بردبارى چوزينت خردست ... هر كرا حلم نيست زيور نيست
ثم انه قال قال العلماء إذا حلف بشئ فحنث ان كان مستقبلا فعليه كفارة وهو اليمين المنعقدة وان كان ماضيا فان كان الحالف عالما بالواقع وحلف على خلافه فاليمين كبيرة ولا كفارة عند ابى حنيفة في الكبائر وعند الشافعي تجب الكفارة فيه وهو اليمين الغموس وان كان الحالف جاهلا بالواقع ويرى انه صادق فيه وليس كذلك فلا كفارة فيه وهو يمين اللغو عند ابى حنيفة واليمين الغموس عند الشافعي ويحكم فيه بالكفارة واليمين بالله او باسم من أسمائه او بصفة من صفاته فاليمين بالله ان يقول والذين أصلي له والذي نفسى بيده واليمين بأسمائه كقوله والله والرحمن ونحوه واليمين بصفته كقوله وعزة الله وعظمته وجلال الله
وقدرته ونحوها ومن حلف بغير الله مثل ان قال والكعبة وبيت الله ونبى الله او حلف بابيه ونحوه فلا يكون يمينا ولا تجب به الكفارة إذا خالف وهي يمين مكروهة قال الشافعي وأخشى ان تكون معصية وفي الحديث (من حلف بغير الله فقد أشرك بالله) معناه من حلف بغير الله تعالى معتقدا تعظيم ذلك الغير فقد أشرك المحلوف به مع الله في التعظيم المختص به ولو لم يكن على قصد التعظيم والاعتقاد به فلا بأس به كقوله لا وابى ونحو ذلك كما جرت به العادة قال على الرازي أخاف الكفر على من قال بحياتي وبحياتك وما أشبهه ولولا ان العامة يقولونه ولا يعلمونه لقلت انه الشرك لانه لا يمين الا بالله ولا يحلف بالبراءة من الإسلام فمن فعل ذلك صادقا لن يرجع الى الإسلام سالما وان كان كاذبا خيف عليه الكفر وفي الحديث (من حلف بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال) وظاهر الحديث يدل على ان المسلم ان قال ان افعل كذا فانا يهودى ففعل يكفر وبه عمل الشافعي وقال الحنفية لا يكفر فحملوا الحديث على التهديد واما ان علقه بالماضي كقوله ان فعلت كذا فانا يهودى وقد فعل فقد اختلفت الحنفية والصحيح انه لا يكفر ان كان يعلم انه يمين وان كان عنده انه يكفر بالحلف يكفر لانه رضى بالكفر وهو محمل الحديث عند الأكثر وفي الفتاوى البزازية والفتوى على انه يمين يلزم عليه الكفارة والاشارة في الآية ان ما يجرى على الظواهر من غير قصد ونية في البواطن ليس له كثير خطر في الخير والشر ولا زيادة اثر ولو كان له اثر في الخير لما عاب على قوم يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وكذا ما يجرى على اللسان بنية القلب بلا فعل الجوارح لو كان مؤثرا في القبول لما عاب قوما بقوله كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ولو كان له اثر في البر لما وسع على قوم بقوله لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وما عفا عن قوم بقوله إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وذلك لان القلب كالارض للزراعة والجوارح كالآلات للحراثة والأعمال والأقوال كالبذر فالبذر ما لم يقع في الأرض المربية للزراعة لا ينبت وان كان في آلة من آلات الحراثة فافهم جدا واما ان كان لما يجرى على الظواهر من الخير ادنى آثار في القلب ولو كان مثقال ذرة فان الله من كمال فضله وكرمه لا يضيعه حتى يكون القليل كثيرا والصغير عظيما وان كان لما يجرى على الظواهر من الشر ادنى اثر في القلب فان الله تعالى من غاية لطفه وإحسانه لا يؤاخذ العبد به بل يحلم عنه ويتوب عليه(1/351)
لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)
ويغفر له كما قال وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ كذا في التأويلات النجمية لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ الإيلاء الحلف وحقه ان يسعمل بعلى لكن لما ضمن هذا القسم معنى البعد عدى بمن اى للذين يبعدون من نسائهم مؤلين تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ اى انتظار هذه المدة وإضافته الى الظرف على الاتساع في الظرف بجريه مجرى المفعول به كما يقال بينهما مسيرة يوم اى مسيرة في يوم اى لهم ان ينتظروا في هذه المدة من غير مطالبة بفيئ او طلاق. والإيلاء من الزوجة ان يقول الرجل والله لا أقربك اربعة أشهر فصاعدا على التقييد بالأشهر او لا أقربك على الإطلاق ولو حلف على ان لا يطأها اقل من اربعة أشهر لا يكون مؤليا بل هو حالف إذا وطئها قبل مضى تلك المدة يجب عليه كفارة يمين على الأصح. وللايلاء حكمان حكم الحنث وحكم البر. فحكم الحنث وجوب الكفارة بالوطئ في مدة الإيلاء ان كان اليمين بالله ولزوم الجزاء من نحو الطلاق او العتاق او النذر المسمى ان كان القسم بذلك وحكم البر وقوع طلقة بائنة عند مضى مدة الإيلاء وهي اربعة أشهر ان كانت المنكوحة حرة وان كانت المنكوحة امة الغير تبين بمضى شهرين قال قتادة كان الإيلاء طلاقا لاهل الجاهلية وقال سعيد بن المسيب كان ذلك من ضرار اهل الجاهلية كان الرجل لا يحب امرأته ولا يحب ان يتزوجها غيره فيحلف ان لا يقربها ابدا فيتركها لا أيما ولا ذات بعل وكانوا في ابتداء الإسلام يفعلون ذلك ايضا فازال الله ذلك الضرر عنهن وضرب للزوج مدة يتروى فيها ويتأمل فان رأى المصلحة في ترك هذه المضارة فعله وان رأى المصلحة في المفارقة فارقها فَإِنْ فاؤُ اى ان رجعوا عما حلفوا عليه من ترك الجماع فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يغفر للمولى بفيئته التي هي كتوبته اثم حنثه عند تكفيره او ما قصد بالإيلاء من ضرار المرأة وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ اصل العزم او العزيمة عقد القلب على إمضاء شىء تريد فعله اى حققوه وأكدوه بان ثبتوا في المدة على ترك القربان حتى مضت المدة فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لطلاقهم عَلِيمٌ بغرضهم فيه والاشارة في تحقيق الآيتين ان يعلم العبد ان الله لا يضيع حق أحد من عباده لا على نفسه ولا على غيره فلما تقاصر لسان الزوجة لكونها اسيرة فى يد الزوج فالله تعالى تولى الأمر بمراعاة حقها فامر الزوج بالرجوع إليها او تسريحها فاذا كان حق صحبة الاشكال محفوظا عليك حتى لو أخللت به أخذك بحكمه فحق الحق أحق بان يجب مراعاته وفي تعيين تربص اربعة أشهر في الفيء اشارة عجيبة وهي انها مدة تعلق الروح بالجنين كما قال عليه السلام (ان أحدكم يجمع خلقه) اى يحرز ويقر مادة خلقه (فى بطن امه) اى في رحمها من قبيل ذكر الكل وارادة الجزء (أربعين يوما) وعن ابن مسعود رضي الله عنه ان النطفة إذا وقعت في الرحم فاراد الله ان يخلق منها تنشر في بشرة المرأة تحت كل ظفر وشعرة فتمكث أربعين ليلة ثم تنزل دما في الرحم فذاك جمعها (ثم تكون علقة) وهي قطعة دم غليظ جامد (مثل ذلك) أربعين يوما (ثم تكون مضغة) وهي قطعة لحم قدر ما تمضغ (مثل ذلك ثم يرسل الله اليه الملك فينفخ فيه الروح) وهذا يدل على ان التصوير يكون في الأربعين الثالثة (ويؤمر بأربع كلمات) يعنى يؤمر الملك بكتابة اربع قضاها وهو معطوف على قوله تكون علقة لان الكتابة في الأربعين الثانية (يكتب رزقه) روى على صيغة المجهول والمعلوم (واجله) وهو يطلق على مدة الحياة كلها(1/352)
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)
وهو المراد هنا وعلى منتهاها ومنه قوله تعالى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ وعمله وشقى وهو من وجبت له النار او سعيد وهو من وجبت له الجنة قدم ذكر الشقي لانه اكثر الناس كذا قال القاضي المراد بكتبه هذه الأشياء إظهارها للملك والا فقضاؤه تعالى سابق على ذلك. فاذا تمهد هذا فمن وقع له من اهل القصد وقفة او فترة في أثناء السلوك من ملالة النفس او نفرة الطبع فعلى الشيخ وعلى الاصحاب ان لا يفارقوه في الحقيقة وان يتعاونوا بالهمم العلية لاستجلابه ويتربصوا اربعة أشهر الرجوع فان فاء الى صدق الطلب ورعاية حق الصحبة واستغفر مما جرى منه ونفخ فيه روح الارادة مرة اخرى اقبلوا عليه وعفوا عما لديه فان هذا ربيع لا يرعاه الا المهزولون وربع لا يسكنه الا المعزولون ومنهل لا يرده الا اللاهون وباب لا يقرعه الا الماكثون بل هذا شراب لا يذوقه الا العارفون وغناء لا يطرب عليه الا العاشقون وان عزموا بعد مضى اربعة أشهر طلاق منكوحة المواصلة وأصروا على ذنب المفارقة فلهم التمسك بعروة هذا فراق بينى وبينك فان الله سميع بمقالتهم عليم بحالتهم: قال السعدي قدس سره
نه ما را در ميان عهد ووفا بود ... جفا كردى وبد عهدى نمودى
هنوزت گر سر صلحست باز آي ... كزان محبوبتر باشى كه بودى
قال أوحد المشايخ في وقته ابو عبد الله الشيرازي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول من عرف طريقا الى الله فسلكه ثم رجع عنه عذبه الله بعذاب لم يعذب به أحدا من العالمين كذا في لواقح الأنوار القدسية في مناقب العلماء والصوفية وَالْمُطَلَّقاتُ المراد بها ذوات الأقراء من الحرائر المدخول بهن لانه لا عدة على غير المدخول بها وان عدة من لا تحيض لصغر او كبر او حمل بالأشهر ووضع الحمل وان عدة الامة قرءان او شهران واصل التطليق رفع القيد اى المخليات من حبال أزواجهن يَتَرَبَّصْنَ خبر في معنى الأمر اى ليتربصن وينتظرن بِأَنْفُسِهِنَّ الباء للتعدية اى يحملن انفسهن على التربص ويجعلنها متربصة ثَلاثَةَ قُرُوءٍ نصب على الظرفية اى مدة ثلاثة قروء فلا تتزوجن الى انقضائها. والقروء جمع قرء وهو من الاضداد في كلام العرب يقع على الطهر والحيض والمشهور انه حقيقة فيهما كالشفق اسم للحمرة والبياض جميعا. ذهب ابو حنيفة وأصحابه الى ان القروء هي الحيض لان الله تعالى جعل الاعتداد بالأشهر بدلا من الاعتداد بالقرء كما قال وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ فلما شرع ذلك عند ارتفاع الحيض دل على ان الأصل كان هو الحيض وتمسك الشافعي بقوله تعالى فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ على ان المراد بالقروء الاطهار لان اللام في لعدتهن للوقت ووقت العدة لا يجوز ان يكون وقت الحيض لانه تعالى امر بالطلاق والطلاق في وقت الحيض منهى عنه. وجوابه ان معناه فطلقوهن مستقلات لعدتهن وهي الحيض الثلاث فالطلاق يقع ثم تأخذ المرأة وتشرع في العدة وليس معنى الآية ان الطلاق واقع في العدة وفائدة الخلاف بين الشافعي وابى حنيفة ان مدة العدة عند الشافعي اقصر وعند ابى حنيفة أطول حتى لو طلقها فى حال الطهر يحسب بقية الطهر قرأ وان حاضت عقيبه في الحال فاذا شرعت في الحيضة الثالثة انقضت عدتها وعند ابى حنيفة ما لم تطهر من الحيضة الثالثة ان كان الطلاق في حال الطهر(1/353)
او من الحيضة الرابعة ان كان الطلاق في حال الحيض لا يحكم بانقضاء عدتها وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ اى يخفين ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ من الحبل والحيض بان تقول المرأة لست بحامل او لست بحائض وهي حائض لتبطيل حق الزوج من الولد والرجعة وذلك إذا أرادت المرأة فراق زوجها فكتمت حملها لئلا ينتظر بطلاقها ان تضع وربما أسقطت الحمل خوفا ان يعود ولئلا يشفق على الولد فيترك تسريحها او كتمت حيضها استعجالا للطلاق لان الطلاق السنى انما يكون في الطهر. وفيه دليل على قبول قولهن في ذلك نفيا واثباتا إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ اى فلا يجترئن على ذلك فان قضية الايمان بالله واليوم الآخر الذي يقع فيه الجزاء والعقوبة منافية له قطعا. وفيه تهديد شديد على النساء وليس المراد ان ذلك النهى مشروط بكونها مؤمنة لان المؤمنة والكافرة في هذا الحكم سواء وَبُعُولَتُهُنَّ جمع بعل والبعلة المرأة واصل البعل السيد والمالك سمى الزوج بعلا لقيامه بامر زوجته كانه مالك لها ورب والتاء في البعولة لتأنيث الجمع فان الجمع لكونه بمعنى الجماعة في حكم المؤنث والتاء زائدة لتأكيد التأنيث ودلت تسمية الزوج بعلا بعد طلاقها الصريح على ان النكاح قائم والحل ثابت والضمير لبعض افراد المطلقات لان هن عام شامل للمطلقة بالطلاق الرجعى والبائن ولا حق لازواج المطلقات البوائن في النكاح والرجعة أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ الى النكاح والرجعة إليهن فِي ذلِكَ اى في زمان التربص فان حق الرجعة انما يثبت للزوج ما دامت فى العدة وإذا انقضى وقت العدة بطل حق الرد والرجعة. وافعل هنا بمعنى الفاعل والمعنى ان أزواجهن حقيقون بردهن إذ لا معنى للتفضيل هنا فان غير الأزواج لا حق لهم فيهن البتة ولا حق ايضا للنساء في ذلك حتى لوابت من الرجعة لم يعتد بذلك إِنْ أَرادُوا اى الأزواج بالرجعة إِصْلاحاً لما بينهم وبينهن وإحسانا إليهن ولم يريدوا مضارتهن كما كانوا يفعلونه في الجاهلية كان الرجل يطلق امرأته فاذا قرب انقضاء عدتها راجعها ثم بعد مدة طلقها يقصد بذلك تطويل العدة عليها وليس المراد به شرطية قصد الإصلاح بصحة فان الرجعة صحيحة وان راجعها مضارا بها بل
هو الحث عليه والزجر عن قصد الضرار ثم انه تعالى لما بين ان المقصود من الرجعة إصلاح حالها لا إيصال الضرر إليها بين ان لكل واحد من الزوجين حقا على الآخر فقال وَلَهُنَّ عليهم من الحقوق مِثْلُ الَّذِي لهم عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ قوله بالمعروف متعلق بما تعلق به لهن من الاستقرار اى استقر لهن بالمعروف اى بالوجه الذي لا ينكر في الشرع وعادات الناس فلا يكلفهن ما ليس لهم ولا يعنف أحد الزوجين صاحبه ووجه المماثلة بين الحقين هو الوجوب واستحقاق المطالبة لا الاتحاد في جنس الحقوق مثلا إذا استحقت المرأة على الزوج المهر والنفقة والمسكن لا يستحق هو عليها ايضا جنس هذه الحقوق وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ اى زيادة في الحق وفضل فيه وفضل الرجل على المرأة في العقل والدين وما يتفرع عليهما مما لا شك فيه وفضله المناسب بهذا المقام أمران. الاول كون ما يستحق هو عليها أفضل وأزيد مما تستحق هي عليه فانه مالك لها مستحق لنفسها لا تصوم تطوعا الا باذنه ولا تخرج من بيتها الا باذنه وقادر على الطلاق فاذا طلقها فهو قادر على مراجعتها شاءت المرأة او أبت. واما المرأة(1/354)
فلا تملك شيأ من هذه الأمور وانما حقها فيه المهر والكفاف وترك الضرار. والثاني ما أشار اليه الزجاج بقوله معناه ان المرأة تنال من الرجل من اللذات المتفرعة على النكاح مثل ما ينال الرجل منها وله الفضيلة عليها بنفقته والقيام عليها فالفضيلة على هذا فضيلة ما التزمه في حقها مما يتعلق بالرحمة والإحسان كالتزام المهر والنفقة والمسكن والذب عنها والقيام بمصالحها ومنعها عن مواقع الآفات عن ابى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو كنت آمرا لاحد ان يسجد لاحد غير الله لا مرت المرأة ان تسجد لزوجها) لما عظم الله من حقه عليها قال تعالى الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فكان قيام المرأة بخدمة الرجل آكد وجوبا لهذه الحقوق الزائدة وَاللَّهُ عَزِيزٌ يقدر على الانتقام ممن يخالف أحكامه حَكِيمٌ تنطوى شرائعه على الحكم والمصالح واعلم ان مقاصد الزوجية لا تتم الا إذا كان كل واحد من الزوجين مراعيا حق الآخر مصلحا لاحواله مثل طلب النسل وتربية الولد ومعاشرة كل واحد منهما الآخر بالمعروف وحفظ المنزل وتدبير ما فيه وسياسة ما تحت أيديهما الى غير ذلك مما يستحسن شرعا ويليق عادة وفي الحديث (جهاد المرأة حسن التبعل) يقال امرأة حسنة التبعل إذا كانت تحسن عشرة زوجها والقيام بما عليها فى بيت الزوج وفي الحديث (أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة) كما في رياض الصالحين. ومن الحقوق التزين قال ابن عباس رضي الله عنهما انى لا تزين لامرأتى كما تتزين لقوله تعالى وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ويقال ان المرأة مثل الحمامة إذا نبت لها جناح طارت كذا الرجل إذا زين امرأته بالثياب فلا تجلس بالبيت. وقال رجل ما دخل دارى شر قط فقال حكيم ومن اين دخلت امرأتك: قال السعدي قدس سره
دلارام باشد زن نيك خواه ... ولى از زن بد خدايا پناه
وقال بعضهم
عصمت زن را بمقام جمال ... جلوه حرامست مگر با حلال
- حكى- انه كان في بنى إسرائيل رجل صالح وكان له امرأة يحبها حبا شديدا فبعث الله اليه ان يسأله ثلاث حوائج فقال لامرأته حوائجى كثيرة لا أدرى ما اعمل فقالت امرأته اسأل حاجة لى وحاجتين لك قال ما تريدين قالت اسأل ربك ان يصيرنى في صورة ما كانت صورة احسن منها وأجمل فسأل ربه فاضاء البيت من حسنها وجمالها فقامت لتخرج من بيتها فقال زوجها الى اين تذهبين قالت الى بعض السلاطين انا لا أضيع حسنى وجمالى بمثلك ومنع الزوج خروجها ثم بلغ الخبر الى بعض السلاطين فجاء أعوانه وأخذوها من زوجها جبرا فقال الرجل اللهم بقي لى عندك حاجتان اجعلها قردة فمسخها الله تعالى قردة فردها الملك من عنده فجاءت الى زوجها ثم قال الرجل اللهم ردها كما كانت اولا فذهبت الحوائج كلها عبثا لا هي افلحت ولا هو والاشارة ان المطلقات لما امرن بالعدة وفاء لحق الصحبة وان كان الانقطاع من الزوج لا من الزوجة امرن ان لا يقين غير مقامه بالسرعة ويصبرون حتى يمضى مقدار من المدة الى آخر
العدة وكلها دلالات على وفاء الربوبية في رعاية العبودية فان الله تعالى من كمال كرمه يرخى زمام الفضل(1/355)
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)
بالاصطناع وان كان من العبد الفصل والانقطاع ويمهل العبد الى انقضاء عدة الجفاء ولا يعرض عنه سريعا لاقامة شرط الوفاء لعل العبد في مدة العدة يتنبه من نوم الغفلة وتتحرك داعيته فى ضمير قلبه من نتائج محبة ربه وان ابتلاه بمحنة الفرقة فيقرع بإصبع الندامة باب التوبة ويقوم على قدم الغرامة في طلب الرجعة والاوبة فيقال من كمال الفضل والنوال يا قارع الباب دع نفسك وتعال من طلب منا فلاحا فليلزم عتبتنا مساء وصباحا الطَّلاقُ اى التطليق الرجعى المتقدم ذكره الذي قال تعالى فيه وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ مَرَّتانِ اى دفعتان وذلك لا يكون الا على سبيل التفريق فان من اعطى الى آخر درهمين لم يجز أن يقال أعطاه مرتين حتى يعطيه إياهما دفعتين فالجمع بين الطلقتين والثلاث في الإيقاع حرام عند ابى حنيفة رحمه الله الا انه سنى الوقوع لا سنى الإيقاع فالطلاق الذي يثبت فيه للزوج حق المراجعة هو ان يوجد طلقتان فقط واما بعد الطلقتين بان طلق ثلاثا فلا يثبت للزوج حق الرجعة البتة ولا تحل له المرأة الا بعد زوج آخر ثم قوله الطَّلاقُ مَرَّتانِ وان كان ظاهره الخبر فان معناه الأمر لان حمله على ظاهره يؤدى الى وقوع الخلف في خبر الله تعالى لانه قد يوجد إيقاع الطلاق على وجه الجمع ولا يجوز الخلف في خبر الله فكان المراد منه الأمر كأنه قيل طلقوهن مرتين اى دفعتين فَإِمْساكٌ اى فالحكم بعد هاتين الطلقتين إمساك لهن بِمَعْرُوفٍ وهو ان يراجعها لا على قصد المضارة بل على قصد الإصلاح وحسن المعاشرة أَوْ تَسْرِيحٌ اى تخلية بِإِحْسانٍ بان يترك المراجعة حين تبين بانقضاء العدة. ومعنى الإحسان في التسريح انه إذا تركها ادى إليها حقوقها المالية ولا يذكرها بعد المفارقة بسوء ولا ينفر الناس عنها وجملة الحكم في هذا الباب ان الحر إذا طلق زوجته طلقة او طلقتين بعد الدخول بها يجوز له ان يراجعها من غير رضاها ما دامت في العدة وان لم يراجعها حتى تنقضى عدتها او طلقها قبل الدخول بها او خالعها فلا تحل له الا بنكاح جديد بإذنها واذن وليها فان طلقها ثلاثا فلا تحل له ما لم تنكح زوجا غيره واما العبد إذا كانت تحته امة فطلقها طلقتين فانها لا تحل له الا بعد نكاح زوج آخر والاعتبار بالمرأة في عدد الطلاق عند ابى حنيفة رحمه الله فيملك العبد على زوجته الحرة ثلاث طلقات ولا يملك الحر على زوجته الامة إلا طلقتين وَلا يَحِلُّ لَكُمْ- روى- ان جميلة بنت عبد الله بن ابى بن سلول كانت تبغض زوجها ثابت بن قيس فاتت رسول الله عليه السلام وقالت لا انا ولا ثابت ولا يجمع رأسى ورأسه شىء والله ما اعيبه في دين ولا خلق ولكنى اكره الكفر فى الإسلام ما أطيقه بعضا انى رفعت جانب الخباء فرأيته اقبل في عدة فاذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها فنزلت فاختلعت منه بحديقة أصدقها اى سماها ثابت صداقا لها يعنى لما قالت جميلة ما قالت قال ثابت يا رسول الله مرها فلترد على الحديقة التي أعطيتها فقال عليه السلام لها (ما تقولين) قالت نعم وأزيده فقال عليه السلام (لا حديقته فقط) ثم قال لثابت (خذ منها ما أعطيتها وخل سبيلها) ففعل وكان ذلك أول خلع في الإسلام. والخطاب في لكم مع الاحكام ليطابق قوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ فانه خطاب مع الحكام والحكام وان لم يكونوا آخذين ومؤتين حقيقة الا انهم هم الذين يأمرون بالأخذ والإيتاء عند الترافع إليهم فكأنهم هم الذين يأخذون(1/356)
ويؤتون أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ اى تأخذوا منهن بمقابلة الطلاق ما أعطيتموهن من المهور شَيْئاً اى نزرا يسيرا فضلا عن استرداد الكثير إِلَّا أَنْ يَخافا اى الزوجان أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ اى ان لا يراعيا مواجب الزوجية. قوله إِلَّا أَنْ يَخافا استثناء مفرغ وان يخافا محله النصب على انه مفعول من اجله مستثنى من العام المحذوف تقديره ولا يحل لكم ان تأخذوا بسبب من الأسباب شيأ الا بسبب خوف عدم اقامة حدود الله فَإِنْ خِفْتُمْ ايها الحكام أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ اى الحقوق التي أثبتها النكاح وذلك بمشاهدة بعض الأمارات والمخايل فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ اى فيما أعطته المرأة من بدل الخلع لا على الزوج في أخذ ما فدت به نفسها ولا عليها في إعطائه إياه هذا إذا كان النشوز
من قبل المرأة لانها ممنوعة عن إتلاف المال بغير حق اما إذا كان النشوز من قبل الزوج فلا يحل له ان يأخذ شيأ مما آتاها لقوله تعالى فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ولا يضيق عليها ليلجئها الى الافتداء فان ذلك منهى عنه قال تعالى في سورة النساء وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ وعموم قوله تعالى فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ يشعر بجواز المخالعة على قدر المقبوض من الزوج وعلى الأزيد والأقل وعليه جمهور الفقهاء ثم ان ظاهر الآية انه لا يباح الخلع الا عند الغضب والخوف وجمهور المجتهدين على جوازه في حالة الخوف وفي غير حالة الخوف فلا بد حينئذ ان يجعل قوله إِلَّا أَنْ يَخافا استثناء منقطعا كما في قوله تعالى وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً اى لكن ان قتل خطأ فدية مسلمة الى اهله قال البغوي ويجوز الخلع في غير حال النشوز غير انه يكره لما فيه من قطع الوصلة بلا سبب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان من ابغض الحلال الى الله الطلاق) تِلْكَ اى الاحكام المذكورة حُدُودَ اللَّهِ أوامره ونواهيه فَلا تَعْتَدُوها اى لا تتجاوزوا عنها بالمخالفة والرفض وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ المتعدون هُمُ الظَّالِمُونَ اى لانفسهم بتعريضها لسخط الله وعقابه اعلم ان المرأة إذا برئت من مواقع الخلل واتصفت بالعفة فعلى الزوج ان يعاشرها بالمعروف ويصبر على سائر أوضاعها وسوء خلقها ويتأدب بآداب النبي صلى الله عليه وسلم وكان عليه السلام يحسن المعاشرة مع أزواجه المطهرة فحسن معاشرتهن والصبر عليهن مما يحسن الأخلاق فلا جرم يعد الصابر من المجاهدين في سبيل الله- روى- ان بعض المتعبدين كان يحسن القيام على زوجته الى ان ماتت وعرض عليه التزويج فامتنع وقال الوحدة أروح لقلبى قال فرأيت في المنام بعد جمعة من وفاتها كأن أبواب السماء قد فتحت وكأن رجالا ينزلون ويسيرون في الهواء يتبع بعضهم بعضا فكلما نظر الى واحد منهم يقول لمن وراءه هذا هو المشئوم فيقول الآخر نعم ويقول الثالث كذلك فخفت ان اسألهم الى ان مر بي آخرهم فقلت له من هذا المشئوم فقال أنت قلت ولم قال كنا نرفع عملك مع اعمال المجاهدين في سبيل الله تعالى فمنذ جمعة أمرنا ان نضع عملك مع المخالفين فلا ندرى ما أحدثت فقال لاخوانه زوجونى فلم يكن يفارقه زوجتان او ثلاث: قال الكاشفى
مردى گمان مبر كه بزورست و پر دلى ... با نفس اگر جهاد كنى مرد كاملى
ولا يتيسر هذا الا لواحد بعد واحد كما قيل وللحروب رجال وان أنت تريد الطلاق فطلق نفسك: كما قيل(1/357)
فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)
هر كه زن نفس شوم را داد طلاق ... جفتش نبود بزير اين نيلى طاق
از مزبله نفس قدم بيرون نه ... تا روحت كند نسيم وصل استنشاق
ومادام عجوز نفسك تشوش باطنك وتخرب بيت قلبك فالعروس التي هي تجلي الروح لا تتراءى من وراء نقاب السر ولا تجيئ بيت مشاهدتك رحم الله امرأ عرف قدره ولم يتعد طوره والاشارة في الآية ان اهل الصحبة لا يفارقون بجريمة واحدة صدرت من الرفيق الشفيق والصديق الصدوق ولا بجريمتين بل يتجاوزون مرة او مرتين. وفي الثالثة فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ اما صحبة جميلة او فرقة جميلة كما تجاوز الخضر عن موسى عليهما السلام مرتين وفي الثالثة قال هذا (فراق بينى وبينك) واما الصحبة من غير تعظيم وحرمة وذهاب لذة العمر بالأخلاق الذميمة واضاعة الوقت في تحصيل المقت فغير مرضية في الطريقة ولا محمودة في الشريعة بل قاطعة طريقة الحق وليس لاهل الصحبة إذا اتفقت المفارقة ان يستردوا خواطرهم من الرفقاء بالكلية ويقطعوا رحم الاخوة في الدين ويأخذوا منهم قلوبهم بعد ما آتوهم الهمم العلية فان العائد في هبته كالعائد في قيئه إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فى رعاية حقوق الصحبة فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ بان تؤدى الى مداهنة او إهمال في حق حقوق الدين فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ من الحظوظ لرعاية الحقوق تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ من الحظوظ والحقوق فَلا تَعْتَدُوها بترك الحقوق لنيل الحظوظ كذا في التأويلات النجمية قدس الله تعالى نفسه الزاكية القدسية فَإِنْ طَلَّقَها اى بعد الطلقتين السابقتين فَلا تَحِلُّ تلك المرأة لَهُ لزوجها مِنْ بَعْدُ اى من بعد الطلقة الثالثة لا بطريق الرجعة ولا بتجديد العقد حَتَّى تَنْكِحَ تتزوج تلك المرأة زَوْجاً غَيْرَهُ اى غير المطلق ويسمى الأجنبي زوجا لانه بالعقد يصير زوجا فسماه باسم العاقبة والنكاح هنا العقد دون الوطئ وبه أخذ سعيد بن المسيب واللفظ يشهد له لا يقال حتى تطأ المرأة الزوج فان المرأة موطوءة لا واطئة فالآية وان كانت مطلقة لانها انما تدل على ان عدم حلها له يمتد الى ان تتزوج بزوج آخر وينعقد بينهما عقد النكاح من غير تقييد ذلك العقد بكونه مؤديا الى جماع الزوج الثاني لكنها مقيدة بالسنة فالاجماع على اشتراط الاصابة لما روى ان امرأة رفاعة جاءت النبي عليه الصلاة والسلام فقالت ان رفاعة طلقنى فبت طلاقى اى قطعه حيث طلقنى ثلاثا وان عبد الرحمن بن الزبير تزوجنى وان ما معه اى ذكره ليس باغنى عنى من هذه اى الهدبة وأخذت من جلبابها فتبسم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقال (أتريدين ان ترجعى الى رفاعة) قالت نعم فقال (لا حتى تذوقى عسيلته ويذوق عسيلتك) والمراد بالعسيلة الجماع شبه لذة الجماع بالعسل فَإِنْ طَلَّقَها اى الزوج الثاني بعد الدخول بها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما اى لا اثم على الزوج الاول والمرأة أَنْ يَتَراجَعا اى يرجع كل منهما الى صاحبه بعقد جديد إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ اى ان كان في ظنهما انهما يقيمان حدود الله اى ما حده الله وشرعه من حقوق الزوجية ولم يقل ان علما لان العواقب غير معلومة والإنسان لا يعلم ما في الغد وانما يظن ظنا وَتِلْكَ اشارة الى الاحكام المذكورة(1/358)
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232) وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)
الى هنا حُدُودَ اللَّهِ اى أحكامه المعينة المحمية من التعرض لها بالتغيير والمخالفة يُبَيِّنُها بهذا البيان لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ اى يفهمون ويعملون بمقتضى العلم وتخصيصم بالذكر مع عموم الدعوة والتبليغ لما انهم المنتفعون بالبيان والجاهل إذا بين له لا يحفظ ولا يتعاهد
نكته گفتن پيش كز فهمان ز حكمت بيگمان ... جوهرى چند از جواهر ريختن پيش خرست
ثم ان الحكمة في اشتراط إصابة الزوج الثاني في التحليل وعدم كفاية مجرد العقد فيه الردع عن المسارعة الى الطلاق فان الغالب ان يستنكر الزوج ان يستفرش زوجته رجل آخر وهذا الردع انما يحصل بتوقف الحل على الدخول واما مجرد العقد فليس منه زيادة نفرة وتهييج غيرة فلا يصلح توقف الحل عليه رادعا وزاجرا عن التسرع الى الطلاق والنكاح المعقود بشرط التحليل وهو ان يشترط في النكاح ان يقتصر على قدر التحليل ولا يستديم زوجيتها فاسد عند الأكثر وجائز عند ابى حنيفة مع الكراهة وعنه انهما ان أضمرا التحليل ولم يصرحا به فلا كراهة وفي شرح الزيلعى لو خافت المرأة المطلقة ثلاثا ان لا يطلقها المحلل فقالت زوجتك نفسى على ان امرى بيدي اطلق نفسى كلما أردت فقبل جاز النكاح وصار الأمر بيدها وفيه ايضا ومن لطائف الحيل فيه ان تزوج المطلقة من عبد صغير تتحرك آلته ثم تملكه بسبب من الأسباب بعد ما وطئها فيفسخ النكاح بينهما قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (لعن الله المحلل والمحلل له) المحلل بكسر اللام والمراد به الزوج الثاني والمحلل له بفتح اللام والمراد به الزوج الاول فان قلت ما معنى لعنهما قلت معنى اللعن على المحلل لانه نكح على قصد الفراق والنكاح شرع للدوام وصار كالتيس المستعار والتيس هو الذكر من الغنم وقد يستعيره الناس لاستيلاد الغنم واللعن على المحلل له لانه صار سببا لمثل هذا النكاح والمتسبب شريك المباشر فى الإثم والثواب. او المراد من اللعن اظهار خساستهما اما خساسة المحلل فلمباشرته مثل هذا النكاح بدليل قوله عليه السلام (الا أنبئكم بالتيس المستعار) واما خساسة المحلل له فلمباشرة ما ينفر عنه الطبع السليم من عودها اليه بعد مضاجعة غيره إياها واستمتاعه بها لا حقيقة اللعن إذ هو لا يليق بمنصب الرسالة في حق الامة لانه عليه الصلاة والسلام لم يبعث لعانا والاشارة في الآية ان اهل الصحبة لما تجاوزوا عن زلة الاخوان مرة ومرتين ثم في الثالثة ان سلكوا طريق الهجران وخرجوا عن مصاحبة الاخوان فلا يحل للاخوان ان يواصلوا الخوان حتى يصاحب الخائن صديقا مثله فان ندم بعد ذلك على أفعاله وسئم من ذلك الصديق وأمثاله وترك صحبته وخرج عن خصاله ورجع الى صحبة إخوانه واشكاله فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما شرائط العبودية والصحبة في الله وتلك طرق قربات الله والسائرين الى الله يبينها بالتصريح والتعريض والعبارات والإشارات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ المعاريض ويفهمون الإشارات كذا فى التأويلات النجمية قال احمد بن حضرويه الطريق واضح والدليل لائح والداعي قد اسمع فما التحير بعد هذا الا من العمى: قال الحافظ
وصف رخساره خورشيد ز خفاش مپرس ... كه درين آينه صاحب نظران حيرانند
وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ اى نساءكم فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ اى آخر عدتهن وشارفن منتهاها(1/359)
ولم يرد حقيقة انقضاء العدة لان العدة إذا انقضت لم يكن للزوج إمساكها بالمعروف نزلت في رجل من الأنصار يدعى ثابت بن يسار طلق امرأته حتى إذا قرب انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها بقصد مضارتها فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ اى راجعوهن من غير طلب إضرار لهن بالرجعة. والمعروف ما ألفته العقول واستحسنته النفوس شرعا وعرفا وعادة والمراد به هنا حسن المعاشر أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ او خلوهن حتى تنقضى عدتهن من غير تطويل وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً اى ولا تراجعوهن ارادة الإضرار بهن بتطويل العدة والحبس على ان يكون انتصاب ضرارا على العلة او مضارين على الحال فان قلت لا فرق بين قوله فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وبين قوله لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لان الأمر بالشيء نهى عن ضده فما الفائدة في التكرار قلت ان الأمر لا يفيد التكرار ولا يدل على كون امتثال المأمور به مطلوبا فى كل الأوقات فدل لا تمسكوهن على المبالغة في التوصية بالإمساك بالمعروف لدلالته على ان الإمساك المذكور مطلوب منه في جميع الأوقات لِتَعْتَدُوا متعلق بضرارا إذ المراد تقييده اى لتظلموهن
بالإلجاء الى الافتداء وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ اى ما ذكر من الإمساك المؤدى الى الظلم فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ فى ضمن ظلمه لهن بتعريضها للعقاب وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ المنطوية على الاحكام المذكورة او جميع آياته وهي داخلة فيها دخولا أوليا هُزُواً اى مهزوا بها بالاعراض عنها والتهاون في العمل بما فيها والنهى كناية عن الأمر بضده لان المخاطبين مؤمنون ليس من شأنهم الهزؤ بآيات الله اى جدوا في الاخذ بها والعمل بما فيها وارعوها حق رعايتها: قال الحكيم السنائي قدس سره
دانشت هست وكار بستن كو ... خنجرت هست وصف شكستن كو
ولما رغبهم في رعاية التكاليف والعمل بها بالتهديد على التهاون بها أكد ذلك الأمر بذكر نعم الله عليهم بان يشكروها ويقوموا بحقوقها فقال وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كائنة عَلَيْكُمْ حيث هداكم الى ما فيه سعادتكم الدينية والدنيوية اى قابلوها بالشكر والقيام بحقوقها وقيل واذكروا انعام الله عليكم بان خلقكم رجالا وجعل لكم أزواجا تسكنون إليها وجعل النكاح والطلاق والرجعة بايديكم ولم يضيق عليكم كما ضيق على الأولين حين أحل لهم امرأة واحدة ولم يجوز لهم بعد موت المرأة نكاح اخرى وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ عطف على نعمة الله اى وما أنزله الله عليكم مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ اى القرآن والسنة أفردهما بالذكر إظهارا لشرفهما يَعِظُكُمْ بِهِ اى بما انزل عليكم حال من فاعل انزل وهو ضمير انزل اى اذكروا نعمة الله وما أنزله عليكم واعظا به لكم ومخوفا وَاتَّقُوا اللَّهَ فى شأن المحافظة عليه والقيام بحقوقه الواجبة وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فلا يخفى عليه شىء مما تأتون وما تذرون فيؤاخذكم بافانين العذاب والاشارة في الآية ان الاذية والمضارة ليست من الإسلام ولا من آثار الايمان ولا من شعار المسلمين عموما كما قال عليه السلام (المؤمن من امنه الناس) وقال (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) ويتضمن حسن المعاشرة مع الخلق جميعا. فاما الزوجان ففيهما خصوصية بالأمر بحسن المعاشرة معهن وترك اذيتهن والمغايظة معهن على وجه اللجاج فاما(1/360)
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)
تخلية سبيل من غير جفاء او قيام بحق الصحبة على شرائط الوفاء بلا اعتداء وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ اى من الاذية والمضارة والاعتداء بالجفاء فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لان الله تعالى يجازى الظالم والمظلوم يوم القيامة بان يكافئ المظلوم من حسنات الظالم ويجازى الظالم من سيآت المظلوم والظالم إذا أساء الى غيره صارت نفسه مسيئة وإذا احسن صارت نفسه محسنة فترجع اساءة الظالم الى نفسه لا الى نفس غيره حقيقة فانه ظلم نفسه لا غيره ولهذا قال تعالى إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها: قال السعدي قدس سره
مكن تا توانى دل خلق ريش ... وگر ميكنى ميكنى بيخ خويش
وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً اى بتلاوة ظاهرها من غير تدبر معانيها وتفهم إشاراتها وتحقق اسرارها وتتبع حقائقها والتنور بانوارها والاتعاظ بمواعظها وحكمها يقال ان الوعظ كالشاهين فانما يقع على الحي لا على الميت فمن مات قلبه ونعوذ بالله من ذلك لم يتأثر بالمواعظ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (أنتم اليوم على بينة من ربكم) يعنى على بيان قد بين لكم طريقكم (ما لم تظهر فيكم السكرتان سكرة العيش وسكرة الجهل) - روى- انه ضلت راحلة الحسن البصري في طريق الحج فلقيه صبى فسأله فعرفها فلما وجد الراحلة سأله الصبى يا شيخ ما تأكل وما تلبس قال آكل خبز الشعير والبس الصوف لا كسر شهوتى بهما قال الصبى كل ما شئت والبس كذلك بعد ان يكونا حلالين قال واين تبيت قال في الخص وهو بيت من القصب قال لا تظلم وبت حيث شئت فقال الحسن لولا صباك لكسبت منك ما تكلمت به فتبسم الصبى وقال أراك غافلا أخبرتك بالدنيا فقبلت وأخبرك بالدين فتأنف من كلامى ارجع الى منزلك فلا حج لك: قال السعدي قدس سره
مرد بايد كه گيرد اندر گوش ... ور نوشته است پند بر ديوار
وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ اى استوفين عدتهن فالبلوغ هنا عبارة عن حقيقة الانتهاء لان المذكور بعده النكاح ولا يكون ذلك الا بعد الانقضاء العدة فَلا تَعْضُلُوهُنَّ العضل المنع والحبس والتضييق. والمخاطب بالخطاب الاول هو الأزواج. وبالثاني هو الأولياء لما روى ان الآية نزلت في معقل ابن يسار حين منع أخته جميلة ان ترجع الى زوجها الاول البداح عبيد الله بن عاصم فانه جاء يخطبها بعد انقضاء العدة وأرادت المرأة الرجوع فلما سمع مقل الآية قال ارغم أنفي وأزوج أختي واطيع ربى فالمعنى إذا طلقتم النساء ايها الأزواج فلا تعضلوهن ايها الأولياء وهذا وان كان مما لا يخفى ركاكته الا ان جملة الخلائق من حيث حضورهم في علمه تعالى لما كانت بمثابة جماعة واحدة صح توجيه أحد الخطابين الواقعين في كلام واحد الى بعض وتوجيه الخطاب الآخر الى البعض الآخر ولعل التعريض لبلوغ الاجل مع جواز تزوج الاول قبله ايضا لدفع العضل المذكور حينئذ وليس فيه دلالة على ان ليس للمرأة ان تزوج نفسها والا لاحتيج الى نهى الأولياء عن العضل لما ان النهى لدفع الضرر عنهن فانهن وان قدرن على تزويج انفسهن لكنهن يحترزن عن ذلك مخافة اللوم والقطيعة. وقيل الخطابان للازواج حيث كانوا يعضلون مطلقاتهم ولا يدعونهن يتزوجن من شئن من الأزواج(1/361)
ظلما وقسرا واتباعا لحمية الجاهلية أَنْ يَنْكِحْنَ اى لا تمنعوهن من ان يتزوجن وفيه دلالة على صحة النكاح بعبارتهن أَزْواجَهُنَّ ان أريد بهم المطلقون فالزوجية اما باعتبار ما كان واما باعتبار ما يكون والا فبالاعتبار الأخير على معنى ان ينكحن انفسهن ممن شئن ان يكونوا أزواجا لهن إِذا تَراضَوْا اى الخطاب والنساء ظرف لقوله ان ينكحن اى ان ينكحن وقت التراضي بَيْنَهُمْ ظرف للتراضى مفيد لرسوخه واستحكامه بِالْمَعْرُوفِ حال من فاعل تراضوا اى إذا تراضوا ملتبسين بالمعروف من العقد الصحيح والمهر الجائز والتزام حسن المعاشرة وشهود عدول. والمعروف ما يعرفه الشرع وتستحسنه المروءة وفيه اشعار بان المنع من التزوج بغير كفؤ وبما دون مهر المثل ليس من باب العضل ذلِكَ اشارة الى ما مضى ذكره اى الأمر الذي تلى عليكم من ترك العضل ايها الأولياء او الأزواج وتوحيد كاف الخطاب مع كون المخاطب جمعا اما على تأويل القبيل او كل واحد او لكون الكاف لمجرد توجيه الكلام الى الحاضر مع قطع النظر عن كونه واحدا او جمعا يُوعَظُ بِهِ اى ينهى ويؤمر به مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ لانه
المتعظ به والمنتفع ذلِكُمْ اى الاتعاظ به والعمل بمقتضاه أَزْكى لَكُمْ أنمى لكم وانفع من زكا الزرع إذا نما فيكون اشارة الى استحقاق الثواب وَأَطْهَرُ من ادناس الآثام واوضار الذنوب والمفضل عليه محذوف للعلم اى من العضل وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فيه من النفع والصلاح والتفصيل وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ لقصور علمكم فان المكلف وان كان يعلم وجه الصلاح في هذه التكاليف على سبيل الإجمال الا ان التفصيل غير معلوم له واما الله تعالى فانه العالم بتفاصيل الحكم في كل ما امر به ونهى عنه وبينه لعباده
برو علم يك ذره پوشيده نيست ... كه پنهان و پيدا بنزدش يكيست
فدعوا رأيكم وامتثلوا امره تعالى ونهيه في كل ما تأتون وما تذرون وذلك كما ان الوالد يحمى ولده عن بعض الاطعمة صونا له عن انحراف مزاجه فذلك محض إصلاح له لما انه يعلم ما لا يعلمه فقد وعظنا الله تعالى في الكتاب بكل ما هو خير وصواب ونهانا عن كل ما يؤدى الى هلاك وتباب ولكن سماع النصيحة لا يتيسر الا لاولى الألباب كما قال الامام الغزالي قدس سره العالي النصيحة سهل والمشكل قبولها لانها في مذاق متبع الهوى مر إذ المناهي محبوبة في قلوبهم فالواعظ انما ينفع المؤمن الحقيقي وهو ما وصفه الله في كتابه فقال إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وعن ابن مسعود رضي الله عنه السعيد من وعظ بغيره ومثالكم فى استماعكم ما قيل ان رجلا اصطاد طيرا فقال له لا تذبحنى فأى فائدة لك بل خلنى وأعلمك ثلاث حكم تنفعك كلها. الاولى لا تترك الفائدة المعلومة بالمظنونة. والثانية لا تصدق الشيء المستحيل. والثالثة لا تمدن يدك الى ما لم تبلغه فلما خلاه وطار قال ان في حوصلتى جوهرة كبيرة لو استخرجتها لفزت فأخذ يدنو منه والطير يتباعد عنه فقال يا أحمق ما اسرع ما نسيت الحكم تركت الفائدة المعلومة بالمظنونة حيث خليتنى والآن تمديدك الى ما لم تنل وصدقتنى في المستحيل فان حوصلتى لا تسع إلا حبة أو حبتين فكيف يحتمل فيها الجوهرة الكبيرة فكذلك أنتم(1/362)
وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)
فى استماعكم- روى- ان شقيق البلخي قدس سره كان تاجرا في أول امره يتجر في بلاد النصارى فقال له امير النصارى في أي مدة تجئ وتذهب فقال أجيء في ثلاثة أشهر واشترى السلع في ثلاثة واذهب في ثلاثة وأبيع السلع في ثلاثة فقال الملك فهذه الشهور السنة فما تعبد ربك فتأثر قلبه من هذا الكلام فقام عن التجارة واشتغل بالعبادة فان كان التوفيق رفيق عبد لا يزال يقطع المسافات وان مسه الآفات الى ان يصل الى المقصود وإذا وكل الى نفسه لا يفيده ملام ولا يؤثر فيه كلام. ومن النصائح التي نصح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته قوله عليه الصلاة والسلام (علامة اعراض الله عن العبد اشتغاله بما لا يعنيه وان امرأ دهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لجدير ان تطول عليه حسرته ومن جاوز الأربعين ولم يغلب خيره شره فليتجهز الى النار) وفي هذه النصيحة كفاية لاهل العلم: قال السعدي قدس سره
بگوى آنچهـ دانى سخن سودمند ... وگر هيچ كس را نيايد پسند
كه فردا پشيمان بر آرد خروش ... كه آوخ چرا حق نكردم بكوش
اللهم اجعلنا من المتعظين بمواعظ كلمك وَالْوالِداتُ اى جميع الوالدات مطلقات كن او مزوجات لان اللفظ عام وما قام دليل التخصيص فوجب تركه على عمومه يُرْضِعْنَ خبر فى معنى الأمر اى ليرصعن والرضع مص الثدي للبن أَوْلادَهُنَّ جمع ولد وهو المولود ذكرا كان او أنثى ومعنى الأمر الندب ووجه الندب ان تربية الطفل بلبن الام أصلح له من سائر الألبان وان شفقة الام أتم من شفقة غيرها ثم ان حكم الندب انما هو على تقدير ان لا يضطر الولد الى لبن امه اما إذا بلغ حالة الاضطرار بان لا يوجد غير الام او لا يرضع الطفل الا منها او عجز الوالد عن الاستئجار فحينئذ يجب عليها الإرضاع عند ذلك كما يجب على كل أحد مواساة المضطر في الطعام واعلم ان حق الإرضاع لهن الى ان يتزوجن بغير آباء الأولاد ان كانت مطلقات لانهن يشتغلن بخدمة الأزواج فلا يتفرغن لحضانتهم على الوجه الأليق ولان الربيب يتضرر بالراب فانه ينظر اليه شزرا وينفق عليه نزرا حَوْلَيْنِ سنتين أصله من حال الشيء يحول إذا انقلب والحول منقلب من الوقت الاول الى الثاني كامِلَيْنِ تامين أكده بصفة الكمال لانه مما يتسامح فيه فيقال أقمت عند فلان حولين بمكان كذا وانما اقام فيه حولا وبعض الحول لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ بيان للذى توجه اليه حكم الإرضاع كأنه قيل هذا الحكم لمن فقيل لمن أراد ان يتم الرضاعة ومن يحتمل ان يراد بها الوالدات فقط او هن والآباء معا واعلم ان مدة الرضاع عند ابى حنيفة حولان ونصف وعندهما حولان فقط استدلالا بهذه الآية ولا يباح إرضاع بعد هذا الوقت المخصوص على الخلاف لان اباحته ضرورية لانه جزء الآدمي فيتقدر بقدر الضرورة وقال ابو حنيفة هذه الآية محمولة على مدة استحقاق الاجرة فان الإجماع على ان مدت الرضاع في استحقاق اجر الرضاع على الأب مقدرة بحولين حتى ان الأب لا يجبر على إعطاء اجرة بعد الحولين قال تعالى فان أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ الآية ولو حرم الرضاع بعد الحولين لم يكن لقوله عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فائدة فالرضاع الذي ثبت به الحرمة هو ما يكون في ثلاثين شهرا عنده ولا يحرم ما يكون بعدها وعندهما هو ما يكون في الحولين ولا يحرم ما يكون بعد الحولين وهو مذهب الشافعي(1/363)
ايضا ثم ان إتمام الحولين غير مشروط عند ابى حنيفة للآية اى لان في قوله تعالى لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ دلالة على جواز النقص ولو أرادت التكميل لها مطالبة النفقة وإذا نقصت من غير إضرار لا تجبر على الكمال يعنى إذا فطم قبل مضى العدة واستغنى بالطعام لم تكن رضاعا وان لم يستغن يثبت به الحرمة وهو رواية عن ابى حنيفة وعليه الفتوى ذكره الزيلعى ثم انه تعالى كما وصى الام برعاية جانب الطفل في قوله والولدات إلخ وصى الأب برعاية جانب الام حتى تتقوى على رعاية مصلحة الطفل فامره بان يرزقها ويكسوها بالمعروف سواء كان ذلك المعروف محدودا بشرط وعقد أم لا وقد يكون غير محدود الا من جهة العرف لانه إذا قام بما يكفيها من طعامها وكسوتها فقد استغنى عن تقدير الاجرة فقال وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ اى وعلى الذي يولد له وهو الوالد وانما لم يقل على الوالد ليعلم ان الأولاد للآباء لان الزوجة انما تلد الولد للزوج ولذلك ينسبون إليهم لا الى الأمهات- روى- ان المأمون بن الرشيد لما طلب الخلافة عابه حشام ابن على فقال بلغني انك تريد الخلافة وكيف تصلح لها وأنت ابن امة فقال كان إسماعيل عليه السلام ابن امة واسحق ابن حرة فاخرج الله من صلب إسماعيل خير ولد آدم صلى الله عليه وسلم وانشد
لا تزرين بفتى من ان يكون له ... أم من الروم او سوداء دعجاء
فانما أمهات الناس اوعية ... مستودعات وللابناء آباء
مكن زنهار اصل عود چوبست ... به بين دودش چومستثنى وخوبست
رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ اى رزق الأمهات إذا أرضعن أولادهم ولباسهن وكذا اجر الرضاع للاظئار لانهن يحتجن الى ما يقمن به أبدانهن لان الولد انما يغتذى باللبن وانما يحصل لها ذلك بالاغتذاء ونحتاج هي الى التستر فكان هذا من الحوائج الضرورية بِالْمَعْرُوفِ حسبما يراه الحاكم ويفى به وسعه فان قيل إذا كانت الزوجية باقية فهى مستحقة للنفقة والكسوة بسبب النكاح سواء أرضعت الولد أو لم ترضعه فما وجه تعلق هذا الاستحقاق بالإرضاع قلنا النفقة والكسوة تجبان في مقابلة التمكين فاذا اشتغلت بالحضانة والإرضاع لم تتفرغ لخدمة الزوج فربما يتوهم متوهم ان نفقتها وكسوتها تسقطان بالخلل الواقع في خدمة الزوج فقطع الله ذلك الوهم بايجاب الرزق والكسوة وان اشتغلت المرأة بالإرضاع هذا ما قال الواحدي في البسيط لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها التكليف الإلزام ومعنى تكلف الأمر اظهار اثره وقوله وسعها مفعول ثان لان كلف يتعدى الى اثنين كأنه قيل لم لم تجب مؤونة الأمهات على انفسهن ولم قيدت تلك المؤون بكونها بالمعروف فاجيب بانهن غير قادرات على الكسب لضعف بنيتهن واحتباسهن لمنفعة الأزواج فلو أوجب مؤنهن على انفسهن لزم تكليف العاجز وكذا لو أوجب تلك المؤن على الأزواج على خلاف المعروف لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها نهى أصله لا تضارر بكسر الراء الاولى فتكون المرأة هي الفاعلة او بفتح الراء الاولى فتكون المرأة هي المفعول بها الضرار وعلى الاول يكون المعنى لا تفعل المرأة الضرار بالأب بولدها اى بسبب إيصال الضرر الى الولد وذلك بان تمتنع المرأة من ارضاعه مع ان الأب يوسع عليها في النفقة والكسوة فتلقى(1/364)
الولد عليه وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ اى لا يفعل الأب الضرار بالأم بان ينزع الولد منها مع رغبتها في إمساكه وشدة محبتها له وعلى الوجه الثاني لا يفعل الأب الضرار بالأم بان ينزع الولد منها ولا مولود له بولده اى ولا تفعل الام الضرار بالأب بان تلقى الولد عليه والمعنيان يرجعان الى شىء واحد وهو ان يغيظ أحدهما صاحبه بسبب الولد واضافة الولد الى كل منهما لاستعطافهما اليه لانه ليس بأجنبي من كل واحد منهما فالحق ان يشفق عليه كل منهما وللتنبيه على انه جدير بان يتفقا على استصلاحه ولا ينبغى ان يضرا به او يتضارا بسببه وَعَلَى الْوارِثِ وهو الذي لو مات الصبى ورثه اى وارث الصبى عند عدم الأب ممن كان ذا رحم محرم منه بحيث لا يجوز النكاح على تقدير ان يكون أحدهما ذكرا والآخر أنثى لا كل وارث سوآء كان ذا رحم محرم منه او لم يكن وسوآء كان من الرجال او النساء مِثْلُ ذلِكَ اى مثل ما وجب على الأب من الرزق والكسوة واجر الرضاع ونفقة المحارم تجب عندنا بهذه الآية فَإِنْ أَرادا اى الولدان فِصالًا وهو الفطام سمى فصالا لانه انما يكون بفصل الطفل عن الاغتذاء بلبن امه الى غيره من الأقوات اى فطاما للصغير عن الرضاع قبل تمام الحولين صادرا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما اى من الوالدين لا من أحدهما فقط لاحتمال اقدامه على ما يضر بالولد بان تمل المرأة الإرضاع ويبخل الأب بإعطاء الاجرة وربما يضر الفطام بجسمه بقطع غذائه قبل وقت فصاله وَتَشاوُرٍ فى شأن الولد وتفحص عن أحواله واجماع منهما على استحقاقه للفطام. والتشاور من المشورة وهي استخراج الرأى من المستشار وانما اعتبر اتفاق الوالدين لما في الأب من الولاية وفي الام من الشفقة وهي اعلم بحال الصبى فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فى ذلك ولا حرج لما ان تراضيهما انما يكون بعد استقرار رأيهما واجتهادهما في ان صلاح الولد فى الفطام وقلما يتفقان على الخطأ فالحاصل سواء زادا على الحولين الى ثلاثين شهرا او نقصا فلا جناح عليهما في ذلك بعد استقرار رأيهما الى ما هو خير للصبى وَإِنْ أَرَدْتُمْ ايها الآباء أَنْ تَسْتَرْضِعُوا المراضع أَوْلادَكُمْ فالمفعول الاول محذوف واسترضع يتعدى الى اثنين بنفسه يقال رضع الولد امه وأرضعت المرأة ولدها واسترضعتها الولد وقيل يتعدى الى الثاني بحرف الجر والتقدير لاولادكم اى إذا طلبتم ان تأخذوا ظئر الإرضاع أولادكم فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ اى لا اثم عليكم في الاسترضاع. وفيه دلالة على ان للاب ان يسترضع الولد ويمنع الام من الإرضاع إِذا سَلَّمْتُمْ اى الى المراضع ما آتَيْتُمْ اى ما أردتم ايتاءه كما في قوله تعالى فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ بِالْمَعْرُوفِ متعلق
بسلمتم اى بالوجه المتعارف المستحسن شرعا وليس التسليم بشرط للصحة والجواز بل هو ندب الى ما هو الأليق والاولى فان المراضع إذا أعطين ما قدر لهن ناجزا يدا بيد كان ذلك ادخل في إصلاح شؤون الأطفال. وقيل المراد من المعروف ان يكون الاجر من الحلان لان المرضع إذا أكلت الحلال كان اللبن انفع للصبى واقرب الى صلاحه قالوا العادة جارية ان من ارتضع امرأة فالغالب عليه أخلاقها من خير وشر ولذا قيل انه ترضعه امرأة صالحة كريمة الأصل فان لبن المرأة الحمقاء يسرى واثر حمقها يظهر يوما ما وفي الحديث (الرضاع يغير الطباع)(1/365)
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)
ومن ثمه لما دخل الشيخ ابن محمد الجويني بيته ووجد ابنه الامام أبا المعالي يرتضع ثدى غير امه اختطفه منها ثم نكس رأسه ومسح بطنه وادخل إصبعه في فيه ولم يزل يفعل ذلك حتى خرج ذلك اللبن قائلا يسهل على موته ولا تفسد طباعه بشرب لبن غير امه ثم لما كبر الامام كان إذا حصلت له كبوة في المناظرة يقول هذه من بقايا تلك الرضعة وَاتَّقُوا اللَّهَ فى شأن مراعاة الاحكام المذكورة في امر الأطفال والمراضع وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فيجازيكم بذلك. وفيه من الوعيد والتهديد ما لا يخفى: قال الحسين الكاشي
گر برهنه بره برون آيى ... زود در تهمت جنون آيى
جامه ظاهرى كه نيست ببر ... تو فضيحت شوى ميان بشر
فكر آن كن كه بي لباس ورع ... چهـ كنى در مقام هول وفزع
خويشتن در لباس تقوى دار ... تا شوى در دو كون برخوردار
والآية مشتملة على تمهيد قواعد الصحبة وتعظيم محاسن الأخلاق في احكام العشرة بل انها اشتملت على شيوع الرحمة والشفقة على البرية فان من لا يرحم لا يرحم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لمن ذكر انه لمن يقبل أولاده (ان الله لا ينزع الرحمة الا من قلب شقى وفي الحديث (حب الأولاد ستر من النار وكراماتهم جواز على الصراط والاكل معهم براءة من النار) وفي الحديث (اربع نفقات لا يحسب العبد بهن يوم القيامة نفقة على أبويه ونفقة على إفطاره ونفقة على سحوره ونفقة على عياله) واللطف والمرحمة ممدوح جدا عموما وخصوصا وفي الحديث (ان امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر قد ادلع لسانه من العطش فنزعت له فغفر لها) قال البخاري فنزعت خفها فاوثقته اى أحكمته بخمارها فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك والحديث يدل على غفران الكبيرة من غير توبة وهو مذهب اهل السنة وعلى ان من اطعم محتاجا الى الغذاء يستحق المثوبة والجزاء. فعلى العاقل العمل بالكتاب والسنة وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ اى يموتون ويقبض أرواحهم بالموت. وقرئ بفتح الياء اى يستوفون آجالهم وأعمارهم. واصل التوفى أخذ الشيء وافيا كاملا يقال توفى الشيء واستوفاه فمن مات فقد أخذ عمره وافيا كاملا واستوفاه وَيَذَرُونَ أَزْواجاً اى يتركون نساء من بعدهم وهو جمع زوج والمنكوحة تسمى زوجا وزوجة والتذكير اغلب قال تعالى اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ويجمع أزواجا على لغة التذكير وزوجات على لغة التأنيث يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ الباء للتعدية اى يجعلنها متربصة منتظرة بعد موتهم لئلا يبقى المبتدأ بلا عائد أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً اى في تلك المدة فلا يتزوجن الى انقضاء العدة قوله عشرا اى عشرة ايام وتأنيث العشر باعتبار الليالى لان التاريخ عند العرب بالليلة بناء على انها أول الشهر واليوم تبع لها ولعل الحكمة في تقدير عدة الوفاة باربعة أشهر وعشر ان الجنين إذا كان ذكرا يتحرك غالبا لثلاثة أشهر وان كان أنثى يتحرك لاربعة فاعتبر أقصى الأجلين وزيد عليه العشر استظهارا اى استعانة بتلك الزيادة على العلم بفراغ الرحم إذ ربما تضعف الحركة في المبادي فلا يحس بها وكانت عدة الوفاة في أول الإسلام سنة فنسخت بهذه الا الحوامل فان عدتها بوضع الحمل قال تعالى وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ(1/366)
يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ
والا الإماء فان عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت امة شهران وخمسة ايام نصف عدة الحرة بإجماع السلف وقوله تعالى وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ خطاب مع المؤمنين فدل على ان الخطاب بهذه الفروع مختص بالمؤمنين فقط فلا وجه لا يجاب العدة المذكورة على الكتابية فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ اى انقضت عدتهن فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ الخطاب للحكام وصلحاء المسلمين لانهن ان تزوجن في مدة العدة وجب على كل واحد منعهن عن ذلك ان قدر عليه وان عجز وجب عليه ان يستعين بالسلطان فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ من التزين والتعرض للخطاب وسائر ما حرم على المعتدة بِالْمَعْرُوفِ حال من فاعل فعلن اى فعلن ملتبسات بالوجه الذي لا ينكره الشرع وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فيجازيكم عليه فلا تعملون خلاف ما أمرتم به
هر كه عاصى شود بامر خدا ... بيخ او را بكند قهر خدا
واعلم ان المراد بالتربص هنا الامتناع عن النكاح والامتناع عن الخروج من المنزل الذي توفى عنها زوجها فيه والامتناع عن التزين وهذا اللفظ كالمجمل لانه ليس فيه بيان انها تتربص في أي شىء الا انا نقول الامتناع عن النكاح مجمع عليه واما الامتناع عن الخروج من المنزل فواجب الا عند الضرورة والحاجة واما ترك التزين فهو واجب لما روى عن عائشة وحفصة رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ان تحد على ميت فوق ثلاث ليال الا على زوجها اربعة أشهر وعشرا) وانما وجب الحداد لانه لما حرم عليها النكاح في العدة أمرت بتجنب الزينة حتى لا تكون بصفة الملتمسة للازواج ولاظهار التأسف على فوت نعمة النكاح الذي كان سبب مؤونتها وكفايتها من النفقة والسكنى وغير ذلك. والحداد على الميت ثلاثة ايام وتمس المرأة الطيب في الثالث لئلا يزيد الحداد على ثلاثة ايام فانها لو مسته في
الرابع لازداد الحداد من اليوم الرابع. وهو حرام ومن السنة ان يتوقى رسوم الجاهلية من شق الجيوب وضرب الخدود وحلق الشعر كما كان عادة العرب وكذا قطعه كما كان عادة العجم وكذا رفع الصوت بالبكاء والنوح وقد برئ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ممن يفعل شيأ من ذلك لانها عادات الجاهلية واكثر اهالى هذا الزمان في اكثر البلدان مبتلون بامثال هذه العادات لا سيما النساء فانهن يلبسن الالبسة السود الى ان تمضى ايام بل شهور كثيرة وربما ترى رجلا لا يلبس لباس الجمع والأعياد فلو سئل فيه لاجاب بقوله مات ابى او أمي او غيرهما وذلك بعد ما مضى من زمان الوفاة شهور. وكذا الرافضة قد تغالت في الحزن لمصيبة الحسين رضي الله عنه واحدت عليها حيث اتخذوا يوم عاشوراء مأتما لقتله رضي الله عنه فيقيمون في مثل هذا اليوم العزاء ويطيلون النوح والبكاء ويظهرون الحزن والكآبة ويفعلون فعل غير اهل الاصابة ويتعدون الى سب بعض الصحابة وهذا عمل اهل الضلال المستوجبين من الله الخزي والنكال كأنهم لم يسمعوا ما ورد في النهى عن الحداد ومن الله الرشاد والاشارة في الآية ان موت المسلم لم يكن فراقا اختياريا للزوج فكانت مدة وفاته أطول فكذا العبد الطالب فان حال الموت بينه وبين مطلوبه من غير اختياره فالوفاء بحصول مطلوبه في مدة كرم محبوبه كما قال تعالى وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ففى هذا تسلية قلوب(1/367)
وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)
المؤمنين لئلا يقطع عليهم طريق الطلب وساوس الشيطان وهو رجس النفس بان طلب الحق امر عظيم وشأن خطير وأنت ضعيف والعمر قصير فان منادى الكرم من سرادقات الفضل ينادى ألا من طلبنى وجدنى فان الطلاب في طلبى كذا في التأويلات النجمية قدس الله تعالى نفسه الزاكية القدسية المرضية وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ علم الله تعالى ان المرأة إذا مات زوجها قد يكون لها مال او جمال او معنى يرغب الناس فيها فاطلق للراغب ان يعرض بالخطبة في العدة فقال تعالى ولا جناح عليكم فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ التعريض إفهام المعنى بالشيء المحتمل له ولغيره مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ الخطبة بالكسر التماس النكاح وبالضم الكلام المشتمل على الوعظ والزجر من الخطاب الذي هو الكلام يقال خطب المرأة اى خاطبها في امر النكاح والمراد بالنساء المعتدات للوفاة واما النساء اللاتي لا تكون منكوحة الغير ولا معتدته من طلاق رجعى فان خطبتهن جائزة تصريحا وتعريضا الا ان يخطبها رجل فيجاب بالرضى صريحا فههنا لا يجوز لغيره ان يخطبها لقوله عليه السلام (لا يخطبن أحدكم على خطبة أخيه) وان أجيب بالرد صريحا فههنا يحل لغيره ان يخطبها وان لم يوجد صريح الاجابة ولا صريح الرد ففيه خلاف والتي هي معتدة عن الطلاق الثلاث والبائن باللعان والرضاع ففى جواز التعريض بخطبتها خلاف واما البائن التي يحل لزوجها نكاحها في عدتها كالمختلعة والتي انفسخ نكاحها بعيب او عنة او إعسار نفقة فههنا يجوز لزوجها التعريض والتصريح واما غير الزوج فلا يحل له التصريح والتعريض لانها معتدة يحل للزوج ان يستبيحها في عدتها فلا يحل له التعريض بخطبتها كالرجعية ثم التعريض بالخطبة ان يقول لها في العدة انك لجميلة صالحة ومن غرضى ان أتزوج او اشتهى امرأة مثلك او انا محتاج الى امرأة صفتها كذا أو يقول انى حسن الخلق كثير الانفاق جميل العشرة محسن الى النساء فيصف نفسه ليرغب فيه او يقول رب راغب فيك وحريص عليك ونحو ذلك مما يوهم انه يريد نكاحها حتى تحبس نفسها عليه ان رغبت فيه ولا يصرح بالنكاح بان يقول انى أريد ان أنكحك او أتزوجك او أخطبك او غير ذلك فانه كما لا يجوز ان ينكحها في عدتها لا يجوز له ان يخطبها صريحا فيها أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ مفعول أكننتم محذوف وهو الضمير الراجع الى ما الموصولة في قوله فيما عرضتم اى او أكننتموه فى أنفسكم اى أضمرتم في قلوبكم من نكاحهن فلم تذكروه صريحا ولا تعريضا. الآية الاولى لاباحة التعريض في الحال وتحريم التصريح في الحال وهذه الآية اباحة لان يعقد قلبه على انه سيصرح بذلك بعد انقضاء زمان العدة ثم انه تعالى ذكر الوجه الذي لاجله أباح ذلك فقال عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ لا محالة ولا تنفكون عن النطق برغبتكم فيهن فالمقصود بيان وجه اباحة الخطبة بطريق التعريض وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا نصب على انه مفعول ثان لتواعدوهن وهو استدراك عن محذوف دل عليه ستذكرونهن اى فاذكروهن وأظهروا لهن رغبتكم ولكن لا تواعدوهن نكاحا بل اكتفوا بما رخص لكم من التعريض والتعبير عن النكاح بالسر لان مسببه الذي هو الوطئ مما يسر به إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً استثناء مفرغ مما يدل عليه النهى اى لا تواعدوهن مواعدة ما الا مواعدة معروفة غير منكرة(1/368)
شرعا وهي ما تكون بطريق التعريض والتلويح وَلا تَعْزِمُوا العزم عبارة عن عقد القلب على فعل من الافعال يتعدى بنفسه وبعلى قال الراغب ودواعى الإنسان الى الفعل على مراتب السانح ثم الخاطر ثم التفكر فيه ثم الارادة ثم الهمة ثم العزم فالهمة اجماع من النفس على الأمر والعزم هو العقد على إمضائه عُقْدَةَ النِّكاحِ اى لا تعزموا عقد عقدة النكاح لان العزم عبارة عن عقد القلب على فعل فلا يتعلق الا بالفعل والاضافة في قوله عقدة النكاح بيانية فلا تكون العقدة بمعنى ربط المكلف اجراء التصرف بل المراد به الحاصل بالمصدر وهو الارتباط الشرعي الحاصل بعقد العاقدين والمقصود النهى عن تزوج المعتدة في زمان عدتها الا انه نهى عن العزم على عقد النكاح للمبالغة في النهى عن النكاح في زمان العدة فان العزم على الشيء متقدم عليه والنهى عن مقدمات الشيء يستلزم النهى عن ذلك الشيء بطريق الاولى حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ الكتاب بمعنى المكتوب وهو المفروض والمعنى حتى تبلغ العدة المفروضة آخرها وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ من العزم على ما
لا يجوز فَاحْذَرُوهُ بالاجتناب عن العزم ابتداء وإقلاعا عنه بعد تحققه وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لمن عزم ولم يفعل خشية من الله تعالى حَلِيمٌ لا يعاجلكم بالعقوبة فلا تستدلوا بتأخيرها على ان ما نهيتم عنه من العزم ليس مما يستتبع المؤاخذة فاجتنبوا اسباب العقوبة واعملوا بما أمركم به ربكم واغتنموا زمان الحياة حتى لا تتأسفوا كما قال المفرطون المتحسرون
چون توانستم ندانستم چهـ سود ... چون بدانستم توانستم نبود
وقد وبخ الله تعالى من مال الى شهواته وهوى نفسه في هذه الآيات من غير ان يكون له رخصة شرعية فلا بد للعاقل ان يختار رضي الله تعالى على رضى نفسه ولا يكون له مطلب أعلى من مال او امرأة او غيرهما الا الله تعالى قال عليه الصلاة والسلام (من كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها او امرأة يتزوجها فهجرته الى ما هاجر اليه) فتأمل كيف جعل جزاء كل مؤمّل ما أمله وثواب كل قاصد ما قصده واعتبر كيف لم يكرر ذكر الدنيا اشعارا بعدم اعتبارها لخساستها ولان وجودها لعب ولهو فكأنه كلا وجود وانظر الى قوله عليه السلام (فهجرته الى ما هاجر اليه) وما تضمن من ابعاد ما سواه تعالى وتدبر هذا الأمر إذ ذكر الدنيا والمرأة مع انها منها يشعر بان المراد كل شىء في الدنيا من شهوة او مال وان المراد بالحديث الخروج عن الدنيا بل وعن كل شىء لله قال ابو سليمان الدار انى قدس سره ثلاث من طلبهن فقد ركن الى الدنيا طلب معاش او تزوج امرأة او كتب الحديث واعلم انه ينبغى لطالب الحق ان يحصل من العلوم الشرعية ما يفرق به بين الحق والباطل ويشتغل بالعلوم الرسمية والقوانين المتداولة قدر ما يقدر على استخراج الحديث والتفسير من غير تعمق فى الفلسفيات وغوامض العلوم فانه زائد على قدر الكفاية منهى عنه على اصول اهل الشريعة والطريقة فهذا أول الأمر في هذا الباب. واما امر النهاية وهو ما بعد التحصيل والتكميل فان السالك بقدر اشتغاله بالعلوم الظاهرة زاد بعدا عن درك الحق لان السلوك يبتنى على التخلي والانقطاع وترك الكلام والاستماع وتفريغ الباطن من العلائق ولو كانت علوما وطرح المشاغل(1/369)
لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)
الخارجية والداخلية من البين خصوصا وعموما فقول بعضهم بنفي الاشتغال لاهل السلوك يبتنى على هذا المعنى لا على الترك من الأصل كما يزعمه جهلة الصوفية نعوذ بالله من هذا فان العلم مطلقا هو النور وبه يهتدى السالك الى مسالكه. واما ارباب النهاية من اهل السلوك فلا يمكن حصر أحوالهم فانهم لا يحتجبون لا بالكثرة عن الوحدة ولا بعكسها إذ هم تجاوزوا عن مقام الأغيار بل شاهدوا أينما قلبوا الاحداق الأنوار بل حققوا بالحقيقة فلا اغيار عندهم لا حقيقة ولا اعتبارا ولذا حبب الى النبي عليه السلام النساء وذلك لان محبته عليه السلام ليست كما يعرفها الناس بل سرها مستور لا يطلع عليه الا من فاز بالوراثة الكبرى يقول الفقير جامع هذه المجالس النفيسة انما بسطت الكلام في هذا المقام لئلا يظن أحد ان قوله فيما سبق او كتب من خرافات الصوفية بل له محمل على ما أشرت اليه ومن لم يسلك هذا الطريق لم يعرف قدر خطوات اهل التحقيق والتدقيق لا جُناحَ عَلَيْكُمْ المراد من الجناح في هذه الآية وجوب المهر اى لا تبعة من مهر إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ اى غير ماسين لهن ومجامعين قال ابن الشيخ الظاهر ان كلمة ما مصدرية ظرفية والزمان محذوف تقديره مدة عدم المسيس أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً كلمة او بمعنى الا ان كقولك لالزمنك او تعطينى حقى اى الا ان تفرضوا لهن عند العقد مهرا والمعنى انه لا تبعة على المطلق بمطالبة المهر أصلا إذا كان الطلاق قبل المسيس على كل حال الا في تسمية المهر فان عليه حينئذ نصف المسمى وفي حال عدم تسميته عليه المتعة لا نصف مثل المهر واما إذا كان بعد المساس فعليه في صورة التسمية تمام المسمى وفي صورة عدمها تمام مهر المثل وَمَتِّعُوهُنَّ عطف على مقدر اى فطلقوهن ومتعوهن اى أعطوهن ما يتبلغن وينتفعن به والحكمة في إيجاب المتعة جبر لما أوحشها الزوج بالطلاق وهو درع وهو ما يستر البدن وملحفة وهو ما يستر المرأة عند خروجها من البيت وخمار وهو ما يستر الرأس على حسب الحال كما يفصح عنه قوله تعالى عَلَى الْمُوسِعِ يقال أوسع الرجل إذا اتسع حاله فصار ذا سعة وغنى اى الذي له سعة قَدَرُهُ إمكانه وطاقته وَعَلَى الْمُقْتِرِ يقال اقتر الرجل إذا افتقر وصار ذا قترة. والقترة الغبار وهو قليل من التراب اى على المقل الضيق الحال قَدَرُهُ فالمتعة معتبرة بحاله لا بحالها لا تنقص عن خمسة دراهم ولا تزاد على نصف مهر المثل لان المسمى أقوى من مهر المثل والمتعة لا تزاد على نصف المسمى فلان لا تزيد على نصف مهر المثل اولى. والقدر والقدر لغتان وذهب جماعة الى ان الساكن مصدر والمتحرك اسم كالعد والعدد والمد والمدد والقدر بالتسكين الوسع يقال هو ينفق على قدره اى على وسعه وبالتحريك المقدار مَتاعاً اسم لمصدر الفعل المذكور من قبيل قوله تعالى أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً اى تمتيعا ملتبسا بِالْمَعْرُوفِ اى بالوجه الذي يستحسنه الشرع والمروءة حَقًّا صفة متاعا اى متاعا واجبا عَلَى الْمُحْسِنِينَ اى الذين يحسنون الى أنفسهم بالمسارعة الى الامتثال قال ابن التمجيد اعلم ان للمطلقة اربع حالات. الاولى ان تكون غير ممسوسة ولم يسم لها مهر. والثانية ان تكون ممسوسة وسمى لها. والثالثة ان تكون ممسوسة ولم يسم لها. والرابعة ان تكون غير(1/370)
وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)
ممسوسة وسمى لها ورفع الجناح بمعنى نفى المهر انما هو في الصورة الاولى لا في البواقي من الصور الثلاث فان فيها وجوب المهر ولم يجب في الصورة الاولى مهر لا بعضا ولا كلا اما عدم وجوب البعض فلان مهر المثل لا ينصف واما عدم وجوب الكل فلكونها غير مدخول بها ولكن لها المتعة لقوله تعالى وَمَتِّعُوهُنَّ فانه في حق من جرى ذكرهن وهي المطلقات الغير الممسوسة التي لم يفرض لهن فريضة إذ لو فرضت لكان لهن تمام المهر لا المتعة وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً اى وان طلقتموهن من قبل المسيس حال كونكم مسمين لهن عند النكاح مهرا فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ اى فلهن نصف ما سميتم لهن من المهر وان مات أحدهما قبل الدخول فيجب عليه كله لان الموت كالدخول في تقرير المسمى كذلك فى إيجاب مهر المثل إذا لم يكن في العقد مسمى إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ استثناء من أعم الأحوال اى فلهن نصف المفروض معينا في كل حال الا في حال عفوهن اى المطلقات فانه يسقط ذلك حينئذ بعد وجوبه أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ اى يترك الزوج المالك لعقده وحله ما يعود اليه من نصف المهر الذي ساقه إليها كملا على ما هو المعتاد تكرما فان ترك حقه عليها عفو بلا شبهة فالمراد بقوله الذي بيده عقدة النكاح الزوج لا الولي والمراد بعفوه ان يعطيها الصداق كاملا النصف الواجب عليه والنصف الساقط العائد اليه بالتنصيف وتسمية الزيادة على الحق عفوا لما كان الغالب عندهم ان يسوق الزوج إليها كل المهر عند التزوج فاذا طلقها قبل الدخول فقد استحق ان يطالبها بنصف ما ساق إليها فاذا ترك المطالبة فقد عفا عنها وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى واللام في التقوى تدل على علة قرب العفو تقديره العفو اقرب من أجل التقوى إذ الاخذ كأنه عوض من غير معوض عنه او ترك المروءة عند ذلك ترك للتقوى وفي الحديث (كفى بالمرء من الشح ان يقول آخذ حقى لا اترك منه شيأ) وفي حديث الأصمعي اتى أعرابي قوما فقال لهم هذا في الحق او فيما هو خير منه قالوا وما خير من الحق قال التفضل والتغافل أفضل من أخذ الحق كله كذا في المقاصد الحسنة للسخاوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ليس المراد منه النهى عن النسيان لان ذلك ليس في الوسع بل المراد منه الترك والمعنى لا تتركوا الفضل والإفضال فيما بينكم بإعطاء الرجل تمام الصداق وترك المرأة نصيبها حثهما جميعا على الإحسان والإفضال وقوله بينكم منصوب بلا تنسوا: قال السعدي قدس سره
كسى نيك بيند بهر دو سراى ... كه نيكى رساند بخلق خداى
إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فلا يكاد يضيع ما عملتم من التفضل والإحسان. والبصر في حقه تعالى عبارة عن الوصف الذي به ينكشف كمال نعوت المبصرات وذلك أوضح واجلى مما يفهم من ادراك البصر القاصر على ظواهر المرئيات. والحظ الديني للعبد من البصر أمران. أحدهما ان يعلم انه خلق له البصر لينظر الى الآيات وعجائب الملكوت والسموات فلا يكون نظره الا عبرة قيل لعيسى عليه السلام هل أحد من الخلق مثلك فقال من كان نظره عبرة وصمته فكرة وكلامه ذكرا فهو مثلى. والثاني ان يعلم انه بمرأى من الله ومسمع فلا يستهين بنظره اليه واطلاعه عليه ومن أخفى عن غير الله ما لا يخفيه عن الله فقد استهان بنظر الله والمراقبة احدى ثمرات الايمان(1/371)
حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)
بهذه الصفة فمن قارف معصية وهو يعلم ان الله يراه فما اجسره واخسره ومن ظن انه لا يراه فما اكفره كذا في شرح الأسماء الحسنى للامام الغزالي ثم الاشارة في الآيات ان مفارقة الاشكال من الأصدقاء والعيال لمصلحة دنيوية لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فيها فكيف يكون جناح ان فارقتموهم لمصلحة دينية بل أنتم مأمورون بمفارقتهم لزيارة بيت الله فكيف لزيارة الله فان الواجب في زيارة بيت الله مفارقة الاهالى والأوطان وفي زيارة الله مفارفة الأرواح والأبدان دع نفسك وتعال قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وقوله تعالى وَمَتِّعُوهُنَّ اشارة الى ان من له من الطلاب واهل الارادة مال فليمتع به أقرباءه وأحباءه حين فارقهم في طلب الحق سبحانه ليزيل عنهم بحلاوة المال مرارة الفراق فان الفطام عن المألوف شديد ولا ينفق المال عليهم بقدر قربهم في القرابة وبعدهم بل يقسم بينهم على فرائض الله كالميراث فانه قد مات عنهم بالحقيقة وفي قوله تعالى وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى اشارة الى ان الوصول الى تقوى الله حق تقاته انما هو بترك ما سوى الله والتجاوز عنه فان المواصلة الى الخالق على قدر المفارقة عن المخلوق والتقرب الى الله بقدر التبعد عما سواه وفي قوله تعالى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ هاهنا في الدنيا فان حلول الجنة ودخولهاهناك لا يكون الا من فضله كقوله تعالى الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ فى وجدان الفضل وفقدانه بَصِيرٌ كذا في التأويلات النجمية وانما يوجب للعبد الالتفات للخلائق فقدان النور الكاشف للخلائق والا فلو أشرق نور اليقين الهادي الى العلم بان الآخرة خير من الدنيا وان ما عند الله خير وأبقى لرأيت الآخرة اقرب من ان يرحل إليها ولرأيت محاسن الدنيا وقد ظهرت كسفة الفناء عليها لان الآتي قطعا كالموجود في الحال لا سيما ومباديه ظاهرة من تغير الأحوال وانتقال الأهلين والأموال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان النور إذا دخل القلب انفسح وانشرح) قيل يا رسول الله وهل له من علامة يعرف بها قال (التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله) انتهى اللهم اجعلنا ممن استعد للقائك وتهيأ لنوال وصالك حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ بالأداء لوقتها والمداومة عليها والمراد بالصلوات المكتوبات الخمس في كل يوم وليلة ثبت عددها بغيرها من الآيات والأحاديث المتواترة وباشارة في هذه الآية وهو ذكر الوسطى وهي ما اكتنفه عددان متساويان واقل ذلك خمسة لا يقال ان الثلاث بهذه الصفة لانا نقول الثلاث لا يكتنفها عددان فان الذي قبلها واحد والذي بعدها واحد وهو ليس بعدد فان العدد ما إذا اجتمع طرفاه صارا ضعفه وليس له طرفا فانه ليس قبله شىء وَحافظوا على الصَّلاةِ الْوُسْطى اى المتوسطة بينها على ان تكون الوسطى صفة مشبهة او الفضلى منها على ان تكون افعل تفضيل تأنيث الأوسط واوسط الشيء خيره واعدله وهي صلاة العصر لانها بين صلاتى ليل وصلاتى نها (ولقوله عليه الصلاة والسلام يوم الأحزاب (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا) وفضلها لكثرة اشتغال الناس في وقتها بتجاراتهم ومكاسبهم واجتماع ملائكة الليل وملائكة النهار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر اهله وماله) اى ليكن من فوتها حذرا كما يحذر من ذهاب اهله وماله ثم في حديث يوم الأحزاب(1/372)
فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)
حجة على من قال الصلاة الوسطى غير العصر وعلى من قال انها مبهمة ابهمها الله تعالى تحريضا للخلق على محافظتها كساعة الاجابة يوم الجمعة فان قيل ما روت عائشة رضي الله عنها انه عليه الصلاة والسلام قال (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر) يدل على ان الوسطى غير العصر قلت يحتمل ان يكون الوسطى لقبا والعصر اسما فذكرها باسمها كذا فى شرح المشارق لابن الملك وَقُومُوا لِلَّهِ اى في الصلاة قانِتِينَ حال من فاعل قوموا اى ذاكرين له في القيام لان القنوت هو الذكر فيه او خاشعين- روى- انهم كانوا إذا قام أحدهم الى الصلاة هاب الرحمن ان يمد بصره او يلتفت او يقلب الحصى او يحدث نفسه بشئ من امور الدنيا الا ناسيا حتى ينصرف فَإِنْ خِفْتُمْ اى ان كان بكم خوف من عدو او غيره فَرِجالًا منصوب على الحال وعامله محذوف تقديره فصلوا راجلين والرجال جمع راجل مثل صحاب وصاحب أَوْ رُكْباناً اى راكبين وهو جمع راكب مثل فرسان وفارس.
ومذهب ابى حنيفة انهم لا يصلون في حال المشي والمسايفة ما لم يمكن الوقوف وعند إمكان الوقوف يصلى واقفا والدليل عليه قوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ الآية فَإِذا أَمِنْتُمْ وزال خوفكم فَاذْكُرُوا اللَّهَ اى فصلوا صلاة الا من عبر عنها بالذكر لانه معظم أركانها كَما عَلَّمَكُمْ اى ذكرا كائنا كتعليمه إياكم ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ من كيفية الصلاة والمراد بالتشبيه ان تكون الصلاة المؤداة موافقة لما علمه الله وإيرادها بذلك العنوان لتذكير النعمة او اشكروا لله شكرا يوازى تعليمه إياكم ما لم تكونوا تعلمونه من الشرائع والاحكام التي من جملتها كيفية اقامة الصلاة حالتى الخوف والامن واعلم ان الصلاة بمنزلة الضيافة قد هيأها الله للموحدين فى كل يوم خمس مرات فكما في الضيافة تجتمع الألوان من الاطعمة ولكل طعام لذة ولون فكذلك فيها اركان وافعال مختلفة لكل فعل لذة وتكفير للذنوب وعن كعب الأحبار انه قال قال الله لموسى في مناجاته [يا موسى اربع ركعات يصليها احمد وأمته وهي صلاة الظهر أعطيهم فى أول ركعة منها المغفرة وفي الثانية أثقل موازينهم وفي الثالثة او كل بهم الملائكة يسبحون ويستغفرون لهم لا يبقى ملك في السماء ولا في الأرض الا ويستغفر لهم ومن استغفرت له الملائكة لم أعذبه ابدا وفي الرابعة افتح لهم أبواب السماء وتنظر إليهم الحور العين. يا موسى اربع ركعات يصليها احمد وأمته وهي صلاة العصر ما يسألون منى حاجة الا قضيت لهم. يا موسى ثلاث ركعات يصليها احمد وأمته وهي صلاة المغرب افتح لهم أبواب السماء. يا موسى اربع ركعات يصليها احمد وأمته وهي صلاة العشاء خير لهم من الدنيا وما فيها ويخرجون من الدنيا كيوم ولدتهم أمهاتهم] ثم اعلم انه لا يرخص لمن سمع الاذان ترك الجماعة فانها سنة مؤكدة غاية التأكيد بحيث لو تركها اهل ناحية وجب قتالهم بالسلاح لانها من شعائر الإسلام ولو تركها أحد منهم بغير عذر شرعى يجب عليه التعزير ولا تقبل شهادته ويأثم الجيران والامام والمؤذن بالسكوت عنه وفي غنية الفتاوى من حضر المسجد الجامع لكثرة جماعة في الصلاة فمسجد محلته أفضل قل اهل مسجده او كثر لان لمسجده حقا عليه لا يعارضه كثرة الجماعة ولا زيادة تقوى غيره او علمه ويبادر الصف الاول على محاذاة الامام وروى عن النبي عليه السلام انه قال (يكتب للذى خلف(1/373)
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240)
الامام بحذائه مائة صلاة وللذى في الجانب الايمن خمس وسبعون صلاة وللذى في جانب الأيسر خمسون صلاة وللذى في سائر الصفوف خمس وعشرون صلاة) كذا في القنية ولا يتخطى رقاب الناس الى الصف الاول إذا وجد فيه فرجة ويتلاصقون بحيث يكونون محاذين بالأعناق والمناكب قال عليه السلام (رصوا صفوفكم وقاربوا بينها تقارب أشباحكم وحاذوا بالأعناق فو الذي نفسى بيده انى لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كانه الحذف) الخلل بفتح الخاء المعجمة الفرجة والحذف بفتحى الحاء المهملة والذال المعجمة الغنم السود الصغار الحجازية كذا في التنوير والكلام في أداء الصلاة بالحضور والتوجه التام: قال بعضهم
محراب ابروى تو اگر قبله ام نبود ... كى بر فلك برند ملائك نماز من
- يحكى- ان الشيخ أبا العباس الجواليقي كان في بداية حاله يعمل الجوالق ويبيع فباع يوما جوالقا بنسيئة ونسى المشترى فلما قام الى الصلاة تفكر في ذلك ثم لما سلم قال لتلميذه وقعت لى خاطرة فى الصلاة انى الى أي شخص بعت الجوالق الفلاني فقال تلميذه يا أستاذ أنت في أداء الصلاة او في تحصيل الجوالق فأثر هذا القول في الشيخ فلبس جوالقا وترك الدنيا واشتغل بالرياضة الى ان وصل الى ما وصل
مردان بسعى ورنج بجايى رسيده اند ... تو بى هنر كجا رسى از نفس پرورى
والاشارة ان الله تعالى أشار في حفظ الصلاة بصيغة المبالغة التي بين الاثنين وقال حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ يعنى محافظة الصلاة بينى وبينكم كما قال (قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين فنصفها لى ونصفها لعبدى ولعبدى ما سأل) فمعناه انى حافظكم بقدرة التوفيق والاجابة والقبول والاثابة عليها فحافظوا أنتم على الصلاة بالصدق والإخلاص والحضور والخضوع والمناجاة بالتذلل والانكسار والاستعانة والاستهداء والسكون والوقار والهيبة والتعظيم وحفظ القلوب بدوام الشهود فانما هي الصلاة الوسطى لان القلب الذي في وسط الإنسان هو واسطة بين الروح والجسد ولهذا يسمى القلب فالاشارة في تخصيص المحافظة على الصلاة هي صلاة القلب بدوام الشهود فان البدن ساعة يحفظ صورة اركان الصلاة وهيئتها وساعة يخرج منها فلا سبيل الى حفظ صورتها بنعت الدوام ولا الى حفظ معانيها بوصف الحضور والشهود وانما هو من شأن القلب كقوله تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ وانه من نعت ارباب القلوب انهم في صلاتهم دائمون كذا في التأويلات النجمية فليسارع السالكون الى حرم الحضور قبل الموت والقبور فان الصلاة بالفتور غير مقبولة عند الله الغيور ولا بد من الاعراض عن الكائنات ليتجلى نور الذات والا فمن يستحضر عمرا وينادى زيدا فلا اجابة له ابدا: قال الشيخ سعدى الشيرازي قدس سره
آنكه چون پسته ديديش همه مغز ... پوست بر پوست بود همچو پياز
پارسايان روى در مخلوق ... پشت بر قبله ميكنند نماز
ومن الله التوفيق وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ اى يموتون يسمى المشارف الى الوفاة متوفيا تسمية للشئ باسم ما يؤول اليه وقرينة المجاز امتناع الوصية بعد الوفاة وَيَذَرُونَ أَزْواجاً(1/374)
وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)
اى يدعون نساء من بعدهم وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ اى يوصون وصية لهن والجملة خبر الذين مَتاعاً اى يوصون متاعا إِلَى الْحَوْلِ او متعوهن تمتيعا الى الحول غَيْرَ إِخْراجٍ بدل من قوله متاعا بدل اشتمال لتحقق الملابسة بين تمتيعهن حولا وبين عدم اخراجهن من بيوتهن كأنه قيل يوصون لازواجهم متاعا اى لا يخرجن من مساكنهن حولا او حال من أزواجهم اى غير مخرجات والمعنى يجب على الذين يتوفون ان يوصوا قبل الاحتضار لازواجهم بان يمتعن بعدهم حولا بالنفقة والسكنى نزلت الآية في رجل من الطائف يقال له حكيم بن الحارث هاجر الى المدينة وله أولاد ومعه أبواه وامرأته ومات فانزل الله هذه الآية فاعطى النبي عليه السلام والديه وأولاده من ميراثه ولم يعط امرأته شيأ وأمرهم ان ينفقوا عليها من تركة زوجها حولا وكان عدة الوفاة في ابتداء الإسلام حولا وكان يحرم على الوارث إخراجها من البيت قبل تمام الحلول وكان نفقتها وسكناها واجبة في مال زوجها ما لم تخرج ولم يكن لها الميراث فان خرجت من بيت زوجها سقطت نفقتها وكان على الرجل ان يوصى بها فكان كذلك حتى نزلت آية الميراث فنسخ الله تعالى نفقة الحول بالربع عند عدم الولد وولد الابن والثمن عند وجودهما وسقطت السكنى ايضا عند ابى حنيفة ونسخ عدة الحول باربعة أشهر وعشر فانه وان كان متقدما في التلاوة متأخر في النزول فَإِنْ خَرَجْنَ من منزل الأزواج باختيارهن فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ايها الائمة والحكام فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ لا ينكره الشرع كالتزين والتطيب وترك الحداد والتعرض للخطاب وهذا يدل على انه لم يكن يجب عليها ملازمة مسكن الزوج والحداد عليه وانما كانت مخيرة بين الملازمة وأخذ النفقة وبين الخروج وتركه وَاللَّهُ عَزِيزٌ غالب على امره يعاقب من خالفه حَكِيمٌ يراعى في أحكامه مصالح عباده وَلِلْمُطَلَّقاتِ سواء كن مدخولا بهن أم لا مَتاعٌ اى مطلق المتعة الشاملة للمستحبة والواجبة فان كانت المطلقة مفوضة غير مدخول بها وجبت لها المتعة وان كانت غيرها يستحب لها فلفظ التمتع المدلول عليه بمتعوهن في الآية السالفة يحمل على الواجب فلا منافاة بين الآيتين بِالْمَعْرُوفِ اى متاع ملتبس بالمعروف شرعا وعادة حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ اى مما ينبغى على من كان متقيا فليس بواجب ولكن من شروط التقوى التبرع بهذا تطييبا لقلبها وازالة للضغن كَذلِكَ اشارة الى ما سبق من احكام الطلاق والعدة اى مثل ذلك البيان الواضح يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ الدالة على أحكامه التي شرعها لعباده قال القاضي وعد بانه سيبين لعباده من الدلائل والاحكام ما يحتاجون اليه معاشا ومعادا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ لكى تفهموا ما فيها فتستعملوا العقل فيها وتعملوا بموجبها:
وفي المثنوى
كشتى بي لنگر آمد مرد شر ... كه زياد كژ نيابد او حذر
لنگر عقلست عاقل را أمان ... لنگرى دريوزه كن از عاقلان
والاشارة ان المطلقة لما ابتليت بالفراق جبرا لله تعالى كسر قلبها بالمتعة يشير بهذا الى ان المريد الصادق لو ابتلى في أوان طلبه بفراق الاعزة والأقرباء وهجران الاحبة والأصدقاء والخروج(1/375)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)
من مال الدنيا وجاهها والهجرة من الأوطان وسكانها والتنقل في البلاد لصحبة خواص العباد ومقاساة الشدائد في طلب الفوائد فالله تعالى يبذل له إحسانه ويزيل عنه احزانه ويجبر كسر قلبه بمتعة (انا عند المنكسرة قلوبهم من اجلى) فيكون للطالب الملهوف متاع بالمعروف من نيل المعروف كذلك يظهر الله لكم آياته اصناف الطافه وأوصاف أعطافه لعلكم تعقلون بانوار الطافه كمالات أوصافه كذا في التأويلات النجمية فالعاقل لا ينظر الى الدنيا واعراضها بل يعبر عن منافعها وأغراضها ويقاسى الشدائد في طريق الحق الى ان يصل الى الذات المطلق- يحكى- عن شقيقى البلخي انه لم يجد طعاما ثلاثة ايام وكان مشتغلا بالعبادة فلما ضعف عن العبادة رفع يده الى السماء وقال يا رب أطعمني فلما فرغ من الدعاء التفت فرأى شخصا ينظر اليه فلما التفت اليه سلم عليه وقال يا شيخ تعال معى فقام شقيق وذهب معه فادخله ذلك الرحل في بيت فرأى فيه ألواحا موضوعة عليها ألوان الاطعمة وعند الخوان غلمان وجوارى فاكل والرجل قائم فلما فرغ أراد ان يخرج شقيق من ذلك البيت فقال له الرجل الى اين يا شيخ فقال الى المسجد فقال ما اسمك قال شقيق فقال يا شقيق اعلم ان هذه الدار دارك والعبيد عبيدك وانا عبدك كنت عبدا لابيك بعثني الى التجارة فرجعت الآن وقد توفى أبوك فالدار وما فيها لك قال شقيق ان كان العبيد لى فهم أحرار لوجه الله وان كانت الأموال لى وهبتها لكم فاقتسموها بينكم فانى لا أريد شيأ يمنعنى عن العبادة: قال السعدي
تعلق حجابست وبي حاصلى ... چو پيوندها بكسلى وأصلي
والدنيا علاقة خصوصا هذا الزمان زمان الفتنة والشرور فالراقد فيه خير من اليقظان- حكى- ان سليمان عليه السلام اتى بشراب الجنة فقيل له لو شربت هذا لا تموت فتشاور مع حشمه الا القنفذ قالوا بأجمعهم اشرب ثم أرسل الفرس والبازي الى القنفذ يدعوانه فلم يجبهما ثم أرسل اليه الكلب فاجابه فقال له سليمان لم لم تجب الفرس والبازي قال انهما جافيان لان الفرس يعدو بالعدو كما يعدو بصاحبه والبازي يطيع غير صاحبه كما يطيع صاحبه واما الكلب فانه ذو وفاء حتى انه لو طرده صاحبه من الدار يرجع اليه ثانيا فقال لهء أشرب هذا الشراب قال لا تشرب لانه يطول عمرك في السجن فالموت في العز خير من العيش في السجن
بهمه حال اسيرى كه ز بندى برهد ... بهترش دان ز اميرى كه كرفتار آيد
فقال له سليمان أحسنت وامر باهراقة في البحر فعذب ماء ذلك البحر
نزود من الدنيا فانك راحل ... وبادر فان الموت لا شك نازل
وان امرأ قد عاش سبعين حجة ... ولم يتزود للمعاد لجاهل
ودنياك ظل فاترك الحرص بعد ما ... علمت فان الظل لا بد زائل
قال السعدي قدس سره
كه اندر نعمتى مغرور غافل ... كهى از تنك دستى خسته وريش
چودر سرا وضرا حالت اينست ... ندانم كى بحق پروازى از خويش
اللهم احفظنا من الموانع أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ جمع دار اى منازلهم وهذا(1/376)
الخطاب وان كان بحسب الظاهر متوجها الى النبي عليه السلام الا انه من حيث المعنى متوجه الى جميع من سمع بقصتهم من اهل الكتاب وارباب التواريخ فمقتضى الظاهر ان يقال ألم تسمع قصتهم الا انه نزل سماعهم إياها منزلة رؤيتهم تنبيها على ظهورها واشتهارها عندهم فخوطبوا بألم تر وهو تعجيب من حال هؤلاء وتقرير اى حمل على الإقرار بما دخله النفي قال الامام الواحدي ومعنى الرؤية هاهنا رؤية القلب وهي بمعنى العلم انتهى فتعدية الرؤية بالى مع انها ادراك قلبى لتضمين معنى الوصول والانتهاء على معنى ألم ينته علمك إليهم قال العلماء كل ما وقع في القرآن ألم تر ولم يعاينه النبي عليه السلام فهو بهذا المعنى وفي التيسير وتحقيقه اعلم ذلك وفي الكواشي معناه الوجوب لان همزة الاستفهام إذا دخلت على النفي او على الاستفهام صار تقريرا او إيجابا والمعنى قد علمت خبر الذين خرجوا الآية قال ابن التمجيد في حواشيه لفظ ألم تر قد يخاطب به من تقدم علمه بالقصة وقد يخاطب به من لم يتقدم علمه بها فانه قد يقول الرجل لآخر ألم تر الى فلان أي شىء قال يريد تعريفه ابتداء فالمخاطبون به هاهنا اما من سمعها وعلمها قبل الخطاب به من اهل التواريخ فذكرهم وعجبهم واما من لم يسمعها فعرفهم وعجبهم وقيل الخطاب عام لكل من يتأتى منه الرؤية دلالة على شيوع القصة وشهرتها بحيث ينبغى لكل أحد ان يعلمها او يبصرها ويتعجب منها وَهُمْ أُلُوفٌ جمع الف الذي هو من جملة اسماء العدد واختلفوا في عدد مبلغهم والوجه من حيث اللفظ ان يكون عددهم أزيد من عشرة آلاف لان الألوف جمع الكثرة فلا يقال في عشرة آلاف فما دونها ألوف حَذَرَ الْمَوْتِ مفعول له اى خرجوا من ديارهم خوفا من الموت فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ على لسان ملك وانما أسند اليه تعالى تخويفا وتهويلا لان قول القادر القهار والملك الجبار له شأن مُوتُوا التقدير فماتوا لاقتضاء قوله ثم أحياهم ذلك التقدير لان الاحياء يستدعى سبق الموت ثُمَّ أَحْياهُمْ اى أعادهم احياء ليستوفوا بقية أعمارهم وليعلموا ان لا فرار من القدر قال ابن العربي عقوبة لهم ثم أحياهم وميتة العقوبة بعدها حياة للاعتبار وميتة الاجل لا حياة بعدها وعن الحسن ايضا أماتهم الله قبل آجالهم عقوبة لهم ثم بعثهم الى بقية آجالهم وقصة هؤلاء ما ذكره اكثر اهل التفسير انهم كانوا قوما من بنى إسرائيل بقرية من قرى واسط يقال لها داوردان وقع بها الطاعون فذهب اشرافهم واغنياؤهم واقام سفلتهم وفقراءهم فهلك اكثر من بقي في القرية وسلم الذين خرجوا فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين فقال الذين بقوا أصحابنا كانوا احزم منا لو صنعنا كما صنعوا لبقينا كما بقوا ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن الى ارض لا وباء بها فوقع الطاعون من العام القابل فهرب عامة أهلها فخرجوا حتى نزلوا واديا افيح بين جبلين فلما نزلوا المكان الذي يبتغون فيه النجاة ناداهم ملك من أسفل الوادي وملك آخر من أعلاه ان موتوا فماتوا جميعا من غير علة بامر الله ومشيئته وماتت دوابهم كموت رجل واحد فاتت عليهم ثمانية ايام حتى انتفخوا وأروحت أجسادهم اى أنتنت فخرج إليهم الناس فعجزوا عن دفنهم فاحدقوا حولهم حظيرة دون السباع وتركوهم فيها فاتت على ذلك مدة وقد بليت أجسادهم وعريت عظامهم فمر عليهم نبى يقال له حزقيل بن يوزى ثالث خلفاء بنى إسرائيل بعد موسى عليه السلام وذلك(1/377)
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)
ان القيم بعد موسى بامر بنى إسرائيل كان يوشع بن نون ثم كالب بن يوحنا ثم حزقيل وكان يقال له ابن العجوز لان امه كانت عجوزا فسألت الله الولد بعد ما كبرت وعقمت فوهبه الله لها وقال الحسن هو ذو الكفل وسمى حزقيل ذا الكفل لانه كفل سبعين نبيا وأنجاهم من القتل وقال لهم اذهبوا فانى ان قتلت كان خيرا لكم من ان تقتلوا جميعا فلما جاء اليهود وسألوا ذا الكفل عن الأنبياء السبعين قال انهم ذهبوا ولا أدرى اين هم ومنع الله تعالى ذا الكفل من اليهود بفضله وكرمه فلما مر حزقيل على أولئك الموتى وقف عليهم لكثرة ما يرى فجعل يتفكر فيهم متعجبا فاوحى الله اليه أتريد ان أريك آية قال نعم فقال الله نادايتها العظام ان الله يأمرك ان تجتمعى فاجتمعت من أعلى الوادي وأدناه حتى التزق بعضها ببعض فصارت أجسادا من عظام لا لحم ولا دم ثم اوحى الله اليه نادايتها الأرواح ان الله يأمرك ان تقومى فقاموا وبعثوا احياء يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لا اله الا أنت فبقيت فيهم بقايا من ريح النتن حتى انه بقي في أولاد ذلك السبط من اليهود الى اليوم ثم انهم رجعوا الى بلادهم وقومهم وعاشوا دهرا سحنة الموت على وجوههم لا يلبسون ثوبا إلا عاد دسما مثل الكفن حتى ماتوا لآجالهم التي ثبتت لهم وفائدة القصة تشجيع المسلمين على الجهاد والتعرض لاسباب الشهادة وحثهم على التوكل والاستسلام وان الموت حيث لم يكن منه بد ولم ينفع منه المفر فاولى ان يكون في سبيل الله إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عظيم عَلَى النَّاسِ قاطبة اما أولئك فقد أحياهم ليعتبروا بما جرى عليهم فيفوزوا بالسعادة العظمى واما الذين سمعوا قصتهم فقد هداهم الى مسلك الاعتبار والاستبصار وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ فضله كما ينبغى لعجز بعضهم وكفر بعضهم وَقاتِلُوا الخطاب لهذه الامة وهو معطوف على مقدر تقديره فاطيعوا وقاتلوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاعلاء دينه متيقنين ان الفرار من الموت غير مخلص وان القدر واقع فلا تحرموا من أحد الحظين اما النصر والثواب واما الموت في سبيل الله الملك الوهاب وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ يسمع مقالة السابقين الى الجهاد من ترغيب الغير فيه ومقالة المتخلفين عنه من تنفير الغير عَلِيمٌ بما يضمرونه في أنفسهم يعلم ان خلف المتخلف لأى غرض وان جهاد المجاهد لأى سبب وانه لاجل الدين او الدنيا وهو من وراء الجزاء ثم ان قوله تعالى أَلَمْ تَرَ رد لتقبيح حال هؤلاء الذين خرجوا وقد جعل الله جزاء خروجهم الموت والخيبة في رجائهم الخلاص وكل ذلك يدل على كراهية الفرار فثبت بهذه الآية فضيلة الفرار وفائدته وفي الحديث (الفار من الطاعون كالفار من الزحف) وهذا الحديث يدل على ان النهى عن الخروج للتحريم وانه من الكبائر قيل ان عبد الملك هرب من الطاعون فركب ليلا واخرج غلاما معه فكان ينام على دابته فقال للغلام حدثنى فقال من انا حتى أحدثك فقال على كل حال حدث حديثا سمعته فقال بلغني ان ثعلبا كان يخدم أسدا ليحميه ويمنعه مما يريده فكان يحميه فرأى الثعلب عقابا فلجأ الى الأسد فاقعده على ظهره فانقض العقاب واختلسه فصاح الثعلب يا أبا الحارث أغثني واذكر عهدك لى فقال انما اقدر على منعك من اهل الأرض فاما اهل السماء فلا سبيل إليهم فقال عبد الملك وعظتني وأحسنت وانصرف ورضى بالقضاء(1/378)
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)
قال السعدي قدس سره
قضا كشتى آنجا كه خواهد برد ... وكر ناخدا جامه بر تن درد
در آبى كه پيدا نباشد كنار ... غرور شناور نيايد بكار
واعلم ان ما كان من القضاء حتما مقضيا لا ينفعه شىء كما قال عليه السلام (الحذر لا ينفع من القدر) واما المعلق فتنفعه الصدقة وأمثالها كما قال عليه السلام (الصدقة والصلة تعمران الديار وتزيدان في الأعمار) قال بعض المحققين ان المقدرات على ضربين ضرب يختص بالكليات وضرب يختص بالجزئيات التفصيلية فالكليات المختصة بالإنسان ما اخبر النبي عليه الصلاة والسلام انها محصورة في اربعة أشياء العمر والرزق والاجل والسعادة او الشقاوة وهي لا تقبل التغير فالدعاء فيها لا يفيد كصلة الرحم الا بطريق الفرض بمعنى ان لصلة الرحم مثلا من الأثر في الخير ما لو أمكن ان يبسط في رزق الواصل ويؤخر في اجله بها لكان ذلك ويجوز فرض المحال إذا تعلق بذلك حكمة قال تعالى قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ واما الجزئيات ولوازمها التفصيلية فقد يكون ظهور بعضها وحصوله للانسان متوقفا على اسباب وشروط ربما كان الدعاء او الكسب والسعى والتعمد من جملتها بمعنى انه لم يقدر حصوله بدون ذلك الشرط- حكى- ان قصارا مر على عيسى عليه السلام مع جماعة من الحواريين فقال لهم عيسى احضروا جنازة هذا الرجل وقت الظهر فلم يمت فنزل جبريل فقال ألم تخبرني بموت هذا القصار فقال نعم ولكن تصدق بعد ذلك بثلاثة ارغفة فنجا من الموت وقد سبق منا في الجزء الاول عند قوله تعالى فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ما يتعلق بالطاعون والفرار منه فليرجع اليه قال الامام القشيري في قوله تعالى وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الآية يعنى ان مسكم ألم فتصاعد منكم أنين فاعلموا ان الله سميع بأنينكم عليم بأحوالكم والآية توجب عليهم تسهيل ما يقاسونه من الألم قال قائلهم
إذا ما تمنى الناس روحا وراحة ... تمنيت ان أشكو إليك وتسمع
انتهى كلامه قدس سره اللهم اجعلنا من الذين يفرون الى جنابك ويميلون مَنْ استفهام للتحريض على التصدق مبتدأ ذَا اشارة الى المقرض خبر المبتدأ اى من هذا الَّذِي صفة ذا او بدل منه يُقْرِضُ اللَّهَ اصل القرض القطع سمى به لان المعطى يقرضه اى يقطعه من ماله فيدفعه اليه ليرجع اليه مثله من الثواب واقراض الله مثل لتقديم العمل الذي يطلب به ثوابه قَرْضاً مصدر ليقرض بمعنى اقراض كقوله تعالى أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً اى اقراضا حَسَناً اى مقرونا بالإخلاص وطيب النفس ويجوز ان يكون القرض بمعنى المقرض اى بمعنى المفعول على انه مفعول ثان ليقرض وحسنه ان يكون حلالا صافيا عن شوب حق الغير به وقيل القرض الحسن المجاهدة والانفاق في سبيل الله ومن انواع القرض قول الرجل سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر فَيُضاعِفَهُ لَهُ منصوب بإضمار ان عطفا على المصدر المفهوم من يقرض الله في المعنى فيكون مصدرا معطوفا على مصدر تقديره من ذا الذي يكون منه اقراض فمضاعفة من الله او منصوب على جواب الاستفهام في المعنى لان الاستفهام(1/379)
وان وقع عن المقرض لفظا فهو عن الاقراض معنى كأنه قال أيقرض الله أحد فيضاعفه واصل التضعيف ان يزاد على الشيء مثله او أمثاله أَضْعافاً جمع ضعف حال من الهاء في يضاعفه كَثِيرَةً هذا قطع للاوهام عن مبلغ الحساب اى لا يعلم قدرها الا الله وقيل الواحد سبعمائة وحكمة تضعيف الحسنات لئلا يفلس العبد إذا اجتمع الخصماء فمظالم العباد توفى من التضعيفات لا من اصل حسناته لان التضعيف فضل من الله تعالى واصل الحسنة الواحدة عدل منه واحدة بواحدة وذكر الامام البيهقي ان التضعيفات فضل من الله تعالى لا يتعلق بها العباد كما لا يتعلق بالصوم بل يدخرها الحق للعبد فضلا منه سبحانه فاذا دخل الجنة أثابه بها: قال السعدي
نكوكارى از مردم نيك رأى ... يكى را بده مى نويسد خداى
كرم كن كه فردا كه ديوان نهند ... منازل بمقدار احسان تهند
ولما حثهم على الإخراج سهل عليهم الاقراض واخبر انهم لا يمكنهم ذلك الا بتوفيقه فقال وَاللَّهُ يَقْبِضُ يقتر على بعض وَيَبْصُطُ يوسع على بعض او يقتر تارة ويوسع اخرى حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح وإذا علم العبد ذلك هان عليه الإعطاء لان الله تعالى هو الرزاق وهو الذي وسع عليه فهو يسأل منه ما أعطاه ولانه يخلفه عليه في الدنيا ويثيبه عليه في العقبى فكأن الله تعالى يقول إذا علمتم ان الله هو القابض والباسط وان ما عندكم انما هو من بسطه وإعطائه فلا تبخلوا عليه فاقرضوه وأنفقوا مما وسع عليكم واعطاكم ولا تعكسوا بان تبخلوا لئلا يعاملكم. مثل معاملتكم في التعكيس بان يقبض بعد ما بسط. ولعل تأخير البسط عن القبض في الذكر للايماء الى انه يعقبه في الوجود تسلية للفقراء قال الامام الغزالي في شرح الأسماء الحسنى القابض الباسط هو الذي يقبض الأرواح من الأشباح عند الممات ويبسط الأرواح فى الأجساد عند الحياة ويقبض الصدقات من الأغنياء ويبسط الأرزاق للضعفاء يبسط الرزق على الأغنياء حتى لا تبقى فاقة ويقبضه من الفقراء حتى لا تبقى طاقة ويقبض القلوب فيضيقها مما يكشف لها من قلة مبالاته وتعاليه وجلاله ويبسطها لما يقرب إليها من بره ولطفه وجماله والقابض الباسط من العباد من ألهم بدائع الحكم واوتى جوامع الكلم فتارة يبسط قلوب العباد بما يذكرهم من آلاء الله ونعمائه وتارة يقبضها بما ينذرهم به من جلال الله وكبريائه وفنون عذابه وبلائه وانتقامه من أعدائه كما فعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حيث قبض قلوب الصحابة عن الحرص على العبادة حيث ذكرهم ان الله يقول لآدم يوم القيامة ابعث بعث النار فيقول كم فيقول من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين فانكسرت قلوبهم حتى فتروا عن العبادة فلما أصبح ورآهم على ما هم عليه من القبض والفتور روح قلوبهم وبسطها فذكر انهم في سائر الأمم كشامة سوداء في مسك ثور ابيض انتهى قال القشيري في رسالته القبض والبسط حالتان بقدر ترقى العبد عن حال الخوف والرجاء والقبض للعارف بمنزلة الخوف للمستأنف والبسط للعارف بمنزلة الرجاء للمستأنف وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فيجازيكم على ما قدمتم من الأعمال خيرا وشرا على الجود بالجنة وعلى البخل بالنار وهو وعد ووعيد او هو تنبيه على ان الغنى لمفارق ماله بالموت فليبادر الى الانفاق قبل الفوت واجتمع جماعة من الأغنياء والفقراء فقال غنى ان الله تعالى(1/380)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)
رفع درجاتنا حتى استقرض منا وقال فقير بل رفع درجاتنا حتى استقرض لنا والواحد قد يستقرض من غير الحبيب ولك ان لا تستقرض الا لاجل الحبيب وقبض رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ودرعه عند يهوى بشعير اخذه لقوت عياله. انظر ممن استدان ولمن استدان وفي الحديث (يقول الله تعالى يوم القيامة ابن آدم استطعمتك فلم تطعمنى قال رب كيف أطعمك وأنت رب العزة قال استطعمك عبدى فلان فلم تطعمه أما علمت انك لو أطعمته لوجدت ذلك عندى) فالقرض لا يقع عند المحتاج فكأنه ذكر نفسه ونزل وصفه منزلة المحتاج كقوله مرضت فلم تعدنى جعت فلم تطعمنى شفقة وتلطيفا للفقير والمريض وهذا من باب التنزلات الرحمانية عند المحققين لتكميل محبة العبد وجذبه الى حظرة اهل الشهود من عباده إذ جذبة من جذبات الحق توازى عمل الثقلين وذلك إذا شاهد العبد الفقير جلوة جمال الرحمن في أطوار تنزلاته في المشاهد الاعيانية: وفي المثنوى
روى خوبان زانيه زيبا شود ... روى احسان از كدا پيدا شود
چون گدا آيينه جودست هان ... دم بود بر روى آيينه زبان
پس ازين فرمود حق در والضحى ... بانك كم زن اى محمد بر كدا
فالله تعالى من كمال فضله وكرمه مع عباده خلق أنفسهم وملكهم الأموال ثم اشترى منهم أنفسهم وأموالهم ثم ردها إليهم بالعارية ثم أكرمهم فيها بالاستقراض منهم ثم بشر بأضعاف كثيرة عليها فالعبد الصادق لا يطلب الا على قدر همته ولا يريد العوض مما أعطاه الا ذاته تعالى فيعطيه الله ما هو مطلوبه على قدر همته ويضاعف له مع مطلوبه ما أخفى لهم من قرة أعين أضعافا كثيرة على قدر كرمه فمن يكون له متاع الدنيا باسره قليلا فانظر ما يكون له كثيرا اللهم متعنا بما ألهمت قلوب أوليائك واجعلنا من الذين قصروا أعينهم على استطلاع أنوار لقائك أَلَمْ تَرَ اى ألم ينته علمك إِلَى قصة الْمَلَإِ اى قد علمت خبرهم باعلامى إياك فتعجب. الملأ جماعة يجتمعون للتشاور سموا بذلك لانهم اشراف يملأون العيون مهابة والمجالس بهاءة لا واحد له من لفظه كالقوم مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ من للتبعيض حال من الملأ اى كائنين بعض بنى إسرائيل وهم أولاد يعقوب مِنْ ابتدائية متعلقة بما تعلق به الجار الاول بَعْدِ وفاة مُوسى إِذْ قالُوا منصوب بالمضاف المقدر في الملأ اى ألم تر الى قصة الملأ او حديثهم حين قالوا الان الذوات لا يتعجب منها وانما يتعجب من أحوالها لِنَبِيٍّ لَهُمُ اشمويل وهو الأشهر الأظهر ابْعَثْ لَنا مَلِكاً اى أقم وانصب لنا سلطانا يتقدمنا ويحكم علينا في تدبير الحرب ونطيع لامره نُقاتِلْ معه وهو بالجزم على الجواب فِي سَبِيلِ اللَّهِ طلبوا من نبيهم ما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من التأمير على الجيوش التي كان يجهزها ومن أمرهم بطاعته وامتثال أوامره- وروى- انه امر الناس إذا سافروا ان يجعلوا أحدهم أميرا عليهم قالَ كأنه قيل فماذا قال لهم النبي حينئذ فقيل قال هَلْ عَسَيْتُمْ قاربتم إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ مع الملك شرط معترض بين عسى وخبره وهو قوله أَلَّا تُقاتِلُوا معه قال فى الكشاف والمعنى هل قاربتم ان لا تقاتلوا يعنى هل الأمر كما أتوقعه انكم لا تقاتلون أراد ان يقول(1/381)
عسيتم ان لا تقاتلوا بمعنى أتوقع جبنكم عن القتال فادخل هل مستفهما عما هو متوقع عنده وانه صائب في توقعه كقوله تعالى هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ معناه التقرير قالُوا وَما مبتدأ وهو استفهام إنكاري خبره قوله لَنا فى أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اى أي سبب وغرض لنا في ترك القتال وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا اى والحال انه قد عرض لنا ما يوجب القتال إيجابا قويا من الإخراج من الديار والأوطان والاغتراب عن الأهل والأولاد وافراد الأبناء بالذكر لمزيد تقوية اسباب القتال قال بعضهم وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا جلاء واسرا ومثله يذكر اتباعا نحو وزججن الحواجب والعيونا وكان سبب مسألتهم نبيهم ذلك انه لما مات موسى عليه السلام خلف بعده في بنى إسرائيل يوشع يقيم فيهم التوراة وامر الله حتى قبضه الله ثم خلف فيهم كالب كذلك حتى قبضه الله ثم عظمت الأحداث في بنى إسرائيل ونسوا عهد الله حتى عبدوا الأوثان فبعث الله إليهم ألياس نبيا فدعاهم الى الله وكانت الأنبياء من بنى إسرائيل بعد موسى يبعثون إليهم بتجديد ما نسوا من التوراة ثم خلف بعد ألياس أليسع وكان فيهم ما شاء الله حتى قبضه الله وخلف فيهم الخلوف وعظمت الخطايا وظهر لهم عدو يقال له البلنانا وهم قوم جالوت كانوا يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين وهم العمالقة أولاد عمليق بن عاد فظهروا على بنى إسرائيل وغلبوا على كثير من ارضهم وسبوا كثيرا من ذراريهم وأسروا من أبناء ملوكهم اربعمائة وأربعين غلاما وضربوا عليهم الجزية وأخذوا توراتهم ولقى بنوا إسرائيل منهم بلاء شديدا ولم يكن لهم بنى يدبر أمرهم وكان سبط النبوة قد هلكوا فلم يبق منهم الا امرأة حبلى فحبسوها في بيت رهبة ان تلد جارية فتبدلها بغلام لما ترى من رغبة بنى إسرائيل في ولدها وجعلت المرأة تدعو الله ان يرزقها غلاما فولدت غلاما فسمته اشمويل تقول سمع الله دعائى وهو بالعبرانية إسماعيل والسين تصير شينا في لغة عبران فكبر الغلام فاسلموه لتعلم التوراة في بيت المقدس وكفله شيخ من علمائهم وتبناه فلما بلغ الغلام أتاه جبريل عليه السلام وهو نائم الى جنب الشيخ
وكان لا يأتمن عليه أحدا فدعاه بلحن الشيخ يا اشمويل فقام الغلام مسرعا الى الشيخ فقال يا أبتاه دعوتنى فكره الشيخ ان يقول لا لئلا يتفزع الغلام فقال يا بنى ارجع فنم فرجع الغلام فنام ثم دعاه الثانية فقال الغلام دعوتنى فقال ارجع فنم فان دعوتك الثالثة فلا تجبنى فلما كانت الثالثة ظهر له جبريل فقال له اذهب الى قومك فبلغهم رسالة ربك فان الله قد بعثك فيهم نبيا فلما أتاهم كذبوه وقالوا له استعجلت بالنبوة ولم تأن لك وقالوا ان كنت صادقا فابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله آية نبوتك وانما كان قوام امر بنى إسرائيل بالاجتماع على الملوك وطاعة الملوك لانبيائهم فكان الملك هو الذي يشير بالجموع والنبي يقيم امره ويشير عليه برشده ويأتيه بالخبر من عند ربه فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ بعد سؤال النبي ذلك وبعث الملك تَوَلَّوْا اى اعرضوا وتخلفوا عن الجهاد وضيعوا امر الله ولكن لا في ابتداء الأمر بل بعد مشاهدة كثرة العدو وشوكته وانما ذكر الله هاهنا مآل أمرهم اجمالا إظهارا لما بين قولهم وفعلهم من التنافي والتباين إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وهم الذين عبروا النهر مع طالوت واقتصروا على الغرفة وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر بعدد اهل بدر وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وعيد لهم على ظلمهم بالتولى عن القتال وترك الجهاد وتنافى أقوالهم(1/382)
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)
وأفعالهم والاشارة ان القوم لما أظهروا خلاف ما اضمروا وزعموا غير ما كتموا عرض نقد دعواهم على محك معناهم فما أفلحوا عند الامتحان إذ عجزوا عن البرهان وعند الامتحان يكرم الرجل او يهان: قال الحافظ خود بود كر محك تجربه آمد بميان تا سيه روى شود هر كه دروغش باشد وهذه حال المدعين من اهل السلوك وغيرهم قال اهل الحقيقة عللوا القتال بما يرجع الى حظوظهم فخذلوا ولو قالوا كيف لا نقاتل وقد عصوا الله وخربوا بلاد الله وقهروا عباد الله واطفأوا نور الله لنصروا. وأفادت الآية ان خواص الله فيهم قليلة قال تعالى وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ وهذا فى كل زمان لكن الشيء العزيز القليل أعلى بهاء من الكثير الذليل: قال السعدي قدس سره
خاك مشرق شنيده ام كه كنند ... بچهل سال كاسه چينى
صد بروزى كنند در بغداد ... لاجرم قيمتش همى بينى
وانما كان اهل الحق اقل مع ان الجن والانس انما خلقوا لاجل العبادة كما قال تعالى وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ لان المقصود الأعظم هو الإنسان الكامل وقد حصل أو لأن المهديين وان قلوا بالعدد لكنهم كثيرون بالفضل والشرف كما قيل قليل إذا عدوا كثير إذا شدوا اى أظهروا الشدة. وقد روى عن ابن مسعود رضى الله عنه السواد الأعظم هو الواحد على الحق والحكمة لا تقتضى اتفاق الكل على الإخلاص والإقبال الكلى على الله فان ذلك مما يخل بامر المعاش ولذلك قيل لولا الحمقى لخربت الدنيا بل تقتضى ظهور ما أضيف اليه كل من اليدين فللواحدة المضاف إليها عموم السعداء الرحمة والجنان وللاخرى القهر والغضب ولوازمهما فلا بد من الغضب لتكميل مرتبة قبضة الشمال فانه وان كان كلتا يديه يمينا مباركة لكن حكم كل واحدة يخالف الاخرى فعلى العاقل ان يحترز من اسباب الغضب ويجتهد في نيل كرم الرب قال على كرم الله وجهه [من ظن انه بدون الجهد يصل فهو متمن ومن ظن انه بذل الجهد فهو متعن] اللهم أفض علينا من سجال فضلك وكرمك وأوصلنا إليك بك يا ارحم الراحمين وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ وذلك ان اشمويل لما سأل الله تعالى ان يبعث لهم ملكا اتى بعصا وقرن فيه دهن القدس وقيل له ان صاحبكم الذي يكون ملكا طوله طول هذه العصا وانظر القرن الذي فيه الدهن فاذا دخل عليك رجل ونش الدهن الذي في القرن فهو ملك بنى إسرائيل فدهن به رأسه وملك عليهم قال وهب ضلت حمر لابى طالوت فارسله وغلاما له في طلبها فمرا ببيت اشمويل فقال الغلام لو دخلنا على هذا النبي فسألنا عن الحمر ليرشدنا ويدعو لنا بحاجتنا فدخلا عليه فبينماهما عنده يذكر ان له شأن الحمر إذ نش الدهن الذي في القرن فقام اشمويل فقاس طالوت بالعصا فكان على طولها فقال لطالوت قرب رأسك فقربه فدهنه بدهن القدس ثم قال له أنت ملك بنى إسرائيل الذي أمرني الله ان أملكه عليهم قال بأى آية قال بآية انك ترجع وقد وجد أبوك حمره فكان كذلك ثم قال اشمويل لبنى إسرائيل إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ اسم أعجمي ممتنع من الصرف لتعريفه وعجمته مَلِكاً حال منه اى فاطيعوه وقاتلوا عدوكم معه قالُوا متعجبين من ذلك ومنكرين قيل انهم كفروا بتكذيبهم نبيهم وقيل كانوا مؤمنين لكن تعجبوا وتعرفوا وجه الحكمة(1/383)
فى تمليكه كما قال الملائكة أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا من أين يكون له ذلك ويستأهل وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ اولى بالرياسة عليه منه بالرياسة علينا وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ اى لم يعط تروه وكثرة من المال فيشرف بالمال إذا فاته الحسب يعنى كيف يتملك علينا والحال انه لا يستحق التملك لوجود من هو أحق منه ولعدم ما يتوقف عليه الملك من المال ولا بد للملك من مال يقتصد به. وسبب هذا الاستبعاد ان النبوة كانت مخصوصة بسبط معين من أسباط بنى إسرائيل وهو سبط لاود بن يعقوب ومنه كان موسى وهارون وسبط المملكة سبط يهودا بن يعقوب ومنه كان داود وسليمان ولم يكن طالوت من أحد هذين السبطين بل هو من ولد بنيامين بن يعقوب وكانوا عملوا ذنبا عظيما ينكحون النساء على ظهر الطريق نهارا فغضب الله عليهم ونزع الملك والثروة منهم وكانوا يسمونه سبط الإثم وكان طالوت يتحرف بحرفة دنية كان رجلا دباغا يعمل الادم فقيرا او سقاء او مكاريا قالَ لهم نبيهم ردا عليهم إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ اى اختاره فان لم يكن له نسب ومال فله فضيلة اخرى وهو قوله وَزادَهُ بَسْطَةً اى سعة وامتدادا فِي الْعِلْمِ المتعلق بالملك او به وبالديانات ايضا وَالْجِسْمِ بطول القامة وعظم التركيب لان الإنسان يكون أعظم في النفوس بالعلم وأهيب في القلوب بالجسم وكان أطول من غيره برأسه ومنكبيه حتى ان الرجل القائم كان يمد يده فينال رأسه لما استبعدوا تملكه بسقوط نسبه وبفقره رد عليهم ذلك اولا بان ملاك الأمر هو اصطفاء الله وقد اختاره عليكم وهو اعلم بالمصالح منكم وثانيا بان العمدة فيه وفور العلم ليتمكن به من معرفة امور السياسة وجسامة البدن ليعظم
خطره في القلوب ويقدر على مقاومة الأعداء ومكابدة الحروب وقد خصه الله تعالى منهما بحظ وافر وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ لما انه مالك الملك والملكوت فعال لما يريد فله ان يؤتيه من يشاء من عباده وَاللَّهُ واسِعٌ يوسع على الفقير ويغنيه عَلِيمٌ بمن يليق بالملك ممن لا يليق به وفي التأويلات النجمية انما حرم بنوا إسرائيل من الملك لانهم كانوا معجبين بانفسهم متكبرين على طالوت ناظرين اليه بنظر الحقارة من عجبهم قالوا ونحن أحق بالملك منه ومن تكبرهم عليه قالوا أنى يكون له الملك علينا ومن تحقيرهم إياه قالوا ولم يؤت سعة من المال فلما تكبروا وضعهم الله وحرموا من الملك: قال السعدي قدس سره
يكى قطره باران ز ابرى چكيد ... خجل شد چو پهناى دريا بديد
كه جايى كه درياست من كيستم ... كر او هست حقا كه من نيستم
چوخود را بچشم حقارت بديد ... صدف در كنارش بجان پروريد
سپهرش بجايى رسانيد كار ... كه شد نامور لؤلوى شاهوار
بلندى از ان يافت كو پست شد ... در نيستى كوفت تا هست شد
ومن بلاغات الزمخشري كم يحدث بين الخبيثين ابن لا يعابن والفرث والدم يخرج من بينهما اللبن يعنى حدوثا كثيرا يحدث بين الزوجين الخبيثين ابن طيب لا يعاب بين الناس ولا يذكر بقبيح وهذا غير مستبعد لان اللبن يخرج من بين السرجين والدم وهما مع كونهما مستقذرين لا يؤثران في اللبن بشئ من طعمهما ولونهما بل يحدث اللبن من بينهما لطيفا نظيفا سائغا(1/384)
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)
للشاربين. قالوا يخلق الله اللبن وسيطابين الفرث والدم يكتنفانه وبينه وبينهما برزخ من قدرة الله لا ينبغى أحدهما عليه بلون ولا طعم ولا رائحة بل هو خالص من ذلك كله. قيل إذا أكلت البهيمة العلف فاستقر في كرشها وهو من الحيوان بمنزلة المعدة من الإنسان طبخته فكان أسفله فرثا وأوسطه مادة اللبن وأعلاه مادة الدم والكبد مسلطة على هذه الأصناف الثلاثة تقسمها فتجرى الدم في العروق واللبن في الضروع وتبقى الفرث في الكرش فسبحان الله ما أعظم قدرته وألطف حكمته لمن تأمل والإنسان له استعداد الصلاح والفساد فتارة يظهر في الأولاد الصلاح المبطون في الآباء وتارة يكون الأمر بالعكس وامر الإيجاد يدور على الإظهار والإبطان فانظر الى آدم وابنيه قابيل وهابيل ثم وثم الى انتهاء الزمان. والحاصل ان طالوت ولو كان اخس الناس عند بنى إسرائيل لكنه عظيم شريف عند الله لما ان النظر الإلهي إذا تعلق بحجر يجعله جوهرا وبشوك يجعله وردا وريحانا فلا معترض لحكمه ولاراد لقضائه فالوضيع من وضعه الله وان كان قد رفعه الناس والرفيع من رفعه الله وان كان قد وضعه الناس. والعاقل إذا تأمل أمثال هذا يجد من نفسه الانصاف والسكوت وتفويض الأمر الى الحي الذي لا يموت والله يقول الحق وهو يهدى السبيل وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ طلبوا علامة من نبيهم على كون طالوت ملكا عليهم فقالوا ما آية ملكه فقال إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ اى علامة سلطنته أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ من التوب وهو الرجوع وسمى تابوتا لانه ظرف توضع فيه الأشياء وتودع فلا يزال يرجع اليه ما يخرج منه وصاحبه يرجع اليه فيما يحتاج اليه من مودعاته والمراد به صندوق التوراة وكان قد رفعه الله بعد وفاة موسى عليه السلام سخطا على بنى إسرائيل لما عصوا واعتدوا فلما طلب القوم من نبيهم آية تدله على ملك طالوت قال لهم ان آية ملكه ان يأتيكم التابوت من السماء والملائكة يحفظونه فاتاهم كما وصف والقوم ينظرون اليه حتى نزل عند طالوت وهذا قول ابن عباس رضى الله عنهما. وقال ارباب الاخبار ان الله تعالى انزل على آدم عليه السلام تابوتا فيه تماثيل الأنبياء عليهم السلام من أولاده وكان من عود الشمشار ونحوا من ثلاثة اذرع في ذراعين فكان عند آدم عليه السلام الى ان توفى فتوارثه أولاده واحد بعد واحد الى ان وصل الى يعقوب عليه السلام ثم بقي في أيدي بنى إسرائيل الى ان وصل الى موسى عليه السلام فكان يضع فيه التوراة ومتاعا من متاعه وكان إذا قاتل قدمه فكانت تسكن اليه نفوس بنى إسرائيل وكان عنده الى ان توفى ثم تداولته أيدي بنى إسرائيل وكانوا إذا اختلفوا في شىء تحاكموا اليه فيكلمهم ويحكم بينهم وكانوا إذا حضروا القتال يقدمونه بين أيديهم ويستفتحون به على عدوهم وكانت الملائكة تحمله فوق العسكر ثم يقاتلون العدو فاذا سمعوا في التابوت صيحة استيقنوا النصر فلما عصوا وفسدوا سلط الله عليهم العمالقة فغلبوهم على التابوت وسلبوه وجعلوه في موضع البول والغائط فلما أراد الله ان يملك طالوت سلط الله عليهم البلاء حتى ان كل من بال عنده ابتلى بالبواسير وهلكت من بلادهم خمس مدائن فعلم الكفار ان ذلك سبب استهانتهم بالتابوت فاخرجوه وجعلوه على عجلة وعقلوها على ثورين فاقبل الثوران يسيران وقد وكل الله بهما اربعة من الملائكة يسوقونهما حتى أتيا(1/385)
منزل طالوت فلما سألوا نبيهم البينة على ملك طالوت قال لهم النبي ان آية ملكه انكم تجدون التابوت في داره فلما وجدوه عنده أيقنوا بملكه فالاتيان على هذا مجاز لانه اتى به ولم يأت هو بنفسه فنسب الإتيان اليه توسعا كما يقال ربحت التجارة وعلى الوجه الاول حقيقة فِيهِ اى في إتيان التابوت سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ اى سكون لكم وطمأنينة كائنة من ربكم او الضمير للتابوت قال بعض المحققين السكينة تطلق على ثلاثة أشياء بالاشتراك اللفظي. أولها ما اعطى بنوا إسرائيل في التابوت كما قال تعالى إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ قال المفسرون هي ريح ساكنة طيبة تخلع قلب العدو بصوتها رعبا إذا التقى الصفان وهي معجزة لانبيائهم وكرامة لملوكهم. والثانية شىء من لطائف صنع الحق يلقى على لسان المحدث الحكمة كما يلقى الملك الوحى على قلوب الأنبياء مع ترويح الاسرار
وكشف السر. والثالثة هي التي أنزلت على قلب النبي عليه السلام وقلوب المؤمنين وهي شىء يجمع نورا وقوة وروحا يسكن اليه الخائف ويتسلى به الحزين كما قال تعالى فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وقال بعضهم التابوت هو القلب والسكينة ما فيه من العلم والإخلاص وذكر الله الذي تطمئن اليه القلوب وإتيانه تصيير قلبه مقر العلم والوقار بعد ان لم يكن كذلك وَبَقِيَّةٌ كائنة مِمَّا من للتبعيض تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ هما رضاض الألواح وعصا موسى من آس الجنة وثيابه ونعلاه وعمامة هارون وشىء من التوراة وخاتم سليمان وقفيز من المن وهو الترنجبين الذي كان ينزل على بنى إسرائيل ويأكلونه في ارض التيه. وآلهما أنفسهما والآل مقحم او انباؤهما او اتباعهما تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ حال من التابوت اى ان آية ملكه إتيانه حال كونه محمولا للملائكة او استئناف كأنه قيل كيف يأتى فقيل تحمله الملائكة ثم ان التابوت لم تحمله الملائكة في الروايتين بل نزل من السماء الى الأرض بنفسه والملائكة كانوا يحفظونه في الرواية الاولى واتى به على العجلة وعلى الثورين بسوق الملائكة على الرواية الاخيرة وانما أضيف الحمل في القولين جميعا الى الملائكة لان من حفظ شيأ في الطريق جاز ان يوصف بانه حمل ذلك الشيء وان لم يحمله بل كان الحامل غيره كما يقول القائل حملت الامتعة الى زيد إذا حفظها في الطريق وان كان الحامل غيره إِنَّ فِي ذلِكَ يحتمل ان يكون من تمام كلام النبي وان يكون ابتداء خطاب من الله اى في رد التابوت ايها الفريق لَآيَةً عظيمة لَكُمْ دالة على ملك طالوت وصدق قول نبيكم في ان الله جعله ملكا فانه امر مناقض للعادة إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ مصدقين بالله فصدقوا بتمليكه عليكم وفي الآية اشارة الى ان آية ملك الخلافة للعبد ان يظفر بتابوت قلب فيه سكينة من ربه وهي الطمأنينة بالايمان والانس مع الله وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون وهي عصا الذكر كلمة لا اله الا الله وهي كلمة التقوى وهي الحية التي إذا فتحت فاها تلقف سحرة صفات فرعون النفس فعصا ذكر الله في تابوت القلوب وقد أودعها الله بين إصبعي جماله وجلاله كما قال عليه السلام (قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن) فبصفة الجلال يلهمها فجورها وبصفة الإكرام يلهمها تقواها كما قال تعالى فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها ولم يستودعها ملكا مقربا ولانبيا مرسلا فشتان بين امة سكينتهم فيما للاعداء عليه تسلط وبين امة(1/386)
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)
سكينتهم فيما ليس للاولياء ولا للانبياء عليه ولاية وان كان في ذلك التابوت بعض التوراة موضوعا ففى تابوت قلوب هذه الامة جميع القرآن محفوظ وان كان في تابوتهم بيوت فيها صور الأنبياء ففى تابوت قلوبهم خلوات ليس فيها معهم غير الله كما قال (لا يسعنى ارضى ولا سمائى ولكن يسعنى قلب عبدى المؤمن) فاذا تيسر لطالوت روح الإنسان ان يؤتى تابوت القلب الرباني فسلم ملك الخلافة وسرير السلطنة واستوثق عليه جميع أسباط الصفات الإنساني فلا يركن الى الدنيا الغدارة المكارة بل يتهجر منها ويتبرز لقتال جالوت النفس الامارة وهذا لا يتيسر الا بفضل الله وأخذ الطريقة والتمسك بالحقيقة
ره اينست روى از طريقت متاب ... إ كام وكامى كه خواهى بياب
ومن أراد ان يزداد سكينة فليصل الى المعرفة فان المعرفة الإلهية توجب السكينة في القلب كما ان القلب يوجب السكون وسئل ابو يزيد عن المعرفة فقال إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً اى غيروا حالها عما هي عليه وكذلك إذا وردت الواردات الربانية على القلوب الممتلئة أخرجت منها كل صفة رديئة. وقيل لابى يزيد بم وجدت هذه المعرفة فقال ببطن جائع وبدن عار: قال السعدي قدس سره
باندازه خور زاد اگر مردمى ... چنين پر شكم آدمي يا خمى
ندارند تن پروران آگهى ... كه پر معده باشد ز حكمت تهى
اللهم احفظنا من الموانع في طريق الوصول إليك آمين آمين فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ الأصل فصل نفسه ولما اتحد فاعله ومفعوله شاع استعماله محذوف المفعول حتى نزل منزلة اللازم كانفصل والمعنى انفصل عن بلده مصاحبا لهم لقتال العمالقة. والجنود جمع جند وهو الجيش الأشداء مأخوذ من الجند وهي الأرض الشديدة وكل صنف من الخلق جند على حدة- روى- انهم لما رأوا التابوت لم يشكوا في النصر فتسارعوا الى الجهاد فقال طالوت لا يخرج معى شيخ ولا مريض ولا رجل بنى بناء لم يفرغ منه ولا صاحب تجارة مشتغل بها ولا رجل عليه دين ولا رجل تزوج امرأة ولم يبن بها ولا ابتغى الا الشاب النشيط الفارغ فاجتمع اليه ممن اختاره ثمانون الفا وكان الوقت قيظا اى شديد الحر وسلكوا مفازة فشكوا قلة الماء وسألوا ان يجرى الله لهم نهرا قالَ اى طالوت بأخبار من النبي اشمويل إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ اى معاملكم معاملة المختبر بما اقترحتموه وذلك الاختبار ليظهره عند طالوت من كان مخلصا في نيته من غيره ليميزهم من العسكر لان من لا يريد القتال إذا خالط عسكرا يدخل الضعف في العسكر فينهزمون بشؤمه
آنكه جنك آرد بخون خويش بازي ميكند ... روز ميدان آنكه بگريزد بخون لشكرى
فميز بينهما كالذهب والفضة فيهما الخبث فميز الخالص من غيره بالنار فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ اى ابتدأ شربه من ماء النهر بان كرع وهو تناول الماء بفيه من موضعه من غير ان يشرب بكفيه ولا بآناء فَلَيْسَ مِنِّي اى من جملتى وأشياعي المؤمنين فمن للتبعيض دخلت على نفس المتكلم للاشعار بان أصحابه لقوة اختصاصهم واتصالهم به كأنهم بعضه او ليس(1/387)
بمتحد معى فمن اتصالية كما في قوله تعالى الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ اى بعضهم متصل بالبعض الآخر ومتحد معه وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ الطعم هنا بمعنى الذوق وهو التناول من الشيء تناولا قليلا يقال طعم الشيء إذا ذاقه مأكولا او مشروبا فَإِنَّهُ مِنِّي اى من اهل دينى إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ استثناء من قوله فمن شرب منه واعتراض الجملة الثانية وهو ومن لم يطعمه للعناية بها لان عدم الذوق منه رأسا عزيمة والاغتراف رخصة وبيان حال الاخذ بالعزيمة أهم من بيان الاخذ بالرخصة. والغرفة بالضم اسم للقدر الحاصل فى الكف بالاغتراف والغرف أخذ ماء بآلة كالكف وهو في الأصل القطع والغرفة التي هى العلية قطعة من البناء والباء متعلقة باغترف قال ابن عباس رضى الله عنهما كانت الغرفة الواحدة يشرب منها هو ودوابه وخدمه ويحمل منها قال الامام وهذا يحتمل وجهين. أحدهما انه كان مأذونا له ان يأخذ من الماء ما شاء مرة واحدة بقربة أو جرة بحيث كان المأخوذ في المرة الواحدة يكيفه ودوابه وخدمه ويحمل باقيه. وثانيهما انه كان يأخذ القليل فيجعل الله فيه البركة حتى يكفى كل هؤلاء فيكون معجزة لنبى ذلك الزمان كما انه تعالى يروى الخلق الكثير من الماء القليل في زمن محمد صلى الله عليه وسلم فَشَرِبُوا مِنْهُ اى فانتهوا الى النهر وابتلوا به وكرعوا فيه كروعا مثل الدواب ولم يقنعوا بالاغتراف فضلا عن ان لا يذوقوا منه شيأ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا على عدد اهل بدر فانهم اعترفوا فشربوا بالاكف ورووا واما الذين خالفوا فشربوا كرعا فازدادوا عطشا واسودت شفاههم وبقوا على شط النهر فعرف طالوت الموافق من المخالف فخلف الأشداء
نه بي حكم شرع آب خوردن خطاست ... وكر خون بفتوى بريزى رواست
ولما ردوا بالخلاف في صفة شرب ماء أصله حلال لكن على صفة مخصوصة وهلكوا بعد الرد فما حال من تناول الحرام المحض في الطعام والشراب كيف يقبل ويسلم. ثم انه لا خلاف بين المفسرين في ان الذين عصوا رجعوا الى بلدهم والصحيح انهم لم يجاوزوا النهر وانما رجعوا قبل المجاوزة لقوله تعالى فَلَمَّا جاوَزَهُ اى النهر هُوَ اى طالوت وَالَّذِينَ آمَنُوا وهم القليل الذين أطاعوه ولم يخالفوه فيما ندبهم اليه. وفيه اشارة الى ان من عداهم بمعزل من الايمان مَعَهُ اى مع طالوت متعلق بجاوز لا بآمنوا قالُوا اى بعض من معه من المؤمنين القليلين لبعض آخر منهم وهم الذين يظنون الآية فالمؤمنون الذين جاوز النهر صاروا فريقين فريقا يحب الحياة
ويكره الموت وكان الخوف والجزع غالبا على طبعه وفريقا كان شجاعا قوى القلب لا يبالى بالموت في طاعة الله تعالى. والقسم الاول هم الذين قالوا لا طاقَةَ قوة لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ اى بمحاربتهم ومقاومتهم فضلا عن ان يكون لنا غلبة عليهم وذلك لما شاهدوا منهم من الكثرة والقوة وكانوا مائة الف مقاتل شاكى السلاح. والقسم الثاني هم الذين أجابوهم بقولهم كم من فئة الآية قالَ كأنه قيل فماذا قال لهم مخاطبهم فقيل قال الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا نصر اللَّهَ العزيز وتأييده كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً اى كثير من(1/388)
الفئات القليلة غلبت الفئات الكثيرة. والفئة اسم للجماعة من الناس قلت او كثرت بِإِذْنِ اللَّهِ اى بحكمه وتيسيره فان دوران كافة الأمور على مشيئته تعالى فلا يذل من نصره وان فل عدده ولا يعز من خذله وان كثر أسبابه وعدده فنحن ايضا نغلب جالوت وجنوده وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ بالنصرة على العدو وبتوفيق الصبر عند الملاقاة قال الراغب في القصة ايماء ومثال للدنيا وابنائها وان من يتناول قدر ما يتبلغ به اكتفى واستغنى وسلم منها ونجا ومن تناول منها فوق ذلك ازداد عطشا ولهذا قيل الدنيا كالملح من ازداد منها عطش وفي الحديث (لو ان لابن آدم واديين من ذهب لابتغى إليهما ثالثا فلا يملأ جوف ابن آدم الا التراب ويتوب الله على من تاب) يعنى لا يزال حريصا على الدنيا حتى يموت ويمتلئ جوفه من تراب قبره الا من تاب فان الله يقبل التوبة من التائب عن حرصه المذموم وعن غيره من المذمات وهاهنا نكتة وهي ان في ذكر ابن آدم دون الإنسان تلويحا الى انه مخلوق من تراب ومن طبيعته القبض واليبس وإزالته ممكنة بان يمطر الله عليه من غمام توفيقه فللعاقل ان لا يتعب نفسه في جمع حطام الدنيا فان الرزق مقسوم اوحى الله الى داود [يا داود تريد وأريد فان رضيت بما أريد كفيتك ما تريد وان لم ترض بما أريد أتعبك ثم لا يكون الا ما أريد] فالناس مبتلون بنهر هو منهل الطبيعة الجسمانية فمن شرب منه مفرطا في الري منه بالحرص فليس من اهل الحقيقة لانه من اهل الطبيعة وعبدة الشهوات المشتغل بها عن الله الا من قنع من متاع الدنيا على ما لا بد منه من المأكول والمشروب والملبوس والمسكن ومحبة الخلق على الاضطرار بمقدار القوام فانه من اولياء الله. والحاصل ان النهر هو الدنيا وزينتها ومن بقي على شطها واطمأن بها كثير ممن جاوزها ولم يلتفت إليها فان اهل الله اقل من القليل واهل الدنيا لا يحصى عددهم رزقنا الله وإياكم القوة والقناعة ولم يفصلنا عن اهل السنة والجماعة- روى- انه عليه السلام قال في وصيته لابى هريرة رضى الله عنه (عليك يا أبا هريرة بطريق أقوام إذا فزع الناس لم يفزعوا وإذا طلب الناس الامان من النار لم يخافوا) قال ابو هريرة من هم يا رسول الله قال (قوم من أمتي في آخر الزمان يحشرون يوم القيامة محشر الأنبياء إذا نظر إليهم الناس ظنوهم أنبياء مما يرون من حالهم حتى أعرفهم انا فاقول أمتي أمتي فيعرف الخلائق انهم ليسوا أنبياء فيمرون مثل البرق او الريح تغشى أبصار اهل الجمع من أنوارهم) فقلت يا رسول الله مرنى بمثل عملهم لعلى الحق بهم فقال (يا أبا هريرة ركب القوم طريقا صعبا آثروا الجوع بعد ما أشبعهم الله والعرى بعد ما كساهم الله والعطش بعد ما ارواهم الله تركوا ذلك رجاء ما عند الله تركوا الحلال مخافة حسابه صحبوا الدنيا بأبدانهم ولم يشتغلوا بشئ منها عجبت الملائكة والأنبياء من طاعتهم لربهم طوبى لهم وددت ان الله جمع بينى وبينهم) ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا إليهم ثم قال عليه السلام (إذا أراد الله باهل الأرض عذابا فنظر إليهم صرف العذاب عنهم فعليك يا أبا هريرة بطريقهم) : قال الشيخ العطار قدس سره
در راه تو مردانند از خويش نهان مانده ... بي جسم وجهت كشته بي نام ونشان مانده
تنشان بشريعت هم دلشان بحقيقت هم ... هم دل شده وهم جان نه اين ونه آن مانده(1/389)
وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)
عليهم سلام الله ورحمته وبركاته اللهم اجعلنا من اللاحقين بهم آمين آمين وَلَمَّا بَرَزُوا اى ظهر طالوت ومن معه من المؤمنين وصاروا الى براز اى فضاء من الأرض في موطن الحرب لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ وشاهدوا ما عليهم من العدد والعدد وأيقنوا انهم غير مطيقين لهم عادة قالُوا اى جميعا عند تقوى قلوب الفريق الاول منهم بقول الفريق الثاني متضرعين الى الله تعالى مستعينين به رَبَّنا فى ندائهم بقولهم ربنا اعتراف منهم بالعبودية وطلب لاصلاحهم لان لفظ الرب يشعر بذلك دون غيره أَفْرِغْ عَلَيْنا إفراغ الإناء اخلاؤه مما فيه اى صب علينا وهو استعارة عن الإكمال والإكثار أتوا بلفظة على طلبا لان يكون الصبر مستعليا عليهم وشاملا لهم كالظرف للمظروف صَبْراً على مقاساة شدائد الحرب واقتحام موارده الضيقة وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وهب لنا ما تثبت به في مداحض القتال ومزال النزال من قوة القلوب وإلقاء الرعب في قلوب العدو ونحو ذلك من الأسباب فالمراد بثبات القدم كمال القوة والرسوخ عند المقارنة وعدم التزلزل وقت المقاومة لا مجرد التقرر في حيز واحد وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ بقهرهم وهزمهم ولقد راعوا في الدعاء ترتيبا بليغا حيث قدموا سؤال إفراغ الصبر على قلوبهم الذي هو ملاك الأمر ثم سؤال تثبيت القدم المتفرع عليه ثم سؤال النصر على العدو الذي هو الغاية القصوى فَهَزَمُوهُمْ اى كسروهم بلا مكث بِإِذْنِ اللَّهِ اى بنصره وتأييده اجابة لدعائهم وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ كان جالوت الجبار رأس العمالقة وملكهم وكان من أولاد عمليق بن عاد وكان من أشد الناس وأقواهم وكان يهزم الجيوش وحده وكان له بيضة فيها ثلاثمائة رطل حديد وكان ظله ميلا لطول قامته وكان ايشى ابو داود عليه السلام في جملة من عبر النهر مع طالوت وكان معه سبعة من ابنائه وكان داود أصغرهم يرعى الغنم فاوحى الى نبى العسكر وهو اشمويل ان داود بن ايشى هو الذي يقتل جالوت فطلبه من الله فجاء به فقال النبي اشمويل لقد جعل الله تعالى قتل جالوت على يدك فاخرج معنا الى محاربته فخرج معهم فمر داود عليه السلام في الطريق بحجر فناداه يا داود احملني فانى حجر هارون الذي قتل بي ملك كذا فحمله في مخلاته ثم مر بحجر آخر فقال له احملني فانى حجر موسى الذي قتل بي كذا وكذا فحمله في مخلاته ثم مر بحجر آخر فقال له احملني فانى حجر الذي تقتل بي جالوت فوضعه في مخلاته وكان من عادته رمى القذافة وكان لا يرمى بقذافته شيأ من الذئب والأسد والنمر إلا صرعه وأهلكه فلما تصاف العسكران للقتال برز جالوت الجبار الى البراز وسأل من يخرج اليه فلم يخرج اليه أحد فقال يا بنى إسرائيل لو كنتم على حق لبارزنى بعضكم فقال داود لاخوته من يخرج الى هذا الا قلف فسكتوا فالتمس منه طالوت ان يخرج اليه ووعده ان يزوجه ابنته ويعطيه نصف ملكه ويجرى له خاتمه فيه فلما توجه داود نحوه أعطاه طالوت فرسا ودرعا وسلاحا فلبس السلاح وركب الفرس فسار قريبا ثم انصرف الى الملك فقال من حوله جبن الغلام فجاء فوقف على الملك فقال ما شأنك فقال ان الله تعالى ان لم ينصرنى لم يغن عنى هذا السلاح شيأ فدعنى أقاتل كما أريد قال نعم فاخذ داود مخلاته فتقلدها وأخذ المقلاع ومضى نحو جالوت- روى- انه لما نظر جالوت الى داود قذف في قلبه الرعب فقال يا فتى ارجع فانى أرحمك ان أقتلك قال داود بل(1/390)
انا أقتلك قال ائتنى بالمقلاع والحجر كما يؤتى الكلب قال نعم أنت شر من الكلب قال جالوت لا جرم لاقسمن لحمك بين سباع الأرض وطير السماء قال داود بل يقسم الله لحمك فقال باسم اله ابراهيم واخرج حجرا ثم اخرج الآخر وقال باسم اله اسحق ثم اخرج الثالث وقال باسم اله يعقوب فوضع الأحجار الثلاثة في مقلاعه فصارت كلها حجرا واحدا ودور المقلاع ورمى به فسخر الله له الريح حتى أصاب الحجر انف البيضة وخالط دماغه وخرج من قفاه وقتل من ورائه ثلاثين رجلا وهزم الله الجيش وخرّ جالوت قتيلا فاخذ داود يجره حتى ألقاه بين يدى طالوت ففرح المسلمون فرحا شديدا وانصرفوا الى المدينة سالمين فزوجه طالوت ابنته واجرى خاتمه في نصف مملكته فمال الناس الى داود واحبوه وأكثروا ذكره
فحسده طالوت وأراد قتله فتنبه له داود وهرب منه فسلط طالوت عليه العيون وطلبه أشد الطلب فلم يقدر عليه وانطلق داود الى الجبل مع المتعبدين فتعبد فيه دهرا طويلا فاخذ العلماء والعباد ينهون طالوت فى شأن داود فجعل طالوت لا ينهاه أحد عن قتل داود الا قتله فاكثر في قتل العلماء الناصحين فلم يكن يقدر على عالم في بنى إسرائيل يطيق قتله الا قتله ثم ندم على ما فعله من المعاصي والمنكرات واقبل على البكاء ليلا ونهارا حتى رحمه الناس وكان كل ليلة يخرج الى القبور فيبكى وينادى حم الله عبدا يعلم ان لى توبة الا أخبرني بها فلما اكثر التضرع والإلحاح عليهم رق له بعض خواصه فقال له ان دللتك ايها الملك لعلك ان تقتله فقال لا والله بل أكرمه أتم الإكرام وانقاد الى حكمه وأخذ مواثيق الملك وعهوده على ذلك فذهب به الى باب امرأة تعلم اسم الله الأعظم فلما لقيها قبل الأرض بين يديها وسألها هل له من توبة فقالت لا والله لا اعلم لك توبة ولكن هل تعلم مكان قبر نبى فانطلق بها الى قبر اشمويل فصلت ودعت ثم نادت صاحب القبر فخرج اشمويل من القبر ينفض رأسه من التراب فلما نظر إليهم سألهم وقال ما لكم أقامت القيامة قالت لا ولكن طالوت يسأل هل له من توبة قال اشمويل يا طالوت ما فعلت بعدي قال لم ادع من الشر شيأ الا فعلته وجئت لطلب التوبة قال كم لك من الولد قال عشرة رجال قال لا اعلم لك من التوبة الا ان تتخلى من ملكك وتخرج أنت وولدك في سبيل الله ثم تقدم ولدك حتى يقتلوا بين يديك ثم تقاتل أنت فتقتل آخرهم ثم رجع اشمويل الى القبر وسقط ميتا ورجع طالوت ففعل ما امر به حتى قتل فجاء قاتله الى داود ليبشره وقال قتلت عدوك فقال داود ما أنت بالذي تحيى بعده فضرب عنقه فكان ملك طالوت الى ان قتل أربعين سنة واتى بنوا إسرائيل بداود وأعطوه خزائن طالوت وملكوه على أنفسهم وملك داود بعد قتل طالوت سبعين سنة وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ اى ملك بنى إسرائيل في مشارق الأرض المقدسة ومغاربها ولم يجتمعوا قبل داود على ملك وَالْحِكْمَةَ اى النبوة ولم يجتمع في بنى إسرائيل الملك والنبوة قبله إلا له بل كان الملك في سبط والنبوة في سبط آخر وانزل عليه الزبور اربعمائة وعشرين سورة وهو أول من تكلم باما بعد وهو فصل الخطاب الذي أوتيه داود عليه السلام وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ اى مما يشاء الله تعليمه إياه من صنعة الدروع بإلانة الحديد وكان يصنعها ويبيعها وكان لا يأكل الا من عمل يده ومنطق الطير وتسبيح الجبال وكلام الحكل والنمل والصوت الطيب والالحان(1/391)
تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)
الطيبة فلم يعط الله أحدا مثل صوته وكان إذا قرأ الزبور تدنو الوحوش حتى يؤخذ بأعناقها وتطلبه الطير مصيخة له ويركد الماء الجاري وتسكن الريح وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ المصدر مضاف الى فاعله اى صرفه النَّاسَ مفعول الدفع بَعْضَهُمْ الذين يباشرون الشر والفساد وهو بدل من الناس بدل بعض من كل بِبَعْضٍ آخر منهم بردهم عماهم عليه بما قدر الله من القتل كما في القصة المحكية وغيره وهو متعلق بالمصدر لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وبطلت منافعها وتعطلت مصالحها من الحرث والنسل وسائر ما يعمر الأرض ويصلحها وقيل لولا دفع الله بالمؤمنين والأبرار عن الكفار والفجار لهلكت الأرض ومن فيها ولكن الله يدفع بالمؤمن عن الكافر وبالصالح عن الفاجر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة اهل بيت جيرانه البلاء) ثم قرأ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ثم ان فيه تنبيها على فضيلة الملك وانه لو لاه لما انتظم امر العالم. ولهذا قيل الدين والملك توأمان ففى ارتفاع أحدهما ارتفاع الآخر لان الدين أساس والملك حارس ومالا أس له فمهدوم ومالا حارس له فضائع والناس قد لا ينقادون للرسل تحت الرياسة مع ظهور الحجج فاحتيج الى المجاهدة باللسان والسيف وذلك يكون من الأنبياء ومن يتابعهم ثم لهم آجال مضروبة عندها فوجب ان يكون لهم خلفاء بعدهم من كل عصر في اقامة الدين والجهاد فهذا دفع الله الناس بعضهم ببعض. وتفصيله ان دفع الله الناس بعضهم ببعض على وجهين دفع ظاهر ودفع خفى. فالظاهر ما كان بالسواس الاربعة الأنبياء والملوك والحكماء المعنيين بقوله (ومن يؤت الحكمة فقد اوتى خيرا كثيرا) والوعاظ. فسلطان الأنبياء عليه السلام على الكافة خاصهم وعامهم ظاهرهم وباطنهم وسلطان الملوك على ظواهر الكافة دون البواطن كما قيل نحن ملوك أبدانهم لا ملوك اديانهم وسلطان الحكماء على الخاصة دون العامة وسلطان الوعاظ بواطن العامة. واما الدفع الخفي فسلطان العقل يدفع عن كثير من القبائح وهو السبب في التزام سلطان الظاهر وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عظيم لا يقادر قدره عَلَى الْعالَمِينَ كافة يعنى لكنه تعالى يدفع فساد بعضهم ببعض فلا تفسد الأرض وتنتظم به مصالح العالم وتنصلح احوال الأمم. ففضله تعالى يعم العوالم كلها اما في عالم الدنيا فبهداية طريق الرشد والصلاح واما في الآخرة فبالجنات والدرجات والنجاة والفلاح ومن جملة فضله تعالى على العالمين دفع البليات عن بعض عباده بلا واسطة كالانبياء وكمل الأولياء ومن اقتفى اثرهم من اهل اليقين تِلْكَ اشارة الى ما سلف من حديث الألوف وتمليك طالوت وإتيان التابوت وانهزام الجبابرة وقتل داود جالوت آياتُ اللَّهِ المنزلة من عنده نَتْلُوها عَلَيْكَ اى بواسطة جبريل بِالْحَقِّ حال من مفعول نتلوها اى ملتبسة بالوجه المطابق الذي لا يشك فيه اهل الكتاب وارباب التواريخ لما يجدونها موافقة لما في كتبهم وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ اى من جملة الذين أرسلوا الى الأمم لتبليغ رسالتنا واجراء أوامرنا وأحكامنا عليهم والا لما أخبرت بتلك الآيات من غير تعرف ولا استماع والتأكيد لرد قول الكفار لست رسولا قال بعضهم
ألا اى احمد مرسل شود هر مشكل از تو حل ... كنم وصف ترا مجمل تويى سلطان هر مولى(1/392)
تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)
شريعت از تو روشن شد طريقت هم مبرهن شد ... حقيقت خود معين شد زهى سلطان بي همتا
والاشارة ان المجاهد مع جالوت النفس الامارة لا يقوم بحوله وقوته حتى يرجع الى ربه مستعينا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً على الائتمار بطاعتك والانزجار عن معاصيك وَثَبِّتْ أَقْدامَنا فى التسليم عند الشدة والرخاء وهجوم احكام القضاء في السراء والضراء وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ وهم أعداؤنا في الدين عموما والنفس الامارة التي هي أعدى عدونا بين جنبينا خصوصا إذا كان الالتجاء عن صدق الرجاء برب الأرض والسماء يكون مقرونا بإجابة الدعاء والظفر على الأعداء فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ بنصرة الله فانه الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده وَقَتَلَ داوُدُ القلب جالُوتَ النفس إذ أخذ حجر الحرص على الدنيا وحجر الركون الى العقبى وحجر تعلقه الى نفسه بالهوى حتى صارت الثلاثة حجرا واحدا وهو الالتفات الى غير المولى فوضعه في مقلاع التسليم والرضى فرمى به جالوت النفس وسخر الله له ريح العناية حتى أصاب انف بيضة هواها فاخرج منه الفضول وخرج من قفاها وقتل من ورائها ثلاثين من صفاتها وأخلاقها وهزم الله باقى جيشها وهو الشياطين وأحزابها وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ يعنى آتى داود القلب ملك الخلافة وحكمة الإلهامات الربانية وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ من حقائق القرآن وأسراره وإشاراته وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ يعنى ارباب الطلب بالمشايخ الواصلين لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ارض استعدادهم المخلوقة في احسن التقويم لتشمير كمالات الدين القويم عن استيلاء جالوت النفس وجنود صفاتها في تخريب بلاد الأرواح بتبديل أخلاقها وتكدير صفاء ذواتها وترديدها الى جحيم صفات البهائم والانعام وأسفل دركاتها وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ يعنى من كمال فضله ورحمته يحرك سلسلة طلب الطالبين ويلهم أسرارهم بارادة المشايخ الكاملين ويوفقهم للتمسك بذيول تربيتهم والتسليم تحت تصرفاتهم في تنقيتهم ويثبتهم بالصبر والسكوت. على الرياضات والمجاهدات في حال تزكيتهم ويشير الى المشايخ بقبولهم والإقبال عليهم ويقويهم على شدائد المخالفات فلو لم تكن هذه الألطاف من الله ما تيسر لهم تزكية نفوسهم ابدا فهذه اشارة لا تتحقق الا لاهل الخير ولهذا خص الله حبيبه بتحقيقها وتحققها بقوله تِلْكَ آياتُ اللَّهِ يعنى فى ضمن هذه الآيات حقائق ودقائق نَتْلُوها عَلَيْكَ اى نجلوها لديك بِالْحَقِّ اى بالحقيقة كما هى وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ الذين عبروا على هذه المقامات وشاهدوا هذه الأحوال والكرامات كذا في التأويلات النجمية- تمت الجزء الثاني- الجزء الثالث من الاجزاء الثلاثين تِلْكَ الرُّسُلُ اشارة الى الجماعة الذين من جملتهم النبي عليه الصلاة والسلام فاللام في الرسل للاستغراق فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ بان خصصناه بمنقبة ليست لغيره واعلم ان الأنبياء(1/393)
كلهم متساوون في النبوة لان النبوة شىء واحد لا تفاضل فيها وانما التفاضل باعتبار الدرجات. بلغ بعضهم منصب الخلة كابراهيم عليه الصلاة والسلام ولم يحصل ذلك لغيره. وجمع لداود بين الملك والنبوة وطيب النغمة ولم يحصل هذا لغيره. وسخر لسليمان الجن والانس والطير والريح ولم يحصل هذا لابيه داود. وخص محمدا عليه وعليهم السلام بكونه مبعوثا الى الجن والانس وبكون شرعه ناسخا لجميع الشرائع المتقدمة. ومنهم من دعا أمته بالفعل الى توحيد الافعال وبالقوة الى الصفات والذات. ومنهم من دعا بالفعل الى الصفات ايضا وبالقوة الى الذات. ومنهم من دعا الى الذات ايضا بالفعل وهو ابراهيم عليه السلام فانه قطب التوحيد إذ الأنبياء كانوا يدعون الى المبدأ والمعاد والى الذات الاحدية الموصوفة ببعض الصفات الإلهية الا ابراهيم عليه السلام فانه دعا الى الذات الإلهية الاحدية ولذا امر الله نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم باتباعه بقوله ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً فهو من اتباع ابراهيم باعتبار الجمع دون التفصيل إذ لا متمم لتفاصيل الصفات الا هو ولذلك لم يكن غيره خاتما فالانبياء وان كانوا متفاوتين في درجات الدعوة بحسب مشارب الأمم الا ان كلهم واصلون فانون في الله باقون بالله لان الولاية قبل النبوة حيث ان آخر درجات الولاية أول مقامات النبوة فهى تبتنى على الولاية ومعنى الولاية الفناء في الله والبقاء بالله فالنبى لا يكون الا واصلا محرزا جميع مراتب التوحيد من الافعال والصفات والذات مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ اى
فضله الله بان كلمه بغير واسطة وهو موسى عليه الصلاة والسلام فهو كليمه بمعنى مكالمه واختلفوا في الكلام الذي سمعه موسى وغيره من الله تعالى هل هو الكلام القديم الأزلي الذي ليس من جنس الحروف والأصوات. قال الأشعري واتباعه المسموع هو ذلك الكلام الأزلي قالوا كما انه لم تمتنع رؤية ما ليس بمكيف فكذا لا يستبعد سماع ما ليس بمكيف. وقيل سماع ذلك الكلام محال وانما المسموع هو الحروف والصوت وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ اى على درجات فانتصابه على نزع الخافض وذلك بان فضله على غيره من وجوه متعددة او بمراتب متباعدة والظاهر انه أراد محمدا صلى الله عليه وسلم لانه هو المفضل عليهم حيث اوتى ما لم يؤته أحد من الآيات المتكاثرة المرتقية الى ثلاثة آلاف آية واكثر ولو لم يؤت الا القرآن وحده لكفى به فضلا منيفا على سائر ما اوتى الأنبياء لانه المعجزة الباقية على وجه الدهر دون سائر المعجزات. وفي الحديث (فضلت على الأنبياء بست أوتيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لى الغنائم وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا وأرسلت الى الخلق كافة وختم بي النبيون) قال في التأويلات النجمية اعلم ان فضل كل صاحب فضل يكون على قدر استعلاء ضوء نوره لان الرفعة في الدرجات على قدر رفعة الاستعلاء كما قال تعالى وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ فالعلم هو الضوء من نور الوحدانية فكلما ازداد العلم زادت الدرجة فناهيك عن هذا المعنى قول النبي عليه السلام فيما يخبر عن المعراج انه رأى آدم في السماء الدنيا ويحيى وعيسى فى السماء الثانية ويوسف في السماء الثالثة وإدريس في السماء الرابعة وهارون في السماء الخامسة وموسى في السماء السادسة وابراهيم في السماء السابعة وعبر النبي عليه السلام حتى رفع الى سدرة المنتهى ومن ثم الى قاب قوسين او ادنى فهذه الرفعة في الدرجة في القرب الى الحضرة كانت له(1/394)
على قدر قوة ذلك النور في استعلاء ضوئه وعلى قدر غلبات أنوار التوحيد على ظلمات الوجود كانت مراتب الأنبياء بعضهم فوق بعض فلما غلب نور الوحدانية على ظلمة انسانية النبي عليه السلام اضمحلت وتلاشت وفنيت ظلمة وجوده بسطوات تجلى صفات الجمال والجلال فكل نبى بقدر بقية ظلمة وجوده بقي في مكان من أماكن السموات فانه صلى الله تعالى عليه وسلم ما بقي في مكان ولا في الإمكان لانه كان فانيا عن ظلمة وجوده باقيا بنور وجوده ولهذا سماه الله نورا وقال قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ فالنور هو محمد عليه السلام والكتاب هو القرآن فافهم واغتنم فانك لا تجد هذه المعاني الا هاهنا انتهى كلام التأويلات النجمية وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ الآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة من احياء الموتى وشفاء المرضى وإبراء الأكمه والأبرص وخلق الطير من الطين والاخبار بالمغيبات والإنجيل وجعل معجزاته سبب تفضيله مع ان إيتاء البينات غير مختص بعيسى عليه الصلاة والسلام لانها آيات واضحة ومعجزات عظيمة لم يستجمعها غيره وخص عيسى عليه السلام بالتعيين مع انه غير مختص بايتاء البينات تقبيحا لافراط اليهود في تحقيره حيث أنكروا نبوته مع ما ظهر على يده من البينات القاطعة الدالة عليها ولافراط النصارى في تعظيمه حيث أخرجوه عن مرتبة الرسالة وَأَيَّدْناهُ اى قويناه بِرُوحِ الْقُدُسِ اى الروح المطهرة التي نفحها الله فيه فأبانه بها من غيره ممن خلق من اجتماع نطفتى الذكر والأنثى لانه عليه السلام لم تضمه أصلاب الفحول ولم يشتمل عليه أرحام الطوامث. فالقدس بمعنى المقدس من قبيل رجل صدق او القدس هو الله وروحه جبريل والاضافة للتشريف والمعنى أعانه بجبريل في أول امره وفي وسطه وفي آخره اما في الاول من امره فلقوله فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا واما في وسطه فلان جبريل عليه السلام علمه العلوم وحفظه من الأعداء واما في آخر الأمر فحين أرادت اليهود قتله أعانه جبريل ورفعه الى السماء وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ اى من بعد الرسل من الأمم المختلفة اى لو شاء الله عدم اقتتالهم ما اقتتلوا بان جعلهم متفقين على اتباع الرسل المتفقة على كلمة الحق مَنْ متعلقة باقتتل بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ من جهة أولئك الرسل الْبَيِّناتِ المعجزات الواضحة والآيات الظاهرة الدالة على حقيقة الحق الموجبة لاتباعهم الزاجرة عن الاعراض عن سننهم المؤدى الى القتال وَلكِنِ اخْتَلَفُوا اى
لكن لم يشأ عدم اقتتالهم لانهم اختلفوا اختلافا فاحشا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ اى بما جاءت به أولئك الرسل من البينات وعملوا به وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ بذلك كفرا لا ارعواء له عنه فاقتضت الحكمة عدم مشيئته تعالى لعدم اقتتالهم فاقتتلوا بموجب اقتضاء أحوالهم وَلَوْ شاءَ اللَّهُ عدم اقتتالهم بعد هذه المرة ايضا من الاختلاف والشقاق المستتبعين للاقتتال بحسب العادة مَا اقْتَتَلُوا وما نبض منهم عرق التطاول والتعاون لما ان الكل تحت ملكوته وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ اى من الأمور الوجودية والعدمية التي من جملتها عدم مشيئته عدم اقتتالهم فان الترك ايضا من جملة الافعال اى يفعل ما يريد حسبما يريد من غير ان يوجبه عليه موجب او يمنعه منه مانع. وفيه دليل بين على ان الحوادث تابعة لمشيئته تعالى خيرا كان او شرا ايمانا كان او كفرا وهذا نذير على المعتزلة قال الامام الغزالي(1/395)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)
قدس سره المتعالي في شرح اسمى الضار والنافع هو الذي يصدر منه الخير والشر والنفع والضر وكل ذلك منسوب الى الله تعالى اما بواسطة الملائكة والانس والجمادات او بغير واسطة فلا تظنن ان السم يقتل ويضر بنفسه وان الطعام يشبع وينفع بنفسه وان الملك او الإنسان او الشيطان او شيأ من المخلوقات من فلك الكواكب او غيرها يقدر على خير او شر بنفسه او نفع او ضر. بل كل ذلك اسباب مسخرة لا يصدر منها الا ما سخرت له وجملة ذلك بالاضافة الى القدرة الازلية كالقلم بالاضافة الى الكاتب في اعتقاد العامي وكما ان السلطان إذا وقع لكرامة او عقوبة لم يضر ذلك ولا نفعه من القلم بل من الذي القلم مسخر له فكذلك سائر الوسائط والأسباب وانما قلنا في اعتقاد العامي لان الجاهل هو الذي يرى القلم مسخرا للكاتب والعارف يعلم انه مسخر في يده لله تعالى وهو الذي الكاتب مسخر له فانه مهما خلق الكاتب وخلق له القدرة وسلط عليه الداعية الجازمة التي لا تردد فيها صدر منه حركة الإصبع والقلم لا محالة شاء أم ابى بل لا يمكنه ان لا يشاء فاذا الكاتب بقلم الإنسان ويده وهو الله تعالى وإذا عرفت هذا في الحيوان المختار فهو في الجمادات اظهر قال صاحب روضة الأخيار المؤثر هو الله تعالى والكواكب اسباب عادية الشمس مظهر اسم الحي والزهرة للمريد وعطارد للمسقط والقمر للقابل ولذا كان بيت العزة في ملكه والمريخ للقادر والمشترى للعليم وزحل للجواد واصول الأسماء اربعة هي الحياة والعلم والقدرة والارادة واسرافيل مظهر الحياة والاقساط مندرج فيها وجبريل مظهر العلم والقول وباعتبار الاول هو روح القدس وبالثاني الروح الامين ولذا كان حامل الوحى وميكائيل مظهر الارادة والجود مندرج فيها ولذا كان ملك الأرزاق وعزرائيل مظهر القدرة ولذا يقهر الجبابرة ويذلهم بالموت والفناء يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ من تبعيضية اى شيأ مما رزقناكموه والتعرض لوصوله منه تعالى للحث على الانفاق والمراد به الانفاق الواجب اى الزكاة بدلالة ما بعده من الوعيد والأكثر على ان الأمر يتناول الواجب والمندوب مِنْ لابتداء الغاية قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ يوم الحساب والجزاء لا بَيْعٌ فِيهِ يتدارك به المقصر تقصيره وهو في التقدير جواب هل فيه بيع ولهذا رفع. والبيع استبدال المال بالثمن وَلا خُلَّةٌ حتى يسامحكم اخلاؤكم بما تصنعون. والخلة المودة والصداقة فكأنها تتخلل الأعضاء اى تدخل خلالها ووسطها والخليل الصديق لمداخلته إياك والخلة تنقطع يوم القيامة بين الأخلاء الا بين المتقين لقوله تعالى الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ وَلا شَفاعَةٌ حتى تتكلوا على شفعاء تشفع لكم في حط ما في ذممكم والشفاعة المنفية يوم القيامة هي التي يستقل فيها الشفيع ويأتى بها وان لم يؤذن له فيها فان الدلائل قائمة على ثبوت الشفاعة للمؤمنين بعد أن يؤذن لهم فيها وهي لمن مات لا يشرك بالله شيأ وَالْكافِرُونَ اى والتاركون للزكاة وإيثاره عليه للتغليط والتهديد كما قال في آخر آية الحج وَمَنْ كَفَرَ مكان ومن لم يحج وللايذان بان ترك الزكاة من صفات الكفار قال تعالى وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ هُمُ الظَّالِمُونَ اى الذين ظلموا أنفسهم بتعريضها للعقاب ووضعوا المال في غير موضعه وصرفوه الى غير وجهه(1/396)
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)
زكات اگر ندهى از زرت ز داده وى ... علاج كى كنمت كاخر الدواء الكي
قال الراغب حث المؤمنين على الانفاق مما رزقهم من النعماء النفسية والبدنية الجارحية وان كان الظاهر في التعارف انفاق المال ولكن قد يراد به بذل النفس والبدن في مجاهدة العدو والهوى وسائر العبادات ولما كانت الدنيا دار اكتساب وابتلاء والآخرة دار ثواب وجزاء بين ان لا سبيل للانسان الى تحصيل ما ينتفع به في الآخرة فابتلى بذكر هذه الثلاثة لانها اسباب اجتلاب المنافع المفضية إليها. أحدها المعاوضة وأعظمها المبايعة. والثاني ما تناوله بالمودة وهو المسمى بالصلات والهدايا. والثالث ما يصل اليه بمعاونة الغير وذلك هو الشفاعة. ولما كانت العدالة بالقول المجمل ثلاثا عدالة بين الإنسان ونفسه وعدالة بينه وبين الناس وعدالة بينه وبين الله. فكذلك الظلم له مراتب ثلاث وأعظم العدالة ما بين العبد وبين الله وهو الايمان وأعظم الظلم ما يقابله وهو الكفر ولذلك قال وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ اى هم المستحقون لاطلاق هذا الوصف عليهم بلا مشوبة. فليسارع العبد الى تقوية الايمان بالإنفاق والإحسان- حكى- انه كان عابد من الشيوخ اراده الشيطان فلم يستطع منه شيأ فقال له الشيطان ألا تسألنى عما أضل به بنى آدم قال بلى قال فاخبرنى ما أوثق شىء في نفسك ان تضلهم به قال الشيخ والحدة والسكر فان الرجل إذا كان شحيحا قللنا ماله في عينيه ورغبناه في اموال الناس وان كان حديدا ادرناه بيننا كما تتداور الصبيان الكرة فلو كان يحيى الموتى بدعائه لم نيأس منه وإذا سكر اقتدناه الى كل شهوة كما تقاد العنز بإذنها كذا في آكام المرجان وعن محمد بن إسماعيل البخاري يقول بلغنا ان الله اوحى الى جبريل عليه الصلاة والسلام فقال يا جبريل لو انا بعثتك الى الدنيا وجعلتك من أهلها ما الذي عملت من الطاعات فيها فقال جبريل أنت اعلم بشأنى منى ولكنى كنت اعمل ثلاثة أشياء. أولها كنت أعين صاحب العيال في النفقة على عياله. والثاني كنت استر عيوب الخلق وذنوبهم حتى لا يعلم أحد من خلقك عيوب عبادك وذنوبهم غيرك.
