا الى الشهادة على أنفسهم بالكفر والاستسلام للعذاب المخلد تحذير للسامعين من مثل حالهم ذلِكَ اى إرسال الرسل أَنْ اللام مقدرة وهى مخففة اى لان الشأن لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ اى بسبب ظلم منها وَأَهْلُها غافِلُونَ لم يرسل إليهم رسول يبين لهم قال البغوي وذلك ان الله تعالى اجرى السنة اى لا يأخذ أحدا الا بعد وجود الذنب وانما يكون مذنبا إذا امر فلم يأتمر ونهى فلم ينته ويكون ذلك بعد إنذار الرسل وفى التفسير الفارسي [استئصال هيچ قوم نباشد الا بعد از تقدم وعيد واگر نه ايشانرا بر حق حجت باشد كه لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك] قال فى التأويلات النجمية الاستعداد الروحاني لا يفسد باستيفاء الحظ الحيواني فى الطفولية الا بعد ان يصير العبد مستعدا لقبول فيض العقل وفيض الهام الحق عند البلوغ فيخالف الإلهام ويتبع الهوى فيفسد بذلك حسن الاستعداد لقبول الفيض الإلهي كقوله تعالى وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وهذا كما انه تعالى لا يعذب قوما ما بلغتهم الدعوة حتى يبعث فيهم رسولا فيخالفونه فيعذبهم بها وقد عبر لسان الشرع عن هذا المعنى بان لا يجرى عليه قلم تكاليف الشريعة الا بعد البلوغ بالأوامر والنواهي لانه أوان ترقى الروح باستعمال المأمورات ونقصانه باستعمال المنهيات انتهى فعلى العاقل ان يتدارك حاله ويخاف من الخطاب القهرى يوم القيامة
كر بمحشر خطاب قهر كند ... انبيا را چهـ جاى معذرتست
قال الحسن البصري رحمه الله الناس فى هذه الدنيا على خمسة اصناف. العلماء وهم ورثة الأنبياء. والزهاد وهم الأدلاء. والغزاة وهم اسياف الله. والتجار وهم أمناء الله. والملوك وهم رعاة الخلق فاذا أصبح العالم طامعا وللمال جامعا فبمن يقتدى ولذا قال من قال
شيخ چون مائل بمال آيد مريد او معاش ... مائل دينار هركز مالك ديدار نيست
وإذا أصبح الزاهد راغبا فبمن يستدل ويهتدى
از زاهدان خشك رسائى طمع مدار ... سيل ضعيف واصل دريا نميشود
وإذا أصبح الغازي مرائيا والمرائى لا عمل له فمن يظفر بالأعداء
عبادت بالإخلاص نيت نكوست ... وكر نه چهـ آيد ز بي مغز پوست
وإذا كان التاجر خائنا فمن يؤمن ويرتضى(3/106)
وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133)
درين زمانه مكر جبرئيل أمين باشد ... وإذا أصبح الملك ذئبا فمن يحفظ الغنم ويرعى
پادشاهى كه طرح ظلم افكند ... پاى ديوار ملك خويش بكند
نكند جور پيشه سلطانى ... كه نيايد ز كرك چوپانى
والله ما أهلك الناس الا العلماء المداهنون والزهاد الراغبون والغزاة المراءون والتجار الخائنون والملوك الظالمون وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ثم ان الاحكام الالهية قد بلغت الى كل إقليم وبلغ الشاهد الغائب الى يومنا هذا من قديم وامتلاء الآذان من سماع الحق والكلام المطلق فلم يبق للسلطان ولا للوزير ولا لغيرهما من الوضيع والخطير عذر ينجيه من الهلاك وقهر مالك الاملاك والتنبيه مقدم لكل خامل ونبيه فهلاك القرى وأهلها وظهور الظلمات فرعها وأصلها انما هو من غفلة الإنسان أيقظه الله الملك المنان فلا تلومن عند وجود التنزل الا نفسك الآبية وظهور التسفل الا طبيعتك الغبية فقد استبان البرهان والحجة ووضع لسالكيها المحجة ألم تسمع الى قوله تعالى فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ وأراك انك ألقمت الحجر ولا تدرى ما فعل بك بل تتمادى فى تعبك وتتمرغ فى غضبك فعالج نفسك ايها المريض قبل الحلول الى الحضيض وَلِكُلٍّ من المكلفين من الثقلين مؤمنين كانوا او كفارا دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا اى مراتب كائنة من أعمالهم صالحة كانت او مسيئة فلاهل الخير درجات فى الجنة بعضها فوق بعض ولاهل الشرك دركات فى النار بعضها أشد عذابا من بعض وفسروا الدرجات بالمراتب لان الدرجات غلب استعمالها فى الخير والثواب والكفار لاثواب لهم وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ فيخفى عليه عمل من أعمالهم طاعة او معصية والمقصود ان الله يجزى كل عامل بما عمل وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ عن العباد والعبادة. والغنى هو الذي لا يحتاج الى شىء فيكون وجود كل شىء عنده وعدمه سواء وغيره تعالى لا يسمى غنيا الا إذا لم يبق له حاجة الا الى الله تعالى فاصل الحاجة لا ينقطع عن غير الله لانه فى وجوده وغناه يحتاج الى الغنى الحقيقي ذُو الرَّحْمَةِ يترحم عليهم بالتكليف تكميلا لهم ويمهلهم على المعاصي وفى التأويلات النجمية يعنى مع غناه عن الخلق له رحمة قد اقتضت إيجاد الخلق ليربحوا عليه لا ليربح عليهم: قال فى المثنوى
چون خلقت الخلق كى يربح على ... لطف تو فرمود اى قيوم وحي
لا لان اربح عليهم جود تست ... كه شود زو جمله ناقصها درست
عفو كن اين بندگان تن پرست ... عفو از درياى عفو اولى ترست
عفو خلقان همچوجو وهمچوسيل ... هم بدان درياى خود تازند خيل
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ايها العصاة اى يهلككم وَيَسْتَخْلِفْ بالفارسي [خليفه وجانشين شما سازد] مِنْ بَعْدِكُمْ اى من بعد اذهابكم وإهلاككم ما يَشاءُ اى خلقا آخر أطوع لله منكم وإيثار ما على من لاظهار كمال الكبرياء وإسقاطهم عن رتبة العقلاء كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ اى من قوم آخرين لم يكونوا على مثل صفتكم وهم اهل سفينة نوح عليه السلام لكنه ابقاكم ترحما عليكم وفى التفسير الفارسي [همچنانكه شما را پيدا(3/107)