رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5) وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11) كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12)
ومن سورة الحجر
2 رُبَما «1» يَوَدُّ: ربّ للتقليل «2» ، فيكون معناه هنا أنّه يكفي قليل النّدم فكيف كثيره؟ أو العذاب يشغلهم عن تمنّي ذلك إلّا في القليل، أو يقينهم أنه لا يغني عنهم التمني أقل تمنيهم.
12 كَذلِكَ نَسْلُكُهُ: ندخله، أي: الكذب أو الاستهزاء، عن قتادة «3» ،
__________
(1) بتشديد الباء قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي وبالتخفيف قراءة عاصم ونافع.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 366، وحجة القراءات: 380، والتبصرة لمكي: 238.
وفي حجة القراءات عن الكسائي أنه قال: «هما لغتان والأصل التشديد، لأنك لو صغّرت «ربّ» لقلت: «ربيب» ، فرددت إلى أصله» .
(2) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 173، ورد قول من قال إنها للتكثير فقال: «فأما من قال إن «ربّ» يعنى بها الكثير فهذا ضد ما يعرفه أهل اللغة لأن الحروف التي جاءت لمعنى تكون على ما وضعت العرب، ف «رب» موضوعة للتقليل، و «كم» موضوعة للتكثير، وإنما خوطبوا بما يعقلون ويستفيدون» .
وقال الفخر الرازي في تفسيره: 19/ 156: «اتفقوا على أن «رب» موضوعة للتقليل ... » .
وقيل: إن «ربّ» وضعت في الأصل للتقليل ولكنها في هذا الموضع جاءت للتكثير، ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 358، والبغوي في تفسيره: 3/ 43، وابن الأنباري في البيان:
2/ 64، والقرطبي في تفسيره: (10/ 1، 2) ، وأبو حيان في البحر المحيط: 5/ 442، وقال: «ودعوى أبي عبد الله الرازي الاتفاق على أنها موضوعة للتقليل باطلة، وقول الزجاج أن «ربّ» للكثرة ضد ما يعرفه أهل اللغة ليس بصحيح، وفيها لغات وأحكامها كثيرة ذكرت في كتب النحو، ولم تقع في القرآن إلا في هذه السورة على كثرة وقوعها في لسان العرب» .
(3) أخرج الطبري في تفسيره: 14/ 9 عن قتادة قال: «إذا كذبوا سلك الله في قلوبهم أن لا يؤمنوا به» .
وينظر تفسير البغوي: 3/ 45، والمحرر الوجيز: 8/ 287، وتفسير الفخر الرازي:
- 19/ 166، وتفسير القرطبي: 10/ 7.(1/465)
لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)
ويكون ذلك بالإخطار بالبال ليجتنب.
وقال الحسن «1» : هو الذكر وإن لم يؤمنوا به.
15 سُكِّرَتْ أَبْصارُنا: سدّت. من سكر الشق «2» ، وليلة ساكرة:
مكفوفة الريح والبرد «3» .
19 مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ: مقدّر، بمقدار لا ينقص عن الحاجة ولا يزيد زيادة تخرج عن الفائدة، ولو كان المراد الأشياء الموزونة فذكرها دون الكيل، لانتهاء الكيل إلى الوزن.
20 وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ: أي: ولمن لستم ترزقونه، أو هو منّة بالخول كما منّ ب المعايش.
21 خَزائِنُهُ: مقدوراته، لأنّ الله يقدر أن يوجد ما شاء من جميع الأجناس «4» .
22 لَواقِحَ: بمعنى ملاقح «5» على تقدير: ذوات لقاح أو لقحة «6» .
__________
(1) أورده القرطبي في تفسيره: 10/ 7، وقال: «ذكره الغزنوي» . [.....]
(2) في تفسير الفخر الرازي: 19/ 171: «وأصله من «السكر» ، وهو سد الشق لئلا ينفجر الماء» .
وفي اللسان: 4/ 375 (سكر) : «وسكر النهر يسكره سكرا: سدّ فاه. وكل شق سدّ فقد سكر، والسّكر ما سدّ به، والسّكر: سد الشق ومنفجر الماء» .
(3) ينظر الصحاح: 2/ 688، واللسان: 4/ 375 (سكر) .
(4) المحرر الوجيز: 8/ 295.
(5) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: 1/ 348، ونص كلامه: «مجازها مجاز «ملاقح» ، لأن الريح ملقحة للسّحاب، والعرب قد تفعل هذا فتلقي الميم لأنها تعيده إلى أصل الكلام ... » .
قال الجوهري في الصحاح: 1/ 401 (لقح) : «ورياح لواقح، ولا يقال ملاقح، وهو من النوادر» .
وأورد ابن قتيبة قول أبي عبيدة ثم قال: «ولست أدري ما اضطره إلى هذا التفسير بهذا الاستكراه. وهو يجد العرب تسمى لواقح، والريح لاقحا ... » .
راجع تفسير غريب القرآن: 236.
(6) ينظر كتاب الريح لابن خالويه: (79، 80) ، وتفسير الفخر الرازي: 19/ 180.(1/466)
وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24)
والرّياح- ولا سيما- الصّبا «1» ملقحة للسّحاب.
وفي الحديث «2» : «الرياح أربعة: الأولى تقمّ الأرض قما «3» ، والثانية تثير السّحاب فتبسطه في السّماء وتجعله كسفا «4» ، والثالثة تؤلف بينه فتجعله ركاما، والرابعة اللّواقح» .
فَأَسْقَيْناكُمُوهُ: أسقاه، إذا جعل لأرضه سقيا «5» وإذا دعا له بالسّقيا.
24 الْمُسْتَقْدِمِينَ: الذين كانوا وماتوا «6» . أو أراد المستقدمين في الخير والمستأخرين عنه «7» .
__________
(1) قال المبرد في الكامل: 2/ 953: «إذا هبت من تلقاء الفجر فهي «الصّبا» تقابل القبلة، فالعرب تسميها القبول» .
وفي اللسان: 14/ 451 (صبا) : «الصّبا ريح معروفة تقابل الدبور» .
وفي الحديث المرفوع: «نصرت بالصّبا وأهلكت عادٌ بالدّبور» .
صحيح البخاري: 4/ 76، كتاب بدء الخلق، باب «ما جاء في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ.
وصحيح مسلم: 2/ 617، كتاب الاستسقاء، باب «في ريح الصبا والدبور» .
(2) أخرج- نحوه- الطبري في تفسيره: 14/ 21 عن عبيد بن عمير.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 73، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ عن عبيد بن عمير أيضا.
(3) في اللسان: 12/ 493 (قمم) : «قمّم الشيء قما: كنسه» .
(4) بمعنى: قطعا.
ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 261، والمفردات للراغب: 431، وتحفة الأريب: 272.
(5) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 350، وتفسير الطبري: 14/ 22، والمفردات للراغب:
236، وتهذيب اللغة: 9/ 228، واللسان: 14/ 391 (سقي) .
(6) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: (14/ 23، 24) عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وابن زيد ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 366 عن الضحاك. وابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 396 عن ابن عباس، ومجاهد، وعطاء، والضحاك، والقرظي.
(7) أخرجه الطبري في تفسيره: 14/ 25 عن الحسن.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 366 عن قتادة. والبغوي في تفسيره: 3/ 48 عن الحسن.
وابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 397 عن قتادة، والحسن.(1/467)
وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27)
و «الصّلصال» «1» : الطين اليابس الذي يصلّ بالنّقر كالفخّار «2» .
[51/ أ] والحمأ: الطين الأسود «3» /.
و «المسنون» : المصبوب، سننت الماء: صببته «4» ، أو المصوّر، من سنّة الوجه: صورته «5» ، أو المتغيّر، من سننت الحديدة على المسنّ فتغيّر بالتحديد «6» .
27 وَالْجَانَّ: أبو الجنّ إبليس «7» .
__________
(1) من قوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [آية: 26] .
(2) في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 350: «الصلصال: الطين اليابس الذي لم تصبه نار فإذا نقرته صلّ فسمعت له صلصلة، فإذا طبخ بالنار فهو فخّار، وكل شيء له صلصلة صوت فهو صلصال سوى الطين» .
ومعنى: يصلّ يصوت كما في معاني القرآن للزجاج: 3/ 178.
وانظر غريب القرآن لليزيدي: 200، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 237، وتفسير الطبري: 14/ 27، والمفردات للراغب: 284. [.....]
(3) تفسير الطبري: 14/ 28، وتفسير الماوردي: 2/ 367، والمفردات: 133.
(4) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 351، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 238، وتفسير الطبري: 14/ 29، والمحرر الوجيز: 8/ 306، وتفسير القرطبي: 10/ 22.
(5) ذكره الفخر الرازي في تفسيره: 19/ 184، وعزاه إلى سيبويه، وكذا القرطبي في تفسيره:
10/ 22. وانظر تفسير الطبري: 14/ 29، والكشاف: 2/ 390، وزاد المسير: 4/ 398، والبحر المحيط: 5/ 453.
(6) ذكره الفراء في معاني القرآن: 2/ 88. وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 238، وتفسير الطبري: 14/ 29، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 179، والمحرر الوجيز: 8/ 305، وزاد المسير: 4/ 398، وتفسير القرطبي: 10/ 22، والبحر المحيط: 5/ 453.
(7) أخرجه الطبري في تفسيره: 14/ 30 عن قتادة.
وفرّق بعضهم بين أبي الجن، وإبليس.
فنقل الماوردي في تفسيره: 2/ 368 عن الحسن أنه قال إنه إبليس.
وذكره ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 399 وزاد نسبته إلى عطاء، وقتادة، ومقاتل.
أما أبو الجن، فذكره ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 399، وقال: «قاله أبو صالح عن ابن عباس.
ونقله الفخر الرازي في تفسيره: 19/ 184 عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال: وهو قول الأكثرين» .(1/468)
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)
خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ: نار لطيفة «1» تناهت في العليّان «2» في أفق الهواء، وهي بالإضافة إلى النّار- التي جعلها الله متاعا- كالجمد إلى الماء والحجر إلى التراب.
32 ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ: موضع «أن» نصب بإسقاط «في» ، أي: أيّ شيء لك في أن لا تكون «3» .
47 إِخْواناً: حال «4» .
مُتَقابِلِينَ: لا ينظر بعضهم في قفا بعض «5» .
__________
(1) وفي صحيح مسلم: 4/ 2294، كتاب الزهد والرقائق، باب «في أحاديث متفرقة» عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار ... » .
(2) العليّان كصليّان، والمراد بالعليان الطول والارتفاع.
اللسان: 15/ 92 (علا) .
(3) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 179، وانظر تفسير الطبري: 14/ 32، وإعراب القرآن للنحاس: 2/ 380، والبيان لابن الأنباري: 2/ 69، والبحر المحيط: 5/ 453.
(4) معاني القرآن للزجاج: 3/ 180، وإعراب القرآن للنحاس: 2/ 382، والمحرر الوجيز:
8/ 320.
قال العكبري في التبيان: 2/ 783: «هو حال من الضمير في الظرف في قوله تعالى:
جَنَّاتٍ، ويجوز أن يكون حالا من الفاعل في ادْخُلُوها مقدرة، أو من الضمير في آمِنِينَ وقيل: هو حال من الضمير المجرور بالإضافة، والعامل فيها معنى الإلصاق والملازمة» .
وانظر تفسير القرطبي: (10/ 33، 34) ، والبحر المحيط: 5/ 457.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 14/ 38 عن مجاهد. ونقله ابن عطية في المحرر الوجيز: 8/ 320 عن مجاهد أيضا.
وانظر معاني القرآن للزجاج: 3/ 180، وتفسير البغوي: 3/ 52.(1/469)
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)
65 بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ: بظلمة «1» ، وقيل «2» : بآخر الليل.
وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ: سر خلفهم.
66 دابِرَ هؤُلاءِ: آخرهم «3» .
72 لَعَمْرُكَ: وحياتك «4» . وقيل «5» : مدة بقائك.
لَفِي سَكْرَتِهِمْ: سكرة الجهل غمورة «6» النّفس.
73 مُشْرِقِينَ: داخلين في وقت الإشراق وهو إضاءة الشمس، والشروق: طلوعها.
75 لِلْمُتَوَسِّمِينَ: للمتفكرين «7» .
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 373 عن قطرب.
(2) نقله ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 142 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
والماوردي في تفسيره: 2/ 373 عن الكلبي.
(3) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 353، وتفسير الطبري: 14/ 42، وتفسير الماوردي:
2/ 373، والمفردات للراغب: 164.
(4) أخرج الطبري في تفسيره: 14/ 44 عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «ما حلف الله تعالى بحياة أحد إلا بحياة محمد صلّى الله عليه وسلّم، قال: وحياتك يا محمد وبقائك في الدنيا ... » .
وأخرج نحوه أبو نعيم في دلائل النبوة: 1/ 70، والبيهقي في الدلائل: 5/ 488 عن ابن عباس.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 89، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، والحارث بن أبي أسامة، وأبي يعلى، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأشار الهيثمي في مجمع الزوائد: 7/ 49 إلى رواية أبي يعلى وقال: «وإسناده جيد» . [.....]
(5) تفسير الطبري: 14/ 44.
(6) في «ج» : غمرة.
(7) هذا قول الفراء في معانيه: 2/ 91، ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 374 عن ابن زيد، والبغوي في تفسيره: 3/ 55 عن مقاتل، وعزاه القرطبي في تفسيره: 10/ 43 إلى ابن زيد، ومقاتل.
قال الزجاج في معاني القرآن: 3/ 184: «وحقيقته في اللغة المتوسمون النظار المتثبتون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة سمة الشيء، تقول: توسّمت في فلان كذا وكذا، أي: عرفت وسم ذلك فيه» .(1/470)
وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79) وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80)
76 لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ: طريق واضح، كقوله «1» : لَبِإِمامٍ مُبِينٍ، ومعناه:
أنّ الاعتبار بها ممكن، لأنّ آثارها ثابتة مقيمة، وهي قرية «سدوم» «2» .
و «أصحاب الأيكة» «3» : قوم شعيب «4» ، بعث إليهم وإلى أهل مدين، فأهلك الله مدين بالصّيحة «5» والأيكة بالظّلّة فاحترقوا بنارها «6» .
79 وَإِنَّهُما: مدينة قوم لوط وأصحاب الأيكة «7» ، لَبِإِمامٍ مُبِينٍ:
طريق يؤمّ ويتّبع «8» .
80 الْحِجْرِ: ديار ثمود «9» .
__________
(1) آية: 79 من سورة الحجر.
(2) سدوم: بفتح أوله وضم ثانيه: مدينة من مدائن قوم لوط.
وفي معجم البلدان: 3/ 200 عن أبي حاتم الرازي في كتاب «المزال والمفسد» قال: إنما هو «سذوم» بالذال المعجمة، قال: والدال خطأ» .
قال الأزهري: «وهو الصحيح، وهو أعجمي» .
وانظر تهذيب اللّغة: 12/ 374، ومعجم ما استعجم: 3/ 729، والروض المعطار:
308.
(3) من قوله تعالى: وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ [آية: 78] .
(4) تفسير الطبري: 14/ 48، وتفسير البغوي: 3/ 55، والمحرر الوجيز: 8/ 344.
(5) وقال الله تعالى فيهم: وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ [هود: 94] .
(6) قال تعالى: فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الشعراء: آية:
189] .
وانظر تفسير الماوردي: 2/ 375، والمحرر الوجيز: 8/ 345.
(7) تفسير الطبري: 14/ 49، وتفسير الماوردي: 2/ 375، وتفسير البغوي: 3/ 55.
(8) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 91، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 239، وتفسير الطبري: 14/ 49.
(9) ذكره الطبري في تفسيره: 14/ 50، ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 375 عن ابن شهاب.
وينظر تفسير البغوي: 3/ 55، والتعريف والإعلام للسهيلي: 90.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 8/ 347: «وهي ما بين المدينة وتبوك» .(1/471)
وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)
85 فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ: الإعراض من غير احتفال، كأنّه يولّيه صفحة الوجه «1» . وعند من لا يرى النّسخ «2» هو فيما بينه وبينهم لا فيما أمر من جهادهم.
87 سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي: الفاتحة «3» ، لأنّها سبع آيات والذكر فيها مثنى مقسوم بين الرّبّ والعبد «4» . وقيل «5» : هي السّبع الطّول من أول القرآن.
__________
(1) تفسير الطبري: 14/ 51، والمفردات للراغب: 282، وتفسير القرطبي: 10/ 54.
(2) ذكره القرطبي في تفسيره: 10/ 54 فقال: «ليس بمنسوخ، وإنه أمر بالصفح في حق نفسه فيما بينه وبينهم» .
وذكر الفخر الرازي في تفسيره: 19/ 210 قول من قال إن الآية منسوخة بآية السيف ثم رده بقوله: «وهو بعيد لأن المقصود من ذلك أن يظهر الخلق الحسن والعفو والصفح، فكيف يصير منسوخا؟» . [.....]
(3) يدل عليه الحديث المرفوع الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 5/ 146، كتاب التفسير، باب «ما جاء في فاتحة الكتاب» بلفظ: «الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» .
وانظر تفسير الطبري: (14/ 54- 57) ، وزاد المسير: 4/ 413، وتفسير الفخر الرازي:
19/ 212، وتفسير ابن كثير: 4/ 465.
(4) وفي الحديث القدسي: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى عليّ عبدي. وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي ... » الحديث.
وهو في صحيح مسلم: 1/ 296، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة.
(5) أخرجه الطبري في تفسيره: (14/ 51- 54) عن ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك.
وأخرجه الطبراني في المعجم (الكبير: 11/ 59، والحاكم في المستدرك: 2/ 355، كتاب التفسير، «تفسير سورة الحجر» ، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
وأشار الهيثمي في مجمع الزوائد: 7/ 49 إلى رواية الطبراني عن ابن عباس، ثم قال:
«ورجاله رجال الصحيح» .(1/472)
لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89) كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90)
وقيل «1» : بل [هي] «2» السّور التي تقصر عن المئين وتزيد على المفصّل، لأنّها مثاني المئين، والمئين كالمبادي فإذا جعلت السّبع المثاني ف «من» للتبيين، وإذا جعلت القرآن مثاني لتثنية الأخبار والأمثال ف «من» للتبعيض «3» .
88 أَزْواجاً مِنْهُمْ: أصنافا وأشكالا «4» .
90 الْمُقْتَسِمِينَ: أي: أنزلنا عليك الكتاب/ كما أنزلنا على أهل [51/ ب] الكتاب فاقتسموه، آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه» .
وقيل «6» : هم كفار قريش اقتسموا طرقات مكّة فإذا مرّ بهم مارّ إلى
__________
(1) ذكره الفخر الرازي في تفسيره: 19/ 213، وقال: «واختار هذا القول قوم واحتجوا عليه بما روى ثوبان أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله تعالى أعطاني السبع الطوال مكان التوراة، وأعطاني المئين مكان الإنجيل، وأعطاني المثاني مكان الزبور، وفضلني ربي بالمفصّل» .
ثم قال الفخر الرازي رحمه الله: وأقول إن صحّ هذا التفسير عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلا غبار عليه، وإن لم يصح فهذا القول مشكل، لأنا قد بينا أن المسمى بالسبع المثاني يجب أن يكون أفضل من سائر السور، وأجمعوا على أن هذه السور التي سموها بالمثاني ليست أفضل من غيرها، فيمتنع حمل السبع المثاني على تلك السور» .
والسور المئون سميت بذلك لأن آيات كل سورة منها لا تزيد على المائة أو تقاربها، والمفصّل لقصر أعداد سوره من الآي، أو لكثرة الفصول التي بين السور ببسم الله الرحمن الرحيم.
انظر البرهان للزركشي: (1/ 244، 245) ، والإتقان: (1/ 179، 180) ، واللسان:
11/ 524 (فصل) .
(2) في الأصل: «هو» ، والمثبت في النص من «ك» .
(3) ينظر ما سبق في معاني الزجاج: 3/ 185، وزاد المسير: 4/ 415، وتفسير الفخر الرازي:
19/ 214.
(4) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 239، وتفسير الماوردي: 2/ 377، والكشاف: 2/ 397.
(5) أخرج الإمام البخاري في صحيحه: 5/ 222، كتاب التفسير، باب قوله: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «هم أهل الكتاب جزّءوه أجزاء وآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه» .
وانظر تفسير الطبري: (14/ 61، 62) ، ومفحمات الأقران: 130، والدر المنثور:
5/ 98.
(6) ذكره الفراء في معانيه: (2/ 91، 92) ، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 239، وأخرجه الطبري في تفسيره: 14/ 63 عن قتادة. ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 378 عن الفراء.(1/473)
النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال بعضهم: هو ساحر، وقال آخر: هو شاعر، وآخر: مجنون وكاهن، فكانوا مقتسمين إمّا طرق مكة، أو القول في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقوله: عِضِينَ يدلّ على اقتسام القول، أي: جعلوا القول في القرآن [فرقا] «1» من شعر وكهانة وأساطير كأنّهم عضوه أعضاء كما يعضّى الجزور، والأصل «عضة» منقوصة فكانت «عضوة» ك «عزة» و «عزين» «2» و «برة» و «برين» «3» .
وقال الفراء «4» : «العضة» : السّحر، والجمع «العضون» .
وفي الحديث «5» : «لعن الله العاضهة والمستعضهة» ، أي: السّاحرة والمستسحرة «6» .
ويقال: ينتجب غير عضاهة: ينتحل شعر غيره «7» .
__________
(1) ما بين معقوفين عن «ك» و «ج» .
(2) عزون: جمع «عزه» ، وهي الجماعة من الناس.
مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 270، والمفردات: 334.