والثالث أسقي العطشان وأرويه من الماء كذا في روضة العلماء: قال السعدي قدس سره
چوخود را قوى حال بينى وخوش ... بشكرانه بار ضعيفان بكش
اگر خود همين صورتى چون طلسم ... بميرى واسمت بميرد چوجسم
اگر پرورانى درخت كرم ... بر نيك نامى خورى لا جرم
اللهم اجعلنا من المنفقين والمستغفرين اللَّهُ هذا الاسم أعظم الأسماء التسعة والتسعين لانه دال على الذات الجامعة لصفات الإلهية كلها حتى لا يشذ منها شىء وسائر الأسماء لا تدل آحادها الا على آحاد المعاني من علم او قدرة او فعل وغيره ولانه أخص الأسماء إذ لا يطلقه أحد على غيره لا حقيقة ولا مجازا وسائر الأسماء قد يسمى بها غيره كالقادر والعليم والرحيم وغيرها وينبغى ان يكون حظ العبد من هذا الاسم التأله واعنى به ان يكون مستغرق القلب والهمة فى الله تعالى لا يرى غيره ولا يلتفت الى سواه ولا يرجو ولا يخاف الا إياه وكيف لا يكون كذلك وقد فهم من هذا الاسم انه الموجود الحقيقي الحق وكل ما سواه فان وهالك وباطل الا به فيرى نفسه أول هالك وباطل كما رآه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حث قال (أصدق بيت(1/397)
قالته العرب قول لبيد ألا كل شىء ما خلا الله باطل وهذه الكلمة فوائد ليست فى غيرها فان كل كلمة إذا أسقطت منها حرفا يختل المعنى بخلاف هذه فانك ان حذفت الالف يصير لله قال تعالى لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وان حذفت اللام الاولى ايضا يبقى له قال تعالى لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وان حذفت اللام الثانية ايضا يبقى الهاء وهو ضمير راجع الى الله تعالى قال تعالى هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وللاسماء تأثير بليغ خصوصا للفظة الجلالة قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره لما جاء المولى علاء الدين الخلوتى ببروسة صعد المنبر في الجامع الكبير للوعظ وقد اجتمع جمع كثير منتظرين لكلامه فقال مرة واحدة «يا الله» فحصل للجماعة حالة رقصوا وكادوا لا يرجعون عن البكاء والفزع- وحكى- انه لما مات سلطان العصر عزم جماعة الرجال على قتل الوزير فجاء بيت الشيخ وفاء في القسطنطنية واستغاث منه فادخله الشيخ الى بيته فهجموا جميعا الى بيت الشيخ فخرج الشيخ وقال مرة واحدة «يا الله» فهربوا جميعا فانظر انهم إذا ذكروا الله تظهر آثار عجيبة ونحن إذا ذكرنا ذلك الاسم بعينه لا يظهر له اثر وذلك لانهم زكوا أنفسهم وبدلوا اخلاقهم واما نحن فليس فينا هذا ولا القابلية لذلك وانما الفيض من الله تعالى: قال الحافظ
فيض روح القدس ار باز مدد فرمايد ... ديكران هم بكنند آنچهـ مسيحا ميكند
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الجملة خبر للمبتدأ وهو الجلالة والمعنى انه المستحق للعبادة لا غير- وحكى- ان تسبيح قطب الاقطاب «يا هو ويا من هو هو ويا من لا اله الا هو» فاذا قال ذلك بطريق الحال يقدر على التصرفات وللتوحيد ثلاث مراتب. توحيد المبتدئين لا اله الا الله. وتوحيد المتوسطين لا اله الا أنت لانهم في مقام الشهود فمقتضاه الخطاب. واما الكمل فيسمعون التوحيد من الموحد وهو لا اله الا انا لانهم في مقام الفناء الكلى فلا يصدر منهم شىء أصلا قال ابن الشيخ في حواشى سورة الإخلاص لفظ هو اشارة الى مقام المقربين وهم الذين نظروا الى ماهيات الأشياء وحقائقها من حيث هي هى فلا جرم ما رأوا موجودا سوى الله لان الحق هو الذي لذاته يجب وجوده واما ما عداه فممكن والممكن إذا نظر اليه من حيث هو هو كان معدوما فهؤلاء لم يروا موجودا سوى الحق سبحانه وكلمة هو وان كانت للاشارة المطلقة ومفتقرة في تعين المراد بها الى سبق الذكر بأحد الوجوه او الى ان يعقبها ما يفسرها الا انهم يشيرون الى الحق سبحانه ولا يفتقرون في تلك الاشارة الى ما يميز الذات المرادة عن غيرها لان الافتقار الى المميز انما يحصل حيث وقع الإبهام بان يتعدد ما يصلح لان يشار اليه وقد بينا انهم لا يشاهدون بعيون عقولهم الا الواحد فقط فلهذا السبب كانه لفظة هو كافية في حصول العرفان التام لهؤلاء انتهى كلامه وانما ذكرته هاهنا ليكون حجة على من أنكر على جماعة الصوفية في كلمة هو ذاهبا الى انها ضمير ولا فائدة في الذكر به وقد سبق منى عند قوله تعالى وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ما ينفك في هذا المقام قال شيخى وسندى الذي بمنزلة روحى في جسدى الذكر ب «لا اله الا الله» أفضل
من الذكر بكلمة «الله الله» و «هو هو» عند العلماء بالله لانها جامعة بين النفي والإثبات وحاوية لزيادة العلم والمعرفة فمن نفى بلا اله عين الخلق حكما لا علما فقد اثبت كون الحق(1/398)
حكما وعلما وأفادني ايضا إذا قلت لا اله الا الله فشاهد بالشهود الحقانى فناء افعال الخلق وصفاتهم وذواتهم في افعال الحق وصفاته وذاته وهذا مقتضى الجمع والاحدية. وتلك الكلمة فى الحقيقة اشارة الى هذه المرتبة وإذا قلت محمد رسول الله فشاهد بالشهود الحقانى ايضا بقاء أفعالهم وصفاتهم وذواتهم بأفعاله تعالى وصفاته وذاته وهذا مقتضى الفرق والواحدية. وتلك الكلمة ايضا اشارة الى هذه المرتبة فاذا كان توحيد العبد على هذه المشاهدة فلا جرم ان توحيده يكون توحيدا حقيقا حقانيا لا رسما نفسانيا: قال المولى الجامى قدس سره كر چهـ «لا» داشت تيركئ عدم دارد «الا» فروع نور قدم كر چهـ «لا» بود كان كفر وجحود هست «الا» كليد كنج شهود چون كند «لا» بساط كثرت طى دهد «الا» ز جام وحدت مى آن رهاند ز نقش بيش وكمت وين رساند بوحدت قدمت تا نسازى حجاب كثرت دور ندهد آفتاب وحدت نور دائم آن آفتاب تابانست از حجاب تو از تو پنهانست كر برون آيى از حجاب تويى مرتفع كردد از ميانه دويى در زمين زمان وكون مكان همه او بينى آشكار ونهان اللهم أوصلنا الى الجمع والعين واليقين الْحَيُّ خبر ثان. وهو في اللغة من له الحياة وهي صفة تخالف الموت والجمادية وتقتضى الحس والحركة الارادية واشرف ما يوصف به الإنسان الحياة الابدية في دار الكرامة وإذا وصف الباري عز شأنه بها وقيل انه حى كان معناه الدائم الباقي الذي لا سبيل عليه للموت والفناء فهو الموصوف بالحياة الازلية الابدية قال الامام الغزالي في شرح الأسماء الحسنى «الحي» هو الفعال الدراك حتى ان من لا فعل له أصلا ولا ادراك فهو ميت واقل درجات الإدراك ان يشعر المدرك بنفسه فما لا يشعر بنفسه فهو الجماد والميت فالحى الكامل المطلق هو الذي تندرج جميع المدركات تحت إدراكه وجميع الموجودات تحت فعله حتى لا يشد عن علمه مدرك ولا عن فعله مفعول وذلك هو الله تعالى فهو الحي المطلق وكل حى سواه فحياته بقدر إدراكه وفعله وكل ذلك محصور في قوله الْقَيُّومُ قام بالأمر إذا دبره مبالغة القائم فانه تعالى دائم القيام على كل شىء بتدبير امره في إنشائه وترزيقه وتبليغه الى كماله اللائق به وحفظه قال الامام الغزالي اعلم ان الأشياء تنقسم الى ما يفتقر الى محل كالاعراض والأوصاف فيقال فيها انها ليست قائمة بنفسها والى ما يحتاج الى محل فيقال انه قائم بنفسه كالجواهر الا ان الجوهر وان قام بنفسه مستغنيا عن محل يقوم به فليس مستغنيا عن امور لا بد منها لوجوده وتكون شرطا في وجوده فلا يكون قائما بنفسه لانه محتاج في قوامه الى وجود غيره وان لم يحتج الى محل فان كان في الوجود موجود يكفى ذاته بذاته ولا قوام له بغيره ولا شرط في دوام وجوده وجود غيره فهو القائم بنفسه مطلقا فان كان مع ذلك يقوم به كل موجود حتى لا يتصور للاشياء وجود ولا دوام وجود الا به فهو القيوم لان قوامه بذاته وقوام كل شىء به وليس ذلك الا الله تعالى ومدخل العبد في هذا الوصف بقدر استغنائه عما سوى الله تعالى انتهى كلام الغزالي قيل الحي(1/399)
القيوم اسم الله الأعظم. وكان عيسى عليه الصلاة والسلام إذا أراد ان يحيى الموتى يدعو بهذا الدعاء يا حى يا قيوم ويقال دعاء اهل البحر إذا خافوا الغرق يا حى يا قيوم وعن على بن ابى طالب رضى الله عنه لما كان يوم بدر جئت انظر ما يصنع النبي صلى الله عليه وسلم فاذا هو ساجد يقول يا حى يا قيوم فترددت مرات وهو على حاله لا يزيد على ذلك الى ان فتح الله له وهذا يدل على عظمة هذا الاسم وفي التأويلات النجمية انما أشير في معنى الاسم الأعظم الى هذين الاسمين وهما الحي والقيوم لان اسمه الحي مشتمل على جميع أسمائه وصفاته فان من لوازم الحي ان يكون قادرا عالما سميعا بصيرا متكلما مريدا باقيا. واسمه القيوم مشتمل على افتقار جميع المخلوقات
اليه فاذا تجلى الله لعبد بهاتين الصفتين فالعبد يكاشف عند تجلى صفة الحي معانى جميع أسمائه وصفاته ويشاهد عند تجلى صفة القيوم فناء جميع المخلوقات إذا كان قيامها بقيومية الحق لا بانفسهم فلما جاء الحق زهق الباطل فلا يرى في الوجود الا الحي القيوم إذا سلب الحي جميع اسماء الله وسلب القيوم قيام المخلوقات فترتفع الاثنينية بينهما وإذا فنى التعدد وبقيت الوحدة فيصيران اسما أعظم للمتجلى له فيذكره عند شهود عظمة الوحدانية بلسان عيان الفردانية لا بلسان بيان الانسانية فقد ذكره باسمه الأعظم الذي إذا دعى به أجاب وإذا سئل به اعطى فاما الذاكر عند غيبه فكل اسم دعاه لا يكون الاسم الأعظم بالنسبة الى حال غيبه وعند شهود العظمة فبكل اسم دعاه يكون الاسم الأعظم كما سئل ابو يزيد البسطامي قدس سره عن الاسم الأعظم فقال الاسم ليس له حد محدود ولكن فرغ قلبك لوحدانيته فاذا كنت كذلك فاذكره بأى اسم شئت انتهى ما في التأويلات واعلم ان الاسم الأعظم عبارة عن الحقيقة المحمدية فمن عرفها عرفه وهي صورة الاسم الجامع الإلهي وهو ربها ومنه الفيض فاعرف تفز بالحظ الاوفى لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ السنة ثقلة من النعاس وفتور يعترى المزاج قبل النوم وليست بداخلة في حد النوم والنعاس أول النوم والنوم حالة تعرض للحيوان من استرخاء اعصاب الدماغ من رطوبات الابخرة المتصاعدة بحيث تقف الحواس الظاهرة عن الاحساس رأسا وتقديم السنة عليه مع ان قياس المبالغة عكسه على ترتيب الوجود الخارجي فان الموجود منهما اولا هو السنة ثم يعترى بعدها النوم وتوسيط كلمة لا للتنصيص على شمول النفي لكل منهما والمراد بيان انتفاء اعتراء شىء منهما له سبحانه لعدم كونهما من شأنه وانما عبر عن عدم الاعتراء والعروض بعدم الاخذ لمراعاة الواقع إذ عروض السنة والنوم لمعروضهما انما يكون بطريق الاخذ والاستيلاء والجملة نفى للتشبيه وتأكيد لكونه حيا قيوما فان من اخذه نعاس او نوم كان مؤوف الحياة قاصرا في الحفظ والتدبير والمعنى لا يعتريه ما يعترى المخلوقين من السهو والغفلة والملال والفترة في حفظ ما هو قائم بحفظه ولا يعرض له عوارض التعب المحوجة الى الاستراحة فيستريح بالنوم والسنة لان النوم أخو الموت والموت ضد الحياة وهو الحي الحقيقي فلا يلحقه ضد الحياة فكما انه موصوف بصفات الكمال فهو منزه عن جميع صفات النقصان- روى- ان موسى عليه السلام سأل الملائكة وكان ذلك في نومه أينام ربنا فاوحى الله تعالى إليهم ان يوقظوه ثلاثا ولا يتركوه ينام ثم قال خذ بيدك قارورتين مملوءتين فاخذهما فاخذه النوم فزالتا وانكسرتا ثم اوحى الله اليه انى امسك السموات والأرض بقدرتي فلو أخذني(1/400)
نوم او نعاس لزالتا كذا في الكشاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان الله لا ينام ولا ينبغى له ان ينام) قال ابن الملك هذا بيان لاستحالة وقوع النوم منه لانه عجز والله تعالى يتعالى عنه انتهى وحظ العبد من هذا الوصف ان يترك النوم فان الله تعالى وان رخص للعباد في المنام بل هو فضل منه تعالى لكن كثرة المنام بطالة وان الله تعالى لا يحب البطال قال ابو يزيد البسطامي قدس سره لم يفتح لى شىء الا بعد ان جعلت الليالى أياما: قال السعدي قدس سره
سر آنكه ببالين نهد هوشمند ... كه خوابش بقهر آورد در كمند
قيل كان رجل له تلميذان اختلفا فيما بينهما فقال أحدهما النوم خير لان الإنسان لا يعصى في تلك الحالة وقال الآخر اليقظة خير لانه يعرف الله في تلك الحالة فتحا كما الى ذلك الشيخ فقال الشيخ اما أنت الذي قلت بتفضيل اليقظة فالحياة خير لك وقيل اشترى رجل مملوكة فلما دخل الليل قال افرشى الفراش فقالت المملوكة يا مولاى ألك مولى قال نعم قالت ينام مولاك قال لا فقالت ألا تستحيى ان تنام ومولاك لم ينم: ومن الأبيات التي كان يذكرها بلال الحبشي رضى الله عنه وقت السحر يا ذا الذي استغرق في نومه ما نوم عبد ربه لا ينام أهل تقول اننى مذنب مشتغل الليل بطيب المنام لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ تقرير لقيوميته تعالى واحتجاج به على تفرده في الالوهية لانه تعالى خلقهما بما فيهما والمشاركة انما تقع فيما فيهما ومن يكن له ما فيهما فمحال مشاركته فكل من فيهما وما فيهما ملكه ليس لاحد معه
فيه شركة ولا لاحد عليه سلطان فلا يجوز ان يعبد غيره كما ليس لعبد أحدكم ان يخدم غيره الا باذنه والمراد بما فيهما ما هو أعم من اجزائهما الداخلة فيهما ومن الأمور الخارجة عنهما المتمكنة فيهما من العقلاء وغيرهم فهو ابلغ من ان يقال له السموات والأرض وما فيهن لان قوله وما فيهن بعد ذكر السموات والأرض انما يتناول الأمور الخارجة المتمكنة فيهن إذ لو أريد به ما يعم الأمور الداخلة فيهما والخارجة عنهما لا غنى ذكره عن ذكرهما مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ من مبتدأ وذا خبره والذي صفة ذا او بدل منه ولفظ من وان كان استفهاما فمعناه النفي ولذلك دخلت الا في قوله إِلَّا بِإِذْنِهِ وعِنْدَهُ فيه وجهان. أحدهما انه متعلق بيشفع. والثاني انه متعلق بمحذوف في موضع الحال من الضمير في يشفع اى لا أحد يشفع مستقرا عنده الا باذنه وقوى هذا الوجه بانه إذا لم يشفع عنده من هو عنده وقريب منه فشفاعة غيره ابعد والا باذنه متعلق بمحذوف لانه حال من فاعل يشفع فهو استثناء مفرغ والباء للمصاحبة والمعنى لا أحد يشفع عنده في حال من الأحوال الا في حال كونه مأذونا له او لا أحد يشفع عنده بامر من الأمور الا باذنه والباء للاستعانة كما في ضرب بسيفه فيكون الجار والمجرور في موضع المفعول به وكان المشركون يقولون أصنامنا شركاء الله تعالى وهم شفعاؤنا عنده فوحد الله نفسه بالنفي والإثبات ليكون المعنى في ثبوت التوحيد ونفى الشرك اى ليس لاحد ان يشفع لاحد عنده الا باذنه وقد اخبر انه لا يأذن في الشفاعة للكفار وهو رد على المعتزلة في انهم لا يرون الشفاعة أصلا والله تعالى أثبتها للبعض بقوله إِلَّا بِإِذْنِهِ وفي التأويلات النجمية هذا الاستثناء راجع الى(1/401)
النبي عليه الصلاة والسلام لان الله قد وعد له المقام المحمود وهو الشفاعة فالمعنى من ذا الذي يشفع عنده يوم القيامة الا عبده محمد فانه مأذون موعود ويعينه الأنبياء بالشفاعة انتهى غم نخورد آنكه شفيعش تويى پايه ده قدر رفيعش تويى حاصلى ار نيست ز طاعت مرا هست اميدى بشفاعت مرا قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (أتاني آت من عند ربى فخيرنى بين ان يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة) - روى- ان الأنبياء عليهم السلام يعينون نبينا صلى الله عليه وسلم يوم القيامة للشفاعة فيأتى الناس اليه فيقول انا لها وهو المقام المحمود الذي وعده الله به يوم القيامة فيأتى ويسجد ويحمد الله بمحامد يلهمه الله تعالى إياها في ذلك الوقت لم يكن يعلمها قبل ذلك ثم يشفع الى ربه ان يفتح باب الشفاعة للخلق فيفتح الله ذلك الباب فيأذن في الشفاعة للملائكة والرسل والأنبياء والمؤمنين فهذا يكون سيد الناس يوم القيامة فانه شفع عند الله ان يشفع الملائكة والرسل ومع هذا تأدب صلى الله عليه وسلم وقال (انا سيد الناس) ولم يقل سيد الخلائق فيدخل الملائكة فى ذلك مع ظهور سلطانه في ذلك اليوم على الجميع وذلك انه صلى الله تعالى عليه وسلم جمع له بين مقامات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم ولم يكن ظهر له على الملائكة ما ظهر لآدم عليهم من اختصاصه بعلم الأسماء كلها فاذا كان في ذلك اليوم افتقر اليه الجميع من الملائكة والناس من آدم فمن دونه في فتح باب الشفاعة واظهار ماله من الجاه عند الله إذ كان القهر الإلهي والجبروت الأعظم قد اخرس الجميع فدل على عظيم قدره عليه السلام حيث اقدم مع هذه الصفة الغضبية الإلهية على مناجاة الحق فيما سأله فيه فاجابه الحق سبحانه كذا في تفسير الفاتحة للمولى الفنارى عليه رحمة الباري واعلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول من يفتح باب الشفاعة فيشفع فى الخلق ثم الأنبياء ثم الأولياء ثم المؤمنون وآخر من يشفع هو ارحم الراحمين فان الرحمن ما شفع عند المنتقم في اهل البلاء الا بعد شفاعة الشافعين الذين لم تظهر شفاعتهم الا بعد شفاعة خاتم الرسل إياهم ليشفعوا ومعنى شفاعة الله سبحانه هو انه إذا لم يبق في النار مؤمن شرعى أصلا يخرج الله منها قوما علموا التوحيد بالادلة العقلية ولم يشركوا بالله شيأ ولا آمنوا ايمانا شرعيا ولم يعملوا خيرا قط من حيث ما اتبعوا فيه
نبيا من الأنبياء فلم يكن عندهم ذرة من ايمان فيخرجهم ارحم الراحمين فاعرف هذا فانه من الغرائب أفاده لى شيخى العلامة إفادة كشفية وصادفته ايضا فى تفسير الفاتحة للمولى الفنارى اللهم اغفر وارحم وأنت ارحم الراحمين يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ استئناف آخر لبيان احاطة علمه بأحوال خلقه المستلزم لعلمه بمن يستحق الشفاعة ومن لا يستحقها اى يعلم ما كان قبلهم من امور الدنيا وما يكون بعدهم من امر الآخرة او ما بين أيديهم يعنى الآخرة لانهم يقدمون عليها وما خلفهم الدنيا لانهم يخلفونها وراء ظهورهم او ما بين أيديهم من السماء الى الأرض وما خلفهم يريد ما في السموات او ما بين أيديهم بعد انقضاء آجالهم وما خلفهم اى ما كان قبل ان يخلقهم او ما فعلوه من خير وشر وقدموه وما يفعلونه بعد ذلك والمقصود بهذا الكلام بيان انه عالم بأحوال الشافع والمشفوع له فيما يتعلق باستحقاق الثواب والعقاب. والضمير لما في السموات وما في الأرض لان فيهم العقلاء فغلب(1/402)
من يعقل على غيره او لما دل عليه من ذا من الملائكة والأنبياء فيكون للعقلاء خاصة وَلا يُحِيطُونَ اى لا يدركون يعنى من الملائكة والأنبياء وغيرهم بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ اى من معلوماته إِلَّا بِما شاءَ ان يعلموه وان يطلعهم عليه كاخبار الرسل فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول وانما فسرنا العلم بالمعلوم لان علمه تعالى الذي هو صفة قائمة بذاته المقدسة لا يتبعض فجعلناه بمعنى المعلوم ليصح دخول التبعيض والاستثناء عليه وفي التأويلات النجمية يَعْلَمُ محمد عليه السلام ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ من الأمور الاوليات قبل خلق الله الخلائق كقوله (أول ما خلق الله نورى) وَما خَلْفَهُمْ من اهوال القيامة وفزع الخلق وغضب الرب وطلب الشفاعة من الأنبياء وقولهم نفسى نفسى وحوالة الخلق بعضهم الى بعض حتى بالاضطرار يرجعون الى النبي عليه السلام لاختصاصه بالشفاعة وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ يحتمل ان تكون الهاء كناية عنه عليه السلام يعنى هو شاهد على أحوالهم يعلم ما بين أيديهم من سيرهم ومعاملاتهم وقصصهم وما خلفهم من امور الآخرة واحوال اهل الجنة والنار وهم لا يعلمون شيأ من معلوماته إِلَّا بِما شاءَ ان يخبرهم عن ذلك انتهى قال شيخنا العلامة أبقاه الله بالسلامة في الرسالة الرحمانية فى بيان الكلمة العرفانية علم الأولياء من علم الأنبياء بمنزلة قطرة من سبعة أبحر وعلم الأنبياء من علم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بهذه المنزلة وعلم نبينا من علم الحق سبحانه بهذه المنزلة انتهى وفي القصيدة البردية وكلهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر او رشفا من الديم وواقفون لديه عند حدهم من نقطة العلم او من شكلة الحكم حاصله ان علوم الكائنات وان كثرت بالنسبة الى علم الله عز وجل بمنزلة نقطة او شكلة ومشربها بحر روحانية محمد صلى الله عليه وسلم فكل رسول ونبى وولى آخذون بقدر القابلية والاستعداد مما لديه وليس لاحد ان يعدوه او يتقدم عليه. قوله النقطة فعلة من نقطت الكتاب نقطا ومعناها الحاصل. والشكلة بالفتح فعلة من شكلت الكتاب قيدته بالاعراب وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ الكرسي ما يجلس عليه من الشيء المركب من خشبات موضوعة بعضها فوق بعض ولا يفضل على مقعد القاعد وكأنه منسوب الى الكرس الذي هو الملبد وهو ما يجعل فيه اللبدة اى لم يضق كرسيه عن السموات والأرض لبسطته وسعته وما هو الا تصوير لعظمته وتمثيل مجرد ولا كرسى في الحقيقة ولا قاعد. وتقريره انه تعالى خاطب الخلق في تعريف ذاته وصفاته بما اعتادوه في ملوكهم وعظمائهم كما جعل الكعبة بيتا له يطوف الناس به كما يطوفون ببيوت ملوكهم وامر الناس بزيارته كما يزور الناس بيوت ملوكهم وذكر في الحجر الأسود انه يمين الله تعالى في ارضه ثم جعله موضعا للتقبيل كما يقبل الناس أيدي ملوكهم وكذلك ما ذكر في محاسبة العباد يوم القيامة من حضور الملائكة والنبيين والشهداء فوضع الميزان وعلى هذا القياس اثبت لنفسه عرشا فقال الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ثم اثبت لنفسه كرسيا فقال وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ والحاصل ان كل ما جاء من الألفاظ الموهمة للتشبيه في العرش والكرسي فقد ورد مثلها بل أقوى منها في الكعبة والطواف وتقبيل
الحجر ولما توافقت(1/403)
الامة هاهنا على ان المقصود تعريف عظمة الله وكبريائه مع القطع بانه تعالى منزه عن ان يكون فى الكعبة ما يوهمه تلك الألفاظ فكذا الكلام في العرش والكرسي. والمعتمد كما قال الامام ان الكرسي جسم بين يدى العرش محيط بالسماوات السبع لان الأرض كرة والسماء الدنيا محيطة بها احاطة قشر البيضة بالبيضة من جميع الجوانب والثانية محيطة بالدنيا وهكذا الى ان يكون العرش محيطا بالكل قال صلى الله عليه وسلم (ما السموات السبع والأرضون السبع من الكرسي الا كحلقة في فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة) ولعله الفلك الثامن وهو المشهور بفلك البروج قال مقاتل كل قائمة من الكرسي طولها مثل السموات السبع والأرضين السبع وهو بين يدى العرش ويحمل الكرسي اربعة املاك لكل ملك اربعة وجوه وأقدامهم في الصخرة التي تحت الأرض السابعة السفلى مسيرة خمسمائة عام. ملك على صورة سيد البشر آدم عليه الصلاة والسلام وهو يسأل للآدميين الرزق والمطر من السنة الى السنة. وملك على صورة سيد الانعام وهو الثور وهو يسأل للانعام الرزق من السنة الى السنة وعلى وجهه غضاضة منذ عبد العجل. وملك على صورة سيد السباع وهو الأسد يسأل للسباع الرزق من السنة الى السنة. وملك على صورة سيد الطير وهو النسر يسأل للطير الرزق من السنة الى السنة وفي التأويلات النجمية اما القول في معنى الكرسي فاعلم ان مقتضى الدين والديانة ان لا يؤول المسلم شيأ من الأعيان مما نطق به القرآن والأحاديث بالمعاني الا بصورها كما جاء وفسرها النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة وعلماء السلف الصالح اللهم الا ان يكون محققا خصصه الله بكشف الحقائق والمعاني والاسرار وإشارات التنزيل وتحقيق التأويل فاذا كوشف بمعنى خاص او اشارة وتحقيق يقدر ذلك المعنى من غير أن يبطل صورة الأعيان مثل الجنة والنار والميزان والصراط وفى الجنة من الحور والقصور والأنهار والأشجار والثمار وغيرها من العرش والكرسي والشمس والقمر والليل والنهار ولا يؤول شيأ منها على مجرد المعنى ويبطل صورته بل يثبت تلك الأعيان كما جاء ويفهم منها حقائق معانيها فان الله تعالى ما خلق شيأ في عالم الصورة الا وله نظير في عالم المعنى وما خلق شيأ في عالم المعنى وهو الآخرة الا وله حقيقة في عالم الحق وهو غيب الغيب فافهم جدا وما خلق في العالمين شيأ الا وله مثال وأنموذج في عالم الإنسان فاذا عرفت هذا فاعلم ان مثال العرش في عالم الإنسان قلبه إذ هو محل استواء الروح عليه ومثال الكرسي سر الإنسان والعجب كل العجب ان العرش مع نسبته الى استواء الرحمانية قيل هو كحلقة ملقاة بين السماء والأرض بالنسبة الى وسعة قلب المؤمن انتهى ما في التأويلات:
وفي المثنوى
كفت پيغمبر كه حق فرموده است ... من نكنجم هيچ در بالا و پست
در زمين وآسمان وعرش نيز ... من نكنجم اين يقين دان اى عزيز
در دل مؤمن بكنجم اى عجب ... گر مرا جويى دران دلها طلب
خود بزركى عرش باشد بس مديد ... ليك صورت كيست چون معنى رسيد(1/404)
وَلا يَؤُدُهُ يقال آده الشيء يئوده إذا أثقله ولحقه منه مشقة مأخوذ من الأود بفتح الواو وهو العوج ويعرض ذلك بالثقل اى لا يثقله ولا يشق عليه تعالى حِفْظُهُما اى حفظ السموات والأرض إذ القريب والبعيد عنده سواء والقليل والكثير سواء وكيف يتعب في خلق الذرة وكل الكون عنده سواء فلا من القليل له تيسر ولا من الكثير عليه تعسر انما امره إذا أراد شيأ ان يقول له كن فيكون وانما لم يتعرض لذكر ما فيهما لان حفظهما مستتبع لحفظه وَهُوَ الْعَلِيُّ اى المتعالي بذاته عن الأشباه والانداد الْعَظِيمُ الذي يستحقر بالنسبة اليه كل ما سواه. فالمراد بالعلو علو القدر والمنزلة لا علو المكان لانه تعالى منزه عن التحيز وكذا عظمته انما هي بالمهابة والقهر والكبرياء ويمنع ان يكون بحسب المقدار والحجم لتعالى شأنه من ان يكون من جنس الجواهر والأجسام. والعظيم من العباد الأنبياء والأولياء والعلماء الذين إذا عرف العاقل شيأ من صفاتهم امتلأ بالهيبة صدره وصار متشوقا بالهيبة قلبه حتى لا يبقى فيه متسع فالنبى عليه السلام عظيم في حق أمته والشيخ عظيم في حق مريده والأستاذ في حق تلميذه إذ يقصر عقله عن الإحاطة بكنه صفاته فان ساواه أو جاوزه لم يكن عظيما بالاضافة اليه. وهذه الآية الكريمة منطوية كما ترى على أمهات المسائل الإلهية المتعلقة بالذات العلية والصفات الحلية فانها ناطقة بانه تعالى موجود متفرد بالآلهية متصف بالحياة واجب الوجود لذاته موجد لغيره لما ان القيوم هو القائم بذاته المقيم لغيره منزه عن التحيز والحلول مبرأ من التغير والفتور لا مناسبة بينه وبين الأشباح ولا يعتريه ما يعترى النفوس والأرواح مالك الملك والملكوت ومبدع الأصول والفروع ذو البطش الشديد لا يشفع عنده الا من اذن له فهو العالم وحده بجميع الأشياء جليها وخفيها كليها وجزئيها واسع الملك والقدرة لكل ما من شأنه ان يملك ويقدر عليه ولا يشق عليه شاق ولا يشغله شأن عن شأن متعال عما تناله الأوهام عظيم لا تحدق به الافهام ولذلك قال عليه السلام (ان أعظم آية في القرآن آية الكرسي من قرأها بعث الله ملكا يكتب من حسناته ويمحو من سيآته الى الغد من تلك الساعة) يعنى انما صارت آية الكرسي أعظم الآيات لعظم مقتضاها فان الشيء انما يشرف بشرف ذاته ومقتضاه ومتعلقاته وآية الكرسي اقتضت التوحيد في خمسين حرفا وسورة الإخلاص فى خمسة عشر حرفا قال الامام في الإتقان اشتملت آية الكرسي على ما لم تشتمل عليه آية فى اسماء الله تعالى وذلك انها مشتملة على سبعة عشر موضعا فيها اسم الله تعالى ظاهرا في بعضها ومستكنا في بعض وهي الله هو الحي القيوم وضمير لا تأخذه وله وعنده وباذنه ويعلم وعلمه وشاء وكرسيه ويئوده وضمير حفظهما المستتر الذي هو فاعل المصدر وهو العلى العظيم ويكفى فى استحقاقها السيادة ان فيها الحي القيوم وهو الاسم الأعظم كما ورد به الخبر عن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وتذاكر الصحابة أفضل ما في القرآن فقال لهم على اين أنتم عن آية الكرسي ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا على سيد البشر آدم وسيد العرب محمد ولا فخر وسيد الفرس سلمان وسيد الروم صهيب وسيد الحبشة بلال وسيد الجبال الطور وسيد الأيام يوم الجمعة وسيد الكلام القرآن وسيد القرآن البقرة وسيد البقرة آية الكرسي) وعن على(1/405)
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)
كرم الله وجهه عن النبي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما قرئت هذه الآية فى دار الا اهتجرتها الشياطين ثلاثين يوما ولا يدخلها ساحر ولا ساحرة أربعين ليلة يا على علمها ولدك وأهلك وجيرانك فما نزلت آية أعظم منها) وعن على ايضا سمعت نبيكم على أعواد المنبر وهو يقول (من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة الا الموت ولا يواظب عليها الا صديق او عابد ومن قرأها إذا أخذ مضجعه آمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله) عن محمد بن ابى بن كعب عن أبيه ان أباه أخبره انه كان له جرن فيه خضر فكان يتعاهده فوجده ينقص فحرسه ذات ليلة فاذا هو بدابة تشبه الغلام المحتلم قال فسلمت فرددت عليها السلام وقلت من أنت جن أم انس قالت جن قلت ناولينى يدك فناولتنى يدها فاذا يد كلب وشعر كلب فقلت هكذا خلقة الجن قالت لقد علمت الجن ما فيهم أشد منى قلت ما حملك على ما صنعت قالت بلغني انك رجل تحب الصدقة فاحببنا ان نصيب من طعامك فقال لها أبيّ فما الذي يجيرنا منكم قالت هذه الآية التي في سورة البقرة الله لا اله الا هو الحي القيوم من قالها حين يصبح أجير منا حتى يمسى ومن قالها حين يمسى أجير منا حتى يصبح فلما أصبح أتى النبي عليه السلام فاخبره فقال النبي عليه السلام (صدق الخبيث) وروى ان رجلا أتى شجرة او نخلة فسمع فيها حركة فتكلم فلم يجب فقرأ آية الكرسي فنزل اليه شيطان فقال ان لنا مريضا فبم نداويه قال بالذي أنزلتني به من الشجرة وخرج زيد بن ثابت الى حائط له فسمع فيه جلبة فقال ما هذا قال رجل من الجان أصابتنا السنة فاردنا ان نصيب من ثماركم أفتطيبونها قال نعم فقال له زيد بن ثابت ألا تخبرني ما الذي يعيذنا منكم قال آية الكرسي وبالجملة ان آية الكرسي من أعظم ما ينتصر به على الجن فقد جرب المجربون الذين لا يحصون كثرة ان لها تأثيرا عظيما في طرد الشياطين عن نفس الإنسان وعن المصروع وعمن تعينه الشياطين مثل اهل الشهوة والطرب وارباب سماع المكاء والتصدية واهل الظلم والغضب إذا قرئت عليهم بصدق كما في آكام المرجان في احكام الجان
دل پر درد را دوا قرآن ... جان مجروح را شفا قرآن
هر چهـ جويى ز نص قرآن جو ... كه بود كنج علمها قرآن
وانما قال إذا قرئت عليهم بصدق لانه هو العمدة والصادق يبيض وجهه والكاذب يسود ألا ترى الى الصبح الصادق والكاذب كيف أعقب الاول شمس منير دون الثاني: قال فى المثنوى
هست تسبيحت بخار آب وكل ... مرغ جنت شد ز نفخ صدق دل
وكل ما وقع بطريق الحال وجد عنده التأثير بخلاف ما وقع بطريق القال فقط ولذا ترى اكثر الناس محرومين وان دعوا بالاسم الأعظم اللهم آت نفسى تقواها وزكها أنت خير من زكاها آمين لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قال بعضهم نزلت هذه الآية في المجوس واهل الكتاب من اليهود والنصارى انه تقبل منهم الجزية ولا يكرهون على الإسلام ليس كمشركى العرب فانه لا يقبل منهم الا السيف او الإسلام ولا تقبل منهم الجزية ان اسلموا فيها والا قتلوا قال الله(1/406)
تعالى تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ والمعنى لا إجبار في الدين لان من حق العاقل ان لا يحتاج الى التكليف والإلزام بل يختار الدين الحق من غير تردد وتلعثم لوضوح الحجة قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ هو لفظ جامع لكل خير والمراد هاهنا الايمان الذي هو الرشد الموصل الى السعادة الابدية لتقدم ذكر الدين مِنَ الْغَيِّ اى من الكفر الذي هو المؤدى الى الشقاوة السرمدية قال الراغب الغى كالجهل يقال اعتبارا بالاعتقاد والغى اعتبارا بالافعال ولهذا قيل زوال الجهل بالعلم وزوال الغى بالرشد فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ هو كل ما عبد من دون الله مما هو مذموم في نفسه ومتمرد كالانس والجن والشياطين وغيرهم فلا يرد عيسى عليه الصلاة والسلام والكفر به عبارة عن الكفر باستحقاقه العبادة وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ بالتوحيد وتصديق الرسل لان الكفر بالأنبياء والكتب يمنع حقيقة الايمان بالله لان الايمان بالله حقيقة يستلزم الايمان باوامره ونواهيه وشرائعه المعلومة بالدلائل التي أقامها الله لعباده وتقديم الكفر بالطاغوت على الايمان به تعالى لتوقفه عليه فان التخلية بالمعجمة متقدمة على التحلية بالمهملة فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى اى بالغ في التمسك بالحلقة الوكيدة. وعروة الجسم الكبير الثقيل الموضع الذي يتعلق به من يأخذ ذلك الجسم ويحمله. والوثقى فعلى للتفضيل تأنيث الأوثق كفضلى تأنيث الأفضل لَا انْفِصامَ لَها اى لا انقطاع وهو استئناف لبيان قوة دلائل الحق بحيث لا يعتريها شىء من الشبه والشكوك فان العروة الوثقى استعارة المحسوس للمعقول لان من أراد إمساك هذا الدين تعلق بالدلائل الدالة عليه ولما كانت دلائل الإسلام أقوى الدلائل وأوضحها وصفها الله بانها العروة الوثقى قال المولى ابو السعود الكلام تمثيل مبنى على تشبيه الهيئة المنتزعة من ملازمة الاعتقاد الحق الذي لا يحتمل النقيض أصلا لثبوته بالبراهين النيرة القطعية بالهيئة الحسية المنتزعة من التمسك بالحبل المحكم المأمون انقطاعه فلا استعارة في المفردات وَاللَّهُ سَمِيعٌ بالأقوال عَلِيمٌ بالعزائم والعقائد يعلم غيها ورشدها وباطلها وحقها ويجرى كلا على وفق عمله وقوله وعقده وهو ابلغ وعد ووعيد واعلم ان حقيقة الايمان كونه متعلقا بالله على وجه الشهود والعيان ومجازه كونه متعلقا به على وجه الرسم والبيان او بالطاغوت وحقيقة الكفر كونه متعلقا بالطاغوت ومجازه كونه متعلقا بوحدة الله او بنعمته فان الكفر ثلاثة اقسام كفر النعمة وكفر الوحدة وكفر الطاغوت وافراد الإنسان ثلاثة اقسام ايضا اصحاب الميمنة وهم ارباب الجمال ومظاهره واصحاب المشأمة وهم ارباب الجلال ومظاهره والمقربون وهم اصحاب الكمال ومظاهره وقلوب الفريق الاول في أيدي سدنة الجمال الإلهي من الملائكة المقربين وقلوب الفريق الثاني في أيدي سدنة الجلال الإلهي من الشياطين المتمردين يستعملونها في سبيل الشرور وقلوب الفريق الثالث في يد الله الملك المتعال يد الله فوق أيدي سدنة الجمال والجلال يقلبها كيف يشاء بين التجليات العاليات والعلوم والمعارف الآلهيات ولما تعلق ايمان هذه الفرق بالله على وجه الشهود والعيان وتعلق كفرهم بالطاغوت جليا او خفيا كان ايمانهم وكفرهم حقيقيين وجاوزوا من عالم المجاز الى عالم الحقيقة واما الفريق الثاني فقد تعلق ايمانهم بالطاغوت مطلقا جليا او خفيا وكفرهم بالوحدة والنعمة فكان ايمانهم وكفرهم مجازيين لكن ايمانهم(1/407)
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)
مردود ككفرهم لانه لم يتعلق بالله أصلا بل كان كله مقصورا على الطاغوت ولذا لم يتجاوزوا من عالم المجاز أصلا ولم يصلوا الى قرب عالم الحقيقة جدا فضلا عن وصولهم الى عالم الحقيقة قطعا واما الفريق الاول فلما تعلق ايمانهم بالله على وجه الرسم والبيان لا بالطاغوت الجلى جدا ولم يتعلق ايمانهم به على وجه الشهود ولم يتعلق ايمانهم به على الإخلاص حين تعلق به على وجه الرسم والبيان لتعلقه ايضا بالطاغوت الخفي وتعلق كفرهم بالطاغوت الجلى فقط لا بالطاغوت الخفي كان ايمانهم وكفرهم مجازيين ايضا لكن ايمانهم لم يكن ككفرهم مردودا بل كان مقبولا من وجه لعدم تعلقه بالطاغوت الجلى أصلا فان غلب تعلقه بالله على تعلقه بالطاغوت الخفي عند خاتمته فيدخل في الفلاح ثم في الآخرة ان تداركه الفضل الإلهي فيها ونعمت فيغفر والا فيدخل الجحيم ويعذب بكفره الخفي ثم يخرج لعدم كفره بالله جليا ويدخل النعيم لايمانه بالله جليا وكفره بالطاغوت وهم ايضا لم يصلوا الى عالم الحقيقة بل انما وصلوا الى قربه ولذا جاوزوا الجحيم ودخلوا النعيم في قرب عالم الحقيقة ولذا كانوا بالنسبة الى نفس الحقيقة موطنين في عالم المجاز والفرقة لا في عالم الحقيقة والوصلة واما الفريق الثاني فهم مخلدون في النار ابدا لايمانهم بالطاغوت مطلقا وكفرهم بالله كذلك ثم سعادة الفريق الثالث على ما هو المنصوص في القرآن قطعية الثبوت في آخر النفس وشقاوة الفريق الثاني وسعادة الفريق الاول ليست قطعية الثبوت بل محتملة الثبوت في آخر النفس بالنظر الى الافراد لجواز التبدل والتغير في عاقبة الأمر الدنيوي بالنظر الى افرادهم هذا ما التقطته من الكتاب المسمى باللائحات البرقيات لشيخى العلامة أبقاه الله بالسلامة اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا اى محبهم ومعينهم او متولى أمورهم لا يكلهم الى غيره. فالولى قد يكون باعتبار المحبة والنصرة فيقال للمحب ولى لانه يقرب من حبيبه بالنصرة والمعونة لا يفارقه وقد يكون باعتبار التدبير والأمر والنهى فيقال لاصحاب الولاية ولى لانهم يقربون القوم بان يدبروا أمورهم ويراعوا مصالحهم ومهماتهم والمعنى الله ولى الذين أراد ايمانهم وثبت في علمه انهم يؤمنون في الجملة مآلا او حالا وانما اخرج عن ظاهره لان إخراج المؤمن بالفعل من الظلمات تحصيل الحاصل يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ التي هي أعم من ظلمات الكفر والمعاصي وظلمات الشبه والشكوك بل مما في بعض مراتب العلوم الاستدلالية من نوع ضعف وخفاء بالقياس الى مراتبها القوية الجلية بل مما في جميع مراتبها بالنظر الى مرتبة العيان إِلَى النُّورِ الذي يعم نور الايمان ونور الإيقان بمراتبه ونور العيان اى يخرج بهدايته وتوفيقه كل واحد منهم من الظلمة التي وقع فيها الى ما يقابلها من النور. وجمع الظلمات لان فنون الضلالة متعددة والكفر ملل وأفرد النور لان الإسلام دين واحد ويسمى الكفر ظلمة لالتباس طريقه ويسمى الإسلام نورا لوضوح طريقه وَالَّذِينَ كَفَرُوا اى الذين ثبت في علمه كفرهم أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ اى الشياطين وسائر المضلين عن طريق الحق من الكهنة وقادة الشر وان حمل على الأصنام التي هي جمادات فالمعنى لا يكون على الموالاة الحقيقية التي هي المصادقة او تولى الأمر بل يكون على ان الكفار يتولونهم اى يعتقدونهم ويتوجهون إليهم. والطاغوت تذكر وتؤنث وتوحد وتجمع(1/408)
يُخْرِجُونَهُمْ بالوساوس وغيرها من طريق الإضلال والإغواء مِنَ النُّورِ اى الايمان الفطري الذي جبلوا عليه كافة إِلَى الظُّلُماتِ اى ظلمات الكفر وفساد الاستعداد والانهماك في الشهوات او من نور اليقينيات الى ظلمات الشكوك والشبهات واسناد الإخراج الى الطاغوت مجاز لكونها سببا له وذلك لا ينافى كون المخرج حقيقة هو الله تعالى فالآية لا تصلح ان تكون متمسكا للمعتزلة فيما ذهبوا اليه من ان الكفر ونحوه مما لا يكون أصلح للعبد ليس من الله تعالى بناء على انه أضاف الكفر الى الطاغوت لا الى نفسه أُولئِكَ اشارة الى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة وما يتبعه من القبائح أَصْحابُ النَّارِ اى ملابسوها وملازموها بسبب مالهم من الجرائم هُمْ فِيها خالِدُونَ ما كثون ابدا ولم يقل بعد قوله يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ أولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون تعظيما لشأن المؤمنين لان البيان اللفظي لا يفى بما أعد لهم في دار الثواب واعلم ان مراتب المؤمنين في الايمان متفاوتة وهم ثلاث طوائف. عوام المؤمنين. وخواصهم
. وخواص الخواص فالعوام يخرجهم الله من ظلمات الكفر والضلالة الى نور الايمان والهداية كقوله تعالى وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً والخواص يخرجهم من ظلمات الصفات النفسانية والجسمانية الى نور الروحانية الربانية كقوله تعالى الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ واطمئنان القلب بالذكر لم يكن الا بعد تصفيته عن الصفات النفسانية وتحليته بالصفات الروحانية وخواص الخواص يخرجهم من ظلمات حدوث الحلقة الروحانية بافنائهم عن وجودهم الى نور تجلى صفة القدم لهم ليبقيهم به كقوله تعالى إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً الآية نسبهم الى الفتوة لما خاطروا بأرواحهم في طلب الحق وآمنوا بالله وكفروا بطاغوت دقيانوس فلما تقربوا الى الله بقدم الفتوة تقرب إليهم بمزيد العناية فاخرجهم من ظلمات النفسانية الى نور الروحانية فلما تنورت أنفسهم بانوار أرواحهم اطمأنت الى ذكر الله وآنست به واستوحشت عن محبة اهل الدنيا وما فيها فاحبوا الخلاء كما كان حال النبي عليه الصلاة والسلام فى بدء الأمر قالت عائشة رضى الله عنها أول ما بدئ به عليه الصلا والسلام كان حبب اليه الخلاء ولعمرى هذا دأب كل طالب محق مريد صادق كذا في التأويلات النجمية قال الفخر الرازي بطريق الاعتراض ان جمعا من الصوفية يقولون الاشتغال بغير الله حجاب عن معرفة الله والأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يدعون الخلق الا الى الطاعات والتكاليف فهم يشغلون الخلق بغير الله ويمنعونهم عن الاشتغال بالله فوجب ان لا يكون ذلك حقا وصدقا انتهى كلامه يقول الفقير جامع هذه المجالس النفيسة هذا الاعتراض ليس بشئ فان الطاعات والتكاليف وسائل الى معرفة الله الملك اللطيف فالدعوة ليست الا الى معرفة الله حقيقة ألا يرى الى تفسير ابن عباس رضى الله عنهما عند قوله تعالى وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ بقوله ليعرفون وانما عدل عنه الى ليعبدون مع انه خلاف مقتضى الظاهر حينئذ اشعارا بان المعرفة المقبولة هي التي تحصل بطريق العبادة فالاشتغال بغير الله وبغير عبادته حجاب أي حجاب ولذلك(1/409)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
كان بدء حال السلف الخلاء والانقطاع عن الناس اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم واهتماما فى رفع الحجاب الحاصل بالاختلاط: وفي المثنوى
آدمي راهست در هر كار دست ... ليك ازو مقصود اين خدمت بدست «1»
ما خلقت الجن والانس اين بخوان ... جز عبادت نيست مقصود از جهان
ناجلا باشد مران آيينه را ... كه صفا آيد ز طاعت سينه را «2»
أَلَمْ تَرَ اى ألم ينته علمك الذي يضاهى العيان في الإيقان وحقيقته اعلم باخبارنا فانه مفيد لليقين إِلَى الَّذِي اى الى قصة الملك الذي حَاجَّ اى جادل وخاصم وقابل بالحجة إِبْراهِيمَ فى معارضة ربوبيته فِي رَبِّهِ وفي التعرض لعنوان الربوبية مع ان الاضافة الى ضميره عليه الصلاة والسلام تشريف له وإيذان بتأييده في المحاجة والذي حاج هو نمرود ابن كنعان بن سام بن نوح وهو أول من وضع التاج على رأسه وتجبر وادعى الربوبية أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ اى لان آتاه فهو مفعول له لقوله حاج. وله معنيان. أحدهما انه من باب العكس في الكلام بمعنى انه وضع المحاجة موضع الشكر إذ كان من حقه ان يشكر في مقابلة إيتاء الملك ولكنه عكس ما هو الحق الواجب عليه كما تقول عادانى فلان لانى أحسنت اليه تريد انه عكس ما كان يجب عليه من الموالاة لاجل الإحسان. والثاني ان إيتاء الملك حمله على ذلك لانه أورثه الكبر والبطر فنشأ عنهما المحاجة والمعنى أعطاه كثرة المال واتساع الحال وملك جميع الدنيا على الكمال قال مجاهد لم يملك الدنيا بأسرها الا اربعة مسلمان وكافران فالمسلمان سليمان وذو القرنين والكافران نمرود وبخت نصر وهو شداد بن عاد الذي بنى ارم في بعض صحارى عدن. ثم هو حجة على من منع إيتاء الله الملك للكافر وهم المعتزلة لان مذهبهم وجوب رعاية الأصلح للعبد على الله وإيتاء الله الملك للكافر تسليط له على المؤمنين وذلك ليس بأصلح لحال المؤمن قلنا انما ملكه امتحانا له ولعباده إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ ظرف لحاج رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ روى انه عليه السلام لما كسر الأصنام سجنه ثم أخرجه ليحرقه فقال من ربك الذي تدعونا اليه قال رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ اى يخلق الحياة والممات فى الأجساد وجواب ابراهيم في غاية الصحة لانه لا سبيل الى معرفة الله الا بمعرفة صفاته وأفعاله التي لا يشاركه فيها أحد من القادرين والاحياء والاماتة من هذا القبيل قالَ كأنه قيل كيف حاجة في هذه المقالة القوية الحقة فقيل قال أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ روى انه دعا برجلين قد حبسهما فقتل أحدهما واطلق الآخر فقال قد أحييت هذا وامت هذا فجعل ترك القتل احياء وكان هذا تلبيسا منه قالَ إِبْراهِيمُ كأنه قيل فماذا قال ابراهيم لمن في هذه الرتبة فى المحاجة وبماذا أفحمه فقيل قال فَإِنَّ اللَّهَ جواب شرط مقدر تقديره قال ابراهيم إذا ادعيت الاحياء والاماتة وأتيت بمعارضة مموهة ولم تعلم معنى الاحياء فالحجة ان الله يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ تحريكا قسريا حسبما تقتضيه مشيئته والباء للتعدية فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ تسييرا طبيعيا فانه أهون ان كنت قادرا على مثل مقدوراته تعالى ولم يلتفت عليه السلام الى ابطاله مقالة اللعين إيذانا بان بطلانها من الجلاء والظهور بحيث لا يكاد يخفى على أحد وان التصدي
__________
(1) در اواسط دفتر سوم در بيان حكمت در آفريدن دوزخ إلخ
(2) در أوائل دفتر پنجم در بيان آنكه لطفها در قهرها پنهان است وقهرها در لطفها إلخ(1/410)
بابطالها من قبيل السعى في تحصيل الحاصل واتى بمثال لا يجد اللعين فيه مجالا للتمويه والتلبيس فهو عدول عن مثال الى مثال آخر لايضاح كلامه وليس انتقالا من دليل الى دليل آخر لان ذلك غير محمود في باب المناظرة فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ اى صار مبهوتا ومتحيرا مدهوشا وإيراد الكفر في حيز الصلة للاشعار بعلة الحكم والتنصيص على كون المحاجة كفرا قال فى اسئلة الحكم الحكمة في طلوع شمس قرب القيامة من مغربها ان ابراهيم عليه الصلاة والسلام قال لنمرود فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وان السحرة والمنجمة عن آخرهم ينكرون ذلك وانه غير كائن فيطلعها الحق يوما من المغرب ليرى المنكرين قدرته وان الشمس في ملكه ان شاء اطلعها من المشرق او المغرب وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ اى الذين ظلموا أنفسهم بتعريضها للعذاب المخلد بسبب اعراضهم عن قبول الهداية الى مناهج الاستدلال اى عن قبول الدلائل القطعية الدالة على الحق دلالة واضحة بالغة فى الوضوح والقوة الى حيث جعل الخصم مبهوتا متحيرا فمن ظلم نفسه بالامتناع عن قبول مثل هذه الدلائل لا يجعله الله مهتديا بها لان المعتبر في دار التكليف ان يهتدى وقت اختيارهم الكفر والظلم اى لا يخلق فيهم فعل الهداية وهم يختارون فعل الضلال ويحتمل انه لا يهدى طريق الجنة في الآخرة من كفر بالله في الدنيا- روى- ان النمرود لما عتا عتوا كبيرا والقى ابراهيم فى النار بعد هذه المحاجة سلط الله على قومه البعوض فاكلت لحومهم وشربت دماءهم فلم يبق الا العظام والنمرود كما هو لم يصبه شىء فبعث الله بعوضة فدخلت في منخره فمكث اربعمائة سنة تضرب رأسه بالمطارق فعذبه الله اربعمائة سنة كما ملك اربعمائة سنة وهو الذي بنى صرحا الى السماء ببابل فاتى الله بنياهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم: قال الشيخ العطار قدس سره
سوى او خصمى كه تير انداخته ... پشه كارش كفايت ساخته
والاشارة ان الله تعالى اعطى النمرود ملكا ما اعطى لاحد قبله ادعى الربوبية ما ادعى بها أحد قبله وذلك ان الله اعطى الإنسان حسن استعداد لطلب الكمال فمن حسن استعداده في الطلب وغاية لطافته في الجوهر دائم الحركة في طلب الكمال فحيثما توجه الكمال أخذ في السير فيها الى أقصى مراتبها في العلوي والسفلى فان وكل الى نفسه في طلب الكمال فينظر بنظر الحواس الخمس الى المحسوسات وهي الدنيا فلا يتصور الا الدنيا فلا يتصور الكمال الا فيها فيأخذ فى السير لطلب الكمال وهذا السير موافق لسيره الطبيعي لانه خلق من تراب والتراب سفلى الطبع فيميل الى السفليات طبعا والدنيا هي السفل فيسير فيها بقدمي الطبع وطلب الكمال ففى البداية يرى الكمال في جمع المال فيجمعه ثم يرى الكمال في الجاه فيصرف المال في طلب الجاه ثم يرى الكمال في المناصب والحكم ثم يرى في الامارة والسلطنة فيسير فيها ما لم يكن مانع الى ان يملك الدنيا بأسرها كما كان حال النمرود ثم لا يسكن جوهر الإنسان في طلب الكمال بل كلما ازداد استغناؤه ازداد حرصه وكلما ازداد حرصه ازداد طلبه الى ان لا يبقى شىء من السفليات دون ان يملكه ثم يقصد العلويات والى الآن كان ينازع ملوك الأرض والآن ينازع ملك الملوك ومالك الملك في السموات والأرض فيدعى الربوبية كالنمرود فانه كان سبب(1/411)
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)
طغيانه استغناؤه قال تعالى إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى فاذا كمل استغناؤه كمل طغيانه حتى يكفر بالنعمة فهذا كله عند فساد جوهره لما وكل الى نفسه وإذا أصلح جوهره بالتربية ولم يكله الى نفسه هدى الى جهة الكمال المستعد له كقوله أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ فصاحب التربية وهو النبي او خليفته وهو الشيخ المرشد يربيه وتربيته في تبرئته مما سوى الله الى ان بلغ حد كماله فى طلب الكمال وهو إفناء الوجود في وجود الموجود ليكون مفقودا عن وجوده موجودا بموجده فلما كان يقول عند فساد الجوهر وابطال حسن الاستعداد بالكمال انا احيى وأميت فيقول عند صلاح الجوهر وصرف حسن الاستعداد في طلب الكمال ما في الوجود سوى الله فالمجد يدق بمطرقة لا اله الا الله دماغ نمرود النفس الى ان يؤمن بالله ويكفر بطاغوت وجوده ووجود كل موجود سوى الله والله لا يهدى القوم المشركين الى عالم التوحيد والشرك ظلم عظيم فبالشرك ضل من ضل فزل عن الصراط المستقيم كذا في التأويلات النجمية فعلى العاقل ان يتخلص من الشرك الخفي ويزكى نفسه عن سفساف الأخلاق ولا يغتر بالمال والمنال بل يرجع الى الله الملك المتعال وقد وجدت صخرة عظيمة وعليها اسطر قديمة. فرحك بشئ من الدنيا دليل على بعدك من الله. وسكونك الى ما في يدك دليل على قلة ثقتك بالله. ورجوعك الى الناس في حال الشدة دليل على انك لم تعرف الله انتهى: قال السعدي قدس سره
شنيدم كه جمشيد فرخ سرشت ... بسر چشمه بر بسنكى نوشت
برين چشمه چون ما بسى دم زدند ... برفتند چون چشم بر هم زدند
كرفتيم عالم بمردى وزور ... وليكن نبرديم با خود بكور
برفتند وهر كس درود آنچهـ كشت ... نماند بجز نام نيكو وزشت
اللهم اجعلنا من الذين طال عمرهم وحسن عملهم وقصر أملهم وكمل عقلهم أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ عطف على قوله ألم تر وتقديره او رأيت مثل الذي فعل كذا اى ما رأيت مثله فتعجب منه وتخصيصه بحرف التشبيه لان المنكر للاحياء كثير والجاهل بكيفيته اكثر من ان يحصى بخلاف مدعى الربوبية. والمار هو عزير بن شرخيا والقرية بيت المقدس على الأشهر الأظهر واشتقاقها من القرى وهو الجمع- روى- ان بنى إسرائيل لما بالغوا في تعاطى الشر والفساد سلط الله عليهم بخت نصر البابلي فسار إليهم في ستمائة الف راية حتى وطئ الشام وخرب بيت المقدس وجعل بنى إسرائيل أثلاثا ثلثا منهم قتلهم وثلثا منهم اقرهم بالشام وثلثا منهم سباهم وكانوا مائة الف غلام يافع وغير يافع فقسمهم بين الملوك الذين كانوا معه فاصاب كل ملك منهم اربعة غلمة وكان عزير من جملتهم فلما نجاه الله منهم بعد حين مر بحماره على بيت المقدس فرآه على أفظع مرأى وأوحش منظر وذلك قوله تعالى وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها اى خالية عن أهلها وساقطة على سقوفها بان سقطت العروش ثم الحيطان سقطت عليها من خوت المرأة وخويت خوى اى خلا جوفها عند الولادة وخوت الدار خواء بالمد وخوى البيت خوى بالقصر اى سقط والعرش سقف البيت ويستعمل في كل ما هيئ ليستظل به قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها اى يعمر الله تعالى هذه القرية بعد خرابها على هذا(1/412)
الوجه إذ ليس المراد بالقرية أهلها بل نفسها بدليل قوله وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها لم يقله على سبيل الشك في القدرة بل على سبيل الاستبعاد بحسب العادة فَأَماتَهُ اللَّهُ اى جعله ميتا مِائَةَ عامٍ- روى- انه لما دخل القرية نزل تحت ظل شجرة وهو على حمار فربط حماره وطاف فى القرية ولم يربها أحدا فقال ما قال وكانت أشجارها قد أثمرت فتناول من فواكهها التين والعنب وشرب من عصير العنب ونام فاماته الله في منامه وهو شاب وكان معه شىء من التين والعنب والعصير وكانت هذه الاماتة عبرة لا انقضاء مدة كاماتة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف وأمات حماره ايضا ثم أعمى الله عن جسده وجسد حماره أبصار الانس والسباع والطير فلما مضى من موته سبعون سنة وجه الله ملكا عظيما من ملوك فارس يقال له يوشك الى بيت المقدس ليعمره ومعه الف قهرمان مع كل قهرمان ثلاثمائة الف عامل فجعلوا يعمرون وأهلك الله بخت نصر ببعوضة دخلت دماغه ونجى الله من بقي من بنى إسرائيل وردهم الى بيت المقدس وتراجع اليه من تفرق منهم في الأكناف فعمروه ثلاثين سنة وكثروا وكانوا كاحسن ما كانوا فلما تمت المائة من موت العزير أحياه الله تعالى وذلك قوله تعالى ثُمَّ بَعَثَهُ من بعثت الناقة إذا أقمتها من مكانها ويوم القيامة يسمى يوم البعث لانهم يبعثون من قبورهم وانما قال ثم بعثه ولم يقل ثم أحياه لان قوله ثم بعثه يدل على انه عاد كما كان اولا حيا عاقلا فاهما مستعدا للنظر والاستدلال فى المعارف الإلهية ولو قال ثم أحياه لم تحصل هذه الفوائد قالَ كأنه قيل فماذا قال بعد بعثه فقيل قال الله تعالى او ملك مأمور من قبله تعالى كَمْ يوما او وقتا لَبِثْتَ يا عزير ليظهر له عجزه عن الإحاطة بشئونه تعالى وان إحياءه ليس بعد مدة يسيرة ربما يتوهم انه هين فى الجملة بل مدة طويلة وتنحسم به مادة استبعاده بالمرة ويطلع في تضاعيفه على امر آخر من بدائع آثار قدرته تعالى وهو ابقاء الغذاء المتسارع الى الفساد بالطبع على ما كان عليه دهرا طويلا من غير تغير ما قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ كقول الظان قاله بناء على التقريب والتخمين او استقصار المدة لبثه قالَ ما لبثت ذلك المقدار بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ يعنى كنت ميتا هذه المدة فَانْظُرْ لتعاين امرا آخر من دلائل قدرتنا إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ اى لم يتغير في هذه المدة المتطاولة مع تداعيه الى الفساد- روى- انه وجد تينه وعنبه كما جنى وعصيره كما عصر والجملة المنفية حال بغير واو من الطعام والشراب لان المضارع المنفي إذا وقع حالا يجوز ان يكون بالواو
وبدونها وافراد الضمير مع ان الظاهر ان يقال لم يتسنها او لم يتسنيا لان المذكور قبله شيآن الطعام والشراب لجريانهما مجرى الواحد كالغذاء. والهاء في لم يتسنه ان كانت اصلية فهو من السنة التي أصلها سنهة وان كانت هاء سكت فهو من السنة التي أصلها سنوة واستعمال لم يتسنه في معنى لم يتغير من قبيل استعمال اللفظ في لازم معناه لان المعنى الأصلي لقولنا تسنه او تسنى مرت عليه السنون والأعوام ويلزمه التغير وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ كيف نخرت عظامه وتفرقت وتقطعت أوصاله وتمزقت ليتبين لك ما ذكر من لبثك المديد وتطمئن به نفسك وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً كائنة لِلنَّاسِ الواو استئنافية واللام متعلقة بمحذوف والتقدير فعلنا ذلك اى احياءك واحياء حمارك وحفظ ما معك من الطعام والشراب لنجعلك آية للناس(1/413)
الموجودين في هذا القرن بان يشاهدوك وأنت من اهل القرون الخالية ويأخذوا منك ما طوى عنهم منذ احقاب من علم التوراة وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ تكرير الأمر مع ان المراد عظام الحمار ايضا لما ان المأمور به اولا هو النظر إليها من حيث دلالتها على ما ذكر من اللبث المديد وثانيا هو النظر إليها من حيث تعتريها الحياة ومباديها اى وانظر الى عظام الحمار لتشاهد كيفية الاحياء في غيرك بعد ما شاهدت نفسه في نفسك كَيْفَ نُنْشِزُها يقال انشزته فنشز اى رفعته فارتفع اى نرفع بعضها من الأرض الى بعض ونردها الى أماكنها من الجسد فتركبها تركيبا لائقا بها. والجملة حال من العظام والعامل فيها انظر تقديره انظر الى العظام محياة او بدل من العظام على حذف المضاف والتقدير انظر الى حال العظام ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً اى نسترها به كما يستر الجسد باللباس وانما وحد اللحم مع جمع العظام لان العظام متفرقة متعددة صورة واللحم متصل متحد مشاهدة ولعل عدم التعرض لكيفية نفخ الروح لما انها مما لا تقتضى الحكمة بيانه- روى- انه سمع صوتا من السماء أيتها العظام البالية المتفرقة ان الله يأمرك ان ينضم بعضك الى بعض كما كان وتكتسى لحما وجلدا فالتصق كل عظم بآخر على الوجه الذي كان عليه اولا وارتبط بعضها ببعض بالاعصاب والعروق ثم انبسط اللحم عليه ثم انبسط الجلد عليه ثم خرجت الشعور من الجلد ثم نفخ فيه الروح فاذا هو قائم ينهق فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ اى ظهر له احياء الميت عيانا قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
من الأشياء التي من جملتها ما شاهده في نفسه وفي غيره من تعاجيب الآثار قَدِيرٌ لا يستعصى عليه امر من الأمور- روى- انه ركب حماره واتى محلته وأنكره الناس وأنكر الناس وأنكر المنازل فانطلق على وهم منه حتى اتى منزله فاذا هو بعجوز عمياء مقعدة قد أدركت زمن عزير فقال لها عزير يا هذه هذا منزل عزير قالت نعم واين ذكرى عزير وقد فقدناه منذ كذا وكذا فبكت بكاء شديدا قال فانى عزير قالت سبحان الله أنى يكون ذلك قال قد أماتنى الله مائة عام ثم بعثني قالت ان عزيرا كان رجلا مستجاب الدعوة فادع الله لى برد بصرى حتى أراك فدعا ربه ومسح بين عينيها فصحتا فاخذ بيدها فقال قومى بإذن الله فقامت صحيحة كأنها نشطت من عقال فنظرت اليه فقالت اشهد انك عزير فانطلقت الى محلة بنى إسرائيل وهم في أنديتهم وكان في المجلس ابن العزير قد بلغ مائة وثمانى عشرة سنة وبنوا بنيه شيوخ فنادت هذا عزير قد جاءكم فكذبوها فقالت انظروا فانى بدعائه رجعت الى هذه الحالة فنهض الناس فاقبلوا اليه فقال ابنه كان لأبى شامة سوداء بين كتفيه مثل الهلال فكشف فاذا هو كذلك وقد كان قتل بخت نصر بيت المقدس من قراء التوراة أربعين الف رجل ولم يكن يومئذ بينهم نسخة من التوراة ولا أحد يعرف التوراة فقرأها عليهم عن ظهر قلبه من غير ان يخرم منها حرفا اى ينقص ويقطع فقال رجل من أولاد المسبيين ممن ورد بيت المقدس بعد مهلك بخت نصر حدثنى ابى عن جدى انه دفن التوراة يوم سبينا فى خابية في كرم فان أريتمونى كرم جدى أخرجتها لكم فذهبوا الى كرم جده ففتشوه فوجدوها فعارضوها بما املى عليهم عزير عليه السلام عن ظهر القلب فما اختلفا في حرف(1/414)
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)
واحد فعند ذلك قالوا عزير ابن الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وفي القصة تنبيه على ان الداعي إذا راعى آداب الدعاء أجيب سريعا من غير مشقة تلحقه وإذا ترك الأدب لحقته المشقة وابطأت الاجابة فان ابراهيم عليه السلام لما قال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى وبدأ بالثناء ثم سأل احياء الموتى أراه الله ذلك في غيره فانه أراه في طيره وعجل له ذلك على فوره وعزير قال أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فأرى ذلك في نفسه بعد مائة عام مضت على موته: قال السعدي
نبايد سخن مفت ناساخته ... نشايد بريدن نينداخته
والاشارة في تحقيق الآية ان قوما أنكروا حشر الأجساد مع انهم اعتقدوا وأقروا بحشر الأرواح وقالوا الأرواح كان تعلقها بالأجساد لاستكمالها في عالم المحسوس كالصبى يبعث الى المكتب ليتعلم الأدب فلما حصل مقصوده من التعلم بقدر استعداده وحرج من المكتب ودخل محفل اهل الفضل وصاحبهم سنين كثيرة واستفاد منهم انواع العلوم التي لم توجد فى المكتب الا انه استفاد العلوم من الفضلاء بقوة أدبه الذي تعلمه في المكتب وصار فاضلا فى العلوم فما حاجته بعد ان كبر شأنه وعظم قدره الى ان يرجع الى المكتب وحالة صباه فكذا الأرواح لما خرجت من سجن الأشباح واتصلت بالأرواح المقدسة بقوة علوم الجزئيات التي حصلتها من عالم الحس واستفادت من الأرواح العلوية علم الكليات التي لم توجد في عالم الحس فما حاجتها الى ان ترجع الى سجن الأجساد فكانت نفوسهم تسول لهم هذه التسويلات والشيطان يوسوسهم بمثل هذة الشبهات فالله سبحانه من كمال فضله ورحمته على عباده المخلصين أمات عزيرا مائة سنة وحماره معه ثم احياهما جميعا ليستدل به العقلاء على ان الله مهما يحيى عزير الروح يحيى معه حمار جسده فلا يشك العاقل بتسويل النفس ووسوسة الشيطان وشبهات الفلسفي في حشر الأجساد فكما ان عزير الروح يكون في مقعد صدق عند مليك مقتدر يكون حمار جسده في الجنة فلعزير الروح مشرب من كؤوس تجلى صفحات الجمال والجلال عن ساقى وسقاهم ربهم شربا طهورا ولحمار الجسد مشرب من انهار الجنات وحياض رياض ولكم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وقد علم كل أناس مشربهم
شربنا واهرقنا على الأرض جرعة ... وللأرض من كأس الكرام نصيب
كذا في التأويلات النجمية وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ اى اذكر وقت قوله وذكر الوقت يوجب ذكر ما وقع في ذلك الوقت من الحوادث بالطريق البرهاني رَبِّ كلمة استعطاف قدمت بين الدعاء مبالغة في استدعاء الاجابة أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى اى بصرنى كيفية احيائك للموتى بان تحييها وانا انظر إليها انما سأل ذلك ليصير علمه عيانا وقد شرفه الله بعين اليقين بل بحق اليقين الذي هو أعلى المقامات. والفرق ان علم اليقين هو المستفاد من الاخبار. وعين اليقين هو المعاينة لا مرية فيه قال تعالى في حق الكفار ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ فلما دخلوا النار وباشروا عذابها قال تعالى فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ قالَ ربه أَوَلَمْ تُؤْمِنْ اى ألم تعلم يقينا ولم تؤمن بانى قادر على الاحياء باعادة التركيب والحياة قاله(1/415)
عز وعلا مع علمه بانه اعرف الناس بالايمان ليظهر إيمانه لكل سامع بقوله بلى فيعلم السامعون غرضه من هذا القول وهو الوصول الى العيان قالَ ابراهيم بَلى علمت وآمنت بذلك وَلكِنْ سألت ما سألت لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي اى ليسكن ويحصل طمأنينته بالمعاينة فان عين اليقين يوجب الطمأنينة لا علمه فان قلت ما معنى قول على رضى الله عنه لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا قلت ما ازددت يقينا بالايمان بها وكان إذ رأى الآخرة ابصر بها من الفضائل والهيآت ما لم يحط به قبل ذلك وكذلك ابراهيم لما رأى كيفية الاحياء وقف على ما لم يقف عليه قبل قالَ ربه ان أردت ذلك فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ طاووسا وديكا وغرابا وحمامة ومنهم من ذكر النسر بدل الحمام وانما خص الطير لانه اقرب الى الإنسان واجمع لخواص الحيوان فَصُرْهُنَّ من صاره يصوره وبكسر الصاد من صاره يصيره والمعنى واحد اى املهن واضممهن واجمعهن إِلَيْكَ لتتأملها وتعرف أشكالها مفصلة حتى تعلم بعد الاحياء ان جزأ من اجزائها لم ينتقل من موضعه الاول أصلا- روى- انه امر بان يذبحها وينتف ريشها ويقطعها ويفرق اجزاءها ولحومها ويمسك
رؤسها ثم امر بان يجعل اجزاءها على الجبال وذلك قوله تعالى ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ من الجبال التي بحضرتك وكانت سبعة او اربعة فجزأها اربعة اجزاء فقال تعالى ضع على كل جبل مِنْهُنَّ اى من كل الطيور جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ قل لهن تعالين بإذن الله تعالى يَأْتِينَكَ سَعْياً اى ساعيات مسرعات طيرانا او مشيا ففعل كما امره فجعل كل جزء يطير الى آخر حتى صارت جثثا ثم اقبلن فانضمت كل جثة الى رأسها فعادت كل واحدة الى ما كانت عليه من الهيئة وجعل ابراهيم ينظر ويتعجب وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غالب على امره لا يعجزه شىء عما يريده حَكِيمٌ ذو حكمة بالغة في أفاعيله فليس بناء أفعاله على الأسباب العادية لعجزه عن إيجادها بطريق آخر خارق للعادات بل لكونه متضمنا للحكم والمصالح قال القشيري طلب ابراهيم عليه السلام بهذه حياة قلبه فاشير اليه بذبح الطيور وفي الطيور الاربعة اربعة معان هي في النفس فى الطاووس زينة. وفي الغراب امل. وفي الديك شهوة. والبط حرص فاشار الى انه ما لم يذبح نفسه بالمجاهدة لم يحى قلبه بالمشاهدة: وفي المثنوى
حرص بط يكتاست اين پنجاه تاست ... حرص شهوت مار ومنصب اژدهاست «1»
حرص بط از شهوت حلقست وفرج ... در رياست بيست چندانست درج
صد خورنده كنجد اندر كرد خوان ... دو رياست در نكنجد در جهان
كاغ كاغ ونعره زاغ سياه ... دائما باشد بدنيا عمر خواه «2»
همچوإبليس از خداى پاك فرد ... تا قيامت عمر تن درخواست كرد
عمر ومرك اين هر دو با حق خوش بود ... بي خدا آب حيات آتش بود
عمر خوش در قرب جان پروردنست ... همر زاغ از بهر سركين خوردنست
قال في التأويلات النجمية الطيور الاربعة هي الصفات الأربع التي تولدت من العناصر الاربعة التي خمرت طينة الإنسان منها وهي التراب والماء والنار والهواء فتولدت من ازدواج
__________
(1) در أوائل دفتر پنجم در بيان آنكه هيچ چشم بد آدمي را چنان زبان ندارد كه جشم پسند جويش إلخ
(2) در أوائل دفتر پنجم در بيان سبب كشتن ابراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام زاغ را كه إلخ(1/416)
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)
كل عنصر مع قرينه صفتان فمن التراب وقرينه الماء تولد الحرص والبخل وهما قرينان حيث وجد أحدهما وجد قرينه ومن النار وقرينها الهواء تولد الغضب والشهوة وهما قرينان يوجدان معا ولكل واحدة من هذه الصفات زوج خلق منها ليسكن إليها كحواء وآدم ويتولد منها صفات اخرى فالحرص زوجه الحسد والبخل زوجه الحقد والغضب زوجه الكبر وليس للشهوة اختصاص بزوج معين بل هي كالمعشوقة بين الصفات فيتعلق بها كل صفة ولها منها متولدات يطول شرحها فهى الأبواب السبعة للدركات السبع من جهنم منها يدخل الخلق جهنم التي لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم يعنى من الخلق فمن كان الغالب عليه صفة منها فيدخل النار من ذلك الباب فامر الله خليله بذبح هذه الصفات وهي الطيور الاربعة طاووس البخل فلو لم يزين المال في نظر البخيل كما زين الطاووس بألوانه ما بخل به وغراب الحرص وهو من حرصه اكثر في الطلب وديك الشهوة وهو بها معروف ونسر الغضب ونسبته اليه لتصريفه في الطيران فوق الطيور وهذه صفة المغضب فلما ذبح الخليل بسكين الصدق هذه الطيور وانقطعت منه متولداتها ما بقي له باب يدخل منه النار فلما القى فيها بالمنجنيق قهرا صارت النار عليه بردا وسلاما والاشارة بتقطيعها بالمبالغة ونتف ريشها وتفريق اجزائها وتخليط ريشها ودمائها ولحومها بعضها ببعض اشارة الى محو آثار الصفات الأربع المذكورة وهدم قواعدها على يدى ابراهيم الروح بامر الشرع ونائب الحق وهو الشيخ والأمر بتقسيم اجزائها وجعلها على كل جبل جزأ فالجبال الاربعة هي النفوس التي جبل الإنسان عليها. أولها النفس النامية وتسمى النفس النباتية. وثانيها النفس الامارة وتسمى الروح الحيواني. وثالثها قوة الشيطنة وتسمى الروح الطبيعي. ورابعها قوة الملكية وهو الروح الإنساني فطيور الصفات لما ذبحت وقطعت وخلطت اجزاء بعضها ببعض ووضع على كل جبل روح ونفس وقوة منها جزء بامر الشرع تكون بمثابة أشجار وزروع تجعل عليها الترب المخلوطة بالزبل والقاذورات باستصواب دهقان ذى بصارة في الدهقنة بمقدار معلوم ووقت معلوم ثم يسقيها بالماء ليتقوى الزرع بقوة الترب والزبل وتتصرف النفس النامية النباتية فى الترب المخلوطة الميتة فتحييها بإذن الله تعالى كقوله تعالى فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها فكذلك الصفات الأربع وهي الحرص والبخل والشهوة والغضب مهما كانت كل واحدة منها على حالها غالبة على الجوهر الروحاني تكدر صفاءه وتمنعه من الرجوع الى مقامه الأصلي ووطنه الحقيقي فاذا كسرت سطوتها ووهنت قوتها وأميتت شعلتها ومحيت آثار طباعها بامر الشرع وخلطت اجزاؤها المتفرقة بعضها ببعض ثم قسمت باربعة اجزاء وجعل كل جزء منها على جبل قوة او نفس او روح فيتقوى كل واحد من هؤلاء بتقويتها ويتربى بتربيتها فيتصرف فيها الروح الإنساني فيحييها ويبدل تلك الظلمات التي هى من خصائص تلك الصفات المذمومة بنور هو من خصائص الروح الإنساني والملكي فتكون تلك الصفات ميتة عن أوصافها حية بأخلاق الروحانيات انتهى كلام التأويلات مَثَلُ نفقات الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اى في وجوه الخيرات من الواجب كالزكاة(1/417)
والنفل وقدر في الكلام حذف لان الذين ينفقون لا يشبهون الحبة لانه لا يشبه الحيوان بالجماد بل نفقاتهم تشبه الحبة كَمَثَلِ حَبَّةٍ لزراع زرعها في ارض عامرة والحبة واحدة الحب وهو ما يزرع للاقتيات واكثر إطلاقه على البر أَنْبَتَتْ اى أخرجت واسناد الإنبات الى الحبة مجاز سَبْعَ سَنابِلَ اى ساقات تشعب منها سبع شعب لكل واحدة منها سنبلة فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ كما يشاهد ذلك في الذرة والدخن في الأراضي المغلة بل اكثر من ذلك وَاللَّهُ يُضاعِفُ تلك المضاعفة الى ما شاء الله تعالى لِمَنْ يَشاءُ ان يضاعف له بفضله وعلى حسب حال المنفق من إخلاصه وتعبه ولذلك تفاوتت مراتب الأعمال في مقادير الثواب وَاللَّهُ واسِعٌ لا يضيق عليه ما يتفضل به من الزيادة عَلِيمٌ بنية المنفق ومقدار إنفاقه وكيفية تحصيل ما أنفقه. فمثل المتصدق كمثل الزارع إذا كان حاذقا في عمله وكان البذر جيدا وكانت الأرض عامرة يكون الزرع اكثر. فكذلك المتصدق إذا كان صالحا والمال طيبا ووضع في موضعه يكون الثواب اكثر كما روى في الحديث عن ابى هريرة رضى الله عنه عن النبي عليه السلام
(انه قال من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله الا الطيب فان الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربى أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل) وانما ذكر النبي عليه السلام التربية في الصدقة وان كان غيرها من العبادات يزيد ايضا بقبوله اشارة الى ان الصدقة فريضة كانت او نافلة أحوج الى تربية الله لثبوت النقيصة فيها بسبب حب الطبع الأموال وفي الحديث (صدقة المؤمن تدفع عن صاحبها آفات الدنيا وفتنة القبر وعذاب يوم القيامة) وفي الحديث (السخاوة شجرة أصلها في الجنة وأغصانها متدليات في دار الدنيا فمن تعلق بغصن منها يسوقه الى الجنة والبخل شجرة أصلها في النار وأغصانها متدليات في دار الدنيا فمن تعلق بغصن منها يسوقه الى النار) وفي الحديث (الساعي على الارملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله) اى الكاسب لتحصيل مؤنتهما كالمجاهد لان القيام بمصالحهما انما يكون بصبر عظيم وجهاد نفس لئيم فيكون ثوابه عظيما: وفي بستان الشيخ السعدي قدس سره
يكى از بزركان اهل تميز ... حكايت كند ز ابن عبد العزيز
كه بودش نگينى در انكشترى ... فرو مانده از قيمتش مشترى
بشب كفتى آن جرم كيتى فروز ... درى بود در روشنايى چوروز
قضا را در آمد يكى خشك سال ... كه شد بدر سيماى مردم هلال
چودر مردم آرام وقوت نديد ... خود آسوده بودن مروت نديد
چوبيند كسى زهر در كام خلق ... كيش بگذرد آب شيرين بحلق
بفرمود بفروختندش بسيم ... كه رحم آمدش بر فقير ويتيم
بيك هفته نقدش بتاراج داد ... بدرويش ومسكين ومحتاج داد
فتادند در وى ملامت كنان ... كه ديكر بدستت نيايد چنان
شنيدم كه ميكفت باران دمع ... فرو ميدويدش بعارض چوشمع
كه زشتست پيرايه بر شهريار ... دل شهرى از ناتوانى فكار(1/418)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)
مرا شايد انكشترى بي نكين ... نشايد دل خلق اندوهگين
خنك آنكه آسايش مرد وزن ... كزيند بر آسايش خويشتن
نكردند رغبت هنرپروران ... بشادئ خويش از غم ديكران
واعلم ان الأعمال بالنيات فان قلت ما معنى قوله عليه السلام (نية المؤمن خير من عمله) قلت مورد الحديث ان عثمان رضى الله تعالى عنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم انه وعد بثواب عظيم على حفر بئر فنوى ان يحفرها فسبق اليه كافر فحفرها فقال عليه السلام (نية المؤمن خير من عمله) اى عمل الكافر والجواب الثاني ان النية المجردة من المؤمن خير من عمله المجرد عن النية لانه إذا فعل فعل الخير بغير نية يكون عمله مع النية خيرا من ذلك لكن قال بعضهم ليس في بعض الأعمال اجر بغير نية كالصلاة لا تجوز بغير نية ولا يحتاج بعض الأعمال الى النية كقراءة القرآن والاذكار ثم اعلم ان الانفاق على مراتب. انفاق العامة بالمال فاجرهم الجنة.
وانفاق الخواص إصلاح الحال بتزكية النفس وتصفية القلب فاجرهم يوم القيامة النظر الى وجه الله تعالى فينبغى للمؤمن ان يزكى نفسه ويصفى قلبه من حب المال بالإنفاق في سبيل الله الملك المتعال حتى ينال الشرف في الجنان ويحترز عن البخل حتى لا يكون عند الله تعالى من الخاسرين الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اى يضعونها في مواضعها ثُمَّ للاظهار علو رتبه المعطوف لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا العائد محذوف اى ما أنفقوه مَنًّا وهو ان يعتد على من احسن اليه بإحسانه ويريه انه أوجب بذلك عليه حقا اى لا يمنون عليهم بما تصدقوا بان يقول المتصدق المانّ اصطنعتك كذا خيرا وأحسنت إليك كثيرا وَلا أَذىً وهو ان يتطاول عليه بسبب انعامه عليه اى لا يؤذيه بان يقول المتصدق المؤذى انى قد أعطيتك فما شكرت او الى كم تأتينى وتؤذيني او كم تسأل ألا تستحيى او أنت ابدا تجيئنى بالابرام فرج الله عنى منك وباعد ما بينى وبينك لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ثوابهم في الآخرة وتخلية الخبر عن الفاء المفيدة لسببية ما قبلها لما بعدها للايذان بان ترتب الاجر على ما ذكر من الانفاق وترك المن والأذى امر بين لا يحتاج الى التصريح بالسببية وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ مما يستقبلهم من العذاب وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما خلفوا من امور الدنيا- روى- ان الحسن بن على رضى الله عنهما اشتهى طعاما فباع قميص فاطمة بستة دراهم فسأله سائل فاعطاها ثم لقى رجلا يبيع ناقة فاشتراها بأجل وباعها من آخر فاراد ان يدفع الثمن الى بائعها فلم يجده فحكى القضية الى النبي عليه السلام فقال اما السائل فرضوان واما البائع فميكائيل واما المشترى فجبرائيل فنزل قوله تعالى الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ الآية قال بعض اهل التفسير نزلت هذه الآية والتي قبلها فى عثمان وعبد الرحمن رضى الله عنهما. اما عثمان فجهز جيش العسرة في غزوة تبوك بألف بعير بأقتابها والف دينار فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده يقول (يا رب رضيت عنه فارض عنه) واما عبد الرحمن بن عوف فتصدق بنصف ماله اربعة آلاف دينار فقال عندى ثمانية آلاف فامسكت منها لنفسى وعيالى اربعة آلاف واربعة آلاف اقرضتها ربى فقال عليه السلام (بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت) فهذه حال عثمان وعبد الرحمن رضى الله عنهما حيث تصدقا ولم يخطر(1/419)
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)
ببالهما شىء من المن والأذى. قال بعضهم المن يشبه بالنفاق والأذى يشبه بالرياء. ثم قال بعضهم إذا فعل ذلك فلا اجر له وعليه وزر فيما من وآذى على الفقير قال وهب فلا اجر له ولا وزر له.
وقال بعضهم له اجر الصدقة ولكن ذهبت مضاعفته وعليه الوزر بالمن واعلم ان الله تعالى نهى عباده ان يمنوا على أحد بالمعروف مع انه تعالى قد من على عباده كما قال بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ وذلك لان الله تعالى تام الملك والقدرة وملكه وقدرته ليس بغيره والعبد وان كان فيه خصال الخير فتلك خصاله من الله ولم يكن ذلك بقوة العبد فالعبد ناقص والناقص لا يجوز له ان يمن على أحد او يمدح نفسه والمن ينقص قدر النعمة ويكدرها لان الفقير الآخذ منكسر القلب لاجل حاجته الى صدقة غيره معترف باليد العليا للمعطى فاذا أضاف المعطى الى ذلك اظهار ذلك الانعام زاد ذلك في انكسار قلبه فيكون في حكم المضربة بعد ان نفعه وفي حكم المسيئ اليه بعد ان احسن اليه: قال الحسين الكاشفى قدس سره
آنچهـ كه بدهى چودهنده خداست ... منت بيهوده نهادن خطاست
هر چهـ دهى مى ده ومنت منه ... وآنچهـ پشيمان شوى آن هم مده
وقال السعدي قدس سره
چوانعام كردى مشو خود پرست ... كه من سرورم ديكران زير دست
چوبينى دعا كوى دولت هزار ... خداوند را شكر نعمت كذار
كه چشم از تو دارند مردم بسى ... نه تو چشم دارى بدست كسى
قيل ان ابراهيم عليه السلام كان له خمسة آلاف قطيع من الغنم وعليها كلاب المواشي باطواق الذهب فتمثل له ملك في صورة البشر وهو ينظر أغنامه في البيداء فقال الملك [سبوح قدوس رب الملائكة والروح] فقال ابراهيم عليه السلام كرر ذكر ربى ولك نصف ما ترى من أموالي فكرر الملك فنادى ثانيا كرر تسبيح ربى ولك جميع ما ترى من مالى فتعجب الملائكة فقالوا جدير ان يتخذك الله خليلا ويجعل لك في الملل والنحل ذكرا جميلا: وفي المثنوى قرض ده زين دولت اندر اقرضوا تا كه صد دولت به بينى پيش رو اندكى زين شرب كم كن بهر خويش تا كه حوض كوثرى يابى به پيش وفي نوابغ الكلم «صنوان من منح سائله ومن ومن منع نائله وضن» واعلم ان الناس على ثلاث طبقات. الاولى الأقوياء وهم الذين أنفقوا جميع ما ملكوا وهؤلاء صدقوا فيما عاهدوا الله عليه من الحب كما فعل ابو بكر الصديق رضى الله تعالى عنه. والثانية المتوسطون وهم الذين لم يقدروا على اخلاء اليد عن المال دفعة ولكن امسكوه لا للتنعم بل للانفاق عند ظهور محتاج اليه وقنعوا في حق أنفسهم بما يقويهم على العبادة والثالثة الضعفاء وهم المقتصرون على أداء الزكاة الواجبة اللهم اجعلنا من المتجردين عن عيرك والقانعين بك عما سواك قَوْلٌ مَعْرُوفٌ رد جميل وهو ان يرد السائل بطريق جميل حسن تقبله القلوب والطباع ولا تنكره وَمَغْفِرَةٌ اى ستر لما وقع من السائل من الالحاف في المسألة وغيره(1/420)
مما يثقل على المسئول وصفح عنه خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً لان من جمع بين نفع الفقير واضراره حرم الثواب فان قالوا أي خير في الصدقة التي فيها أذى حتى يقال هذا خير منه قلنا يعنى عندكم كذلك وهو كقوله تعالى قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ اى عندكم ذلك خير لكم اعلموا ان هذا خير لكم في الدنيا والآخرة مما تعدونه أنتم خيرا وَاللَّهُ غَنِيٌّ عما عندكم من الصدقة لا يحوج الفقراء الى تحمل مؤونة المن والأذى ويرزقهم من جهة اخرى حَلِيمٌ لا يعاجل اصحاب المن والأذى بالعقوبة لا انهم لا يستحقونها بسببهما. وفيه من السخط والوعيد لهم ما لا يخفى قال في مجالس حضرة الهدائى قدس سره وانما كان الرد الجميل خيرا من صدقة المان والمؤذى لان القول الحسن وان كان بالرد يفرح قلب السائل ويروح روحه ونفع الصدقة لجسده وسراية السرور لقلبه بالتبعية من تصور النفع فاذا قارن ما ينفع الجسد بما يؤذى الروح يكدر النفع حينئذ ولا ريب ان ما يروح الروح خير مما ينفع الجسد لان الروحانية أوقع في النفوس واشرف قال الشعبي من لم ير نفسه الى ثواب الصدقة أحوج من الفقير الى صدقته فقد أبطل صدقته. وبالغ السلف في الصدقة والتحرز فيها عن الريا فانه غالب على النفس وهو مهلك ينقلب في القلب إذا وضع الإنسان في قبره في صورة حية اى يؤلم إيلام الحية والبخل ينقلب فى صورة عقرب والمقصود في كل انفاق الخلاص من رذيلة البخل فاذا امتزج به الرياء كان كانه جعل العقرب غذاء الحية فتخلص من العقرب ولكن زاد في قوة الحية إذ كل صفة من الصفات المهلكة في القلب انما غذاؤها وقوتها في إجابتها الى مقتضاها. ثم ان الصدقة لا تنحصر في المال بل تجرى في كل معروف فالكلمة الطيبة والشفاعة الحسنة والاعانة في حاجة واحد وعيادة مريض وتشييع جنازة وتطييب قلب مسلم كل ذلك صدقة
كر خير كنى مراد يابى ... در هر دو جهان كشاد يابى
احسان كن وبهر توشه خويش ... زادى بفرست تو ازين پيش
واعلم ان الدنيا وملكها لا اعتداد لها- حكى- عن بعض الملوك انه حبست الريح في بطنه حتى قرب الى الهلاك فقال كل من يزيل عنى هذا البلاء أعطيته ملكى فسمعه شخص من اهل الله فجاء ومسح يده على بطنه فخرجت منه ريح منتنة وتعافى الملك من ساعته فقال يا سيدى اجلس على سرير المملكة انا عزلت نفسى فقال الرجل لا حاجة الى متاع قيمته ضرطة منتنة ولكن أنت اتعظ من هذا فالشيء الذي اغتررت به قيمته هذا وعن الحسن قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على أصحابه فقال (هل منكم من يريد ان يذهب الله عنه العمى ويجعله بصيرا. ألا انه من رغب في الدنيا وطال أمله فيها أعمى الله قلبه على قدر ذلك ومن زهد فى الدنيا وقصر أمله أعطاه الله تعالى علما بغير تعلم وهدى بغير هداية. ألا انه سيكون بعدكم قوم لا يستقيم لهم الملك الا بالقتل والتجبر ولا الغنى الا بالفخر والبخل ولا المحبة الا باتباع الهوى. ألا فمن أدرك ذلك الزمان منكم فصبر للفقر وهو يقدر على الغنى وصبر على البغضاء وهو يقدر على المحبة وصبر على الذل وهو يقدر على العز لا يريد بذلك الا وجه الله تعالى أعطاه الله تعالى ثواب خمسين صديقا) : وفي المثنوى(1/421)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)
كوزه چشم حريصان پر نشد ... تا صدف قانع نشد پر در نشد
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى فان من فعل ذلك لا اجر له في صدقته وعليه وزر منه على الفقير ووزر إيذائه وقد سبق معنى المن والأذى والمراد بابطال الصدقة احباط أجرها لان الصدقة لما وقعت وتقدمت لم يمكن ان يراد بابطالها نفسها بل المراد احباط أجرها وثوابها لان الاجر لم يحصل بعد فيصح ابطاله بما يأتيه من المن والأذى كَالَّذِي المراد المنافق لان الكافر معلن كفره غير مراء والكاف في محل النصب على انه صفة لمصدر محذوف اى لا تبطلوها ابطالا كابطال المنافق الذي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ اى لاجل رئائهم يعنى ليقال انه كريم وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ لا يريد بانفاقه رضى الله ولا ثواب الآخرة. ورئاء من راآى نحو قاتل قتالا ومعنى المفاعلة هاهنا مبنى على ان المرائى فى الانفاق يراعى ان تراه الناس فيحمدوه فَمَثَلُهُ اى حالته العجيبة كَمَثَلِ صَفْوانٍ اى حجر صاف أملس وهو واحد وجمع فمن جعله جمعا فواحده صفوانة ومن جعله واحدا فجمعه صفى عَلَيْهِ تُرابٌ اى يسير منه فَأَصابَهُ وابِلٌ اى مطر شديد الوقع كبير القطر فَتَرَكَهُ صَلْداً أملس ليس عليه شىء من الغبار لا يَقْدِرُونَ كأنه قيل فماذا يكون حالهم حينئذ فقيل لا يقدرون عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا اى لا ينتفعون بما فعلوا رئاء ولا يجدون له ثوابا قطعا كقوله تعالى فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً يقال فلان لا يقدر على درهم اى لا يجده ولا يملكه فان قلت كيف قال لا يقدرون بعد قوله كالذى ينفق قلت أراد بالذي ينفق الجنس او الفريق الذي ينفق ولان من والذي يتعاقبان فكأنه قيل كمن ينفق فجمع الضمير باعتبار المعنى ولما ذكر تعالى بطلان امر الصدقة بالمن والأذى ذكر لكيفية ابطال أجرها بهما مثلين فمثله اولا بمن ينفق ماله رئاء الناس وهو مع ذلك كافر بالله واليوم الآخر فان بطلان اجر ما أنفقه هذا الكافر اظهر من بطلان اجر من يتبعها بالمن والأذى ثم مثله ثانيا بالصفوان الذي وقع عليه تراب وغبار ثم أصابه المطر فازال ذلك الغبار عنه حتى صار كانه ما كان عليه تراب وغبار أصلا فالكافر كالصفوان والتراب مثل ذلك الانفاق والوابل كالكفر الذي يحبط عمل الكافر وكالمن والأذى اللذين يحبطان عمل هذا المنفق فكما ان الوابل أزال التراب الذي وقع على الصفوان فكذا المن والأذى يجب ان يكونا مبطلين لاجر الانفاق بعد حصوله وذلك صريح في القول بالإحباط والتكفير كما ذهب اليه المعتزلة القائلون بان الأعمال الصالحة توجب الثواب وان الكبائر تحبط ذلك الثواب واما أصحابنا القائلون بان الثواب تفضل محض فانهم قالوا ليس المراد بقوله لا تبطلوا النهى عن ازالة هذا الثواب بعد ثبوته بل المراد النهى عن ان يأتى بهذا العمل باطلا وبيانه ان المن والأذى يخرجانه من ان يترتب عليه الاجر الموعود لان العمل انما يؤدى الى الاجر الموعود إذا اتى به العامل تعبدا وطاعة وابتغاء لما عند الله تعالى من الاجر والرضوان وعملا بقوله تعالى وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وبقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ فمن كان حامله على العمل ابتغاء ما عند الله مما وعده للمخلصين فقد جرى على سنن المبادلة التي وقعت(1/422)
بين العمل والثواب الذي وعده الله تعالى لمن أخلص عمله لله تعالى فلما كانت معاملته في الحقيقة مع الله تعالى لم يبق وجه لان يمن على الفقير الذي تصدق عليه ولا لان يؤذيه بان يقول له مثلا خذه بارك الله لك فيه ومن من عليه او آذاه فقد اعرض عن جهة المبادلة مع الله ومال الى جهة التبرع على الفقير من غير ابتغاء وجه الله واتى بعمله من الابتداء على نعت البطلان فيكون محروما من البدل الذي وعده الله لمن اقرض الله قرضا حسنا إذ لم يقع عمله على وجه الاقراض وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ الى الخير والرشاد. وفيه تعريض بان كلا من الرئاء والمن والأذى من خصائص الكفار ولا بد للمؤمنين ان يجتنبوها- روى- عن بعض العلماء انه قال مثل من يعمل الطاعة للرئاء والسمعة كمثل رجل خرج الى السوق وملأ كيسه حصى فيقول الناس ما املأ كيس هذا الرجل
ولا منفعة له سوى مقالة الناس فلو أراد ان يشترى به شيأ لا يعطى به شيأ. وقد بالغ السلف في إخفاء صدقتهم عن أعين الناس حتى طلب بعضهم فقيرا أعمى لئلا يعلم أحد من المتصدق. وبعضهم ربط في ثوب الفقير نائما. وبعضهم القى في طريق الفقير ليأخذها وبذلك يتخلص من الرئاء: وفي المثنوى
كفت پيغمبر بيك صاحب ريا ... صل انك لم تصل يافتى
از براى چاره اين خوفها ... آمد اندر هر نمازى اهدنا
كين نمازم را مياميز اى خدا ... با نماز ضالين واهل ريا
قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (ان أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر) قالوا يا رسول الله وما الشرك الأصغر قال (الرياء يقول الله لهم يوم يجازى العباد بأعمالهم اذهبوا الى الذي كنتم تراؤون لهم فانظروا هل تجدون عندهم جزاء) وقال صلى الله عليه وسلم (ان الله تعالى إذا كان يوم القيامة ينزل الى العباد ليقضى بينهم وكل امة جاثية فاول من يدعى به رجل جمع القرآن ورجل قتل في سبيل الله ورجل كثير المال فيقول الله للقارئ ألم أعلمك ما أنزلت على رسولى قال بلى يا رب قال فماذا عملت فيما عملت قال كنت اقرأ آناء الليل وأطراف النهار فيقول الله تعالى كذبت وتقول له الملائكة كذبت ويقول الله بل أردت ان يقال فلان قارئ فقد قيل ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج الى أحد قال بلى يا رب قال فماذا عملت فيما آتيتك قال كنت اصل الرحم وأتصدق فيقول الله كذبت وتقول الملائكة كذبت ويقول الله بل أردت ان يقال فلان جواد فقد قيل ذلك ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول له فيما ذا قتلت فيقول يا رب أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت فيقول الله كذبت وتقول الملائكة كذبت ويقول الله بل أردت ان يقال فلان جرئ فقد قيل ذلك) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة) : قال السعدي
طريقت همينست كاهل يقين ... نكوكار بودند وتقصير بين
بروى ريا خرقه سهلست دوخت ... كرش با خدا در توانى فروخت
همان به كر آبستن كوهرى ... كه همچون صدف سر بخود در برى
وكر آوازه خواهى در إقليم فاش ... برون حله كن كو درون حشو باش(1/423)
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)
اگر مسك خالص ندارى مكوى ... وكر هست خود فاش كردد ببوى
چهـ زنار مغ در ميانت چهـ دلق ... كه در پوشى از بهر پندار خلق
والاشارة في الآية ان المعاملات إذا كانت مشوبة بالأغراض ففيها نوع من الاعراض ومن اعرض عن الحق فقد اقبل على الباطل ومن اقبل على الباطل فقد أبطل حقوقه في الأعمال فماذا بعد الحق الا الضلال وقد نهينا عن ابطال اعمال البر بالاعراض عن طلب الحق والإقبال على الباطل بقوله لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ وهي من اعمال البر بالمن اى إذا مننت بها على الفقير فقد أعرضت عن طلب الحق لان قصدك في الصدقة لو كان طلب الحق لما مننت على الفقير بل كنت رهين منة الفقير حيث كان سبب وصولك الى الحق ولهذا قال صلى الله عليه وسلم (لولا الفقراء لهلك الأغنياء) معناه لم يجدوا وسيلة الى الحق وقد فسر بعضهم قوله عليه السلام (اليد العليا خير من اليد السفلى) بان اليد العليا في يد الفقير والسفلى يد الغنى تعطى السفلى وتأخذ العليا. والأذى هو الإقبال على الباطل لان كل شىء غير الحق فهو باطل فمن عمل عملا لله ثم يشوبه بغرض في الدارين فقد أبطل عمله بان يكون لله فافهم جدا كذا في التأويلات النجمية: وفي المثنوى
عاشقانرا شادمانى وغم اوست ... دست مزد واجرت خدمت هم اوست
غير معشوق ار تماشائى بود ... عشق نبود هرزه سودايى بود
عشق آن شعله است گو چون بر فروخت ... هر چهـ جز معشوق باقى جمله سوخت
فالعشق الإلهي والحب الرحمانى إذا استولى على قلب العبد يقطع عنه عرق الشركة في الأموال والأولاد والأنفس. والخدمة بالاجرة لا تناسب الرجولية فان من علم ان مولاه كريم يقطع قلبه عن ملاحظة الاجرة وتجئ أجرته اليه من ذلك الكريم على الكمال: قال الحافظ
تو بندگى چوگدايان بشرط مزد مكن ... كه خواجه خود روش بنده پرورى داند
اللهم اقطع رجاءنا عن غيرك واجعلنا من الذين لا يطلبون منك الا ذاتك وَمَثَلُ نفقات الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ اى لطلب رضاه وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ اى جعل بعض أنفسهم ثابتا على الايمان والطاعة ليزول عنها رذيلة البخل وحب المال وإمساكه والامتناع عن إنفاقه فان النفس وان كانت مجبولة على حب المال واستثقال الطاعات البدنية الا انها ما عودتها تتعود: قال صاحب البردة
والنفس كالطفل ان تهمله شب على ... حب الرضاع وان تفطمه ينفطم
فمتى اهملتها فقد تمرنت واعتادت الكسل والبطالة والبخل وإمساك المال عن صرفه الى وجوه الطاعات ومقتضيات الايمان وحيث كلفتها وحملتها على مشاق العبادات البدنية والمالية تنقاد لك وتتزكى عن عاداتها الجبلية. فمن تبعيضية كما في قولهم «هز من عطفه وحرك من نشاطه» فان قلت كيف يكون المال بعضا من النفس حتى تكون الطاعة ببذله طاعة لبعض النفس وتثبيتا لها على الثمرة الايمانية قلت ان النفس لشدة نعلقها بالمال كأنه بعض منها فالمال شقيق الروح فمن بذل ماله لوجه الله فقد ثبت بعض نفسه ومن بذل ماله وروحه فقد ثبتها كلها: وفي المثنوى(1/424)
آن درم دادن سخى را لايق است ... جان سپردن خود سخاى عاشق است [1]
نان دهى از بهر حق نانت دهند ... جان دهى از بهر حق جانت دهند
آن فتوت بخش هر بي علت است ... پاكبازى خارج از هر ملت است [2]
در شريعت مال هر كس مال اوست ... در طريقت ملك ما مملوك دوست
ويجوز ان يكون التثبيت بمعنى جعل الشيء صادقا محققا ثابتا والمعنى تصديقا للاسلام ناشئا من اصل أنفسهم وتحقيقا للجزاء فان الانفاق امارة ان الإسلام ناشئ من اصل النفس وصميم القلب. فمن لابتداء الغاية كما في قوله تعالى حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ولعل تحقيق الجزاء عبارة عن الإيقان بان العمل الصالح مما يثيب الله ويجازى عليه احسن الجزاء كَمَثَلِ جَنَّةٍ بستان كائن بِرَبْوَةٍ مكان مرتفع مأمون من ان يصطلمه البرد اى يفسده للطافة هوائه بهبوب الرياح الملطفة له فان أشجار الربا تكون احسن منظرا وازكى ثمرا واما الأراضي المنخفضة فقلما تسلم ثمارها من البرد لكثافة هوائها بركود الرياح. وقال بعضهم ان البستان إذا وقع في موضع مرتفع من الأرض لا تنفعه الأنهار وتضر به الرياح كثيرا فلا يحسن ريعه الا إذا كان على الأرض المستوية التي لا تكون ربوة ولا وهدة فالمراد من الربوة حينئذ كون الأرض لينة جيدة بحيث إذا نزل المطر عليها انتفخت وربت ونمت فان الأرض إذا كانت بهذه الصفة يكثر ريعها وتكمل أشجارها ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ
فان المراد من ربوها ما ذكر أَصابَها وابِلٌ اى وصل إليها مطر كبير القطر شديد الوقع فَآتَتْ اى اعطت صاحبها او أهلها أُكُلَها ثمرتها وغلتها وهو بضمتين الشيء المأكول. ويجوز ان يكون آتت بمعنى أخرجت فيتعدى الى مفعول واحد هو أكلها ضِعْفَيْنِ اى مثلى ما كانت تثمر في سائر الأوقات وذلك بسبب ما أصابها من الوابل قال ابن عباس حملت في سنة من الريع ما يحمل غيرها في سنتين والمراد بالضعف المثل كما أريد بالزوج الواحد في قوله تعالى مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ومن فسره باربعة أمثال ما كانت تثمر حمل الضعف على اصل معناه وهو مثلا الشيء فيكون ضعفين اربعة أمثال فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ اى فطل وهو المطر الصغير القطر يكفيها لجودتها وكرم منبتها ولطافة هوائها. والطل إذا دام عمل عمل الوابل وجاز الابتداء بالنكرة لوقوعها في جواب الشرط وهو من جملة المسوغات للابتداء بالنكرة ومن كلامهم ان ذهب العير فعير في الرباط والمعنى تشبيه نفقات هؤلاء الذين ينفقون بسبب ما يحملهم عليه من الابتغاء والتثبيت زاكية عند الله لا تضيع بحال وان كانت تلك النفقات تتفاوت فى زكائها بحسب تفاوت ما ينضم إليها من أحوالهم التي هي الابتغاء والتثبيت الناشئ من ينبوع الصدق والإخلاص إليها بحال جنة نامية زاكية بسببى الربوة والوابل او الطل والجامع النمو المرتب على السبب المؤدى اليه. ويجوز ان يكون التشبيه من قبيل المفرق بان يشبه زلفاهم من الله تعالى وحسن حالهم عنده بثمرة الجنة ووجه التشبيه الزيادة ويشبه نفقتهم الكثيرة والقليلة بالقوى المطر والضعيف منه من حيث ان كل واحد منهما سبب لزيادة في الجملة لان النفقتين تزيد ان حسن حالهم كما ان المطرين يزيدان ثمرة الجنة وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ من عمل(1/425)
الإخلاص والرياء لا يخفى عليه شىء وهو ترغيب في الإخلاص مع تحذير عن الرياء ونحوه فعلى العاقل ان يعبد الله تعالى على الإخلاص ويكون دائما في رجاء الخلاص عن الطاغوت الخفي وهو الشرك الخفي فان الخلاص يبتنى على الإخلاص: قال السعدي قدس سره
همينست پندت اگر بشنوى ... كه گر خار كارى سمن ندروى
يعنى من زرع الشوك لم يحصد الازهار والنبات ولا يثمر شجره وبالكأس التي تسقى تشرب عصمنا الله وإياكم من ضياع العمل وكساده واختلال الاعتقاد وفساده. وخالص الأعمال هو الذي تعمله لله لا تحب ان يحمدك عليه أحد وإذا قارن العمل بالإخلاص يكون كنحاس طرح فيه الإكسير وجسد نفخ فيه الروح ولذا يضاعف ثوابه وعن على ابن ابى طالب رضى الله عنه عن النبي عليه السلام (ان الصدقة إذا خرجت من يد صاحبها قبل ان تدخل فى يد السائل تتكلم بخمس كلمات أولاها تقول كنت قليلة فكثرتنى وكنت صغيرة فكبرتنى وكنت عدوا فاحببتنى وكنت فانيا فابقيتنى وكنت محروسا الآن صرت حارسك) وعن مكحول الشامي إذا تصدق المؤمن بصدقة رضى الله عنه ونادت جهنم يا رب ائذن لى بالسجود شكرا لك قد اعتقت واحدا من امة محمد من عذابى لانى استحيى من محمد ان أعذب أحدا
من أمته ولا بد لى من طاعتك ولفظ الصدقة اربعة أحرف كل منها اشارة الى معنى. اما الصاد فالصدّ اى الصدقة تصد وتمنع عن صاحبها مكروه الدنيا والآخرة. واما الدال فالدليل لانها تدل صاحبها الى الجنة. واما القاف فقربه الى الله تعالى. واما الهاء فهداية الله تعالى: قال بعضهم
زان پيش كه دست ساقئ دهر ... در جام مرارت افكند زهر
از سر إ اين كلاه ودستار ... جهدى بكن ودلى بدست آر
كين سر همه سال با كله نيست ... وين روى هميشه همچومه نيست
فمن ساعده المال فلينفق في سبيل الله الملك المتعال وليشكر على غنى ومدد فلا يقطع رجاء أحد وفي الحديث (من قطع رجاء من التجأ اليه قطع الله رجاءه) - روى- ان بعض العلماء لما رأى هذا الحديث بكى بكاء شديدا وتحير في رعاية فحواه فقام وذهب الى واحد من الصلحاء ليستفسر معنى هذا الحديث ويدفع شبهته فلما دخل عليه رأى ذلك الرجل الصالح يأخذ بيده خبزا ويؤكله الكلب من يده فسلم فرد عليه السلام ولم يقم له كما كان يفعله قبل فلما أكل الكلب الخبز بالتمام قام له ولاطفه وقال معتذرا خذ العذر منى حيث لم أقم امتثالا لقول النبي عليه السلام (من قطع رجاء) الحديث وهذا الكلب رجا منى أكل الخبز ولم أقم خشية ان اقطع رجاءه فلما سمع هذا الكلام زاد تحيرا ولم يستفسر فتعجب من كرامته وقوته في باب الولاية واعلم ان ثمرات الإخلاص في طلب الحق ومرضاته تكون ضعفين بالنسبة الى من ينفق ويعمل الخيرات والطاعات لاجل الثواب الأخروي ورفعة الدرجات في الجنان فان حظه يكون من نعيم الجنة فحسب والمخلص في طلب الحق يكون له ضعف من قربة الحق وذولة الوصال وشهود ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وضعف من نعيم الجنة اوفى وأوفر(1/426)
أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)
من ضعف طالب الجنة ونعيمها بأضعاف مضاعفة اللهم اهدنا إليك أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ الهمزة لانكار الوقوع كما في قوله أاضرب ابى لا لانكار الواقع كما في قوله أتضرب أباك اى ما كان ينبغى ان يود رجل منكم أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ كائنة مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ والجنة تطلق على الأشجار الملتفة المتكائفة وهو الأنسب بقوله تعالى تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إذ على كونها بمعنى الأرض المشتملة على الأشجار الملتفة لا بد من تقدير مضاف اى من تحت أشجارها لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ الظرف الاول خبر والثاني حال والثالث مبتدأ اى صفة للمبتدأ قائمة مقامه اى له رزق من كل الثمرات كما في قوله تعالى وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ اى وما منا أحد الا له إلخ وليس المراد بالثمرات العموم بل انما هو التكثير كما في قوله تعالى وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فان قلت كيف قال جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ ثم قال لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ قلت النخيل والأعناب لما كانا أكرم الشجر وأكثرها نفعا خصهما بالذكر وجعل الجنة منهما وان كانت محتوية على سائر الأشجار تغليبا لهما على غيرهما ثم اردفهما ذكر كل الثمرات وَالحال انه قد أَصابَهُ الْكِبَرُ اى كبر السن الذي هو مظنة شدة الحاجة الى منافعها ومئنة كمال العجز عن تدارك اسباب المعاش وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ اى أصابه الكبر والحال ان له ذرية صغارا لا يقدرون على الكسب وترتيب مبادى المعاش فَأَصابَها اى تلك الجنة إِعْصارٌ اى ريح عاصفة تستدير في الأرض ثم تنعكس منها ساطعة الى السماء على هيئة العمود فِيهِ نارٌ
شديدة فَاحْتَرَقَتْ فصارت نعمها الى الذهاب وأصلها الى الخراب فبقى الرجل متحيرا لا يجد ما يعود به عليها ولا قوة له ان يغرس مثلها ولا خير في ذريته من الاعانة لكونهم ضعفاء عاجزين عن ان يعينوه وهذا كما ترى تمثيل لحال من يفعل الافعال الحسنة ويضم إليها ما يحبطها كرياء وإيذاء في الحسرة والأسف إذا كان يوم القيامة واشتدت حاجته إليها ووجدها محبطة بحال من هذا شأنه وأشبههم به من جال بسره في عالم الملكوت وترقى بفكره الى جنات الجبروت ثم نكص على عقبيه الى عالم الزور والتفت الى ما سوى الحق وجعل سعيه هباء منثورا: قال الحافظ زاهد ايمن مشو از بازئ غيرت زنهار كه ره از صومعه تا دير مغان اين همه نيست كَذلِكَ اى مثل ذلك البيان الواضح الذي بين فيما مر من الجهاد والانفاق في سبيل الله وقصة ابراهيم وعزير وغير ذلك لكم ايها الفريق يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ اى الدلالات الواضحة في تحقيق التوحيد وتصديق الدين لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ كى تتفكروا فيها وتعتبروا بما فيها من العبر وتعملوا بموجبها قال القشيري هذه آيات ذكرها الله على جهة ضرب المثل للمخلص والمنافق والمنفق في سبيل الله والمنفق في الباطل هؤلاء يحصل لهم الخلف والشرف وهؤلاء يحصل لهم السرف والتلف وهؤلاء ضل سعيهم وهؤلاء شكر سعيهم وهؤلاء تزكو أعمالهم وهؤلاء حبطت أعمالهم وخسرت أموالهم وختمت بالسوء أحوالهم وتضاعف عليهم وبالهم وثقل ومثل هؤلاء كالذى أنبت زرعا زكا أصله ونما فضله وعلا فرعه وكثر نفعه ومثل هؤلاء كالذى خسرت صفقته وسرقت بضاعته وضاقت على كبر سنه غلته(1/427)
وتواترت من كل وجه محنته هل يستويان مثلا وهل يتقاربان شبها انتهى فلا بد من اخلاص الأعمال فان الثمرات تبتنى على الأصل وعن معاذ بن جبل رضى الله عنه انه قال حين بعث الى اليمن يا رسول الله او صنى قال (أخلص دينك يكفك العمل القليل) وعلاج الرياء على ضربين. أحدهما قطع عروقه واستئصال أصوله وذلك بازالة أسبابه وتحصيل ضده واصل أسبابه حب الدنيا واللذة العاجلة وترجيحها على الآخرة. والثاني دفع ما يخطر من الرياء في الحال ودفع ما يعرض منه في أثناء العبادة فعليك في أول كل عبادة ان تفتش قلبك وتخرج منه خواطر الرياء وتقره على الإخلاص وتعزم عليه الى ان تتم لكن الشيطان لا يتركك بل يعارضك بخطرات الرياء وهي ثلاث مرتبة العلم باطلاع الخلق او رجاؤه ثم الرغبة في حمدهم وحصول المنزلة عندهم ثم قبول النفس له والركون اليه وعقد الضمير على تحقيقه فعليك رد كل
منها: قال السعدي قدس سره
قيامت كسى بينى اندر بهشت ... كه معنى طلب كرد ودعوى بهشت
گنهكار انديشناك از خداى ... بسى بهتر از عابد خود نماى
وفي التاتار خانية لو افتتح الصلاة خالصا لله تعالى ثم دخل في قلبه الرياء فهو على ما افتتح والرياء انه لو خلا عن الناس لا يصلى ولو كان مع الناس يصلى فاما لو صلى مع الناس يحسنها ولو صلى وحده لا يحسن فله ثواب اصل الصلاة دون الإحسان ولا يدخل الرياء في الصوم روى عن ابى ذر الغفاري رضى الله عنه الباري انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أبا ذر جدد السفينة فان البحر عميق واكثر الزاد فان السفر بعيد واقل من الحمولة فان الطريق مخوف وأخلص العمل فان الناقد بصير) والمراد من تجديد السفينة تحقيق الايمان وتكرير التوحيد ومن البحر هو جهنم قال تعالى ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا والمراد بالسفر سفر الآخرة والقيامة قال تعالى فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وزاد النعيم الطاعات وزاد الجحيم السيئات والمراد بالحمولة الذنوب والخطايا وأريد باقلالها نفيها رأسا وانما كان طريق الآخرة مخوفا لان الزبانية يأخذون اصحاب الحمل الثقيل من الطريق وليس هناك أحد يعين على حمل أحد وينصره وان كان من أقربائه قال تعالى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى والمراد بالناقد هو الله تعالى وهو طيب لا يقبل الا الطيب الخالص عن الشرك والرياء قال تعالى فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً اى خالصا لوجهه تعالى وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً وفي الحديث قال الله تعالى (انا غنى عن الشركاء فمن عمل لى وأشرك فيه غيرى فأنى برئ منه) وذكر عن وهب بن منبه انه قال امر الله تعالى إبليس ان يأتى محمدا عليه السلام ويجيبه عن كل ما يسأله فجاءه على صورة شيخ وبيده عكازة فقال له (من أنت) قال انا إبليس قال (لماذا جئت) قال أمرني ربى ان آتيك وأجيبك وأخبرك عن كل ما تسألنى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فكم اعداؤك من أمتي) قال خمسة عشر. أنت أولهم. وامام عادل. وغنى متواضع. وتاجر صدوق. وعالم متخشع. ومؤمن ناصح. ومؤمن رحيم القلب. وثابت على التوبة.(1/428)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)
ومتورع عن الحرام. ومؤمن مديم على الطهارة. ومؤمن كثير الصدقة. ومؤمن حسن الخلق مع الناس. ومؤمن ينفع الناس. وحامل القرآن المديم عليه. وقائم الليل والناس نيام قال عليه السلام (فكم رفقاؤك من أمتي) قال عشرة. سلطان جائر. وغنى متكبر.