(3) عن معاني القرآن للفراء: (2/ 92، 93) قال: «وواحد البرين برة. ومثل ذلك «الثبين» و «عزين» . ويجوز فيه ما جاز في العضين والسنين، وإنما جاز ذلك في هذا المنقوص الذي كان على ثلاثة أحرف فنقصت لامه، فلما جمعوه بالنون توهموا أنه «فعول» إذ جاءت الواو وهي واو جماع، فوقعت في موقع الناقص، فتوهموا أنها الواو الأصلية وأن الحرف على فعول ... » .
(4) معاني القرآن: 2/ 92.
(5) ذكره مرفوعا الماوردي في تفسيره: 2/ 379، والزمخشري في الكشاف: 2/ 399، وابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 419، والقرطبي في تفسيره: 10/ 59.
قال الحافظ ابن حجر في الكافي الكشاف: 94: «رواه أبو يعلى، وابن عدي، من حديث ابن عباس، وفي إسناده زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام، وهما ضعيفان، وله شاهد عند عبد الرزاق من رواية عن ابن جريج عن عطاء» . [.....]
(6) تهذيب اللغة: 1/ 130، والنهاية: 3/ 255.
(7) هذا من أقوال العرب كما في تهذيب اللغة للأزهري: 1/ 132، واللسان: 13/ 518 (عضه) .(1/474)
فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95)
والتوفيق بين قوله «1» : لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، وقوله «2» : لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ أنّه لا يسأل هل أذنبتم؟ للعلم به، ولكن لم أذنبتم؟ «3» ، أو المواقف مختلفة يسأل في بعضها أو في بعض اليوم «4» .
وقوله «5» : هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ، مع قوله «6» : عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ فالمراد هو النّطق المسموع المقبول.
94 فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ: احكم بأمرنا.
95 إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ: هم الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وأبو زمعة «7» ، والأسود بن عبد يغوث، والحارث بن [الطلاطلة] «8» ، وطيء الحارث شبرقة «9» فلم يزل يحك بدنه حتى مات.
وقال العاص: لدغت لدغت، فلم يجدوا شيئا فمات مكانه.
__________
(1) الحجر: آية: 92.
(2) سورة الرحمن: آية: 39.
(3) ذكره البغوي في تفسيره: (3/ 58، 59) ، ثم قال: «واعتمده قطرب فقال: السؤال ضربان سؤال استعلام وسؤال توبيخ، فقوله تعالى: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ يعني: استعلاما، وقوله: لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ يعني توبيخا وتقريعا» اهـ.
وانظر هذا القول في المحرر الوجيز: 8/ 358، وزاد المسير: (4/ 419، 420) ، وتفسير الفخر الرازي: 19/ 218، وتفسير القرطبي: 10/ 61.
(4) ذكره البغوي في تفسيره: 3/ 59، وعزاه إلى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 420.
وانظر تفسير الفخر الرازي: 19/ 219، وتفسير القرطبي: 10/ 61.
(5) سورة المرسلات: آية: 35.
(6) سورة الزمر: آية: 31.
(7) هو الأسود بن المطلب بن أسد.
(8) في الأصل و «ك» و «ج» : «حنظلة» ، والمثبت في النص عن المصادر التي ذكرت هذه الرواية.
(9) الشّبرق: نبت حجازي يؤكل وله شوك، وإذا يبس يسمّى الضّريع.
النهاية لابن الأثير: 2/ 440، واللسان: 10/ 172 (شبرق) .(1/475)
وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)
وعمي أبو زمعة، وأصابت الأسود الآكلة «1» ، وتعلقت بالوليد سروة- أي دودة «2» - فخدشته فلم يبرح مريضا حتى مات «3» .
99 وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ: النّصر الموعود «4» ، أو الموت «5»
__________
(1) الآكلة جمع أكلة، ويقال فيها أواكل، والأواكل قروح إذا ظهرت أكلت ما حولها من اللحم وقشرت العظم الذي يليها لحريفية المادة، وربما أبطلت العضو، وقد تدعو الحاجة إلى قطع ما فوقها لسلامة باقي البدن.
ينظر تذكرة أولي الألباب: 2/ 12.
(2) اللسان: 14/ 381 (سرا) .
(3) ورد نحو هذه الرواية في السيرة لابن هشام: (1/ 409، 410) ، وتفسير الطبري:
(14/ 69، 72) ، ودلائل النبوة لأبي نعيم: (1/ 355، 356) ، ودلائل النبوة للبيهقي:
(2/ 316- 318) ، ومجمع الزوائد: (7/ 49، 50) عن الطبراني في «الأوسط» عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال: «وفيه محمد بن عبد الملك النيسابوري» ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات، وبين هذه الروايات اختلاف كثير.
قال الفخر الرازي في تفسيره: 19/ 220: «واعلم أن المفسرين قد اختلفوا في عدد هؤلاء المستهزئين في أسمائهم وفي كيفية طريق استهزائهم، ولا حاجة إلى شيء منها. والقدر المعلوم أنهم طبقة لهم قوة وشوكة ورئاسة لأن أمثالهم هم الذين يقدرون على إظهار مثل هذه السفاهة مع مثل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في علو قدره وعظيم منصبه، ودل القرآن على أن الله تعالى أبادهم وأزال كيدهم. والله أعلم» اهـ. [.....]
(4) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 381 عن ابن شجرة، وكذا القرطبي في تفسيره: 10/ 64، وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 424، وقال: «حكاه الماوردي» ، ونقله أبو حيان في البحر المحيط: 5/ 471 عن ابن بحر.
(5) أخرجه الطبري في تفسيره: 14/ 74 عن سالم بن عبد الله بن عمر، ومجاهد، وقتادة، والحسن، وابن زيد.
وأورده الإمام البخاري في صحيحه: 5/ 222 عن سالم تعليقا.
ويدل على هذا القول ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 2/ 71، كتاب الجنائز، باب «الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه» أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل على عثمان بن مظعون- رضي الله عنه- وقد مات، فقالت أم العلاء الأنصارية: رحمة الله عليك يا أبا السائب (كنية عثمان بن مظعون) فشهادتي عليك لقد أكرمك الله.
فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وما يدريك أنّ الله أكرمه؟ فقلت (أم العلاء) : بأبي أنت يا رسول الله فمن يكرمه الله؟ فقال عليه السلام: أما هو فقد جاءه اليقين، والله إني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي، قالت: فو الله لا أزكي أحدا بعده أبدا» .(1/476)
الذي هو موقن به.
قال عليه السلام «1» : «ما أوحي إليّ أن اجمع المال فأكون من التاجرين، ولكن أوحي إليّ أن سبّح بحمد ربك ... » الآيتان.
__________
(1) أخرج ابن عدي في الكامل: 5/ 1897 هذا الحديث وعدة أحاديث غيره من طريق أبي طيبة عيسى بن سليمان عن كرز بن وبرة، ثم قال: «وهي كلها غير محفوظة، وأبو طيبة هذا كان رجلا صالحا ولا أظن أنه كان يتعمد الكذب» .
ورواه أيضا السّهمي في تاريخ جرجان: 342، وأبو نعيم في حلية الأولياء: 2/ 231، عن ابن مسعود مرفوعا.
وأخرجه البغوي في تفسيره: 3/ 60 عن جبير بن نفير مرفوعا.
وعزاه القرطبي في تفسيره: 10/ 64 إلى أبي مسلم الخولاني مرفوعا.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 105، ونسب إخراجه إلى سعيد بن منصور، وابن المنذر، والحاكم في «التاريخ» ، وابن مردويه، والديلمي- كلهم- عن أبي مسلم الخولاني مرفوعا.(1/477)
أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)
المجلد الثاني
بسم الله الرّحمن الرّحيم
ومن سورة النحل
1 أَتى أَمْرُ اللَّهِ: استقرّ دينه، وأحكامه «1» ، فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ:
بالتكذيب، أو أتى أمره وعدا فلا تستعجلوه وقوعا «2» .
و/ «الروح» «3» : الوحي بالنّبوّة «4» ، كقوله تعالى «5» : يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ، أو هو البيان عن الحق الذي يجب العمل به، أو هو الروح الذي تحيا به الأبدان.
__________
(1) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 14/ 75 عن الضحاك.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 382 عن الضحاك، وكذا ابن عطية في المحرر الوجيز:
8/ 365، وقال: «ويبعده قوله: فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ لأنا لا نعرف استعجالا إلّا ثلاثة: اثنان منها للكفار في القيامة وفي العذاب، والثالث للمؤمنين في النصر وظهور الإسلام» .
وانظر زاد المسير: 4/ 427، وتفسير الفخر الرازي: 19/ 223، وتفسير القرطبي:
10/ 65.
(2) ذكره الطبريّ في تفسيره: (14/ 75، 76) ، ورجحه، وضعّف القول الأول الذي نسب إلى الضحاك فقال: «وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: هو تهديد من الله أهل الكفر به وبرسوله، وإعلام منه لهم قرب العذاب منهم والهلاك، وذلك أنّه عقب ذلك بقوله سبحانه وتعالى: عَمَّا يُشْرِكُونَ فدل ذلك على تقريعه المشركين، ووعيده لهم.
وبعد، فإنه لم يبلغنا أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم استعجل فرائض قبل أن تفرض عليهم، فيقال لهم من أجل ذلك: قد جاءتكم فرائض الله فلا تستعجلوها، وأما مستعجلو العذاب من المشركين، فقد كانوا كثيرا» اه.
(3) في قوله تعالى: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ... [آية: 2] .
(4) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 241، وتفسير الطبري: 14/ 77، وتفسير الماوردي:
2/ 383، والمحرر الوجيز: 8/ 368، وزاد المسير: 4/ 428، وتفسير القرطبي:
10/ 67.
(5) سورة غافر: آية: 15.(2/478)
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6)
4 فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ: أي: من أخرج من النطفة ما هذه صفته فقد أعظم العبرة «1» .
5 دِفْءٌ: ما يستدفأ به من لباس «2» ، سمّي بالمصدر من دفؤ الزمان يدفؤ دفأ فهو دفيء، ودفيء الرجل فهو دفآن.
وفي الحديث «3» : «أنّه أتي بأسير يوعك فقال: أدفوه» فقتلوه «4» ، فوداه «5» أراد عليه السّلام: أدفئوه، فترك الهمز إذ لم يكن في لغته، ولو أراد القتل لقال: دافّوه، داففت الأسير: أجهزت عليه «6» .
7 بِشِقِّ الْأَنْفُسِ: بجهدها «7» .
6 تُرِيحُونَ: باللّيل إلى معاطنها «8» ، وَحِينَ تَسْرَحُونَ: بالنّهار إلى مسارحها «9» .
__________
(1) عن تفسير الماوردي: 2/ 383.
وقال ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 429: «والمعنى: أنه مخلوق من نطفة، وهو مع ذلك يخاصم وينكر البعث، أفلا يستدل بأوله على آخره، وأنّ من قدر على إيجاده أولا، يقدر على إعادته ثانيا ... » .
(2) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 241، وتفسير الطبري: 14/ 78، ومعاني الزجاج: 3/ 190.
(3) أورده أبو عبيد في غريب الحديث: 4/ 33.
وهو أيضا في الفائق: 1/ 428، وغريب الحديث لابن الجوزي: 1/ 341، والنهاية:
2/ 123، وقد جاء في هذين الأخيرين «يرعد» بدل «يوعك» .
(4) الإدفاء: القتل في لغة اليمن.
النهاية لابن الأثير: 2/ 123، واللسان: 1/ 76 (دفأ) .
(5) أي: أدى ديته.
(6) الجمهرة لابن دريد: 2/ 1060، وغريب الحديث للخطابي: 2/ 269. [.....]
(7) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 97، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 241، وتفسير الطبري: 14/ 80، والمفردات للراغب: 264.
(8) معاطن الإبل: مباركها ومنازلها.
النهاية: 3/ 258، واللسان: 13/ 286 (عطن) .
(9) قال الطبري- رحمه الله- في تفسيره: 14/ 80: «يعني تردونها بالعشي من مسارحها إلى مراحها ومنازلها التي تأوي إليها، ولذلك سمي المكان: المراح، لأنها تراح إليها عشيا، فتأوي إليه، يقال منه: أراح فلان ماشيته، فهو يريحها إراحة. وقوله: وَحِينَ تَسْرَحُونَ يقول: وفي وقت إخراجكموها غدوة من مراحها إلى مسارحها، يقال منه: سرح فلان ماشيته يسرحها تسريحا، إذا أخرجها للرعي غدوة، وسرحت الماشية: إذا خرجت للمرعى تسرح سرحا وسروحا، فالسرح بالغداة، والإراحة بالعشي» .(2/479)
وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)
9 وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ: بيان الحق. أو إليه طريق كلّ أحد لا يقدر أحد أن يجوز عنه.
وَمِنْها جائِرٌ: أي: من السّبيل ما هو مائل عن الحق «1» .
10 تُسِيمُونَ: ترعون أنعامكم، والسّوم في الرعي من التسويم بالعلامة «2» لأنّ الراعي يسم الراعية بعلامات يعرف بها البعض عن البعض.
أو يظهر في مواضع الرعي علامات وسمات من اختلاء النبات «3» ومساقط الأبعار.
14 وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ: أي: جواري «4» . مخرت السفينة كما تمخر الرّيح.
والمخر: هبوب الريح، والمخر: شق الماء بشيء يعترض في جهة جريانه «5» .
__________
(1) قال الطبري في تفسيره: 14/ 84: «يعني تعالى ذكره: ومن السبيل جائر عن الاستقامة معوج، فالقاصد من السبل: الإسلام، والجائر منها: اليهودية والنصرانية، وغير ذلك من ملل الكفر كلها جائر عن سواء السبيل وقصدها، سوى الحنيفية المسلمة» .
(2) معاني القرآن للزجاج: 3/ 192، واللسان: 12/ 312 (سوم) .
(3) اختلاء النبات: نزعها وقطعها. وفي اللسان: «واختلاه فانخلى: جزّه وقطعه ونزعه» .
اللسان: 14/ 243 (خلا) .
(4) أخرجه الطبري في تفسيره: 22/ 124 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 242، والزجاج في معانيه: 3/ 193، والبغوي في تفسيره: 3/ 64، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 435 عن ابن عباس رضي الله عنهما. وكذا الفخر الرازي في تفسيره: 20/ 7.
(5) ينظر تفسير الماوردي: 2/ 386، والمفردات للراغب: 464، والكشاف: 2/ 404، وزاد المسير: 4/ 435، وتفسير الفخر الرازي: 20/ 7، وتفسير القرطبي: 10/ 89، واللسان:
5/ 160 (مخر) .
قال الفخر الرازي رحمه الله: «إذا عرفت هذا فقول ابن عباس: «مواخر» أي: جوار، إنما حسن التفسير به، لأنها لا تشق الماء إلا إذا كانت جارية» .(2/480)
وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34) وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39) إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40) وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)
وقيل «1» : مَواخِرَ: مواقر مثقلات.
15 أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ: لئلا تميد «2» .
27 كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ: تظهرون شقاق المسلمين لأجلهم.
28 فَأَلْقَوُا السَّلَمَ: الخضوع والاستسلام لملائكة العذاب «3» .
46 تَقَلُّبِهِمْ: تصرّفهم في أسفارهم وأعمالهم «4» .
47 أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ: أي: ما يتخوّفون منه من الأعمال السّيئة «5» .
أو [ما يتخوفون] «6» عليه من متاع الدنيا.
وقيل «7» : هو على تنقّص، أي: نسلّط عليهم الفناء فيهلك الكثير في
__________
(1) أخرجه الطبري في تفسيره: 14/ 88 عن الحسن رحمه الله تعالى.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 386 عن الحسن أيضا، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير:
4/ 435، والقرطبي في تفسيره: 10/ 89.
(2) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 242: «أي: لئلا تميد بكم الأرض. والميد:
الحركة والميل. ومنه يقال: فلان يميد في مشيته: إذا تكفّا» .
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 357، وتفسير الطبري: 14/ 90، وتفسير البغوي:
3/ 64.
(3) قال ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 442: «قال المفسرون: وهذا عند الموت يتبرؤون من الشرك، وهو قولهم: ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ وهو الشرك، فترد عليهم الملائكة فتقول:
بَلى، وقيل: هذا رد خزنة جهنم عليهم: بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من الشرك والتكذيب.
(4) تفسير الطبري: 14/ 112، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 201، وتفسير الماوردي:
2/ 392، وتفسير القرطبي: 10/ 109، وتفسير ابن كثير: 4/ 493.
(5) ذكر نحوه الماوردي في تفسيره: 2/ 392.
(6) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» . [.....]
(7) معاني القرآن للفراء: 2/ 101، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 360.
وقال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 243: «ومثله: التخوّن، يقال: تخوفته الدهور وتخونته، إذا نقصته وأخذت من ماله أو جسمه» .
وانظر تفسير الطبري: (14/ 112- 114) ، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 201، وتفسير البغوي: 3/ 70.(2/481)
وقت يسير، أو بنقصهم في أموالهم وثمارهم «1» .
وسأل عمر عنها على المنبر فسكت النّاس حتى قام شيخ هذليّ فقال: هذه لغتنا، التخوّف: التنقّص. فقال عمر: و/ هل شاهد «2» ؟ فأنشد لأبي كبير «3» :
تخوّف الرّحل «4» منها تامكا «5» قردا ... كما تخوّف عود النّبعة السّفن «6»
__________
(1) ذكره الزجاج في معاني القرآن: 3/ 201.
وانظر زاد المسير: 4/ 451، وتفسير القرطبي: (10/ 109، 110) .
(2) كذا في «ك» وورد في المصادر التي ذكرت الرواية: «فهل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟
قال: نعم ... » .
(3) كذا ورد في الرواية التي ذكرها القرطبي في تفسيره: 10/ 110، والبيضاوي في تفسيره:
1/ 557، منسوبا إلى أبي كبير الهذلي.
ونسبه الأزهري في التهذيب: 7/ 594 إلى ابن مقبل، والجوهري في الصحاح: 4/ 1359 (خوف) إلى ذي الرمة، والزمخشري في الكشاف: 2/ 411 إلى زهير.
وأورده صاحب اللسان مرتين، نسبه في الأولى مادة (خوف) إلى ابن مقبل، وفي الثانية (سفن) إلى ذي الرمة.
وقد ذكر الزبيدي هذا الاختلاف في نسبة البيت فقال: «وقد روى الجوهري هذا الشعر لذي الرمّة، ورواه الزجاج، والأزهري لابن مقبل، قال الصّاغاني: وليس لهما. وروى صاحب الأغاني- في ترجمة حمّاد الراوية- أنه لابن مزاحم الثمالي، ويروى لعبد الله بن العجلان النّهدي.
قلت (الزبيدي) : وعزاه البيضاوي في تفسيره إلى أبي كبير الهذلي، ولم أجد في ديوان شعر هذيل له قصيدة على هذا الرويّ» اه.
ينظر تاج العروس: 23/ 292 (خوف) .
(4) في تهذيب اللّغة، والصحاح، واللسان، وتاج العروس: «السّير» : مكان «الرحل» .
(5) في الأصل: «تامكا صلبا قردا ... » ، وأثبت ما ورد في «ك» ، وسائر المصادر التي ذكرت البيت.
(6) قال القرطبي في شرح هذا البيت: «تمك السنام يتمك تمكا، أي: طال وارتفع فهو تامك، والسّفن والمسفن ما ينجر به الخشب» .
ينظر تفسيره: 10/ 111.(2/482)
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48)
فقال عمر: عليكم بديوانكم شعر العرب «1» .
48 يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ: يتميل ويتحول «2» ، وتفيّأت في الشّجرة: دخلت في أفيائها، والفيء: الظلّ بعد الزوال لأنه مال «3» .
عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ: في أول النهار وآخره «4» ، إذ بالغداة يتقلص «5» الظلّ من إحدى الجهتين وبالعشيّ ينبسط من الأخرى.
وجمع الشَّمائِلِ للدلالة على أنّ المراد ب «اليمين» الجمع على معنى الجنس، ولأنّ الابتداء من اليمين ثم ينقبض حالا فحالا عن الشمائل «6» .
__________
(1) أورد هذا الأثر الزمخشري في الكشاف: 2/ 411، والفخر الرازي في تفسيره: 20/ 40، والقرطبي في تفسيره: 10/ 110، والبيضاوي في تفسيره: 1/ 557.
وأشار إليه المناوي في الفتح السماوي: 2/ 755، وقال: «لم أقف عليه» .
ونقل محقق الفتح السماوي عن ابن همات الدمشقي في تحفة الراوي في تخريج أحاديث البيضاوي أنه قال: «قال السيوطي: لا يحضرني الآن تخريجه، لكن أخرج ابن جرير (تفسير الطبري: 14/ 113) عن عمر أنه سألهم عن هذه الآية فقالوا: ما نرى إلا أنه عند تنقص ما يردده من الآيات، فقال عمر: ما أرى إلّا أنه على تنتقصون من معاصي الله، فخرج رجل ممن كان عند عمر فلقي أعرابيا فقال: يا فلان ما فعل ربك؟ قال: قد تخيفته يعني- تنقصته- فرجع إلى عمر فأخبره، فقال: قدر الله ذلك» .
(2) عن تفسير الماوردي: 2/ 392.
(3) هذا قول رؤبة بن العجاج، قال ثعلب في كتابه «الفصيح» : 319: «وأخبرت عن أبي عبيدة قال: قال رؤبة بن العجاج: كل ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فيء وظلّ وما لم تكن عليه الشمس فهو ظل» .
وانظر تهذيب اللغة: (15/ 577، 578) ، والمحرر الوجيز: 8/ 432، وتفسير الفخر الرازي: 20/ 41.