وتاجر خائن. وشارب الخمر. والقتات. وصاحب الرياء. وآكل الربا. وآكل مال اليتيم. ومانع الزكاة. والذي يطيل الأمل وفي الحديث (ما منكم من أحد الا سيكلمه ربه ليس بينه وبين الله ترجمان ولا حجاب يحجبه فينظر ايمن منه فلا يرى الا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى الا ما قدم من عمله وينظر بين يديه فلا يرى الا النار تلقاء وجهه فاتقوا الله ولو بشق ثمرة) قال شيخى العلامة أبقاه الله بالسلامة قيل لى في قلبى احسن اخلاق المرء في معاملته مع الحق التسليم والرضى واحسن أخلاقه في معاملته مع الخلق العفو والسخاء: قال السعدي
غم وشادمان نماند وليك ... جزاى عمل ماند ونام نيك
كرم پاى دارد نه ديهيم وتخت ... بده كز تو اين ماند اى نيكبخت
مكن تكيه بر ملك وجاه وحشم ... كه پيش از تو بودست وبعد از تو هم
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله الذي امر المؤمنين بالإنفاق ليزكى به نفوسهم عن سفساف الأخلاق وهدى العارفين الى بذل المال والروح ليفتح لهم أبواب الفتوح والصلاة على المتخلق بأخلاق مولاه سيدنا محمد الذي جاء بالشفاعة لمن يهواه وعلى آله وأصحابه ممن اثر الله على ما سواه ووثق في اجر الانفاق بربه الذي أعطاه وبعد فان العبد العليل سمى الذبيح إسماعيل الناصح البروسى ثم الاسكوبى أوصله الله الى غاية المقام الحي يقول لما ابتليت بالنصح والعظة اهتممت في باب الموعظة فكنت التقط من التفاسير وانظم في سلك التحرير ما به ينحل عقد الآيات القرآنية والبينات الفرقانيه من غير تعرض لوجوه المعاني مما يحتمله المبانى قصدا الى التكلم بقدر عقول الناس وتصديا للاختصار الحامل على الاستئناس واضم الى كل آية ما يناسبها من الترغيب والترهيب وبعض من التأويل الذي لا يخفى على كل لبيب حتى انتهيت من سورة البقرة الى ما هنا من آيات الانفاق بعون الله الملك الخلاق فجعلت أول هذه الآية معنونا ليكون هذا النظم مع ما يضم اليه مدونا مقطوعا عما قبله من الآيات مجموعا بلطائف العظات ومن الله استمد ان يمهلنى الى ان آخذ بهذا المنوال القرآن العظيم وأقضي هذا الوطر الجسيم وأتضرع ان يجعله منتفعا به وذخر اليوم والمعاد ونعم المسئول والمراد يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ اى من حلال ما كسبتم او جياده لقوله تعالى لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وفسر صاحب الكشاف الطيبات بالجياد حيث قال من طيبات ما كسبتم من جياد مكسوباتكم ذكر بعض الأفاضل انه انما فسر الطيب بالجيد دون الحلال لان الحل استفيد من الأمر فان الانفاق من الحرام لا يؤمر به ولان قوله تعالى بعده وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ والخبيث هو الرديء المستخبث يدل على ان المعنى أنفقوا مما يستطاب من اكسابكم وَمِمَّا اى ومن(1/429)
طيبات ما أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ من الحبوب والثمار والمعادن وَلا تَيَمَّمُوا اى لا تقصدوا الْخَبِيثَ اى الرديء الخسيس. والخبيث نقيض الطيب ولهما جميعا ثلاثة معان الطيب الحلال والخبيث الحرام والطيب الطاهر والخبيث النجس والطيب ما يستطيبه الطبع والخبيث ما يستخبثه مِنْهُ تُنْفِقُونَ الجار متعلق بتنفقون والضمير للخبيث والتقديم للتخصيص والجملة حال من فاعل تيمموا اى لا تقصدوا الخبيث قاصرين الانفاق عليه والتخصيص لتوبيخهم بما كانوا يتعاطونه من انفاق الخبيث خاصة لا تسويغ إنفاقه مع الطيب عن ابن عباس رضى الله عنهما انهم كانوا يتصدقون بحشف التمر وشراره فنهوا عنه وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ حال من واو تنفقون اى تنفقون والحال انكم لا تأخذون الخبيث في معاملاتكم في وقت من الأوقات او بوجه من الوجوه إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ اى الا وقت إغماضكم فيه او الا باغماضكم يعنى لو كان لكم على رجل حق فجاء برديئ ماله بدل حقكم الطيب لا تأخذونه الا في حال الإغماض والتساهل مخافة فوت حقكم او لاحتياجكم اليه من قولك اغمض فلان عن بعض حقه إذا غض بصره ويقال للبائع اغمض اى لا تستقص كأنك لا تبصر وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عن انفاقكم وانما يأمركم به لمنفعتكم. وفي الأمر بان يعلموا ذلك مع ظهور علمهم به توبيخ لهم على ما يصنعون من إعطاء الخبيث وإيذان بان ذلك من آثار الجهل بشأنه تعالى فان إعطاء مثله انما يكون عادة عند اعتقاد المعطى ان الآخذ محتاج الى ما يعطيه بل مضطر اليه حَمِيدٌ مستحق للحمد على نعمه العظام واعلم ان المتصدق كالزارع والزارع إذا كان له اعتقاد بحصول الثمرة يبالغ في الزراعة وجودة البذر لتحققه ان جودة البذر مؤثرة في جودة الثمرة وكثرتها فكذلك المتصدق إذا ازداد إيمانه بالله والبعث والثواب والعقاب يزيد في الصدقة وجودتها لتحققه ان الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه اجرا عظيما والعبد كما اعطى الله أحب ما عنده فان الله يجازيه بأحب ما عنده كما قال تعالى هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ ودلت الآية على جواز الكسب وان احسن وجوه التعيش هو التجارة والزراعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان أطيب ما أكله الرجل من كسبه وان ولده من كسبه
) وكذلك أطيب الصدقات ما كانت من عمل اليد
بقنطار زر بخش كردن ز گنج ... نباشد چوقيراط از دست رنج
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يكسب عبد ما لا حراما فيتصدق منه فيقبل منه فيبارك له فيه ولا يتركه خلف ظهره الا كان زاده الى النار ان الله تعالى لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن ان الخبيث لا يمحو الخبيث) ووجوه الانفاق والصدقة كثيرة قال صلى الله عليه وسلم (ما من مسلم يغرس غرسا او يزرع زرعا فيأكل منه انسان أو طير أو بهيمة الا كانت له صدقة) - روى- ان النبي صلى الله عليه وسلم حث أصحابه على الصدقة فجعل الناس يتصدقون وكان ابو امامة الباهلي جالسا بين يدى النبي عليه السلام وهو يحرك شفتيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (انك تحرك شفتيك فماذا تقول) قال انى ارى الناس يتصدقون وليس معى شىء أتصدق به فأقول فى نفسى سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر فقال صلى الله عليه وسلم (هؤلاء الكلمات(1/430)
الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)
خير لك من مد ذهبا تتصدق به على المساكين) فعلى العاقل ان يواظب على الاذكار في الليل والنهار ويتصدق على الفقراء والمساكين بخلوص النية واليقين في كل حين
كرامت جوانمردى ونان دهيست ... مقالات بيهوده طبل تهيست
وجلس الإسكندر يوما مجلسا عاما فلم يسأل فيه حاجة فقال والله ما أعد هذا اليوم من ملكى قيل ولم ايها الملك قال لانه لا توجد لذة الملك الا باسعاف الراغبين واغاثة الملهوفين ومكافأة المحسنين قال السرى السقطي قدس سره في وصف الصوفية أكلهم أكل المرضى ونومهم نوم العرضي ومن تخليهم عن الاملاك ومفارقتهم إياها سموا فقراء فالصوفى ما لم يبذل ماله وروحه في طلب الله فهو صاحب دنيا والدنيا مانعة عن الوصول فعليك بالإيثار وكمال الافتقار الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ الوعد هو الاخبار بما سيكون من جهة المخبر مترتبا على شىء من زمان او غيره يستعمل فى الشر استعماله في الخير قال الله تعالى النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا والمعنى ان الشيطان يخوفكم بالفقر ويقول للرجل امسك مالك فانك إذا تصدقت به افتقرت وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ اى بالخصلة الفحشاء اى ويغريكم على البخل ومنع الصدقات إغراء الآمر المأمور على فعل المأمور به والعرب تسمى البخيل فاحشا وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ اى في الانفاق مَغْفِرَةً لذنوبكم اى مغفرة كائنة مِنْهُ عز وجل وَفَضْلًا كائنا منه تعالى اى خلفا مما أنفقتم زائدا عليه فى الدنيا وثوابا في العقبى وفيه تكذيب للشيطان وَاللَّهُ واسِعٌ قدرة وفضلا فيحقق ما وعدكم به من المغفرة واخلاف ما تنفقونه عَلِيمٌ مبالغ في العلم فيعلم انفاقكم فلا يكاد يضيع اجركم يُؤْتِي الْحِكْمَةَ اى مواعظ القرآن ومعنى ايتائها تبيينها والتوفيق للعلم والعمل بها اى يبينها ويوفق للعمل بها مَنْ يَشاءُ من عباده اى يؤتيها إياه بموجب سعة فضله واحاطة علمه كما آتاكم ما بينه في ضمن الآي من الحكم البالغة التي عليها يدور فلك منافعكم فاغتنموها وسارعوا الى العمل بها. والموصول مفعول أول ليؤتى قدم عليه الثاني للعناية به وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ اى يعط العلم والعمل فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً اى أي خير كثير فانه قد حيز له خير الدارين وَما يَذَّكَّرُ اى وما يتعظ بما اوتى من الحكمة إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ اى العقول الخالصة من شوائب الوهم والركون الى متابعة الهوى. فالمراد منهم الحكماء العلام العمال ولا يتناول كل مكلف وان كان ذا عقل لان من لا يغلب عقله على هواه فلا ينتفع به فكأنه لا عقل له قيل من اعطى علم القرآن ينبغى ان لا يتواضع لاهل الدنيا لاجل دنياهم لان ما أعطيه خير كثير والدنيا متاع قليل ولقوله عليه السلام (القرآن غنى لا غنى بعده) والاشارة أن الشيطان فقير يعد بالفقر ظاهرا فهو يأمر بالفحشاء حقيقة. والفحشاء اسم جامع لكل سوء لان عدته بالفقر تتضمن معانى الفحشاء وهي البخل والحرص واليأس من الحق والشك في مواعيد الحق للخلق بالرزق والخلف للمنفق ومضاعفة الحسنات وسوء الظن بالله وترك التوكل عليه وتكذيب قول الحق ونسيان فضله وكرمه وكفران النعمة والاعراض عن الحق والإقبال على الخلق وانقطاع الرجاء من الله تعالى وتعلق القلب بغيره ومتابعة الشهوات وإيثار الحظوظ الدنيوية وترك العفة والقناعة والتمسك بحب الدنيا وهو رأس كل حطيئة وبزر كل بلية فمن فتح على نفسه باب وسوسته(1/431)
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)
فسوف يبتلى بهذه الآفات ومن سد هذا الباب فان الله يكرمه بانواع الكرامات ورفعة الدرجات والله واسع عليم يؤتى من اجتنب عن وساوسه الحكمة وهي من مواهيه ترد على قلوب الأنبياء والأولياء عند تجلى صفات الجلال والجمال وفناء أوصاف الخلقية بشواهد صفات الخالقية فيكاشف الاسرار بحقائق معان أورثتها تلك الأنوار سرا بسر وإضمارا بإضمار. فحقيقة الحكمة نور من أنوار صفات الحق يؤيد الله به عقل من يشاء من عباده فهذه ليست مما تدرك بالعقول والبراهين العقلية والنقلية واما المعقولات فهى مشتركة بين اهل الدين واهل الكفر فالمعقول ما يحكم العقل عليه ببرهان عقلى وهذا ميسر لكل عاقل بالدراية وعالم بالقراءة فمن صفى عقله عن شوب الوهم والخيال فيدرك عقله المعقول بالبرهان دراية عقلية ومن لم يصف العقل عن هذه الآفات فهو يدرك المعقول قراءة بتفهيم أستاذ مرشد فاما الحكمة فليست من هذا القبيل وما يذكر الا أولوا الألباب وهم الذين لم يقنعوا بقشور العقول الانسانية بل سعوا في طلب لبها بمتابعة الأنبياء عليهم السلام فاخرجوهم من ظلمات قشور العقول الانسانية الى نور لب المواهب الربانية فتحقق لهم ان من لم يجعل الله له نورا فما له من نور فانتبه ايها المغرور المفتون بدار الغرور فلا يغرنك بالله الغرور قال من قال
نگر تا قضا از كجا سير كرد ... كه كورى بود تكيه بر غير كرد
فغان از بديها كه در نفس ماست ... كه ترسم شود ظن إبليس راست
قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاب الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض فانه لم يغض ما في يمينه) قال (وعرشه على الماء وبيده الاخرى القبض يرفع ويخفض) فالمؤمن يتخلق بأخلاق الله ويجود على الفقراء ويدفع ما وسوس اليه الشيطان من خوف الفقر فان الله بيده مفاتيح الأرزاق وهو المعطى على الإطلاق وَما كلمة شرط وهي للعموم أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ اى أي نفقة كانت في حق او باطل في سر أو علانية قليلة او كثيرة أَوْ نَذَرْتُمْ النذر عقد الضمير على شىء والتزامه وهو في الشرع التزام برله نظير في الشرع ولهذا لو نذر سجدة مفردة لا يصح الا ان تكون للتلاوة عند ابى حنيفة وأصحابه مِنْ نَذْرٍ أي نذر كان في طاعة او معصية بشرط او بغير شرط متعلق بالمال او بالافعال كالصلاة والصيام ونحوهما فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ الضمير عائد الى ما اى فانه تعالى يجازيكم عليه البتة ان خيرا فخير وان شرا فشر فهو ترغيب وترهيب ووعد ووعيد وَما لِلظَّالِمِينَ بالإنفاق والنذر في المعاصي او بمنع الصدقات وعدم الوفاء بالنذور او بانفاق الخبيث او بالرياء والمن والأذى وغير ذلك مما ينتظمه معنى الظلم الذي هو عبارة عن وضع الشيء في غير موضعه الذي يحق ان يوضع فيه مِنْ أَنْصارٍ اى أعوان ينصرونهم من بأس الله وعقابه لا شفاعة ولا مدافعة وإيراد صيغة الجمع لمقابلة الظالمين اى وما لظالم من الظالمين من نصير من الأنصار إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ اى ان تظهروا الصدقات فنعم شىء ابداؤها بعد ان لم يكن رياء وسمعة وهذا في الصدقات المفروضة واما في صدقة التطوع فالاخفاء أفضل وهي التي أريد بقوله وَإِنْ تُخْفُوها اى تعطوها خفية وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ ولعل التصريح بايتائها الفقراء(1/432)
مع انه واجب في الإبداء ايضا لما ان الإخفاء مظنة الالتباس والاشتباه فان الغنى ربما يدعى الفقر ويقدم على قبول الصدقة سرا ولا يفعل ذلك عند الناس فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ اى فالاخفاء خير لكم من الإبداء وكل متقبل إذا صلحت النية وهذا في التطوع ومن لم يعرف بالمال واما فى الواجب فبالعكس ليقتدى به كالصلاة المكتوبة في الجماعة أفضل والنافلة في البيت ولنفى التهمة وسوء الظن حتى إذا كان المزكى ممن لا يعرف باليسار كان اخفاؤه أفضل خوف الظلمة عن ابن عباس رضى الله عنهما صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها سبعين ضعفا وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفا وَالله يُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ من تبعيضية اى شيأ من سيآتكم لانه يمحو بعض الذنوب بالتصدق في السر والعلانية او زائدة على رأى الأخفش فالمعنى يمحو عنكم جميع ذنوبكم وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ من الاسرار والإعلان خَبِيرٌ فهو ترغيب في الاسرار ذكر الامام في ان الاسرار والإخفاء في صدقة التطوع أفضل وجوها الاول انها ابعد من الرياء والسمعة قال صلى الله عليه وسلم (لا يقبل من مسمع ولامرائى ولا منان) والمتحدث في صدقة لا شك انه يطلب السمعة والمعطى في ملأ من الناس يطلب الرياء فالاخفاء والسكوت هو المخلص منهما. وقد بالغ قوم في صدقة الإخفاء واجتهدوا ان لا يعرفهم أحد فكان بعضهم يلقيها في يد أعمى وبعضهم يلقيها في طريق الفقير في موضع جلوسه حيث يراه ولا يرى المعطى وبعضهم كان يشدها في ثوب الفقير وهو نائم وبعضهم كان يوصل الى يد الفقير على يد غيره وثانيها انه إذا أخفى صدقته لم يحصل له من الناس شهرة وتمدح وتعظيم فكان ذلك أشق على النفس فوجب ان يكون اكثر ثوابا وثالثها قوله صلى الله عليه وسلم (أفضل الصدقة جهد المقل الى فقير في سر) وقال ايضا (ان العبد يعمل عملا ان في السر فيكتبه الله تعالى سرا فان أظهره نقل من السر وكتب في العلانية فان تحدث نقل من السر والعلانية وكتب في الرياء) وفي الحديث (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله امام عدل وشاب نشأ في عبادة الله تعالى ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود اليه
ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال انى أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فاخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) وقال صلى الله عليه وسلم (صدقة السر تطفئ غضب الرب) واما الوجه في جواز اظهار الصدقة فهو ان الإنسان إذا علم انه إذا أظهرها صار في ذلك سببا لاقتداء الحلق به فالاظهار أفضل قال محمد بن على الحكيم الترمذي ان الإنسان إذا اتى بعمله وهو يخفيه عن الخلق وفي نفسه شهوة ان يرى الخلق منه ذلك وهو يدفع تلك الشهوة فههنا الشيطان يردد عليه رؤية الخلق والقلب ينكر ذلك ويدفعه فهذا الإنسان في محاربة الشيطان فضوعف العمل في السر سبعين ضعفا على العلانية ثم ان تقرب العبد الى الله انما يكون بفرض أوجبه الله عليه او بنفل أوجبه العبد على نفسه فعلى كلا التقديرين الله عليم بهما فيجازى العبد بهما كما قال في حديث ربانى (لن يتقرب الى المتقربون بمثل ما افترضت عليهم ولا يزال العبد يتقرب الى بالنوافل حتى أحبه فاذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ولسانا ويدا فبى يسمع وبي يبصر وبي ينطق وبي يبطش)(1/433)
لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)
ولكن الشأن اخلاص العمل لله من غير شوبه بعلة دنيوية او أخروية فانها شرك والشرك ظلم عظيم فلا بد من الاجتناب
چورويى بخدمت نهى بر زمين ... خدا را ثنا گوى وخود را مبين
فاخفاء الصدقة اشارة في الحقيقة الى تخليصها من شوب الحظوظ النفسانية لتكون خالصة لله فصاحبها يكون في ظل الله كما قال عليه السلام (المرء يكون في ظل صدقته يوم القيامة) يعنى ان كانت صدقته لله فيكون في ظل الله وان كانت صدقته للجنة فيكون في ظل الجنة وان كانت صدقته للهوى فيكون في ظل هاوية فافهم جدا
رطب ناورد چوب خر زهره بار ... چهـ تخم افكنى بر همان چشم دار
لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ اى لا يجب عليك يا محمد ان تجعلهم مهديين الى الإتيان بما أمروا به من المحاسن والانتهاء عما نهوا عنه من القبائح المعدودة وانما الواجب عليك الإرشاد الى الخير والحث عليه والنهى عن الشر والردع عنه بما اوحى إليك من الآيات والذكر الحكيم والخطاب خاص والمراد عام يتناول كل اهل الإسلام وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي هداية خاصة موصلة الى المطلوب حتما مَنْ يَشاءُ هدايته الى ذلك ممن يتذكر بما ذكر ويتبع ويختار الخير فهدى التوفيق على الله وهدى البيان على النبي صلى الله عليه وسلم وقيل لما كثر فقراء المسلمين نهى رسول الله عليه وسلم المسلمين عن التصدق على المشركين كى تحملهم الحاجة على الدخول في الإسلام فنزلت اى ليس عليك هدى من خالفك حتى تمنعهم الصدقة لاجل دخولهم فى الإسلام وفيه ايماء الى ان الكفر لا يمنع صدقة التطوع واختلف في الواجب فجوزه ابو حنيفة وأباه غيره وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ اى أي شىء تتصدقوا كائن من مال فَلِأَنْفُسِكُمْ اى فهو لانفسكم لا ينتفع به غيركم فلا تمنوا على من أعطيتموه ولا تؤذوه ولا تنفقوا من الخبيث او فنفعه الديني لكم لا لغيركم من الفقراء حتى تمنعوه ممن لا ينتفع به من حيث الدين من فقراء المشركين وعن بعض العلماء لو كان شر خلق الله لكان لك ثواب نفقتك وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ استثناء من أعم العلل او أعم الأحوال اى ليست نفقتكم لشئ من الأشياء الا لابتغاء وجه الله او ليست في حال من الأحوال الا حال ابتغاء وجه الله فما بالكم تمنون بها وتنفقون الخبيث الذي لا يوجه مثله الى الله وَما تُنْفِقُوا اى أي شىء تنفقوا مِنْ خَيْرٍ فى اهل الذمة وغيرهم يُوَفَّ إِلَيْكُمْ اى يوفر لكم اجره وثوابه أضعافا مضاعفة فلا عذر لكم في ان ترغبوا عن إنفاقه على احسن الوجوه وأجملها وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ اى لا تنقصون شيأ مما وعدتم من الثواب المضاعف لِلْفُقَراءِ اى اجعلوا ما تنفقونه للفقراء الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اى حبسوا نفوسهم في طاعته من الغزو والجهاد لا يَسْتَطِيعُونَ لاشتغالهم به ضَرْباً فِي الْأَرْضِ اى ذهابا فيها وسيرا في البلاد للكسب والتجارة وقيل هم اصحاب الصفة وهم نحو من اربعمائة رجل من مهاجرى قريش لم يكن لهم مساكن في المدينة ولا عشائر فكانوا في صفة المسجد وهي سقيفته يتعلمون القرآن بالليل ويرضحون النوى بالنهار وكانوا يخرجون في كل سرية بعثها رسول الله فكان من عنده فضل أتاهم به إذا امسى(1/434)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274) الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)
وعن ابن عباس رضى الله عنهما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على اصحاب الصفة فرأى فقرهم وجهدهم وطيب قلوبهم فقال (ابشروا يا اصحاب الصفة فمن لقى الله من أمتي على النعت الذي أنتم عليه راضيا بما فيه فانه من رفقائى) يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ اى يظنهم الجاهل بحالهم وشأنهم أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ اى من أجل نعففهم عن المسألة وهو ترك الطلب ومنع النفس عن المراد بالتكلف استحياء تَعْرِفُهُمْ اى تعرف فقرهم واضطرارهم بِسِيماهُمْ اى بما تعاين منهم من الضعف ورثارثة الحال. والسيما والسيمياء العلامة التي تعرف بها الشيء لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً مفعول له ففيه نفى السؤال والالحاف جميعا اى لا يسألون الناس أصلا فيكون إلحافا والالحاف الإلزام والإلحاح وهو ان يلازم السائل المسئول حتى يعطيه ويجوز السؤال عند الحاجة والإثم مرفوع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لان يأخذ أحدكم حيله فيذهب فيأتى بحزمة حطب على ظهره فيكف بها وجهه خير له من ان يسأل الناس أشياءهم أعطوه او منعوه) وعن النبي صلى الله عليه وسلم (ان الله يحب الحي الحليم المتعفف ويبغض البذي السائل الملحف) وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ فيجازيكم بذلك احسن جزاء فهو ترغيب في التصدق لا سيما على هؤلاء ثم زاد التحريض عليه بقوله الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً اى يعمون الأوقات والأحوال بالخير والصدقة فكلما نزلت بهم حاجة محتاج عجلوا قضاءها ولم يؤخروه ولم يتعللوا بوقت ولا حال وقيل نزلت في شأن الصديق رضى الله عنه حين تصدق بأربعين الف دينار عشرة آلاف منها بالليل وعشرة بالنهار وعشرة سرا وعشرة علانية فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ اى ثوابهم حاضر عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من مكروه آت وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ من محبوب فات واعلم ان الاتفاق على سادة اختاروا الفقر على الغنى محبة لله واقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حرفة فانه صلى الله عليه وسلم كان يقول (لى حرفتان الفقر والجهاد) وهم أحق بها واولى والعبد إذا أنفق من كل معاملة فيها خير من المال او الجاه او خدمة النفس او إعزاز او إكرام او إعظام او ارادة بالقلب حتى السلام على هؤلاء السادة استحقاقا وإجلالا لا استخفافا وإذلالا فان الله به عليم فان تقرب اليه في الانفاق بشبر يتقرب هو اليه في المجازاة بذراع وان تقرب بذراع يتقرب اليه بباع فلا نهاية لفصله ولا غاية لكرمه فطوبى لمن ترك الدنيا بطيب القلب واختار الله على كل شىء ومن كان لله كان الله له روى ان حسن ستة أشياء في ستة العلم والعدل والسخاوة والتوبة والصبر والحياء. العلم في العمل. والعدل في السلطان. والسخاوة فى الأغنياء. والتوبة في الشباب. والصبر في الفقر. والحياء في النساء. العلم بلا عمل كبيت بلا سقف والسلطان بلا عدل كبئر بلا ماء. والغنى بلا سخاوة كسحاب بلا مطر. والشباب بلا توبة كشجر بلا ثمر. والفقر بلا صبر كقنديل بلا ضياء. والنساء بلا حياء كطعام بلا ملح فعلى الغنى ان يمطر من سحاب غنى بركات الدين والدنيا وبتسبب لاحياء قلوب ماتت بالفقر والاحتياج فان الله لا يضيع اجر المحسنين
پسنديده رأيى كه بخشيد وخورد ... جهان از پى خويشتن كرد گرد(1/435)
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)
يعنى ان الذي له رأى صائب هو الذي تنعم بماله وأنعم وجمع الدنيا لاجله لا لغيره فان من جمع مالا ولم يأكل منه ولم يعط فهو جامع لغيره في الحقيقة إذ هو لوارثه بعده الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا اى يأخذونه وعبر عنه بالأكل لانه معظم المقصود من المال ولشيوعه في المطعومات والربا فضل في الكيل والوزن خال عن العوض عند ابى حنيفة وأصحابه ويجرى في الأشياء الستة الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والملح وكتب بالواو تنبيها على أصله لانه من ربا يربو وزيدت الالف تشبيها بواو الجمع لا يَقُومُونَ اى من قبورهم إذا بعثوا إِلَّا كَما يَقُومُ اى الا قياما مثل قيام الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ اى يضربه ويصرعه الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ اى الجنون متعلق بلا يقومون يعنى لا يقومون من المس الذي بهم الا كقيام المصروع المختل اى فاسد العقل ويكون ذلك سيماهم يعرفون به عند اهل الموقف وقيل الذين يخرجون من الأجداث يوفضون الا أكلة الربا فانهم ينهضون ويسقطون كالمصروعين لانهم أكلوا الربا فارباه الله تعالى في بطونهم حتى أثقلهم فلا يقدرون على الايفاض ذلِكَ اى العذاب النازل يهم بِأَنَّهُمْ قالُوا اى بسبب قولهم إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا فنظموا الربا والبيع في سلك واحد لافضائهما الى الربح فاستحلوه استحلاله وقالوا يجوز بيع درهم بدرهمين كما يجوز بيع ما قيمته درهم بدرهمين وحق الكلام ان يقال انما الربا مثل البيع الا انه على المبالغة اى اعتقدوه حلا حتى ظنوا انه اصل او قالوا انما البيع مثل الربا فلم لا يحل فان الزيادة في اوله كما هي في آخره- روى- ان اهل الجاهلية كان أحدهم إذا حل ماله على غريمه فطالبه به يقول الغريم لصاحب الاجل زدنى شيأ في الاجل حتى أزيدك فى المال فيفعلان ذلك ويقولان سواء علينا الزيادة في أول البيع بالربح او عند المحل لاجل التأخير فكذبهم الله وقال وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا اى كيف يتماثلان والبيع محلل بتحليل الله والربا محرم بتحريم الله تعالى فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ اى فمن بلغه وعظ وزجر كالنهى عن الربا مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى اى فاتعظ بلا تراخ وتبع النهى فَلَهُ ما سَلَفَ اى مضى من ذنبه فلا يؤاخذ به لانه أخذ قبل نزول التحريم وجعل ملكا له ولا يسترد منه وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ يجازيه على انتهائه ان كان عن قبول الموعظة وصدق النية. وقيل يحكم في شأنه يوم القيامة وليس من امره إليكم شىء فلا تطالبوه به وَمَنْ عادَ الى الربا مستحلا بعد النهى كما استحل قبله فَأُولئِكَ اشارة الى من باعتبار المعنى أَصْحابُ النَّارِ اى ملازموها هُمْ فِيها خالِدُونَ ماكثون ابدا يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا المحق نقضان الشيء حالا بعد حال حتى يذهب كله كما في محاق الشهر وهو حال آخذ الربا فان الله يذهب بركته ويهلك المال الذي يدخل فيه ولا ينتفع به ولده بعده وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ يضاعف ثوابها ويبارك فيها ويزيد المال الذي أخرجت منه الصدقة- روى- عنه صلى الله عليه وسلم (ان الله يقبل الصدقة ويربيها كما يربى أحدكم مهره) وعنه ايضا (ما نقصت زكاة من مال قط) وَاللَّهُ لا يُحِبُّ اى لا يرضى لان الحب مختص بالتوابين كُلَّ كَفَّارٍ مصر على تحليل المحرمات أَثِيمٍ منهمك في ارتكابها إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بالله ورسوله صلى(1/436)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)
الله عليه وسلم وبما جاءهم به وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ اى الطاعات وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ تخصيصهما بالذكر مع اندراجهما في الصالحات لا نافتهما على سائر الأعمال الصالحة لَهُمْ أَجْرُهُمْ الموعود لهم حال كونه عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من مكروه آت وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ من محبوب فات واعلم ان آكل الربا لحرصه على الدنيا مثله كمثل من به جوع الكلب فيأكل ولا يشبع حتى ينتفخ بطنه ويثقل عليه فكلما يقوم يصرعه ثقل بطنه فكذا حال اهل الربا يوم القيامة: ونعم ما قيل
توان بحلق فرو بردن استخوان درشت ... ولى شكم بدرد چون بگيرد ندار ناف
فالعاقل لا يأكل ما لا يتحمله في الدنيا والآخرة فطوبى لمن يقتصد في أخذ الدنيا ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها فهو ينجو من وبالها وهو مثل التاجر الذي يكسب المال بطريق البيع والشراء ويؤدى حقه وان كان له حرص في الطلب والجمع ولكن لما كان بامر الشرع وطريق الحل ولا يمنع ذا الحق حقه ما اضربه كما أضرّ بآكل الربا- روى- ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم وكسب البغي ولعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه والواشمة والمستوشمة والمصور قال عليه السلام (الربا بضع وسبعون بابا أدناها كأتيان الرجل أمه) يعنى كالزنى بامه والعياذ بالله فمن سمع هذا القول العظيم فليبادر بالتوبة الى باب المولى الكريم ذلك لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد. ومن اقرض شيأ بشرط ان يرد عليه أفضل فهو قرض جر منفعة وكل قرض جر منفعة فهو ربا وكان لابى حنيفة رحمه الله على رجل الف درهم سود فرد عليه الف درهم بيض فقال ابو حنيفة لا أريد هذا الأبيض بدل دراهمى فاخاف ان يكون هذا البياض ربا فرده وأخذ مثل دراهمه قال ابو بكر لقيت أبا خنيفة على باب رجل وكان يقرع الباب ثم يتنحى ويقوم في الشمس فسألته عنه فقال ان لى على صاحبه دينا وقد نهى عن قرض جر منفعة فلا انتفع بظل حائطه ويقرب منه ما روى عن ابى يزيد البسطامي قدس سره من انه اشترى من همذان حب القرطم ففضل منه شىء فلما رجع الى بسطام رأى فيه نملتين فرجع الى همذان ووضع النملتين فهذا هو الورع وكمال التقوى ومثل هذا لا يوجد في هذا الزمان وان وجد فاقل من القليل واكثر الناس ولو كانوا صوفية لا يفرقون بين الحلال والحرام والشبهات ولذا ترى امر الدين صار مهملا وعاد غريبا هدانا الله وإياكم الى سواء الطريق انه ولى التوفيق: قال جلال الدين الرومي
اى ز خودت بي وقوف لاف ترا يوف يوف ... فضل نبخشد ترا جبه ودستار وصوف
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ اى قوا أنفسكم عقابه وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا اى واتركوا تركا كليا ما بقي لكم غير مقبوض من مال الربا على من عاملتموه به إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ على الحقيقة فان ذلك مستلزم لامتثال ما أمرتم به البتة- روى- انه كان لثقيف مال على بعض قريش فطالبوهم عند المحل بالمال والربا فنزلت فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا اى ما أمرتم به من الاتقاء وترك البقايا اما مع انكار حرمته واما مع الاعتراف بها فَأْذَنُوا اى فاعلموا من اذن بالأمر إذ اعلم به بِحَرْبٍ اى بنوع من الحرب عظيم لا يقادر قدره(1/437)
وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)
كائن مِنَ عند اللَّهِ وَرَسُولِهِ وحرب الله حرب ناره اى بعذاب من عنده وحرب رسوله نار حربه اى القتال والفتنة فلما نزلت قالت ثقيف لا طاقة لنا بحرب الله ورسوله وَإِنْ تُبْتُمْ من الارتباء مع الايمان بحرمته بعد ما سمعتموه من الوعيد فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ تأخذونها كملا لا تَظْلِمُونَ غرماءكم بأخذ الزيادة وَلا تُظْلَمُونَ أنتم من قبلهم بالمطل وانتقص عن رأس المال هذا هو الحكم إذا تاب ومن لم يتب من المؤمنين وأصر على عمل الربا فان لم يكن ذا شوكة عزر وحبس الى ان يتوب وا كان ذا شوكة حاربه الامام كما يحارب الباغية كما حارب ابو بكر رضى عنه مانع الزكاة وكذا القول لو اجتمعوا على ترك الاذان او ترك دفن الموتى وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ اى وان وقع غريم من غرمائكم ذو عسرة وهي بالاعدام او كساد المتاع وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ اى وان وقع وهي من الانظار والامهال إِلى مَيْسَرَةٍ اى الى يسار وَأَنْ تَصَدَّقُوا اى وتصدقكم بإسقاط الدين كله عمن أعسر من الغرماء او بالتأخير والانظار خَيْرٌ لَكُمْ اى اكثر ثوابا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ جوابه محذوف اى ان كنتم تعلمون انه خير لكم عملتموه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يحل دين رجل مسلم فيؤخره الا كان له بكل يوم صدقة) وقال صلى الله عليه وسلم (من انظر معسرا أو وضع له أنجاه الله من كرب يوم القيامة) وفي القرص والادانة فضائل كثيرة- روى- ان امامة الباهلي رضي الله عنه رأى في المنام على باب الجنة مكتوبا القرض بثمانية عشر أمثاله والصدقة بعشر أمثالها فقال ولم هذا فاجيب بان الصدقة ربما وقعت في يدغنى وان صاحب القرض لا يأتيك الا وهو محتاج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاث من جاء بهن يوم القيامة مع ايمان دخل من أي أبواب الجنة شاء وزوج من حور العين كم شاء من عفا عن قاتل وقرأ دبر كل صلاة مكتوبة قل هو الله أحد عشر مرات ومن ادان دينا لمن يطلب منه) فقال ابو بكر الصديق او إحداهن يا رسول الله قال (او إحداهن) واعلم ان الاستدانة في احوال ثلاث فى ضعف قوته في سبيل الله وفي تكفين فقير مات عن قلة وفقر وفي نكاح يطلب به العفة عن فتنة العذوبة فيستدين متوكلا على الله فالله تعالى يفتح أبواب اسباب القضاء قال صلى الله عليه وسلم (من ادان دينا وهو ينوى قضاءه وكل به ملائكة يحفظونه ويدعون له حتى يقضيه) وكان جماعة السلف يستقرضون من غير حاجة لهذا الخبر ومهما قدر على قضاء الدين فليبادر اليه ولو قبل وقته وعن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام (الشهادة تكفر كل شىء الا الدين يا محمد) ثلاثا فعلى العاقل ان يقضى ما عليه من الديون ويخاف من وبال سوء نيته يوم يبعثون وهذا حال من ادى الفرض فانه يهون عليه ان يؤدى القرض. واما المرتكب وتارك الفرائض فلا يبالى بالفرائض فكيف بالديون والاقراض ولذا قيل
وامش مده آنكه بي نمازست ... ور خود دهنش ز فاقه بازست
كو فرض خدا نمى گذارد ... از قرض تو نيز غم ندارد
واحوال هذا الزمان مختلة كاخوانه فطوبى لمن تمسك بالقناعة في زمانه. ومن شرط المؤمن الحقيقي اتقاؤه بالله في ترك زيادات لا يحتاج إليها في امر الدين بل تكون شاغلة له عن الترقي(1/438)
وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)
فى مراتب الدين كما قال عليه السلام (من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه) وَاتَّقُوا يَوْماً نصب ظرفا تقديره واتقوا عذاب الله يوما او مفعولا به كقوله فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً اى كيف تتقون هذا اليوم الذي هذا وصفه مع الكفر بالله تُرْجَعُونَ فِيهِ على البناء للمفعول من الرجع اى تصيرون فيه إِلَى اللَّهِ لمحاسبة أعمالكم ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ من النفوس اى تعطى كملا ما كَسَبَتْ اى جزاء ما عملت من خير او شر وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ اى لا ينقصون من ثوابهم ولا يزادون على عقابهم وهو حال من كل نفس تفيد ان المعاقبين وان كانت عقوباتهم مؤبدة غير مظلومين في ذلك لما انه من قبل أنفسهم وعن ابن عباس رضى الله عنهما هذه آخر آية نزلت ولقى رسول الله ربه بعدها بسبعة او تسعة ايام او أحد وعشرين او أحد وثمانين يوما او ثلاث ساعات وقال له جبريل عليه السلام ضعها على رأس مائتين وثمانين آية من سورة البقرة فجعلت بين آية الدين وآية الربا تأكيدا للزجر عن الربا- روى- ان رسول صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين وبعث يوم الاثنين ودخل المدينة يوم الاثنين وقبض يوم الاثنين وكان مريضا ثمانية عشر يوما يعوده الناس وكان آخر ما يقول صلى الله عليه وسلم (الصلاة وما ملكت ايمانكم الصلاة فانا لله وانا اليه راجعون) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي فانها أعظم المصائب) وقال عليه السلام (من كان له فرطان من أمتي ادخله الله بهما الجنة) فقالت له عائشة رضى الله عنها فمن كان له فرط من أمتك قال (ومن كان له فرط يا موفقة) قالت فمن لم يكن له فرط من أمتك قال (انا فرط لامتى لن يصابوا بمثلى) قال تعالى وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ فكانت حياته ومماته رحمة قال صلى الله عليه وسلم (إذا أراد الله بامة رحمة قبض نبيها قبلها فجعله سلفا وفرطا لها) ورثاه صلى الله عليه وسلم بعض الأنصار فقال
الصبر يحمد في المواطن كلها ... الا عليك فانه مذموم
واعلم ان الله تعالى جمع في هذه الآية خلاصة ما أنزله في القرآن وجعلها خاتم الوحى والانزال كما انه جمع خلاصة ما انزل من الكتب على الأنبياء في القرآن وجعله خاتم الكتب كما ان النبي عليه السلام خاتم الأنبياء عليهم السلام وقد جمع فيه اخلاق الأنبياء فاعلم ان خلاصة جميع الكتب المنزلة وفائدتها بالنسبة الى الإنسان عائدة الى معنيين. أحدهما نجاته من الدركات السفلى. وثانيهما فوزه بالدرجات العليا فنجاته في خروجه عن الدركات السفلى وهي سبعة الكفر والشرك والجهل والمعاصي والأخلاق المذمومة وحجب الأوصاف وحجاب النفس وفوزه في ترقيه على الدرجات العليا وهي ثمانية المعرفة لله والتوحيد لله والعلم والطاعات والأخلاق الحميدة وجذبات الحق والفناء عن انانيته والبقاء بهويته فهذه الآية تشير الى مجموعها اجمالا قوله تعالى وَاتَّقُوا هى لفظة شاملة لما يتعلق بالسعي الإنساني من هذه المعاني لان حقيقة التقوى مجانبة ما يبعدك عن الله ومباشرة ما يقربك اليه دليله قول النبي عليه السلام (جماع التقوى قول الله تعالى ان الله يأمر بالعدل والإحسان) الآية فيندرج تحت التقوى على هذا المعنى الخروج عن الدركات السفلى والترقي على الدرجات العليا. فتقوى العوام الخروج عن الكفر بالمعرفة وعن الشرك بالتوحيد(1/439)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)
وعن الجهل بالعلم وعن المعاصي بالطاعات وعن الأخلاق المذمومة بالأخلاق المحمودة وهاهنا ينتهى سير العوام لان نهاية كسب الإنسان وغاية جهد المجتهدين في اقامة شرائط جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا. فمن هاهنا تقوى الخواص المجذوبين بجذبات لنهديهم سبلنا فتخرجهم الجذبة من حجب اوصافهم الى درجة تجلى صفات الحق فههنا ينقضى سلوك الخواص فيستظلون بظل سدرة المنتهى عندها جنة المأوى فينتفعون من مواهب إذ يغشى السدرة ما يغشى. واما تقوى خواص الخواص فبجذبة رفرف العناية بجذب ما زاغ البصر وما طغى من سدرة منتهى الأوصاف الى قاب قوسين نهاية حجب النفس وبداية أنوار القدس فهناك من عرف نفسه فقد عرف ربه فبالتقوى الحقيقية يجد الايمان الحقيقي فمعنى وَاتَّقُوا جاهدوا فينا بجهدكم وطاقتكم يَوْماً يعنى ليوم فيه لنهدينكم بجذبات العناية تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ أشار بلفظ الرجوع اليه ليعلم ان الشروع كان منه هدانا الله وإياكم الى مقام الجمع واليقين وشرفنا بلطائف التحقيق والتمكين انه نصير ومعين يصيب برحمته من يشاء من عباده الصالحين يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ اى إذا داين بعضكم بعضا وعامله نسيئة معطيا او آخذا كما تقول بايعته إذا بعته او باعك وفائدة ذكر الدين دفع توهم كون التداين بمعنى المجازاة والتنبيه على تنوعه الى الحال والمؤجل وانه الباعث على الكتب وتعيين المرجع للضمير المنصوب المتصل بالأمر وهو فاكتبوه إِلى أَجَلٍ متعلق بتداينتم مُسَمًّى بالأيام او الأشهر او السنة وغيرها مما يفيد العلم ويرفع الجهالة لا بالحصاد والدياس وقدوم الحاج مما لا يرفعها فَاكْتُبُوهُ اى الدين بأجله لانه أوثق وادفع للنزاع والجمهور على استحبابه وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بيان لكيفية الكتابة المأمور بها وتعيين لمن يتولاها اثر الأمر بها اجمالا وقوله بينكم للايذان بان الكاتب ينبغى ان يتوسط بين المتداينين ويكتب كلامهما ولا يكتفى بكلام أحدهما بِالْعَدْلِ اى كاتب كائن بالعدل اى وليكن المتصدي للكتابة من شأنه ان يكتب بالتسوية من غير ميل الى أحد الجانبين لا يزيد ولا ينقص وهو امر للمتداينين باختيار كاتب فقيه دين يجئ كتابه موثقا به معدلا بالشرع وَلا يَأْبَ كاتِبٌ اى لا يمتنع أحد من الكتاب أَنْ يَكْتُبَ كتاب الدين كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ على طريقة ما علمه الله من كتب الوثائق فَلْيَكْتُبْ تلك الكتابة المعلمة امر بها بعد النهى عن ابائها تأكيدا لها وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ الإملال هو الاملاء وهو إلقاء المعنى على الكاتب للكتابة اى ليكن المملل اى مورد المعنى على الكاتب من عليه الحق اى الدين لانه المشهود عليه فلا بد ان يكون هو المقر وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ جمع بين الاسم الجليل والنعت الجميل للمبالغة في التحذير اى وليتق المملى دون الكاتب كما قيل لقوله تعالى وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ اى من الحق الذي يمليه على الكاتب شَيْئاً فانه هو الذي يتوقع منه البخس خاصة. واما الكاتب فيتوقع منه الزيادة كما يتوقع منه البخس وانما شدد في تكليف المملى حيث جمع فيه بين الأمر بالاتقاء والنهى عن البخس لما فيه من الدواعي الى المنهي عنه فان الإنسان مجبول على دفع الضرر عن نفسه وتخفيف ما في ذمته فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً ناقص العقل مبذرا مجازفا أَوْ ضَعِيفاً صبيا او شيخا مختلا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ اى غير مستطيع للاملاء بنفسه لخرس اوعى(1/440)
او جهل او غير ذلك من العوارض فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ اى الذي يلى امره ويقوم مقامه من قيم او وكيل او مترجم بِالْعَدْلِ اى من غير نقص ولا زيادة وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ اى اطلبوهما ليتحملا الشهادة على ما جرى بينكما من المداينة وتسميتهما شهيدين لتنزيل المشارف منزلة الكائن مِنْ رِجالِكُمْ متعلق باستشهدوا اى من اهل دينكم يعنى من الأحرار البالغين المسلمين إذ الكلام في معاملاتهم فان خطابات الشرع لا تنتظم العبيد بطريق العبارة واما إذا كانت المداينة بين الكفرة او كان من عليه الحق كافرا فيجوز استشهاد الكافر عندنا فَإِنْ لَمْ يَكُونا اى الشهيدان جميعا على طريقة نفى الشمول لا شمول النفي رَجُلَيْنِ اما لاعوازهما او لسبب آخر من الأسباب فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ اى فلشهد رجل وامرأتان وشهادة النساء مع الرجال في الأموال جائزة بالإجماع دون الحدود والقصاص فلابد فيهما من الرجال مِمَّنْ تَرْضَوْنَ متعلق بمحذوف وقع صفة لرجل وامرأتان اى كائنون مرضيين عندكم وتخصيصهم بالوصف المذكور مع تحقق اعتباره في كل شهيد لقلة اتصاف النساء به مِنَ الشُّهَداءِ متعلق
بمحذوف وقع حالا من الضمير المحذوف الراجع الى الموصول اى ممن ترضونهم كائنين من بعض الشهداء لعلمكم بعدالتهم وثقتكم بهم وادراج النساء في الشهداء بطريق التغليب أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما اى احدى المرأتين الشاهدتين فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وهذا تعليل لاعتبار العدد فى النساء والعلة في الحقيقة هي التذكير ولكن الضلال لما كان سببا له نزل منزلته كما في قولك اعددت السلاح ان يجيئ عدو فادفعه فالاعداد للدفع لا لمجيئ العدو لكن قدم عليه المجيء لانه سببه كأنه قيل لاجل ان تذكر إحداهما الاخرى ان ضلت الشهادة بأن نسيت ثم حث الشهداء على اقامة الشهادة بقوله وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا لاداء الشهادة او لتحملها وما مزيدة وَلا تَسْئَمُوا اى لا تملوا من كثرة مدايناتكم أَنْ تَكْتُبُوهُ اى من ان تكتبوا الدين او الحق او الكتاب صَغِيراً أَوْ كَبِيراً حال من الضمير اى حال كونه صغيرا او كبيرا اى قليلا او كثيرا او مجملا او مفصلا إِلى أَجَلِهِ متعلق بمحذوف وقع حالا من الهاء في تكتبوه اى مستقرا في الذمة الى وقت حلوله الذي أقر به المديون ذلِكُمْ اى كتب الحق الى اجله ايها المؤمنون أَقْسَطُ اى اعدل عِنْدَ اللَّهِ اى في حكمه تعالى وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ اى اثبت لها وأعون على إقامتها وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا اى اقرب الى انتفاء ريبكم في جنس الدين وقدره واجله وشهوده ونحو ذلك إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ استثناء منقطع من الأمر بالكتابة اى لكن وقت كون تداينكم او تجارتكم تجارة حاضرة بحضور البدلين تديرونها بينكم بتعاطيها يدا بيد فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها اى فلا بأس بان لا تكتبوها لبعده عن التنازع والنسيان وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ اى هذا التبايع او مطلقا لانه أحوط. والأوامر الواردة في الآية الكريمة للندب عند الجمهور وَلا يُضَارَّ يحتمل البناء على الفاعل وعلى المفعول فعلى الاول نهى للكاتب عن ترك الاجابة الى ما يطلب منه وعن التحريف والزيادة والنقصان اى لا يمتنع(1/441)
كاتِبٌ عن الكتابة المقصودة وَلا شَهِيدٌ اى ولا يمتنع الشاهد عن اقامة الشهادة المعلومة وعلى الثاني النهى عن الضرار بالكاتب والشاهد اى لا يوصل أحد مضرة للكاتب والشهيد إذا كانا مشغولين بما يهمهما ويوجد غيرهما فلا يضاران بابطال شغلهما وقد يكون إضرار الكاتب والشهيد بان لا يعطى حقهما من الجعل فيكون النهى عن ذلك وَإِنْ تَفْعَلُوا ما نهيتم عنه من الضرار فَإِنَّهُ اى فعلكم ذلك فُسُوقٌ بِكُمْ اى خروج عن الطاعة ملتبس بكم وَاتَّقُوا اللَّهَ فى مخالفة أوامره ونواهيه التي من جملتها نهيه عن المضارة وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ أحكامه المتضمنة لمصالحكم وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فلا يخفى عليه حالكم وهو مجازيكم بذلك ثم هذه الآية أطول آية في القرآن وابسطها شرحا وأبينها وأبلغها وجوها يعلم بذلك ان مراعاة حقوق الخلق واجبة والاحتياط على الأموال التي بها امور الدين والدنيا لازم فمن سعى بالحق فقد نجا والا فقد غوى
كسى را كه سعى قدم بيشتر ... بدرگاه حق منزلش پيشتر
والله تعالى من كمال رحمته على عباده علمهم كيفية معاملاتهم فيما بينهم لئلا يجرى من بعضهم على بعض حيف ولئلا يتخاصموا ويتنازعوا فيحقد بعضهم على بعض فامر بتحصين الحقوق بالكتابة والاشهاد وامر الشهود بالتحمل ثم بالإقامة وامر الكاتب ان يكتب كما علمه الله بالعدل وراعى في ذلك دقائق كثيرة كما ذكرها فيشير بهذه المعاني الى ثلاثة احوال. أولها حال الله تعالى مع عباده فيظهر من آثار الطافه معهم انه تعالى كيف يرفق بهم ويعلمهم كيفية معاملاتهم الدنيوية حتى لا يكونوا في خسران من امر دنياهم ولا يكون فيما بينهم عداوة وخصومة تؤدى الى تنغيص عيشهم في الدنيا وعقوبة في الآخرة فيستدلوا بها على ان تكاليف الشرع التي أمروا بها ايضا من كمال مرحمته استعملهم بها ليفيض بها عليهم سجال نعمه كقوله تعالى ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ الآية. وثانيها حال العباد مع الله ليعلموا برعاية هذه الدقائق للامور الدنيوية الفانية ان للامور الاخروية الباقية فيما بينهم وبين الله ايضا دقائق كثيرة والعباد بها محاسبون وعلى مثقال ذرة من خيرها مثابون وعلى مثقال ذرة من شرها معاقبون وانها بالرعاية اولى وأحرى من امور الدنيا وان الله تعالى كما امر العباد ان يكتبوا كتاب المبايعة فيما بينهم ويستشهدوا عليهم
العدول قد كتب كتاب مبايعة جرت بينه وبين عبادة في الميثاق فان الله تعالى اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة وعلى هذا عاهدهم واشهد الملائكة الكرام عليه ثم رقم في الكتاب ان ياقوتة من الجنة وديعة وهي الحجر الأسود. وثالثها حال العباد فيما بينهم فليعتبر كل واحد منهم من ملاطفات الحق معهم وليتخلق بأخلاق الحق في مخالقتهم وليتوسل الى الله بحسن مرافقتهم وليحفظ حدود الله في مخالفتهم وموافقتهم وليتمسك بعروة محبتهم في الله وجذبتهم لله ونصحهم بالله ليحرز في رفقتهم صراطا مستقيما ويفوز من زمرتهم فوزا عظيما ففى جميع الأحوال كونوا مع الله كما قال وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ اى اتقوا في الأحوال الثلاثة كما يعلمكم الله بالعبارات والإشارات وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ تعملونه في جميع الأحوال من الأقوال والافعال(1/442)
وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)
عَلِيمٌ يعلم مضمون ضمائركم ومكنون سرائركم فيجازيكم على حسن معاملتكم بقدر خلوصكم وصفاء نياتكم وصدق طوياتكم فطوبى لمن صفى قلبه عن سفساف الأخلاق وعزم الى عالم السر والإطلاق واحسن المعاملة مع الله في جميع الحالات ووصل الى الدرجات العاليات
حقائق سراييست آراسته ... هوا وهوس گرد برخاسته
نه بينى كه جايى كه برخاست گرد ... نه بيند نظر گر چهـ بيناست مرد
يعنى ان عالم الغيب كالبيت المزين والهوى كالنقع المثار فما دام لم يترك المرء هواه لا يرى ما يهواه فان الحجاب إذا توسط بين الرائي والمرئي يمنع من الرؤية فارفع الموانع من البين وتشرف بوصول العين وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ اى مسافرين اى متوجهين اليه ومقبلين وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فى المداينة بان لا يحسن الكتابة او لا توجد الصحيفة او الدواة والقلم ولم يتعرض لحال الشاهد لما انه في حكم الكاتب توثقا واعوازا فَرِهانٌ جمع رهن اى فالتوثق رهن مَقْبُوضَةٌ اى مسلمة الى المرتهن ولا بد من القبض حتى لو رهن ولم يسلم لا يجبر الراهن على التسليم وانما شرط السفر في الارتهان مع ان الارتهان لا يختص به سفر دون حضر لان السفر لما كان مظنة عدم الكتب باعواز الكاتب والشاهد امر بالارتهان ليقوم مقامهما تأكيدا وتوثيقا لحفظ المال فالكلام خرج على الأعم الأغلب لا على سبيل الشرط وقدر رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه في المدينة من يهودى بعشرين صاعا من شعير واخذه لاهله فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً اى بعض الدائنين بعض المديونين لحسن ظنه به واستغنى بامانته عن الارتهان فلم يطلب منه الرهن فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ وهو المديون والائتمان الوثوق بامانة الرجل وانما عبر عنه بذلك العنوان لتعينه طريقا للاعلام ولحمله على الأداء أَمانَتَهُ اى فليقض المطلوب الامين ما في ذمته من الدين من غير رهن منه وسمى الدين امانة لتعلقه بالذمة كتعلق الامانة وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ فى رعاية حقوق الامانة وأداء الدين من غير مطل وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ ايها الشهود إذا دعيتم الى الحاكم لادائها على وجهها وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ فاعل آثم كأنه قيل فانه يأثم قلبه فان قلت هلا اقتصر على قوله فانه آثم وما فائدة ذكر القلب والجملة هي الآثمة لا القلب وحده قلت كتمان الشهادة هو ان يضمرها ولا يتكلم بها فلما كان الإثم مقترفا بالقلب أسند اليه لان اسناد الفعل الى الجارحة التي يعمل بها ابلغ الأتراك تقول إذا أردت التوكيد هذا مما أبصرته عينى ومما سمعته اذنى ومما عرفه قلبى ولان القلب هو رأس الأعضاء والمضغة التي ان صلحت صلح الجسد كله وان فسدت فسد الجسد كله فكأنه قيل فقد تمكن الإثم في اصل نفسه وملك اشرف مكان منه ولئلا يظن ان كتمان الشهادة من الآثام المتعلقة باللسان فقط وليعلم ان القلب اصل متعلقه ومعدن اقترافه واللسان ترجمان عنه ولان افعال القلوب أعظم من افعال سائر الجوارح وهي لها كالاصول التي تتشعب منها ألا ترى ان اصل الحسنات والسيئات الايمان والكفر وهما من افعال القلوب فاذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب فقد شهد له بانه من معاظم الذنوب وعن ابن عباس رضى الله عنهما اكبر الكبائر الإشراك بالله لقوله تعالى فقد حرم الله عليه(1/443)
لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)
الجنة وشهادة الزور وكتمان الشهادة وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ فيجازيكم به ان خيرا فخير وان شرا فشر وكتمان الشهادة وشهادة الزور من الأعمال التي تجر صاحبها الى النار فانهما من علامات سنخ القلب قال تعالى فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ والمراد سنخ القلب ونعوذ بالله من ذلك وهما أسهل وقوعا بين الناس والحوامل عليهما كثيرة كالعداوة وغيرها واعلم ان اهل الدين طائفتان الواقفون والسائرون. فالواقف من لزم عتبة الصورة ولم يفتح له باب الى عالم المعنى فهو كالفرخ المحبوس في قشر البيضة فيكون مشربه من عالم المعاملات البدنية فلا سبيل له الى عالم القلب ومعاملاته فهو محبوس في سجن الجسد وعليه موكلان من الكرام الكاتبين يكتبان عليه اعماله الظاهرة بالنقير والقطمير والسائر من لم يقم ولم ينزل في منزل فهو مسافر من عالم الصورة الى عالم المعنى ومن مضيق الأجساد الى متسع الأرواح وهم صنفان صنف سيار وصنف طيار. فالسيار من يسير بقدم الشرع والعقل على جادة الطريقة. والطيار من يطير بجناحي العشق والهمة في فضاء الحقيقة وفي رجله جلجلة الشريعة فالاشارة في قوله وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً الى السيار الذي تخلص من سجن الجسد وقيد الحواس وزحمة التوكيل فلم يجد له كاتبا يكتب عليه كما قال بعضهم ما كتب على صاحب الشمال منذ عشرين سنة وقال بعضهم كاشف لى صاحب اليمين وقال لى أمل على شيأ من معاملات قلبك لاكتبه فانى أريد ان أتقرب به الى الله قال فقلت له حسبك الفرائض فالحبس والقيد والتوكيل لمن لم يؤد حق صاحب الحق او يكون هاربا منه فيحبس ويقيد ويوكل عليه فاما الذي آناء الليل وأطراف النهار يغدو ويروح فى طلب غريمه وما برح في جريمه فلا يحتاج الى التوكيل والتقييد فقوله وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ اشارة الى السيار الذي له قلب فيرهنه عند الله تعالى فالرهان هي القلوب التي ليس فيها غير الله المقبوضة بين إصبعين من أصابع الرحمن فاما الطيار الذي هو عاشق مفقود القلب مسلوب العقل مجذوب السير فلا يطالب بالرهن فانه مبطوش ببطشه الشديد مستهام ضاق مذهبه فى هوى من عز مطلبه كل امر في الهوى عجب وخلاصى منه أعجبه فلم يوجد في السموات والأرض ولا في الدنيا والآخرة أمين يؤتمن لحمل أعباء أمانته الا العاشق المسكين لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ من الأمور الداخلة في حقيقتهما والخارجة عنهما المتمكنة فيهما من اولى العلم وغيره اى كلها له تعالى خلقا وملكا وتصرفا لا شركة لغيره فى شىء منها بوجه من الوجوه فلا تعبدوا أحدا سواه ولا تعصوه فيما يأمركم وينهاكم وَإِنْ تُبْدُوا اى تظهروا ما فِي أَنْفُسِكُمْ اى في قلوبكم من السوء والعزم عليه وذلك بالقول او بالفعل أَوْ تُخْفُوهُ اى تكتموه عن الناس ولا تظهروه بأحد الوجهين ككتمان الشهادة وموالاة المشركين وغيرهما من المناهي ولا يندرج فيه ما لا يخلو عنه البشر من الوساوس وأحاديث النفس التي لا عقد ولا عزيمة فيها إذ التكليف بحسب الوسع ودفع ذلك مما ليس في وسعه يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ اى يجازيكم به يوم القيامة وهو حجة على منكرى الحساب من المعتزلة والروافض فَيَغْفِرُ اى فهو يغفر بفضله لِمَنْ يَشاءُ ان يغفر له وان كان ذنبه كبيرا وَيُعَذِّبُ(1/444)
بعد له مَنْ يَشاءُ ان يعذبه وان كان ذنبه حقيرا حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح ويعذب الكفار لا محالة لانه لا يغفر الشرك وتقديم المغفرة على التعذيب لتقدم رحمته على غضبه وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فكمال قدرته تعالى على جميع الأشياء موجب لقدرته سبحانه على ما ذكر من المحاسبة وما فرع عليه من المغفرة والتعذيب قال في التيسير دل ظاهر قوله او تخفوه على المؤاخذة بما يكون من القلب وجملته ان عزم الكفر كفر وحضرة الذنوب من غير عزم مغفورة وعزم الذنوب إذا ندم عليه ورجع عنه واستغفر منه مغفور فاما الهم بالسيئة ثم يمتنع عنه بمانع لا باختياره وهو ثابت على ذلك فانه لا يعاقب على ذلك عقوبة فعله يعنى بالعزم على الزنى لا يعاقب عقوبة الزنى وهل يعاقب على الخاطر عقوبة عزم الزنى قيل هو معفو عنه لقوله صلى الله عليه وسلم (ان
الله عفا لامتى عما حدثت به أنفسها ما لم يعمل او يتكلم) وأكثرهم على ان الحديث في الحضرة دون العزمة وان المؤاخذة في العزمة ثابتة وكذا قال الامام ابو منصور رحمه الله انتهى ما في التيسير. وربما يكون للانسان شركة في الإثم مثل القتل والزنى وغيرهما إذا رضى به من عامله واشتد حرصه على فعله وفي الحديث (من حضر معصية فكرهها فكأنما غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن حضرها) وفي حديث آخر (من أحب قوما على أعمالهم حشر في زمرتهم) اى جماعتهم (وحوسب يوم القيامة بحسابهم وان لم يعمل بأعمالهم) فعلى العاقل ان يرفع عن قلبه الخواطر الفاسدة ولا يجالس الجماعة الفاسقة كيلا يحشر فى زمرتهم
گر نشيند فرشته با ديو ... وحشت آموزد وخيانت وريو
از بدان نيكويى نياموزى ... نه كند كرك پوستين دوزى
والاشارة في الآية ان الله يطالب العباد بالاستدامة المراقبة واستصحاب المحاسبة لئلا يغفلوا عن حفظ حركات الظاهر وضبط خطرات الباطن فيقعوا في آفة ترك ادب من آداب العبودية فيهلكوا بسطوات الالوهية واعلم ان الإنسان مركب من عالمى الأمر والخلق فله روح نورانى من عالم الأمر وهو الملكوت الأعلى وله نفس ظلمانية سفلية من عالم الخلق ولكل واحدة منهما ميل الى عالمها فقصد الروح الى جوار رب العالمين وقربه وقصد النفس الى أسفل السافلين وغاية البعد عن الحق فبعث النبي صلى الله عليه وسلم ليزكى النفوس عن ظلمة أوصافها لتستحق بها جوار رب العالمين فتزكيتها في إخفاء ظلمة أوصافها بابداء أنوار اخلاق الروح عليها فى تحليتها بها فهذا مقام الأولياء مع الله يخرجهم من الظلمات الى النور وبعث الشيطان الى أوليائه وهم اعداء الله ليخرج أرواحهم من النور الروحاني الى الظلمات النفسانية بإخفاء أنوار أخلاقها في إبداء ظلمات اخلاق النفس عليها لتستحق بها دركة أسفل السافلين. فمعنى الآية فى التحقيق (ان تبدوا ما في أنفسكم) مودع من ظلمات الأوصاف النفسانية في الظاهر بمخالفات الشريعة وفي الباطن بموافقات الطبيعة أَوْ تُخْفُوهُ بتصرفات الطريقة في موافقات الشريعة ومخالفات الطبيعة يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ بطهارة النفس لقبول أنوار الروح وأخلاقه او بتلوث الروح لقبول ظلمات النفس وأخلاقها فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ فينور نفسه بانوار الروح وروحه بانوار الحق وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ(1/445)
آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)
فيعاقب نفسه بنار دركات السعير وروحه بنار فرقة العلى الكبير وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من اظهار اللطف والقهر على تركيب عالمى الخلق والأمر قَدِيرٌ كذا في تأويلات الكامل نجم الدين دايه قدس سره آمَنَ الرَّسُولُ اى صدق النبي عليه السلام بِما أُنْزِلَ اى بكل ما انزل إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ من آيات القرآن ايمانا تفصيليا متعلقا بجميع ما فيه من الشرائع والاحكام والقصص والمواعظ واحوال الرسل والكتب وغير ذلك من حيث انه منزل منه تعالى. والايمان بحقيقة أحكامه وصدق اخباره ونحو ذلك من فروع الايمان به من الحيثية المذكورة ولم يرد به حدوث الايمان فيه بعد ان لم يكن كذلك لانه كان مؤمنا بالله وبوحدانيته قبل الرسالة منه ولا يجوز ان يوصف بغير ذلك لكن أراد به الايمان بالقرآن فانه قبل إنزال القرآن اليه لم يكن عليه الايمان به وهو معنى قوله ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ اى ولا الايمان بالكتاب فانه قال وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ وَالْمُؤْمِنُونَ اى الفريق المعروفون بهذا الاسم وهو مبتدأ كُلٌّ مبتدأ ثان آمَنَ خبره والجملة خبر للمبتدأ الاول والرابط بينهما الضمير الذي ناب منابه التنوين وتوحيد الضمير في آمن مع رجوعه الى كل المؤمنين لما ان المراد بيان ايمان كل فرد منهم من غير اعتبار الاجتماع وتغيير سبك النظم عما قبله لتأكيد الاشعار بما بين إيمانه صلى الله عليه وسلم المبنى على المشاهدة والعيان وبين ايمانهم الناشئ عن الحجة والبرهان من التفاوت البين والاختلاف الجلى كأنهما متخالفان من كل وجه حتى في الهيئة الدالة عليهما اى كل واحد منهم آمن بِاللَّهِ وحده من غير شريك له في الالوهية والمعبودية هذا ايمان اثبات وتوحيد وَمَلائِكَتِهِ اى من حيث انهم عباد مكرمون له تعالى من شأنهم التوسط بينه تعالى وبين الرسل بانزال الكتب وإلقاء الوحى وهذا ايمان تصديق انهما من عند الله وتحليل ما أحله وتحريم ما حرمه وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ اى من الحيثية المذكورة وهذا ايمان اتباع وإطاعة ولم يذكر الايمان باليوم الآخر لاندراجه في الايمان بكتبه. وهذا على تقدير ان يوقف على قوله تعالى من ربه ويجعل والمؤمنون كلاما ابتدائيا واختاره ابو السعود العمادي. ويجوز ان يكون قوله والمؤمنون معطوفا على الرسول فيوقف عليه والضمير الذي عوض عنه التنوين راجع الى المعطوفين معا كأنه قيل آمن الرسول والمؤمنون بما انزل اليه من ربه ثم فصل ذلك. وقيل كل واحد من الرسول والمؤمنون آمن بالله خلا انه قدم المؤمن به على المعطوف اعتناء بشأنه وإيذانا باصالته صلى الله عليه وسلم في الايمان به واختار الكواشي هذا الوجه حيث قال والاختيار الوقف على المؤمنون وهو حسن ليكون المؤمنون داخلين فيما دخل النبي صلى الله عليه وسلم فيه اى الايمان لا نُفَرِّقُ اى يقول الرسول والمؤمنون لا نميز بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ بان نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما قال اليهود والنصارى. وأحد هاهنا بمعنى الجمع اى الآحاد فلذلك أضيف اليه بين لانه لا يضاف الا الى المتعدد والأحد وضع لنفى ما يذكر معه من العدد والواحد اسم لمفتتح العدد والواحد الذي لا نظير له والوحيد الذي لا نصير له وَقالُوا عطف على آمن وصيغة الجمع باعتبار المعنى وهو حكاية لامتثالهم الأوامر اثر حكاية ايمانهم سَمِعْنا اى(1/446)
فهمنا ما جاءنا من الحق وتيقنا بصحته وَأَطَعْنا ما فيه من الأوامر والنواهي قيل لما نزلت هذه الآية قال جبرائيل عليه السلام للرسول صلى الله عليه وسلم ان الله قد أثنى عليك وعلى أمتك فسل تعط فقال الرسول عليه السلام غُفْرانَكَ رَبَّنا اى اغفر لنا غفرانك كما قال (فضرب الرقاب) اى فاضربوا او نسألك غفرانك ذنوبنا المتقدمة او ما لا يخلو عنه البشر من التقصير في مراعاة حقوقك وهذا الوجه اولى لئلا يتكرر الدعاء بقوله في آخر السورة واغفر لنا وتقديم ذكر السمع والطاعة على طلب الغفران لما ان تقديم الوسيلة على المسئول ادعى الى الاجابة والقبول وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ اى الرجوع بالموت والبعث لا الى غيرك قال القاشاني آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ اى صدقه بقبوله والتخلق به كما قالت عائشة رضى الله عنها كان خلقه القرآن ومجرد قراءة القرآن بغير
عمل لا يفيد قال في تفسير الحنفي مثاله ان السلطان إذا وهب لاحد من ممالكه امارة وأعطاه رياسة او نيابة وكتب له توقيعا ان يطيعه اهل البلد كلها فاذا جاء الى البلد وقعد على المملكة وأطاعه الخلق ثم ان السلطان كتب له كتابا وامر له فيه ان يبنى له قصرا او دارا واسعة حتى لو حضر السلطان وجاء الى تلك المدينة ينزل في تلك الدار او القصر فوصل الكتاب اليه وهو لا يبنى ما امر به في الكتاب لكنه يقرأه كل يوم فلو حضر السلطان ولم يجد ما امره به حاضرا هل يستحق ذلك الأمير خلعة من السلطان او ثناء او لا بل ظاهره انه يستحق الضرب والشتم والحبس وكذلك القرآن انما هو مثل هو ذلك المنشور قد امر الله فيه لعبيده ان يعمروا أركان الدين كما قال لداود عليه السلام [فرغ الى بيتا اسكنه] وبين لهم بما يكون عمارة الدين فقال الله تعالى أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ. كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ. وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ فصارت قراءة القرآن كقراءة منشور السلطان ولا تحصل الجنة بمجرد القرآن لانه قال جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ: كما قيل «مراد از نزول قرآن تحصيل سيرت خوبست نه ترتيل سوره مكتوب بتجويد» ثم في قوله غُفْرانَكَ رَبَّنا اشارة الى ان من نتائج الايمان وآثار العبودية ان يرى العبد نفسه أهلا لكل شر ومولاه أهلا لكل خير. فينسب كل ما يستحسنه لسيده مستعملا حسن الأدب معه في كل أوقاته وذلك بان يحمده على ما دق وجل ويستغفره من تقصيره في شكره له عليه ويتبرأ من حوله وقوته له في ذلك كله وبحسب هذا يكون شعاره الحمد لله استغفر الله لا حول ولا قوة الا بالله في جميع أوقاته وهو الذكر المنجى من عذاب الله في الدنيا والآخرة المقرب للفتح لمن لازمه واعلم انك لا تصل الى التحقيق الا بمراقبة الأوقات باحكامها من التوبة والاستغفار عند العصيان وشهود المنة في الطاعة ووجود الرضى في النية ووجود الشكر في النعمة ولن تصل الى ذلك الا بتعلق قلبك بصلاح قلبك واتهام نفسك حتى في خروج نفسك وتصل الى هذا بأحد أربعة أوجه. نور يقذفه الله في قلبك بلا واسطة. أو علم متسع في عقل كامل. او فكرة سالمة من الشواغل. او صحبة شيخ اواخ هذه حاله وقد قال الشيخ ابو مدين قدس سره الشيخ من هذبك بأخلاقه وأدبك باطراقه وأنار باطنك باشراقه الشيخ من جمعك في حضوره(1/447)
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)
وحفظك في مغيبه فاعمل ايها العبد على تخليص نفسك من عالم جسمك حتى تخرج عن دائرة رسمك وتصل الى تحقيق فهمك وعلمك از هشتئ خويش تا تو غافل مشوى هرگز بمراد خويش واصل نشوى از بحر ظهور تا بساحل نشوى در مذهب اهل عشق كامل نشوى لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها اخبار من الله تعالى وليس من كلام المؤمنين- روى- انه لما نزل قوله تعالى وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ الآية اشتد ذلك على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم فاتوه عليه السلام ثم بركوا على الركب فقالوا اى رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والحج والجهاد وقد انزل إليك هذه الآية ولا نطيقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتريدون ان تقولوا كما قال اهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا) قالوا بل سمعنا واطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فقرأها القوم فانزل الله تعالى آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ الى قوله تعالى غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ فمسئولهم الغفران المعلق بمشيئته تعالى في قوله تعالى فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ ثم انزل الله تعالى لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها تهوينا للخطب عليهم ببيان ان المراد بما في أنفسهم ما عزموا عليه من السوء خاصة لا ما يعم الخواطر التي لا يستطاع الاحتراز عنها والتكليف الزام ما فيه كلفة ومشقتة والوسع ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه اى سنته ان لا يكلف نفسا من النفوس الا ما يتسع فيه طوقها ويتيسر عليها دون مدى الطاقة والمجهود فضلا منه تعالى ورحمة لهذه الامة كقوله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وهذا يدل على عدم وقوع التكليف بالمحال لا على امتناعه. اما الاول فلانه لو كان وقع لزم الكذب في كلامه تعالى تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
واما الثاني فلانه تعالى نفى مطلقا ولا يلزم منه نفى مقيد الذي هو الامتناع لان العام من حيث هو عام لا يدل على الخاص بوجه من الدلالات لَها اى للنفس ثواب ما كَسَبَتْ من الخير الذي كلفت فعله لا لغيرها استقلالا او اشتراكا ضرورة شمول كلمة ما لكل جزء من اجزاء مكسوبها وَعَلَيْها لا على غيرها بأحد الطريقين المذكورين عقاب مَا اكْتَسَبَتْ من الشر الذي كلفت تركه وإيراد الاكتساب في جانب الشر لان الشر فيه اعتمال اى اجتهاد في العمل فانه لما كان مشتهى النفس كان فيه جد وسعى بخلاف الخير وصيغة الافتعال للتكلف رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا شروع في حكاية بقية دعواتهم اثر بيان سر التكليف اى يقولون ربنا لا تؤاخذنا بما صدر عنا من الأمور المؤدية الى النسيان او الخطأ من تفريط وقلة مبالاة ونحوهما مما يدخل تحت التكليف ودل هذا على جواز المؤاخذة في النسيان والخطأ فان التحرز عنهما في الجملة ممكن ولولا جواز المؤاخذة في النسيان والخطأ لم يكن للسؤال معنى وخفف الله عن هذه الامة فرفع عنها المؤاخذة وقال النبي صلى الله عليه وسلم (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) فدل انهم مخصوصون بهما وامم السالفة كانوا مؤاخذين فيهما رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً عطف على ما قبله وتوسيط النداء بينهما لابراز مزيد الضراعة. والإصر العبئ الثقيل الذي يأصر صاحبه اى يحبسه مكانه والمراد به التكاليف(1/448)
الشاقة كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا اى حملا مثل حملك إياه على من قبلنا وهو ما كلفه بنوا إسرائيل من قتل النفس في توبة وقطع الأعضاء الخاطئة وقطع موضع النجاسة وعدم التطهير بغير الماء وخمسين صلاة في يوم وليلة وعدم جواز صلاتهم في غير المسجد وحرمة أكل الصائم بعد النوم ومنع بعض الطيبات عنهم بالذنوب وكون الزكاة ربع مالهم وكتابة ذنب الليل على الباب بالصبح وغير ذلك من التشديدات وقد عصم الله عز وجل ورحم هذه الامة من أمثال ذلك وانزل في شأنهم وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ وقال صلى الله عليه وسلم (بعثت بالحنيفة السهلة السمحة) وعن العقوبات التي عوقب بها الأولون من المسخ والخسف وغير ذلك قال صلى الله عليه وسلم (رفع عن أمتي الخسف والمسخ والغرق) رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ عطف على ما قبله واستعفاء من العقوبات التي لا تطاق بعد الاستعفاء مما يؤدى إليها من التكاليف الشاقة التي لا يكاد من كلفها يخلو عن التفريط فيها كأنه قيل لا تكلفنا تلك التكاليف ولا تعاقبنا بتفريطنا في المحافظة عليها فيكون التعبير عن إنزال العقوبات بالتحميل باعتبار ما يؤدى إليها قال في التيسير اى لا تكلفنا ما يشق علينا الدوام عليه ولم يرد به عدم الطاقة أصلا فانه لا يكون فلا يسأل وَاعْفُ عَنَّا اى آثار ذنوبنا وَاغْفِرْ لَنا واستر عيوبنا ولا تفضحنا على رؤس الاشهاد قال في التيسير وليس بتكرار. فان الاول تركه حتى لا يؤاخذ به ومحوه حتى لا يبقى. والثاني ستره حتى لا يظهر وقد يتجاوز عن الشيء فلا يؤاخذ بجزائه لكن يذكر ذلك ويظهر والمؤمنون أمروا ان يسألوا التجاوز عنها وإخفاءها حتى لا يظهر حالهم لاحد فلا يفتضحوا به وَارْحَمْنا وتعطف بنا وتفضل علينا وتقديم طلب العفو والمغفرة على طلب الرحمة لما ان التخلية سابقة على التحلية أَنْتَ مَوْلانا سيدنا ونحن عبيدك او ناصرنا او متولى أمورنا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ اى أعنا عليهم وادفع عنا شرهم فان من حق المولى ان ينصر عبيده ومن يتولى امره على الأعداء والنصرة على الكفار تكون بالظفر وتكون بالحجة وتكون بالدفع وهو سؤال العصمة من الشياطين ايضا لانهم منهم- روى- انه لما اسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به الى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة إليها ينتهى ما يعرج به من الأرض فيقبض منها وإليها ينتهى ما يهبط به من فوقها فيقبض منها قال إذ يغشى السدرة ما يغشى قال فراش من ذهب قال فاعطى رسول الله عليه السلام ثلاثا اعطى الصلوات الخمس واعطى خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لا يشرك بالله شيأ من أمته قال صلى الله عليه
وسلم في خبر المعراج قربنى الله وأدناني الى سند العرش ثم الهمنى الله ان قلت آمن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله كما فرقت اليهود والنصارى قال فما قالوا قلت قالوا سمعنا وعصينا والمؤمنون قالوا سمعنا واطعنا فقال صدقت فسل تعط فقلت ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا قال قد رفعت عنك وعن أمتك الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فقلت ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا يعنى اليهود قال لك ذلك ولامتك قلت ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به قال قد فعلت قلت واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا(1/449)
فانصرنا على القوم الكافرين قال قد فعلت وعنه صلى الله عليه وسلم (انزل الله آيتين من كنوز الجنة كتبهما الرحمن بيده قبل ان يخلق الخلق بألفي عام من قرأهما بعد العشاء الاخيرة اجزأتاه عن قيام الليل وعنه صلى الله عليه وسلم (من قرأ آيتين من آخر سورة البقرة كفتاه) اى عن قيام الليل او عن حساب يوم القيامة وهو حجة على من استكره ان يقول سورة البقرة وقال ينبغى ان يقال السورة التي تذكر فيها البقرة كما قال صلى الله عليه وسلم (السورة التي تذكر فيها البقرة فسطاط القرآن) اى مصره الجامع (فتعلموها فان تعلمها بركة وتركها حسرة ولن تسطيعها البطلة) قيل وما البطلة قال عليه السلام (السحرة) اى لا تستطيع البطلة أن تسحر قارئها (ولا تقرأ في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان) وكان معاذ إذا ختم سورة البقرة يقول آمين عن ابى الأسلم الديلمي قلت لمعاذ بن جبل أخبرني عن قصة الشيطان حين أخذته فقال جعلنى رسول الله عليه السلام على صدقة المسلمين فجعلت التمر في غرفة فوجدت فيه نقصانا فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال هذا الشيطان يأخذه فدخلت الغرفة وأغلقت الباب فجاءت ظلمة عظيمة فغشيت الباب ثم تصور في صورة اخرى فدخل من شق الباب فشددت إزاري على فجعل يأكل من التمر فوثبت اليه فقبضته فالتفت يداى عليه فقلت يا عدو الله فقال خل عنى فانى كبير ذو عيال كثير وانا فقير من جن نصيبين وكانت لنا هذه القرية قبل ان يبعث صاحبكم فلما بعث أخرجنا منها فخل عنى فلن أعود إليك فخليت سبيله وجاء جبريل عليه السلام فاخبر رسول الله عليه السلام بما كان فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادانى مناديه وقال (ما فعل أسيرك) فأخبرته فقال (اما انه سيعود فعد) قال فدخلت الغرفة وأغلقت على الباب فجاء فدخل من شق الباب فجعل يأكل من التمر فصنعت به كما صنعت في المرة الاولى فقال خل عنى فانى لن أعود إليك فقلت يا عدو الله ألم تقل انك لن تعود قال فانى لن أعود وآية ذلك انه إذا قرأ أحد منكم خاتمة البقرة لا يدخل أحد منا في بيته تلك الليلة ثم الجلد الاول بتوفيق الله تعالى من تفسير القرآن المسمى ب «روح البيان» ويليه الجلد الثاني ان شاء الله تعالى اوله تفسير سورة آل عمران(1/450)
العبد المحتاج الى مزيد الترقي الشيخ إسماعيل الحقي
غفر ذنب وجوده بفضل الله وجوده معلوم اوله كه بوفقيرك والدي مصطفى افندى استانبولده اقسراى محله سنده دنيايه كلوب صكره حريق كبير واقع اولد قده أثاث واشيالرى محترق ونظام حاللرى مختل ومنفرق او لمغله اورادن هجرت ايدوب شيخم مرحوم سيد الاقطاب (فضلى الاهى) انك ابتدا استخلاف او لنديغى قصبه آيد وسده توطن ايتملريله بوفقير حضرت شيخك أوراده ايام اقامتنده مصطبه وجوده وضع قدم ايدوب سنم اوچهـ بالغ اولدقده والدم بنى حضرت شيخ حضورينه كتوروب تقبيل يد ايتدررمش بوجهتدن كاهيجه- سن بزم اوچ ياشندن برى مريد يمزسك- ديه بيورلدى. صكره اون ياشنه ايردكده ادرنه ده خليفه اولى وذى القرباتندن أو لأن (سيد عبد الباقي) افندى خدمتلرينه تفويض اولنوب إرسال محاسن ايدنجه أوراده قراءت وكتابتد نصكره شيخم او وقتده مدينه فلبه دن استانبوله هجرت ايتمش بولنمغله او جانبه قيام كوستروب داخل مجلس عالى اولدقده او ساعت ده مبايعه يه اشارت ايدوب تلقين ذكر ايتدكد نصكره أصحابي عدادندن اولوب برمدت أوراده درس وخدمته مقيد ايكن بركون بعد الاشراق قاعدا خوابده سربجيب حرقه او لمشكن كورد مكه حضرت شيخ باب حرمدن بيرون اولوب بوفقيرى أوراده كورد كلرنده- كل كوره يم سكابو طريقده استعداد كلمشميدر- دييه اشارت ايدوب بوفقير دخى واروب باشيمى مبارك ركبه لرى او زرينه وضع ايدوب او زانوب يأتدم انلردخى يد مباركلرينى جبهمه وضع ايدوب- هاسنك استعدادك كلمش هاسنك استعدادك كلمش- دييه ايكى كره بو وادى يى تكرار ايتدكده در عقب (بسم الله الرّحمن الرّحيم) ديوب سوره فاتحه يى من الاول الى الآخر او قيوب من الرأس الى القدم نفخ ايدوب- وار ايمدى سنى بروسه يه خليفه ايلدم- ديو بيورديلر. واو وقتده مطول كتابى اوقنوردى بونفخد نصكره مطول أطول اولوب غيرى ايش ظهور ايتدى. وسن وسالم هنوز يكرميدن متجاوز ايديكه نفخ مذكور سببيله فتح إلهي واقع اولوب آيات وأحاديث او زرينه تأويلات وتحريرات ايتمكه باشلدم. ووقت آخر ده دخى شيخ مشايخ الدنيا محى الدين العربي حضرتلرى ظاهر اولوب دهانمى پوس ايدوب فقير دخى اياغنى اوپدم بو سببدن دخى بشقه اسرار ظهور ايدوب شيخ عبد القادر كيلانى وابراهيم بن أدهم و پيران طريقمزدن شيخ افتاده وحضرت هدايى قدس الله أسرارهم طرفلرندن دخى أفاده لر واقع اولوب. وانبيا عليهم السلام دن ابتدا حضرت آدم وصكره جناب نبوت صلى الله عليه وسلم ظهور ايدوب سر حال ومناسبت رجال منكشف اولدى چكلن آلام وشدائده دخى نهايت يوقدر زيرا مقدم لاجل التمهيد بلاد روميه دن بلده اسكوبه استخلاف اولنوب اطرافده اون سنه قدر دورد نصكره بروسه يه نقل اولنوب مدت قليله مرورنده فتن دين ودنيا ظهور ايدوب حصرت شيخ دخى قلعه ما غوسه يه اقصا او لنمغله بزدحى جان كتدى بدن نه طرورزدييه أول طرفه كمر بسته عزيمت اولوب وصولمزدن برقاچ كون(1/451)
صكره صحبت خاص اثنا سنده بركون زياده انجذاب روحانى وتجلىء رحمانى واقع او لمغله بو فقيره كلمات هدائيه دن بر الاهى وعقبنده سوره يوسفدن بعض آيات او قدوب أول جذبه اثنا سنده دعاء عظيم ايتدكد نصكره- سنى بورايه كتيرن ميراثكدر زيرا سندن غيرى يه قلبمده علاقه بولمادم- ديو مسبحه پرماغنى اغزلرى اورته سنه قيوب- بو نفس بند نصكره سكا واصل اولور- ديو نطق ايتملريله مبارك ركبه اشرفلرى تقبيل اولنوب ذوق وسرور بي نهايه ونشاط وانبساط بي غايه حاصل اولدى. ومقدما خيالده واقع أو لأن معنا صورت بولدى. وبو اثناده ايكى كره سلطنت ظهور ايدوب وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ايله مبشر ودخى قُمْ فَأَنْذِرْ ايله مخاطب أولديغمز خفى اولميه. واسماء الاهيه دن (عبد الله) و (عبد القادر) و (عبد اللطيف) و (محمود) و (قبله اهل السما) وأمثالي ايله تسميه اولنديغمز واردات كبراده وسائر آثار يمزده مبيندر. وجمله آثار يمزيوز عددن متجاوز در از جمله اوچ مجلد كبير (تفسير روح البيان) و (شرح حديث أربعين) (وشرح آداب) واصول حديث دن (شرح نحبة الفكر) كه مجموعه كبرادر و (كتاب الخطاب) و (كتاب النجاة) و (كتاب كبير) و (نقد الحال) و (كتاب الحق الصريح والكشف الصحيح) و (كتاب التيجه) و (شرح المحمدية) و (شرح المثنوى) و (تحفه حاصكيتيه) وشرح (تفسير الفاتحة) و (شرح الكبائر) و (تمام الفيض) وأمثالي كبى كمى لسان عربيله تحرير وكمى زبان تركيله تقرير اولنمشدر. منظومه لريمز اون بيكدن متجاوز در وشيخم حضر تلرينك اثر جليللرى أو لأن (تفسير فاتحه قنوى) شرحنى تكميلد نصكره جمعه كونى بر ساعت مباركه ده بوفقيرى دعوت ايدوب او شرح تفسير كه
مجلد كبير در يديمه صونوب- آل شونى اوتوزالتى يللق محصولمدر الله تعالى سكادخى زياده سنى احسان ايليه- ديو دعا ايتديلر وأوراده سر رجال نه اولديغى بر مرتبه دخى كشف اولديكه وصفه كلمز. وانلرك بوفقير حقنده أنفاس طيبه سند ندركه- الله تعالى بكابر خليفه ويردى كه آنى حضرت پيره يعنى شيخ هدايى يه ويرمدى- بيور مشدر. والله تعالى سنى حضرت پيرك سر نه مظهر ايلمشدر-. وبو كلام اوجهتدن آنلردن صادر اولديكه بوفقير آنلرك مجلسلرنده كلمات عاليه سن ضبط ايدوب لسان عربيله ترجمه ايدر ايدم حضرت هدايى شيخ افتاده حضرتلرينك كلماتن ترجمه ايتديكى كبى نتكم بر مقدارى تمام الفيض نام كتابمزده مسطوردر. وبو فقير حضرت شيخك وفاتند نصكره سلطان مصطفى كوننده دعوت طريقيله ايكى دفعه غزا وايكى دفعه حج ميسر اولوب ابتدا الفات اربعه ده واقع أو لأن حجده تأليف اولنان (اسرار حج) سائر كتب جليله ايله علاقربنده عربان يغماسنده كيتدى وحرمين شريفينده واقع أو لأن إشارات لطيفه كمى بعض آثار يمزده مضبوط وكمى دخى متروكدر. وحضرت شيخك انتقالندن يكرمى سكزسنه مرورند نصكره دمشق الشامة هجرته مأمور اولمغله اهل وأولاد ايله بروسه دن شامه عزيمت ايدوب واروب أوراده اوچ سنه قدر مكثد نصكره الله تعالى نك اذنى ورسول الله صلى الله عليه وسلم حضرتلرينك اشارتيله وولد اكبرى اولد يغمز محى الدين العربي حضرتلرينك عبارتى وحضرت خضرك امداد وإعانتي وحضرت شيخك مرارا اجازتيله إستانبول جانبنه متوجه اولوب كلوب اوچ سنه قدر اسكدارده مكث واقامتد نصكره تكرار بروسه يه سوق الاهى واقع اولمغله اوردان سمند عزيمته سوار اولوب(1/452)
كلوب ينه مقاممزده قرار واقع اولدى. (وكتاب الخطاب والنجات) و (عم تفسيرى) كه قاضينك او زرينه واقع شام شريفده تحرير اولندى. واسكدارده اوچ سنه ده تمام اوتوز عدد كتاب تأليف قلندى. وأطرافه بحسب الاقتضاء مكاتيب طويله يازلدى. ونيجه تحريرات دخى بياضه كلدى وبو مقامده دخى خيلى كلام وارد ولكن لاجل المصلحة والستر طى اولندى. واسكدارده اولد يغمز حالده بركيجه حضرت محمد افتاده ومحمود هدايى قدس الله سرهما تمثل ايدوب كلوب يانمه اوتورديلرو حضرت افتاده آغاز كلام ايدوب- اشته افتاده افتاده وهدايى هدايى دييه دييه آخر سنده انلره ايرشدك- بيوردى. وبروسه طرفنه اشارت واقع اولوب سزى صاغ طرفمزه الألم دييه رك رمز اولندى. وحضرت هدايى ايله بعض ملاطفات واقع اولوب. لونى صفرته مائل خفيف اللحية معتدل الجثة در. وشيخ افتاده طويل القد وطويل اللحية دركه بونك دخى لونى برمقدار صفرته مائلدر. وشامده ايكن شيخ اكبر قدس سره الأطهر برقاچ كره تمثل ايدوب- شولكه خلق اكايپراق دير او بزم يانمزده خبيث وحرامدر- بيوردى. وشيخمدن دخى مسمو عمدركه- شرب دخان ايدن نفسانى وشيطانيدر- ديدى. ومزاميرك جمله سنك حرمتنى تصريح ايتدى بلا فرق بين مزمار ومرمار. وشامده اقامتم حالنده مطالب عاليه دن بر مطلب عالى حاصل اولديكى درجه صحبتدر يعنى بركيجه بيدار واغماض عين اوزره ايكن جناب رسالت صلى الله عليه وسلم محازاتمه كلوب (من تحقق اسمى تحقق اسمه) بيورديلر. وبوفقيرى درجه سماع وروايته يتورديلر وبو كلامك شرحى غيرى محلده در. ايشته خوابده كوروب ايشتمكله يقظه ده اولمق برابر دكلدر. وبو مقوله معانى غريبه يى اكثر اهل رسوم انكار ايدرلر آنكچون إجمال اولندى ولكن آنلرك انكارندن اوتورى بالكلية دهان بسته وجان شكست اولمق سزادكلدر. زيرا بو مقوله معانى يى تصريحده نيجه ارباب استعدادي ارشادواردر. وبو فقير بر زمان بر قاضينك مجلسنده بولنمش ايدم او مجلسده حضرت هدايينك بعض الاهياتنه مطلع اولدقده بو سوزلردن نه حاصل ديه رك انكار ايلدى. وحالا دخى نه معندلروار دركه صدق وصلاحى متعين أو لأن كيمسه لره اطاله لسان ايدوب كزرلرو مؤاخذه حقدن بيخبر لردر. زيرا الله سبحانه وتعالى اولياسى ايچون أشد غضوبدر. حضرت شبلى يه طعن ايدنلره ايتديكى غضب كبى غضب ايلر. ولكن امهال ايتمكله إهمال ايتدى قياس ايدرلر. وآنلردن برينك الى الآن فلاح بولديغى يوقدرو الى الابد دخى فلاح ونجات بولمازلر: فى المثل «حديد بارد ضرب» ايدرلر. ايشته اوليايى سبب وشتم ايتدرممك ايچون سد ذريعه ايدوب اهل انكار اراسنده آنلره متعلق كلامدن حذر عظيم گركدر اسرار الاهيه نك خود كتمى امور واجبه دندر. زيرا آنك دخى كشفيله فتنه عظيمه ظهور ايلركه «فتنة المحيا» نك برنوعيدر خصوصا كه بو اعصارك حالى بتدى وبو كار غايته يتشدى وزمام امر دست سفها واهل إنكاره تسليم اولندى بو جهتدن يَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ سرى
ظهور ايتدى. اولياء كبار ايله مصاهرت اولمديغى صورتده بارى محبت وارتباط له مناسبت گركدر. زيرا وارد اولمشدر كه (المرء مع من أحب) وديمشلردر كه (ويل لمن شفعاؤه خصماؤه) يعنى روز حشرده شفعاء خواص أمتي كندى نه خصما ايتمك ايودكلدر. وبلكه موجب خسارت وهلاكدر. اگر چهـ شيخ اكبر ومسك(1/453)
از فرو كبريت احمر قدس سره الأطهر رحمت واسعه سى حسبيله ديمشدر- بزم قيامتده شفاعتمز بزى انكار ايدنلره در- يعنى بزى اقرار ايدنلر شفاعته محتاج اولميوب يالكز عفو وغفران دكل بلكه نيجه فضل وإحسانه دخى مظهر اولورلر. زيرا او مقوله مظاهر كليه يى اقرار ايتمك اقرار حق وانكاردخى انكار حقدر. وحق كندينى اقرار ايدنه عذاب ايتمز مكركه إقراري بعض انكار ايله مخلوط وتوحيدى شركله مزدوج اوله. وبوفقير حضرت شيخك توصيه سيله انتقالند نصكره دامادلرى اولوب مناسبت معنويه دنصكره مصاهرت صوريه دخى واقع اولمشدر.
نتكم فخر عالم صلى الله عليه وسلم بيورمشلردركه- يا رب هر كيمكله كه مصاهرت ايتدم وهركيمكه بنمله مصاهرت ايتدى مغفرت ايله- يعنى امتنك آل رسول ايله شرف مصاهرتنه اشارت ايلر. زيرا اسباب مغفرتدن برى دخى اودر. وبوندن حضرت صديق وفاروقك خصوص حالنه. وحضرت ذى النورين ومرتضانك شرف وكمالنه رمزوادر. زيرا كريمه صديق عائشه ودختر فاروق حفصه عقد رسولده واقع اولمشدر. وكذلك رقيه وأم كلثوم ذو النورينه وحضرت فاطمه يى مرتضايه تزويج ايتمشلردر رضى الله تعالى عنهم. وبو سر سابق زمان لاحقده دخى جارى اولوب قالمشدر. ولكن سر وصورتى جمع ايتمك نادر واقع اولور «فكن على بصيرة من الأمر وارتبط بصورة النبي وسره قبل نفاد العمر» : بعد ذا بوفقيرك ولادتي [بيك التمش اوچ] ذى القعده سى اوائلنده يوم احدده واقع اولمشدر كه [حالا بيك يوز اوتوزيدى] ده در وسال عمر [يتمش بشه] بالغ او لمشدر. ووقت وفات دخى تعريف الاهى ايله متعين اولندى قياس اولنور. ولكن سترى واجب واخفاسى لازم أو لأن اموردندر. واكا متعلق بعض نظم بطريق الرمز غيرى محلده يازلمشدر. اى مؤمن بوجمله تحرير اولنان حاشا تمدح طريقيله دكلدر. هله كه اوليانك نفسى اظهار وهم سلسله سنه ارتباطه تحريضدر همان حسن ظن اوزرينه اولوب- سلسله نامه مزده درج اولنان كلمات عاليه ايله عامل اوله سن. وشيخمدن مسمو عمدركه بن حضرت على يه ايريشنجه اوتوز برنجى يم بيورمش أيدي بوفقير دخى كلب اصحاب كهف سكزنجى اولديغى كبى بو سلسله طريقت جلوتيه نك اوتوز ايكنجى سى اولمش اولور فاعلم ذلك واقبل
كلبرى بو خلقه يه بند ايله كندك دردمند ... اوله كور زنجير عشق حضرت مولايه بند
عشقدر منصورى بر دار ايلين بو دارده ... سندخى آل بوينكه عشق الاهيدن كمند
هرندكلوا دور اولورسه منزل وصل خدا ... وارايسه جنبش دل وجانكده دور مه سور سمند
شول ارنلرباغنه كيرميوه جين أول اى كوكل ... مصر معنايه ايريش اولدك ايسه حوباى قند
جام عشقى جلوتى بزمنده ايچدك حقيا ... آنك ايچون ذوق حالك اولدى غايت دلپند(1/454)
الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)
الجزء الثاني
من تفسير روح البيان
تفسير سورة آل عمران
مدنية وهى مائتا آية
بسم الله الرحمن الرحيم الم الالف اشارة الى الله واللام الى اللطيف والميم الى المجيد اللَّهُ مبتدأ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خبره اى هو المستحق للمعبودية لا غير الْحَيُّ الْقَيُّومُ خبر آخر له اى الباقي الذي لا سبيل عليه للموت والفناء والدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه- روى- عنه صلى الله عليه وسلم (اسم الله الأعظم فى ثلاث سور فى سورة البقرة الله لا اله الا هو الحي القيوم وفى آل عمران الم الله لا اله الا هو الحي القيوم وفى طه وعنت الوجوه للحى القيوم) وهذا رد على من زعم ان عيسى عليه السلام كان ربا فانه روى ان وفد نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا ستين راكبا. فيهم اربعة عشر رجلا من اشرافهم. ثلاثة منهم أكابر إليهم يؤول أمرهم. أحدهم أميرهم وصاحب مشورتهم العاقب واسمه عبد المسيح. وثانيهم وزيرهم ومشيرهم السيد واسمه الابهم.
وثالثهم حبرهم وأسقفهم وصاحب مدارسهم ابو حارثة بن علقمة أحد بنى بكر بن وائل وقد كان ملوك الروم شرفوه ومولوه وأكرموه لما شاهدوا من علمه واجتهاده فى دينهم وبنوا له كنائس فلما خرجوا من نجران ركب ابو حارثة بغلته وكان اخوه كرز بن علقمة الى جنبه فبينا بغلة ابى حارثة تسير إذ عثرت فقال كرز تعسا للابعد يريد به رسول الله عليه السلام فقال له ابو حارثة بل تعست أمك فقال كرز ولم يا أخي قال انه والله النبي الذي كنا ننتظر فقال له كرز فما يمنعك عنه وأنت تعلم هذا قال لان هؤلاء الملوك أعطونا أموالا كثيرة واكرمونا فلو آمنا به لاخذوها منا كلها فوقع ذلك فى قلب كرز وأصره الى ان اسلم فكان يحدث بذلك فأتوا المدينة ثم دخلوا مسجد رسول الله عليه السلام بعد صلاة العصر عليهم ثياب خيرات من جبب وأردية فاخرة يقول بعض من رآهم من اصحاب النبي عليه السلام ما رأينا وفدا مثلهم وقد حانت صلاتهم فقاموا ليصلوا(2/2)
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4)
فى المسجد فقال عليه السلام (دعوهم) فصلوا الى المشرق ثم تكلم أولئك الثلاثة مع رسول الله عليه السلام فقالوا تارة عيسى هو الله لانه كان يحيى الموتى ويبرئ الأسقام ويخبر بالغيوب ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيطير وتارة اخرى هو ابن الله إذ لم يكن له اب يعلم وتارة اخرى انه ثالث ثلاثة لقوله تعالى فعلنا وقلنا ولو كان واحدا لقال فعلت وقلت فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (اسلموا) قالوا اسلمنا قبلك قال عليه السلام (كذبتم يمنعكم من الإسلام ادعاؤكم لله تعالى ولدا) قالوا ان لم يكن ولدا لله فمن أبوه فقال عليه السلام (ألستم تعلمون انه لا يكون ولد الا ويشبه أباه) فقالوا بلى قال صلى الله عليه وسلم (ألستم تعلمون ان ربنا حى لا يموت وان عيسى يأتى عليه الفناء) قالوا بلى قال عليه السلام (ألستم تعلمون ان ربنا قيوم على كل شىء يحفظه ويرزقه) قالوا بلى قال صلى الله عليه وسلم (فهل يملك عيسى من ذلك شيأ) قالوا لا فقال عليه السلام (ألستم تعلمون ان الله تعالى لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء) قالوا بلى قال عليه السلام (فهل يعلم عيسى شيأ من ذلك الا ما علم) قالوا لا قال صلى الله عليه وسلم (ألستم تعلمون ان ربنا صور عيسى فى الرحم كيف شاء وان ربنا لا يأكل ولا يشرب ولا يحدث) قالوا بلى قال صلى الله عليه وسلم (ألستم تعلمون ان عيسى حملته امه كما تحمل المرأة ووضعته كما تضع المرأة ولدها ثم غذى كما يغذى الصبى ثم كان يطعم الطعام ويشرب الشراب ويحدث الحدث) قالوا بلى قال صلى الله عليه وسلم (فكيف يكون هذا كما زعمتم) فسكتوا فأبوا إلا جحودا فانزل الله تعالى من أول السورة الى نيف وثمانين آية تقريرا لما احتج به عليه السلام عليهم وأجاب به عن شبههم وتحقيقا للحق الذي فيه يمترون نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ اى القرآن عبر عنه باسم الجنس إيذانا بكمال تفوقه على بقية الافراد فى حيازة كمالات الجنس كأنه هو الحقيق بان يطلق عليه اسم الكتاب. فان قلت لم قيل نزل الكتاب وانزل التوراة والإنجيل. قلت لان التنزيل للتكثير والقرآن نزل منجما ونزل الكتابان جملة وذكر فى آخر الآية الانزال وأراد به من اللوح المحفوظ الى سماء الدنيا جملة فى ليلة القدر فى شهر رمضان والمراد هنا هو تنزيله الى الأرض ففى القرآن جهتا الانزال والتنزيل بِالْحَقِّ ملتبسا ذلك الكتاب بالعدل فى أحكامه او بالصدق فى اخباره التي من جملتها خبر التوحيد وما يليه اوفى وعده ووعيده مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ اى فى حال كونه مصدقا للكتب قبله فى التوحيد والنبوات والاخبار وبعض الشرائع قبله وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ اسمان أعجميان الاول عبرى والثاني سريانى مِنْ قَبْلُ اى انزلهما جملة على موسى وعيسى عليهما السلام من قبل تنزيل الكتاب والتصريح به مع ظهور الأمر للمبالغة فى البيان هُدىً لِلنَّاسِ علة للانزال اى انزلهما لهداية الناس وفيه لف بدون النشر لعدم اللبس لان كون التوراة هدى للناس فى زمان موسى وكون الإنجيل هدى لهم فى زمان عيسى معلوم فاختصر لذلك وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ اى جنس الكتب السماوية لان كلها فرقان يفرق بين الحق والباطل او هو القرآن كرر ذكره تعظيما لشأنه وإظهارا لفضله إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ اى بالقرآن ومعجزات النبي عليه السلام لَهُمْ بسبب كفرهم بها عَذابٌ شَدِيدٌ لا يقادر قدره وَاللَّهُ عَزِيزٌ لا يغالب يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ذُو انْتِقامٍ(2/3)
إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)
عظيم لا يقدر على مثله منتقم إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ اى مدرك الأشياء كلها يعنى هو مطلع على كفر من كفر به وايمان من آمن به وعلى جميع أعمالهم فيجازيهم يوم القيامة هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ اى يجعلكم على هيئة مخصوصة فى أرحام أمهاتكم من ذكر وأنثى واسود وأبيض وتام وناقص وطويل وقصير وحسن وقبيح وهو رد على الذين قالوا عيسى الله او ابن الله لان من صور فى الرحم يمتنع ان يكون الها او ولد الله لكونه مركبا وحالا فى المركب وفى عرض الفناء والزوال لا إِلهَ إِلَّا هُوَ نزه نفسه ان يكون عيسى ابنا له الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ المتناهي فى القدرة والحكمة قربكم يخلقكم على النمط البديع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان خلق أحدكم يجمع فى بطن امه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله اليه الملك بأربع كلمات فيكتب رزقه وعمله واجله وشقى او سعيد) قال (وان أحدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها وان أحدكم ليعمل بعمل اهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل الجنة فيدخلها) وقال عليه السلام (يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر فى الرحم بأربعين او بخمس وأربعين ليلة فيقول يا رب أشقى أم سعيد فيكتبان فيقول اى رب أذكر أم أنثى فيكتبان ويكتب عمله واثره واجله ورزقه ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص ثم يقول الملك يا رب ما اصنع بهذا الكتاب فيقول علقه فى عنقه الى قضائى عليه فذلك قوله تعالى وكل انسان ألزمناه طائره فى عنقه) اى عمله من خير وشر الصادر عنه باختياره حسبما قدر له كأنه طار اليه من وكر الغيب والقدر. قال القاضي المراد بكتبه هذه الأشياء إظهارها للملك وإلا فقضاؤه تعالى سابق على ذلك وكل ميسر لما خلق له فعلى العاقل ان لا يتكاسل عن الأعمال فى جميع الأحوال ولا يفوت ايام الفرصة والليال
خبر دارى اى استخوانى قفس ... كه جان تو مرغيست نامش نفس
چومرغ از قفس رفت وبگسست قيد ... دكر ره نكردد بسعى تو صيد
نگه دار فرصت كه عالم دميست ... دمى پيش دانا به از عالميست
والاشارة ان الله تعالى كما يصور الجنين بصورة الانسانية على نطفة سقطت فى الرحم بتدبير الأربعينات فكذلك إذا سقطت من صلب ولاية رجل من رجاله نطفة ارادة فى رحم قلب مريد صادق والمريد يستسلم لتصرفات ولاية الشيخ وهى بمثابة ملك الأرحام ويضبط احوال ظاهره وباطنه على وفق امر الشيخ ويختار الخلوة والعزلة كيلا يصدر منه حركة عنيفة او يجد رايحة غريبة يلزم منها سقوط النطفة وفسادها ويقعد بامر الشيخ وتدبيره فالله تعالى يصرف ولاية الشيخ المؤيد بتأييد الحق بمرور كل أربعين عليه بشرائطها يحولها من حال الى حال وينقلها من مقام الى مقام الى ان يرجع الى حظائر القدس ورياض الانس التي منها صدر الى عالم الانس بقدم الأربعينات الاولى فلما وصل الى مقامه الاول ايضا بقدم الأربعينات كما جاءتم خلق الجنين فى رحم القلب وهو يجعل خليفة الله فى ارضه فيستحق الآن ان ينفخ فيه الروح المخصوص بأبناء أوليائه وهو روح القدس الذي هو متولى القائه كقوله تعالى يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وقال(2/4)
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)
كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ولهذه الفائدة العظيمة والنعمة الجسيمة اهبط الأرواح من أعلى عليين القرب الى أسفل سافلين البعد كما قال اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ فاذا نفخ فيه الروح يكون آدم وقته فيسجد له بالخلافة الملائكة كلهم أجمعون فاحفظه تفهم ان شاء الله تعالى كذا فى تأويلات الشيخ الكامل نجم الدين الكبرى أفاض الله علينا من سجال معارفه وحقائقه ولطائفه آمين هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ اى القرآن مِنْهُ اى من الكتاب آياتٌ مُحْكَماتٌ اى قطعية الدلالة على المعنى المراد محكمة العبارة محفوظة من الاحتمال والاشتباه هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ اى اصل فيه وعمدة يرد إليها غيرها بالتأويل فالمراد بالكتاب كله والاضافة بمعنى فى وَأُخَرُ اى ومنه آيات اخر مُتَشابِهاتٌ اى محتملات لمعان متشابهة لا يمتاز بعضها من بعض فى استحقاق الارادة بها ولا يتضح الأمر الا بالنظر الدقيق والتأمل الأنيق فالتشابه فى الحقيقة وصف للمعانى وصف به الآيات على طريقة وصف الدال بوصف المدلول. واعلم ان اللفظ اما ان لا يحتمل غير معنى واحد او يحتمل. والاول هو النص كقوله تعالى وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ.
والثاني اما ان تكون دلالته على مدلوليه او مدلولاته متساوية اولا والاول هو المجمل كقوله تعالى ثَلاثَةَ قُرُوءٍ. واما الثاني فهو بالنسبة الى الراجح ظاهر كقوله تعالى وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ وبالنسبة الى المرجوح مؤول كقوله تعالى يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ والنص والظاهر كلاهما محكم والمجمل والمؤول متشابه وهو كقوله تعالى فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ قد رد الى قوله تعالى وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ثم ان الله تعالى جعل القرآن كله محكما فى قوله الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ومعناه ان كله حق لا ريب فيه ومتقن لا تناقض فيه ومحفوظ من اعتراء الخلل او من النسخ. وجعله كله متشابها فى قوله كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ ومعناه يشبه بعضه بعضا فى صحة المعنى وجزالة النظم وحقيقة المدلول وجعل بعضه محكما وبعضه متشابها فى هذه الآية وقد سبق وانما لم يجعل الله القرآن كله محكما لما فى المتشابه من الابتلاء والتمييز بين الثابت على الحق والمتزلزل فيه كابتلاء بنى إسرائيل بالنهر فى اتباع نبيهم ولان النظر فى المتشابه والاستدلال لكشف الحق يوجب عظم الاجر ونيل الدرجات عند الله فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ اى ميل عن الحق الى الأهواء الباطلة فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ معرضين عن المحكمات اى يتعلقون بظاهر المتشابه من الكتاب او بتأويل باطل لا تحريا للحق بعد الايمان بكونه من عند الله تعالى بل ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ اى طلب ان يفتنوا الناس عن دينهم بالتشكيك والتلبيس ومناقضة المحكم بالمتشابه وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ اى طلب ان يؤولوه حسبما يشتهونه من التأويلات الزائغة والحال انهم بمعزل من تلك الرتبة وذلك قوله عز وجل وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ اى تأويل المتشابه إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ اى لا يهتدى الى تأويله الحق الذي يجب ان يحمل عليه الا الله وعباده الذين رسخوا فى العلم اى ثبتوا فيه وتمكنوا او فوضوا فيه لنص قاطع ومنهم من يقف على قوله إِلَّا اللَّهُ ويبتدئ بقوله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ويفسرون المتشابه بما أستأثر الله(2/5)
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)
بعلمه وبمعرفة الحكمة فيه من آياته كعدد الزبانية فى قوله عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ومدة بقاء الدنيا ووقت قيام الساعة والصوم وعدد الركعات فى الصلوات الخمس والاول هو الوجه فان الله تعالى لم ينزل شيأ من القرآن الا لينتفع به عباده ويدل به على معنى اراده فلو كان المتشابه لا يعلمه غيره للزمنا للطاعن مقال وهل يجوز ان يقال ان رسول الله صلى عليه وسلم لم يكن يعرف المتشابه وإذا جاز ان يعرفه مع قوله تعالى وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ جاز ان يعرفه الربانيون من صحابته وان لم يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والعلماء الراسخون وقالوا علمه عند ربنا لم يكن لهم فضل على الجهال لانهم جميعا يقولون ذلك قالوا ولم يزل المفسرون الى يومنا هذا يفسرون ويؤولون كل آية ولم نرهم وقفوا عن شىء من القرآن فقالوا هذا متشابه لا يعلمه الا الله بل فسروا نحو حروف التهجي وغيرها يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ اى بالمتشابه والجملة على الاول استئناف موضح لحال الراسخين وعلى الثاني خبر لقوله والراسخون كُلٌّ اى كل واحد من المحكم والمتشابه مِنْ عِنْدِ رَبِّنا منزل من عنده تعالى لا مخالفة بينهما وَما يَذَّكَّرُ حق التذكر إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ اى العقول الخالصة عن الركون الى الأهواء الزائغة وهو مدح للراسخين بجودة الذهن وحسن النظر واشارة الى ما به استعدوا للاهتداء الى تأويله من تجرد العقل عن غواشى الحس رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا اى يقولون لا تمل قلوبنا عن نهج الحق الى اتباع المتشابه بتأويل لا ترتضيه بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا الى الحق والتأويل الصحيح او الى الايمان وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ اى من عندك رَحْمَةً واسعة تزلفنا إليك ونفوز بها عندك إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ واطلاق الوهاب ليتناول كل موهوب. وفيه دلالة على ان الهدى والضلال من قبله وانه متفضل بما ينعم به على عباده من غير ان يجب عليه شىء رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ بعد الموت لِيَوْمٍ اى لجزاء يوم وحسابه وهو يوم القيامة لا رَيْبَ فِيهِ اى فى وقوعه ووقوع ما فيه من الحشر والحساب والجزاء ومقصودهم بهذا عرض كمال افتقارهم الى الرحمة وانها المقصد الأسنى عندهم إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ الوعد يعنى الالوهية تنافى خلف الوعد فى البعث واستجابة الدعاء وهذا حال الراسخين فى الدعاء فانظر كيف لا يأمنون سوء الخاتمة وأداهم الخوف والخشية الى الرجاء فاياك والزيغ عن الصراط المستقيم باتباع الهوى والشهوات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من قلب الا وهو بين اصبعين من اصابع الرحمن اذا شاء ان يقيمه اقامه واذا شاء ازاغه يعنى قلب المؤمن بين توفيقه وخذلانه وانما قال من أصابع الرحمن ولم يقل من أصابع الله اشعارا بانه هو المتمكن من قلوب العباد والمتصرف فيها كيف يشاء ولم يكلها الى أحد من ملائكته رحمة منه وفضلا لئلا يطلع على سرائرهم غيره وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (اللهم يا مقلب القلوب والابصار ثبت قلوبنا على دينك) والميزان بيد الرحمن يرفع قوما ويضع آخرين الى يوم القيامة وقال صلى الله عليه وسلم (مثل القلب كريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح ظهر البطن) قال الجنيد رحمه الله من أراد ان يسلم له دينه ويستريح فى بدنه وقلبه فليعتزل الناس فان هذا(2/6)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)
زمان وحشة والعاقل من اختار الوحدة قال عليه السلام لا صحابه (اين تنبت الحبة) قالوا فى الأرض قال (فكذلك الحكمة انما تنبت فى قلب مثل الأرض) فدفن حبة الفؤاد والوجود فى ارض الخمول مما ينتج ويتم نتاجه جدا فما نبت مما لم يدفن لم يتم نتاجه وان ظهر نوره وانتاجه كالذى نبت فى حميل السيل. فعليك بتزكية النفس وإصلاح الوجود كى تدرك نور الشهود وتقبل الى الاستقامة وتخلص من الزيغ والضلال فى جميع الأحوال وكم من زائع قلبه وهو صورة مستقيم وكم من مستقيم فؤاده وهو فى الظاهر غير مستقيم: كما قيل
بس قامت خاشاك كه بر جا باشد ... چون باد بر آنها بوزد نا باشد
والقلب هو محل النظر لا الصورة كما قال عليه السلام (ان الله لا ينظر الى صوركم بل الى قلوبكم وأعمالكم) فأى فائدة فى القلب الزائغ عن الحق فنعوذ بالله منه إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ اى لن تنفعهم أَمْوالُهُمْ التي يبذلونها فى جلب المنافع ودفع المضار قدم الأموال على الأولاد لانها أول عدة يفزع إليها عند نزول الخطوب وَلا أَوْلادُهُمْ الذين بهم يتناصرون فى الأمور المهمة وعليهم يعولون فى الخطوب الملمه وتوسيط حروف النفي لعراقة الأولاد فى كشف الكروب مِنَ اللَّهِ اى عذابه تعالى شَيْئاً اى شيأ من الإغناء ومعناه لا يصرف عنهم كثرة الأموال والأولاد والتناصر بهما عذابه وكانوا يقولون نحن اكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين قال تعالى فى ردهم وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً أُولئِكَ اى أولئك المتصفون بالكفر هُمْ وَقُودُ النَّارِ حطب النار وحصبها الذي تسعربه كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ الدأب مصدر دأب فى العمل إذا كدح فيه وتعب غلب استعماله فى معنى الشان والحال والعادة ومحل الكاف الرفع على انه خبر لمبتدأ محذوف اى دأب هؤلاء فى الكفر وعدم النجاة من أخذ الله تعالى وعذابه كدأب آل فرعون وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ اى آل فرعون من الأمم الكافرة كقوم نوح وثمود وقوم لوط وهو عطف على ما قبله كَذَّبُوا بِآياتِنا بيان وتفسير لدأبهم الذي فعلوا على الاستئناف المبنى على السؤال كأنه قيل كيف كان دأبهم فقيل كذبوا بآياتنا اى بكتبنا ورسلنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ تفسير لدأبهم الذي فعل بهم اى فأخذهم الله تعالى وعاقبهم ولم يجدوا من بأس الله تعالى محيصا فدأب هؤلاء الكفرة ايضا كدأبهم والذنب فى الأصل التلو والتابع وسميت الجريمة ذنبا لانها تتلو اى يتبع عقابها فاعلها وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ لمن كفر بالآيات والرسل قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا المراد بهم اليهود لما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان يهود المدينة لما شاهدوا غلبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشركين يوم بدر قالوا والله انه النبي الأمي الذي بشرنا به موسى وفى التوراة نعته وهموا باتباعه فقال بعضهم لا تعجلوا حتى ننظر الى وقعة له اخرى فلما كان يوم أحد شكوا وقد كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد الى مدة فنقضوه وانطلق كعب بن الأشرف فى ستين راكبا الى اهل مكة فاجمعوا أمرهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت سَتُغْلَبُونَ البتة عن قريب فى الدنيا وقد صدق الله وعده بقتل بنى قريظة واجلاء بنى النضير وفتح خيبر وضرب الجزية على من(2/7)
قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)
عداهم وهو من أوضح شواهده النبوة وَتُحْشَرُونَ اى فى الآخرة إِلى جَهَنَّمَ والحشر السوق والجمع اى يغلبون فى الدنيا ويساقون فى الآخرة مجموعين الى جهنم وَبِئْسَ الْمِهادُ اى بئس الفراش والمقر جهنم قَدْ كانَ لَكُمْ جواب قسم محذوف وهو من تمام القول المأمور به اى والله قد كان لكم ايها اليهود المغترون بعددهم وعددهم آيَةٌ عظيمة دالة على صدق ما أقول لكم انكم ستغلبون فِي فِئَتَيْنِ اى جماعتين فان المغلوبة منهما كانت مدلة بكثرتها معجبة بعزتها وقد لقيها ما لقيها فيصيبكم ما يصيبكم الْتَقَتا اى تلاقيا بالقتال يوم بدر فِئَةٌ خبر مبتدأ محذوف اى إحداهما فئة تُقاتِلُ تجاهد فِي سَبِيلِ اللَّهِ وهم لاكثرة فيهم ولا شوكة وهم اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وَأُخْرى اى وفئة اخرى كافِرَةٌ بالله ورسوله يَرَوْنَهُمْ اى ترى الفئة الاخيرة الكافرة الفئة الاولى المؤمنة والجملة صفة للفئة الاخيرة مِثْلَيْهِمْ اى مثلى عدد الرائين قريبا من الف كانوا تسعمائة وخمسين مقاتلا رأسهم عتبة من ربيعة بن عبد شمس وفيهم ابو سفيان وابو جهل وكان فيهم من الخيل والإبل مائة فرس وسبعمائة بعير ومن اصناف الاسلحة عدد لا يحصى. وعن سعد بن أوس انه قال اسر المشركون رجلا من المسلمين فسألوه كم كنتم قال ثلاثمائة وبضعة عشر قالوا ما كنا نراكم الا تضعفون علينا او مثلى عدد المرئيين اى ستمائة ونيفا وعشرين حيث كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين ومائتان وستة وثلاثون من الأنصار رضى الله عنهم وكان صاحب راية النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين على بن ابى طالب رضى الله تعالى عنه وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة الخزرجي رضى الله عنه وكان فى العسكر تسعون بعيرا وفرسان أحدهما للمقداد بن عمرو والآخر لمرثد بن بي مرثد وست ادرع وثمانية سيوف وجميع من استشهد يومئذ من المسلمين اربعة عشر رجلا ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار أراهم الله عز وجل كذلك مع قلتهم ليهابوهم ويتجنبوا عن قتالهم مددا لهم منه سبحانه كما أمدهم بالملائكة عليهم السلام. فان قلت فهذا مناقض لقوله فى سورة الأنفال وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ. قلت قللهم اولا فى أعينهم حتى اجترءوا عليهم فلما لا قوهم كثروا فى أعينهم حتى غلبوا فكان التقليل والتكثير فى حالين مختلفين وتقليلهم تارة وتكثيرهم اخرى ابلغ فى القدرة واظهار الآية رَأْيَ الْعَيْنِ نصب على المصدر يعنى رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها معاينة كسائر المعاينات وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ اى يقوى بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ اى يريد من غير توسيط الأسباب العادية كما أيد الفئة المقاتلة فى سبيله بما ذكر من النصر وهو من تمام القول المأمور به إِنَّ فِي ذلِكَ اشارة الى ما ذكر من رؤية القليل كثيرا المستتبعة لغلبة القليل العديم العدة على الكثير الشاكي السلاح لَعِبْرَةً من العبور كالجلسة من الجلوس والمراد بها الاتعاظ فانه نوع من العبور اى لعبرة عظيمة كائنة لِأُولِي الْأَبْصارِ لذوى العقول والبصائر. فعلى العاقل ان يعتبر بالآيات ولا يغتر بكثرة الاعداد من الأموال والأولاد وعدم اجتهاده لمعاده فان الله يمتعه قليلا ثم يضطره الى عذاب(2/8)
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)
غليظ. واعلم ان المبتلى بالكفر مغلوب الحكم الأزلي بالشقاوة ثم مغلوب الهوى والنفس والشيطان ولذات الدنيا فغلبات الهوى والنفس ترد الى أسفل سافلين الطبيعة فيعيش فيها ثم يموت على ما عاش فيه ويحشر على مامات عليه فى قعر جهنم وبئس المهاد فانه مهده فى معاشه والنار ناران نار الله ونار الجحيم فاما نار الله فهى نار حسرة القطيعة عن الله فيها يعذب قلوب المحجوبين عن الله كقوله تعالى نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ واما نار الجحيم فهى نار الشهوات والمعاملات على الغفلات من المخالفات فهى تحرق قشور الجلود كما قال تعالى كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ولا يتخلص من هذه النار إلا لب القلوب وان عذاب حرقة الجلد بالنسبة الى عذاب حرقة القلوب كنسيم الحياة وسموم الممات فلا بد من تزكية النفس فانها سبب للخلاص من عذاب الفرقة. قيل لبعضهم بم يتخلص العبد من نفسه قال بربه انتهى فاذا أراد الله ان ينصر عبده على ما طلب منه امده بجنود الأنوار فكلما اعترته ظلمة قام لها نور فاذهبها وقطع عنه مواد الظلم والأغيار فلم يبق للهوى مجال ولا للشهوة والأخلاق الذميمة مقال ولا قال فالنور جند القلب كما ان الظلمة جند النفس والمراد بالنور حقائق ما يستفاد من معانى الأسماء والصفات وبالظلمة معانى ما يستفاد من الهوى والعوائد الرديئة قال تعالى إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها اى غيروا حالها عما هى عليه وكذلك إذا وردت الواردات الربانية على القلوب الممتلئة أخرجت منها كل صفة رديئة وكستها كل خلق زكية فهذه الدولة انما تنال بترك الدنيا والعقبى فكيف يمتلئ بالأنوار قلب من خالط الأغيار وأحب المال والأولاد ولم يخف من رب العباد. وقدم على الأستاذ ابى على الدقاق رحمه الله فقير وعليه مسح وقلنسوة فقال له بعض أصحابه بكم اشتريت هذا المسح على وجه المطايبة فقال اشتريته بالدنيا فطلب منى بالآخرة فلم أبعه. قال ابو بكر الوراق رحمه الله طوبى للفقراء فى الدنيا والآخرة فسألوه عنه فقال لا يطلب السلطان منه فى الدنيا الخراج ولا الجبار فى الآخرة الحساب
قناعت سر فرازد اى مرد هوش ... سر پر طمع بر نيايد ز دوش
كر آزاده بر زمين خسب وبس ... مكن بهر مالى زمين بوس كس
حققنا الله وإياكم بحقائق التوحيد زُيِّنَ لِلنَّاسِ اى حسن لهم والمزين هو الله لقوله تعالى زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ وذلك على جهة الامتحان او هو الشيطان لقوله تعالى وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وذلك على جهة الوسوسة حُبُّ الشَّهَواتِ اى محبة مرادات النفوس والشهوة نزوع النفس الى ما تريده وهى مصدر أريد به المفعول اى المشتهيات لان الأعيان التي ذكرها كلها مشتهيات وانما عبر عنها بالمصدر مبالغة فى كونها مشتهاة مرغوبا فيها كأنها نفس الشهوات والوجه ان يقصد تخسيسها فيسميها شهوات لان الشهوة مسترذلة عند الحكماء مذموم من اتبعها شاهد على نفسه بالبهيمية. قالوا خلق الله الملائكة عقولا بلا شهوة والبهائم ذات شهوات بلا عقل وجعلهما فى الإنسان فمن غلب عقله شهوته فهو أفضل من الملائكة ومن غلب عليه شهوته فهو أرذل من البهائم مِنَ النِّساءِ حال من الشهوات(2/9)
قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)
اى حال كونها من طائفة النساء وانما بدأ بهن لعرافتهن فى معنى الشهوات فانهن حبائل الشيطان وَالْبَنِينَ والفتنة بهم ان الرجل يحرص بسببهم على جمع المال من الحلال والحرام ولانهم يمنعونه عن محافظة حدود الله. قيل أولادنا فتنة ان عاشوا فتنونا وان ماتوا احزنونا وعدم التعرض للبنات لعدم الاطراد فى حبهن وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ جمع قنطار وهو المال الكثير اى الأموال الكثيرة المجتمعة او هو مائة الف دينار او ملئ مسك ثور او سبعون الفا او أربعون الف مثقال او ثمانون الفا او مائة رطل او الف ومائتا مثقال او الف دينار او مائة منّ ومائة رطل ومائة مثقال ومائة درهم اودية النفس. وفى الكشاف المقنطرة مبنية من لفظ القنطار للتوكيد كقولهم ألوف مؤلفة وبدر مبدرة مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بيان للقناطير اى من هذين الجنسين وانما سمى الذهب ذهبا لانه يذهب ولا يبقى والفضة لانها تنقض اى تتفرق وَالْخَيْلِ عطف على القناطير. والخيل جمع لا واحد له من لفظه واحده فرس وهو مشتق من الخيلاء لاختيالها فى مشيها او من التخيل فانها لم يتخيل فى عين صاحبها أعظم منها لتمكنها من قلبه الْمُسَوَّمَةِ اى المعلمة وهى التي جعلت فيها العلامة بالسيمة واللون او بالكي او المرعية من سامت السائمة اى رعت وَالْأَنْعامِ اى الإبل والبقر والغنم جمع نعم وَالْحَرْثِ اى الزرع. قيل كل منها فتنه للناس. اما النساء والبنون ففتنة للجميع. والذهب والفضة فتنة للتجار. والخيل فتنة للملوك.
والانعام فتنة لاهل البوادي. والحرث فتنة لاهل الرساتيق ذلِكَ اى ما ذكر من الأشياء المعهودة مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا اى ما يمتنع به فى الحياة الدنيا أياما قلائل فيفنى سريعا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ اى حسن المرجع وهو الجنة. وفيه دلالة على ان ليس فيما عدد عاقبة حميدة وهذا تزهيد فى طيبات الدنيا الفانية وترغيب فيما عند الله من النعيم المقيم فعلى العاقل ان يأخذ من الدنيا قدر البلغة ولا يستكثر بالاستكثار الذي يورط صاحبه فى المحظور ويورثه المحذور قُلْ يا محمد أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ الهمزة للتقرير اى أخبركم بما هو خير مما فصل من تلك المستلذات المزينة لكم لِلَّذِينَ خبر مبتدأه قوله جنات اتَّقَوْا والمراد بالتقوى هو التبتل الى الله تعالى والاعراض عما سواه كما ينبئ عنه النعوت الآتية عِنْدَ رَبِّهِمْ نصب على الحالية من قوله جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها حال مقدرة وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ اى زوجات مبرأة من العيوب الظاهرة كالحيض والامتخاط وإتيان الخلاء ومن الباطنة كالحسد والغضب والنظر الى غير أزواجهن- روى- عن النبي عليه السلام (شبر من الجنة خير من الدنيا وما فيها) وَرِضْوانٌ اى رضوان وأي رضوان لا يقادر قدره كائن مِنَ اللَّهِ قال الحكماء الجنات بما فيها اشارة الى الجنة الجسمانية والرضوان اشارة الى الجنة الروحانية وأعلى المقامات الجنة الروحانية وهى عبارة عن تجلى نور جلال الله تعالى فى روح العبد واستغراق العبد فى معرفة الله ثم يصير فى أول هذه المقامات راضيا عن الله وفى آخرها مرضيا عنده تعالى واليه الاشارة بقوله راضِيَةً مَرْضِيَّةً وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ وبأعمالهم فيثيب ويعاقب حسبما يليق بها(2/10)
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)
الَّذِينَ كأنه قيل من أولئك المتقون الفائزون الكرامات السنية فقيل هم الذين يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا اى صدقنا بك وبنبيك وفى ترتيب الدعاء بقولهم فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ
على مجرد الايمان دلالة على كفايته فى استحقاق المغفرة والوقاية من النار الصَّابِرِينَ نصب على المدح بإضمار اعنى والمراد بالصبر هو الصبر على مشاق الطاعات وعلى البأساء والضراء وحين البأس وَالصَّادِقِينَ فى أقوالهم ونياتهم وعزائمهم وَالْقانِتِينَ اى المداومين على الطاعات المواظبين على العبادات وَالْمُنْفِقِينَ أموالهم فى سبيل الله وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ وتوسط الواو بين الصفات المذكورة مؤذن بان كل صفة مستقلة بالمدح ومؤذن بان منهم صابر ومنهم صادق. ثم الصبر حبس النفس عن شهواتها المحظورة فى الشرع. وجميع أجناس الصبر ثلاثة. الصبر على الطاعة. والصبر على المعصية. والصبر على المكروه قال النبي صلى الله عليه وسلم (من صبر على مصيبة فله ثلاثمائة درجة وبين الدرجتين كما بين السماء والأرض ومن صبر على الطاعة فله ستمائة درجة ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ومن صبر على المعصية فله تسعمائة درجة بين الدرجتين كما بين العرش والكرسي) . والصدق يجرى فى القول وهو مجانبة الكذب وفى الفعل وهو إتيانه وترك الانصراف عنه قبل تمامه وفى النية وهو العزم عليه حتى يفعل. والانفاق يتناول الانفاق على نفسه واهله وأقاربه وصلة رحمه وفى الجهاد وسائر وجوه البر. والاستغفار سؤال المغفرة من الله وتخصيص الاسحار بالاستغفار لان الدعاء فيها اقرب الى الاجابة إذ العبادة حينئذ أشق والنفس أصفى والروح اجمع لا سيما للمجتهدين. قال مجاهد فى قول يعقوب عليه السلام سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي أخره الى وقت السحر فان الدعاء فيه مستجاب وقال ان الله تعالى لا يشغله صوت عن صوت لكن الدعاء فى السحر دعوتى فى الخلوة وهى ابعد من الرياء والسمعة فكانت اقرب الى الاجابة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ينزل الله تعالى الى السماء الدنيا كل ليلة حتى يبقى ثلث الليل فيقول انا الملك من ذا الذي يدعونى فاستجيب له من ذا الذي يسألنى فاعطيه من ذا الذي يستغفرنى فاغفر له) ومعنى ينزل محمول على نزول ملكه او على الاستعارة فمعناه الإقبال على الداعين باللطف والاجابة ولهذا قال الى السماء الدنيا اى القربى. وفى هذا الكلام توبيخ لهم على غفلتهم فى الدعاء والسؤال منه والاستغفار. قال لقمان لابنه يا بنى لا تكونن أعجز من هذا الديك يصوت بالأسحار وأنت نائم على فراشك
دلا برخيز وطاعت كن كه طاعت به ز هر كارست ... سعادت آن كسى دارد كه وقت صبح بيدارست
خروسان در سحر كويند كه قم يا ايها الغافل ... تو از مستى نمى دانى كسى داند كه هشيار است
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لما اسرى بي الى السموات رأيت عجائب من عجائب الله تعالى فمن ذلك ان فى السماء الدنيا ديكا له زغب اخضر وريش ابيض وبياض ريشه كاشد بياض رأيته وزغبة تحت ريشه كاشد خضرة رأيتها فاذا رجلاه فى تخوم الأرض السابعة السفلى وإذا رأسه عند عرش الرحمن ثانى عنقه تحت العرش له جناحان فى منكبيه إذا نشرهما جاوز المشرق والمغرب فاذا كان بعض الليل نشر جناحيه وخفق بهما وصرخ بالتسبيح لله يقول(2/11)
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25)
سبحان الملك القدوس سبحان الكريم) او قال (الكبير المتعال لا اله الا الله الحي القيوم فاذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض كلها وخفقت بأجنحتها فاذا سكن ذلك الديك سكنت ديكة الأرض كلها ثم إذا كان بعض الليل نشر جناحيه فجاوز بهما المشرق والمغرب وخفق بهما ثم صرخ بالتسبيح لله يقول سبحان الله العلى العظيم سبحان العزيز القهار سبحان الله رب العرش الرفيع فاذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض بمثل قوله وخفقت بأجنحتها وأخذت فى الصراخ وإذا سكن ذلك الديك سكنت ديكة الأرض ثم إذا هاج بنحو فعله فى السماء هاجت الديكة فى الأرض يجاوبونه تسبيحا لله تعالى بنحو قوله) والمقصود من هذا ان التسبيح إذا كان من فعل اهل السماء والأرض خصوصا الحيوانات العجم بل النباتات كما قال تعالى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ فان الإنسان اولى بان يشتغل بالدعاء والتسبيح خصوصا فى الخلوات واوقات الاسحار قال الامام القشيري رحمه الله الصابرين على ما امر الله والصادقين فيما عاهدوا الله والقانتين بالاستقامة فى محبة الله والمنفقين فى سبيل الله والمستغفرين من جميع ما فعلوا لرؤية تقصيرهم شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ بانه لا إِلهَ إِلَّا هُوَ نزلت حين جاء رجلان من أحبار الشام فقالا للنبى عليه السلام أنت محمد قال (نعم) فقالا أنت احمد قال (انا محمد واحمد) قالا أخبرنا عن أعظم الشهادة فى كتاب الله فاخبرهما اى اثبت الله بالحجة القطعية واعلم بمصنوعاته الدالة على توحيده انه واحد لا شريك له فى خلقه الأشياء إذ لا يقدر أحد ان ينشئ شيأ منها. قال ابن عباس خلق الله تعالى الأرواح قبل الأجساد باربعة آلاف سنة وخلق الأرزاق قبل الأرواح باربعة آلاف سنة فشهد لنفسه قبل خلق الخلق حين كان ولم يكن سماء ولا ارض ولا بر ولا بحر فقال شَهِدَ اللَّهُ الآية وَالْمَلائِكَةُ عطف على الاسم الجليل بحمل الشهادة على معنى مجازى شامل للاقرار والايمان بطريق عموم المجاز اى أقرت الملائكة بذلك لما عاينت من عظم قدرته وَأُولُوا الْعِلْمِ اى أمنوا به واحتجوا عليه بالادلة التكوينية والتشريعية وهم الأنبياء والمؤمنون الذين علموا توحيده وأقروا به اعتقادا صحيحا فشبه دلالته على وحدانيته بأفعاله الخاصة التي لا يقدر عليها غيره تعالى واقرار الملائكة واولى العلم بذلك بشهادة الشاهد فى البيان والكشف قائِماً بِالْقِسْطِ نصب على الحال المؤكدة من هو دون من ذكر معه لأمن اللبس إذ القيام بالقسط من الصفات الخاصة به تعالى ومثله جاء زيد وهند راكبا جاز لاجل التذكير ولو قلت جاء زيد وعمرو راكبا لم يجز للبس اى مقيما بالعدل فى قسمة الأرزاق والآجال والاثابة والمعاقبة وما يأمر به عباده وينهاهم عنه من العدل والتسوية فيما بينهم ودفع الظلم عنهم لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ كرر المشهود به لتأكيد التوحيد ليوحدوه ولا يشركوا به شيأ لانه ينتقم ممن لا يوحده بما لا يقدر على مثله منتقم ويحكم ما يريد على جميع خلقه لا معقب لحكمه لغلبته عليهم إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ جملة مستأنفة مؤكدة للاولى اى لا دين مرضيا لله تعالى سوى الإسلام الذي هو التوحيد والتشرع بالشريعة الشريفة وهو الدين الحق منذ بعث الله آدم عليه السلام وما سواه من الأديان فكلها باطلة. قال شيخنا العلامة فى بعض تحريراته المقصود من إنزال الكلام مطلق الدعوة الى الدين الحق(2/12)
والدين الحق من زمن آدم الى نبينا عليهما الصلاة والسلام الإسلام كما قال تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وحقيقة دين الإسلام التوحيد وصورته الشرائع التي هى الشروط وهذا الدين من ذلك الزمان الى يوم القيامة واحد بحسب الحقيقة وسواء بين الكل ومختلف بحسب الصورة والشروط وهذا الاختلاف الصوري لا ينافى الاتحاد الأصلي والوحدة الحقيقة انتهى. وعن قتادة ان الإسلام شهادة ان لا اله الا الله والإقرار بما جاء من عند الله. وعن غالب القطان قال أتيت الكوفة فى تجارة فنزلت قريبا من الأعمش فكنت اختلف اليه فلما كنت ذات ليلة أردت ان احدر الى البصرة قام من الليل متهجدا فمر بهذه الآية شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ قال الأعمش وانا اشهد بما شهد الله به واستودع الله هذه الشهادة وهى لى عند الله وديعة ان الدين عند الله
الإسلام قالها مرارا قلت لقد سمع فيها شيأ فصليت معه وودعته ثم قلت آية سمعتك ترددها فما بلغك فيها قال والله لا أحدثك بها الى سنة فلبثت على بابه من ذلك اليوم فاقمت سنة فلما مضت السنة قلت يا أبا محمد قد مضت السنة قال حدثنى ابو وائل عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله ان لعبدى هذا عندى عهدا وانا أحق من وفى بالعهد ادخلوا عبدى الجنة) ويناسب هذا ما يقال عهدنا لله. عن ابى مسعود رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه ذات يوم (أيعجز أحدكم ان يتخذ كل صباح ومساء عند الله عهدا) قالوا وكيف ذلك قال (يقول كل صباح ومساء اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة انى اعهد إليك بانى اشهد ان لا اله الا أنت وحدك لا شريك لك وان محمدا عبدك ورسولك وانك ان تكلنى الى نفسى تقربنى من الشر وتباعدني من الخير وانى لا أثق الا برحمتك فاجعل لى عهدا توفينيه يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد فاذا قال ذلك طبع عليه بطابع) اى ختم عليه بخاتم (ووضع تحت العرش فاذا كان يوم القيامة نادى مناد اين الذي لهم عند الله عهد فيدخلون الجنة) فلا بد من الدعاء فى الصبح والمساء لله الذي هو خالق الأرض والسماء ومن الإخلاص الذي هو ملاك الأمر كله فى طاعة المرء وعمله
عبادت بإخلاص نيت نكوست ... وگر نه چهـ آيد ز بي مغز پوست
وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ نزلت فى اليهود والنصارى حين تركوا الإسلام الذي جاء به النبي عليه السلام وأنكروا نبوته إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ استثناء مفرغ من أعم الأحوال او أعم الأوقات اى وما اختلفوا فى دين الله الإسلام ونبوة محمد عليه السلام فى حال من الأحوال او فى وقت من الأوقات الا بعد ان علموا بانه الحق الذي لا محيد عنه او بعد ان علموا حقيقة الأمر وتمكنوا من العلم بها بالحجج والآيات الباهرة. وفيه من الدلالة على ترامى حالهم فى الضلالة ما لا مزيد عليه فان الاختلاف بعد حصول تلك المرتبة مما لا يصدر عن العاقل بَغْياً بَيْنَهُمْ مفعول له لقوله اختلف اى حسدا كائنا بينهم وطلبا للرياسة لا شبهة وخفاء فى الأمر وهو تشنيع اثر تشنيع وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ الناطقة(2/13)
فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22)
بما ذكر من ان الدين عند الله الإسلام ولم يعمل بمقتضاها فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ قائم مقام جواب الشرط علة له اى ومن يكفر بآياته تعالى فانه يجازيه ويعاقبه عن قريب فانه سريع الحساب اى يأتى حسابه عن قريب او سريع فى محاسبة جميع الخلائق لانه يحاسبهم فى اقل من لمحة بحيث يظن كل أحد منهم انه اى الله يحاسب نفسه فقط فَإِنْ حَاجُّوكَ اى فى كون الدين عند الله الإسلام فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ اى أخلصت نفسى وقلبى وجملتى لِلَّهِ وحده لم اجعل فيها لغيره شركا بان اعبده وادعوه الها معه يعنى دين التوحيد وهو القديم الذي ثبتت عندكم صحته كما ثبتت عندى وما جئت بشئ بديع حتى تجادلونى فيه وَمَنِ اتَّبَعَنِ عطف على المتصل فى أسلمت وحسن ذلك لمكان الفصل الجاري مجرى التأكيد بالمنفصل اى واسلم من اتبعنى وجوههم ايضا وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ اى من اليهود والنصارى وَالْأُمِّيِّينَ الذين لا كتاب لهم من مشركى العرب أَأَسْلَمْتُمْ متبعين لى كما فعل المؤمنون فانه قد آتاكم من البينات ما يوجبه ويقتضيه لا محالة فهل أسلمتم وعملتم بقضيتها أم أنتم بعد على كفركم وهو استفهام بمعنى الأمر اى اسلموا وهذا كقولك لمن لخصت له المسألة ولم تبق من طرق البيان والكشف طريقا إلا سلكته فهل فهمتها فَإِنْ أَسْلَمُوا اى كما أسلمتم واخلصتم فَقَدِ اهْتَدَوْا اى فازوا بالحظ الأوفر ونجوا من مهاوى الضلال وَإِنْ تَوَلَّوْا اى اعرضوا عن الاتباع وقبول الإسلام فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ قائم مقام الجواب اى لم يضروك شيأ إذ ما عليك الا البلاغ اى التبليغ بالرسالة دون الهداية وقد فعلت على ابلغ وجه- روى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قرأ هذه الآية على اهل الكتاب قالوا اسلمنا فقال صلى الله عليه وسلم لليهود (أتشهدون ان عيسى كلمة الله وعبده ورسوله) فقالوا معاذ الله وقال صلى الله عليه وسلم للنصارى (أتشهدن ان عيسى عبد الله ورسوله) فقالوا معاذ الله ان يكون عيسى عبدا وذلك قوله عز وجل وان تولوا وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ عالم بجميع أحوالهم وهو وعد ووعيد إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ أي آية كانت فيدخل فيهم الكافرون بالآيات الناطقة بحقية الإسلام وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ هم اهل الكتاب قتل اولوهم الأنبياء عليهم السلام وقتلوا اتباعهم وهم راضون بما فعلوا وكانوا حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لولا عصمهم الله وقد أشير اليه بصيغة الاستقبال قال فى سورة البقرة بِغَيْرِ الْحَقِّ اى بغير الحد الذي حده الله واذن فيه والنكرة هاهنا على معنى ان القتل يكون بوجوه من الحق فمعناه يقتلون بغير حق من تلك الحقوق وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ اى بالعدل مِنَ النَّاسِ عن ابى عبيدة بن الجراح رضى الله عنه قلت يا رسول الله أي الناس أشد عذابا يوم القيامة قال (رجل قتل نبيا او رجلا امر بمعروف او نهى عن منكر) ثم قرأها ثم قال (يا أبا عبيدة قتلت بنوا إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا من أول نهار فى ساعة واحدة فقام مائة واثنا عشر رجلا من عباد بنى إسرائيل فامروا قتلتهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا من آخر النهار) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ اى وجيع دائم جعل لهم بدل البشارة وهو الاخبار السار الاخبار بالنار وهو كقول القائل تحية بينهم ضرب وجيع أُولئِكَ المتصفون بتلك الصفات(2/14)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)
القبيحة الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ الذين بطلت أعمالهم التي ما عملوهن البر والحسنات ولم يبق لها اثر فى الدارين بل بقي لهم اللعنة والخزي فى الدنيا والعذاب الأليم فى الآخرة وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ ينصرونهم من بأس الله وعذابه فى احدى الدارين وصبغة الجمع لرعاية ما وقع فى مقابلته لا لنفى تعدد الأنصار من كل واحد منهم كما فى قوله تعالى وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ ففى الآية ذم لمن قتل الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر فبئس القوم قوم يقتلون الذين يأمرون بالمعروف والناهين عن المنكر وبئس القوم قوم لا يقومون بالقسط بين الناس وبئس القوم قوم يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فعليك بالعدل والانصاف وإياك الجور والظلم والاعتساف فاصدع باوامر الحق ونواهيه ولا تخف غير الله فيما أنب فيه وانما عليك البلاغ
گرچهـ دانى كه نشنوند بكوى ... هر چهـ مى دانى از نصيحت و پند
زود باشد كه خيره سر بينى ... بدو پاى اوفتاده اندر بند
دست بر دست مى زند كه دريغ ... نشنيدم حديث دانشمند
ولا يسقط الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ابدا ولكنه لا ينفع الوعظ والزجر فى آخر الزمان حين تشتد القلوب قساوة وتكون الأنفس مولعة بلذات الدنيا- روى- ان يهوديا قال لهارون الرشيد فى سيره مع عكسره اتق الله فلما سمع هارون قول اليهودي نزل عن فرسه وكذا العسكر نزلوا تعظيما لاسم الله العظيم. ومن اكبر الذنوب ان يقول الرجل لاخيه اتق الله فيقول فى جوابه عليك نفسك أأنت تأمرنى بهذا ومن الله العظة والتوفيق الى سواء الطريق أَلَمْ تَرَ تعجيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم او لكل من تتأتى منه الرؤية من حال اهل الكتاب وسوء صنيعهم اى ألم تنظر إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً حظا وافرا مِنَ الْكِتابِ اى التوراة والمراد بما أوتوه منها ما بين لهم فيها من العلوم والاحكام التي من جملتها ما علموه من نعوت النبي عليه السلام وحقية الإسلام يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ الذي أوتوا نصيبا منه وهو التوراة كأنه قيل ماذا يصنعون حتى ينظر إليهم فقيل يدعون الى كتاب الله فالجملة استئناف لِيَحْكُمَ ذلك الكتاب بَيْنَهُمْ وفى الكتاب بيان الحكم فاضيف اليه الحكم كما فى صفة القرآن بشيرا ونذيرا لان فيه بيان التبشير والانذار وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مدارس اليهود فدعاهم الى الايمان فقال له رئيسهم نعيم بن عمرو على أي دين أنت قال صلى الله عليه وسلم (على ملة ابراهيم) قال ان ابراهيم كان يهوديا قال صلى الله عليه وسلم (ان بيننا وبينكم التوراة فهاتوها فابوا) وقال الكلبي نزلت الآية فى الرجم فجر رجل وامرأة من اهل خيبر وكانا فى شرف منهم وكان فى كتابهم الرجم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء رخصة عنده فحكم عليهم بالرجم فقالوا جرت علينا ليس عليهما الرجم فقال صلى الله عليه وسلم (بينى وبينكم التوراة) قالوا قد أنصفتنا قال (فمن أعلمكم بالتوراة) قالوا ابن صوريا فأرسلوا اليه فدعا النبي عليه الصلاة والسلام بشئ من التوراة فيه الرجم دله على ذلك ابن سلام فقال له (اقرأ فلما اتى على آية الرجم وضع كفه عليها) وقام ابن(2/15)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25)
سلام فرفع إصبعه عنها ثم قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اليهود بان المحصن والمحصنة إذا زنيا وقامت عليهما البينة رجما وان كانت المرأة حبلى تربص حتى تصنع ما فى بطنها وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم باليهوديين فرجما فغضب اليهود لذلك ورجعوا كفارا فانزل الله هذه الآية ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ استبعاد لتوليهم بعد علمهم بوجوب الرجوع اليه ولم يصب به الكل لانه قال فى هذه السورة مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ وقال تعالى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ وَهُمْ مُعْرِضُونَ اما حال من فريق لتخصصه بالصفة اى يتولون من المجلس وهم معرضون بقلوبهم او اعتراض اى وهم قوم ديدنهم الاعراض عن الحق والإصرار على الباطل ذلِكَ اى التولي والاعراض بِأَنَّهُمْ اى حاصل بسبب انهم قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ باقتراف الذنوب وركوب المعاصي إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ أربعين يوما وهى مدة الأيام التي عبدوا فيها العجل ورسخ اعتقادهم على ذلك وهونوا عليهم الخطوب وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ من قولهم ذلك وما أشبهه من قولهم ان آبائنا الأنبياء يشفعون لنا او ان الله تعالى وعد يعقوب عليه السلام ان لا يعذب أولاده الا تحلة القسم ولذلك ارتكبوا ما ارتكبوا من القبائح. قال ابن عباس رضى الله عنهما زعمت اليهود انهم وجدوا فى التوراة ان ما بين طرفى جهنم أربعون سنة الى ان ينتهوا الى شجرة الزقوم وانما نعذب حتى نأتى الى شجرة الزقوم فتذهب جهنم وتهلك واصل الجحيم سقر وفيها شجرة الزقوم فاذا اقتحموا من باب جهنم وتبادروا فى العذاب حتى انتهوا الى شجرة الزقوم وملأوا البطون قال لهم خازن سقر زعمتم ان النار لن تمسكم الا أياما معدودات قد خلت أربعون سنة وأنتم فى الابد فَكَيْفَ اى فكيف يصنعون وكيف يكون حالهم وهو استعظام لما أعد لهم وتهويل لهم وانهم يقعون فيما لا حيلة فى دفعه والمخلص منه وان ما حد ثوابه أنفسهم وسهلوه عليها تعلل بباطل وتطمع بما لا يكون إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ اى لجزاء يوم لا رَيْبَ فِيهِ اى فى وقوعه ووقوع ما فيه- روى- ان أول راية ترفع يوم القيامة من رايات الكفرة راية اليهود فيفضحهم الله على رؤس الاشهاد ثم يأمر بهم الى النار وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ اى جزاء ما كسبت من غير نقص أصلا كما يزعمون. وفيه دلالة على ان العبادة لا تحبط وان المؤمن لا يخلد فى النار لان توفية جزاء إيمانه وعمله لا يكون فى النار ولا قبل دخولها فاذا هى بعد الخلاص منها وَهُمْ اى كل الناس المدلول عليهم بكل نفس لا يُظْلَمُونَ بزيادة عذاب او بنقص ثواب بل يصيب كلا منهم مقدار ما كسبه فالله تعالى ليس من شأنه العظيم ان يظلم عباده ولو مثقال ذرة فيجازى المؤمنين بايمانهم والكافرين بكفرهم. فعلى العاقل ان لا يقطع رجاءه من الله تعالى وان كانت ذنوبه مثل زبد البحر فالله تعالى عند حسن ظن العبد به- روى- انه إذا كان يوم القيامة وسكن اهل الجنة الجنة واهل النار النار إذا بصوت حزين ينادى من داخل النار يا حنان يا منان يا ذا الجلال والإكرام فيقول الله تعالى يا جبريل اخرج هذا العبد الذي فى النار قال فيخرجه اسود كفرخ الحمام قد تناثر لحمه وذاب جسمه فينادى يا جبريل لا توقفنى بين يدى الله فافزع فيؤتى به الى الله فيقول له عبدى أتذكر ذنب(2/16)
قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27) لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)
كذا وكذا فى سنة كذا وكذا فيقول نعم يا رب فيقول الله اذهبوا بعبدي الى النار فيكون من العبد التفات فيقول الله ردوا عبدى الىّ فيرد اليه فيقول له عبدى ما كان التفاتك وهو اعلم فيقول يا رب أذنبت ولم اقطع رجائى منك وحاسبتنى ولم اقطع رجائى منك وأدخلتني النار ولم اقطع رجائى منك وأخرجتني منها إليك ولم اقطع رجائى منك ثم رددتنى إليها ولم اقطع رجائى منك فيقول الله تبارك وتعالى وعزتى وجلالى وارتفاعي فى علو مكانى لأكونن عند ظن عبدى بي ولأحققن رجاءه فى اذهبوا بعبدي الى الجنة
خدايا بعزت كه خوارم مكن ... بذل بزه شرمسارم مكن
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس على اهل لا اله الا الله وحشة عند الموت ولا فى قبورهم ولا فى منشرهم كأنى باهل لا اله الا الله ينفضون التراب عن رؤسهم وهم يقولون الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن) فالواجب على من كان مؤمنا وليس من اهل البدع ان يحمد الله على ما هداه وجعله مسلما من الامة الشريفة. ولذا قيل من علامات سوء العاقبة ان لا يشكر العبد على ما هدى به من الايمان والتوحيد. واهل الغرور فى الدنيا مخدوع بهم فى الآخرة فليس لهم عناية رحمانية وانما يقبل رجاء العبد إذا قارنه العمل والكاملون بعد ان بالغوا فى تزكية النفس ما زالوا يخافون من سوء العاقبة ويرجون رحمة الله فكيف بنا ونحن متورطون فى آبار الأوزار لا توبة لنا ولا استغفار غير العناد والإصرار. قال الامام الهمام محمد الغزالي رحمه الله فى منهاج العابدين مقدمات التوبة ثلاث. احداها ذكر غاية قبح الذنوب. والثانية ذكر غاية عقوبة الله تعالى واليم سخطه وغضبه الذي لا طاقة لك به. والثالثة ذكر ضعفك وقلة حيلتك فان من لا يحتمل حر الشمس ولطمة شرطى وقرص نملة كيف يحتمل حر نار جهنم وضرب مقامع الزبانية ولسع حيات كأعناق البخت وعقارب كالبغال خلقت من النار فى دار الغضب والبوار نعوذ بالله من سخطه وعذابه
مرامى ببايد چوطفلان كريست ... ز شرم كناهان ز طفلانه زيست
نكو كفت لقمان كه نازيستن ... به از سالها بر خطا زيستن
هم از بامداد آن در كلبه بست ... به از سود وسرمايه دادن ز دست
قُلِ اللَّهُمَّ أصله يا الله فالميم عوض عن حرف النداء ولذلك لا يجتمعان وهذا من خصائص الاسم الجليل وشددت لقيامها مقام حرفين. وقيل أصله يا الله أمنا بخير اى اقصدنا به فخفف بحذف حرف النداء ومتعلقات الفعل وهمزته مالِكَ الْمُلْكِ اى مالك جنس الملك على الإطلاق ملكا حقيقيا بحيث يتصرف فيه كيف ما يشاء له إيجادا واعداما واحياء واماتة وتعذيبا واثابة من غير مشارك ولا ممانع وهو نداء ثان عند سيبويه فان الميم عنده تمنع الوصفية لانه ليس فى الأسماء الموصوفة شىء على حد اللهم تُؤْتِي الْمُلْكَ بيان لبعض وجوه التصرف الذي يستدعيه مالكية الملك وتحقيق لاختصاصها به تعالى وكون مالكية الغير بطريق المجاز كما ينبئ عنه إيثار الإيتاء الذي هو مجرد الإعطاء على التمليك المؤذن بثبوت المالكية حقيقة مَنْ تَشاءُ ايتاءه إياه وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ نزعه منه فالملك الاول حقيقى عام ومملوكيته حقيقية والآخران مجازيان خاصان ونسبتهما الى صاحبهما مجازية وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ(2/17)
تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)
ان تعزه فى الدنيا او فى الآخرة او فى فيهما بالنصر والتوفيق وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ ان تذله فى إحداهما او فيهما من غير ممانعة من الغير ولا مدافعة بِيَدِكَ الْخَيْرُ وتعريف الخير للتعميم وتقديم الخبر للتخصيص اى بقدرتك الخير كله لا بقدرة أحد من غيرك تتصرف فيه قبضا وبسطا حسبما تقتضيه مشيئتك وتخصيص الخير بالذكر لان الكلام انما وقع فى الخير الذي يسوفه الى المؤمنين وهو الذي أنكرته الكفرة فقال بيدك الخير تؤتيه أولياءك على رغم من أعدائك ولان كل افعال الله تعالى من نافع وضار صادر عن الحكمة والمصلحة فهو خير كله كأيتاء الملك ونزعه او لمراعاة الأدب فان فى الخطاب بان الشر منك وبيدك ترك ادب وان كان الكل من الله تعالى- روى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خط الخندق عام الأحزاب وقطع لكل عشرة من اهل المدينة أربعين ذراعا وجميع من وافى الخندق من القبائل عشرة آلاف وأخذوا يحفرونه خرج من بطن الخندق صخرة كالفيل العظيم لم تعمل فيها المعاول فوجهوا سلمان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فجاء عليه السلام وأخذ المعول من سلمان فضربها ضربة صدعتها مقدار ثلثها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها كانه مصباح فى جوف بيت مظلم فكبر وكبر معه المسلمون وقال (أضاءت لى منها قصور الحيرة كانها أنياب الكلاب) ثم ضرب الثانية فقال (أضاءت لى منها القصور الحمر فى ارض الروم) ثم ضرب الثالثة فقال (أضاءت لى قصور صنعاء وأخبرني جبريل عليه السلام ان أمتي ظاهرة على الأمم كلها فابشروا) فقال المنافقون ألا تعجبون يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم انه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وانها تفتح لكم وأنتم انما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون ان تبرزوا فنزلت إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ من الإعزاز والاذلال تُولِجُ اى تدخل اللَّيْلَ فِي النَّهارِ بنقص الاول وزيادة الثاني حتى يصير النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ حتى يكون الليل خمس عشرة ساعة والنهار تسع ساعات وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ اى تظهر الحيوان من النطفة او الطير من البيضة او العالم من الجاهل او المؤمن من الكافر او النبات من الأرض اليابسة وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وهذا عكس الاول وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ قال ابو العباس المقري ورد لفظ الحساب فى القرآن على ثلاثة أوجه بمعنى التعب قال تعالى وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ وبمعنى العدد قال تعالى إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ وبمعنى المطالبة قال تعالى فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ والباء متعلقة بمحذوف وقع حالا من فاعل ترزق او من مفعوله وفيه دلالة على ان من قدر على أمثال هاتيك الأفاعيل العظام المحيرة للعقول فقدرته على ان ينزع الملك من العجم ويذل ويؤتيه العرب ويعزهم أهون من كل هين. عن على رضى الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان فاتحة الكتاب وآية الكرسي وآيتين من آل عمران شهد الله انه لا اله الا هو الى قوله تعالى ان الدين عند الله الإسلام وقل اللهم الى قوله تعالى بغير حساب معلقات ما بينهن وبين الله حجاب قلن يا رب أتهبطنا الى أرضك والى من يعصيك قال الله عز وجل انى حلفت انه لا يقرأ كن أحد دبر كل صلاة الا جعلت الجنة مثواه على ما كان منه وأسكنته فى حظيرة(2/18)
لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)
القدس ونظرت اليه بعيني كل يوم سبعين مرة وقضيت له سبعين حاجة أدناها المغفرة وأعذته من كل عدو وحاسد ونصرته عليهم) وفى بعض الكتب [انا الله ملك الملوك قلوب الملوك ونواصيهم بيدي فان العباد أطاعوني جعلتهم لهم رحمة وان العباد عصونى جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسبب الملوك ولكن توبوا الى أعطفهم عليكم] وهو معنى قوله عليه السلام (كما تكونون يولى عليكم) معناه ان كنتم من اهل الطاعة يول عليكم اهل الرحمة وان كنتم من اهل المعصية يول عليكم اهل العقوبة. وجاء فى الخبر ان موسى عليه السلام قال فى مناجاته [يا رب أنت فى السماء ونحن فى الأرض فما علامة سخطك من رضاك فاوحى الله اليه إذا استعملت على الناس خيارهم فهو علامة رضاى وإذا استعملت شرارهم فهو علامة سخطى عليهم] . قال الحجاج بن يوسف حين قيل له لم لا تعدل مثل عمر رضى الله عنه وأنت قد أدركت خلافته أفلم ترعد له وصلاحه فقال فى جوابهم تبذوروا أتعمر لكم اى كونوا كأبى ذر فى الزهد والتقوى أعاملكم معاملة عمر فى العدل والانصاف. وفيه اشارة الى ان الولاة انما يكونون على حسب اعمال الرعايا وأحوالهم صلاحا وفسادا فعلى كل واحد من المسلمين التضرع لله تعالى والانابة اليه بالتوبة والاستغفار عند فشّو الظلم وشمول الجور ويظهر جور الوالي وعدله فى الضرع والزرع والأشجار والأثمار والمكاسب والحرف يعنى يقل لبن الضرع وتنزع بركة الزرع وتنقص ثمار الأشجار وتكسد معاملة التجار واهل الحرف فى الأمصار التي ملك فيها ذلك الملك الجائر بشؤم ظلمه وسوء فعله ويكون الأمر على العكس إذا عدل ولما ولى عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب اليه طاووس ان أردت ان يكون عملك خيرا كله فاستعمل اهل الخير فقال كفى بها موعظة
پندم اگر بشنوى اى پادشاه ... در همه دفتر به ازين پند نيست
جز بخردمند مفرما عمل ... گر چهـ عمل كار خردمند نيست
قال النبي صلى الله عليه وسلم (سيأتى زمان لامتى يكون امراؤهم على الجور وعلماؤهم على الطمع وعبادهم على الرياء وتجارهم على أكل الربا ونساؤهم على زينة الدنيا) لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ نهوا عن موالاتهم لقرابة او صداقة جاهلية او جوار ونحوها من اسباب المصادقة والمعاشرة حتى لا يكون حبهم ولا بغضهم الا لله تعالى او عن الاستعانة بهم فى الغزو وسائر الأمور الدينية مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ فى موضع الحال اى متجاوزين المؤمنين إليهم استقلالا او اشتراكا. وفيه اشارة الى انهم الاحقاء بالموالاة وان فى موالاتهم مندوحة عن موالاة الكافرين اى استغناء فلا تؤثروهم عليهم فى الولاية وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ اى اتخاذهم اولياء فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ اى من ولايته تعالى فِي شَيْءٍ يصح ان يطلق عليه اسم الولاية يعنى انه منسلخ من ولاية الله رأسا وهذا امر معقول فان موالاة الولي وموالاة عدوه متنافيان: قال
تود عدوى ثم تزعم اننى ... صديقك ليس النوك عنك بعازب
النوك الحمق. والعازب البعيد والمعنى الصديق هو من يودك ويبغض عدوك. والأعداء ايضا ثلاثة عدوك وعدو صديقك وصديق عدوك(2/19)
قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)
بشوى اى خرمند از آن دوست دست ... كه با دشمنانت بود هم نشست
إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا استثناء من أعم الأحوال كأنه قيل لا تتخذوهم اولياء ظاهرا وباطنا فى حال من الأحوال إلا حال اتقائكم مِنْهُمْ اى من جهتهم تُقاةً اى اتقاء بان تغلب الكفار او يكون المؤمن بينهم فان اظهار الموالاة حينئذ مع اطمئنان النفس بالعداوة والبغضاء وانتظار زوال المانع من شق العصا واظهار ما فى الضمير كما قال عيسى عليه السلام [كن وسطا وامش جانبا] اى كن فيما بينهم صورة وتجنب عنهم سيرة [ولا تخالطهم مخالطة الأوداء ولا تتيسر بسيرتهم] وهذا رخصة فلو صبر حتى قتل كان اجره عظيما وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ اى يخوفكم الله ذاته المقدسة كقوله تعالى فَاتَّقُونِ. وَاخْشَوْنِ اى من سخطى وعقوبتى فلا تتعرضوا لسخطه بموالاة أعدائه وهذا وعيد شديد وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ اى الى جزاء الله مرجع الخلق فيجزى كلا بعمله قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ من الضمائر التي من جملتها ولاية الكفرة أَوْ تُبْدُوهُ فيما بينكم يَعْلَمْهُ اللَّهُ فيؤاخذكم بذلك عند مصيركم اليه وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لا يخفى عليه منه شىء قط فلا يخفى عليه سركم وعلنكم وهو من باب إيراد العام بعد الخاص تأكيدا له وتقريرا وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على عقوبتكم بما لا مزيد عليه ان لم تنتهوا عما نهيتم عنه وهذا بيان لقوله تعالى وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ لان نفسه وهى ذاته المتميزة من سائر الذوات متصفة بعلم ذاتى لا يختص بمعلوم دون المعلوم فهى متعلقة بالمعلومات كلها وبقدرة ذاتية لا تختص بمقدور دون مقدور فهى قادرة على المقدورات كلها فكان حقها ان تحذر وتتقى فلا يجسر أحد على قبيح ولا يقصر عن واجب فان ذلك مطلع عليه لا محالة ولا حق به العذاب ولو علم بعض عبيد السلطان انه أراد الاطلاع على أحواله مما يورد ويصدر ونصب عليه عيونا وبث من يتجسس عن بواطن أموره لاخذ حذره وتيقظ فى امره واتقى كل ما يتوقع فيه الاسترابة به فما بال من علم ان الله الذي يعلم السر وأخفى مهيمن عليه وهو آمن اللهم انا نعوذبك من اغترارنا بسترك كذا فى الكشاف. فالعاقل يخاف من الله ويكون حبه وبغضه لله يوالى المؤمنين ويعادى الكافرين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اربعة من الكبائر لبس الصوف لطلب الدنيا وادعاء محبة الصالحين وترك فعلهم وذم الأغنياء والاخذ منهم ورجل لا يرى الكسب ويأكل من كسب الناس)
كر آنها كه ميكفتمى كردمى ... نكو سيرت پارسا بودمى
والحب فى الله والبغض فى الله باب عظيم واصل من اصول الايمان وخلق سنى والمحبة الصادقة لا تكون إلا عند المصافاة فى الباطن وهى مبنية على اتفاق العقيدة والوجهة لان القلوب تتناسب فتتصافى فان لم يكن بينها التوافق المعنوي واتفق بين أربابها المصالحة والمؤانسة بحسب المماثلة النوعية والالفة النفسية والجنسية الصورية أعدت الرذائل صاحب الفضائل باستغراق النفس فتشابه وتخالق كما قيل عن المرء لا تسأل وابصر قرينه. فكل قرين بالمقارن يقتدى وقال على رضى الله عنه(2/20)
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)
فلا تصحب أخا الجهل ... وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى ... حليما حين أخاه
يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ما شاه
وللقلب على القلب ... دليل حين يلقاه
وإذا كان الرجل مبتلى بصحبة الفجار فى سفره للحج او للغزاء لا يترك الطاعة بصحبتهم ولكن يكره بقلبه ولا يرضى به فلعل الفاسق يتوب ببركة كراهة قلبه- حكى- ان حاتما وشقيقا خرجا فى سفر فصحبهما شيخ فاسق وكان يضرب بالمعزف فى الطريق ويطرب ويغنى وكان حاتم ينتظر ان ينهاه شقيق فلم يفعل ذلك فلما كان فى آخر الطريق وأرادوا ان يتفرقوا قال لهما ذلك الشيخ الفاسق لم ار أثقل منكما قد طربت بين أيديكما كل الطرب فلم تنظرا الى طربى فقال له حاتم يا شيخ اعذرنا فان هذا شقيق وانا حاتم فتاب الرجل وكسر ذلك المعزف وجعل يتلمذ عندهما ويخدمهما فقال شقيق لحاتم كيف رأيت صبر الرجال
نه آنكه بر در دعوى نشيند از خلقى ... كه كر خلاف كنندش بجنگ برخيزد
وكر ز كوه فرو غلطد آسيا سنكى ... نه عارفست كه از راه سنك برخيزد
وينبغى ان يعلم ان المؤمن كما يلزم له ان يقطع الموالاة عن الكفار كذلك يقطع ذلك عن الأقرباء الفجار كما قيل
چون نبود خويش را ديانت وتقوى ... قطع رحم بهتر از مودت قربى
فان قلت هذا مخالف للقرآن فانه ناطق بصلة الأرحام مطلقا. قلت هو موافق كما قال تعالى وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما فمن تسبب لشقاوتك يجب تقاطعك عنه وان كان ذا قرابتك
هزار خويش كه بيكانه از خدا باشد ... فداى يك تن بيكانه كاشنا باشد
فعليك بقطع التعلق من الأغيار وبالاقتداء بهدى الأنبياء الأخيار قال خليل الله عليه السلام فانهم عدو لى الا رب العالمين. ومن موالاة الكفار المؤاكلة معهم بغير عذر اقتضاها. ومن القول الشنيع ان يقال لهم جلبى كما يقول لهم سفهاء زماننا فان معنى جلبى منسوب الى جلب وجلب اسم الله تعالى وهم نارى دون نورى فكيف يصح نسبتهم الى الله والعياذ بالله يَوْمَ منصوب بتود تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ اى من النفوس المكلفة ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً عندها بامر الله تعالى وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ عطف على ما عملت والإحضار معتبر فيه ايضا الا انه خص بالذكر فى الخير للاشعار بكون الخير مرادا بالذات وكون إحضار الشر من مقتضيات الحكمة التشريعية تَوَدُّ اى تحب وتتمنى يوم تجد صحائف أعمالها من الخير والشر او اجزيتها محضرة لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ اى بين النفس وبين ذلك اليوم وهوله او بين العمل السوء أَمَداً بَعِيداً اى مسافة واسعة كما بين المشرق والمغرب ولم تحضر ذلك اليوم او لم تعمل ذلك السوء قط وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ اى يقول الله إياكم ونفسى يعنى احذروا من سخطى وهو تكرير لما سبق ليكون على بال منهم لا يغفلون عنه وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ يعنى ان تحذيره نفسه وتعريفه حالها من العلم والقدرة من الرأفة العظيمة بالعباد لانهم إذا عرفوه حق المعرفة وحذروه دعاهم ذلك الى طلب رضاه واجتناب سخطه فيحذرهم تحذير الوالد المشفق ولده عما يوبقه(2/21)
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)
قال القشيري رحمه الله هذا للمستأنفين وقوله وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ للعارفين أولئك اصحاب التخفيف والتسهيل وهؤلاء اصحاب التخويف والتهويل ونظيره بشر المذنبين وانذر الصديقين فالله تعالى يمهل ولا يهمل فيجب ان لا يغتر العبد بامهاله بل يتأهب ليوم حسابه وجزائه
در خير باز است وطاعت وليك ... نه هر كس تواناست بر فعل نيك
واعلم ان ما يعمله الإنسان او يقوله ينتقش فى صحائف النفوس السماوية وإذا تكرر صار ملكة راسخة لكنه مشغول عن تلك الهيآت الثابتة فى نفسه ونقوشها بالشواغل الحسية والوهمية والفكرية فاذا فارقت النفس الجسد وقامت قيامتها وجدت ما عملت من خير وشر محضرا لارتفاع الشواغل المانعة كقوله تعالى أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ فان كان شرا تتمنى البعد فيما بينها وما بين ذلك اليوم او ذلك العمل لتعذبها به فتصير تلك الهيآت صورتها ان كانت راسخة وإلا صورة تعذبها وتعذبت بحسبها ومن الله العصمة: قال مولانا جلال الدين الرومي قدس سره
هر خيالى كو كند در دل وطن ... روز محشر صورتى خواهد شدن «1»
سيرتى كان در وجودت غالب است ... هم بر آن تصوير حشرت واجب است «2»
فعلى العاقل ان يزكى نفسه عن الأخلاق الذميمة ويطهر قلبه عن لوث العلائق الدنيوية ويجتهد فى تحصيل مرضاة الله بالأعمال الصالحة والأقوال الحقة كى يجدها عند ربه يوم احتياجه ويفوز بالسعادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط وأظمأ ما كانوا قط واعرى ما كانوا قط وانصب ما كانوا قط فمن اطعم الله أطعمه ومن سقى الله سقاه ومن كسا الله كساه ومن عمل لله كفاه) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقول يا حنان يا منان يا ذا الجلال والإكرام باعد بينى وبين خطيئتى كما باعدت بين المشرق والمغرب ونقنى من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس واغسلني بماء الثلج والبرد سبحان الله وبحمده استغفر الله العظيم وأتوب اليه) ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الى أصحابه حوله فقال (ايها الناس لا تعجبوا بانفسكم وبكثرة أعمالكم وبقلة ذنوبكم ولا تعجبوا بامرئ حتى تعلموا بم يختم له) قال عليه السلام (فانما الأعمال بخواتيمها ولو ان أحدكم جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبيا لتمنى الزيادة لهول ما يقدم عليه يوم القيامة) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي اثبت فيه الياء لانه اصل ولم يثبت فى فاتقون وأطيعون لانه ختم آية ينوى بها الوقف يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ نزلت حين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن الأشرف ومن تابعه الى الايمان فقالوا نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ فقال تعالى لنبيه عليه السلام قل لهم انى رسول الله أدعوكم اليه فان كنتم تحبونه فاتبعونى على دينه وامتثلوا امرى يحببكم الله ويرض عنكم. والمحبة ميل النفس الى الشيء لكمال أدركته فيه بحيث يحملها على ما يقربها اليه والعبد إذا علم ان الكمال الحقيقي ليس الا لله وان كل ما يراه كمالا من نفسه او غيره فهو من الله وبالله والى الله لم يكن حبه الا لله وفى الله وذلك يقتضى ارادة طاعته والرغبة فيما يقربه اليه فلذلك فسرت المحبة بارادة الطاعة وجعلت مستلزمة لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فى طاعته والحرص على مطاوعته
__________
(1) در اواسط دفتر پنجم در بيان فيما يرجى من رحمة الله تعالى معطى النعم إلخ
(2) در أوائل دفتر دوم در بيان آمدن دوستان بيمارستان جهة پرسش ذو النون قدس سره(2/22)
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ اى يكشف الحجب عن قلوبكم بالتجاوز عما فرط منكم فيقربكم من جنات عزه ويبوئكم فى جوار قدسه. عبر عنه بالمحبة بطريق الاستعارة او المشاكلة وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ اى لمن كان يتحبب للنصارى ويتبع عيسى ابن مريم فنزل قوله تعالى قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ اى فى جميع الأوامر والنواهي فيدخل فى ذلك الطاعة فى اتباعه صلى الله عليه وسلم دخولا أوليا فَإِنْ تَوَلَّوْا اما من تمام مقول القول فهى صيغة المضارع المخاطب بحذف احدى التاءين اى تتولوا وتعرضوا واما كلام متفرع مسوق من جهته تعالى فهى صيغة الماضي الغائب وفى ترك ذكر احتمال الاطاعة كما فى قوله تعالى فَإِنْ أَسْلَمُوا تلويح الى انه غير محتمل عنهم فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ نفى المحبة كناية عن بغضه تعالى لهم وسخطه عليهم اى لا يرضى عنهم ولا يثنى عليهم. ودلت الآية على شرف النبي عليه السلام فانه جعل متابعته متابعة حبيبه وقارن طاعته بطاعته فمن ادعى محبة الله وخالف سنة نبيه فهو كذاب بنص كتاب الله تعالى كما قيل
تعصى الإله وأنت تظهر حبه ... هذا محال فى الفعال بديع
لو كان حبك صادقا لا طعته ... ان المحب لمن يحب مطيع
وانما كان من ادعى محبة الله وخالف سنة رسوله كاذبا فى دعواه لان من أحب آخر يحب خواصه والمتصلين به من عبيده وغلمانه وبيته وبنيانه ومحله ومكانه وجداره وكلبه وحماره وغير ذلك فهذا هو قانون العشق وقاعدة المحبة والى هذا المعنى أشار المجنون العامري حيث قال
امر على الديار ديار ليلى ... اقبل ذا الجدار وذا الجدار
وما حب الديار شغفن قلبى ... ولكن حب من سكن الديارا
قال الامام القشيري رحمه الله قطع الله اطماع الكل ان يسلم لاحدهم نفسه الا ومقتداهم سيد الأولين والآخرين. وقال القاشاني محبة النبي عليه السلام انما تكون بمتابعته وسلوك سبيله قولا وعملا وخلقا وحالا وسيرة وعقيدة ولا تتمشى دعوى المحبة الا بهذا فانه قطب المحبة ومظهرها وطريقته صلى الله عليه وسلم المحبة فمن لم يكن له من طريقته نصيب لم يكن له من المحبة نصيب وإذا تابعه حق المتابعة ناسب باطنه وسره وقلبه ونفسه باطن النبي وسره وقلبه ونفسه وهو مظهر المحبة فلزم بهذه المناسبة ان يكون لهذا التابع قسط من محبة الله بقدر نصيبه من المتابعة فيلقى الله محبته عليه ويسرى من روح النبي نور تلك المحبة ايضا الى قلبه اسرع ما يكون إذ لولا محبة الله لم يكن محبا له ثم نزل عن هذا المقام لانه أعز من الكبريت الأحمر ودعاهم الى ما هو أعم من مقام المحبة وهو مقام الارادة فقال قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ اى ان لم تكونوا محبين ولم تستطيعوا متابعة حبيبى فلا اقل من ان تكونوا مريدين مطيعين لما أمرتم به فان المريد يلزمه طاعة المراد وامتثال امره فَإِنْ تَوَلَّوْا اى ان اعرضوا عن ذلك ايضا فهم كفار محجوبون انتهى. وروى البخاري عن عبد الله بن هشام انه كانه مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر رضى عنه فقال عمر يا رسول الله أنت أحب الى من كل شىء الا نفسى(2/23)
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)
فقال عليه السلام (والذي نفس محمد بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من نفسه) فقال عمر فانه الآن والله أنت أحب الى من نفسى فقال عليه السلام (الآن يا عمر صار إيمانك كاملا) وقال صلى الله عليه وسلم (كل أمتي يدخلون الجنة الا من ابى) قالوا ومن يأبى قال (من أطاعني دخل الجنة ومن عصانى فقد ابى) وعن جابر بن عبد الله انه قال جاءت ملائكة الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقال بعضهم انه نائم وقال بعضهم ان العين نائمة والقلب يقظان فقالوا ان لصاحبكم هذا مثلا فاضربوا له مثلا فقالوا مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة فقالوا اولوها له يفقهها فقالوا الدار الجنة والداعي محمد فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله ومن عصى محمدا فقد عصى الله ومحمد فرق بين الناس فبمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم تحصل الجنة والقربة والوصلة- روى- ان محمودا الغازي دخل على الشيخ الرباني ابى الحسن الخرقاني قدس سره لزيارته وجلس ساعة ثم قال يا شيخ ما تقول فى حق ابى يزيد البسطامي قدس سره فقال الشيخ هو رجل من اتبعه اهتدى واتصل بسعادة لا تخفى فقال محمود وكيف ذلك وابو جهل رأى رسول الله عليه السلام ولم يخلص من الشقاوة فقال الشيخ فى جوابه ان أبا جهل ما رأى رسول الله انما رأى محمد بن عبد الله حتى لو كان رأى رسول الله عليه السلام لخرج من الشقاوة ودخل فى السعادة ثم قال ومصداق ذلك قول الله تعالى وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ فالنظر بعين الرأس لا يوجب هذه السعادة بل النظر بعين السر والقلب والمتابعة التامة تورث ذلك. وأمته صلى الله عليه وسلم من اتبعه ولا يتبعه الا من اعرض عن الدنيا فانه عليه السلام ما دعا الا الى الله واليوم الآخر وما صرف الا عن الدنيا والحظوظ العاجلة فبقدر ما أعرضت عنها وأقبلت على الله وصرفت الأوقات لاعمال الآخرة فقد سلكت سبيله الذي يسلكه وبقدر ما اتبعته صرت من أمته وبقدر ما أقبلت على الدنيا عدلت عن سبيله وأعرضت عن متابعته ولحقت بالذين قال الله تعالى فيهم فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى ولو خرجت عن مكمن الغرور وأنصفت من نفسك يا رجل وكلنا ذلك الرجل لعلمت انك من حين تمسى الى حين تصبح لا تسعى الا فى الحظوظ العاجلة ولا تتحرك الا برجل الدنيا الفانية ثم تطمع فى ان تكون غدا من أمته واتباعه ويحك ما ابعد ظننا وما افحش طمعنا قال الله تعالى أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ الاصطفاء أخذ ما صفا من الشيء كالاستصفا اى اختار آدم بالنفس القدسية وما يليق بها من الملكات الروحانية والكمالات الجسمانية المستتبعة للرسالة فى نفس المصطفى كما فى كافة الرسل عليهم السلام او فيمن يلابسه وينشأ منه كما فى مريم او اصطفاه بان خلقه بيده فى احسن تقويم وبتعليم الأسماء واسجاد الملائكة إياه وإسكانه الجنة وَاصطفى نُوحاً بما ذكر من الوجه الاول او اصطفاه بكونه أول من نسخ الشرائع إذ لم يكن قبل ذلك تزويج المحارم حراما وباطالة عمره وجعل ذريته هم الباقين واستجابة دعوته فى حق الكفرة والمؤمنين وحمله على متن الماء وَاصطفى آلَ إِبْراهِيمَ وهو إسماعيل(2/24)
ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)
واسحق والأنبياء من أولادهما الذين من جملتهم النبي صلى الله عليه وسلم ويفهم من اصطفائهم اصطفاء ابراهيم بطريق الاولوية وَاصطفى آلَ عِمْرانَ وهو عيسى وامه مريم ابنة عمران بن ماتان بن العادر بن ابى هود بن رب بابل بن ساليان بن يوحنا بن اوشا بن او موذر ابن ميشك بن خارقا بن يونام بن غرزيا بن يوزان بن ساقط بن ايشا بن راجقيم بن سليمان بن داود عليهما السلام بن ايشا بن عويل بن سلمون بن ياعر بن ممشون بن عمياد بن دام بن حضروم بن فارض بن يهودا بن يعقوب عليه السلام. وقيل آل عمران هو موسى وهارون عليهما السلام ابنا عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوى بن يعقوب عليه السلام وبين العمرانين الف وثمانمائة سنة فيكون اصطفاء عيسى عليه السلام بالاندراج فى آل ابراهيم والاول هو الأظهر بدليل تعقيبه بقصة مريم واصطفاء موسى وهارون عليهما السلام بالانتظام فى سلك آل ابراهيم انتظاما ظاهرا عَلَى الْعالَمِينَ جمع عالم وهو اسم لنوع من المخلوقين فيه علامة يمتاز بها عن خلافه من الأنواع كالملك والجن والانس يقال عالم البر وعالم البحر وعالم الأرض وعالم السماء والمراد بالعالمين اهل زمان كل واحد منهم اى اصطفى كل واحد منهم على عالمى زمانه ذُرِّيَّةً نصب على البدلية من الآلين. والذر بفتح الذال البث والتفريق وسمى نسل الثقلين ذرية لان الله تعالى قد بثهم فى الأرض أو لأن الله اخرج نسل آدم عليه السلام من صلبه كهيئة الذر وهو جمع ذرة وهى أصغر النمل والذرء ايضا الخلق والله تعالى خلقهم وأظهرهم من العدم الى الوجود بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ فى محل النصب على انه صفته لذرية يعنى ان الآلين ذرية واحدة متسلسلة بعضها متشعب من بعض فان آل ابراهيم اعنى إسماعيل واسحق متشعبان من ابراهيم المتشعب من نوح المتشعب من آدم وأولادهما الى آخر أنبياء بنى إسرائيل والى خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين متشعبون منهما وآل عمران وهو موسى وهارون من ذرية ابراهيم ونوح وآدم وكذا عيسى وامه مريم عليهما السلام وَاللَّهُ سَمِيعٌ لا قوال العباد عَلِيمٌ بأعمالهم البادية والخافية فيصطفى من بينهم لخدمته من يظهر استقامته قولا وفعلا على نهج قوله تعالى اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ودلت الآية على صحة انكحة الكفار حيث ثبت نسب بعضهم من بعض بها قال صلى الله عليه وسلم ولدت من نكاح لا من سفاح) واعلم ان الاصطفاء أعم من المحبة والخلة فيشمل الأنبياء كلهم لانهم خيرة الله وصفونه وتتفاضل فيه مراتبهم كما قال تعالى تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ فاخص المراتب هو المحبة المشار إليها بقوله وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ فلذلك كان أفضلهم حبيب الله محمدا عليه السلام ثم الخلة التي هى صفة ابراهيم عليه السلام وأعمها الصفاء الذي هو صفة آدم صفى الله عليه السلام ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ فى الدين والحقيقة إذ الولادة قسمان صورية ومعنوية فكل نبى يتبع نبيا آخر فى التوحيد والمعرفة وما يتعلق بالباطن من اصول الدين فهو ولده كأولاد المشايخ فى زماننا هذا وكما قيل الآباء ثلاثة اب ولدك واب رباك واب علمك وكما ان وجود البدن فى الولادة الصورية يتولد فى رحم امه من نطفة أبيه فكذلك وجود القلب فى الولادة الحقيقة يظهر فى رحم استعداد النفس من نفخة الشيخ والمعلم والى هذه الولادة(2/25)
إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)
أشار عيسى عليه السلام بقوله [لن يلج ملكوت السموات من لم يولد مرتين] ثم اعلم ان الولادة المعنوية أكثرها تتبع الصورية فى التناسل ولذلك كان الأنبياء فى الظاهر ايضا نسلا واحدا ثمرة شجرة واحدة وسببه ان الروح فى الصفاء والكدورة يناسب المزاج فى القرب من الاعتدال الحقيقي وعدمه وقت التكون فلكل روح مزاج يناسبه ويخصه إذ الفيض يصل بحسب المناسبة وتتفاوت الأرواح فى الأزل بحسب صفوتها ومراتبها فى القرب والبعد عن الحضرة الاحدية فتتفاوت الامزجة بحسبها فى الابد لتتصل بها والأبدان المتناسلة بعضها من بعض متشابهة فى الامزجة على الأكثر اللهم الا لامور عارضة اتفاقية فكذلك الأرواح المتصلة بها متقاربة فى الرتبة متناسبة فى الصفة وهذا مما يقوى ان المهدى يكون من نسل محمد عليه السلام. والاغذية مؤثرة فى البدن. فمن كان غذائه حلالا طيبا وهيآت نفسه فاضلة نورانية ونياته صادقة حقانية جاء ولده مؤمنا صديقا او وليا او نبيا. ومن كان غذائه حراما وهيآت نفسه خبيثة ظلمانية ونياته فاسدة رديئة جاء ولده فاسقا او كافرا او زنديقا إذا لنطفة التي يكون الولد منها متولدة من ذلك الغذاء مرباة فى تلك النفس فيناسبها ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الولد سرابيه) وكان صدق مريم ونبوة عيسى ببركة صدق نيتها إِذْ منصوب باذكر قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ وهى امرأة عمران بن ماثان أم مريم البتول جدة عيسى عليه السلام وهى حنة بنت فاقوذا فان قلت كان لعمران بن يصهر بنت اسمها مريم اكبر من موسى وهارون ولعمران بن ماثان مريم البتول فما ادراك ان عمران هذا هو ابو مريم البتول دون عمران ابى مريم التي هى اخت موسى وهارون قلت كفى بكفالة زكريا دليلا على انه عمران ابو البتول لان زكريا بن اذن وعمران بن ماثان كانا فى عصر واحد وقد تزوج زكريا بنته ايشاع اخت مريم فكان يحيى وعيسى عليهما السلام ابني خالة- روى- انها كانت عاقرا لم تلد الى ان عجزت فبيناهى فى ظل شجرة بصرت بطائر يطعم فرخاله فتحركت نفسها للولد وتمنته فقالت اللهم ان لك علىّ نذرا شكرا ان رزقتنى ولدا ان أتصدق به على بيت المقدس فيكون من سدنته وخدمه فحملت بمريم وهلك عمران وهى حامل وذلك قوله تعالى رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ والنذر ما يوجبه الإنسان على نفسه ما فِي بَطْنِي عبر عن الولد بما لابهام امره وقصوره عن درجة العقلاء مُحَرَّراً اى معتقا لخدمة بيت المقدس لا يدى عليه ولا استخدمه ولا اشغله بشئ او خالصا لله ولعبادته لا يعمل عمل الدنيا ولا يتزوج فيتفرغ لعمل الآخرة وكان هذا النذر مشروعا عندهم لان الأمر فى دينهم ان الولد إذا صار بحيث يمكن استخدامه كان يجب عليه خدمة الأبوين فكانوا بالنذر يتركون ذلك النوع من الانتفاع ويجعلونهم محررين لخدمة المسجد ولم يكن أحد من الأنبياء الا ومن نسله محرر لبيت المقدس ولم يكن يحرر الا الغلمان ولا تصح له الجارية لما يصيبها من الحيض والأذى فتحتاج الى الخروج ولكن حررت حنة ما فى بطنها مطلقا إما لأنها بنت الأمر على تقدير الذكورة أو لأنها جعلت ذلك النذر وسيلة الى طلب الولد الذكر فَتَقَبَّلْ مِنِّي اى ما نذرته والتقبل. أخذ الشيء على وجه الرضى وهذا فى الحقيقة استدعاء للولد إذ لا يتصور القبول بدون تحقق المقبول بل للولد الذكر لعدم قبول(2/26)
فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)
الأنثى إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ لجميع المسموعات التي من جملتها تضرعى ودعائى الْعَلِيمُ لكل المعلومات التي من زمرتها ما فى ضميرى لا غير فَلَمَّا وَضَعَتْها اى ولدت النسمة وهى أنثى قالَتْ حنة وكانت ترجو ان تكون غلاما رَبِّ إِنِّي التأكيد للرد على اعتقادها الباطل وَضَعْتُها أُنْثى تحسرا على ما رأته من خيبة رجائها وعكس تقديرها والضمير المتصل عائد الى النسمة وأنثى حال منه وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ تعظيم من جهته تعالى لموضوعها فانها لما تحسرت وتحزنت على ان ولدت أنثى قال الله تعالى انها لا تعلم قدر هذا الموهوب والله هو العالم بالشيء الذي وضعته وما علق به من العجائب وعظائم الأمور فانه تعالى سيجعله وولده آية للعالمين وهى جاهلة بذلك لا تعلم به فلذلك تحسرت وتحزنت وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى مقول لله ايضا مبين لتعظيم موضوعها ورفع منزلته. واللام فيهما للعهد اى ليس الذكر الذي كانت تطلبه وتتخيل فيه كمالا قصاراه ان يكون كواحد من السدنة كالانثى التي وهبت لها فان دائرة علمها وامنيتها لا تكاد تحيط بما فيها من جلائل الأمور فهى أفضل من مطلوبها وهى لا تعلم وهاتان الجملتان من مقول الله تعالى اعتراضان بين قول أم مريم إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وقولها وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وفائدتهما التسلية لنفس حنة والتعظيم لوضعها وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ من مقول حنة عطف على قولها إِنِّي وَضَعْتُها اى انى جعلت اسمها مريم وغرضها من عرضها على علام الغيوب التقرب اليه تعالى واستدعاء العصمة لها فان مريم فى لغتهم بمعنى العابدة وخادم الرب واظهار انها غير راجعة فى نيتها وان كان ما وضعته أنثى وانها ان لم تكن خليقة بسدانة بيت المقدس فلتكن من العابدات فيه وظاهر هذا الكلام يدل على ان عمران كان قدمات قبل وضع حنة مريم والا لما تولت الام تسمية المولود لان العادة ان التسمية يتولاها الآباء وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ اى أجيرها بحفظك وَذُرِّيَّتَها عطف على الضمير المنصوب اى أولادها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ اى المطرود. واصل الرجم الرمي بالحجارة وعن النبي صلى الله عليه وسلم (ما من مولود يولد الا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مسه الا مريم وابنها) ومعناه ان الشيطان يطمع فى إغواء كل مولود بحيث يتأثر منه الا مريم وابنها فان الله تعالى عصمهما ببركة هذه الاستعاذة فَتَقَبَّلَها اى أخذ مريم ورضى بها فى النذر مكان الذكر رَبُّها مالكها ومبلغها الى كمالها اللائق بِقَبُولٍ حَسَنٍ بوجه حسن يقبل به النذائر وهو قبول تلك الأنثى مع أنوثتها وصغرها فان المعتاد فى تلك الشريعة ان لا يجوز التحرير الا فى حق غلام عاقل قادر على خدمة المسجد وهنا لما علم الله تعالى تضرع حنة قبل بنتها حال صغرها وعدم قدرتها على خدمة المسجد وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً مجاز عن التربية الحسنة العائدة عليها مما يصلح فى جميع أحوالها ثم ان الله تعالى ذكر قبولها منها وذلك لضفها وصدق نيتها فى الابتداء وحيلئها فى الانتهاء وكان فى ذلك الزمان اربعة آلاف محرر لم يشتهر خبر أحد منهم اشتهار خبرها. وفيه تنبيه للعبد على ان يرى من نفسه التقصير بعد جهدها ليقبل الله عملها لاظهار إفلاسها وإضمار إخلاصها رزقنا الله وإياكم
طريقت همينست كاهل يقين ... نكو كار بودند وتقصير بين(2/27)
واعلم انه سبحانه قطع السائرين له وهم المريدون والواصلين اليه وهم المرادون عن رؤية أعمالهم وشهود أحوالهم. اما السائرون فلأنهم لم يتحققوا الصدق مع الله فيها فانقطعوا اليه برؤية تقصيرهم. واما الواصلون فلأنه غيبهم شهوده عنها لانه الفعال وهم آلة مسخرة.
ولما دخل الواسطي نيسابور سأل اصحاب الشيخ ابى عثمان المغربي بم يأمركم شيخكم قالوا كان يأمرنا بالتزام الطاعة ورؤية التقصير فيها فقال أمركم بالمجوسية المحضة هلا آمركم بالغيبة عنها بشهود منشئها ومجريها. قال القشيري وانما أراد الواسطي صيانتهم عن محل الاعجاب لا تعريجا فى أوطان التقصير او تجويزا للاخلال بأدب من الآداب. قال النهر جورى من علامة من تولاه الله فى اعماله ان يشهد التقصير فى إخلاصه والغفلة فى أذكاره والنقصان فى صدته والفتور فى مجاهدته وقلة المراعاة فى فقره فتكون جميع أحواله عنده غير مرضية ويزداد فقرا الى الله فى فقره وسيره حتى يفنى عن كل ما دونه. قال الشيخ ابو العباس رضى الله عنه فى اشارة قوله تعالى يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ يولج المعصية فى الطاعة ويولج الطاعة فى المعصية يطيع العبد الطاعة فيعجب بها ويعتمد عليها ويستصغر من لم يفعلها ويطلب من الله العوض عليها فهذه حسنة أحاطت بها سيئات ويذنب الذنب فيلجأ الى الله فيه ويستصغر نفسه ويستعظم من لم يفعله فهذه سيئة أحاطت بها حسنات فايتهما الطاعة وأيتهما المعصية فعلى السالك ان يجتهد فى الطاعات ولا يغتر بالعبادات لعله يصل الى غاية الغايات فى روضات الجنات
چهـ زرها بخاك سيه در كنند ... كه باشد كه روزى مسى زر كنند
يعنى ان المشتغلين بتحصيل صنعة الكيمياء يجعلون دنانير كثيرة تحت التراب اى يبذلونها لتحصيلها ويفرقونها فى أسبابها كى يصير النحاس فى أيديهم ذهبا بحتا ويتشرفوا بوصولها
زر از بهر چيزى خريدن نكوست ... چهـ خواهى خريدن به از وصل دوست
فالسعى فى الأعمال انما هو لطلب رضى الله ووصول جنابه وهو الذي يبذل فى طريقه المال والروح لينفتح باب الفتوح. قال الشيخ الشاذلى قدس سره فى لطائف المنن واعلموا ان الله أودع أنوار الملكوت فى اصناف الطاعات فأى من فاته من الطاعات صنف او اغوزه من الموافقات جنس فقد فقد من النور بمقدار ذلك ولا تهملوا شيأ عن الطاعات ولا تستغنوا عن الأوراد بالواردات ولا ترضوا لا نفسكم بمارضى به المدعون بحر الحقائق على ألسنتهم وخلوا أنوارها من قلوبهم انتهى. فينبغى للعبد ان يواظب على اصناف الطاعات وينساها بعد ما عملها كيلا يبطلها العجب لانه يقال حفظ الطاعة أشد من فعلها لان مثلها كمثل الزجاج يسرع اليه الكسر ولا يقبل الجبر وكذا الخيرات إذا أزيلت بالمخالفات وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا الفعل لله تعالى بمعنى وضمنها الله الى زكريا وجعله كافلالها وضامنا لمصالحها قائما بتدابير أمورها والكافل هو الذي ينفق على انسان ويهتم بإصلاح مصالحه وفى الحديث (انا وكافل اليتيم كهاتين) وهو زكريا بن اذن بن مسلم بن صدون من أولاد سليمان عليه السلام ابن داود عليه السلام- روى- ان حنة حين ولدت مريم لفتها فى خرقة وحملتها الى المسجد ووضعتها عند الأحبار أبناء هارون وهم فى بيت المقدس كالحجبة فى الكعبة فقالت لهم دونكم هذه النذيرة اى خذوها(2/28)
فتنافسوا فيها لانها كانت بنت امامهم وصاحب قربانهم فان بنى ماثان كانت رؤس بنى إسرائيل وملوكهم فقال لهم زكريا انا أحق بها عندى خالتها فقالوا لا حتى نقرع عليها فانطلقوا وكانوا سبعة وعشرين الى نهر قيل هو نهر الأردن فالقوا فيه أقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحى على ان كل من ارتفع قلمه فهو الراجح فالقوا ثلاث مرات ففى كل مرة يرتفع قلم زكريا فوق الماء ورسبت أقلامهم فتكفلها. قال الشيخ فى تفسيره وهو معنى قوله فَتَقَبَّلَها رَبُّها الآية كُلَّما اى كل وقت دَخَلَ عَلَيْها اى على مريم زَكَرِيَّا فاعل دخل الْمِحْرابَ اى فى المحراب قيل بنى لها محرابا فى المسجد اى غرفة تصعد إليها بسلم او المحراب اشرف المجالس ومقدمها كانها وضعت فى اشرف موضع من بيت المقدس او كانت مساجدهم تسمى المحاريب- روى- انها لا يدخل عليها الا هو وحده فاذا خرج غلق عليها سبعة أبواب فكلما دخل وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً اى نوعا منه غير معتاد إذ كان ينزل ذلك من الجنة وكان يجد عندها فى الصيف فاكهة الشتاء وفى الشتاء فاكهة الصيف ولم ترضع ثديا قط قالَ كأنه قيل فماذا قال زكريا عليه السلام عند مشاهدة هذه الآية فقيل قال يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا اى من اين يجيئ لك هذا الذي لا يشبه أرزاق الدنيا وهو آت فى غير حينه والأبواب مغلقة عليك لا سبيل للداخل
به إليك قالَتْ مريم وهى صغيرة لا قدرة لها على فهم السؤال ورد الجواب قيل تكلمت وهى صغيرة كما تكلم عيسى وهو فى المهد هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فلا تعجب ولا تستبعد إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ ان يرزقه بِغَيْرِ حِسابٍ اى بغير تقدير لكثرته او بلا محاسبة او من حيث لا يحتسب وهو تعليل لكونه من عند الله اما من تمام كلامها فيكون فى محل النصب واما من كلامه عز وجل فهو مستأنف. وفى الآية دليل على جواز الكرامة للاولياء ومن أنكرها جعل هذا إرهاصا وتأسيسا لرسالته عليه السلام. عن النبي صلى الله عليه وسلم انه جاع فى زمن قحط فاهدت له فاطمة رضى الله عنها رغيفين وبضعة لحم اثرته بها فرجع بها إليها وقال (هلمى يا بنية) فكشفت عن الطبق فاذا هو مملوء خبزا ولحما فبهتت وعلمت انها نزلت من عند الله فقال لها صلى الله عليه وسلم (أنى لك هذا) فقالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب فقال صلى الله عليه وسلم (الحمد لله الذي جعلك شبيهة بسيدة بنى إسرائيل) ثم جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا والحسنين رضى الله عنهم وجمع اهل بيته عليه فاكلوا وشبعوا وبقي الطعام كما هو فاوسعت فاطمة رضى الله عنها على جيرانها. وقد ظهر على السلف رضى الله عنهم من الصحابة والتابعين ثم على من بعدهم من الكرامات. قال سهل بن عبد الله رضى الله عنه اكبر الكرامات ان تبدل خلقا مذموما من اخلاقك. قال الشيخ ابو العباس رحمه الله ليس الشأن من تطوى له الأرض فاذا هو بمكة وغيرها من البلدان انما الشأن من تطوى عنه أوصاف نفسه. وقيل لابى يزيد ان فلانا يمشى على الماء قال الحوت اعجب منه إذ هو شأنه. فقيل له ان فلانا يمشى فى الهواء قال الطير اعجب من ذلك إذ هو حاله. قيل له كان فلان يمشى الى مكة ويرجع من يومه قال إبليس اعجب من ذلك إذ هو حاله تطوى له الأرض كلها فى لحظة وهو فى لعنة الله فالطى الحقيقي ان تطوى مسافة الدنيا عنك حتى ترى الآخرة اقرب إليك منك لان الأرض تطوى لك فاذا(2/29)
هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)
أنت حيث شئت من البلاد لان هذا ربما جر الى الاغترار وذلك يؤدى للتعلق بالواحد القهار- وحكى- عن ابى عنوان الواسطي قال انكسرت السفينة وبقيت انا وامرأتى أياما على لوح وقد ولدت فى تلك الحالة صبية فصاحت بي فقالت يقتلنى العطش فرفعت رأسى فاذا رجل فى الهواء جالس وفى يده سلسلة من ذهب وفيها كوز من ياقوت احمر وقال هاك اشربا قال فاخذت الكوز وشربنا منه فاذا هو أطيب من المسك واحلى من العسل فقلت من أنت يرحمك الله قال انا عبد لمولاك فقلت بم وصلت الى هذا فقال تركت هواى لمرضاته فاجلسنى فى الهواء ثم غاب عنى فلم أره. وحج سفيان الثوري مع شيبان الراعي رضى الله عنهما فعرض لهما سبع فقال سفيان لشيبان أما ترى هذا السبع فقال لا تخف وأخذ شيبان اذنيه فعركهما فتبصبص وحرك ذنبه فقال سفيان ما هذه الشهرة فقال لولا مخافة الشهرة لما وضعت زادى الأعلى ظهره حتى آتى مكة
تو هم كردن از حكم داور مپيچ ... كه كردن نه پيچد ز حكم تو هيچ
محالست چون دوست دارد ترا ... كه در دست دشمن كذارد ترا
هُنالِكَ اى حيث كان قاعدا عند مريم فى المحراب ولما رأى زكريا عليه السلام حال مريم فى كرامتها على الله ومنزلتها رغب فى ان يكون له من ايشاع ولد مثل ولد أختها حنة فى النجابة والكرامة على الله وان كانت عاقرا عجوزا فقد كانت أختها كذلك دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ اى أعطني من محض قدرتك من غير وسط معتاد ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً اى ولدا صالحا مباركا تقيا رضيا مرضيا. والذرية النسل تقع على الواحد والجمع والذكر والأنثى والمراد هاهنا ولد واحد. والطيب هو الذي تستطاب أفعاله وأخلاقه فلا يكون فيه امر يستخبث ويعاب إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ اى مجيبه كما فى قولهم سمع الله لمن حمده وهذا لان من لم يجب فكأنه لم يسمع. فان قيل ان زكريا كان عالما ان فى قدرة الله ذلك قبل رؤية حال مريم فهلا سأل قبل ذلك. قلنا قد يزداد الإنسان رغبة فى الشيء إذا عاينه وان كان عالما به قبله فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ اى جبرائيل وحكم الواحد من الجنس قد ينسب الى الجنس نفسه نحو فلان يركب الخيل وانما يركب واحدا من افرادها ولما كان جبرائيل رئيسهم عبر عنه باسم الجماعة تعظيما له وَهُوَ حال من مفعول النداء اى والحال ان زكريا عليه السلام قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ اى فى المسجد او فى غرفة مريم أَنَّ اللَّهَ مفعول ثان لنادته اى بان الله تعالى يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى اى بولد اسمه يحيى لانه حيى به رحم امه ولانه تحيى به المجالس من وعظه والتقدير بولادة ولد اسمه يحيى فان التبشير لا يتعلق بالأعيان مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ اى بعيسى عليه السلام. وانما سمى كلمة لانه وجد بكلمة كن من غير اب فشابه البديعيات التي هى عالم الأمر وهو أول من آمن بعيسى وصدق بانه كلمة الله وروح منه ويسمى روحا ايضا لانه تعالى احيى به من الضلالة كما يحيى الإنسان بالروح. قال السدى لقيت أم يحيى أم عيسى فقالت يا مريم أشعرت بحبلى فقالت مريم وانا ايضا حبلى قالت فانى وجدت ما فى بطني يسجد لما فى بطنك فذلك قوله تعالى مُصَدِّقاً إلخ وكان يحيى اكبر من عيسى بستة أشهر(2/30)
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)
ثم قتل يحيى قبل ان رفع عيسى الى السماء وَسَيِّداً عطف على مصدقا اى رئيسا يسود قومه ويفوقهم فى الشرف وكان فائقا للناس قاطبة فانه لم يهم بمعصية فيالها ما أسناها وَحَصُوراً اى مبالغا فى حصر النفس وحبسها عن الشهوات مع القدرة- روى- انه مر فى صباه بصبيان فدعوه الى اللعب فقال ما للعب خلقت. والحصور الممتنع من النساء مع القدرة عليهن وقد تزوج مع ذلك ليكون اغض لبصره وَنَبِيًّا اى يوحى اليه إذا بلغ هو مبلغه مِنَ الصَّالِحِينَ اى ناشئا منهم لانه كان من أصلاب الأنبياء عليهم السلام. والصلاح صفة تنتظم الخير كله والمراد به هنا ما فوق الصلاح الذي لا بد منه فى منصب النبوة البتة من أقاصي مراتبه قالَ عند نداء الملائكة إياه وبشارتهم له بالولد بالاستفهام متعجبا من حيث العادة ومسرورا بالولد رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي اى كيف يحصل لى غُلامٌ وفيه دلالة على انه خبر بكونه غلاما عند التبشير وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ اى أدركني كبر السن واثر فىّ وفيه دلالة على ان كبر السن من حيث كونه من طلائع الموت طالب للانسان لا يكاد يتركه قيل كان له تسع وتسعون سنة ولامرأته ثمان وتسعون وَامْرَأَتِي عاقِرٌ اى ذات عقر وعقيم لا تلد قالَ اى الله كَذلِكَ اشارة الى مصدر يفعل فى قوله تعالى اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ اى ما يشاء ان يفعله من تعاجيب الأفاعيل الخارقة للعادات. فالله مبتدأ ويفعل خبره والكاف فى محل النصب على انها فى الأصل نعت لمصدر محذوف اى الله يفعل ما يشاء ان يفعله فعلا مثل ذلك الفعل العجيب والصنع البديع الذي هو خلق الولد من شيخ فان وعجوز عاقر قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً اى علامة تدل اى تحقق المسئول او وقوع الحبل وانما سألها لان العلوق امر خفى لا يوقف عليه فاراد ان يطلعه الله عليه ليتلقى تلك النعمة الجليلة منه حين حصولها بالشكر ولا يؤخره الى ان يظهره ظهورا معتادا قالَ آيَتُكَ اى علامة حدوث الولد أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ اى ان لا تقدر على تكليمهم ثَلاثَةَ أَيَّامٍ اى متوالية مع لياليها فان ذكر الليالى او الأيام يقتضى دخول الاخرى فيها لغة وعرفا وانما جعلت آيته ذلك لتخليص المدة لذكر الله وشكره قضاء لحق النعمة إِلَّا رَمْزاً اى اشارة بيد او رأس او نحوهما وسمى الرمز كلاما لانه يؤدى ما يؤدى الكلام ويفهم منه ما يفهم من الكلام فلهذا جاز الاستثناء المتصل منه ثم امره تعالى بذكره لعدم منعه عن ذكر الله فقال وَاذْكُرْ رَبَّكَ اى فى ايام الحبسة شكرا لحصول التفضل والانعام كَثِيراً اى ذكرا كثيرا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ اى سبحه تعالى اى من الزوال الى الغروب وَالْإِبْكارِ من طلوع الفجر الى الضحى قال الامام فى قوله تعالى وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً فيه قولان. أحدهما انه تعالى امر بحبس لسانه عن امور الدنيا إلا رمزا فاما فى الذكر والتسبيح فقد كان لسانه جيدا وكان ذلك من المعجزات الباهرة. والقول الثاني ان المراد منه الذكر بالقلب وذلك لان المستغرقين فى بحار معرفة الله تعالى عادتهم فى أول الأمر ان يواظبوا على الذكر اللساني مدة فاذا امتلأ القلب من نور ذكر الله سكتوا باللسان وبقي الذكر بالقلب ولذلك قالوا من عرف الله كل لسانه فكان زكريا عليه السلام امر بالسكوت باللسان والاستحضار معا فى الذكر والمعرفة(2/31)
وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)
واستدامتهما انتهى. واعلم ان الذكر على مراتب والذكر اللساني بالنسبة الى الذكر القلبي تنزل- روى- ان عيسى عليه السلام حين ترقى الى أعلى مراتب الذكر جاءه إبليس فقال يا عيسى اذكر الله فتعجب عيسى من امره بالذكر مع ان جبلته على المنع منه ثم ظهر انه أراد ان يغويه وينزله من مرتبة الذكر القلبي الى مرتبة الذكر اللساني وذلك كان تنزلا بالنسبة الى مقامه عليه السلام. فعلى العاقل ان يداوم على الاذكار آناء الليل وأطراف النهار فان الذكر يدفع هوى النفس فاذا طرد ذلك من الباطن فلا سبيل للشيطان ايضا فى الظاهر فتعلق أبواب المنهيات بالكليات ويتصفى القلب ويتكدر
پياپى بيفشان از آيينه كرد ... كه صيقل نكيرد چو ژنكار خورد
قال القشيري فذكر اللسان به يصل العبد الى استدامة ذكر القلب والتأثير للذكر فاذا كان العبد ذاكرا بلسانه وقلبه فهو الكامل فى وصفه فى حال سلوكه. قال سهل بن عبد الله رضى الله عنه ما من يوم الا والجليل سبحانه ينادى عبدى ما أنصفتني أذكرك وتنسانى وأدعوك الىّ وتذهب الى غيرى واذهب عنك البلايا وأنت معتكف على الخطايا يا ابن آدم ما تقول غدا إذا جئتنى. وقال الحسين افتقدوا الحلاوة فى ثلاثة أشياء فى الصلاة والذكر والقراءة فان وجدتم والا فاعلموا ان الباب مغلق. قيل إذا تمكن الذكر من القلب فان دنامنه الشيطان صرخ كما يصرخ الإنسان إذا دنا منه الشيطان فيجتمع عليه الشياطين فيقولون ما لهذا فيقول قدمسه الانس. قال بعضهم وصف لى ذاكر فى اجمة فأتيته فبينما هو جالس إذا سبع عظيم ضربه ضربة واستلب منه قطعة فغشى عليه وعلىّ فلما أفقت قلت ما هذا فقال قيض الله هذا السبع لى فكلما داخلتنى فترة غضنى كما رأيت أوصلنا الله وإياكم الى مرتبة اليقين وشرفنا بمقام التمكين واذاقنا حلاوة الذكر فى كل حين وأدخلنا الجنة المعنوية مع عباده الصالحين أجمعين وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ اى اذكر وقت قول الملائكة وهو جبريل بدلالة قوله تعالى فى سورة مريم فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا
اى سوى الخلق لتستأنس به وانما جمع تعظيما له لانه كان رئيس الملائكة يا مَرْيَمُ وكلام جبريل معها لم يكن وحيا إليها فان الله يقول وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ ولا نبوة فى النساء بالإجماع. فكلمها شفاها كرامة لها وكرامات الأولياء حق او إرهاصا لنبوة عيسى عليه السلام وهو من الرهص بالكسر وهو الصف الأسفل من الجدار وفى الاصطلاح ان يتقدم على دعوى النبوة ما يشبه المعجزة كاظلال الغمام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتكلم الحجر والمدر والرمي بالشهب وقصة الفيل وغير ذلك إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ اولا حيث تقبلك من أمك بقبول حسن ولم يتقبل غيرك أنثى ورباك فى حجر زكريا عليه السلام ورزقك من رزق الجنة وخصك بالكرامات السنية وَطَهَّرَكِ من الكفر والمعصية ومن الافعال الذميمة والعادات القبيحة ومن مسيس الرجال ومن الحيض والنفاس قالوا كانت مريم لا تحيض ومن تهمة اليهود وكذبهم بانطاق الطفل وَاصْطَفاكِ آخرا عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ بان وهب لك عيسى عليه السلام من غير اب ولم يكن ذلك لاحد من النساء وجعلكما آية للعالمين يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ اى قومى فى الصلاة وأطيلي القيام(2/32)
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)
فيها له تعالى وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ أمرت بالصلاة بالجماعة بذكر أركانها القنوت وهو طول القيام والسجود والركوع مبالغة فى إيجاب رعايتها وإيذانا بفضيلة كل منها واصالته. وتقديم السجود على الركوع إما لكون الترتيب فى شريعتهم كذلك وإما لكون السجود أفضل اركان الصلاة وأقصى مراتب الخضوع ولا يقتضى ذلك كون الترتيب الخارجي كذلك بل اللائق به الترقي من الأدنى الى الأعلى واما ليقترن اركعى بالراكعين للاشعار بان من لا ركوع فى صلاتهم ليسوا مصلين قيل لما أمرت بذلك قامت فى الصلاة حتى تورمت قدماها وسالت دما وقيحا ذلِكَ اى ما ذكرنا فى القصص من حديث حنة ومريم وعيسى وزكريا ويحيى مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ اى من اخبار الغيب التي لا يوقف عليها الا بمشاهدة او قراءة كتاب او تعلم من عالم او بوحي من عند الله تعالى وانعدمت الثلاثة الاول فتعينت الرابعة وهو الوحى نُوحِيهِ إِلَيْكَ اى ننزله عليك دلالة على صحة نبوتك وإلزاما على من يحاجونك من الكفار. والوحى فى القرآن لمعان للارسال الى الأنبياء قال تعالى نُوحِي إِلَيْهِمْ وللالهام قال تعالى وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى ولا لقاء المعنى المراد قال تعالى بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها وللاشارة قال تعالى فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا واصل ذلك كله الاعلام فى خفاء وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ اى عند الذين اختلفوا وتنازعوا فى تربية مريم وهو تقرير لكونه وحيا على طريقة التهكم بمنكريه اى انهم عالمون لا يشكون انك لم تقرأ كتابا ولم تصحب من علم تلك الانباء حتى تسمع منهم فلم يبق الا المشاهدة وهى منتفية بالضرورة فكأنهم ادعوا هذا المحال لكونه يلزم من انكارهم الوحى اى ان لم يكن بالوحى كما زعموا فلا بد من دعوى المشاهدة ولم تمكن قال ابن الشيخ فى حواشيه كأنه قيل ايها المنكرون لان اوحى اليه والمتهمون فى دعوى نبوته ليس لكم فى سبب الاتهام سوى احتمال المشاهدة والعيان وانه غاية السفاهة ونهاية الخذلان ومن أضل ممن عدل عن الاحتمال الثابت بالمعجزات الساطعة والبراهين القاطعة الى احتمال لا يذهب اليه وهم أحد وأي حالة ادعى الى الضحك والاستهزاء والسخرية من حال هؤلاء انتهى إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ التي كانوا يكتبون بها التوراة اختاروها للقرعة تبركا بها أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ متعلق بمحذوف دل عليه يلقون أقلامهم اى يلقونها ينظرون او ليعلموا أيهم يكفلها وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ اى فى شأنها تنافسا فى كفالتها وقد ذكر فيما سبق. وفى الآية دلالة على فضيلة مريم حيث اصطفاها الله على نساء العالمين فان جميع ما ذكر من التربية الجسمانية اللائقة بحال صغرها والتربية الروحانية المتعلقة بحال كبرها لم يتفق لغيرها من الإناث. وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية) حديث حسن يوافق الآية فى الدلالة على ان مريم أفضل من جميع نساء العالمين. وعن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون) وهو يدل على ان هؤلاء الأربع أفضل من سائر النساء واعلم ان اهل الكمال من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير هذه الأربع ومعنى الكمال(2/33)
إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)
التناهى فى الفضائل والبر والتقوى وحسن الخصائل والكمال فى شىء ما يكون حصوله للكامل اولى من غيره والنبوة ليست اولى للنساء لان مبناها على الظهور والدعوة وحالهن الاستتار ولا تكون النبوة فى حقهن كمالا بل الكمال فى حقهن الصديقية وهى قريب من النبوة والصديق من صدق فى جميع أقواله وأفعاله وأحواله فمن النساء كاملات عارفات واصلات الى مقام الرجال فهن رجال فى المعنى. وسئل بعضهم عن الابدال فقال أربعون نفسا فقيل له لم لا تقول أربعون رجلا فقال لان فيهم النساء: قال بعضهم
ولو كان النساء كمن ذكرنا ... لفضلت النساء على الرجال
فلا التأنيث لاسم الشمس عيب. ولا التذكير فخر للهلال ويناسب هذا ما حكى ان أم محمد والدة الشيخ ابى عبد الله بن الخفيف رحمهما الله تعالى كانت من العابدات القانتات وكان ابنها ابو عبد الله يحيى العشر الاخيرة من رمضان ليدرك ليلة القدر ومن دأبه الملازمة الى الصلاة فوق البيت وكانت والدته متوجهة الى الله فى البيت فليلة ان أخذت تظهر أنوار ليلة القدر نادت ابنها ان يا محمد ان الذي تطلبه هو عندنا فتعال فنزل الشيخ فرأى الأنوار فخر على قدم امه وكان يقول علمت قدر والدتي منذ شاهدت فهذه هى حال والدته فانظر كيف أرشدت ابنها وكيف تفوقت عليه فى الفضل والشرف مع كثرة رياضته واجتهاده ايضا فظهر ان من النساء من هى أفضل من الرجال وذلك بالوصول الى جناب القدس وليس ذلك الا بحسن الاستعداد والهداية الخاصة من الله تعالى اسعدنا الله وإياكم ونعوذ بالله من نساء زماننا حيث لا يرى فيهن من هى من اهل التقوى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صنفان من اهل النار لم أرهما) يعنى فى عصره عليه السلام لطهارة ذلك العصر بل حدثا بعده (قوم معهم سياط) يعنى أحدهما قوم فى أيديهم سياط جمع سبوط (كأذناب البقر يضربون بها الناس) وهم الذين يضربون بها السارقين عراة او الطوافون على أبواب الظلمة كالكلاب يطردون الناس عنها بالضروب والسباب (ونساء) يعنى ثانيهما نساء (كاسيات) فى الحقيقة (عاريات) فى المعنى من لباس التقوى (مميلات) اى قلوب الرجال الى الفساد (مائلات) اى الى الرجال (رؤسهن كأسنمة البخت) يعنى يعظمن رؤسهن بالخمر والقلنسوة حتى تشبه اسمة البخت (المائلة) من الميل لان أعلى السنام يميل لكثرة شحمه (لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وان ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) اى يوجد من مسيرة أربعين عاما إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ بدل من وإذ قالت الملائكة منصوب بناصبه والمراد بالملائكة جبريل وجمع تعظيما له وقد مر يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ اى يفرحك بِكَلِمَةٍ كائنة مِنْهُ عز وجل واطلق على عيسى لفظ الكلمة بطريق اطلاق السبب على المسبب لان سبب ظهوره وحدوثه هو الكلمة الصادرة منه تعالى وهى كن وحدوث كل مخلوق وان كان بسبب هذه الكلمة لكن السبب المتعارف للحدوث لما كان مفقودا فى حق عيسى عليه السلام كان اسناد حدوثه الى الكلمة أتم وأكمل فجعل عليه السلام بهذا الاعتبار كأنه نفس الكلمة اسْمُهُ اى اسم المسمى بالكلمة عبارة عن مذكر الْمَسِيحُ لقب من الألقاب(2/34)
وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)
المشرفة كالصديق والفاروق وأصله مشيحا بالعبرانية ومعناه المبارك عِيسَى بدل من المسيح معرب من ايشوع ابْنُ مَرْيَمَ صفة لعيسى وتوجه الخطاب الى مريم يقتضى ان يقال عيسى ابنك الا انه قيل عيسى ابن مريم تنبيها على ان الأبناء ينسبون الى الآباء لا الى الأمهات فاعلمت بنسبته إليها انه يولد من غير اب فلا ينسب الا الى امه وبذلك فضلت واصطفيت على نساء العالمين فان قلت لم قيل اسمه المسيح عيسى ابن مريم وهذه ثلاثة أشياء الاسم منها عيسى واما المسيح والابن فلقب وصفة. قلت الاسم للمسمى علامة يعرف بها ويتميز من غيره فكانه قيل الذي يعرف به ويتميز ممن سواه مجموع هذه الثلاثة. وفى التيسر اللقب إذا عرف صار كالاسم وَجِيهاً حال من الكلمة وصح انتصاب الحال من النكرة لكونها موصوفة والوجيه ذو الجاه وهو القوة والمنعة والشرف فِي الدُّنْيا بالنبوة والتقدم على الناس وَالْآخِرَةِ بالشفاعة وعلو الدرجة فى الجنة وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ اى عند ربه بارتفاعه الى السماء وصحبة الملائكة فيها وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا اى يكلمهم حال كونه طفلا وكهلا كلام الأنبياء عليهم السلام من غير تفاوت يعنى ان تكلمه فى حالة الطفولية والكهولة على حد واحد وصفة واحدة من غير تفاوت بان يكون كلامه فى حال الطفولية مثل كلام الأنبياء والحكماء لا شك انه من أعظم المعجزات. قال مجاهد قالت مريم إذا خلوت انا وعيسى حدثنى وحدثته فاذا شغلنى عنه انسان يسبح فى بطني وانا اسمع وتكلمه معهم دليل على حدوثه لحدوث الأصوات والحروف- روى- انه لما بلغ عمره ثلاثين سنة أرسله الله الى بنى إسرائيل فمكث فى رسالته ثلاثين شهرا ثم رفع الى السماء او جاءه الوحى على رأس ثلاثين سنة فمكث فى نبوته ثلاث سنين وأشهرا ثم رفع. والكهل من تجاوز الثلاثين الى الأربعين وقارب الشيب من اكتهل النبت قارب اليبس فعلى هذا صح ان يقال انه بلغ سن الكهولة وكلم الناس فيه ثم رفع واما على قول من يقول ان أول سن الكهولة أربعون سنة فلا بد ان يقال انه رفع شابا ولا يكلم الناس كهلا الا بعد ان ينزل من السماء فى آخر الزمان فانه حينئذ يكلم الناس ويقتل الدجال وَمِنَ الصَّالِحِينَ هذه الاربعة احوال مقدرة من كلمة والمعنى يبشرك به موصوفا بهذه الصفات وذكر قوله ومن الصالحين بعد ذكر الأوصاف المتقدمة دليل على انه لا رتبة أعظم من كون المرء صالحا لانه لا يكون المرء كذلك الا بان يكون فى جميع الافعال والتروك مواظبا على النهج الأصلح والطريق الأكمل ومعلوم ان ذلك يتناول جميع المقامات فى الدين والدنيا فى افعال القلوب وفى افعال الجوارح قالَتْ مريم متضرعة الى ربها رَبِّ أَنَّى يَكُونُ اى كيف يكون او من أين يكون لِي وَلَدٌ على وجه الاستبعاد العادي والتعجب من استعظام قدرة الله فان البشرية تقتضى التعجب مما وقع على خلاف العادة إذ لم تجر عادة بان يولد ولد بلا اب وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ آدمي وسمى بشرا لظهوره وهو كناية عن الجماع اى والحال انى على حالة منافية للولد قالَ اى الله عز وجل او جبريل عليه السلام كَذلِكِ اشارة الى مصدر يخلق فى قوله عز وجل اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ ان يخلقه اى الله يخلق ما يشاء ان يخلقه خلقا مثل ذلك الخلق العجيب والأحداث البديع الذي هو خلق الولد من غير اب فالكاف فى محل النصب على انها فى الأصل(2/35)
نعت لمصدر محذوف إِذا قَضى أَمْراً اى أراد شيأ واصل القضاء الاحكام اطلق على الارادة الالهية القطعية المتعلقة بوجود الشيء لا يجابه إياه البتة فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ من غير ريث وهو تمثيل لكمال قدرته تعالى وسهولة تأتى المقدورات حسبما تقتضيه مشيئته وتصوير لسرعة حدوثها بما علم فيها من إطاعة المأمور المطيع للآمر القوى المطاع وبيان لانه تعالى كما يقدر على خلق الأشياء مدرجا بأسباب ومواد معتادة يقدر على خلقها دفعة من غير حاجة الى شىء من الأسباب والمواد. قال ابن عباس رضى الله عنهما ان مريم رضى الله عنها كانت فى غرفة قد ضربت دونها سترا إذا هى برجل عليه ثياب بيض وهو جبريل تمثل لها بشرا سويا اى تام الخلق فلما رأته قالت أعوذ بالرحمن منك ان كانت تقيا ثم نفخ فى جيب درعها
حتى وصلت النفخة الى الرحم فاشتملت. قال وهب وكان معها ذو قرابة يقال له يوسف النجار وكان يوسف هذا يستعظم ذلك فاذا أراد ان يتهمها ذكر صلاحها وإذا أراد ان يبرئها رأى ما ظهر عليها فكان أول ما كلمها ان قال لها قد دخل فى صدرى شىء أردت كتمانه فغلبنى ذلك فرأيت الكلام أشقى لصدرى قالت قل قال فحدثينى هل ينبت الزرع من غير بذر قالت نعم قال فهل ينبت شجر من غير اصل قالت نعم قال فهل يكون ولد من غير ذكر قالت نعم ألم تعلم ان الله أنبت الزرع يوم خلقه من غير بذر والبذر يومئذ انما صار من الزرع الذي أنبت الله من غير بذر ألم تعلم ان الله خلق آدم وحواء من غير أنثى ولا ذكر فلما قالت له ذلك وقع فى نفسه ان الذي بها شىء أكرمها الله به- روى- ان عيسى عليه السلام حفظ التوراة وهو فى بطن امه وكانت مريم تسمع عيسى وهو يدرس فى بطنها ثم لما شرف عالم الشهود أعطاه الله الزهادة فى الدنيا فانه كان يلبس الشعر ويتوسد الحجر ويستنير القمر وكان له قدح يشرب فيه الماء ويتوضأ فيه فرأى رجلا يشرب بيده فقال لنفسه يا عيسى هذا ازهد منك فرمى القدح وكسره واستظل يوما فى ظل خيمة عجوز فكان قد لحقه حر شديد فخرجت العجوز فطردته فقام وهو يضحك فقال يا امة الله ما أنت أقمتني وانما أقامني الذي لم يجعل لى نعيما فى الدنيا ولما رفع الى السماء وجد عنده ابرة كان يرقع بها ثوبه فاقتضت الحكمة الإلهية نزوله فى السماء الرابعة وفيه اشارة الى ان السالك لا بد وان ينقطع عن كل ما سوى الله ويتجرد عن العوائق حتى يسير مع الملأ الأعلى ويطير الى مقام قاب قوسين او ادنى- وروى- ان موسى عليه السلام ناجى ربه فقال اللهم أرني وليا من أوليائك فاوحى الله تعالى اليه ان اصعد الى جبل كذا وادخل زاوية كذا فى كهف كذا حتى ترى وليي ففعل فرأى فيه رجلا ميتا توسد بلبنه وفوق عورته خرقة وليس فيه شىء غيره فقال اللهم سألتك ان ترينى وليك فأريتنى هذا فقال هذا هو وليي فو عزتى وجلالى لا ادخله الجنة حتى أحاسبه باللبنة والخرقة من اين وجدهما فحال اولياء الله الافتخار بالفقر وترك الدنيا والصبر على ما قدره الله
صبر باشد مشتهاى زيركان ... هست حلوا آرزوى كودكان
هر كه صبر آورد كردون بر رود ... هر كه حلوا خورد او پس تر رود
فالقوة الروحانية التي بها يصير الإنسان كالملائكة انما تحصل بالصبر عن المشتهيات فانظر الى حال(2/36)
وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)
عيسى عليه السلام يكفك فى هذا اعتبارا ومن الله التوفيق الى الاعراض عن حطام الدنيا وقطع التعلق من الدارين قطعا وَيُعَلِّمُهُ كلام مستأنف اى ويعلم الله عيسى الْكِتابَ اى الكتابة والخط بالقلم بالإلهام والوحى وكان احسن الناس خطا فى زمانه وَالْحِكْمَةَ اى العلوم العقلية والشرعية وتهذيب الأخلاق لان كمال الإنسان فى ان يعرف الحق لذاته والخير لاجل العمل به ومجموعهما هو المسمى بالحكمة وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ فيحفظهما عن ظهر القلب وهذا الكلام اعنى يعلمه إلخ سيق تطبيبا لقلب مريم وازاحة لما أهمها من خوف اللائمة لما علمت انها تلد من غير زوج وَيجعله رَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ اى يكلمهم وقال بعض اليهود انه كان مبعوثا الى قوم مخصوصين وكان أول أنبياء بنى إسرائيل يوسف وآخرهم عيسى عليهما السلام أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ معمول لرسول لما فيه من معنى النطق اى رسولا ناطقا بأنى قد جئتكم ملتبسا بِآيَةٍ عظيمة كائنة مِنْ رَبِّكُمْ وهى ما ذكر بعده من خلق الطير وغيره أَنِّي أَخْلُقُ بدل من انى قد جئتكم اى اقدر وأشكل لانه قد ثبت ان العبد لا يكون خالقا بمعنى التكوين والإبداع فوجب ان يكون بمعنى التقدير والتسوية لَكُمْ اى لا جلكم بمعنى التحصيل لايمانكم ورفع تكذيبكم إياي مِنَ الطِّينِ شيأ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ اى متل صورة الطير فَأَنْفُخُ فِيهِ الضمير للكاف اى فى ذلك الشيء المماثل لهيئة الطير فَيَكُونُ طَيْراً حيا طيارا كسائر الطيور بِإِذْنِ اللَّهِ بامره تعالى أشار بذلك الى ان إحياءه من الله تعالى لا منه لان الله هو الذي خلق الموت والحياة فهو يخلق الحياة فى ذلك الجسم بقدرته عند نفخ عيسى عليه السلام فيه على سبيل اظهار المعجزات- روى- ان عيسى عليه السلام لما ادعى النبوة واظهر المعجزات طالبوه بخلق خفاش فاخذ طينا وصوره ثم نفخ فيه فاذا هو يطير بين السماء والأرض. قال وهب كان يطير ما دام الناس ينظرون اليه فاذا غاب عن أعينهم سقط ميتا ليتميز فعل الخلق من فعل الله قيل انما طلبوا خلق الخفاش لانه اعجب من سائر الخلق ومن عجائبه انه لحم ودم يطير بغير ريش ويلد كما يلد الحيوان ولا يبيض كما يبيض سائر الحيوان من الطيور ويكون له الضرع ويخرج منه اللبن ولا يبصر فى ضوء النهار ولا فى ظلمة الليل وانما يرى فى ساعتين ساعة بعد غروب الشمس وساعة بعد طلوع الفجر قبل ان يسفر جدا ويضحك كما يضحك الإنسان وله أسنان ويحيض كما تحيض المرأة ولما دل القرآن على ان عيسى عليه السلام انما تولد من نفخ جبريل فى مريم وجبريل روح محض وروحانى محض فلا جرم كانت نفخة عيسى سببا للحياة والروح وَأُبْرِئُ اى أشفي وأصحح الْأَكْمَهَ اى الذي ولداعمى. قال الزمخشري لم يوجد فى هذه الامة اكمه غير قتادة بن دعامة السدوسي صاحب التفسير وَالْأَبْرَصَ وهو الذي به برص اى بياض فى الجلد يتطير به وإذا استحكم فلا برء له ولا يزول بالعلاج ولم تكن العرب تنفر من شىء نفر تهامنه. وانما خصهما بالذكر للشفاء لانهما مما أعيى الأطباء فى تداويهما وكانوا فى غاية الحذاقة فى زمن عيسى عليه السلام وسألوا الأطباء عنهما. فقال جالينوس وأصحابه إذا ولد أعمى لا يبرأ بالعلاج وكذا الأبرص إذا كان بحال لوغرزت الابرة فيه لا يخرج منه الدم لا يقبل(2/37)
وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50)
العلاج فرجعوا الى عيسى وجاؤا بالاكمه والأبرص فمسح يده بعد الدعاء عليهما فابصر الأعمى وبرئ الأبرص فآمن به البعض وجحد البعض وقالوا هذا سحر- روى- انه ابرأ فى يوم واحد خمسين الفا من المرضى من أطاق منهم أتاه ومن لم يطق أتاه عيسى عليه السلام وكان يداويهم بالدعاء وحده على شرط الايمان ثم قال عيسى عليه السلام وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ فسألوا جالينوس عنه فقال الميت لا يحيى بالعلاج فان كان هو يحيى الموتى فهو نبى وليس بطبيب فطلبوا ان يحيي الموتى فاحيى اربعة انفس احيى العازر وكان صديقا له فارسل أخته الى عيسى ان أخاك العازر يموت فائته فكان بينه وبينه مسيرة ثلاثة ايام فآتاه هو وأصحابه فوجدوه قدمات منذ ثلاثة ايام فقال لاخته انطلقي بنا الى قبره فانطلقت معهم الى قبره وهو فى صخرة مطبقة فقال عيسى عليه السلام اللهم رب السموات السبع والأرضين السبع انك أرسلتني الى بنى إسرائيل ادعوهم الى دينك وأخبرهم انى احيى الموتى فاحى العازر فقام العازر وودكه يقطر فخرج من قبره وبقي وولد له واحيى ابن عجوز مر به ميتا على عيسى على سرير يحمل فدعا الله عيسى فجلس على سريره ونزل عن أعناق الرجال ولبس ثيابه وحمل السرير على عنقه ورجع الى اهله فبقى وولد له واحيى ابنة العاشر الذي يأخذ العشور قيل له احيها وقد ماتت أمس فدعا الله تعالى فعاشت وبقيت وولد لها فقالوا يحيى من كان قريب العهد من الموت فلعلهم لم يموتوا بل أصابتهم سكتة فاحى لنا سام بن نوح فقال عيسى دلونى على قبره فخرج والقوم معه حتى انتهى الى قبره فدعا الله تعالى بالاسم الأعظم فخرج من قبره وقد شاب رأسه فقال عيسى كيف شاب رأسك ولم يكن فى زمانك شيب قال يا روح الله لما دعوتنى سمعت صوتا يقول أجب روح الله فظننت ان القيامة قد قامت فمن هول ذلك شاب رأسى فسأله عن النزع فقال يا روح الله ان مرارته لم تذهب عن حنجرتى وقد كان من وقت موته اكثر من اربعة آلاف سنة فقال للقوم صدقوه فانه نبى فآمن به بعضهم وكذبه آخرون ثم قال له مت قال بشرط ان يعيذنى الله من سكرات الموت فدعا الله ففعل ثم طلبوا آية اخرى دالة على صدقه فقال وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ من انواع المآكل وَما تَدَّخِرُونَ اى وما تخبئون للغد فِي بُيُوتِكُمْ فكان يخبر الرجل بما أكل قبل وبما يأكل بعد ويخبر الصبيان وهو فى المكتب بما يصنع أهلهم وبما يأكلون ويخبأون لهم وكان الصبى ينطلق الى اهله ويبكى عليهم حتى يعطوه ما خبأوا له ثم قالوا لصبيانهم لا تلعبوا مع هذا الساحر وجمعوهم فى بيت فجاء عيسى عليه السلام يطلبهم فقالوا ليسوا فى هذا البيت فقال فمن فى هذا البيت قالوا خنازير فقال عليه السلام كذلك يكونون فاذاهم خنازير إِنَّ فِي ذلِكَ اى ما ذكر من الخوارق والأمور العظام لَآيَةً عظيمة لَكُمْ دالة على صحة رسالتى دلالة واضحة إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ انتفعتم بها وَمُصَدِّقاً اى قد جئتكم ملتبسا بآية إلخ ومصدقا لِما بَيْنَ يَدَيَّ اى لما تقدمنى مِنَ التَّوْراةِ اى موافقا على ما كان قبلى وَجئتكم لِأُحِلَّ لَكُمْ لان أرخص لكم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ اى فى شريعة موسى عليه السلام من لحوم السمك ولحوم الإبل والشحوم والثروب جمع ثرب وهو شحم رقيق يتصل بالأمعاء ولحم كل ذى ظفر فاحل لهم عيسى من السمك والطير ما لا اصطبة له وهى شوكة(2/38)
إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)
الحائك التي بها يسوى السد او اللحمة وَجِئْتُكُمْ ملتبسا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ببرهان بين شاهد على صحة رسالتى فَاتَّقُوا اللَّهَ فى عدم قبولها ومخالفة مدلولها وَأَطِيعُونِ فيما آمركم به وانها كم عنه بامر الله تعالى وتلك الآية هى قوله إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ولا تعصوه بالشرك هذا اى الايمان بالله ورسوله والطاعة صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ طريق سوى يؤدى صاحبه الى الجنة وهو الحق الصريح الذي اجمع عليه الرسل قاطبة فتكون آية بينة على انه عليه السلام من جملتهم فقوله إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ اشارة الى استكمال القوة النظرية بالاعتقاد الحق الذي غايته التوحيد وقال فَاعْبُدُوهُ اشارة الى استكمال القوة العلمية فانه يلازم الطاعة التي هى الإتيان بالأوامر والانتهاء عن المناهي ثم قرر ذلك بان بين ان الجمع بين الامرين هو الطريق المشهود له بالاستقامة ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم (قل آمنت ثم استقم) فالعلم والعمل من مبادى الاستقامة فعليك بالتمسك بالحجة القوية. وسئل الجنيد كيف السبيل الى الانقطاع الى الله فقال بتوبة تزيل الإصرار وخوف يزيل التسويف ورجاء يبعث على مسالك العمل وذكر الله تعالى على اختلاف الأوقات واهانة النفس بقربها من الاجل وبعدها من الأمل قيل له فبماذا يصل العبد الى هذا فقال بقلب مفرد فيه توحيد مجرد. وقال الحسن البصري رضى الله عنه ما طلب رجل هذا الخير يعنى الجنة الا اجتهد ونحل وذبل واستمر واستقام حتى يلقى الله تعالى اما ترى الى قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا. واعلم ان الاستقامة لا يطيقها الا الأكابر لانها الخروج عن المعهودات ومفارقة الرسوم والعادات والقيام بين يدى الله تعالى على حقيقة الصدق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يكونن أحدكم كالعبد السوء ان خاف عمل ولا كالاجير السوء ان لم يعط لم يعمل) قيل ولا يصح رفع الهمة عن الحظوظ جملة لان ذلك مكابرة مع الربوبية وانما المراد ان لا يطلب بالعمل فعلامة العبد الأديب ان يستمر على الطاعة فى باب مولاه ولا ينظر الى شىء سواه لا الى الجنة ولا الى النار فاذا جرد عمله وتوحيده عن الأغراض فقد استقام واتخذ الصراط المستقيم مذهبا والإرشاد الى هذا الطريق انما يفيد لمن كان له استعداد ازلى وقابلية اصلية فبالتربية يصير العبد قابل أنوار الصفات الالهية ويخرج من الظلمات البشرية فعليك بخدمة الكاملين والاستقامة فى طريق اليقين
ز خود بهترى جوى وفرصت شمار ... كه با چون خودى كم كنى روزكار
وفى الاتباع شرف عظيم قال تعالى مخاطبا لحبيبه عليه السلام فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ وطاعة الرسول واتباعه من لوازم تقوى الله تعالى ألا ترى الى قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ فاذا داوم العبد الاتباع يصل الى الاستقامة فانها ليست مما يحصل فى أول الأمر: قال مولانا جلال الدين الرومي قدس سره العزيز
سالها بايد كه اندر آفتاب ... لعل يابد رنك ورخشانى وتاب
فَلَمَّا الفاء فصيحة تفصح عن تحقق جميع ما قالته الملائكة وخروجه من القوة الى الفعل كأنه قيل فحملته فولدته فكان كيت وكيت وقال ذيت وذيت أَحَسَّ عِيسى أحس استعارة للعلم اليقيني الذي لا شبهة فيه كالاحساس وهو وجدان الشيء بالحاسة كأنه قبل(2/39)
رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)
فلما علم مِنْهُمُ الْكُفْرَ علما لا شبهة فيه كما يدرك بالحواس من الضروريات منهم الكفر اى من بنى إسرائيل وأرادوا قتله وانهم لا يزدادون على رؤية الآيات الا الإصرار على الجحود قالَ لخلص أصحابه مستنصرا على الكفار مَنْ أَنْصارِي الأنصار جمع نصير إِلَى اللَّهِ متعلق بمحذوف وقع حالا من الياء اى من انصارى متوجها الى الله ملتجئا اليه ومن أعواني على اقامة الدين قالَ الْحَوارِيُّونَ جمع حوارى يقال فلان حوارى فلان اى صفوته وخاصته وهم اثنا عشر بعضهم من الملوك وبعضهم من صيادى السمك وبعضهم من القصارين وبعضهم من الصباغين والكل سموا بالحواريين لانهم كانوا أنصار عيسى عليه السلام وأعوانه والمخلصين فى محبته وطاعته نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ اى أنصار دينه ورسوله قال تعالى إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ والله ينصر من ينصر دينه ورسله آمَنَّا بِاللَّهِ استئناف جار مجرى العلة لما قبله فان الايمان به تعالى موجب لنصرة دينه والذب عن أوليائه والمحاربة مع أعدائه وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ مخلصون فى الايمان منقادون لما تريد من امر نصرتك طلبوا منه عليه السلام الشهادة بذلك يوم القيامة يوم تشهد الرسل عليهم السلام لأممهم إيذانا بان مرمى غرضهم السعادة الاخروية رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ من الإنجيل على عيسى وهو تضرع الى الله تعالى وعرض لهم عليه تعالى بعد عرضها على الرسول مبالغة فى اظهار أمرهم وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ اى عيسى على دينه فى كل ما يأتى ويذر من امور الدين فيدخل فيه الاتباع فى النصرة دخولا أوليا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ اى مع الذين يشهدون بوحدانيتك او مع الأنبياء الذين يشهدون لاتباعهم او مع امة محمد صلى الله عليه وسلم فانهم شهداء على الناس قاطبة وهو حال من مفعول اكتبنا. وفيه اشارة الى ان كتاب الأبرار انما يكون فى السموات مع الملائكة قال تعالى كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ فاذا كتب الله ذكرهم مع الشهداء المؤمنين كان ذكرهم مشهورا فى الملأ الأعلى وعند الملائكة المقربين وَمَكَرُوا اى الذين علم عيسى كفرهم من اليهود بان وكلوا به من يقتله غيلة وهو ان يخدعه فيذهب به الى موضع فاذا صار اليه قتله وَمَكَرَ اللَّهُ بان رفع عيسى عليه السلام والقى شبهه على من قصد اغتياله حتى قتل وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ أقواهم مكرا وانفذهم كيدا وأقدرهم على إيصال الضرر من حيث لا يحتسب- روى- ان ملك بنى إسرائيل لما قصد قتله عليه السلام امره ان يدخل بيتا فيه روزنة فرفعه جبريل عليه السلام من تلك الروزنة الى السماء وكساه الله الريش والبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وطارمع الملائكة حول العرش وكان إنسيا ملكيا سماويا ارضيا ثم قال الملك لرجل خبيث منهم ادخل عليه فاقتله فدخل البيت فالقى الله عز وجل شبهه عليه السلام عليه فخرج يخبرهم انه ليس فى البيت فقتلوه وصلبوه ثم قالوا وجهه يشبه وجه عيسى وبدنه يشبه بدن صاحبنا فان كان هذا عيسى فاين صاحبنا وان كان صاحبنا فاين عيسى فوقع بينهم مقال عظيم ولما صلب المصلوب جات مريم ومعها امرأة ابرأها الله من الجنون بدعاء عيسى وجعلتا تبكيان على المصلوب فأنزل الله عيسى عليه السلام فجاءهما فقال على من تبكيان قالتا عليك فقال ان الله رفعنى ولم يصبنى الا خيروان هذا شىء شبه لهم فلما كان بعد سبعة ايام قال الله لعيسى اهبط الى(2/40)
إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)
المجدلانية على موضع فى جبلها فانه لم يبك عليك أحد بكاءها ولم يحزن أحد حزنها ثم استجمع الحواريين فبثهم اى فاجعلهم متفرقين فى الأرض دعاة الى الله فاهبطه الله عليها فاشتعل الجبل حين هبط نورا فجمعت له الحواريون فبثهم فى الأرض دعاة ثم رفعه الله اليه وتلك الليلة هى الليلة التي تدخن فيها النصارى فلما أصبح الحواريون حدث كل واحد منهم بلغة من أرسله عيسى إليهم فذلك قوله وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ والمكر من المخلوقين الخبث والخديعة والحيلة والمكر من الله استدراج العبد واخذه بغتة من حيث لا يعلم فيها ايها العبد خف من وجود احسان مولاك إليك ودوام اساءتك معه فى دوام الطفه بك وعطفه عليك ان يكون ذلك استدراجا لك حتى تقف معها وتغتر بها وتفرح بما أوتيت فتؤخذ بغتة قال الله تعالى سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. قال سهل رضى الله عنه فى معنى هذه الآية نمدهم بالنعم وننسيهم الشكر عليها فاذا ركنوا الى النعمة وحجبوا عن المنعم أخذوا. وقال ابو العباس ابن عطاء يعنى كلما أحدثوا خطيئة جددنا لهم نعمة وانسيناهم الاستغفار من تلك الخطيئة ومن جهل المريد بنفسه وبحق ربه ان يسيئ الأدب بإظهار دعوى او تورط فى بلوا فتؤخر العقوبة عنه امهالا له فيظنه إهمالا فيقول لو كان هذا سوء أدب لقطع الامداد وأوجب الابعاد اعتبارا بالظاهر من الأمر من غير تعريج على ماوراء ذلك وما ذاك الا لفقد نور بصيرته او ضعف نورها وإلا فقد يقطع المدد عنه من حيث لا يشعر حتى ربما ظن انه متوفر فى عين تقصير ولو لم يكن من قطع المدد الا منع المزيد لكان قطعا لان من لم يكن فى زيادة فهو فى نقصان قال عليه السلام (من استوى يوماه فهو مغبون) ولو لم يكن من الابعاد الا ان يخليك وما تريد فيصرفك عنه بمرادك هذا والعياذ بالله مكر وخسران. وعن ابن حنبل انه كان يوصى بعض أصحابه فقال خف سطوة العدل وارج رقة الفضل ولا تأمن من مكره تعالى ولو أدخلك الجنة ففى الجنة وقع لا بيك آدم ما وقع وقد يقطع بأقوام فيها فيقال لهم كلوا واشربوا هنيأ بما أسلفتم فى الأيام الحالية فقطعهم بالأكل والشرب عنه وأي مكر فوق هذا وأي خسران أعظم منه إِذْ قالَ اللَّهُ اى اذكر وقت قول الله يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ اى مستوفى أجلك ومعناه انى عاصمك من ان يقتلك الكفار ومؤخرك الى أجل كتبته لك ومميتك ختف انفك لاقتلا بايديهم وَرافِعُكَ الآن إِلَيَّ اى الى محل كرامتى ومقر ملائكتى وجعل ذلك رفعا اليه للتعظيم ومثله قوله إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي وانما ذهب ابراهيم عليه السلام من العراق الى الشام وقد يسمى الحاج زوار الله والمجاورون جيران الله وكل ذلك للتفخيم فانه تعالى يمتنع كونه فى المكان وَمُطَهِّرُكَ اى مبعدك ومنحيك مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا اى من سوء جوارهم وخبث صحبتهم ودنس معاشرتهم. قيل سينزل عيسى عليه السلام من السماء على عهد الدجال حكما عدلا يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية فيفيض المال حتى لا يقبله أحد ويهلك فى زمانه الملل كلها الا الإسلام ويقتل الدجال ويتزوج بعد قتله امرأة من العرب وتلد منه ثم بموت هو بعد ما يعيش أربعين سنة من نزوله فيصلى عليه المسلمون لانه سأل ربه ان يجعله من هذه الامة فاستجاب الله دعاءه وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ وهم(2/41)
فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)
المسلمون لانهم متبعوه فى اصل الإسلام وان اختلفت الشرائع دون الذين كذبوه وكذبوا عليه من اليهود والنصارى فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا وهم الذين مكروا به عليه السلام ومن يسير بسيرتهم من اليهود فان اهل السلام فوقهم ظاهرين بالعزة والمنعة والحجة إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ غاية للجعل لا على معنى ان الجعل ينتهى حينئذ ويتخلص الكفرة من الذلة بل على معنى ان المسلمين بعلونهم الى تلك الغاية فاما بعدها فيفعل الله تعالى بهم ما يريد ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ اى رجوعكم بالبعث والضمير لعيسى عليه السلام وغيره من المتبعين له والكافرين به على تغليب المخاطب على الغائب فى ضمن الالتفات فانه ابلغ فى التبشير والانذار فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يومئذ اثر رجوعكم الى فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ من امور الدين فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا بالسيف والسبي وأخذ الجزية وإيصال الأمراض والمصائب فانها من العقوبات فى حق الكافر ومن المثوبات فى حق المؤمن لانها ابتلاء محض له وَالْآخِرَةِ بعذاب النار وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ يخلصونهم من عذاب الله فى الدارين وصيغة الجمع لمقابلة ضمير الجمع اى ليس لواحد منهم ناصر واحد وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بما أرسلت به وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كما هو ديدن المؤمنين فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ اى يعطيهم أجور أعمالهم كاملة ولعل الالتفات الى الغيبة للايذان بما بين مصدرى التعذيب والاثابة من الاختلاف من حيث الجلال والجمال وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ اى يبغضهم ولا يرضى عنهم ذلِكَ اشارة الى ما سلف من نبأ عيسى عليه السلام وغيره نَتْلُوهُ عَلَيْكَ اى نقرأه عليك يا محمد وأسند تلاوته الى نفسه مع ان التالي هو الملك المأمور بها على طريق اسناد الفعل الى السبب الآمر وفيه تعظيم بليغ وتشريف عظيم للملك وانما حسن ذلك لان تلاوة جبريل لما كانت بامره تعالى من غير تفاوت أصلا أضيف ذلك اليه تعالى مِنَ الْآياتِ حال من الضمير المنصوب اى من العلامات الدالة على ثبوت رسالتك لانها اخبار لا يعلمها إلا قارئ الكتاب او من يوحى اليه فظاهر انك لا تكتب ولا تقرأ فبقى ان ذلك من الوحى وَالذِّكْرِ اى القرآن الْحَكِيمِ اى المشتمل على الحكم او المحكم الممنوع من تطرق الخلل اليه والاشارة ان الله تعالى قال لعيسى عليه السلام يا عيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ عن الصفات النفسانية والأوصاف الحيوانية وَرافِعُكَ إِلَيَّ بجذبات العناية فمن لم يصر فانيا عما سوى الله لا يكون له وصول الى مقام معرفة الله فعيسى لما رفع الى السماء صارت له حالة كحال الملائكة فى زوال الشهوات والغضب والأخلاق الذميمة. فعلى السالك ان ينهى نفسه عن الهوى ويتبع طريق الهدى ويعتبر بالآيات والذكر الحكيم كى يصل الى النعيم المقيم ويجتنب الظلم فان الله تعالى قال وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ اى الذين يظلمون على أنفسهم بانقضاء العمر فى طلب غير الله
خلاف طريقت بود كاوليا ... تمنا كنند از خدا جز خدا
فاهل الطريقة هم الذين يمحون نقش الغير عن صفحات القلب ويزكون نفوسهم عن الأوصاف المذمومة فانها مانعة من العروج الى سماء المعرفة وعلو الوصال: قال مولانا جلال الدين رومى قدس سره(2/42)
إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)
آن يكى نحوى بكشتى درنشست ... رو بكشتيبان نهاد آن خود پرست
كفت هيچ از نحو حواندى كفت لا ... كفت نيم عمر تو شد در فنا
دل شكسته كشت كشتيبان ز تاب ... ليك آن دم كشت خواموش از جواب
باد كشتى را بگردابى فكند ... كفت كشتيبان بدان نحوى بلند
هيچ دانى آشنا كردن بگو ... كفت نى اى خوش جواب خوب رو «1»
كفت كل عمرت اى نحوى فناست ... زانك كشتى غرق اين كردا بهاست
محو مى بايد نه نحو اينجا بدان ... كر تو محوى بيخطر در آب ران
آب دريا مرده را بر سر نهد ... ور بود زنده ز دريا كى رهد
چون بمردى تو ز أوصاف بشر ... بحر اسرارت نهد بر فرق سر
فقد ظهر ان الذين يطلبون غير الله هم غرقى فى بحر الهوى والشهوات لا يقدرون على التصعد الى الأعلى واما الذين تخلصوا من قشر الوجود ووصلوا بالفناء عن ذواتهم الى عالم الشهود فهم يطيرون باجنحة أنوار حالهم مع الملائكة المقربين لتخلصهم من الأثقال الدنيوية والاشغال القالبية والبدنية قال تعالى إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى بالتجرد عن الهيآت الجسمانية والتعلقات البدنية فَانْفُذُوا لتنخرطوا فى سلك الارادة الملكوتية والنفوس الجبروتية وتصلوا الى الحضرة العلية لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ اى بحجة بينة هى التوحيد والتجريد والتفريد بالعلم والعمل والفناء فى الله تعالى قال عيسى عليه السلام [لن يلج ملكوت السموات من لم يولد مرتين] والولادة نوعان. اضطراري يخلق الله تعالى ولا دخل فيه للكسب والاختيار وذلك ظاهر. واختياري يحصل بالكسب وهو الذي أشار اليه عيسى عليه السلام وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى ويداوى بدواء افضاله هذه النفوس المرضى انه بكل شىء قدر وبتيسيره يسهل كل امر عسير إِنَّ مَثَلَ عِيسى اى شانه البديع المنتظم لغرابته فى سلك الأمثال عِنْدَ اللَّهِ اى فى تقديره وحكمه كَمَثَلِ آدَمَ اى كحاله العجيبة التي لا يرتاب فيها مرتاب ولا ينازع فيها منازع خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ تفسير للمثل لا محل له من الاعراب اى خلق قالب آدم من تراب. فان قيل الضمير فى خلقه راجع الى آدم وحين كان ترابا لم يكن آدم موجودا. قلنا لما كان ذلك الهيكل بحيث سيصير آدم عن قريب سماه آدم قبل ذلك تسمية لما سيقع بالواقع ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ اى انشأ بشرا فَيَكُونُ والمقتضى ان يقال فكان اى كان كما امره الله الا انه عدل الى المضارع حكاية للحال التي كان آدم عليها اى تصويرا لذلك الإيجاد الكامل بصورة المشاهد الذي يقع الآن- روى- ان وفد نجران قدموا المدينة وهم اربعة عشر رجلا من اشرافهم. منهم السيد وهو كبيرهم واسمه اهيب. والعاقب الذي بعده وهو صاحب رأيهم واسمه عبد المسيح. والثالث ابو حارثة ابن علقمة الأسقف وكان فى شرف وخطر عظيم وكان ملك الروم بنى له الكنائس وكان يبعث له بالكرامات فاقبلوا حتى قدموا على النبي عليه السلام فى مسجد المدينة بعد العصر عليهم ثياب حسان ولهم وجوه جسام فقاموا وصلوا واستقبلوا قبلتهم وأراد اصحاب النبي صلى الله عليه
__________
(1) وفى بعض نسخ المثنوى [كفت نى از من تو سباحى مجو] در اواخر دفتر يكم در بيان ماجراى نحوى در كشتى با كشتيبان وجواب دادن او(2/43)
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65)
وسلم ان يمنعوهم فقال صلى الله عليه وسلم (دعوهم) وقد كان نزل على النبي عليه السلام قبل قدومهم صدر آل عمران لمحاجتهم ثم انتهى ابو حارثة هذا وآخر معه الى النبي عليه السلام فقال لهما صلى الله عليه وسلم (أسلما) فقالا اسلمنا قبلك فقال صلى الله عليه وسلم (كذبتما يمنعكما عن الإسلام ثلاث عبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير وزعمكما ان لله ولدا) قالوا يا محمد فلم تشتم صاحبنا عيسى قال (وما أقول) قالوا تقول انه عبد قال (أجل هو عبد الله ورسوله وكلمته القاها الى العذراء البتول) فغضبوا وقالوا هل رأيت إنسانا من غير اب فحيث سلمت انه لا اب له من البشر وجب ان يكون هو الله فقال صلى الله عليه وسلم (ان آدم عليه السلام ما كان له اب ولا أم) ولم يلزم من ذلك كونه ابنا لله تعالى فكذا حال عيسى عليه السلام فالوجود من غير اب وأم أخرق للعادة من الوجود من غير اب فشبه الغريب بالاغرب ليكون اقطع لشبهة الخصم إذا نظر فيما هو اغرب مما استغربه الْحَقُّ اى ما قصصنا عليك من نبأ عيسى وامه هو الحق كائنا مِنْ رَبِّكَ لا قول النصارى انه ابن الله وقولهم ولدت مريم الها ونحو ذلك فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ اى من الشاكين فى ذلك الخطاب للنبى عليه السلام على طريقة الالهاب والتهييج لزيادة التثبيت لان النهى عن الشيء حقيقة يقتضى ان يتصور صدور المنهي عنه من المنهي ولا يتصور كونه عليه السلام شاكا فى صحة ما انزل عليه والمعنى دم على يقينك وعلى ما أنت عليه من الاطمئنان على الحق والتنزه عن الشك فيه. قال الامام ابو منصور رحمه الله العصمة لا تزيل المحنة ولا ترفع النهى فَمَنْ حَاجَّكَ اى من النصارى إذ هم المتصدون للمحاجة فِيهِ اى فى شأن عيسى عليه السلام وامه زعما منهم انه ليس على الشأن المحكي مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ اى ما يوجبه إيجابا قطعيا من الآيات البينات وسمعوا ذلك منك فلم يرعووا عما هم عليه من الضلال والغى فَقُلْ اى فاقطع الكلام معهم وعاملهم بما يعامل به المعاند وهو ان تدعوهم الى الملاعنة فقل لهم تَعالَوْا التعالي فى الأصل التصاعد كأن الداعي فى علو والمدعو فى سفل فامره ان يتعالى اليه ثم صار ذلك لكل مدعو اين كان اى هلموا بالرأى والعزيمة لا بالأبدان لانهم مقبلون وحاضرون عنده بأجسادهم نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ اكتفى بهم عن ذكر البنات لظهور كونهم أعز منهن. واما النساء فتلقهن من جهة اخرى وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ اى ليدع كل منا ومنكم نفسه واعزة اهله وألصقهم بقلبه الى المباهلة ويحملهم عليها ثُمَّ نَبْتَهِلْ اى نتباهل بان نلعن الكاذب ونقول لعنة الله على الكاذب منا ومنكم فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ عطف على نبتهل مبين لمعناه- روى- انهم لما دعوا الى المباهلة قالوا حتى نرجع وننظر فلما خلا بعضهم ببعض قالوا لعبد المسيح ما ترى فقال والله لقد عرفتم يا معشر النصارى ان محمدا نبى مرسل ولقد جاءكم بالفصل من امر صاحبكم والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لتهلكن فان أبيتم الا الف دينكم والاقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا الى بلادكم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خرج محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشى خلفه وعلى خلفها رضى الله عنه وهو يقول (إذا انا دعوت فأمنوا) فقال اسقف نجران(2/44)
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)
اى أعلمهم بامور دينهم وهو ابو حارثة يا معشر النصارى انى لأرى وجوها لو شاء الله تعالى ان يزيل جبلا من مكانه لا زاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصرانى الى يوم القيامة فقالوا يا أبا القاسم رأينا ان لا نباهلك وان تترك على دينك ونثبت على ديننا قال صلى الله عليه وسلم (فاذا أبيتم المباهلة فاسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين) فأبوا فقال (فانى احاربكم) فقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على ان لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على ان نؤدى إليك كل عام الفى حلة الف فى صفر والف فى رجب وثلاثين درعا عادية من حديد فصالحهم على ذلك وكتب لهم كتابا بذلك وقال (والذي نفسى بيده ان الهلاك قد تدلى على اهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا ولاستأصل الله نجران واهله حتى الطير على رؤس الشجر ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا) إِنَّ هذا اى ما قص من نبأ عيسى عليه السلام وامه لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ دون ما عداه من أكاذيب النصارى وَما مِنْ إِلهٍ ما اله إِلَّا اللَّهُ صرح فيه بمن الاستغراقية تأكيدا للرد على النصارى فى تثليثهم وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ القادر على جميع المقدورات. الحكيم المحيط بالمعلومات لا أحد يشاركه فى القدرة والحكمة ليشاركه فى الالوهية فَإِنْ تَوَلَّوْا اى اعرضوا عن قبول التوحيد والحق الذي قص عليك بعد ما عاينوا تلك الحجج النيرة والبراهين الساطعة فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ اى فاقطع كلامك عنهم وفوض أمرهم الى الله فان الله عليم بفساد المفسدين مطلع على ما فى قلوبهم من الأغراض الفاسدة قادر على مجازاتهم. واعلم ان لمباهلة الأنبياء تأثيرا عظيما سببه اتصال نفوسهم بروح القدس وتأييد الله إياهم به وهو المؤثر بإذن الله فى العالم العنصري فيكون انفعال العالم العنصري منه كانفعال بدننا من روحنا بالهيئات الواردة عليها كالغضب والخوف والسرور والفكر فى احوال المعشوق وغير ذلك من تحريك الأعضاء عند حدوث الإرادات والعزائم وانفعال النفوس الملكية تأثيرها فى العالم عند التوجه الاتصالى تأثير ما يتصل به فينفعل اجرام العناصر والنفوس الناقصة الانسانية فيه بما أراد ألم تر كيف انفعلت نفوس النصارى من نفسه عليه السلام قبل المباهلة بالخوف واحجمت عن المباهلة فطلبت الموادعة بالجزية كذا فى التأويلات القاشانية. وكذا حال الولي إذا دعا على انسان يكون له تأثير بالمرض او الموت او غير ذلك من البلايا- روى- ان الشاعر البساطى رأى يوما الشيخ كمال الدين الخجندي فى مجلس الشعراء
فقال از كجايى از كجايى اى لوند ... فقال الشيخ فى جوابه على الفور
از خجندم از خجندم از خجند ... ولكنه تأذى من سوء أدبه ومعاملته معه هكذا
وحمله على سكره فقال الغالب ان هذا الشاب سكران فسمعه البساطى وقال بالبداهة
سيه چشميست مردم كش خراب غمزه اويم ... از آن در عين هشيارى سخن مستانه ميكويم
ثم قال بطريق الهجو له
اى ملحد خجندى ريش بزرك دارى ... كز غايت بزركى ده ريش ميتوان كفت
فلما سمعه الشيخ تألم منه تألما شديدا فدعا عليه فى ذلك المجلس فمات من ساعته من تأثير نفسه(2/45)
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)
الشريف فى حقه فليجانب العاقل اذية الصلحاء فان مكره يعود اليه دونهم قال تعالى وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ: قيل ونعم ما قيل
ناى كند ناله بدين قول راست ... از نفس پير بترس اى جوان
فحفظ قلوب المشايخ وترك الخلاف عليهم سبب للترقى الى المطالب العالية وباعث للاحترام والإكرام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أكرم شاب شيخا لسنه الا قيض الله له من يكرمه عند سنه) قال المشايخ عقوق الاستاذين لا توبة منه- ويحكى- عن ابى الحسن الهمداني قال كنت ليلة عند جعفر الخالدي وكنت أمرت فى بيتي ان يعلق لى طير فى التنور وكان قلبى معه فقال لى جعفر أقم عندنا الليلة فتعللت بشىء ورجعت الى منزلى فاخرج الطير من التنور ووضع بين يدى فدخل كلب من الباب وحمل الطير عند تغافل الحاضرين واتى بالجوذاب الذي تحته فتعلق به ذيل الخادمة فانصب فلما أصبحت دخلت على جعفر فحين وقع بصره على قال من لم يحفظ قلوب المشايخ يسلط عليه كلب يؤذيه. قال الشيخ ابو على الدقاق قدس سره لما نفى اهل بلخ محمد بن الفضل من البلد دعا عليهم وقال اللهم امنعهم الصدق فلم يخرج من بلخ بعده صديق عصمنا الله وإياكم من المخالفة آمين قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ اى اليهود والنصارى تَعالَوْا كان عليه السلام حريصا على ايمانهم فامره الله تعالى بان يعدل عن طريق المجادلة والاحتجاج الى نهج يشهد كل عقل سليم انه كلام مبنى على الانصاف وترك الجدال لا ميل فيه الى جانب حتى يكون فيه شائبة التعصب فهو كلام ثابت فى المركز نسبته إلينا وإليكم على سواء واعتدال فقال قل يا اهل الكتاب تعالوا اى هلموا والمراد تعيين ما دعوا اليه والتوجه الى النظر فيه وان لم يكن انتقالا من مكان الى مكان لان اصل اللفظ مأخوذ من التعالي وهو الارتفاع من موضع هابط الى مكان عال ثم كثر استعماله حتى صار دالا على طلب التوالي حيث يدعى اليه إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ لا يختلف فيها الرسل والكتب فيها انصاف من بعضنا لبعض ولا ميل فيها لا حد على صاحبه وهى أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ اى نوحده بالعبادة ونخلص فيها وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ولا نجعل غيره شريكا فى استحقاق العبادة ولا نراه أهلا لان نعبده وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ بان نقول عزير ابن الله والمسيح ابن الله ولا نطيع الأحبار فيما أحدثوا من التحليل والتحريم لان كلا منهم بعضنا وبشر مثلنا وعن الفضيل لا أبالي أطعت مخلوقا فى معصية الخالق أم صليت لغير القبلة فَإِنْ تَوَلَّوْا عما دعوتم اليه من التوحيد وترك الإشراك فَقُولُوا اى قل لهم أنت والمؤمنون اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ اى لزمتكم الحجة فاعترفوا بانا مسلمون دونكم- روى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الى قيصر (من محمد رسول الله الى هر قل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى اما بعد فانى أدعوك برعاية الإسلام اسلم تسلم) اى من السبي فى الدنيا ومن العذاب فى الآخرة (واسلم يؤتك الله أجرك مرتين وان توليت فان عليك اثم الأريسيين ويا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ان لا نعبد الا الله ولا نشرك به شيأ) الى قوله (فقولوا اشهدوا بانا مسلمون) . وجاء فى الخبر الصحيح ان هر قل سأل عن حال النبي(2/46)
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65)
عليه السلام وعرفها ممن جاء بكتابه فقال لو كنت عنده لقبلت قدميه لمعرفته صدق النبي عليه السلام بعلاماته المعلومة له من الكتب القديمة لكن خاف من ذهاب الرياسة. ثم انه كتب جواب كتابه عليه السلام انا نشهد انك نبى ولكنا لا نستطيع ان نترك الدين القديم الذي اصطفاه الله لعيسى عليه السلام فعجب النبي عليه السلام فقال (لقد ثبت ملكهم الى يوم القيامة ابدا) . وكتب الى كسرى ملك فارس فمزق كتابه ورجع الرسول بعد ما أراد قتله فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خرق الله ملكهم فلا ملك لهم ابدا فكان كذلك. والاشارة فى الآية ان اصول الأديان كلها اخلاص العبودية كما قال تعالى أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً يعنى كما لا نعبد الا الله لا نطلب منه غيره وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فى طلب الرزق ورؤية الأمور من الوسائط فَإِنْ تَوَلَّوْا يعنى من اعرض عن هذا الأصل فَقُولُوا أنتم لهم اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ مستسلمون لما دعانا الله اليه من التوحيد والإخلاص فى العبودية ونفى الشرك والسر فى الاشهاد على الإسلام ليشهد الكفار لهم يوم القيامة على الإسلام والتوحيد كما يشهد لهم المؤمنون كما قال النبي عليه السلام لابى سعيد الخدري رضى الله عنه (انى أراك تحب الغنم والبادية فاذا كنت فى غنمك وباديتك فاذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فانه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا انس ولا شىء الا شهد له يوم القيامة) فيكون شهادة الكفار لهم بالتوحيد يوم القيامة حجة على أنفسهم. فالتوحيد هى العروة الوثقى واصل الأصول يهب من جانب الغيب لمن أخلصه قبول القبول. فعلى العاقل ان لا يخالف كتاب الله بالاعراض عن فحاويه وعدم التدبر فى معانيه بل يسلك سبيل العلم والأعمال ويجتنب الجهل والغى والضلال قبل ان يهال عليه التراب ويلف فى الأكفان من الأثواب: قال الفاضل عبد الرحمن الجامى قدس سره
پيش كسرى ز خردمند حكيمان ميرفت ... سخن از سخت ترين موج درين لجه غم
آن يكى كفت كه بيمارى واندوه دراز ... وان دگر كفت كه نادارى و پيريست بهم
سيومين كفت كه قرب أجل وسوء عمل ... عاقبت رفت بترجيح سوم حكم حكم
يعنى اجتمع يوما فى مجلس انو شروان ثلاثة من الحكماء فانجر الكلام الى ان أشد الشدائد ما هو.
فقال الحكيم الرومي هو الشيخوخة مع الفقر. وقال الحكيم الهندي المرض وعلة البدن مع كثرة الغموم والهموم. وقال الحكيم بزرجمهر هو قرب الاجل وسوء العمل فاتفقوا على قوله رزقنا الله وإياكم حلاوة الطاعات وأيدنا بتوفيقه قبل قدوم هاذم اللذات آمين يا أَهْلَ الْكِتابِ من اليهود والنصارى لِمَ تُحَاجُّونَ تجادلون فِي ملة إِبْراهِيمَ وشريعته تنازعت اليهود والنصارى فى ابراهيم عليه السلام وزعم كل واحد منهما انه عليه السلام منهم وترافعا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت والمعنى لم تدعون انه عليه السلام كان منكم وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ على موسى عليه السلام وَالْإِنْجِيلُ على عيسى عليه السلام إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ اى من بعد موته وأنتم سميتم باليهودية والنصرانية بعد نزول الكتاب أَفَلا تَعْقِلُونَ اى ألا تتفكرون فلا تعقلون بطلان مذهبكم فتجادلون بالجدال المحال لان(2/47)
هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)
بين ابراهيم وموسى الف سنة وبين موسى وعيسى الفى سنة فكيف يكون ابراهيم على دين لم يحدث الا بعد عهده بأزمنة متطاولة ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جملة من مبتدأ وخبر صدرت بحرف التنبيه ثم بينت بجملة مستأنفة اشعارا بكمال غفلتهم اى أنتم هؤلاء الحمقى حيث حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ من التوراة والإنجيل من نبوة محمد عليه السلام فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فيما لا ذكر له فى كتابكم ولا علم لكم به من دين ابراهيم إذ لا ذكر لدينه عليه السلام فى أحد الكتابين قطعا وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما حاججتم فيه فيعلمنا وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ اى محل النزاع ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا تصريح بما نطق به البرهان المقرر وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً اى مائلا عن العقائد الزائغة كلها مُسْلِماً
اى منقادا لله تعالى وليس المراد انه كان على ملة الإسلام والا لاشترك الإلزام وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ تعرض بانهم مشركون بقولهم عزير ابن الله والمسيح ابن الله ورد لادعاء المشركين انهم على ملته عليه السلام إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ اى ان أحق الناس بدعواه انه على دين ابراهيم لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فى زمانه وَهذَا النَّبِيُّ اى محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم لانه اتبعه وَالَّذِينَ آمَنُوا بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم من هذه الامة لموافقتهم فى اكثر ما شرعه لهم على الاصالة وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ينصرهم ويجازيهم الحسنى بايمانهم وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ اى أحبت لَوْ اى ان يُضِلُّونَكُمْ يصرفونكم عن دين الإسلام الى دين الكفر وانما قال طائفة لان من اهل الكتاب امة قائمة يتلون آيات الله وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ جملة حالية جيئ بها للدلالة على كمال رسوخ المخاطبين وثباتهم على ما هم عليه من الدين القويم اى وما يتخطاهم الإضلال ولا يعود وباله الا إليهم لما انه يضاعف به عذابهم وَما يَشْعُرُونَ اى باختصاص وباله وضرره بهم. اعلم انه تعالى لما بين ان من طريقة اهل الكتاب العدول عن الحق والاعراض عن قبول الحجة بين انهم لا يقتصرون على هذا القدر بل يجتهدون فى إضلال من آمن بالرسول عليه السلام بإلقاء الشبهات. فعلى العاقل ان لا يضل عن الطريق القويم بإلقاءات كل شيطان رجيم من ضلال الانس والجان أصلحهم الله الملك المنان وماذا بعد الحق الا الضلال. قال ابن مسعود رضى الله عنه لما دنا فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعنا فى بيت أمنا عائشة رضى الله عنها ثم نظر إلينا فدمعت عيناه وقال (مرحبا بكم حياكم الله رحمكم الله أوصيكم بتقوى الله وطاعته قددنا الفراق وحان المنقلب الى الله والى سدرة المنتهى والى جنة المأوى يغسلنى رجال اهل بيتي ويكفوننى فى ثيابى هذه ان شاؤا فى حلة يمانية فاذا غسلتمونى وكفنتمونى ضعونى على سريرى فى بيتي هذا على شفير لحدى ثم اخرجوا عنى ساعة فاول من يصلى على حبيبى جبريل عليه السلام ثم ميكائيل ثم اسرافيل ثم ملك الموت مع جنودهم ثم ادخلوا على فوجا فوجا صلوا على) فلما سمعوا فراقه صاحوا وبكوا وقالوا يا رسول الله أنت رسول ربنا وشمع جمعنا وسلطان أمرنا إذا ذهبت عنا فالى من تراجع فى أمورنا قال (تركتكم على المحجة البيضاء) اى على الطريق الواسع الواضح ليلها كنهارها فى الوضوح ولا يزيغ بعدها الى غيرها الا هالك (وتركت لكم واعظين ناطقا وصامتا(2/48)
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)
فالناطق القرآن والصامت الموت فاذا أشكل عليكم امر فارجعوا الى القرآن والسنة وإذا قسا قلبكم فلينوه بالاعتبار فى احوال الأموات)
جهان اى پسر ملك جاويد نيست ... ز دنيا وفادارى اميد نيست
والناس فى الاعتقاد والعمل متفاوتون. فمنهم من هو متين كالحصن الحصين لا يزول عما هو عليه وان اتفق الناس فى إضلاله وهو المرتبة القصوى فى باب الدين التي نالها الأنبياء والأولياء والافراد من المؤمنين قال على كرم الله وجهه [لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا] ولا يطرأ الشك فى المحسوس فكذا ما هو فى حكمه. ومنهم من هو ضعيف لا متانة فيه تذروه رياح الهوى حيث شاءت بعد ان لم تساعد له العناية الازلية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الناس كمعادن الذهب والفضة) يعنى ان الناس معادن الأعمال والأخلاق والأقوال ولكن يتفاوتون فيها كما تتفاوت معادن الذهب والفضة الى ان تنتهى الى الأدنى فالادنى. قال فى شرح المصباح وفيه اشارة الى ان ما فى معادن الطباع من جواهر مكارم الأخلاق ينبغى ان تستخرج برياضة النفوس كما يستخرج الجواهر من المعادن بالمقاساة والتعب ولقد أجاد من قال
بقدر الكد تكتسب المعالي ... ومن طلب العلى سهر الليالى
تروم العز ثم تنام ليلا ... يغوص البحر من طلب اللآلى
فلا بد من الاجتهاد والاستمداد من الابدال والأوتاد لعل الله يسهل سلوك هذا الطريق ويخلص من خطر هذا البحر العميق
بارى كه آسمان وزمين سر كشيد از آن ... مشكل بود بياورئ جسم وجان كشيد
همت قوى كن از مدد رهروان عشق ... كان بار را بقوت همت توان كشيد
يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ اى بما نطقت به التوراة والإنجيل ودلت على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ اى والحال انكم تشهدون انها آيات الله يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ اى تخلطون الْحَقَّ بِالْباطِلِ المراد بالحق كتاب الله الذي أنزله على موسى وعيسى عليهما السلام. وبالباطل ما حرفوه وكتبوه بايديهم وبخلط أحدهما بالآخر إبراز باطلهم فى صورة الحق بان يقولوا الكل من عند الله تعالى وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ اى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ انه حق ثابت فى كتابكم وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وهم رؤساؤهم ومقتدوهم لا عقابهم آمِنُوا بِالَّذِي اى أظهروا الايمان بالقرآن الذي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا اى على المسلمين وَجْهَ النَّهارِ اى فى اوله لان أول النهار هو أول ما ظهر منه كما ان الوجه أول ما يظهر من أعضاء الإنسان عند الملاقاة وَاكْفُرُوا آخِرَهُ اى أظهروا ما أنتم عليه من الكفر به فى آخر النهار مرائين لهم انكم آمنتم به بادى الرأى من غير تأمل ثم تأملتم فيه فوقفتم على خلل رأيكم الاول فرجعتم عنه لَعَلَّهُمْ اى المؤمنين يَرْجِعُونَ عماهم عليه من الايمان به كما رجعتم. والمراد بالطائفة كعب بن الأشرف ومالك ابن الصيف قالا لا صحابهما لما حولت القبلة آمنوا بما انزل عليهم من الصلاة الى الكعبة وصلوا إليها أول النهار ثم صلوا الى الصخرة آخره لعلهم يقولون هم اعلم منا وقد رجعوا فيرجعون(2/49)
وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)
وَلا تُؤْمِنُوا اى لا تقروا بتصديق قلبى إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ اى لاهل دينكم لا لمن تبع محمدا واسلم لما قالت الطائفة المتقدمة لاتباعهم أظهروا الايمان بالقرآن أول النهار كان من بقية كلامها لهم انكم لا تصدقوا بحقية الإسلام والقرآن بقلوبكم لكن لا تظهروه للمسلمين ولا تقروا بذلك الا لاهل دينكم قُلْ يا محمد للرؤساء إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ يهدى به من يشاء الى الايمان ويثبته عليه فاذا كانت الهداية والتوفيق من الله فلا يضر كيدكم وحيلكم وهو اعتراض مقيد لكون كيدهم غير مجد لطائل أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ
علة بتقدير اللام لفعل محذوف اى قلتم ذلك القول ودبرتم الكيد لان يعطى أحد مثل ما أعطيتم من فضل الكتاب والعلم لا لشىء آخر يعنى ما بكم من الحسد صار داعيا لكم الى ان قلتم ما قلتم أَوْ يُحاجُّوكُمْ عطف على ان يؤتى وضمير الجمع عائد الى أحد لانه فى معنى الجمع اى دبرتم ما دبرتم لذلك ولان يحاجوكم عند كفركم بما يؤتى أحد من الكتاب مثل كتابكم عِنْدَ رَبِّكُمْ يوم القيامة فيغلبوكم بالحجة فان من آتاه الله الوحى لا بد ان يحاج مخالفيه عند ربه قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ اى الهدى والتوفيق وإيتاء العلم والكتاب بِيَدِ اللَّهِ اى بقدرته ومشيئته يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ من عباده وَاللَّهُ واسِعٌ اى كامل القدرة عَلِيمٌ اى كامل العلم فلكمال القدرة يصح ان يتفضل على أي عبد يشاء بأى تفضل شاء ولكمال علمه لا يكون شىء من أفعاله الا على وجه الحكمة والصواب يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ اى يجعل رحمته مقصورة على مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ كلاهما تذييل لما قبله مقرر لمضمونه. والاشارة فى تحقيق الآيات ان الحسد وان كان مركوزا فى جبلة الإنسان ولكن له اختصاص بعالم يتعلم العلم ليمارى به السفهاء ويباهى به العلماء ويجعله وسيلة لجمع المال وحصول الجاه والقبول عند ارباب الدنيا فيحسد على كل عالم آتاه الله كلمة فهو ينشرها ويفيد الخلق كما قال عليه السلام (لا حسد الا فى اثنين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكه فى حق ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضى بها ويعلمها) اى لا حسد كحسد الحاسد على هذين الرجلين وكان حسد أحبار اليهود على النبي عليه السلام من هذا القبيل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ستة يدخلون النار قبل الحساب قيل يا رسول الله من هم قال (الأمراء من بعدي بالجور والعرب بالعصبية والدهاقين بالكبر والتجار بالخيانة واهل الرستاق بالجهل واهل العلم بالحسد) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاث هن اصل كل خطيئة فاتقوهن واحذروهن إياكم والكبر فان إبليس حمله الكبر على أن لا يسجد لآدم) :
قال المولى الجامى
لاف بي كبرى مزن كان از نشان پاى مور ... در شب تاريك بر سنك سيه پنهان ترست
وز درون كردن برون انرا مكير آسان كزان ... كوه را كندن بسوزن از زمين آسان ترست
(وإياكم والحرص فان آدم حمله الحرص على ان أكل من الشجرة) : وقال ايضا
در هر دلى كه عز قناعت نهاد پاى ... از هر چهـ بود حرص وطمع را ببست دست
هر جا كه عرضه كرد قناعت متاع خويش ... بازار حرص ومعركه آز را شكست
(وإياكم والحسد فان ابني آدم انما قتل أحدهما صاحبه حسدا) : قال الشيخ السعدي
توانم انكه نيازارم اندرون كسى ... حسود را چهـ كنم كوز خود برنج درست(2/50)
وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76)
بمير تا برهى اى حسود كين رنجيست ... كه از مشقت آن جز بمرك نتوان رست
وقال الأصمعي رأيت أعرابيا اتى عليه مائة وعشرون سنة فقلت ما طول عمرك فقال تركت الحسد فبقيت. وفى بعض الآثار أن فى السماء الخامسة ملكا يمربه عمل عبد له ضوء كضوء الشمس فيقول قف فانا ملك الحسد اضربوا به وجه صاحبه فانه حاسد. وقيل من علامات الحاسد ان يتملق إذا شهد ويغتاب إذا غاب ويشمت بالمصيبة إذا نزلت وانشدوا
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت ... اتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ما كان يعرف طيب عرف العود
فالحسد من الأخلاق المذمومة للنفس فلا بد من إزالته عنها بكثرة التوحيد والاذكار ورؤية الآثار من الله الجبار فان تباين مقامات افراد الإنسان فى العلم والعمل والخلق وسائر الصفات الفاضلة رحمة لهم ولم يكن ذلك الا بتقدير العزيز العليم فى الأزل فالحاسد يسفه الحق سبحانه وانه أنعم على من لا يستحق تعالى الله عما يقول الظالمون وقد ذم الله الحاسدين فى كتابه قال تعالى أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ واما الغبطة فهى محمودة نسأل الله ان يحلينا بالصفات الشريفة والأخلاق اللطيفة ويخلينا من الرذائل النفسية آمين يا رب العالمين وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يقال أمنته بكذا فالباء للالصاق بالامانة فان من ائتمن على شىء صار ذلك الشيء فى معنى الملصق به لقربه منه واتصاله بحفظه والمراد بالقنطار هاهنا العدد الكثير يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ من غير جحد ونقص كعبد الله بن سلام استودعه قرشى الفا ومائتى اوقية ذهبا فادها اليه فاهل الامانة من اهل الكتاب هم الذين اسلموا وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ والمراد بالدينار هاهنا العدد القليل لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وهو كعب بن الأشرف استودعه رجل من قريش دينارا فلم يؤده وجحده فذمه تعالى فاهل الخيانة منهم هم الذين بقوا على اليهودية والنصرانية والمعنى ان فيهم من هو فى غاية الامانة حتى لو اؤتمن على الأموال الكثيرة ادى الامانة فيها ومنهم من هو فى غاية الخيانة حتى لو اؤتمن فى الشيء القليل فانه يخون إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً استثناء مفرغ من أعم الأحوال والأوقات اى لا يؤده إليك فى حال من الأحوال او فى وقت من الأوقات الا فى حال دوام قيامك او فى وقت قيامك على رأسه مبالغا فى مطالبته بالتقاضي واقامة البينة ذلِكَ اى تركهم أداء الحقوق بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ اى فى شأن من ليس من اهل الكتاب سَبِيلٌ اى عتاب ومؤاخذة ونفى السبيل نفى المطالبة فان المطالب لا يتمكن من المطالبة الا إذا وجد السبيل الى المطلوب. والأمي منسوب الى الام وسمى النبي عليه السلام أميا لأنه كان لا يكتب وذلك لان الام اصل الشيء فمن لا يكتب فقد بقي على اصل حاله فى ان لا يكتب. وقيل لانه عليه السلام نسب الى مكة وهى أم القرى وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ بادعائهم ان ذلك فى كتابهم وَهُمْ يَعْلَمُونَ انهم كاذبون مفترون على الله وذلك لانهم استحلوا ظلم من خالفهم وقالوا لم يجعل فى التوراة فى حقهم حرمة فقد كذبوا فى ذلك على الله فان أداء الامانة واجب فى الأديان كلها وحبس مال الغير والإضرار به والخيانة اليه حرام بَلى اثبات لما نفوه اى بلى عليهم فى الأميين سبيل مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ الضمير راجع الى من اى من أتم(2/51)
إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)
بعهد الوافي أو بعهد الله الذي عهده إليهم فى التوراة وأخذ ميثاقهم عليه من الايمان بمحمد وأداء الامانة وَاتَّقى اى الشرك والخيانة وجواب الشرط وهو من قوله فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ عن الغدر والخيانة ونقض العهد اى فان الله يحبه فقام عموم المتقين مقام الضمير الراجع من الجزاء الى من يعنى التقوى تعم وفاء ما عاهدوا الله عليه من الايمان بمحمد عليه السلام وبما جاء به مما يتعلق بتكميل القوة النظرية والعملية. ودلت الاية على تعظيم امر الوفاء بالعهد وذلك لان الطاعات مقصورة على أمرين التعظيم لامر الله تعالى والشفقة على خلق الله فالوفاء بالعهد مشتمل عليهما معا إذ ذلك سبب لمنفعة الخلق فهو شفقة على خلق الله ولما امر الله به كان الوفاء به تعظيما لامر الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا ائتمن) اى جعل أمينا ووضع عنده امانة (خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد عدر) اى ترك الوفاء (وإذا خاصم فجر) اى مال عن الحق. قال صاحب التحفة وليس الغرض ان آية المنافق محصورة فيها بل كل من ابطن خلاف ما اظهر فهو من المنافقين فصدور العدد من حير الأنام يكون باعتبار اقتضاء المقام والوفاء بالعهد كما يمكن ان يكون فى حق الغير يمكن ايضا فى حق النفس لان الوافي بعهد النفس هو الآتي بالطاعات والتارك للمحرمات لانه عند ذلك تفوز النفس بالثواب وتبعد عن العقاب. فعلى العاقل ان يوفى بعهده فى السراء والضراء ويجتهد فى محافظته- حكى- ان شابا عقد مع الله عقدا ان لا ينظر الى شىء من مستحسنات الدنيا فمر يوما بسوق فرأى منطقة مرصعة بالدر والجوهر فنظر إليها فاعجبته ثم مضى عنها وقد نظر اليه صاحبها فلما ذهب عنه افتقدها فلم يجدها فوثب مسرعا حتى تعلق بالشاب وقال يا عيار أنت سارق منطقتى فحمله الى السلطان فلما نظر اليه قال ليس هذا من اهل السرقات فقال بل هو سارق منطقتى وصفتها كيت كيت فامر بتفتيشه فوجدوها على وسطه فقال له السلطان يا فتى أما تستحيى تلبس لباس الأخيار وتعمل عمل الفجار فنظر الفتى الى المنطقة فقال مولاى الاقالة الاقالة الهى لا أعود الى مثلها فأمر السلطان ان يضرب فجرد ليضربوه فاذا هم بصوت يسمع ولا يرى يقول دعوه ولا تضربوه انما أردنا تأديبه فوثب السلطان الى الفتى وقبله بين عينيه ثم قال أخبرني عن قصتك فاخبره فتعجب من ذلك ثم قرأ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا فقال صاحب المنطقة سألتك بالله ألا ما قبلتها منى واجعلنى فى حل فقال إليك عنى ليس هذا من صنعتك انما الصنع لصاحب الصنع ولا مؤثر فى الوجود غير الحق وليس فى الدار غيره ديار
چهـ خوش كفت بهلول فرخنده خوى ... چوبگذشت بر عارفى جنك جوى
كر اين مدعى دوست بشناختى ... به پيكار دشمن نپرداختى
كر از هستئ حق خبر داشتى ... همه خلق را نيست پنداشتى
فاذا وقفت على هذا الخبر فقم فى تربية نفسك الى ان تصل الى الهوية المطلقة مميطا لثام الاثنينية مشاهدا وجود الحق فى كل شىء رزقنا الله وإياكم مشاهدته إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ اى يستبدلون ويأخذون بِعَهْدِ اللَّهِ اى بدل ما عاهدوا عليه من الايمان بالرسول صلى الله عليه وسلم والوفاء بالأمانات وَأَيْمانِهِمْ وبما حلفوا به من قولهم لنؤمنن به ولننصرنه(2/52)
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82)
ثَمَناً قَلِيلًا هو حطام الدنيا أُولئِكَ الموصوفون بتلك الصفات القبيحة لا خَلاقَ لا نصيب لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ولا فى نعيمها وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وهو كناية عن شدة غضبه وسخطه نعوذ بالله من ذلك وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وهو مجاز عن الاستهانة بهم والسخط عليهم وَلا يُزَكِّيهِمْ اى لا يثنى عليهم كما يثنى على أوليائه مثل ثناء المزكى للشاهد. والتزكية من الله تعالى قد تكون على ألسنة الملائكة كقوله تعالى وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ وقد تكون بغير واسطة اما فى الدنيا فكقوله تعالى التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ واما فى الآخرة فكقوله تعالى سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ على ما فعلوه من المعاصي. والآية نزلت فى اليهود الذين حرفوا التوراة وبدلوا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذوا الرشوة على ذلك وَإِنَّ مِنْهُمْ اى من اليهود المحرفين لَفَرِيقاً ككعب ابن الأشرف ومالك بن الصيف واضرابهما يَلْوُونَ من اللى وهو الفتل أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ اى يفتلونها بقراءته فيميلونها من المنزل الى المحرف لِتَحْسَبُوهُ اى المحرف المدلول عليه بقوله يلوون مِنَ الْكِتابِ اى من جملته وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ حال من الضمير المنصوب اى والحال انه ليس منه فى نفس الأمر وفى اعتقادهم ايضا وَيَقُولُونَ مع ما ذكر من اللى والتحريف على طريقة التصريح لا بالتوراة والتعريض هُوَ اى المحرف مِنْ عِنْدِ اللَّهِ اى منزل من عند الله وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ اى والحال انه ليس من عنده تعالى فى اعتقادهم ايضا وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ انهم كاذبون ومفترون على الله وهو تأكيد وتسجيل عليهم بالكذب على الله تعالى والتعمد فيه. وعن ابن عباس رضى الله عنهما هم اليهود الذين قدموا على كعب بن الأشرف وغيروا التوراة وكتبوا كتابا بدلوا فيه صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أخذت قريظة ما كتبوا فخلطوه بالكتاب والاشارة فى الآيتين إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ الذي عاهدهم الله به يوم الميثاق فى التوحيد وطلب الوحدة وَأَيْمانِهِمْ التي يحلفون بها هاهنا ثَمَناً قَلِيلًا من متاع الدنيا وزخارفها مما يلائم الحواس الخمس والصفات النفسانية أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ الروحانية من نسيم روائح الأخلاق الربانية وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ تقريبا وتكريما وتفهيما وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ بنظر العناية والرحمة فيرحمهم ويزكيهم عن الصفات التي بها يستحقون دركات جهنم وَلا يُزَكِّيهِمْ عن الصفات الذميمة التي هى وقود النار بالنار الى الابد ولا يتخلصون منها ابدا وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فيما لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم وَإِنَّ مِنْهُمْ اى من مدعى اهل المعرفة لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ اى بكلمات اهل المعرفة لِتَحْسَبُوهُ من المعرفة وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ الذي كتب الله فى قلوب العارفين وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يعنى من العلم اللدني وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
بإظهار الدعاوى عند فقدان المعاني وَهُمْ يَعْلَمُونَ ولا يعلمون انهم يقولون ما لا يفعلون: قال السعدي قدس سره
كرا جامه پاكست وسيرت پليد ... درد ورخش را نبايد كليد
يعنى يدخل جهنم من قبل ان يحاسب على ما فعله لان مآله الى النار والمحاسبة وان كانت نوعا من التعذيب الا ان عذاب جهنم أشد منها(2/53)
مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)
اگر مردى از مردئ خود مكوى ... نه هر شهسوارى بدر برد كوى
يعنى كل عابد لا يخلص إيمانه فى عاقبته بل من المتعيشين بالصلاح من يموت على الطلاح والعياذ بالله
كسى سر بزركى نباشد بچيز ... كدو سر بزركست وبي مغز نيز
ميفراز كردن بدستار وريش ... كه دستار پنبه است وسبلت حشيش
اى النبات اليابس. فبا ارباب الدعاوى اين المعاني. ويا ارباب المعرفة اين المحبة. ويا ارباب المحبة اين الطاعة- روى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ليلة المعراج نساء بيد كل واحدة منهن مقراض تقرض صدرها وبقطعه قطعة قطعة فسأل جبريل عليه السلام عنهن فقال هن اللاتي ولدن أولادا من الزنى مع وجود أزواجهن وأولادهن. قال الشيخ الصفي قدس سره ان الذين يدعون المعرفة وتمكنهم فى مقام الإرشاد ويراؤن جلبا لحطام الدنيا عذابهم أشد من عذاب هؤلاء النساء سبعين مرة فمن جعل القرآن وسيلة لجلب زخارف الدنيا اولى منه من يجلبها بالمعازف وآلات اللهو مثلا إذا كان فى محل رفيع خبز لا تصل اليه اليد وليس هناك غير مصحف وطنبور فالاولى ان يجعل الطنبور تحت القدم للوصول دون المصحف وهكذا فيما نحن فيه: قيل
دين فروشى مايه كردن هست خسران مبين ... سودمند آنكس كه دنيا صرف كرد ودين خريد
فلو نظرت الى شيوخ الزمان وجدت أكثرهم مدعين ما لم يتحققوا به يضلون الناس با كاذيب ويروون أساليب ليس فيها اثر من المعاني والحقيقة. فعلى العاقل ان لا يغتر بظاهرهم ولا يخرج عن المنهاج مقتفيا بآثارهم بل يجتهد الى ان يميز بين الحق والباطل والعارف والجاهل وماذا بعد الحق الا الضلال عصمنا الله وإياكم من الزيغ وسيآت الأعمال آمين يا متعال ما كانَ لِبَشَرٍ بيان لا فترائهم على الأنبياء عليهم السلام حيث قال نصارى نجران ان عيسى عليه السلام أمرنا ان نتخذه ربا حاشاه عليه السلام. وجاء رجل من المسلمين فقال يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك فقال (معاذ الله ان نعبد غير الله او ان نأمر بعبادة غير الله) اى ما صح وما استقام لاحد سواء كان بشرا او لا وانما قيل لبشر اشعارا بعلة الحكم فان البشرية منافية للامر الذي أسنده الكفرة إليهم أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ الناطق بالحق الآمر بالتوحيد الناهي عن الإشراك كالتوراة والإنجيل والقرآن وَالْحُكْمَ اى الفهم والعلم وَالنُّبُوَّةَ وإيتاء الكتاب يستلزم إيتاء الحكم وهو الحكمة المعبر عنها بإتقان العلم والعمل فلذلك قدم الكتاب على الحكم لان المراد بالحكم هو العلم بالشريعة وفهم مقاصد الكتاب وأحكامه فان اهل اللغة والتفسير اتفقوا على ان هذا الحكم هو العلم قال تعالى وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا يعنى العلم والفهم. فالكتاب السماوي ينزل اولا ثم انه يحصل فى عقل النبي فهم ذلك الكتاب وأسراره وبعد ما حصل فهم الكتاب يبلغ النبي ذلك المفهوم الى الخلق وهو النبوة والاخبار فما احسن هذا الترتيب ثُمَّ يَقُولَ ذلك البشر بعد ما شرفه تعالى بما ذكر من التشريفات وعرفه الحق واطلعه على شؤونه العالية لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً كائنين لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ من متعلق بلفظ عبادا لما فيه من معنى الفعل وَلكِنْ يقول لهم كُونُوا رَبَّانِيِّينَ الرباني منسوب الى الرب بزيادة الالف والنون كاللحيانى إذا وصف بطول اللحية ففيه الدلالة على الكمال فى هذه الصفة(2/54)
وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)
وإذا نسب الى اللحية من غير قصد المبالغة يقال لحوى فالربانى هو الكامل فى العلم والعمل الشديد التمسك بطاعة الله تعالى ودينه كما يقال رجل الهى إذا كان مقبلا على معرفة الإله وطاعته بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ اى بسبب مثابرتكم على تعليم الكتاب ودراسته اى قراءته وتقديم التعليم على الدراسة لزيادة شرفه عليها وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً بالنصب عطف على ثم يقول ولا مزيدة لتأكيد معنى النفي فى قوله تعالى ما كانَ لِبَشَرٍ ان يستنبئه الله تعالى ثم يأمر الناس بعبادة نفسه ويأمر باتخاذ الملائكة والنبيين أربابا كما قال قريش والصابئون الملائكة بنات الله واليهود والنصارى عزير ابن الله والمسيح ابن الله أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ انكار لما نفى عن البشر والضمير له يعنى أيأمركم بعبادة الملائكة والسجدة للانبياء بعد كونكم مخلصين بالتوحيد لله فانه لوامركم بذلك لكفر ونزع منه النبوة والايمان ومن أتاه الله الكتاب والحكم والنبوة يكون اعلم الناس وأفضلهم فيمنعه ذلك من ادعاء الالوهية فانه تعالى لا يؤتى الوحى والكتاب الا نفوسا طاهرة وأرواحا طيبة فلا يجمع بشر بين النبوة وبين دعاء الخلق الى عبادة غير الله. واعلم ان العلم والدراسة جعلا سببا للربانية التي هى قوة التمسك بطاعة الله وكفى هو دليلا على خيبة سعى من جهد نفسه وكدّ روحه فى جمع العلم ثم لم يجعله ذريعة الى العمل فكان مثل من غرس شجرة حسناء تؤنقه اى تعجبه بمنظرها ولا تنفعه بثمرها فالعمل بغير العلم والعلم بغير العمل لا يثبت كل منهما بانفراده النسبة الى الرب فعلم ان العالم الذي لا يعمل بعلمه منقطع النسبة بينه وبين ربه كالعامل الجاهل فكل منهما ليس من الله فى شىء حيث لم تثبت النسبة الا للتمسك بالعمل المبنى على العلم. قال على رضى الله عنه قصم ظهرى رجلان عالم مهتك وجاهل متنسك لان العالم ينفر الناس عن العلم بتهتكه والجاهل يرغب الناس فى الجهل بتنسكه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع) فعلى المعلم والمتعلم ان يطلب بعلمه مرضاة الله وبعمله الربانية فمن اشتغل بالتعليم والتعلم لا لهذا المقصد ضاع سعيه وخاب عمله والاشارة ان من دأب اهل الحقيقة تربية الاتباع والمريدين ليكونوا ربانيين متخلقين بأخلاق الربانية العاملين بما يعلمون من الكتاب وبما كانوا يدرسون من العلوم ولا يقنعون على دراستها ولا يفترون بمقالات أخذوها من أفواه القوم وبعض مدعى هذا الشان الذين غلبت عليهم اهواؤهم وصفات بشريتهم يدعون الشيخوخة من رعونة النفس قبل أوانها ويخدعون الخلق بانواع الحيل ويستتبعون بعض الجهلة ويصيدونهم بكلمات أخذوها من الأفواه ويمكرون ببعض اهل الصدق من الطلبة ويقطعون عليهم طريق الحق بان يمنعوهم من صحبة اهل الحق ومشايخ الطريقة ويأمروهم بالتسليم والرضى فيما يعاملونهم ولا يعرفون غيرهم فيعبدونهم من دون الله كما هو دأب اكثر مشايخ زماننا هذا فانه ليس من دأب من يؤتى الكتاب والحكم والنبوة: قال السعدي فى ذم أمثال هؤلاء المشايخ
دمادم بشويند چون كربه روى ... طمع كرده در صيد موشان كوى
رياضت كش از بهر نام وغرور ... كه طبل تهى را رود بانك دور(2/55)
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82)
يعنى يصل صوت الطبل الى البعيد وبسمع من البعيد لكونه خاليا فكذلك أمثالهم يشتهر ذكرهم بين الناس وليس ذلك الا لكونهم خالين عن الحقيقة إذ المرء الصادق فى طلبه والواصل الى ربه يحب الخمول والنفرة عن الخلق فشأنه التجنب من كل شىء سوى الله دون تشهير نفسه وجلب المال من أيدي الناس بل من الناس من يرغب عنه وهو مرغوب
كسى را كه نزديك ظنت بد اوست ... چهـ دانى كه صاحب ولايت خود اوست
در معرفت بر كسانيست باز ... كه درهاست بر روى ايشان فرار
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ قال قوم ان الله تعالى أخذ الميثاق من النبيين خاصة آن يصدق بعضهم بعضا وأخذ العهد على كل نبى ان يؤمن بمن يأتى بعده من الأنبياء وينصره ان أدركه وان لم يدركه ان يأمر قومه بالايمان به وبنصرته ان أدركوه فأخذ الميثاق من موسى ان يؤمن بعيسى ومن عيسى ان يؤمن بمحمد عليه السلام وإذا كان هذا حكم الأنبياء كان الأمم بذلك اولى وأحرى اى اذكر يا محمد وقت أخذ الله ميثاق الأنبياء وأممهم لَما آتَيْتُكُمْ اللام موطئة لان أخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف وما مبتدأ موصولة وآتيتكم صلتها والعائد محذوف تقديره للذى آتيناكموه مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ وهى بيان احكام الحلال والحرام والحدود حال من الموصول ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ عطف على الصلة والمعطوف على الصلة صلة فلا بد من الرابط فالتقدير رسول به مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ من الكتاب لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ جواب قسم مقدر وهذا القسم المقدر وجوابه خبر للمبتدأ اى والله لتصدقنه برسالته وتنصرنه على أعدائه لاظهار دين الحق. فان قيل ما وجه قوله تعالى ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ والرسول لا يجيئ الى النبيين وانما يجيئ الى الأمم. والجواب ان حملنا قوله وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ على أخذ ميثاق أممهم فقد اندفع الاشكال وان حملناه على أخذ ميثاق النبيين أنفسهم كان معنى قوله ثُمَّ جاءَكُمْ اى جاء فى زمانكم قالَ اى الله تعالى بعد ما أخذ الميثاق أَأَقْرَرْتُمْ اى بالايمان والنصر له والاستفهام للتقرير والتأكيد عليهم لاستحالة حقيقة الاستفهام فى حقه تعالى وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ الميثاق إِصْرِي اى عقدى الذي عقدته عليكم.
والإصر الثقل الذي يلحق الإنسان لاجل ما يلازمه من العمل والإصر هاهنا العهد الثقيل لانه ثقل على صاحبه من حيث انه يمنع عن مخالفته إياه قالُوا أَقْرَرْنا بذلك واكتفى به عن ذكر أخذهم الإصر قالَ سبحانه وتعالى فَاشْهَدُوا ايها الأنبياء والأمم بإقرار بعضكم على بعض وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ اى وانا ايضا شاهد على إقراركم ذلك مصاحب لكم وإدخال مع على المخاطبين لما انهم المباشرون للشهادة حقيقة والمقصود منه التأكيد والتحذير من الرجوع إذا علموا شهادة الله وشهادة بعضهم على بعض فَمَنْ تَوَلَّى اى اعرض عما ذكر بَعْدَ ذلِكَ الميثاق والتوكيد بالإقرار والشهادة فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ المتمردون الخارجون عن الطاعة من الكفرة فان الفاسق من كل طائفة من كان متجاوزا عن الحد. قال فى التيسير والتولي لا يقع من الأنبياء ولا يوصفون بالفسق لكن له وجهان.
أحدهما ان الميثاق كان على الأنبياء وأممهم على التبعية والتولي من الأمم خاصة. والثاني ان العصمة(2/56)
أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)
لا تزيل المحنة انتهى وهذا الميثاق لما كان مذكورا فى كتبهم وهم كانوا عارفين بذلك فقد كانوا عالمين بصدق محمد عليه السلام فى النبوة فلم يبق لكفرهم سبب الا مجرد العداوة والحسد فصاروا كابليس الذي دعاه الحسد الى الكفر فاعلمهم الله تعالى انهم متى كانوا كذلك كانوا طالبين دينا غير دين الله ومعبودا سوى الله بقوله تعالى أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ عطف على مقدر أي أيتولون فيبغون غير دين الله ويطلبونه وَلَهُ أَسْلَمَ اى لله أخلص وانقاد مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى أهلهما طَوْعاً وهم الموحدون وَكَرْهاً اى بإباء وهم الجاهدون بما فيهم من آثار الصنع ودلائل الحدوث وتصريفهم كيف يشاء الى صحة ومرض وغنى وفقر وسرور وحزن وسائر الأحوال فلا يمكنهم دفع قضائه وقدره وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ اى من فيهما والمراد ان من خالفه فى العاجل فسيكون مرجعه اليه الى حيث لا يملك الضر والنفع سواه وهذا وعيد عظيم لمن خالف الدين الحق. فعلى العاقل ان يطيع ربه ولا يعصيه بنقض ما عهد اليه يوم الميثاق. فعهد الله مع الأنبياء والأولياء والمؤمنين التوحيد واقامة الدين وعدم التفرق فيه وتصديق بعضهم بعضا ودعوة الخلق الى الطاعة وتخصيص العبادة بالله فالله تعالى لا يطلب من العبد الا الصدق فى العبودية والقيام بحقوق الربوبية. قال الشيخ الشاذلى قدس سره متى رزقك الله الطاعة والفناء به عنها فقد أسبغ عليك نعمه ظاهرة إذ أراح ظاهرك من مخالفة امره. وباطنة إذ رزقك الاستسلام لقهره وهذا هو مطلب الحق منك. قيل لابراهيم ابن أدهم قدس سره لو جسلت لنا فى المسجد حتى نسمع منك شيأ فقال انى مشغول عنكم باربعة أشياء فلو تفرغت منها لجلست معكم قيل وما هى يا أبا اسحق قال. أولها انى تذكرت حين أخذ الله الميثاق على آدم فقال هؤلاء الى الجنة ولا أبالي وهؤلاء الى النار ولا أبالي فلم أدر من أي الفريقين كنت. الثاني انى تفكرت ان الولد إذا قضى الله سبحانه بخلقه فى بطن امه ونفخ فيه الروح فيقول الملك الموكل به يا رب أشقى أم سعيد فلم أدر كيف خرج جوابى فى ذلك الوقت. الثالث حين ينزل ملك الموت فاذا أراد ان يقبض الروح فيقول يا رب أقبضها مع الإسلام او مع الكفر فلا أدرى كيف يخرج جوابى فى ذلك الوقت. الرابع تفكرت فى قوله وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ فلا أدرى من أي الفريقين أكون ففى هذا شغل شغلنى عن الجلوس لكم والحديث معكم. ففى هذا الاشارة الى ان العبد مع كونه مستسلما لقضاء الله لا بد وان يراعى وظيفة التكليف إذ الخير او الشر مقضى فى حقه ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (اعملوا فكل ميسر لما خلق له. فليجاهد العاقل فى تزكية نفسه اولا ثم الوصية الى عباد الله ولا يكلف المرء الا بقدر وسعه والناس فى المراتب مختلفون فطوبى لمن وصل الى أعلى المطالب
بقدر حوصله خويش دانه چيند مرغ ... بصعوه نتوان داد طعمه شبهاز
وقيل للشيخ الصفي قدس سره إذا قطع الطالب المنازل فهل يبقى بعد ذلك مرتبة لم يصل إليها بعد قال بلى يبقى علم انه هل كان مقبر لا للرب تعالى اولا) وفى القشيري ما حاصله ان الولي فى الحال يجوز ان يتغير حاله فى المآل ويجوز ان يكون من جملة كرامات الولي ان يعلم انه مأمون العاقبة عصمنا الله وإياكم بحسن الخاتمة(2/57)
قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)
همه عالم همى گويند هر آن ... كه يا رب عاقبت محمود گردان
قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ امر للرسول صلى الله عليه وسلم بان يخبر عن نفسه بالايمان بما ذكر وجمع الضمير فى آمنا لاظهار حلالة قدره صلى الله عليه وسلم ورفعة محله بامره بان يتكلم عن نفسه على ديدن الملوك وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وهو القرآن والنزول كما يعدى بالى لانتهائه الى الرسل يعدى بعلى لانه من فوق وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ من الصحف. والأسباط جمع سبط وهو الحافد والمراد بهم حفدة يعقوب عليه السلام وابناؤه الاثنا عشر وذراريهم فانهم حفدة ابراهيم عليه السلام وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى من التوراة والإنجيل وسائر المعجزات الظاهرة بايديهما وتخصيصهما بالذكر لما ان الكلام مع اليهود والنصارى وَالنَّبِيُّونَ اى وما اوتى النبيون من المذكورين وغيرهم مِنْ رَبِّهِمْ من الكتب والمعجزات لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ كدأب اليهود والنصارى آمنوا ببعض وكفروا ببعض بل نؤمن بصحة كل منهم وبحقية ما انزل إليهم فى زمانهم. قال الامام فى تفسيره اختلف العلماء فى كيفية الايمان بالأنبياء المتقدمين الذين نسخت شرائعهم وحقيقة الخلاف ان شرعه لما صار منسوخا فهل تصير نبوته منسوخة فمن قال ان نبوته منسوخة قال نؤمن بانهم كانوا أنبياء ورسلا ولا نؤمن بانهم أنبياء ورسل فى الحال ومن قال ان نسخ الشريعة لا يقتضى نسخ النبوة قال نؤمن بانهم أنبياء ورسل فى الحال فتنبه لهذا الموضع وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ اى منقادون على ان يكون الإسلام بمعنى الاستسلام وهو الانقياد او مخلصون له تعالى أنفسنا لا نجعل له شريكا فيها على ان يكون من السلامة. وفيه تعريض بايمان اهل الكتاب فانه بمعزل عن ذلك وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ اى غير التوحيد والانقياد لحكم الله تعالى كدأب المشركين صريحا والمدعين للتوحيد مع اشراكهم كاهل الكتابين دِيناً ينتحل اليه وهو نصب على انه مفعول ليبتغ وغير الإسلام حال منه لانه فى الأصل صفة له فلما قدم انتصب حالا فَلَنْ يُقْبَلَ ذلك مِنْهُ ابدا بل يرد اشدرد واقبحه وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ اى الواقعين فى الخسران بحرمان الثواب وحصول العقاب ويدخل فيه ما يلحقه من التأسف والتحسر على مافاته فى الدنيا من العمل الصالح وعلى ما تحمله من التعب والمشقة فى الدنيا فى تقرير ذلك الدين الباطل. والمعنى ان المعرض عن الإسلام والطالب لغيره فاقد للنفع واقع فى الخسران بابطال الفطرة السليمة التي فطر الناس عليها. واعلم ان ظاهر الآية يدل على ان الايمان هو الإسلام إذ لو كان غير الإسلام لوجب ان لا يكون الايمان مقبولا لقوله تعالى وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ والجواب انه ينفى قبول كل دين يغايره لا قبول كل ما يغايره كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ الى الحق قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ قيل هم عشرة رهط ارتدوا بعد ما آمنوا ولحقوا بمكة وهو استبعاد لان يهدى قوما هم معاندون للحق مكابرون فيه غير خاضعين له بان يخلق فيهم الاهتداء ويوفقهم لاكتساب الاهتداء وانما يخلق الاهتداء ويوفق على كسب ذلك ويقدر هم عليه إذا كانوا خاضعين متواضعين للحق راغبين فيه فالمراد من الهداية خلق الاهتداء(2/58)
أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91) لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)
وقد جرت سنة الله فى دار التكليف على ان كل فعل يقصد العبد الى تحصيله فان الله تعالى يحلقه عقب قصد العبد فكأنه تعالى قال كيف يخلق فيهم المعرفة والاهتداء وهم فصدوا تحصيل الكفر وأرادوه وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ اى صادق فيما يقول وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ اى الشاهد من القرآن على صدقه. قوله وشهدوا عطف على ايمانهم باعتبار انحلاله الى جملة فعلية فانه فى قوة ان يقال بعد ان آمنوا وبعد ان شهدوا وهو دليل على ان الإقرار باللسان خارج عن حقيقة الايمان ضرورة ان المعطوف مغاير للمعطوف عليه وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ اى الذين ظلموا أنفسهم بالإخلال بالنظر ووضع الكفر موضع الايمان فكيف من جاء الحق وعرفه ثم اعرض عنه. فان قيل ظاهر الآية يقتضى ان من كفر بعد إسلامه لا يهديه الله ومن كان ظالما لا يهديه الله وقد رأينا كثيرا من المرتدين اسلموا وهداهم وكثيرا من الظالمين تابوا عن الظلم. فالجواب ان معناه لا يهديهم ماداموا مقيمين على الرغبة فى الكفر وفى الثبات عليه ولا يقبلون على الإسلام واما إذا تحروا إصابة الحق والاهتداء بالادلة المنصوبة فحينئذ يهديهم الله بخلق الاهتداء فيهم أُولئِكَ المذكورون باعتبار اتصافهم بمامر من الصفات الشنيعة جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وهو ابعاده من الجنة وإنزال العقوبة والعذاب وَالْمَلائِكَةِ ولعنهم بالقول كالناس وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ والمراد بالناس المؤمنون لانه لواريد به جميع الناس لزم ان يلعن كل واحد منهم جميع من يوافقهم ويخالفهم ولا وجه لان يلعن الإنسان من يوافقه ويحتمل ان يراد به الجميع بناء على ان جميع الخلق يلعنون المبطل والكافر ولكنه يعتقد فى نفسه انه ليس بمبطل ولا كافر فاذا لعن الكافر وكان هو فى علم الله كافرا فقد لعن نفسه وان كان لا يعلم ذلك خالِدِينَ فِيها حال من الضمير فى عليهم اى فى اللعنة والعقوبة ومعنى الخلود فى اللعن انهم يوم القيامة لا تزال تلعنهم الملائكة والمؤمنون ومن معهم فى النار ولا يخلو شىء من أحوالهم من اللعنة لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ الانظار التأخير اى لا يجعل عذابهم أخف ولا يؤخر العقاب من وقت الى وقت فان العذاب الملحق بالكفار مضرة خالصة من شوائب المنافع دائمة غير منقطعة نعوذ بالله من ذلك وما يؤدى اليه إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ اى من بعد الارتداد وَأَصْلَحُوا اى ما أفسدوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فيقبل توبتهم ويتفضل عليهم وعطف قوله وَأَصْلَحُوا على قوله إِلَّا الَّذِينَ تابُوا يدل على ان التوبة وحدها وهى الندم على ما مضى من الارتداد والعزم على تركه فى المستقبل لا تكفى حتى ينضاف إليها العمل الصالح اى وأصلحوا باطنهم مع الحق بالمراقبات ومع الخلق بالمعاملات وهذا الندم والتوبة انما يحصل لمن لم ترسخ فيه بعد هيئة استيلاء النفس الامارة على قلبه ولم تصر رينا وبقي فيه من وراء حجاب صفات النفس مسكة من نور استعداده فيتداركه الله برحمته وتوفيقه فيندم ويواظب على الرياضات من باب التزكية والتصفية- يحكى- عن السرى السقطي قدس سره انه قال قلت يوما عجبت من ضعيف عصى قويا فلما كان الغداة وصليت الغداة إذا انا بشاب قد وافى وخلفه ركبان على دواب بين يديه غلمان وهو راكب على دابة فنزل وقال أيكم السرى السقطي فاومأ(2/59)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90)
جلسائى الى فسلم على وجلس وقال سمعتك تقول عجبت من ضعيف عصى قويا فما أردت به فقلت ما ضعيف أضعف من ابن آدم ولا قوى أقوى من الله تعالى وقد تعرض ابن آدم مع ضعفه الى معصية الله قال فبكى ثم قال يا سرى هل يقبل ربك غريقا مثلى قلت ومن ينقذ الغرقى الا الله تعالى قال يا سري ان على مظالم كثيرة كيف اصنع قال إذا صححت الانقطاع الى الله ارضى عنك الخصوم بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا كان يوم القيامة واجتمع الخصوم على ولى الله تقول الملائكة لهم لا تروّعوا ولى الله فان الحق اليوم على الله فيهب الله لهم مقامات عالية بدل حقوقهم فيتجاوزون عن الولي) قال فبكى ثم قال صف لى الطريق الى الله فقلت ان كنت تريد طريق المقتصدين فعليك بالصيام والقيام وترك الآثام وان كنت تريد طريق الأولياء فاقطع العلائق واتصل بخدمة الخالق. فعلى السالك ان يتوب من جميع الآثام ولا يشغل سره سوى مشاهدة الله العلام
بهشت تن آسانى آنكه خورى ... كه بر دوزخ نيستى بگذرى
يعنى لاتصل الى الحضور الباقي والحياة الابدية الا بافناء وجودك فى وجود الحق وتبديل الأخلاق الذميمة بالأخلاق الحميدة فاذا جاوزت هذا الصراط الادق وصلت الى الجناب المطلق وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما انه قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا عبد الله كن فى الدنيا كأنك غريب او عابر سبيل) اى لا تركن إليها ولا تتخذها وطنا ولا نحدث نفسك بطول البقاء فيها ولا بالاعتناء بها ولا تتعلق منها بما لا يتعلق به الغريب فى غير وطنه ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب الى اهله (وعد نفسك من اصحاب القبور) وفيه اشارة الى الفناء عن اضافة الوجود الى نفسه بل الوجود كله لله تعالى فالبدن للروح بمنزلة القبر للميت فكما ان الميت فى قبره يسلم لامر مولاه ولا يعترض الى شىء أصلا كذلك ينبغى ان لا يتعرض العبد لشىء من الآفات البدنية والقلبية بل يدور حيث أوقفه الله من الفطرة الاصلية والشهود التام وقل من سلم من هذه الآفات الا ان العبد بالتوبة يتدارك ما فات فاياك ان ترخص لنفسك فى فعل شر فاذا قد فتحت بابه فاول الشر الخطرة كما ان أول السيل القطرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما بال أقوام يشرفون المسرفين ويستخفون بالعابدين يعملون بالقرآن ما وافق أهواءهم وما خالف أهواءهم تركوه فند ذلك يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض يسعون فيما يدرك من القدر المحتوم والرزق المقسوم والاجل المكتوب ولا يسعون فيما لا يدرك الا بالسعي من الاجر الموفور والسعى المشكور والتجارة التي لا تبور) فاذا وقفت على هذا جعلت سعيك للآخرة لا للدنيا بل لم تطلب من الله الا الله رزقنا الله وإياكم ذلك آمين إِنَّ الَّذِينَ كاليهود كَفَرُوا بعيسى والإنجيل بَعْدَ إِيمانِهِمْ بموسى والتوراة ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً حيث كفروا بمحمد عليه السلام والقرآن او كفروا به عليه السلام بعد ما آمنوا به قبل مبعثه ثم ازدادوا كفرا بالإصرار عليه والطعن فيه والصد عن الايمان ونقض الميثاق لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ لانهم لا يتوبون الا عند اشرافهم على الهلاك فكنى عن عدم توبتهم بعدم قبولها تغليظا فى شأنهم وابرازا لحالهم فى صورة حال الآيسين من(2/60)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91)
الرحمة او لان توبتهم لا تكون إلا نفاقا لارتدادهم وازديادهم كفرا وذلك لم تدخل فيه الفاء وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ على سبيل الكمال فهو من قبيل حصر الكمال والأفكل كافر ضال سوآء كفر بعد الايمان او كان كافرا فى الأصل ومن جملة كمالهم فى الضلال ثباتهم عليه وعدم كون الاهتداء متوقعا منهم إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ لما كان الموت على الكفر سببا لامتناع قبول الفدية دخلت الفاء هاهنا إيذانا بسببية المبتدأ لخبره مِنْ أَحَدِهِمْ فدية مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً تمييز اى ما يملؤها من شرقها الى غربها وَلَوِ افْتَدى بِهِ اى بملئ الأرض ذهبا. فان فيل نفى قبول الافتداء يوهم ان الكافر يملك يوم القيامة من الذهب ما يفتدى به وهو لا يملك فيه نقيرا ولا قطميرا فضلا عن ان يملك ملئ الأرض ذهبا. قلنا الكلام وارد على سبيل الفرض والتقدير فالذهب كناية من أعز الأشياء وكونه ملئ الأرض كناية عن كونه فى غاية الكثرة والتقدير لو ان الكافر يوم القيامة قدر على أعز الأشياء بالغا الى غاية الكثرة وقدر على بذله ليل أعز المطالب لا يقدر على ان يتوسل بذلك الى تخليص نفسه من عذاب الله تعالى والمقصود بيان انهم آيسون من تخليص أنفسهم من العقاب أُولئِكَ اشارة الى المذكورين باعتبار اتصافهم بالصفات الشنيعة المذكورة لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ اى مؤلم وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ فى دفع العذاب عنهم او فى تخفيفه ومن مزيدة للاستغراق وصيغة الجمع لمراعاة الضمير اى ليس لواحد منهم ناصر واحد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقول الله لاهون اهل النار عذابا يوم القيامة لو ان لك ما فى الأرض من شىء أكنت تفدى به فيقول نعم فيقول أردت منك أهون من هذا وأنت فى صلب آدم ان لا تشرك بي شيأ فابيت الا ان تشرك بي) . قال الامام اعلم ان الكافر على ثلاثة اقسام أحدها الذي يتوب عن الكفر توبة صحيحة مقبولة وهو الذي ذكره الله فى قوله الا الذين تابوا واصلحوا فان الله غفور رحيم. وثانيها الذي يتوب عن ذلك الكفر توبة فاسدة وهو الذي ذكره الله تعالى فى الآية المتقدمة وقال لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ. وثالثها الذي يموت على الكفر من غير توبة البتة وهو المذكور فى هذه الآية إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ الآية انتهى وهم الذين رسخت هيئة استيلاء النفوس الامارة على قلوبهم وتمكنت وصارت رينا وتناهوا فى الشر والغى وتمادوا فى العناد والبغي فلن يقبل من أحدهم ملئ الأرض إذ لا يقبل هناك الا الأمور النورانية الباقية لان الآخرة هى عالم النور والبقاء فلا وقع ولا خطر للامور الظلمانية الفانية فيها وهل كان سبب كفرهم واحتجابهم الا محبة هذه العوائق الفانية فكيف تكون فداءهم وسبب نجاتهم وقربهم وقبولهم وهى بعينها سبب هلاكهم وبعدهم وخسرانهم وحرمانهم فاياك من أوصاف الكفر وهى حب الدنيا واتباع الهوى والإقبال على شهوات النفس والاعراض عن الحق
ترا شهوت وكبر وحرص وحسد ... چوخون درر كند و چوجان در جسد
يعنى كما ان الدم سارى فى العروق وجارى فيها وكذا الروح فى الجسد فكذلك هذه الصفات الذميمة محيطة بك(2/61)
لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)
گر اين دشمنان تقويت يافتند ... سر از حكم ورأى تو بر تافتند
هوا وهوس را نماند ستيز ... چوبينند سر پنجه عقل تيز
يعنى إذا كان المرء تابعا للشرع وقضية العقل يكون غالبا على هواه فلا تجادله الصفات السبعية الشيطانية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أخوف ما أخاف على أمتي اتباع الهوى وطول الأمل فاما اتباع الهوى فيصد عن الحق واما طول الأمل فينسى الآخرة) . قال ذو النون المصري مفتاح العبادة الفكرة وعلامة الاصابة مخالفة النفس والهوى ومخالفتها ترك شهواتها قال جعفر بن نصير دفع الى الجنيد درهما فقال اشتر به التين الوزيري فاشتريته فلما أفطر أخذ واحدة ووضعها فى فيه ثم القاها وبكى وقال احمله فقلت له فى ذلك فقال هتف فى قلبى أما تستحيى شهوة تركتها من اجله تعالى ثم تعود إليها. قال ابو سليمان الداراني رحمه الله من احسن فى ليله كوفى فى نهاره ومن احسن فى نهاره كوفى فى ليله ومن صدق فى ترك شهوة كفى مؤونتها والله أكرم من ان يعذب قلبا ترك شهوة لاجله. واعلم ان النفس عين لطيفة هى معدن الأخلاق الذميمة مودعة بين جنبى الإنسان اى جميع جسده وهى أمارة بالسوء وهى مجبولة على صد الروحانية المخلوقة من الملكوت الأعلى فانهم يأمرون بالخير وينهون عن الشر وهى مخلوقة من الملكوت السفلى كالشياطين وهم لا يأمرون الا بالشر ومن طبعهم التمرد والإباء والاستكبار ولهذا تأبى النفس من قبول الموعظة وتظهر التمرد كما قال الشيخ فى قصيدة البردة
فان امارتى بالسوء ما اتعظت ... من جهلها بنذير الشيب والهرم
يعنى ان النفس الامارة بالسوء والعيب ما قبلت الوعظ من نذير الشيب فتمادت فى غواية الجهل بعد الهرم وما كبحت عنان جماح الشهوة بايدى الندم وقد خلق الله النفس على صورة جهنم وخلق بحسب كل دركة فيها صفة لها وهى باب من جهنم يدخل فيها من هذا الباب الى دركة من دركاتها السبع وهى سبع صفات الكبر والحرص والشهوة والحسد والغضب والبخل والحقد فمن زكى نفسه عن هذه الصفات فقد عبر عن هذه الدركات السفلية ووصل الى درجات الجنان العلوية كما قال الله تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ومن لم يزك نفسه عن هذه الصفات بقي فى دركات جهنم خائبا خاسرا كما قال تعالى وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها عصمنا الله وإياكم من كيد النفس الامارة وشر الشيطان وأصلح حالنا ما دامت الأرواح فى الأبدان آمين يا مستعان- تمت الجزء الثالث- الجزء الرابع من الاجزاء الثلاثين لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ من ناله نيلا إذا أصابه اى لن تبلغوا ايها المؤمنون حقيقة البر الذي يتنافس فيه المتنافسون ولن تدركوا شأوه ولن تلحقوا بزمرة الأبرار او لن تناولوا بر الله تعالى وهو ثوابه ورحمته ورضاه وجنته حَتَّى تُنْفِقُوا اى فى سبيل الله رغبة فيما عنده مِمَّا تُحِبُّونَ(2/62)
اى بعض ما تهوونه ويعجبكم من كرائم أموالكم وأحبها إليكم او ما يعمها وغيرها من الأعمال والمهجة على ان المراد بالإنفاق مطلق البذل. وفيه من الإيذان بعزة منال البر ما لا يخفى وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ اى اى شىء تنفقوا طيب تحبونه او خبيث تكرهونه فمحل الجار والمجرور النصب على التمييز فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ تعليل لجواب الشرط واقع موقعه اى فمجازيكم بحسبه جيدا كان او رديئا فانه تعالى عليم بكل شىء تنفقونه علما كاملا بحيث لا يخفى عليه شىء من ذاته وصفاته. وفيه من الترغيب فى انفاق الجيد والتحذير من انفاق الرديء ما لا يخفى فالوصول الى المطلوب لا يحصل الا بالإنفاق المحبوب ولذلك كان السلف إذا أحبوا شيأ جعلوه لله ذخيرة ليوم يحتاجون اليه والإنسان لا ينفق محبوبه الا إذا أيقن انه يتوصل بذلك الى وجدان محبوب اشرف من الاول فالانسان لا ينفق محبوبه فى الدنيا الا إذا تيقن بوجود الصانع العالم القادر وتيقن بالبعث والحساب والجزاء وان من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ولزم منه ان الإنسان لا يمكنه انفاق محبوبه فى الدنيا الا إذا كان مستجمعا لجميع الخصال المحمودة فى الدين فلا تقتضى الآية ان من أنفق ما أحب وصل الى الثواب العظيم وان لم يأت بسائر الطاعات- روى- انها لما نزلت جاء ابو طلحة فقال يا رسول الله ان أحب أموالي الىّ بئر حاء وهو ضيعة له فى المدينة مستقبل مسجد النبي
صلى الله عليه وسلم فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال صلى الله عليه وسلم (بخ بخ ذاك مال رابح او رائج فانى ارى ان تجعلها فى الأقربين فقسمها فى أقاربه) وفيه دلالة على ان انفاق أحب الأموال على اقرب الأقارب أفضل- وروى- عن عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه انه كانت لزوجته جارية بارعة فى الجمال وكان عمر راغبا فيها وكان قد طلبها منها مرارا فلم تعطه إياها. ثم لما ولى الخلافة زينتها وأرسلتها اليه فقالت وهبتكها يا امير المؤمنين فلتخدمك قال من اين ملكتها قالت جئت بها من بيت ابى عبد الملك ففتش عن تملكه إياها فقيل انه كان على فلان العامل ديون فلما توفى أخذت من تركته ففتش عن حال العامل واحضر ورثته وأرضاهم جميعا بإعطاء المال ثم بوجه الى الجارية وكان يهواها هوى شديدا فقال أنت حرة لوجه الله فقيل لم يا امير المؤمنين وقد ازحت عن أمرها كل شبهة قال لست إذا ممن نهى النفس عن الهوى- يحكى- ان الربيع ضربه الفالج فكان السائل يقوم على بابه فيسأل فيقول الربيع أطعميه السكر فان الربيع يحب السكر يتأول قوله لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وطال به وجعه فاشتهى لحم دجاج فكف نفسه أربعين يوما فابت فقال لزوجته قد اشتهيت لحم دجاج منذ أربعين يوما فكففت نفسى رجاء ان تكف فابت فقالت امرأته سبحان الله وأي شىء هذا تكف نفسك عنه وقد أحله الله تعالى لك فارسلت امرأته الى السوق فاشترت له دجاجة بدرهم ودانقين فذبحتها وشوتها وخبزت له خبزا وجعلت له اصباغا ثم جاءت بالخوان فوضعته بين يديه فقام سائل على الباب فقال تصدقوا على بارك الله فيكم فكف عن الاكل وقال لامرأته خذى هذا وادفعيه اليه فقالت له امرأته سبحان الله قال افعلي ما آمرك به قالت فاصنع ما هو خير له قال وما هو قالت نعطيه ثمن هذا وتأكل أنت شهوتك قال قد.(2/63)
كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)
أحسنت ائتنى بثمنه فجاءت بثمنه فقال ضعيه على هذا وخذيه وادفعيه جميعا ففعلت
بإحساني آسوده كردن دلى ... به از الف ركعت بهر منزلى
وقيل فى هذا المعنى
دل بدست آور كه حج اكبرست ... از هزاران كعبه يك دل بهترست
كعبه بنياد خليل آزرست ... دل نظرگاه جليل اكبرست
ويقال إذا كنت لا تصل الى البر الا بانفاق محبوبك فمتى تصل الى البار وأنت تؤثر عليه حظوظك. قال القشيري من أراد البر فلينفق بعض ما يحبه ومن أراد البار تعالى فلينفق جميع ما يحبه. قال نجم الدين الكبرى فى قوله تعالى فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ فبقدر ما تكونون له يكون لكم كما قال (من كان الله كان الله له فان الفراش ما نال من بر الشمع وهو شعلته حتى أنفق مما أحبه وهو نفسه. قال القاشاني كل فعل يقرب صاحبه من الله فهو بر ولا يمكن التقرب اليه الا بالتبري مما سواه فمن أحب من دون الله شيأ فقد حجب به عن الله وأشرك شركا خفيا لتعلق محبته بغير الله
ترا هر چهـ مشغول دارد ز دوست ... اگر راست خواهى دلارامت اوست
فلا يزول البعد ولا يحصل القرب الا ببذل المال والمهجة وقطع مجبة غير الله وإفناء النفس بالكلية عن صفاتها الرذيلة
اگر يارى از خويشتن دم مزن ... كه شركست با يار وبا خويشتن
كُلُّ الطَّعامِ لما نزل قوله تعالى فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ الآية وقوله وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ الى قوله ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ أنكر اليهود وغاظهم ذلك وبرأوا ساحتهم من الظلم وجحدوا ما نطق به القرآن وقالوا لسنا باول من حرمت عليه تلك المطعومات وما هو الا تحريم قديم كانت محرمة على نوح وابراهيم ومن بعده وهلم جرا حتى انتهى التحريم إلينا وغرضهم تكذيب شهادة الله عليهم بالبغي والظلم والصد عن سبيل الله وأكل الربا وما عدد من مساويهم التي كلما ارتكبوا منها كبيرة حرم عليهم نوع من الطيبات عقوبة لهم فقيل كل المطعومات او كل انواع الطعام والطعام المطلق البر والعرف يشهد لكل ما يطعم حتى الماء كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ اى حلالا لهم والمراد أكله إذ لا يوصف بنحو الحل والحرمة الا افعال المكلف لا الأعيان فشرب الخمر حرام بالذات ونفسها حرام بالعرض إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ استثناء متصل من اسم كان اى كان كل المطعومات حلالا لبنى إسرائيل الا ما حرم إسرائيل اى يعقوب عليه السلام على نفسه وهو الإبل وألبانها- روى- ان يعقوب عليه السلام كان نذر ان وهب الله له اثنى عشر ولدا واتى بيت المقدس صحيحا ان يذبح آخرهم فتلقاه ملك من الملائكة فقال له يا يعقوب انك رجل قوى فهل لك فى الصراع فعالجه فلم يصرع واحد منهما صاحبه فغمزه الملك غمزة فعرض له عرق النسا من ذلك ثم قال أما انى لو شئت ان اصرعك لفعلت ولكن غمزتك هذه الغمزة لانك كنت نذرت ان أتيت بيت المقدس صحيحا ذبحت آخر ولد لك وجعل الله لك بهذه الغمزة مخرجا من ذلك الذبح ثم ان يعقوب عليه السلام(2/64)
فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95)
لما قدم بيت المقدس أراد ذبح ولده ونسى قول الملك فاتاه الملك فقال انما غمزتك للمخرج وقد وفى نذرك فلا سبيل لك الى ولدك ثم انه حين ابتلى بذلك المرض لقى من ذلك بلاء وشدة وكان لا ينام الليل من الوجع فحلف لئن شفاه الله لا يأكل أحب الطعام اليه فحرم لحوم الإبل وألبانها اما حمية الدين او حمية النفس وتحريم الحلال على نفسه جائز للكل وفيه كفارة اليمين مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ متعلق بقوله كان حلا ولا ضير فى توسيط الاستثناء بينهما المعنى ان المطعومات كانت حلالهم قبل نزول التوراة ثم حرمت بسبب بغيهم وظلمهم فكيف يكون ذلك حراما على نوح وابراهيم وغيرهما. وظاهر الآية يدل على ان الذي حرمه إسرائيل على نفسه قد حرمه الله على بنى إسرائيل وهو رد على اليهود فى دعواهم البراءة من الظلم وتبكيت لهم فى منع النسخ والطعن فى دعوى الرسول صلى الله عليه وسلم موافقته لابراهيم عليه السلام بتحليله لحوم الإبل وألبانها قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها امره عليه السلام بان يحاجهم بكتابهم الناطق بان تحريم ما حرم تحريم حادث مرتب على ظلمهم وبغيهم ويكلفهم إخراجه وتلاوته ليبكتهم ويلقمهم الحجر ويظهر كذبهم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فائتوا بالتوراة فاتلوها فان صدقكم مما يدعوكم الى ذلك البتة- روى- انهم لم يجترئوا على إخراج التوراة فبهتوا وانقلبوا صاغرين وفى ذلك من الحجة النيرة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وجواز النسخ الذي يجحدونه ما لا يخفى فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
اى اختلق عليه سبحانه بزعمه انه حرم ما ذكر قبل نزول التوراة على بنى إسرائيل ومن تقدمهم من الأمم مِنْ بَعْدِ ذلِكَ
اى من بعد ما ذكر من أمرهم بإحضار التوراة وتلاوتها وما ترتب عليه من التبكيت والإلزام فَأُولئِكَ
المصرون على الافتراء بعد ان ظهرت حقيقة الحال وضاقت عليهم حيلة المحاجة والجدال هُمُ الظَّالِمُونَ
المفرطون فى الظلم والعدوان المبعدون فيهما قُلْ صَدَقَ اللَّهُ اى ظهر وثبت صدقه تعالى فيما انزل فى شان التحريم فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ اى ملة الإسلام التي هى فى الأصل ملة ابراهيم عليه السلام فانكم ما كنتم متبعين لملته كما تزعمون حَنِيفاً حال من ابراهيم اى مائلا عن الأديان الزائغة كلها وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اى فى امر من امور دينهم أصلا وفرعا وفيه تعريض باشراك اليهود وتصريح بانه عليه السلام ليس بينه وبينهم علاقة دينية قطعا والغرض بيان ان النبي عليه السلام على دين ابراهيم فى الأصول لانه لا يدعو الا الى التوحيد والبراءة من كل معبود سواه سبحانه وتعالى. قال نجم الدين فى التأويلات الاشارة فى تحقيق الآيات ان الله تعالى خلق الخلق على ثلاثة اصناف. صنف منها الملك الروحاني العلوي اللطيف النورانى وجعل غذاءهم من جنسهم الذكر وخلقهم للعبادة. وصنف منها الحيوان الجسماني السفلى الكثيف الظلماني وجعل غداءهم من جنسهم الطعام وخلقهم للعبرة والخدمة. وصنف منها الإنسان المركب من الملكي الروحاني والحيواني الجسماني وجعل غذاءهم من جنسهم لروحانيهم الذكر ولجسمانيهم الطعام وخلقهم للعبادة والمعرفة. فمنهم ظالم لنفسه وهو الذي غلبت حيوانيته على روحانيته فبالغ فى غذاء جسمانية وقصر فى غذاء روحانيته حتى مات روحه واستولت حيوانيته أولئك كالانعام بل هم أضل(2/65)
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)
مرو در پى هر چهـ دل خواهدت ... كه تمكين تن نور جان كاهدت
ز دوران بسى نامرادى برى ... اگر هر چهـ باشد مرادت خورى
كند مرد را نفس اماره خوار ... اگر هوشمندى عزيزش مدار
دريغ آدمي زاده پر محل ... كه باشد چوانعام بل هم أضل
ومنهم مقتصد وهو الذي تساوت روحانيته وحيوانيته فغذى كل واحدة منهما غذاءها خلطوا عملا صالحا وآخر سيأ عسى الله ان يتوب عليهم. ومنهم سابق بالخيرات وهو الذي غلبت روحانيته على حيوانيته فبالغ فى غذاء روحانيته وهو الذكر وقصر فى غذاء حيوانيته وهو الطعام حتى ماتت نفسه واستوت قوى روحه أولئك هم خير البرية فكان كل الطعام حلالا لهم كما كان حلالا للحيوان الا ما حرم الإنسان السابق بالخيرات على نفسه بموت النفس وحياة القلب واستيلاء الروح مِنْ قَبْلِ ان ينزل عليه الوحى والإلهام كما قيل المجاهدات تورث المشاهدات فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ
بان يهتدى الى الحق من غير جهاد النفس فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
الذين يضعون الشيء فى غير موضعه وقد قال تعالى وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فيما قال لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وكان ملته انفاق المال على الضيفان وبذل الروح عند الامتحان وتسليم القربان وهذه ملة الخلة وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الذين يتخذون مع الله خليلا آخر ويجعلون الشركة فى الخلة.