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 14/ 115 عن قتادة، ونقله الماوردي في تفسيره:
2/ 393 عن قتادة، والضحاك. وكذا البغوي في تفسيره: 3/ 71.
(5) في «ج» : يتنقص.
(6) ينظر المحرر الوجيز: 8/ 432، وزاد المسير: 4/ 453، وتفسير الفخر الرازي: 20/ 43، وتفسير القرطبي: 10/ 112.(2/483)
يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50) وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)
سُجَّداً: خضّعا «1» لأمر الله لا يمتنع على تصريفه، إذ التصرف لا يخلو عن التغير، والتغيّر لا بدّ له من مغيّر ومدبّر فهي في تلك الشهادة كالخاضع السّاجد.
داخِرُونَ: صاغرون خاضعون «2» بما فيهم من التسخير ودلائل التيسير.
50 يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ: أي عذابه وقضاءه، إذ قدرته فوق ما أعارهم من القوى والقدر، كقوله «3» : وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ، أو لمّا وصف الله بالتعالي على معنى لا قادر أقدر منه، وأنّ صفته في أعلى مراتب صفات القادرين حسن القول مِنْ فَوْقِهِمْ ليدل على هذا المعنى.
53 تَجْئَرُونَ: ترفعون أصواتكم بالاستغاثة «4» .
52 وَلَهُ الدِّينُ: الطاعة «5» ، واصِباً: دائما، أو خالصا «6» .
والوصب «7» : التّعب بدوام العمل.
__________
(1) تفسير الماوردي: 2/ 393، وزاد المسير: 4/ 453، وتفسير الفخر الرازي: 20/ 44. [.....]
(2) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 360، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 243، وتفسير الطبري: 14/ 116، والمفردات للراغب: 166.
(3) سورة الأنعام: آية: 61.
(4) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 3/ 204، وقال: «يقال: جأر الرجل يجأر جؤارا» .
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 361، وتفسير الطبري: 14/ 121، وتفسير البغوي:
3/ 72.
(5) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 243، وتفسير الطبري: 14/ 118، ومعاني الزجاج:
3/ 203، وتفسير الماوردي: 2/ 394.
(6) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 104، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 361، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 243، وتفسير الطبري: (14/ 119، 120) ، وتفسير البغوي: 3/ 72.
(7) تفسير الطبري: 14/ 118، وتهذيب اللغة للأزهري: 12/ 255، واللسان: 1/ 797 (وصب) ، والبحر المحيط: 5/ 500.(2/484)
لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61)
55 لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ: بما أنعمنا عليهم، أي: جعلوا ما أنعمنا به عليهم سببا للكفر، فهم بمنزلة من أشرك في العبادة ليكفروا بما أوتى من النعمة كأنّه لا غرض في شركه إلّا هذا.
56 تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ: سؤال التوبيخ وهو الذي لا جواب لصاحبه إلا بما فيه فضيحته، وهو يشبه سؤال الجدال من المحق للمبطل.
وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ: أنه يضر وينفع.
نَصِيباً: يتقربون به إليه، أي: الأصنام، كما في قوله «1» : وَهذا لِشُرَكائِنا.
57 وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ: أي: من البنين.
60 وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى: مع/ قوله «2» : فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ [35/ أ] لأنّها الأمثال التي توجب الاشتباه «3» .
ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ: أي: من أهل الظلم «4» ، أو لأنّه لو أهلك
__________
(1) سورة الأنعام: آية: 136.
(2) سورة النحل: آية: 74.
(3) في «ك» : الأشباه.
وذكر القرطبي هذا القول في تفسيره: 10/ 119، وقال: «أي لا تضربوا لله مثلا يقتضي نقصا وتشبيها بالخلق، و «المثل الأعلى» وصفه بما لا شبيه له ولا نظير ... » .
(4) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 396، وابن عطية في المحرر الوجيز: 8/ 450، عن فرقة، قال: «ويدل على هذا التخصيص أن الله تعالى لا يعاقب أحدا بذنب أحد.
واحتجت- الفرقة- بقوله تعالى: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى. وهذا كله لا حجة فيه وذلك أن الله تعالى لا يجعل العقوبة تقصد أحدا بسبب إذ ناب غيره، ولكنه إذا أرسل عذابا على أمة عاصية لم يمكن البريء التخلص من ذلك العذاب، فأصابه العذاب لا بأنه له مجازاة. ونحو هذا قوله: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث» .
ثم لا بد من تعلق ظلم ما بالأبرياء وذلك بترك التغيير ومداجنة أهل الظلم ومداومة جوارهم» اه.
وانظر تفسير الفخر الرازي: 20/ 61، وتفسير القرطبي: (10/ 119، 120) .(2/485)
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)
الآباء لم يكن الأنباء «1» .
62 لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ: وجب قطعا، أو كسب فعلهم أنّ لهم النّار، فيكون لا ردّا للكلام «2» ، أو صلة.
مُفْرَطُونَ: معجّلون «3» ، أو مقدمون، تقول: أفرطناه في طلب الماء: قدمناه.
66 مِمَّا فِي بُطُونِهِ: التذكير للرد إلى لفظ «ما» «4» ، أو للردّ على النّعم.
والنّعم والأنعام واحد «5» لأنّ النّعم اسم جنس فيذكّر على اللّفظ، ألا ترى أنّ النعم يؤنث على نية الأنعام فيذكّر الأنعام على نية النّعم. أو ردّ الكناية إلى البعض «6» ، أي: نسقيكم مما في بطون البعض منها إذ ليس لكلّها لبن يشرب.
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 396 دون عزو، وكذا البغوي في تفسيره: 3/ 74، والفخر الرازي في تفسيره: 20/ 61، والقرطبي في تفسيره: 10/ 119.
(2) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 207، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 460، والفخر الرازي في تفسيره: 20/ 62، والقرطبي في تفسيره: 10/ 121 عن الزجاج.
(3) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: (244، 245) : «أي معجلون إلى النار. يقال: فرط مني ما لم أحسبه، أي: سبق. والفارط: المتقدم إلى الماء لإصلاح الأرشية والدلاء حتى يرد القوم وأفرطته: أي: قدمته» .
وانظر تفسير الطبري: 14/ 128، ومعاني الزجاج: 2/ 207، والكشاف: 2/ 415، والمفردات للراغب: 376.
(4) ذكره الطبري في تفسيره: 14/ 132، والفخر الرازي في تفسيره: 20/ 66. ونقله القرطبي في تفسيره: 10/ 124 عن الكسائي. [.....]
(5) ذكره الفراء في معانيه: (2/ 108، 109) .
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 362، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 245، وتفسير الطبري: 14/ 131، وإعراب القرآن للنحاس: 2/ 401، وزاد المسير: 4/ 463.
(6) نقله المؤلف في وضح البرهان: 1/ 507 عن المؤرج.
وأورده النحاس في إعراب القرآن: 2/ 402، وقال: «حكاه أبو عبيد عن أبي عبيدة» ، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 463، والقرطبي في تفسيره: 10/ 124 عن أبي عبيدة أيضا.
وانظر تفسير الطبري: 14/ 133، والمحرر الوجيز: 8/ 457.(2/486)
وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)
67 سَكَراً: شرابا مسكرا «1» ، وَرِزْقاً حَسَناً: فاكهة.
وقيل «2» : السكر ما شربت، والرزق الحسن ما أكلت.
68 وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ: ألهمها «3» ، أي: جعله في طباعها حتى صارت سبله لها مذلّلة سهلة، فتراها تبكّر إلى الأعمال وتقسمها بينها كما يأمرها اليعسوب «4» فبعض يعمل الشّمع، وبعض العسل، وبعض يبني البيوت، وبعض يستقي الماء ويصبّه في الثّقب.
يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ: سمّاه شرابا إذ يجيء منه الشّراب وإن كانت تجيء بالعسل بأفواهها فهو يخرج من جهة أجوافها وبطونها ويكون باطنا في فيها ولأن الاستحالة لا يكون إلّا في البطن فالنّحل تخرج العسل من البطن إلى الفم كالريق، وخوطب بهذا الكلام أهل تهامة وضواحي كنانة
__________
(1) فيكون هذا القول محمولا على قبل تحريم الخمر، وقد ذكر هذا القول الفراء في معانيه:
2/ 109، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 245، وأخرجه الطبري في تفسيره:
(14/ 134- 136) عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن، ومجاهد.
قال الفخر الرازي في تفسيره: 20/ 70 «فإن قيل: الخمر محرمة فكيف ذكرها في معرض الإنعام؟ أجابوا عنه من وجهين:
الأول: أن هذه السورة مكية، وتحريم الخمر نزل في سورة المائدة، فكان نزول هذه الآية في الوقت الذي كانت فيه غير محرمة.
الثاني: أنه لا حاجة إلى التزام هذا النسخ، وذلك لأنه تعالى ذكر ما في هذه الأشياء من المنافع وخاطب المشركين بها، والخمر من أشربتهم فهي منفعة في حقهم، ثم إنه تعالى نبه في هذه الآية أيضا على تحريمها، وذلك لأنه ميز بينها وبين الرزق الحسن في الذكر، فوجب أن يكون السكر رزقا حسنا، ولا شك أنه حسن بحسب الشهوة، فوجب أن يقال الرجوع عن كونه حسنا بحسب الشريعة، وهذا إنما يكون كذلك إذا كانت محرمة» اه.
(2) نقله المؤلف- رحمه الله- في كتابه وضح البرهان: 1/ 508 عن الحسن رحمه الله تعالى، ونقله البغوي في تفسيره: 3/ 75 عن الشعبي.
(3) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 109، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 245، وتفسير الطبري: 14/ 139، ومعاني الزجاج: 3/ 310، والمحرر الوجيز: 8/ 460.
(4) اليعسوب: فحل النحل.
النهاية: 3/ 234، واللسان: 1/ 599 (عسب) .(2/487)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71)
- وهم أهل العسل- فلم ينكر أحد هذا المجاز.
فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ: إذ المعجونات كلها بالعسل، وفي الحديث «1» :
«عليكم بالشفاءين: القرآن والعسل» .
70 أَرْذَلِ الْعُمُرِ: أردأه وأوضعه «2» ، وهو إذا صار إلى خمس وسبعين سنة، عن عليّ رضي الله عنه «3» .
لِكَيْلا يَعْلَمَ: لما فيه من الاعتبار بتصريف الأحوال.
71 فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ: أي:
ما ملكت أيمانهم لا يشاركونهم في ملكهم ولا يملكون/ شيئا من رزقهم، فكيف يجعلون لله من خلقه شركاء في ملكه «4» .
و «الحفدة» «5» : الخدم والأعوان «6» . وبنو البنين بلغة سعد
__________
(1) أخرجه ابن ماجة في السنن: 2/ 1142، كتاب الطب، باب «العسل» عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعا.
وأخرجه الحاكم في المستدرك: 4/ 200، كتاب الطب، باب «الشفاء شفاءان قراءة القرآن وشرب العسل» عن عبد الله بن مسعود مرفوعا، وقال: «هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 144، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عن ابن مسعود موقوفا.
(2) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 246، وتفسير الطبري: 14/ 141، والكشاف: 2/ 418، وتفسير القرطبي: 10/ 140، واللسان: 11/ 281 (رذل) .
(3) أخرجه الطبري في تفسيره: (14/ 141، 142) عن علي رضي الله عنه.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 400 عن علي أيضا، وكذا البغوي في تفسيره: 3/ 76، وابن عطية في المحرر الوجيز: 8/ 464، وابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 467.
(4) ينظر تفسير الطبري: 14/ 142، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 212، وتفسير البغوي:
3/ 77، والمحرر الوجيز: 8/ 465.
(5) في قوله تعالى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ... [آية: 72] .
(6) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 110، وأبو عبيدة في مجاز القرآن: 1/ 364، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 246، وأخرجه الطبري في تفسيره: (14/ 144، 145) عن ابن عباس، وعكرمة، والحسن، ومجاهد، وقتادة.(2/488)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83) وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)
العشيرة «1» ، أي: الله جعل من الأزواج بنين ومن يعاون على ما يحتاج إليه بسرعة. يقال: حفد أسرع في العمل «2» .
76 كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ: وليّه.
77 وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ: أي: إذا أمرنا «3» .
أَوْ هُوَ أَقْرَبُ: على تقدير قول المخاطب وشكه، أي: كونوا فيها على هذا الظن.
84 نَبْعَثُ [مِنْ] «4» كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً: يبعث الله يوم القيامة من أهل كل عصر من هو حجة عليهم فيشهد.
90 إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ: تجالس مسروق «5» وشتير «6» ، فقال شتير:
__________
(1) ورد في كتاب لغات القرآن لأبي عبيد: 160 أن «الحفدة» : الأختان، بلغة سعد العشيرة.
وقد أخرج الطبري في تفسيره: 14/ 146 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «هم الولد وولد الولد» .
ورجحه ابن العربي في أحكام القرآن: 3/ 1162 فقال: «الظاهر عندي من قوله: بَنِينَ أولاد الرجل من صلبه، ومن قوله: حَفَدَةً أولاد ولده. وليس في قوة اللفظ أكثر من هذا، ونقول: تقدير الآية على هذا: والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا، ومن أزواجكم بنين، ومن البنين حفدة» .
(2) ينظر تفسير الطبري: 14/ 147، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 213، وتهذيب اللغة:
4/ 426، واللسان: 3/ 153 (حفد) . [.....]
(3) قال الزجاج في معانيه: 3/ 214: «ليس يريد أن الساعة تأتي في أقرب من لمح البصر، ولكنه يصف سرعة القدرة على الإتيان بها» .
وانظر زاد المسير: 4/ 474، وتفسير القرطبي: 10/ 150.
(4) في الأصل: «في» .
(5) هو مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني، الوادعي، الكوفي.
الإمام التابعي الجليل. قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب: 528: «ثقة فقيه عابد، مخضرم، من الثانية» .
ترجمته في طبقات ابن سعد: 6/ 76، وتذكرة الحفاظ: 1/ 49، وسير أعلام النبلاء: 4/ 63.
(6) هو شتير بن شكل بن حميد العبسي الكوفي.
ضبط ابن ماكولا اسمه فقال: «أوله شين معجمة مضمومة بعدها تاء مفتوحة معجمة باثنتين من فوقها ثم ياء معجمة باثنتين من تحتها وآخره راء» . الإكمال: 4/ 378.
ترجم له الحافظ في التقريب: 264، فقال: «يقال إنه أدرك الإسلام، ثقة، من الثانية» .(2/489)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)
إمّا أن تحدّث ما سمعت من عبد الله «1» وأصدّقك وإمّا أن أحدّثك وتصدقني. قال مسروق: بل تحدّث وأصدقك، فقال شتير: سمعت عبد الله يقول: أجمع آية في القرآن لخير وشرّ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ الآية. فقال مسروق: صدقت «2» .
92 أَنْكاثاً: أنقاضا «3» .
دَخَلًا: غرورا ودغلا، كأنّ داخل القلب يخالف ظاهر القول «4» .
أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ: أعزّ وأزيد «5» ، وكانوا يعقدون الحلف ثم ينقضونه إذا وجدوا من هو أقوى.
و «الحياة الطيّبة» «6» : الرزق الحلال «7» ، أو القناعة «8» وأكثر
__________
(1) هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه.
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك: 2/ 356، كتاب التفسير، باب «أجمع آية في القرآن للخير والشر» وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ... » ووافقه الذهبي.
وأخرج- نحوه- الطبري في تفسيره: 14/ 163 عن ابن مسعود رضي الله عنه.
وانظر هذا الأثر عن عبد الله بن مسعود في تفسير البغوي: 3/ 82، والمحرر الوجيز:
8/ 493، وزاد المسير: 4/ 484.
(3) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 367، وتفسير الطبري: 14/ 166، والمفردات للراغب: 504، وتفسير القرطبي: 10/ 171.
(4) قال الراغب في المفردات: 166: «والدّخل كناية عن الفساد والعداوة المستبطنة كالدّغل..» .
(5) تفسير الطبري: 14/ 167، وتفسير الماوردي: 2/ 410.
(6) من قوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ... [آية: 97] .
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 14/ 170 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 164، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(8) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 14/ 171 عن الحسن، والضحاك.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 164، وعزا إخراجه إلى وكيع عن محمد بن كعب القرظي.(2/490)
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105) مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122)
المسلمين ليسوا متّسقي الأرزاق.
103 لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ: يميلون ويضيفون إليه «1» ، حين اتهموا النّبيّ- عليه السلام- في معرفة الأخبار ببعض العجم ممن قرأ.
112 فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ: أي: جعل ما يظهر عليهم من الهزال وسوء الحال كاللباس عليهم.
وإنّما يقال لصاحب الشدّة: ذق لأنّه يتجدّد عليه إدراكه كما يتجدد على الذائق.
120 إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً: إماما يأتمّ به النّاس «2» .
قانِتاً: دائما على العبادة.
حَنِيفاً: مسلما مستقبلا في صلاته الكعبة «3» .
122 وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ: فيه غاية الترغيب في الصّلاح والمدح لإبراهيم- عليه السلام-، إذ شرف جملة هو منها حتى يصير الاستدعاء إليها بأنه فيها.
وإنّما جاز أن/ يتبع الأفضل المفضول «4» لسبقه إلى القول بالحق [54/ أ] والعمل به وإن كان نبيّنا أفضل الأنبياء.
__________
(1) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 249، ومعاني الزجاج: 3/ 219، والمفردات:
219.
(2) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 415 عن الكسائي، وأبي عبيدة. [.....]
(3) قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 8/ 541: «الحنيف: المائل إلى الخير والإصلاح، وكانت العرب تقول لمن يختتن ويحج البيت حنيفا» .
(4) لعله تفسير لقوله تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ... [آية:
123] .(2/491)
إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)
124 إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ: التشديد في يوم السّبت «1» .
عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ: جاءهم موسى بالجمعة فقال أكثرهم: لا، بل يوم السّبت «2» .
__________
(1) قال القرطبي في تفسيره: 10/ 199: «كان السبت تغليظا على اليهود في رفض الأعمال وترك التبسيط في المعاش بسبب اختلافهم فيه ... » .
(2) معاني القرآن للفراء: 2/ 114، وتفسير الطبري: 14/ 193.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 8/ 544: «قوله تعالى: إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ، أي: لم يكن من ملة إبراهيم، وإنما جعله الله فرضا عاقب به القوم المختلفين فيه، قاله ابن زيد، وذلك أن موسى- عليه السلام- أمر بني إسرائيل أن يجعلوا من الجمعة يوما مختصا بالعبادة وأمرهم أن يكون يوم الجمعة، فقال جمهورهم: بل يكون يوم السبت، لأن الله فرغ فيه من خلق مخلوقاته ... » .
وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدا والنصارى بعد غد» اه.
صحيح البخاري: (1/ 211، 212) ، كتاب الجمعة، باب «فرض الجمعة ... » .
وصحيح مسلم: (2/ 585، 586) ، كتاب الجمعة، باب «هداية هذه الأمة ليوم الجمعة» .(2/492)
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)
ومن سورة بني إسرائيل
1 سُبْحانَ: لا ينصرف، لأنّه علم لأحد معنيين: إمّا التبرئة والتنزيه، وإمّا التعجب «1» .
أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا: بمعنى «بعض ليل» على تقليل وقت الإسراء «2» .
والإسراء في رواية أبي هريرة «3» وحذيفة بن اليمان «4» كان بنفسه في الانتباه. وفي رواية عائشة ومعاوية بروحه حال النّوم «5» .
__________
(1) ينظر إعراب القرآن للنحاس: 2/ 413، ومشكل إعراب القرآن لمكي: 1/ 427، وتفسير الماوردي: 2/ 420، ونور المسرى في تفسير آية المسرى: (47، 48) .
(2) قال العكبري في التبيان: 2/ 811: «وتنكيره يدل على قصر الوقت الذي كان الإسراء والرجوع فيه» .
وانظر الكشاف: 2/ 436، وتفسير الفخر الرازي: 20/ 147، وتفسير القرطبي: 10/ 204.
(3) في صحيح البخاري: (4/ 140، 141) ، كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها.
وصحيح مسلم: 1/ 154، كتاب الإيمان، باب «الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات» .
وانظر تفسير الطبري: (15/ 6، 7) ، ودلائل النبوة للبيهقي: 2/ 358، والدر المنثور:
(5/ 198، 199) .
(4) ينظر مسند أحمد: 5/ 387، وسنن الترمذي: 5/ 307، كتاب تفسير القرآن «سورة الإسراء» حديث رقم (3147) ، قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح» .
ومستدرك الحاكم: 2/ 359، كتاب التفسير، وقال: «حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
ودلائل النبوة للبيهقي: 2/ 364، والدر المنثور: 5/ 216.
(5) نقل ابن إسحاق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الله أسرى بروحه» .
وأخرج عن معاوية رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«كانت رؤيا من الله تعالى صادقة» . قال ابن إسحاق: «فلم ينكر ذلك من قولهما ... »
السيرة: (1/ 399، 400) .
وعلق الحافظ ابن كثير على نقل ابن إسحاق بقوله: «وقد توقف ابن إسحاق في ذلك، وجوز كلّا من الأمرين من حيث الجملة، ولكن الذي لا يشك فيه ولا يتمارى أنه كان يقظانا لا محالة لما تقدم، وليس مقتضى كلام عائشة رضي الله عنها- أن جسده صلى الله عليه وسلم ما فقد وإنما كان الإسراء بروحه أن يكون مناما كما فهمه ابن إسحاق، بل قد يكون وقع الإسراء بروحه حقيقة وهو يقظان لا نائم وركب البراق وجاء بيت المقدس وصعد السماوات وعاين ما عاين حقيقة ويقظة لا مناما. لعل هذا مراد عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، ومراد من تابعها على ذلك، لا ما فهمه ابن إسحاق من أنهم أرادوا بذلك المنام، والله أعلم» اه.