اگر جز بحق ميرود جاده ات ... در آتش فشانند سجاده ات
فالاولياء هم الذين يحبون الله ومن يحبه الله فان محبة اهل الحق محبة الله وليس فيها شرك. قال الفضيل ابن عياض قدس سره يقول الله تعالى يوم القيامة يا ابن آدم اما زهدك فى الدنيا فانما طلبت الراحة لنفسك فى الآخرة واما انقطاعك الىّ فانما طلبت العز لنفسك ولكن هل عاديت لى عدوا او واليت لى وليا فى الله فعلامة اتباع ملة ابراهيم هو الاطاعة للحق والتبري من كل دين سوى الإسلام ومحبة الأولياء وعداوة الأعداء ولو كان المرء آتيا بجميع الطاعات وليس فى قلبه خلوص المحبة فانما يضرب حديدا باردا والله تعالى لا يحب القلب المشترك بمحبة غيره من شهوة او غيرها. قال محمد ابن حسان رحمه الله بينما انا أدور فى جبل لبنان إذ خرج على شاب قد أحرقته السموم والرياح فلما رآنى ولى هاربا فتبعته وقلت عظنى بكلمة انتفع بها قال احذره تعالى فانه غيور لا يحب ان يرى فى قلب عبد سواه. فعلى العاقل ان يجتهد فى سلوك هذا الطريق الى ان يصل الى منزل التحقيق ومن الله التوفيق فى كل امر خفى وجلى ودقيق إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ البيت ما يبيت فيه أحد ثم استعمل فى المكان مطلقا وُضِعَ لِلنَّاسِ- روى- انه لما حولت القبلة الى الكعبة طعن اليهود فى نبوته عليه السلام وقالوا ان بيت المقدس أفضل من الكعبة وأحق بالاستقبال لانه وضع قبل الكعبة وهو ارض المحشر ومهاجر الأنبياء وقبلتهم والأرض المقدسة التي بارك الله فيها للعالمين وفيها الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام فتحويل القبلة منه الى الكعبة باطل فنزلت اى إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ للعباد وجعل متعبد الهم والواضع هو الله تعالى لَلَّذِي بِبَكَّةَ خبر لان اى للبيت الذي فى بكة وهو علم للبلد الحرام من بكه إذا زحمه لازدحام الناس فيه ولانها تبك أعناق الجبابرة(2/66)
فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)
اى تدقها لم يقصدها جبار الا قصمه الله عز وجل. وما روى ان الحجاج حبس عبد الله بن الزبير رضى الله عنه فى المسجد الحرام وضرب المنجنيق على ابى قبيس ورمى به داخل المسجد وقتل عبد الله فليس ذلك إضرارا بالبيت وقصدا بالسوء لان مقصود الحجاج كان أخذ عبد الله- روى- انه صلى الله عليه وسلم سئل عن أول بيت وضع للناس فقال (المسجد الحرام ثم بيت المقدس) وسئل كم بينهما فقال (أربعون سنة) - روى- ان الله وضع تحت العرش بيتا وهو البيت المعمور وامر الملائكة ان يطوفوا به ثم امر الملائكة الذين هم سكان الأرض ان يبنوا فى الأرض بيتا على مثاله فبنوا وامر من فى الأرض ان يطوفوا به كما يطوف اهل السماء بالبيت المعمور- وروى- ان الملائكة بنوه قبل خلق آدم بألفي عام فلما اهبط آدم الى الأرض قالت له الملائكة طف حول هذا البيت فلقد طفنا حوله قبلك بألفي عام فطاف به آدم ومن بعده الى زمن نوح عليه السلام فلما أراد الله الطوفان حمل الى السماء الرابعة وهو البيت المعمور بحيال الكعبة يطوف به ملائكة السموات. وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه أول بيت بناه آدم فى الأرض فنسبة بناء الكعبة الى ابراهيم على هذه الروايات ليس لانه عليه السلام بناها ابتداء بل لرفعه قواعدها وإظهاره ما درس منها فان موضع الكعبة اندرس بعد الطوفان وبقي مختفيا الى ان بعث الله جبريل الى ابراهيم عليه السلام ودله على مكان البيت وامره بعمارته ولما كان الآمر بالبناء هو الله والمبلغ والمهندس هو جبريل عليه السلام والباني هو الخليل والتلميذ المعين له إسماعيل عليهما السلام. قيل ليس فى العالم بناء اشرف من الكعبة مُبارَكاً حال من المستكن فى الظرف لان التقدير للذى ببكة هو اى كثير الخير والنفع لما يحصل لمن حجه واعتمره واعتكف به وطاف حوله من الثواب وتكفير الذنوب وَهُدىً لِلْعالَمِينَ لانه قبلتهم ومتعبدهم ولان فيه آيات عجيبة دالة على عظيم قدرته وبالغ حكمته كما قال فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ واضحات كانحراف الطيور عن موازاة البيت على مدى الاعصار ومخالطة ضوارى السباع الطيور فى الحرم من غير تعرض لها وقهر الله تعالى لكل جبار قصده بسوء كاصحاب الفيل مَقامُ إِبْراهِيمَ اثر قدميه عليه السلام فى الصخرة التي كان عليه السلام يقوم عليها وقت رفع الحجارة لبناء الكعبة عند ارتفاعه او عند غسل رأسه على ما روى انه عليه السلام جاء زائرا من الشام الى مكة فقالت له امرأة إسماعيل عليه السلام انزل حتى اغسل رأسك فلم ينزل فجاءته بهذا الحجر فوضعته على شقه الايمن فوضع قدمه عليه حتى غسلت شقى رأسه ثم حولته الى شقه الأيسر حتى غسلت الشق الآخر فبقى اثر قدميه عليه وهو بدل من آيات بدل البعض من الكل وَمَنْ دَخَلَهُ اى حرم البيت كانَ آمِناً من التعرض له وذلك بدعوة ابراهيم عليه السلام رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وكان الرجل لوجر كل جريرة ثم لجأ الى الحرم لم يطلب ولذلك قال ابو حنيفة رحمه الله من لزمه القتل فى الحل بقصاص أو ردة او زنى فالتجأ الى الحرم لم يتعرض له الا انه لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع حتى يضطر الى الخروج وهذا فى حق من جنى فى الحل ثم التجأ الى الحرم واما إذا أصاب الحد فى الحرم فيقام عليه فيه فمن سرق فيه قطع ومن قتل فيه قتل قال تعالى وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ أباح لهم القتل عند المسجد الحرام إذا قاتلونا فعلى ذلك يقام(2/67)
الحد إذا أصاب وهو فيه وإذا أصاب فى غيره ثم لجأ اليه لم يقم كما لا نقاتل إذا لم يقاتلونا او المعنى ومن دخله كان آمنا من النار. وفى الحديث (من مات فى أحد الحرمين بعث يوم القيامة آمنا) وعنه صلى الله عليه وسلم (الحجون والبقيع يؤخذ باطرافهما وينشران فى الجنة) وهما مقبرتا مكة والمدينة وعن ابن مسعود رضى الله عنه وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثنية الحجون وليس بها يؤمئذ مقبرة فقال (يبعث الله تعالى من هذه البقعة ومن هذا الحرم سبعين الفا وجوههم كالقمر ليلة البدر يدخلون الجنة بغير حساب يشفع كل واحد منهم فى سبعين الفا وجوههم
كالقمر ليلة البدر) وعنه صلى الله عليه وسلم (من صبر على حرمكة ساعة من نهار تباعدت عنه جهنم مسيرة مائتى عام) وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ وهم المؤمنون دون الكفار فانهم غير مخاطبين بأداء الشرائع عندنا خلافا للشافعى اى استقر لله عليهم حِجُّ الْبَيْتِ اللام للعهد والحج بالفتح لغة اهل الحجاز والكسر لغة نجد وأياما كان فهو القصد للزيارة على الوجه المخصوص المعهود يعنى انه حق واجب لله فى ذمم الناس ولا انفكاك لهم عن ادائه والخروج من عهدته مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فى محل الجر على انه بدل من الناس بدل البعض مخصص لعمومه فالضمير العائد الى المبدل منه محذوف اى من استطاع منهم وقدر وأطاق الى البيت سبيلا اى قدر على الذهاب اليه وأراد به قدرة سلامة الآلات والأسباب فالزاد والراحلة من اسباب الوصول وهذه القدرة تتقدم على الفعل والاستطاعة التي هى شرط لوجوب الفعل هى الاستطاعة بهذا المعنى لا الاستطاعة التي هى شرط حصول الفعل وهى لا تكون إلا مع الفعل لانها علة وجود الفعل وسببه فلا تكون الا معه فالاستطاعة الاولى شرط الوجوب والثانية شرط حصول الفعل وَمَنْ كَفَرَ وضع من كفر موضع من لم يحج تأكيدا لوجوبه وتشديدا لتاركه اى من لم يحج مع القدرة عليه فقد قارب الكفر وعمل ما يعمله من كفر بالحج فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ وعن عبادتهم وحيث كان من كفر من جملتهم داخلا فيها دخولا أوليا اكتفى بذلك عن الضمير الرابط بين الشرط والجزاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من لم يحبسه حاجة ظاهرة او مرض حابس او سلطان جائر ولم يحج فليمت ان شاء يهوديا او نصرانيا) وانما خص هذين لان اليهود والنصارى هم الذين لا يرون الحج ولا فضل الكعبة. واعلم انه لا يؤثر الإكثار من التردد الى تلك الآثار إلا حبيب مختار- روى- عن على بن الموفق رحمه الله انه حج ستين حجة قال فلما كنت بعد ذلك فى الحجر أفكر فى حالى وكثرة تردادى الى ذلك المكان ولا أدرى هل قبل حجى او لا نمت فرأيت قائلا يقول يا ابن الموفق هل تدعو الى بيتك الا من تحب فاستيقظت وقد سرى عنى. ففيه اشارة الى ان من لم يحج مع القدرة عليه فقد ترك عن الدعوة الى ضيافة الله تعالى ولا يترك عنها الا من لا استحقاق له بها. وفيه تقبيح لحاله حيث لم يجتهد فى تحصيل الاستعداد بل اقام على البغي والفساد واقتضت حكمة الله تعالى توقان النفس كل عام الى تلك الأماكن النفيسة والمعاهد المقدسة المحروسة لاجابة دعوة ابراهيم عليه السلام حيث قال فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ اى تحن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفضل الأعمال ايمان بالله ورسوله ثم جهاد فى سبيله ثم حج مبرور) قيل مغفرة الذنوب بالحج ودخول الجنة به مترتب على كون(2/68)
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98)
الحج مبرورا. وانما يكون مبرورا باجتماع أمرين. فيه الاول الإتيان فيه باعمال البر والبر هو الإحسان للناس واطعام الطعام وافشاء السلام. والثاني ما يكمل به الحج وهو اجتناب افعال الإثم فيه من الرفث والفسوق والمعاصي. قال ابو جعفر الباقر ما يعبأ من يؤم هذا البيت إذا لم يأت بثلاث ورع يحجره اى يمنعه عن محارم الله وحلم يكف به غضبه وحسن الصحابة لمن يصحبه من المسلمين فهذه الثلاث يحتاج إليها من يسافر خصوصا الى الحج فمن كملها فقد كمل حجه فعلى السالك ان يخالق الناس بخلق حسن
از من بكوى حاجئ مردم كزايرا ... كاو پوستين خلق بازار مى درد
حاجى تو نيستى شترست از براى آنك ... بيچاره خار ميخورد وبار ميبرد
قال بعض المشايخ علامة الحج المبرور ان يرجع زاهدا فى الدنيا راغبا فى الآخرة. قال نجم الدين الكبرى فى تأويلاته والاشارة ان الله تعالى جعل البيت والحج اليه واركان الحج والمناسك كلها إشارات الى اركان السلوك وشرائط السير الى الله وآدابه. فمن أركانه الإحرام وهو اشارة الى الخروج عن الرسوم وترك المألوف والتجرد عن الدنيا وما فيها والتطهر من الأخلاق وعقد إحرام العبودية بصحة التوجه. ومنها الوقوف بعرفة وهو اشارة الى الوقوف بعرفات المعرفة والعكوف على عقبة جبل الرحمة بصدق الالتجاء وحسن العهد والوفا. ومنها الطواف وهو اشارة الى الخروج عن الأطوار البشرية السبعية بالاطواف السبعة حول كعبة الربوبية. ومنها السعى وهو اشارة الى السير بين صفا الصفات ومروة الذات. ومنها الحلق وهو اشارة الى محو آثار العبودية بموسى أنوار الالهية وعلى هذا فقس المناسك كلها. والحج يشير الى عين الطلب والقصد الى الله بخلاف سائر اركان الإسلام فان كل ركن منه يشير الى طرف من استعداد الطلب فالله تعالى خاطب العباد بقوله وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ وما قال فى شىء آخر من الأركان والواجبات ولله على الناس وفائدته ان المقصود المشار اليه من الحج هو الله وفى سائر العبادات المقصود هو النجاة والدرجات والقربات والمقامات والكرامات. والاستطاعة فى قوله مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا هى جذبة الحق التي توازى عمل الثقلين ولا يمكن السير الى الله والوصول اليه الا بها وَمَنْ كَفَرَ اى لا يؤمن بوجدان الحق ولا يتعرض لنفحات الطاف الرب ولا يتقرب بجذبات الالوهية كما يشير إليها اركان الحج فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ بان يستكمل بهم وانما الاستكمال للعالمين به ولا غنى بهم عنه تعالى جعلنا الله وإياكم من الكاملين والواصلين الى كعبة اليقين والتمكين قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هم اليهود والنصارى سموا بذلك فان الكتاب لا يختص بالمنزل فنسبوا الى ما كتبوا سواء كان من إلقاء الروح الامين او تلقاء النفس لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ توبيخ وانكار لان يكون لكفرهم بها سبب من الأسباب وتحقيق لما يوجب الاجتناب عنه بالكلية والمراد بآياته تعالى ما يعم الآيات القرآنية التي من جملتها ما تلى فى شأن الحج وغيره وما فى التوراة والإنجيل من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ حال من فاعل تكفرون والمعنى لاىّ سبب تكفرون بآياته عز وجل والحال انه تعالى مبالغ فى الاطلاع على جميع أعمالكم وفى مجازاتكم عليها ولا ريب فى ان ذلك يسد(2/69)
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)
جميع أنحاء ما تأتونه ويقطع أسبابه بالكلية قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ اى تصرفون عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى دينه الحق الموصل الى السعادة الابدية وهو التوحيد وملة الإسلام مَنْ آمَنَ مفعول تصدون كانوا يفتنون المؤمنين ويحتالون لصدهم عنه ويمنعون من أراد الدخول فيه بجهدهم ويقولون ان صفته صلى الله عليه وسلم ليست فى كتابهم ولا تقدمت البشارة به عندهم تَبْغُونَها بحذف الجار وإيصال الفعل الى الضمير اى تبغون لها لان البغي لا يتعدى الا الى مفعول يقال بغيت المال والضمير للسبيل وهو يذكر ويؤنث اى تطلبون سبيل الله التي هى أقوم السبل عِوَجاً اعوجاجا وميلا عن القصد والاستقامة بان تلبسوا على الناس حتى توهموهم ان فيها عوجا بقولكم ان شريعة موسى لا تنسخ وبتغييركم صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وجهها ونحو ذلك والجملة حال من فاعل تصدون. والعوج بكسر العين وفتحها الميل والانحراف لكن المكسور يختص بالمعاني والمفتوح بالأعيان تقول فى دينه وكلامه عوج بالكسر وفى الجدار والقناة والشجر عوج بالفتح وَأَنْتُمْ شُهَداءُ حال من فاعل تصدون باعتبار تقيده بالحال الاولى اى والحال انكم شهداء تشهدون بانها سبيل الله لا يحوم حولها شائبة اعوجاج وان الصد عنها إخلال وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ اى من الصد عن سبيله وكتمان الشهادة لنبيه. ولما وبخ اهل الكتاب بصد المؤمنين نهى المؤمنين عن اتباع هؤلاء الصادين فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً طائفة وانما خص فريقا لان منهم من آمن مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ قوله كافرين مفعول ثان ليردوكم على تضمين الرد معنى التصيير. قال عكرمة نزلت فى شاس ابن قيس اليهودي رأى منتدى محتويا على زخام من أوس وخزرج فغاظه ألفتهم فارسل شابا ينشدهم اشعار يوم بغاث وكان ذلك يوما عظيما اقتتل فيه الحيان المذكوران وكان الظفر فيه للاوس فنعر عرق الداء الدفين فتشاجروا فاخبر النبي عليه السلام فخرج يصلح ذات بينهم وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ انكار وتعجب وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ اى القرآن وَفِيكُمْ رَسُولُهُ والمعنى من اين يتطرق إليكم الكفر والحال ان القرآن المعجز يتلى عليكم على لسان الرسول غضا طريا وبين أظهركم رسول الله ينبهكم ويعظكم ويزيح شبهكم فالعدول عن الايمان والدخول فى الكفر مع تحقق هذه الأمور ابعد واعجب وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ اى ومن يتمسك بدينه الحق الذي بينه بآياته على لسان رسوله عليه السلام وهو الإسلام والتوحيد المعبر عنه فيما سبق بسبيل الله فَقَدْ هُدِيَ جواب الشرط. وقد لافادة معنى التحقق كأن الهدى حصل فهو يخبر عنه حاصلا ومعنى التوقع فيه ظاهر فان المعتصم به تعالى متوقع للهدى كما ان قاصد الكريم متوقع للندا اى وفق وارشد إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ موصل الى المطلوب. واعلم ان ظاهر الخطاب مع اهل الكتاب وباطنه مع العلماء السوء الذين يبيعون الدين بالدنيا ولا يعملون بما يعلمون فهم الذين يكفرون بما جاء به القرآن من الزهد فى الدنيا والورع والتقوى ونهى النفس عن الهوى وإيثار ما يفنى على ما يبقى والاعراض عن الخلق والتوجه الى الحق وبذل الوجود لنيل المقصود والله شهيد على ما تعملون حاضر معهم ناظر(2/70)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)
الى نياتهم فى اعمال الخير والشر فيجازيهم بها وهم يصرفون بحرصهم على الدنيا واتباعهم الهوى المؤمنين الذين يتبعونهم بحسن الظن ويحسبون ان أعمالهم وأحوالهم على قاعدة الشريعة ومنهاج الطريقة عن سبيل الله وطريق الحق الذي امر الأنبياء بدعوة الخلق اليه وهم يطلبون اعوجاج طريق الحق بالسير فى طريق الباطل وقد وصى الله المؤمنين بقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الآية حتى لا يرتدوا عن طريق الهداية بعد الايمان بالاتباع بسيرتهم وهو أهم قال تعالى وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ قال بعض المشايخ خير العلم ما كانت الخشية معه وذلك لان الخشية انما تنشأ عن العلم بصفات الحق فشاهد العلم الذي هو مطلوب الله الخشية وشاهد الخشية موافقة الأمر. واما العلم الذي تكون معه الرغبة فى الدنيا والتملق لا ربابها وصرف الهمة لاكتسابها والجمع والادخار والمباهاة والاستكثار وطول الأمل ونسيان الآخرة فما ابعد من هذا العلم علمه من ان يكون من ورثة الأنبياء وهل ينتقل الشيء الموروث الى الوارث الا بالصفة التي كان بها عند الموروث وما مثل من هذه الأوصاف أوصافه من العلماء الا كمثل الشمعة تضيء على غيرها وهى تحرق نفسها
ترك دنيا بمردم آموزند ... خويشتن سيم وغله اندوزند
عالمى را كه گفت باشد وبس ... چون بگويد نگيرد اندر كس
عالم آنكس بود كه بد نكند ... نه بگويد بخلق وخود نكند
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يأتى على الناس زمان لا يبقى من الإسلام الا اسمه ولا من القرآن الا رسمه قلوبهم خربة من الهدى ومساجدهم عامرة بأبدانهم شر من تظل السماء يومئذ علماؤهم منهم تخرج الفتنة وإليهم تعود) . وعن فضيل بن عياض بلغنا ان الفسقة من العلماء ومن حملة القرآن يبدأ بهم يوم القيامة قبل عبدة الأوثان. فعلى العاقل ان لا يغتر بظاهر حالهم بل ينظر الى وهن اعتقادهم وفساد بالهم فيعتبر كل الاعتبار ويتجنب من هذه سيرتهم ويسلك طريق الأخيار ويعتصم بالله بالانقطاع عما سواه ويتمسك بالتوحيد الحقيقي حتى يهتدى الى الصراط المستقيم فمن انقطع اليه بالفناء فى الوحدة كان صراطه صراط الله فلا يصده عنه أحد ولا يضره شىء ولا يضله كيد عدوه وشره فان من كان مع الله كان الله معه فهو حافظه وناصره وهذا الاستمساك ليس من شأن كل السلاك لكن الله تعالى قادر على ان يأخذ بيد عبده ويوصله الى مراده وإذا صح الطلب من العبد فلا يحرم الاجابة البتة فان من طلب وجدّ وجد ومن قرع بابا ولجّ ولج عصمنا الله وإياكم من كيد الشيطان ومكر النفس الامارة بالسوء كل آن آمين يا مستعان يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ الاتقاء افتعال من الوقاية وهى فرط الصيانة حَقَّ تُقاتِهِ اى حق تقواه وما يجب منها وهو استفراغ الوسع فى القيام بالواجب والاجتناب عن المحارم ونحوها فاتقوا الله ما استطعتم يريد بالغوا فى التقوى حتى لا تتركوا من المستطاع منها شيأ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ اى مخلصون نفوسكم لله عز وجل لا تجعلون فيها شركة لما سواه أصلا وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال اى(2/71)
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)
لا تموتن على حال من الأحوال الا حال تحقق إسلامكم وثباتكم عليه فهو فى الصورة نهى عن موتهم على غير هذه الحالة والمراد دوامهم على الإسلام وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ اى بدين الإسلام او بكتابه فلفظ الحبل مستعار لاحد هذين المعنيين فان كل واحد منهما يشبه الحبل فى كونه سببا للنجاة من الردى والوصول الى المطلوب فان من سلك طريقا صعبا يخاف ان تزلق رجله فيه فاذا تمسك بحبل مشدود الطرفين بجانبي ذلك الطريق أمن من الخوف كذلك طريق السعادة الابدية ومرضاة الرب طريق زلق ودواعى الضلال عنها متكثرة زلق رجل اكثر الخلق فيها. فمن اعتصم بالقرآن العظيم وبقوانين الشرع القويم وبينات الرب الكريم فقد هدى الى صراط مستقيم وأمن من الغواية المؤدية الى نار الجحيم كما يأمن المتمسك بالحبل من العذاب الأليم جَمِيعاً حال من فاعل اعتصموا اى مجتمعين فى الاعتصام وَلا تَفَرَّقُوا اى لا تتفرقوا عن الحق بوقوع الاختلاف بينكم كأهل الكتاب وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ متعلق بنعمة إِذْ كُنْتُمْ ظرف له اى اذكروا انعامه عليكم وقت كونكم أَعْداءً فى الجاهلية بينكم الاحن والعداوة والحروب المتواصلة. وقيل هم الأوس والخزرج كانوا أخوين لاب وأم فوقعت بين أولادهما العداوة والبغضاء وتطاولت الحروب مائة وعشرين سنة فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ بتوفيقكم للاسلام فَأَصْبَحْتُمْ اى فصرتم بِنِعْمَتِهِ التي هى ذلك التألف إِخْواناً خبرا صبحتم اى إخوانا متحابين مجتمعين على الاخوة فى الله متراحمين متناصحين متفقين على كلمة الحق وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ شفا الحفرة وشفتها حرفها وجانبها اى كنتم مشرفين على الوقوع فى نار جهنم لكفركم إذ لو أدرككم الموت على تلك الحالة لوقعتم فيها تمثيل لحياتهم التي تتوقع بعد الوقوع فى النار بالقعود على حرفها مشرفين على الوقوع فيها فَأَنْقَذَكُمْ اى خلصكم ونجاكم بان هداكم للاسلام مِنْها اى الحفرة كَذلِكَ اشارة الى مصدر الفعل الذي بعده اى مثل ذلك التبيين الواضح يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ اى دلائله لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ طلبا لثباتكم على الهدى وازديادكم فيه. والاشارة ان اهل الاعتصام طائفتان. إحداهما اهل الصورة وهم المتعلقون بالأسباب لان مشربهم الأعمال. والثانية اهل المعنى وهم المنقطعون عن الأسباب لان مشربهم الأحوال فقال تعالى لهم وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ اى مقصودكم. وقال للمتعلقين بالأسباب وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وهو كل سبب يتوسل به الى الله فالمعتصم بحبل الله هو المتقرب الى الله باعمال البر ووسائط القربة وإذا وجد الاعتصام وجد عدم التفرق بخلاف عدم الاعتصام فانه سبب للتفرق فى الظاهر والباطن. فاما فى الظاهر فيلزم منه مفارقة الجماعة فاقتلوه كائنا من كان. واما فى الباطن فيظهر منه الأهواء المختلفة التي توجب تفرق الامة كما قال عليه السلام (ستفترق أمتي اثنتين وسبعين فرقة الناجية منهم واحدة) قالوا يا رسول الله ومن الفرقة الناجية قال (من كانوا على ما انا عليه وأصحابي) . واعلم انه تعالى امر المؤمنين اولا بالتقوى وثانيا بالاعتصام وثالثا بتذكر النعمة لان فعل الإنسان لا بد وان يكون معللا اما بالرهبة واما بالرغبة والرهبة متقدمة على الرغبة لان دفع الضرر مقدم على جلب النفع كما ان التخلية قبل التحلية فقوله اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ(2/72)
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)
اشارة الى التخفيف من عقاب الله ثم جعله سببا للامر بالتمسك بدين الله ثم اردفه بالرغبة وهى قوله تعالى وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فعلى العاقل الانقياد لامر الله والطاعة لحكمه والاعتصام بحبله وعدم التفرق فى الدين والتقوى حق التقى من الله سبحانه قيل ونعم ما قيل
متقى را بود چهار نشان ... حفظ احكام شرع أول دان
ثانيا آنچهـ دست رس باشد ... بر فقيران وبيكسان بخشد
عهد را با وفا كند پيوند ... هر چهـ باشد از ان شود خرسند
وهذا معنى قول الشيخ النصرآباديّ علامة المتقى اربعة. حفظ الحدود. وبذل المجهود. والوفاء بالعهود. والقناعة بالموجود قال القشيري رحمه الله حق التقوى ان يكون على وفق الأمر لا يزيد من قبل نفسه ولا ينقص. وحق التقوى اولا اجتناب الزلة. ثم اجتناب الفضلة. ثم التوقي عن كل خلة. ثم التنقى عن كل علة فاذا اتقيت عن شهود تقواك بعد اتصافك بتقواك فقد اتقيت حق تقواك انتهى. فمن بقي فيه شىء من اثر الوجود فقد أشرك شركا خفيا ولم يصل الى حقيقة الشهود
حضورى گر همى خواهى ازو غائب مشو حافظ ... متى ما تلق من تهوى دع الدنيا وأهملها
قال ابو مدين رحمه الله شتان بين من همته الحور والقصور ومن همته رفع الستور ودوام الحضور فطوبى لمن سار اليه بالجذبات الالهية على قدم التحقيق وطار بتجلى الصفات الربانية وجناح التوفيق. قال سهل رضى الله عنه ليس للعبد الا مولاه واحسن أحواله ان يرجع الى مولاه إذا عصى قال يا رب استر على فاذا ستر عليه قال يا رب تب على فاذا تاب عليه قال يا رب وفقني حتى اعمل فاذا عمل قال يا رب وفقني حتى أخلص فاذا أخلص قال يا رب تقبل منى. فعلى العاقل ان يتمسك بهذا الحبل المتين وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ اى لتوجد منكم أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ جماعة داعية الى الخير اى الى ما فيه صلاح دينى ودنيوى فالدعاء الى الخير عام فى التكليف من الافعال والتروك ثم عطف عليه الخاص إيذانا بفضله فقال وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وهو ما استحسنه الشرع والعقل وهو الموافقة وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وهو ما استقبحه الشرع والعقل وهو المخالفة وَأُولئِكَ الموصوفون بتلك الصفات الكاملة والافراد فى كاف الخطاب لان المخاطب كل من يصلح للخطاب هُمُ الْمُفْلِحُونَ اى هم الاخصاء بكمال الفلاح. وهم ضمير فصل يفيد اختصاص المسند بالمسند اليه ثم ان من فى قوله منكم للتبعيض وتوجيه الخطاب الى الكل مع اسناد الدعوة الى البعض لتحقيق معنى فرضيتها على الكفاية وانها واجبة على الكل لكن بحيث ان أقامها البعض سقطت عن الباقين ولو اخل بها الكل أثموا جميعا لا بحيث يتحتم على الكل إقامتها ولانها من عظائم الأمور وعزائمها التي لا يتولاها الا العلماء باحكامه تعالى ومراتب الاحتساب وكيفية إقامتها فان الجاهل ربما نهى عن معروف وامر بمنكر وربما عرف الحكم فى مذهبه وجهله فى مذهب صاحبه فنهاه عن منكر وقد يغلظ فى موضع اللين ويلين فى موضع الغلظة وينكر على من لا يزيده إنكاره الا تماديا او على من الإنكار عليه عبث كالانكار على اصحاب المآصر والجلادين واضرابهم. وقيل من للتبيين وكان ناقصة اى كونوا امة يدعون الآية ولا يقتضى ذلك كون الدعوة(2/73)
فرض عين فان الجهاد من فروض الكفاية مع ثبوته بالخطاب للعامة. عن النبي عليه السلام انه سئل وهو على المنبر من خير الناس قال (آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر واتقاهم لله وأوصلهم للرحم) وقال عليه السلام (من امر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله فى ارضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه) . وعن حذيفة يأتى على الناس زمان يكون فيهم جيفة الحمار أحب إليهم من مؤمن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. وعن سفيان الثوري إذا كان الرجل محبا فى جيرانه محمودا عند إخوانه فاعلم انه مداهن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل المداهن فى حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم فى أسفلها وصار بعضهم فى أعلاها فكان الذي فى أسفلها يمر بالماء على الذين فى أعلاها فتأذوا به فأخذ فاسا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا مالك قال تأذيتم بي ولا بدلى من الماء فان أخذوا على يديه انجوه وأنجو أنفسهم وان تركوه اهلكوه واهلكوا أنفسهم) قال صلى الله عليه وسلم (ان الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه يوشك ان يعمهم الله بعذابه) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يحشر يوم القيامة ناس من أمتي من قبورهم الى الله على صورة القردة والخنازير بما داهنوا اهل المعاصي وكفوا عن نهيهم وهم يستطيعون) فلا بد من توطين النفس على الصبر وتقليل العلائق وقطع الطمع عن الخلائق حتى تزول عنه المداهنة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (عذب اهل قرية فيها ثمانية عشر الفا عملهم عمل الأنبياء عليهم السلام) قالوا يا رسول الله كيف قال (لم يكونوا يغضبون لله ولا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر) ثم الأمر بالمعروف تابع للمأمور به ان كان واجبا فواجب وان كان ندبا فندب. واما النهى عن المنكر فواجب كله لان جميع المنكر تركه واجب لاتصافه بالقبح وطريق الوجوب السمع والعقل وعند البعض السمع وحده وشرط النهى بعد معرفة المنهي عنه ان لا يكون ما ينهى عنه واقعا لان الواقع لا يحسن النهى عنه وانما يحسن الذم عليه والنهى عن المعاودة الى مثله وان يغلب على ظنه وقوع المعصية نحوان يرى الشارب قد تهيأ لشرب الخمر باعداد آلاته وان لا يغلب على ظنه ان أنكر لحقته مضرة عظيمة. فان قلت كيف يباشر الإنكار. قلت يبدأ بالسهل فان لم ينفع ترقى الى الصعب لان الغرض كف المنكر قال تعالى فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ثم قال فَقاتِلُوا والمباشر كل مسلم تمكن منه واختص بشرائطه وقد اجمعوا ان من رأى غيره تاركا للصلاة وجب عليه الإنكار لانه معلوم قبحه لكل أحد. واما الإنكار الذي بالقتال فالامام وخلفاؤه اولى لانهم اعلم بالسياسة ومعهم عدتها. فان قلت فمن يؤمر وينهى. قلت كل مكلف وغير المكلف إذا هم بضرر غيره منع كالصبيان والمجانين وينهى الصبيان عن المحرمات حتى لا يتعودوها كما يؤمرون بالصلاة ليمرنوا عليها والعاصي يجب عليه النهى عما ارتكبه إذ يجب عليه تركه والإنكار لا يجب فلا يسقط بترك أحدهما وجوب شىء منهما قال النبي عليه السلام (ان الله ليؤيد هذا الدين باهل الفسوق) والتوبيخ فى قوله تعالى أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ انما هو على نسيان أنفسهم لا على أمرهم بالبر. وعن السلف مروا بالخير وان لم تفعلوا. وعن بعض الصحابة ان الرجل إذا لم يستطع الإنكار على منكر رآه فليقل ثلاث مرات اللهم ان هذا منكر وإذا فعل ذلك فقد فعل ما عليه
كرت نهى منكر بر آيد ز دست ... نشايد چوبى دست و پايان نشست(2/74)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)
چودست وزبانرا نماند مجال ... بهمت نمايند مردى رجال
يعنى إذا لم يستطع ان يغير المنكر بلسانه ويده فلينكره بقلبه فان الرجال يرون الرجولية بالهمة ويتضرعون الى الله فى دفع ما لا يقدرون على دفعه. والاشارة فى الآية ان الامة التي يدعون الى الخير بالافعال دون الأقوال هم الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون من وعيد من يأمر بالمعروف ولا يأتيه والذي يدل عليه ما روى اسامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعته يقول (يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى فى النار فتزلق اقتابه فى النار فيدور بها كما يدور الحمار برحاه فيجتمع اهل النار عليه فيقولون اى فلان ما شأنك ألست تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر فيقول كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه) والداعي الى الخير فى الحقيقة شيوخ الطريقة فان من لم يعرف الله لم يعرف الخير إذ الخير المطلق هو الكمال المطلق الذي يكون للانسان بحسب النوع من معرفة الحق والوصول اليه كما كان للنبى عليه السلام والإضافي ما يتوصل به الى المطلق فالخير المدعو اليه اما الحق واما طريق الوصول اليه والمعروف كل ما يقرب اليه والمنكر كل ما يبعد عنه فمن لم يكن له التوحيد والاستقامة لم يكن له مقام الدعوة فغير المستقيم وان كان موحدا ربما امر بما هو معروف عنده منكر فى نفس الأمر وربما نهى عما هو منكر عنده معروف فى نفس الأمر كمن بلغ فى مقام الجمع واحتجب بالحق عن الخلق فكثيرا ما يستحل محرما ويحرم حلالا فهم اهل الحجاب واهل الفلاح المطلق هم الذين لم يبق لهم حجاب وهم خلفاء الله فى ارضه أوصلنا الله وإياكم الى معرفة حقيقة الحال وشرفنا بالوصول الى جنابه المتعال وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا هم اهل الكتابين حيث تفرقت اليهود فرقا والنصارى فرقا وَاخْتَلَفُوا باستخراج التأليفات الزائغة وكتم الآيات الناطقة وتحريفها بما اخلدوا اليه من حطام الدنيا الدنية. قال الامام تفرقوا بأبدانهم بان صار كل واحد من أولئك الأحبار رئيسا فى بلد ثم اختلفوا بان صار كل واحد منهم يدعى انه على الحق وان صاحبه على الباطل. وأقول انك إذا أنصفت علمت ان اكثر علماء هذا الزمان صاروا موصوفين بهذه الصفة فنسأل الله العفو والرحمة انتهى مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ اى الآيات الواضحة المبينة للحق الموجبة للاتفاق عليه واتحاد الكلمة وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ فى الآخرة بسبب تفرقهم فانه يدوم ولا ينقطع ولما امر الله هذه الامة بان يكونوا آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر وذلك لا يتم الا إذا كان الآمر بالمعروف قادرا على تنفيذ هذا التكليف على الظلمة والمتغلبين ولا تحصل هذه القدرة الا إذا حصلت الالفة والمحبة بين اهل الحق والدين فلا جرم حذرهم الله عن التفرقة والاختلاف لكيلا يصير ذلك سببا لعجزهم عن القيام بهذا التكليف. فعلى المؤمنين ان لا يكونوا ناشئين بمقتضى طباعهم غير متابعين لامام ولا متفقين على كلمة واحدة باتباع مقدم يجمعهم على طريقة واحدة فان لم يكن لهم مقتدى وامام تتحد عقائدهم وسيرهم وآراؤهم بمتابعته وتتفق كلمتهم فى الآخرة على محسوس أوضح من ظهوره فى الدنيا ممن دعا الى الله على بصيرة كالرسول واتباعه الذين ألحقهم الله بدرجات الدنيا فى الدعاء اليه على بصيرة كلماتهم وعاداتهم واهوائهم لمحبته وطاعته كانوا مهملين مهترقين؟؟؟ فرائس للشيطان كشريدة الغنم تكون للذئب ولهذا قال امير المؤمنين(2/75)
على رضى الله عنه لا بد للناس من امام بار او فاجر ولم يرسل نبى الله رجلين فصاعدا لشأن الأوامر أحدهما على الآخر وامر الآخر بمتابعته وطاعته ليتحد الأمر وينتظم والا وقع الهرج والمرج واضطرب امر الدين والدنيا واختل نظام المعاش والمعاد قال عليه السلام (من فارق الجماعة قيد شبر لم يربحبوحة الجنة) وقال (يد الله مع الجماعة) فان الشيطان مع الفذ وهو من الاثنين ابعد ألا يرى ان الجمعية الانسانية إذا لم تنضبط برياسة القلب وطاعة العقل كيف اختل نظامها وآلت الى الفساد والتفرق الموجب لخسار الدنيا والآخرة ولما نزل قوله تعالى وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا فقال (هذا سبيل الرشد) ثم خط عن يمينه وشماله خطوطا فقال
(هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعوا اليه) فعلى العاقل ان يسلك الى صراط التوحيد ولوازمه وحقوقه ويجتنب عن سبل الشيطان واسباب الدخول فيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرت ان أقاتل الناس) الى ان قال (وحسابهم على الله) أراد بقوله وحسابهم على الله انه لا يعلم انهم قالوها معتقدين لها فالمشرك لا قدم له على صراط التوحيد وله قدم على صراط الوجود والمعطل لا قدم له على صراط الوجود فالمشرك ما وحد الله هنا فهو من الموقف الى النار مع المعطلة ومن هو من اهل النار الا المنافقين فلا بد لهم ان ينظروا الى الجنة وما فيها من النعيم فيطمعون فذلك نصيبهم من الجنان ثم يصرفون الى النار وهذا من عدل الله فقوبلوا بأعمالهم فالشرع هنا هو الصراط المستقيم ولا تزال فى كل ركعة من الصلاة نقول اهدنا الصراط المستقيم فهو احدّ من السيف وأدق من الشعر وظهوره على علم وكشف. قال على كرم الله وجهه لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا فمن تمسك بالشرع المتين والقرآن المبين واهتدى الى هذا الصراط المستقيم وتخلص من التفرق الموجب للعذاب الأليم فليس عليه حساب ولا صراط فى الآخرة بل هو مع الأنبياء والأولياء فى النعيم المقيم ومن زلت قدمه عن الشرع فى الدنيا بارتكاب المحظورات زلت فى الآخرة ايضا إذ من كان فى الدنيا أعمى محجوبا غير واصل كان فى الآخرة ايضا كذلك والعياذ بالله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الزالون على الصراط كثير واكثر من يزل عنه النساء) وقال (رأيت النار واكثر أهلها النساء فانهن يكثرن اللعن ويكفرن العشير فلو أحسنت الى إحداهن الدهر كله ثم إذا رأت منك شيأ قالت ما رأيت منك خيرا قط) فانظر كيف زلت أقدامهن عن الصراط فى الآخرة وما ذلك الا لكونها زالة عن صراط الشرع فى الدنيا بالاعتقاد والأعمال: ونعم ما قال الجامى
عقل زن ناقص است ودينش نيز ... هرگزش كامل اعتقاد مكن
گر بدست از وى اعتبار مگير ... ور نكو بروى اعتماد مكن
فاذا وقفت على هذا التفصيل فاجتهد ايها العبد الذليل فى طريق المتابعة والموافقة للانبياء والكاملين وتمسك بذيل شيخ واصل الى اليقين لعله يجمع بإذن الله شملك بعد ما نبدد وصلك وتفرق حالك فان الطريق المجهول لا بدله من مرشد والا فالهلاك عصمنا الله وإياكم من الخلاف والاختلاف وأسلكنا طريق الأخيار من الاسلاف وثبتنا فيه الى آخر الآجال وحشرنا باهل(2/76)
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)
الفضل والكمال يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ اى اذكروا ايها المؤمنون يوم تبيض وجوه كثيرة وتسود وجوه كثيرة. وبياض الوجه وسواده كنايتان عن ظهور بهجة السرور وكمون الخوف فيه يقال لمن نال بغيته وفاز بمطلوبه ابيض وجهه اى استبشر ولمن وصل اليه مكروه اغبر لونه وتبدلت صورته. فمعنى الآية ان المؤمن يرد يوم القيامة على ما قدمت يداه فان كان ذلك من الحسنات استبشر بنعم الله وفضله وإذا رأى الكافر اعماله القبيحة اشتد حزنه وغمه. وقيل بياض الوجه وسواده حقيقتان فيوسم اهل الحق ببياض الوجوه والصحيفة واشراق البشرة وسعى النور بين يديه ويمينه واهل الباطل باضداد ذلك والحكمة فى ظهورهما فى الوجوه حقيقة ان السعيد يفرح بان يعلم قومه انه من اهل السعادة قال تعالى مخبرا عنه يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ والشقي يغتم بعكس ذلك فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ فيقال لهم أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ الهمزة للتوبيخ والتعجب من حالهم والظاهر انهم اهل الكتابين وكفرهم بعد ايمانهم كفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ايمانهم به قبل مبعثه عليه السلام او جميع الكفرة حيث كفروا بعد ما أقروا بالتوحيد يوم الميثاق فَذُوقُوا الْعَذابَ المعهود الموصوف بالعظم بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ بالقرآن ومحمد عليه السلام وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ اى الجنة والنعيم المقيم المخلد عبر عنها بالرحمة تنبيها على ان المؤمن وان استغرق عمره فى طاعة الله تعالى فانه لا يدخل الجنة الا برحمته تعالى هُمْ فِيها خالِدُونَ كانه قيل كيف يكونون فيها فقيل هم فيها خالدون لا يظعنون عنها ولا يموتون تِلْكَ اشارة الى الآيات المشتملة على تنعيم الأبرار وتعذيب الكفار وهو مبتدأ آياتُ اللَّهِ خبره نَتْلُوها جملة حالية من الآيات عَلَيْكَ اى نقرأها عليك يا محمد بواسطة جبريل بِالْحَقِّ حال مؤكدة من فاعل نتلوها او من مفعوله اى ملتبسين او ملتبسة بالحق والعدل ليس فى حكمها شائبة جور بنقص ثواب المحسن او بزيادة عقاب المسيئ او بالعقاب من غير جرم بل كل ذلك مو فى لهم حسب استحقاقهم بأعمالهم بموجب الوعد والوعيد وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً اى شيأ من الظلم لِلْعالَمِينَ لاحد من خلقه كيف والظلم تصرف فى ملك الغير وهو تعالى انما يتصرف فى ملك نفسه او انه وضع الشيء فى غير موضعه وذلك قد يكون بمنع حق المستحق منه وقد يكون بفعل ما منع منه ولا ينبغى له ان يفعله وكل ذلك لا يتصور فى حقه تعالى فيستحيل تصور الظلم من الله فانه لا حق لاحد فيظلم بمنعه ولا يمنع عن شىء فيظلم بفعله بل هو المالك على الإطلاق وأفعاله محض حكمة وعدل وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ اى له تعالى وحده من غير شركة أصلا ما فيهما من المخلوقات الفائتة للحصر ملكا وخلقا احياء واماتة اثابة وتعذيبا وإيراد كلمة ما اما لتغليب غير العقلاء على العقلاء واما لتنزيلهم منزلة غيرهم إظهارا لحقارتهم فى مقام بيان عظمته تعالى وَإِلَى اللَّهِ اى الى حكمه وقضائه لا الى غيره شركه واستقلالا تُرْجَعُ الْأُمُورُ اى أمورهم فيجازى كلا منهم بما وعد له وأوعده من غير دخل فى ذلك لاحد قط. فان قيل الرجوع اليه يكون بعد الذهاب عنه ولم يكن فلم قال ذلك. قلنا كانت كالذاهبة بهلاكها ثم إعادتها لان فى الدنيا يملك بعض الخلق بالتدبير(2/77)
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)
وفى القيامة يكون كل ذلك لله تعالى. والاشارة ان الذين تبيض وجوههم يوم القيامة هم الذين ابيضت قلوبهم اليوم بنور الايمان والجمعية والوفاق مع الله والذين تسود وجوههم يومئذ هم الذين اسودت قلوبهم بالكفر والتفرق والاختلاف من الله وذلك لان الوجوه تحشر بلون القلوب كقوله تعالى يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ اى يجعل ما فى الضمائر على الظواهر
زر اندود كانرا بآتش برند ... پديد آيد آنكه كه مس يا زرند
فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ فيقال لهم أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ وهم ارباب الطلب السائرون الى الله الذين انقطعوا فى بادية النفس واتبعوا غول الهوى وارتدوا على أعقابهم القهقرى فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ تسترون الحق بالباطل وتعرضون عن الحق فى طلب الباطل وكنتم معذبين بنار الهجران والقطيعة فى الدنيا ولكن ما كنتم تذوقون عذابها لان الناس نيام والنائم لا يذوق ألم الجراحات حتى ينتبه فاذا ماتوا انتبهوا فيذوقوا ألم جراحات الانقطاع والاعراض عن الله وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ هم فَفِي رَحْمَتِ الجمعية والوفاق مع اللَّهِ فى الدنيا وهُمْ فِيها خالِدُونَ فى الآخرة لانه يموت المرء على ما عاش فيه ويحشر على ما مات عليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يبعث كل عبد على ما مات عليه) وقال (من مات سكران فانه يعاين ملك الموت سكران ويعاين منكر ونكيرا سكران ويبعث يوم القيامة سكران الى خندق فى وسط جهنم يسمى السكران فيه عين يجرى ماؤها دما لا يكون له طعام ولا شراب الا منه) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أخبرني جبريل عليه السلام ان لا اله الا الله انس للمسلم عند موته وفى قبره وحين يخرج من قبره يا محمد لو تراهم حين يمرقون من قبورهم وينفضون عن رؤسهم التراب هذا يقول لا اله الا الله والحمد لله فيبيض وجهه وهذا ينادى يا حسرتا على ما فرطت فى جنب الله مسودة وجوههم) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (النياحة على الميت من امر الجاهلية وان النائحة إذا لم تتب قبل ان تموت فانها تبعث يوم القيامة عليها سرابيل من قطران ثم يعلى عليها بدرع من لهب النار) وفى التنزيل الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ قال اهل التأويل كلهم يبعث كالمجنون عقوبة لهم وتمقيتا عند اهل الحشر فجعل الله هذه العلامة لاكلة الربا وذلك انه ارباه فى بطونهم فاثقلهم فهم إذا خرجوا من قبورهم يقومون ويسقطون لعظم بطونهم وثقلها عليهم نسأل الله الستر فى الدنيا والآخرة وهو الموفق للصالحات من الأعمال والافعال كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ كنتم من كان الناقصة التي تدل على تحقق شىء بصفة فى الزمان الماضي من غير دلالة على عدم سابق او لاحق ويحمل على الدوام او الانقطاع بحسب معونة المقام ودلالة القرائن فقولك كان زيد قائما محمول على الانقطاع وقوله تعالى وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً محمول على الدوام ومنه قوله تعالى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ صفة لامة أظهرت لاجلهم ومصلحتهم ونفعهم تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ جملة مسأنفة بين بها كونهم خير امة كأنه قيل السبب فى كونهم خير الأمم هذه الخصال الحميدة والمقصود بيان علة تلك الخيرية كقولك زيد كريم يطعم الناس ويكسوهم لان ذكر الحكم مقرونا بالوصف المناسب له يشعر بالعلية وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ اى ايمانا متعلقا بكل ما يجب ان يؤمن به من رسول(2/78)
لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112) لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)
وكتاب وحساب وجزاء وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ اى لو آمنوا كايمانكم لكان ذلك خيرا لهم مما هم عليه من الرياسة واستتباع العوام ولازدادت رياستهم وتمتعهم بالحظوظ الدنيوية مع الفوز بما وعدوه على الايمان من إيتاء الاجر مرتين مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ كأنه قيل هل منهم من آمن او كلهم على الكفر فقيل منهم المؤمنون المعهودون الفائزون بخير الدارين كعبد الله بن سلام وأصحابه وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ المتمردون فى الكفر الخارجون عن الحدود لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً استثناء مفرغ من المصدر العام اى لن يضروكم ابدا ضررا ما إلا ضرر أذى لا يبالى به من طعن وتهديد لا اثر له وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ اى ان خرجوا الى قتالكم يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ مفعول ثان ليولوكم اى يجعلوا ظهورهم ما يليكم ويرجعوا الى ادبارهم منهزمين من غير ان ينالوا منكم شيأ من قتل أو أسر ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ عطف على الشرطية وثم للتراخى فى المرتبة اى لا ينصرون من جهة أحد ولا يمنعون منكم قتلا وأخذا وفيه تتبيت لمن آمن منهم فانهم كانوا يؤذونهم بالتلهى بهم وتوبيخهم وتضليلهم وتهديدهم وبشارة لهم بأنهم لا يقدرون على ان يتجاوزوا الأذى بالقول الى ضرب يعبأبه مع انه وعدهم الغلبة عليهم والانتقام منهم وان عاقبة أمرهم الخذلان والذل فلا ينهضون بجناح ولا ترجع إليهم قوة ونجاح كما كان من حال بنى قريظة والنضير وقينقاع ويهود خيبر ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا اى فى أي مكان وأي زمان وجدوا فى دار الإسلام الزموا الذل اى هدر النفس والمال والأهل بحيث صار كشىء يضرب على الشيء فيحيط به إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ استثناء من أعم الأحوال اى ضربت عليهم الذلة ضرب القبة على من هى عليه فى جميع الأحوال كونهم معتصمين بذمة الله وذمة المسلمين واستعير الحبل للعهد لانه سبب للنجاة والفوز بالمراد. وعطف قوله وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ على قوله بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ يقتضى المغايرة. قال الامام فى وجهه الامان الحاصل للذمى قسمان. أحدهما الذي نص الله عليه وهو الامان الحاصل له بإعطاء الجزية عن يد وقبوله إياها. والثاني الامان الذي فوض الى رأى الامام واجتهاده فيعطيهم الامان مجانا تارة وببدل زائد او ناقص اخرى على حسب اجتهاده فالاول هو المسمى بحبل الله والثاني هو المسمى بحبل المؤمنين فالامانان واقعان بمباشرة المسلمين الا انهما متغايران بالاعتبار وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ اى رجعوا بغضب كائن منه تعالى مستوجبين له وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ اى زى الافتقار فهى محيطة بهم من جميع جوانبهم واليهود فى غالب الأمر فقراء اما فى نفس الأمر واما انهم يظهرون من أنفسهم الفقر وان كانوا اغنياء موسرين فى الواقع ذلِكَ اشارة الى ما ذكر من ضرب الذلة والمسكنة عليهم والبوء بالغضب العظيم بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ اى ذلك الذي ذكر كائن بسبب كفرهم المستمر بآيات الله الناطقة بنبوة محمد عليه السلام وتحريفهم لها ولسائر الآيات القرآنية وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ اى فى اعتقادهم ايضا وهؤلاء المتأخرون وان لم يصدر عنهم قتل الأنبياء لكنهم كانوا راضين بفعل أسلافهم مصوبين لهم فى تلك الافعال القبيحة وطالبين للقتل لو ظفروا به فكانوا بذلك كأنهم فعلوه بانفسهم فلذا أسند القتل إليهم ذلِكَ(2/79)
اشارة الى ما ذكر من الكفر والقتل بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ اى كان بسبب عصيانهم واعتدائهم حدود الله تعالى على الاستمرار فان الإصرار على الصغائر يفضى الى مباشرة الكبائر والاستمرار عليها يؤدى الى الكفر فان من توغل فى المعاصي والذنوب واستمر عليها لا جرم تتزايد ظلمات المعاصي على قلبه حالا فحالا ويضعف نور الايمان فى قلبه حالا فحالا ولم يزل الأمر كذلك الى ان يبطل نور الايمان وتحصل ظلمة الكفر نعوذ بالله من ذلك واليه الاشارة بقوله تعالى كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ فقوله تعالى ذلِكَ بِما عَصَوْا اشارة الى علة العلة ولهذا المعنى قال ارباب المعاملات من ابتلى بترك الأدب وقع فى ترك السنن ومن ابتلى بترك السنن وقع فى ترك الفريضة ومن ابتلى بترك الفريضة وقع فى استحقار الشريعة ومن ابتلى بذلك وقع فى الكفر. فعلى المؤمن ان لا يفتح باب المعصية على نفسه خوفا مما يؤدى اليه بل ويترك ايضا بعض ما أبيح له فى الشرح وذلك هو
كمال التقوى قال عليه السلام (لا يبلغ العبد ان يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به البأس) وقال صلى الله عليه وسلم (الحلال بين والحرام بين وبينهما امور مشتبهات فمن اتقى الشبهات استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام كالراعى حول الحمى يوشك ان يقع فيه) الحديث فمنع من الاقدام على الشبهات مخافة الوقوع فى المحرمات وذلك سد للذريعة والعارف متى قصد مخالفة امره تعالى يجد من قلبه استحياء منه تعالى فينتهى عما نوى وعزم ويجتهد فى عبادة ربه. قال الجنيد رحمه الله العبادة على رؤوس العارفين كالتيجان على رؤوس الملوك ورؤى فى يده سبحة فقيل له أنت مع شرفك تأخذ فى يدك سبحه فقال طريق وصلنا به الى ما وصلنا لا نتركه ابدا. قال الشيخ ابو طالب رحمه الله مداومة الأوراد من اخلاق المؤمنين وطريق العابدين وهى مزيد الايمان وعلامة الإيقان. قال الشيخ ابو الحسن رحمه الله سألت أستاذي عن ورد المحققين فقال إسقاط الهوى ومحبة المولى أبت المحبة ان تستعمل محبا لغير محبوبه وقال الورد ردّ النفس بالحق عن الباطل فى عموم الأوقات فليواظب العبد على الأوراد والطاعات وليجانب المعاصي والسيئات قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذات يوم لاصحابه (استحيوا من الله حق الحياء) قالوا انا نستحيى يا رسول الله والحمد لله قال (ليس ذلك ولكن من استحيى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما حوى وليحفظ البطن وما وعى وليذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء)
مبر طاعت نفس شهوت پرست ... كه هر ساعتى قبله ديگرست
قال بعض المشايخ لو ان رجلا عاش مائتى سنة ولا يعرف هذه الاربعة فليس شىء أحق به من النار أحدها معرفة الله تعالى فى السر والعلانية وان لا معطى ولا مانع غيره. والثاني معرفة عمل الله بان يعرف ان الله تعالى لا يقبل من العمل الا ما كان خالصا لرضى الله تعالى. والثالث معرفة نفسه بان يعرف ضعفه انه لا يستطيع ان يرد شيأ مما قضى الله عليه. والرابع معرفة عدو الله وعدو نفسه فيحاربه بالمعرفة حتى يكسره فان المعرفة سلاح العارف فمن كان عنده المعرفة الحقيقة كان غالبا على أعدائه الظاهرة والباطنة ووصل الى مراده والنفس عين العدو فعليك بالاحتراز من شره(2/80)
لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)
ومحاربته كل آن بالذكر والفكر والعمل الصالح عصمنا الله وإياكم من الشرور لَيْسُوا سَواءً اى ليس اهل الكتاب جميعا مستوين متعادلين فى المساوى والقبائح والمراد بنفي المساواة نفى المشاركة فى اصل الاتصاف بالقبائح المذكورة لا نفى المساواة فى مراتب الاتصاف بها مع تحقق المشاركة فى اصل الاتصاف بها مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ كلام مستأنف لبيان عدم استوائهم وتمام الكلام يقتضى ان يقال ومنهم امة مذمومة الا انه أضمر بناء على ان ذكر أحد الضدين يغنى عن الآخر اى من اهل الكتاب جماعة قائمة اى مستقيمة عادلة من أقمت العود فقام بمعنى استقاموا وهم الذين اسلموا منهم كعبد الله بن سلام وغيره. نزلت حين قالت أحبار اليهود لعبد الله بن سلام وغيره من الذين اسلموا من اليهود ما آمن بمحمد إلا شرارنا فلو كانوا خيارنا ما تركوا دين آبائهم او نزلت فى قوم يصلون صلاة الأوابين وهى اثنتا عشرة ركعة بعد صلاة المغرب يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ اى القرآن صفة اخرى لامة آناءَ اللَّيْلِ ظرف ليتلون اى فى ساعاته جمع أنى كعصا وَهُمْ يَسْجُدُونَ الجملة حال من فاعل يتلون اى يصلون إذ لا تلاوة فى السجود وقال عليه الصلاة والسلام (ألا انى نهيت ان اقرأ راكعا وساجدا) وتخصيص السجود بالذكر من سائر اركان الصلاة لكونه ادل على كمال الخضوع والمراد بصلاتهم التهجد إذ هو ادخل فى مدحهم وفيه يتسنى لهم التلاوة فانها فى المكتوبة وظيفة للامام واعتبار حالهم عند الصلاة على الانفراد يأباه مقام المدح يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ على الوجه الذي نطق به الشرع تعريض بان ايمان اليهود به مع قولهم عزير ابن الله وكفرهم ببعض الكتب والرسل ووصفهم اليوم الآخر بخلاف صفته ليس من الايمان بهما فى شىء أصلا وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ تعريض بمداهنتهم فى الاحتساب بل بتعكيسهم فى الأمر بإضلال الناس وصدهم عن سبيل الله فانه امر بالمنكر ونهى عن المعروف وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ المسارعة فى الخير فرط الرغبة فيه لان من رغب فى الأمر سارع فى توليه والقيام به وآثر الفور على التراخي اى يبادرون مع كمال الرغبة فى فعل اصناف الخيرات اللازمة والمتعدية تعريض بتباطئ اليهود فيها بل بمبادرتهم الى الشر وَأُولئِكَ المنعوتون بتلك الصفات الفاضلة بسبب اتصافهم بها مِنَ الصَّالِحِينَ اى من جملة من صلحت أحوالهم عند الله تعالى واستحقوا رضاه وثناءه وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ كائنا ما كان مما ذكر او لم يذكر فَلَنْ يُكْفَرُوهُ فلن يضيع ولا ينقص ثوابه البتة وسمى منع الثواب ونقصه كفرانا مع انه لا يجوز ان يضاف الكفران الى الله تعالى إذ ليس لاحد عليه تعالى نعمة حتى يكفرها نظرا الى انه تعالى سمى إيصال الجزاء والثواب شكرا حيث قال فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ فلما جعل الشكران مجازا عن توفية الثواب جعل الكفران مجازا عن منعه وتعديته الى مفعولين وهما ما قام مقام الفاعل والهاء لتضمنه معنى الحرمان وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ بشارة لهم بجزيل الثواب واشعار بان التقوى مبدأ الخير وحسن العمل وان الفائز عند الله هو اهل التقوى. والاشارة فى قوله وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ اى من خير يقربهم اليه فالله يشكره بتقربه إليهم اكثر من تقربهم اليه كما قال (من تقرب الىّ شبرا تقربت اليه باعا) وقال (انا جليس(2/81)
من ذكرنى وأنيس من شكرنى ومطيع من أطاعني) اى كما أطعتموني بتصفية الاستعداد والتوجه نحوى اطعتكم بافاضة الفيض على حسبه والإقبال إليكم وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ بالذين اتقوا ما يحجبهم عنه فتجلى لهم بقدر زوال الحجاب. قال ابو بكر الكتاني رأيت فى المنام شابا لم ار احسن منه فقلت من أنت فقال التقوى قلت فاين تسكن قال فى كل قلب حزين ثم التفت الىّ فاذا امرأة سوداء أوحش ما يكون فقلت من أنت فقالت الضحك فقلت اين تسكنين فقالت فى كل قلب فرح مرح قال فانتبهت واعتقدت ان لا اضحك إلا غلبة فعلى السالك ان يتمسك بحبل التقوى ويأنس به فى الدنيا لعل الله يجعله أنيسا له فى قبره وحشره فالتقوى من ديدن الصلحاء وهم الذين يسارعون الى الخيرات ما داموا فى الحياة. قال الشيخ ابو الحسن رحمه الله أفضل ما يسأل العبد من الله خيرات الدين ففى خيرات الدين خيرات الآخرة وفى خيرات الآخرة خيرات الدنيا وفى خيرات الدنيا ظهور خصائص الأولياء وهى اربعة
أوصاف العبودية ونعوت الربوبية والاشراف على ما كان ويكون والدخول على الله فى كل يوم سبعين مرة والخروج كذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (انه ليغان على قلبى فاستغفر الله فى اليوم سبعين مرة) واستغفاره عليه الصلاة والسلام من نقص ما رقى عنه باعتبار ما ترقى اليه إذ ذلك الاستغفار من مقتضى البشرية التي لا يمكن دفعها ووجه الاستغفار منه عليه السلام التفريق بين حالين كان فيهما بالعبودية إذ لا يلحق النبي نقص بوجه ولا فتور بحال لثبوت عصمته ولكن حسنات الأبرار سيآت المقربين فينبغى للانسان ان يأخذ على نفسه ان لا يضيع لحظة حتى يأخذها بالذكر والشكر ومتى رأى خللا رفعه بالاستغفار وذكر الله تعالى علم الايمان وبراءة من النفاق وحصن من الشيطان وحرز من النار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لما بعث الله يحيى بن زكريا عليهما السلام الى بنى إسرائيل امره ان يأمرهم بخمس خصال ويضرب لكل خصلة مثلا. أمرهم ان يعبدوا الله ولا يشركوا به شيأ وضرب لهم مثل الشرك كرجل اشترى عبدا من ماله ثم اسكنه دارا وزوجه ودفع اليه مالا وامره ان يتجر فيه ويأكل منه ما يكفيه ويؤدى اليه فضل الربح فعمد العبد الى فضل الربح فجعل يعطيه لعدو سيده ويعطى لسيده منه شيأ يسيرا فايكم يرضى بفعال هذا العبد. وأمرهم بالصلاة وضرب لهم مثلا للصلاة كمثل رجل استأذن على ملك من الملوك فاذن له فدخل عليه فاقبل عليه الملك بوجهه ليستمع مقالته ويقضى حاجته فالتفت يمينا وشمالا ولم يهتم لقضاء حاجته فاعرض عنه الملك فلم يقض حاجته. وأمرهم بالصيام وضرب لهم مثلا فقال مثل الصائم كمثل رجل ليس جبة للقتال وأخذ سلاحه فلم يصل اليه عدوه ولم يعمل فيه سلاح عدوه. وأمرهم بالصدقة وضرب لهم مثلا للمتصدق فقال مثل المتصدق كمثل رجل اسره عدوه فاشترى منهم نفسه بثمن معلوم فجعل يعمل فى بلادهم ويؤدى إليهم من كسبه القليل والكثير حتى يفتدى منهم نفسه فعتق وفك رقبته. وأمرهم بذكر الله تعالى وضرب لهم مثلا للذكر فقال مثل الذكر كمثل قوم لهم حصن وبقربهم عدو لهم فدخلوا حصنهم وأغلقوا بابه وحصنوا أنفسهم من العدو) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم (وانا آمركم بالخصال(2/82)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116) مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)
الخمس التي امر الله بها يحيى عليه السلام وآمركم بخمس اخرى أمرني الله بها عليكم بالجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد) فليسارع العبد الى الخيرات والحسنات وجميع الحالات ولا يتيسر ذلك الا لارباب الإرادات واصحاب المجاهدات
نيايد نكوكارى از بدرگان ... محالست دو زندگى از سكان
توان پاك كردن ز ژنگ آينه ... وليكن نيايد ز سنگ آينه
بكوشش نرويد گل از شاخ بيد ... نه زنگى بگرما به گردد سفيد
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اى بما يجب ان يؤمن به لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ اى لن تدفع عنهم أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ اى من عذابه تعالى شَيْئاً اى شيأ يسيرا منه او شيأ من الإغناء رد للكفار كافة حيث فاخروا بالأموال والأولاد قائلين نحن اكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين وكانوا يعيرون رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعه بالفقر ويقولون لو كان محمد على الحق لما تركه ربه فى الفقر والشدة. وخص الأموال والأولاد بالذكر لان الإنسان يدفع عن نفسه تارة بفداء المال وتارة بالاستعانة بالأولاد فانفع الجمادات هو المال وانفع الحيوانات هو الولد فالكافر إذا لم ينتفع بهما فى الآخرة البتة دل ذلك على عدم انتفاعه بسائر الأشياء بالطريق الاولى وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ اى مصاحبوها على الدوام وملازموها هُمْ فِيها خالِدُونَ ابدا ولما بين ان اموال الكفار لا تغنى عنهم شيأ ثم انهم ربما أنفقوا أموالهم فى وجوه الخيرات فيخطر ببال الإنسان انهم ينتفعون بذلك فازال الله بهذه الآية تلك الشبهة وبين انهم لا ينتفعون بتلك الانفاقات وان كانوا قد قصدوا بها وجه الله فقال ثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا
اى حال ما ينفقه الكفرة قربة او مفاخرة وسمعة وطلبا لحسن الذكر بين الناس وعداوة لاهل الإسلام كما أنفق ابو سفيان وأصحابه مالا كثيرا على الكفار يوم بدر واحدمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ
اى برد شديد مهلك فانه فى الأصل مصدر وان شاع إطلاقه على الريح البارد كالصرصرصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ
اى زرع قوم لَمُوا أَنْفُسَهُمْ
بالكفر والمعاصي فباؤا بغضب من الله وانما وصفوا بذلك لان الإهلاك عن سخط أشد وأفظع أَهْلَكَتْهُ
عقوبة لهم ولم تدع منه اثرا ولا عثيرا والمراد تشبيه ما أنفقوا فى ضياعه وذهابه بالكلية من غيران يعود إليهم نفع ما بحرث كفار ضربته صرّ فاستأصلته ولم يبق لهم فيه منفعة بوجه من الوجوه فهو من التشبيه المركب ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ
بما بين من ضياع ما أنفقوا من الأموال لكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
لما انهم أضاعوها بانفاقها لا على ما ينبغى وتقديم المفعول لرعاية الفواصل لا للتخصيص. واعلم ان انفاق الكفار اما ان يكون لمنافع الدنيا او لمنافع الآخرة فان كان لمنافع الدنيا لم يبق منه اثر البتة فى الآخرة فى حق المسلم فضلا عن الكافر وان كان لمنافع الآخرة ولعلهم أنفقوا أموالهم فى الخيرات ببناء الرباطات والقناطر والإحسان الى الضعفاء والأيتام والأرامل وكان ذلك المنفق يرجو من ذلك الانفاق خيرا كثيرا فاذا قدم الآخرة رأى كفره مبطلا لآثار الخيرات وكان كمن زرع زرعا وتوقع منه نفعا كثيرا فاصابه ريح فاحرقه ولا يبقى معه الا الحزن والأسف هذا إذا أنفقوا الأموال(2/83)
فى وجوه الخيرات. اما إذا أنفقوها فيما ظنوا انه من الخيرات لكنه كان من المعاصي مثل انفاق الأموال فى إيذاء الرسول وفى قتل المؤمنين وتخريب ديارهم فالذى قلنا فيه أشد وأشد ونظير هذه الآية وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً ويدخل فيه ما ينفقه بعض صاحبى الغرض لنفى رجل صالح من بلده او قتله او إيذائه ونعوذ بالله من ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن اربع عن عمره فيم أفناه وعن جسده فيم أبلاه وعن علمه ما عمل فيه وعن ماله من اين اكتسبه وفيم أنفقه) فليبادر العاقل الى الانفاق من ماله والإخلاص فى عمله قال عليه الصلاة والسلام (يجاء يوم القيامة بصحف مختومة فتنصب بين يدى الله عز وجل فيقول الله تعالى للملائكة القوا هذا واقبلوا هذا فتقول الملائكة وعزتك ما رأينا إلا خيرا فيقول وهو اعلم ان هذا كان لغيرى ولا اقبل اليوم من العمل الا ما ابتغى به وجهى)
ز عمرو اى پسر چشم اجرت مدار ... چودر خانه زيد باشى بكار
چهـ قدر آورد بنده حورديس ... كه زير قبا دارد أندام پيس
قال منصور بن عمار رحمه الله كان لى أخ فى الله يعتقدنى ويزورنى فى شدتى ورخائى وكان كثير العبادة والتهجد والبكاء ففقدته أياما فقيل لى هو ضعيف مريض فاتيت بابه فطرقته فخرجت ابنته فدخلت فوجدته فى وسط الدار وهو مضطجع على فراشه وقد اسود وجهه وازرقت عيناه وغلظت شفتاه فقلت له يا أخي اكثر من قول لا اله الا الله ففتح عينيه ونظر الىّ شزرا ثم وثم حتى قلت له لئن لم تقلها لا غسلتك ولا كفتك ولا صليت عليك فقال يا أخي منصور هذه كلمة قد حيل بينى وبينها فقلت لا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم فاين تلك الصلاة والصيام والتهجد والقيام فقال يا أخي كل ذلك كان لغير وجه الله انما كنت افعل ذلك ليقال واذكر به وإذا خلوت بنفسي غلقت الأبواب وأرخيت الستور وبارزت ربى بالمعاصي
ور آوازه خواهى در إقليم فاش ... برون حله كن درون حشو باش
فلا غرور للعاقل بكثرة الأعمال والأولاد والأموال إذا لم تكن نيته صحيحة فيما يجرى عليه من الأحوال فاين الذين آثروا العقبى بل المولى على كل ما سواه فوجدوا الفقر أعز من الغنى والذل ألذ من العزة وبذلوا أموالهم وأرواحهم فى سبيل الله لعمرى قوم عزيز الوجود وقليل ما هم وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ ثم قال (يقول ابن آدم مالى وهل لك من مالك الا ما أكلت فافنيت او لبست فابليت او تصدقت فامضيت) قال عليه الصلاة والسلام (يا عائشة ان أردت اللحوق بي فليكفك من الدنيا كزاد الراكب وإياك ومجالسة الأغنياء ولا تستخلقى ثوبا حتى ترقعيه) وقال عليه السلام (اللهم من أحبني فارزقه العفاف والكفاف ومن ابغضنى فاكثر ماله وولده) فقد وقفت ايها العبد على حقيقة الحال وان المال لا يغنى عن المرء شيأ فعليك بالقناعة وتقليل الدنيا ولا تغتر باصحاب الأموال والجاه
از پى ذكر وشوق حق ما را ... در دو عالم دل وزبانى بس
وز طعام ولباس اهل جهان ... كهنه دلقى ونيم نانى بس(2/84)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا نزلت فى قوم من المؤمنين كانوا يواصلون المنافقين فنهاهم الله عن ذلك بقوله لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً بطانة الرجل صاحب وليجته من يعرف أسراره ثقة به شبه ببطانة الثوب التي تلى بطنه كما شبه بالشعار قال عليه السلام (الابصار شعار والناس دثار) مِنْ دُونِكُمْ اى من دون المسلمين متعلق بلا تتخذوا لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا يقال ألا فى الأمر إذا قصر فيه ثم استعمل معدى الى مفعولين فى قولهم لا آلوك نصحا على تضمين معنى المنع اى لا أمنعك نصحا والخبال الفساد اى لا يقصرون لكم فى الفساد بالمكر والخديعة ولا يتركون جهدهم فيما يورثكم الشر وَدُّوا ما عَنِتُّمْ اى تمنوا عنتكم اى مشقتكم وشدة ضرركم فى دينكم ودنياكم والفرق بين الجملة الاولى وبين هذه ان معناهما انهم لا يقصرون ضررا فى امور دينكم ودنياكم فان عجزوا عن ذلك فحب ذلك وتمنيه غير زائل من قلوبهم قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ البغضاء شدة البغض اى قد ظهرت علامة العداوة فى كلامهم الخارج من أفواههم لما انهم لا يتمالكون مع مبالغتهم فى ضبط أنفسهم وتحاملهم عليها ان ينفلت من ألسنتهم ما يعلم به بغضهم للمسلمين وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ مما بدا لان بدوه ليس عن روية واختيار قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ الدالة على وجوب الإخلاص فى الدين وموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ما بينا لكم فتعملون به والظاهر ان الجمل من قوله لا يألونكم الى هنا تكون مستأنفات على وجه التعليل للنهى عن اتخاذهم بطانة ها أَنْتُمْ أُولاءِ اى أنتم ايها المؤمنون أولاء المخطئون فى موالاتهم تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ لما بينكم من مخالفة الدين وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ اى بجنس الكتاب جميعا وهو حال من الضمير المفعول فى لا يحبونكم والمعنى لا يحبونكم والحال انكم تؤمنون بكتابهم فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بكتابكم وفيه توبيخ بانهم فى باطلهم أصلب منكم فى حقكم وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا نفاقا وَإِذا خَلَوْا فكان بعضهم مكان بعض عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ اى من اجله تأسفا وتحسرا حيث لم يجدوا الى التشفي سبيلا. والأنامل جمع انملة بضم الميم وهو الطرف الأعلى من الإصبع. والغيظ شدة الغضب. قال الامام والمعنى انه إذا خلا بعضهم ببعض أظهروا شدة الغيظ على المؤمنين حتى تبلغ تلك الشدة الى عض الأنامل كما يفعل ذلك أحدنا إذا اشتد غيظه وعظم حزنه على فوات مطلوبه ولما كثر هذا الفعل من الغضبان صار ذلك كناية عن الغضب حتى يقال فى الغضبان انه يعض يده غيظا وان لم يكن هناك عض وانما حصل لهم هذا الغيظ الشديد لما رأوا من ائتلاف المؤمنين واجتماع كلمتهم وصلاح ذات بينهم قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ دعاء عليهم بدوام الغيظ وزيادته بتضاعف قوة الإسلام واهله الى ان يهلكوا به او باشتداده الى ان يهلكهم فالمراد اللعن والطرد لا على وجه الإيجاب والا لماتوا من ساعتهم إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ اى قل لهم ان الله عليم بعداوة الصدور فيعلم ما فى صدوركم من البغضاء والحنق إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ اى تصبكم ايها المؤمنون حسنة بظهوركم على عدو لكم وغنيمة تنالونها وتتابع الناس فى الدخول فى دينكم وخصب فى معاشكم تَسُؤْهُمْ اى تحزنهم حسدا الى ما نلتم من خير ومنفعة وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ مساءة باخفاق سرية لكم او إصابة عدو منكم(2/85)
او اختلاف يكون بينكم او جدب ونكبة يَفْرَحُوا بِها يشمتون مما أصابكم من ضرر وشدة وذكر المس مع الحسنة والاصابة مع السيئة للايذان بان مدار مساءتهم ادنى مراتب إصابة الحسنة ومناط فرحهم تمام إصابة السيئة وَإِنْ تَصْبِرُوا على عداوتهم او على مشاق التكاليف وَتَتَّقُوا ما حرم الله عليكم ونهاكم عنه لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ مكرهم وحيلتهم التي دبروها لاجلكم. والكيد حيلة لطيفة تقرب وقوع المكيد به فيها شَيْئاً نصب على المصدرية اى لا يضركم شيأ من الضرر بفضل الله وحفظه الموعود للصابرين والمتقين ولان المجد فى الأمر المتدرب بالاتقاء والصبر يكون جريئا على الخصم إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ فى عداوتكم من الكيد مُحِيطٌ علما فيعاقبهم على ذلك. والإحاطة ادراك الشيء بكماله. فينبغى للمرء ان يجانب اعداء الله ويصبر على اذاهم فانه امتحان له من الله مع انهم لا يقدرون على غير القدح باللسان كما قال تعالى لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً والطعن لم يتخلص منه
الأنبياء والأولياء فكيف أنت يا رجل وكلنا ذلك الرجل
تو روى از پرستيدن حق مپيچ ... مهل تا نگيرند خلقت بهيچ
رهايى نيابد كس از دست كس ... گرفتار را چاره صبرست وبس
وفى قوله تعالى لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ اشارة الى ان الحامل لاسرار الرجل ينبغى ان يكون من جنسه معتمدا عليه مؤتمنا وربما يفشى الرجل سره الى من لم يجربه فى كل حاله فيفتضح عند الناس
ان الرجال صناديق مقفلة ... وما مفاتيحها الا التجاريب
فلا تغتر بظاهر انسان حتى تعرف سريرته. قال الامام الغزالي ولا تعول على مودة من لم تختبره حق الخبرة بان تصحبه مدة فى دار أو موضع واحد فتجربه فى عزله وولايته وغناه وفقره او تسافر معه او تعامله فى الدينار والدرهم او تقع فى شدة فتحتاج اليه فان رضيته فى هذه الأحوال فاتخذه أبالك ان كان كبيرا او ابنا ان كان صغيرا او أخا ان كان مثلا لك وإذا بلغك من الاخوان غيبة او رأيت منهم شرا او أصابك منهم ما يسوءك فكل أمرهم الى الله ولا تشغل نفسك بالمكافاة فيزيد الضرر ويضيع العمر لشغله. ومن بلاغات الزمخشري ما قدع السفيه بمثل الاعراض وما اطلق عنانه بمثل العراض اى المعارضة: ونعم ما قيل
اصبر على مضض الحسو ... د فان صبرك قاتله
والنار تأكل نفسها ... ان لم تجد ما تأكله
فالمجاملة من سير الصالحين. وكان ابراهيم بن أدهم فى جماعة من أصحابه فكان يعمل بالنهار وينفق عليهم ويجتمعون بالليل فى موضع وهم صيام فكان يبطئ فى الرجوع من العمل فقالوا ليلة تعالوا بنا نجعل فطورنا دونه حتى يعود بعد هذا اسرع فأفطروا وناموا فلما رجع ابراهيم وجدهم نياما فقال مساكين لعلهم لم يكن لهم طعام فعمد الى شىء من الدقيق هناك فعجنه وأوقد النار وطرح الملة فانتبهوا وهو ينفخ فى النار واضعا محاسنه على التراب فقالوا له فى ذلك فقال قلت لعلكم لم تجدوا فطورا فنمتم فاحببت ان تستيقظوا والملة قد أدركت فقال بعضهم لبعض ابصروا أي شىء عملنا وما الذي به يعاملنا
بدى را بدى سهل باشد جزا ... اگر مردى احسن الى من أساء(2/86)
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)
قال ذو النون رحمه الله لا تصحب مع الله الا بالموافقة ولا مع الخلق الا بالمناصحة ولا مع النفس الا بالمخالفة ولا مع الشيطان الا بالعداوة فليسارع العبد الى تحصيل حسن الخلق وتوطين النفس على الصبر على المكاره حتى يفوز مع الفائزين. قال بعضهم كنت بمكة فرأيت فقير أطاف بالبيت واخرج من جيبه رفعة ونظر فيها ومر فلما كان بالغد فعل مثل ذلك فترقبته أياما وهو يفعل مثله فيوما من الأيام طاف ونظر فى الرقعة وتباعد قليلا وسقط ميتا فأخرجت الرقعة من جيبه وإذا فيها واصبر لحكم ربك فانك بأعيننا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وصيته لابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان استطعت ان تعمل لله بالرضى فى اليقين فافعل والا ففى الصبر على ما تكره خير كثير ومقاساة المجاهدات ومخالفة النفس وترك الشهوات واللذات والتزام الفقر والصبر على المكروهات من ديدن السلف الصالحين واهل النفس الامارة وان كان يبدو من فمه علامات البغض لأمثال هؤلاء الأخيار لكنه فى الحقيقة يعود ضرره الى نفسه والمرء بالصبر على ما جاء به من مكاره اعتراضه الفاسد يكون مأجورا ومثابا عند الله تعالى وتباين الناس بالصلاح والفساد وغير ذلك خير محض يعتبره العاقل ويزكى نفسه به فيا أيها الصلحاء ان الأشرار متسلطون على الأخيار بالطعن وقصد الإضرار ولكن المتقى فى حصن الله الملك الجبار وَإِذْ غَدَوْتَ اى اذكر لهم يا محمد وقت خروجك غدوة اى أول النهار الى أحد ليتذكروا ما وقع فيه من الأحوال الناشئة عن عدم الصبر فيعلموا انهم ان لزموا الصبر والتقوى لا يضرهم كيد الكفرة مِنْ أَهْلِكَ من منزل عائشة رضى الله عنها فى المدينة وهذا نص على ان عائشة رضى الله عنها كانت أهلا للنبى صلى الله عليه وسلم قال تعالى الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ فدل هذا على انها كانت مطهرة مبرأة من كل قبيح ألا يرى ان ولد نوح لما كان كافرا قال إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ وكذا امرأة لوط تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ اى تنزلهم مَقاعِدَ كائنة ومهيئة لِلْقِتالِ او متعلق بقوله تبوئ اى لاجل القتال. والمقاعد جمع مقعد وهو اسم لمكان القعود عبر عن تلك الأماكن التي عينت لكل واحد من الصحابة ان يبيت فى ما عين له من تلك الأماكن اما بان يتسع فى استعمال القعود لمجرد المكان مع قطع النظر عن كونه مكان القعود كما فى قوله تعالى فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ واما لان كل مكان انما عين لصاحبه لان يقعد وينتظر فيه الى ان يجيئ العدو فيقوموا عند الحاجة الى المحاربة فسميت تلك الأماكن بالمقاعد لهذا الوجه- روى- ان المشركين نزلوا بأحد يوم الأربعاء فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ودعا عبد الله بن ابى بن سلول ولم يكن دعاه قبل ذلك فاستشاره فقال عبد الله واكثر الأنصار يا رسول الله أقم بالمدينة ولا تخرج إليهم فو الله ما خرجنا منها الى عدو قط الا أصاب منا ولا دخلها علينا الا أصبنا منه فكيف وأنت فينا فدعهم فان أقاموا أقاموا بشر محبس وان دخلوا قاتلهم الرجال فى وجوههم ورماهم الصبيان والنساء بالحجارة وان رجعوا رجعوا خائبين وقال بعضهم يا رسول الله اخرج بنا الى هؤلاء الا كلب لا يرون انا قد جبنا عنهم وقال عليه السلام (انى رأيت فى منامى بقرا مذبحة حولى) اى قطيعا منها (فاولتها خيرا ورأيت فى ذبان سيفى ثلما) اى كسرا (فاولته هزيمة ورأيت كأنى ادخلت يدى فى درع حصينة فاولتها المدينة فان رأيتم ان تقيموا بالمدينة وتدعوهم) فقال رجال(2/87)
من المسلمين قد فاتتهم بدر وأكرمهم الله بالشهادة يوم أحد اخرج بنا الى أعدائنا طلبا لسعادة الشهادة وطمعا فى الحسنى والزيادة فلم يزالوا به عليه الصلاة والسلام حتى دخل ولبس لامته اى درعه فلما رأوا ذلك ندموا وقالوا بئسما صنعنا نشين على رسول الله والوحى يأتيه وقالوا اصنع يا رسول الله ما رأيت فقال (ما ينبغى لنبى ان يلبس لامته فيضعها حتى يقاتل) وكان قد اقام المشركون بأحد يوم الأربعاء والخميس فخرج رسول الله عليه الصلاة والسلام يوم الجمعة بعد ما صلى الجمعة وصلى على رجل من الأنصار مات فيه فاصبح بالشعب من أحد يوم السبت للنصف من شوال سنة ثلاث من الهجرة فمشى على
راحلته فجعل يصف أصحابه للقتال كانما يقوم بهم القدح ان رأى صدرا خارجا قال تأخر وكان نزوله فى عدوة الوادي اى طرفه وجانبه وجعل ظهره وعسكره الى أحد وامر عبد الله بن جبير على الرماة وقال لهم (انضحوا عنا بالنبل) اى ادفعوا العدو عنا بالسهم حتى لا يأتونا من ورائنا (ولا تبرحوا مكانكم فاذا عاينوكم وولوكم الأدبار فلا تطلبوا المدبرين) ثم ان الرسول صلى الله عليه وسلم لما خالف رأى عبد الله بن ابى وكان من قدماء اهل المدينة ورئيس المنافقين شق عليه ذلك وقال أطاع الولدان وعصانى ثم قال لاصحابه ان محمدا انما يظفر بعدوه بكم وقد وعد أصحابه ان أعداءهم إذا عاينوهم انهزموا فاذا رأيتم أعداءهم فانهزموا فسيتبعونكم ويصير الأمر على خلاف ما قاله محمد عليه الصلاة والسلام فلما التقى الفريقان انهزم عبد الله بالمنافقين وكان عليه السلام قد خرج فى الف رجل او تسعمائة وخمسين رجلا فلما بلغوا الشوط رجع ابن أبيّ بثلاثمائة وبقيت سبعمائة فقال لقومه يا قوم علام نقتل أنفسنا وأولادنا فتبعهم ابو جابر السلمى وقال أنشدكم الله فى نبيكم وأنفسكم فقال عبد الله لو نعلم قتالا لا تبعناكم وكان الحيان من الأنصار بنوا سلمة من الخزرج وبنوا حارثة من الأوس جناحى عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما باتباع عبد الله فعصمهم الله فمضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقواهم الله تعالى حتى هزموا المشركين فلما رأى المؤمنون انهزام القوم طمعوا ان تكون هذه الواقعة كواقعة بدر فطلبوا المدبرين فتركوا الموضع الذي أمرهم النبي عليه السلام بالثبات فيه ثم اشتغلوا بطلب الغنائم وخالفوا امر الرسول صلى الله عليه وسلم فاراد الله ان يفطمهم عن هذا الفعل لئلا يقدموا على مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم وليعلموا ان ظفرهم انما حصل يوم بدر ببركة طاعتهم لله ولرسوله ومتى تركهم الله مع عدوهم لم يقوموا لهم فنزع الله الرعب من قلوب المشركين وكانوا ثلاثة آلاف رجل فحملوا على المؤمنين وتفرق العسكر عن رسول الله عليه السلام حتى بقي معه سبعة من الأنصار ورجلان من قريش فلما قصد الكفار النبي عليه الصلاة والسلام شجوا رأسه وكسروا رباعيته وثبت معه عليه السلام يومئذ طلحة ووقاه بيده فشلت إصبعاه وصار مجروحا فى اربعة وعشرين موضعا ولما أصابه عليه السلام ما أصاب من الشجة وكسر الرباعية وغلب عليه الغشي احتمله طلحة ورجع القهقرى وكلما أدركه واحد من المشركين كان يضعه عليه السلام ويقاتله حتى أوصله الى الصحة وكان عليه السلام يقول (أوجب طلحة) ووقعت الصيحة فى العسكر ان محمدا قد قتل وكان فى جملة الصحابة رجل من الأنصار يكنى أبا سفيان نادى الأنصار وقال هذا رسول الله(2/88)
إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)
فرجع اليه المهاجرون والأنصار فشمل عز الشهادة اثنين وسبعين من المؤمنين واختص بشرائف نعم الله وجلائل كرمه حمزة سيد الشهداء وهنيئاله ان مثل به إذ مثل به وكثر فيهم الجراح فقال عليه الصلاة والسلام (رحم الله رجلا ذب عن إخوانه وشد على المشركين بمن معه حتى كشفهم عن القتلى والجرحى واعانهم الله حتى هزموا الكفار) ثم ان كل ذلك يؤكد قوله تعالى وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وان المقبل من أعانه الله والمدبر من خذله الله ومن الله العصمة وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ لما شاور النبي عليه السلام أصحابه فى ذلك الحرب وقال بعضهم أقم بالمدينة وقال آخرون اخرج إليهم وكان لكل أحد غرض فى قوله فمن موافق ومن منافق قال تعالى انا سميع لما يقولون عليم بما يسرون إِذْ هَمَّتْ بدل من إذ غدوت مبين لما هو المقصود بالتذكير. والهم تعلق الخاطر بما له قدر طائِفَتانِ مِنْكُمْ ايها المؤمنون وهما بنوا سلمة من الخزرج وبنوا حارثة من الأوس أَنْ تَفْشَلا اى بان تجبنا وتضعفا وترجعا لظنهما الصواب فيه. والفشل الضعف والظاهر ان همهما ليس بمعنى العزم والقصد المصمم وانما هو خطرات وحديث نفس كمالا تخلو النفس عند الشدائد من بعض الهلع ثم يردها صاحبها الى الثبات والصبر ويوطنها على احتمال المكروه وَاللَّهُ وَلِيُّهُما اى عاصمهما من اتباع تلك الخطرات والجملة اعتراض وَعَلَى اللَّهِ وحده دون ما عداه مطلقا استقلالا واشتراكا فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ فى جميع أمورهم فانه حسبهم وفيه اشعار بان وصف الايمان من دواعى التوكل وموجباته والتوكل الاعتماد على الغير واظهار العجز. قال الامام وفى الآية اشارة الى انه ينبغى ان يدفع الإنسان ما يعرض له من مكروه وآفة بالتوكل على الله وان يصرف الجزع عن نفسه بذلك التوكل. قال سهل بن عبد الله التستري جملة العلوم ادنى باب من التعبد وجملة التعبد ادنى باب من الورع وجملة الورع ادنى باب من الزهد وجملة الزهد ادنى باب من التوكل. وقال ايضا علامة المتوكل ثلاث لا يسأل ولا يرد ولا يحبس. وكان ابراهيم الخواص رحمه الله مجردا في التوكل وكان لا يفارقه ابرة وخيوط وركوة ومقراض فقيل له يا أبا اسحق لم تحمل هذا وأنت ممتنع من كل شىء فقال مثل هذا لا ينقص التوكل لان لله علينا فرائض والفقير لا يكون عليه غير ثوب واحد فربما يتمزق ثوبه فاذا لم يكن معه ابرة وخيوط تبدو عورته فتفسد عليه صلاته. قال ابو حمزة الخراسانى حججت سنة من السنين فبينما انا امشى فى الطريق إذ وقعت فى بئر فنازعتنى نفسى ان استغيث فقلت لا والله لا استغيث فما استتممت هذا الخاطر حتى مر برأس البئر رجلان فقال أحدهما للآخر تعال حتى نسدّ رأس هذه البئر لئلا يقع فيها أحد فاتوا بقصب وطمسوا البئر فهممت ان اصيح ثم قلت فى نفسى أشكو الى من هو اقرب منهما فسكت فبينما انا بعد ساعة اذانا بشىء قد جاء وكشف عن رأس البئر وادخل رجله وكأنه يقول لى تعلق بي فى هينمة له كنت اعرف ذلك منها فتعلقت به فاخرجنى فاذا هو سبع فمر وهتف بي هاتف يا أبا حمزة أليس هذا احسن نجيناك من التلف بالتلف فمشيت. قال بعضهم من وقع فى ميدان التفويض يزف اليه المراد كما تزف العروس الى أهلها. ولما زج بإبراهيم عليه السلام فى المنجنيق وأتاه جبريل فقال ألك حاجة قال اما إليك فلا واما الى الله فبلى قال سله قال حسبى من سؤالى علمه بحالي وقد(2/89)
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)
قال نبينا عليه السلام (يقول الله تعالى فمن شغله ذكرى عن مسألتى أعطيته أفضل ما اعطى السائلين) فعلى السالك ان يتوكل على الله ويفوض امره اليه فان كل ما قضى وقدر لا يرد البتة وان تعدت نفسك فى ذلك
قضا كشتى آنجا كه خواهد برد ... وگر ناخدا جامه بر تن درد
يكفيك علم الله بحالك فاقطع نظرك عن الأسباب والفتح ليس إلا من مفتح الأبواب
مكن سعديا ديده بر دست كس ... كه بخشنده پروردگارست وبس
اگر حق پرستى ز درها بسست ... كه كروى بداند نخواند كسست
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ تذكير ببعض ما أفادهم التوكل. وبدر بئر ماء بين مكة والمدينة حافرها رجل اسمه بدر فسمى به وكانت وقعة بدر فى السابع عشر من شهر رمضان سنة اثنتين من الهجرة وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ حال من الضمير جمع ذليل وانما قال اذلة ولم يقل ذلائل بجمع الكثرة ليدل على انهم على ذلتهم كانوا قليلا وذلتهم ما كان بهم من ضعف الحال وقلة السلاح والمال والمركوب وذلك انهم خرجوا على النواضح يعتقب النفر منهم على البعير الواحد وما كان معهم إلا فرس واحد للمقداد بن الأسود وهو أول من قاتل على فرس فى سبيل الله وتسعون بعير اوست ادرع وثمانية سيوف وقلتهم انهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ستة وسبعون من المهاجرين وبقيتهم من الأنصار وكان عدوهم فى حال كثرة زهاء الف مقاتل ومعهم مائة فرس والشكة والشوكة وكان صاحب راية رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على بن ابى طالب رضى الله عنه وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة رضى الله عنه فَاتَّقُوا اللَّهَ فى الثبات مع رسوله كما اتقيتم يومئذ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ اى راجين ان تشكروا بما ينعم به عليكم بتقواكم من النصرة إِذْ تَقُولُ ظرف لنصركم وقت قولك لِلْمُؤْمِنِينَ حين أظهروا العجز عن المقاتلة أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ الكفاية سد الخلة والقيام بالأمر. والامداد اعانة الجيش بالجيش والمعنى انكار عدم كفاية الامداد بذلك المقدار ونفيه وكلمة ان للاشعار بانهم كانوا حينئذ كالآيسين من النصر لضعفهم وقلتهم وقوة العدو وكثرته مُنْزَلِينَ اى حال كونهم نازلين من السماء باذنه تعالى. قيل أمدهم الله اولا بألف ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم خمسة وانما قدم لهم الوعد بنزول الملائكة لتتقوى قلوبهم ويعزموا على الثبات ويتقووا بنصر الله بَلى إيجاب لما بعد ان وتحقيق له اى بلى يكفيكم ذلك ثم وعدهم الزيادة بشرط الصبر والتقوى حثالهم عليهما وتقوية لقلوبهم فقال إِنْ تَصْبِرُوا على لقاء العدو ومناهضتهم وَتَتَّقُوا معصية الله ومخالفة نبيه صلى الله عليه وسلم وَيَأْتُوكُمْ اى ان يجيئكم المشركون مِنْ فَوْرِهِمْ هذا اى من ساعتهم هذه يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ فى حال إتيانهم لا يتأخر نزولهم عن إتيانهم يريد ان الله يعجل نصرتكم ويسهل فتحكم ان صبرتم واتقيتم مُسَوِّمِينَ من التسويم الذي هو اظهار سيما الشيء اى معلمين أنفسهم او خيلهم فى أذنابها ونواصيها بالصوف الأبيض قال عليه السلام (لاصحابه تسوموا فان الملائكة قد تسومت) - روى- ان الملائكة كانوا بعمائم بيض الا جبريل عليه السلام فانه كان(2/90)
وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)
بعمامة صفراء على مثال الزبير بن العوام ونزلوا على الخيل البلق موافقة لفرس المقداد وإكراما له وَما جَعَلَهُ اللَّهُ عطف على مقدر اى فامدكم به وما جعل الله ذلك الامداد بانزال الملائكة عيانا بشىء من الأشياء إِلَّا بُشْرى لَكُمْ بانكم تنصرون وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ اى بالامداد وتسكن اليه من الخوف كما كانت السكينة لبنى إسرائيل وَمَا النَّصْرُ إِلَّا كائن مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لا من العدة والعدد وهو تنبيه على انه لا حاجة فى نصرهم الى مدد وانما أمدهم بشارة لهم وربطا على قلوبهم من حيث ان نظر العامة الى الأسباب اكثر فينبغى للمؤمن ان لا يركن الى شىء من ذلك فان ترتب النصر عليها ليس الا بطريق جرى العادة الْعَزِيزِ الذي لا يغالب فى حكمه وقضيته الْحَكِيمِ الذي يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة لِيَقْطَعَ متعلق بنصركم اى نصركم الله يوم بدر ليهلك وينقص طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا اى طائفة منهم بقتل واسر وقد وقع ذلك حيث قتل من رؤسائهم وصناديدهم سبعون واسر سبعون أَوْ يَكْبِتَهُمْ اى يخزيهم ويغيظهم بالهزيمة فان الكبت شدة غيظ او وهن يقع فى القلب من كبته بمعنى كبده إذا ضرب كبده بالغيظ والحرقة واو للتنويع دون الترديد فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ غير ظافرين بمبتغاهم وينهزموا منقطعى الآمال. والخيبة هو الحرمان من المطلوب والفرق بينهما وبين اليأس ان الخيبة لا تكون الا بعد التوقع واما اليأس فانه قد يكون بعد التوقع وقبله فنقيض اليأس الرجاء ونقيض الخيبة الظفر لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ اعتراض أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ عطف على قوله او يكبتهم والمعنى ان الله مالك أمرهم على الإطلاق فاما ان يهلكهم او يكبتهم او يتوب عليهم ان اسلموا او يعذبهم تعذيبا شديدا أخرويا ان أصروا وليس لك من أمرهم شىء وانما أنت عبد مأمور لانذارهم وجهادهم فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ قد استحقوا التعذيب بظلمهم وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ من الموجودات خلقا وملكا لا مدخل فيه لاحد أصلا فله الأمر كله يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ ان يغفر له مشيئة مبنية على الحكم والمصالح وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ان يعذبه وقدم المغفرة لسبق رحمته تعالى غضبه وهذا صريح فى نفى وجوب التعذيب والتقييد بالتوبة وعدمها كالمنافى له وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لعباده والمقصود بيان انه وان حسن كل ذلك منه الا ان جانب الرحمة والمغفرة غالب لا على سبيل الوجوب بل على سبيل الفضل والإحسان. فليبادر العاقل الى الأعمال التي يستوجب بها رحمة الله تعالى ولا ييأس من روح الله انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون. اوحى الله تعالى الى داود عليه السلام [يا داود بشر المذنبين وانذر الصديقين] قال يا رب فكيف ابشر المذنبين وانذر الصديقين قال [بشر المذنبين بانى لا يتعاظمنى ذنب الا اغفره وانذر الصديقين ان لا يعجبوا بأعمالهم وانى لا أضع عدلى وحسابى على أحد الا أهلكه] وروى عن عمر رضى الله تعالى عنه انه دخل على النبي عليه السلام فوجده يبكى فقال ما يبكيك يا رسول الله قال (جاءنى جبريل فقال ان الله يستحيى ان يعذب أحدا قد شاب فى الإسلام فكيف لا يستحيى من شاب فى الإسلام ان يعصى الله) فالواجب على الشيخ ان يعرف هذه الكرامة ويشكر الله ويستحيى منه ومن(2/91)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)
الكرام الكاتبين ويمتنع من المعاصي ويكون مقبلا على طاعة ربه فانه فى ساحل بحر المنون- روى- ان الحجاج لما اقام بالعراق يرهب ويفتك حتى استوثقت له الأمور خرج عليه عبد الرحمن بن الأشعث باهل العراق فامده عبد الملك باهل الشام فكانوا شيعته واستمرت بينه وبين ابن الأشعث الوقائع حتى هزمه الحجاج بدير الجماجم بعد ثمانين وقعة فى ستة أشهر وكان مع ابن الأشعث اكثر من مائتى الف فلما هزموا قال الحجاج لاصحابه اتركوهم فليتبددوا ولا تتبعوهم ثم نادى مناديه من رجع فهو آمن ودخل الكوفة وجاء الناس من المنهزمين يبايعونه فكان يقول لمن جاء يبايعه اشهد على نفسك بالكفر وخروجك عن الجماعة ثم تب فان شهد والا قتله فاتاه رجل من خثعم فقال اشهد على نفسك بالكفر فقال ان كنت عبدت ربى ثمانين سنة ثم اشهد على نفسى بالكفر لبئس العبد انا والله ما بقي من عمرى إلا ظمئ حمار واننى انتظر الموت صباحا ومساء فامر به فضرب عنقه وقدم بعده شيخ فقال الحجاج ما أظن الشيخ يشهد على نفسه بالكفر فقال يا حجاج أخادعي أنت عن نفسى انا اعرف بها منك وانى لأكفر من فرعون وهامان فضحك الحجاج وخلى سبيله فانظر الى ضعف إيمانه كيف ارتكب هذا القبح بعد ما جاوز حد الشباب الذي ليس بعده الا انتظار الموت صباحا ومساء من إقراره بالكفر مع غاية شيبه ومن لم تتداركه العناية الازلية لم يجئ منه شىء. فعلى السالك ان يطمئن قلبه بالايمان ويجتهد الى ان يصل الى قوة اليقين ومن قوة اليقين التوحيد وهو ان يرى الأشياء كلها من مسبب الأسباب ويرى الوسائط مسخرة لحكمه ولا ريب ان قوة اليقين بتصفية القلب عن كدورات النفس
چو پاك آفريدت بهش باش پاك ... كه ننكست نا پاك رفتن بخاك
پياپى بيفشان از آيينه كرد ... كه صيقل نكيرد چو ژنكار خورد
وجلاء القلب انما يحصل بذكر الله وتلاوة القرآن والصلاة على النبي عليه السلام وخير الاذكار كلمة التوحيد وهى العروة الوثقى. قال ابراهيم الخواص قدس سره دواء القلب خمسة. تلاوة القرآن بالتدبر. وخلاء البطن. وقيام الليل. والتضرع الى الله تعالى عند السحر. ومجالسة الصالحين. فعليك بالمواظبة لهذه الخصال لعلك تصل الى التزكية ودرجة الكمال بعون الله الملك العزيز المتعال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا والمراد باكله اخذه وانما عبر عنه بالأكل لانه معظم ما يقصد بالأخذ ولشيوعه فى المأكولات مع ما فيه من زيادة التشنيع أَضْعافاً مُضاعَفَةً زيادات مكررة كان الرجل فى الجاهلية إذا كان له على انسان مائة درهم الى أجل ولم يكن المديون واجدا لذلك المال قال زدنى فى المال حتى أزيد فى الاجل فربما جعله مائتين ثم إذا حل الاجل الثاني فعل مثل ذلك ثم الى آجال كثيرة فيأخذ بسبب تلك المائة اضعافها. وأضعافا جمع ضعف حال من الربا اى متضاعفا ولما كان جمع قلة والمقصود الكثرة اتبعه بما يدل على الكثرة حيث وصفه بقوله مضاعفة وهى اسم مفعول لا مصدر وهذه الحال ليست لتقييد النهى بها حيث تنتفى الحرمة عند انتفائها بل لمراعاة ما كانوا عليه من العادة توبيخا لهم على ذلك وَاتَّقُوا اللَّهَ فيما نهيتم عنه خصوصا الربا وعمله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(2/92)
وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)
راجين الفلاح وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ بالتحرز عن متابعتهم وتعاطى ما يتعاطونه وفيه تنبيه على ان النار بالذات معدة للكفار وبالعرض للعصاة. وكان ابو حنيفة رحمه الله يقول هى أخوف آية فى القرآن حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين ان لم يتقوه فى اصناف محارمه وَأَطِيعُوا اللَّهَ فى كل ما أمركم به ونهاكم عنه وَالرَّسُولَ الذي يبلغكم أوامره ونواهيه لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ راجين لرحمته ولعل وعسى فى أمثال ذلك دليل عزة التوصل الى ما جعل خبرا له. قال القاشاني ولا يخفى على الفطن ما فيه من المبالغة فى التهديد على الربا حيث اتى بلعل فى فلاح من اتقاه واجتنبه لان تعليق إمكان الفلاح ورجاءه بالاجتناب منه يستلزم امتناع الفلاح لهم إذا لم يجتنبوه ويتقوه مع ايمانهم. ثم أوعد عليه بالنار التي أعدت للكافرين مع كونهم مؤمنين فما أعظمها من مصيبة توجب عقاب الكفار للمؤمنين وما أشده من تغليظ عليه ثم أمد التغليظ بالأمر بطاعة الله رسوله تعريضا بان آكل الربا منهمك فى المعصية لا طاعة له ثم علق رجاء المؤمنين بطاعة الله ورسوله اشعارا بانه لا رجاء للرحمة مع هذا النوع من العصيان فهو يوجب اليأس من رحمته للمؤمنين لامتناعها لهم معه فانظر كيف درج التغليظ فى التهديد حتى الحقه بالكفار فى الجزاء والعقاب انتهى بعبارته. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لعن الله آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه والمحلل) والربا عبارة عن طلب الزيادة على المال على الوجه الذي نهى الله عنه وهو قسمان ربا النسيئة وربا الفضل. اما ربا النسيئة فهو ما كان يتعارفه اهل الجاهلية ويتعاملون به وقد سبق آنفا. واما ربا الفضل اى أخذ الفضل عند مقابلة الجنس بالجنس نقدا فهو ان يباع منّ من الحنطة بمنين منها وما أشبه ذلك وقد اتفق جمهور العلماء على تحريم الربا فى القسمين. واعلم ان الربا يؤدى الى الحرص على طلب الدنيا أضعافا مضاعفة الى ما لا يتناهى كما قال عليه الصلاة والسلام (لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب) والحرص درك من دركات النيران فلذا قال وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ
قناعت كن اى نفس بد اندكى ... كه سلطان ودرويش بينى يكى
فالحرص على الدنيا وسعيها وجمعها مذموم منهى عنه والبذل والإيثار وترك الدنيا والقناعة فيها محمود مأمور به يدل عليه قوله تعالى يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ فمن أخذ الربا لتكثير المال بلا احتياج كان كمن يقع على امه نعوذ بالله- روى- عن عبد الله بن سلام للربا اثنان وسبعون حوبا أصغرها كمن اتى امه فى الإسلام كذا فى تنبيه الغافلين. وإذا اخذه بوجه شرعى مع الاحتياج يجوز فى الفتوى ولكن التقوى فوق امر الفتوى والحيلة الشرعية فيه ذكرها قاضيخان حيث قال رجل له على رجل عشرة دراهم فاراد ان يجعلها ثلاثة عشر قالوا يشترى من المديون شيأ بتلك العشرة ويقبض المبيع ثم يبيعه من المديون بثلاثة عشر الى سنة فيقع التحرز عن الحرام ومثل هذا مروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا احتاج الى الاستقراض فاستقرض من رجل فلم يعطه الا بالربا فالاثم على آخذ الربا دون معطيه لان له فيه ضرورة وهذا إذا كان الآخذ غنيا كما عرفت فالمرء الصالح يتباعد عن مثل هذه(2/93)
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)
المعاملات فان الربا يضر بايمان المؤمنين وهو وان كان زيادة فى الحال لكنه نقصان فى الحقيقة فان الفقراء الذين يشاهدون ان المرابى يأخذ أموالهم بسبب الربا يلعنونه ويدعون عليه وذلك يكون سببا لزوال الخير والبركة عنه فى نفسه وماله بل عما يتفرع من نقص عرضه وقدره وتوجه مذمة الناس اليه وسقوط عدالته وزوال أمانته وفسق القلب وغلظته. وآخذ الربا لا يقبل الله منه صدقة ولا جهادا ولا حجا ولا صلاة وقد ثبت فى الحديث (ان الأغنياء يدخلون الجنة بعد الفقراء بخمسمائة عام) فاذا كان الغنى من الوجه الشرعي الحلال كذلك فما ظنك بالغنى من الوجه الحرام. فالانسان مع فقره وحاجته إذا توكل على الله واحسن الى عبيده فالله تعالى لا يتركه ضائعا جائعا. فى الدنيا بل يزيد كل يوم فى جاهه وذكره الجميل ويميل قلوب الناس اليه. واما إذا كان بخلاف ذلك فيكون امره عسيرا فى الدنيا والآخرة والعمل السوء ينزع به الايمان عند الموت فيستحق به صاحبه الخلود فى النار كالكفار نعوذ بالله من ذلك. وروى ابو بكر الوراق عن ابى حنيفة رحمه الله اكثر ما ينزع الايمان لاجل الذنوب من العبد عند الموت واسرعها نزعا للايمان ظلم العباد فاتق ايها المؤمن من الله ولا تظلم عباد الله بأخذ أموالهم من أيديهم بغير حق فانه حوب كبير عصمنا الله وإياكم من سوء الحال وَسارِعُوا اى بادروا واقبلوا إِلى مَغْفِرَةٍ كائنة مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ الى ما يستحقان به كالاسلام والتوبة والإخلاص وأداء الواجبات وترك المنهيات عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ اى كعرضهما صفة لجنة وذكر العرض للمبالغة فى وضعها بالسعة على طريقة التمثيل فان العرض فى العادة ادنى من الطول أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ اى هيئت لهم صفة اخرى لجنة. وفيه دليل على ان الجنة مخلوقة الآن وانها خارجة عن هذا العالم. اما الاول فلدلالة لفظ الماضي. واما الثاني فلأن ما يكون عرضه كعرض جميع هذا العالم لا يكون داخلا فيه- روى- ان رسول هرقل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انك تدعو الى جنة عرضها السموات والأرض فأين النار فقال عليه السلام (سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار) والمعنى والله اعلم إذا دار الفلك حصل النهار فى جانب من العالم والليل فى ضد ذلك الجانب فكذا الجنة فى جهة العلو والنار فى جهة السفل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ كل ما يصلح للانفاق وهو صفة مادحة للمتقين فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ اى فى حالتى الرخاء والشدة اى الغنى والفقر واليسر والعسر وفى الأحوال كلها إذا الإنسان لا يخلو عن مسرة او مضرة اى لا نحلون فى حال ما بانفاق ما قدروا عليه من قليل او كثير وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ عطف على الموصول والكظم الحبس والغيظ توقد حرارة القلب من الغضب اى الممسكين عليه الكافين عن إمضائه مع القدرة عليه وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ اى التاركين عقوبة من استحق مؤاخذته وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ الذين عمت فواضلهم وتمت فضائلهم. ولامه يصلح للجنس فيدخل تحته هؤلاء والعهد فتكون الاشارة إليهم. واعلم ان الإحسان الى الغير اما ان يكون بايصال النفع اليه او بدفع الضرر عنه. اما إيصال النفع اليه فهو المراد بقوله الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ويدخل فيه انفاق العلم وذلك بان يشتغل بتعليم الجاهلين وهداية الضالين. ويدخل فيه انفاق المال فى وجوه الخيرات والعبادات قال عليه الصلاة والسلام(2/94)
(السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار والبخيل بعيد من الله بعيد من الناس قريب من النار) واما دفع الضرر عن الغير فهو اما فى الدنيا وهو ان لا يشتغل بمقابلة تلك الاساءة بإساءة اخرى وهو المراد بكظم الغيظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا وايمانا) واما فى الآخرة وهو ان يبرئ ذمته من التبعات والمطالبات فى الآخرة وهو المراد بقوله وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ- روى- انه ينادى مناد يوم القيامة اين الذين كانت أجورهم على الله فلا يقوم الا من عفا وعن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (ان هؤلاء فى أمتي قليل الا من عصمه الله وقد كانوا كثيرا فى الأمم التي مضت) فهذه الآية دالة
على جميع جهات الإحسان الى الغير ولما كانت هذه الأمور الثلاثة مشتركة فى كونها إحسانا الى الغير ذكر ثوابها فقال وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ فان محبة الله العبد أعظم درجات الثواب. قال الفضيل بن عياض الإحسان بعد الإحسان مكافأة والاساءة بعد الاساءة مجازاة والإحسان بعد الاساءة كرم وجود والاساءة بعد الإحسان لؤم وشؤم- حكى- ان خادما كان قائما على رأس الحسن بن على رضى الله عنهما وهو مع أضيافه فى المائدة فانحرفت قصعة كانت فى يد الخادم فسقط منها شىء على الحسن فقال وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ قال قد عفوت عنك فقال وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ قال أنت حر لوجه الله وقد زوجتك فلانة فتاتى وعلىّ ما يصلحكما: قال الفاضل الجامى
جوانمردا جوانمردى بياموز ... ز مردان جهان مردى بياموز
درون از كين كين جويان نكه دار ... زبان از طعن بدگويان نكه دار
نكويى كن بآن كو با تو بد كرد ... كز ان بد رخنه در اقبال خود كرد
چوآيين نكو كارى كنى ساز ... نكردد جز بتو آن نكويى باز
فعلى العاقل ان يسارع الى العمل بالحسنات من الإحسان وانواع الخيرات سريعا قبل الفوات لان فى التأخير آفات
كنون وقت تخمست اگر پرورى ... كراميد دارى كه خرمن برى
يعنى ان كنت تأمل الجنة فاعبد ربك بانواع العبادات ما دمت فى الحياة فان الفرصة غنيمة والمتأخر عن السير الى الله مغبون قيل بيا ساقى كه فى التأخير آفات ومن أضاع عمره فى الهوى فلا يلحقه يوم القيامة الا الحسرة والندامة
بمايه توان اى پسر سود كرد ... چهـ سود آيد آنرا كه سرمايه خورد
والله تعالى خلق الإنسان لدخول الجنة ودرجاتها والنار ودركاتها ثم أرسل المرسلين مبشرين بالجنة ومنذرين بالنار وحث بالاتقاء والحذر عن النار كما قال وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ وحرض على المسارعة الى الجنة بقوله وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ اى سارعوا بقدم التقوى الى مقام من مقامات قرب ربكم وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ يعنى طولها فوق السموات والأرض. والاشارة فيه ان الوصول إليها بعد العبور من ملك السموات والأرض وهو المحسوسات التي تدركها الحواس الخمس والعبور عنها انما يكون بقدم التقوى الذي هو تزكية النفس عن الأخلاق الذميمة كما قال أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ فان قدم التقوى الذي يولج به فى عالم الملكوت هو التزكية(2/95)
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)
ويدل عليه ما قال عيسى عليه الصلاة والسلام [لن يلج ملكوت السموات والأرض من لم يولد مرتين] فالولادة الثانية هى الخروج عن الصفات الحيوانية بتزكية النفس عنها وولوج الملكوت وهو التحلية بالصفات الروحانية وقوله أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ اى هم مخصوصون بها ومراتبهم فى الدرجات العلى وهو بقدر تقوى النفوس وتزكيتها عصمنا الله وإياكم من الشرور والأوزار وشرفنا بمقامات الأبرار والأخيار وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً اى فعلة بالغة فى القبح كالزنى أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بان أذنبوا أي ذنب كان مما يؤاخذ به الإنسان او الفاحشة الكبيرة وظلم النفس الصغيرة ولعل الفاحشة ما يتعدى وظلم النفس ما ليس كذلك ذَكَرُوا اللَّهَ تذكروا حقه العظيم وجلاله الموجب للخشية والحياء او وعيده فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ بان يندموا على ما مضى مع العزم على ترك مثله فى المستقبل واما مجرد الاستغفار باللسان فلا اثر له فى ازالة الذنب وانما هو حظ اللسان من الاستغفار وهو توبة الكذابين وَمَنْ استفهام إنكاري اى لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ اى جنس الذنوب أحد إِلَّا اللَّهُ بدل من الضمير المستكن فى يغفر وهو اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه تصويبا للتائبين وتطبيبا لقلوبهم وبشارة لهم بوصف ذاته بسعة الرحمة وقرب المغفرة وإجلالا لهم وإعلاء لقدرهم بانهم علموا ان لا مفزع للمذنبين إلا فضله وكرمه وان من كرمه ان التائب من الذنب عنده كمن لا ذنب له وان العبد إذا التجأ اليه فى الاعتذار والتنصل بأقصى ما يقدر عليه عفا عنه وتجاوز عن الذنوب وان جلت فان عفوه أجل وكرمه أعظم وتحريضا للعباد على التوبة وبعثا عليها وعلى الرجاء وردعا عن اليأس والقنوط وَلَمْ يُصِرُّوا عطف على فاستغفروا اى لم يقيموا عَلى ما فَعَلُوا من الذنوب فاحشة كانت او ظلما غير مستغفرين لقوله عليه السلام (ما أصر من استغفر وان عاد فى اليوم سبعين مرة) و (لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار) اى الصغيرة مع الإصرار كبيرة وَهُمْ يَعْلَمُونَ حال من فاعل يصروا اى لم يصروا على ما فعلوا وهم عالمون بقبحه وبالنهى عنه والوعيد عليه والتقييد بذلك لما انه قد يعذر من لا يعلم ذلك إذا لم يكن عن تقصير فى تحصيل العلم به أُولئِكَ اى اهل هذه الصفات جَزاؤُهُمْ اى ثوابهم مَغْفِرَةٌ كائنة مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها اى لهم ذخر لا يبخس واجر لا يوكس وجنات لا تنقضى ولذات لا تمضى وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ المخصوص بالمدح محذوف اى ونعم اجر العاملين ذلك اى ما ذكر من المغفرة والجنات والتعبير عنهما بالأجر المشعر بانهما تستحقان بمقابلة العمل وان كان بطريق التفضل لمزيد الترغيب فى الطاعات والزجر عن المعاصي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك قال (ابن آدم انك ما دعوتنى ورجوتنى غفرت لك ما كان منك. ابن آدم انك ان تلقنى بقراب الأرض خطايا لقيتك بقرابها مغفرة بعد أن لا تشرك بي شيأ. ابن آدم انك ان تذنب حتى يبلغ ذنبك عنان السماء ثم تستغفرنى اغفر لك) قال ثابت البناني بلغني ان إبليس بكى حين نزلت هذه الآية وهى قوله وَالَّذِينَ الآية وقال صلى الله عليه وسلم (ما من عبد يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقوم ويصلى ثم يستغفر الله إلا غفر الله له) - روى- ان الله تعالى اوحى الى موسى عليه السلام [ما اقل حياء من يطمع فى جنتى(2/96)
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)
بغير عمل يا موسى كيف أجود برحمتي على من يبخل بطاعتي] . وعن شهر بن حوشب طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور وارتجاء الرحمة ممن لا يطاع حمق وجهالة. وعن رابعة البصرية انها كانت تنشد
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ... ان السفينة لا تجرى على اليبس
قال القشيري رحمه الله اوحى الله سبحانه الى موسى عليه السلام [قل للظلمة حتى لا يذكرونى فانى أوجبت ان اذكر من يذكرنى وذكرى للظلمة باللعنة] . واعلم ان العمدة هى الايمان وذلك انما يحصل بالتوحيد المنافى للشرك وهو المؤدى الى التوبة والاستغفار ولكونه عمدة عد المؤمن الموحد من المتقين وصار سببا لدخول الجنة. فينبغى للعبد ان يصرف اختياره الى جانب الامتثال للامر والاجتناب عن النهى فالله تعالى خالقه وان كان التوفيق الى جانب العمل ايضا من عنايته تعالى
نخست او أرادت بدل در نهاد ... پس اين بنده بر آستان سر نهاد
وفقني الله وإياكم الى ما يحب ويرضى ويداوى بلطفه وكرمه هذه القلوب المرضى فان بيده مفاتيح الإصلاح والفوز بالبغية والظفر بالفلاح
شنيدستم كه ابراهيم أدهم ... شبى بر تخت دولت خفت خرم
ز سقف خود شنيد آواز پايى ... ز جا برجست چون آشفته رايى
بتندى كفت او كين كيست بر بام ... كه دارد بر سپهر قصر ما كام
جواب آمد كه اى شاه جهانكير ... شتر كم كرده مرد مفلسم پير
ز خنده كشت شه بر جاى خودست ... كه بر بام آدمي هركز شتر جست
دگر بار پاسخ آمد كاى جوان بخت ... خدا جويى كسى كردست بر تخت
خدا جويى وخورد وخواب وآرام ... شتر جويى بود بر كوشه بام
چوبشنيد اين پيام از هاتف غيب ... فراغت كرد از دنيا بلا ريب
رسيد از راه تجريدى بمنزل ... پس از ادبار شد مقبول ومقبل
فالواجب على طالب الحق ان يحفظ الأدب حتى يرتقى بذلك الى أعلا الرتب ألا ترى الى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كيف كان يستغفر كل يوم سبعين مرة مع ان ذنبه كان مغفورا وبكمال أدبه وصل الى ما وصل حتى صار اتباعه سببا لمحبة الله تعالى كما قال تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ومع ذلك كان خوفه وإجلاله فى غاية الكمال وهكذا ينبغى لمن اقتدى به. ورتبة المحسن وان كانت اولى ولكن التدارك احسن من الإصرار فطوبى لمتدارك وصل الى الإحسان وأجير نال الى المحبوبية عند الله الرحمن قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ اصل الخلو الانفراد والمكان الخالي هو المنفرد عمن يسكن فيه ويستعمل ايضا فى الزمان الماضي لان ما مضى انفرد عن الوجود وخلا عنه وكذا الأمم الخالية والسنن الوقائع اى قد مضت من قبل زمانكم وقائع سنها الله فى الأمم المكذبة اى وضعها طريقة يسلكها على وفق الحكمة فالمراد بسنن الله تعالى معاملات الله فى الأمم المكذبة بالهلاك والاستئصال بدليل قوله تعالى فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ اى ان شككتم(2/97)
هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)
فى ذلك فسيروا وليس المراد الأمر بالمسافرة فى الأرض بسير الاقدام لا محالة بل المقصود تعرف أحوالهم فان حصلت المعرفة بغير السير حصل المقصود ولعل اختيار لفظ سيروا مبنى على ان اثر المشاهدة أقوى من اثر السماع كما قيل ليس الخبر كالمعاينة وفى هذا المعنى قيل
ان آثارنا تدل علينا ... فانظروا بعدنا الى الآثار
فَانْظُروا بنظر العين والمشاهدة كَيْفَ خبر مقدم لكان معلق لفعل النظر والجملة فى محل النصب بعد نزع الخافض لان الأصل استعماله بالجار كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ رسلى وأوليائي هذا اشارة الى ما سلف من قوله قد خلت إلخ بَيانٌ لِلنَّاسِ وهم المكذبون اى إيضاح لسوء عاقبة ما هم عليه من التكذيب فان الأمر بالسير والنظر وان كان خاصا بالمؤمنين لكن العمل بموجبه غير مختص بواحد دون واحد ففيه حمل للمكذبين ايضا على ان ينظروا الى عواقب ما قبلهم من اهل التكذيب ويعتبروا بما يعاينون من آثار دمارهم وان لم يكن الكلام مسوقا لهم والبيان هو الدلالة على الحق فى أي معنى كان بازالة ما فيه من الشبهة وَهُدىً اى زيادة بصيرة وهو مختص بالدلالة والإرشاد الى طريق الدين القويم والصراط المستقيم ليتدين به ويسلك وَمَوْعِظَةٌ وهو الكلام الذي يفيد الزجر عما لا ينبغى فى الدين لِلْمُتَّقِينَ اى لكم والإظهار للايذان بعلة الحكم فان مدار كونه هدى وموعظة لهم انما هو تقواهم. واعلم ان الأمم الماضية خالفوا الأنبياء والرسل للحرص على الدنيا وطلب لذاتها ثم انقرضوا ولم يبق من دنياهم اثر وبقي عليهم اللعن فى الدنيا والعقاب فى الآخرة فرغب الله تعالى امة محمد صلى الله عليه وسلم المصدقين فى تأمل احوال هؤلاء الماضين ليصير ذلك داعيا لهم الى الانابة والاعراض عن الاغترار بالحظوظ الفانية واللذات المقتضية فان الدنيا لا تبقى مع المؤمن ولا مع الكافر فالمؤمن يبقى له بعد موته الثناء الجميل فى الدنيا والثواب الجزيل فى العقبى والكافر بخلافه فاللائق ان يجتهد فيما هو خير وأبقى ولا ينظر الى زخارف الدنيا. ثم فى هذا تسلية للمؤمنين فيما أصابهم يوم أحد فان الكفار وان نالوا من المؤمنين بعض النيل لحكمة اقتضته فالعاقبة للمؤمنين قال تعالى وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ وأَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ ولو كانت الغلبة كل مرة للمؤمنين لصار الايمان ضروريا وهو خلاف ما تقتضيه الحكمة الالهية. فعلى العاقل ان يفوض الأمر الى الله ويعتبر بعين البصيرة فى الأمور الخفية والجلية وقد قال الله تعالى فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ
نرود مرغ سوى دانه فراز ... چون دكر مرغ بيند اندر بند
پند كير از مصائب دكران ... تا نكيرند ديكران ز تو پند
والخوف من العاقبة من الصفات السنية للصلحاء- روى- انه يعذب الرجل فى النار الف سنة ثم يخرج منها الى الجنة قال الحسن البصري رحمه الله يا ليتنى كنت ذلك الرجل وانما قال الحسن ذلك لانه يخاف عاقبة امره وهكذا كان الصالحون يخافون عاقبة أمرهم وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يكثر ان يقول (يا مقلب القلوب ثبت قلبى على(2/98)
وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)
طاعتك) قالت عائشة رضى الله عنها يا رسول الله انك لتكثر القول بهذا الدعاء فهل تخشى قال صلى الله عليه وسلم (ما يؤمننى يا عائشة وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن فاذا أراد ان يقلب قلبا قلبه) . قال السدى انى لأنظر فى المرآة كل يوم مرارا مخافة ان يكون قد اسود وجهى. والاشارة فى الآيتين ان الله خص السائرين الى الله بالمهاجرة عن الأوطان والمسافرة الى البلدان بمفارقة الخلان والأخدان ومصاحبة الاخوان غير الخوّان ليعتبروا من سنن اهل لسنن فقال تعالى قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ اى امم لهم سنن فَسِيرُوا على سنن اهل السنة فِي الْأَرْضِ فى ارض نفوسكم الحيوانية بالعبور عن أوصافها الدنية وأخلاقها الردية لتبلغوا سماء قلوبكم الروحانية وتتخلقوا بالأخلاق الربانية فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ اى كيف صار حاصل امر النفوس الكذبة بهذه المقامات الروحانية والمكاشفات الربانية عند الوصول إليها هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ اى لاهل الغفلة والغيبة الناسين عهد الميثاق وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ اى وعيان لاهل الهداية والشهود الذاكرين للعهود الذين اتعظوا بالتجارب والتقوى عما سوى الله تعالى. قال بعض العلماء يا مغرور امسك وقس يومك بامسك واتعظ بمن مضى من أبناء جنسك فانك بك قد خللت فى رمسك أين من أسخط مولاه بنيل ما يهواه أين من أفنى عمره فى خطاياه فتذكر أنت أيها الغافل مصارعهم وانظر مواضعهم هل نفعهم رفيق رافقوه او منعهم اما خلوا بخلالهم اما انفردوا بأعمالهم فستصير فى مصيرهم فتدبر أمرك وستسكن فى مثل مساكنهم فاعمر قبرك يا مسرورا بمنزلة الرحب الأنيق ستفارقه يا مشمئزا من التراب ستعانقه اعتبر بمن سبقك فانت لاحقه واذكر العهد الأزلي فزك نفسك حياء من الله لعلك تصل الى ما تهواه من جنات وعيون ومقام كريم ووصال الى رب رحيم قال تعالى فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً فماذا يقعدك عن رفقة الصالحين وهل ترضى لنفسك يا مسكين ان تقف فى مقام الجهال المعتدين اما علمت انك غدا تدان كما تدين أصلح الله أحوالنا وصحح أقوالنا وأفعالنا وأعطانا آمالنا وختمنا بالخير إذا بلغنا آجالنا وَلا تَهِنُوا من الوهن وهو الضعف اى لا تضعفوا عن الجهاد بما أصابكم من الجراح يوم أحد وَلا تَحْزَنُوا على من قتل منكم وهى صيغة نهى ورد للتسكين والتصبير لا النهى عن الحزن وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ اى والحال انكم الأعلون الغالبون دون عدوكم فان مصير أمرهم الى الدمار حسبما شاهدتم فى احوال أسلافهم لان الباطل يكون زهوقا وأصله اعليون فكرهوا الجمع بين اخت الكسرة والضمة إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ والجواب محذوف دل عليه المذكور اى ان كنتم مؤمنين فلا تهنوا ولا تحزنوا فان الايمان يوجب قوة القلب والثقة بصنع الله وقلة المبالاة باعدائه ولا يتعلق بالنهى المذكور لان الجزاء لا يتقدم على الشرط لكونهما كالكلمة الواحدة إِنْ يَمْسَسْكُمْ اى يصبكم قَرْحٌ فتحا وضما اى جراحة فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ اى الكفار ببدر قَرْحٌ مِثْلُهُ قيل قتل المسلمون من الكافرين ببدر سبعين وأسروا سبعين وقتل الكافرون من المسلمين بأحد سبعين وأسروا سبعين والمعنى ان نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم قبله يوم بدر ثم لم يضعف ذلك قلوبهم(2/99)
وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)
ولم يثبطهم عن معاودتكم بالقتال فانتم اولى بان لا تضعفوا فانكم ترجون من الله مالا يرجون وَتِلْكَ الْأَيَّامُ اشارة الى الأيام الجارية فيما بين الأمم الماضية والآتية كافة لا الى المعهودة خاصة من يوم بدر ويوم أحد بل هى داخلة فيها دخولا أوليا والمراد بها اوقات الظفر والغلبة نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ ونصرفها بينهم نديل لهؤلاء تارة ولهؤلاء اخرى كقول من قال
فيوما علينا ويوما لنا ... ويوما نساء ويوما نسرّ
والمداولة نقل الشيء من واحد الى واحد وقالوا تداولته الأيدي اى تناقلته وليس المراد من هذه المداولة ان الله تعالى تارة ينصر المؤمنين واخرى ينصر الكافرين وذلك لان نصره تعالى منصب شريف فلا يليق بالكافر بل المراد انه تعالى تارة يشدد المحنة على الكفار واخرى على المؤمنين وانه لو شدد المحنة على الكفار فى جميع الأوقات وأزالها عن المؤمنين فى جميع الأوقات لحصل العلم الضروري والاضطراري بان الايمان حق وما سواه باطل ولو كان كذلك لبطل التكليف والثواب والعقاب فلهذا المعنى تارة يسلط الله المحنة على اهل الايمان واخرى على اهل الكفر لتكون الشبهات باقية والمكلف يدفعها بواسطة النظر فى الدلائل الدالة على صحة الإسلام فيعظم ثوابه عند الله ولان المؤمن قد يقدم على بعض المعاصي فيكون اما تشديد المحنة عليه فى الدنيا أدبا له واما تشديد المحنة على الكافر فانه يكون غضبا من الله وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا عطف على علة محذوفة اى نداولها بينكم ليكون من المصالح كيت وكيت وليعلم الله إيذانا بان العلة فيما فعل غير واحدة وانما يصيب المؤمن فيه من المصالح ما لا يعلم وهو اما من باب التمثيل اى ليعاملكم معاملة من يريد ان يعلم المخلصين الثابتين على الايمان من غيرهم او العلم فيه مجاز عن التمييز بطريق اطلاق اسم السبب على المسبب اى ليميز الثابتين على الايمان من غيرهم او هو على حقيقة معتبرة من حيث تعلقه بالمعلوم من حيث انه موجود بالفعل إذ هو الذي يدور عليه فلك الجزاء لا من حيث انه موجود بالقوة فالمعنى ليعلم الله الذين آمنوا علما يتعلق به الجزاء وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ جمع شهيداى ويكرم ناسامنكم بالشهادة وهم شهداء أحد وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ونفى المحبة كناية عن البغض اى يبغض الذين يضمرون خلاف ما يظهرون او الكافرين وهو اعتراض. وفيه تنبيه على انه تعالى لا ينصر الكافرين على الحقيقة وانما يغلبهم أحيانا استدراجا لهم وابتلاء للمؤمنين وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا عطف على يتخذ اى ليصفيهم ويطهرهم من الذنوب ان كانت الدولة عليهم وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ ويهلكهم ان كانت عليهم. والمحقق نقص الشيء قليلا قليلا والمراد بهم الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأصروا على الكفر وقد محقهم الله عز وجل جميعا. قال القاشاني ومن فوائد الابتلاء خروج ما فى استعداداتهم من الكمالات الى الفعل كالصبر والشجاعة وقوة اليقين وقلة المبالاة بالنفس واستيلاء القلب عليها والتسليم لامر الله وأمثالها. قال نجم الدين الكبرى وَلا تَهِنُوا يا سائرين الى الله فى السير اليه وَلا تَحْزَنُوا على ما فاتكم من التنعمات الدنيوية والكرامات الاخروية وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ من اهل الدنيا والآخرة فى المقام عند ربكم إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ مصدقين(2/100)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)
بهذه الاخبار تصديق الائتمار به إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فى أثناء السير من المجاهدات وانواع البلاء والابتلاء فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ من الأنبياء والأولياء قَرْحٌ من المحن مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ وايام المحن والبلاء والابتلاء والامتحان نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ بين السائرين يوما نعمة ويوما نقمة ويوما منحة ويوما محنة وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وليختبرهم الله بالامتحان ويجعلهم مستعدين لمقام الشهادة وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ يا مبتلين بالنعمة والنقمة فى أثناء السير ارباب الشهود والمشاهدة وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ الذين يصرفون استعدادهم فى طلب غير الحق والسير اليه وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ يعنى ان كل غم وهم ومصيبة تصيب المؤمنين فى الله يكون تكفيرا لذنوبهم وتطهيرا لقلوبهم وتخليصا لارواحهم وتمحيصا لاسرارهم وما يصيب الكافرين من نعمة ودولة وحبور يكون سببا لكفرانهم ومزيدا لطغيانهم وعمى لقلوبهم وتمردا لنفوسهم ومحقا لارواحهم وسحقا لاسرارهم فاهل المحبة والمعرفة لا يخلون عن الابتلاء بقلة او ذلة او علة فان مقتضى الحكمة ذلك ألا ترى الى قوله عليه الصلاة والسلام (أشد البلاء على الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالامثل) - حكى- ان عيسى عليه السلام اجتاز جبلا فيه عابد يعبد الله عند عين من ماء لطهارته وشربه وبستان ينبت له الهندباء لقوته فسلم عليه المسيح فرد السلام عليه فقال له منذكم أنت هاهنا تعبد الله قال منذ ثمانين سنة اسأل حاجة من الله فلم يقضهالى فقال عيسى وما هى قال ان يسكن قلبى ذرة من معرفته ومحبته فلا يفعل وأنت نبيه فسل لى هذه الحاجة فتوضأ عيسى من العين وصلى ركعتين وسأل حاجته ثم مضى وبقي ما بقي فى سفره فلما رجع الى ذلك المكان رآه خاليا والعين غائرة والبستان خراب فقال يا رب سألتك له المعرفة والمحبة قبضت روحه فاوحى الله اليه يا عيسى أما علمت ان خراب الدنيا فى محبتى ومعرفتى ومن عرفنى وأحبني لا يسكن الا الىّ ولا يقر قرارا فان أحببت ان تراه فاشرف عليه فى هذا الوادي فاشرف عليه فاذا هو جالس قد ذهل وتحير وخرج لسانه على صدره شاخصا ببصره نحو السماء فناداه عيسى والعابد لا يسمع فناداه وحركه فلم يشعر فاوحى الله الى عيسى فو عزتى وجلالى لو قطعته بالسيف ما شعر به لانى أسكنت قلبه معرفتى ومحبتى وهو اقل من ذرة ولوزدته ادنى شىء لطار بين السماء والأرض وطاش فانظر الى اهل الله كيف تكون دنياهم خرابا لا يخلون من البلايا فاجتهد أنت ايضا ايها العبد فى تصحيح الدين لعلك تصل الى مقام اليقين والتمكين والمجاهدة تورث المشاهدة
چويوسف كسى در صلاح وتميز ... بسى سال بايد كه گردد عزيز
أَمْ حَسِبْتُمْ أم منقطعة والهمزة للانكار والاستبعاد والحسبان الظن والخطاب للذين انهزموا يوم أحد اى بل أظننتم أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وتفوزوا بنعيمها وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ حال من ضمير تدخلوا مؤكدة للانكار فان رجاء الاجر بغير عمل بعيد ممن يعلم انه منوط به مستبعد عند العقول وعدم العلم كناية عن عدم المعلوم اى لما تجاهدوا لان وقوع الشيء يستلزم كونه معلوما لله ونفى اللازم يستلزم نفى الملزوم فنزل نفى العلم منزلة نفى الجهاد للتأكيد والمبالغة لان انتفاء اللازم برهان على انتفاء الملزوم وفيه اشعار بان علمه بالأشياء على(2/101)
وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)
ما هى عليه ضرورى يقول الرجل ما علم الله فى فلان خيرا يريد ما فيه خير حتى يعلمه ولما بمعنى لم الا ان فيه ضربا من التوقع فدل على نفى الجهاد فيما مضى وعلى توقعه فيما يستقبل تقول وعدني ان يفعل كذا ولما يفعل اى لم يفعل وانا أتوقع فعله وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ نصب بإضمار ان والواو بمعنى الجمع والمعنى أم حسبتم ان تدخلوا الجنة والحال انه لم يتحقق منكم الجهاد والصبر على الشدائد اى الجمع بينهما فلا ينبغى ان تحسبوا دخولها كما دخل الذين قتلوا وبذلوا مهجتهم وثبتوا على على ألم الجراح والضرب من غير ان تسلكوا طريقهم وتصبروا صبرهم ومن البعيد ان يصل الإنسان الى السعادة والجنة مع عدم اعمال هذه الطاعة وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ اى الحرب فانها من مبادى الموت او الموت بالشهادة والخطاب للذين لم يشهدوا بدرا وكانوا يتمنون ان يشهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدا لينالوا ما ناله شهداء بدر من الكرامة فألحوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الخروج ثم ظهر منهم خلاف ذلك مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ اى من قبل ان تشاهدوه وتعرفوا هوله وشدته فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ اى ما تتمنونه من اسباب الموت او الموت بمشاهدة أسبابه وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ معاينين مشاهدين له حين قتل بين ايديكم من قتل من إخوانكم وأقاربكم وشارفتم ان تقتلوا فلم فعلتم ما فعلتم وهو توبيخ لهم على تمنيهم الحرب وتسببهم لها ثم جبنهم وانهزامهم لا على تمنى الشهادة بناء على ان فى تمنيها تمنى غلبة الكافر المسلم لان قصد متمنى الشهادة الى نيل كرامة الشهداء من غير ان يخطر بباله شىء غير ذلك فلا يستحق العتاب من تلك الجهة كما ان من يشرب دواء الطبيب النصراني يقصد الى حصول المأمول من الشفاء ولا يخطر بباله ان فيه جر منفعة وإحسانا الى عدو الله وتنفيقا لصناعته. واعلم ان حاصل الكلام ان حب الدنيا لا يجتمع مع سعادة الآخرة فبقدر ما يزداد أحدهما ينتقص الآخر وذلك لان سعادة الدنيا لا تحصل الا باشتغال القلب بطلب الدنيا وسعادة الآخرة لا تحصل الا بفراغ القلب من كل ما سوى الله وامتلائه من حب الله وهذان الأمران مما لا يجتمعان فلهذا السر وقع الاستبعاد الشديد فى هذه الآية من اجتماعهما. وايضا حب الله وحب الآخرة لايتم بالدعوى فليس كل من أقر بدين الله كان صادقا ولكن الفصل فيه تسليط المكروهات والمحرمات فان الحب هو الذي لا ينتقص بالجفاء ولا يزداد بالوفاء فان بقي الحب عند تسلط اسباب البلاء ظهر ان ذلك الحب كان حقيقيا فلهذه الحكمة قال أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بمجرد تصديقكم الرسول قبل ان يبتليكم الله بالجهاد وتشديد المحنة. قال القشيري رحمه الله من ظن انه يصل الى محل عظيم دون مقاساة الشدائد ألقته أمانيه فى مهواة الهلاك وان من عرف قدر مطلوبه سهل عليه بذل مجهوده قال الشاعر
وما جاد دهر بلذاته ... على من يضن بخلع العذار
فالدولة العظمى هى سعادة الآخرة فانها باقية ودولة الدنيا فانية كما قيل
جهان مثال چراغيست در گذرگه باد ... غلام همت آنم كه دل برو ننهاد
وسئل الشبلي عن نعت العارف فقال لسانه بذكر الله ناطق وقلبه بحجة الله صادق وسره بوعد الله واثق وروحه الى سبيل الله سابق وهو ابدا على الله عاشق فلا بد لان يكون المرء(2/102)
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)
من العارفين من ترك الدعوى والإقبال الى المولى وبذل الروح فى طريقه- حكى- عن حاتم الأصم انه قال لقينا الترك وكان بيننا صولة فرمانى تركى بوهق فاقبلنى عن فرسى ونزل عن دابته وقعد على صدرى وأخذ بلحيتي هذه الوافرة واخرج من خفه سكينا ليذبحنى قال فوحق سيدى ما كان قلبى عنده ولا عند سكينه وانا ساكت متحير أقول سيدى أسلمت نفسى إليك ان قضيت على ان يذبحنى هذا فعلى الرأس والعين اما انا لك وملكك فبينا انا اخاطب سيدى وهو قاعد على صدرى إذ رماه بعض المسلمين بسهم فما اخطأ حلقه فسقط عنى فقمت انا اليه فاخذت السكين من يده فذبحته بها فيا هؤلاء لتكن قلوبكم عند السيد حتى ترون من عجائب لطفه مالا ترون من الآباء والأمهات واعلموا ان من صبر واستسلم ظفر ومن فرّ اتبع فلم يتخلص ونعم العون الصبر عند الشدائد
تحمل چوزهرت نمايد نخست ... ولى شهد كردد چودر طبع رست
ز علت مدار اى خردمند بيم ... چوداروى تلخت فرستد حكم
ثبتنا الله وإياكم وَما مُحَمَّدٌ هو المستغرق لجميع المحامد لان الحمد لا يستوجبه الا الكامل والتحميد فوق الحمد فلا يستحقه الا المستولى على الأمد فى الكمال وأكرم الله نبيه وصفيه باسمين مشتقين من اسمه جل جلاله محمد واحمد إِلَّا رَسُولٌ- روى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج الى الشعب من أحد فى سبعمائة رجل جعل عبد الله بن جبير على الرجالة وكانوا خمسين راجلا وقال (اقيموا بأصل الجبل وادفعوا عنا بالنبل لا يأتوننا من خلفنا ولا تنتقلوا من مكانكم حتى أرسل إليكم فلا نزال غالبين ما دمتم فى مكانكم) فجاء المشركون ودخلوا فى الحرب مع النبي عليه السلام وأصحابه حتى حميت الحرب فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا وقال (من يأخذه بحقه) فأخذه ابو دجانة فقاتل فى نفر من المسلمين قتالا شديدا وقاتل على بن ابى طالب حتى التوى سيفه وقاتل سعد بن ابى وقاص رضى الله عنه وكان النبي عليه السلام يقول لسعد (ارم فداك ابى وأمي) فحمل هو وأصحابه على المشركين فانزل الله نصره عليهم فهزموا المشركين فلما نظر الرماة الى قوم هاربين اقبلوا على النهب بترك مركزهم فقال لهم عبد الله بن جبير لا تبرحوا مكانكم فقد عهد إليكم نبيكم فلم يلتفتوا الى قوله فجاؤا لاجل الغنيمة فبقى عبد الله بن جبير مع ثمانية نفر فخرج خالد بن الوليد مع خمسين ومائتى فارس من المشركين من قبل الشعب وقتلوا من بقي من الرماة ودخلوا خلف اقفية المسلمين فهزموهم ورمى ابن قميئة النبي عليه السلام بحجر فكسر رباعيته وشجه وفيه يقول حسان بن ثابت
ألم تر ان الله أرسل عبده ... ببرهانه والله أعلى وامجد
وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد
وتفرق عنه أصحابه وحمل ابن قميئة لقتل النبي عليه السلام فذب عنه مصعب بن عمير صاحب الراية يومئذ فقتله ابن قميئة ورجع فظن انه كان قتل النبي عليه السلام فقال قتلت محمدا وصرخ صارخ ألا ان محمدا قد قتل وكان ذلك إبليس فرجع أصحابه منهزمين متحيرين فاقبل انس بن النضر عم انس بن مالك الى عمر بن الخطاب رضى عنه وطلحة بن عبد الله فى رجال(2/103)
من المهاجرين والأنصار فقال لهم ما يحبسكم قالوا قتل محمد صلى الله عليه وسلم فقال ما تصنعون فى الحياة بعده موتوا كراما على مامات عليه نبيكم ثم اقبل نحو العدو فقاتل حتى قتل قال كعب بن مالك انا أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين رأيت عينيه من تحت المغفر تزهران ينادى بأعلى صوته (الىّ عباد الله الىّ عباد الله) فاجتمعوا اليه فلامهم رسول الله على هزيمتهم فقالوا يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا أتانا خبر سوء فرعبت قلوبنا له فولينا مدبرين فوبخهم الله تعالى بقوله وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ كسائر الرسل قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ فسيخلوا كما خلوا وكما ان اتباعهم بقوا متمكسين بدينهم بعد خلوهم فعليكم ان تتمسكوا بدينه بعد خلوه لان الغرض من بعثة الرسول الرسالة والزام الحجة لا وجوده بين اظهر قومه أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ انكار لارتدادهم وانقلابهم عن الدين بخلوه عليه السلام بموت او قتل بعد علمهم بخلو الرسل قبله وبقاء دينهم متمسكا به وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ بادباره عما كان يقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من امر الجهاد وغيره فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ بما فعل من الانقلاب شَيْئاً اى شيأ من الضرر وانما يضر نفسه بتعريضها للسخط والعذاب والله منزه عن النفع والضرر وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ اى الثابتين على دين الإسلام الذي هو أجل نعمة وأعز معروف سموا بذلك لان الثبات عليه شكر له وإيفاء لحقه وفيه ايماء الى كفران المنقلبين. ولما توفى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم اضطرب المسلمون فمنهم من دهش ومنهم من اقعد فلم يطق القيام ومنهم من اعتقل لسانه فلم يطق الكلام ومنهم من أنكر موته بالكلية حتى غفل عمر رضى الله عنه عن هذه الآية الكريمة عند وفاته صلى الله عليه وسلم وقام فى الناس فقال ان رجالا من المنافقين يزعمون انه عليه السلام توفى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مامات ولكنه ذهب الى ربه كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع والله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمونه ان رسول الله مات ولم يزل يكرر ذلك الى ان قام ابو بكر فحمد الله واثنى عليه ثم قال ايها الناس من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حى لا يموت ثم تلا وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قال الراوي والله لكأن الناس لم يعلموا ان هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تلاها ابو بكر رضى الله عنه فاستيقن الناس كلهم بموته صلى الله عليه وسلم وكانت الجمادات تتصدع من ألم مفارقة الرسول فكيف بقلوب المؤمنين ولما فقده الجذع الذي يخطب عليه قبل اتخاذ المنبر حن اليه وصاح كما يصيح الصبى فنزل اليه فاعتنقه فجعل يهدى كما يهدى الصبى الذي يسكن عند بكائه وقال (لو لم اعتنقه لحن الى يوم القيامة) ما امرّ عيش من فارق الأحباب خصوصا من كانت رؤيته حياة الألباب ولما نقل النبي عليه السلام جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة رضى الله عنها كرب أبتاه فقال لها ليس على أبيك كرب بعد اليوم فلما مات قالت يا أبتاه أجاب ربا دعاه يا أبتاه جنة الفردوس مأواه فلما دفن قالت فاطمة يا انس أطابت أنفسكم ان تحثوا على نبيكم التراب وعاشت فاطمة بعد موته صلى الله عليه وسلم سته أشهر ثم ماتت(2/104)
وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)
جهان اى برادر نماند بكس ... دل اندر جهان آفرين بند وبس
فعلى العاقل ان يتدارك حاله قبل منيته حتى لا يفتضح عند رؤوس الخلائق يوم القيامة وكيف لا يسارع الى الأعمال الصالحة من يعلم ان يوم القيامة يوم يفزع فيه الأنبياء والأولياء
در ان روز كز فعل پرسند وقول ... أولو العزم را تن بلرزد ز هول
بجايى كه وحشت خورد انبيا ... تو عذر كنه را چهـ دارى بيا
يعنى بأى عذر ترتكب الآثام ولا تبالي بحالك ثم ان الخلاص والفوز بالمرام فى الايمان التحقيقى. قال الشيخ نجم الدين الكبرى الاشارة فى الآية ان الايمان التقليدى لا اعتبار له فينقلب المقلد عن إيمانه عند عدم المقلد به فمن كان إيمانه بتقليد الوالدين او الأستاذ او اهل البلد ولما يدخل الايمان فى قلبه ولم ينشرح صدره بنور الإسلام فعند انقطاعه بالموت عن هذه الأسباب المقلدة يعجز عن جواب سؤال الملكين فى قولهما من ربك فيقول هاه لا أدرى وإذ يقولان ما تقول فى هذا الرجل فيقول هاه لا أدرى كنت أقول فيه ما قال الناس فيقولان له لا دريت ولا تليت
ز دانندكان بشنو امروز قول ... كه فردا نكيرت بپرسد بهول
غنيمت شمار اين كرامى نفس ... كه بيمرغ قيمت ندارد قفس
يعنى البدن ليس له قدر بدون الروح فلا بد ان يغتم العاقل أنفاسه قبل ان يخرج الروح من قفصه وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ استثناء مفرغ من أعم الأسباب اى وما كان الموت حاصلا لنفس من النفوس بسبب من الأسباب الا بمشيئته تعالى او الا باذنه لملك الموت فى قبض روحها والمعنى ان لكل نفس أجلا مسمى فى علمه تعالى وقضائه لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون بالاحجام عن القتال والاقدام عليه. وفيه تحريض وتشجيع على القتال ووعد الرسول بالحفظ وتأخير الاجل ورد على المنافقين قولهم لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا فالمجاهد لا يموت بغير اجله والمتخلف عنه لا يسلم مع حضور اجله
بروز أجل نيزه جوشن درد ... ز پيراهن بي أجل نكذرد
كِتاباً مصدر مؤكد لما قبله إذا المعنى كتب الموت كتابا مُؤَجَّلًا موقتا بوقت معلوم لا يتقدم ولا يتأخر ولو ساعة وبعد تحقيق ان مدار الموت والحياة على محض مشيئة الله من غير ان يكون فيه مدخل لاحد أصلا أشير الى ان توفية ثمرات الأعمال دائرة على إرادتهم ليصرفوها عن الاعراض الدنية الى المطالب السنية فقيل وَمَنْ يُرِدْ اى بعمله ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها اى من ثوابها ما نشاء ان نؤتيه إياه. وفيه تعريض لمن شغلتهم الغنائم يوم أحد وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها اى من ثوابها ما نشاء من الأصناف حسبما جرى به الوعد الكريم وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ نعمة الإسلام الثابتين عليه الصارفين ما آتاهم الله من القوى والقدر الى ما خلقت هى لاجله من طاعة الله لا يلويهم عن ذلك صارف أصلا. ويدخل فى جنس الشاكرين المجاهدون المعهودون من الشهداء فى أحد وغيرهم والآية وان وردت فى الجهاد خاصة لكنها عامة فى جميع الأعمال وذلك لان المؤثر فى طلب الثواب والعقاب المقصود والدواعي لا ظواهر الأعمال فان من وضع الجبهة على الأرض(2/105)
وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)
فى صلاة الظهر والشمس قدامه فان قصد بذلك السجود عبادة الله كان ذلك من اشرف دعائم الإسلام وان قصد به عبادة الشمس كان ذلك من أعظم دعائم الكفر. وروى ابو هريرة عنه عليه الصلاة والسلام ان الله تعالى يقول يوم القيامة لمن قتل فى سبيل الله فيما ذا قتلت فيقول امرت بالجهاد فى سبيلك فقاتلت حتى قتلت فيقول الله تعالى كذبت بل اردت ان يقال فلان محارب وقد قيل ذلك ثم ان الله تعالى يأمر به الى النار فالمقاتل فى سبيل الله تحقيقا هو الذي يقاتل لتكون كلمة الله هى العليا لا للذكر الجميل واراءة المكان وإصابة الغنيمة
عبادت بإخلاص نيت نكوست ... وگر نه چهـ آيد ز بي مغز پوست
بروى ريا خرقه سهلست دوخت ... كرش با خدا در توانى فروخت
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت نيته طلب الآخرة جعل الله غناه فى قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهى راغمة ومن كانت نيته طلب الدنيا جعل الله الفقر بين عينيه وشتت عليه شمله ولا يأتيه منها الا ما كتب له وقال ايضا انما الاعمال بالبينات وانما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها او امرأت يتزوجها فهجرته الى ما هاجر اليه فمن عمل شوقا الى الجنة فقد رأى نعمة الجنة فثوابه فى الآخرة ومن عمل شوقا الى الحق فقد رأى نعمة وجود المنعم فثوابه فى الدنيا لانه حاضر لاغيبة له قريب لا يبعد وهو معكم أينما كنتم وقال (ألا من طلبنى وجدنى ومن تقرب الى شبرا تقربت اليه ذراعا)
خليلىّ هل ابصرتما او سمعتما ... بأكرم من مولى تمشى الى عبد
اتى زائرا من غير وعد وقال لى ... أجلك عن تعذيب قلبك بالوعد
فعلى السالك ان يهاجر الى الله ويجاهد من غير ان يخاف لومة لائم حتى يصل الى الله ويتخلص من الاضطرار. قال القاشاني فى تأويلاته من كان موقنا لسر القدر شاهدا لمعنى قوله تعالى وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كان من أشجع الناس- حكى- عن حاتم الأصم انه شهد مع شقيق البلخي بعض غزوات خراسان قال فلقينى شقيق وقد حمى الحرب فقال كيف تجد قلبك يا حاتم قلت كليلة الزفاف لا افرق بين الحالتين فوضع سلاحه وقال اما انا فهكذا ووضع رأسه على ترسه ونام بين المعركة حتى سمع غطيطه وهذا غاية فى سكون القلب الى الله تعالى ووثوقه به انتهى فاذا صحح العبد باطنه يسهل الله عليه كل عسير ويسخر له كل ما يخاف منه- حكى- عن ابراهيم الرقى انه قال قصدت أبا الخير الخراسانى مسلما عليه فصلى صلاة المغرب فلم يقرأ الفاتحة مستويا فقلت فى نفسى ضاعت سفرتى فلما سلمت خرجت للطهارة فقصدنى السبع فعدت اليه وقلت ان الأسد قصدنى فخرج وصاح على الأسد وقال ألم اقل لك لا تتعرض لاضيافى فتنحى فتطهرت فلما رجعت قال اشتغلتم بتقويم الظواهر فخفتم الأسد واشتغلنا بتقويم القلب فخافنا الأسد
أوليا محبوب الله است دان ... كس نيازارد حبيبش در جهان
وَكَأَيِّنْ أصله اى دخلت الكاف عليها فحدث فيها معنى التكثير فهى بمعنى كم الخبرية مِنْ نَبِيٍّ تمييز لها والغالب فى تمييزها ان يكون مجرورا بمن ولم يجئ فى التنزيل الا كذا(2/106)
وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)
وجره ممتنع لان آخره تنوين وهو لا يثبت مع الاضافة قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ خبر لقوله كأين لانها مبتدأ والفعل مسند الى ظاهره. والربى منسوب الى الرب كالربانى وكسر الراء من تغييرات النسب فان العرب إذا نسبت شيأ الى شىء غيرت كما قالوا بصرى فى النسبة الى بصرة او منسوب الى الربة وهى الجماعة والمعنى كثير من الأنبياء قاتل معه لاعلاء كلمة الله وإعزاز دينه علماء أتقياء او جماعات كثيرة فَما وَهَنُوا عطف على قاتل اى فما فتروا وما انكسرت همتهم لِما أَصابَهُمْ فى أثناء القتال وهو علة للمنفى دون النفي فِي سَبِيلِ اللَّهِ ان جعل الضميران لجميع الربيين فما فى ما أصابهم عبارة عما عدا القتل من الجراح وسائر المكاره اللاحقة للكل وان جعلا للبعض الباقين بعد ما قتل الآخرون فهى عبارة عما ذكر مع ما اعتراهم من قتل إخوانهم والخوف والحزن وغير ذلك وَما ضَعُفُوا عن العدو او الجهاد او فى الدين وَمَا اسْتَكانُوا اى وما خضعوا للعدو. وأصله استكن من السكون لان الخاضع يسكن لصاحبه ليفعل به ما يريده والالف لاشباع الفتحة. او استكون من الكون لانه يطلب ان يكون لم يخضع له وهذا تعريض بما أصابهم من الوهن والانكسار عند استيلاء الكفرة عليهم والإرجاف بقتل النبي عليه السلام وبضعفهم عند ذلك عن مجاهدة المشركين واستكانتهم لهم حين أرادوا ان يعتضدوا بابن ابى المنافق فى طلب الامان من ابى سفيان وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ اى على مقاساة الشدائد ومعاناة المكاره فى سبيل الله فينصرهم ويعظم قدرهم وَما كانَ قَوْلَهُمْ بالنصب خبر لكان واسمها ان وما بعدها فى قوله تعالى إِلَّا أَنْ قالُوا والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء اى ما كان قولا لهم عند لقاء العدو واقتحام مضايق الحرب وإصابة ما أصابهم من فنون الشدائد والأهوال شىء من الأشياء الا ان قالوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا اى صغائرنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا اى تجاوزنا الحد فى ارتكاب الكبائر أضافوا الذنوب والإسراف الى أنفسهم مع كونهم ربانيين برآء من التفريط فى جنب الله هضما لها واستقصارا لهم واسنادا لما أصابهم الى أعمالهم وقدموا الدعاء بمغفرتها على ما هو الأهم بحسب الحال من الدعاء بقولهم وَثَبِّتْ أَقْدامَنا اى فى مواطن الحرب بالتقوى والتأييد من عندك او ثبتنا على دينك الحق وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ تقريبا له الى حيز القبول فان الدعاء المقرون بالخضوع الصادر عن زكاء وطهارة اقرب الى الاستجابة والمعنى لم يزالوا مواظبين على هذا الدعاء من غير ان يصدر عنهم قول يوهم شائبة الجزع والتزلزل فى مواقف الحرب ومراصد الدين. وفيه من التعريض بالمنهزمين ما لا يخفى فَآتاهُمُ اللَّهُ بسبب دعائهم ذلك ثَوابَ الدُّنْيا اى النصر والغنيمة والعز والذكر الجميل وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ اى وثواب آخرة الحسن وهى الجنة والنعيم المخلد وتخصيص وصف الحسن به للايذان بفضله ومزيته وانه المعتد به عنده تعالى وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ومحبة الله للعبد عبارة عن رضاه عنه وارادة الخير به فهى مبدأ لكل سعادة. والاشارة ان الله تعالى لما زاد لخواص عباده كرامة التخلق بأخلاقه ابتلاهم بقتال العدو وثبتهم عند الملاقاة فاستخرج من معادن ذواتهم جواهر صفاته المكنونة فيها المكرمة بها بنوا آدم والصبر والإحسان من صفات الله والله تعالى يحب صفاته ويحب من تخلق بصفاته ولهذا قال وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.(2/107)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)
قال الامام فى قوله تعالى وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ فيه لطيفة دقيقة وهى ان هؤلاء اعترفوا بكونهم مسيئين حيث قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا فلما اعترفوا بذلك سماهم الله محسنين كأنه تعالى يقول لهم إذا عرفت بإساءتك وعجزك فانا اصفك بالإحسان وأجعلك حبيبا لنفسى حتى يعلم انه لا سبيل للعبد الى الوصول الى حضرة الله الا بإظهار الذلة والمسكنة والعجز
كنون بايدت عذر تقصير كفت ... نه چون نفس ناطق ز كفتن بخفت
تو پيش از عقوبت در عفو كوب ... كه سودى ندارد فغان زير چوب
- حكى- ان آصف بن برخيا أذنب ذنبا يوما من الأيام فأتى سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام فقال له ادع الله ان يغفر لى فدعا فغفر له ثم فعل ثانيا فغفر له بدعائه ثانيا ثم وثم الى ان اوحى الله الى سليمان عليه السلام ان لا أجيب دعوتك فى حقه ان عاد بعد فلم يمكث ان فعل مرة اخرى فجاء الى سليمان عليه السلام لكى يدعو فاخبره بان الله لا يغفر له فرفع الرجل العصا وخرج الى الصحراء وضرب العصا الى الأرض ورفع يده وقال يا رب أنت أنت وانا انا أنت العائد بالمغفرة وانا العائد بالمعصية انا الضعيف المجرم وأنت الغفور الرحيم ان لم تعصمنى من الذنوب فلأعودن ثم لأعودن كررها حتى غشى عليه فاوحى الله تعالى الى سليمان عليه السلام ان قل لابن خالتك ان عدت فأغفر لك ثم اغفر لك ثم اغفر لك ثم اغفر لك وانا الغفار
كنونت كه چشمست اشكى ببار ... زبان دردهانست عذرى بيار
فرا شو چوبينى در صلح باز ... كه ناگه در توبه كردد فراز
مرو زير بار گنه اى پسر ... كه حمال عاجز بود در سفر
فلا يغرنك الشيطان بتزيين الدنيا عليك فانك تعلم فناءها. واوحى الله الى داود عليه السلام [انى منزلك وذريتك الى دار بنيتها على اربعة اركان. أحدها ان أخرب ما تعمرون. والثاني ان اقطع ما تصلون. والثالث ان أميت ما تلدون. والرابع ان افرق ما تجمعون] ومن الله العصمة والتوفيق الى سواء الطريق يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا نزلت فى قول المنافقين للمؤمنين عند الهزيمة ارجعوا الى دينكم وإخوانكم ولو كان نبيا لما غلب وقتل فقال تعالى يا ايها المؤمنون إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا وهم المنافقون وصفوا بالكفر قصدا الى مزيد التنفير عنهم والتحذير من طاعتهم يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ يدخلوكم فى دينهم أضاف الرد إليهم لدعائهم اليه والارتداد على العقب علم فى انتكاس الأمر ومثل فى الحور بعد الكور فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ كرامة الدنيا وسعادة الآخرة اما الاولى فلان أشق الأشياء على العقلاء فى الدنيا الانقياد للعدو والتذلل له واظهار الحاجة اليه واما الثانية فلانه يحرم من الثواب المؤيد ويقع فى العذاب المخلد بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ اى ليسوا انصاركم حتى تطيعوهم بل الله ناصركم لا غيره فاطيعوه واستغنوا به عن موالاتهم وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ فخصوه بالطاعة والاستعانة سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ وهو ما قذف فى قلوبهم من الخوف يوم أحد حتى تركوا القتال ورجعوا من غير سبب ولهم القوة والغلبة. والرعب خوف يملأ القلب بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ اى بسبب اشراكهم به تعالى فانه من موجبات خذلانهم ونصر المؤمنين(2/108)
عليهم ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ اى باشراكه سُلْطاناً اى حجة وبرهانا وما مفعول بوقوع أشركوا عليه اى آلهة ليس على اشراكها حجة ولم ينزل عليهم به سلطانا واصل السلطان القوة فسلطان الملك قوته وسلطان المدعى حجته وبها يقوى على دفع المبطل. وفيه إيذان بان المتبع فى الباب هو البرهان السماوي دون الآراء والأهواء الباطلة وَمَأْواهُمُ اى ما يأوون اليه فى الآخرة النَّارُ لا ملجألهم غيرها وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ والمخصوص بالذم محذوف اى النار وفى جعلها مثواهم بعد جعلها مأواهم نوع رمز الى خلودهم فيها فان المثوى مكان الاقامة المنبئة عن المكث واما المأوى فهو المكان الذي يأوى اليه الإنسان. والاشارة ان الله تعالى هو الذي يلقى الرعب والامن والرغبة والرهبة وغير ذلك فى قلوب العباد كما قال عليه السلام (قلوب العباد بيد الله يقلبها كيف يشاء) وقال (ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن ان شاء اقامه وان شاء ازاغه) فعلى العبد ان يتضرع الى الله ويسأل منه الغلبة على النفوس الكافرة خصوصا النفس الامارة فانه ان اتبع هواها وأطاعها فى مشتهاها ترده الى أسفل سافلين البشرية فينقلب خاسرا
نمى تازد اين نفس سركش چنان ... كه عقلش تواند كرفتن عنان
كه با نفس وشيطان بر آيد بزور ... مصاف پلنگان نيايد ز مور
قال الشيخ ابو على الروذبارى قدس سره دخلت الآفة من ثلاثة. سقم الطبيعة.