ينظر البداية والنهاية: (3/ 112، 113) .(2/493)
والحسن أوّل قوله «1» : وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ بالمعراج «2» .
وقد رويت الروايتان بطرق صحيحة، فالأولى الجمع والقول بمعراجين: أحدهما في النّوم، والآخر في اليقظة «3» .
وروي أنّ المشركين سألوه عن بيت المقدس وما رآه في طريقه فوصفه لهم شيئا فشيئا، وأخبرهم أنّه رأى في طريقه قعبا «4» مغطى مملوء ماء فشرب منه، ثم غطّاه كما كان، ووصف لهم إبلا كانت في طريق الشّام يقدمها جمل أورق «5» ، فوجدوا الأمر كما وصف.
__________
(1) سورة الإسراء: آية: 60.
(2) ينظر قوله في السيرة لابن هشام: 1/ 400، وتفسير الماوردي: 2/ 421، وتفسير ابن كثير: 5/ 41، والدر المنثور: 5/ 309.
وأخرج البخاري في صحيحه: 5/ 227، كتاب التفسير، باب وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به ... » .
(3) ذكره ابن العربي في أحكام القرآن: 3/ 1194، ورجحه السهيلي في الروض الأنف:
2/ 149، وأبو شامة المقدسي في نور المسرى: 117.
(4) أي قدحا.
اللسان: 1/ 683 (قعب) .
(5) الأورق: الأسمر.
النهاية: 5/ 175. [.....](2/494)
وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5)
2 أَلَّا تَتَّخِذُوا: معناه الخبر لئلا يتخذوا.
3 ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا: أي: يا ذريّة «1» .
4 وَقَضَيْنا: أعلمنا وأوحينا، كقوله «2» : وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ... أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ.
5 بَعَثْنا عَلَيْكُمْ: خلّيناهم وإياكم، وكان أولئك هم العمالقة «3» .
وقيل: إنّه بختنصّر «4» ، إذ كان أصحاب سليمان بن داود عرفوا من جهة أنبيائهم خراب الشّام ثم عودها إلى عمارتها، ولما وقفوا على قصد بختنصّر انجلوا عنها واعتصموا بمصر «5» .
__________
(1) معاني القرآن للفراء: 2/ 116، وقال الزجاج في معانيه: 3/ 226: «وهي منصوبة على النداء، كذا أكثر الأقوال، المعنى: «يا ذرية من حملنا مع نوح ... » .
(2) سورة الحجر: آية: 66.
(3) نقله الماوردي في تفسيره: 2/ 423، والكرماني في غرائب التفسير: 1/ 621، وابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 9 عن الحسن رحمه الله تعالى.
(4) بختنصّر: كان حاكما لبلاد بابل من قبل ملك الفرس.
وكلمة «بختنصر» مركب مزجى، وتركيبه من «بخت» معرب «بوخت» ، بمعنى: ابن و «نصر» اسم صنم.
ينظر تاريخ الطبري: 1/ 558، والصحاح: 1/ 243 (بخت) ، والمعرّب للجواليقي:
129.
(5) ينظر هذه الرواية في تفسير الطبري: (15/ 21- 30) ، وتفسير الماوردي: 2/ 423، والتعريف والإعلام للسهيلي: 98، وزاد المسير: 5/ 9.
وأشار إليها ابن كثير في تفسيره: 5/ 44، ثم قال: «وقد وردت في هذا آثار كثيرة إسرائيلية لم أر تطويل الكتاب بذكرها لأن منها ما هو موضوع، من وضع زنادقتهم، ومنها ما قد يحتمل أن يكون صحيحا، ونحن في غنية عنها، ولله الحمد. وفيما قص الله تعالى علينا في كتابه غنية عما سواه من بقية الكتب قبله، ولم يحوجنا الله ولا رسوله إليهم. وقد أخبر الله تعالى أنهم لما بغوا وطغوا سلط عليهم عدوهم، فاستباح بيضتهم، وسلك خلال بيوتهم وأذلهم وقهرهم، جزاء وفاقا، وما ربك بظلام للعبيد، فإنهم كانوا قد تمردوا وقتلوا خلقا من الأنبياء والعلماء» اه.(2/495)
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8) إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10) وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)
فَجاسُوا: مشوا وترددوا «1» . وقيل «2» : عاثوا وأفسدوا.
7 وَعْدُ الْآخِرَةِ: [وعد] «3» المرّة الآخرة «4» .
لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ: أي: الموصوفون بالبأس يسوءوا ساداتكم «5» .
وَلِيُتَبِّرُوا: يهلكوا ويخرّبوا «6» .
ما عَلَوْا: ما وطئوا من الديار.
حَصِيراً: محبسا» .
9 لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ: للحال التي هي أقوم وهي توحيد الله، والإيمان برسله، والعمل بطاعته/ «8» .
11 وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ: يدعو على نفسه وولده غضبا، أو يطلب
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 424 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وانظر المفردات للراغب: 103، وتفسير الفخر الرازي: 20/ 157، وتفسير البيضاوي:
1/ 578.
(2) هذا قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 251، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير:
5/ 10، والفخر الرازي في تفسيره: 20/ 157 عن ابن قتيبة أيضا.
(3) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
(4) تفسير الطبري: 15/ 31، وتفسير الماوردي: 2/ 425، وتفسير البغوي: 3/ 106، وتفسير الفخر الرازي: 20/ 159.
(5) ذكره القرطبي في تفسيره: 10/ 223 فقال: «قيل: المراد ب «الوجوه» السادة، أي:
ليذلوهم» .
(6) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 251، وتفسير الطبري: 15/ 43، وتفسير الفخر الرازي:
20/ 160.
(7) في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 371: «من الحصر والحبس، فكأن معناه: محبسا، ويقال للملك: حصير، لأنه محجوب» .
وانظر تفسير الطبري: 15/ 45، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 228، وتفسير القرطبي:
10/ 224.
(8) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 3/ 229.
وانظر هذا المعنى في تفسير الطبري: (15/ 46، 47) ، والمحرر الوجيز: 9/ 26، وتفسير القرطبي: 10/ 225.(2/496)
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)
ما هو شرّ له ليعجّل الانتفاع.
12 فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ: هو السواد الذي في القمر «1» .
مُبْصِرَةً: أهلها بصراء كمضعف لمن قومه ضعفاء.
13 طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ: عمله «2» : فيكون في اللّزوم كالطوق للعنق، أو طائِرَهُ: كتابه الذي يطير إليه يوم القيامة «3» .
14 كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً: شاهدا، وقيل: حاكما.
ولقد أنصفك من جعلك حسيبا على نفسك.
16 وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً
: هذه الإرادة على مجاز المعلوم من عاقبة الأمر.
أَمَرْنا
«4» تْرَفِيها: أمرناهم على لسان رسولهم بالطاعة.
فَفَسَقُوا
: خرجوا عن أمرنا، كقوله: أمرته فعصى «5» ، أو أمرنا:
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 15/ 49 عن ابن عباس، ومجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 247، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في «المصاحف» عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. [.....]
(2) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 118، وأخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 51 عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.
(3) نص هذا القول في البحر المحيط: 6/ 15 عن السدي.
وقال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 252: «المعنى فيما أرى- والله أعلم-: أن لكل امرئ حظا من الخير والشر قد قضاه الله عليه فهو لازم عنقه. والعرب تقول لكل ما لزم الإنسان- قد لزم عنقه، وهو لازم صليف عنقه. وهذا لك عليّ وفي عنقي حتى أخرج منه.
وإنما قيل للحظ من الخير والشر: طائر، لقول العرب: جرى له الطائر بكذا من الخير، وجرى له الطائر بكذا من الشر على طريق الفأل والطيرة، وعلى مذهبهم في تسمية الشيء بما كان له سببا، فخاطبهم الله بما يستعملون، وأعلمهم أن ذلك الأمر الذي يجعلونه بالطائر، هو ملزمة أعناقهم ... » .
(4) بفتح الميم وإسكان الراء، وهي قراءة الجمهور وعليها القراء السبعة.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 379، والبحر المحيط: 6/ 17.
(5) ينظر البحر المحيط: 6/ 18.(2/497)
كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22) وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)
كثّرنا «1» ، أمره وآمره. وفي الحديث «2» : «خير المال مهرة مأمورة» «3» .
20 كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ: أي: من أراد العاجلة ومن أراد الآخرة.
مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ: من رزقه.
23 أُفٍّ: معناه التكرّه والتضجّر «4» .
24 وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ: لن لهما جانبك متذللا من مبالغتك في الرحمة لهما «5» .
26 وَلا تُبَذِّرْ: لا تنفق في غير طاعة الله شيئا.
27 إِخْوانَ الشَّياطِينِ: قرناءهم في النّار «6» ، أو أتباعهم في
__________
(1) ورد هذا المعنى على قراءة الجمهور بالقصر وفتح الميم وإسكان الراء، وكذلك على قراءة «آمرنا» بالمد. وهي قراءة عشرية، قرأ بها يعقوب بن إسحاق البصري، وتنسب هذه القراءة أيضا إلى علي بن أبي طالب، وابن عباس، والحسن، وقتادة، وأبي العالية، وعاصم، وابن كثير، وأبي عمرو، ونافع.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 379، والمحتسب لابن جني: (2/ 15، 16) ، والغاية في القراءات العشر لابن مهران: 190، والنشر: 3/ 150، وإتحاف فضلاء البشر: 2/ 195، والبحر المحيط: 6/ 20.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسنده: 3/ 468 عن سويد بن هبيرة، ورفعه.
وكذا الطبراني في المعجم الكبير: 7/ 91، والقضاعي في مسند الشهاب: (2/ 230، 231) .
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد: 5/ 260 وقال: «رجال أحمد ثقات» .
وأورده السيوطي- أيضا- في الجامع الصغير: 2/ 11، ورمز له بالصحة.
(3) أي: كثيرة الولد.
مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 373.
(4) قال ابن عطية في المحرر الوجيز: (9/ 55، 56) : «ومعنى اللفظة أنها اسم فعل، كأن الذي يريد أن يقول: أضجر، أو أتقذر، أو أكره، أو نحو هذا، يعبر إيجازا بهذه اللفظة فتعطي معنى الفعل المذكور، وجعل الله تعالى هذه اللفظة مثلا لجميع ما يمكن أن يقابل به الآباء مما يكرهون، فلم ترد هذه اللفظة في نفسها وإنما هي مثال الأعظم منها والأقل، فهذا هو مفهوم الخطاب الذي المسكوت عنه حكمه حكم المذكور» .
(5) عن معاني القرآن للزجاج: 2/ 235.
(6) ذكره الفخر الرازي في تفسيره: 20/ 195، وقال: «كما قال: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ، وقال تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ، أي قرناءهم من الشياطين. اه.
وانظر هذا القول في الكشاف: 2/ 446، وتفسير القرطبي: 10/ 248، والبحر المحيط:
6/ 30.(2/498)
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)
آثارهم «1» .
28 وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ: أي: الذين أمرنا بإعطائهم إذا أعرضت عنهم لعوز فقل لهم قولا ليّنا ييسّر عليهم فقرهم.
و «الرحمة» : الرزق «2» .
29 مَحْسُوراً: منقطعا به «3» ، أو ذا حسرة «4» ، أو مكشوفا، من حسرت الذراع «5» .
31 خِطْأً: يجوز اسما ك «الإثم» «6» ، ومصدرا ك «الحذر» «7» .
__________
(1) قال الطبري في تفسيره: 15/ 74: «وكذلك تقول العرب لكل ملازم سنة قوم وتابع أثرهم:
هو أخوهم» .
وانظر تفسير الفخر الرازي: 20/ 195.
(2) ذكره الطبري في تفسيره: 15/ 75، والبغوي في تفسيره: 3/ 112، وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 28، وقال: «قاله الأكثرون» .
(3) ينظر هذا القول في معاني الفراء: 2/ 122، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 254، وتفسير الطبري: 15/ 76، وتفسير البغوي: 3/ 113، والكشاف: 2/ 447.
(4) ذكر القرطبي هذا القول في تفسيره: 10/ 251 عن قتادة، ثم قال: «وفيه بعد لأن الفاعل من «الحسرة» حسر وحسران، ولا يقال: محسور» . [.....]
(5) اللسان: 4/ 189 (حسر) .
(6) معاني القرآن للفراء: 2/ 133، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 76، وتفسير الطبري:
15/ 79، ومعاني الزجاج: 3/ 236.
(7) قرأ ابن عامر- من السبعة خطا بفتح الخاء والطاء.
قال أبو زرعة في حجة القراءات: 401: «وهو مصدر ل خطى الرجل يخطأ خطئا» .
ووجه الطبري لقراءة الكسر وجهين فقال:
أحدهما: أن يكون اسما من قول القائل: خطئت فأنا أخطأ، بمعنى: أذنبت وأثمت.
ويحكى عن العرب: خطئت: إذا أذنبت عمدا، وأخطأت: إذا وقع منك الذنب خطأ على غير عمد منك له.
والثاني: أن يكون بمعنى «خطأ» بفتح الخاء والطاء، ثم كسرت الخاء وسكنت الطاء، كما قيل: قتب وقتب، وحذر وحذر، ونجس ونجس. و «الخطء» بالكسر اسم، و «الخطأ» بفتح الخاء والطاء مصدر من قولهم: خطيء الرجل، وقد يكون اسما من قولهم: أخطأ، فأما المصدر منه ف «الإخطاء ... » اه.
راجع تفسيره: 15/ 79، والسبعة لابن مجاهد: 379، والتبصرة لمكي: 224، والمحرر الوجيز: 9/ 67.(2/499)
وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39) أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41)
36 وَلا تَقْفُ: لا تتبع، من «قفوت أثره» «1» .
إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا: أي: عن الإنسان لأنها الأشهاد يوم القيامة، أو كان الإنسان عن ذلك مسؤولا لأنّ الطاعة والمعصية بها «2» .
38 كان سيئة «3» عند ربك مكروها: أراد ب «السيئة» : الذنب «4» .
أو مَكْرُوهاً بدل عن السّيئة وليس بوصف «5» . وأمّا سَيِّئُهُ بالإضافة «6» فلأنّه تقدّم أوامر ونواهي فما كان في كلّ المذكور من سيئ كان عند الله مكروها/، فيعلم به أنّ ما كان من حسن كان مرضيّا.
40 أَفَأَصْفاكُمْ: أخلص لكم البنين فاختصكم بالأجلّ.
41 وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ: صرّفنا القول فيه على وجوه من أمر
__________
(1) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 123، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 379، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: (254، 255) ، وتفسير الطبري: 15/ 87، ومعاني الزجاج: 3/ 239.
(2) عن تفسير الماوردي: 2/ 435.
وانظر تفسير البغوي: 3/ 114، والمحرر الوجيز: (9/ 86، 87) .
(3) هذه قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 380، والتبصرة لمكي: 244، والتيسير للداني: 140.
(4) زاد المسير: 5/ 36.
(5) والتقدير: كان سيئة وكان مكروها.
ينظر تفسير الفخر الرازي: 20/ 213، والمحرر الوجيز: 9/ 91، وتفسير القرطبي:
10/ 262، والبحر المحيط: 6/ 38.
(6) بإضافة السيء إلى الهاء، وهي قراءة عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 380، وحجة القراءات: 403، والتبصرة لمكي: 244.(2/500)
قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48) وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50)
ونهي، ووعد ووعيد، وتسلية وتحسير وتزكية وتقريع وقصص وأحكام وتوحيد وصفات وحكم وآيات.
وَما يَزِيدُهُمْ: أي: هذه المعاني، إِلَّا نُفُوراً إلّا اعتقادهم الشبه.
42 لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا: إلى ما يقرّبهم إليه لعظمته عندهم.
44 وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ: أي: من جهة خلقته، أو في معنى صفته وهي حاجته بحدوثه إلى صانع أحدثه.
45 حِجاباً مَسْتُوراً: ساترا لهم عن إدراكه، ك «مشؤوم» و «ميمون» في معنى شائم ويا من لأنّه من شامهم ويمنهم «1» .
وقيل «2» : مستورا عن أبصار النّاس.
46 نُفُوراً: جمع «نافر» «3» .
47 وَإِذْ هُمْ نَجْوى: اسم للمصدر، أي: ذوو نجوى يتناجون «4» .
50 قُلْ كُونُوا حِجارَةً: أي: استشعروا أنكم منها فإنّه يعيدكم، إذ القدرة التي بها أنشأكم هي التي بها يعيدكم «5» .
__________
(1) عن معاني القرآن للأخفش: 2/ 613.
وانظر هذا المعنى في تفسير الطبري: (15/ 93، 94) ، والمحرر الوجيز: 9/ 99، وزاد المسير: 5/ 41.
(2) ذكره الطبري في تفسيره: 15/ 94، ورجحه.
وانظر تفسير الماوردي: 2/ 437، وتفسير البغوي: 3/ 117، وتفسير القرطبي:
10/ 271.
(3) قال أبو عبيدة في مجاز القرآن: 1/ 381: «بمنزلة قاعد وقعود وجالس وجلوس» .
(4) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 243.
(5) قال الزجاج في معانيه: 3/ 244: «ومعنى هذه الآية فيه لطف وغموض، لأن القائل يقول:
كيف يقال لهم كونوا حجارة أو حديدا وهم لا يستطيعون ذلك؟.
فالجواب في ذلك أنهم كانوا يقرّون أن الله جل ثناؤه خالقهم، وينكرون أن الله يعيدهم خلقا آخر، فقيل لهم: استشعروا أنكم لو خلقتم من حجارة أو حديد لأماتكم الله ثم أحياكم لأن القدرة التي بها أنشأكم وأنتم مقرون أنه أنشأكم بتلك القدرة بها يعيدكم، ولو كنتم حجارة أو حديدا، أو كنتم الموت الذي هو أكبر الأشياء في صدوركم» . [.....](2/501)
أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52) وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58) وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)
51 فَسَيُنْغِضُونَ: يحرّكون، وهو تحريك المستبطئ للشيء والمبطل له المستهزئ به.
52 فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ: أي: بأمره «1» . وقيل «2» : تستجيبون حامدين.
إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا: أي: في الدنيا بالقياس إلى الآخرة.
60 وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ: أي: علمه وقدرته فيعصمك منهم.
إِلَّا فِتْنَةً: ابتلاء بمن كفر به، فإنّ قوما أنكروا المعراج فارتدوا «3» .
وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ: أي: وما جعلنا الشجرة الملعونة [في القرآن] «4» إلّا فتنة، إذ قال أبو جهل: هل رأيتم الشّجر ينبت في النّار «5» .
وقيل «6» : الشجرة الملعونة بنو أميّة فإنّهم الذين بدلوا وبغوا.
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 15/ 101 عن ابن عباس، وابن جريج. ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 439 عن ابن جريج وسفيان.
وانظر المحرر الوجيز: 9/ 109، وزاد المسير: 5/ 45.
(2) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 439 دون عزو. ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 45 عن سعيد بن جبير.
(3) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 258. وأخرج- نحوه- الطبري في تفسيره:
15/ 110 عن الحسن.
(4) ما بين معقوفين عن «ج» و «ك» .
(5) أخرج الطبري في تفسيره: 15/ 114 عن قتادة قال: «هي شجرة الزقوم، خوف الله بها عباده، فافتنوا بذلك، حتى قال قائلهم أبو جهل بن هشام: زعم صاحبكم هذا أن في النار شجرة، والنار تأكل الشجر» .
وانظر تفسير الماوردي: 2/ 443، وتفسير البغوي: 3/ 120.
(6) ذكر الحافظ ابن كثير هذا القول في تفسيره: 5/ 90، ثم قال «وهو غريب ضعيف» .
والأثر الذي أخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 112 عن سهل بن سعد قال: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم- بني فلان ينزون على منبره نزو القرود، فساءه ذلك، فما استجمع ضاحكا حتى مات- قال: وأنزل الله في ذلك: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ...
الآية.
وضعف ابن كثير إسناده فقال: «وهذا السند ضعيف جدا، فإن محمد بن الحسن بن زبالة متروك، وشيخه أيضا ضعيف بالكلية.
ولهذا اختار ابن جرير أن المراد بذلك ليلة الإسراء، وأن الشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم، قال: لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك، أي: في الرؤيا والشجرة» اه.(2/502)
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)
والرؤيا: ما رآه النبي- عليه السلام- من نزوهم «1» على منبره.
62 أَرَأَيْتَكَ: معناه أخبر، والكاف للخطاب ولا موضع لها، لأنّها للتوكيد، والجواب محذوف، وهذَا منصوب ب «أرأيت» ، أي: أخبرني عن هذا الذي كرّمته عليّ لم كرّمته «2» ؟.
لَأَحْتَنِكَنَّ/ ذُرِّيَّتَهُ: لأستولينّ عليهم وأستأصلنّهم كما يحتنك [55/ ب] الجراد الزّرع «3» .
64 وَاسْتَفْزِزْ: استخفّ «4» ، أو استزل بصوتك بدعائك إلى المعاصي «5» .
وقيل «6» : إنه الغناء بالأوتار والمزامير.
__________
(1) أي: وثوبهم عليه.
النهاية لابن الأثير: 5/ 44، واللسان: 15/ 319 (نزا) .
(2) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 349.
وانظر إعراب القرآن للنحاس: 2/ 432، والبحر المحيط: 6/ 57.
(3) معاني القرآن للفراء: 2/ 127، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 384، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 258، وتفسير الطبري: 15/ 117، والمفردات للراغب: 134.