وملازمة العادة. وفساد الصحبة. فقيل له ما سقم الطبيعة قال أكل الحرام. فقيل وما ملازمة العادة قال النظر والاستماع بالحرام والغيبة. فقيل فما فساد الصحبة قال كلما هاج فى النفس شهوة تتبعها ومن لم يصحبه فى هذا الباب توفيق من ربه كان متروكا فى ظلمة نفسه ألا ترى الى قوله تعالى بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ اى يخرجكم من ظلمات البشرية الى أنوار الربوبية فمن اتبع هواه وجعله مولى لنفسه فكيف يصاحبه الخروج من الظلمات وانما سببه ان ينقطع العبد الى مولاه الحقيقي ولا يعبد الا إياه- حكى- عن الأصمعي انه قال ان فتى جميلا خرج فى سفر له فوقع فى فلاة من الأرض وصاحبته امرأة فعشقته فقالت ايها الفتى هل تحسن شيأ من الشعر قال نعم قالت قل فانشد
ولست من النساء وسن منى ... ولا أبغي الفجور الى الممات
فلا لا تطمعى فيما لدينا ... ولو قد طال سير فى الفلاة
فان الله يبصر فوق عرش ... ويغضب للفعال الموبقات
قالت دعنا من شعرك هل تقرأ شيأ من القرآن قال نعم قالت قل فقرأ قول الله تعالى الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ قالت دعنى من قراءتك هذه فرجعت وهى خائبة فانظر الى حال الفتى وتوقيه عن شهوته كيف صبر عن المعصية والله يحب الصابرين
جوان چست مى بايد كه از شهوت بپرهيزد ... كه پيرست رغبت را خود آلت بر نمى خيزد
ولذلك قال بعض المشايخ من لم يكن فى بدايته صاحب مجاهدة لم يجد من هذه الطريقة شمة وذلك لان الزهد بعد الأربعين بارد لا يثمر نفعا كثيرا ولا يغرنك هذا الخبر ويحملك على(2/109)
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)
التكاسل فان المرء لا يصل الى حيث يسقط عنه الأمر والنهى والغرض هو العبادة الى ان يأتى اليقين فالشبان والشيوخ فى باب التكليف متساوون وربما يتدارك فى الشيخوخة ما لا يتدارك فى الشباب: قال الحافظ الشيرازي
اى دل شباب رفت ونچيدى كلى ز عمر ... پيرانه سر بكن هنرى ننك ونام را
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ نصب على انه مفعول ثان لصدق صريحا او بنزع الجار اى فى وعده. نزلت حين قال ناس من المؤمنين عند رجوعهم الى المدينة من اين أصابنا هذا وقد وعدنا الله بالنصر وهو ما وعدهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من النصر حيث قال للرماة لا تبرحوا مكانكم فانا لا نزال غالبين ما دمتم فى هذا المكان وقد كان كذلك فان المشركين لما اقبلوا جعل الرماة يرشقون نبلهم والباقون يضربون بالسيوف حتى انهزموا والمسلمون على آثارهم يقتلونهم قتلا ذريعا وذلك قوله تعالى إِذْ تَحُسُّونَهُمْ اى تقتلونهم قتلا كثيرا فاشيا من حسه إذا أبطل حسه وذلك يكون بالقتل وهو ظرف لصدقكم بِإِذْنِهِ ملتبسين بمشيئته وتيسيره وتوفيقه حال من فاعل تحسونهم حَتَّى ابتدائية داخلة على الجملة الشرطية إِذا فَشِلْتُمْ اى جبنتم وضعف رأيكم او ملتم الى الغنيمة فان الحرص من ضعف القلب وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ اى فى امر الرسول صلى الله عليه وسلم فقال بعض الرماة حين انهزم المشركون وولوا هاربين والمسلمون على أعقابهم قتلا وضربا فما موقفنا هذا وقال رئيسهم عبد الله بن جبير لا نخالف امر الرسول عليه الصلاة والسلام فثبت مكانه فى نفر دون العشرة من أصحابه ونفر الباقون للنهب وذلك قوله تعالى وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ اى من الظفر والغنيمة وانهزام العدو فلما رأى المشركون ذلك حملوا عليهم من قبل الشعب وقتلوا امير الرماة ومن معه من أصحابه وقد سبق وقيد العصيان بما بعده تنبيها على عظم المعصية لانهم لما شاهدوا ان الله تعالى أكرمهم بانجاز الوعد كان من حقهم ان يمتنعوا عن المعصية وجواب إذا محذوف وهو منعكم نصره مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وهم الذي تركوا المركز واقبلوا على النهب قال ابن مسعود رضى الله عنه ما علمت ان أحدا منا يريد الدنيا حتى نزلت هذه الآية وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وهم الذي ثبتوا مكانهم حتى نالوا شرف الشهادة ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ عطف على الجواب المحذوف كما أشير اليه اى ردكم عن الكفار وكفكم بالهزيمة بعد ان أظفركم عليهم فحالت الريح دبورا بعد ما كانت صبا لِيَبْتَلِيَكُمْ اى يعاملكم معاملة من يمتحنكم ليظهر ثباتكم على الايمان عندها وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ تفضلا او لما علم من ندمكم على المخالفة وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ اى شأنه ان يتفضل عليهم بالعفو أو هو متفضل عليهم فى جميع الأحوال أديل لهم او أديل عليهم إذ الابتلاء ايضا رحمة بحسب اقتضاء أحوالهم ذلك إِذْ تُصْعِدُونَ متعلق بصرفكم. والإصعاد الذهاب والابعاد فى الأرض وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ اى لا تلتفتون الى ماوراءكم ولا يقف واحد منكم لواحد وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ كان صلى الله عليه وسلم يدعوهم الىّ عباد الله انا رسول الله من يكرّ فله الجنة امرا(2/110)
بالمعروف ونهيا عن المنكر وهو الانهزام وترك قتال الكفار لا استعانة بهم فِي أُخْراكُمْ فى ساقتكم وجماعتكم الاخرى والمعنى انه عليه السلام كان يدعوهم وهو واقف فى آخرهم لان القوم بسبب الهزيمة قد تقدموه فَأَثابَكُمْ عطف على صرفكم اى فجازاكم الله بما صنعتم غَمًّا موصولا بِغَمٍّ من الاغتمام بالقتل والجرح وظفر المشركين والإرجاف بقتل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم او عما بمقابلة غم أذقتموه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعصيانكم له لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ اى لتتمرنوا على الصبر فى الشدائد وتعتاد وأتجرع الغموم فلا تحزنوا على نفع فات او ضرّ آت وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ اى عالم بأعمالكم وبما قصدتم بها. واعلم ان الصبر واليقين والتوكل على الله والاتقاء عن ميل الدنيا وزخارفها ومخالفة الرسول مستلزم لامداد النصر والظفر والفشل والتنازع والميل الى الدنيا وعصيان رسول صلى الله تعالى عليه وسلم موجب للابتلاء والصرف عن العدو فمن أراد النصرة على الأعداء الظاهرة والباطنة لا يسلك طريقا غير ما عينه الشارع
ويرضى بالابتلاء ولا يغتم لآخرته بل يجد غم طلب الحق ألذ من نعيم الدنيا والآخرة ويصبر على مقاساة الشدائد فى باب الدين.
صبر آرد آرزو رانى شتاب ... صبر كن والله اعلم بالصواب
قال ذو النون قدس سره العزيز ان أدنى منازل المريد أن الله تعالى لو ادخله النار وأحاط به عذابه مع هذه الارادة لم يزدد قلبه إلا حباله وأنسابه وشوقا اليه وكانت الجنة عنده أصغر فى جنب إرادته من خردلة بين السماء والأرض فعلى السالك ان يذيق نفسه مرارة الطاعة ويدخلها فى باب التسليم ليكون عند الله مماله قدر وسبق- حكى- عن على كرم الله وجهه انه قال قلت لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ابى بكر الصديق رضى الله عنه يا خليفة رسول الله بم بلغت هذه المنزلة حتى سبقتنا سبقا فقال بخمسة أشياء. أولها وجدت الناس صنفين مريد الدنيا ومريد العقبى فكنت انا مريد المولى. والثاني مذ دخلت فى الإسلام ما شبعت من طعام الدنيا لان لذة معرفة الله شغلتنى عن لذائذ طعام الدنيا. والثالث مذ دخلت فى الإسلام ما رويت من شراب الدنيا لان محبة الله شغلتنى عن شراب الدنيا. والرابع كلما استقبلني عملان عمل الدنيا وعمل الآخرة اخترت عمل الآخرة على عمل الدنيا. والخامس صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فاحسنت صحبته أقول ولذلك لم ينفك عن ملازمة صحبته ساعة حتى دخل معه فى الغار وقاسى ما قاسى من الشدائد فى حقه صلى الله تعالى عليه وسلم ومع ذلك لم يزغ قلبه عن مواصلته قط ولم يهم بمخالفته أصلا كما وقع ذلك من بعض الصحابة كما فى المنهزمين
كيست دانى صوفئ صافى زرنگ تفرقه ... آنكه دارد روبيك رنكى درين كاخ دو رنگ
نكسلد سر رشته سرش ز جانان گر بفرض ... روبرو كيرد ز يك سو شير وديكر سو پلنگ
اوحى الله الى ابراهيم عليه السلام ان يا ابراهيم أنت خليلى وانا خليلك فانظر فى ان لا تشغل سرك بغيري وانا انظر فى سرك فأراه مشتغلا بغيري فتقطع خلتى منك لان الصادق فى دعوى خلتى من لو احرق بالنار لم يجعل سره الى غيرى إجلالا لحرمتى لان كل سر انفصل ساعة عن مشاهدتى لا يصلح لمحادثتى ونظرى ثم قال له اسلم قال أسلمت لرب العالمين ثم ابتلاه(2/111)
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)
حين رمى بالمنجنيق فى النار ولم يجزع على ما أصابه بل فوض امره الى الله حتى شرفه الله بالخلة وجعل النار له بردا وسلاما فحسن الرضى على ما جاء من عند الله يوصل العبد الى المقامات العلية والحالات السنية والعمدة هو التوحيد وبه تسهل قوة اليقين والوصول الى مقام الولاية.
وسئل يحيى بن معاذ عن صفة الولي فقال الصبر شعاره والشكر دثاره والقرآن معينه والحكمة علمه والتوكل صابونه والفقر منيته والتقوى مطيته والغربة ملازمته والحزن رفيقه والذكر جليسه والله تعالى انيسه
قوت روح أوليا ذكر حقست ... پيشه ايشان شكر مطلقست
كر خبر دارى ز اسرار خدا ... روبراه ذكر وطاعت حقيا
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ عطف على قوله فاثابكم وانزل مجاز اى اعطى ووهب لكم ايها المؤمنون مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ المذكور أَمَنَةً اى أمنا نصب على المفعولية نُعاساً بدل منها وهو الوسن. قال ابو طلحة رفعت رأسى يوم أحد فجعلت لا ارى أحدا من القوم الا وهو يميد تحت جحفته من النعاس وكنت ممن القى عليه النعاس يومئذ فكان السيف يسقط من يدى فآخذه ثم يسقط السوط فآخذه وفيه دلالة على ان من المؤمنين من لم يلق عليه النعاس كما ينبئ عنه قوله تعالى يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وهم المهاجرون وعامة الأنصار ولا يقدح ذلك فى عموم الانزال للكل والجملة فى محل النصب على انها صفة لنعاسا وَطائِفَةٌ مبتدأ وهم المنافقون قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ اى أوقعتهم فى الهموم والأحزان او ما بهم إلا همّ أنفسهم وقصد خلاصها يَظُنُّونَ بِاللَّهِ حال من ضمير أهمتهم غَيْرَ الْحَقِّ غير الظن الحق الذي يجب ان يظن به سبحانه ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ بدل منه وهو الظن المختص بالملة الجاهلية وأهلها يَقُولُونَ بدل من يظنون اى لرسول الله صلى الله عليه وسلم على صورة الاسترشاد هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ اى من امر الله تعالى ووعده من النصر والظفر مِنْ شَيْءٍ من نصيب قط قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ اى الغلبة بالآخرة لله تعالى ولاوليائه فان حزب الله هم الغالبون يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ حال من ضمير يقولون اى مظهرين انهم مسترشدون طالبون للنصر مبطنين الإنكار والتكذيب يَقُولُونَ كأنه قيل أي شىء يخفون فقيل يحدثون أنفسهم او يقول بعضهم لبعض فيما بينهم خفية لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ كما وعد محمد صلى الله عليه وسلم من ان الغلبة لله ولاوليائه وان الأمر كله لله ما قُتِلْنا هاهُنا ما غلبنا او ما قتل من قتل منا فى هذه المعركة على ان النفي راجع الى نفس القتل لا الى وقوعه فيها فقط او لو كان لنا اختيار فى الخروج وتدبير لم نبرح كما كان رأى ابن أبيّ وغيره قُلْ يا محمد تكذيبا لهم وابطالا لمعاملتهم لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ اى لو لم تخرجوا الى أحد وقعدتم بالمدينة كما تقولون لَبَرَزَ اى لخرج الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ اى فى اللوح المحفوظ بسبب من الأسباب الداعية الى البروز إِلى مَضاجِعِهِمْ الى مصارعهم التي قدره الله تعالى فيها وقتلوا هناك البتة ولم تنفع العزيمة على الاقامة بالمدينة قطعا فان قضاء الله لا يرد وحكمه لا يعقب وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ علة لفعل مقدر قبلها معطوفة على علل لها اخرى(2/112)
إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)
مطوية للايذان بكثرتها كأنه قيل فعل ما فعل لمصالح جمة وليبتلى اى ليعاملكم معاملة من يبتلى ما فى صدوركم من الإخلاص والنفاق ويظهر ما فيها من السرائر وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ من مخفيات الأمور ويكشفها او يخلصها من الوساوس وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ اى السرائر والضمائر التي لا تكاد تفارق الصدور بل تلازمها وتصاحبها إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا اعرضوا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ من المسلمين والكافرين وهم الذين انهزموا يوم أحد إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ اى انما كان سبب انهزامهم ان الشيطان طلب منهم الزلل ودعاهم اليه بِبَعْضِ ما كَسَبُوا من الذنوب والمعاصي التي هى مخالفة امر النبي عليه السلام وترك المركز والحرص على الغنيمة والحياة فحرموا التأييد وقوة القلب وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ لتوبتهم واعتذارهم إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ للذنوب حَلِيمٌ لا يعاجل بعقوبة المذنب ليتوب والنكتة فيه ان الشيطان خلق من النار فبالشيطان ونار وسوسته استخرج من معدن الإنسان حديد ما كسبوا من التولي ليجعله مرآة ظهور صفاته العفو والمغفرة والحلم وهذا قوله عليه الصلاة والسلام (لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم) ليعلم ان لله تعالى فى كل شىء من الخير والشر اسرارا لا يبلغ كنهها الا هو ولا يحيطون بشىء من علمه الا بما شاء والشيطان لا يقدر على إغواء المخلصين من اهل اليقين والنورانيين وما لم يكن فى القلب ظلمة وشوب من الهوى بسبب ارتكاب الذنوب لم يكن له مجال للوسوسة فالسالكون الذين نجوا من ظلمات النفس لا يقدر الشيطان ان يقرب منهم فضلا عن وسوستهم- قيل- رأى الجنيد إبليس فى منامه عريانا فقال ألا تستحيى من الناس فقال هؤلاء ناس. الناس أقوام فى مسجد الشونيزية أفنوا جسدى واحرقوا كبدى قال الجنيد فلما انتبهت غدوت الى المسجد فرأيت جماعة وضعوا رؤسهم على ركبهم متفكرين فلما رأونى قالوا لا يغرنك حديث الخبيث فاذا تنور القلب بنور المعرفة لا يحوم حوله بالوسوسة الشيطان الناري. وعن ابى سعيد الخراز قدس سره قال رأيت إبليس فى المنام فاخذت عصاى لاضربه فقيل لى انه لا يفزع من هذا انما يخاف من نور يكون فى القلب. قال حجة الإسلام الغزالي فى الاحياء حكى ان إبليس بث جنوده فى وقت الصحابة فرجعوا اليه مخسورين فقال ما شأنكم قالوا ما رأينا مثل هؤلاء ما نصيب منهم شيأ وقد اتعبونا فقال انكم لا تقدرون عليهم وقد صحبوا نبيهم وشهدوا نزول الوحى ولكن سيأتى بعدهم قوم تنالون منهم حاجتكم فلما جاء التابعون بث جنوده فرجعوا اليه منكسرين فقالوا ما رأينا اعجب من هؤلاء نصيب منهم الشيء بعد الشيء من الذنوب فاذا آن آخر النهار أخذوا فى الاستغفار فتبدل سيآتهم حسنات فقال انكم لن تنالوا من هؤلاء شيأ لصحة توحيدهم واتباعهم لسنة نبيهم محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ولكن سيأتى بعد هؤلاء قوم تقر أعينكم بهم تلعبون بهم لعبا وتقودونهم بازمة اهوائهم كيف شئتم لا يستغفرون فيغفر لهم فلا يتوبون فتبدل سيآتهم حسنات قال فجاء قوم بعد القرون الاولى فبث فيهم الأهواء وزين لهم البدع فاستحلوها واتخذوها دينا لا يستغفرون منها ولا يتوبون عنها فسلط إبليس عليهم الأعداء وقادوهم حيث شاؤا(2/113)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)
نه إبليس در حق ما طعنه زد ... كزينان نيايد بجز كار بد
فغان از بديها كه در نفس ماست ... كه ترسم شود ظن إبليس راست
چوملعون پسند آمدش قهر ما ... خدايش بر انداخت از بهر ما
كجا بر سر آريم ازين عار وننك ... كه با او بصلحيم وبا حق بجنگ
من بستان السعدي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وهم المنافقون القائلون لو كان لنا من الأمر شىء ما قتلنا هاهنا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ لاجل إخوانهم وفى حقهم ومعنى الاخوة اتفاقهم نسبا او مذهبا وعقيدة إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ اى سافروا فيها وابعدوا للتجارة وسائر المهام فماتوا فى سفرهم أَوْ كانُوا اى إخوانهم غُزًّى جمع غازى كعفى جمع عافى وسجد جمع ساجد اى إذا خرجوا الى الغزو فقتلوا لَوْ كانُوا عِنْدَنا اى مقيمين بالمدينة ما ماتُوا فى سفرهم وَما قُتِلُوا فى الغزو وليس المقصود بالنهى عدم مماثلتهم فى النطق بهذا القول بل فى الاعتقاد بمضمونه والحكم بموجبه لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ متعلق بقالوا على ان اللام لام العاقبة كما فى قوله ربيته ليؤذينى وليست لام العلة والغرض لانهم لم يقولوه لذلك وانما قالوه لتثبيط المؤمنين عن الجهاد والمعنى انهم قالوا ذلك القول واعتقدوه لغرض من أغراضهم فكان عاقبة ذلك القول ومصيره الى الحسرة وهى أشد الندامة التي تقطع القوة والمراد بالتعليل المذكور بيان عدم ترتب فائدة ما على ذلك أصلا ووجه كون تكلم ذلك الكلام حسرة فى قلوبهم زاعمين ان من مات او قتل منهم انما مات او قتل بسبب تقصيرهم فى منع هؤلاء القتلى عن السفر والغزو ومن اعتقد ذلك لا شك انه تزداد حسرته وتلهفه واما المسلم الذي يعتقد ان الموت والحياة لا يكون الا بتقدير الله وقضائه لا يحصل فى قلبه هذه الحسرة وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ رد لقولهم الباطل اى هو المؤثر فى الحياة والممات وحده من غير ان يكون للاقامة او للسفر مدخل فى ذلك فانه تعالى قد يحيى المسافر والغازي مع اقتحامهما لموارد الحتوف ويميت المقيم والقاعد مع حيازتهما لاسباب السلامة
اى بسا اسب تيزرو كه بماند ... كه خر لنك جان بمنزل برد
بس كه در خاك تن درستان را ... دفن كردند وزخم خورده نمرد
وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فلا تكونوا مثل هؤلاء المنافقين وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ فى سبيله وأنتم مؤمنون واللام هى الموطئة للقسم المحذوف وجوابه قوله تعالى لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ وحذف جواب الشرط لسد جواب القسم مسده لكونه دالا عليه والمعنى ان السفر والغزو ليس مما يجلب الموت ويقدم الاجل أصلا ولئن وقع ذلك بامر الله تعالى لنفحة يسيرة من مغفرة ورحمة كائنتين من الله تعالى بمقابلة ذلك خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ اى الكفرة من منافع الدنيا وطيباتها مدة أعمارهم. فان قيل كيف تكون المغفرة موصوفة بانها خير مما يجمعون ولا خير فيما يجمعون أصلا. قلنا ان الذي يجمعونه فى الدنيا قد يكون من باب الحلال الذي يعد خيرا وايضا هذا وارد على حسب قولهم ومعتقدهم ان تلك الأموال خيرات فقيل المغفرة خير من هذه الأشياء التي تظنونها خيرات وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ اى(2/114)
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)
على أي وجه اتفق هلاككم حسب تعلق الارادة الإلهية لَإِلَى اللَّهِ اى الى المعبود بالحق العظيم الشان الواسع الرحمة الجزيل الإحسان تُحْشَرُونَ لا الى غيره فيوفى أجوركم ويجزل لكم عطاياكم. واعلم ان هذه الآيات على ترتيب أنيق فانه قال فى الآية الاولى لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وهى التجاوز عن السيئات وذلك اشارة الى من يعبد الله خوفا من عقابه ثم قال وَرَحْمَةٌ وهى التفضل بالمثوبات وهو اشارة الى من يعبده ثوابه ثم قال فى آخر الآية لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ وهو اشارة الى من يعبد الله لمجرد الربوبية والعبودية وهذا أعلى المقامات: قال عبد الرحمن الجامى
جانا ز در تو دور نتوانم بود ... قانع ببهشت وحور نتوانم بود
سر بر در تو بحكم عشقم نه بمزد ... زين در چهـ كنم صبور نتوانم بود
فبين الحشر الى مغفرة الله والحشر الى الله فرق كثير- روى- ان عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام مر بأقوام نحفت أبدانهم واصفرت وجوههم ورأى عليهم آثار العبادة فقال ماذا تطلبون فقالوا نخشى عذاب الله فقال هو أكرم من ان لا يخلصكم من عذابه ثم مر بأقوام آخرين فرأى عليهم تلك الآثار فسألهم فقالوا نطلب الجنة والرحمة فقال هو أكرم من ان يمنعكم رحمته ثم مر بقوم ثالث ورأى آثار العبودية عليهم اكثر فسألهم فقالوا نعبده لانه الهنا ونحن عبيده لا لرغبة ولا لرهبة فقال أنتم العبيد المخلصون والمتعبدون المحقون
كر كند جاى بدل عشق جمال أزلت ... چشم اميد بحوران بهشتى ننهى
كى مسلم شودت عشق جمال ازلى ... تا بر آفاق همه تهمت زشتى ننهى
- حكى- ان امرأة قالت لجماعة ما السخاء عندكم قالوا بذل المال قالت هو سخاء اهل الدنيا والعوام فما سخاء الخواص قالوا بذل المجهود فى الطاعة قالت ترجون الثواب قالوا نعم قالت تأخذون العشرة بواحد لقوله تعالى مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها فاين السخاء قالوا فما عندك قالت العمل لله لا للجنة ولا للنار ولا للثواب وخوف العقاب وذلك لا يمكن الا بالتجريد والتفريد والوصول الى حقيقة الوجوه. فعلى السالك ان يعرض عن الدنيا والآخرة ويقبل على الله حتى يكشف عن وجهه الحجاب ويصل الى رب الأرباب. قال الامام فى تفسيره الإنسان إذا توجه الى الجهاد اعرض قلبه عن الدنيا واقبل على الآخرة فاذا مات فكأنه تخلص من العدو ووصل الى المحبوب وإذا جلس فى بيته خائفا من الموت حريصا على جمع الدنيا فاذا مات فكأنه حجب عن المعشوق والقى فى دار الغربة ولا شك فى كمال سعادة الاول وكمال شقاوة الثاني انتهى فحشر الغافلين بالحجاب وحشر الواصلين بإظهار الجناب فمن كان فى هذه الدنيا أعمى بحب المال والمنال كان فى الآخرة محجوبا عن مشاهدة الجمال فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ما مزيدة للتأكيد اى فبرحمة عظيمة لهم كائنة من الله تعالى وهى ربطه على جأشه وتخصيصه بمكارم الأخلاق كنت لين الجانب لهم وعاملتهم بالرفق والتلطف بعد ما كان منهم ما كان من مخالفة أمرك وإسلامك للعدو وَلَوْ لم تكن كذلك بل كُنْتَ فَظًّا جافيا فى المعاشرة قولا وفعلا غَلِيظَ الْقَلْبِ قاسيه غير رقيق. فالفظ سيئ الخلق وغليظ(2/115)
القلب هو الذي لا يتأثر قلبه من شىء فقد لا يكون الإنسان سيئ الخلق ولا يؤذى أحدا ولكنه لا يرق لهم ولا يرحمهم فظهر الفرق بينهما لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ اى لتفرقوا من عندك ولم يسكنوا إليك وتردوا فى مهاوى الردى فَاعْفُ عَنْهُمْ فيما يتعلق بحقوقك كما عفا الله عنهم وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ فيما يتعلق بحقوقه تعالى إتماما للشفقة عليهم وإكمالا للبرّ بهم وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ اى استخرج آراءهم واعلم ما عندهم فى امر الحرب إذ هو المعهود او فيه وفى أمثاله مما تجرى فيه المشاورة عادة استظهارا بآرائهم وتطبيبا لقلوبهم ورفعا لاقدارهم وتمهيدا لسنة المشاورة للامة فَإِذا عَزَمْتَ اى عقيب المشاورة على شىء واطمأنت به نفسك فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فى إمضاء أمرك على ما هو ارشد وأصلح فان ما هو أصلح لك لا يعلمه الا الله لا أنت ولا من تشاور إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ عليه تعالى فينصرهم ويرشدهم الى ما فيه خير لهم وصلاح والتوكل تفويض الأمر الى الله والاعتماد على كفايته. قال الامام دلت الآية على انه ليس التوكل ان يهمل الإنسان نفسه كما يقوله بعض الجهال وإلا لكان الأمر بالمشاورة منافيا للامر بالتوكل بل التوكل هو ان يراعى الإنسان الأسباب الظاهرة ولكن لا يعول بقلبه عليها بل يعول على عصمة الحكمة. واعلم ان الله تعالى بين ان اصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يتفرقون عنه لو كان فظا غليظا مع ان اتباعه دين وفراقه كفر فكيف يتوقع من يعامل الناس على خشونة اللفظ مع قسوة القلب ان ينقاد الناس كلهم له ويتابعوه ويطاوعوه فاللين فى القول انفذ فى القلوب واسرع الى الاجابة وادعى الى الطاعة ولذلك امر الله موسى وهارون به فقال فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً
بنرمى ز دشمن توان كند پوست ... چوبا دوست سختى كنى دشمن اوست
چوسندان كسى سخت رويى نبرد ... كه خايسك تأديب بر سر نخورد
قال الامام فى تفسيره اللين والرفق انما يجوز إذا لم يفض الى إهمال حق من حقوق الله فاما إذا ادى الى ذلك لم يجز قال الله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وقال للمؤمنين فى اقامة حد الزنى وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ والتحقيق ان طرفى الافراط والتفريط مذمومان والفضيلة فى الوسط فورود الأمر بالتغليظ مرة واخرى بالنهى عنه انما كان لاجل ان يتباعد عن الافراط والتفريط فيبقى على الوسط الذي هو الصراط المستقيم ولهذا السر مدح الله تعالى الوسط فقال وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً قال عليه السلام (لا تكن مرّا فتعقى ولا حلوا فتسترط)
چونرمى كنى خصم گردد دلير ... وگر خشم گيرى شوند از تو سير
درشتى ونرمى بهم در بهست ... چورك زن كه جراح ومرهم نهست
واعلم ان المقصود من البعثة ان يبلغ الرسول تكليف الله الى الخلق وهذا المقصود لا يتم الا إذا مالت قلوبهم اليه وسكنت نفوسهم لديه وهذا لا يتم الا إذا كان كريما رحيما يتجاوز عن ذنبهم ويعفو عن إساءتهم ويخصهم بوجوه البر والمكرمة والشفقة فلهذه الأسباب وجب ان يكون الرسول متبرئا من سوء الخلق وحيث يكون كذلك وجب ان يكون غير غليظ القلب بل يكون كثير الميل الى اعانة الضعفاء كثير القيام باعانة الفقراء كثير التجاوز عن سيآتهم كثير الصفح(2/116)
إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)
عن زلاتهم فلهذا المعنى قال وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ولو انفضوا من حولك فات المقصود من البعثة والرسالة وهكذا ينبغى ان يكون علماء الآخرة الوارثون والمشايخ فان الناس على دين متبوعهم فى الظاهر والباطن وقلما يوجد من يتصف بالأخلاق الحسنة من المشايخ والعلماء فى هذا الزمان الا من عصمه الله وهداه الى التمسك بالشريعة والتحقق بآداب الحقيقة وهذه الحال ليست الا لواحد بعد واحد- روى- انه خلا باحنف المضروب به المثل فى الحلم رجل فسبه سبا قبيحا فقام الأحنف وهو يتبعه فلما وصل الى قومه وقف وقال يا أخي ان كان قد بقي من قولك فضلة فقل الآن ولا يسمعك قومى فتؤذى فانظر الى خلق الأحنف كيف عامل مع الرجل وجامل وقال له رجل دلنى على المروة فقال عليك بالخلق الفسيح والكف عن القبيح. قال نجم الدين الكبرى فى تأويلاته كل لين يظهر فى قلوب المؤمنين بعضهم على بعض فهو رحمة الله ونتيجة لطفه مع عباده لا من خصوصية أنفسهم فان النفس لامارة بالسوء وان كانت نفس الأنبياء عليهم السلام انتهى. وفى هذا الكلام تنبيه على ان الأنبياء وان كان سلوكهم من النفس المطمئنة الى الراضية والمرضية والصافية الى ان بلغوا مبلغ النبوة والرسالة لكن نفوسهم متصفة بالامارية كسائر الناس ولكن الله يعصمهم من مقتضاها فافهم فانه محل اعتبار وإمعان إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ النصر نوعان معونة ومنع اى ان يعنكم الله ويمنعكم من عدوكم كما فعل ذلك يوم بدر فَلا غالِبَ لَكُمْ فلا أحد يغلبكم وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ الخذلان القعود عن النصرة والإسلام للهلكة اى ان يترككم فلم ينصركم كما فعله يوم أحد فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ استفهام إنكاري مفيد لانتفاء الناصر ذاتا وصفة بطريق المبالغة مِنْ بَعْدِهِ اى من بعد خذلانه وهذا تنبيه على ان الأمر كله لله ولذا امر بالتوكل عليه فقال وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ فليخصوه بالتوكل عليه لما علموا ان لا ناصر سواه وآمنوا به من قبل ومن التوكل ان لا تطلب لنفسك ناصرا غير الله تعالى ولا لرزقك خازنا غيره ولا لعلمك شاهدا غيره. وعن عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يدخل سبعون الفا من أمتي الجنة بغير حساب) قيل يا رسول الله من هم قال (هم الذين لا يكتدون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) فقال عكاشة بن محصن يا رسول الله ادع الله ان يجعلنى منهم قال (أنت منهم) ثم قام آخر فقال يا رسول الله ادع الله ان يجعلنى منهم فقال (سبقك بها عكاشة) وقال صلى الله عليه وسلم (لو انكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا) . وعن بعضهم قال كنت فى البادية فتقدمت القافلة فرأيت قدّامى واحدا فسارعت حتى أدركته فاذا هو امرأة بيدها ركوة وعكازة تمشى على الرعدة فظننت انها أعيت فادخلت يدى فى جيبى فاخرجت عشرين درهما فقلت خذى هذه وامكثى حتى تلحقك القافلة فتكترى بها ثم ائتنى الليلة حتى أصلح أمرك فقالت بيدها هكذا فى الهواء فاذا فى كفها دنانير فقالت أنت أخذت الدراهم من الجيب وانا أخذت الدنانير من الغيب: قال الحافظ الشيرازي
برو از خانه كردون بدر ونان مطلب ... كاين سيه كاسه در آخر بكشد مهمانرا
قال القشيري حقيقة النصر ان ينصرك على نفسك فانها أعدى عدوك وهى ان يهدم عنك(2/117)
وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162)
دواعى فتنتها بعواصم رحمته حتى ينفض جنود الشهوات بهجوم وفور المنازلات فتبقى الولاية لله تعالى خالصة من رعونات الدواعي التي هى أوصاف البشرية وشهوات النفوس وان يخذلكم فالخذلان التخلية بينه وبين المعاصي فمن نصره قبض على يده عند الهم بتعاطى المكروه ومن خذله القى حبله على غاربه ووكله الى سوء اختياره فيهيم على وجهه فى فيافى البعد فتارة يشرق غير محتشم وتارة يغرب غير محترم ومن سيبه الحق فلا آخذ ليده ولا جابر لكسره وعلى الله فليتوكل المؤمنون فى وجدان الامان من هذه الاخطار عند صدق الابتهال واسبال ثوب العفو على الاجرام عند خلوص الالتجاء بالتبري من الحول والقوة ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم.
جهان آفرين كر نه يارى كند ... كجا بنده پرهيز كارى بود
وَما كانَ لِنَبِيٍّ اى وما صح لنبى من الأنبياء عليهم السلام وما استقام له أَنْ يَغُلَّ اى يخون فى المغنم فان الغلول هو أخذ شىء من مال الغنيمة خفية وخيانة لكونها سببا للعار فى الدنيا وللنار فى العقبى تنافى منصب النبوة التي هى أعلى المناصب الانسانية والمراد اما تنزيه ساحة رسول الله عليه السلام عما ظن به الرماة يوم أحد حتى تركوا المركز وأفاضوا فى الغنيمة وقالوا تخشى ان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخذ شيأ فهو له ولا يقسم الغنائم كما لم يقسمها يوم بدر فقال لهم صلى الله عليه وسلم (ألم اعهد إليكم ان لا تتركوا المركز حتى يأتيكم امرى) فقالوا تركنا بقية إخواننا وقوفا فقال صلى الله عليه وسلم (بل ظننتم انا نغل ولا نقسم بينكم) واما المبالغة فى النهى لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما روى انه بعث طلائع فغنم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بعدهم فقسمها بين الحاضر ولم يترك للطلائع شيأ فنزلت والمعنى ما كان لنبى ان يعطى قوما من العسكر ويمنع آخرين بل عليه ان يقسم بين الكل بالسوية وعبر عن حرمان بعض الغزاة بالغلول تغليظا وتقبيحا لصورة الأمر وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ اى يأت بالذي غل بعينه يحمله على عنقه فيفتضح به على رؤوس الاشهاد وهو كقوله عليه السلام (من غصب قدر شبر من الأرض طوقه الله يوم القيامة من سبع ارضين) قال عليه السلام (من بعثناه على عمل فغل شيأ جاء يوم القيامة يحمله على عنقه) وقال صلى الله عليه وسلم (هدايا الولاة غلول) اى قبول الولاة الهدايا غلول لانه فى معنى الرشوة. وروى انه صلى الله عليه وسلم (قال ألا لا اعرفن أحدكم يأتى ببعير له رغاء وببقر له خوار وشاة لها ثغاء فينادى يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك من الله شيأ فقد بلغتك) وقيل لابى هريرة رضى الله عنه كيف يأتى بما غل وهو كثير كبير بان غل أموالا جمة فقال أرأيت من كان ضرسه مثل أحد وفخذه مثل ودقان وساقه مثل جبل ومجلسه ما بين المدينة وريدان يحمل مثل هذا ويجوز ان يراد بما احتمل من وباله وإثمه ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ اى تعطى وافيا جزاء ما كسبت خيرا او شرا كثيرا أو يسيرا وكان اللائق بما قبله ان يقال ثم يوفى ما كسب لكنه عمم الحكم ليكون كالبرهان على المقصود والمبالغة فيه فانه إذا كان كل كاسب مجزيا بعمله فالغال مع عظم جرمه بذلك اولى وَهُمْ اى كل الناس المدلول عليهم بكل نفس لا يُظْلَمُونَ بزيادة عقاب او بنقص ثواب أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ الهمزة(2/118)
هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)
للانكار والفاء للعطف على محذوف والتقدير أمن اتقى فاتبع رضوان الله اى سعى فى تحصيله وانتحى نحوه حيثما كان يفعل الطاعات ويترك المنكرات كالنبى ومن يسير بسيرته كَمَنْ باءَ اى رجع بِسَخَطٍ غضب عظيم لا يقادر قدره كائن مِنَ اللَّهِ بسبب معاصيه كالغال ومن تدين بدينه والمراد انهما لا يستويان وَمَأْواهُ اى مأوى من باء بسخط من الله جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ والفرق بينه وبين المرجع ان المصير يجب ان يخالف الحالة الاولى ولا كذلك المرجع هُمْ راجع الى الموصولين باعتبار المعنى دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ اى طبقات مختلفة متفاوتة فى علمه وحكمه تعالى شبهوا فى تفاوت الأحوال وتباينها بالدرجات مبالغة وإيذانا بأن بينهم تفاوتا ذاتيا كالدرجات ومراتب الخلق فى اعمال المعاصي والطاعات متفاوتة فوجب ان تتفاوت مراتبهم فى درجات العقاب والثواب لقوله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ والمعنى ذو درجات وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ من الأعمال ودرجاتها فمجازيهم بحسبها. واعلم ان الغلول من الكبائر والغال خائن ومن حاله ان يكون الغالب عليه النفس وهواها والأنبياء منسلخون عن صفات البشرية متصفون بصفات الربوبية معصومون من الرذائل وصفات النفس ودواعى الشيطان قائمون بالله فلا يمكن صدور أمثال ذلك منهم فالنبى فى جنة الصفات ومقام الرضوان والغال فى جحيم النفس وهاوية الهوى فلا يساوى حال الغال احوال الأنبياء ولذلك قال هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ فعلى العاقل ان يسارع الى تكميل الدرجات والوصول الى احسن الحالات. قالوا اهل الجنة اربعة اصناف. الرسل والأنبياء. ثم الأولياء وهم اتباع الرسل على بصيرة وبينة من ربهم. ثم المؤمنون وهم المصدقون بهم عليهم السلام. ثم العلماء بتوحيد الله انه لا اله الا هو من حيث الادلة العقلية وهم المراد باولى العلم فى قوله تعالى شَهِدَ اللَّهُ وفيهم يقول الله يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وهؤلاء الطوائف الأربع يتميزون فى جنات عدن عند رؤية الحق فى الكثيب الأبيض وهم فيه على اربعة مقامات. طائفة منهم اصحاب منابر وهى الطبقة العليا الرسل والأنبياء. والطائفة الثانية هم الأولياء ورثة الأنبياء قولا وعملا وحالا وهم اصحاب الاسرة والعرش. والطبقة الثالثة العلماء بالله من طريق النظر البرهاني العقلي وهم اصحاب الكرسي. والطبقة الرابعة هم المؤمنون المقلدون فى توحيدهم ولهم المراتب وهم فى المحشر مقدمون على اصحاب النظر العقلي وهم فى الكثيب يتقدمون على المقلدين
قيامت كه نيكان بأعلى رسند ... ز قعر ثرا بر ثريا رسند
ترا خود بماند سر از ننك پيش ... كه كردت بر آيد عملهاى خويش
قيامت كه بازار مينو نهند ... منازل باعمال نيكو نهد
والخلق متفاوتون فى الأعمال وتفاضلهم على مراتب. فمنها بالسن ولكن فى الطاعة والإسلام فيفضل الكبير السن على الصغير السن إذا كانا على مرتبة واحدة من العمل. ومنها بالزمان فان العمل فى رمضان وفى يوم الجمعة وفى ليلة القدر وفى عشر ذى الحجة وفى عاشوراء أعظم من سائر الأيام والأزمان. ومنها بالمكان فالصلاة فى المسجد الحرام أفضل منها فى مسجد المدينة(2/119)
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164) أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168)
وهى من الصلاة فى المسجد الأقصى وهى منها فى سائر المساجد. ومنها بالأحوال فان الصلاة بالجماعة أفضل من صلاة الشخص وحده. ومنها بنفس الأعمال فان الصلاة أفضل من اماطة الأذى. ومنها فى العمل الواحد فالمتصدق على رحمه صاحب صلة رحم وصدقة وكذا من اهدى هدية لشريف من اهل البيت أفضل من ان يهدى لغيره واحسن اليه ومن الناس من يجمع فى الزمن الواحد أعمالا كثيرة فيصرف سمعه وبصره ويده فيما ينبغى فى زمان صومه وصدقته بل فى زمان صلاته فى زمان ذكره فى زمان نيته من فعل وترك فيؤجر فى الزمان الواحد من وجوه كثيرة فيفضل غيره ممن ليس كذلك
بضاعت بچندان كه آرى برى ... اگر مفلسى شرمسارى برى
قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (ليس من يوم يأتى على ابن آدم الا ينادى فيه يا ابن آدم انا خلق جديد وانا فيما تعمل عليك غدا شهيد فاعمل فىّ خيرا اشهد لك به غدا فانى لو قد مضيت لم ترنى ابدا ويقول الليل مثل ذلك) فاعمل يا أخي عمل من يعلم انه راجع الى الله وقادم عليه يجازى على الصغير والكبير والقليل والكثيرة وقد قال تعالى وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ فينبغى ان لا يغفل الإنسان فى كل ساعاته لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ جواب قسم محذوف اى والله لقد أنعم الله على من آمن مع الرسول عليه السلام من قومه وتخصيصهم بالامتنان مع عموم نعمة البعثة للاسود والأحمر لزيادة انتفاعهم بها إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ اى من نسبهم او من جنسهم عربيا مثلهم ليفقهوا كلامه بسهولة ويكونوا واقفين على حاله فى الصدق والامانة مفتخرين به وفى ذلك شرف عظيم لهم قال الله تعالى وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وقرئ من أنفسهم اى أشرفهم فانه صلى الله تعالى عليه وسلم كان من اشرف قبائل العرب وبطونها يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ اى القرآن بعد ما كانوا جهالا لم يسمعوا الوحى وَيُزَكِّيهِمْ اى يطهرهم من دنس الطباع وسوء العقائد والأعمال واوضار الأوزار وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ اى القرآن والسنة وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ اى من قبل بعثته صلى الله عليه وسلم وتزكيته وتعليمه لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ بين لا ريب فى كونه ضلالا. وان هى المخففة من الثقيلة وضمير الشأن محذوف واللام فارقة بينها وبين النافية. واعلم ان الله تعالى أرسل محمدا الى أقوام عتاة اشراس فذلل منهم كل من عتا وعاس ونكس بمولده الأصنام على الرأس وانشق ايوان كسرى وسقطت منه اربع عشرة شرافة بعدد من سيملك من الناس وخمدت نار فارس وبحيرة ساوة غاضت على غير القياس واختاره مولاه وقدمه على الخلق فهو بمنزلة العين من الرأس وايام دولته كايام التشريق وليلات الأعراس فتعجبت قريش من غنى بالفضل بعد فقر الإفلاس فرماهم القرآن بسهام الجدل لاعن أقواس أكان للناس عجبا ان أوحينا الى رجل منهم ان انذر الناس فهو رحمة عامة للانام وله خطر جليل عند الخواص والعوام وفيما خطب به ابو طالب فى تزويج خديجة رضى الله عنها وقد حضر معه بنوا هاشم ورؤساء مضر (الحمد لله الذي جعلنا من ذرية ابراهيم وزرع إسماعيل وضئضئ معدّ وعنصر مضر وجعلنا خضنة بيته وسواس حرمه وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس ثم ابن أخي هذا محمد بن عبد الله من لا يوزن به فتى(2/120)
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)
من قريش إلا رجح به وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل) وعن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (قال لى جبريل يا محمد قلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد رجلا أفضل من محمد ولم أجد بنى اب أفضل من بنى هاشم آدم ومن دونه تحت اللواء)
زانكه بهر اوست خلق ما سوا ... وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان قريشا كانت
نورا بين يدى الله قبل ان يخلق آدم بألفي عام يسبح ذلك النور وتسبح الملائكة بتسبيحه فلما خلق الله آدم القى ذلك النور فى صلبه نور بهار عالم نور بهار آدم وذكر ان عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم بينا هو نائم فى الحجر انتبه مذعورا قال العباس فتبعته وانا يومئذ غلام اعقل ما يقال فأتى كهنة قريش فقال رأيت كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهرى ولها اربعة أطراف طرف قد بلغ مشارق الأرض وطرف قد بلغ مغاربها وطرف قد بلغ عنان السماء وطرف قد جاوز الثرى فبينا انا انظر عادت شجرة خضراء لها نور فبينا انا كذلك قام على شيخان فقلت لاحدهما من أنت قال انا نوح نبى رب العالمين وقلت للآخر من أنت قال ابراهيم خليل رب العالمين ثم انتبهت قالوا ان صدقت رؤياك ليخرجن من ظهرك نبى يؤمن به اهل السموات واهل الأرض ودلت السلسلة على كثرة اتباعه وأنصاره وقوتهم لتداخل حلق السلسلة ورجوعها شجرة تدل على ثبات امره وعلو ذكره وسيهلك من لم يؤمن به كما هلك قوم نوح وستظهر به ملة ابراهيم والى هذا وقعت اشارة النبي عليه الصلاة والسلام يوم حنين حيث قال انا النبي لا كذب انا ابن عبد المطلب كأنه يقول انا ابن صاحب تلك الرؤيا مفتخرا بها لما فيها من علم نبوته وعلو كلمته ثم انه لا نهاية لاوصافه الشريفة وأخلاقه الحميدة وانما الكلام فى ان يكون المرء ممتلئا بمحبته مقتفيا بآثار سنته حتى يكون من أمته حقيقة والخدمة فى عتبة بابه من جهة الشريعة والطريقة من أقوى الوسائل الى الوصول- حكى- ان مريدا مدعيا قال ان شيخى يعرف مقامى فى هذه الطريقة واستحقاقي للخلافة والنصب فى مقام الإرشاد فماله لا يجيزنى بالخلافة فسمع ذلك شيخه فاستخدمه أياما فاظهر ذلك الصوفي الكسل فى خدمته ولم يخدمه بالشوق والاجتهاد فرأى حاله الشيخ فقال منكرا لما ادعاه من لا يقدر على خدمة الخلق كيف يقدر على خدمة الخالق فانظر كيف جعل خدمة الخلق من اسباب خدمة الخالق والوصول اليه وهكذا من كان فى قلبه ميل الى وصول الحق فلا بد له ان يرجع اولا الى خدمة شريعة النبي صلى الله عليه وسلم وسننه حتى يحبه النبي عليه الصلاة والسلام فيحبه الله تعالى
محالست سعدى كه راه صفا ... توان رفت جز در پى مصطفا
شرفنا الله وإياكم برعاية سننه وآدابه والاقتفاء بآثار آله وأصحابه انه المنان جزيل الإحسان واسع الغفران فى كل زمان أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا الواو عاطفة لمدخولها على محذوف قبلها ولما ظرف لقلتم مضاف الى ما بعده وقد أصبتم فى محل الرفع على انه صفة لمصيبة والمراد بها ما أصابهم يوم أحد من قتل سبعين منهم وبمثليها ما أصاب المشركين يوم بدر من قتل سبعين منهم واسر سبعين وأنى هذا مقول قلتم والمعنى أحين أصابكم من المشركين نصف ما قد أصابهم منكم قبل ذلك جزعتم وقلتم من اين أصابنا هذا فالهمزة(2/121)
وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168)
للتقرير والتقريع على قولهم لو كان رسولا من عند الله لما انهزم عسكره من الكفار يوم أحد وادي ذلك الى ان قالوا من اين هذه المغلوبية للمشركين فكيف صاروا منصورين علينا مع شركهم وكفرهم بالله ونحن ننصر رسول الله ودين الإسلام وهو استفهام على سبيل الإنكار فامر الله تعالى رسوله عليه السلام بان يجيب عن سؤالهم الفاسد فقال قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ اى هذا الانهزام انما حصل بشئوم عصيانكم حيث خالفتم الأمر بترك المركز والحرص على الغنيمة إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
ومن جملته النصر عند الطاعة والخذلان عند المخالفة وحيث خرجتم عن الطاعة أصابكم منه تعالى ما أصابكم وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ اى جمعكم وجمع المشركين يريد يوم أحد فَبِإِذْنِ اللَّهِ اى فهو كائن بقضائه وتخليته الكفار سماها اذنا لانها من لوازمه وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا اى وليتميز المؤمنون والمنافقون فيظهر ايمان هؤلاء وكفر هؤلاء وَقِيلَ لَهُمْ عطف على نافقوا داخل معه فى هذه الصلة وهم عبد الله بن ابى وأصحابه حيث انصرفوا يوم أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لهم عبد الله بن حرام أذكركم الله ان تخذلوا نبيكم وقومكم ودعاهم الى القتال وذلك قوله تعالى تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا عنا العدو بتكثير سوادنا ان لم تقاتلوا معنا فان كثرة السواد مما يروع العدو ويكسر منه قالُوا حين خيروا بين الخصلتين المذكورتين لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ اى لو نعلم ما يصح ان يسمى قتالا لا تبعناكم فيه لكن ما أنتم عليه ليس بقتال بل إلقاء النفس الى التهلكة أولو نحسن قتالا لا تبعناكم وانما قالوه دخلا واستهزاء هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ ومعنى كون قربهم الى الكفر أزيد يومئذ من قربهم الى الايمان انهم كانوا قبل ذلك الوقت كاتمين للنفاق فكانوا فى الظاهر أبعد من الكفر فلما ظهر منهم ما كانوا يكتمون صاروا اقرب للكفر فان كل واحد من انخذالهم برجوعهم عن معاونة المسلمين وكلامهم المحكي عنهم يدل على انهم ليسوا من المسلمين يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ يظهرون خلاف ما يضمرون لا تواطئ قلوبهم ألسنتهم بالايمان وإضافة القول الى الأفواه تأكيد وتصوير فان الكلام وان كان يطلق على اللساني والنفساني الا ان القول لا يطلق الا على ما يكون باللسان والفم فذكر الأفواه بعده تأكيد كقوله تعالى وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ وتصوير لحقيقة القول بصورة فرده الصادر عن آلته التي هى الفرد وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ من النفاق وما يخلو به بعضهم الى بعض فانه يعلمه مفصلا بعلم واجب وأنتم تعلمونه مجملا بامارات الَّذِينَ قالُوا مرفوع على انه بدل من واو يكتمون لِإِخْوانِهِمْ لاجل إخوانهم من جنس المنافقين المقتولين يوم أحد أو إخوانهم فى النسب وفى سكنى الدار فيندرج فيهم بعض الشهداء وَقَعَدُوا حال من ضمير قالوا بتقدير قداى قالوا وقد قعدوا عن القتال بالانخذال لَوْ أَطاعُونا اى فيما امرناهم ووافقونا فى ذلك ما قُتِلُوا كما لم نقتل وفيه إيذان بأنهم امروهم بالانخذال حين انخذلوا وأغووهم كما غووا قُلْ تبكيتا لهم وإظهارا لكذبهم فَادْرَؤُا اى ادفعوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ جواب الشرط محذوف يدل عليه(2/122)
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)
ما قبله اى ان كنتم صادقين فيما ينبئ عنه قولكم من انكم قادرون على دفع القتل عمن كتب عليه فادفعوا عن أنفسكم الموت الذي كتب عليكم معلقا بسبب خاص موقتا بوقت معين بدفع سببه فان اسباب الموت فى إمكان المدافعة بالحيل وامتناعها سواء وأنفسكم أعز عليكم من إخوانكم وأمرها أهم لديكم من أمرهم والمعنى ان عدم قتلكم كان بسبب انه لم يكن مكتوبا لا بسبب انكم دفعتموه بالقعود مع كتابته عليكم فان ذلك مما لا سبيل اليه بل قد يكون القتال سببا للنجاة والقعود مؤديا الى الموت
ز پيش خطر تا توانى كريز ... وليكن مكن با قضا پنجه تيز
كرت زندگانى نبشتست دير ... نه مارت كز آيد نه شمشير وتير
واعلم ان الموت ليس له سن معلوم ولا أجل معلوم ولا مرض معلوم وذلك ليكون المرء على اهبة من ذلك مستعدا لذلك وكان بعض الصالحين ينادى بالليل على سور المدينة الرحيل الرحيل فلما توفى فقد صوته امير تلك المدينة فسأل عنه فقيل انه مات فقال
ما زال يلهج بالرحيل وذكره ... حتى أناخ ببابه الجمال
فأصابه متيقظا متشمرا ... ذا أهبة لم نلهه الآمال
- روى- انه مر دانيال عليه السلام ببرية فسمع مناديا يا دانيال قف ساعة ترعجبا فلم ير شيأ ثم نادى الثانية قال فوقفت فاذا بيت يدعونى الى نفسه فدخلت فاذا سرير مرصع بالدر والياقوت فاذا النداء من السرير اصعد يا دانيال ترعجبا فارتقيت السرير فاذا فراش من ذهب مشحون بالمسك والعنبر فاذا عليه شاب ميت كأنه نائم وإذا عليه من الحلي والحلل ما لا يوصف وفى يده اليسرى خاتم من ذهب وفوق رأسه تاج من ذهب وعلى منطقته سيف أشد خضرة من البقل فاذا النداء من السرير أن احمل هذا السيف واقرأ ما عليه قال فاذا مكتوب عليه هذا سيف صمصام بن عوج بن عنق بن عاد بن ارم وانى عشت الف عام وسبعمائة وافتضضت اثنى عشر الف جارية وبنيت أربعين الف مدينة وهزمت سبعين الف جيش وفى كل جيش قائد مع كل قائد اثنا عشر الف مقاتل وباعدت الحكيم وقربت السفيه وخرجت بالجور والعنف والحمق عن حد الانصاف وكان يحمل مفاتيح الخزائن اربعمائة بغل وكان يحمل الى خراج الدنيا فلم ينازعنى أحد من اهل الدنيا فادعيت الربوبية فاصابنى الجوع حتى طلبت كفا من ذرة بألف قفيز من درّ فلم اقدر عليه فمت جوعا يا اهل الدنيا اذكروا امواتكم ذكرا كثيرا واعتبروا بي ولا تغرنكم الدنيا كما غرتنى فان أهلي لم يحملوا من وزري شيأ. فعلى العاقل ان لا يركن الى الدنيا ويتذكر مرجعه ويتجنب عن المنافقة والظلم والجور ويتصف بالإخلاص والعدل والإحسان فانه هو المفيد: قال ابن الكمال
پرده دارى ميكند در طاق كسرى عنكبوت ... بوم نوبت ميزند بر قلعه افراسياب
تخم احسان را چهـ دارى برفشان اى بي خبر ... چونكه دانى دانه عمرت خورد اين آسياب
جعلنا الله وإياكم من المتيقظين الواصلين الى ذروة اليقين قبل حلول الاجل والحين وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً المراد بهم شهداء أحد وكانوا سبعين رجلا اربعة من(2/123)
فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)
المهاجرين حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمرو وعثمان بن شهاب وعبد الله بن جحش وباقيهم من الأنصار. قال القاشاني الأفصح الأبلغ ان يجعل الخطاب فى وَلا تَحْسَبَنَّ لكل أحد لانه امر خطير يجب ان يبشر به كل واحد لتتوفر دواعيهم الى الجهاد وليتيقنوا بحسن الجزاء وان كان للرسول صلى الله عليه وسلم فالمراد به نهى الامة تنبيهم على حالهم والا فرسول الله أجل مرتبة من ذلك الحسبان بَلْ أَحْياءٌ اى بل هم احياء عِنْدَ رَبِّهِمْ خبر ثان للمبتدأ المقدر والعندية المكانية مستحيلة فتعين حملها على انهم مقربون منه تعالى قرب التكريم والتعظيم يُرْزَقُونَ من ثمار الجنة وتحفها وفيه تأكيد لكونهم احياء وتحقيق لمعنى حياتهم فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وهو شرف الشهادة والفوز بالحياة الابدية والزلفى من الله تعالى والتمتع بالنعيم المخلد عاجلا وَيَسْتَبْشِرُونَ معطوف على قوله فرحين عطف الفعل على الاسم لكون الفعل فى تأويل الاسم كأنه قيل فرحين ومستبشرين وبناء استفعل ليس للطلب بل هو بمعنى المجرد نحو استغنى الله اى غنى وقد سمع بشر الرجل بكسر العين فيكون استبشر بمعناه وقيل هو مطاوع ابشر نحو أراحه فاستراح فان البشرى حصلت لهم بابشار الله تعالى واليه أشار الزمخشري فى الكشاف بقوله بشرهم الله بذلك فهم مستبشرون به والبيضاوي بقوله يسرون بالبشارة بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ اى بإخوانهم الذين لم يقتلوا بعده فى سبيل الله فيلحقوا بهم مِنْ خَلْفِهِمْ متعلق بيلحقوا والمعنى انهم بقوا بعدهم وهم قد تقدموهم أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ بدل من الذين بدل اشتمال مبين لكون استبشارهم بحال إخوانهم لا بذواتهم وان هى المحففة اى يفرحون بما بشر لهم وبين من حيث حال إخوانهم الذين تركوهم وهو انهم إذا ماتوا او قتلوا يفوزون بحياة ابدية لا يدركها خوف وقوع محذور ولا حزن فوت مطلوب والخوف يكون بسبب توقع المكروه النازل فى المستقبل والحزن يكون بسبب فوت المنافع التي كانت موجودة فى الماضي فبين الله انه لا خوف عليهم مما سيأتيهم من اهوال القيامة وأحوالها ولا حزن لهم مما فاتهم من نعم الدنيا ولذاتها يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ كائنة مِنَ اللَّهِ كرر لبيان أن الاستبشار المذكور ليس بمجرد عدم الخوف والحزن بل به وبما يقارنه من نعمة عظيمة لا يقادر قدرها وهى ثواب أعمالهم وَفَضْلٍ اى زيادة عظيمة كما فى قوله تعالى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ كافة سواء كانوا شهداء او غيرهم وهو بفتح ان عطف على فضل منتظم معه فى سلك المستبشر به. قال الامام الآية تدل على ان استبشارهم بسعادة إخوانهم من استبشارهم بسعادة أنفسهم لان الاستبشار الاول فى الذكر هو بأحوال الاخوان وهذا تنبيه من الله على ان فرح الإنسان بصلاح حال إخوانه ومتعلقه يجب ان يكون أتم وأكمل من فرحه وصلاح احوال نفسه. واعلم ان ظاهر الآية يدل على ان هؤلاء المقتولين وان فارقت أرواحهم من أجسادهم الا انهم احياء فى الحال. واختلف القائلون بحياتهم فى الحال انها للروح او للبدن ولا بد هاهنا من تقديم مقدمة ليتضح بها المقام وهى ان الإنسان المخصوص ليس عبارة عن مجموع هذه البنية المخصوصة بل هو شىء مغاير لها وذلك لان اجزاء هذه البنية فى الذوبان والانحلال والتبدل والتغير(2/124)
بالسمن وضده والصغر وخلافه والإنسان المخصوص شىء واحد باق من أول عمره الى آخره والباقي مغاير للمتبدل فثبت ان الإنسان مغاير لهذا البدن المخصوص ثم بعد هذا يحتمل ان يكون جسما مخصوصا ساريا فى هذه الجثة سريان النار فى الفحم والدهن فى السمسم وماء الورد فى الورد ويحتمل ان يكون جوهرا قائما بنفسه ليس بجسم ولا حال فى الجسم وعلى كلا المذهبين لا يبعد ان ينفصل ذلك الشيء حيا عند موت البدن فيثاب ويعذب على حسب اعماله والدلائل العقلية والنقلية الدالة على بقاء النفوس بعد موت الأجساد كثيرة متعاضدة فوجب المصير اليه وبه تزول الشبهات الواردة على القول بثواب القبر كما فى هذه الآية وعلى القول بعذاب القبر كما فى قوله تعالى أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً إذا لم تمت النفوس بموت الأبدان او قلنا بانه تعالى أماتها ثم أعاد الحياة إليها كما يدل عليه ما روى فى بعض الاخبار انه قال صلى الله عليه وسلم فى صفة
الشهداء (ان أرواحهم فى أجواف طير خضر وانها ترد انهار الجنة وتأكل من ثمارها وتسرح فى الجنة حيث شاءت وتأوى الى قناديل من ذهب تحت العرش فلما رأوا طيب مطعمهم ومسكنهم ومشربهم قالوا يا ليت قومنا يعلمون ما نحن فيه من النعيم وما صنع الله بنا كى يرغبوا فى الجهاد فقال الله تعالى انا مخبر عنكم ومبلغ إخوانكم ففرحوا بذلك واستبشروا) فانزل الله هذه الآية. والذين اثبتوا هذه الحياة للاجساد اختلفوا. فقال بعضهم انه تعالى تصعد أجساد هؤلاء الشهداء الى السموات الى قناديل تحت العرش ويوصل انواع السعادات والكرامات إليها. ومنهم من قال يتركها فى الأرض ويحييها ويوصل هذه السعادات إليها كذا فى تفسير الامام ولا بن سينا رسالة فى علم النفس ولعمرى قد بلغ القصوى فى التحقيق فليطلبها من أراد. وفضائل الشهداء لا نهاية لها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الشهيد لا يجد ألم القتل الا كما يجد أحدكم ألم القرصة وله سبع خصال يغفر له فى أول قطرة قطرت من دمه ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار لياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ويزوج بثلاث وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع فى سبعين من أقربائه) - ويروى- انه إذا كان يوم القيامة يقول الله تعالى ادعوا الى خيرتى من خلقى فيقولون يا رب من هم فيقول الشهداء الذين بذلوا دماءهم وأموالهم وأنفسهم فيمرون على رب العزة وسيوفهم على أعناقهم فيدخلون مساكنهم فى الجنة وينصب يوم القيامة لواء الصدق لأبى بكر وكل صديق يكون تحت لوائه ولواء العدل لعمرو كل عادل يكون تحت لوائه ولواء السخاوة لعثمان وكل سخى يكون تحت لوائه ولواء الشهداء لعلى وكل شهيد يكون تحت لوائه وكل فقيه تحت لواء معاذ بن جبل وكل زاهد تحت لواء ابى ذر وكل فقير تحت لواء ابى الدرداء وكل مقرئ تحت لواء ابى بن كعب وكل مؤذن تحت لواء بلال وكل مقتول ظلما تحت لواء الحسين بن على رضى الله عنهما فذلك قوله تعالى يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قيل أرواح الشهداء وان كانت فى عليين الا انها تزور قبورها كل جمعة على الدوام ولذلك يستحب زيارة القبور ليلة الجمعة ويوم الجمعة قال عليه السلام (ما من أحد يمر بمقبر أخيه المؤمن كان يعرفه فى الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه) . قال الجنيد قدس سره من كانت حياته بنفسه يكون مماته بذهاب روحه ومن كانت حياته بربه فانه ينتقل من حياة الطبع الى حياة الأصل وهى الحياة الحقيقة وإذا كان(2/125)
الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)
القتيل بسيف الشريعة حيا مرزوقا فكيف من قتل بسيف الصدق والحقيقة
هركز نميرد آنكه دلش زنده شد بعشق ... ثبتست بر جريده عالم دوام ما
قال القاشاني المقتول فى سبيل الله صنفان. مقتول بالجهاد الأصغر وبذل النفس طلبا لرضى الله كما هو الظاهر. ومقتول بالجهاد الأكبر وكسر النفس وقتلها بسفرة الحب وقمع الهوى كما روى عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم انه قال عند رجوعه من بعض الغزو (رجعنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر) وكلا الصنفين ليسوا باموات بل احياء عند ربهم بالحياة الحقيقة مجردين من دنس الطبائع مقربين فى حضرة القدس يرزقون فى الجنة المعنوية من الأرزاق المعنوية اى المعارف والحقائق واستشراق الأنوار ويرزقون فى الجنة الصورية كما يرزق الاحياء او من كليهما فان للجنان مراتب بعضها معنوية وبعضها صورية ولكل منهما درجات على حسب المعارف والعلوم والمكاسب والأعمال فالمعنوية جنة الذات وجنة الصفات وتفاضل درجاتها بحسب تفاضل المعارف والترقي فى الملكوت والجبروت والصورية جنة الافعال وتفاوت درجاتها بحسب تفاوت الأعمال والتدرج فى مراتب عالم الملك من السموات العلى والجنات المحتوية على جميع المنى وما روى من الحديث فى شهداء أحد فالطير الخضر فيه اشارة الى الاجرام السماوية والقناديل هى الكواكب اى تعلقت بالنيرات من الاجرام السماوية لنزاهتها وانهار الجنة منابع العلوم ومشارعها ثمارها الأحوال والكشوف والمعارف او الأنهار والثمار الصورية على حسب جنتهم المعنوية او الصورية فان كل ما وجد فى الدنيا من المطاعم والمشارب والمناكح والملابس وسائر الملاذ والمشتهيات موجود فى الآخرة فى عالم المثال وفى طبقات السماء ألذ وأصفى مما فى الدنيا يستبشرون بنعمة الامن من العقاب اللازم للنقص والتقصير والنجاة من الحزن على فوات نعمة الدنيا لحصول ما هو اشرف وأصفى وألذ وأبقى من جنات الافعال وفضل هو زيادة جنات الصفات المشار إليها بالرضوان او نعمة جنة الصفات وفضل جنة الذوات وان أجر إيمانهم من جنة الافعال لا يضيع مع ذلك انتهى كلامه فلا بد للسالك من بذل المال والبدن والروح حتى يحصل لهم انواع الفتوح
دلا طمع مبر از لطف بى نهايت دوست ... چولاف عشق زدى سر بباز چابك و چست
الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ اى أجابوا وأطاعوا فيما أمروا به ونهوا عنه كما فى قوله تعالى فَلْيَسْتَجِيبُوا مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ اى الجرح فى غزوة أحد لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ يدخل تحته الإتيان بجميع المأمورات وَاتَّقَوْا يدخل تحته الانتهاء عن جميع المنهيات أَجْرٌ عَظِيمٌ ثواب عظيم وجملة قوله للذين خبر مقدم مبتدأه اجر عظيم والجملة فى محل الرفع خبر الذين استجابوا وكلمة من فى قوله منهم ليست للتبعيض لان الذين استجابوا لله والرسول كلهم قد أحسنوا لا بعضهم بل هى لبيان الجنس ومحصل المعنى حينئذ الذين استجابوا لله والرسول لهم اجر عظيم الا انهم وصفوا بوصفى الإحسان والتقوى مدحالهم وتعليلا لعظم أجرهم بحسن فعالهم لا تقييدا- روى- ان أبا سفيان وأصحابه لما رجعوا من أحد فبلغوا الروحاء وهو موضع بين مكة والمدينة ندموا وهموا بالرجوع حتى يستأصلوا ما بقي من المؤمنين فبلغ ذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فندب أصحابه للخروج فى طلب ابى سفيان وقال لا يخرجن(2/126)
فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178) مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)
معنا الا من حضر يومنا بالأمس اى وقعتنا والعرب تسمى الوقائع أياما وذكرهم بايام الله فخرج رسول الله عليه السلام اراءة من نفسه ومن أصحابه جلدا وقوة ومعه جماعة حتى بلغوا حمراء الأسد وهى من المدينة على ثمانية أميال وكان بأصحابه القرح فتحاملوا على أنفسهم اى حملوا المشقة على أنفسهم كيلا يفوتهم الاجر والقى الله الرعب فى قلوب المشركين فذهبوا فنزلت فهذه هى غزوة حمراء الأسد متصلة بغزوة أحد واما غزوة بدر الصغرى فقد وقعت بعدها بسنة وإليها الاشارة بقوله تعالى الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ يعنى الركب استقبلوهم من عبد قيس او نعيم بن مسعود الأشجعي واطلاق الناس عليه لما انه من جنسهم وكلامه كلامهم يقال فلان يركب الخيل ويلبس الثياب وماله سوى فرس فرد وغير ثوب واحد أو لأنه انضم اليه ناس من المدينة وأذاعوا كلامه إِنَّ النَّاسَ يعنى أبا سفيان وأصحابه قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ اى اجتمعوا فَاخْشَوْهُمْ- روى- ان أبا سفيان لما عزم على ان ينصرف من المدينة الى مكة نادى يا محمد موعدنا موسم بدر الصغرى لقابل نقتتل بها ان شئت فقال صلى الله عليه وسلم (ان شاء الله) فلما كان القابل خرج ابو سفيان فى اهل مكة حتى نزل مر الظهران فالقى الله فى قلبه الرعب وبدا له ان يرجع فمر به ركب من بنى عبد قيس يريدون المدينة للميرة فشرط لهم حمل بعير من زبيب ان ثبطوا المسلمين او لقى نعيم بن مسعود وقد قدم معتمرا فقال يا نعيم انى وأعدت محمدا أن نلتقى بموسم بدر الا ان هذا العام عام جدب ولا يصلحنا الا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن وقد بدا لي ان ارجع ولكن ان خرج محمد ولم اخرج زاده ذلك جراءة فاذهب الى المدينة فثبطهم ولك عندى عشرة من الإبل وضمنها سهيل بن عمرو فجاء نعيم المدينة فوجد المسلمين يتجهزون للخروج فقال لهم ما هذا بالرأى أتوكم فى دياركم فلم يفلت منكم أحد اى لم يتخلص الا شريد وهو الفار النافر المبعد أفترون ان تخرجوا وقد جمعوا لكم فان ذهبتم إليهم لم يرجع منكم أحد فاثر هذا الكلام فى قلوب قوم منهم فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منهم قال (والذي نفسى بيده لاخرجن ولو لم يخرج معى أحد فخرج فى سبعين راكبا كلهم يقولون حسبنا الله ونعم الوكيل) فَزادَهُمْ القول إِيماناً والمعنى لم يلتفتوا الى ذلك بل ثبت به يقينهم بالله وازداد اطمئنانهم وأظهروا حمية الإسلام وأخلصوا النية عنده وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ اى محسبنا وكافينا من احسبه إذا كفاه وَنِعْمَ الْوَكِيلُ اى الموكول اليه هو اى الله فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ الفاء فصيحة اى خرجوا إليهم ووافوا الموعد فرجعوا من مقصدهم ملتبسين بنعمة عظيمة لا يقادر قدرها كائنة من الله تعالى وهى العافية والثبات على الايمان والزيادة فيه وحذر العدو منهم وَفَضْلٍ اى ربح فى التجارة عظيم لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ سالمين من السوء اى لم يصبهم أذى ولا مكروه- روى- انه صلى الله عليه وسلم وافى بجيشه بدرا الصغرى وكانت موضع سوق لبنى كنانة يجتمعون فيها كل عام ثمانية ايام ولم يلق صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه هناك أحدا من المشركين وأتوا السوق وكانت معهم نفقات وتجارات فباعوا واشتروا اريا وزبيبا وربحوا وأصابوا بالدرهم درهمين وانصرفوا الى المدينة سالمين غانمين ورجع ابو سفيان الى مكة فسمى اهل مكة جيشه جيش السويق وقالوا انما خرجتم لتشربوا(2/127)
إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)
السويق وَاتَّبَعُوا فى كل ما أتوا من قول وفعل وهو عطف على انقلبوا رِضْوانَ اللَّهِ الذي هو مناط الفوز بخير الدارين بجرأتهم وخروجهم وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ حيث تفضل بالتثبيت وزيادة الايمان والتوفيق للمبادرة الى الجهاد والتصلب فى الدين واظهار الجرأة على العدو وحفظهم من كل ما يسوؤهم مع إصابة النفع الجليل. وفيه تحسير لمن تخلف عنهم واظهار لخطأ رأيهم حيث حرموا أنفسهم ما فاز به هؤلاء وروى انهم قالوا هل يكون هذا غزوا فاعطاهم الله ثواب الغزو ورضى عنهم إِنَّما ذلِكُمُ اى المثبط ايها المؤمنون وهو مبتدأ الشَّيْطانُ خبره يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ المنافقين غلبة المشركين وقهرهم ليقعدوا عن قتالهم فهم المنافقون الذين فى قلوبهم مرض وقد تخلفوا عن رسول الله فى الخروج والمعنى ان تخويفه بالكفار انما يتعلق بالمنافقين الذين هم أولياؤه واما أنتم ايها المؤمنون فاولياء الله وحزبه الغالبون لا يتعلق بكم تخويفه فَلا تَخافُوهُمْ اى الشيطان واولياء من ابى سفيان وغيره وَخافُونِ فى مخالفة امرى إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فان الايمان يقتضى إيثار خوف الله عز وجل على خوف غيره ويستدعى الامن من شر الشيطان وأوليائه والخوف على ثلاثة اقسام. خوف العام وهو من عقوبة الله. وخوف الخاص وهو من بعد الله. وخوف الأخص وهو من الله والى هذه المراتب أشار النبي عليه السلام بقوله (أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك. فعلى السالك ان يفنى عن نفسه وصفاتها ولا يرى فى الكون وجودا غير وجوده فلا يخاف إلا منه فانه هو القاهر فوق عباده وهو الكافي جميع الأمور. قال نجم الدين الكبرى قدس سره آخر مقام الخلة ان يكبر على نفسه وجميع المكونات اربع تكبيرات ويتحقق له ان الله حسبه من كل شىء وهو نعم الوكيل عن نفسه وما سواه: قال الحافظ الشيرازي
من همان دمكه وضو ساختم از چشمه عشق ... چار تكبير زدم يكسره بر هر چهـ كه هست
يشير الى انه وقت قيامه بالعشق رأى وجود غير الله ميتا بمنزلة الجماد وقد قال كل شىء هالك الا وجهه وصلاة الميت بأربع تكبيرات لا غير وهذا هو الفناء عن نفسه وعن المكونات حققنا الله تعالى بحقيقة التوحيد. قال ابو يزيد كنت اثنتي عشرة سنة حدادا لنفسى وخمسين سنة مرآة قلبى وسنة انظر فيها فاذا فى وسطى زنار ظاهر فعملت فى قطعه اثنتي عشرة سنة ثم نظرت فاذا فى باطني زنار فعملت فى قطعه خمس سنين انظر كيف اقطع فكشف لى فنظرت الى الخلق فرأيتهم موتى فكبرت عليهم اربع تكبيرات. وقيل لابى يزيد البسطامي بعد وفاته كيف كان حالك مع منكر ونكير فقال لما قالا لى من ربك قلت لهما اسألا ربى فان قال هو عبدى يكفى والا فلو قلت انا عبده مرارا لا يفيد بلا قبوله وحقيقة العبودية بالتبري من جميع ما سوى الله ولو من صومه وصلاته وسائر عباداته- روى- ان أبا يزيد فى آخر عمره دخل محرابه وقال الهى لا أذكر صومى ولا صلاتى ولا غيرهما بل أقول أفنيت عمرى فى الضلالة فالآن قطعت زنارى وجئت بابك بالاستسلام وهو الإسلام وهذا هو الانصاف من نفسه حقيقة. قال الشيخ السعدي فى حق شيخه السهروردي(2/128)
وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)
شبى دائم از هول دوزخ نخفت ... بكوش آمدم صبحكاهى كه كفت
چهـ بودى كه دوزخ ز من پر شدى ... مكر ديگرانرا رهايى بدى
فالعاقل لا يزكى نفسه ولا يراها محلا لكرامة الله بل يتواضع بحيث يرى اعماله السيئة كثيرة بالنسبة الى اعماله الصالحة بل ولا يرى فى نفسه الا العدم المحض. واعلم ان من شعار المسلمين وعادة المؤمنين ان يجاهدوا فى سبيل الله ولا يخافوا لومة اللائمين ألا يرى ان الله تعالى كيف مدح قوما حالهم كذلك بقوله يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ فمن كان مع الله فهو يعصمه وينصره على أعدائه خصوصا عدو النفس الامارة
كسى را دانم اهل استقامت ... كه باشد بر سر كوى ملامت
ز أوصاف طبيعت پاك مرده ... بإطلاق هويت جان سپرده
برفته سايه وخرشيد مانده ... تمام از كرد خود دامن فشانده
أوصلنا الله وإياكم الى الخلوص واليقين والتمكين آمين وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ اى يقعون فيه سريعا لغاية حرصهم عليه وشدة رغبتهم فيه وهم المنافقون المتخلفون الذين يسارعون الى ما ابطنوه من الكفر مظاهرة للكفار وسعيا فى اطفاء نور الله إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً اى لن يضروا بذلك اولياء الله ودينه البتة شيأ من الضرر يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ اى يريد الله بذلك ان لا يجعل لهم فى الآخرة نصيبا ما من الثواب ولذلك تركهم فى طغيانهم يعمهون الى ان يهلكوا على الكفر. وفى ذكر الارادة اشعار بان كفرهم بلغ النهاية حتى أراد ارحم الراحمين ان لا يكون لهم حظ من رحمته وان مسارعتهم الى الكفر لانه تعالى لم يرد لهم ان يكون لهم حظ فى الآخرة وَلَهُمْ مع ذلك الحرمان الكلى بدل الثواب عَذابٌ عَظِيمٌ لا يقادر قدره إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ اى أخذوه بد لا منه رغبة فيما أخذوه وإعراضا عما تركوه لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ولما جرت العادة باغتباط المشترى بما اشتراه وسروره بتحصيله عند كون الصفقة رابحة وبتألمه عند كونها خاسرة وصف عذابهم بالايلام مراعاة لذلك وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا الموصول مع صلته فاعل لا يحسبن أَنَّما بما فى حيزها سادة مسد مفعوليه لتمام المقصود بها وهو تعلق الفعل القلبي بالنسبة بين المبتدأ والخبر وما مصدرية او موصولة حذف عائدها وكان حقها فى قياس علم الخط ان تكتب مفصولة ولكنها وقعت فى مصحف عثمان رضى الله تعالى عنه متصلة فلا يخالف وتتبع سنة الامام فى خط المصاحف نُمْلِي لَهُمْ الاملاء الامهال واطالة المدة والملي مقصورا الدهر والملوان الليل والنهار لتعاقبهما اى ان إملاء نالهم او ان ما نمليه لهم خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ من منعهم عن إرادتهم ومعنى التفضيل باعتبار زعمهم أَنَّما كافة حقها الاتصال نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً اللام لام الارادة عند اهل السنة القائلين بانه تعالى فاعل الخير والشر مريد لهما فان الاملاء الذي هو اطالة العمر لا شك انه من أفعاله تعالى وانه ليس بخير لهم لانهم يتوسلون به الى ازدياد(2/129)
الإثم والطغيان فهو تعالى لما امهلهم وأطال عمرهم بإرادته واكتسبوا بذلك مآثم من الكفر والطغيان كان خالقا لتلك المآثم ايضا ولا تخلق الا بالارادة فهو مريد لها كما انه مريد لاسبابها المؤدية إليها وليست لام العلة لان أفعاله تعالى ليست معللة بالأغراض وعند المعتزلة لام العاقبة وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ اى يهانون به فى الآخرة قال عليه السلام (خير الناس من طال عمره وحسن عمله وشر الناس من طال عمره وساء عمله) . ودلت الآية على ان اطالة عمر الكافر والفاسق وإيصاله الى مراداته فى الدنيا ليس بخير بل هى نعمة فى الصورة ونقمة فى الحقيقة ألا يرى ان من اطعم إنسانا خبيصا مسموما لا يعد ذلك نعمة عند الحقيقة لا فضائه الى الهلاك والعقوبة فينبغى للعبد ان لا يغتر بطول العمر وامتداده ولا بكثرة أمواله ولا أولاده
غره مشو بآن كه جهانت عزيز كرد ... اى بس عزيز را كه جهان كرد زود خوار
مارست اين جهان وجهانجوى ماركير ... وز مارگير مار برآرد كهى دمار
قال الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج (ان من نعمى على أمتك انى قصرت أعمارهم كيلا تكثر ذنوبهم وأقللت أموالهم كيلا يشتد فى القيامة حسابهم وأخرت زمانهم كيلا يطول فى القبور حبسهم) وقال ايضا (يا احمد لا تتزين بلين اللباس وطيب الطعام ولين الوطاء فان النفس مأوى كل شروهى رفيق سوء كلما تجرها الى طاعة تجرك الى معصية وتخالفك فى الطاعة وتطيع لك فى المعصية وتطغى إذا شبعت وتتكبر إذا استغنت وتنسى إذا ذكرت وتغفل إذا امنت وهى قرينة للشيطان) وقيل مثل النفس كمثل النعامة تأكل الكثير وإذا حملت عليها لا تطير وإذا قيل أنت طائر قالت انا بعير وهذه رجلى وإذا حملت عليها شيأ قالت انا طائر وهذا جناحى فكثرة المال وكمال الاستغناء تغر النفس قال تعالى كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى
مبر طاعت نفس شهوت پرست ... كه هر ساعتش قبله ديكرست
قال السعدي قدس سره
شنيده ام كه بقصاب كوسفندى كفت ... در ان زمانكه بخنجر سرش ز تن ببريد
جزاى هر بن خارى كه خورده ام ديدم ... كسى كه پهلوى چربم خورد چهـ خواهد ديد
وعن عائشة رضى الله عنها انها قالت قلت يا رسول الله ألا تستطعم الله فيطعمك قالت وبكيت لما رأيت به من الجوع وشد الحجر من السغب فقال (يا عائشة والذي نفسى بيده لو سألت ربى ان يجرى معى جبال الدنيا ذهبا لاجراها حيث شئت من الأرض ولكنى اخترت جوع الدنيا على شبعها وفقر الدنيا على غناها وحزن الدنيا على فرحها. يا عائشة ان الدنيا لا تنبغى لمحمد ولا لآل لمحمد) قال عليه السلام (الدنيا والآخرة ضرتان فمن يطلب الجمع بينهما فهو ممكور ومن يدعى الجمع بينهما فهو مغرور) فمن رام مع متابعة الهوى البلوغ الى الدرجات العلى فهو غريق فى الغفلة فالله تعالى يمهله فى طغيان النفس بالحرص على الدنيا حتى يتجاوز فى طلبها حد الاحتياج إليها ويفتح أبواب المقاصد الدنيوية عليه ليستغنى بها وبقدر الاستغناء يزيد طغيانه
بناز ونعمت دنيا منه دل ... كه دل بر داشتن كاريست مشكل
فيا ايها الاخوان الذين مضوا قبلنا من الأمم قد عاشوا طويلا وجمعوا كثيرا فتذكروا موتهم(2/130)
مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)
ومصارعهم تحت التراب وتأملوا كيف تبددت اجزاؤهم وكيف ارملوا نساءهم وأيتموا أولادهم وضيعوا أموالهم وهلكت بعدهم صغارهم وكبارهم وانقطعت آثارهم وديارهم فلم يرجع من كفر بنعمة الله الا الى العذاب والخسران ولم يصر الا الى دركات النيران فمن كانت غفلته كغفلتهم فسيصير الى ما صاروا اليه وان عاش طويلا فان الله يمهل ولا يهمل قال تعالى نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ وما الحياة والتمتع بها الا قليل. فالدنيا ساعة فاجعلها طاعة لعلك تلحق بالجماعة من اهل الوصول وارباب القبول. وجميع الطاعات من اسباب الفلاح خصوصا الصلاة أفضل العبادات وأعلاها واشرف الطاعات وأسناها. والصوم سبب الولوج فى ملكوت السموات وواسطة الخروج من رحم مضايق الجسمانيات المعبر عنه بالنشأة الثانية كما أشير اليه بقول عيسى عليه السلام [لن يلج ملكوت السموات من لم يولد مرتين] بل مجاهدة الصوم رابطة مشاهدة اللقاء واليه يشير الحديث القدسي وهو قوله جل شانه (الصوم لى وانا اجزى به) يعنى انا جزاؤه ولهذا علق سبحانه نيل سعادة الرؤية بالجوع حيث قال فى مخاطبة عيسى عليه السلام [تجوع ترانى]
همى آيد از حق ندا متصل ... تجوع ترانى تجرد تصل
رزقنا الله وإياكم ما كانَ اللَّهُ مريدا لِيَذَرَ لان يترك الْمُؤْمِنِينَ المخلصين عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ الخطاب لعامة المخلصين والمنافقين فى عصره حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ماز الشيء يميزه ميزا عزله وافرزه والمعنى ما كان الله ليذر المخلصين منكم على الحال التي أنتم عليها من اختلاط بعضكم ببعض وانه لا يعرف مخلصكم من منافقكم لا تفاقكم على التصديق جميعا حتى يميز المنافق من المخلص بالوحى الى نبيه بأحوالكم او بالجهاد او بالهجرة وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ اى وما كان الله ليؤتى أحدكم علم الغيب فيطلع على ما فى القلوب من كفر وايمان وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي يصطفى مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فيوحى اليه ويخبره ببعض المغيبات او ينصب له ما يدل عليها فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ
بصفة الإخلاص او بان تعلموه وحده مطلعا على الغيب وتعلموهم عبادا مجتبين لا يعلمون الا ما علمهم الله ولا يعلمون الا ما اوحى إليهم وَإِنْ تُؤْمِنُوا حق الايمان وَتَتَّقُوا النفاق فَلَكُمْ بمقابلة ذلك الايمان والتقوى أَجْرٌ عَظِيمٌ لا يبلغ كنهه وهذا الاجر على قدر عظم التقوى فان السير الى المقصد الأعلى والوصول الى منازل الاجتباء لا يتهيأ الا بقدمي التقى
قدم بايد اندر طريقت نه دم ... كه أصلي ندارد دم بي قدم
قال ابراهيم بن أدهم بت ليلة تحت صخرة بيت المقدس فلما كان بعض الليل نزل ملكان فقال أحدهما لصاحبه من هاهنا فقال الآخر ابراهيم بن أدهم فقال ذلك الذي حط الله درجة من درجاته فقال لم قال لانه اشترى بالبصرة التمر فوقعت تمرة على تمرة من تمر البقال قال ابراهيم فمضيت الى البصرة واشتريت التمر من ذلك الرجل وأوقعت تمرة على تمره ورجعت الى بيت المقدس وبت فى الصخرة فلما كان بعض الليل إذا انا بملكين قد نزلا من السماء فقال أحدهما لصاحبه من هاهنا فقال أحدهما ذلك الذي رد التمرة الى مكانه فرفعت درجته فهذا هو التقوى على(2/131)
وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)
الحقيقة ومراعاة الحقوق على الوجه اللائق ولا يتيسر ذلك الا بالتوسل الى جناب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فان غيب الحقائق والأحوال لا ينكشف بلا واسطة الرسول واليه الاشارة بقوله تعالى وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ إلخ وكيف يترقى الى حقيقة التقوى وعالم الإطلاق من تقيد برأيه واختياره قال الله تعالى وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ فلا بد من متابعة النبي عليه السلام
حقا كه بي متابعت سيد رسل ... هركز كسى بمنزل مقصود ره نيافت
از هيچ او بهيچ درى ره نمى دهند ... انرا كه ز آستانه او روى دل بتافت
فالايمان بالله وبرسوله هو التصديق القلبي والارادة والتمسك بالشريعة والنجاة فيه لا فى غيره- روى- ان المؤمن إذا ورد النار بمقتضى قوله تعالى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها يصير الله ثواب التوحيد سفينة والقرآن حبلها والصلاة شراعها ويكون المصطفى عليه السلام ملاحها والمؤمنون يجلسون عليها ويكبرون الله وتجرى السفينة على بحر نار جهنم بريح طيبة فيعبرون عنها سالمين. فيا أخي لا تضيع أيامك فان أيامك رأس مالك وانك ما دمت قابضا على رأس مالك فانك قادر على طلب الربح فاجتهد فى تحصيله بالتوغل فى الطاعات والعبادات واحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه قبل الموت والفوت فان الموتى يتمنون ان يؤذن لهم بان يصلوا ركعتين او يقولوا مرة لا اله الا الله او يسبحوا مرة فلا يؤذن لهم ويتعجبون من الاحياء كيف يضيعون ايامهم فى الغفلة
اگر مرده مسكين زبان داشتى ... بفرياد وزارى فغان داشتى
كه اى زنده هست إمكان كفت ... لب از ذكر چون مرده بر هم مخفت
چوما را بغفلت بشد روزكار ... تو بارى دمى چند فرصت شمار
قال عليه السلام (الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا) فتميز المنافق من المخلص كما يكون فى الدنيا بالأقوال والافعال وغيرهما كذلك يكون فى الآخرة ببياض وجه هذا وسواد وجه ذلك كما قال تعالى يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فعلى العاقل ان يتحمل مشاق الطاعات والتكاليف والامتحانات الالهية لعله يفوز بالمرام ويظفر بالبغية يوم يخيب المعرضون والمنافقون ويخسرون
خوش بود گر محك تجربه آيد بميان ... با سيه روى شود هر كه دروغش باشد
قال بعض الكبار وعند الامتحان يكرم الرجل او يهان عصمنا الله وإياكم من المخالفة وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ الموصول فاعل لا يحسبن والمفعول الاول محذوف لدلالة يبخلون عليه اى ولا يحسبن البخلاء بخلهم هُوَ ضمير فصل لا محل له من الاعراب خَيْراً لَهُمْ من انفاقهم مفعول ثان للفعل المذكور بَلْ هُوَ اى البخل شَرٌّ لَهُمْ لاستجلاب العقاب عليهم سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ بيان لقوله هو شر لهم اى سيلزمون وبال ما بخلوا به الزام الطوق إذ لا طوق ثمة فيكون من قبيل الاستعار التمثيلية شبه لزوم وبال البخل وإثمه بهم بلزوم طوق نحو الحمامة بها فى عدم زوال كل واحد منهما عن صاحبه فعبر عن لزوم الوبال بهم بالتطويق واشتق منه يطوقون كما يقال منة فلا طوق(2/132)
فى رقبة فلان وقيل هو على حقيقته وانهم يطوقون حية او طوقا من نار استدلالا بالحديث وسيجيئ وَلِلَّهِ وحده لا لاحد غيره استفالا واشتراكا مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى ما يتوارثه أهلهما من مال وغيره من الرسالات التي يتوارثها اهل السموات فما لهم يبخلون عليه بملكه ولا ينفقونه فى سبيله او انه يورث منهم ما يمسكونه ولا ينفقونه فى سبيله تعالى عند هلاكهم وتبقى عليهم الحسرة والندامة وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ من المنع والإعطاء خَبِيرٌ فيجازيكم على ذلك. واعلم ان البخل عبارة عن امتناع أداء الواجب والامتناع عن التطرع لا يكون بخلا ولذلك قرن به الوعيد والذم والواجب كثير كالانفاق على النفس والأقارب الذين يلزمه مؤونتهم والصدقة على الغير حال المخمصة وفى حال الجهاد عند الاحتياج الى التقوية بالمال ثم ان فى الآية اشارة الى ان البخل اكسير الشقاوة كما ان السخاء اكسير السعادة وذلك لان الله تعالى سمى المال فضله كما قال مِنْ فَضْلِهِ والفضل لاهل السعادة فبا كسير البخل يصير الفضل قهرا والسعادة شقاوة كما قال هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ يعنى با كسير البخل يجعلون خيرية ما آتاهم الله من فضله شرالهم ولوانهم طرحوا على ما هو فضله اكسير السخاء لجعلوه خيرا لهم فصيروه سعادة ولصاروا بها اهل الجنة ولن يلج الجنة الشحيح ثم عبر عن آفة حب الدنيا والمال بالطوق لانها تحيط بالقلب ومنها تنشأ معظم الصفات الذميمة مثل البخل والحرص والحسد والحقد والعداوة والكبر والغضب وغير ذلك ولهذا قال النبي عليه السلام (حب الدنيا رأس كل خطيئة) فبمنع الزكاة يصير الروح الشريف العلوي النورانى محفوفا بهذه الصفات الخسيسة السفلية الظلمانية مطوقا بآفاتها وحجبها وعذابها يوم القيامة وبعد المفارقة فانه من مات فقد قامت قيامته
نه منعم بمال از كسى بهترست ... خر را جل اطلس بپوشد خرست
هنر بايد وفضل ودين وكمال ... كه كه آيد وكه رود جاه ومال
پسنديده رأيى كه بخشيد وخورد ... جهان از پى خويشتن كرد كرد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا اقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه) يعنى بشدقيه (ثم يقول انا مالك انا كنزك ثم تلا ولا يحسبن الذين يبخلون) الآية وفى رواية (يجعل ما بخل به من الزكاة حية يطوقها فى عنقه يوم القيامة تنهشه من قرنه الى قدمه وتنقر رأسه وتقول انا مالك) وقال صلى الله عليه وسلم (ما من رجل يكون له ابل او بقر او غنم لا يؤدى حقها الا اتى بها يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمنه تطأه بأخفافها وتنطحه بقرونها كلما جازت أخراها ردت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس) . قال ابو حامد. مانع زكاة الإبل يحمل بعيرا على كاهله له رغاء وثقل يعدل الجبل العظيم. ومانع زكاة البقر يحمل ثورا على كاهله له خوار وثقل يعدل الجبل العظيم. ومانع زكاة الغنم يحمل شاة لها ثغاء وثقل يعدل الجبل العظيم والرغاء والخوار والثغاء كالرعد القاصف. ومانع زكاة الزرع يحمل على كاهله اعدا لا قد ملئت من الجنس الذي كان يبخل به برا كان او شعيرا أثقل ما يكون ينادى تحته بالويل والثبور. ومانع زكاة المال يحمل شجاعا اقرع له(2/133)
لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182) الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)
زبيبتان وذنبه قد انساب فى منخريه واستدار بجيده وثقل على كاهله كأنه طوق بكل رحى فى الأرض وكل واحد ينادى ما هذا فيقول الملائكة هذا ما بخلتم به فى الدنيا رغبة فيه وشحا عليه فمنع الزكاة سبب للعقاب فى العقبى كما ان ايتاءها سبب للثواب فى الاخرى وحصن لماله فى الدنيا قال صلى الله عليه وسلم (حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة واستقبلوا البلايا بالدعاء) قال عليه السلام (لا صلاة لمن لا زكاة له) - روى- ان موسى عليه السلام مرّ برجل وهو يصلى مع حضور وخشوع فقال يا رب ما احسن صلاته قال الله تعالى (لو صلى فى كل يوم وليلة الف ركعة وأعتق الف رقبة وصلى على الف جنازة وحج الف حجة وغزا الف غزوة لم ينفعه حتى يؤدى زكاة ماله) وقال عليه الصلاة والسلام (ملعون مال لا يزكى كل عام وملعون بدن لا يبتلى فى كل أربعين ليلة ومن البلاء العثرة والنكبة والمرضة والخدشة واختلاج العين فما فوق ذلك) فاذا سمعت هذه الاخبار وقفت على وزر من وقف على الإصرار ولم يؤد زكاة ماله بطيبة النفس وصفاء البال الى ان يرجع فقيرا ميتا بعد ما ساعدته الأحوال والأموال
پريشان كن امروز كنجينه چست ... كه فردا كليدش نه در دست تست
تو با خود ببر توشه خويشتن ... كه شفقت نيايد ز فرزند وزن
بخيل توانكر بدينار وسيم ... طلسمست بالاى كنجى مقيم
از ان سالها مى بماند زرش ... كه لرزد طلسمى چنين بر سرش
بسنك أجل ناكهان بشكنند ... بآسودگى كنج قسمت كنند
چودر زندكانى بدى با عيال ... گرت مرگ خواهند از ايشان منال
تو غافل در انديشه سود مال ... كه سرمايه عمر شد پايمال
بكن سرمه غفلت از چشم پاك ... كه فردا شوى سرمه در چشم خاك
لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ قالته اليهود لما سمعوا قوله تعالى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً- وروى- انه عليه الصلاة والسلام كتب مع ابى بكر رضى الله تعالى عنه الى يهود بنى قينقاع يدعوهم الى الإسلام والى اقام الصلاة وإيتاء الزكاة وان يقرضوا الله قرضا حسنا فدخل ابو بكر رضى الله عنه ذات يوم بيت مدارسهم فوجد ناسا كثيرا من اليهود قد اجتمعوا الى رجل منهم يقال له فنحاص بن عازوراء وكان من علمائهم ومعه حبر آخر يقال له اشيع فقال ابو بكر لفنحاص اتق الله واسلم فو الله انك لتعلم ان محمدا رسول الله قد جاءكم بالحق من عند الله تجدونه مكتوبا عندكم فى التوراة فآمن وصدق واقرض الله قرضا حسنا يدخلك الحنة ويضاعف لك الثواب فقال فنحاص يا أبا بكر تزعم ان ربنا يستقرض أموالنا وما يستقرض الا الفقير من الغنى فان كان ما تقول حقا فان الله إذا لفقير ونحن اغنياء وانه ينهاكم عن الربا ويعطينا ولو كان غنيا ما أعطانا الربا فغضب ابو بكر وضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال والذي نفسى بيده لولا العهد الذي بيننا وبينكم لضربت عنقك يا عدو الله فذهب فنحاص الى النبي صلى الله عليه وسلم فشكاه وجحد ما قاله فنزلت ردا عليه وتصديقا لابى بكر والجمع حينئذ مع كون القائل واحدا لرضى الباقين بذلك والمعنى انه لم يخف عليه(2/134)
ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182)
تعالى واعدله من العقاب كفاءه والتعبير عنه بالسماع للايذان بانه من الشناعة والسماجة بحيث لا يرضى قائله بان يسمعه سامع سَنَكْتُبُ ما قالُوا اى سنكتب ما قالوه من الخطة الشنعاء فى صحائف الحفظة او سنحفظه ونثبته فى علمنا لا ننساه ولا نهمله كما يثبت المكتوب. والسين للتأكيد اى لن يفوتنا ابدا تدوينه وإثباته لكونه فى غاية العظم والهول كيف لا وهو كفر بالله تعالى واستهزاء بالقرآن العظيم والرسول الكريم عليه السلام وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ عطف عليه إيذانا بانهما فى العظم اخوان وتنبيها على انه ليس باول جريمة ارتكبوها بل لهم فيه سوابق وان من اجترأ على قتل الأنبياء لم يبعد منه أمثال هذه العظائم والمراد بقتلهم الأنبياء رضاهم بفعل أسلافهم بِغَيْرِ حَقٍّ متعلق بمحذوف وقع حالا من قتلهم اى كائنا بغير حق وجرم فى اعتقادهم ايضا كما هو فى نفس الأمر وَنَقُولُ عند الموت او عند الحشر او عند قراءة الكتاب ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ اى وننتقم منهم بعد الكتبة بان نقول لهم ذوقوا العذاب المحرق كما اذقتم المرسلين الغصص ذلِكَ اشارة الى العذاب المذكور بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ بسبب ما اقترفتموه من قتل الأنبياء والتفوه بمثل تلك العظيمة وغيرها من المعاصي والتعبير عن الأنفس بالأيدي لان اكثر الأعمال يزوال بهن فجعل كل عمل كالواقع بالأيدي على سبيل التغليب وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ محله الرفع على انه خبر مبتدأ محذوف والجملة اعتراض تذييلى مقررة لمضمون ما قبلها اى والأمر انه تعالى ليس بمعذب لعبيده بغير ذنب من قبلهم والتعبير عن ذلك بنفي الظلم مع ان تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم على ما تقرر من قاعدة اهل السنة فضلا عن كونه ظلما بالغا لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه سبحانه من الظلم كما يعبر عن ترك الاثابة على الأعمال باضاعتها مع ان الأعمال غير موجبة للثواب حتى يلزم من تخلفه عنها ضياعها وصيغة المبالغة لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب فى صورة المبالغة فى الظلم. والاشارة فى تحقيق الآيتين ان العبد إذا غلبت عليه الصفات الذميمة واستولى عليه الهوى والشيطان ومات قلبه تكاملت الصفة الامارية لنفسه فما ينطق الا عن الهوى ان هو إلا وحي يوحيه اليه الشيطان كقوله تعالى إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ والنفس إذا تكملت بالهوى تدعى الربوبية كما ادعى فرعون وقال انا ربكم الأعلى فيكون كلامها من صفات الربوبية وان من صفات الربوبية قوله وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ فاذا تم فساد حال النفس الامارة بالسوء أثبتت صفات الربوبية لنفسها وصفات العبودية لربها كقوله لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ اثبتوا لنفسهم صفات الربوبية وهى الغنى واثبتوا لله صفة العبودية وهى الفقر سَنَكْتُبُ ما قالُوا اى سنميت قلوبهم بأقوالهم هذه كما امتناها بأفعالهم وَهى قَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ يشير الى ان جزاء هذه الأقوال فى حق الله مثل جزاء هذه الافعال فى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ القلب الميت الْحَرِيقِ بنار القهر والقطيعة ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ اى بشؤم معاملاتكم القولية والفعلية على وفق الهوى والطبيعة وخلاف الرضى والشريعة وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ بان يضع الشيء فى غير موضعه يعنى لا يجعل المصلح منهم مظهر صفة قهره(2/135)
الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183)
ولا المفسد منهم مظهر صفة لطفه كما قال تعالى اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ وهذا كما يقال
ندهد هوشمند روشن رأى ... بفرومايه كارهاى خطير
بوريا باف اگر چهـ بافنده است ... نبرندش بكار كاه حرير
وإذا كان للعبد حسن الاستعداد يتحول القهر فى حقه الى اللطف بشرط ان يجتهد ويبذل ما فى وسعه وطاقته وكم من مؤمن يصير فى مآله كافرا وكم من عكسه فاذا جاء حين السعادة انقلب الحال وكذا الشقاوة. قال بعض المشايخ العباد على قسمين فى أعمارهم فرب عمر اتسعت آماده وقلت إمداده كاعمار بنى إسرائيل إذ كان الواحد منهم يعيش الالف ونحوها ولم يحصل على شىء مما تحصل لهذه الامة مع قصر أعمارها ورب عمر قليلة آماده كثيرة إمداده كعمر من فتح عليه من هذه الامة فوصل الى عناية الله بلمحة. فقد قال احمد بن ابى الحوارى رحمه الله قلت لابى سليمان الداراني انى قد غبطت بنى إسرائيل قال بأى شىء قلت بثمانمائة سنة حتى يصيروا كالشنان البالية وكالحنايا وكالاوتار قال ما ظننت الا وقد جئت بشىء والله ما يريد الله منا ان ييبس جلودنا على عظامنا ولا يريد من الاصدق النية فيما عنده هذا إذا صدق فى عشرة ايام نال ما ناله ذلك فى عمره الطويل فاذن من بورك له فى عمره أدرك فى يسير من منن الله تعالى ما لا يدخل تحت دوائر العبارة ولا تلحقه الاشارة لكثرته وعظمه ودقته ورفعته. وقد قال الشيخ الشاذلى رحمه الله فى كتاب تاج العروس من قصر عمره فليذكر بالاذكار الجامعة مثل سبحان الله عدد خلقه ونحو ذلك ويعنى بقصر العمرو الله اعلم ان يكون رجوعه الى الله فى معتوك المنايا ونحوها من الأمراض المخوفة والاعراض المهولة وإذا كان الأمر على ما ذكر فالخذلان كل الخذلان ان تتفرغ من الشواغل ثم لا تتوجه اليه بصدق النية حتى يفتح عليك بما لا تصل الهمم اليه وتقل عوائقك ثم لا ترحل اليه عن عوالم نفسك والاستئناس بيومك وامسك فقد جاء خصلتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ومعناه والله اعلم ان الصحيح ينبغى ان يكون مشغولا بدين او دنيا والا فهو مغبون فيهما عصمنا الله وإياكم من الغبن والخذلان والخسران
مهل كه عمر به بيهوده بگذرد حافظ ... بكوش وحاصل عمر عزيز را درياب
قيل الدنيا غنيمة الا كياس وغفلة الجهال الَّذِينَ اى الذين قالُوا وهم كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وحيى بن اخطب وفنحاس بن عازوراء ووهب بن يهودا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا اى أمرنا فى التوراة واوصانا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ فيكون دليلا على صدقه. والقربان كل ما يتقرب به العبد الى الله من نسيكة وصدقة وعمل صالح وهو فعلان من القربة. قال عطاء كانت بنوا إسرائيل يذبحون لله تعالى فيأخذون الثروب وأطايب اللحم فيضعونها وسط البيت والسقف مكشوف فيقوم النبي عليه السلام فى البيت ويناجى ربه وبنوا إسرائيل خارجون واقفون حول البيت فتنزل نار بيضاء لا دخان لها ولها دوىّ وهفيف حين تنزل من السماء فتأكل ذلك القربان اى تحيله الى طبعها بالإحراق فيكون ذلك علامة القبول وإذا لم يقبل بقي على حاله وهذا من مفترياتهم وأباطيلهم لان أكل القربان النار لم يوجب الايمان(2/136)
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184)
الا لكونه معجزة فهو وسائر المعجزات سواء ولما كان محصل كلامهم الباطل ان عدم ايمانهم برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لعدم إتيانه بما قالوا ولو تحقق الإتيان به لتحقق الايمان رد عليهم بقوله تعالى قُلْ اى تبكيتا لهم وإظهارا لكذبهم قَدْ جاءَكُمْ اى جاء اسلافكم وآباءكم رُسُلٌ كثيرة العدد كبيرة المقدار مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ اى المعجزات الواضحة وَبِالَّذِي قُلْتُمْ بعينه من القربان الذي تأكله النار فقتلتموهم فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ اى فيما يدل عليه كلامكم من انكم تؤمنون لرسول يأتيكم بما اقترحتموه فان زكريا ويحيى وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام قد جاؤكم بما قلتم فى معجزات اخر فما لكم لم تؤمنوا حتى اجترأتم على قتلهم فَإِنْ كَذَّبُوكَ شروع فى تسلية رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ تعليل لجواب الشرط اى فتسل واصبر فقد كذب إلخ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ المعجزات الواضحات صفة لرسل وَالزُّبُرِ جمع زبور وهو الكتاب المقصور على الحكم من زبرته إذا حسنته او الزبر المواعظ والزواجر من زبرته إذا زجرته وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ اى التوراة والإنجيل والزبور. والكتاب فى عرف القرآن ما يتضمن الشرائع والاحكام ولذلك جاء الكتاب والحكمة متعاطفين فى عامة المواقع. والمنير اى المضيء البين بالأمر والنهى. والاشارة ان الله تعالى كما قدر ان بعض الأمم يغلبون بعض أنبيائهم ويقتلونهم قبل الايمان او بعد الايمان بهم كذلك قدر ان بعض الصفات النفسانية يغلب على بعض الإلهامات الربانية والواردات الرحمانية فيمحوها كما قال تعالى يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ قبل انقيادها لها او بعد ما انقادت لها ليقضى الله امرا كان مفعولا وبالجملة ان الروح يصير بمجاورة الصفات النفسانية كالنفس فى الدناءة فتصير الصفات الذميمة غالبة عليه كما تغلب على الإلهامات فعلى السالك ان يتجنب عن مصاحبة المفسدين ومجاورة صفات النفس
نفس از هم نفس بگيرد خوى ... بر حذر باش از لقاى خبيث
باد چون بر فضاى بد گذرد ... بوى بد گيرد از هواى خبيث
فطوبى لعبد طهر نفسه من الصفات الرذيلة والعناد والإصرار ورأى الحق حقا والباطل باطلا وانقطع عن ميل الدنيا واتباع الهوى وموافقة غير الله- روى- ان عيسى عليه السلام مر بقرية فاذا أهلها موتى فى الافنية والطرق فقال يا معشر الحواريين ان هؤلاء ماتوا على سخط ولو ماتوا على غير ذلك لتدافنوا فقالوا يا روح الله وددنا انا علمنا خبرهم فسأل ربه فاوحى الله اليه إذا كان الليل فنادهم يجيبوك فلما كان الليل اشرف على الموتى ثم نادى يا اهل القرية فاجابه مجيب لبيك يا روح الله فقال ما حالكم وما قصتكم قال بتنا فى عافية وأصبحنا فى هاوية قال وكيف ذلك قال لحبنا الدنيا وطاعتنا اهل المعاصي قال وكيف كان حبكم الدنيا قال كحال حب الصبى لامه إذا أقبلت فرحنا وإذا أدبرت حزنا قال فما بال أصحابك لم يجيبونى قال لانهم ملجمون بلجام من نار بايدى ملائكة غلاظ شداد قال كيف أجبتني من بينهم قال لانى كنت فيهم ولم أكن منهم فلما نزل بهم العذاب أصابني فانا معلق على شفير جهنم لا أدرى أأنجو منها أم أكبكب فيها. واعلم ان الإنكار والتكذيب من حب الدنيا والميل إليها لان الأنبياء والأولياء يدعون الى الجنة والمولى(2/137)
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)
وحفت الجنة بالمكاره والإنسان إذا رأى ما يكرهه يتنفر عنه ثم إذا اقدم على الإتيان به واكره يأخذ بالإنكار قال الله تعالى وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وقدوصى الحكماء الإلهية ان لا يجالس المريد اهل الإنكار بل لا يلتفت إليهم أصلا إذا للمجاورة تأثير عظيم كما قيل
عدوى البليد الى الجليد سريعة ... والجمر يوضع فى الرماد فيخمد
با بدان يار گشت همسر لوط ... خاندان نبوتش گم شد
سگ اصحاب كهف روزى چند ... پى مردم گرفت ومردم شد
قال مولانا جلال الدين قدس سره فى هذا المعنى
گر تو سنگ وصخره ومرمر شوى ... چون بصاحب دل رسى گوهر شوى
ساقنا الله وإياكم الى طريقة أوليائه ومجالسة أحبائه آمين كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ اى تخرج وتنفك من البدن بأدنى شىء من الموت فكنى بالذوق عن القلة وهو وعد ووعيد للمصدق والمكذب من حيث انه كناية عن ان هذه الدار بعدها دار اخرى يتميز فيها المحسن من المسيئ ويتوفر على كل أحد ما يليق به من الجزاء وفى الحديث (لما خلق الله آدم اشتكت الأرض الى ربها لما أخذ منها فوعدها ان يرد فيها ما أخذ منها فما من أحد الا ويدفن فى التربة التي خلق منها) وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ اى تعطون جزاء أعمالكم خيرا كان او شرا تاما وافيا يَوْمَ الْقِيامَةِ اى يوم قيامكم من القبور وفى لفظ التوفية اشارة الى ان بعض أجورهم يصل إليهم قبله كما ينبئ عنه قوله عليه السلام (القبر روضة من رياض الجنة او حفرة من حفر النيران) فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ اى بعد عنها يومئذ ونحى. والزحزحة فى الأصل تكرير الزح وهو الجذب بعجلة وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ بالنجاة ونيل المراد. والفوز الظفر بالبغية وعن النبي صلى الله عليه وسلم (من أحب ان يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويأتى الى الناس بما يحب ان يؤتى به اليه) وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا اى لذاتها وزخارفها إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ شبهها بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه وهذا لمن آثرها على الآخرة ومن آثر الآخرة عليها فهى له متاع بلاغ اى تبليغ الى الآخرة وإيصال إليها فلذلك سماه الله خيرا حيث قال وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ فالعاقل لا يغتر بالدنيا فانها لين مسها قاتل سمها ظاهرها مطية السرور وباطنها مطية الشرور
ترا دنيا همى گويد شب وروز ... كه هان از صحبتم پرهيز و پرهيز
مده خود را فريب از رنگ وبويم ... كه هست اين خنده من گريه آميز
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقول الله اعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر واقرأوا ان شئتم فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون وان فى الجنة شجرة يسيرا الراكب فى ظلها مائة عام لا يقطعها واقرأوا ان شئتم وظل ممدود ولموضع سوط فى الجنة خير من الدنيا وما عليها واقرأوا ان شئتم فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحيوة الدنيا الا متاع الغرور)(2/138)
بناز ونعمت دنيا منه دل ... كه دل بر داشتن كاريست مشكل
فمن اتى بالطاعات واجتنب عن السيئات واعرض عن الدنيا ولذاتها فاز بالجنة ودرجاتها ومن عكس الأمر عوقب بالحرمان فى دركات النيران- روى- ان جبريل عليه السلام جاء النبي صلى الله عليه وسلم متغير اللون فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن تغير لونه فقال جئتك وقد امر الله ان ينفخ فى نار جهنم فقال عليه السلام صف لى جهنم فقال لما خلق الله جهنم او قد عليها الف سنة حتى احمرت ثم او قد عليها الف سنة حتى اصفرت ثم او قد عليها الف سنة حتى اسودت والذي بعثك بالحق نبيا لوان جمرة منها وقعت لا حترقت اهل الدنيا ولو ان ثوبا من أثوابها علق بين السماء والأرض لماتوا من نتن رائحته لها سبعة أبواب بعضها أسفل من بعض فقال صلى الله تعالى عليه وسلم من سكان هذه الأبواب فقال الباب الاول فيه المنافقون واسمه الهاوية والباب الثاني فيه المشركون واسمه الجحيم والباب الثالث فيه الصابئون واسمه سقر والباب الرابع فيه إبليس واتباعه والمجوس واسمه لظى والباب الخامس فيه اليهود واسمه الحطمة والباب السادس فيه النصارى واسمه السعير والباب السابع فيه عصاة الموحدين واسمه النار يدخلونها ثلاثة ايام فاخبر سلمان حال النبي عليه السلام لفاطمة فسألت النبي فاخبرها النبي عليه السلام فقالت فاطمة رضى الله عنها كيف يدخلونها فقال صلى الله عليه وسلم اما الرجال فبا للحى واما النساء فبالذوائب ثم انهم يخرجون من النار بشفاعة النبي عليه السلام فتبين ان من زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وانزل الله على بعض أنبيائه يا ابن آدم تشترى النار بثمن قال ولا تشترى الجنة بثمن رخيص قيل فى معناه ان فاسقا يتخذ ضيافة للفساق بمائة درهم او مائتين فيشترى النار ولو اتخذ ضيافة للفقراء بدرهم او درهمين يكون ثمن الجنة
غم وشادمانى نماند وليك ... جزاى عمل ماند ونام نيك
كرم پاى دارد نه ديهيم وتخت ... بده كز تو اين ماند اى نيكبخت
مكن تكيه بر ملك وجاه وحشم ... كه پيش از تو بودست وبعد از تو هم
واعلم ان البعد عن النار ودخول الجنة بالاجتناب عن المعاصي والمسارعة الى الطاعة وذلك بالهرب عن مقام النفس والدخول فى مقام القلب فان من دخل حرم القلب كان آمنا كما قال تعالى وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً فمن وصل الى ذلك الحرم فقد خلص من انواع الألم فهو جنة عاجلة. قال بعضهم للعارف جنة عاجلة وهى جنة المعرفة. ثم ان أعظم اسباب دخول الجنة كلمة الإخلاص والتوحيد وفقنا الله وإياكم. ثم اعلم ان النفوس على ثلاثة اقسام. قسم منها يموت ولا حشر له للبقاء كسائر الحيوانات. وقسم يموت فى الدنيا ويحشر فى الآخرة كنفوس الإنسان والملائكة والجن والشياطين. وقسم منها يموت فى الدنيا ويحشر فى الدنيا والآخرة جميعا وهى نفوس خواص الإنسان كما قال عليه الصلاة والسلام (المؤمن حى فى الدارين) على ان لها موتا معنويا فى الدنيا كما أشار اليه عليه السلام بقوله (موتوا قبل ان تموتوا) وهو الفناء فى الله بالله لله ولها حياة معنوية فى الدنيا كما قال تعالى أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ وهو البقاء بنور الله ففى قوله كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ اشارة الى(2/139)
لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)
ان كل نفس مستعدة للفناء فى الله فلا بدلها من موت فمن كان موته بالأسباب تكون حياته بالأسباب ومن كان فناؤه فى الله يكون بقاؤه بالله وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ على قدر تقواكم وفجوركم فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ اى عن نار القطيعة واخرج من جحيم الطبيعة على قدمى الشريعة والطريقة وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ الحقيقية فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا ونعيمها إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ أي متاع يغتر به المغرور والممكور لَتُبْلَوُنَّ اصل الابتلاء الاختبار اى تطلب الخبرة بحاله المختبر بتعريضه لامر يشق عليه غالبا ملابسة او مفارقة وذلك انما يتصور ممن لا وقوف له على عواقب الأمور واما من جهة العليم الخبير فلا يكون الا مجازا من تمكينه للعبد من اختيار أحد الامرين او الأمور قبل ان يرتب عليه شيأ هو من مباديه العادية. والجملة جواب قسم محذوف اى والله لتعاملن معاملة المختبر ليظهر ما عندكم من الثبات على الحق والأعمال الحسنة فِي أَمْوالِكُمْ بما يقع فيها من ضروب الآفات المؤدية الى الهلاك وَأَنْفُسِكُمْ بالقتل والاسر والجراح وما يرد عليها من اصناف المتاعب والمخاوف والشدائد ونحو ذلك وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ اى من قبل ايتائكم القرآن وهم اليهود والنصارى وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا من العرب كأبى جهل والوليد وابى سفيان وغيرهم أَذىً كَثِيراً من الطعن فى الدين الحنيف والقدح فى احكام الشرع الشريف وصد من أراد ان يؤمن وتخطئة من آمن وما كان من كعب بن الأشرف وأصحابه من هجاء المؤمنين وتحريض المشركين على مضادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك مما لا خير فيه أخبرهم بذلك قبل وقوعها ليوطنوا أنفسهم على الصبر والاحتمال على المكروه ويستعدوا للقائها فان هجوم الاوجال مما يزلزل أقدام الرجال والاستعداد للكروب مما يهون الخطوب وَإِنْ تَصْبِرُوا على تلك الشدائد والبلوى عند ورودها وتقابلوها بحسن التقابل وَتَتَّقُوا اى تتبتلوا الى الله تعالى بالكلية معرضين عما سواه بالمرة بحيث يتساوى عندكم وصول المحبوب ولقاء المكروه فَإِنَّ ذلِكَ يعنى الصبر والتقوى مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ من معزوماتها التي تنافس فيها المتنافسون اى مما يجب ان يعزم عليه كل أحد لما فيه من كمال المزية والشرف او مما عزم الله تعالى عليه وامر به وبالغ فيه يعنى ان ذلك عزمة من عزمات الله لا بد ان تصبروا وتتقوا. واعلم ان مقابلة الاساءة تفضى الى ازدياد الاساءة فامر بالصبر تقليلا لمضار الدنيا وامر بالتقوى تقليلا لمضار الآخرة فالآية جامعة لآداب الدنيا والآخرة. فعلى العاقل ان يتخلق بأخلاق الأنبياء والأولياء ويتأدب بآدابهم فانهم كانوا يصبرون على الأذى ولا يقابلون السفيه بمثل مقابلته وإذا مروا باللغو مروا كراما
بدى را بدى سهل باشد جزا ... اگر مردى احسن الى من أساء
وقد مدح الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ قالت عائشة رضى الله عنها كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم القرآن يعنى تأدب بآداب القرآن قيل مدار عظم الخلق بذل المعروف وكف الأذى اى احتماله ورسول الله عليه الصلاة والسلام كان موصوفا بها وقد انزل الله فى معروفه وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ وتحمل الأذى انما يكون(2/140)
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)
بصبر قوى وهو عليه السلام كان صبورا لتحمل الأذى اكثر من ان يحصى قال عليه السلام (صل من قطعك واعف عمن ظلمك وأحسن الى من أساء إليك) وما امر عليه السلام غيره بها الا بعد ان تخلق بها وأمته لا بد ان تتبعه فى تحمل الأذى وغيرها لا تسمع بدون الحجة القوية والابتلاءات التي ترد من طرف الحق كلها لتصفية النفس وتوجيهها من الخلق الى الخالق ولهذا قال عليه الصلاة والسلام (ما أوذي نبى مثل ما أوذيت) كأنه قال ما صفى نبى مثل ما صفيت وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ادع الله على المشركين فقال (انما بعثت رحمة ولم ابعث عذابا) فالابتلاء رحمة ونعمة: قال جلال الدين قدس سره
درد پشتم داد حق تا من ز خواب ... برجهم در نيم شب با سوز وتاب «1»
تا نخسبم جمله شب چون گاوميش ... دردها بخشيد حق از لطف خويش
والاشارة فى الآية لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ بالجهاد الأصغر هل تجاهدون بها وتنفقونها فى سبيل الله وبالجهاد الأكبر اما الأموال فهل تؤثرون على أنفسكم ولو كان بكم خصاصة واما الأنفس فهل تجاهدون فى الله حق جهاده اولا وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ يعنى اهل العلم الظاهر وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا اى اهل الرياء من القراء والزهاد أَذىً كَثِيراً بالغيبة والملامة والإنكار والاعتراض وَإِنْ تَصْبِرُوا على جهاد النفس وبذل المال واذية الخلق وَتَتَّقُوا بالله عما سواه فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ الذي هو من امور اولى العزم كما قال فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ومن لم يحافظ على هذه الأمور كان من المدعين
مشكل آيد خلق را تغيير خلق ... آنكه بالذات است كى زائل شود
اصل طبع است وهمه اخلاق فرع ... فرع لا بد اصل را مائل شود
فظهران من لم يهد الله لا يهتدى الى مكارم الأخلاق وحسان الخصال وسنيات الأحوال وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ اى اذكر يا محمد وقت اخذه تعالى مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وهم علماء اليهود والنصارى وذلك أخذ على لسان الأنبياء عليهم السلام لَتُبَيِّنُنَّهُ حكاية لما خوطبوا به والضمير للكتاب وهو جواب قسم ينبئ عنه أخذ الميثاق كأنه قيل لهم بالله لتبينه لِلنَّاسِ وتظهرنّ جميع ما فيه من الاحكام والاخبار التي من جملتها امر نبوته صلى الله عليه وسلم وهو المقصود بالحكاية وَلا تَكْتُمُونَهُ عطف على الجواب وانما لم يؤكد بالنون لكونه منفيا كما فى قولك والله لا يقوم زيد فَنَبَذُوهُ النبذ الرمي والابعاد اى طرحوا ما أخذ منهم من الميثاق الموثوق بفنون التأكيد والقوه وَراءَ ظُهُورِهِمْ ولم يراعوه ولم يلتفتوا اليه أصلا فان نبذ الشيء وراء الظهر مثل فى الاستهانة به والاعراض عنه بالكلية كما ان جعله نصب العين علم فى كمال العناية وَاشْتَرَوْا بِهِ اى بالكتاب الذي أمروا ببيانه ونهوا عن كتمانه والاشتراء مستعار لاستبدال متاع الدنيا بما كتموا اى تركوا ما أمروا به وأخذوا بدله ثَمَناً قَلِيلًا اى شيأ تافها حقيرا من حطام الدنيا واعراضها وهو ما تناولوه من سفلتهم فلما كرهوا ان يؤمنوا فينقطع ذلك عنهم كتموا ما علموا من ذلك وامروهم ان يكذبوه فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ ما نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس ويشترون
__________
(1) وفى بعض نسخ المثنوى (برجهم هر نيم شب لا بد شتاب) در اواسط دفتر دوم در بيان دانستن پيغمبر عليه السلام كه سبب رنجورى آن شخصى از گستاخى بود [.....](2/141)
صفة والمخصوص بالذم محذوف اى بئس شيأ يشترونه ذلك الثمن وظاهر الآية وان دل على نزولها فى حق اليهود والنصارى الذين كانوا يخفون الحق ليتوسلوا بذلك الى وجدان شىء من الدنيا الا ان حكمهما يعم من كتم من المسلمين احكام القرآن الذي هو اشرف الكتب وانهم اشراف اهل الكتاب. قال صاحب الكشاف وكفى به دليلا على انه مأخوذ على العلماء ان يبينوا الحق للناس وما علموه وان لا يكتموا منه شيأ لغرض فاسد من تسهيل على الظلمة وتطييب لنفوسهم واستجلاب لمسارهم او لجر منفعة من حطام الدنيا لنفسه مما لا دليل عليه ولا امارة أو لبخل بالعلم وغيرة ان ينسب الى غيرهم انتهى بعبارته فكل من لم يبين الحق للناس وكنتم شيأ من هذه الأمور دخل تحت وعيد الآية كذا فى تفسير الامام. فعلى المرء ان يحسن نيته حال الإضمار والإظهار ويطهر سريرته من لوث الاعراض والأوزار والإنكار
زيان مى كند مرد تفسير دان ... كه علم وادب ميفروشد بنان
بدين اى فرومايه دنى مخر ... چوخر بانجيل عيسى مخر
يعنى لا تشتر بالعلم والقرآن ما تربى به نفسك من شهواتك ولا تخف من الخلق فى اظهار الاحكام واصدع بما أمرت به- حكى- ان الحجاج أرسل الى الحسن وقال ما الذي بلغني عنك فقال ما كل الذي بلغك قلته ولا كل ما قلته بلغك قال أنت الذي قلت ان النفاق كان مقموعا فاصبح قد تعمم وتقلد سيفا فقال نعم فقال وما الذي حملك على هذا ونحن نكرهه قال لان الله أخذ ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه. قال قتادة مثل علم لا يقال به كمثل كنز لا ينفق منه ومثل حكمة لا تخرج كمثل صنم قائم لا يأكل ولا يشرب وكان يقول طوبى لعالم ناطق ولمستمع واع هذا علم علما فبذله وهذا سمع خبرا فوعاه قال صلى الله عليه وسلم (من كتم علما على اهله الجم بلجام من نار) . قال الفضيل رحمه الله لو ان اهل العلم أكرموا أنفسهم وشحوا على دينهم واعزوا العلم وصانوه وأنزلوه حيث أنزله الله لخضعت لهم رقاب الجبابرة وانقاد لهم الناس وكانوا لهم تبعا وعز الإسلام واهله ولكنهم اذلوا أنفسهم ولم يسألوا ما نقص من دينهم إذا أسلمت لهم دنياهم فبذلوا علمهم لأبناء الدنيا ليصيبوا بذلك مما فى أيدي الناس فذلوا وهانوا على الناس. وعن الفضيل ايضا قال بلغني ان الفسقة من العلماء ومن حملة القرآن يبدأ بهم يوم القيامة قبل عبدة الأصنام فيقولون ربنا ما بالنا فيقول الله ليس من يعلم كمن لا يعلم فمن اشترى الدنيا بالدين فقد وقع فى خسران مبين ولا يخفى ان مداره على حب الدنيا ساقنا الله وإياكم الى طريق القناعة- حكى- ان ذا القرنين اجتاز على قوم تركوا الدنيا وجعلوا قبور موتاهم على أبوابهم يقتاتون بنبات الأرض ويشتغلون بالطاعة فارسل ذو القرنين الى رئيسهم فقال مالى حاجة الى صحبة ذى القرنين فجاء ذو القرنين فقال ما سبب قلة الذهب والفضة عندكم قال ليس للدنيا طالب عندنا لانها لا تشبع أحدا فجعلنا القبور عندنا حتى لا ننسى الموت ثم أخذ قحف انسان وقال هذا رأس ملك من الملوك كان يظلم الرعية ويجمع حطام الدنيا فقبضه الله تعالى وبقي عليه السيئات ثم اخرج آخر وقال هذا ايضا رأس ملك عادل مشفق فقبضه واسكنه جنته ورفع درجته ثم وضع يده على رأس ذى القرنين(2/142)
لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193)
وقال من أي الرأسين يكون رأسك فبكى ذو القرنين وقال ان رغبت فى صحبتى شاطرتك مملكتى وسلمت إليك وزارتي فقال هيهات فقال ذو القرنين ولم قال لان الناس اعداؤك بسبب المال والمملكة وجميعهم أحبابي بسبب القناعة
نيرزد عسل جان من زخم نيش ... قناعت نكوتر بدوشاب خويش
گدايى كه هر خاطرش بند نيست ... به از پادشاهى كه خرسند نيست
اگر پادشاهست اگر پينه دوز ... چوخفتند گردد شب هر دو روز
لا تَحْسَبَنَّ يا محمد او الخطاب لكل أحد ممن يصلح له الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا اى بما فعلوا من التدليس وكتمان الحق وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا من الوفاء بالميثاق واظهار الحق والاخبار بالصدق فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ تأكيد لقوله لا تحسبن والمفعول الثاني له قوله بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ اى ملتبسين بنجاة منه وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بكفرهم وتدلبسهم وَلِلَّهِ اى خاصة مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى السلطان القاهر فيهما بحيث يتصرف فيهما وفيما فيهما كيف يشاء ويريد إيجادا واعداما احياء واماتة تعذيبا واثابة من غير ان يكون لغيره شائبة دخل فى شىء من ذلك بوجه من الوجوه وهو يملك أمرهم ويعذبهم بما فعلوا لا يخرجون عن قبضة قدرته ولا يجون من عذابه يأخذهم متى شاء وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على عقابهم وكيف يرجو النجاة من كان معذبه هذا المالك القادر- روى- انه عليه السلام سأل اليهود عن شىء مما فى بالتوراة فاخبروه بخلاف ما كان فيه واروه انهم قد صدقوا وفرحوا بما فعلوا فنزلت وقيل هم المنافقون كافة وهو الأنسب بظاهر قوله تعالى وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فانهم كانوا يفرحون بما فعلوه من اظهار الايمان وقلوبهم مطمئنة بالكفر ويستحمدون الى المسلمين بالايمان وهم عن فعله بألف منزل وكانوا يظهرون محبة المؤمنين وهم فى الغاية القاصية من العداوة والاولى اجراء الموصول على عمومه شاملا لكل من يأتى بشىء من الحسنات فيفرح به فرح إعجاب ويود ان يمدحه الناس بما هو عار من الفضائل وانواع البر وكون السبب خاصا لا يقدح فى عمومية حكم الآية. واعلم ان الفرح بمتاع الدنيا وحب مدح الناس من صفات ارباب النفس الامارة المغرورين بالحياة الدنيا وتمويهات الشيطان المحجوبين عن السعادات الاخروية والقربات المعنوية. قال الامام فى تفسيره وأنت إذا أنصفت عرفت ان احوال اكثر الخلق كذلك فانهم يأتون بجميع وجوه الحيل فى تحصيل الدنيا ويفرحون بوجدان مطلوبهم ثم يحبون ان يحمدوا بانهم من اهل العفاف والصدق والدين
اى برادر از تو بهتر هيچ كس نشناسدت ... زانچهـ هستى يك سر مو خويش را افزون منه
گر فزون از قدر تو بشناسدت تا بخردى ... قدر خود بشناس و پاى از حد خود بيرون منه
فعلى العاقل ان لا يتعدى طوره ولا يفرح بما ليس فيه فانه لا يغنى عنه شيأ. قال بعض المشايخ الناس يمدحونك لما يظنون فيك من الخير والصلاح اعتبارا بما يظهر من ستر الله عليك فكن أنت ذامّا لنفسك لما تعلمه منها من القبائح والمؤمن إذا مدح استحيى من الله ان يثتى عليه بوصف(2/143)
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)
لا يشهده من نفسه وأجهل الناس من يترك يقين ما عنده من صفات نفسه التي لا شك فيها لظن ما عند الناس من صلاحية حاله. قال الحارث بن المحاسبى رحمه الله الراضي بالمدح بالباطل كمن يهزأ به ويقال ان العذرة التي تخرج من جوفك لها رائحة كرائحة المسك ويفرح بذلك ويرضى بالسخرية به
بحبل ستايش فرا چهـ مشو ... چوحاتم أصم باش وعيبت شنو
يعنى لا تغتر بالمدح حتى لا تقع فى بئر الهلاك وكن كالشيخ حاتم الأصم صورة فان الخلق إذا ظنوك يتكلمون فى حقك ما لا ترضى به من القول لو سمعت فأذن تسمع عيوبك منهم وفى ذلك فائدة عظيمة لك لان المرء إذا عرف عيبه يجتهد فى قمعه والتحلي بالأوصاف الجميلة والعارف هو الذي يستوى قلبه فى المدح والذم لا ينقبض من الذم ولا ينبسط من المدح وكيف ينبسط بما يتحقق به مما يقوله الخلق من هو اعرف بحال نفسه وان انبسط فهو المغرور والمدعى هو الذي يرى نفسه صادقا فى الأحوال والمعاملات وكل الحالات كأنه لا يتعرض لشىء من الدنيا أصلا وحاله شاهدة عليه فى هذا الباب فان المرء له محك فى أقواله وأفعاله وأحواله قال عليه السلام (انما مثل صاحب الدنيا كمثل الماشي فى الماء هل يستطيع الذي يمشى فى الماء ان لا تبل قدماه فمن هذا يعرف جهالة الذين يزعمون انهم يخوضون فى نعيم الدنيا بأبدانهم وقلوبهم عنها مطهرة وعلائقها عن بواطنهم منقطعة وذلك مكيدة الشيطان بل هم لو اخرجوا مما هم فيه لكانوا أعظم المتفجعين بفراقها فكما ان المشي فى الماء يقتضى بللا لا محالة يلتصق بالقدم فكذلك ملابسة الدنيا تقتضى علاقة وظلمة فى القلب بل علاقة القلب مع الدنيا تمنع حلاوة العبادة. قال الشيخ ابو عبد الله القرشي رحمه الله شكا بعض الناس لرجل من الصالحين انه يعمل البر ولا يجد حلاوته فى القلب فقال لان عندك ابنة إبليس فى قلبك وهى الدنيا ولا بد للاب ان يزور ابنته فى بيتها وهو قلبك ولا يؤثر دخوله الا فسادا قال الله تعالى [يا داود ان كنت تحبنى فاخرج حب الدنيا من قلبك فان حبى وحبها لا يجتمعان فى قلب ابدا] . وروى ان عيسى عليه السلام قال لاصحابه لا تجالسوا الموتى فتموت قلوبكم قالوا ومن الموتى قال الراغبون فى الدنيا المحبون لها
بر مرد هشيار دنيا خسست ... كه هر مدتى جاى ديگر كسست
منه بر جهان دل كه بيگانه ايست ... چومطرب كه هر روز در خانه ايست
نه لايق بود عشق با دلبرى ... كه هر بامدادش بود شوهرى
عصمنا الله وإياكم إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وذلك ان اهل مكة سألوا رسول الله عليه الصلاة والسلام ان يأتيهم بآية لصحة دعواه لانه كان يدعوهم الى عبادة الله وحده فنزل إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خلقين عظيمين ويقال فيما خلق الله فى السموات من الشمس والقمر والنجوم وما خلق الله فى الأرض من الجبال والبحار والأشجار والوحوش والطيور وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ يعنى ذهاب الليل ومجيئ النهار ويقال فى اختلاف لونيهما او فى تفاوتهما بازدياد كل منهما بانتقاص الآخر وانتقاصه بازدياده باختلاف حال الشمس بالنسبة إلينا قربا وبعدا بحسب الازمنة لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ لعبرات كثيرة لذوى العقل(2/144)
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)
الخالص من شوائب الأوهام والخيالات. واللب خالص العقل فان العقل له ظاهر وله لب ففى أول الأمر يكون عقلا وفى حال كماله ونهاية امره يكون لبا الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ نعت لاولى الألباب اى يذكرونه دائما على الحالات كلها قائمين وقاعدين ومضطجعين فان الإنسان لا يخلو عن هذه الهيآت غالبا وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعنى يعتبرون فى خلقهما. وانما خصص التفكر بالخلق لقوله عليه السلام (تفكروا فى الخلق ولا تتفكروا فى الخالق) وانما نهى عن التفكر فى الخالق لان معرفة حقيقته المخصوصة غير ممكنة للبشر فلا فائدة لهم فى التفكر فى ذات الخالق. ولما كان الإنسان مركبا من النفس والبدن كانت العبودية بحسب النفس وبحسب البدن فاشار الى عبودية البدن بقوله الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلخ فان ذلك لا يتم الا باستعمال الجوارح والأعضاء وأشار الى عبودية القلب والروح بقوله وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وعن عطاء بن ابى رباح قال دخلت مع ابن عمر وعبيد الله بن عمر على عائشة رضى الله عنها فسلمت عليها فقالت من هؤلاء فقلت عبيد الله بن عمر فقالت مرحبا بك يا عبيد الله بن عمر مالك لا تزورنا فقال عبيد الله زرغبا تزدد حبا قال ابن عمر دعونا من هذا حدثينا بأعجب ما رأيت من رسول الله عليه السلام فبكت بكاء شديدا فقالت كل امره عجيب أتاني فى ليلتى فدخل فى فراشى حتى الصق جلده بجلدي فقال (يا عائشة أتأذنين لى ان أتعبد لربى) فقلت والله انى لاحب قربك وهواك قد أذنت لك فقام الى قربة من ماء فتوضأ منها ثم قام فبكى وهو قائم حتى بلغ الدموع حقويه حتى اتكأ على شقه الايمن ووضع يده اليمنى تحت خده الايمن فبكى حتى ادرّت الدموع وبلغت الأرض ثم أتاه بلال بعد ما اذن للفجر فلما رآه يبكى قال لم تبكى يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال (يا بلال أفلا أكون عبدا شكورا ومالى لا ابكى وقد أنزلت على الليلة ان فى خلق السموات والأرض الى قوله فقنا عذاب النار ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها) وفى الحديث (تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة) . وفى التفضيل وجهان. أحدهما ان التفكر يوصلك الى الله والعبادة توصلك الى ثواب الله والذي يوصلك الى الله خير مما يوصلك الى غير الله. والثاني ان التفكر عمل القلب والطاعة عمل الجوارح والقلب اشرف من الجوارح فكان عمل القلب اشرف من عمل الجوارح. ثم شرع فى تعليم الدعاء تنبيها على ان الدعاء انما يجدى ويستحق الاجابة إذا كان بعد تقديم الوسيلة وهى اقامة وظائف العبودية من الذكر والفكر فقال رَبَّنا يعنى يتفكرون ويقولون ربنا ما خَلَقْتَ هذا اى السموات والأرض وتذكير الضمير لما انهما باعتبار تعلق الخلق بهما فى معنى المخلوق باطِلًا اى خلقا باطلا عبثا ضائعا عن الحكمة خاليا عن المصلحة كما ينبئ عنه أوضاع الغافلين عن ذلك المعرضين عن التفكر فيه بل منتظما لحكم جليلة ومصالح عظيمة من جملتها ان يكون مدارا لمعايش العباد ومنارا يرشدهم الى معرفة احوال المبدأ والمعاد حسبما أفصحت عنه الرسل والكتب الالهية سُبْحانَكَ اى ننزهك عما لا يليق بك من الأمور التي من جملتها خلق مالا حكمة فيه فَقِنا عَذابَ النَّارِ اى من عذاب النار الذي هو جزاء الذين لا يعرفون ذلك وفائدة الفاء هى الدلالة على ان علمهم بما لاجله خلقت السموات والأرض حملهم(2/145)
على الاستعاذة. وفيه اشارة الى عظم ذكر الله واشارة الى ثلاث مراتب. أولاها الذكر باللسان وثانيتها التفكر بالقلب. وثالثتها المعرفة بالروح لان ذكر اللسان يوصل صاحبه الى ذكر القلب فهو التفكر فى قدرة الله وذكر القلب يوصل الى مقام الروح فيعرف فى ذلك حقائق الأشياء ويشاهد الحكم الالهية فى خلق الله فيقول بعد المشاهدة رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا فينبغى للمؤمن ان يلازم ذكر الله بلسانه فى جميع الأحوال حتى يصل بسبب الذكر باللسان الى ذكر القلب ثم الى ذكر الروح ويحصل له اليقين والمعرفة ويخلص من ظلمة الجهل ويتنور بنور المعرفة. قال بعضهم معنى لا اله الا الله للعوام لا معبود الا الله. ومعناها للخواص لا محبوب ولا مقصود الا الله. ومعناها لأخص الخواص لا موجود الا الله
فانه يكون فى تلك الحالة مستهلكا فى بحر الشهود فلا يشعر بشىء سوى الله ولا يرى موجودا. وفى تفسير الحنفي منقول فى التوحيد اربع مراتب وهو ينقسم الى لب والى لب اللب والى قشر والى قشر القشر.
وتمثيل ذلك تقريبا الى الافهام الضعيفة بالجوز فى قشرتيه العليا والسفلى فان له قشرتين وله لبو للب دهن وهو لب اللب. فالمرتبة الاولى من التوحيد ان يقول الإنسان باللسان لا اله الا الله وقلبه غافل عنه او منكر له كتوحيد المنافق. والثانية ان يصدق بمعناه قلبه كما صدق به عموم المسلمين وهو اعتقاد. والثالثة ان يشاهد ذلك بواسطة نور الهى وذلك ان يرى الأشياء صادرة من الواحد القهار. والرابعة انه لا يرى فى الوجود إلا وجودا وهو مشاهدة الصديقين وهو الفناء فى التوحيد بمعنى انه فنى عن رؤية نفسه. فالاول موحد بمجرد اللسان ويعصم ذلك صاحبه فى الدنيا من السيف والسنان. والثاني موحد بمعنى انه معتقد بقلبه مفهوم لفظه وقلبه خال من التكذيب بما انعقد عليه قلبه وهو عقد على القلب ليس فيه انشراح وانفتاح ولكنها تحفظ صاحبها من العذاب فى الآخرة ان توفى عليها ولم يضعف بالمعاصي عقدتها ولهذا العقد حيل يقصد بها تضعيفه وتحليله تسمى بدعة. والثالث موحد بمعنى انه لم يشاهد الا فاعلا واحدا إذا انكشف له لا فاعل بالحقيقة كما هى عليه لانه كلف قلبه ان يعقد على مفهوم لفظ الحقيقة فان ذلك رتبة العوام والمتكلمين إذ لا فرق بينهما فى الاعتقاد بل فيه صفة تلفيق الكلام. والرابع موحد بمعنى انه لا يرى غير الواحد وهذه الغاية القصوى فى التوحيد. فالاول كالقشرة العليا من الجوز. والثاني كالقشرة السفلى.
والثالث كاللب. والرابع كالدهن المستخرج من اللب وكما ان القشرة العليا لا خير فيها بل ان أكل فهو مر المذاق وان نظر الى باطنه فهو كريه المنظر وان أخذ حطبا اطفأ النار واكثر الدخان وان ترك فى البيت ضيق المكان ولا يصلح الا ان يترك مدة على الجوز للصون ثم يرمى فكذلك التوحيد بمجرد اللسان عديم الجدوى كثير الضرر مذموم الظاهر والباطن لكنه ينفع مدة فى حفظ القشرة السفلى الى وقت الموت والقشرة السفلى هى البدن فيصون من السيف وانما يتجرد عند الموت فلا يبقى لتوحيده فائدة بعده وكما ان القشرة السفلى ظاهرة النفع بالاضافة الى القشرة العليا فانه يصون اللب ويحرسه من الفساد عند الادخار وإذا فصل أمكن ان ينتفع به حطبا لكونه لا قدر له بالنسبة الى اللب فكذلك مجرد الاعتقاد من غير كشف(2/146)
رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192)
كثير النفع بالاضافة الى مجرد نطق اللسان ناقص القدر بالاضافة الى الكشف والمجاهدة التي تحصل بانشراح الصدر وانفتاحه واشراق نور الحق فيه إذ ذلك الشرح هو المراد بقوله تعالى أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ وقوله فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وكما ان اللب نفيس بالاضافة الى القشرة لانه المقصود لكن لا يخلو عن شوب بالنسبة الى الدهن كذلك هذا التوحيد لا يخلو عن ملاحظة الغير والالتفات الى الكثرة بالاضافة الى من لم ير سوى الواحد الحق انتهى ما فى الحنفي. واعلم ان الآية تدل على جواز ذكر الله تعالى قائما ولهذا قال المشايخ ولا بأس ان يقوموا ترويحا لقلوبهم ولا يتحركوا فى ذلك ولا يستظهروا بحال ليس عندهم منه حقيقة. والحاصل ان التوحيد إذا قرن بالآداب فليس له وضع مخصوص يجوز قائما وقاعدا ومضطجعا ولكن ورد فى الأحاديث ما يدل على استحباب الإخفاء فى ذكر الله وذكر شارح الكشاف ان هذا بحسب المقام والشيخ المرشد يأمر المبدأ برفع الصوت لتنقلع عن قلبه الخواطر الراسخة فيه كذا فى شرح المشارق ويوافقه ما ذكر فى المظهر حيث قال الذكر برفع الصوت جائز بل مستحب إذا لم يكن عن رياء ليغتنم الناس بإظهار الدين ووصول بركة الذكر الى السامعين فى الدور والبيوت والحوانيت ويوافق الذاكر من سمع صوته ويشهد له يوم القيامة كل رطب ويابس سمع صوته وبعض المشايخ اختار الإخفاء لانه ابعد عن الرياء وهذا يتعلق بالنية فمن كانت نيته صادقة فرفع صوته بقراءة القرآن والذكر اولى لما ذكرنا ومن خاف من نفسه الرياء فالاولى له إخفاء الذكر لئلا يقع فى الرياء انتهى قيل إذا كان وحده فان كان من الخواص فالاخفاء فى حقه اولى وان كان من العوام فالجهر فى حقه اولى وإذا كانوا مجتمعين على الذكر فالاولى فى حقهم رفع الصوت بالذكر والقوة فانه اكثر تأثيرا فى رفع الحجب ومن حيث الثواب فلكل واحد ثواب ذكر نفسه وسماع ذكر رفقائه قال الله تعالى ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً شبه القلوب بالحجارة ومعلوم ان الحجر لا ينكسر الا بقوة فقوة ذكر جماعة مجتمعين على قلب واحد أشد من قوة ذكر شخص واحد كذا فى ذخرة العابدين: قال حسين الواعظ الملقب بالكاشفي
كفت وكوى عاشقان در كار رب ... جوشس عشقست نه ترك ادب
هر كه كرد از جام حق يك جرعه نوش ... نه ادب ماند درو نه عقل وهوش
والمقصود ان السالك إذا سلب اختياره عند التوحيد بغلبة الوجد فلا دخل لشىء من أوضاعه وحركاته فانه إذا ليس فى يده فلا يرد ما قيل
كار نادان كوته انديشست ... ياد كردن كسى كه در پيشست
فان الجهر وحركات الموحد بالنسبة الى مقامه وحاله ممدوحة جدا واما المتصلفون المتكلفون فحركاتهم وأفعالهم من عند أنفسهم وقد نهى المشايخ فى كتبهم عن أمثال هؤلاء وأفعالهم وأقوالهم. فعلى العاقل ان يراعى الآداب والأطوار ولا ينفك لحظة عن ذكر الملك الغفار رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ غاية الاخزاء ونظيره قولهم «من أدرك مرعى الصمان فقد أدرك» اى المرعى الذي لا مرعى بعده والمراد به تهويل المستعاذ منه تنبيها على شدة(2/147)
رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193)
خوفهم وطلبهم الوقاية منه وفيه اشعار بان العذاب الروحاني أفظع وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ أراد بهم المدخلين وجمع الأنصار بالنظر الى جمع الظالمين اى وما لظالم من الظالمين نصير من الأنصار والمراد به من ينصر بالمدافعة والقهر فليس فى الآية دلالة على نفى الشفاعة لانها هى الدفع بطريق اللين والمسألة فنفى النصرة لا يستلزم نفى الشفاعة رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أوقع الفعل على المسمع وحذف المسموع لدلالة وصفه عليه والمراد به الرسول عليه السلام فانه ينادى ويدعو الى الايمان حقيقة قال تعالى ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ أَنْ آمِنُوا اى آمنوا على انّ ان تفسيرية او بان آمنوا على انها مصدرية بِرَبِّكُمْ بمالككم ومتولى أموركم ومبلغكم الى الكمال فَآمَنَّا اى فامتثلنا بامره وأجبنا نداءه رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا اى كبائرنا فان الايمان يجب ما قبله وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا اى صغائرنا فانها مكفرة عن مجتنب الكبائر وَتَوَفَّنا اى اقبض أرواحنا مَعَ الْأَبْرارِ اى مخصوصين بصحبتهم مغتنمين بجوارهم معدودين من زمرتهم فالمراد من المعية ليس المعية الزمانية لان ذلك محال ضرورة ان توفيهم انما هو على سبيل التعاقب بل المراد المعية فى الاتصاف بصفة الأبرار حال التوفى. وفيه اشعار بانهم كانوا يحبون لقاء الله ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه فمن جعل الله ممن آمن بداعي الايمان فقد أكرمه مع أوليائه فى الجنان فطوبى للذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وطوبى لمن اتعظ بالموعظة الحسنة: قال الحافظ
نصيحت كوش كن جانا كه از جان دوست تر دارند ... جوانان سعادتمند پند پير دانا را
قال الشيخ السعدي
بكوى آنچهـ دانى سخن سودمند ... وگر هيچ كس را نيايد پسند
كه فردا پشيمان برآرد خروش ... كه اوخ چرا حق نكردم بكوش
قال ابو عامر الواعظ بينما انا جالس بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءنى غلام وأعطاني رقعة فاذا فيها أسعدك الله يا أخي أبا عامر بلغني قدومك واشتقت الى رؤيتك فذهبت مع الغلام فوصلنا الى بيت فى خربة له باب من جريد النخل وإذا فيه شيخ مقعد مستقبل القبلة محزون من الخشية قد ذهبت عيناه من البكاء فسلمت عليه فرد على السلام فقال يا أبا عامر لم يزل قلبى الى استماع موعظتك مشتاقا وبي داء قد أعيى الواعظين علاجه فقلت ايها الشيخ ارم ببصر قلبك فى ملكوت السماء وتنقل بحقيقة إيمانك الى جنة المأوى تر ما أعد الله فيها للاولياء ثم انظر فى نار لظى تر ما أعد الله للاشقياء فشتان ما بين الدارين وليس الفريقان على السواء فلما سمع قولى انّ وصاح صيحة ثم قال والله لقد وقع دواؤك على الداء زدنى رحمك الله فقلت ان الله عالم بسريرتك فيطلع عليك عند استتارك ومبارزتك فلما سمع صاح صيحة أعظم من الاولى فخر ميتا فعند ذلك خرجت جارية عليها مدرعة وخمار من صوف قد ذهب السجود بجبهتها فقالت أحسنت يا مداوى قلوب العارفين ان هذا الشيخ كان والدي وهو مبتلى بالسقم منذ عشرين سنة وكان يتمناك من الله ويقول حصرت مجلس ابى عامر فاحيى قلبى وطرعنى غفلتى وان سمعته ثانيا قتلنى فجزاك الله خيرا ثم اكبت على والدها(2/148)
رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198) وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)
وجعلت تقبل بين عينيه وتبكى فقلت لها يا أيتها الباكية ان أباك نحبه قد مضى وورد دار الجزاء فان كان محسنا فله الزلفى فان كان مسيئا فوارد دار من أساء فصاحت ثم ماتت فبقيت حزينا عليهما فرأيتهما فى المنام فى احسن مقام عليهما حلتان خضراوتان فسألت عن حاليهما فقال الشيخ
أنت شريكى فى الذي نلته ... فقم وشاهد يا أبا عامر
وكل من ايقظ ذا غفلة ... فنصف ما يعطاه للآمر
ثم قال قدمت على رب كريم غير غضبان فاسكننى الجنان وزوجنى من الحور الحسان فاحرص يا أبا عامر على كثرة الدعاء والاستغفار الى الله الملك الغفار وطلب المغفرة آناء الليل وأطراف النهار من شيم الأخيار والأبرار. واعلم ان من تنصح بكلمة فقد آمن بمنادى الحق على لسان عبده فنجا من نيرانه ووصل الى المغفرة والرحمة فى جنانه- روى- ان حدادا كان يمسك الحديد المحمى بيده فسئل عنه فقال عشقت امرأة فراودتها وعرضت عليها مالا فقالت ان لى زوجا لا احتاج الى المال ثم مات زوجها فطلبت ان أتزوجها فامتنعت وقالت لا أريد إذلال أولادي ثم بعد زمان احتاجت فارسلت الى فقلت لا أعطيك شيأ حتى تعطينى مرادى فلما دخلت معها موضعا ارتعدت فقلت مالك فقالت أخاف الله السميع البصير فتركتها فقالت انجاك الله من النار فمن ذلك الوقت لا تحرقنى نار الدنيا وأرجو من الله تعالى ان لا تحرقنى نار الآخرة فمن خشى الرحمن وذكر انه بمحضر من الله فهو لا يجترئ على الذنب والآثام فيسلم من عذاب النار ويتنعم فى دار السلام عن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همّ فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب) واما الدعاء فهو مخ العبادة وينفع فى الدنيا فيدفع الآفات واما فى الآخرة فان الله يعطيه هدايا على أيدي الملائكة ويقول ان هذه فى مقابلة دعائك فى الدنيا
از آستان حضرت حق سر چرا كشم ... دولت درين سرا وكشايش درين درست
قال الحافظ
هر كه خواهد كوبيا وهر چهـ خواهد كو بگو ... كبر وناز وحاجب ودربان درين دركاه نيست
حقق الله رجاءنا وقبل دعاءنا وأعطانا ما هو خير لنا فى الدنيا والآخرة رَبَّنا وَآتِنا أعطنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ على تصديق رسلك او على ألسنة رسلك من الثواب والكرامة وَلا تُخْزِنا لا تهنا يَوْمَ الْقِيامَةِ بان تعصمنا مما يقتضيه إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ اسم مصدر بمعنى الوعد وهذا الدعوات وما فى تضاعيفها من كمال الضراعة والابتهال ليست لخوفهم من اخلاف الميعاد بل لخوفهم ان لا يكونوا من جملة الموعودين لسوء عاقبة او قصور فى الامتثال فمرجعها الى الدعاء بالتثبيت او للمبالغة فى التعبد والخشوع. ثم قوله وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ شبيه بقوله وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ فانه ربما ظن الإنسان انه على الاعتقاد الحق والعمل الصالح ثم انه يوم القيامة يظهر له ان اعتقاده كان ضالا وعمله كان ذنبا فهناك تحصل الحجالة العظيمة والحسرة الكاملة والأسف الشديد وذلك هو العذاب الروحاني وهو أشد من العذاب(2/149)
الجسماني ومما يدل على هذا انه سبحانه حكى عن هؤلاء العباد المؤمنين انهم طلبوا فى هذه الأنواع الخمسة من الدعاء أشياء فاول مطالبهم الاحتراز عن العذاب الجسماني وهو قوله فَقِنا عَذابَ النَّارِ وآخرها الاحتراز عن العذاب الروحاني وهو قوله وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ ذلك يدل على ما قلنا ولذلك قالوا الفرقة أشد من الحرقة: قال مولانا جلال الدين رومى قدس سره
جور دوران وهر آن رنجى كه هست ... سهلتر از بعد حق وغفلتست
كر جهاد وصوم سختست وخشن ... ليك اين بهتر ز بعد اى ممتحن
فليسارع المؤمن الى الطاعات ليدخل فى زمرة من وعد الله لهم من الكرامات. عن جابر رضى الله عنه كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (ألا أحدثكم بغرف الجنة) قلنا بلى يا رسول الله قال (ان فى الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها وفيها من النعيم واللذات ما لا عين رأت ولا اذن سمعت) قلت يا رسول الله لمن هذه الغرف قال (لمن أفشى السلام واطعم الطعام وادام الصيام وصلى بالليل والناس نيام) . وعن ابى بكر الوراق رحمه الله طلبنا اربعة فوجدناها فى اربعة. وجدنا رضى الله فى طاعته. وسعة الرزق فى صلاد الضحى. وسلامة الدين فى حفظ اللسان. ونور القبر فى صلاة الليل. وعن ابن مسعود رضى الله عنه ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال (آخر من يدخل الجنة رجل يمشى مرة ويسقط اخرى وتأخذه النار فاذا جاوزها التفت إليها ويقول سبحان من نجانى منك قد أعطاني شيأ ما أعطاه لأحد من الأولين والآخرين فيرفع له شجرة عظيمة الظل فيشتاق الى ظلها فيقول اى رب أدنني منها ولا اسألك غيرها فيدنيه منها ويشرب من مائها ثم يرفع له شجرة أعظم من الاولى فيقول اى رب أدنني منها ويعاهد ان لا يسأل غيرها فيدنيه منها فيرفع له شجرة أعظم مما تقدم فيسأله ان يدنيه فاذا ادنى سمع أصوات اهل الجنة ويقول اى رب لو أوصلتها لا اسألك فيقول الله يا ابن آدم ما اغدرك كم تعاهد وتكذب أترضى ان أعطيك مثل الدنيا ومثلها فيقول أتستهزئ بي وأنت رب العالمين) ثم ضحك ابن مسعود فقالوا مم تضحك فقال هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا مم ضحك رسول الله قال من ضحك رب العالمين (فيقول الله لا استهزئ ولكنى على ما أشاء قدر) - حكى- ان والدي معروف الكرخي كانا من النصارى وكان معلم النصارى يقول لمعروف قل ثالث ثلاثة فيقول معروف بل هو الأحد الصمد فيضربه المعلم فهرب يوما فقال والداه لوجاء معروف فعلى أي دين وجدناه تبعناه فجاء على دين الإسلام فأسلما قال النبي عليه السلام (ما منكم من أحد الا سيكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان فينظر عن يمينه فلا يرى الأشياء قدمه ثم ينظر عن يساره فلا يرى الأشياء قدمه فيستقبله الناس فمن استطاع منكم ان يتقى النار ولو بشق تمرة فليفعل) - حكى- ان عجوزا كافرة كانت تطعم الطير ذرة فى ايام الشتاء فرآها ذو النون المصري فقال ان الله تعالى لا يقبل من عدو ثم رآها فى الكعبة قد أسلمت فقالت يا ذا النون انه أعطاني الإسلام بما رأيته
بي كرم آدمي نه از بشرست ... از شجر بلكه از حجر بترست
شجرى كان نمى دهد ثمرى ... معتبر نيست لائق تبراست(2/150)
فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)
عصمنا الله تعالى وإياكم من النار وأدخلنا الجنة مع الأسخياء والأبرار فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ الى طلبتهم وهو أخص من أجاب فان أجاب معناه أعطاه الجواب وهو قد يكون بتحصيل المطلوب وبدونه واستجاب انما يقال لتحصيل المطلوب ويعدى بنفسه وباللام أَنِّي اى بانى لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ وهو ما حكى عنهم من المواظبة على ذكر الله تعالى فى جميع حالاتهم والتفكر فى مصنوعاته استدلالا واعتبارا والثناء على الله بالاعتراف بربوبيته وتنزيهه عن العبث وخلق الباطل والاشتغال بالدعاء وجعل هذه الأعمال سببا للاستجابة يدل على ان استجابة الدعاء مشروطة بهذه الشروط وبهذه الأمور فلما كان حصول هذه الشرائط عزيزا لا جرم كان الشخص الذي يكون مجاب الدعاء عزيزا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بيان لعامل وتأكيد لعمومه وهذا يدل على انه لا تفاوت فى الاجابة وفى الثواب بين الذكر والأنثى إذا كانا جميعا فى التمسك بالطاعة على التوبة والفضل فى باب الدين بالأعمال لا بسائر صفات العالمين لان كون بعضهم ذكرا او أنثى او من نسب خسيس او شريف لا تأثير له فى هذا الباب بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ لان الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر. قال الامام فيه وجوه أحسنها ان يقال من بمعنى الكاف اى بعضكم كبعض فى الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية. قال القفال هذا من قولهم فلان منى اى على خلقى وسيرتى وهى معترضة بين بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد للعمال- روت- أم سلمة قالت يا رسول الله انى اسمع الله يذكر الرجال فى الهجرة ولا يذكر النساء فنزل قوله تعالى أَنِّي لا أُضِيعُ الى آخره اى كما ان بعضكم من بعض كذلك أنتم فى ثواب العمل تثاب المرأة المعاملة كما يثاب الرجل العامل وبالعكس فلا أثيب بعضا واحرم آخر فَالَّذِينَ هاجَرُوا تفصيل لاعمال العمال منهم وما أعد لهم من الثواب على المدح والتعظيم كأنه قال فالذين عملوا هذه الأعمال السنية الفائقة وهى المهاجرة من مبتدأ او طانهم فارّين الى الله بدينهم من دار الفتنة وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ اى اضطروا الى الخروج من ديارهم التي ولدوا فيها ونشأوا بايذاء المشركين.
قال الامام المراد من قوله فَالَّذِينَ هاجَرُوا الذين اختاروا المهاجرة من أوطانهم فى خدمة الرسول والمراد من الذين اخرجوا من ديارهم الذين الجأهم الكفار ولا شك ان رتبة الأولين أفضل لانهم اختاروا خدمة الرسول وملازمته على الاختيار فكانوا أفضل وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي فى سبيل الحق ودين التوحيد بسبب ايمانهم بالله ومن اجله وهو متناول لكل اذية نالتهم من قبل المشركين وَقاتَلُوا اى الكفار فى سبيل الله وَقُتِلُوا استشهدوا فى القتال لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ اى والله لأمحوّن عنهم سيآتهم وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً الثواب فى الأصل اسم لما يثاب به كالعطاء اسم لما يعطى الا انه قد يوضع موضع المصدر فهو مصدر مؤكد بمعنى اثابة لان تكفير السيئات وإدخال الجنة فى معنى الاثابة اى لأثيبنهم بذلك اثابة مِنْ عِنْدِ اللَّهِ صفة له اى كائنة من عند الله قصد بتوصيفه به تعظيم شأنه فان السلطان العظيم الشان إذا قال لعبده ألبسك خلعة من عندى دل ذلك على كون تلك الخلعة فى غاية الشرف وأكد كون(2/151)
ذلك الثواب فى غاية الشرف بقوله وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ اى حسن الجزاء على الطاعات قادر عليه وهو نعيم الجنة الباقي لا كنعيم الدنيا الفاني
نعيم آخرت باقيست اى دل ... خنك آنكس كه باشد عبد مقبل
ولا يخفى ان هذا الجزاء العظيم والاجر الجسيم للذين جمعوا بين المهاجرة والإخراج من الأوطان والتأذى فى سبيل الله والقتال والمقتولية. فعلى السالك ان يهاجر من وطن النفس والعمل السيئ والخلق الذميم ويخرج من ديار الطبيعة الى عالم الحقيقة حتى يدخل مقام العندية الخاصة فان ثمرات المجاهدات المشاهدات والعمل الصالح يستدل به على حسن العاقبة- روى- ان صفوان بن سليم كان يجتهد فى العبادة والقيام وكان يبيت على السطح فى ايام الشتاء لئلا يستريح من البرد وفى الصيف ينزل الى بيته ليعذب نفسه بحر الهولء وكان عادته ذلك الى ان مات فى سجدته ووصل الى رحمة الله وجنته فهذا هو الاجتهاد فعليك به فان احتالت نفسك عليك فى ذلك فحدثها بأخبار السلف وأحوالهم وحكاياتهم كى ترغب فى الطاعة والاجتهاد فان فى ذلك نفعا كليا وتأثيرا عظيما: قال الفاضل الجامى قدس سره
هجوم نفس وهوا كز سپاه شيطانند ... چوزور بر دل مرد خدا پرست آرد
بجز جنود حكايات رهنمايا خود ... چهـ تاب آنكه بران رهزنان شكست آرد
فان قالت النفس انهم كانوا رجالا أقوياء كيف يدانى بهم فى الطاعة من خلفهم فحدثها بأخبار النساء كيف كن إناثا ومع ذلك لم يتخلفن عن مجاهدات الرجال حتى وصلن الى ما وصلوا اليه كرابعة العدوية وغيرها: قال بعضهم
ولو كان النساء كمن ذكرنا ... لفضلت النساء على الرجال
فلا التأنيث لاسم الشمس عيب ... ولا التذكير فخر للهلال
: قال الشيخ السعدي قدس سره
زنانى كى طاعت برغبت برند ... ز مردان نا پارسا بگذرند
ترا شرم نايد ز مردئ خويش ... كه باشد زنانرا قبول از تو بيش
قال الحسن البصري رحمه الله يا عجبا لأقوام بلا زاد وقد نودوا بالرحيل وحبس أولهم لآخرهم وهم قعود يلعبون- حكى- ان ملك الموت دخل على بعض الصالحين ليقبض روحه فقال مرحبا انا والله منذ خمسين سنة أتأهب لك. ولما بلغ عبد الله بن المبارك النزع فتح عينه ثم ضحك فقال لمثل هذا فليعمل العاملون. قال بعض العلماء من أراد ان ينال الجنة فعليه ان يداوم على خمسة أشياء. الاول ان يمنع نفسه من المعاصي قال الله تعالى وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى والثاني ان يرضى باليسير من الدنيا لانه روى فى الخبر (ان ثمن الجنة الطاعة وترك الدنيا) . والثالث ان يكون حريصا على الطاعات ويتعلق بكل طاعة فلعل تلك الطاعة تكون سبب المغفرة ووجوب الجنة قال الله تعالى وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. والرابع ان يحب الصالحين(2/152)
لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198)
واهل الخير ويخالطهم ويجالسهم فان الصالح إذا غفر له يشفع لاخوانه وأصحابه. والخامس ان يكثر الدعاء ويسأل الله تعالى ان يرزقه ويختم له بخير والحاصل انه لا بد للعاقل من التأهب لمعاده بتزكية النفس وإصلاح القلب. قال القاشاني فى تأويلاته أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ القلب من الأعمال القلبية كالاخلاص واليقين والمكاشفة أَوْ أُنْثى النفس من الأعمال القالبية كالطاعات والمجاهدات والرياضيات بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يجمعكم اصل واحد وحقيقة واحدة هى الروح اى بعضكم منشأ من بعد فلا أثيب بعضا واحرم آخر فَالَّذِينَ هاجَرُوا من أوطان مألوفات النفس وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ من ديار صفاتها او هاجروا من أحوالهم التي التذوا بها واخرجوا من مقاماتهم التي يسكنون إليها وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي اى ابتلوا فى سلوك سبيل أفعالي بالبلاء والمحن والشدائد والفتن ليتمرنوا بالصبر ويفوزوا بالتوكل او فى سلوك سبيل صفاتى بسطوات تجليات الجلال والعظمة والكبرياء ليصلوا الى مقام الرضى وَقاتَلُوا البقية بالجهاد فى وَقُتِلُوا فى الحب فى بالكلية لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ كلها من صغائر ظهور أفعالهم وصفاتهم وكبائر بقايا ذواتهم فى تلويثاتهم وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ الجنات الثلاث المذكورة ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ اى عوضا عما أخذت منهم من الوجودات الثلاثة وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ ولا يكون عند غيره الثواب المطلق الذي لا ثواب وراءه ولهذا قال والله لانه اسم الذات الجامع لجميع الصفات فلم يحسن ان يقع غيره من الرحمن او الرحيم او سائر الأسماء موقعه لا يَغُرَّنَّكَ الخطاب للنبى عليه السلام لان العصمة لا تزيل النهى فانه لو زال النهى عنه بذلك لبطلت العصمة فان العصمة هى الحفظ من الخلاف وإذا زال النهى لم يكن خلاف فلا تكون عصمة فالمراد تثبيته على ما هو عليه من عدم التفاته الى الدنيا او الخطاب له والمراد أمته كما يخاطب سيد القوم ومقدمهم والمراد به كلهم كأنه قيل لا يغرنكم تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ والنهى فى المعنى للمخاطب وانما جعل للتقلب تنزيلا للسبب وهو التقلب منزلة المسبب وهو اغترار المخاطب للمبالغة والمعنى لا تمدن عينيك ولا تستشرف نفسك الى ما هم عليه من سعة الرزق وإصابة حظوظ الدنيا ولا تغتر بظاهر حالهم من التبسط فى الأرض والتصرف فى البلاد يتكسبون ويتجرون ويتدهقنون- روى- ان بعض المؤمنين كانوا يرون المشركين فى رخاء ولين عيش فيقولون ان اعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد فنزلت مَتاعٌ قَلِيلٌ اى ذلك التقلب متاع قليل لا قدر له فى جنب ما أعد الله للمؤمنين قال عليه السلام (ما الدنيا فى الآخرة الأمثل ما يجعل أحدكم إصبعه فى اليم فلينظر بم يرجع) فاذا لا يجدى وجوده لواجديه ولا يضر فقدانه لفاقديه ثُمَّ مَأْواهُمْ اى مصيرهم الذي يأوون اليه لا يبرحونه جَهَنَّمُ التي لا يوصف عذابها يعنى انه مع قلته سبب الوقوع فى نار جهنم ابد الآباد والنعمة القليلة إذا كانت سببا للمضرة العظيمة لم يعد ذلك نعمة وَبِئْسَ الْمِهادُ اى بئس ما يمهدون لأنفسهم جهنم لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ اى خافوه فلم يخالفوا امره ولا نهيه لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي(2/153)
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها
وجه الاستدراك انه تعالى لما وصف الكفار بقلة نفع تقلبهم فى البلاد لاجل التجارة وجاز ان يتوهم متوهم ان قلة النفع من لوازم التقلب من حيث هو استدرك ان المتقين وان تقلبوا وأصابوا ما أصابه الكفار او لم يصيبوا لهم مثوبات حسنى لا يقادر قدرها نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ حال من جنات لتخصصها بالوصف والنزل ما يعد للنازل من طعام وشراب وغيرهما وَما عِنْدَ اللَّهِ لكثرته ودوامه خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ مما يتقلب فيه الفجار لقلته وسرعة زواله. وعن ابن مسعود رضى الله عنه ما من نفس برة ولا فاجرة الا والموت خير لها اما البرة فان الله تعالى يقول وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ واما الفاجرة فانه يقول إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً. وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه جئت فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مشربة وانه لعلى حصير ما بينه وبينه شىء وتحت رأسه وسادة من آدم حشوها ليف وان عند رجليه قرظا مصبورا وعند رأسه أهب معلقة فرأيت اثر الحصير فى جنبه فبكيت
فقال (ما يبكيك) فقلت يا رسول الله ان كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (أما ترضى ان يكون لهما الدنيا ولنا الآخرة)
از پى ذكر وشوق حق ما را ... در دو عالم دل وزبانى بس
وز طعام ولباس اهل جهان ... كهنه دلقى ونيم نانى بس
ومما وجد فى خزائن الإسكندر مكتوبا بالذهب الأحمر حركات الافلاك لا تبقى على أحد نعمة فاذا اعطى العبد مالا او جاها او رفعة فلتكن همته فى انتهاز الفرصة وتقليد المنن أعناق الرجال فان الدنيا والجاه والرفعة تزول اما ندم طويل او مدح جزيل فاكرموا من له حسب فى الأصل او قدم فى المروءة ولا يغرنكم تقلب الزمان باهله فان للدهر عثرات يجبر كما يكسر ويكسر كما يجبر والأمر الى الله تعالى: قال جلال الدين الرومي قدس سره
چند گويى من بگيرم عالمى ... اين جهانرا پر كنم از خود همى
گر جهان پر برف گردد سر بسر ... تاب خور بگدازدش از يك نظر
وعن الحسن قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على أصحابه فقال (هل منكم من يريد ان يذهب الله عنه العمى ويجعله بصيرا. ألا انه من رغب فى الدنيا وطال أمله فيها أعمى الله قلبه على قدر ذلك ومن زهد فى الدنيا وقصر أمله أعطاه الله تعالى علما بغير تعلم وهدى بغير هداية. ألا انه سيكون بعدكم قوم لا يستقيم لهم الملك الا بالقتل والتجبر ولا الغنى الا بالفخر والبخل ولا المحبة الا باتباع الهوى. ألا فمن أدرك ذلك الزمان منكم فصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى وصبر على البغضاء وهو يقدر على المحبة وصبر على الذل وهو يقدر على العز لا يريد بذلك الاوجه الله تعالى أعطاه تعالى ثواب خمسين صديقا) قال ابن عباس رضى الله عنهما يؤتى بالدنيا يوم القيامة فى صورة عجوز شمطاء زرقاء وأنيابها بادية مشوهة خلقها وتشرف على الخلائق فيقال أتعرفون هذه فيقولون نعوذ بالله من معرفة هذه فيقال هذه الدنيا التي تفاخرتم عليها بها تقاطعتم الأرحام وبها تحاسدتم وتباغضتم واغتررتم ثم تقذف فى جهنم فتنادى يا رب اين اتباعى وأشياعي فيقول الله تعالى الحقوا بها اتباعها قال عليه السلام (يحشر أقوام يوم القيامة وأعمالهم كجبال تهامة(2/154)
وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199)
ويؤمر بهم الى النار) قالوا يا رسول الله مصلين قال (نعم كانوا يصلون ويصومون ويأخذون سنة من الليل فاذا عرض لهم شىء من الدنيا وثبوا عليه) قالت عائشة رضى الله عنها قلت يا رسول الله ألا تستطعم الله فيطعمك قالت وبكيت لما رأيت به من الجوع وشد الحجر على بطنه من السغب فقال (يا عائشة والذي نفسى بيده لو سألت ربى ان يجرى معى جبال الدنيا ذهبا لا جراها حيث شئت من الأرض ولكنى اخترت جوع الدنيا على شبعها وفقر الدنيا على غناها وحزن الدنيا على فرحها يا عائشة ان الدنيا لا تنبغى لمحمد ولا لآل محمد) - وروى- انه عليه السلام عرض عليه عشار من النوق وهى الحوامل منها فاعرض عنها وغض بصره مع انها من أحب الأموال إليهم وأنفسها عندهم لانها كانت تجمع الظهر واللحم واللبن ولعظمتها فى قلوبهم قال الله عز وجل وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ فلما لم يلتفت إليها قيل له يا رسول الله هذه انفس أموالنا فلم لم تنظر إليها قال قد نهى الله عن ذلك ثم تلا قوله تعالى وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ الآية هذا معاملته مع الدنيا. وفى التوجه الى الآخرة ما كان يريد الا الرفيق الأعلى قال صلى الله عليه وسلم (انا حبيب الله ولا فخر وانا حامل لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم ومن دونه ولا فخر وانا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لى فيدخلنيها ومعى فقراء المؤمنين ولا فخر) والمقصود ان فى الفقر والقناعة فضيلة وان الفقراء يدخلون الجنة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الأغنياء
اى قناعت توانگرم گردان ... كه وراى تو هيچ نعمت نيست
كنج صبر اختيار لقمانست ... هر كرا صبر نيست حكمت نيست
فعلى العبد العاقل ان يجتنب عن الدنيا وإخوانها ويرغب فى الآخرة وجنانها بل يترقى الى الوصول الى الله تعالى. قال ابو يزيد البسطامي قدس سره فى عباد الله عبد لواعطى الجنات بزينتها لهرب كما يهرب اهل النار من النار وهو الذي غلب عليه محبة الله فلا يميل الى غيره ومن ذلك المقام قال ابو يزيد غاب قلبى عنى ثمانين سنة فلما أردت ان آخذه قيل أتطلب غيرنا- وحكى- عن بعض الصالحين انه رأى فى المنام معروف الكرخي شاخصا بصره نحو العرش قد اشتغل عن الحور العين وقصور الجنة فسأل رضوان من هذا قال معروف الكرخي مات مشتاقا الى الله فاباح له ان ينظر اليه فمطمح نظر العارف الجنة المعنوية وهى جنة معرفة الله ووصوله التي هى خير من جنة الفردوس وأعلى عليين فليسارع السالك الى وصول هذه الجنة ودخولها قبل ادراك منيته وانقضاء عمره ومجيئ اجله
حضورى گر همى خواهى ازو غائب مشو حافظ ... متى ما تلق من تهوى دع الدنيا وأهملها
أوصلنا الله وإياكم الى الحضور واليقين وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ نزلت فى عبد الله بن سلام وأصحابه وقيل فى أربعين من نجران واثنين من الحبشة وثمانية من الروم كانوا نصارى فاسلموا وقيل فى اصحمة النجاشي فانه لما مات نعاه جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى اليوم الذي مات فيه فقال صلى الله عليه وسلم لاصحابه (اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم) فقالوا من هو قال (النجاشي) فخرج الى البقيع وكشف له الى ارض الحبشة فابصر سرير النجاشي فصلى عليه وكبر اربع تكبيرات واستغفر له فقال المنافقون انظروا الى هذا يصلى على(2/155)
علج نصرانى حبشى لم يره قط وليس على دينه فانزل الله هذه الآية وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ من القرآن وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ من الكتابين خاشِعِينَ لِلَّهِ اى متواضعين له من خوف عذابه ورجاء ثوابه وهو حال من فاعل يؤمن لان من فى معنى الجمع لا يَشْتَرُونَ لا يأخذون بِآياتِ اللَّهِ المكتوبة فى التوراة والإنجيل من نعت النبي عليه السلام ثَمَناً قَلِيلًا اى عرضا يسيرا من حطام الدنيا خوفا على الرسالة كفعل من لم يسلم من أحبارهم وكبارهم والجملة حال مما قبله أُولئِكَ اى اهل هذه الصفة لَهُمْ أَجْرُهُمْ اى المختص بهم الموعود لهم فى قوله تعالى أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ عِنْدَ رَبِّهِمْ نصب على الحالية من أجرهم والمراد به التشريف إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ لنفوذ علمه بجميع الأشياء فهو عالم بما يستحقه كل عامل من الاجر من غير حاجة الى تأمل ووعى صدر وكتب يد والمراد ان الاجر الوعود سريع الوصول إليهم فان سرعة الحساب تستدعى سرعة الجزاء. والاشارة فى قوله إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ الى ان العلماء المتقين الذين يؤمنون بالواردات والإلهامات والكشوف بأرباب القلوب والخواطر الرحمانية وهم الحكماء الالهية يعجل الله فى جزاء أعمالهم بحسب نياتهم لتبليغهم الى مقاماتهم فى القرب قبل وفاتهم ولا يؤجل الى ما بعد وفاتهم فان من كان فى هذه أعمى فهو فى الآخرة أعمى والإنسان يموت كما يعيش ويبعث على مامات عليه وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان جبريل عليه السلام جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد ان ربك يقرئك السلام وهو يقول ما لى أراك مغموما حزينا قال عليه السلام (يا جبريل طال تفكرى فى أمتي يوم القيامة) قال فى امر اهل الكفر أم فى اهل الإسلام فقال (يا جبريل فى امر اهل لا اله الا الله محمد رسول الله) فاخذ بيده حتى اقامه الى مقبرة بنى سلمة ثم ضرب بجناحه الايمن على قبر ميت فقال قم بإذن الله فقام رجل مبيض الوجه وهو يقول لا اله الا الله محمد رسول الله فقال جبريل عد الى مكانك فعاد كما كان ثم ضرب بجناحه الأيسر فقال قم بإذن الله فخرج رجل مسود الوجه ازرق العينين وهو يقول وا حسرتاه وا ندامتاه فقال له جبريل عد الى مكانك فعاد كما كان ثم قال يا محمد على هذا يبعثون يوم القيامة وعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تموتون كما تعيشون وتبعثون كما تموتون) فظهر ان الله سريع الحساب يوصل الى كل جزاء عمله. فاما الواصلون فهم فى الجنة المعنوية فى الدنيا يتنعمون
. واما الغافلون فهم فى نار البعد والفراق ولكنهم لا يحسون الألم قبل وفاتهم فاذا ماتوا انقلب الحال من المعنى الى الحس عصمنا الله وإياكم من نار البعد وعذاب السعير وشرفنا بنعيم وصاله ورؤية جماله المنير
كنون بايد اى خفته بيدار بود ... چومرگ اندر آرد ز خوابت چهـ سود
تو پاك آمدى بر حذر باش و پاك ... كه ننگست ناپاك رفتن بخاك
كنون بايد اين مرغ را پاى بست ... نه آنكه سر رشته بردت ز دست
وذكر ان ابراهيم بن أدهم رحمه الله أراد ان يدخل الحمام فمنعه الحمامي وقال لا تدخل الا بأجرة فبكى ابراهيم وقال لا يؤذن لى ان ادخل بيت الشياطين مجانا فكيف بالدخول الى بيت النبيين(2/156)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)
والصديقين مجانا فظهر ان من كان فى الدنيا غافلا فهو فى الآخرة مع الغافلين وحسابه فى الآخرة على مقدار عمله فمن لم يعمل صالحا كان هناك خاليا عن المثوبات
برفتند وهر كس درود آنچهـ كشت ... نماند بجز نام نيكو وزشت
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان فى الجنة حوراء يقال لها لعبة لو بصقت فى البحر بصقة لعذب البحر مكتوب على نحرها من أحب ان يكون له مثلى فليعمل بطاعة ربى) ونعم ما قيل
بقدر الكد تكتسب المعالي ... ومن طلب العلى سهر الليالى
تروم العز ثم تنام ليلا ... يغوص البحر من طلب اللآلى
فلا بد من تدارك امر الآخرة. وتوفيت امرأة الفرزدق فخرج فى جنازتها وجوه اهل البصرة وخرج فيها الحسن البصري فقال الحسن للفرزدق يا أبا فراس ما اعددت لهذا اليوم قال شهادة ان لا اله الا الله منذ ثمانين سنة فلما دفنت قام الفرزدق على قبرها وانشد هذه الأبيات
أخاف وراء القبر ان لم يعافنى ... أشد من القبر التهابا واضيقا
إذا جاءنى يوم القيامة قائد ... عنيف وسواق يسوق الفرزدقا
لقد خاب من أولاد آدم من مشى ... الى النار مغلول القلادة ازرقا.
وعن انس بن مالك رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة اللهم ادخله الجنة ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار اللهم اجره من النار) فنسأل الله سبحانه ان يجيرنا من النار ويدخلنا الجنة مع الأبرار ويوفقنا للاعمال الصالحة المنجية ويجعلنا من الفرقة الناجية بحق النبي الذي به وصل من وصل الى الله عز وجل فى المشارق والمغارب وانتهى الى منازل المقاصد والمآرب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا على مشاق الطاعات وما يصيبكم من الشدائد كالمرض والفقر والقحط والخوف وغير ذلك من المشاق وَصابِرُوا وغالبوا اعداء الله فى الصبر على شدائد الحرب وأعدى عدوكم فى الصبر على مخالفة الهوى. والمصابرة نوع خاص من الصبر ذكر بعد الصبر على ما يجب الصبر عليه تخصيصا لشدته وصعوبته وكونه أكمل وأفضل من الصبر على ما سواه والصبر هو حبس النفس عما لا يرضاه الله واوله التصبر وهو التكلف لذلك ثم المصابرة وهى معارضة ما يمنعه عن ذلك ثم الاصطبار والاعتبار والالتزام ثم الصبر وهو كماله وحصوله من غير كلفة وَرابِطُوا أبدانكم وخيولكم فى الثغور مترصدين وأنفسكم على الطاعة كما قال عليه السلام (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات) قالوا بلى يا رسول الله قال (إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى الى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط) وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ واتقوه بالتبري مما سواه لكى تفلحوا غاية الفلاح او اتقوا القبائح لعلكم تفلحون بنيل المقامات الثلاثة المرتبة التي هى الصبر على مضض الطاعات ومصابرة النفس فى رفض العادات ومرابطة السر على جناب الحق لترصد(2/157)
الواردات المعبر عنها بالشريعة والطريقة والحقيقة فعلم من هذا ان الصبر دون المصابرة والمصابرة دون المرابطة قيل
تو كز سراى طبيعت نميروى بيرون ... كجا بكوى طريقت گذر توانى كرد
ولا بد من السلوك حتى يتجاوز العبد عن الأحوال والمقامات الى أقصى النهايات- وحكى- عن ابراهيم بن أدهم انه كان يسير الى بيت الله راجلا فاذا أعرابي على ناقة فقال يا شيخ الى اين فقال ابراهيم الى بيت الله قال كيف وأنت راجل لا راحلة لك فقال ان لى مراكب كثيرة فقال ما هى قال إذا نزلت علىّ بلية ركبت مركب الصبر وإذا نزلت علىّ نعمة ركبت مركب الشكر وإذا نزل بي القضاء ركبت مركب الرضى وإذا دعتنى النفس الى شىء علمت ان ما بقي من العمر اقل مما مضى فقال الاعرابى أنت الراكب وانا الراجل سر فى بلاد الله فالاشتغال طول العمر بالمجاهدة لازم حتى تنقلع الأخلاق الذميمة من النفس وتتبدل بالأوصاف الشريفة من الصبر وغيره ومثل هذه المجاهدة هى المرابطة- روى- ان واحدا من الصلحاء كان يختم كل ليلة ويجتهد فى العبادة فقيل له انك تتعب نفسك وتوقعها فى المشقة فقال كم عمر الدنيا فقيل سبعة آلاف سنة فقال وكم مقدار يوم القيامة فقيل خمسون الف سنة فقال لو عمر المرء بعمر الدنيا لحق له ان يجتهد فى العبادة لهذا اليوم الطويل فانه أسهل بالنسبة اليه. وكانت معاذة العدوية امرأة صالحة كانت إذا جاء النهار تقول هذا اليوم يوم موتى فتشتغل بالعبادة الى المساء فاذا جاء الليل تقول هذه الليلة ليلة موتى فتحييها الى الصباح الى ان ماتت على هذه النمط قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من رابط يوما وليلة فى سبيل الله كان كعدل صيام شهر وقيامه لا بفطر ولا ينفتل عن صلاته الا لحاجة) فهذا فى الجهاد الأصغر فكيف الحال فى الجهاد الأكبر يعنى ان المثوبات والدرجات اكثر فى حفظ النفس ومراقبتها وحبسها على الطاعات والعبادات
نگه دار فرصت كه عالم دميست ... دمى پيش دانا به از عالميست
سر از جيب غفلت بر آور كنون ... كه فردا نمانى بخجلت نگون
قال الحافظ
دانا كه زد تفرج اين چرخ حقه باز ... هنگامه باز چيد ودر گفت وگو ببست
قال ابو يزيد البسطامي رحمه الله العارف من كان همه هما واحدا ولم ينتقل قلبه الى ما رأت عيناه وسمعت أذناه- روى- ان زاهدا كان يجتهد فى العبادة فرآه رجل قد صار لباسه ذا وسخ فقال أيها العابد لم لا تغسل ثوبك قال العابد لانه ان غسلته يتوسخ ثانيا قال الرجل فاغسله مرة اخرى قال العابد ان الله لم يخلقنا لأن نغسل ثيابنا ويذهب عمرنا بهذا العمل بل للطاعة والعبادة: قال مولانا جلال الدين قدس سره
أول استعداد جنت بايدت ... تا ز جنت زندگانى زايدت
تداركنا الله تعالى بلطفه. وجاء أعرابي الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال انى أصوم شهر رمضان وأصلي كل يوم خمس صلوات ولا أزيد على هذا لانى فقير ليس على زكاة ولا حج(2/158)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3) وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4) وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)
فاذا قامت القيامة ففى أي دار أكون انا فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال (إذا حفظت عينيك عن اثنين عن النظر الى المحرمات والنظر الى الحلق بعين الاحتقار وحفظت قلبك عن اثنين عن الغل والحسد وحفظت لسانك عن اثنين عن الكذب والغيبة تكون معى فى الجنة)
تفسير سورة النساء
وهى مائة وخمس اوست او سبع وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم يا أَيُّهَا النَّاسُ خطاب عام يتناول الموجودين فى زمان الخطاب ومن بعدهم دون المنقرضين بدليل انهم ما كانوا متعبدين بشر عنا فلو كان عاما لجميع بنى آدم لزم ان يتعبدوا بشر عنا وهو محال اتَّقُوا رَبَّكُمُ فى حفظ ما بينكم من الحقوق وما يجب وصله ومراعاته ولا تضيعوه ولا تقطعوا ما أمرتم بوصله الَّذِي خَلَقَكُمْ اى قدر خلقكم حالا بعد حال على اختلاف صوركم وألوانكم مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ اى من اصل واحد وهو نفس آدم أبيكم وعقب الاتقاء بمنة الخلق كيلا يتقى الا الخالق وبين اتحاد الأب فان فى قطع التزاحم حضا على التراحم وَخَلَقَ مِنْها اى من تلك النفس يعنى من بعضها زَوْجَها امكم حواء بالمد من ضلع من أضلاعه اليسرى- روى- ان الله تعالى لما خلق آدم عليه السلام واسكنه الجنة القى عليه النوم فبينما هو بين النائم واليقظان خلق حواء من قصيراه فلما انتبه وجدها عنده فمال إليها وألفها لأنها كانت مخلوقة من جزء من اجزائه وأخرت حواء فى الذكر وان كانت مقدمة فى الخلق لان الواو لا ترتيب فيها وَبَثَّ اى فرق ونشر مِنْهُما من تلك النفس وزوجها المخلوقة بطريق التوالد والتناسل رِجالًا كَثِيراً تذكيره للحمل على الجمع والعدد وَنِساءً اى بنين وبنات كثيرة. واكتفى بوصف الرجال بالكثرة عن وصف النساء بها إذ الحكمة تقتضى ان يكون اكثر. وترتيب الأمر بالتقوى على هذه القصة لان المراد به تمهيد للامر بالتقوى فيما يتصل بحقوق اهل منزله وبنى جنسه على ما دلت عليه الآيات التي بعدها فكأنه قيل اتقوا ربكم الذي وصل بينكم حيث جعلكم صنوانا متفرعة من ارومة واحدة فيما يجب لبعضكم على بعض من حقوق المواصلة التي بينكم فحافظوا عليها ولا تغفلوا عنها وَاتَّقُوا اللَّهَ اى لا تقطعوا فى الدين والنسب اغصانا تتشعب من جرثومة واحدة الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ فيما بينكم حيث يقول بعضكم لبعض اسألك بالله وَالْأَرْحامَ اى يسأل بعضكم بعضا بالله فيقول بالله وبالرحم وانا شدك الله والرحم افعل كذا على سبيل الاستعطاف وجرت عادة العرب على ان أحدهم إذا استعطف غيره يقرن الرحم فى السؤال والمناشدة بالله ويستعطف به. فقوله والأرحام بالنصب عطف على محل الجار والمجرور كقولك مررت بزيد وعمرا أو على الله اى اتقوا الله واتقوا الأرحام فصلوها ولا تقطعوها وقد نبه سبحانه إذ قرن الأرحام باسمه على ان صلتها بمكان منه وعنه صلى الله عليه وسلم (الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعنى قطعه الله) وقال صلى الله عليه وسلم (ما من عمل حسنة اسرع(2/159)
ثوابا من صلة الرحم وما من عمل سيئة اسرع عقوبة من البغي) فينبغى للعباد مراعاة الحقوق لان الكل أخ لاب وأم هما آدم وحواء سيما المؤمنين لان فيهم قرابة الايمان والدين وكذا الحال فى قرابة الطين إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً الرقيب هو المراقب الذي يحفظ عليك جميع افعالك اى حافظا مطلعا على جميع ما يصدر عنكم من الافعال والأقوال وعلى ما فى ضمائركم من النيات مريدا لمجازاتكم بذلك فبين الله تعالى انه يعلم السر وأخفى وانه إذا كان كذلك فيجب ان يكون المرء حذرا خائفا فيما يأتى ويذر. واعلم ان التقوى هى العمدة وهى سبب الكرامة العظمى فى الدنيا والعقبى- حكى- انه كان بالبصرة رجل معروف بالمسكى لانه كان يفوح منه رائحة المسك فسئل عنه فقال كنت من احسن الناس وجها وكان لى حياء فقيل لأبى لو أجلسته فى السوق لا نبسط مع الناس فاجلسنى فى حانوت بزاز فجازت عجوز وطلبت متاعا فاخرجت لها ما طلبت فقالت لو توجهت معى لثمنه فمضيت معها حتى أدخلتني فى قصر عظيم فيه قبة عظيمة فاذا فيها جارية على سرير عليه فرش مذهبة فجذبتنى الى صدرها فقلت الله الله فقالت لا بأس فقلت انى حازق فدخلت الخلاء وتغوطت ومسحت به وجهى وبدني فقيل انه مجنون فخلصت ورأيت الليلة رجلا قال لى اين أنت من يوسف بن يعقوب ثم قال أتعرفني قلت لا قال انا جبريل ثم مسح بيده على وجهى وبدني فمن ذلك الوقت يفوح المسك على من رائحة جبريل عليه السلام وذلك ببركة التقوى. والتقوى فى عرف الشرع وقاية النفس عما يضرها فى الآخرة وهى على مراتب. الاولى التوقي
عن العذاب المخلد بالتبري من الشرك وعليه قوله تعالى وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى. والثانية التجنب عن كل اثم وهو المتعارف باسم التقوى وهو المعنى بقوله تعالى وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا. والثالثة التنزه عن جميع ما يشغله وهو التقوى الحقيقي المطلوب بقوله تعالى اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ ومن هذا القبيل ما حكى عن ذى النون المصري انه لما جاء اليه بعض الوزراء وطلب الهمة واظهر الخشية من السلطان قال له لو خشيت انا من الله كما تخشى أنت من السلطان لكنت من جملة الصديقين
گر نبودى اميد راحت ورنج ... پاى درويش بر فلك بودى
ور وزير از خدا بترسيدى ... همچنان كز ملك ملك بودى
فينبغى للسالك ان يتقى ربه ويراقب الله فى جميع أحواله كما قال تعالى إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً والمراقبة علم العبد باطلاع الرب سبحانه عليه فاستدامته لهذا العلم مراقبة لربه وهذا اصل كل خير ولا يكاد يصل الى هذه الرتبة الا بعد فراغه من المحاسبة فاذا حاسب نفسه على ما سلف وأصلح حاله فى الوقت ولازم طريق الحق واحسن ما بينه وبين الله من مراعاة القلب وحفظه مع الله الأنفاس وراقب الله سبحانه فى عموم أحواله فيعلم انه عليه رقيب ومن قلبه قريب يعلم أحواله ويرى أفعاله ويسمع أقواله ومن تغافل عن هذه الجملة فهو بمعزل عن بداية الوصلة فكيف عن حقائق القربة. قال سليمان بن على لحميد الطويل عظنى قال لئن كنت عصيت الله خاليا وظنت انه يراك فقد اجترأت على امر عظيم ولئن كنت تظن انه لا يراك فقد(2/160)
وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2)
كفرت لقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً. وكان بعض الصالحين له تلامذة وكان يخص واحدا منهم بإقباله عليه اكثر مما يقبل على غيره فقالوا له فى ذلك فقال أبين لكم فدفع لكل واحد من تلامذته طائرا وقال له اذبحه بحيث لا يراك أحد ودفع الى هذا ايضا فمضوا ورجع كل واحد منهم وقد ذبح طيره وجاء هذا بالطير حيا فقال له هلا ذبحته فقال أمرتني ان اذبحه بحيث لا يراه أحد ولم أجد موضعا لا يراه أحد فقال لهذا اخصه باقبالى عليه
جهان مرآت حسن شاهد ماست ... فشاهد وجهه فى كل ذرات
وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ اليتامى جمع يتيم وهو من الناس المنفرد عن الأب بموته ومن سائر الحيوانات عن الام وحق هذا الاسم ان يقع على الصغير والكبير لبقاء معنى الانفراد عن الأب الا انه غلب استعماله فى الصغير لاستغناء الكبير بنفسه عن الكافل فكأنه خرج عن معنى اليتم وهو الانفراد والمراد بايتاء أموالهم قطع المخاطبين اطماعهم الفارغة عنها وكف اكفهم الخاطفة عن اختزالها وتركها على حالها غير متعرض لها بسوء حتى تأتيهم وتصل إليهم سالمة لا الإعطاء بالفعل فانه مشروط بالبلوغ وإيناس الرشد وانما عبر عما ذكر بالايتاء مجازا للايذان بانه ينبغى ان يكون مرادهم بذلك إيصالها إليهم لا مجرد ترك التعرض لها والمعنى ايها الأولياء والأوصياء احفظوا اموال اليتامى ولا تتعرضوا لها بسوء وسلموها إليهم وقت استحقاقهم تسليمها إليهم وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ تبدل الشيء بالشيء واستبداله به أخذ الاول بدل الثاني بعد ان كان حاصلا له او فى شرف الحصول اى لا تستبدلوا الحلال المكتسب بالحرام المغتصب يعنى لا تستبدلوا مال اليتامى وهو حرام بالحلال وهو ما لكم وما أبيح لكم من المكاسب ورزق الله المبعوث فى الأرض فتأكلوه مكانه وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ المراد من الاكل التصرف لان أكل مال اليتيم كما يحرم فكذا سائر التصرفات المهلكة لتلك الأموال محرمة والدليل عليه ان فى المال ما لا يصح ان يؤكل وانما ذكر الاكل لانه معظم ما يقع لاجله التصرف والى بمعنى مع قال تعالى مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ اى مع الله والأصح ان المعنى لا تأكلوها مضمومة الى أموالكم ولا تسووا بينهما وهذا حلال وذاك حرام وقد خص من ذلك مقدار اجر المثل عند كون الولي فقيرا وإذا أكل مال اليتيم وله مال كان ذلك أقبح ولذا ورد النهى عن أكله مع مال نفسه بعد ان قال ولا تتبدلوا إلخ إِنَّهُ اى الاكل المفهوم من النهى كانَ حُوباً كَبِيراً اى ذنبا عظيما عند الله فاجتنبوه- روى- ان رجلا من بنى غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم فلما بلغ اليتيم طلب المال فمنعه عمه فترافعا الى النبي عليه السلام فنزلت هذه الآية فلما سمع العم قال اطعنا الله واطعنا الرسول نعوذ بالله من الحوب الكبير فدفع اليه ماله فقال النبي صلى الله عليه وسلم (من يوق شح نفسه ويطع ربه هكذا فانه يحل داره) يعنى جنته فلما قبض الفتى ماله أنفقه فى سبيل الله فقال عليه السلام (ثبت الاجر وبقي الوزر) فقالوا كيف بقي الوزر فقال (ثبت الاجر للغلام وبقي الوزر على والده) : قال الشيخ السعدي قدس سره
از زر وسيم راحتى برسان ... خويشتن هم تمتعى بر گير
چونكه اين خانه از تو خواهد ماند ... خشتى از سيم وخشتى از زر گير(2/161)
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)
قال تعالى وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ تزكية من آفة الحرص والحسد والدناءة والخسة والطمع وتحلية بالامانة والديانة وسلامة الصدر وقال وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ تزكية من الجوز والحيف والظلم وتحلية بالعدل والانصاف فان اجتماع هذه الرذائل إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً اى حجابا عظيما. فعلى العاقل ان يزكى نفسه من الأخلاق الرديئة ولا يطمع فى حق أحد جل او قل بل يكون سخيا باذلا ماله على الأرامل والأيتام ويراعى حقوقهم بقدر الإمكان. وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال ست موبقات ليس لهن توبة. أكل مال اليتيم. وقذف المحصنة. والفرار من الزحف. والسحر. والشرك بالله. وقتل نبى من الأنبياء. ويقال طوبى للبيت الذي فيه يتيم. وويل للبيت الذي فيه يتيم يعنى ويل لاهل البيت الذين لم يعرفوا حق اليتيم وطوبى لهم إذا عرفوا حقه
يكى خار پاى يتيمى بكند ... بجواب اندرش ديد صدر خجند
كه ميگفت ودر روضها مى چميد ... كزان خار بر من چهـ گلها دميد
- وروى- ان رجلا جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال عندى يتيم مم أضر به قال (مما تضرب ولدك) يعنى لا بأس ان تضربه للتأديب ضربا غير مبرح مثل ما يضرب الوالد ولده- وروى- عن الفضيل ابن عياض انه قال رب لطمة انفع لليتيم من أكلة خبيص. قال الفقيه فى تنبيه الغافلين ان كان هذا يقدر ان يؤدبه بغير ضرب ينبغى له ان يفعل ذلك ولا يضربه فان ضرب اليتيم امر شديد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان اليتيم إذا ضرب اهتز عرش الرحمن لبكائه فيقول الله يا ملائكتى من ابكى الذي غيبت أباه فى التراب وهو اعلم به قال تقول الملائكة ربنا لا علم لنا قال فانى أشهدكم ان من أرضاه ارضه من عندى يوم القيامة)
چوبينى يتيمى سر افكند پيش ... مده بوسه بر روى فرزند خويش
يتيم ار بگريد كه بارش برد ... وگر خشم گيرد كه نازش خرد
ألا تا نگريد كه عرش عظيم ... بلرزد همى چون بگريد يتيم
اگر سايه خود برفت از سرش ... تو در سايه خويشتن پرورش
قال الله تعالى لداود النبي عليه السلام [كن لليتيم كالاب الرحيم واعلم انك كما تزرع كذلك تحصد] .
واعلم ان المرأة الصالحة لزوجها كالملك المتوّج بالذهب كلما رآها قرت عينه والمرأة السوء لبعلها كالحمل الثقيل على الشيخ الكبير
كرا خانه آباد وهمخوابه دوست ... خدا را برحمت نظر سوى اوست
دلارام باشد زن نيك خواه ... وليك از زن بد خدايا پناه
تهى پاى رفتن به از كفش تنگ ... بلاي سفر به كه در خانه جنگ
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى الاقساط العدل والمراد بالخوف العلم عبر عنه بذلك إيذانا بكون المعلوم مخوفا محذورا لا معناه الحقيقي لان الذي علق به الجواب هو العلم بوقوع الجور المخوف لا الخوف منه والا لم يكن الأمر شاملا لمن يصبر على الجور ولا يخافه وسبب النزول انهم كانوا يتزوجون من يحل لهم من اليتامى اللاتي يلونهن لكن لا لرغبة فيهن بل فى مالهن(2/162)
وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4)
ويسيئون فى الصحبة والمعاشرة ويتربصون بهن ان يمتن فيرثوهن وقيل هى اليتيمة تكون فى حجر وليها فيرغب فى مالها وجمالها ويريد ان ينكحها بأدنى من سنة نسائها فنهوا ان ينكحو هن الا ان يقسطوا لهن فى إكمال الصداق وأمروا ان ينكحوا من سواهن من النساء والمعنى وان خفتم ان لا تعدلوا فى حق اليتامى إذا تزوجتم بهن بإساءة العشرة او بنقص الصداق فَانْكِحُوا ما موصولة او موصوفة او ثرت على من ذهابا بها الى الوصف اى نكاحا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ اى غير اليتامى بشهادة قرينة المقام اى فانكحوا من استطابتها نفوسكم من الاجنبيات مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ حال من فاعل طاب اى فانكحوا الطيبات لكم معدودات هذا العدد ثنتين ثنتين وثلاثا وثلاثا وأربعا وأربعا حسبما تريدون على معنى ان لكل واحد منهم ان يختار أي عدد شاء من الاعداد المذكورة لا ان بعضها لبعض منهم وبعضها لبعض آخر فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا اى فيما بينهن ولو فى اقل الاعداد المذكورة كما خفتموه فى حق اليتامى او كما لم تعدلوا فيما فوق هذه الاعداد فَواحِدَةً فالزموا او فاختاروا واحدة وذروا الجمع بالكلية أَوْ ما ولم يقل من إيذانا بقصور رتبة الإماء عن رتبة العقلاء مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ اى من السراري بالغة ما بلغت من مراتب العدد وهو عطف على واحدة على ان اللزوم والاختيار فيه بطريق التسرى لا بطريق النكاح كما فيما عطف عليه لاستلزامه ورود ملك النكاح على ملك اليمين بموجب اتحاد المخاطبين فى الموضعين وانما سوى فى السهولة واليسر بين الحرة الواحدة وبين السراري من غير حصر فى عدد لقلة تبعيتهن وخفة مؤنهن وعدم وجوب القسم فيهن ذلِكَ اشارة الى اختيار الواحدة أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا العول الميل من قولهم عال الميزان عولا إذا مال وعال فى الحكم جار والمراد هاهنا الميل المحظور المقابل للعدل اى ما ذكر من اختيار الواحدة والتسرى اقرب بالنسبة الى ما عداهما من ان لا يميلوا ميلا محظورا لانتفائه رأسا بانتفاء محله فى الاول وانتفاء حظره فى الثاني بخلاف اختيار العدد فى المهائر فان الميل المحظور متوقع فيه لتحقق المحل والحظر وَآتُوا النِّساءَ اى اللاتي امر بنكاحهن صَدُقاتِهِنَّ جمع صدقة وهى المهر نِحْلَةً فريضة من الله لانها مما فرضه الله فى النحلة اى الملة والشريعة والديانة فانتصابها على الحالية من الصدقات اى أعطوهن مهورهن حال كونها فريضة من الله او تدينا فانتصابها على انه مفعول له اى أعطوهن ديانة وشرعة او هبة وعطية من الله وتفضلا منه عليهن فانتصابها على الحالية منها ايضا او عطية من جهة الأزواج من نحله إذا أعطاه إياه ووهبه له عن طيبة من نفسه نحلة ونحلا والتعير عن إيتاء المهور بالنحلة مع كونها واجبة على الأزواج لافادة معنى الإيتاء عن كمال الرضى وطيب الخاطر وانتصابها على المصدرية لان الإيتاء والنحلة بمعنى الإعطاء كأنه قيل وانحلوا النساء صدقاتهن نحلة اى أعطوهن مهورهن عن طيبة أنفسكم فالخطاب للازواج وقيل للاولياء لانهم كانوا يأخذون مهور بناتهم وكانوا يقولون هنيئالك النافجة لمن يولد له بنت يعنون تأخذ مهرها فتنفج به مالك اى تعظم فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ الضمير للصدقات وتذكيره لإجرائه مجرى ذلك فانه قد يشار به الى المتعدد واللام متعلقة بالفعل(2/163)
وكذا عن لكن بتضمينه معنى التجافي والتجاوز ومن متعلقة بمحذوف وقع صفة لشىء اى كائن من الصداق وفيه بعث لهن الى تقليل الموهوب نَفْساً تمييز والتوحيد لما ان المقصود بيان الجنس اى وهبن لكم شيأ من الصداق متجافيا عن نفوس هن طيبات غير خبيثات بما يضطرهن الى البذل من شكاية أخلاقكم وسوء معاشرتكم فَكُلُوهُ اى فخذوا ذلك الشيء الذي طابت به نفوسهن وتصرفوا فيه تملكا وتخصيص الاكل بالذكر لانه معظم وجوه التصرفات المالية هَنِيئاً مَرِيئاً صفتان من هنأ الطعام ومرأ إذا كان سائغا لا تنغيص فيه ونصبهما على انهما صفتان للمصدر اى أكلا هنيئا مريئا وهذه عبارة عن التحليل والمبالغة فى الإباحة وازالة التبعة- روى- ان ناسا كانوا يتأثمون ان يقبل أحدهم من زوجته شيأ مما ساقه إليها فنزلت. وفى الآية دليل على وجوب الاحتياط حيث بنى الشرط على طيب النفس ولذا قيل يجوز الرجوع بما وهبن ان خدعن من الأزواج وبيان لجواز معروفها وترغيب فى حسن المعاشرة بينهما فان خير الناس خيرهم لاهله
وانفعهم لعياله وفى الحديث (جهاد المرأة حسن التبعل) وكانت المرأة على عهد النبي عليه السلام تستقبل زوجها إذا دخل وتقول مرحبا بسيدى وسيد اهل بيتي وتقصد الى أخذ ردائه فتأخذه من عنقه وتعمد الى نعله فتخلعه فان رأته حزينا قالت ما يحزنك ان كان حزنك لآخرتك فزاد الله فيها وان كان لدنياك فكفاك الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم (يا فلان أقرئها منى السلام وأخبرها ان لها نصف اجر الشهيد) وعلامة الزوجة الصالحة عند اهل الحقيقة ان يكون حسنها مخافة الله وغناها القناعة وحليها العفة اى التكفف عن الشرور والمفاسد وعبادتها بعد الفرائض حسن الخدمة للزوج وهمتها الاستعداد للموت
اگر پارسا باشد وخوش سخن ... نگه در نكويى وزشتى مكن
زن خوب وخوش طبع كنجست ومار ... رها كن زن زشت ناسازكار
يعنى لا تلتفت الى امرأة ليس لها حسن ولا موافقة لك بحسن الخلق- روى- ان الإسكندر كان يوما عنده جمع من ندمائه فقال واحد منهم ان الله تعالى اعطى لك مملكة كثيرة وشوكة وافرة فاكثر من النساء حتى يكثر أولادك ويبقوا بعدك قال الإسكندر أولاد الرجال ليست ما ذكرت بل هى العادات الحسنة والسير المرضية والأخلاق الكريمة وليس مما يليق بالرجل الشجيع ان تغلب عليه النساء بعد ان غلب هو على اهالى الدنيا ونعم ما قيل يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام
چونيست پيش پدر اين قدر يقين كه پسر ... ز خيل بي خردانست يا خردمندان
بسست سيرت نيكو حكيم را فرزند ... زبون زن چهـ شود بر اميد فرزندان
قال الشيخ السعدي قدس سره فى البستان
چهـ نغز آمد اين يك سخن زان دو تن ... كه سرگشته بودند از دست زن
يكى گفت كس را زن بد مباد ... دگر گفت زن در جهان خود مباد
زن تو كن اى دوست هر نوبهار ... كه تقويم پارين نيايد بكار
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثة من أمتي يكونون فى جهنم كعمر الدنيا سبع مرات. أولهم(2/164)
وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)
متسمنون مهزولون. والثاني كاسون عارون. والثالث عالمون جاهلون) قيل من هؤلاء يا رسول الله قال (اما المتسمنون المهزولون فالنساء متسمنات باللحم مهزولات فى امور الدين واما الكاسون العارون فهن النساء كاسيات من الثياب عاريات من الحياء واما العالمون الجاهلون فهم اهل الدنيا التاجرون الكاسبون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) فهؤلاء عالمون فى امور الدنيا جاهلون فى امور الآخرة لا يبالون من اين يجمعون المال وهم لا يشبعون من الحلال ولا يبالون من الحرام نعوذ بالله وَلا تُؤْتُوا ايها الأولياء السُّفَهاءَ اى المبذرين من الرجال والنساء والصبيان واليتامى أَمْوالَكُمُ أضاف الأموال الى الأولياء تنزيلا لاختصاصها بأصحابها منزلة اختصاصها بالأولياء فكان أموالهم عين أموالهم لما بينهم وبينهم من الاتحاد الجنسي والنسبي مبالغة فى حملهم على المحافظة عليها وقد أيد ذلك حيث عبر عن جعلها مناطا لمعاش أصحابها بجعلها مناطا لمعاش الأولياء بقوله الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً اى جعلها الله شيأ تقومون به وتنتعشون فلو ضيعتموه لضعتم ولما كان المال سببا للقيام والاستقلال سماه بالقيام إطلاقا لاسم المسبب على السبب على سبيل المبالغة فكأنها من فرط قيامهم بها واحتياجهم إليها نفس قيامهم وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ الرزق من الله العطية من غير حد ومن العباد اجراء موقت محدود اى أطعموهم منها ولم يقل منها لئلا يكون ذلك امرا بان يجعلوا بعض أموالهم رزقا لهم بل أمرهم ان يجعلوا أموالهم مكانا لرزقهم بان يتجروا فيها ويثمروا فيجعلوا أرزاقهم من الأرباح لا من اصول الأموال وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً كلاما لينا تطيب به نفوسهم. قال القفال القول المعروف هو انه ان كان المولى عليه صبيا فالولى يعرفه ان المال ماله وهو خازن له وانه إذا زال صباه فانه يرد المال اليه وان كان المولى عليه سفيها وعظه ونصحه وحثه على الصلاة ورغبه فى ترك التبذير والإسراف وعرفه ان عاقبة التبذير الفقر والاحتياج الى الخلق الى ما يشبه هذا النوع من الكلام وإذا كان رشيدا فطلب ماله ومنعه الولي يأثم. وفى الآية تنبيه على عظم خطر المال وعظم نفعه.
قال السلف المال سلاح المؤمن هيئ للفقر الذي يهلك دينه وكانوا يقولون اتجروا واكتسبوا فانكم فى زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه وربما راو أرجلا فى جنازة فقالوا له اذهب الى دكانك. قال الامام وقد رغب الله فى حفظ المال فى آية المداينة حيث امر بالكتاب والشهادات والرهن والعقل ايضا يؤيد ذلك لان الإنسان ما لم يكن فارغ البال لا يمكنه القيام بتحصيل الدنيا والآخرة ولا يكون فارغ البال الا بواسطة المال لانه به يتمكن من جلب المنافع ودفع المضار
شب پراكنده خسبد آنكه بديد ... نبود وجه بامدادانش
مور كرد آورد بتابستان ... تا فراغت بود زمستانش
فمن أراد الدنيا بهذا الغرض كانت الدنيا فى حقه من أعظم الأسباب المعينة على اكتساب سعادة الآخرة اما من أرادها لنفسها وعينها كانت من أعظم المعوقات عن كسب سعادة الآخرة(2/165)
وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)
فخير المال ما كان متاع البلاغ ولا ينبغى للمرء ان يسرف فى المال الذي يبلغه الى الآخرة والجنة والقربة
چودخلت نيست خرج آهسته تر كن ... كه ملاحان همى گويند سرودى
اگر باران بكوهستان نبارد ... بسالى دجله گردد خشك رودى
درخت اندر خزانها بر فشاند ... زمستان لاجرم بى برگ ماند
والاشارة ان الله تعالى جعله المال قياما لمصالح دين العباد ودنياهم فالعاقل منهم من يجعله قياما لمصالح دينه ما امكنه ولمصالح دنياه بقدر حاجته الضرورية اليه والسفيه من جعله لمصالح دنياه ما امكنه والمنهي عنه ان تؤتوا اليه أموالكم كائنا من كان ومن جملة السفهاء النفس التي هى أعدى عدوك وكل ما أنفقه الرجل على نفسه بهواها ففيه مفاسد دينه ودنياه الا المستثنى منه كما أشار تعالى بقوله وَارْزُقُوهُمْ فِيها يعنى ما يسد به جوع النفس وَاكْسُوهُمْ يعنى ما يستر عورتها فان ما زاد على هذا يكون إسرافا فى حق النفس والإسراف منهى عنه وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً فالقول المعروف مع النفس ان يقول أكلت رزق الله ونعمه فادى شكر نعمته بامتثال أوامره ونواهيه واذيبى طعامك بذكر الله كما قال عليه السلام (أذيبوا طعامكم بالصلاة والذكر) واقل ذلك ان يصلى ركعتين او يسبح مائة تسبيحة او يقرأ جزأ من القرآن عقيب كل أكلة وسببه انه إذا نام على الطعام من غير اذابته بالذكر والصلاة بعد أكله يقسو قلبه ونعوذ بالله من قسوة القلب ففى الاذابة رفع القسوة وأداء الشكر. واعلم ان فى قوله تعالى وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ إلخ اشارة اخرى وهى ان اموال العلوم وكنوز المعارف لا تؤتى لغير أهلها من العوام ولا تذكر كما حكى ان بعض الكبار ذكر بعض الكرامات لولى فنقل ذلك بعض السامعين فى مجلس آخر وأنكره رجل فلما رجع الى الأصل قال لا يباع الإبل فى سوق الدجاج
دريغست بأسفله گفت از علوم ... كه ضايع شود تخم در شوره بوم
وَابْتَلُوا الْيَتامى اى واختبروا ايها الأولياء والأوصياء من ليس من اليتامى بين السفه قبل البلوغ بتتبع أحوالهم فى صلاح الدين والاهتداء الى ضبط المال وحسن التصرف فيه وجربوهم بما يليق بحالهم فان كانوا من اهل التجارة فبان تعطوهم من المال ما يتصرفون فيه بيعا وابتياعا وان كانوا ممن له ضياع واهل وخدم فبان تعطوا منه ما يصرفونه الى نفقة عبيدهم وخدمهم واجرائهم وسائر مصارفهم حتى يتبين لكم كيفية أحوالهم حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ بان يحتلموا لانهم يصلحون عنده للنكاح فَإِنْ آنَسْتُمْ اى شاهدتم وتبينتم مِنْهُمْ رُشْداً صلاحا فى دينهم واهتداء الى وجوه التصرفات من غير عجز وتبذير فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ من غير تأخير عن حد البلوغ. وظاهر الآية الكريمة ان من بلغ غير رشيد اما بالتبذير او بالعجز لا يدفع اليه ماله ابدا وبه أخذ ابو يوسف ومحمد. وقال ابو حنيفة ينتظر الى خمس وعشرين سنة لان البلوغ بالسن ثمانى عشرة فاذا ازدادت عليها بسبع سنين وهى مدة معتبرة فى تغيير احوال الإنسان لما قال عليه السلام (مروهم بالصلاة لسبع) دفع اليه ماله او نس منه رشد او لم يونس وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً بغير حق حال اى مسرفين(2/166)
وليس فيه اباحة القليل وتحريم الإسراف بل هو بيان انه إسراف وَبِداراً اى مبادرين ومسارعين الى إنفاقها مخافة أَنْ يَكْبَرُوا فتفرطون فى إنفاقها وتقولون ننفق كما نشتهى قبل ان تكبر اليتامى رشدا فينتزعوها من أيدينا ويلزمنا تسليمها إليهم وَمَنْ كانَ غَنِيًّا من الأولياء والأوصياء فَلْيَسْتَعْفِفْ فليتنزه عن أكلها وليمتنع وليقنع بما آتاه الله من الغنى والرزق إشفاقا على اليتيم وابقاء على ماله واستعفف ابلغ من عف كأنه يطلب زيادة العفة وَمَنْ كانَ من الأولياء والأوصياء فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ
اى بما عرف فى الشرع بقدر حاجته الضرورية واجرة سعيه وخدمته وفيه ما يدل على ان للوصى حقا لقيامه عليها فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ بعد ما راعيتم الشرائط المذكورة فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ بانهم تسلموها وقبضوها وبرئت منها ذممكم لما ان ذلك ابلغ من التهمة وانفى للخصومة وادخل فى الامانة وبراءة الساحة وان لم يكن واجبا عند أصحابنا فان الوصي مصدق فى الدفع مع اليمين وقال مالك والشافعي لا يصدق فى دعواه الا بالبينة وَكَفى بِاللَّهِ الباء صلة حَسِيباً محاسبا وحافظ الأعمال خلقه فلا تخالفوا ما أمرتم به ولا تجاوزوا ما حدّ لكم واعلموا ان اللائق للعاقل ان يحترز عن حق الغير خصوصا اليتيم فانه يجره الى نار الجحيم فأكل حقه من الكبائر ومن ابتلى بحق من حقوق العباد فعليه بالاستحلال
قبل الانتقال الى دار السؤال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كانت عنده مظلمة لاخيه او شىء فليتحلله منه اليوم من قبل ان لا يكون دينار ولا درهم ان كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمة وان لم يكن له حسنات أخذ من سيآت صاحبه فحمل عليه ومن اجتمعت عليه مظالم وقد تاب عنها وعسر عليه استحلال ارباب المظالم فليكثر من حسناته ليوم القصاص وليسرّ ببعض الحسنات بينه وبين الله بكمال الإخلاص حيث لا يطلع عليه الا الله فعساه يقربه ذلك الى الله فينال به لطفه الذي ادخره لارباب الايمان فى دفع مظالم العباد عنهم بإرضائه إياهم) .
قال العلماء إذا زنى بامرأة ولها زوج فما لم يجعل ذلك الرجل فى حل لا يغفر له لان خصمه الآدمي فاذا تاب وجعله فى حل فان يغفر له ويكتفى بحل منه ولا يذكر الزنى ولكن يقول كل حق لك على فاجعلنى فى حل منه ومن كل خصومة بينى وبينك وهذا صلح بالمعلوم على المجهول وذلك جائز كرامة لهذه الامة لان الأمم السالفة ما لم يذكروا الذنب لا يغفر لهم وكذا غصب اموال عباد الله وأكلها وضربهم وشتمهم وقتلهم كلها من الحقوق التي يلزم فيها إرضاء الخصماء والتوبة والمبادرة الى الأعمال الصالحة والافعال الحسنة فاذا لم يتب العبد من أمثال هذه ولم يرض خصماءه كان خاسرا خاليا عن العمل عند العرض الأكبر
نماند ستمكار بد روزگار ... بماند برو لعنت پايدار
چنان زى كه ذكرت بتحسين كند ... چومردى نه بر گور نفرين كنند
نبايد برسم بد آيين نهاد ... كه گويند لعنت بر ان كين نهاد
فينبغى للظالم ان يتوب من الظلم ويتحلل من المظلوم فى الدنيا فاذا لم يقدر عليه ينبغى ان يستغفر له ويدعو له فان يرجى ان يحلله بذلك. وعن فضيل بن عياض رحمه الله انه قال قراءة آية من(2/167)
لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)
كتاب الله والعمل بها أحب الى من ختم القرآن الف الف مرة وإدخال السرور على المؤمن وقضاء حاجته أحب الى من عبادة العمر كله وترك الدنيا ورفضها أحب الى من التعبد بعبادة اهل السموات والأرض وترك دانق من حرام أحب الى من مائتى حجة من المال الحلال. وقال ابو القاسم الحكيم ثلاثة أشياء تنزع الايمان من العبد. أولها ترك الشكر على الإسلام. والثاني ترك الخوف على ذهاب الإسلام. والثالث الظلم على اهل الإسلام وعن ابى ميسرة قال اتى بسوط الى رجل فى قبره بعد ما دفن يعنى جاءه منكر ونكير فقالا له انا ضارباك مائة سوط فقال الميت انا كنت كذا وكذا يتشفع حتى حطا عنه عشرا ثم لم يزل بهما حتى صارت الى ضربة واحدة فقالا له انا ضارباك ضربة واحدة فضرباه ضربة واحدة التهب القبر نارا فقال لم ضربتمانى قالا مررت برجل مظلوم فاستغاث بك فلم تغثه فهذا حال الذي لم يغث المظلوم فكيف يكون حال الظالم. واعلم ان الكبار يكفون أنفسهم عن المشتبهات فضلا عن الحرام فان اللقمة الطيبة لها اثر عظيم فى اجابة الدعاء ولذا قال الشيخ نجم الدين الكبرى قدس سره أول شرائط اجابة الدعاء إصلاح الباطن بلقمة الحلال وآخر شرائطها الإخلاص وحضور القلب يعنى التوجه الاحدى إذ القلب الحاضر فى الحضرة شفيع له قال تعالى فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فحركة الإنسان باللسان وصياحه من غير حضور القلب ولولة الواقف على الباب وصوت الحارس على السطح فعلى العاقل ان يحترز عن الحرام والمشتبهات كى يستجاب دعاؤه فى الخلوات لِلرِّجالِ نَصِيبٌ- روى- ان أوس بن صامت الأنصاري رضى الله عنه خلف زوجته أم كحة وثلاث بنات فزوى ابنا عمه سويد وعرفطة ميراثه عنهن على سنة الجاهلية فانهم ما كانوا يورثون النساء والأطفال ويقولون انما يرث من يحارب ويذب عن الحوزة فجاءت أم كحة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مسجد الفضيخ فشكت اليه فقال (ارجعي حتى انظر ما يحدث الله) فنزلت هذه الآية فبعث إليهما لا تفرقا من مال أوس شيأ فان الله قد جعل لهن نصيبا ولم يبين حتى يبين فنزل يوصيكم الله إلخ فأعطى أم كحة الثمن والبنات الثلثين والباقي لا بنى العم والمعنى لذكور أولاد الميت حظ كائن مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ من ذوى القرابة للميت والمراد المتوارثون منهم دون المحجوبين عن الإرث وهم الأبوان والزوجان والابن والبنت وَلِلنِّساءِ اى لجماعة الإناث نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ مما الاخيرة باعادة الجار بدل وإليها يعود الضمير المجرور وهذا البدل مراد فى الجملة الاولى ايضا محذوف للتعويل على المذكور وفائدته دفع توهم اختصاص بعض الأموال ببعض الورثة كالخيل وآلات الحرب للرجال وتحقيق ان لكل من الفريقين حقا من كل ما جل ودق نَصِيباً مَفْرُوضاً نصب على الاختصاص اى اعنى نصيبا مقطوعا مفروضا واجبا لهم وفيه دليل على ان الوارث لو اعرض عن نصيبه لم يسقط حقه وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ اى قسمة التركة والميراث أُولُوا الْقُرْبى للميت ممن لا يرث منه وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ من الأجانب فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ اى أعطوهم شيأ من المال المقسوم المدلول عليه بالقسمة او مما ترك الوالدان والأقربون وهو امر ندب كلف به البالغون(2/168)
من الورثة تطييبا لقلوب الطوائف المذكورة وتصدقا عليهم وكان المؤمنون يفعلون ذلك إذا اجتمعت الورثة وحضرهم هؤلاء فرضخوا لهم بشىء من ورثة المتاع فحثهم الله على ذلك تأديبا من غير ان يكون فريضة فلو كان فريضة لضرب له حد ومقدار كما لغيره من الحقوق وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً وهو ان يدعوا لهم ويقولو أخذوا بارك الله عليكم ويستقلوا ما أعطوهم ويعتذروا من ذلك ولا يمنوا عليهم وكل ما سكنت اليه النفس وأحبته لحسنه شرعا او عقلا من قول او عمل فهو معروف وما أنكرته لقبحه شرعا او عقلا فهو منكر وفى الحديث (كل معروف صدقة) وفى المثل اصنع المعروف والقه فى الماء فان لم يعرفه السمك يعرفه من سمك السماء.
تو نيكى كن بآب انداز اى شاه ... اگر ماهى نداند داند الله
- حكى- ان حية أتت رجلا صالحا فقالت أجرني من عدوى أجارك الله ففتح لها رداءه فقالت يرانى فيه فان أردت المعروف فافتح فاك حتى ادخل فيه فقال أخشى ان تهلكينى قالت لا والله والله وسكان سمواته وارضه شاهدة على ذلك ففتح فاه فدخلت ثم عارضه رجل فى ذلك فانكر فلما اندفع خوفها قالت يا أحمق اختر لنفسك كبدك او فؤادك فقال اين العهد واليمين قالت ما رأيت أحمق منك إذ نسيت العداوة التي بينى وبين أبيك آدم وما الذي حملك على اصطناع المعروف مع غير اهله فقال مهلينى حتى آتى تحت هذا الجبل ثم توجه الى الله فظهر رجل حسن الوجه طيب الرائحة وأعطاه ورقة خضراء وامره بالمضغ ففعل فلم يلبث إلا خرج قطع الحية من الأسفل فخلصه الله تعالى من شرها ثم سأل من أنت فقال انا المعروف وموضعى فى السماء الرابعة وأنت لما دعوت الله ضجت الملائكة فى السموات السبع الى الله فانطلقت الى الجنة وأخذت من شجرة طوبى ورقة بامر الله فاصنع المعروف فانه لا يضيع عند الله وان ضيعه المصطنع اليه
نكوكارى از مردم نيك رأى ... يكى را بده مى نويسد خداى
ومما يكتب من الصدقة الكلمة الطيبة والشفاعة الحسنة والمعونة فى الحاجة وعيادة المريض وتشييع الجنازة وتطييب قلب مسلم وغير ذلك. واعلم ان الرجال فى الحقيقة أقوياء الطلبة والسلاك فلهم نصيب بقدر صدقهم فى الطلب ورجوليتهم فى الاجتهاد مما ترك المشايخ والاخوان فى الله والأعوان على الطلب وتركتهم بركنهم وسيرتهم فى الدين وأنوار هممهم العلية ومواهب ولا يتهم السنية والنساء ضعفاء القوم فلهم ايضا نصيب مفروض اى قدر معلوم على وفق صدق التجائهم اليه وجدهم فى الطلب وحسن استعدادهم لقبول فيض الولاية وهذا حال المجتهدين الذين هم ورثة المشايخ كما انهم ورثة الأنبياء فاما المنتمون الى ولايتهم بالارادة وحسن الظن والمقتبسون من أنوارهم والمقتفون على آثارهم والمشبهون بزيهم والمتبركون بهم على تفاوت درجاتهم فهم بمثابة اولى القربى واليتامى والمساكين إذا حضروا القسمة عند محافل صحبتهم ومجامع سماعهم ومجالس ذكرهم فانها مقاسم خيراتهم وبركاتهم فارزقوهم منه اى من مواهب ولا يتهم وآثار هدايتهم واعطاف عن آيتهم والطاف رعايتهم وقولوا(2/169)
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)
لهم قولا معروفا فى التشويق وارشاد الطريق والحث على الطلب والتوجه الى الحق والاعراض عن الدنيا وتقرير هو انها على الله وخسارة أهلها وعزة اهل الله فى الدارين وكمال سعادتهم فى المنزلين فاذا وقفت على هذا فاجتهد حتى لا تحرم من ميراثه الحقيقة ونصيب المعرفة ونعم ما قيل
ميراث پدر خواهى تو علم پدر آموز ... كين مال پدر خرج تو آن كرد بده روز
رزقنا الله وإياكم ثمرات الأحوال وبلغنا الى تصفية الباطن وإصلاح البال وَلْيَخْشَ الَّذِينَ صفتهم وحالهم انهم لَوْ تَرَكُوا اى لو شارفوا ان يتركوا مِنْ خَلْفِهِمْ اى بعد موتهم ذُرِّيَّةً ضِعافاً أولادا عجزة لأغنى لهم وذلك عند احتضارهم خافُوا عَلَيْهِمْ اى الضياع بعدهم لذهاب كافلهم وكاسبهم والفقر والتكفف والمراد بالذين هم الأوصياء أمروا ان يخشوا الله فيخافوا على من فى حجورهم من اليتامى وليشفقوا عليهم خوفهم على ذريتهم لو تركوهم ضعافا وشفقتهم عليهم وان يقدروا ذلك فى أنفسهم ويصوروه حتى لا يجسروا على خلاف الشفقة والرحمة فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ فى زرارى غيرهم وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً اى وليقولوا لليتامى مثل ما يقولون لأولادهم بالشفقة وحسن الأدب والترهيب ويدعوهم بيا بنى ويا ولدي ولا يؤذوهم إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً ظالمين او على وجه الظلم من اولياء السوء وقضاته وانما قيد به لانه إذا أكل منه بالمعروف عند الحاجة او بما قدر له به القاضي بقدر عمله فيه لم يعاقب عليه إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ اى ملئ بطونهم يقال أكل فى بطنه إذا ملأه وأسرف وفى معاه إذا اقتصد فيه ناراً اى ما يجر الى النار ويؤدى إليها فكأنه نار فى الحقيقة وَسَيَصْلَوْنَ اى سيدخلون يوم البعث سَعِيراً اى نارا مسعرة او هائلة مبهمة الوصف- روى- ان آكل مال اليتيم يبعث يوم القيامة والدخان يخرج من قبره ومن فيه وانفه واذنيه وعينيه ويعرف الناس انه كان يأكل مال اليتيم فى الدنيا- وروى- انه لما نزلت هذه الآية ثقل ذلك على الناس فاحترزوا عن مخالطة اليتامى بالكلية فصعب الأمر على اليتامى فنزل قوله تعالى وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فى الدين الآية وفى الحديث قال النبي عليه السلام (رأيت ليلة اسرى بي قوما لهم مشافر كمشافر الإبل إحداهما قالصة على منخريه والاخرى على بطنه وخزنة جهنم يلقمونه جمر جهنم وصخرها فقلت يا جبريل من هؤلاء قال الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما)
كسى كز صرصر ظلمش دمادم ... چراغ عيش مظلومان بميرد
نمى ترسد ازين كايزد تعالى ... اگر چهـ دير گيرد سخت گيرد
وقد امر الله تعالى ان لا يؤذى اليتيم ويقال له القول السديد فكيف يكون حال من آذاه وغيره من المؤمنين وأكل أموالهم بالغصب والظلم- روى- ان لجهنم جبابا يعنى مواضع كساحل البحر فيها حيات كالبخاتى وعقارب كالبغال الدلم فاذا استغاث اهل جهنم ان يخفف عنهم قيل لهم اخرجوا الى الساحل فيخرجون فتأخذ الحيات شفاههم ووجوههم ما شاء الله فيكشطن فيستغيثون فرارا منها الى النار فيسلط عليهم الجرب فيحك أحدهم جلده حتى(2/170)
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)
يبدو العظم فيقال يا فلان هل يؤذيك هذا فيقول نعم فيقال ذلك بما كنت تؤذى المؤمنين. فعلى المرء ان يجتنب عن الإيذاء وإيصال الألم الى الخلق فان الدعاء السوء من المظلومين يقبل البتة فى حق الظالم والمؤذى
خرابى كند مرد شمشير زن ... نچندانكه دود دل طفل وزن
رياست بدست كسانى خطاست ... كه از دست شان دستها بر خداست
مكافات موذى بمالش مكن ... كه بيخش بر آورد بايد ز بن
سر گرگ بايد هم أول بريد ... نه چون گوسفندان مردم دريد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تقبلوا لى ستا أتقبل لكم الجنة إذا حدثتم فلا تكذبوا وإذا وعدتم فلا تخلفوا وإذا ائتمنتم فلا تخونوا وغضوا أبصاركم واحفظوا فروجكم وكفوا ايديكم عن الحرم وادخلوا الجنة) - وروى- عن ابن المبارك انه قال ترك فلس من حرام أفضل من مائة الف فلس يتصدق بها عنه. وعنه انه كان بالشام يكتب الحديث فانكسر قلمه فاستعار قلما فلما فرغ من الكتابة نسى فجعل القلم فى مقلمته فلما رجع الى مرو رأى القلم وعرفه فتجهز للخروج الى الشام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا وصمتم حتى تكونوا كالأوتار فما ينفعكم الا بالورع) . قال ابراهيم بن أدهم رحمه الله الزهد ثلاثة اصناف. زهد فرض. وزهد فضل وزهد سلامة. فزهد الفرض هو الزهد فى الحرام. وزهد الفضل هو الزهد فى الحلال. وزهد السلامة هو الزهد فى الشبهات. وكان حسان بن ابى سنان لا ينام مضطجعا ولا يأكل سمينا ولا يشرب باردا ستين سنة فرؤى فى المنام بعد مامات فقيل له ما فعل الله بك فقال خيرا غير انى محبوس عن الجنة بابرة استعرتها فلم أردها. ومر عيسى عليه السلام بمقبرة فنادى رجلا منهم فاحياه الله تعالى فقال من أنت فقال كنت حمالا أثقل للناس فنقلت يوما لانسان حطبا فكسرت منه خلالا تخللت به فانا مطالب به منذمت
خوف دارى اگر ز قهر خدا ... نروى راه حرام دنيا
يُوصِيكُمُ اللَّهُ اى يأمركم ويعهد إليكم فِي أَوْلادِكُمْ أولاد كل واحد منكم اى فى شأن ميراثهم وهو إجمال تفصيله لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ والمعنى منهم فحذف للعلم به اى يعد كل ذكر بأنثيين حيث اجتمع الصنفان فيضعف نصيبه فَإِنْ كُنَّ اى الأولاد والتأنيث باعتبار الخبر وهو قوله تعالى نِساءً اى خلصا ليس معهن ذكر فَوْقَ اثْنَتَيْنِ خبر ثان فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ اى المتوفى المدلول عليه بقرينة المقام وحكم البنتين كحكم ما فوقهما وَإِنْ كانَتْ اى المولودة واحِدَةً اى امرأة واحدة ليس معها أخ ولا اخت فَلَهَا النِّصْفُ مما ترك وَلِأَبَوَيْهِ اى لأبوى الميت لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ كائنا ذلك السدس مِمَّا تَرَكَ المتوفى إِنْ كانَ لَهُ اى للميت وَلَدٌ او ولد ابن ذكرا كان او أنثى واحدا او متعددا غير ان الأب فى صورة الأنوثة بعد ما أخذ فرضه المذكور يأخذ ما بقي من ذوى الفروض بالعصوبة فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ ولا ولد ابن وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فحسب فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ مما ترك والباقي للأب هذا إذا لم يكن(2/171)
معهما أحد الزوجين اما إذا كان معهما أحد الزوجين فلأمه ثلث ما بقي من فرض أحدهما لا ثلث الكل كما قاله ابن عباس رضى الله عنهما فانه يفضى الى تفضيل الأم على الأب مع كونه أقوى منها فى الإرث بدليل أضعافه عليها عند انفرادهما عن أحد الزوجين وكونه صاحب فرض وعصبة وذلك خلاف وضع الشرع فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ اى عدد من الاخوة من غير اعتبار التثليث سواء كانت من جهة الأبوين او من جهة أحدهما وسواء كانوا ذكورا او إناثا او مختلطين وسواء كان لهم ميراث او محجوبين بالأب فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ واما السدس الذي حجبوها عنه فهو للأب عند وجوده ولهم عند عدمه وعليه الجمهور مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ متعلق بما تقدمه من قسمة المواريث كلها اى هذه الأنصباء للورثة من بعد ما كان من وصية يُوصِي بِها الميت وفائدة الوصف الترغيب فى الوصية والندب إليها أَوْ دَيْنٍ عطف على وصية الا انه غير مقيد بما قيدت به من الوصف بل هو مطلق يتناول ما ثبت بالبينة او الإقرار فى الصحة وانما قال بأو التي للاباحة دون الواو للدلالة على انهما متساويان فى الوجوب مقدمان على القسمة مجموعين ومنفردين وقدم الوصية على الدين وهى متأخرة فى الحكم لانها مشبهة بالميراث شاقة على الورثة مندوب إليها الجميع والدين انما يكون على الندور آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً الخطاب للورثة اى أصولكم وفروعكم الذين يتوفون لا تدرون أيهم انفع لكم أمن يوصى ببعض ماله فيعرضكم لثواب الآخرة بتنفيذ وصيته أم من لا يوصى بشىء فيوفر عليكم عرض الدنيا يعنى الاول انفع ان كنتم تحكمون نظرا الى ظاهر الحال بانفعية الثاني وذلك لان ثواب الآخرة لتحقق وصوله الى صاحبه ودوام تمتعه به مع
غاية قصر مدة ما بينهما من الحياة الدنيا اقرب واحضر وعرض الدنيا لسرعة نفاده وفنائه ابعد وأقصى فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ اى فرض الله ذلك الميراث فرضا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بالخلق ومصالحهم حَكِيماً فى كل ما قضى وقدر ودبر. واعلم ان فى هذه الآية تنبيها على ان العبد ينبغى ان يجانب الميل الى جانبى الافراط والتفريط برأيه وعمله بل يستمسك بالعروة الوثقى التي هى العدالة فى الأمور كلها وهو الميزان السوي فيما بين الضعيف والقوى وذلك لا يوجد الا بمراعاة امر الله تعالى والمحافظة على الاحكام المقضية الصادرة من العليم بعواقب الأمور الحكيم الذي يضع كل شىء فى مرتبته فعليكم بالعدل الذي هو اقرب للتقوى والتجانب عن الجور بين العباد فى جميع الأمور خصوصا فيما بين الأقارب فان لهم مزيد فضل على الأجانب ولمكانة صلة الرحم عند الله قرن الأرحام باسمه الكريم فى قوله تعالى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ فحافظوا على مراعاة حقوق أصولكم وفروعكم وآتوا كل ذى حق حقه فمن حقوق الوالدين على الولد ترك التأفيف والبر والتكلم بقول لطيف. وفى الخبر يسأل الولد عن الصلاة ثم عن حق الوالدين وتسأل المرأة عن الصلاة ثم عن حق زوجها ويسأل العبد عن الصلاة ثم عن حق المولى ثم ان الحق الوالدة أعظم من الوالد لكونها اكثر زحمة ورحمة- روى- ان رجلا قال يا رسول الله ان أمي هرمت عندى فاطعمها بيدي وأسقيها بيدي واوضيها واحملها على عاتقى فهل جازيت حقها قال (لا ولا واحدا من مائة) قال ولم يا رسول الله قال (لانها خدمتك(2/172)
فى وقت ضعفك مريدة حياتك وأنت تخدمها مريدا مماتها ولكنك أحسنت والله يثيبك على القليل كثيرا) وجاء رجل الى النبي عليه السلام ليستشيره فى الغزو فقال (ألك والدة) قال نعم قال عليه السلام (فالزمها فان الجنة تحت رجليها) ذكره فى الاحياء قيل فيه ونعم ما قيل
جنت كه سراى مادرانست ... زير قدمات مادرانست
روزى بكن اى خداى ما را ... چيزى كه رضاى مادرانست
ويطيع الوالدين فيما أبيح فى دين الإسلام وان كانا مشركين ويهجرهما ان امراه بشرك او معصية قال تعالى وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما
چون نبود خويش را ديانت وتقوى ... قطع رحم بهتر از مودت قربى
قال بعضهم كل ما لا يؤمن من الهلاك مع الجهل فطلب علمه فرض عين سواء كان من الأمور الاعتقادية كمعرفة الصانع وصفاته وصدق النبي عليه السلام فى أقواله وأفعاله او من الأعمال الحسنة المتعلقة بالظاهر كالصلاة والصوم وغيرهما او بالباطن كحسن النية والإخلاص والتوكل وغيرها او من السيئة المتعلقة بالظاهر كشرب الخمر وأكل الربا والنظر الى اجنبية بشهوة او بالباطن كالكبر والعجب والحسد وسائر الأخلاق الرديئة للنفس فان معرفة هذه الأمور فرض عين يجب على المكلف طلبها وان لم يأذن له أبواه واما ما سواها من العلوم فقيل لا يجوز له الخروج لطلبه الا بإذنهما. وفى فتاوى قاضى خان رجل طلب العلم وخرج بغير اذن والديه فلا بأس به ولم يكن عقوقا قيل هذا إذا كان ملتحيا فاذا كان امرد صبيح الوجه فلأبويه ان يمنعاه. واما حق الولد على الوالد فكالتسمية باسم حسن كأسماء الأنبياء والمضاف الى اسمه تعالى لان الإنسان يدعى فى الآخرة باسمه واسم أبيه قال عليه السلام (انكم تدعون يوم القيام باسمائكم واسماء آبائكم فاحسنوا أسماءكم) ولذا قيل يستحب تغيير الأسماء القبيحة المكروهة فان النبي صلى الله عليه وسلم سمى المسمى بالعاصي مطيعا. وجاء رجل اسمه المضطجع فسماه المنبعث. ومن حقه عليه الختان وهو سنة. واختلفوا فى وقته قيل لا يختن حتى يبلغ لانه للطهارة ولا طهارة عليه حتى يبلغ وقيل إذا بلغ عشرا وقيل تسعا والاولى تأخير الختان الى ان يثغر الولد ويظهر سنه لما فيه من مخالفة اليهود لانهم يختنون فى اليوم السابع من الولادة. ومن حقه ان يرزقه بالحلال الطيب وان يعلمه علم الدين ويربيه بآداب السلف الصالحين: قال الشيخ سعدى قدس سره فى حق الأولاد
بخردى درش زجر وتعليم كن ... به نيك وبدش وعده وبيم كن
بياموز پرورده را دست رنج ... وگر دست دارى چوقارون گنج
بپايان رسد كيسه سيم وزر ... نگردد تهى كيسه پيشه ور
- وروى- انس رضى الله عنه عن النبي عليه السلام قال يعق عنه فى اليوم السابع ويسمى ويماط عنه الأذى فاذا بلغ ست سنين ادب وإذا بلغ سبع سنين عزل فراشه وإذا بلغ عشر سنين ضرب على الصلاة وإذا بلغ ست عشرة زوجه أبوه ثم أخذ بيده وقال قد ادبتك وعلمتك وأنكحتك أعوذ بالله من فتنتك فى الدنيا وعذابك فى الآخرة. والحاصل انه ينبغى ان لا يعتمد الإنسان على رأى نفسه بل يكل امره الى الله فانه اعلم وارحم. والاشارة فى الآيات ان المشايخ للمريدين(2/173)
وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)
بمثابة الآباء للاولاد فان الشيخ فى قومه كالنبى فى أمته على ما قاله عليه السلام وقال صلى الله عليه وسلم (انا لكم كالوالد لولده) ففى قوله يُوصِيكُمُ اللَّهُ الآية اشارة الى وصايات المشايخ والمريدين ووراثتهم فى قرابة الدين لقوله تعالى أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ فكما ان الوراثة الدنيوية بوجهين بالسبب والنسب فكذلك الوراثة الدينية بهما. اما السبب فهو الارادة ولبس خرقتهم والتبرك بزيهم والتشبه بهم. واما النسب فهو الصحبة معهم بالتسليم لتصرفات ولايتهم ظاهرا وباطنا بصدق النية وصفاء الطوية مستسلما لاحكام التسليك والتربية ليتوالد السالك بالنشأة الثانية فان الولادة تنقسم على النشأة الاولى وهى ولادة جسمانية بان يتولد المرء من رحم الام الى عالم الشهادة وهو الملك والنشأة الثانية وهى ولادة روحانية بان يتولد السالك من رحم القلب الى عالم الغيب وهو الملكوت كما حكى النبي عليه السلام عن عيسى عليه السلام انه قال [لن يلج ملكوت السموات والأرض من لم يولد مرتين] فالشيخ هو الأب الروحاني والمريدون المتولدون من صلب ولايته هم الأولاد الروحانيون وهم فيما بينهم أولوا الأرحام بعضهم اولى ببعض فى كتاب الله كقوله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ وقال عليه السلام (الأنبياء اخوة من علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد) ولهذا قال عليه السلام (كل حسب ونسب ينقطع إلا حسبي ونسبى) لان نسبه كان بالدين كما سئل من النبي صلى الله عليه وسلم من آلك يا رسول الله قال (آلى كل مؤمن تقى) وانما يتوارث اهل الدين على قدر تعلقاتهم السببية والنسبية والذكورة والأنوثة والاجتهاد وحسن الاستعداد وانما مواريثهم العلوم الدينية واللدنية كما قال صلى الله عليه وسلم (العلماء ورثة الأنبياء وان الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وانما ورثوا العلم فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر) : قال مولانا جلال الدين الرومي قدس سره
چون گزيدى پير نازك دل مباش ... سست وريزيده چوآب وگل مباش «1»
چون گرفتى پير هين تسليم شو ... همچوموسى زير حكم خضر رو
گر تو سنگ وصخره ومرمر شوى ... چون بصاحب دل رسى گوهر شوى «2»
نار خندان باغ را خندان كند ... صحبت مردانت از مردان كند
وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ من المال إذا متن وبقيتم بعدهن إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ اى ولد وارث من بطنها او من صلب بنيها او بنى بنيها وان سفل ذكرا كان او أنثى واحدا كان او متعددا منكم او من غيركم والباقي لورثتهن من ذوى الفروض والعصبات او غيرهم او لبيت المال ان لم يكن لهن وارث آخر أصلا فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ على نحو ما فصل فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ اى تركت أزواجكم من المال والباقي لباقى الورثة مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ متعلق بكلتا الصورتين الا بما يليه وحده يُوصِينَ بِها أَوْ من بعد قضاء دَيْنٍ سواء كان ثبوته بالبينة او بالإقرار وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ان متم وبقين بعدكم إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ ذكر او أنثى منهن او من غير هن او ولد ابن والباقي لبقية وراثتكم من اصحاب الفروض والعصبات او ذوى الأرحام او لبيت المال ان لم يكن لكم وارث آخر أصلا فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ على التفصيل المذكور فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ من المال والباقي
__________
(1) در اواخر دفتر يكم در بيان وصيت كردن رسول خدا صلى الله عليه وسلم مر على را إلخ
(2) در أوائل دفتر يكم در بيان منازعت كردن امرا با يكديكر(2/174)
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16) إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)
للباقين مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ اى بعد إخراج الوصية وقضاء الدين هذا كله إذا لم يمنع مانع من الموانع الاربعة كقتل واختلاف دين ورق واختلاف دار وَإِنْ كانَ رَجُلٌ اى ذكر ميت يُورَثُ اى يورث منه من ورث لا من أورث صفة رجل كَلالَةً خبر كان اى من لا ولد له ولا والد وهى فى الأصل مصدر بمعنى الكلال وهو الاعياء فى التكلم ونقصان القوة فيه فاستعيرت للقرابة من غير جهة الولد والوالد لضعفها بالنسبة الى القرابة من جهتهما أَوِ امْرَأَةٌ عطف على رجل مقيد بما قيد به اى ان كان الميت أنثى يورث منها كلالة وَلَهُ اى وللميت الموروث منه سواء كان رجلا او امرأة أَخٌ أَوْ أُخْتٌ كلاهما من الام بالإجماع لان حكم غيرهما سيبين فى آخر السورة فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا اى اى من الأخ والاخت من الام السُّدُسُ من غير تفضيل للذكر على الأنثى لان الأدلاء الى الميت بمحض الأنوثة فَإِنْ كانُوا اى أولاد الام أَكْثَرَ فى الوجود مِنْ ذلِكَ اى من الأخ او الاخت المنفردين بواحد او اكثر فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ يقتسمونه بالسوية لا يزيد نصيب ذكرهم على أنثاهم والباقي لبقية الورثة من اصحاب الفروض والعصبات مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ قوله غير مضار نصب حالا من فاعل يوصى المقدر المدلول عليه بقوله يوصى على البناء للمفعول اى يوصى الميت بما ذكر من الوصية والدين حال كونه غير مدخل الضرر على الورثة بما زاد على الثلث او تكون الوصية لقصد الإضرار بهم وبان يقر فى المرض بدين كاذبا وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ اى يوصيكم الله وصية بها لا يجوز تغيرها قال عليه السلام (من قطع ميراثا فرضه الله قطع الله ميراثه من الجنة) وَاللَّهُ عَلِيمٌ بالمضار وغيره حَلِيمٌ لا يعاجل بالعقوبة فلا يغتر بالامهال تِلْكَ اى الاحكام التي تقدمت فى امر اليتامى والوصايا والمواريث حُدُودُ اللَّهِ شرائعه التي هى كالحدود المحدودة التي لا يجوز مجاوزتها وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فى جميع الأوامر والنواهي التي من جملتها ما فصل هاهنا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها صيغة الجمع اى خالدين بالنظر الى جمعية من بحسب المعنى وَذلِكَ اى هذا الثواب الْفَوْزُ الْعَظِيمُ اى النجاة الوافرة يوم القيامة والظفر الذي لا ظفر وراءه وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ولو فى بعض الأوامر والنواهي وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ شرائعه المحدودة فى جميع الاحكام يُدْخِلْهُ ناراً اى عظيمة هائلة لا يقادر قدرها خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ اى وله غير عذاب الحريق الجسماني عذاب آخر لا يعرف كنهه وهو العذاب الروحاني كما يؤذن به وصفه والجملة حالية وأفرد خالدا فى اهل النار وجمع فى اهل الجنة لان الانفراد وحشة وعذابا للنفس وذلك انسب بحال اهل النار. اعلم ان الاطاعة سبب لنيل المطالب الدنيوية والاخروية ويرشدك على شرف الاطاعة ان كلب اصحاب الكهف لما تبعهم فى طاعة الله وعد له دخول الجنة
با بدان يار گشت همسر لوط ... خاندان نبوتش گم شد
سگ اصحاب كهف روزى چند ... پى مردم گرفت ومردم شد
فاذا كان من اتبع المطيعين كذلك فما ظنك بالمطيعين. قال حاتم الأصم قدس سره الزم خدمة(2/175)
وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15)
مولاك نأتك الدنيا راغمة والآخرة راغبة. ومن كلامه من ادعى ثلاثا بغير ثلاث فهو كذاب من ادعى حب الجنة من غير انفاق ماله فهو كذاب. ومن ادعى محبة الله من غير ورع عن محارم الله فهو كذاب. ومن ادعى محبة النبي عليه السلام من غير محبة الفقراء فهو كذاب وكلما ازداد العبد فى عبادة الله وطاعته ازداد قربا منه وبعدا من كيد الشيطان. قال السرى سألت معروف الكرخي عن الطائعين لله بأى شىء قدروا على الطاعة قال بخروج الدنيا من قلوبهم ولو كانت فى قلوبهم ما صحت لهم سجدة: قال جلال الدين الرومي قدس سره
بند بگسل باش آزاد اى پسر ... چند باشى بند سيم وبند زر «1»
هر كه از ديدار برخوردار شد ... اين جهان در چشم او مردار شد «2»
ذكر حق كن بانگ غولانرا بسوز ... چشم نرگس را ازين كركس بدوز «3»
ومن أكرمه الله بمعرفة عظمته اضطر الى كمال طاعته- حكى- ان شابا من بنى إسرائيل رفض دنياه واعتزل الناس وجعل يتعبد فى بعض النواحي فخرج اليه رجلان من مشايخ قومه ليرداه الى منزله فقالا له يا من أخذت بامر شديد لا صبر عليه فقال لهما الشاب قيامى بين يدى الله أشد من هذا فقالا ان كل اقربائك مشتاق إليك فعبادتك فيهم أفضل فقال الشاب ان الله تعالى إذا رضى عنى يرضى كل قريب وبعيد فقالا له أنت شاب لا تعلم وانا جربنا هذا الأمر وانا نخاف العجب فقال لهما الشاب من عرف نفسه لم يضره العجب فنظر أحدهما الى صاحبه فقال له قم فان هذا الشاب وجدريح الجنة ولا يقبل قولنا. وعن وهب بن منبه كان داود عليه السلام جعل نوبة عليه وعلى اهله وأولاده ولا تمر ساعة من الليل الا وهو يصلى ويذكر ففى سره تحرك قلبه بالنظر الى طاعته وكان بين يديه نهر فانطق الله ضفدعا فقال والذي أكرمك بالنبوة انه منذ خلقنى الله تعالى وانا قائم على رجل ما استرحت مع انى لا أرجو الثواب ولا أخاف العقاب فما عجبك فيه يا داود فعلم ان المحسن هو الذي يعلم انه مسيئ ولا يعجب بطاعته فلا بد للمؤمن من العمل الصالح ومن الصون عما يبطله من رؤيته وسائر الأمراض الفاسدة ولذلك كان الكبار يختارون الوحدة. قال الامام جعفر الصادق وكذا سفيان الثوري هذا زمان السكوت وملازمة البيوت فقيل لسفيان إذا لازمنا بيوتنا فمن اين يحصل لنا الرزق قال اتقوا الله فان الله يرزق المتقين من غير كسب كما قال تعالى وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ: قال جلال الدين الرومي
بر دل خود كم نه انديشه معاش ... عيش كم نايد تو بر درگاه باش «4»
وَاللَّاتِي جمع التي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ الإتيان الفعل والمباشرة والفاحشة الفعلة القبيحة أريد بها الزنى لزيادة قبحه على كثير من القبائح اى اللاتي يفعلن الزنى كائنات مِنْ نِسائِكُمْ اى من زوجاتكم فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ اى فاطلبوا ان يشهد عليهن بإتيانها اربعة من رجال المؤمنين واحرارهم فَإِنْ شَهِدُوا عليهن بذلك فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ فاحبسوهن فيها واجعلوها سجنا عليهن حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ اى يأخذهن الموت ويستوفى ارواحهن. وفيه تهويل للموت وإبراز له فى صورة من يتولى قبض الأرواح او
__________
(1) در ديباچهـ دفتر يكم
(2) در أوائل دفتر دوم در بيان فروختن صوفيان بهيمه صوفى مسافر را از جهت سفره وسماع
(3) در أوائل دفتر دوم در بيان تمثيل بر حقيقت واطلاع بر كشف آن
(4) در أوائل دفتر دوم در بيان حلوا خريدن شيخ احمد خضرويه إلخ(2/176)
وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16)
يتوفاهن ملائكة الموت أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا اى طريقا يخرجن به من الحبس بان تنكح فانه مغن عن السفاح اى الزنى وَالَّذانِ تثنية الذي يَأْتِيانِها اى الفاحشة مِنْكُمْ هما الزاني والزانية بطريق التغليب. قال السدى أريد بهما البكران منهما كما ينبئ عنه كون عقوبتهما أخف من الحبس المخلد وبذلك يندفع التكرار فَآذُوهُما فوبخوهما وذموهما وقولوا لهما أما استحييتما أما خفتما الله وذلك بعد الثبوت فَإِنْ تابا عما فعلا من الفاحشة بسبب ما لقيا من زواجر الاذية وقوارع التوبيخ وَأَصْلَحا اى لعملهما وغير الحال فَأَعْرِضُوا عَنْهُما بقطع الاذية والتوبيخ فان التوبة والإصلاح مما يمنع استحقاق الذم والعقاب إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً مبالغا فى قبول التوبة رَحِيماً واسع الرحمة. واعلم ان الرجل إذا زنى بامرأة وهما محصنان فحدهما الرجم لا غير وان كانا غير محصنين فحدهما الجلد لا غير وان كان أحدهما محصنا والآخر غير محصن فعلى المحصن منهما الرجم وعلى الآخر الجلد والمحصن هو ان يكون عاقلا بالغا مسلما حرا دخل بامرأة بالغة عاقلة حرة مسلمة بنكاح صحيح فالرجم كان مشروعا فى التوراة ثم نسخ بآية الإيذاء من القرآن ثم صار الإيذاء منسوحا بآية الحبس وآية الإيذاء وان كانت متأخرة فى الترتيب والنظم الا انها سابقة على الاولى نزولا ثم صار الحبس منسوخا بحديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم (البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة) ثم نسخ هذا كله بآية الجلد الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وصار الحد هو الحلد فى كل زان وزانية ثم صار هذا منسوخا بالرجم فى حق المحصن بحديث ما عز رضى الله عنه وبقي غير المحصن فى حكم الجلد وهو الترتيب فى الآيات والأحاديث وعليه استقر الحكم عندنا كذا فى تفسير التيسير. فالواجب على كل مسلم ان يتوب من الزنى وينهى الناس عن ذلك فان كل موضع ظهر فيه الزنى ابتلاهم الله بالطاعون ويزيد فقرهم. قال ابن مسعود رضى الله عنه سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ذنب أعظم عند الله قال (ان تجعل لله ندا وهو خلقك) قلت ثم أي قال (ان تقتل ولدك خشية ان يأكل معك) قلت ثم أي قال (ان تزنى بحليلة جارك) وأشد الزنى ما هو مصر عليه وهو الرجل الذي يطلق امرأته وهو يقيم معها بالحرام ولا يقر عند الناس مخافة ان يفتضح فكيف لا يخاف فضيحة الآخرة يوم تبلى السرائر يعنى تظهر الاسرار فاحذر فضيحة ذلك اليوم واجتنب الزنى ولا تصر عليه فانه لا طاقة لك مع عذاب الله وتب الى الله فان الله كان يقبل التوبة عن عباده ان الله كان توابا رحيما: قال مولانا جلال الدين الرومي قدس سره
مركب توبه عجائب مركبست ... بر فلك تازد بيك لحظه ز پست «1»
چون بر آرند از پشيمانى انين ... عرش لرزد از انين المذنبين «2»
عمر اگر بگذشت بيخش اين دم است ... آب توبه اش ده اگر او بي نمست «3»
بيخ عمرت را بده آب حيات ... تا درخت عمر گردد بإثبات
جمله ماضيها ازين نيكو شوند ... زهر پارينه ازين گردد چوقند
__________
(1) در أوائل دفتر ششم در بيان حكايت آن صياد كه خود را در گياه پيچيده بود إلخ
(2) در اواخر دفتر ششم در بيان استمداد عارف او سرچشمه حيات أبدى إلخ
(3) در اواسط دفتر پنجم در بيان رسيدن زن بخانه وجدا شدن زاهد از كنيزك(2/177)
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17)
والاشارة فى تحقيق الآيتين ان وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ هى النفوس الامارة بالسوء والفاحشة ما حرمته الشريعة من اعمال الظاهر وحرمته الطريقة من احوال الباطن وهى الركون الى غير الله قال عليه السلام (سعد غيور وانا أغير منه والله أغير منا ولهذا حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن) فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ على النفوس بإتيان الفاحشة أَرْبَعَةً مِنْكُمْ اى من خواص العناصر الاربعة التي أنتم منها مركبون وهى التراب ومن خواصه الخسة والركاكة والذلة والطمع والمهانة واللؤم. والماء ومن خواصه اللين والعجز والكسل والأنوثة والشره فى المأكل وفى المشرب والهواء ومن خواصه الحرص والحسد والبخل والحقد والعداوة والشهوة والزينة. والنار ومن خواصها التبختر والتكبر والفخر والصلف والحدة وسوء الخلق وغير ذلك مما يتعلق بالأخلاق الذميمة ورأسها حب الدنيا والرياسة واستيفاء لذاتها وشهواتها فَإِنْ شَهِدُوا اى ظهر بعض هذه الصفات من النفوس فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ فاحبسوهن فى سجن المنع عن التمتعات الدنيوية فان الدنيا سجن المؤمن وأغلقوا عليهن أبواب الحواس الخمس حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ اى تموت النفس إذا انقطع عنها حظوظها دون حقوقها والى هذا أشار بقوله عليه السلام (موتوا قبل ان تموتوا) أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا بانفتاح روزنة القلوب الى عالم الغيوب فتهب منها الطاف الحق وجذبات الالوهية التي جذبة منها توازى عمل الثقلين وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ اى النفس والقالب يأتيان الفواحش فى ظاهر الافعال والأعمال وباطن الأحوال والأخلاق فَآذُوهُما ظاهرا بالحدود وباطنا بترك الحظوظ وكثرة الرياضات والمجاهدات فَإِنْ تابا ظاهرا وباطنا وَأَصْلَحا لذلك فَأَعْرِضُوا عَنْهُما باللطف بعد العنف وباليسر بعد العسر فان مع العسر يسرا إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً لمن تاب رَحِيماً لمن أصلح من تفسير نجم الدين الرازي الكبرى إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ اى ان قبول التوبة كالمحتوم على الله بمقتضى وعده من تاب عليه إذا قبل توبته لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ اى المعصية صغيرة كانت او كبيرة. فقوله انما التوبة على الله مبتدأ وخبره ما بعده بِجَهالَةٍ اى يعملون ملتبسين بها اى جاهلين سفهاء فان ارتكاب الذنب مما يدعو اليه الجهل ولذلك قيل من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع من جهالته. وفى التيسير ليست هذه جهالة عدم العلم لانه ذنب لان ذلك عذر لكنها التغافل والتجاهل وترك التفكر فى العاقبة كفعل من يجهله ولا يعلمه ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ اى من زمان قريب وهو ما قبل حضور الموت اى قبل ان يغر غروا وسماه قريبا لان أمد الحياة الدنيا قريب قال تعالى قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ فعمر الدنيا قليل قريب الانقضاء فما ظنك بعمر فرد ومن تبعيضية اى يتوبون بعض زمان قريب كأنه سمى ما بين وجود المعصية وبين حضور الموت زمانا قريبا ففى أي جزء تاب من اجزاء هذا الزمان فهو تائب فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ اى يقبل توبتهم وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً بخلقه يعلم إخلاصهم فى التوبة حَكِيماً فى صنعه والحكيم لا يعاقب التائب. فعلى المؤمن ان يتدارك الزلة بالتوبة والاستغفار ويسارع فى الرجوع الى الملك الغفار- روى- ان جبريل عليه السلام أتاه عند موته فقال يا محمد(2/178)
الرب يقرئك السلام ويقول من تاب قبل موته بجمعة قبلت توبته قال صلى الله عليه وسلم (الجمعة كثيرة) فذهب ثم رجع وقال قال الله تعالى من تاب قبل موته بساعة قبلت توبته فقال (الساعة كثيرة) فذهب ثم رجع وقال ان الله يقرئك السلام ويقول ان كان هذا كثيرا فلو بلغ روحه الخلق ولم يمكنه الاعتذار بلسانه واستحيى منى وندم بقلبه غفرت له ولا أبالي قال صلى الله عليه وسلم (ان الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر) اى لم يبلغ روحه الحلقوم وعند ذلك يعاين ما يصير اليه من رحمة او هوان ولا ينفع حينئذ توبة ولا ايمان قال تعالى فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا فالتوبة مبسوطة للعبد يعاين قابض الأرواح وذلك عند غرغرته بالروح وانما يغرغر به إذا قطع الوتين فشخص من الصدر الى الحلقوم فعندها المعاينة وعندها حضور الموت فيجب على الإنسان ان يتوب قبل المعاينة والغرغرة وهو معنى قوله تعالى ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ وانما صحت منه التوبة فى هذا الوقت لان
الرجاء باق ويصح الندم والعزم على ترك الفعل: قال السعدي قدس سره
طريق بدست آر وصلحى بجوى ... شفيعى برانگيز وعذرى بگوى
كه يك لحظه صورت نبندد امان ... چو پيمانه پر شد بدور وزمان
والتوبة فرض على المؤمنين ولها شروط اربعة. الندم بالقلب. وترك المعصية فى الحال. والعزم على ان لا يعود الى مثلها. وان يكون ذلك حياء من الله تعالى وخوفا منه لا من غيره قال الحسن البصري استغفارنا يحتاج الى استغفار. قال القرطبي فى تذكرته هذا يقوله فى زمانه فكيف فى زماننا هذا الذي يرى فيه الإنسان مكبا على الظلم حريصا عليه لا يقلع والسبحة فى يده زاعما انه يستغفر من ذنبه وذلك استهزاء منه واستخفاف ومن اظلم ممن اتخذ آيات الله هزؤا فيلزم حقيقة الندم- روى- ان الملائكة تعرج الى السماء بسيآت العبد فاذا عرضوها على اللوح المحفوظ يجدون مكانها حسنات فيخرون على وجوههم ويقولون ربنا انك تعلم انا ما كتبنا عليه الا ما عمل فيقول الله تعالى صدقتم ولكن عبدى ندم على خطيئته واستشفع الىّ بدمعه فغفرت ذنبه وجدت عليه بالكرم وانا أكرم الأكرمين: قال مولانا جلال الدين قدس سره
از پى هر گريه آخر خنده ايست ... مرد آخر بين مبارك بنده ايست «1»
هر كجا آب روان سبزه بود ... هر كجا أشك روان رحمت شود
تا نگريد ابركى خندد چمن ... تا نگريد طفل كى جوشد لبن «2»
قال احمد بن عبد الله المقدسي سألت ابراهيم بن أدهم عن بده حاله فقال نظرت من شباك قصرى فرأيت فقيرا بفناء القصر قد أكل الخبز بالماء والملح ثم نام فدعوته وقلت له قد شبعت وتهيأت للنوم قال نعم فتبت الى الله ولبست الليلة مسوحا وقلنسوة من صوف وخرجت حافيا الى مكة واعلم ان الله إذا أراد بعبد خيرا اصطفاه لنفسه وجعل فى قلبه سراجا يفرق بين الحق الباطل ويبصر عيوب نفسه حتى يترك الدنيا وحطامها ويلقى عليها زمامها: قال جلال الدين رومى قدس سره
__________
(1) در أوائل دفتر يكم در بيان كثر ماندن دهان آن شخص گستاخ كه إلخ
(2) در أوائل دفتر پنجم در بيان سبب رجوع آن كافر وديدن پيغمبر را در شستن(2/179)
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)
ملك بر هم زن تو ادهم وار زود ... تا بيابى همچواو ملك خلود
اين جهان خود حبس جانهاى شماست ... هين رويد آن سو كه صحراى شماست
قال العطار قدس سره
نقاب از روى چون خورشيد بردار ... اگر هستى ز روى خود خبر دار
ز كوه قاف جسمانى گذر كن ... بدار الملك روحانى سفر كن
مشو مغرور اين ملك مزور ... نه عزت ماند ونه مال ونه زر
اگر رنگت فرو شويند ز رخسار ... خريدارت بنامش كس ببازار
عصمنا الله وإياكم من الركون الى الدنيا وموت القلب بالإصرار على الهوى فى الصبح والمساء وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ اى الذنوب حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ اى وقع فى سكرات الموت وشاهد ملك الموت سوى علاماته فان التوبة تقبل فيها قالَ عند النزع ومشاهدة ما فيه إِنِّي تُبْتُ الْآنَ من ذنوبى يعنى لا يقبل التوبة منه ثمة لانها حالة الاضطرار دون حالة الاختيار وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ عطف على الذين يعملون السيئات اى ليست التوبة للذين ماتوا وَهُمْ كُفَّارٌ مصرون على كفرهم إذا تابوا عند قرب الموت او عند معاينة العذاب فى الآخرة أُولئِكَ اى الفريقان أَعْتَدْنا أصله أعددنا أبدلت الدال الاولى تاء لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً اى هيأنا لهم عذابا وجيعا دائما. اعلم ان الله تعالى سوى بين من سوف التوبة وآخرها الى حضور الموت من الفسقة وبين من مات على الكفر فى نفى التوبة للمبالغة فى عدم الاعتداد بها فى تلك الحالة كأنه قال توبة هؤلاء وعدم توبة هؤلاء سواء فى انه لا توبة لهم لان حضرة الموت أول احوال الآخرة فكما ان الميت على الكفر قد فاتته التوبة على اليقين فكذلك المسوف الى حضرة الموت لعدم محلها وتلك التسوية لكيلا يهمل المذنب فى امر التوبة ولا يتأهل العاقل فى المسارعة الى طلب المغفرة: قال جلال الدين رومى قدس سره
كرسيه كردى تو نامه عمر خويش ... توبه كن زانها كه كردستى تو پيش «1»
توبه آرند وخدا توبه پذير ... امر او گيرند واو نعم الأمير «2»
وإذا هب من الله رياح العناية تجد العبد يسرع الى التوبة ويمد نفسه الى أسبابها ويتأثر بشىء يسير فيتوب عن قبح معاملته. قال ابو سليمان الداراني اختلفت الى مجلس قاص فأثر فى قلبى كلامه فلما قمت لم يبق فى قلبى شىء فعدت ثانيا فبقى اثر كلامه فى قلبى حتى رجعت الى منزلى وكسرت آلة المخالفات ولزمت الطريق فحكى هذه الحكاية ليحيى بن معاذ فقال عصفور اصطاد كركيا أراد بالعصفور ذلك القاص وبالكركي أبا سليمان
مرد بايد گيرد اندر گوش ... ور نوشته اسد پند بر ديوار
قال تعالى وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فمسارعة المذنب بالتوبة وترك الإصرار والرجوع الى باب الملك الغفار ومسارعة المطيع بالاجتناب عن السيئات وزيادة الخيرات والحسنات قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (صاحب اليمين أمين على صاحب الشمال فاذا عمل العبد حسنة يكتب له صاحب اليمين عشرا)
__________
(1) در اواسط دفتر پنجم در بيان رسيدن زن بخانه وجدا شدن زاهد از كنيزك در أوائل دفتر يكم در بيان خسارت وزير إلخ در أوائل دفتر چهارم در بيان سلب هجرت ابراهيم بن أدهم إلخ
(2) در اواسط دفتر ششم در بيان استمداد عارف از سرچشمه حيات أبدى إلخ(2/180)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21) وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)
نكوكارى از مردم نيك رأى ... يكى را بده مى نويسد خداى
(وإذا عمل سيئة وأراد صاحب الشمال ان يكتب قال صاحب اليمين امسك فيمسك ست ساعات او سبع ساعات فان استغفر فيها لم يكتب عليه وان لم يستغفر كتب سيئة واحدة) فالواجب على كل مسلم ان يتوب الى الله حين يصبح وحين يمسى ولا يؤخرها. قال ابو بكر الواسطي قدس سره التأنى فى كل شىء حسن الا فى ثلاث خصال عند وقت الصلاة وعند دفن الميت والتوبة عند المعصية وكان فى الأمم الماضية إذا أذنبوا حرم عليهم حلال وإذا أذنب واحد منهم ذنبا وجد على بابه او على جبهته مكتوبا ان فلان ابن فلان قد أذنب كذا وتوبته كذا فسهل الله الأمر على هذه الامة فقال وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً
- روى- ان الله لما لعن إبليس سأله النظرة فانظره اى أمهله الى قيام الساعة فقال انظر ماذا ترى فقال وعزتك لا اخرج من صدر عبدك حتى تخرج نفسه فقال الرب وعزتى وجلالى لا أحجب التوبة عن عبدى حتى تخرج نفسه فانظر الى رحمة الله ورأفته على عباده انه سماهم مؤمنين بعد ما أذنبوا فقال وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وأحبهم بعد التوبة فقال وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ: قال الحافظ قدس سره
بمهلتى كه سپهرت دهد ز راه مرو ... ترا كه گفت كه اين زال ترك دستان گفت
فينبغى ان لا يغتر الإنسان بشىء من الأشياء فى حال من الأحوال فانه وان كان يمهل ولكن لا يهمل فان الموت يجيئ البتة إذا فنى العمر وامتلأ الإناء يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً مصدر فى موضع الحال من النساء كان الرجل إذا مات قريبه يلقى ثوبه على امرأته او على خبائها ويقول ارث امرأته كما ارث ماله فيصير بذلك أحق بها من كل أحد ثم ان شاء تزوجها بصداقها الاول وان شاء زوجها غيره وأخذ صداقها ولم يعطها منه شيأ وان شاء عضلها اى حبسها وضيق عليها لتفتدى بما ورثت من زوجها وان ذهبت المرأة الى أهلها قبل إلقاء الثوب فهى أحق بنفسها فنهوا عن ذلك وقيل لهم لا يحل لكم ان تأخذوهن بطريق الإرث على زعمكم كما تحاز المواريث وهن كارهات لذلك وَلا تَعْضُلُوهُنَّ عطف على ترثوا ولا لتأكيد النفي والخطاب للازواج. والعضل الحبس والتضييق وداء عضال ممتنع عسر العلاج وكان الرجل إذا تزوج امرأة ولم تكن من حاجته حبسها مع سوء العشرة والقهر وضيق عليها لتفتدى منه بمالها وتخلع فقيل لهم ولا تعضلوهن اى لا تضيقوا عليهن لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ اى من الصداق بان يدفعن إليكم بعضه اضطرارا فتأخذوه منهن إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ من بين بمعنى تبين اى القبح من النشوز وشكاسة الخلق وإيذاء الزوج واهله بالبذاء اى الفحش والسلاطة اى حدة اللسان او الفاحشة الزنى وهو استثناء من أعم الأحوال او أعم الأوقات او أعم العلل ولا يحل لكم عضلهن فى حال من الأحوال او فى وقت من الأوقات او لعلة من العلل الا فى حال إتيانهن بفاحشة او الا فى وقت إتيانهن بها او الا لاتيانهن بها فان السبب حينئذ يكون من جهتهن وأنتم معذورون فى طلب الخلع وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ خطاب للذين يسيئون العشرة معهن. والمعروف ما لا ينكره(2/181)
الشرع والمروءة والمراد هاهنا النصفة فى المبيت والنفقة والإجمال فى القول ونحو ذلك فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ وسئمتم صحبتهن بمقتضى الطبيعة من غير ان يكون من قبلهن ما يوجب ذلك من الأمور المذكورة فلا تفارقوهن بمجرد كراهة النفس واصبروا على معاشرتهن فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً والمراد بالخير الكثير هاهنا الولد الصالح او المحبة والألفة والصلاح فى الدين وهو علة للجزاء أقيمت مقامه للايذان بقوة استلزامها إياه كأنه قيل فان كرهتموهن فاصبروا عليهن مع الكراهة فلعل لكم فيما تكرهونه خيرا كثيرا ليس فيما تحبونه. وعسى تامة رافعة لما بعدها مستغنية عن تقدير الخبر اى فقد قربت كراهتك شيأ وجعل الله فيه خيرا كثيرا فان النفس ربما تكره ما هو أصلح فى الدين واحمد عاقبة وادنى الى الخير وتحب ما هو بخلافه فليكن نظركم الى ما فيه خير وصلاح دون ما تهوى أنفسكم
. اعلم ان معاشرتهن بالمعروف والصبر عليهن فيما لا يخالف رضى الله تعالى وإلا فالرد من مواضع الغيرة واجب فان الغيرة من اخلاق الله واخلاق الأنبياء والأولياء قال عليه السلام (أتعجبون من غيرة سعد وانا أغير منه والله أغير منى ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن) اى ما كان من اعمال الظاهر وهو ظاهر واحوال الباطن وهو الركون الى غير الله والطريق المنبئ عن الغيرة ان لا يدخل عليها الرجال ولا تخرج هى الى الأسواق دون الحمام قال الامام قاضى خان دخول الحمام مشروع للرجال والنساء خلافا لما قاله البعض- روى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الحمام وتنوّر وخالد بن وليد دخل حمام حمص لكن انما يباح إذا لم يكن فيه انسان يكشف العورة انتهى والناس فى زماننا لا يمتنعون عن كشف العورة أعاليهم وأسافلهم فالمتقى يجتنب عن الدخول فى الحمام من غير عذر والحاصل ان المرأة إذا برئت من مواقع الخلل واتصفت بالعفة فعلى الزوج ان يعاشرها بالمعروف ويصبر على سائر أوضاعها وسوء خلقها بخلاف ما إذا كانت غير ذلك: قال الشيخ السعدي
چومستور باشد زن خوبروى ... بديدار او در بهشت است شوى
اگر پارسا باشد وخوش سخن ... نگه در نكويى وزشتى مكن
چوزن راه بازار گيرد بزن ... وگرنه تو در خانه بنشين چوزن
ز بيگانگان چشم زن كور باد ... چوبيرون شد از خانه در كور باد
شكوهى نماند دران خاندان ... كه بانگ خروش آيد از ماكيان
گريز از كفش در دهان نهنگ ... كه مردن به از زندگانى به ننگ
ثم اعلم ان معاملة النساء أصعب من معاملة الرجال لا نهن ارق دينا وأضعف عقلا وأضيق خلقا فحسن معاشرتهن والصبر عليهن مما يحسن الأخلاق فلا جرم يعد الصابر من المجاهدين فى سبيل الله وكان عليه السلام يحسن المعاشرة مع أزواجه المطهرة- روى- ان بعض المتعبدين كان يحسن القيام على زوجته الى ان ماتت وعرض عليه التزوج فامتنع وقال الوحدة أروح لقلبى قال فرأيت فى المنام بعد جمعة من وفاتها كأن أبواب السماء قد فتحت وكأن رجالا ينزلون ويسيرون فى الهواء يتبع بعضهم بعضا وكلما نظر الى واحد منهم يقول لمن وراءه هذا هو(2/182)
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)
المشئوم فيقول الآخر نعم ويقول الثالث كذلك فخفت ان اسألهم الى ان مرّبى آخرهم فقلت له من هذا المشئوم قال أنت قال فقلت ولم قال كنا نرفع عملك مع اعمال المجاهدين فى سبيل الله فمنذ جمعة أمرنا ان نضع عملك مع الخالقين فلا ندرى ما أحدثت فقال لاخوانه زوجونى فلم يكن يفارقه زوجتان او ثلاث وكثرة النساء ليست من الدنيا لان الزهاد والعباد كانوا يتزوجون ثلاثا وأربعا قال صلى الله عليه وسلم (حبب الى من دنياكم ثلاث النساء والطيب وقرة عينى فى الصلاة) . قال بعض ارباب الأحوال كنت بمجلس بعض القصّاص فقال ما سلم أحد من الهوى ولا فلان وسمى بمن لا يليق ذكره فى هذا المقام لعظم الشأن فقلت اتق الله فقال ألم يقل (حبب الى) فقلت ويحك انما قال حبب ولم يقل أحببت قال ثم خرجت بالهم فرأيت النبي عليه السلام فقال لا تهتم فقد قتلناه قال فخرج ذلك القاص الى بعض القرى فقتله بعض قطاع الطريق. فقال بعض العلماء إكثاره عليه السلام فى امر النكاح بفعل بواطن الشريعة.
قال الحكيم الترمذي فى نوادر الأصول الأنبياء زيدوا فى القوة بفضل نبوتهم وذلك ان النور إذا امتلأت منه الصدور ففاض فى العروق التذت النفس والعروق فاثار الشهوة وقواها واما الطيب فانه يزكى الفؤاد ويقوى القلب واصل الطيب انما خرج من الجنة بهبوط آدم منها بورقة تستر بها فتركت عليه. واما الصلاة فهى مناجاة الله كما قال عليه السلام (المصلى يناجى ربه) فاذا عرفت حقيقة الحال فاياك والإنكار فان كل عمل عند الأخيار له سر من الاسرار ولكن عقول العوام لا تحيط به وان عاشوا الف عام: قال مولانا جلال الدين قدس سره
از محقق تا مقلد فرقهاست ... كين چوداودست وآن ديگر صداست «1»
كار درويشى وراى فهم تست ... سوى درويشان بمنكر سست سست «2»
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ اى تزوج امرأة ترغبون فيها مَكانَ زَوْجٍ ترغبون عنها بان تطلقوها وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ اى احدى الزوجات فالمراد بالزوج هو الجنس قِنْطاراً اى مالا كثيرا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ اى ذلك القنطار شَيْئاً يسيرا فضلا عن الكثير أَتَأْخُذُونَهُ اى شيأ منه بُهْتاناً باهتين او مفعول له اى للبهتان والظلم العظيم فان أحدهم كان إذا تزوج امرأة فاعجبه غيرها وأراد ان يتزوجها بهت التي تحته بفاحشة حتى يلجئها الى الافتداء منه بما أعطاها ليصرفه الى تزويج الجديدة فنهوا عن ذلك. والبهتان فى اللغة الكذب الذي يواجه الإنسان به صاحبه على جهة المكابرة وأصله من بهت الرجل إذا تحير فالبهتان الكذب الذي يبهت المكذوب عليه ويدهشه وقد يستعمل فى الفعل الباطن ولذلك فسر هاهنا بالظلم وَإِثْماً مُبِيناً اى آثمين عيانا او للذنب الظاهر وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ اى لأى وجه ومعنى تفعلون هذا وَقَدْ والحال انه قد أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ قد جرى بينكم وبينهن احوال منافية له من الخلوة وتقرر المهر وثبوت حق خدمتهن لكم وغير ذلك وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً عطف على ما قبله داخل فى حكمه اى أخذن منكم عهدا وثيقا وهو حق الصحبة والممازجة والمعاشرة او ما أوثق الله عليكم فى شأنهن بقوله تعالى فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ او ما أشار اليه النبي عليه السلام بقوله (أخذتموهن بامانة
__________
(1) در اواسط دفتر يكم در بيان نصيحت كردن مرد زن خود را إلخ [.....]
(2) در أوائل دفتر دوم در بيان تمامى قصه زنده شدن استخوان بدعاى عيسى عليه السلام(2/183)
وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22)
الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله) . اعلم ان هذه المعاملات من تضييق النساء ومنعهن من الأزواج وأخذ ما فى أيديهن ظلما بعد ما أخذن ميثاقا غليظا فى رعاية حقوقهن كلها وأمثالها ليست من امارة الايمان ونتائجه وثمراته لان المؤمن أخ المؤمن لا يظلمه ولا يشتمه قال عليه السلام (المؤمن للمؤمن كالبينات يشد بعضه بعضا) وقال (الدين النصيحة) وقد صرح بنفي الايمان عمن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه قال صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير)
هر آنكه تخم بدى كشت و چشم نيكى داشت ... دماغ بيهده پخت وخيال باطل بست
ز گوش پنبه برون آر وداد خلق بده ... اگر تو مى ندهى داد روز دادى هست
فعلى المرء ان ينصف فى جميع أحواله للاجانب خصوصا الأقارب والأزواج فان تحرى العدل لهم من الواجبات. واعلم ان الآية لا دلالة فيها على جواز المغالاة فى المهر لان قوله تعالى وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً لا يدل على جواز إيتاء القنطار كما ان قوله لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا لا يدل على حصول الالهة. والحاصل انه لا يلزم من جعل الشيء شرطا لشىء آخر كون ذلك الشرط فى نفسه جائز الوقوع كذا قال الامام فى تفسيره ويؤيد ما قيل فى مرشد المتأهلين ان المرأة التي يراد نكاحها يراعى فيها خفة المهور قال صلى الله عليه وسلم (خير نسائكم أحسنهن وجوها واخفهن مهورا) وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه على عشرة دراهم وأثاث البيت وكان رحى وجرة ووسادة من أديم حشوها ليف وفى الخبر (من بركة المرأة سرعة تزوجها وسرعة رحمها الى الولادة ويسر مهرها) ولا بد للرجل ان يوفيها صداقها كملا او ينوى ذلك فمن نوى ان يذهب بصداقها جاء يوم القيامة زانيا كما ان من استدان دينا وهو ينوى ان لا يقضيه يصير سارقا ولا يماطل مهرها الا ان يكون فقيرا او تؤجله المرأة طوعا ويعلمها احكام الطهارة والحيض والصلاة وغير ذلك بقدر ما تؤدى به الواجب ويلقنها اعتقاد اهل السنة ويردها عن اعتقاد اهل البدعة وان لم يعلم فليسأل ولينقل إليها جواب المفتى وان لم يسأل فلا بد لها من الخروج للسؤال ومتى علمها الفرائض فليس لها الخروج الى تعلم او مجلس ذكر الا برضاه فمهما أهمل المرء حكما من احكام الدين ولم يؤدبها ولم يعلمها او منعها عن التعلم شاركها فى الإثم وفى الحديث (أشد الناس عذابا يوم القيامة من أجهل اهله) قال عليه السلام (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ذكر مادون من لانه أريد به الصفة. وقوله من النساء بيان لما نكح واسم الآباء ينتظم الأجداد مجازا كان اهل الجاهلية يتزوجون بأزواج آبائهم فنهوا عن ذلك اى لا تنكحوا التي نكحها آباؤكم إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ استثناء مما نكح مفيد للمبالغة فى التحريم بإخراج الكلام مخرج التعليق بالمحال اى لا تنكحوا حلائل آبائكم الا من ماتت منهن والمقصود سد طريق الإباحة بالكلية ونظيره قوله تعالى حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ إِنَّهُ اى نكاحهن كانَ فاحِشَةً اى فعلة قبيحة ومعصية شديدة عند الله ما رخص فيه لأمة من الأمم وَمَقْتاً ممقوتا(2/184)
عند ذوى المروءات والمقت أشد البغض وَساءَ سَبِيلًا نصب على التمييز اى بئس السبيل سبيل من يراه ويفعله فانه يؤدى صاحبه الى النار. قيل مراتب القبح ثلاث. القبح العقلي واليه أشير بقوله إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً. والقبح الشرعي واليه أشير بقوله مَقْتاً. والقبح العادي واليه الاشارة بقوله وَساءَ سَبِيلًا ومتى اجتمعت فيه هذه المراتب فقد بلغ أقصى مراتب القبح. والاشارة فى الآية ان الآباء هى العلويات والأمهات هى السفليات وبازدواجهما خلق الله تعالى المتولدات منهما فيما بينهما ففى قوله تعالى وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ اشارة الى نهى التعلق والتصرف فى السفليات التي هى الأمهات المتصرفة فيها آباؤكم العلوية إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ من التدبير الإلهي فى ازدواج الأرواح والأشباح فالحاجات الضرورية للانسان مسيسة به إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا يعنى التصرف فى السفليات والتعلق به او الركون إليها مما يلوث الجوهر الروحاني بلوث الصفات الحيوانية ويجعله سفلى الطبع بعيدا عن الحضرة محبا للدنيا ناسيا للعرب ممقوتا للحق وساء سبيلا الى الهداية بالضلالة: قال حافظ
غلام همت آنم كه زير چرخ كبود ... ز هر چهـ رنگ تعلق پذيرد آزاد است
قال مولانا الجامى
اى كه در شرع خداوندان حال ... ميكنى از سنت وفرضم سؤال
سنت آمد دل ز دنيا تافتن ... فرض راه قرب مولا يافتن
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان اقرب الناس مجلسا الى الله يوم القيامة من طال حزنه وجوعه فى الدنيا افترش الناس الفراش وافترش الأرض فالراغب من رغبت فى مثل ما رغبوا والخاسر من خالفهم أكلوا الشعير ولبسوا الخرق وخرجوا من الدنيا سالمين) : قال مولانا جلال الدين
هر كه محجوبست او خود كودكيست ... مرد آن باشد كه بيرون از شكيست «1»
اى خنك آنكه جهادى ميكند ... بر بدن زجرى ودادى ميكند «2»
اى بسا كارا كه أول صعب كشت ... بعد از ان بگشاده شد سختى گذشت «3»
اندرين ره مى تراش ومى خراش ... تا دمى آخر دمى فارغ مباش «4»
قال ابو على الدقاق رحمه الله من زين ظاهره بالمجاهدة حسن الله سريرته بالمشاهدة قال الله تعالى وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا. واعلم ان من لم يكن فى بدايته صاحب مجاهدة لم يجد من هذه الطريقة شمة. قال ابو الحسن الوراق كان أجل أحكامنا فى مبادى أمرنا فى مسجد ابى عثمان الإيثار حتى يفتح علينا وان لا نبيت على معلوم ومن استقبلنا بمكروه لا ننتقم لا نفسنا بل نعتذر اليه ونتواضع له وإذا وقع فى قلوبنا حقارة لأحد فمنا فى خدمته والإحسان اليه حتى يزول. قال ابو حفص ما اسرع هلاك من لا يعرف عيبه فان المعاصي بريد الكفر.
عيب رندان مكن اى زاهد پاكيزه سرشت ... كه گناه دگران بر تو نخواهند نوشت
__________
(1) در اواخر دفتر پنجم در بيان حكايت جوجى كه چادر پوشيده در بيان زنان إلخ
(2) در اواسط دفتر دوم در بيان كه دشوارى عذاب آخرت وسختى
(3) در اواسط دفتر سوم در بيان باز جواب كفتن انبيا عليهم السلام جبريانرا
(4) در اواسط دفتر يكم در بيان رجوع بحكايت خواجه تاجر إلخ(2/185)
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)
من اگر نيكم وگر بد تو برو خود را باش ... هر كسى آن درود عاقبت كار كه كشت
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ اى نكاحهن لان المفهوم فى العرف من حرمة كل شىء ما هو الغرض المقصود منه فيفهم من تحريم النساء تحريم نكاحهن كما يفهم من تحريم الخمر تحريم شربها ومن تحريم لحم الخنزير تحريم أكله. والأمهات تعم الجدات وان غلون من الأب والام او من قبل أحدهما وَبَناتُكُمْ الصلبية وبنات الأولاد وان سفلن وَأَخَواتُكُمْ من قبل الأب والام او من قبل أحدهما فيتضمن الأخوات من الجهات الثلاث. واعلم ان حرمة الأمهات والبنات كانت ثابتة من زمن آدم عليه السلام الى هذا الزمان ولم يثبت حل نكاحهن فى شىء من الأديان الالهية بل ان زرادشت رسول المجوس قال بحله الا ان اكثر المسلمين اتفقوا على انه كان كذابا اما نكاح الأخوات فقد نقل ان ذلك كان مباحا فى زمن آدم عليه السلام وانما حكم الله بإباحة ذلك على سبيل الضرورة. وذكر العلماء ان السبب لهذا التحريم ان الوطء إذلال واهانة فان الإنسان يستحيى من ذكره ولا يقدم عليه الا فى الموضع الخالي واكثر انواع الشتم لا يكون الا بذكره وإذا كان الأمر كذلك وجب صون الأمهات عنه لان انعام الام على الولد أعظم وجوه الانعام فوجب صونها عن هذا الاذلال والبنت جزؤ من الإنسان وبعض منه فيجب صونها عن هذا الاذلال لان المباشرة معها تجرى مجرى الاذلال وكذا القول فى البقية ذكره الامام فى تفسيره وَعَمَّاتُكُمْ العمة كل أنثى ولدها من ولد والدك قريبا او بعيدا وَخالاتُكُمْ الخالة كل أنثى ولدها من ولد والدتك قريبا او بعيدا يعنى العمات تعم أخوات الآباء والأجداد وكذا الخالات تعم أخوات الأمهات والجدات سواء كن من قبل الأب والام او من قبل أحدهما وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ من كل جهة ونوافلهما وان بعدت. واعلم ان الله تعالى نص على تحريم اربعة عشر صنفا من النسوان سبع منهن من جهة النسب وهن هذه المذكورات وسبع اخرى من جهة السبب والى تعدادها شرع فقال وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ اى حرم نكاح الأمهات والأخوات كلتاهما من الرضاعة كما حرمتا من النسب نزل الله الرضاعة منزلة النسب حتى سمى المرضعة اما للرضيع والمراضعة أختا وكذلك زوج المرضعة أبوه وأبواه جداه وأخته عمته وكل ولد ولد له من غير المرضعة قبل الرضاع وبعده فهم اخوته وأخواته لأبيه وأم المرضعة جدته وأختها خالته وكل من ولد لها من هذا الزوج فهم اخوته وأخواته لأبيه وامه ومن ولد لها من غيره فهم اخوته وأخواته لأمه ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وهو حكم كلى جار على عمومه واما أم أخيه لأب واخت ابنه لأم وأم أم ابنه وأم عمه وأم خاله لأب فليست حرمتهن من جهة النسب حتى تحل بعمومه ضرورة حلهن فى صور الرضاع بل من جهة المصاهرة ألا يرى ان الاولى موطوءة أبيه والثانية بنت موطوءته والثالثة أم موطوءته والرابعة موطوءة جده الصحيح والخامسة موطوءة جده الفاسدة وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ المراد بالنساء المنكوحات على الإطلاق سواء كن مدخولا بهن أم لا وعليه(2/186)
جمهور العلماء وقد روى عن النبي عليه السلام انه قال فى رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل الدخول بها (انه لا بأس بان يتزوج ابنتها ولا يحل له ان يتزوج أمها) ويلحق بهن الموطوءات بوجه من الوجوه المعدودات فيما سبق آنفا والممسوسات ونظائرهن وأمهات تعم المرضعات كما تعم الجدات وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ اى حرم نكاح الربائب جمع ربيبة والربيب ولد المرأة من آخر سمى به لانه يربه كما يرب ولده فى غالب الأمر فعيل بمعنى مفعول والتاء للنقل الى الاسمية. قال الامام والحجور جمع حجر وفيه لغتان قال ابن السكيت حجر الإنسان وحجره بالفتح والكسر هو ما يجمع على فخذيه من ثوبه والمراد بقوله فى حجوركم اى فى تربيتكم يقال فلان فى حجر فلان إذا كان فى تربيته والسبب فى هذه الاستعارة ان كل من ربى طفلا أجلسه فى حجره فصار الحجر عبارة عن التربية كما يقال فلان فى حضانة فلان وأصله من الحضن الذي هو
الإبط ثم ان كون التربية فى حجر الرابّ ليس بشرط للحرمة عند جمهور العلماء والوصف فى الآية خرج على الأغلب لانهن كن لا يتزوجن غالبا إذا كانت لهن أولاد كبار ويتزوجن مع الأولاد الصغار ليستعن بالأزواج على تربية الأولاد فخرج الكلام مخرج الغالب لا على الاشتراط كما فى قوله تعالى وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ والمباشرة فى غير المساجد حالة الاعتكاف حرام ايضا مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ اى كائنة تلك الربائب من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فمن متعلقة بمحذوف وقع حالا من ربائبكم ومعنى الدخول بهن ادخالهن الستر والباء للتعدية وهى كناية عن الجماع كقولهم بنى عليها وضرب عليها الحجاب وفى حكم الدخول اللمس ونظائره فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا اى فيما قبل دَخَلْتُمْ بِهِنَّ أصلا فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ اى فى نكاح الربائب إذا فارقتموهن اى أمهاتهن او متنّ وهو تصريح بما أشعر به ما قبله وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ اى وحرم عليكم زوجات أبنائكم سميت الزوجة حليلة لحلها للزوج او لحلولها فى محله وقيل لحل كل منهما إزار صاحبه وفى حكمهن من نياتهم ومن يجرى مجراهن من الممسوسات ونظائرهن الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ لاخراج الأدعياء دون أبناء الأولاد والأبناء من الرضاع فانهم وان سفلوا فى حكم الأبناء الصلبية فالمبتنى إذا فارق امرأته يجوز للمتبنى نكاحها وقد تزوج النبي عليه السلام زينب ابنة جحش الاسدية بنت عمته امينة ابنة عبد المطلب حين فارقها زيد حارثة وكان قد تبناه وادعاه ابنا فعيره المشركون بذلك لان المتبنى فى ذلك الوقت كان بمنزلة الابن فانزل الله تعالى ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وقوله تعالى وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ اى وحرم عليكم الجمع بين الأختين فى النكاح لا فى ملك اليمين واما جمعهما فى الوطء بملك اليمين فيلحق به بطريق الدلالة لا تحادهما فى المدار إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ استثناء منقطع اى لكن ما قد مضى لا تؤاخذون به إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً لمن فعل ذلك فى الجاهلية رَحِيماً لمن تاب من ذنوبه وأطاع لامر ربه فى الإسلام- تمت الجزء الرابع-(2/187)
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)
الجزء الخامس من الاجزاء الثلاثين وَالْمُحْصَناتُ هن ذوات الأزواج احصنهن التزوج او الأزواج او الأولياء اى عفهن عن الوقوع فى الحرام. وقد ورد الإحصان فى القرآن بإزاء اربعة معان. الاول التزوج كما فى هذه الآية. والثاني العفة كما فى قوله مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ. والثالث الحرية كما فى قوله وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ. والرابع الإسلام كما فى قوله فَإِذا أُحْصِنَّ قيل فى تفسيره اى اسلمن وهى معطوفة على المحرمات السابقة اى وحرم عليكم ذوات الأزواج كائنات مِنَ النِّساءِ وفائدته تأكيد عمومها لا دفع توهم شمولها للرجال بناء على كونها صفة للانفس كما توهم إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يريد ما ملكت ايمانكم من اللاتي سبين ولهن الأزواج فى دار الكفر فهن حلال لغزاة المسلمين ان كن محصنات قال نجم الدين الكبرى قدس سره ان الله تعالى حرم المحصنات من النساء على الرجال عفة للحضانة وصحة للنسب ونزاهة لعرض الرجال عن خسة الاشتراك فى الفراش علوا للهمة فان الله يحب معالى الأمور ويبغض سفسافها وقال إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يعنى ملكتم بالقوة والغلبة على أزواجهن من الكفار واقتطاعهن من حيز الاشتراك وإفساد نسب الأولاد وتخليطه ولهذا أوجب الشرع فيها الاستبراء بحيضة كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ مصدر مؤكد اى كتب الله عليكم تحريم هؤلاء كتابا وفرضه فرضا وَأُحِلَّ لَكُمْ عطف على حرمت عليكم وتوسيط قوله كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بينهما للمبالغة فى الحمل على المحافظة على المحرمات المذكورة ما وَراءَ ذلِكُمْ اشارة الى ما ذكر من المحرمات المعدودة اى أحل لكم نكاح ما سواهن انفرادا وجمعا وخص منه بالسنة ما فى معنى المذكورات كسائر محرمات الرضاع والجمع بين المرأة وعمتها وخالتها أَنْ تَبْتَغُوا متعلق بالفعلين المذكورين اى حرمت وأحل على انه مفعول له لكن لا باعتبار بيانهما وإظهارهما اى بين لكم تحريم المحرمات المعدودة وإحلال ما سواهن ارادة ان تبتغوا النساء اى تطلبوهن بِأَمْوالِكُمْ بصرفها الى مهورهن او أثمانهن مُحْصِنِينَ حال من فاعل تبتغون والإحصان العفة وتحصين النفس عن الوقوع فيما يوجب اللوم والعقاب غَيْرَ مُسافِحِينَ حال ثانية منه والسفاح الزنى والفجور من السفح الذي هو صب المنى سمى به لانه الغرض منه ومفعول الفعلين محذوف اى محصنين فروجكم غير مسافحين الزواني وهى فى الحقيقة حال مؤكدة لان المحصن غير مسافح البتة والمعنى لا تضيعوا أموالكم فى الزنى لئلا يذهب دينكم ودنياكم ولكن تزوجوا بالنساء فهو خير لكم وذكر الأموال يدل على ان غير المال لا يصلح مهرا وان القليل لا يكفى مهرا فان الدرهم ونحوه لا يسمى مالا ثم هو عندنا لا يكون اقل من عشرة دراهم قال صلى الله عليه وسلم (لا مهر اقل من عشرة) فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ(2/188)
اى فالذى انتفعتم به من النساء بالنكاح الصحيح من جماع او خلوة صحيحة او غير ذلك فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مهورهن فان المهر فى مقابلة الاستمتاع فَرِيضَةً حال من الأجور بمعنى مفروضة وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ اى فى ان تراضيتم بعد النكاح على زيادة المهر من جانب الزوج او على الحط من المهر من جانب الزوجة وان تهب لزوجها جميع مهرها مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ اى بعد المفروضة للزوجة إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بمصالح العباد حَكِيماً فيما شرع لهم من الاحكام ولذلك شرع لكم هذه الاحكام اللائقة بحالكم. اعلم ان المحرم عندنا من حرم نكاحه على التأبيد بنسب او مصاهرة او رضاع ولو بوطء حرام فخرج بالأول ولد العمومة والخئولة وبالثاني اخت الزوجة وعمتها وخالتها وشمل أم المزني بها وبنتها وأبا الزاني وابنه وأحكامه تحريم النكاح وجواز النظر والخلوة والمسافرة الا المحرم من الرضاع فان الخلوة بها مكروهة وكذا بالصهرة الشابة وحرمة النكاح على التأبيد لا مشاركة للمحرم فيها فان الملاعنة تحل إذا كذب نفسه او خرج من اهلية الشهادة والمجوسية تحل بالإسلام او بتهودها او تنصرها والمطلقة ثلاثا بدخول الثاني وانقضاء عدته ومنكوحة الغير بطلاقها وانقضاء عدتها ومعتدة الغير بانقضائها وكذا لا مشاركة للمحرم فى جواز النظر والخلوة والسفر واما عبدها فكالأجنبى على المعتمد لكن الزوج يشارك المحرم فى هذه الثلاثة والنساء الثقات لا يقمن مقام المحرم والزوج فى السفر. ويختص المحرم النسيب باحكام. منها عتقه على قريبه لو ملكه ولا يختص بالأصل
والفرع. ومنها وجوب نفقة الفقير العاجز على قريبه الغنى فلا بد من كونه رحما من جهة القرابة فابن العم والأخ من الرضاع لا يعتق ولا تجب نفقته ويغسل المحرم قريبه. ومنها انه لا يجوز التفريق بين الصغير ومحرم ببيع او هبة الا فى عشر مسائل. ومنها ان المحرمية مانعة من الرجوع فى الهبة. وتختص الأصول والفروع من بين سائر المحارم باحكام. منها انه لا يقطع أحدهما بسرقة مال الآخر. ومنها لا يقضى ولا يشهد أحدهما للآخر. ومنها تحريم موطوءة كل منهما على الآخر ولو بزنى. ومنها تحريم منكوحة كل منهما على الآخر بمجرد العقد. ومنها لا يدخلون فى الوصية للاقارب. وتختص الأصول باحكام. منها لا يجوز له قتل أصله الحربي الا دفعا عن نفسه وان خاف رجوعه ضيق عليه والجأه ليقتله غيره وله قتل فرعه الحربي كمحرمه. ومنها لا يقتل الأصل بفرعه ويقتل الفرع بأصله.
ومنها لا يحد الأصل بقذف فرعه ويحد الفرع بقذف أصله. ومنها لا تجوز مسافرة الفرع الا بإذن أصله دون عكسه. ومنها لو ادعى الأصل ولد جارية ابنه ثبت نسبه والجد اب الأب كالاب عند عدمه بخلاف الفرع إذا ادعى ولد جارية أصله لم يصح الا بتصديق الأصل. ومنها لا يجوز الجهاد الا بإذنهم بخلاف الأصول لا يتوقف جهادهم على اذن الفروع. ومنها لا تجوز المسافرة الا بإذنهم ان كان الطريق مخوفا وإلا فإن لم يكن ملتحيا فكذلك والا فلا. ومنها إذا دعا أحد أبويه فى الصلاة وجبت اجابته الا ان يكون عالما بكونه فيها ولم أر حكم الأجداد والجدات وينبغى الإلحاق- ومنها كراهة حجه بدون اذن من كرهه من أبويه ان احتاج الى خدمته. ومنها جواز تأديب الأصل فرعه والظاهر عدم الاختصاص بالأب فالأم والأجداد والجدات(2/189)
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)
كذلك. ومنها تبعية الفرع للاصل فى الإسلام. ومنها لا يحبسون بدين الفرع والأجداد والجدات كذلك واختصت الأصول الذكور بوجوب الإعفاف. واختص الأب والجد لأب باحكام. منها ولاية المال فلا ولاية للام فى مال الصغير الا الحفظ وشراء ما لا بد منه للصغير. ومنها تولى طرفى العقد فلو باع الأب ماله من ابنه او اشترى وليس فيه غبن فاحش انعقد بكلام واحد. ومنها عدم خيار البلوغ فى تجويز الأب والجد فقط واما ولاية الانكاح فلا تختص بهما فتثبت لكل ولى سواء كان عصبة او من ذوى الأرحام. وكذا الصلاة فى الجنازة لا تختص بهما. وفى الملتقط من النكاح لو ضرب المعلم الولد بإذن الأب فهلك لم يغرم الا ان يصربه ضربا لا يضرب مثله ولو ضرب بإذن الأم غرم الدية إذا هلك والجد كالأب عند فقده الا فى ثنتى عشرة مسألة [فائدة] يترتب على النسب اثنا عشر حكما توريث المال والولاء وعدم صحة الوصية عند المزاحمة ويلحق بها الإقرار بالدين فى مرض موته وتحمل الدية وولاية التزويج وولاية غسل الميت والصلاة عليه وولاية المال وولاية الحضانة وطلب الحد وسقوط القصاص هذا كله من الأشباه والنظائر نقلته هاهنا الفوائده الكثيرة وملاءمته المحل على ما لا يخفى وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ من لم يستطع اى من لم يجد كما يقول الرجل لا أستطيع ان أحج اى لا أجد ما أحج به. ومنكم حال من فاعل يستطيع اى حال كونه منكم. والطول القدرة وانتصابه على انه مفعول يستطيع وان ينكح فى موضع النصب على انه مفعول القدرة والمراد بالمحصنات الحرائر بدليل مقابلتهن بالمملوكات فان حريتهن احصنتهن عن ذل الرق والابتذال وغيرهما من صفات القصور والنقصان والمعنى ومن لم يجد طول حرة اى ما يتزوج به الحرة المسلمة فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فلينكح امرأة او امة من النوع الذي ملكته ايمانكم مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ حال من الضمير المقدر فى ملكت الراجع الى ما اى من إمائكم المسلمات. والفتاة أصلها الشابة والفتاء بالمد الشباب والفتى الشاب والامة تسمى فتاة والعبد يسمى فتى وان كانا كبيرين فى السن لانهما لا يوقران للرق توقير الكبار ويعاملان معاملة الصغار وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ تأنيس بنكاح الإماء وازالة الاستنكاف منه اى اعلم بتفاضل ما بينكم وبين ارقائكم فى الايمان فربما كان ايمان الامة أرجح من الايمان الحرة وايمان المرأة من ايمان الرجل. فلا ينبغى للمؤمن ان يطلب الفضل والرجحان الا باعتبار الايمان والإسلام لا بالاحساب والأنساب بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ أنتم وارقاؤكم متناسبون نسبكم من آدم ودينكم الإسلام كما قيل
الناس من جهة التمثال اكفاء ... ابو همو آدم والام حواء
فبينكم وبين ارقائكم المواخاة الايمانية والجنسية الدينية لا يفضل حر عبدا الا برجحان فى الايمان وقدم فى الدين فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ اى وإذ قد وقفتم على جلية الأمر فانكحوهن بإذن مواليهن ولا تترفعوا عنهن وفى اشتراط اذن الموالي دون مباشرتهم للعقد اشعار بجواز مباشرتهن له وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ اى أدوا إليهن مهورهن بغير مطل وضرار والجاء الى الافتداء واللز اى المضايقة والإلحاح مُحْصَناتٍ حال من مفعول فانكحوهن اى حال كونهن عفائف عن الزنى غَيْرَ مُسافِحاتٍ حال مؤكدة اى غير مجاهرات به(2/190)
والمسافح الزاني من السفح وهو صب المنى لان غرضه مجرد صب الماء وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ جمع خدن وهو الصديق سرا والجمع للقابلة بالانقسام على معنى ان لا يكون لواحدة منهن خدن لا على معنى ان لا يكون لها اخدان اى غير مجاهرات بالزنى ولا مسرات له وكان زناهن فى الجاهلية من وجهين السفاح وهو بالأجر من الراغبين فيها والمخادنة وهى مع صديق لها على الخصوص وكان الاول يقع اعلانا والثاني سرا وكانوا لا يحكمون على ذات الحد بكونها زانية ولذا أفرد الله كل واحد من هذين القسمين بالذكر ونص على حرمتهما معا فَإِذا أُحْصِنَّ اى بالتزويج فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ اى فعلن فاحشة وهى الزنى فَعَلَيْهِنَّ فثابت عليهن شرعا نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ اى الحرائر الابكار مِنَ الْعَذابِ من الحد الذي هو جلد مائة فنصفه خمسون كما هو كذلك قبل الإحصان فالمراد بيان عدم تفاوت حدهن بالاحصان كتفاوت حد الحرائر
ولا رجم عليهن لان الرجم لا يتنصف وجعلوا حد العبد مقيسا على الامة والجامع بينهما الرق والإحصان عبارة عن بلوغ مع عقل وحرية ودخول فى نكاح صحيح واسلام خلافا للشافعى فى الإسلام ذلِكَ اى نكاح المملوكات عند عدم الطول لمن خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ اى خاف الزنى وهو فى الأصل انكسار العظم بعد الجبر فاستعير لكل مشقة وضرر أعظم من موافقة الاسم بأفحش القبائح وانما سمى الزنى به لانه سبب المشقة بالحد فى الدنيا والعقوبة فى العقبى وَأَنْ تَصْبِرُوا اى عن نكاحهن متعففين كافين أنفسكم عما تشتهيه من المعاصي خَيْرٌ لَكُمْ من نكاحهن وان سبقت كلمة الرخصة فيه لما فيه من تعريض الولد للرق ولان حق المولى فيها فلا تخلص للزوج خلوص الحرائر ولان المولى يقدر على استخدامها كيف ما يريد فى السفر والحضر وعلى بيعها للحاضر والبادي. وفيه من اختلال حال الزوج وأولاده ما لا مزيد عليه ولانها ممتهنة مبتذلة خراجة ولاجة وذلك كله ذل ومهانة سارية الى الناكح والعزة هى اللائقة بالمؤمنين ولان مهرها لمولاها فلا تقدر على التمتع به ولا على هبته للزوج فلا ينتظم امر المنزل وقد قال صلى الله عليه وسلم (الحرائر صلاح البيت والإماء هلاك البيت) وَاللَّهُ غَفُورٌ لمن لم يصبر رَحِيمٌ بالرخصة والتوسعة فنكاح الامة عند الطول والقدرة على نكاح الحرة لا يحل عند الشافعي وعند الحنفية يحل ما لم يكن عنده امرأة حرة ومحصله ان الشافعي أخذ بظاهر الآية وقال لا يجوز نكاح الامة الا بثلاثة شرائط اثنان فى الناكح عدم طول الحرة وخشية العنت والثالث فى المنكوحة وهى ان تكون امة مؤمنة لا كافرة كتابية وعند ابى حنيفة شىء من ذلك ليس بشرط فهو حمل عدم استطاعة الطول على عدم ملك فراش الحرة بان لا يكون تحته حرة فحينئذ يجوز نكاح الامة وحمل النكاح على الوطء وحمل قوله مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ على الأفضل اى نكاح الامة المؤمنة أفضل من نكاح الكتابية فجعله على الندب واستدل عليه بوصف الحرائر مع كونه ليس بشرط. قال فى التيسر واما قوله مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ ففيه اباحة المؤمنات وليس فيه تحريم الكتابيات فالغنى والفقير سواء فى جواز نكاح الامة سواء كانت مؤمنة او يهودية او نصرانية. اعلم ان النكاح من سنن المرسلين وشرعة المخلصين الا ان الحال يختلف فيه(2/191)
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26)
باختلاف احوال الناس فهو واجب بالنسبة الى صاحب التوقان ومستحب بالنسبة الى من كان فى حد الاعتدال ومكروه بالنسبة الى من عجز عن الوقاع والانفاق. قال فى الشرعة وشرحها ويختار للتزوج المرأة ذات الدين فان المرأة الصالحة خير متاع الدنيا فان بها يحصل تفريغ القلب عن تدبير المنزل والتكلف بشغل الطبخ والكنس والفرش وتنظيف الأوانى وتهيئة اسباب المعيشة فان الإنسان لو لم يكن له شهوة الوقاع لتعسر عليه العيش فى منزله وحده إذ لو تكفل بجميع أشغال المنزل لضاعت اكثر أوقاته ولم يتفرغ للعلم والعمل فالمرأة الصالحة المصلحة للمنزل معنية على الدين بهذا الطريق واختلال هذه الأسباب شواغل ومشوشات للقلب ومنغصات للعيش ولذلك قال ابو سليمان الدراني الزوجة الصالحة ليست من الدنيا فانها تفرّغك للآخرة: قال الشيخ السعدي قدس سره
زن خوب فرمان بر پارسا ... كند مرد درويش را پادشاه
سفر عيد باشد بران كتخداى ... كه يارى زشتش بود در سراى
ثم ان بعضهم اختاروا البكر وقالوا انها تكون لك فاما الثيب فان لم يكن لها ولد فنصفها لك وان كان لها ولد فكلها لغيرك تأكل رزقك وتحب غيرك والحاصل ان اختيار نكاح المملوكات رخصة والصبر عنه عزيمة ولا ريب ان العزيمة اولى لانه بالصبر يترقى العبد الى الدرجات العلى وفى الخبر (يؤتى باشكر اهل الأرض فيجزيه الله تعالى جزاء الشاكرين ويؤتى باصبر اهل الأرض فيقال له أترضى ان نجزيك جزاء الشاكرين فيقول نعم يا رب فيقول الله كلا أنعمت عليك فشكرت وابتليتك فصبرت لأضعفن لك الاجر عليه فيعطى أضعاف جزاء الشاكرين) وقد يجمع العبد فضيلتى الصبر والشكر بان يصبر على مقتضى النفس زمانا ثم بعد النيل والفوز يشكر على نعمه الجزيلة حققنا الله وإياكم بحقائق الصبر والشكر
نعمت حق شمار وشكر گذار ... نعمتش را اگر چهـ نيست شمار
شكر باشد كليد گنج مزيد ... گنج خواهى منه ز دست كليد
وقيل فى حق الصبر
چون بمانى بسته در بند حرج ... صبر كن كه الصبر مفتاح الفرج
صبر كن حافظ بسختى روز شب ... عاقبت روزى بيابى كام را
ثم ان رحمته لعباده أوسع من ان تذكر ولذلك قال وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ومن جملة رحمته بيان طرائق من سلف وتقدم من اهل الرشاد ليسلكوا مناهجهم وينالوا الى المراد وقال عليه السلام (يا كريم العفو) فقال جبريل أتدري ما معنى كريم العفو هو ان يعفو عن السيئات برحمته ثم يبدلها بحسنات بكرمه: قال جلال الدين الرومي قدس سره
توبه آرند وخدا توبه پذير ... امر او گيرند او نعم الأمير «1»
سيآتت را مبدل كرد حق ... تا همه طاعت شود آن ما سبق «2»
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ اللام مزيدة لتأكيد معنى الاستقبال اللازم للارادة ومفعول يبين محذوف اى يريد الله ان يبين لكم ما هو مخفى عنكم من مصالحكم وأفاضل أعمالكم او ما
__________
(1) در اواخر دفتر ششم در بيان استمداد عارف اثر سرچشمه حيات أبدى ومستغنى شدن إلخ
(2) در اواسط دفتر پنجم در بيان رسيدن زن بخانه وجدا شدن زاهد از كنيزك(2/192)
وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)
تعبدكم به من الحلال والحرام وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ اى يدلكم على مناهج من تقدمكم من الأنبياء والصالحين لتقتدوا بهم وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ يرجع بكم عن معصيته الى طاعته بالتوفيق للتوبة مما كنتم عليه من الخلاف وليس الخطاب لجميع المكلفين حتى يتخلف مراده عن إرادته فيمن لم يتب منهم بل لطائفة معينة حصلت لهم هذه التوبة وَاللَّهُ عَلِيمٌ بكم حَكِيمٌ فيما يريده لكم وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ بيان لكمال منفعة اراده الله تعالى وكمال مضرة ما يريد الفجرة بخلاف الاول فانه بيان إرادته تعالى لتوبته عليهم فلا تكرار وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ يعنى الفجرة فان اتباع الشهوات الائتمار لها واما المتعاطى لما سوغه الشرغ من المشتهيات دون غيره فهو متبع له لا لها. وقيل المجوس حيث كانوا يحلون الأخوات من الأب وبنات الأخ وبنات الاخت فلما حرمهن الله تعالى قالوا فانكم تحلون بنت الخالة وبنت العمة مع ان العمة والخالة عليكم حرام فانكحوا بنات الأخ والاخت فنزلت أَنْ تَمِيلُوا عن القصد والحق بموافقتهم على اتباع الشهوات واستحلال المحرمات وتكونوا زناة مثلهم مَيْلًا عَظِيماً اى بالنسبة الى ميل من اقترف خطيئة على ندرة بلا استحلال يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ما فى عهدتكم من مشاق التكاليف فلذلك شرع لكم الشرعة الحنيفية السمحة السهلة ورخص لكم فى المضايق كاحلال نكاح الامة وغيره من الرخص وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً عاجزا عن مخالفة هواه غير قادر على مقابلة دواعيه وقواه حيث لا يصبر عن اتباع الشهوات ولا يستخدم قواه فى مشاق الطاعات. قال الكلبي اى لا يصبر عن النساء. قال سعيد بن المسيب ما ايس الشيطان من ابن آدم الا أتاه من قبل النساء وقد اتى علىّ ثمانون سنة وذهبت احدى عينى وانا اعشو بالأخرى وان أخوف ما أخاف على نفسى فتنة النساء. وقال ابو هريرة رضى الله عنه اللهم انى أعوذ بك من ان ازنى واسرق فقيل له كبر سنك وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أتخاف على نفسك من الزنى والسرقة قال كيف آمن على نفسى وإبليس حى: قال الحافظ
چهـ جاى من كه بلغزد سپهر شعبده باز ... ازين حيل كه در انبانه بهانه تست
والاشارة فى تحقيق الآيات ان الله تعالى أنعم على هذه الامة بارادة اربعة أشياء. أولها التبيين وهو ان يبين لهم صراط المستقيم الى الله. وثانيا الهداية وهو ان يهديهم الى الصراط المستقيم بالعيان بعد البيان. وثالثها التوبة عليهم وهى ان يرجع بهم الى حضرته على صراط الله. ورابعها التخفيف عنهم وهو ان يوصلهم الى حضرته بالمعونة ويخفف عنهم المئونة.