(4) معاني القرآن للفراء: 2/ 127، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 384، وتفسير غريب القرآن: 258، وتفسير الطبري: 15/ 118، والمحرر الوجيز: 9/ 135.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 15/ 118 عن ابن عباس، وقتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 312، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(6) أخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 118 عن مجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 312 وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وابن أبي الدنيا في «ذم الملاهي» ، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رحمه الله تعالى.
وعقّب الطبري على هذه الأقوال بقوله: «وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال: إن الله تبارك وتعالى- قال لإبليس: واستفزز من ذرية آدم من استطعت أن تستفزه بصوتك، ولم يخصص من ذلك صوتا دون صوت، فكل صوت كان دعاء إليه وإلى عمله وطاعته، وخلافا للدعاء إلى طاعة الله، فهو داخل في معنى صوته الذي قال الله تبارك وتعالى اسمه- له:
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ اه.(2/503)
وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67)
وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ: أجمع عليهم، بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ: بكل راكب وماش في الضلالة، وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ: ما يكسبونه من حرام وينفقونه في معصية «1» ، وَالْأَوْلادِ: إذا ولدوهم بالزنا «2» ، أو عوّدوهم الضلالة والبطالة.
67 ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ: بطل، كقوله «3» : أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ، أو غاب كقوله «4» : أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ.
«الحاصب» «5» : الحجارة الصغار «6» . وقيل «7» : الريح التي ترمى
__________
(1) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 258.
وأخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 15/ 119 عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 444 عن الحسن رحمه الله تعالى.
(2) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 258.
وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (15/ 120، 121) عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 312، وزاد نسبته إلى ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما. [.....]
(3) سورة محمد: آية: 1.
(4) سورة السجدة: آية: 10، ومصدره في القولين- فيما يبدو- تفسير الماوردي: 2/ 445.
وانظر زاد المسير: 5/ 61.
(5) في قوله تعالى: أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا [آية: 68] .
(6) تفسير الطبري: 15/ 124، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 251.
(7) هذا قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 259.
وانظر تفسير الطبري: 15/ 124، وتفسير البغوي: 3/ 124.(2/504)
يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71)
بالحصباء، كما سمّي الجمار بالمحصّب لرمي الحصباء بها. وحصب في الأرض: ذهب فيها «1» .
و «القاصف» »
: الريح التي تقصف الشّجر «3» .
والتبيع: المنتصر الثائر «4» .
71 يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ: بنيّهم «5» ، أو بدينهم وكتابهم «6» ، أو بأعمالهم «7» ، أو بقادتهم ورؤسائهم «8» .
__________
(1) اللسان: (1/ 319، 320) (حصب) .
(2) في قوله تعالى: فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً [آية: 69] .
(3) عن ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 259.
وانظر تفسير الماوردي: 2/ 445، والمفردات للراغب: 405، وتفسير البغوي:
3/ 125.
(4) معاني القرآن للفراء: 2/ 127، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 259، وتفسير الطبري:
15/ 125، وتفسير البغوي: 3/ 125.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 15/ 126 عن مجاهد، وقتادة.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 446 عن مجاهد، وابن عطية في المحرر الوجيز:
9/ 148 عن قتادة ومجاهد.
وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 65 إلى أنس بن مالك، وسعيد بن جبير، وقتادة، ومجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 316، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والخطيب عن أنس رضي الله عنه.
(6) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 253، والماوردي في تفسيره: 2/ 446، وابن عطية في المحرر الوجيز: 9/ 148.
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (15/ 126، 127) عن ابن عباس، والحسن، والربيع بن أنس.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 446 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(8) ذكر- نحوه- ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 259 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 64، وقال: «قاله أبو صالح عن ابن عباس» .
وأورد ابن عطية الأقوال التي قيلت في المراد ب «الإمام» ، ثم قال: «ولفظة «الإمام» تعمّ هذا كله، لأن الإمام هو ما يؤتم به ويهتدى به في القصد ... » .(2/505)
وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72) وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)
72 وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى: أي: عن الطاعة والهدى، فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى: عن طريق الجنة «1» . أو من عمي عن هذه العبر المذكورة فهو عمّا غاب عنه من أمر الآخرة أعمى «2» .
73 وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ: همّوا صرفك. في وفد ثقيف حين أرادوا الإسلام على أن يمتّعوا باللّات سنة ويكسر باقي أصنامهم «3» .
74 لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ: هممت من غير عزم «4» ، وهو حديث النفس المرفوع.
75 ضِعْفَ الْحَياةِ: ضعف عذاب الحياة «5» ، أي: مثليه، لعظم ذنبك
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 446. [.....]
(2) تفسير الطبري: 15/ 129، والمحرر الوجيز: 9/ 150، وتفسير القرطبي: 10/ 298.
(3) ذكر نحوه الزمخشري في الكشاف: 2/ 460، وقال الحافظ في الكافي الشاف: 100: «لم أجده، وذكره الثعلبي عن ابن عباس من غير سند» .
وأخرج الطبري في تفسيره: 15/ 130 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: « ... أن ثقيفا كانوا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أجلنا سنة حتى يهدى لآلهتنا، فإذا قبضنا الذي يهدى لآلهتنا أخذناه، ثم أسلمنا وكسرنا الآلهة، فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم، وأن يؤجلهم، فقال الله: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا.
وفي إسناده محمد بن سعد عن أبيه عن عمه عن أبيه، وهذا الإسناد مسلسل بالضعفاء.
وقد تقدم بيان حالهم، راجع ص (135) .
وانظر أسباب النزول للواحدي: 335، وتفسير البغوي: (3/ 126، 127) ، والفتح السماوي: 2/ 778.
(4) قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 9/ 155: «ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يركن، ولكنه كاد بحسب همه بموافقتهم طمعا منه في استئلافهم» .
وقال الكرماني في غرائب التفسير: 1/ 367: «لولا تدل على امتناع الشيء لوجود غيره، فالممتنع في الآية إرادة الركون لوجود تثبيت الله إياه، هذا هو الظاهر في الآية» اه.
وانظر تفسير القرطبي: 10/ 300.
(5) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 386، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 259، وتفسير الطبري: 15/ 132.(2/506)
وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77) أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)
على شرف منزلتك. أو «الضعف» هو العذاب «1» ، لتضاعف الألم كما هو عذاب لاستمراره في الأوقات، كالعذاب الذي يستمر في الحلق، ولما نزلت هذه الآية قال عليه السّلام «2» : «اللهم لا تكلني [إلى نفسي] «3» طرفة عين» .
76 وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ، حين قالت اليهود: إن أرض الشّام أرض الأنبياء وفيها الحشر والنشر «4» .
والاستفزاز: الاستخفاف بالإزعاج «5» .
78 لِدُلُوكِ الشَّمْسِ: لزوالها «6» . والآية جمعت الصلوات الخمس، لأنّه بدأ «7» من/ الزوال إلى «الغسق» وإلى قُرْآنَ الْفَجْرِ وهو صلاته، [56/ أ]
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 448، وانظر تفسير البيضاوي: 1/ 593.
(2) أخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 131 عن قتادة ورفعه، واللفظ عنده: «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين» .
وذكر مثله الماوردي في تفسيره: 2/ 448، وابن عطية في المحرر الوجيز: 9/ 154، والزمخشري في الكشاف: 2/ 461.
وقال الحافظ في الكافي الشاف: 101: «لم أجده، وذكره الثعلبي عن قتادة مرسلا» .
(3) في الأصل: «على طرفة عين» ، والمثبت في النص عن الهامش و «ج» ، الذي أشار ناسخه إلى وروده في نسخة أخرى.
(4) أخرج- نحوه- الطبري في تفسيره: 15/ 132، عن حضرمي.
وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة: 5/ 254، عن عبد الرحمن بن غنم رضي الله عنه وذكر الحافظ ابن كثير هذا القول في تفسيره: 5/ 97، وقال: «وهذا القول ضعيف لأن هذه الآية مكية، وسكنى المدينة بعد ذلك» ، ثم أورد رواية البيهقي، وقال: «وفي هذا الإسناد نظر، والأظهر أن هذا ليس بصحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغز تبوك عن قول اليهود، إنما غزاها امتثالا لقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وقوله تعالى:
قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ، وغزاها ليقتص وينتقم ممن قتل أهل مؤتة من أصحابه، والله أعلم ... » اه.
(5) معاني القرآن للفراء: 2/ 129، وتفسير الطبري: 15/ 132، والمفردات للراغب: 379.
(6) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 129، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 387، وتفسير الطبري:
(15/ 135، 136) ، ومعاني الزجاج: 3/ 255.
(7) في «ج» : مدّ.(2/507)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)
سمّيت الصلاة قرآنا لتأكيد القراءة فيها «1» ، ونصب قُرْآنَ على الإغراء «2» .
كانَ مَشْهُوداً: يشهده ملائكة الليل وملائكة النّهار «3» .
79 نافِلَةً لَكَ: خاصة.
مَقاماً مَحْمُوداً: الشفاعة «4» . وقيل «5» : إعطاؤه لواء الحمد.
مُدْخَلَ صِدْقٍ: أي: أدخلني فيما أمرتني به وأخرجني عما نهيتني عنه «6» .
81 وَزَهَقَ الْباطِلُ: ذهب.
82 وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ: وذلك أنّه البيان الذي يزيل عمى الجهل وحيرة الشكّ، وأنّه برهان معجز يدلّ على صدق الرسول، وأنه يتبرّك به فيدفع به المضارّ والمكاره، وأنّ تلاوته الصلاح الداعي إلى كل صلاح.
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 450، وانظر معاني القرآن للزجاج: (3/ 255، 256) .
(2) والتقدير: وعليك قرآن الفجر إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً.
ينظر تفسير الطبري: 15/ 139، والتبيان للعكبري: 2/ 830، وتفسير القرطبي:
10/ 305.
(3) ثبت ذلك في صحيح البخاري: (5/ 227، 228) ، كتاب التفسير، باب قوله: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً من رواية أخرجها عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا.
وكذا في صحيح مسلم: 1/ 450، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب «فضل صلاة الجماعة، وبيان التشديد في التخلف عنها» عن أبي هريرة أيضا. [.....]
(4) يدل عليه ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 5/ 228، كتاب التفسير، باب قوله:
عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً عن آدم بن علي قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كلّ أمة تتبع نبيّها، يقولون: يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود» .
وانظر صحيح مسلم: 1/ 179، كتاب الإيمان، باب «أدنى أهل الجنة منزلة فيها» .
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 451، دون عزو.
(6) نقله الماوردي في تفسيره: 2/ 452، عن بعض المتأخرين.
وأورده القرطبي في تفسيره: 10/ 311، وقال: «وهذا القول لا تنافر بينه وبين الأول، فإنه يكون بيده لواء الحمد ويشفع» .(2/508)
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)
وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً: لكفرهم به وحرمان أنفسهم المنافع التي فيه.
83 وَنَأى بِجانِبِهِ: بعّد بنفسه عن القيام بحقوق النّعم، كقوله «1» :
فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ.
كانَ يَؤُساً: لا يثق بفضل الله «2» .
84 شاكِلَتِهِ: عادته أو طريقته التي تشاكل أخلاقه «3» .
طريق ذو شواكل: متشعب منه الطرق «4» .
85 قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي: من خلق ربّي، لأنهم سألوه عنه:
أقديم «5» ؟، وإن كان معناه: من علم ربّي، فإنما لم يجبهم عنه لأن طريق معرفته العقل لا السّمع، فلا يجري القول فيه على سمت النّبوّة كما هو في كتب الفلاسفة، ولئلا يصير الجواب طريقا إلى سؤالهم عما لا يعنيهم، وليراجعوا عقولهم في معرفة مثله لما فيه من الرياضة على استخراج الفائدة.
وقيل في حد الروح: إنه جسم رقيق هوائيّ على بنية حيوانية في كل
__________
(1) سورة الذاريات: آية: 39.
(2) قال القرطبي في تفسيره: 10/ 321: «أي إذا ناله شدة من فقر أو سقم أو بؤس يئس وقنط، لأنه لا يثق بفضل الله تعالى» .
(3) في «ج» أخلاطه.
(4) ينظر معاني القرآن للزجاج: 3/ 257، والكشاف: 2/ 464، واللسان: 11/ 357 (شكل) .
(5) وفي سبب نزول هذه الآية أخرج الإمامان البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث وهو متكئ على عسيب إذ مر عليه اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فقال: ما رابكم إليه؟ وقال بعضهم: لا يستقبلكم بشيء تكرهونه، فقالوا: سلوه، فسألوه عن الروح، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئا. فعلمت أنه يوحى إليه، فقمت مقامي، فلما نزل الوحي قال: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا.
راجع صحيح البخاري: 5/ 228، كتاب التفسير، باب «ويسألونك عن الروح» .
وصحيح مسلم: 4/ 2152، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب «سؤال اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح» ، وأسباب النزول للواحدي: 337.(2/509)
وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92)
جزء منه حياة «1» .
86 وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ: أي: لمحوناه من القلوب والكتب «2» .
ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ: من تتوكّل عليه في ردّ شيء منه «3» .
87 إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ: أي: لكن رحم الله فأثبته في قلبك وقلوب المؤمنين «4» .
و «ينبوع» «5» يفعول من «ينبع بالماء» «6» ، أي: يفور.
92 كِسَفاً: قطعا «7» ، كسفت الثوب أكسفه وذلك المقطوع كسف.
__________
(1) في تفسير الماوردي: 2/ 455- عن بعض المتكلمين-: «أنه لو أجابهم عنها ووصفها بأنها جسم رقيق تقوم معه الحياة، لخرج من شكل كلام النبوة، وحصل في شكل كلام الفلاسفة، فقال: مِنْ أَمْرِ رَبِّي، أي: هو القادر عليه» اه.
وأورد القرطبي في تفسيره: 10/ 324 الأقوال التي قيلت في «الروح» ، ثم عقب عليها بقوله: «والصحيح الإبهام لقوله: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي دليل على خلق الروح، أي:
هو أمر عظيم وشأن كبير من أمر الله تعالى، مبهما له وتاركا تفصيله ليعرف الإنسان على القطع عجزه عن علم حقيقة نفسه مع العلم بوجودها. وإن كان الإنسان في معرفة نفسه هكذا كان يعجزه عن إدراك حقيقة الحق أولى. وحكمة ذلك تعجيز العقل عن إدراك معرفة مخلوق مجاور له، دلالة على أنه عن إدراك خالقه أعجز» اه.
(2) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: (15/ 157، 158) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وانظر معاني القرآن للزجاج: 3/ 258، وتفسير الماوردي: 2/ 455، وزاد المسير:
5/ 83.
(3) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 259، وانظر تفسير الماوردي: 2/ 455، وتفسير البغوي:
3/ 135.
(4) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 3/ 259.
(5) في قوله تعالى: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً [آية: 90] .
(6) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 390، ومعاني الزجاج: 3/ 259، وتفسير القرطبي:
10/ 330.
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: 9/ 193: «والينبوع» : الماء النابع، وهي صفة مبالغة إنما تقع للماء الكثير» . [.....]
(7) معاني القرآن للفراء: 2/ 131، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 390، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 261، والمفردات للراغب: 431.(2/510)
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104)
قَبِيلًا: معاينة نعاينهم «1» ، أو جميعا من «قبائل العرب» ، و «قبائل الرأس» : شؤونه لاجتماع/ بعضها إلى بعض «2» .
97 وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً: أي: عمّا يسرّهم.
بكما: عن التكلّم بما ينفعهم.
101 وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ: العصا، واليد، واللسان، والبحر، والطوفان، والجراد، والقمّل، والضفادع، والدّم «3» .
مَثْبُوراً: مهلكا «4» . قال المأمون لرجل: يا مثبور، ثم حدّث عن الرّشيد، عن المهدي، عن المنصور، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس- رضي الله عنه- أنّ «المثبور» ناقص العقل «5» .
104 لَفِيفاً: جميعا من جهات مختلفة «6» .
__________
(1) ذكره أبو عبيدة في مجاز القرآن: 1/ 390، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 261.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 162 عن قتادة، وابن جريج.
ورجحه الطبري بقوله: «وأشبه الأقوال في ذلك بالصواب، القول الذي قاله قتادة من أنه بمعنى المعاينة، من قولهم: قابلت فلانا مقابلة، وفلان قبيل فلان، بمعنى قبالته ... » .
وانظر هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 3/ 259، وتفسير البغوي: 3/ 137، والمحرر الوجيز: 9/ 197.
(2) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 2/ 457 عن ابن بحر.
(3) تفسير الطبري: (15/ 171، 172) ، وتفسير الماوردي: 2/ 459، وتفسير ابن كثير:
5/ 122، والدر المنثور: 5/ 343.
(4) قال الزجاج في معانيه: 3/ 263: «يقال: ثبر الرجل فهو مثبور إذا هلك» .
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 392، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 261، وتفسير الطبري: 15/ 176، وغريب الحديث للخطابي: 2/ 365، وتفسير القرطبي: (10/ 337، 338) .
(5) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير: (5/ 94، 95) ، وقال: «رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس» .
وكذا القرطبي في تفسيره: 10/ 337.
(6) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 132، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 262، وتفسير الطبري: 15/ 177، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 263.(2/511)
وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109) قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)
106 مُكْثٍ: تثبّت وتوقّف «1» ليقفوا على مودعه فيعملوا به.
109 يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ: إذا ابتدأ المبتدئ يخرّ فأقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض الذقن «2» .
110 أَيًّا ما تَدْعُوا: أي: أيّ أسمائه تدعو، و «ما» أيضا بمعنى «أيّ» ، كررت مع اختلاف اللّفظ للتوكيد، كقولك: ما إن رأيت كالليلة ليلة.
111 وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً: أي: عما لا يجوز في صفته، أو صفه بأنّه أكبر من كلّ شيء «3» .
__________
(1) في تفسير الماوردي: 2/ 461 عن مجاهد.
وانظر الكشاف: 2/ 469، والمحرر الوجيز: 9/ 216، وزاد المسير: 5/ 97.
(2) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 264، وقال ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 98: «ويجوز أن يكون المعنى: يخرون للوجوه، فاكتفى بالذقن من الوجه كما يكتفى بالبعض من الكل، وبالنوع من الجنس» .
وانظر القول الذي ذكره المؤلف في تفسير الفخر الرازي: 21/ 70، وتفسير القرطبي:
10/ 341.
(3) ذكر الماوردي هذين القولين في تفسيره: 2/ 464 دون عزو.(2/512)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)
ومن سورة الكهف
1، 2 أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً: أي: أنزل الكتاب قيّما على الكتب كلّها «1» . وقيل «2» : مستقيما، إليه يرجع، ومنه يؤخذ.
وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً: عدولا عن الحق.
5 كَبُرَتْ كَلِمَةً: أي: كبرت الكلمة.
كَلِمَةً: نصب على القطع «3» ، ولفظ البصريين نصب على التمييز «4» ، أي: كبرت مقالتهم بالولد كلمة.
6 باخِعٌ نَفْسَكَ: قاتل لها «5» . بخع الشاة: بالغ في ذبحها، وبخع الأرض: نهكها وتابع حراثها «6» .
إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا: كسرت إِنْ لأنّها في معنى الجزاء، ولو فتحت
__________
(1) معاني القرآن للفراء: 2/ 133، وتفسير الطبري: 15/ 190، وتفسير الماوردي: 2/ 465.
(2) عن تفسير الماوردي: 2/ 465، وانظر تفسير الطبري: 15/ 190، وتفسير البغوي:
3/ 144.
(3) أي: على الحال، وهو اصطلاح الكوفيين.
البحر المحيط: 6/ 97.
(4) ينظر تفسير الطبري: 15/ 193، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 268، وإعراب القرآن للنحاس: 2/ 447، والبيان لابن الأنباري: 2/ 100، والتبيان للعكبري: 2/ 838، والبحر المحيط: 6/ 97. [.....]
(5) معاني القرآن للفراء: 2/ 134، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 263، وتفسير الطبري:
15/ 194، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 268، والمفردات للراغب: 38.
(6) تهذيب اللغة: 1/ 168، واللسان: 8/ 5 (بخع) .(2/513)
وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)
في مثل هذا جاز» .
8 صَعِيداً: أرضا مستوية، جُرُزاً: يابسة لا نبات فيها، أو كأنه حصد نباتها، من «الجرز» : القطع «2» .
9 وَالرَّقِيمِ: واد عند الكهف «3» . ورقمة الوادي: موضع الماء «4» .
وقيل «5» الرَّقِيمِ: لوح كتب فيه قصّة أصحاب الكهف.
11 فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ: كقوله: ضربت على يده إذا منعته عن التصرف.
12 أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى: الفتية أم أهل زمانهم «6» ؟.
أَمَداً: غاية «7» .
__________
(1) في معاني القرآن للفراء: «وتفتحها إذا أردت أنها قد مضت مثل قوله في موضع آخر:
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ وإِنْ كُنْتُمْ اه.
(2) تفسير الطبري: (15/ 196، 197) ، وتفسير البغوي: 3/ 144، والمفردات للراغب:
91، والبحر المحيط: 6/ 92.
(3) ذكره أبو عبيدة في مجاز القرآن: 1/ 394، وأخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 198 عن ابن عباس، وقتادة، ومجاهد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 467 عن الضحاك، وعزاه ابن عطية في المحرر الوجيز:
9/ 237 إلى ابن عباس، وقتادة.
(4) تفسير الطبري: 15/ 199، والمحرر الوجيز: 9/ 239، واللسان: 12/ 250 (رقم) .
(5) ذكره الفراء في معاني القرآن: 2/ 134، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 263، وأخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 199 عن سعيد بن جبير، وابن زيد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 467، عن مجاهد.