وهذا مما اختص به نبينا عليه السلام وأمته لوجهين. أحدهما ان الله اخبر عن ذهاب ابراهيم عليه السلام الى حضرته باجتهاده وهو المئونة بقوله إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ واخبر عن موسى عليه السلام بمجيئه وهو ايضا المئونة وقال وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا واخبر عن حال نبينا عليه السلام بقوله سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا وهو المعونة فخفف عنه المئونة واخبر عن حال هذه الامة بقوله سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ وهو ايضا بالمعونة وهى جذبات العناية. والوجه الثاني ان النبي(2/193)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)
عليه السلام وأمته مخصوصون بالوصول والوصال مخفف عنهم كلفة الفراق والانقطاع فاما النبي عليه السلام فقد خص بالوصول الى مقام قاب قوسين او ادنى وبالوصال بقوله ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى وانقطع سائر الأنبياء عليهم السلام فى السموات السبع كما رأى ليلة المعراج آدم فى سماء الدنيا الى ان رأى ابراهيم عليه السلام فى السماء السابعة فعبر عنهم جميعا الى كمال القرب والوصول. واما الامة فقال فى حقهم (من تقرب الىّ شبرا تقربت اليه ذراعا) فهذا هو حقيقة الوصول والوصال ولكن الفرق بين النبي والولي فى ذلك ان النبي مستقل بنفسه فى السير الى الله والوصول ويكون حظه من كل مقام بحسب استعداده الكامل والولي لا يمكنه السير الا فى متابعة النبي وتسليكه فى سبيل الله قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ويكون حظه من المقامات بحسب استعداده فينبغى ان يسارع العبد الى تكميل المراتب والدرجات برعاية السنة وحسن المتابعة لسيد الكائنات. قال جنيد البغدادي قدس سره مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة. قال على كرم الله وجهه الطرق كلها مسدودة على الخلق الا من اقتفى اثر رسول الله صلى الله عليه وسلم
كرت بايد كه بينى روى ايمان ... رخ از آيينه امرش مكردان
ز شرعش سر مپيچ از هيچ رويى ... كه همچون شانه ميكردى بمويى
قال الشيخ السعدي قدس سره
خلاف پيمبر كسى ره كزيد ... كه هركز بمنزل نخواهد رسيد
محالست سعدى كه راه صفا ... توان رفت جز بربي مصطفا
ثم فى قوله تعالى وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً اشارة الى ان الإنسان لا يصبر عن الله لحظة لضعفه مهما يكون على الفطرة الانسانية فطرة الله التي فطر الناس عليها فانه يحبهم ويحبونه وهو ممدوح بهذا الضعف فان من عداه يصبرون عن الله لعدم اضطرارهم فى المحبة والإنسان مخصوص بالمحبة. واعلم ان هذا الضعف سبب لكمال الإنسان وسعادته وسبب لنقصانه وشقاوته لانه يتغير لضعفه من حال الى حال ومن صفة الى اخرى فيكون ساعة بصفة بهيمة يأكل ويشرب ويجامع ويكون ساعة اخرى بصفة ملك يسبح بحمد ربه ويقدس له ويفعل ما يؤمر ولا يعصى فيما نهاه عنه وهذه التغيرات من نتائج ضعفه وليس هذا الاستعداد لغيره حتى الملك لا يقدر ان يتصف بصفات البهيمة والبهيمة لا تقدر ان تتصف بصفة الملك لعدم ضعف الانسانية وانما خص الإنسان بهذا الضعف لاستكماله بالتخلق بأخلاق الله واتصافه بصفات الله كما جاء فى الحديث الرباني (انا ملك حى لا أموت ابدا عبدى أطعني أجعلك ملكا حيا لا يموت ابدا) فعند هذا الكمال يكون خير البرية وعند اتصافه بالصفات البهيمية يصير شر البرية
كى شوى انسان كامل ... اى دل ناقص عقل
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا اى لا تأخذوا وعبر عن الاخذ بالأكل لان المقصود الأعظم من الأموال الاكل فكما ان الاكل محرم فكذلك سائر وجوه التصرفات أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ اى بوجه(2/194)
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)
غير شرعى كالغصب والسرقة والخيانة والقمار وعقود الربا والرشوة واليمين الكاذبة وشهادة الزور والعقود الفاسدة ونحوها إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ استثناء منقطع وعن متعلقة بمحذوف وقع صفة لتجارة اى الا ان تكون التجارة تجارة عن تراض او الا ان تكون الأموال اموال تجارة وتلحق بها اسباب الملك المشروعة كالهبة والصدقة والإرث والعقود الجائزة لخروجها عن الباطل وانما خص التجارة بالذكر لكونها اغلب اسباب المكاسب وقوعا وأوفقها لذوى المروءات والمراد بالتراضي مراضاة المتابعين بما تعاقدا عليه فى حال المبايعة وقت الإيجاب والقبول عندنا وعند الشافعي حالة الافتراق عن مجلس العقد وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ بالبخع كما يفعله جهلة الهند او بإلقاء النفس الى الهلكة. ويؤيده ما روى ان عمرا بن العاص رضى الله عنه تأوله فى التيمم لخوف البرد فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم او بارتكاب المعاصي المؤدية الى هلاكها فى الدنيا والآخرة او باقتراف ما يذللها ويرديها فانه القتل الحقيقي للنفس وقيل المراد بالنفس من كان من جنسهم من المؤمنين فان كلهم كنفس واحدة إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً اى امر بما امر ونهى عما نهى لفرط رحمته عليكم معناه ان كان بكم يا امة محمد رحيما حيث امر بنى إسرائيل بقتل الأنفس ونهاكم عنه وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ اى القتل او إياه وسائر المحرمات المذكورة فيما قبل عُدْواناً وَظُلْماً افراطا فى التجاوز عن الحد واتيانا بمالا يستحقه وقيل أريد بالعدوان التعدي على الغير وبالظلم الظلم على النفس لتعريضها للعقاب ومحلهما النصب على الحالية اى متعديا وظالما فَسَوْفَ نُصْلِيهِ اى ندخله ناراً اى نارا مخصوصة هائلة شديدة العذاب وَكانَ ذلِكَ اى اصلاء النار عَلَى اللَّهِ يَسِيراً لتحقق الداعي وعدم الصارف. قال الامام واعلم ان الممكنات بالنسبة الى قدرة الله على السوية وحينئذ يمتنع ان يقال ان بعض الافعال أيسر عليه من بعض بل هذا الخطاب نزل على القول المتعارف بيننا او يكون معناه المبالغة فى التهديد وهو ان أحدا لا يقدر على الهرب منه ولا على الامتناع عليه. فعلى العاقل ان يتجنب عن الوقوع فى المهالك ويبالغ فى حفظ الحقوق وقد جمع الله فى التوصية بين حفظ النفس وحفظ المال لانه شقيقها من حيث انه سبب لقوامها وتحصيل كمالاتها واستيفاء فضائلها ولذلك قيل
توانكرانرا وقفست وبذل ومهانى ... زكاة وفطره واعتاق وهدى وقربانى
تو كى بدولت ايشان رسى كه نتوانى ... جز اين دو ركعت وآن هم بصد پريشانى
فان وفقت للمال فاشكر له والا فلا تتعب نفسك ولا تقتلها كما يفعله بعض من يفتقر بعد الغنى لغاية ألمه واضطرابه من الفقر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل نفسه بشىء فى الدنيا عذب به يوم القيامة) وقال صلى الله عليه وسلم (كان فيمن قبلكم جرح برجل ارابه فجزع منه فاخرج سكينا فجزبها يده فمارقأ الدم حتى مات فقال الله تعالى بارزني عبدى بنفسه فحرمت عليه الجنة) كذا فى تفسير البغوي. وكذلك حكم من قتل نفسه لفقر او لغير ذلك من الأسباب.
واعلم ان أكل المال بالباطل مما يفسد دين الرجل ودنياه بل يضر بنفسه ويكون سببا لهلاكه فان بعض الأعمال يظهر اثره فى الدنيا- روى- ان رجلا ظالما غصب سمكة من فقير فطبخها(2/195)
إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33) الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)
فلما أراد أكلها عضت يده فاشار اليه الطبيب بالقطع فلم يزل يقطع من كل مفصل حتى وصل الى الإبط فجاء الى ظل شجرة فاخذت عيناه فقيل له لا تتخلص من هذا الا بإرضاء صاحبها المظلوم فلما أرضاه سكن وجعه ثم انه تاب واقلع عما فعل فرد الله اليه يده فاوحى الله تعالى الى موسى عليه السلام [وعزتى لولا انه ارضى المظلوم لعذبته طول حياته] . قال العلماء حرمة مال المسلم كحرمة دمه قال عليه السلام (كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله) وقال عليه السلام (لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيبة نفس منه) فالظلم حرام شرعا وعقلا:
قال الجامى قدس سره
هزار كونه خصومت كنى بخلق جهان ... ز بس كه در هوس سيم وآرزوى زرى
تراست دوست زر وسيم خصم صاحب آن ... كه گيرى از كفش آنرا بظلم وحيله كرى
نه مقتضاى خرد باشد ونتيجه عقل ... كه دوست را بگذارى وخصم را ببرى
فعلى السالك ان يجتنب عن الحرام ويأكل من الحلال الطيب ولبعض الكبار دقة عظيمة واهتمام تام فى هذا الباب- حكى- ان بعض الملوك أرسل الى الشيخ ركن الدين علاء الدولة غزالا وقال انها حلال فقال الشيخ كنت بمشهد طوس فجاء الى بعض الأمراء بارنب قال كل منها فانى رميتها بيدي فقلت الأرنب حرام على قول الامام جعفر الصادق رضى الله عنه.
قال فى حياة الحيوان يحل أكل الأرنب عند العلماء كافة الا ما حكى عن عبد الله بن عمرو بن العاص وابن ابى ليلى انهما كرها أكلها ثم انه جاء يوم بغزال فقال كل منها فانى رميتها بسهم عملته بيدي على فرس ورثتها عن ابى فقلت خطر ببالي ان واحدا من الأمراء جاء الى مولانا الجمال باوزتين وقال كل منهما فانى قد أخذتهما ببازى فقال مولانا ليس الكلام فى الاوزتين وانما الكلام فى قوت البازي من دجاجة أية عجوز أكل حتى قوى للاصطياد فالغزال التي رميتها على فرسك وان كانت من الصيد لكن قوت الفرس من شعير أي مظلوم حصل فلم يأكل منها- حكى- ان خياطا قال لبعض الكبار هل أكون معينا للظلمة بخياطة ثيابهم فقال ليس الكلام فيك وانما الكلام فى الحداد الذي يعمل الابرة. والحاصل ان لا بد من الاهتمام فى طلب الحلال وان كان فى زماننا هذا نادرا والوصول اليه عزيزا: قال الجامى قدس سره
خواهى كه شوى حلال روزى ... همخانه مكن عيال بسيار
دانى كه درين سراچهـ تنك ... حاصل نشود حلال بسيار
رزقنا الله وإياكم من فضله انه الجواد إِنْ تَجْتَنِبُوا الاجتناب التباعد ومنه الأجنبي كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ كبائر الذنوب التي نهاكم الله ورسوله عنها نُكَفِّرْ عَنْكُمْ التكفير اماطة المستحق من العقاب بثواب أزيد او بتوبة والإحباط نقيضه وهو اماطة الثواب المستحق بعقاب أزيد او بندم على الطاعة والمعنى نغفر لكم سَيِّئاتِكُمْ صغائركم ونمحها عنكم وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا بضم الميم اسم مكان هو الجنة كَرِيماً اى حسنا مرضيا او مصدر ميمى اى ادخالا مع كرامة. قال المفسرون الصلاة الى الصلاة والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن من الصغائر إذا اجتنب الكبائر. واختلف(2/196)
فى الكبائر والأقرب ان الكبيرة كل ذنب رتب الشارع عليه الحد او صرح بالوعيد فيه. قال انس بن مالك رضى الله عنه انكم تعملون اليوم أعمالا هى فى أعينكم أدق من الشعر كنانعدها على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكبائر. وقال القشيري الكبائر على لسان اهل الاشارة الشرك الخفي ومن جملة ذلك ملاحظة الخلق واستجلاب قلوبهم والتودد إليهم والإغماض عن حق الله بعينهم. واعلم ان اجتناب الكبائر يوجب تكفير الصغائر وعند انتفاء الصغائر والكبائر يمكن الدخول فى المدخول الكريم وهو حضرة أكرم الأكرمين قال عليه السلام (ان الله طيب لا يقبل الا الطيب) . وجملة الكبائر مندرجة فى ثلاثة أشياء أحدها اتباع الهوى والهوى ميلان النفس الى ما يستلذبه من الشهوات فقد يقع الإنسان به فى جملة من الكبائر مثلا البدعة والضلالة والارتداد والشبهة وطلب الشهوات واللذات والتنعمات وحظوظ النفس بترك الصلاة والطاعات كلها وعقوق الوالدين وقطع الرحم وقذف المحصنات وأمثال ذلك ولهذا قال تعالى وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وقال عليه السلام (ما عبد اله ابغض على الله من الهوى)
غبار هوا چشم عقلت بدوخت ... سموم هوس كشت عمرت بسوخت
بكن سرمه غفلت از چشم پاك ... كه فردا شوى سرمه در چشم خاك
وثانيها حب الدنيا فانه مطية كثير من الكبائر مثل القتل والظلم والغصب والنهب والسرقة والربا وأكل مال اليتيم ومنع الزكاة وشهادة الزور وكتمانها واليمين الغموس والحيف فى الوصية وغيرها واستحلال الحرام ونقض العهد وأمثاله ولهذا قال تعالى وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ وقال عليه السلام (حب الدنيا رأس كل خطيئة) وعنه صلى الله عليه وسلم (أتاني جبريل وقال ان الله تعالى قال وعزتى وجلالى انه ليس من الكبائر كبيرة هى أعظم عندى من حب الدنيا)
عاقلان ميل بسويت نكند اى دنيا ... هم اميد كرم ولطف تو جاهل دارد
هر كه خواهد بكند از تو مرادى حاصل ... حاصل آنست كه انديشه باطل دارد
وثالثها رؤية الغير فان منها ينشأ الشرك والنفاق والرياء وأمثاله ولهذا قال تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وقال عليه السلام (اليسير من الرياء شرك) .
وقال بعض المشايخ وجودك ذنب لا يقاس به ذنب آخر فمن تخلص من ذنب وجوده فلا يرى غير الله فلا ينتشئ منه الشرك ولا حب الدنيا وتخلص من الهوى فيتحقق له الوصول واللقاء قال تعالى فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً لعمرى ان هذا لهو المدخل الكريم والفوز العظيم والنعيم المقيم. فعلى العاقل ان يتخلص من الأغيار ويشاهد فى المجالى أنوار الواحد القهار
گرچهـ زندانست بر صاحب دلان ... هر كجا بويى ز وصل يار نيست
هيچ زندان عاشق محتاج را ... تنك تر از صحبت اغيار نيست
ولذا قيل الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر وما سوى الحق اغيار. قال ابراهيم عليه السلام(2/197)
وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)
فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ فلا بد للسالك ان يجتهد فى سلوكه ويتخلص من رق الغير كى يصل الى المراد والعاشق الصادق لا يكون فى عبودية غير معشوقه ولا يتسلى عن الدنيا والآخرة إلا بوصاله فليس له مطلب سواه
عاشق كه ز هجر دوست دادى خواهد ... يا بر در وصلش ايستادى خواهد
نا كس ترا زو كس نبود در عالم ... كز دوست بجز دوست مرادى خواهد
وهذا مقام شريف ومطلب عزيز أوصلنا الله تعالى وإياكم وَلا تَتَمَنَّوْا التمني عبارة عن ارادة ما يعلم او يظن انه لا يكون ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ اى عليكم ان لا تتمنوا ما أعطاه الله بعضكم من الأمور الدنيوية كالجاه والمال وغير ذلك مما يجرى فيه التنافس دونكم فان ذلك قسمة من الله تعالى صادرة عن تدبير لائق بأحوال العباد مترتب على الإحاطة بجلائل شؤونهم ودقائقها. فعلى كل أحد من المفضل عليهم ان يرضى بما قسم له ولا يتمنى حظ المفضل ولا يحسده عليه لما انه معارضة لحكمة القدر فالانصباء كالاشكال وكما ان اختلاف الاشكال مقتضى حكمة الهية لم يطلع على سرها أحد فكذلك الاقسام. وقيل لما جعل الله تعالى فى الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين قالت النساء نحن أحوج ان يكون لنا سهمان وللرجال سهم واحد لانا ضعفاء وهم أقوياء واقدر على طلب المعاش منا فنزلت وهذا هو الأنسب بتعليل النهى بقوله تعالى لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ فانه صريح فى جريان التمني بين فريقى الرجال والنساء والمعنى لكل من الفريقين فى الميراث نصيب معين المقدار مما أصابه بحسب استعداده وقد عبر عنه بالاكتساب على طريقة الاستعارة التبعية المبنية على تشبيه اقتضاء حاله لنصيبه باكتسابه إياه تأكيدا لاستحقاق كل منهما لنصيبه وتقوية لاختصاصه به بحيث لا يتخطاه الى غيره فان ذلك مما يوجب الانتهاء عن التمني المذكور وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ اى لا تتمنوا ما يختص بغيركم من نصيبه المكتسب له واسألوا الله تعالى ما تريدون من خزائن نعمه التي لا نفادلها فانه يعطيكموه إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً فهو يعلم ما يستحقه كل انسان ففضله عن علم وحكمة وتبيان وفى الحديث (لن يزال الناس بخير ما تباينوا) اى تفاوتوا (فاذا تساووا هلكوا) وذلك لاختلال النظام المرتبط بذلك. وقد يقال معناه انه لا يغتم لتفاوت الناس فى المراتب والصنائع بان يكون مثلا بعضهم أميرا وبعضهم سلطانا وبعضهم وزيرا وبعضهم رئيسا وبعضهم اهل الصنائع لتوقف النظام عليه. واعلم ان مراتب السعادات اما نفسانية كالذكاء التام والحدس الكامل والمعارف الزائدة على معارف الغير بالكمية والكيفية وكالعفة والشجاعة وغير ذلك واما بدنية كالصحة والجمال والعمر الطويل فى ذلك مع اللذة والبهجة واما خارجية ككثرة الأولاد الصلحاء وكثرة العشائر وكثرة الأصدقاء والأعوان والرياسة التامة ونفاذ القول وكونه محبوبا لقلوب الناس حسن الذكر فيهم فهى مجامع السعادات والإنسان إذا شاهد انواع الفضائل حاصلة لانسان ووجد نفسه خاليا عن جملتها او عن أكثرها فحينئذ يتألم قلبه ويتشوش خاطره ثم يعرض هاهنا حالتان إحداهما ان يتمنى زوال تلك السعادات عن ذلك الإنسان والاخرى ان لا يتمنى ذلك بل يتمنى حصول مثلها له والاول هو الحسد المذموم لان المقصود(2/198)
الاول لمدبر العالم وخالقه الإحسان الى عبيده والجود إليهم وافاضة انواع الكرم عليهم فمن تمنى زوال ذلك فكأنه اعترض على الله فيما هو المقصود بالقصد الاول من خلق العالم وإيجاد المكلفين وايضا ربما اعتقد فى نفسه انه أحق بتلك النعم من ذلك الإنسان فيكون هذا اعتراضا على الله وقدحا فى حكمته وكل ذلك مما يلقيه فى الكفر وظلمات البدعة ويزيل عن قلبه نور الايمان وكما ان الحسد سبب الفساد فى الدين فكذلك هو سبب الفساد فى الدنيا فانه يقطع المودة والمحبة والموالاة وينقلب كل ذلك الى أضدادها فلهذا السبب نهى الله عباده عنه بقوله وَلا تَتَمَنَّوْا الآية فلا بد لكل عاقل من الرضى بقضاء الله تعالى. - حكى- الرسول صلى الله عليه وسلم عن رب العزة انه قال (من استسلم لقضائى وصبر على بلائي وشكر لنعمائى كتبته صديقا وبعثته يوم القيامة مع الصديقين ومن لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي ولم يشكر لنعمائى فليطلب ربا سواى)
حاشا كه من از جور وجفاى تو بنالم ... بيداد لطفيان همه لطفست وكرامت
فهذا هو الكلام فيما إذا تمنى زوال تلك النعمة عن ذلك الإنسان. ومما يؤكد ذلك ما روى ابن سيرين عن ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يخطب الرجل على خطبة أخيه
ولا يسوم على سوم أخيه ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتقوم مقامها فان الله هو رازقها) والمقصود من كل ذلك المبالغة فى المنع من الحسد اما إذا لم يتمن ذلك بل تمنى حصول مثلها له فمن الناس من جوز ذلك الا ان المحققين قالوا هذا ايضا لا يجوز لان تلك النعمة ربما كانت مفسدة فى حقه فى الدين ومضرة عليه فى الدنيا فلهذا السبب قال المحققون انه لا يجوز للانسان ان يقول اللهم أعطني دارا مثل دار فلان وزوجة مثل زوجة فلان بل ينبغى ان يقول اللهم أعطني ما يكون صلاحا فى دينى ودنياى ومعادى ومعاشى وإذا تأمل الإنسان كثيرا لم يجد احسن مما ذكره الله فى القرآن تعليما لعباده وهو قوله رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً.
وعن الحسن لا يتمنى أحد المال فلعل هلاكه فى ذلك المال كما فى حق ثعلبة وهذا هو المراد من قوله وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ. قال الشيخ كمال الدين القاشاني وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ من الكمالات المترتبة بحسب استعداد الاولية فان كل استعداد يقتضى بهويته فى الأزل كمالا وسعادة تناسبه وتختص به وحصول ذلك الكمال الخاص لغيره محال ولذلك ذكر طلبه بلفظ التمني الذي هو طلب ما يمتنع حصوله للطالب لامتناع سببه لِلرِّجالِ اى الافراد الواصلين نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا بنور استعدادهم الأصلي وَلِلنِّساءِ اى الناقصين القاصرين عن الوصول نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ بقدر استعدادهم وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ اى اطلبوا منه افاضة كمال يقتضيه استعدادكم بالتزكية والتصفية حتى لا يحول بينكم وبينه فتحتجبوا وتعذبوا بنيران الحرمان منه إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ مما يخفى عليكم كامنا فى استعدادكم بالقوة عَلِيماً فيجيبكم بما يليق بكم كما قال تعالى وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ اى بلسان الاستعداد الذي ما دعاه أحد به الا أجاب كما قال تعالى ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ انتهى وعلى هذا التأويل يكون قوله وَلا تَتَمَنَّوْا نهيا ومنعا عن طلب المحال الذي فوق الاستعداد الأزلي ويكون قوله وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ امرا وحثا على طلب الممكن(2/199)
وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)
الذي هو قدر استعدادكم كى لا تضيع فضيلة الانسانية فان بعض المقدورات قد يكون معلقا على الكسب. فينبغى ان لا يتكاسل العبد فى العبادات وكسب الفضائل لينال الكمالات الكامنة فى خزانة الاستعداد ويسأل الله تعالى دائما من فضله فانه مجيب الدعوات وولى الهداية والرشاد فمن طلب شيأ وجدّ وجد ومن قرع بابا ولجّ ولج: قال مولانا جلال الدين قدس سره
چون در معنى زنى بازت كنند ... پرّ فكرت زن كه شهبازت كنند «1»
چون طلب كردى بجد آيد نظر ... جد خطا نكند چنين آمد خبر «2»
چون ز چاهى ميكنى هر روز خاك ... عاقبت اندر رسى در آب پاك «3»
گفت پيغمبر كه چون كوبى درى ... عاقبت زان در برون آيد سرى
در طلب زن دائما تو هر دو دست ... كه طلب در راه نيكو رهبرست «4»
وَلِكُلٍّ اى لكل تركة ومال جَعَلْنا مَوالِيَ جمع مولى اى ورثة متفاوتة فى الدرجة يلونها ويحرزون منها أنصباءهم بحسب استحقاقهم المنوط بما بينهم وبين المورث مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ بيان لكل مع الفصل بالمعامل وهو جعلنا لان لكل مفعول ثان له قدم عليه لتأكيد الشمول ودفع توهم تعلق الجعل بالبعض دون البعض. والموالي هم اصحاب الفرائض والعصبات وغيرهما من الوارث ويجوز ان يكون المعنى ولكل قوم جعلناهم موالى اى وراثا نصيب معين مغاير لنصيب قوم آخرين مما ترك الوالدان والأقربون على ان جعلنا موالى صفة لكل والضمير الراجع اليه محذوف والكلام مبتدأ وخبر على طريقة قولك لكل من خلقه الله إنسانا نصيب من رزق اى حظ منه وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ هم موالى الموالاة كان الحليف يورث السدس من مال حليفه فنسخ بقوله تعالى وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ وعند ابى حنيفة إذا اسلم رجل على يد رجل وتعاقدا على ان يرثه ويعقل عنه صح وعليه عقله وله إرثه ان لم يكن له وارث أصلا فهو مؤخر عن ذوى الأرحام واسناد العقد الى الايمان لان المعتاد المماسكة بها عند العقد والمعنى عقدت ايمانكم عهودهم حذف العهود وأقيم المضاف اليه مقامه ثم حذف وهو مبتدأ متضمن لمعنى الشرط ولذلك صدر الخبر اعنى قوله تعالى فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ بالفاء اى حظهم من الميراث إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الأشياء التي من جملتها الإيتاء والمنع شَهِيداً اى شاهدا ففيه ترغيب فى الإعطاء وتهديد على منع نصيبهم. قال بعضهم المراد من الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ الحلفاء والمراد بقوله فَآتُوهُمْ النصرة والنصيحة والمصافاة فى العشرة والمخالصة فى المخالصة. فعلى كل أحد ان ينصر أخاه المؤمن ويخالطه على وجه الخلوص والنصيحة لا على النفاق والعداوة قال صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين فى توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)
بنى آدم اعضاى يكديكرند ... كه در آفرينش ز يك جوهرند
چوعضوى بدرد آورد روزكار ... دكر عضوها را نماند قرار
تو كز محنت ديكران بي غمى ... نشايد كه نامت نهند آدمي
__________
(1) در دفتر اواسط يكم در بيان قبول كردن خليفه هديه را إلخ
(2) در أوائل دفتر دوم در بيان انكار فلسفى در آيه أصبح مائكم غورا
(3) در اواخر دفتر سوم در بيان كه من طلب شيأ وجدّ وجد صدق رسول إلخ
(4) در أوائل دفتر سوم در بيان حكايت مارگيرى كه اژدهاى افسرده را مرده پنداشت إلخ(2/200)
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)
فالواجب ان يجب المرء للناس ما يجب لنفسه من الخير وينصح لهم فى ظاهر الأمر فان النصيحة عماد الدين ويزيل ما يوجب التأذى عن ظاهرهم وأعمالهم بالموعظة والزجر اى المنع عما لا يليق ويعاملهم بالرحمة والشفقة ولا يذكر أحدا بما يكره فان ملكا وكل بالعبد يرد عليه ما يقول لصاحبه ولا يستبشر بمكروه أحد كائنا من كان
مكن شادمانى بمرك كسى ... كه دهرت نماند پس از وى بسى
ويتودد الى الناس بالإحسان الى برهم وفاجرهم والى من هو اهل الإحسان والى سن ليس باهل له ويتحمل الأذى منهم وبه يظهر جوهر الإنسان
تحمل چوزهرت نمايد نخست ... ولى شهد كردد چودر طبع رست
ويجعل من شتمه او جفاه او آذاه إيذاء فى حل منه ولا يطمع فى السلامة من اذاهم فانه محال فان الله لم يقطع لسان الخلق عن نفسه فكيف يسلم مخلوق من مخلوق- روى- ان موسى عليه السلام قال الهى اسألك ان لا يقال لى ما ليس فى فاوحى الله اليه ما فعلت ذلك لنفسى فكيف افعل لك ويقوم بحاجات الناس ومهماتهم ففى الحديث (من سعى فى حاجة لأخيه المسلم لله وله فيها صلاح فكأنما خدم الله ألف سنة وييسر على المعسر تيسيرا ويفرج عن الغموم فان الله تعالى فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه المسلم) وفى الحديث (ان من موجبات المغفرة إدخال السرور على قلب أخيك المسلم) . قال الشيخ نجم الدين الكبرى فى قوله تعالى وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ يعنى الذين جرى بينكم وبينهم عقد الاخوة فى الله بان أخذتم بايمانكم ايمانهم بالارادة وصدق الالتجاء وتابوا على ايديكم فَآتُوهُمْ بالنصح وحسن التربية والاهتمام بهم والقيام بمصالحهم على شرائط الشيخوخة والتسليك بهم نَصِيبَهُمْ الذي أودع الله تعالى لهم عندكم بعلمه وحكمته إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الودائع أينما أودعه ولمن أودعه شَهِيداً يشهد عليهم يوم القيامة ان يخونوا فى إعطاء ودائهم بالخيانة ويسألكم عنها ويشهد لكم بالامانة ويجازيكم عليها خير الجزاء انتهى فالكاملون لا يخونون فى الأمانات بل يسلمون الودائع الى الأرباب بحسب الاستعدادات ولا يفشون السر الى من ليس له اهلية فى هذا الباب والا يلزم الخيانة فى اسرار رب الأرباب: قال مولانا جلال الدين الرومي قدس سره
عارفانكه جام حق نوشيده اند ... رازها دانسته و پوشيده اند «1»
هر كرا اسرار كار آموختند ... مهر كردند ودهانش دوختند «2»
بر لبش قفلست ودر دل رازها ... لب خموش ودل پر از آوازها
كوش آن كس نوشد اسرار جلال ... كو چوسوسن صد زبان افتاد ولال
تا نكوئى سر سلطانرا بكس ... تا نريزى قند را پيش مكس
در خور دريا نشد جز مرغ آب ... فهم كن والله اعلم بالصواب «3»
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ قائمون بالأمر بالمصالح والنهى عن الفضائح قيام الولاة على الرعية مسلطون على تأديبهن وعلل ذلك بامرين وهبى وكسبى فقال بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ الضمير البارز لكلا الفريقين تغليبا اى بسبب تفضيله الرجال على النساء بالحزم
__________
(1) در اواسط دفتر پنجم در بيان توبه نصوح كه چنانكه شير از پستان بيرون آيد إلخ
(2) در ديباچهـ دفتر سوم
(3) در اواسط دفتر سوم در بيان دعا كردن موسى عليه السلام جهة سلامة ايمان آنشخص [.....](2/201)
والعزم والقوة والفتوة والمير والرمي والحماسة والسماحة والتشمير لخطة الخطبة وكتبة الكتابة وغيرها من المخايل المخيلة فى استدعاء الزيادة والشمائل الشاملة لجوامع السعادة وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ اى وبسبب انفاقهم من أموالهم فى نكاحهن كالمهر والنفقة وهذا ادل على وجوب نفقات الزوجات على الأزواج- روى- ان سعد بن الربيع أحد نقباء الأنصار رضى الله عنهم نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن ابى زهير فلطمها فانطلق بها أبوها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا فقال عليه السلام (لنقتصن منه) فنزلت فقال صلى الله عليه وسلم (أردنا امرا وأراد الله امرا والذي أراد الله خير) ورفع القصاص فلا قصاص فى اللطمة ونحوها والحكم فى النفس وما دونها مذكور فى الفروع فَالصَّالِحاتُ منهن قانِتاتٌ مطيعات لله تعالى قائمات بحقوق الأزواج حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ اى لمواجب الغيب اى لما يجب عليهن حفظه فى حال غيبة الأزواج من الفروج والأموال والبيوت. وعن النبي صلى الله عليه وسلم (خير النساء امرأة ان نظرت إليها سرتك وان أمرتها اطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك فى مالها ونفسها) ولا الآية واضافة المال إليها للاشعار بان ماله فى حق التصرف فى حكم مالها بِما حَفِظَ اللَّهُ ما مصدرية اى بحفظه تعالى اياهن اى بالأمر بحفظ الغيب والحث عليه بالوعد والوعيد والتوفيق له. او موصولة اى بالذي حفظ الله لهن عليهم من المهر والنفقة والقيام بحفظهن والذب عنهن وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ خطاب للازواج وارشاد لهم الى طريق القيام عليهن والخوف خالة تحصل فى القلب عند حدوث امر مكروه او عند الظن او العلم بحدوثه وقد يراد به أحدهما اى تظنون عصيانهن وترفعهن عن مطاوعتكم فَعِظُوهُنَّ فانصحوهن بالترغيب والترهيب. قال الامام ابو منصور العظة كلام يلين القلوب القاسية ويرغب الطبائع النافرة وهى بتذكير العواقب وَاهْجُرُوهُنَّ بعد ذلك ان لم ينفع الوعظ والنصيحة والهجر الترك عن قلى فِي الْمَضاجِعِ اى فى المراقد فلا تدخلوهن تحت اللحف ولا تباشروهن جمع مضجع وهو موضع وضع الجنب للنوم وَاضْرِبُوهُنَّ ان لم ينجع ما فعلتم من العظة والهجران غير مبرح ولا شائن ولا كاسر ولا خادش فالامور الثلاثة مترتبة ينبغى ان يدرج فيها فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ بذلك كما هو الظاهر لانه منتهى ما يعد زاجرا فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا بالتوبيخ والاذية اى فازيلوا عنهن التعرض واجعلوا ما كان منهن كأن لم يكن فان التائب من الذنب كمن لاذنب له إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا اى أعلى عليكم قدرة منكم عليهن كَبِيراً اى أعظم حكما عليكم منكم عليهن فاحذروا واعفوا عنهن إذا رجعن لانكم تعصونه على علو شأنه وكبرياء سلطانه ثم تتوبون فيتوب عليكم فانتم أحق بالعفو عمن جنى عليكم إذا رجع. قال فى الشرعة وشرحها إذا وقف واطلع من زوجته على فجور اى فسق او كذب او ميل الى الباطل فانه يطلقها الا ان لا يصبر عنها فيمسكها- روى- انه جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لى امرأة لا تردّ يد لامس قال (طلقها) قال أحبها قال (أمسكها) خوفا عليه بانه ان طلقها اتبعها وفسد هو ايضا معها فرأى ما فى دوام نكاحه(2/202)
من دفع الفساد عنه مع ضيق قلبه اولى فلا بد للرجال من تحمل المكاره الا انه لا ينبغى للمرء ان يكون ديوثا كما قال بعض العارفين
كريز از كفش در دهان نهنك ... كه مردن به از زندكانى به ننك
وكان بعض العلماء يقول التحمل على أذى واحد من المرأة احتمال فى الحقيقة من عشرين أذى منها مثلا فيه نجاة الولد من اللطمة ونجاة القدر من الكسر ونجاة العجل من الضرب ونجاة الهرة من الزجر اى المنع من أكل فضول الخوان وسقاطه والثوب من الحرق والضيف من الرحيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) وقال ايضا (أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة) وقال ايضا (لا تؤذى امرأة زوجها فى الدنيا الا قالت زوجه من الحور العين لا تؤذيه قاتلك الله فانما هو عندك دخيل يوشك ان يفارقك إلينا) قال النبي عليه السلام مخاطبا لعائشة رضى الله عنها (أيما امرأة تؤذى زوجها بلسانها الا جعل الله لسانها يوم القيامة سبعين ذراعا ثم عقد
خلف عنقها. يا عائشة وأيما امرأة تصلى لربها وتدعو لنفسها ثم تدعو لزوجها الا ضرب بصلاتها وجهها حتى تدعو لزوجها ثم تدعو لنفسها. يا عائشة وأيما امرأة جزعت على ميتها فوق ثلاثة ايام أحبط الله عملها. يا عائشة وأيما امرأة ناحت على ميتها الا جعل الله لسانها سبعين ذراعا وجرت الى النار مع من تبعها. يا عائشة أيما امرأة أصابتها مصيبة فلطمت وجهها ومزقت ثيابها الا كانت مع امرأة لوط ونوح فى النار وكانت آيسة من كل خير وكل شفاعة شافع يوم القيامة يا عائشة وأيما امرأة زارت المقابر الا لعنها الله تعالى ولعنها كل رطب ويابس حتى ترجع فاذا رجعت الى منزلها كانت فى غضب الله ومقته الى الغد من ساعته فان ماتت من وقتها كانت من اهل النار. يا عائشة اجتهدي ثم اجتهدي فانكن صواحبات يوسف وفاتنات داود ومخرجات آدم من الجنة وعاصيات نوح ولوط. يا عائشة ما زال جبريل يوصينى فى امر النساء حتى ظننت انه سيحرم طلاقهن. يا عائشة انا خصم كل امرأة يطلقها زوجها) ثم قال (يا عائشة وما من امرأة تحبل من زوجها حين تحبل إلا ولها مثل اجرا الصائم بالنهار والقائم بالليل الغازي فى سبيل الله. يا عائشة ما من امرأة أتاها الطلق الا ولها بكل طلقة عتق نسمة وبكل رضعة عتق رقبة. يا عائشة أيما امرأة خففت عن زوجها من مهرها الا كان لها من العمل حجة مبرورة وعمرة متقبلة وغفر لها ذنوبها كلها حديثها وقديمها سرها وعلانيتها عمدها وخطأها أولها وآخرها. يا عائشة المرأة إذا كان لها زوج فصبرت على أذى زوجها فهى كالمتشحطة فى دمها فى سبيل الله وكانت من القانتات الذاكرات المسلمات المؤمنات التائبات) كذا فى روضة العلماء وفيه تطويل قد اختصرته وحذفت بعضه. والاشارة فى الآية ان الله تعالى جعل الرجال قوامين على النساء لان وجودهن تبع لوجودهم وهم الأصول وهن الفروع فكما ان الشجرة فرع الثمرة بانها خلقت منها فكذلك النساء خلقن من ضلوعهم فكما كان قيام حواء قبل خلقها وهى ضلع بآدم عليه السلام وهو قوام عليها فكذلك الرجال على النساء بمصالح امور دينهن ودنياهن قال تعالى قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً واختص الرجال باستعدادية(2/203)
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)
الكمالية للخلافة والنبوة فكان وجودهم الأصل ووجودهن تبعا لوجودهم للتوالد والتناسل قال عليه السلام (كمل من الرجال كثير وما كمل من النساء الا آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم بنت عمران وفضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) ومع هذا ما بلغ كمالهن الى حد يصلحن للخلافة او النبوة وانما كان كمالهن بالنسبة الى النسوة لا الى الرجال لانهن بالنسبة إليهم ناقصات عقل ودين حتى قال فى عائشة رضى الله عنها مع فضلها على سائر النساء (خذوا ثلثى دينكم عن هذه الحميراء) فهذا بالنسبة الى الرجال نقصان حيث لم يقل خذوا كمال دينكم ولكن بالنسبة الى النساء كمال لانه على قاعدة قوله تعالى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يكون حظ النساء من الدين الثلث فكماله كان الثلثين بمثابة الذكور بمثل حظ الأنثيين: قال الفقير جامع هذه المجالس النفيسة
مرد بايد تا كه اقدامى كند ... در طريقت غيرت نامى كند
چون نه كامل ز مردى دم مزن ... چون نه دلبر مكو از حسن تن
زن كه كامل شد ز مردان دست برد ... مرد ناقص چون زن ناقص بمرد
وَإِنْ خِفْتُمْ اى علمتم او ظننتم ايها الحكام شِقاقَ بَيْنِهِما اى خلافا بين المرأة وزوجها ولا تدرون من قبل أيهما يقع النشوز والشقاق المخالفة اما لان كلا منهما يريد ما يشق على الآخر واما لان كلا منهما فى شق غير شق الآخر. قال ابن عباس رضى الله عنهما والجزم بوجود الشقاق لا ينافى بعث الحكمين لانه لرجاء إزالته لا لتعرف ودوده بالفعل فَابْعَثُوا اى الى الزوجين لاصلاح ذات البين حَكَماً رجلا عادلا صالحا للحكومة والإصلاح مِنْ أَهْلِهِ من اهل الزوج وَحَكَماً آخر على صفة الاول مِنْ أَهْلِها اى اهل الزوجة فان الأقارب اعرف ببواطن أحوالهم واطلب للصلاح بينهم وانصح لهم واسكن لنفوسهم لان نفوس الزوجين تسكن إليهما وتبرز ما فى ضمائرهما من حب أحدهما الآخر وبغضه إِنْ يُرِيدا اى الزوج والزوجة إِصْلاحاً لهما اى ما بينهما من الشقاق يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما يوقع بين الزوجين الموافقة والالفة بحسن سعى الحكمين ويلقى فى نفوسهما المودة والرأفة. وفيه تنبيه على ان من أصلح نيته فيما يتحراه وفقه الله لما ابتغاه إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً بالظواهر والبواطن فيعلم كيف يرفع الشاق ويوقع الوفاق. وفى الآية حث على إصلاح ذات البين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة) قالوا بلى قال (إصلاح ذات البين) وقال صلى الله عليه وسلم (ألا انما الدين النصيحة) قالها ثلاثا قالوا لمن يا رسول الله قال (لله ولرسوله ولكتابه ولائمة المؤمنين ولعامتهم) فالنصيحة لله تعالى ان تؤمن بالله ولا تشرك به شيأ وتعمل بما امر الله تعالى به وتنتهى عما نهى عنه وتدعو الناس الى ذلك وتدلهم عليه واما النصيحة لرسوله ان تعمل بسنته وتدعو الناس إليها. واما النصيحة لكتابه ان تؤمن به وتتلوه وتعمل بما فيه وتدعو الناس اليه. واما النصيحة للائمة ان لا تخرج عليهم بالسيف(2/204)
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)
وتدعولهم بالعدل والانصاف وتدل الناس عليه. واما النصيحة للعامة فهو ان تحب لهم ما تحب لنفسك وان تصلح بينهم ولا تهجرهم وتدعولهم بالصلاح. ولا شك ان المصلحين هم خيار الناس بخلاف المفسدين فانهم شرار الخلق إذ هم يسعون فى الأرض بالفساد والتفريق وإيقاظ الفتنة دون إزالتها وقدورد (الفتنة نائمة لعن الله من ايقظها)
از آن همنشين تا توانى كريز ... كه مر فتنه خفته را كفت خيز
ومن المفسدين من يوصل كلام أحد الى أحد فيه ما يسوؤه ويحزنه فالعاقل لا يصيخ الى مثل هذا القائل
بدى در قفا عيب من كرد وخفت ... بتر زو قرينى كه آورد وكفت
يكى تيرى افكنده ودر ره فتاد ... وجودم نيازرد ورنجم نداد
تو بر داشتى وآمدى سوى من ... همى در سپوزى به پهلوى من
والاشارة فى الآية انه إذا وقع الخلاف بين الشيخ الواصل والمريد المتكاسل فَابْعَثُوا متواسطين أحدهما من المشايخ المعتبرين والثاني من معتبرى السالكين لينظرا الى مقالهما ويتحققا أحوالهما إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً بينهما بما رأيا فيه صلاحهما يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما بالارادة وحسن التربية إِنَّ اللَّهَ كانَ فى الأزل عَلِيماً باحوالهما خَبِيراً بمآلهما فقدر لكل واحد منهما بما عليهما وبما لهما كذا فى تأويلات الشيخ العارف نجم الدين الكبرى قدس سره وقد عرف منه ان التهاجر والمخالفة تقع بين الكاملين كما بين عوام المؤمنين ولا يمنع اختلافهم الصوري اتفاقهم المعنوي وقد اقتضت الحكمة الالهية ذلك فلمثل هذا سر لا يعرفه عقول العامة: قال مولانا جلال الدين فى بيان اتحاد الأولياء والكاملين
چون ازيشان مجتمع بينى دو يار ... هم يكى باشند وهم شش صد هزار «1»
بر مثال موجها اعدادشان ... در عدد آورده باشد پادشان
تفرقه در روح حيوانى بود ... نفس واحد روح انسانى بود
مؤمنان معدود ليك ايمان يكى ... جسم شان معدود ليكن جان يكى «2»
والحاصل ان اهل الحق كلهم نفس واحدة والتفرقة بحسب البشرية والتخالف سبب لا ينافى توافقهم فى المعنى من كل وجه وجهة وَاعْبُدُوا اللَّهَ العبادة عبارة عن كل فعل وترك يؤتى به بمجرد امر الله تعالى بذلك وهذا يدخل فيه جميع اعمال القلوب وجميع اعمال الجوارح وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً من الأشياء صنما او غيره او شيأ من الإشراك جليا وهو الكفر او خفيا وهو الرياء وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً اى وأحسنوا إليهما إحسانا. فالباء بمعنى الى كما فى قوله وَقَدْ أَحْسَنَ بِي وبدأ بهما لان حقهما أعظم حقوق البشر فالاحسان إليهما بان يقوم بخدمتهما ولا يرفع صوته عليهما ولا يخشن فى الكلام معهما ويسعى فى تحصيل مطالبهما والانفاق عليهما بقدر القدرة وَبِذِي الْقُرْبى وبصاحب القرابة من أخ او عم او خال او نحو ذلك بصلة الرحم والمرحمة ان استغنوا والوصية وحسن الانفاق ان افتقروا وَالْيَتامى بانفاق ما هو أصلح لهم او بالقيام على أموالهم ان كان وصيا وَالْمَساكِينِ
__________
(1) در أوائل دفتر دوم در بيان مشورت كردن خداى تعالى با فرشتگان در إيجاد خلق
(2) در أوائل دفتر چهارم در بيان شرح انما المؤمنون اخوة إلخ(2/205)
بالمبار والصدقات واطعام الطعام او بالرد الجميل وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى اى الذي قرب جواره او الذي له مع الجوار اتصال بنسب او دين قال عليه السلام (والذي نفسى بيده لا يؤدى حق الجار الا من رحم الله وقليل ما هم أتدرون ما حق الجار ان افتقر أغنيته وان استقرض أقرضته وان أصابه خير هنأته وان أصابه شر عزيته وان مرض عدته وان مات شعيت جنازته) وَالْجارِ الْجُنُبِ اى البعيد او الذي لا قرابة له. وعنه عليه السلام (الجيران ثلاثة فجار له ثلاثة حقوق حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام وجار له حقان حق الجوار وحق الإسلام وجار له حق واحد هو حق الجوار وهو الجار من اهل الكتاب) وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ اى الرفيق فى امر حسن كتعلم وتصرف وصناعة وسفر فانه صحبك وحصل بجانبك ومنهم من قعد بجنبك فى مسجد او مجلس او غير ذلك من ادنى صحبة التأمت بينك وبينه فعليك ان ترعى ذلك الحق ولا تنساه وتجعله ذريعة الى الإحسان وَابْنِ السَّبِيلِ هو المسافر الذي سافر عن بلده وماله والإحسان بان تؤويه وتزوده او هو الضيف الذي ينزل عليك وحقه ثلاثة ايام ومازاد على ذلك فهو صدقة ولا يحل له ان يقيم عنده حتى يخرجه وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ من العبيد والإماء والإحسان إليهم بان يؤدبهم ولا يكلفهم ما لا طاقة لهم ولا يكثر العمل لهم طول النهار ولا يؤذيهم بالكلام الخشن بل يعاشرهم معاشرة حسنة ويعطيهم من الطعام والكسوة ما يحتاجون اليه. قال بعضهم كل حيوان فهو مملوك والإحسان اليه بما يليق به طاعة عظيمة إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا اى متكبرا يأنف من أقاربه وجيرانه وأصحابه ولا يلتفت إليهم فَخُوراً بما لا يليق يتفاخر عليهم ولا يقوم بالحقوق ويقال فخورا فى نعم الله لا يشكر قال الله تعالى لموسى عليه السلام [يا موسى انى انا الله لا اله الا انا فاعبدنى وحدي لا شريك لى فمن لم يرض بقضائي ولم يشكر على نعمائى ولم يصبر على بلائي ولم يقنع بعطائى فليعبد ربا سواى. يا موسى لولا من يسجد لى ما أنزلت من السماء قطرة ولا أنبت فى الأرض شجرة ولولا من يعبدنى مخلصا لما أمهلت من يجحدنى طرفة عين ولولا من يشكر نعمتى لحبست القطر فى الجو. يا موسى لولا التائبون لخسفت بالمذنبين ولولا الصالحون لا هلكت الصالحين] . واعلم ان العبادة ان تعبد الله وخده بطريق أوامره ونواهيه ولا تعبد معه شيأ من الدنيا والعقبى فانك لو عبدت الله خوفا من شىء او طمعا فى شىء فقد عبدت ذلك الشيء والعبودية طلب المولى بالمولى بترك الدنيا والعقبى والتسليم عند جريان القضاء شاكرا صابرا فى النعم والبلوى فلا بد من التوحيد الصرف وترك الشرك حتى يوصله الله الى مبتغاه: قال بعض العارفين
نقد هستى محو كن در «لا اله» ... تا به بينى دار ملك پادشاه
غير حق هر ذره كان مقصود تست ... تيغ «لا» بركش كه آن معبود تست
«لا» كه عرش وفرش را بر مى درد ... از فنا سوى بقاره ميبرد
«لا» ترا از تو رهايى ميدهد ... با خدايت آشنايى ميدهد
چون تو خود را از ميان برداشتى ... قصر ايمانرا درى افراشتى(2/206)
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38)
فاذا حصل المقصود ووصل العابد الى المعبود فحينئذ يصح منه بالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين الآية لان الإحسان صفات الله تعالى لقوله تعالى الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ والاساءة من صفات الإنسان لقوله إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ فالعبد لا يصدر منه الإحسان الا ان يكون متخلقا بأخلاق نفسه كما قال تعالى ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وفيه اشارة اخزى وهى ان شرط العبودية الإقبال على الله بالكلية والاعراض عما سواه ولا يصدر منه الإحسان الا إذا اتصف بأخلاق الله حتى يخرج من عهدة العبودية بالوصول الى حضرة الربوبية فتفنى عنك به وتبقى به للوالدين وغيرهما محسنا لاحسانه بلا شرك ولا رياء فان الشرك والرياء من بقاء النفس ولهذا قال عقيب الآية إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً لان الاختيال والفخر من أوصاف النفس والله تعالى لا يحب النفس ولا أوصافها لان النفس لا تحب الله ولا المحبة من أوصافها فانها تحب الدنيا وزخارفها وما يوافق مقتضاها قال صلى الله عليه وسلم (الشرك أخفى فى ابن آدم من دبيب النملة على الصخرة الصماء فى الليلة الظلماء) ومن خدم مخلوقا خوفا من مضرته او طمعا فى منفعته فقد أشرك عملا
كه داند چودر بند حق نيستى ... اگر بى وضو در نماز ايستى
بروى ريا خرقه سهلست دوخت ... كرش با خدا در توانى فروخت
اگر جز بحق ميرود جاده ات ... در آتش فشانند سجاده ات
قال تعالى وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً يعنى الأعمال التي عملوها لغير وجه الله أبطلنا ثوابها وجعلناها كالهباء المنثور وهو الغبار الذي يرى فى شعاع الشمس وجاء رجل الى النبي عليه السلام فقال يا رسول الله انى أتصدق بالصدقة فالتمس بها وجه الله تعالى وأحب ان يقال لى فيه خير فنزل قوله تعالى فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ يعنى من خاف المقام بين يدى الله تعالى ويريد ثوابه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً رزقنا الله وإياكم الإخلاص الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بما منحوا به وهو مبتدأ خبره محذوف اى أحقاء بكل ملامة وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ به اى بما منحوا به عطف على ما قبله وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ اى من المال والغنى وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً وضع الظاهر موضع المضمر اشعار بان من هذا شأنه فهو كافر بنعمة الله ومن كان كافرا بنعمة الله فله عذاب يهينه كما أهان النعمة بالبخل والإخفاء. والآية نزلت فى طائفة من اليهود كانوا يقولون للانصار بطريق النصيحة لا تنفقوا أموالكم فانا نخشى عليكم الفقر وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ اى للفخار وليقال ما أسخاهم وما أجودهم لا لابتغاء وجه الله وهو عطف على الذين يبخلون ورئاء الناس مفعوله وانما شاركهم فى الذم والوعيد لان البخل والسرف الذي هو الانفاق فيما لا ينبغى من حيث انه طرفا تفريط وافراط سواء فى القبح واستتباع الذم واللوم وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ليحوزوا بالإنفاق مراضيه وثوابه وهم مشركوا مكة المنفقون أموالهم فى عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً(2/207)
وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39)
اى بئس الصاحب والمقارن الشيطان وأعوانه حيث حملوهم على تلك القبائح وزينوها لهم وَماذا عَلَيْهِمْ اى على من ذكر من الطوائف لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ ابتغاء لوجه الله لان ذكر الايمان بالله واليوم الآخر يقتضى ان يكون الانفاق لابتغاء وجهه تعالى وطلب ثوابه البتة اى وما الذي عليهم فى الايمان بالله تعالى والانفاق فى سبيله وهو توبيخ لهم على الجهل بمكان المنفعة والاعتقاد فى الشيء بخلاف ما هو عليه وتحريض على التفكر لطلب الجواب لعله يؤدى بهم الى العلم بما فيه من الفوائد الجليلة وتنبيه على ان المدعو الى امر لاضرر فيه ينبغى ان يجيب اليه احتياطا فكيف إذا كان فيه منافع لا تحصى وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ وبأحوالهم المحققة عَلِيماً فهو وعيد لهم بالعقاب فقد اخبر الله تعالى بدناءة همة الأشقياء وقصور نظرهم وانهم يقنعون بقليل من الدنيا الدنية ويحرمون من كثير من المقامات الاخروية السنية ولا ينفقونه فى طلب الحق ورضاه بل ينفقونه فيما لا ينبغى
هر كه مقصودش از كرم آنست ... كه بر آرد بعالم آوازه
باشد از مصر فضل وجود وكرم ... خانه او برون ز دروازه
قال بعض الحكماء مثل من يعمل الطاعات للرياء والسمعة كمثل رجل حرج الى السوق وملأ كبسه حصى فيقول الناس ما املأ كيس هذا الرجل ولا منفعة له سوى مقالة الناس ولو أراد ان يشترى به شيأ لا يعطى له شىء كذلك الذي عمل للرياء والسمعة. قال حامد اللفاف إذا أراد الله هلاك امرئ عاقبه بثلاثة أشياء. أولها يرزقه العلم ويمنعه عن عمل العلماء.
والثاني يرزقه صحبة الصالحين ويمنعه عن معرفة حقوقهم. والثالث يفتح عليه باب الطاعة ويمنعه الإخلاص وانما يكون ذلك المذكور لخبث نيته وسوء سريرته لان النية لو كانت صحيحة لرزقه الله منفعة العلم ومعرفة حقوقهم واخلاص العمل
عبادت بإخلاص نيت نكوست ... وگر نه چهـ آيد ز بي مغز پوست
چهـ زنار مغ در ميانت چهـ دلق ... كه در پوشى از بهر پندار خلق
فعلى الفتى ان يتخلص من الرياء فى إنفاقه وفى كل اعماله ويكون سخيا لا شحيحا فان شكر المال إنفاقه فى سبيل الله: قال الشيخ العطار قدس سره
توانكر كه ندارد پاس درويش ... ز دست غيرتش بر جان رسدنيش
: ويناسبه ما قال الحافظ
كنج قارون كه فرو ميرود از فكر هنوز ... خوانده باشى كه هم از غيرت درويشانست
وإذا كان بخيلا ومع هذا امر الناس بالبخل يكون ذلك وزرا على وزر. قال صاحب الكشاف ولقد رأينا ممن بلى بلاء البخل من إذا طرق سمعه ان أحدا جاد على أحد شخص بصره وحل حبوته واضطرب وزاغت عيناه فى رأسه كأنما نهب رحله وكسرت خزائنه ضجرا من ذلك وحشرة على وجوده انتهى وهذا مشاهد فى كل زمان لا يعطون ويمنعون من يعطى ان قدروا. والحاصل انهم يجتهدون فى منع من قصد خيرا كبناء القناطر والجسور وحفر الآبار وسائر الخيرات(2/208)
إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)
وذلك لكمال دناءتهم وقصور نظرهم وعدم شكرهم واللئيم لا يفعل الا ما يناسب طبعه
چومنعم كند سفله را روزكار ... نهد بر دل تنك درويش بار
چوبام بلندش بود خود پرست ... كند بول وخاشاك بر بام پست.
قال بشير بن الحارث النظر الى البخيل يقسى القلب فلا بد من مجانبة مجالسته وصحبته
چونكه باشد مجاورت لازم ... همجوار كريم بايد بود
كر كنى با كسى مشاوره ... آن مشاور حكيم بايد بود
ففى السخاء بركات فى الدين والدنيا والآخرة. قيل ان مجوسيا تصدق بمائة دينار فرأى الشبلي ذلك فقال ما تنفعك هذه الصدقة فبكى المجوسي ونظر الى السماء فاذا رقعة وقعت عليه مكتوب فيها بخط اخضر
مكافأة السماحة دار خلد ... وأمن من مخافة يوم بؤس
وما نار بمحرقة جوادا ... ولو كان الجواد من المجوس
يعنى ان الله تعالى يوفق السخي للايمان ان كان كافرا ولزيادة الطاعة والإخلاص فيها ان كان مؤمنا فيترقى الى الدرجات العلى ويليق بمشاهدة ربه الأعلى إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ لا ينقص من الاجر ولا يزيد فى العقاب شيأ مقدار ذرة وهى النملة الصغيرة الحمراء التي لا تكاد ترى من صغرها او الصغير جدا من اجزاء التراب او ما يظهر من اجزاء الهباء المنبث الذي تراه فى البيت من ضوء الشمس وهو الأنسب بمقام المبالغة وهذا نفى للظلم لانه إذا نفى القليل نفى الكثير لان القليل داخل فى الكثير وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً اى وان يك مثقال الذرة حسنة انث الضمير لتأنيث الخبر او لاضافة المثقال الى مؤنث وحذف النون من غير قياس تشبيها بحروف العلة وتخفيفا لكثرة الاستعمال يُضاعِفْها اى يضاعف ثوابها لان تضاعف نفس الحسنة بان يجعل الصلاة الواحدة صلاتين مما لا يعقل وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ ويعط صاحبها من عنده على سبيل التفضيل زائدا على ما وعد فى مقابلة العمل أَجْراً عَظِيماً عطاء جزيلا وانما سماه اجرا لكونه تابعا للاجر مزيدا عليه. قال فى التيسير وما وصفه الله بالعظم فمن يعرف مقداره مع انه سمى الدنيا وما فيها قليلا وسمى هذا الفضل عظيما- روى- انه يؤتى يوم القيامة بالعبد وينادى مناد على رؤوس الأولين والآخرين هذا فلان ابن فلان من كان له عليه حق فليأت الى حقه ثم يقال له أعط هؤلاء حقوقهم فيقول يا رب من اين وقد ذهبت الدنيا فيقول الله لملائكته انظروا فى اعماله الصالحة فاعطوهم منها فان بقي مثقال ذرة من حسنة ضعفها الله تعالى لعبده وادخله الجنة بفضله ورحمته والظاهر ان ذلك التضعيف يكون من جنس اللذات الموعود بها فى الجنة واما هذا الاجر العظيم الذي يؤتيه من لدنه فهو اللذة الحاصلة عند الرؤية وعند الاستغراق فى المحبة والمعرفة وانما خص هذا النوع بقوله من لدنه لان هذا النوع من الغبطة والسعادة والكمال لا ينال بالأعمال الجسدية بل انما ينال بما يودع الله فى جوهر النفس المقدسية من الاشراق والصفاء والنور وبالجملة فذلك التضعيف اشارة الى السعادات الجسمانية وهذا الاجر العظيم اشارة الى السعادات(2/209)
فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (45)
الروحانية. ورد فى الخبر الصحيح (ان الله تعالى يقول لملائكته حين دخل اهل الجنة الجنة أطعموا أوليائي فيؤتى بألوان الاطعمة فيجدون لكل نعمة لذة غير ما يجدون للاخرى فاذا فرغوا من الطعام يقول الله تعالى اسقوا عبادى فيؤتى باشربة فيجدون لكل شربة لذة بخلاف الاخرى فاذا فرغوا يقول الله تعالى انا ربكم قد صدقتكم وعدي فاسألونى أعطكم قالوا ربنا نسألك رضوانك مرتين او ثلاثا فيقول رضيت عنكم ولدىّ المزيد فاليوم أكرمكم بكرامة أعظم من ذلك كله فيكشف الحجاب فينظرون اليه ما شاء الله فيخرون اليه سجدا فيكونون فى السجود ما شاء الله تعالى ثم يقول لهم ارفعوا رؤسكم ليس هذا موضع عبادة فينسون كل نعمة كانوا فيها ويكون النظر اليه أحب إليهم من جميع النعم)
جان بيجمال جانان ميل جهان ندارد ... وآنكس كه اين ندارد حقا كه آن ندارت
(فيهب ريح من تحت العرش على تل من مسك أذفر فينشر المسك على رؤسهم ونواصى خيولهم فاذا رجعوا الى أهليهم يرون أزواجهم فى الحسن والبهاء أفضل مما تركوهن ويقول لهم أزواجهم قد رجعتم احسن مما كنتم) ومطمح نظر العارف الجنة المعنوية. قال ابو يزيد البسطامي حلاوة المعرفة الالهية خير من جنة الفردوس وأعلى عليين لو فتحوا لى الجنات الثمان وأعطوني الدنيا والآخرة لم يقابل أنيني وقت السحر طال انسى بالله. وقال مالك بن دينار خرج الناس من الدنيا ولم يذوقوا أطيب الأشياء قيل وما هو قال معرفة الله تعالى: قال جلال الدين قدس سره
اى خنك انرا كه ذات خود شناخت ... اندر أمن سرمدى قصرى بساخت «1»
پس چوآهن كر چهـ تيره هيكلى ... صيقلى كن صيقلى كن صيقلى «2»
دفع كن از مغز از بينى ز كام ... تا كه ريح الله در آيد از مشام «3»
هيچ مكذار از تب وصفرا اثر ... تا بيابى در جهان طعم شكر
اوصانا الله وإياكم الى معرفته وأدخلنا الجنة برحمته فَكَيْفَ محلها النصب بفعل محذوف على التشبيه بالحال او الظرف اى فكيف يصنع هؤلاء الكفرة من اليهود والنصارى وغيرهم إِذا جِئْنا يوم القيامة مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ من الأمم بِشَهِيدٍ يشهد عليهم بما كانوا عليه من فساد العقائد وقبائح الافعال وهو نبيهم وَجِئْنا بِكَ أحضرناك يا محمد عَلى هؤُلاءِ اشارة الى الشهداء المدلول عليهم بما ذكر من قوله بشهيد شَهِيداً تشهد على صدقهم لعلمك بعقائدهم لاستجماع شرعك لمجامع قواعدهم او اشارة الى المكذبين المستفهم عن حالهم تشهد عليهم بالكفر والعصيان كما يشهد سائر الأنبياء على أممهم يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ بيان لحالهم التي أشير الى شدتها وفظاعتها بقوله تعالى فَكَيْفَ إلخ وعصيان الرسول محمول على المعاصي المغايرة للكفر فلا يلزم عطف الشيء على نفسه اى يتمنى الذين جمعوا بين الكفر وعصيان الرسول والمراد الذين كفروا والذين عصوا الرسول لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ لو بمعنى ان المصدرية والجملة مفعول يود اى يودون ان يدفنوا فتسوى بهم الأرض كالموتى فتسوية الأرض بهم كناية عن دفنهم او يودون انهم لم يبعثوا ولم يخلقوا وكأنهم والأرض سواء. قال بعض
__________
(1) در اواخر دفتر پنجم در بيان حكايت جوجى كه چادر پوسيده در ميان زنان إلخ
(2) در اواسط دفتر چهارم در بيان آنكه تن هر يك از آدمي همچون آهن نيكو إلخ
(3) در اواسط دفتر دوم در بيان حكايت آن مرد ابله كه مغرور بود بر نملق خرس(2/210)
الأفاضل الباء للملابسة اى تسوى الأرض ملتبسة بهم ولا حاجة الى الحمل على القلب لقلة الفرق بين تسويتهم بالأرض والتراب وتسويتها بهم وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً عطف على يود اى ولا يقدرون على كتمانه لان جوارحهم تشهد عليهم او الواو للحال اى يودون ان يدفنوا فى الأرض وهم لا يكتمون منه تعالى حديثا ولا يكذبونه بقولهم والله ربنا ما كنا مشركين إذ روى انهم إذا قالوا ذلك ختم الله على أفواههم فتشهد عليهم جوارحهم فيشتد الأمر عليهم فيتمنون ان تسوى بهم الأرض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يدعى نوح يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك فيقول هل بلغت فيقول نعم فيقال لأمته هل بلغكم فتقول ما جاءنا من نذير فيقول من يشهد لك فيقول محمد وأمته فيشهدون انه قد بلغ ويكون الرسول عليكم شهيدا ثم يدعى غيره من الأنبياء عليهم السلام ثم ينادى كل انسان باسمه واحدا واحدا وتعرض أعمالهم على رب العزة قليلها وكثيرها حسنها وقبيحها) . وذكر ابو حامد فى كتاب كشف علوم الآخرة ان هذا يكون بعد ما يحكم الله تعالى بين البهائم ويقتص للجماء من القرناء ويفصل بين الوحوش والطير ثم يقول لهم كونوا ترابا فتسوى بهم الأرض فحينئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ويتمنى الكافر فيقول يا ليتنى كنت ترابا) . واعلم انه يعرض على النبي عليه السلام اعمال أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم وتعرض على الله يوم الخميس ويوم الاثنين وعلى الأنبياء والآباء والأمهات يوم الجمعة فتفكر يا أخي وان كنت شاهدا عدلا بانك مشهود عليك فى كل أحوالك من فعلك ومقالك وأعظم الشهود لديك المطلع عليك الذي لا يخفى عليه خائنة عين ولا يغيب عنه زمان ولا اين فاعمل عمل من يعلم انه راجع اليه وقادم عليه يجازى على الصغير والكبير والقليل والكثير
در خير بازست وطاعت وليك ... نه هر كس تواناست بر فعل نيك
همه برك بودن همه ساختى ... بتدبير رفتن نپرداختى
فلا تضيع أيامك فان أيامك رأس مالك وانك ما دمت قابضا على رأس مالك فانك قادر على طلب الربح لان بضاعة الآخرة كاسدة فى يومك هذا فاجتهد حتى تجمع بضاعة الآخرة فى وقت الكساد فانما يجيئ يوم تصير هذه البضاعة عزيزة فاكثر منها فى يوم الكساد ليوم العزة فانك لا تقدر على طلبها فى ذلك اليوم- روى- ان الموتى يتمنون ان يؤذن لهم بان يصلوا ركعتين او يؤذن لهم ان يقولوا مرة واحدة لا اله الا الله او يؤذن لهم فى تسبيحة واحدة فلا يؤذن لهم ويتعجبون من الاحياء انهم يضيعون ايامهم فى الغفلة
مهلكه عمر به بيهوده بگذرد حافظ ... بكوش وحاصل عمر عزيز را درياب
قال القاشاني فى قوله تعالى فَكَيْفَ إِذا جِئْنا الشهيد والشاهد ما يحضر كل أحد مما بلغه من الدرجة وهو الغالب عليه فهو يكشف عن حاله وعمله وسعيه ومبلغ جهده مقاما كان او صفة من صفات الحق او رأيا فلكل امة شهيد بحسب ما دعاهم اليه نبيهم وعرفه إليهم ولم يبعث الا بحسب ما يقتضيه استعداد أمته فما دعاهم الا الى ما يطلب استعدادهم مما وصل اليه النبي من مقامه فى المعرفة فلا يعرف أحد باطن أمرهم وما هم عليه من أحوالهم كنبيهم ولذلك جعل كل نبى شهيدا(2/211)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)
على أمته وقد ورد فى الحديث (ان الله يتجلى لعباده فى صورة معتقدهم فيعرفه كل واحد من اهل الملل والمذاهب ثم يتحول عن تلك الصورة فيبرز فى صورة اخرى فلا يعرفه الا الموحدون الواصلون الى حضرة الاحدية من كل باب) وكما ان لكل امة شهيدا فلكل اهل مذهب شهيد ولكل أحد شهيد يكشف عن حال مشهوده. واما المحمديون فهم شهداء على الأمم ونبيهم شهيد عليهم لكونهم من الأمم ولكون نبيهم حبيبا مؤتى بجوامع الكلم متمما لمكارم الأخلاق فلا جرم يعرفون الله عند التحول فى جميع الصور إذا تابعوا نبيهم حق المتابعة ونبيهم يشهدهم ويعرف أحوالهم انتهى بعبارته جعلنا الله وإياكم من الكاملين الواصلين الى حق اليقين يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ- روى- ان عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما وشرابا فدعا نفرا من أفاضل الصحابة رضى الله عنهم حين كانت الخمر مباحة فأكلوا وشربوا فلما ثملوا وجاء وقت صلاة المغرب قدموا أحدهم ليصلى بهم فقرأ قل يا ايها الكافرون اعبد ما تعبدون وأنتم عابدون ما اعبد الى آخرها بطرح اللاآت فنزلت فكانوا لا يشربون فى اوقات الصلاة فاذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون الا وقد ذهب عنهم السكر وعلموا ما يقولون ثم نزل تحريمها وتوجيه النهى الى قربان الصلاة مع ان المراد هو النهى عن إقامتها للمبالغة فى ذلك. قال فى التيسير ثم النهى ليس عن عين الصلاة فانها عبادة فلا ينهى عنها بل هو نهى اكتساب السكر الذي يعجز به عن الصلاة على الوجه. قال الامام ابو منصور رحمه الله وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا صلاة للعبد الآبق ولا للمرأة الناشزة) ليس فيه النهى عن الصلاة لكن النهى عن الإباق والنشوز وهذا لان الإباق والنشوز والسكر ليست بالتي تعمل فى إسقاط الفرض فالمعنى لا تقيموها حالة السكر حتى تعلموا قبل الشروع ما تقولون إذ بتلك التجربة يظهر انهم يعلمون ما سيقرؤنه فى الصلاة والسكر اسم لحالة تعرض بين المرء وعقله واكثر ما يكون من الشراب وقد يكون من العشق والنوم والغضب والخوف لكنه حقيقة فى الاول فيحمل عليه هنا. والسكارى جمع سكران كالكسالى جمع كسلان واجمعوا على انه لا يجوز بيع السكران وشراؤه ويؤاخذ بالاستهلاكات والقتل والحدود وصح طلاقه وعتاقه عقوبة له عندنا خلافا للشافعى وَلا جُنُباً عطف على قوله وأنتم سكارى فانه فى حيز النصب كأنه قيل لا تقربوا الصلاة سكارى ولا جنبا. والجنب من أصابته الجنابة يستوى فيه المؤنث والمذكر والواحد والجمع لجريانه مجرى المصدر واصل الجنابة البعد والجنب مبعد عن القراءة والصلاة وموضعها إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ استثناء مفرغ من أعم الأحوال محله النصب على انه حال من ضمير لا تقربوا باعتبار تقيده بالحال الثانية دون الاولى والعامل فيه النهى اى لا تقربوا الصلاة جنبا فى حال من الأحوال الا حال كونكم مسافرين فتعذرون بالسفر فتصلون بالتيمم حَتَّى تَغْتَسِلُوا غاية للنهى عن قربان الصلاة حالة الجنابة. وفى الآية الكريمة اشارة الى ان المصلى حقه ان يتحرز عما يلهيه ويشغل قلبه وان يزكى نفسه عما يدنسها ولا يكتفى بأدنى مراتب التزكية عند إمكان أعاليها وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى جمع مريض. والمرض على ثلاثة اقسام. أحدها ان يكون بحيث لو استعمل الماء لمات كما فى الجدري الشديد والقروح العظيمة(2/212)
وثانيها ان لا يموت باستعمال الماء ولكنه يجد الآلام العظيمة ويشتد مرضه او يمتد. وثالثها ان لا يخاف الموت ولا الآلام الشديدة لكنه يخاف بقاء شين او عيب فى البدن فالفقهاء جوزوا التيمم فى القسمين الأولين وما جوزوه فى القسم الثالث أَوْ عَلى سَفَرٍ عطف على مرضى اى او كنتم على سفر ما طال او قصر وإيراده مع سبق ذكره بطريق الاستثناء لبناء الحكم الشرعي عليه وبيان كيفيته وتعليق التيمم بالمرض والسفر مع أتم الحكم كذلك فى كل موضع تحقق العجز حتى قال ابو حنيفة يجوز التيمم للجنابة فى المصر إذا عدم الماء الحار لان العجز عن استعمال الماء يقع فيها غالبا أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ وهو المكان المنخفض المطمئن والمجيء منه كناية عن الحدث لان المعتاد ان من يريده يذهب اليه ليوارى شخصه عن أعين الناس أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ اى جامعتموهن يعنى إذا أصابكم المرض
او السفر او الحدث او الجنابة فَلَمْ تَجِدُوا ماءً اى لم تقدروا على استعماله لعدمه او لبعده او لفقد آلة الوصول اليه من الدلو والرشاء او المانع عنه من حية او سبع او عدو فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فاقصدوا شيأ من وجه الأرض طاهرا. قال الزجاج الصعيد وجه الأرض ترابا او غيره وان كان صخرا لا تراب عليه لو ضرب المتيمم يده عليه ومسح لكان ذلك طهوره وهو مذهب ابى حنيفة رحمه الله فامسحوا بوجوهكم وايديكم الى المرفقين لما روى انه صلى الله عليه وسلم تيمم ومسح يديه الى مرفقيه ولانه بدل من الوضوء فيتقدر بقدره والباء زائدة اى فامسحوا وجوهكم وايديكم منه اى من الصعيد إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً تعليل للترخيص والتيسير وتقرير لهما فان من عادته المستمرة ان يعفو عن الخطائين ويغفر للمذنبين لا بد من ان يكون ميسرا لا معسرا. والاشارة ان الصلاة معراج المؤمن وميقات مناجاته والمصلى هو الذي يناجى ربه يعنى يا مدعى الايمان لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى اى لا تجدوا القربة فى الصلاة وأنتم سكارى من الغفلات وتتبع الشهوات لان كل ما أوجب للقلب الذهول عن الله فهو ملتحق بالسكر ومن اجله جعل السكر على اقسام فسكر من الخمر وسكر من الغفلة لا ستيلاء حب الدنيا وأصعب السكر سكرك من نفسك فان من سكر من الخمر فقضاؤه الحرقة ومن سكر من نفسه ففى الوقت على الحقيقة له القطيعة والفرقة
اى أسير ننك نام خويشتن ... بسته خود را بدام خويشتن
ور نكنجى با خود اندر كوى او ... كم شو از خود تا بيابى كوى او
تا تو نزديك خودى زين حرف دور ... غائبى يابى اگر خواهى حصور
تا تو از غفلت چوباده مست شدى ... لا جرم از طور وصلت پست شدى
حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ولماذا تقولون كما تقولون الله اكبر لتكبيرة الإحرام عند رفع اليدين ومعناه الله أعظم وأجل من كل شىء فان كنت تعلم عند التقول به فينبغى ان لا يكون فى تلك الحالة فى قلبك عظمة شىء آخر وامارة ذلك ان لا تجد ذكر شىء فى قلبك مع ذكره تعالى ولا محبة شىء مع محبته ولا طلب شىء مع طلبه فانه تبارك وتعالى واحد لا يقبل الشركة فى جميع صفاته والا كنت كاذبا فى قولك الله اكبر بالنسبة الى حالك وكنت كالسكران لا تجد القربة من صلاتك لان القربة مشروطة بشرط السجود كما خوطب به وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ والسجود ان تنزل من مركب(2/213)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (45)
أوصاف وجودك لتحمل على رفرف جوده الى قاب قوسين أوصاف وجوده لشهود جماله وجلاله وهذا هو سر التشهد بعد السجود ثم قال وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ يعنى كما لا تجدون القربة وأنتم سكارى من الغفلات ايضا لا تجدونها مع جنابة استحقاق البعد وهى ملابسة الدنيا الدنية الا على طريق العبور بقدم ظاهر الشرع فى سبيل الأوامر والنواهي كعبور طريق الاعتداد بالمطعم والمشرب لسد الرمق وحفظ القوة والاكتساء لدفع الحر والبرد وستر العورة والمباشرة لحفظ النسل حَتَّى تَغْتَسِلُوا بماء القربة والانابة وصدق الطلب وحسن الارادة وخلوص النية من جنابة ملابسة الدنيا وشهواتها وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى بانحراف مزاج القلب فى طلب الحق أَوْ عَلى سَفَرٍ التردد بين طلب الدنيا وطلب العقبى والمولى أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ من غائط تتبع الهوى أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ اى لابستم الاشغال الدنيوية فاجنبتم وتباعدتم عن الله بعد ما كنتم مجاورى حظائر القدس ووقعتم فى رياض الانس فَلَمْ تَجِدُوا ماءً صدق الانابة والرجوع الى الحق بالاعراض والانقطاع عن الخلق فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً وهو تراب أقدام الرجال الطيبين من سوء الأخلاق والأعمال فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ تراب أقدامهم وتمسكوا وَأَيْدِيكُمْ أذيال كرمهم مستسلمين بصدق الارادة لاحكامهم إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا يعفو عنكم التعصب وعدم الانقطاع اليه بالكلية ولعله يعفو عنكم التلوث بالدنيا الدنية بهذه الخصلة مرضية غَفُوراً لكم آثار الشقوة من غبار الشهوة فانهم يسعد بهم لانهم قوم لا يشقى بهم جليسهم
كليد كنج سعادت قبول اهل دلست ... مباد كس كه درين نكته شك وريب كند
شبان وادئ ايمن كهى رسد بمراد ... كه چند سال بجان خدمت شعيب كند
أَلَمْ تَرَ الخطاب لكل من يتأتى منه الرؤية من المؤمنين والرؤية بصرية لشهرة شنائع الموصوفين حتى انتظمت فى سلك الأمور المشاهدة إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً حظا كائنا مِنَ الْكِتابِ من علم الكتاب وهو التوراة والمراد بهم أحبار اليهود اى ألم تنظر إليهم فانهم أحقاء بان تشاهدهم وتتعجب من أحوالهم. نزلت فى حبرين من أحبار اليهود كانا يأتيان رئيس المنافقين عبد الله بن ابى ورهطه يثبطانهم عن الإسلام يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ كأنه قيل ماذا يصنعون حتى ينظر إليهم فقيل يأخذون الضلالة ويتركون ما أوتوه من الهداية وَيُرِيدُونَ اى لا يكتفون بضلالة أنفسهم بل يريدون بما فعلوا من كتمان نعوته صلى الله عليه وسلم أَنْ تَضِلُّوا أنتم ايضا ايها المؤمنون السَّبِيلَ المستقيم الموصل الى الحق وانما أرادوا ذلك ليكون الناس كلهم على دينهم فتكون لهم الرياسة على الكل وأخذ المرافق من الكل وَاللَّهُ أَعْلَمُ اى منكم بِأَعْدائِكُمْ جميعا ومن جملتهم هؤلاء وقد أخبركم بعداوتهم لكم وما يريدون لكم لتكونوا على حذر منهم ومن مخالطتهم او هو اعلم بحالهم ومآل أمرهم وَكَفى بِاللَّهِ الباء مزيدة وَلِيًّا متكفلا فى جميع أموركم ومصالحكم او محبا لكم وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً فى كل المواطن فثقوا به واكتفوا بولايته ونصرته ولا تتولوا غيره او لا تبالوا بهم وبما يسومونكم من السوء فانه تعالى معين يكفيكم مكرهم وشرهم ففيه وعد(2/214)
مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50)
ووعيد. والاشارة ان من رزق شيأ من علم الكتاب ظاهرا ولم يرزق أسراره وحقائقه وهم علماء السوء المداهنون فى دين الله حرصا على الدنيا وطمعا فى المال والجاه وحبا للرياسة والقبول يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وهى المداهنة واتباع الهوى فيبيعون الدين بالدنيا وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ يا معشر العلماء الأتقياء وورثة الأنبياء وطلاب الحق من بين الخلق عن سبيل الحق بما يحسدونكم وينكرون عليكم ويلومونكم ويؤذونكم بطريق النصح واظهار المحبة وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ فلا تقبلوا نصيحتهم فيما يقطعون عليكم طريق الحق ويردونكم عنه ويصدونكم عن الله بالتحريض على طلب غير الله ورعاية حق غير الله وأطيعوا امر الله تعالى فيما أمركم به.
واعلم انك لا ترى حالا أسوأ ولا أقبح ممن جمع بين هذين الامرين اعنى الضلال والإضلال واكثر ما يكونان فى العلماء يطمعون فيما فى أيدي الخلق فيداهنون فيضلون فسبب زوال المداهنة قطع الطمع- روى- عن بعض المشايخ انه كان له سنور وكان يأخذ من قصاب فى جواره كل يوم شيأ من الغدد لسنوره فرأى على القصاب منكرا فدخل واخرج السنور او لاثم جاء واحتسب على القصاب فقال له القصاب لا أعطيك بعد اليوم لسنورك شيأ فقال ما احتسب عليك الا بعد إخراج السنور وقطع الطمع منك فهو كما قال فمن طمع فى ان تكون قلوب الناس عليه طيبة لم يتيسر له الحسبة. فعلى العاقل ان يزكى نفسه عن الأخلاق الرديئة ويطهرها من الخصال الذميمة
چون طهارت نبود كعبه وبتخانه يكيست ... نبود خير در آن خانه كه عصمت نبود
مِنَ الَّذِينَ هادُوا خبر مبتدأ محذوف اى من الذين هادوا قوم يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ الكلم اسم جنس ولذا ذكر الضمير فى مواضع وجمع المواضع لتكرره فى التوراة فى مواضع بحسب الجنس اى يزيلون لانهم لما غيروه ووضعوا مكانه غيره فقد أزالوه عن مواضعه التي وضعه الله فيها وأمالوه عنها. والتحريف نوعان. أحدهما صرف الكلام الى غير المراد بضرب من التأويل الباطل كما يفعل اهل البدعة فى زماننا هذا بالآيات المخالفة لمذاهبهم. والثاني تبديل الكلمة بأخرى وكانوا يفعلون ذلك نحو تحريفهم فى نعت النبي صلى الله عليه وسلم أسمر ربعة عن موضعه فى التوراة بوضعهم آدم طوال مكانه ونحو تحريفهم الرجم بوضعهم الحد بدله وَيَقُولُونَ فى كل امر مخالف لاهوائهم الفاسدة سواء كان بمحضر النبي عليه السلام أم لا بلسان المقال والحال سَمِعْنا قولك وَعَصَيْنا أمرك عنادا وتحقيقا للمخالفة وَاسْمَعْ اى قولنا غَيْرَ مُسْمَعٍ حال من المخاطب وهو كلام ذو وجهين. أحدهما المدح بان يحمل على معنى اسمع غير مسمع مكروها. والثاني الذم بان يحمل على معنى اسمع حال كونك غير مسمع كلاما أصلا بصمم او موت اى مدعوا عليك بلا سمعت لانه لو أجيبت دعوتهم عليه لم يسمع فكان أصم غير مسمع فكأنهم قالوا ذلك تمنيا لاجابة دعوتهم عليه كانوا يخاطبون به النبي عليه السلام مظهرين له ارادة المعنى الاول وهم مضمرون فى أنفسهم المعنى الأخير مطمئنون به وَراعِنا كلمة ذات جهتين ايضا. محتملة للخير بحملها على معنى ارقبنا وانتظرنا واصرف سمعك الى كلامنا نكلمك. وللشر بحملها على السب بالرعونة اى الحمق(2/215)
او باجرائها مجرى شبهها من كلمة عبرانية او سريانية كانوا يتسابون بها وهى راعنا كانوا يخاطبون به النبي صلى الله عليه وسلم ينوون الشتيمة والاهانة ويظهرون التوقير والاحترام. فان قلت كيف جاؤا بالقول المحتمل ذى الوجهين بعد ما صرحوا وقالوا سمعنا وعصينا. قلت جميع الكفرة كانوا يواجهونه بالكفر والعصيان ولا يواجهونه بالسب ودعاء السوء حشمة منه عليه السلام وخوفا من بطش المؤمنين لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ انتصابه على العلية اى يقولون ذلك للفتل بها ولصرف الكلام عن نهجه الى نسبة السب حيث وضعوا غير مسمع موضع لا استمعت مكروها واجروا راعنا المشابهة لراعينا مجرى انظرنا او فتلابها وضما لما يظهرون من الدعاء والتوقير الى ما يضمرون من السب والتحقير وَطَعْناً فِي الدِّينِ اى قدحا فيه بالاستهزاء والسخرية وَلَوْ أَنَّهُمْ عند ما سمعوا شيأ من أوامر الله ونواهيه قالُوا بلسان المقال او بلسان الحال مكان قولهم سمعنا وعصينا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وبدل قولهم واسمع غير مسمع وَاسْمَعْ ولا يلحقون به غير مسمع وبدل قولهم راعنا وَانْظُرْنا ولم يدسوا تحت كلامهم شرا وفسادا اى لو ثبت انهم قالوا هذا مكان ما قالوا من الأقوال لَكانَ قولهم ذلك خَيْراً لَهُمْ مما قالوا وَأَقْوَمَ اى اعدل واسد فى نفسه وأصوب من القيم اى المستقيم قالوا لما لم يكن فى الذي اختاروه خير أصلا لم جعل هذا خيرا من ذلك وجوابه انه كذلك على زعمهم فخوطبوا على ذلك وهو كقوله آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ اى ولكن قالوا ذلك واستمروا على كفرهم فخذلهم الله وابعدهم عن الهدى بسبب كفرهم ذلك فَلا يُؤْمِنُونَ بعد ذلك إِلَّا قَلِيلًا استثناء من ضمير المفعول فى لعنهم اى ولكن لعنهم الله الا فريقا قليلا فانه تعالى لم يلعنهم فلم ينسد عليه باب الايمان وقد آمن بعد ذلك
فريق من الأحبار كعبد الله بن سلام وكعب واضرابهما وهو استثناء من ضمير لا يؤمنون اى لا يؤمنون الا ايمانا قليلا وهو ايمانهم بموسى وكفرهم بمحمد عليهما السلام. والاشارة ان العلماء السوء من هذه الامة يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ بالفعال لا بالمقال كما كان اهل الكتاب يحرفونه بالمقال وَيَقُولُونَ سَمِعْنا بالمقال فيما امر الله به من ترك الدنيا وزينتها واتباع الهوى ومن إيثار الآخرة على الاولى والانقطاع عن الخلق فى طلب المولى وَعَصَيْنا بالفعال إذ لا يشمون روائح هذه المعاملات ولا يدورون حول هذه المقامات وينكرون على اهل هذه الكرامات ويستهزؤن بانواع المقالات فلا يؤمنون بالقلوب السليمة الا قليلا منهم بان يكفروا بهوى نفوسهم ويؤمنوا بالايمان الحقيقي الذي هو من نتائج الارادة والصدق فى طلب الحق والإخلاص فى العمل لله وترك الدنيا وزخارفها بل بذل الوجود فى طلب المعبود: قال العطار قدس سره
مشو مغرور اين نطق مزور ... بنادانى مكن خود را تو سرور
اگر علم همه عالم بخوانى ... چوبي عشقى ازو حروفى ندانى
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من تعلم علما لا يبتغى به وجه الله تعالى لا يتعلمه الا ليصيب به غرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة) اى ريحها. قال الشيخ الشاذلى العلم النافع هو الذي يستعان به على طاعة الله ويلزمك المخافة من الله والوقوف على حدود الله وهو علم المعرفة(2/216)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47)
بالله. قال الشيخ ابو الحسن رضى الله عنه العلوم كالدنانير والدراهم ان شاء نفعك بها وان شاء اضرك معها والعلم ان قارنته الخشية فلك اجره وثوابه وحصول النفع به والا فعليك وزره وعقابه وقيام الحجة به وعلامة خشية الله ترك الدنيا والخلق ومحاربة النفس والشيطان: قال الشيخ السعدي قدس سره
دعوى كنى كه بر ترم از ديكران بعلم ... چون كبر كردى از همه دونان فرو ترى
شاخ درخت علم ندانم بجز عمل ... تا علم با عمل نكنى شاخ بي برى
علم آدميتست وجوانمردى وادب ... ور نه بدى بصورت انسان برابرى
ترك هواست كشتئ درياى معرفت ... عارف بذات شو نه بدين قلندرى
هر علم را كه كار نه بندى چهـ فائده ... چشم از براى آن بود آخر كه بنگرى
يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ اى التوراة آمِنُوا بِما نَزَّلْنا من القرآن حال كونه مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ من التوراة ومعنى تصديقه إياها نزوله حسبما نعت لهم فيها او كونه موافقا لها فى القصص والمواعيد والدعوة الى التوحيد والعدل بين الناس والنهى عن المعاصي والفواحش واما ما يتراءى من مخالفته لها فى جزئيات الاحكام بسبب تفاوت الأمم بالاعصار فليست بمخالفة فى الحقيقة بل هى عين الموافقة من حيث ان كلامنهما حق بالاضافة الى عصره متضمن للحكمة التي عليها يدور فلك التشريع حتى لو تأخر نزول المتقدم لنزل على وفق المتأخر ولو تقدم نزول المتأخر لوافق المتقدم قطعا ولذلك قال صلى الله عليه وسلم (لو كان موسى حيا لما وسعه الا اتباعى) مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً الطمس محو الآثار وازالة الاعلام اى آمنوا من قبل ان نمحو تخطيط صورها ونزيل آثارها من عين وحاجب وانف وفم فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها فنجعلنا على هيئة إدبارها وهى الاقفاء مطموسة مثلها وهذا معنى قول ابن عباس رضى الله عنهما نجعلها كخف البعير وحافر الدابة فتكون الفاء للتسبيب اى بان نردها على أدبارها او ننكسها بعد الطمس فنردها الى موضع الاقفاء والاقفاء الى موضعها على انهم توعدوا بعقابين أحدهما عقيب الآخر طمسها ثم ردها على أدبارها أَوْ نَلْعَنَهُمْ او نخزى اصحاب الوجوه بالمسخ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ مسخناهم قردة وخنازير ووقوع الوعيد مشروط بالايمان ومعلق به وجودا وعدما بمعنى ان وجد منهم الايمان لم يقع والا وقع وقد وجد الايمان منهم حيث آمن ناس منهم فلم يقع الوعيد وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ اى عذابه مَفْعُولًا كائنا لا محالة وهذا وعيد شديد لهم يعنى أنتم تعلمون انه كان تهديد الله فى الأمم السالفة واقعا لا محالة فكونوا على حذر من هذا الوعيد وارجعوا عن الكفر الى الايمان والإقرار بالتوبة والاستغفار. اعلم ان المسخ قد وقع فى هذه الامة ايضا.
ومنه ما روى عن ابى علقمة انه قال كنت فى قافلة عظيمة فامرنا رجلا نرتحل بامره وننزل بامره فنزلنا منزلا وهو يشتم أبا بكر وعمر فقلنا له فى ذلك فلم يجب إلينا بشىء فلما أصبحنا واوقرنا وأصلحنا الراحلة لم يناد مناديه فجئناه ننظر ما حاله وما يصنع فاذا هو متربع وقد غطى رجليه بكساء له فكشفنا عنهما فاذا هو قد صار رجلاه كرجلى الخنازير فهيأنا راحلته وحملناه(2/217)
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)
إليها فوثب من راحلته وقام برجليه وصاح ثلاث مرات صيحة الخنازير واختلط بالخنازير وصار خنزيرا حتى لا يعرفه منا أحد كذا فى روضة العلماء- وروى- ان واحدا من رواة الأحاديث تحول رأسه رأس حمار لانكار وقوع مضمون حديث صحيح ورد فى حق المقتدى بالإمام الرافع رأسه قبله او واضعه وحاصل الحديث ان من رفع رأسه قبل الامام او وضعه كيف لا يخاف من ان يصير رأسه رأس حمار فوقع فيما وقع وهذا هو مسخ الصورة ومسخ المعنى أشد وأصعب منه فان أعمى الصورة مثلا يمكن ان يكون فى الآخرة بصيرا ولكن من كان فى هذه أعمى يعنى بالقلب فهو فى الآخرة أعمى وأضل سبيلا وفضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة. فعلى السالك ان يجتهد حتى لا يرد وجهه الناطق الى الله تعالى على الدنيا واتباع الهوى ولا يمسخ صفاته الانسانية بالسبعية والشيطانية: قال الشيخ السعدي
با تو ترسم نشود شاهد روحانى دوست ... كالتماس تو بجز عالم جسمانى نيست
سعى كن تا ز مقام حيوان در كذرى ... كاهنست آينه مادامكه نورانى نيست
خفتكانرا چهـ خبر زمزمه مرغ سحر ... حيوانرا خبر از عالم انسانى نيست
قال الامام فى تفسير الآية وتحقيق القول فيها ان الإنسان فى مبدأ خلقته الف هذا العالم المحسوس ثم انه عند الفكر والعبودية كأنه يسافر من عالم المحسوسات الى عالم المعقولات فقدامه عالم المعقولات ووراء عالم المحسوسات فالمخذول هو الذي يرد من قدامه الى خلفه كما قال تعالى فى وصفهم ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ انتهى فنعوذ بالله من الحور بعد الكور ومن الشر بعد الخير.
عن عبد الله بن احمد المؤذن قال كنت أطوف حول البيت وإذا انا برجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول اللهم أخرجني من الدنيا مسلما لا يزيد على ذلك شيأ فقلت له لم لا تزيد على هذا الدعاء فقال لو علمت قصتى كنت تعذرنى فقلت وما قصتك قال كان لى اخوان وكان الأكبر منهما مؤذنا اذن أربعين سنة احتسابا فلما حضره الموت دعا بالمصحف فظننا ان يتبرك به فاخذه بيده واشهد على نفسه من حضرانه بريئ مما فيه ثم تحول الى دين النصرانية فمات نصرانيا فلما دفن اذن الآخر ثلاثين سنة فلما حضره الموت فعل كما فعل الآخر فمات على النصرانية وانى أخاف على نفسى ان أصير مثلهما فادعو الله تعالى ان يحفظ على دينى فقلت ما كان ديدنهما فقال كانا يتتبعان عورات النساء وينظران الى المردان فهذا من آثار الرد واللعن والمسخ فنسأل الله تعالى ان يوفقنا لتزكية النفس وإصلاحها ويختم عاقبتنا بالخير
خدايا بحب بنى فاطمه ... كه بر قول ايمان كنم خاتمه
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ اى لا يغفر الكفر ممن اتصف به بلا توبة وايمان لان الحكمة التشريعة مقتضية لسد باب الكفر وجواز مغفرته بلا ايمان مما يؤدى الى فتحه ولان ظلمات الكفر والمعاصي انما يسترها نور الايمان فمن لم يكن له ايمان لم يغفر له شىء من الكفر والمعاصي وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ اى ويغفر ما دون الشرك فى القبح من المعاصي صغيرة كانت او كبيرة تفضلا من لدنه وإحسانا من غير توبة عنها لكن لا لكل أحد بل لِمَنْ يَشاءُ ان يغفر له ممن اتصف به فقط اى لا بما فوقه. قال شيخنا السيد الثاني سمى جامع القرآن وهم المؤمنون(2/218)
الذين اتقوا من الإشراك بالله تعالى فيغفر لهم ما دون الإشراك من الصغائر والكبائر لعدم اشراكهم به ولا يغفر للمشركين ما دون الإشراك ايضا لاشراكهم به فكما ان اشراكهم لا يغفر فكذلك ما دون اشراكهم لا يغفر بخلاف المؤمنين فانه تعالى كما وقاهم من عذاب الإشراك بحفظهم عنه كذلك وقاهم من عذاب ما دونه بمغفرته لهم وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً اى من افترى واختلق مرتكبا اثما لا يقادر قدره ويستحقر دونه جميع الآثام فلا تتعلق به المغفرة قطعا. وهذه الآية من أجل الآيات التي كانت خيرا لهذه الامة مما طلعت عليه الشمس وما غربت وأعظمها لانها تؤذن بان مادون الشرك من الذنب مغفور بحسب المشيئة والوعد المعلق بالمشيئة من الكريم محقق الإنجاز خصوصا لعباده الموحدين المخلصين من المحمديين كما قال لهم إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً- روى- ان وحشيا قاتل حمزة عم النبي عليه السلام كتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم انى أريد ان اسلم ولكن يمنعنى من الإسلام آية فى القرآن نزلت عليك وهو قوله تعالى وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وانى قد فعلت هذه الأشياء الثلاثة فهل لى من توبة فنزلت هذه الآية إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ فكتب ان فى الآية شرطا وهو العمل الصالح فلا أدرى انا اقدر على العمل الصالح أم لا فنزل قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فكتب بذلك الى وحشي فكتب اليه ان فى الآية شرطا فلا أدرى أيشاء ان يغفر لى أم لا فنزل قوله تعالى قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً فكتب الى وحشي فلم يجد الشرط فقدم المدينة واسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من مات ولم يشرك بالله شيأ دخل الجنة) ورأى ابو العباس شريح فى مرض موته كأن القيامة قد قامت وإذا الجبار سبحانه وتعالى يقول اين العلماء فجاؤا فقال ماذا عملتم فيما علمتم فقلنا يا رب قصرنا واسأنا فاعاد السؤال فكأنه لم يرض به وأراد جوابا آخر فقلت اما انا فليس فى صحيفتى شرك وقد وعدت ان تغفر ما دونه فقال الله تعالى اذهبوا فقد غفرت لكم ومات شريح بعده بثلاث ليال وهذا من حسن الظن بالله تعالى
كنونت كه چشمست اشكى ببار ... زبان در دهانست عذرى بيار
كنون بايدت عذر تقصير كفت ... نه چون نفس ناطق ز كفتن بخفت
غنيمت شمار اين كرامى نفس ... كه بي مرغ قيمت ندارد قفس
واعلم ان للشرك مراتب وللمغفرة مراتب. فمراتب الشرك ثلاث الجلى والخفي والأخفى.
وكذلك مراتب المغفرة. فالشرك الجلى بالأعيان وهو للعوام وذلك بان يعبد شىء من دون الله تعالى كالاصنام والكواكب وغيرها فلا يغفر الا بالتوحيد وهو اظهار العبودية فى اثبات الربوبية مصدقا بالسر والعلانية. والشرك الخفي بالأوصاف وهو للخواص وذلك شوب العبودية بالالتفات الى غير الربوبية فى العبادة كالدنيا والهوى وما سوى المولى فلا يغفر الا بالوحدانية وهى افراد الواحد للواحد بالواحد. والشرك الأخفى وهو للاخص وذلك رؤية الأغيار والانانية فلا يغفر الا بالوحدة وهى فناء الناسوتية فى بقاء اللاهوية ليبقى بالهوية(2/219)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50)
دون الأنانية فان الله لا يغفر بمراتب المغفرة ان يشرك به بمراتب الشرك ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء اى لمن يشاء المغفرة فيستغفر الله تعالى من مراتب الشرك فيغفر له بمراتب المغفرة ومن يشرك بالله بمراتب الشرك فقد افترى اثما عظيما اى جعل بينه وبين الله حجابا من اثبات وجود الأشياء وانانيته وهى أعظم الحجب كما قيل وجودك ذنب لا يقاس به ذنب
نيستى جولانكه اهل دلست ... شاهراه عاشقان كاملست
چون وجودت محو كردى از ميان ... نور وحدت چشم دل را شد عيان
شرك رهزن باشد اى دل در طريق ... ذكر توحيد خدا را كن رفيق
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ خطاب للنبى عليه السلام على وجه التعجيب اى ألم تنظر الى اليهود الذين يطهرون نفوسهم من الذنوب وألسنتهم ولم يزكوها حقيقة بقولهم نحن أبناء الله واحباؤه وبقولهم نحن كالاولاد الصغار فهل عليهم ذنب اى انظر إليهم وتعجب من حالهم وادعائهم انهم أزكياء عند الله مع ما هم عليه من الكفر والإثم العظيم واللفظ عام يشتمل كل من زكى نفسه ووصفها بزيادة التقوى والطاعة والزلفى عند الله ففيه تحذير من إعجاب المرء بعمله بَلِ اللَّهُ يعنى هم لا يزكونها فى الحقيقة لكذبهم وبطلان اعتقادهم بل الله يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ تزكيته ممن يستأهلها من المرتضين من عباده المؤمنين فانه العالم بما ينطوى عليه الإنسان من حسن وقبيح وقد وصفهم بما هم متصفون به من القبائح وَلا يُظْلَمُونَ اى يعاقبون بتلك الفعلة القبيحة ولا يظلمون فى ذلك العقاب فَتِيلًا اى ادنى ظلم وأصغره وهو الخيط الذي فى شق النواة يضرب به المثل فى القلة والحقارة والظلم فى حق المعاقب الزيادة على حقه وفى حق المثاب النقصان منه انْظُرْ كَيْفَ اى فى أي حال او على أي حال يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ فى زعمهم انهم أبناء الله وأزكياء عنده والتصريح بالكذب مع ان الافتراء لا يكون الا كذبا للمبالغة فى تقبيح حالهم وَكَفى بِهِ بافترائهم هذا من حيث هو افتراء عليه تعالى مع قطع النظر عن مقارنته لتزكية أنفسهم وسائر آثامهم العظام إِثْماً مُبِيناً ظاهرا بينا كونه اثما والمعنى كفى بذلك وحده فى كونهم أشد اثما من كل كفار اثيم ولو لم يكن لهم من الذنوب الا هذا الافتراء لكان اثما عظيما ونصب اثما مبينا على التمييز. قال الامام ابو منصور رحمه الله قول الرجل انا مؤمن ليس بتزكية النفس بل اخبار عن شىء أكرم به وانما التزكية ان يرى نفسه تقيا صالحا ويمدح به. قال السرى قدس سره من تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله تعالى. فيجب على العبد المؤمن ان يمتنع عن مدح نفسه ألا يرى الى قوله عليه السلام (انا سيد ولد آدم) كيف عقبه بقوله (ولا فخر) اى لست أقول هذا تفاخرا كما يقصده الناس بالثناء على أنفسهم لان افتخاره عليه السلام كان بالله وتقربه من الله لا بكونه مقدما على أولاد آدم كما ان المقبول عند الملك قبولا عظيما انما يكون بقبوله إياه وبه يفرح لا بتقديمه على بعض رعاياه
اگر مردى از مردئ خود مكوى ... نه هر شهسوارى بدر برد كوى(2/220)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)
كنهكار انديشناك از خدا ... بسى بهتر از عابد خود نما
اگر مشك خالص ندارى مكوى ... وكر هست خود فاش كردد ببوى
ونعم ما قيل
جوز خالى در ميان جوزها ... مى نمايد خويشتن را از صدا
والاشارة فى الآيتين ان الذين يزكون أنفسهم من اهل العلوم الظاهرة بالعلم ويباهون به العلماء ويمارون به السفهاء لا تزكى أنفسهم بمجرد تعلم العلم بل تزيد صفاتهم المذمومة مثل المباهاة والمماراة والمجادلة والمفاخرة والكبر والعجب والحسد والرياء وحب الجاه والرياسة وطلب الاستيلاء والغلبة على الاقران والأمثال بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ التزكية ويتهيأ لها بتسليم النفس الى ارباب التزكية وهم العلماء الراسخون والمشايخ المحققون كما يسلم الجلد الى الدباغ ليجعله أديما فمن يسلم نفسه للتزكية الى المزكى ويصبر على تصرفاته كالميت فى يد الغسال ويصغ الى إشاراته ولا يعترض على معاملاته ويقاس شدائد اعمال التزكية فقد أفلح بما تزكى والمزكى هو النبي عليه السلام فى ايام حياته كما قال تعالى هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ الآية وبعدهم العلماء الذين أخذوا التزكية ممن أخذوا منه قرنا بعد قرن من الصحابة والذين اتبعوهم بإحسان الى يومنا هذا ولعمرى انهم فى هذا الزمان أعز من الكبريت الأحمر: قال الشيخ الحسيني
در طريقت رهبر دانا كزين ... زانكه ره دورست ورهزن در كمين
رهبرى بايد بمعنى سر بلند ... از شريعت وز طريقت بهره مند
اصل وفرع وجزء وكل آموخته ... شمع از نور علم افروخته
ظاهرش از علم كسبى با خدا ... باطنش ميراث دار مصطفا
هر كه از دست عنايت بر كرفت ... روز أول دامن رهبر كرفت
هر كه در زندان خود رأيى فتاد ... بند او را سالها نتوان كشاد
اى سليم القلب دشوارست كار ... تا نپندارى كه پندارست كار
فعلى السالك ان يتمسك بذيل المرشد ويتشبث به الى الوقوف على علم التوحيد ثم الفناء عن نفسه لان مجرد العرفان غير منج مالم يحصل التحقق بحقيقة الحال ولذا قال عليه السلام (شر الناس من قامت عليه القيامة وهو حى) اى وقف على علم التوحيد ونفسه لم تمت بالفناء حتى يحيى بالله فانه حينئذ زنديق قائل بالاباحة فى الأشياء عصمنا الله وإياكم من المعاصي والفحشاء أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ الى اليهود الذين أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ حظا من علم التوراة اى انظر يا محمد وتعجب من حالهم فكأنه قيل ماذا يفعلون حتى ينظر إليهم فقيل يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ فى الأصل اسم صنم فاستعمل فى كل ما عبد من دون الله وَالطَّاغُوتِ الشيطان ويطلق لكل باطل من معبود او غيره- روى- ان حيى بن اخطب وكعب بن الأشرف اليهوديين خرجا الى مكة فى سبعين راكبا من اليهود ليخالفوا قريشا على محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه عليه السلام فقالوا أنتم اهل كتاب(2/221)
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)
وأنتم اقرب الى محمد منكم إلينا فلا نأمن مكركم فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئن إليكم ففعلوا فهذا ايمانهم بالجبت والطاغوت لانهم سجدوا للاصنام وأطاعوا إبليس فيما فعلوا وقال ابو سفيان لكعب انك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ونحن أميون لا نعلم فأينا اهدى طريقا نحن أم محمد فقال ماذا يقول محمد قال يأمر بعبادة الله تعالى وحده وينهى عن الشرك قال وما دينكم قالوا نحن ولاة البيت نسقى الحاج ونقرى الضيف ونفك العاني وذكروا أفعالهم قال أنتم اهدى سبيلا وذلك قوله تعالى وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا اى لاجلهم وفى حقهم هؤُلاءِ اشارة الى الذين كفروا أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا اى أقوم دينا وارشد طريقة أُولئِكَ اشارة الى القائلين الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ اى ابعدهم عن رحمته وطردهم وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ اى يعبده عن رحمته تعالى فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً يدفع عنه العذاب دنيويا كان او أخرويا لا بشفاعة ولا بغيرها. وفيه تنصيص على حرمانهم مما طلبوا من قريش أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ أم منقطعة ومعنى الهمزة انكار ان يكون لهم نصيب من الملك وجحد لما زعمت اليهود من ان ملك الدنيا سيصير إليهم فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً اى لو كان لهم نصيب من الملك فاذن لا يؤتون أحدا مقدار نقير وهو النقرة فى ظهر النواة يضرب به المثل فى القلة والحقارة وهذا هو البيان الكاشف عن كل حالهم فانهم إذا بخلوا بالنقير وهم ملوك فما ظنك بهم إذا كانوا أذلاء متفاقدين أَمْ يَحْسُدُونَ منقطعة ايضا النَّاسَ بل أيحسدون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ يعنى النبوة والكتاب وازدياد العز والنصر يوما فيوما فَقَدْ آتَيْنا يعنى ان حسدهم المذكور فى غاية القبح والبطلان فانا قد آتينا من قبل هذا آلَ إِبْراهِيمَ الذين هم أسلاف محمد صلى الله عليه وسلم وأبناء أعمامه الْكِتابَ المنزل من السماء وَالْحِكْمَةَ اى النبوة والعلم وَآتَيْناهُمْ مع ذلك مُلْكاً عَظِيماً لا يقادر قدره فكيف يستبعدون نبوته صلى الله عليه وسلم ويحسدونه على ايتائها قال ابن عباس رضى الله عنهما الملك فى آل ابراهيم ملك يوسف وداود وسليمان عليهم السلام فَمِنْهُمْ من اليهود مَنْ آمَنَ بِهِ بمحمد عليه السلام وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ اى اعرض عنه ولم يؤمن به وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً نارا مسعورة اى موقدة يعذبون بها اى ان لم يعجلوا بالعقوبة فقد كفاهم ما أعد لهم من سعير جهنم. واعلم ان الله تعالى وصف اليهود فى الآية المتقدمة بالجهل الشديد وهو اعتقادهم ان عبادة الأوثان أفضل من عبادة الله تعالى ثم وصفهم بالبخل والحسد. فالبخل هو ان لا يدفع الى أحد شيأ مما آتاه الله من النعمة. والحسد هو ان يتمنى ان لا يعطى الله غيره شيأ من النعم فالبخل والحسد يشتركان فى من يريد منع النعمة عن الغير. فاما البخيل فيمنع نعمة نفسه عن غيره. واما الحاسد فيريد ان يمنع نعمة الله عن عباده فهما شر الرذائل وسببهما الجهل. اما البخل فلأن بذل المال سبب لطهارة النفس ولحصول سعادة الآخرة وحبس المال سبب لحصول مال الدنيا فى يده فالبخل يدعوك الى الدنيا ويمنعك عن الآخرة والجود يدعوك الى الآخرة ويمنعك عن الدنيا ولا شك ان ترجيح الدنيا على الآخرة لا يكون إلا من محض الجهل. واما الحسد(2/222)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)
فلأن الالهية عبارة عن إيصال النعم والإحسان الى العبيد فمن كره ذلك فكأنه أراد عزل الإله عن الالهية وذلك محض الجهل ثم ان الحسد لا يحصل الا عند الفضيلة فكلما كانت فضيلة الإنسان أتم وأكمل كان حسد الحاسدين عليه أعظم: قال السعدي قدس سره
شور بختان بآرزو خواهد ... مقبلانرا زوال نعمت وجاه
گر نبيند بروز شبپره چشم ... چشمه آفتاب را چهـ كناه
راست خواهى هزار چشم چنان ... كور بهتر كه آفتاب سياه
ولا يسود الحسود والبخيل فى جميع الزمان ألا ترى ان الله تعالى جعل بخل اليهود كالمانع من حصول الملك لهم فهما لا يجتمعان وذلك لان الانقياد للغير امر مكروه لذاته والإنسان لا يتحمل المكروه الا إذا وجد فى مقابلته امرا مطلوبا مرغوبا فيه وجهات الحاجات محيطة بالناس فاذا صدر من انسان احسان الى غيره صارت رغبة المحسن اليه فى ذلك المال سببا لصيروته منقادا مطيعا له فلهذا قيل بالبر يستعبد الحر فاما إذا لم يوجد هذا بقيت النفرة الطبيعية عن الانقياد للغير خالصا من المعارض فلا يحصل الانقياد البتة: قال السعدي
خورش ده بگنجشك وكبك وحمام ... كه يك روزت افتنده يابى بدام
زر از بهر خوردن بود اى پسر ... ز بهر نهادن چهـ سنك و چهـ زر
وقد شبه بعض الحكماء ابن آدم فى حرصه على الجمع ووخامة عاقبته بدود القز الذي يكاد ينسج على نفسه بجهله حتى لا يكون له مخلص فيقتل نفسه ويصير القز لغيره فاللائق بشأن المؤمن القناعة بما رزقه الودود وترك الحرص والبذل من الموجود. وقيل لما عرج النبي عليه السلام اطلع على النار فرأى حظيرة فيها رجل لا تمسه النار فقال عليه السلام (ما بال هذا الرجل فى هذه الحظيرة لا تمسه النار) فقال جبريل عليه السلام هذا حاتم طى صرف الله عنه عذاب جهنم بسخائه وجوده فالجود صارف عن المرء عذاب الدنيا والعقبى وباعث لوصول الملك فى الاولى والاخرى. ثم ان الملك على ثلاثة اقسام. ملك على الظواهر فقط وهذا هو ملك الملوك. وملك على البواطن فقط فهذا هو ملك العلماء. وملك على الظواهر والبواطن معا وهذا هو ملك الأنبياء عليهم السلام فاذا كان الجود من لوازم الملك وجب فى الأنبياء ان يكونوا فى غاية الجود والكرم والرحمة والشفقة ليصير كل واحد من هذه الأخلاق سببا لانقياد الخلق لهم وامتثالهم لأوامرهم وكمال هذه الصفات كان حاصلا لمحمد عليه السلام إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا القرآن وسائر المعجزات سَوْفَ كلمة تذكر للتهديد والوعيد يقال سوف افعل وتذكر للوعد ايضا فتفيد التأكيد نُصْلِيهِمْ ناراً ندخلهم نارا عظيمة هائلة كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ اى احترقت بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها غير يذكر ويراد به الضد تقول الليل غير النهار وايضا يقال للمثل المتبدل تقول للماء الحار إذا برد هذا غيره وهو المراد هنا اى أعطيناهم مكان كل جلد محترق عند احتراقه جلدا جديدا مغايرا للمحترق صورة وان كان عينه مادة. والحاصل انه يعاد ذلك الجلد بعينه على صورة اخرى كقولك صغت من خاتمى خاتما غيره فالخاتم الثاني هو الاول(2/223)
وانما الصياغة اختلفت. فان قلت الجلود العاصية إذا احترقت فلو خلق الله تعالى مكانها جلودا اخرى وعذبها كان ذلك تعذيبا لمن لم يعص وهو غير جائز. قلت العذاب للجلدة الحساسة وهى التي عصت لا للجلد مطلقا والذات واحدة فالعذاب لم يصل الا الى العاصي لِيَذُوقُوا الْعَذابَ اى ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع كقولك للعزيز أعزك الله اى ادامك على عزك وزادك فيه. قال الحسن تأكلهم النار فى كل يوم سبعين مرة كلما أكلتهم قيل لهم عودوا فيعودون كما كانوا- وروى- مرفوعا ان جلد الكافر أربعون ذراعا وضرسه مثل أحد وشفته العليا تضرب سرته وبين لحمه وجلده ديدان كحمر الوحش تركض بين جلده ولحمه وحيات كأعناق البخت وعقارب كالبغال وهذا ليس بزيادة تحلق وتعذب من غير معصية لكن إذا زيد ذلك ثقلة على العبد ويكون نفس الثقل عقوبة عليه كسائر عقوبات جهنم من السلاسل والاغلال والعقارب والحيات. فان قلت انما يقال فلان ذاق العذاب إذا أدرك شيأ قليلا منه والله تعالى قد وصف انهم كانوا فى أشد العذاب فكيف يحسن ان يذكر بعد ذلك انهم ذاقوا العذاب. قلت المقصود من ذكر الذوق الاخبار بان احساسهم بالعذاب فى كل مرة كاحساس الذائق بالمذوق من حيث انه لا يدخله نقصان ولا زوال بسبب ذلك الاحتراق ودوام الملابسة ولعل السر فى تبديل الجلود مع قدرته تعالى على بقاء ادراك العذاب وذوقه بحاله مع الاحتراق او مع ابقاء أبدانهم على حالها مصونة عن الاحتراق ان النفس ربما تتوهم زوال الإدراك بالاحتراق إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً لا يمتنع عليه شىء مما يريده بالمجرمين حَكِيماً يعاقب من يعاقب على حكمته. اعلم ان هذا العذاب والتبديل الذي فى الآخرة كان حاصلا له فى الدنيا ولكن لم يكن يذوقه كالنائم يجرح نفسه بحديدة فى يده فتكون الجراحة حاصلة له فى الدنيا ولكن لم يذق ألمها حتى ينتبه فالناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا. فعلى العبد ان يعمل على وفق الشرع وخلاف النفس والهوى حتى يجعل الله تعالى باكسير الشرع نحاس الصفات الظلمانية النفسانية فضة الصفات النورانية الروحانية فاذا تخلص فى الدنيا من شوب المعصية بإصلاح النفس والجريان على وفق الشرع لم يحتج فى الآخرة الى التهذيب والتنقيح بالنار- روى- ان اصحاب الكبائر من موحدى الأمم كلها الذين ماتوا على كبائرهم غير تائبين ولا نادمين منهم من دخل النار فى الباب الاول فى جهنم حتى لا تزرق أعينهم ولا تسود وجوههم ولا
يقرنون مع الشياطين ولا يغلون بالسلاسل ولا يجرعون الحميم ولا يلبسون القطران فى النار حرم الله تعالى أجسادهم ووجوههم على النار من أجل السجود فمنهم من تأخذه النار الى قدميه ومنهم من تأخذه الى ركبتيه ومنهم من تأخذه الى عنقه قدر ذنوبهم وأعمالهم ثم ان منهم من يمكث فيها شهرا ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج منها وأطولهم فيها مكثا كقدر الدنيا منذ خلقت الى يوم تفنى. وكان ابن السماك يقول فيما يعاتب نفسه يا نفس تقولين قول الزاهدين وتعملين عمل المنافقين وفى الجنة تطمعين ان تدخلين هيهات هيهات ان للجنة قوما آخرين ولها اعمال غير ما تعملين ويحك أخذت بزىّ كسرى وقيصر والفراعنة وتريدين ان ترافقى(2/224)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63)
رسول الله صلى الله عليه وسلم فى دار الجلال فاعرض نفسك على كتاب الله فيما وصف أولياءه وأعداءه فانظر من أي الصنفين أنت
برادر ز كار بدان شرم دار ... كه در روى نيكان شوى شرمسار
نريزد خدا آب روى كسى ... كه ريزد كناه آب چشمش بسى
وذكر عن يزيد بن مرثد انه كان لا تنقطع دموع عينيه ساعة ولا يزال باكيا فسئل عن ذلك فقال لو ان الله تعالى او عدنى بانى لو أذنبت لحبسنى فى الحمام ابدا لكان حقيقا علىّ ان لا تنقطع دموعى فكيف وقد أوعدني ان يحبسنى فى نار أوقد عليها ثلاثة آلاف سنة أوقد عليها الف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها الف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها الف سنة حتى اسودت فهى سوداء كالليل المظلم. قال ابو هريرة رضى الله عنه لا تغبطن فاجرا بنعمته فان وراءه طالبا حثيثا وهى جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا: قال الحافظ قدس سره
قلندران حقيقت به نيم جو نخرند ... قباى اطلس آنكس كه از هنر عاريست
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كانت همته الآخرة جمع الله شمله وجعل غناه فى قلبه وأتته الدنيا وهى راغمة ومن كانت همته الدنيا فرق الله عليه امره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا الا ما كتب الله له) : قال السعدي قدس سره
آنكس از دزد بپرسد كه متاعى دارد ... عارفان جمع نكردند و پريشانى نيست
هر كرا خيمه بصحراى قناعت زده اند ... گر جهان لرزه بگيرد غم ويرانى نيست
وَالَّذِينَ آمَنُوا بالله وبمحمد والقرآن وسائر الآيات والمعجزات وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ التي امر الله بها سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً اى مقيمين فيها لا يخرجون منها ولا يموتون لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ اى مما نساء الدنيا عليه من الأحوال المستقذرة البدنية والأدناس الطبيعية كالحيض والنفاس والحقد والحسد وغير ذلك وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا فينانا لا جوب فيه ودائما لا تنسخه الشمس اى لا تزيله وسجسجا وهو من الزمان ما لا حر فيه ولا برد ومن المكان مالا سهولة فيه ولا حزونة. والظليل صفة مشتقة من لفظ الظل لتأكيد معناه كما يقال ليل أليل ويوم أيوم وما أشبه ذلك.
فان قلت إذا لم يكن فى الجنة شمس تؤذى بحرها فما فائدة وصفها بالظل الظليل وايضا يرى فى الدنيا ان المواضع التي يدوم الظل فيها ولا يصل نور الشمس إليها يكون هواؤها عفنا فاسدا مؤذيا فما معنى وصف هواء الجنة بذلك. قلت ان بلاد العرب كانت فى غاية الحرارة فكان الظل عندهم من أعظم اسباب الراحة وهذا المعنى جعلوه كناية عن الراحة قال عليه السلام (السلطان ظل الله فى الأرض) فاذا كان الظل عبارة عن الراحة كان الظل الظليل كناية عن المبالغة العظيمة فى الراحة. قال الامام فى تفسيره هذا ما يميل اليه خاطرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان فى الجنة شجرة يسير الراكب فى ظلها مائة سنة ما يقطعها اقرأوا ان شئتم وظل ممدود وفى الجنة مالا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر اقرأوا ان شئتم فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين فموضع سوط من الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرأوا ان شئتم(2/225)
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)
فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اهل الجنة شباب جعد جرد مرد ليس لهم شعر الا فى الرأس والحاجبين وأشفار العينين) يعنى ليس لهم شعر عانة ولا شعر من الإبط (على طول آدم عليه السلام ستون ذراعا وعلى مولد عيسى عليه السلام ثلاث وثلاثون سنة بيض الألوان خضر الثياب يوضع لأحدهم مائدة بين يديه فيقبل الطائر فيقول يا ولى الله اما انى قد شربت من عين السلسبيل ورعيت من رياض الجنة تحت العرش وأكلت من ثمار كذا فاطعم منى فيطعم فيكون أحد جانبيه مطبوخا والآخر مشويا فيأكل منهما ما شاء الله وعليه سبعون حلة ليس فيها حلة على لون آخر) . قال الفقيه ابو الليث من أراد ان ينال هذه الكرامة فعليه ان يداوم على خمسة أشياء. الاول ان يمنع نفسه من جميع المعاصي
ونهى النفس بفرمود الله ... بايدت ترك هواى ترك كناه
والثاني ان يرضى باليسير من الدنيا لان ثمن الجنة ترك الدنيا
اين زن زانيه شوى كش دنيا را ... گر على وار طلاقش ندهم نامردم
والثالث ان يكون حريصا على الطاعات فيتعلق بكل طاعة فلعل تلك الطاعة تكون سبب المغفرة ودخول الجنة
عمل بايد اندر طريقت نه دم ... كه سودى ندارد دم بي قدم
والرابع ان يحب الصالحين واهل الخير ويخالطهم ويجالسهم
نخست موعظه پير مجلس اين حرفست ... كه از مصاحب ناجنس احتراز كنيد
فلزم ان يكون مصاحب الإنسان اهل خير لان الصحبة مؤثرة وان واحدا من الصلحاء إذا غفر الله له يشفع لاخوانه وأصحابه
اميدست از آنان كه طاعت كنند ... كه بي طاعتانرا شفاعت كنند
والخامس ان يكثر الدعاء ويسأل الله تعالى ان يرزقه الجنة وان يجعل خاتمته فى الخير
غنيمت شمارند مردان دعا ... كه جوشن بود پيش تير بلا
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها نزلت فى عثمان بن عبد الدار الحجبي وكان سادن الكعبة وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة يوم الفتح اغلق عثمان باب الكعبة وصعد السطح وابى ان يدفع المفتاح اليه وقال لو علمت انه رسول الله لم امنعه فلوى على بن ابى طالب كرم الله وجهه يده واخذه منه وفتح ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى ركعتين فلما خرج سأله العباس ان يعطيه المفتاح ويجمع له السقاية والسدانة فنزلت فامر عليا ان يرده الى عثمان ويعتذر اليه فقال عثمان لعلى أكرهت وآذيت ثم جئت ترفق فقال لقد انزل الله تعالى فى شأنك قرآنا وقرأ عليه فقال عثمان اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله فهبط جبريل فاخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان السدانة فى أولاد عثمان ابدا ثم ان عثمان هاجر ودفع المفتاح الى ابنه شيبة فهو فى ولده الى اليوم وَإِذا حَكَمْتُمْ اى ويأمركم إذا قضيتم بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ والانصاف والتسوية(2/226)
إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ اى نعم شيأ ينصحكم به تأدية الامانة والحكم بالعدل فما نكرة بمعنى شىء ويعظكم به صفته والمخصوص بالمدح محذوف إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً لما بقوله الخزنة بَصِيراً بما تعمله الأمناء اى اعملوا بأمر الله ووعظه فانه اعلم بالمسموعات والمبصرات يجازيكم على ما يصدر منكم. اعلم ان الامانة عبارة عما إذا وجب لغيرك عليك حق فاديت ذلك الحق اليه. والحكم بالحق عبارة عما إذا وجب للانسان على غيره حق فامرت من وجب عليه ذلك الحق بان يدفع الى من له ذلك الحق ولما كان الترتيب الصحيح ان يبذل الإنسان نفسه فى جلب المنافع ودفع المضار ثم يشتغل بحال غيره لا جرم انه تعالى ذكر الأمر بالامانة اولا ثم بعده ذكر الأمر بالحكم بالحق ونزول هذه الآية عند القصة المذكورة لا يوجب كونها مخصوصة بهذه القصة بل يدخل فيه جميع انواع الأمانات. فاعلم ان معاملة الإنسان اما ان تكون مع ربه او مع سائر العباد او مع نفسه ولا بد من رعاية الامانة فى جميع هذه الاقسام الثلاثة. اما رعاية الامانة مع الرب فهى فعل المأمورات وترك المنهيات وهذا بحر لا ساحل له قال ابن مسعود الامانة فى كل شىء لازمة فى الوضوء والجنابة والصلاة والزكاة والصوم وغير ذلك. مثلا ان امانة اللسان ان لا يستعمله فى الكذب والغيبة
والنميمة والكفر والبدعة والفحش وغيرها. وامانة العينين ان لا يستعملها فى النظر الى الحرام. وامانة السمع ان لا يستعمله فى سماع الملاهي والمناهي واستماع الفحش والأكاذيب وغيرها وكذا القول فى جميع الأعضاء: قال السعدي قدس سره
زبان از بهر شكر وسپاش ... بغيبت نكرداندش حق شناس
كذركاه قرآن و پندست كوش ... به بهتان وباطل شنيدن مكوش
دو چشم از پى صنع بارى نكوست ... نه عيب برادر بود گير دوست
واما القسم الثاني وهو رعاية الامانة مع سائر الخلق فيدخل فيه رد الودائع ويدخل فيه ترك التطفيف فى الكيل والوزن ويدخل فيه ان لا يفشى على الناس عيوبهم ويدخل فيه عدل الأمراء مع رعيتهم وعد العلماء مع العوام بان يرشدوهم الى اعتقادات واعمال تنفعهم فى دنياهم وأخراهم ويدخل فيه امانة الزوجة للزوج فى حفظ فرجها وفى ان لا تلحق بالزوج ولدا تولد من غيره وفى اخبارها عن انقضاء عدتها. واما القسم الثالث وهو امانة الإنسان مع نفسه وهو ان لا يفعل الا ما هو الانفع والأصلح له فى الدين والدنيا وان لا يقدم بسبب الشهوة والغضب على ما يضره فى الآخرة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) قال عليه السلام (لا ايمان لمن لا امانة له ولا دين لمن لا عهد له) فعلى العبد المؤمن ان يؤدى الأمانات كلها ما استطاع ويتعظ بمواعظ الحق فى كل زمان فان الوعظ نافع جدا
امروز قدر پند عزيزان شناختم ... يا رب روان ناصح ما از تو شاد باد
قاله الحافظ: وقال فى موضع
پند حكيم محض صوابست ومحض خير ... فروخنده بخت آنكه بسمع رضا شنيد(2/227)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)
ثم ان من كان حاكما وجب عليه ان يحكم بالعدل ويؤدى الأمانات الى أهلها. قال الحسن ان الله أخذ على الحكام ثلاثا ان لا يتبعوا الهوى وان يخشوه ولا يخشوه الناس وان لا يشتروا بآياته ثمنا قليلا قال صلى الله عليه وسلم (ينادى مناد يوم القيامة اين الظلمة واين أعوان الظلمة فيجمعون كلهم حتى من برى لهم قلما او لاق لهم دواة فيجمعون ويلقون فى النار) :
قال السعدي قدس سره
جهان نماند وآثار معدلت ماند ... بخير كوش وصلاح وبعدل كوش وكرم
كه ملك ودولت ضحاك مردمان آزار ... نماند وتا بقيامت برو بماند رقم
قال عليه السلام (من دل سلطانا على الجور كان مع هامان وكان هو والسلطان من أشد اهل النار عذابا) فمقتضى الايمان هو العدل والسببية للصلاح ونظام العالم واجراء الشرع والاحتراز عن الرشوة فان من أخذها لا يسامح فى الشرع. وغضب الإسكندر يوما على بعض شعرائه فاقضاه وفرق ماله فى أصحابه فقيل له فى ذلك فقال اما اقضائى له فلجرمه واما تفريقى ماله فى أصحابه فلئلا يشفعوا فيه فانظر كيف كان أخذ المال سببا لعدم الشفاعة لانهم لو استشفعوا فى حقه فشفعوا لزم الاسترداد فلما طعموا تركوا الشفاعة
از تو كر انصاف آيد در وجود ... به كه عمرى در ركوع ودر سجود
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وهم أمراء الحق وولاة العدل كالخلفاء الراشدين ومن يقتدى بهم من المهتدين واما أمراء الجور فبمعزل من استحقاق العطف على الله والرسول فى وجوب الطاعة فانهم اللصوص المتغلبة لاخذهم اموال الناس بالقهر والغلبة وانما أفرد بالذكر طاعة الله ثم جمع طاعة الرسول مع طاعة اولى الأمر حيث قال تعالى أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ولم يقل وأطيعوا اولى الأمر منكم تعليما للادب وهو ان لا يجمعوا فى الذكر بين اسمه سبحانه وبين اسم غيره واما إذا آل الأمر الى المخلوقين فيجوز فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ اصل النزع الجذب لان المتنازعين يجذب كل واحد منهما الى غير جهة صاحبه اى ان اختلفتم أنتم وأولوا الأمر منكم فى امر من امور الدين فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ فارجعوا فيه الى كتاب الله وَالرَّسُولِ اى الى سنته صلى الله عليه وسلم. وتعلق اصحاب الظواهر بظاهر هذه الآية فى ان الاجتهاد والقياس لا يجوز لان الله تعالى امر بالرجوع الى الكتاب والسنة ولا يوجد فى كل حادثة نص ظاهر فعلم انه امر بالنظر فى مودوعاته والعمل على مدلولاته ومقتضياته ولكن الآية فى الحقيقة دليل على حجة القياس كيف لا ورد المختلف فيه الى المنصوص عليه انما يكون بالتمثيل والبناء عليه وهو المعنى بالقياس ويؤيده الأمر به بعد الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فانه يدل على ان الاحكام ثلاثة ثابت بالكتاب وثابت بالسنة وثابت بالرد إليهما بالقياس إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فان الايمان بهما يوجب ذلك اما الايمان بالله فظاهر واما الايمان باليوم الآخر فلما فيه من العقاب على المخالفة ذلِكَ اى الرد الى الكتاب والسنة خَيْرٌ لكم(2/228)
من التنازع وأصلح وَأَحْسَنُ فى نفسه تَأْوِيلًا اى عاقبة ومآلا. ودلت الآية على ان طاعة الأمراء واجبة إذا وافقوا الحق فاذا خالفوه فلا طاعة لهم قال صلى الله عليه وسلم (لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق) وقال صلى الله عليه وسلم (من عامل الناس فلم يظلمهم ومن حدثهم فلم يكذبهم ومن وعدهم فلم يخلفهم فهو من كملت مروءته وظهرت عدالته ووجبت اخوته) ولا بد للامراء من خوف الله وخشيته بإجراء الشرائع والاحكام واتباع سنن النبي عليه السلام حتى يملأ الله قلوب الناظرين إليهم رعبا وهيبة فحينئذ لا يحتاجون الى محافظة الصورة والهيئة الظاهرة- روى- ان كلب الروم أرسل الى عمر رضى الله عنه هدايا من الثياب والجبة فلما دخل الرسول الى المدينة قال اين دار الخليفة وبناؤه فقيل ليس له دار عظيم كما توهمت انما له بيت صغير فدلوه عليه فاتاه فوجد له بيتا صغيرا حقيرا قد اسود بابه لطول الزمان فطلبه فلم يصادفه وقيل انه خرج الى السوق لحاجته وحوائج المسلمين اى للاحتساب فخرج الرسول الى طلبه فوجده نائما تحت ظل حائط قد توسد بالدرة فلما رآه قال عدلت فامنت فنمت حيث شئت وامراؤنا ظلموا فاحتاجوا الى الحصون والجيوش: قال السعدي قدس سره
پادشاهى كه طرح ظلم افكند ... پاى ديوار ملك خويش بكند
نكند جور پيشه سلطانى ... كه نيايد ز گرگ چوبانى
ومن كلام أردشير الدين أساس الملك والعدل حارسه فما لم يكن له أس فمهدوم وما لم يكن له حارس فضائع- وروى- اى أنوشيروان كان له عامل على ناحية فكتب اليه يعلمه بجودة الريع ويستأذنه فى الزيادة على الرسوم فامسك عن اجابته فعاوده العامل فى ذلك فكتب اليه قد كان فى ترك إجابتك ما حسبتك تنزجر به عن تكليف ما لم تؤمر به فاذن قد أبيت الا تماديا فى سوء الأدب فاقطع احدى أذنيك واكفف عما ليس من شأنك فقطع العامل اذنه وسكت عن ذلك الأمر وبالجملة فالظلم عار وجزاؤه نار والاجتناب منه واجب على كل عاقل وإذا كان نية المؤمن العدل فليجانب اهل الظلم وليجتنب عن اطاعتهم فان الاطاعة لاهل الحق لا لغيرهم قال عليه السلام (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصانى فقد عصى الله ومن يطع الأمير العادل فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصانى) . واعلم ان الولاة انما يكونون على حسب اعمال الرعايا وأحوالهم صلاحا وفسادا- روى- انه قيل للحجاج بن يوسف لم لا تعدل مثل عمر وأنت قد أدركت خلافته أفلم تر عدله وصلاحه فقال فى جوابهم تباذروا اى كونوا كأبى ذر فى الزهد والتقوى أتعمر لكم اى أعاملكم معاملة عمر فى العدل والانصاف وفى الحديث (كما تكونون يولى عليكم أحدكم) يعنى ان تكونوا صالحين فيجعل وليكم رجلا صالحا وان تكونوا طالحين فيجعل وليكم رجلا طالحا- وروى- ان موسى عليه السلام ناجى ربه فقال يا رب ما علامة رضاك من سخطك فاوحى اليه [إذا استعملت على الناس خيارهم فهو علامة رضايى وإذا استعملت شرارهم فهو علامة سخطى] . ثم اعلم بان المراد باولى الأمر فى الحقيقة المشايخ الواصلون ومن بيده امر التربية فان اولى امر المريد شيخه فى التربية فينبغى للمريد فى كل وارد حق يدق باب قلبه او اشارة او الهام او واقعة تنبئ عن اعمال او احوال فى حقه ان يضرب على محك نظر شيخه فما يرى فيه الشيخ من المصالح ويشير اليه او يحكم عليه يكون(2/229)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63)
منقادا لاوامره ونواهيه لانه أولوا امره. واما الشيخ فاولوا امره الكتاب والسنة فينبغى له ان ما سنح له من الغيب بوارد الحق من الكشوف والشواهد والاسرار والحقائق يضرب على محك الكتاب والسنة فما صدقاه ويحكمان عليه فيقبله والا فلا لان الطريقة مقيدة بالكتاب والسنة كذا ذكره الشيخ الكامل نجم الدين الكبرى فى تأويلاته أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ اى يدعون والمراد بالزعم هنا الكذب لان الآية نزلت فى المنافقين أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ اى بالقرآن وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ اى بالتوراة وغيرها من الكتب المنزلة وكأنه قيل ماذا يفعلون فقيل يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ عن ابن عباس ان منافقا خاصم يهوديا فدعاه اليهودي الى النبي عليه السلام لانه كان يقضى بالحق ولا يلتفت الى الرشوة ودعاه المنافق الى كعب بن الأشرف لانه كان شديد الرغبة الى الرشوة واليهودي كان محقا والمنافق كان مبطلا ثم أصر اليهودي على قوله فاحتكما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكم لليهودى فلم يرض المنافق وقال نتحاكم الى عمر فقال اليهودي لعمر قضى لى رسول الله فلم يرض بقضائه وخاصم إليك فقال عمر للمنافق أكذلك فقال نعم فقال مكانكما حتى اخرج اليكما فدخل فاشتمل على سيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق حتى مات وقال هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله فنزلت فهبط جبرائيل عليه السلام وقال ان عمر فرق بين الحق والباطل فسمى الفاروق فالطاغوت كعب بن الأشرف سمى به لا فراطه فى الطغيان وعداوة الرسول وفى معناه ومن يحكم بالباطل ويؤثر لاجله وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ اى والحال انهم قد أمروا ان يتبرأ ومن الطاغوت وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ اى كعب بن الأشرف او حقيقة الشيطان عطف على يريدون أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً اى اضلالا بعيدا لا غاية له فلا يهتدون وَإِذا قِيلَ لَهُمْ اى للمنافقين تَعالَوْا اى جيئوا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ اى الى ما امره فى كتابه وَإِلَى الرَّسُولِ والى ما امره رسوله رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ اظهار المنافقين فى مقام الإضمار للتسجيل عليهم بالنفاق وذمهم به والاشعار بعلة الحكم والرؤية بصرية يَصُدُّونَ عَنْكَ حال من المنافقين صُدُوداً اى يعرضون عنك إعراضا وأي اعراض فَكَيْفَ يكون حالهم وكيف يصنعون يعنى انهم يعجزون عند ذلك فلا يصدرون امرا ولا يوردونه إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ اى وقت إصابة المصيبة إياهم بافتضاحهم بظهور نفاقهم بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ بسبب ما عملوا من الجنايات التي من جملتها التحاكم الى الطاغوت وعدم الرضى بحكم الرسول ثُمَّ جاؤُكَ للاعتذار عما صنعوا من القبائح وهو عطف على أصابتهم يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ حال من فاعل جاؤك إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً اى ما أردنا بتحاكمنا الى غيرك الا الفصل بالوجه الحسن والتوفيق بين الخصمين ولم نرد مخالفة لك ولا سخطا لحكمك فلا تؤاخذنا بما فعلنا وهذا وعيد لهم على ما فعلوا وانهم سيندمون عليه حين لا ينفعهم الندم ولا يغنى عنهم الاعتذار أُولئِكَ اى المنافقون الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ من النفاق فلا يغنى عنهم الكتمان والحلف الكاذب من العقاب فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ اى لا تقبل اعتذارهم ولا تفرج عنهم بدعائك وَعِظْهُمْ اى ازجرهم عن النفاق والكيد وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ اى فى حق أنفسهم الخبيثة وقلوبهم(2/230)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)
المطوية على الشرور التي يعلمها الله تعالى او فى أنفسهم خاليا بهم ليس معهم غيرهم مسارا بالنصيحة لانها فى السر أنجع قَوْلًا بَلِيغاً مؤثرا واصلا الى كنه المراد مطابقا لما سيق له المقصود والقول البليغ بان يقول ان الله يعلم سركم وما فى قلوبكم فلا يغنى عنكم اخفاؤه فاصلحوا أنفسكم وطهروا قلوبكم من رذيلة الكفر وداووها من مرض النفاق والا انزل الله بكم ما انزل بالمجاهرين بالشرك وشرا من ذلك واغلظ عسى ان تنجع فيهم الموعظة وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ اى وما أرسلنا رسولا من الرسل لشىء من الأشياء الا ليطاع بسبب اذنه تعالى فى طاعته وامره المبعوث إليهم بان يطيعوه ويتبعوه لانه مؤد عنه تعالى وطاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وعرضوها للعذاب بترك طاعتك والتحاكم الى غيرك جاؤُكَ تائبين من النفاق فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ بالتوبة والإخلاص وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ بان يسأل الله ان يغفر لهم عند توبتهم. فان قلت لو تابوا على وجه صحيح لقبلت توبتهم فما الفائدة فى ضم استغفار الرسول الى استغفارهم. قلت التحاكم الى الطاغوت كان مخالفة لحكم الله وكان ايضا اساءة الى الرسول عليه السلام وادخالا للغم الى قلبه عليه السلام ومن كان ذنبه كذلك وجب عليه الاعتذار عن ذلك الغير لَوَجَدُوا اللَّهَ لصادفوه حال كونه تعالى تَوَّاباً مبالغا فى قبول التوبة رَحِيماً مبالغا فى التفضيل عليهم بالرحمة بدل من توابا فَلا اى ليس الأمر كما يزعمون انهم آمنوا وهم يخالفون حكمك ثم استأنف القسم فقال وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ اى يجعلونك حكما يا محمد ويترافعوا إليك فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ اى فيما اختلف بينهم من الأمور واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه ثُمَّ لا يَجِدُوا عطف على مقدر ينساق اليه الكلام اى فتقضى بينهم ثم لا يجدوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً ضيقا مِمَّا قَضَيْتَ اى مما قضيت به يعنى يرضون بقضائك ولا تضيق صدورهم من حكمك وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً وينقادوا لك انقيادا بظاهرهم وباطنهم. وفى هذه الآيات دلائل على ان من رد شيأ من أوامر الله وأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم فهو خارج عن الإسلام سواء رده من جهة الشك او من جهة التمرد وذلك يوجب صحة ما ذهبت الصحابة اليه من الحكم بارتداد مانعى الزكاة وقتلهم وسبى ذراريهم فاتباع الرسول عليه السلام فرض عين فى الفرائض العينية وفرض كفاية فى الفروض على سبيل الكفاية وواجب فى الواجبات وسنة فى السنن وهكذا ومخالفته تزيل نعمة الإسلام
خلاف پيمبر كسى ره كزيد ... كه هركز بمنزل نخواهد رسيد
فالنبى صلى الله عليه وسلم هو الدليل فى طريق الحق ومخالفة الدليل ضلالة: قال الحافظ
بكوى عشق منه بي دليل راه قدم ... كه من بخويش نمودم صد اهتمام ونشد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تابعا لما جئت به) وقال عليه السلام (من ضيع سنتى) اى جعلها ضائعة بعدم اتباعها (حرمت عليه شفاعتى) وقال صلى الله عليه وسلم (من حفظ سنتى أكرمه الله تعالى بأربع خصال.
المحبة فى قلوب البررة. والهيبة فى قلوب الفجرة. والسعة فى الرزق. والثقة فى الدين) فانما أمته من اتبعه ولا يتبعه إلا من اعرض عن الدنيا فانه عليه السلام ما دعا الا الى الله تعالى(2/231)
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68)
واليوم الآخر وما صرف إلا عن الدنيا والحظوظ العاجلة فبقدر ما أعرضت عنها وأقبلت على الله وصرفت الأوقات لاعمال الآخرة فقد سلكت سبيله الذي سلكه وبقدر ذلك اتبعته وبقدر ما اتبعته صرت من أمته ولو انصفنا لعلمنا اننا من حين نمسى الى حين نصبح لا نسعى الا فى الحظوظ العاجلة ولا نتحرك الا لاجل الدنيا الفانية ثم نطمع فى ان نكون غدا من أمته واتباعه- روى- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال (ليأتى على الناس زمان تخلق سنتى فيه وتتجدد فيه البدعة فمن اتبع سنتى يومئذ صار غريبا وبقي وحيدا ومن اتبع بدع الناس وجد خمسين صاحبا او اكثر) فقال الصحابة يا رسول الله عليك السلام هل بعدنا أحد أفضل منا قال (بلى) قالوا أفيرونك يا رسول الله قال (لا) قالوا فكيف يكونون فيها قال (كالملح فى الماء تذوب قلوبهم كما يذوب الملح فى الماء) قالوا فكيف يعيشون فى ذلك الزمان قال (كالدود فى الخل) قالوا فكيف يحفظون دينهم يا رسول الله قال (كالفحم فى اليد ان وضعته طفئ وان أمسكته او عصرته احرق اليد) وعن ابى بحيج العرباض بن سارية رضى الله عنه قال وعظنا رسول الله موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودّع فاوصنا قال (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وان تأمّر عليكم عبد وانه من يعيش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهتدين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فان كل بدعة ضلالة) فعلى المؤمن ان يتبع سنة الرسول ويجتنب عن كل ما هو بدعة وضلالة ويصلح ظاهره بالشريعة وباطنه بالطريقة حتى ينال شفاعته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ويتخلص من عذاب النار ويدخل الجنة مع الأبرار. فالمؤمن فى الآخرة فى الجنات كشجرة مثمرة لا تنفك عن البستان. والمنافق فى الدركات كشجرة غير مثمرة تقلع من البستان وتوقد بها النار: قال الفردوسى
درختى كه شيرين بود بار او ... نكردد كسى كرد إزار او
وكر زانك شيرين نباشد برش ... ز پاى اندر آرند نا كه سرش
بماند بباغ آن ودر آتش اين ... تو خواهى چنان باش وخواهى چنين
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ اى أوجبنا او فرضنا على هؤلاء المنافقين أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ كما أوجبناه على بنى إسرائيل حين طلبوا التوبة من ذنوبهم ما فَعَلُوهُ اى المكتوب المدلول عليه بكتبنا إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ الأناس قليل منهم وهم المخلصون وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ من متابعة الرسول وطاعته والمشي تحت رايته والانقياط لما يراه ويحكم به ظاهرا وباطنا وسميت أوامر الله ونواهيه مواعظ لاقترانها بالوعد والوعيد والترغيب والترهيب لَكانَ اى فعلهم ذلك خَيْراً لَهُمْ اى احمد عاقبة فى الدارين وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً لهم على الايمان وابعد من الاضطراب فيه وَإِذاً كأنه قيل وماذا يكون لهم بعد التثبيت فقيل وإذا لو ثبتوا لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا من عندنا أَجْراً عَظِيماً ثوابا كثيرا فى الآخرة لا ينقطع وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً يصلون بسلوكه الى عالم القدس ويفتح لهم أبواب الغيب قال صلى الله عليه وسلم (من عمل بما علم ورثه الله علم(2/232)
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)
ما لم يعلم) . واعلم ان قتل النفس فى الحقيقة قمع هواها التي هى حياتها وإفناء صفاتها والخروج من الديار خروج من المقامات التي سكنت القلوب بها وألفتها من الصبر والتوكل والرضى والتسليم وأمثالها لكونها حاجبة عن التوحيد والفناء فى الذات كما قال الحسين بن منصور لابراهيم بن أدهم حين سأله عن حاله واجابه بقوله أدور فى الصحارى وأطوف فى البراري بحيث لاماء ولا شجر ولا روض ولا مطر هل حالى حال التوكل اولا فقال إذا فنيت عمرك فى عمران باطنك فاين الفناء فى التوحيد
جان عارف دوست را طالب شده ... نور حق با هستيش غالب شده
پرتو ذات از حجاب كبريا ... كرده او را غره بحر فنا
وعن ابراهيم بن أدهم قال دخلت جبل لبنان فاذا انا بشاب قائم وهو يقول يا من شوقى اليه وقلبى محب له ونفسى له خادم وكلى فناء فى إرادتك ومشيئتك فانت ولا غيرك متى تنجينى من هذه العذرة قلت رحمك الله ما علامة حب الله قال اشتهاء لقائه قلت فما علامة المشتاق قال لاله قرار ولا سكون فى ليل ولا نهار من شوقه الى ربه قلت فما علامة الفاني قال لا يعرف الصديق من العدو ولا الحلو من المر من فنائه عن رسمه ونفسه وجسمه قلت فما علامة الخادم قال انه يرفع قلبه وجوارحه وطمعه من ثواب الله: قال الحافظ قدس سره
تو بندگى چوكدايان بشرط مزد مكن ... كه دوست خود روش بنده پرورى داند
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يكونن أحدكم كالعبد السوء ان خاف عمل ولا كالاجير السوء ان لم يعط لم يعمل) وبالجملة انه لا بد للسالك من اقامة وظائف العبادات والأوراد فان الله أودع أنوار الملكوت فى اصناف الطاعات فان من فاته صنف او أعوزه من الموافقات جنس فقد من النور بمقدار ذلك وليس للوصول سبيل ولا الى الفناء دليل غير العبودية وترك ما سوى الحق
بشب حلاج را ديدند در خواب ... بريده سر بكف بر جام جلاب
بدو كفتند چونى سر بريده ... بگو تا چيست اين جام كزيده
چنين گفت او كه سلطان نكونام ... بدست سر بريده ميدهد جام
كسى اين جام معنى ميكند نوش ... كه كرد أول سر خود را فراموش
كما قيل من لم يركب الأهوال لم ينل الأموال فيا ايها العبد الذي لا يفعل ما يوعظ به ولا يخاف من ربه كيف تركت ما هو خير لك وأعرضت عما ينفعك فليس لك الآن الا التوبة عما يوقعك فى المعاصي والمنهيات والرجوع الى الله بالطاعات والعبادات والفناء عن الذات بالاصغاء الى المرشد الرشيد الواصل الى سر التفريد وقبول امره وعظته وتسليم النفس الى تربيته ودوام المراقبة فى الطريق ومن الله التوفيق وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ والمراد بالطاعة هو الانقياد التام والامتثال الكامل بجميع الأوامر والنواهي- روى- ان ثوبان مولى رسول الله أتاه يوما وقد تغير وجهه ونحل جسمه فسأله عن حاله فقال ما بي من وجع غير انى إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة على لقائك ثم ذكرت الآخرة فخفت ان لا أراك هناك لانى(2/233)
ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)
عرفت انك ترفع مع النبيين وان ادخلت الجنة كنت فى منزل دون منزلتك وان لم ادخل فذاك حين لا أراك ابدا فنزلت فقال صلى الله عليه وسلم (والذي نفسى بيده لا يؤمن عبد حتى أكون أحب اليه من نفسه وأبويه واهله وولده والناس أجمعين) فَأُولئِكَ اشارة الى المطيعين مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ اى أتم الله عليهم النعمة وهذا ترغيب للمؤمنين فى الطاعة حيث وعدوا مرافقة اقرب عباد الى الله وأرفعهم درجات عنده مِنَ النَّبِيِّينَ بيان للمنعم عليهم وهم الفائزون بكمال العلم والعمل المتجاوزون حد الكمال الى درجة التكميل وَالصِّدِّيقِينَ المبالغين فى الصدق والإخلاص فى الأقوال والافعال الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقى النظر فى الحجج والآيات واخرى بمعارج التصفية والرياضات الى اوج العرفان حتى اطلعوا على الأشياء وأخبروا عنها على ما هى عليها وَالشُّهَداءِ الذين ادى بهم الحرص على الطاعة والجد فى اظهار الحق حتى بذلوا مهجهم فى إعلاء كلمة الله وَالصَّالِحِينَ الذين صرفوا أعمارهم فى طاعته وأموالهم فى مرضاته وليس المراد بالمعية الاتحاد فى الدرجة لان التساوي بين الفاضل والمفضول لا يجوز ولا مطلق الاشتراك فى دخول الجنة بل كونهم فيها بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر وزيارته متى أراد وان بعد ما بينهما من المسافة وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً فى معنى التعجب كأنه قيل وما احسن أولئك رفيقا اى النبيين ومن بعدهم ورفيقا تمييز وافراده لما انه كالصديق والخليط والرسول يستوى فيه الواحد والمتعدد والرفيق الصاحب مأخوذ من الرفق وهو لين الجانب واللطافة فى المعاشرة قولا وفعلا ذلِكَ الْفَضْلُ مبتدأ والفضل صفته وهو اشارة الى ما للمطيعين من عظيم الاجر ومزيد الهداية ومرافقة هؤلاء المنعم عليهم مِنَ اللَّهِ خبره اى لا من غيره وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً بجزاء من أطاعه وبمقادير الفضل واستحقاق اهله. وهذه الآية عامة فى جميع المكلفين إذ خصوص السبب لا يقدح فى عموم اللفظ فكل من أطاع الله وأطاع الرسول فقد فاز بالدرجات والمراتب الشريفة عند الله تعالى- روى- عن بعض الصالحين انه قال أخذتني ذات ليلة سنة فنمت فرأيت فى منامى كأن القيامة قد قامت وكأن الناس يحاسبون فقوم يمضى بهم الى الجنة وقوم يمضى بهم الى النار قال فاتيت الجنة فناديت يا اهل الجنة بماذا نلتم سكنى الجنان فى محل الرضوان فقالوا لى بطاعة الرحمان ومخالفة الشيطان ثم أتيت باب النار فناديت يا اهل النار بماذا نلتم النار قالوا بطاعة الشيطان ومخالفة الرحمان
كجا سر بر آريم ازين عار وننك ... كه با او بصلحيم وبا حق بجنگ
نظر دوست تا در كند سوى تو ... چودر روى دشمن بود روى تو
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من ابى) قيل ومن ابى قال (من أطاعني دخل الجنة ومن عصانى فقد ابى) فعلى المرء ان يتبع الرسول ويتبع اولياء الله فان الأنبياء لهم وحي الهى والأولياء لهم الهام ربانى والاتباع لهم لا يخلو عن الاتباع للرسول قال عليه السلام (المرء مع من أحب) فان أحب الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين كان معهم فى الجنة. وفى الآية تنبيه على انه ينبغى للعبد ان لا يتأخر من مرتبة الصلاح بل يسعى فى تكميل الصلاح ثم يترقى الى مرتبة الشهادة ثم الى الصديقة وليس بين النبوة وبين الصديقية(2/234)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73) فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74) وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)
واسطة رزقنا الله وإياكم الفوز بهذا النعيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يزال العبد يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ولا يزال يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا) واقل الصدق استواء السر والعلانية والصادق من صدق فى أقواله والصديق من صدق فى جميع أقواله وأفعاله وأحواله. وكان جعفر الخواص يقول الصادق لا تراه الا فى فرض يؤديه او فضل يعمل فيه وثمرات الصدق كثيرة فمن بركاته فى الدنيا انه حكى عن ابى عمر الزجاجي انه قال ماتت أمي فورثت دارا فبعتها بخمسين دينارا وخرجت الى الحج فلما بلغت بابل استقبلني واحد من القافلة وقال أي شىء معك فقلت من نفسى الصدق خير ثم قلت خمسون دينارا فقال ناولنيها فناولته الصرة فحلها فاذا هى خمسون وقال لى خذها فلقد أخذني صدقك ثم نزل عن الدابة وقال اركبها فقلت لا أريد فقال لا وألح فركبتها فقال وانا على اثرك فلما كان العام القابل لحق بي ولا زمنى حتى مات: قال الحافظ قدس سره
بصدق كوش كه خورشيد زايد از نفست ... كه از دروغ سيه روى كشت صبح نخست
يعنى ان الصبح الكاذب تعقبه الظلمة والصبح الصادق يعقبه النور فمن صدق فقد بهر منه النور يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ اى تيقظوا واحترزوا من العدو ولا تمكنوه من أنفسكم يقال أخذ حذره إذا تيقظ واحترز من المخوف كأنه جعل الحذر آلته التي يقى بها نفسه ويعصم بها روحه فَانْفِرُوا فاخرجوا الى جهاد العدو ثُباتٍ جماعات متفرقة سرية بعد سرية الى جهات شتى وذلك إذا لم يخرج النبي عليه السلام. جمع ثبة وهى جماعة من الرجال فوق العشرة ومحلها النصب على الحالية أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً مجتمعين كوكبة واحدة ولا تتخاذلوا فتلقوا بانفسكم الى التهلكة وذلك إذا خرج النبي عليه السلام وَإِنَّ مِنْكُمْ خطاب لعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم المؤمنين والمنافقين لَمَنْ الذي اقسم بالله لَيُبَطِّئَنَّ ليتأخرن عن الغزو ويتخلفن تثاقلا من بطأ لازم بمعنى ابطأ او ليبطئن غيره ويثبطه عن الجهاد وكان هذا ديدن المنافق عبد الله بن ابى وهو الذي يثبط الناس يوم أحد والاول انسب لما بعده وهو قوله تعالى حكاية يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ وبالجملة المراد بالمبطئين المنافقون من العسكر لانهم كانوا يغزون نفاقا فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ نالتكم نكبة من الأعداء كقتل وهزيمة قالَ اى المبطئ فرحا بصنعه وحامدا لربه قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ اى بالقعود والتخلف عن القتال إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً اى حاضرا فى المعركة فيصيبنى ما أصابهم وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ كائن مِنَ اللَّهِ كفتح وغنيمة لَيَقُولَنَّ ندامة على تثبيطه وقعوده وتهالكا على حطام الدنيا وتحسرا على فواته كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ اعتراض وسط بين الفعل ومفعوله الذي هو يا قوم لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فى تلك الغزوة فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً اى آخذ حظا وافرا من الغنيمة وانما وسعه بينهما لئلا يفهم من مطلع كلامه ان تمنيه معية المؤمنين لنصرتهم ومظاهرتهم حسبما يقتضيه ما فى البين من المودة بل هو للحرص على المال كما ينطق به آخره وليس اثبات المودة فى البين بطريق التحقيق بل بطريق التهكم فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ اى يبيعونها بها ويأخذون الآخرة بدلها(2/235)
وهم المؤمنون فالفاء جواب شرط مقدر اى ان بطأ هؤلاء عن القتال فليقاتل المخلصون الباذلون أنفسهم فى طلب الذين يشترونها ويختارونها على الآخرة وهم المبطئون فالفاء للتعقيب اى ليتركوا ما كانوا عليه من التثبيط والنفاق والقعود عن القتال فى سبيل الله وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً لا يقادر قدره وعدله الاجر العظيم غلب او غلب ترغيبا فى القتال او تكذيبا لقولهم قد أنعم الله على إذ لم أكن معهم شهيدا وانما قال فيقتل او يغلب تنبيها على ان المجاهد ينبغى ان يثبت فى المعركة حتى يعز نفسه بالشهادة او الدين بالظفر والغلبة ولا يخطر بباله القسم الثالث أصلا وان لا يكون قصده بالذات الى القتل بل الى إعلاء الحق وإعزاز الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تكفل الله لمن جاهد فى سبيله لا يخرجه إلا جهاد فى سبيله وتصديق كلمته ان يدخله الجنة او يرجعه الى مسكنه
الذي خرج منه) مع ما نال من اجر وغنيمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (جاهدوا المشركين باموالكم وأنفسكم وألسنتكم) وذلك بان تدعوا عليهم بالخذلان والهزيمة وللمسلمين بالنصر والغنيمة وتحرضوا القادرين على الغزو وفى الحديث (من جهز غازيا فى سبيل الله فقد غزا ومن خلف غازيا فى سبيل الله بخير فقد غزا) اى كان خلفا لاهل بيته فى اقامة حوائجهم
وتتميم مصالحهم وفضائل الجهاد لا تكاد تضبط ... فعلى المؤمن ان يكون فى طاعة ربه بأى وجه
كان من الوجوه التعبدية فان الآية الاولى وهى قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ الآية وان نزلت فى الحرب لكن يقتضى اطلاق لفظها وجوب المبادرة الى الحيرات كلها كيفما أمكن قبل الفوات
مكن عمر ضايع بافسوس وحيف ... كه فرصت عزيزست والوقت سيف
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بادروا بالأعمال قبل ان تجيئ فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا او يمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا) وعن الزبير بن عدى قال اتينا انس بن مالك فشكونا اليه ما نلقى من الحجاج فقال اصبروا فانه لا يأتى زمان الا والذي بعده أشد منه شرا حتى تتقوا ربكم سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم:
قال الحافظ قدس سره
روزى اگر غمى رسدت تنگ دل مباش ... روشگر كن مباد كه از بد بتر شود
واعلم ان العدة والسلاح فى جهاد النفس والشيطان يعنى آلة قتالهما ذكر الله وبه يتخلص الإنسان من كونه أسير الهوى النفساني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يقعد قوم يذكرون الله الا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده) وعن ابى واقد الحارث بن عوف رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس فى المسجد والناس معه إذا قبل ثلاثة نفر فاقبل اثنان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد فوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاما أحدهما فرأى فرجة فى الحلقة فجلس فيها. واما الآخر فجلس خلفهم. واما الثالث فادبر ذاهبا فلما فرغ(2/236)