وأورده البغوي في تفسيره: 3/ 145، وابن عطية في المحرر الوجيز: 9/ 238 عن سعيد بن جبير.
ورجح الطبري هذا القول في تفسيره: 15/ 199، وأورده ابن كثير في تفسيره: 5/ 135، ثم قال: «وهذا هو الظاهر من الآية، وهو اختيار ابن جرير ... » .
(6) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 469 دون عزو.
(7) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 394، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 264، وتفسير الطبري: 15/ 206، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 271.(2/514)
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)
16 مِرفَقاً: معاشا في سعة، ويجوز/ اسما وآلة لما يرتفق به [57/ أ] الاسم «1» كمرفق اليد، وكالدرهم، والمسحل للحمار الوحشي «2» ، والآلة كالمقطع والمثقب.
17 تَتَزاوَرُ: تميل وتنحرف «3» .
تَقْرِضُهُمْ: تقطعهم، أي: تجوزهم منحرفة عنهم «4» .
18 وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً: لانفتاح عيونهم، أو لكثرة تقليبهم «5» .
فَجْوَةٍ: متّسع «6» ، وإنّما هذا لئلا يفسدهم ضيق المكان لعفنه، ولا تؤذيهم الشمس بحرّها.
«الوصيد» «7» : فناء الباب «8» ، أو الباب نفسه «9» ، أوصدت الباب: أطبقته.
__________
(1) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 395، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 264، ومعاني الزجاج: 3/ 272.
(2) اللسان: 11/ 329 (سحل) .
(3) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 395، وتفسير الطبري: 15/ 210، والمفردات للراغب:
217.
(4) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 2/ 470، وانظر هذا المعنى في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 396، وتفسير الطبري: 15/ 211، ومعاني الزجاج: 3/ 273، والمفردات:
400.
(5) في «ج» : تقليبهم. [.....]
(6) معاني القرآن للفراء: 2/ 137، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 396، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 264، ومعاني الزجاج: 3/ 273، وتفسير الماوردي: 2/ 470.
(7) في قوله تعالى: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ [آية: 18] .
(8) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 137، وأبو عبيدة في مجاز القرآن: 1/ 397، والطبري في تفسيره: 15/ 214.
(9) المصادر السابقة، وأورد ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 264 قولا آخر، ورجحه، فقال: «ويقال: عتبة الباب. وهذا أعجب إليّ لأنهم يقولون: أوصد بابك، أي: أغلقه، ومنه: إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ أي: مطبقة مغلقة.
وأصله أن تلصق الباب بالعتبة إذا أغلقته، ومما يوضح هذا: أنك إن جعلت الكلب بالفناء كان خارجا من الكهف. وإن جعلته بعتبة الباب أمكن أن يكون داخل الكهف. والكهف وإن لم يكن له باب وعتبة- فإنما أراد أن الكلب منه بموضع العتبة من البيت ... » .(2/515)
وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20) وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21) سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)
19 وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ: أي: كما حفظناهم طول تلك المدة كذلك بعثناهم من الرقدة «1» .
21 وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ: كما أطلعناهم على حالهم في مدّة نومهم أطلعناهم على القيامة، فنومهم الطويل شبيه الموت، والبعث بعده شبيه البعث.
وقيل: أطلعنا ليعلم منكروا البعث أنّ وعد الله حقّ.
إِذْ يَتَنازَعُونَ: إِذْ منصوب ب أَعْثَرْنا أي: فعلنا ذلك إذ وقعت المنازعة في أمرهم. وتنازعهم أنّه لما ظهر عليهم وعرف خبرهم أماتهم الله، فقال بعضهم: ابنوا عليهم مسجدا.
وقيل: بنيانا يعرفون به. وقيل «2» : قال بعضهم: ماتوا، وقال بعضهم: نيام كما هم أول مرة.
22 رَجْماً بِالْغَيْبِ: أي: يقولونه ظنا. وإنّما دخل الواو في الثامن لابتداء العطف بها لتمام الكلام بالسبعة التي هي عدد كامل «3» .
ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ: قال ابن عبّاس «4» رضي الله عنه: أنا من
__________
(1) ينظر هذا المعنى في تفسير الطبري: 15/ 216، وتفسير البغوي: 3/ 155.
(2) راجع القولين في تفسير الماوردي: 2/ 474، والمحرر الوجيز: 9/ 271، والبحر المحيط: 6/ 113.
(3) قال البغوي في تفسيره: 3/ 156: «قيل: هذه واو الثمانية، وذلك أن العرب تعدل فتقول:
واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة، وثمانية لأن العقد كان عندهم سبعة كما هو عندنا عشرة ... » .
وانظر الكشاف: (2/ 478، 479) ، والمحرر الوجيز: 9/ 274، وزاد المسير: 5/ 125.
(4) أخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 226.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 375، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق، والفريابي، وابن سعد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.(2/516)
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)
القليل الذي استثنى الله، كانوا سبعة وثامنهم كلبهم، ولم يكن الكلب من شأنهم، ولكنهم مرّوا براعي غنم فقال لهم: أين تذهبون؟ فقالوا: إلى ربنا.
فقال الراعي: ما أنا بأغنى عن ربّي منكم فتبعه الكلب.
24 وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ: أمرا ثم تذكرته، فإن لم تذكره فقل: عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً.
وقيل: أيّ وقت ذكرت أنك لم تستثن [فاستثن] «1» .
25 وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً: لتفاوت ما بين السنين المذكورة، شمسيها ثلاث مائة وخمسة وستّون يوما وكسرا، وقمريّها ثلاث مائة وأربعة وخمسون/ يوما وكسرا.
وتنوين ثَلاثَ مِائَةٍ «2» على أن يكون سِنِينَ بدلا «3» ، أو عطف بيان «4» ، أو تمييزا «5» لأنّ ثَلاثَ مِائَةٍ يتناول الشهور والأيام والأعوام.
__________
(1) في الأصل: «واستثن» ، والمثبت في النص عن «ك» ، وهو الصواب لأنه في جواب الشرط الواقع طلبا فيقترن بالفاء ويبدو أن مصدر المؤلف- رحمه الله- في هذا القول هو معاني القرآن للزجاج: 3/ 278، فقد جاء فيه: «أي: أيّ وقت ذكرت أنك لم تستثن، فاستثن، وقل: إن شاء الله» اه.
وانظر تفسير الطبري: 15/ 229، وتفسير البغوي: 3/ 157.
(2) قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، وعاصم، وابن عامر.
السبعة لابن مجاهد: 389، وحجة القراءات: 414، والتبصرة لمكي: 248.
(3) يكون في موضع خفض بدلا من «مائة» ، لأن «المائة» في معنى «سنين» ، ويجوز أن يكون منصوبا على البدل من «ثلاث» .
إعراب القرآن للنحاس: 2/ 453، والبيان لابن الأنباري: 2/ 106، والتبيان للعكبري:
2/ 844.
(4) فيكون في موضع نصب عطف بيان على «ثلاث» .
مشكل إعراب القرآن لمكي: 1/ 440، والبيان لابن الأنباري: 2/ 106.
(5) ينظر تفسير الطبري: 15/ 232، وإعراب القرآن للنحاس: 2/ 453، والكشف لمكي:
2/ 58، والمحرر الوجيز: 9/ 284، وتفسير القرطبي: 10/ 387.(2/517)
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)
ومن لم ينوّن للإضافة «1» اعتمد على «الثلاث» في المعنى دون «المائة» «2» ، وإن كان هو نعت «مائة» .
26 قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا: أي: إن حاجوك فيهم، أو الله أعلم به إلى وقت أن أنزل نبأهم» .
أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ: خرج على التعجب في صفته تعالى على جهة التعظيم له «4» .
27 مُلْتَحَداً: معدلا أو مهربا «5» .
28 وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ: وجدناه غافلا «6» ، ولو كان بمعنى صددنا لكان العطف بالفاء فاتبع هواه حتى يكون الأول علة للثاني، كقولك: سألته فبذل «7» .
فُرُطاً: ضياعا «8» ، والتفريط في حق الله تعالى: تضييعه.
__________
(1) وهي قراءة حمزة والكسائي.
السبعة لابن مجاهد: 390، والتبصرة لمكي: 248، والتيسير للداني: 143. [.....]
(2) ينظر الكشف لمكي: 2/ 58، والبيان لابن الأنباري: 2/ 106.
(3) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 2/ 477.
وانظر تفسير الطبري: 15/ 232، وتفسير القرطبي: 10/ 287.
(4) قال الزجاج في معانيه: 3/ 280: «أجمعت العلماء أن معناه: ما أسمعه وأبصره، أي: هو عالم بقصة أصحاب الكهف وغيرهم» اه.
(5) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 398، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 266، وتفسير الطبري: 15/ 233، ومعاني الزجاج: 3/ 280، واللسان: 3/ 389 (لحد) .
(6) أورده الماوردي في تفسيره: 2/ 478، وبه قال الزمخشري في الكشاف: 2/ 482، وذكره الفخر الرازي في تفسيره: (21/ 116- 118) ، ونسب هذا القول إلى المعتزلة، ثم أورد الأدلة على بطلانه، وأثبت أن المراد بقوله تعالى: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ هو إيجاد الغفلة لا وجدانها.
(7) ينظر تفسير الفخر الرازي: 21/ 118.
(8) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 15/ 236 عن الحسن رحمه الله تعالى.
ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 133 عن مجاهد.(2/518)
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)
وقيل «1» : سرفا وإفراطا.
29 أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها: [عن] «2» يعلى بن أميّة «3» عن النبيّ صلى الله عليه وسلم:
«سرادقها: البحر المحيط بالدنيا» «4» .
وعن قتادة «5» : سُرادِقُها: دخانها ولهبها.
«المهل» : كل جوهر معدني إذا أذيب أزبد «6» .
30 قوله تعالى: إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا: قيل: إنّه خبر «إن» الأولى بمعنى: لا نضيع أجرهم فأوقع المظهر وهو مَنْ موقع المضمر.
__________
(1) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 2/ 479.
وانظر معناه في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 398، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة:
266، والمحرر الوجيز: 9/ 293.
(2) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
(3) هو يعلى بن أمية بن أبيّ بن عبيدة بن همام التميمي الحنظلي، صحابي جليل، أسلم يوم الفتح، وشهد حنينا والطائف وتبوك.
راجع ترجمته في الاستيعاب: 4/ 1584، وأسد الغابة: 5/ 523، والإصابة: 6/ 685.
(4) عن تفسير الماوردي: 2/ 479.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده: 4/ 223 عن صفوان بن يعلى عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«البحر هو جهنم» ، قالوا ليعلى فقال: ألا ترون أن الله عز وجل يقول: ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها ... » .
وأخرجه الإمام البخاري في التاريخ الكبير: 1/ 70، والطبري في تفسيره: 15/ 239.
وأخرج نحوه الحاكم في المستدرك: 5/ 596، كتاب الأهوال، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد» ، ووافقه الذهبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 385، وزاد نسبته إلى ابن أبي الدنيا، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في «البعث» عن يعلى بن أمية رضي الله عنه.
(5) في تفسير الماوردي: 2/ 479، وتفسير القرطبي: 10/ 393.
وذكره ابن عطية في المحرر الوجيز: 9/ 298 دون عزو، وكذا الفخر الرازي في تفسيره:
21/ 121.
(6) تفسير الطبري: 15/ 240، وتفسير الماوردي: 2/ 479، وتفسير الفخر الرازي: 21/ 121.(2/519)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32)
وقيل: «إن» الثانية بدل من الأولى فلا تحتاج الأولى إلى خبر «1» .
«الأساور» «2» : جمع أسوار. ذكر قطرب «3» الأساور جمع «إسوار» على حذف الياء لأنّ جمع «أسوار» : أساوير «4» .
وقيل: الأسورة جمع سوار اليد- بالكسر-، وقد حكي سوار- بالضم- مجموع على أسورة «5» .
و «الأرائك» : الأسرة «6» .
32 وَحَفَفْناهُما: جعلنا النّخل مطيفا بهما «7» . وكان عمر- رضي الله عنه- أصلع له حفاف، وهو أن ينكشف الشّعر عن قمّة الرأس ويبقى
__________
(1) ينظر ما سبق في إعراب القرآن للنحاس: 2/ 454، ومشكل إعراب القرآن لمكي:
1/ 441، والبيان لابن الأنباري: 2/ 107، والتبيان للعكبري: (2/ 845، 846) ، والبحر المحيط: 6/ 121. [.....]
(2) من قوله تعالى: أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ ... [آية: 31] .
(3) قطرب: (؟ - 206 هـ) .
هو محمد بن المستنير بن أحمد البصري، أبو علي، النحوي، اللغوي، تلميذ إمام النحو سيبويه.
قال عنه ابن خلكان في وفيات الأعيان: 4/ 312: «كان من أئمة عصره» .
صنف معاني القرآن، والأضداد، وغريب الحديث ... وغير ذلك.
أخباره في: طبقات النحويين للزبيدي: (99، 100) ، وبغية الوعاة: 4/ 242، وطبقات المفسرين للداودي: 2/ 254.
(4) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 401، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 267، والمحرر الوجيز: 9/ 301، واللسان: 4/ 388 (سور) .
(5) اللسان: 4/ 387 (سور) .
(6) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 401، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 267، والمفردات للراغب: 16.
(7) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 284.
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 402، وتفسير الطبري: 15/ 244، والكشاف:
2/ 483.(2/520)
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)
ما حوله «1» .
33 وَلَمْ تَظْلِمْ: لم تنقص «2» .
34 وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ: أموال مثمرة نامية.
40 حُسْباناً: نارا أو عذابا بحساب الذنب «3» .
وقيل «4» : الحسبان سهام ترمى في مرمى واحد.
صَعِيداً زَلَقاً: أرضا ملساء، لا ينبت فيها نبات ولا يثبت قدم «5» .
41 ماؤُها غَوْراً: غائرا «6» .
42 يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ: يضرب إحداهما على الأخرى تحسّرا.
38 لكِنَّا: «لكن أنا» بإشباع ألف «أنا» فألقيت حركة همزة «أنا» على نون «لكن» ، كما قالوا/ في الأحمر: «الحمر» ، فصار «لكننا» فأدغمت [58/ أ] كقوله «7» : ما لَكَ لا تَأْمَنَّا، وإثبات الألف للعوض عن الهمزة المحذوفة.
__________
(1) الفائق: 1/ 297، وغريب الحديث لابن الجوزي: 1/ 224، والنهاية: 1/ 408.
(2) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 402، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 267، وتفسير الطبري: 15/ 244، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 284.
(3) هذا قول الزجاج في معانيه: 3/ 290، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 145 عن الزجاج.
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 403، وتفسير الطبري: 15/ 248، والمفردات للراغب: 116.
(4) ذكره القرطبي في تفسيره: 10/ 408 دون عزو.
(5) عن تفسير الماوردي: 2/ 482، وانظر معاني القرآن للفراء: 2/ 145، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 403، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 267، ومعاني الزجاج: 3/ 290، والمفردات للراغب: 215.
(6) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 267، وقال: «فجعل المصدر صفة، كما يقال:
رجل نوم ورجل صوم ورجل فطر، ويقال للنساء: نوح: إذا نحن» .
وانظر هذا المعنى في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 403، وتفسير الطبري: 15/ 249، ومعاني الزجاج: 3/ 290، وتفسير القرطبي: 10/ 409.
(7) سورة يوسف: آية: 11.(2/521)
هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)
وفي «أنا» ضمير الشأن والحديث أي: لكن أنا الشأن. والحديث، الله ربّي «1» .
44 هُنالِكَ الْوَلايَةُ: بالفتح «2» مصدر «الوليّ» ، أي: يتولون الله في مثل تلك الحال ويتبرّؤون مما سواه. وبالكسر «3» مصدر «الوالي» ، أي: الله يلي جزاءهم.
لِلَّهِ الْحَقِّ: كسر الْحَقِّ على الصّفة لله، أي: الله على الحقيقة، ورفعه على النعت ل «الولاية» «4» .
هُوَ خَيْرٌ ثَواباً: أي: لو كان يثيب غيره لكان هو خير «5» ثوابا.
وَخَيْرٌ عُقْباً: أي: الله خير لهم في العاقبة.
45 كَماءٍ أَنْزَلْناهُ: تمثيل الدّنيا بالماء من حيث إنّ أمورها في السّيلان، ومن حيث إنّ قليلها كاف وكثيرها إتلاف، ومن حيث اختلاف أحوال بينهما كاختلاف ما ينبت بالماء.
و «الهشيم» : النّبت جفّ وتكسّر «6» .
تَذْرُوهُ الرِّياحُ: ذرته الريح وذرّته وأذرته: نسفته وطارت به «7» .
__________
(1) ينظر ما سبق في معاني الفراء: (2/ 144، 145) ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 403، وتفسير الطبري: 15/ 247، ومعاني الزجاج: 3/ 286. [.....]
(2) قراءة ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وعاصم.
السبعة لابن مجاهد: 392، وحجة القراءات: 418، والتبصرة لمكي: 249.
(3) وهي قراءة حمزة والكسائي.
(4) قرأ برفع: الحق الكسائي، وأبو عمرو، وباقي السبعة بكسر القاف.
السبعة لابن مجاهد: 392.
ينظر توجيه قراءات هذه الآية في حجة القراءات: 419، وإعراب القرآن للنحاس:
2/ 459، والكشف لمكي: 2/ 63، والتبيان للعكبري: 2/ 849.
(5) في «ج» : خيرا.
(6) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 268: «وأصله: من هشمت بالشيء إذا كسرته، ومنه سمي الرجل: هاشما» .
(7) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 405، وتفسير الطبري: 15/ 252، والمفردات للراغب:
178، وتفسير القرطبي: 10/ 413، واللسان: 14/ 282 (ذرا) .(2/522)
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55)
وَكانَ اللَّهُ: تأويل كانَ إن ما شاهدتم من قدرته ليس بحادث وأنه كان كذلك لم يزل.
46 وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ: كل عمل [صالح] «1» يبقى ثوابه.
وَخَيْرٌ أَمَلًا: لأنّه لا يكذب بخلاف سائر الآمال.
47 وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً: لا يسترها جبل، أو برز ما في بطنها من [الأموات] «2» والكنوز.
َدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
: أي: أحياء.
52 مَوْبِقاً: محبسا «3» . وقيل «4» : مهلكا. وبق يبق وبوقا «5» .
55 قُبُلًا: مقابلة «6» ، أو أنواعا من العذاب كأنه جمع «قبيل» أو
__________
(1) ما بين معقوفين عن «ك» و «ج» .
(2) في الأصل: «الأموال» والمثبت في النص عن «ك» وانظر هذا القول في تفسير القرطبي:
10/ 416 عن عطاء.
(3) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 156 عن الربيع بن أنس.
ونقل الأزهري في تهذيب اللغة: 9/ 354 عن ابن الأعرابي قال: «كل حاجز بين شيئين فهو موبق» .
(4) ذكره الفراء في معاني القرآن: 2/ 147، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 269، وأخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 264 عن ابن عباس، وقتادة.
وانظر معاني القرآن للزجاج: 3/ 295، وتفسير الماوردي: 2/ 489، وزاد المسير:
5/ 155.
(5) ينظر معاني القرآن للزجاج: 3/ 295، وتهذيب اللغة: 9/ 355، واللسان: 10/ 370 (وبق) .
(6) في «ج» : مفاجأة.
وذكر أبو عبيدة هذا المعنى الذي ورد في الأصل في مجاز القرآن: 1/ 407، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 269، ومكي بن أبي طالب في الكشف: 2/ 64 توجيها لقراءة من كسر القاف، وأشار- أيضا- إلى أن من قرأ بضم القاف يحتمل هذا المعنى.
ونقل عن أبي زيد الأنصاري أنه قال: «لقيت فلانا قبلا ومقابلة وقبلا وقبلا وقبيلا وقبليا، كله بمعنى مقابلة، أي: عيانا، فالمعنى في الآية: أن يأتيهم العذاب مقابلة يرونه» .(2/523)
وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)
«مقابلة» ، وهي بمعنى «قبلا» ، وفي الحديث «1» : «إنّ الله كلّم آدم قبلا» ، أي: معاينة.
و «قبلا» : مستأنفا «2» .
56 لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ: يبطلوه ويزيلوه.
58 مَوْئِلًا: منجى «3» وملجأ.
59 لِمَهْلِكِهِمْ: لإهلاكهم، مصدر «4» ، كقوله «5» : مُدْخَلَ صِدْقٍ.
ويجوز «مهلكهم» اسم زمان الهلاك، أي: جعلنا لوقت إهلاكهم موعدا، ولكنّ المصدر أولى لتقدم أَهْلَكْناهُمْ «6» ، والفعل يقتضي المصدر وجودا وحصولا، وهو المفعول المطلق، ويقتضي الزّمان والمكان محلا وظرفا، وكلّ فعل زاد على ثلاثة/ أحرف فالمصدر واسم الزّمان والمكان منه على
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده: (5/ 265، 266) عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعا.
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد: 1/ 164 وقال: «رواه أحمد والطبراني في الكبير ...
ومداره على علي بن يزيد وهو ضعيف» .
وأخرجه الخطابي في غريب الحديث: 2/ 157 عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه مرفوعا.
(2) قال الخطابي في غريب الحديث: 2/ 157: «وقوله: «قبلا» ، إذا كسرت القاف كان معناه المقابلة والعيان، وكذلك قبلا، يقال: لقيت فلانا قبلا وقبلا: أي مقابلة، وإذا فتحت القاف والباء كان معناه الاستقبال والاستئناف» .
وانظر غريب الحديث لابن الجوزي: 2/ 217، والنهاية: 4/ 8. [.....]
(3) في الأصل: «منجاء» .
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 408، وتفسير الطبري: 15/ 369، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 297.
(4) على قراءة الكسائي، ونافع، وابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر، وحمزة، بضم الميم وفتح اللام الثانية.
ينظر معاني القرآن للزجاج: 3/ 297، وحجة القراءات: (421، 422) ، والكشف لمكي: 2/ 66.
(5) سورة الإسراء: آية: 80.
(6) في قوله تعالى: وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا....(2/524)
مثال «المفعول» «1» ، وإذا كان «المهلك» اسم زمان «الهلاك» لا يجوز «الموعد» اسم الزمان لأنّ الزّمان وجد في المهلك فلا يكون للزّمان زمان بل يكون الموعد بمعنى المصدر، أي: جعلنا لزمان هلاكهم وعدا وعلى العكس «2» . وهذا من المشكل حتى على الأصمعي «3» ، فإنه أنشد للعجاج «4» :
جأبا «5» ترى تليله مسحجا
__________
(1) أي يأتي على وزن اسم المفعول بأن يؤتى بالمضارع من الفعل المزيد فيضم أوله ويفتح ما قبل آخره.
(2) ينظر ما سبق في معاني القرآن للزجاج: 3/ 397.
(3) الأصمعي: (122- 216 هـ) .
هو عبد الملك بن قريب بن علي الباهلي، أبو سعيد.
الإمام اللغوي المشهور.
من كتبه: خلق الإنسان، والخيل، واشتقاق الأسماء.
أخباره في تاريخ بغداد: 10/ 410، وطبقات النحويين للزبيدي: 167، وبغية الوعاة:
2/ 112.
(4) العجاج: (؟ - نحو 90 هـ) .
هو عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر التميمي، أبو رؤبة.
راجز من أهل البصرة، قوي العارضة، كثير الرجز.
ذكر ابن قتيبة في الشعر والشعراء: 2/ 591 أنه لقي أبا هريرة وسمع منه أحاديث.
أخباره في طبقات فحول الشعراء: 2/ 738.
والبيت في ديوانه: 373.
(5) الجأب: الحمار الوحشي الضخم، يهمز ولا يهمز، والجمع جؤوب.
وجاء في شرح ديوان العجاج: الجأب الغليظ، ويروى: بليته، قال أبو حاتم:
كان الأصمعي ينشد: ترى تليله. والتليل العنق، وهو الذي كان يختاره. وغيره يقول: بليته، أي بعنقه، والليتان ناحيتا العنق. قال أبو حاتم: رواه الناس كلهم: بليته مسحّجا، فقال الأصمعي: هذا تصحيف. قال أبو حاتم: ويخلط الأصمعي، فقلت له: لم؟ قال: كيف يكون ترى بعنقه مسحّجا؟ لو كان ذاك لقال: تسحيجا، قلت له: في كتاب الله وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ يريد كل تمزيق. فسكت وعرف الحق» اه.
راجع هذه المناظرة- أيضا- في الخصائص لابن جني: (1/ 366، 367) ، وشرح ما يقع فيه التصحيف للعسكري: 100، والمزهر للسيوطي: (2/ 375، 376) ، واللسان:
2/ 296 (سحج) .(2/525)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)
فقال أبو حاتم «1» : إنّما هو «بليته» ، فقال: من أخبرك بهذا؟
فقال: من سمعه من فلق في رؤبة «2» - يعني أبا زيد «3» - فقال: هذا لا يكون. قال: بلى، جعل «مسحّجا» مصدرا، كما قال «4» :
ألم تعلم مسرّحي القوافي
فكأنه أراد أن يدفعه، فقال: فقد قال الله «5» : وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ.
60 وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ: وهو ابن أخيه يوشع بن نون «6» .
__________
(1) أبو حاتم: (؟ - 248 هـ) .
هو سهل بن محمد بن عثمان الجشعي السجستاني.
المقرئ، اللغوي، النحوي، الشاعر.
له كتاب «المعمرين» ، وما تلحن فيه العامة، والأضداد ... وغير ذلك.
وقيل: إن وفاته كانت سنة 255 هـ، وقيل: سنة 250 هـ.
أخباره في الفهرست لابن النديم: 64، ووفيات الأعيان: 2/ 430، وسير أعلام النبلاء:
12/ 268، وطبقات المفسرين للداودي: 1/ 216.
(2) رؤبة: (؟ - 145 هـ) .
هو رؤبة بن عبد الله العجاج بن رؤبة التميمي.
الراجز المشهور، له ديوان مطبوع.
أخباره في طبقات فحول الشعراء: 2/ 761، والشعر والشعراء: 2/ 594، ووفيات الأعيان: 2/ 303.
(3) هو أبو زيد الأنصاري، وقد تقدم التعريف به.
(4) هو جرير الشاعر المشهور، والبيت في ديوانه: 2/ 651.
(5) سورة سبأ: آية: 19. [.....]
(6) ثبت ذلك في رواية أخرجها الإمام البخاري في صحيحه: 5/ 230، كتاب التفسير، «سورة الكهف» ، باب وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ... عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا.
وانظر التعريف والإعلام للسهيلي: 103، وتفسير القرطبي: 11/ 9، ومفحمات الأقران:
140.(2/526)
فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)
لا أَبْرَحُ: لا أزال أمشي.
مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ: بحر روم وبحر فارس «1» ، يبتدئ أحدهما من المشرق والآخر من المغرب فيلتقيان.
وقيل «2» : أراد بالبحرين الخضر وإلياس لغزارة علمهما.
حُقُباً: حينا طويلا «3» .
61 فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما: إفريقيّة «4» .
فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ: الحوت، أحياه الله فطفر «5» في البحر.
سَرَباً: مسلكا «6» ، وهو مفعول كقولك: اتخذت طريقي مكان كذا، ويجوز مصدرا يدل عليه «اتخذ» أي سرب الحوت سربا «7» .
63 وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ: «أن» بدل من الهاء، لاشتمال
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 15/ 271 عن قتادة، ومجاهد.
ونقله البغوي في تفسيره: 3/ 171، وابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 164 عن قتادة.
(2) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 492 عن السدي.
وقيل: إن البحرين موسى والخضر.
ذكره الزمخشري في الكشاف: 2/ 490، ووصفه بأنه من بدع التفاسير.
وضعفه ابن عطية في المحرر الوجيز: 9/ 350، والقرطبي في تفسيره: 11/ 9.
(3) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 269، وتفسير الطبري: 15/ 271، والمفردات للراغب: 126.
(4) نقل البغوي هذا القول في تفسيره: 3/ 171 عن أبي بن كعب، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 164.
وأورده السيوطي في مفحمات الأقران: 141، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب رضي الله عنه.
(5) الطفر بمعنى الوثوب.
اللسان: 4/ 501 (طفر) .
(6) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 409، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 269، وتفسير الطبري: 15/ 273.
(7) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 299.(2/527)
قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)
الذكر على الهاء في المعنى، أي: ما أنساني أن أذكره إلّا الشّيطان «1» ، شغل قلبي بوسوسته حتى نسيت ذلك.
64 ما كُنَّا نَبْغِ «2» : أوحى إلى موسى أنك لتلقى الخضر حيث تنسى شيئا من زادك.
فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً: رجعا يقصان الأثر ويتبعانه.
71 شَيْئاً إِمْراً: عجيبا «3» .
73 لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ: تركت.
وَلا تُرْهِقْنِي: لا تعاسرني «4» .
74 زاكية «5» : تامة نامية «6» ، وكان المقتول شابا يقطع الطريق «7» .
وزكية في الدين والعقل فهو على ظاهر الأمر «8» .
__________
(1) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 3/ 300، وانظر تفسير الطبري: 15/ 275.
(2) وهي قراءة نافع، وأبي عمرو، والكسائي بإثبات الياء في الوصل، وقرأ ابن كثير بإثبات الياء في الحالين، وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة بحذف الياء في الحالين.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 403، والكشف لمكي: 2/ 83، والمحرر الوجيز: 9/ 356، وزاد المسير: 5/ 167، والبحر المحيط: 6/ 147.
(3) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 269، وتفسير البغوي: 3/ 174.
(4) معاني القرآن للزجاج: 3/ 302، والكشاف: 2/ 493، وزاد المسير: 5/ 171.
(5) هذه قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، كما في السبعة لابن مجاهد: 395، وحجة القراءات: 424، والتبصرة لمكي: 250.
(6) أورده الماوردي في تفسيره: 2/ 498، وقال: «قاله كثير من المفسرين» .
وانظر هذا القول في زاد المسير: 5/ 173. [.....]
(7) نقله البغوي في تفسيره: 3/ 174، والقرطبي في تفسيره: 11/ 21 عن الكلبي.
وذكره ابن عطية في المحرر الوجيز: 9/ 365 دون عزو.
(8) عن أبي عبيدة في تفسير الماوردي: 2/ 498، ونص قوله: إن الزاكية في البدن، والزكية في الدين.
وقد ذكر هذا التوجيه لقراءة عاصم، وحمزة، والكسائي، وابن عامر زَكِيَّةً بغير ألف.(2/528)
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82) وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85)
77 يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ: يكاد يسقط «1» ، ويقال: قضضنا عليهم الخيل [59/ أ] فانقضّت «2» .
80 فَخَشِينا: كرهنا «3» ، أو علمنا «4» ، مثل «حسب» و «ظنّ» تقارب أفعال الاستقرار والثبات.
81 وَأَقْرَبَ رُحْماً: أكثر برا لوالديه ونفعا «5» ، وأصل الرحم العطف من الرحمة «6» .
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً: علما يتسبّب به إليه «7» .
85 فَأَتْبَعَ سَبَباً: طريقا من المشرق والمغرب «8» ،
__________
(1) عن تفسير الماوردي: 2/ 499.
وانظر نحو هذا القول في تفسير غريب القرآن: 270، ومعاني الزجاج: 3/ 306، وتفسير البغوي: 3/ 175، والمحرر الوجيز: 9/ 373.
(2) في اللسان: 7/ 219 (قضض) : «قضّ عليهم الخيل يقضّها قضا: أرسلها.
وانقضت عليهم الخيل: انتشرت، وقضضناها عليهم فانقضت عليهم» .
(3) هذا قول الأخفش في معانيه: 2/ 620، وعلل قائلا: «لأن الله لا يخشى» .
وهو قول الزجاج في معانيه: 3/ 305، وقال: «لأن الخشية من الله عز وجل معناه الكراهة، ومعناها من الآدميين الخوف» .
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 9/ 382: «والأظهر عندي في توجيه هذا التأويل- وإن كان اللفظ يدافعه- أنها استعارة، أي: على ظن المخلوقين والمخاطبين لو علموا حاله لوقعت منهم خشية الرهق للأبوين. وقرأ ابن مسعود: فخاف ربك، وهذا بيّن في الاستعارة، وهذا نظير ما يقع في القرآن في جهة الله تعالى من «لعل» و «عسى» ، فإن جميع ما في هذا كله من ترجّ وتوقّع وخوف وخشية إنما هو بحسبكم أيها المخاطبون» اه.
(4) ذكر الفراء هذا القول في معاني القرآن: 2/ 157، والماوردي في تفسيره: 2/ 502، والبغوي في تفسيره: 3/ 176، ونقله ابن عطية في المحرر الوجيز: 9/ 382 عن الطبري.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 16/ 4 عن قتادة.
ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 180 عن ابن عباس، وقتادة.
(6) ينظر المفردات للراغب: 191، وزاد المسير: 5/ 180.
(7) تفسير الطبري: 16/ 9، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 308، وتفسير الماوردي: 2/ 504.
(8) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 16/ 10 عن مجاهد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 504 عن مجاهد، وقتادة.(2/529)
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)
كقوله «1» : أَسْبابَ السَّماواتِ: طرائقها.
86 تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ: ذات حمأة «2» ، فإنّ من ركب البحر وجد الشّمس تطلع وتغرب فيه، وحامية «3» : حارّه.
إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ: أي: بالقتل لإقامتهم على الشّرك، أو تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً: تحسن إليهم بأن تأسرهم فتعلّمهم الهدى.
88 جَزاءً الْحُسْنى: الجنّة الحسنى، فحذف الموصوف «4» .
ومن قرأه بالنصب والتنوين «5» يكون مصدرا في موضع الحال، أي:
فله الحسنى مجزيا بها جزاء «6» .
__________
(1) سورة غافر: آية: 37.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 16/ 11 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال الزجاج في معانيه: 3/ 308: «من قرأ «حمئة» أراد في عين ذات حمأة، ويقال:
حمأت البئر إذا أخرجت حمأتها، وأحمأتها: إذا ألقيت فيها الحمأة، وحمئت هي تحمأ فهي حمئة إذا صارت فيها الحمأة» .
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 413، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 270، وتفسير الماوردي: 2/ 505.
والحمأة: الطين الأسود المنتن. اللسان: 1/ 61 (حمأ) .
(3) قرأ بها عامر، وحمزة، والكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر.
السبعة لابن مجاهد: 398، وحجة القراءات: 428، والتبصرة لمكي: 251.
وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 270، وتفسير الطبري: 16/ 12، ومعاني الزجاج:
3/ 308، والكشف لمكي: 2/ 73.
(4) على قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، وابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر- بالرفع والإضافة.
ينظر تفسير الطبري: 16/ 13، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 309، وحجة القراءات:
430. [.....]
(5) وهي قراءة حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 399، وحجة القراءات: 430، والتبصرة لمكي: 251.
(6) نص هذا الكلام في معاني القرآن للزجاج: 3/ 309.
وانظر تفسير الطبري: 16/ 13، والكشف لمكي: (2/ 74، 75) .(2/530)
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)
90 لَمْ نَجْعَلْ [لَهُمْ] «1» مِنْ دُونِها سِتْراً: كنّا «2» ببناء، أو خمرا.
والمراد دوام طلوعها عليهم في الصّيف، وإلا فالحيوان يحتال المكن حتى الإنسان، وهذا المكان وراء بريّة من تلقاء «بلغار» «3» ، تدور الشّمس فيه بالصّيف ظاهرة فوق الأرض إلّا أنّها لا تسامت رؤوسهم «4» .
94 خَرْجاً: خراجا كالنبت والنبات «5» .
95 رَدْماً: هو ما جعل بعضه على بعض، ثوب مردّم رقّع رقعة فوق رقعة.
96 زُبَرَ الْحَدِيدِ: قطعا منه.
ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ: بين الجبلين، كلّ واحد يصادف صاحبه ويقابله «6» . أو ينحرف عن صاحبه بمعنى الصّدوف «7» ، والمعنى: حتى إذا
__________
(1) في الأصل: «لها» .
(2) المراد ب «الكن» و «الخمر» هنا ما يسترهم ويحجبهم عن الشمس من بناء أو شجر أو لباس.
(3) بلغار: بضم الباء، والغين معجمة بلد معروف بأوروبا.
قال ياقوت في معجم البلدان: 1/ 485: «مدينة الصقالبة ضاربة في الشمال ... » .
(4) عقب ابن عطية- رحمه الله- على الأقوال التي قيلت في هؤلاء القوم، وصفتهم، ومكان وجودهم بقوله: وكثّر النقّاش وغيره في هذا المعنى، والظاهر من الألفاظ أنها عبارة عن قرب الشمس منهم، وفعلها بقدرة الله- تبارك وتعالى- فيهم، ونيلها منهم، ولو كان لهم أسراب تغني لكان سترا كثيفا، وإنما هم في قبضة القدرة سواء كان لهم أسراب أو دور أو لم يكن ... » .
ينظر المحرر الوجيز: 9/ 398.
(5) ينظر تفسير الطبري: 16/ 22، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 310.
و «خراجا» قراءة حمزة والكسائي كما في السبعة لابن مجاهد: 400، والتيسير للداني: 146.
(6) في تهذيب اللغة للأزهري: 12/ 146: «يقال لجانب الجبلين إذا تحاذيا: صُدُفان وصَدَفان لتصادفهما أي تلاقيهما، يلاقي هذا الجانب الجانب الذي يلاقيه، وما بينهما فج أو شعب أو واد، ومن هذا يقال: صادفت فلانا، أي لاقيته» .
(7) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 508 عن ابن عيسى.(2/531)
فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)
وازى رؤوسهما بما جعل بينهما.
قِطْراً: نحاسا مذابا.
97 أَنْ يَظْهَرُوهُ: يعلوه.
98 دَكَّاءَ: هدما حتى يندكّ «1» ويستوي بالأرض.
99 يَمُوجُ فِي بَعْضٍ: يضطرب ويختلط كما تختلط أمواج البحر.
100 وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ: أظهرناها.
101 لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً: لعداوتهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
103 بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا: تمييز لإبهامه «2» .
108 حِوَلًا: تحوّلا، مصدر «حال حولا» ، مثل «صغر صغرا» ، وعظم عظما «3» .
وقيل «4» : حيلة، أي: لا يحتالون منزلا غيرها.
__________
(1) في «ج» : ينفك.
(2) قال الزجاج في معاني القرآن: 3/ 314: «منصوب على التمييز، لأنه إذ قال:
بِالْأَخْسَرِينَ دل على أنه كان منهم ما خسروه، فبين ذلك الخسران في أي نوع وقع، فأعلم- جل وعز- أنه لا ينفع عمل عمل مع الكفر به شيئا فقال: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ... » .
(3) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 3/ 315.
وانظر معاني القرآن للفراء: 2/ 161، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 416، وتفسير الطبري: 16/ 38.
(4) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 315.(2/532)
ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)
ومن سورة مريم
2 ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ/ عَبْدَهُ: هذا ذكر «1» . أو فيما أنزل عليك ذكر [59/ ب] رحمت ربّك عبده بالرحمة، لأنّ ذكر الرحمة إياه لا يكون إلّا بالله «2» .
5 خِفْتُ الْمَوالِيَ: الذين يلونه في النّسب «3» .
6 يَرِثُنِي: على صفة الولي «4» ، وبمعنى النكرة، أي: وليا وارثا، وإنّما دعا أن يرثه الدين لئلّا يغيّر بنو عمّه كتبه إذ كانوا أشرارا «5» .
7 سَمِيًّا: نظيرا «6» .
8 أَنَّى يَكُونُ لِي [غُلامٌ] «7» : على الاستخبار أبتلك الحال أم بقلبه شابا»
؟.
__________
(1) فيكون خبرا لمبتدأ محذوف هو «هذا» . [.....]
(2) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 318.
وانظر إعراب القرآن للنحاس: 3/ 4، وزاد المسير: 5/ 206، والتبيان للعكبري:
2/ 865.
(3) قال الزجاج في معانيه: 3/ 319: «والموالي واحدهم مولى، وهم بنو العم وعصبة الرجل، ومعناه الذين يلونه في النسب كما أن معنى القرابة الذين يقربون منه في النسب» .
وانظر تفسير الماوردي: 2/ 516، وزاد المسير: 5/ 207.
(4) معاني القرآن للزجاج: 3/ 320.
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 516 دون عزو.
(6) ينظر تفسير الطبري: 16/ 49، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 320، وتفسير الماوردي:
2/ 517.
(7) في الأصل: «ولد» .
(8) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 2/ 517، وذكره الفخر الرازي في تفسيره:
21/ 189.
وراجع ص (144) عند تفسير قوله تعالى: قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ [آل عمران: 40] .(2/533)
وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)
عِتِيًّا: سنا عاليا «1» .
13 وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا: رحمة من عندنا «2» . وقيل «3» : تعطفا وتحنّنا على عبادنا، أو على دعاء الناس إلينا.
وَزَكاةً: تطهيرا لمن يدعوه إلى الله «4» ، أو زكيناه بالثناء عليه «5» .
16 انْتَبَذَتْ
: تباعدت واحتجبت لتعبد الله «6» .
19 زَكِيًّا
: ناميا على الخير والبركة «7» .
«البغيّ» «8» الفاجرة «9» ، مصروفة عن الباغية «10» ، أو بمعنى
__________
(1) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 2، وتفسير الماوردي: 2/ 517، وتفسير البغوي: 3/ 189.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (16/ 55، 56) عن ابن عباس، وقتادة، وعكرمة، والضحاك.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 519 عن ابن عباس، وقتادة.
وذكره الفراء في معانيه: 2/ 163، وأبو عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 2، والزجاج في معانيه: 3/ 322.
(3) أخرجه الطبري في تفسيره: 16/ 56 عن مجاهد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 519 عن مجاهد أيضا.
(4) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 322، وابن عطية في المحرر الوجيز: 9/ 437.
ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 214 عن الزجاج.
(5) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 2/ 519.
(6) معاني القرآن للزجاج: 3/ 323، وتفسير القرطبي: 11/ 90.
(7) ذكر نحوه الفخر الرازي في تفسيره: 19/ 200.
وقال الطبري في تفسيره: 16/ 61: «والغلام الزكي: هو الطاهر من الذنوب، وكذلك تقول العرب: غلام زاك وزكى، وعال وعليّ» . [.....]
(8) في قوله تعالى: قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا [آية: 20] .
(9) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 164، وتفسير البغوي: 3/ 191، وزاد المسير: 5/ 217.
(10) فهي فعيل بمعنى فاعل، ذكر هذا الوجه ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 218 عن ابن الأنباري.(2/534)
فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)
المفعولة «1» ، كقولك: نفس قتيل، وكفّ خضيب.
23 فَأَجاءَهَا: ألجأها أو جاء بها «2» .
نَسْياً مَنْسِيًّا: مصدر موصوف من لفظه، كقوله «3» : حِجْراً مَحْجُوراً.
وقيل: النّسي ما يرمى به لوقاحته.
24 تَحْتَكِ سَرِيًّا: شريفا وجيها «4» .
وقيل «5» : السّريّ: النهر الصغير ليكون الرطب طعامها والنهر شرابها.
__________
(1) البحر المحيط: 6/ 181.
(2) معاني القرآن للفراء: 2/ 164، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 4، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 273.
(3) سورة الفرقان: آية: 22.
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 16/ 70 عن الحسن، وابن زيد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 522 عن الحسن، وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير:
5/ 222 إلى الحسن، وعكرمة، وابن زيد.
(5) ذكر الإمام البخاري في صحيحه: 4/ 140، كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ تعليقا موقوفا على البراء بن عازب قال: «سريا» : نهر صغير بالسريانية.
وأخرجه عبد الرازق في تفسيره: 326 عن البراء، والحاكم في المستدرك: 2/ 373، كتاب التفسير، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
وأخرجه الطبري في تفسيره: (16/ 69، 70) عن البراء بن عازب، وابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك، وقتادة.
ورجحه الطبري فقال: «وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قيل من قال: عني به الجدول، وذلك أنه أعلمها ما قد أعطاها الله من الماء الذي جعله عندها، وقال لها:
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا فَكُلِي من هذا الرطب، وَاشْرَبِي من هذا الماء، وَقَرِّي عَيْناً بولدك، و «السري» معروف من كلام العرب أنه النهر الصغير ... » اه.
وانظر معاني القرآن للفراء: 2/ 165، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 5، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 274.(2/535)
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)
25 تُساقِطْ: تتساقط، أدغمت التاء في السين «1» .
رُطَباً: نصب على التمييز «2» ، أو على وقوع الفعل لأنّ التساقط متعد كالتقاضي والتناسي، قال الله تعالى «3» : فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ، أو التقدير: هزي رطبا جنيا بجذع النخل تساقط عليك «4» .
27 فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ: يجوز تَحْمِلُهُ حالا منها ومنه ومنهما «5» ، ولو كان تحمله إليهم لجاز حالا منهم أيضا لحصول الضمائر في الجملة التي هي حال.
فَرِيًّا: عجيبا «6» ، أو مفترى من الفرية «7» .
29 مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا: أي: من يكن في المهد صبيا كيف نكلمه «8» ؟.
34 ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: أي: ذلك الذي قال: إني عبد الله
__________
(1) ورد هذا التوجيه لقراءة حمزة بفتح التاء والتخفيف.
ينظر إعراب القرآن للنحاس: 3/ 12، وحجة القراءات: 442، والكشف لمكي:
2/ 88.
(2) معاني القرآن للزجاج: 3/ 326، والتبيان للعكبري: 2/ 872.
(3) سورة طه: آية: 62.
(4) ينظر وجوه الإعراب في هذه الآية في معاني القرآن للزجاج: 2/ 325، وإعراب القرآن للنحاس: (3/ 12، 13) ، ومشكل إعراب القرآن لمكي: 2/ 452، والتبيان للعكبري:
2/ 672، والبحر المحيط: 6/ 185.
(5) ينظر إعراب القرآن للنحاس: 3/ 14، والتبيان للعكبري: 2/ 673.
(6) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 7، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 274. [.....]
(7) هذا قول اليزيدي في غريب القرآن: 238، قال: «يقال فريت الكذب وافتريته وكذلك تَخْلُقُونَ إِفْكاً تصنعونه. خلقت الكذب واختلقته مثل فريته وافتريته، ومنه إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ، أي: افتراء الأولين ... » .
(8) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 328، وقال: «يكون «من» في معنى الشرط والجزاء ويكون المعنى: من يكن في المهد صبيا- ويكون صَبِيًّا حالا- فكيف نكلمه. كما تقول: من كان لا يسمع ولا يعقل فكيف أخاطبه» .(2/536)
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47)
عيسى بن مريم لا ما تقول النصارى أنه ابن الله «1» .
قَوْلَ الْحَقِّ: أي: هو قول الحق وكلمته، أو الذي تلوناه من صفته وقصّته قَوْلَ الْحَقِّ.
37 فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ: تحزبوا إلى يعقوبيّة، وملكائيّة، ونسطورية [60/ أ] وغيرها «2» .
38 أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا: أي: لئن عموا وصمّوا عن الحقّ في الدّنيا فما أسمعهم يوم لا ينفعهم!.
44 لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ: لا تطعه فيما سول.
45 فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا: موكولا إليه وهو لا يغني عنك شيئا.
46 لَأَرْجُمَنَّكَ: لأرمينّك بالشّتم «3» ، وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا: حينا طويلا.
47 حَفِيًّا: لطيفا رحيما «4» ، والحفاوة: الرأفة والكرامة «5» .
__________
(1) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 329، والماوردي في تفسيره: 2/ 526.
ونقله البغوي في تفسيره: 3/ 195، وابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 231 عن الزجاج.
(2) هذه الفرق الثلاث نسبة إلى ثلاثة من علماء النصارى هم: يعقوب، وملكاء، ونسطور.
فقالت اليعقوبية: عيسى هو الله، هبط إلى الأرض ثم صعد إلى السماء. وقالت الملكائية:
هو عبد الله ونبيه، وقالت النسطورية: إنه ابن الله.
ينظر تفسير الطبري: 16/ 84، وتفسير البغوي: 3/ 196، وتفسير القرطبي: 11/ 108، وتفسير ابن كثير: (5/ 225، 226) ، وتفسير البيضاوي: 2/ 34.
(3) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 169، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 274، والطبري في تفسيره: 16/ 91.
وقال الزجاج في معانيه: 3/ 332: «يقال: فلان يرمي فلانا ويرجم فلانا، معناه يشتمه، وكذلك قوله عز وجل: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ، معناه: يشتمونهن، وجائز أن يكون لَأَرْجُمَنَّكَ لأقتلنك رجما، والذي عليه التفسير أن الرجم هاهنا الشتم» .
(4) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 169، وتفسير الطبري: 16/ 92، ومعاني الزجاج:
3/ 333، والمفردات للراغب: 125.
(5) اللسان: 14/ 187 (حفا) .(2/537)
وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)
52 وَقَرَّبْناهُ: قرّب «1» من أعلى الحجب حتى سمع صرير «2» القلم.
57 وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا: رفع إلى السّماء الرابعة «3» ، وروي:
__________
(1) هو موسى عليه الصلاة والسلام.
(2) في «ك» : «صريف» ، وصرير القلم صوته.
وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (16/ 94، 95) عن ابن عباس، وأبي العالية.
وأخرجه الحاكم في المستدرك: 2/ 373، كتاب التفسير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 515، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد عن أبي العالية، كما عزا إخراجه إلى سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير.
(3) أي: إدريس عليه السلام.
وقد ورد هذا القول في أثر أخرجه الترمذي في سننه: 5/ 316، كتاب تفسير القرآن، باب «ومن سورة مريم» عن قتادة قال: حدثنا أنس بن مالك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «لما عرج بي رأيت إدريس في السماء الرابعة» .
قال الترمذي: وفي الباب عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال: وهذا حديث حسن وقد رواه سعيد بن أبي عروبة وهمام وغير واحد عن قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، حديث المعراج بطوله، وهذا عندنا مختصر من ذاك» اه.
وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (16/ 96، 97) عن أنس مرفوعا.
وأخرجه عن أبي سعيد الخدري، وكعب، ومجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 518، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن مردويه.
عن قتادة عن أنس مرفوعا.
وأخرج البخاري ومسلم عن مالك بن صعصعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج: أنه رأى إدريس في السماء الرابعة.
ينظر صحيح البخاري: 4/ 77، كتاب بدء الخلق، باب «ذكر الملائكة صلوات الله عليهم» .
وصحيح مسلم: 1/ 150، كتاب الإيمان، باب «الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات» .(2/538)
أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)
السّادسة «1» ، وروي: السّابعة «2» .
58 بُكِيًّا «3» : جمع «باك» ، ك «شاهد» ، و «شهود» «4» ، ويجوز مصدرا بمعنى البكاء «5» .
59 أَضاعُوا الصَّلاةَ: صلّوها في غير وقتها «6» .
يَلْقَوْنَ غَيًّا: خيبة وشرا «7» ، أو جزاء الغيّ على حذف المضاف «8» .
__________
(1) أخرجه الطبري في تفسيره: (16/ 96، 97) عن ابن عباس، والضحاك.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 529 عن ابن عباس رضي الله عنهما، والضحاك أيضا.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 518، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس، والضحاك.
(2) أورده ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 241، وقال: «حكاه أبو سليمان الدمشقي» .
(3) من قوله تعالى: إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا [آية: 58] .
(4) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 335.
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 8، وتفسير الطبري: 16/ 98، وتفسير الماوردي:
2/ 530. [.....]
(5) رده الزجاج في معانيه: 3/ 335 قائلا: «ومن قال: بُكِيًّا هاهنا مصدر فقد أخطأ لأن سُجَّداً جمع ساجد، وبُكِيًّا عطف عليه، ويقال: بكى بكاء وبكيا» اه.
وانظر القول الذي أورده المؤلف- رحمه الله- في إعراب القرآن للنحاس: 3/ 21، ومشكل إعراب القرآن لمكي: 2/ 456، والبيان لابن الأنباري: 2/ 128، والبحر المحيط: 6/ 200.
(6) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 16/ 98 عن القاسم بن مخيمرة.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 530 عن ابن مسعود، وعمر بن عبد العزيز.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 526، ونسب إخراجه إلى عبد بن حميد عن ابن مسعود رضي الله عنه.
كما عزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم، والخطيب في «المتفق والمفترق» عن عمر بن عبد العزيز.
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 16/ 101 عن ابن زيد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 531، وابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 246 عن ابن زيد أيضا.
(8) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 336. وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 246 عن الزجاج.(2/539)
جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63) وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69)
61 مَأْتِيًّا: مفعولا من الإتيان «1» .
62 إِلَّا سَلاماً: اسم جامع للخير.
بُكْرَةً وَعَشِيًّا: مقدار ما بين الغداة والعشي على التمثيل بعادة الدنيا.
64 وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ: استبطأ جبريل- عليه السلام- فقال:
«ما يمنعك أن تزورنا أكثر» «2» .
ما بَيْنَ أَيْدِينا: من أمر الآخرة وَما خَلْفَنا: ما مضى من أمر الدنيا.
وَما بَيْنَ ذلِكَ: من الحال إلى يوم القيامة.
68 جِثِيًّا: باركين على الركب، وأصلها: «جثووا» فوقعت الواو طرفا قبلها ضمّة «3» .
69 أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا: أي: ننزع الأعتى فالأعتى.
وأَيُّهُمْ رفع على الحكاية «4» ، أي: الذي يقال أيّهم أشد. وعند
__________
(1) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 336، وقال: «لأن كل ما وصل إليك فقد وصلت إليه، وكل ما أتاك فقد أتيته، يقال: وصلت إلى خبر فلان ووصل إليّ خبر فلان، وأتيت خبر فلان وأتاني خبر فلان، فهذا على معنى: أتيت خبر فلان» .
(2) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 5/ 237، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ.
وانظر تفسير الطبري: 16/ 103، وأسباب النزول للواحدي: 347، وتفسير ابن كثير:
5/ 243.
(3) أصلها جثوو (جثوّ) ثم قلبت ياء فصارت «جثويا» ثم اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون في كلمة فقلبت الواو الأولى ياء وأدغمت الياء في الياء فصارت «جثيّا» ، وقلبت ضمة الثاء كسرة فصارت «جثيا» ثم أتبعت حركة الثاء فقلبت كسرة فقالوا: «جثيا» ، فحركة الجيم اتباعا لحركة الثاء، وحركة الثاء لمجانسة الياء بعدها.
وينظر إعراب القرآن للنحاس: 3/ 23، والبيان لابن الأنباري: 2/ 130.
(4) هذا قول الخليل كما في الكتاب لسيبويه: 2/ 399.
واختاره الزجاج في معانيه: 3/ 329.(2/540)
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)
سيبويه «1» هو مبنيّ بتقدير: الذي هو أشدّ، فلما حذف «هو» واطّرد الحذف صار كبعض الاسم فبني.
71 وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها: ورود حضور ومرور «2» . وقال رجل من الصّحابة- لآخر: أيقنت بالورود؟ قال: نعم، قال: وأيقنت بالصّدر؟ قال:
لا، قال: ففيم الضحك؟ ففيم التثاقل «3» ؟!.
73 نَدِيًّا: مجلسا «4» ، ندوت القوم أندوهم: جمعتهم فندوا:
اجتمعوا «5» .
74 وَرِءْياً: مهموزا «6» على وزن «رعي» اسم المرئيّ، رأيته رؤية ورأيا، والمصدر رئي كالرّعي والرّعي، أي: أحسن متاعا ومنظرا «7» .
__________
(1) الكتاب: 2/ 398.
(2) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 16/ 110 عن قتادة.
ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 256 عن عبيد بن عمير.
(3) نقل ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 255 عن الحسن البصري أنه قال: «قال رجل لأخيه:
يا أخي أتاك إنك وارد النار؟ قال: نعم، قال: فهل أتاك أنك خارج منها؟ قال: لا، قال:
ففيم الضحك؟!» .
وأورد نحوه القرطبي في التذكرة: 404 عن الحسن رحمه الله تعالى.
قال القرطبي رحمه الله: «وقد أشفق كثير ممن تحقق الورود، والجهل بالصدر. كان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه يقول: ليت أمي لم تلدني. فتقول له امرأته: يا أبا ميسرة إنّ الله قد أحسن إليك وهداك إلى الإسلام، قال: أجل، ولكن الله قد بين لنا أنّا واردو النار ولم يبين لنا أنا صادرون» .
(4) معاني القرآن للفراء: 2/ 171، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 10، وغريب القرآن لليزيدي: 241.
(5) اللسان: 15/ 317 (ندى) .
(6) قراءة عاصم، وابن كثير، وأبي عمرو، وحمزة، والكسائي.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 411، وحجة القراءات: 446، والتبصرة لمكي: 256. [.....]
(7) معاني القرآن للفراء: 2/ 71، وغريب القرآن لليزيدي: 241، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 275.(2/541)
قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77)
[60/ ب] وأمّا/ الرّيّ «1» - مشدّدا- فمن ريّ الشّباب وأنواع النعمة.
75 فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا: فليدعه في ضلالته وليمله في غيّه، واللّفظ أمر والمعنى خبر «2» .
76 وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ: الطاعات التي تسلم من الإحباط وتبقى لصاحبها.
وَخَيْرٌ مَرَدًّا: مرجعا يردّ إليه.
77 أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا: العاص بن وائل السّهمي «3» .
__________
(1) وهي قراءة نافع، وابن عامر.
(2) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 343.
ونص كلامه هناك: «هذا لفظ أمر في معنى الخبر، وتأويله أن الله- عز وجل- جعل جزاء ضلالته أن يتركه فيها، ويمده فيها، كما قال جل وعز: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأعراف: 186] إلّا أن لفظ الأمر يؤكد معنى الخبر، كأن لفظ الأمر يريد به المتكلم نفسه إلزاما، كأنه يقول: أفعل ذلك وآمر نفسي به، فإذا قال القائل: من رآني فلأكرمه، فهو ألزم من قوله: أكرمه، كأنه قال: من زارني فأنا آمر نفسي بإكرامه وألزمها ذلك» اه.
وانظر تفسير الطبري: 16/ 119، وتفسير البغوي: 3/ 207، والمحرر الوجيز: 9/ 522، وتفسير القرطبي: 11/ 144.
(3) ورد ذلك في صحيح البخاري وصحيح مسلم من رواية أخرجاها عن خبات بن الأرت رضي الله عنه قال: «كنت قينا في الجاهلية، وكان لي دين على العاص بن وائل. قال:
فأتاه يتقاضاه، فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم. فقال: «والله لا أكفر حتى يميتك الله ثم تبعث. قال: فذرني حتى أموت ثم أبعث فسوف أوتي مالا وولدا فأقضيك. فنزلت هذه الآية: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً اه.
اللفظ للبخاري في صحيحه: 5/ 238، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا.
وهو في صحيح مسلم: 4/ 2153 كتاب «صفات المنافقين وأحكامهم» ، باب «سؤال اليهود النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الروح» .
وانظر تفسير الطبري: 16/ 120، وأسباب النزول للواحدي: 349، والتعريف والإعلام:
111.(2/542)
أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)
78 عَهْداً: أي: عهد بعمل صالح قدّمه «1» .
لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً: أي: إذا بعثت.
79 سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ: نحفظه عليه.
80 وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ: نجعل المال والولد لغيره ونسلبه ذلك.
و «الولد» «2» : جمع كأسد ووثن.
83 أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ: خلّيناهم وإيّاهم «3» .
تَؤُزُّهُمْ أَزًّا: تزعجهم إزعاجا «4» .
84 نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا: أي: أعمالهم للجزاء وأنفاسهم للفناء.
85 وَفْداً: ركبانا مكرّمين.
86 وِرْداً: عطاشا «5» . من ورود الإبل.
__________
(1) ذكره الطبري في تفسيره: 16/ 122، ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 536 عن قتادة، وكذا البغوي في تفسيره: 3/ 208، وابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 361.
(2) على قراءة «ولد» بضم الواو، وهي لحمزة والكسائي كما في السبعة لابن مجاهد: 412، والتبصرة لمكي: 257، والتيسير للداني: 150.
وانظر توجيه المؤلف لهذه القراءة في الكشف لمكي: 2/ 92، والبحر المحيط: 6/ 213.
(3) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 345، وذكر وجها آخر وقال: «وهو المختار أنهم أرسلوا عليهم وقيضوا لهم بكفرهم كما قال عز وجل: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف: 35] ... ومعنى الإرسال هاهنا التسليط، يقال: قد أرسلت فلانا على فلان: إذا سلّطته عليه، كما قال: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ، فأعلم الله عز وجل: أن من اتبعه هو مسلط عليه» اه.
وانظر المحرر الوجيز: 9/ 533.
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 16/ 125 عن قتادة.
وانظر هذا المعنى في معاني القرآن للفراء: 2/ 172، ومعاني الزجاج: 3/ 345، وتفسير القرطبي: 11/ 150.
(5) بلغة قريش كما في كتاب لغات القبائل: 189 عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (16/ 127، 128) عن ابن عباس، وأبي هريرة، والحسن، وقتادة، وسفيان.(2/543)
لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)
89 إِدًّا: منكرا عظيما «1» .
90 هَدًّا: هدما بشدة صوت «2» .
96 وُدًّا: محبة في قلوب النّاس «3» .
97 لُدًّا: ذوي جدل بالباطل.
98 رِكْزاً: صوتا خفيا «4» .
95 فَرْداً: لا أنصار له ولا أعوان كلّ امرئ مشغول بنفسه.
__________
(1) تفسير الطبري: 16/ 129، ومعاني الزجاج: 3/ 346، والمفردات للراغب: 14.
(2) تفسير الطبري: 16/ 130، والمفردات: 537.
(3) نص هذا القول في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 276.
وأخرج نحوه الطبري في تفسيره: 16/ 132 عن ابن عباس، ومجاهد.
(4) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 14، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 276، وتفسير الطبري: 16/ 134، ومعاني الزجاج: 3/ 347، والمفردات: 202.(2/544)
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8) وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)
ومن سورة طه
2 لِتَشْقى: تتعب بقيام جميع اللّيل «1» . وقيل «2» : لتحزن على قومك بأن لا يؤمنوا.
7 يَعْلَمُ السِّرَّ: ما يسرّه العبد عن غيره، وَأَخْفى: ما يخطر بالبال.
ويهجس في الصّدر، أو هو ما يكون من الغيب الذي لا يعلمه ولا يسرّه أحد «3» .
12 فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ: ليباشر بقدمه بركة الوادي «4» ، أو هو أمر تأديب وخضوع عند مناجاة الرّب «5» .
__________
(1) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 8 عن مجاهد.
وانظر تفسير الفخر الرازي: 22/ 4، وتفسير القرطبي: 11/ 168. [.....]
(2) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 8 عن ابن بحر، وذكره الفخر الرازي في تفسيره: 22/ 4، وقال: «وهو كقوله: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ الآية، وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ.
(3) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 16/ 140 عن ابن زيد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 9، وابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 271 عن ابن زيد أيضا.
قال الطبري- رحمه الله- في تفسيره: 16/ 141: «والصواب من القول في ذلك قول من قال: معناه: يعلم السر وأخفى الله سره، لأن «أخفى» فعل واقع متعد، إذ كان بمعنى «فعل» على ما تأوله ابن زيد، وفي انفراد «أخفى» من مفعوله، والذي يعمل فيه لو كان بمعنى «فعل» الدليل الواضح على أنه بمعنى «أفعل» . وأن تأويل الكلام: فإنه يعلم السر وأخفى منه ... » اه.
(4) أخرجه الطبري في تفسيره: (16/ 143، 144) عن مجاهد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 9 عن علي بن أبي طالب، والحسن، وابن جريج.
وذكره الفخر الرازي في تفسيره: 22/ 17 عن الحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد.
(5) نص هذا القول في تفسير القرطبي: 11/ 173 دون عزو.
وأورد نحوه الماوردي في تفسيره: 3/ 9، وابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 10.
وذكر الفخر الرازي وجها آخر فقال: «أن يحمل ذلك على تعظيم البقعة من أن يطأها إلّا حافيا ليكون معظما لها وخاضعا عند سماع كلام ربه، والدليل عليه أنه تعالى قال عقيبة:
إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً وهذا يفيد التعليل، فكأنه قال تعالى: اخلع نعليك لأنك بالوادي المقدس طوى» اه.
ينظر تفسيره: 22/ 17.(2/545)
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)
طُوىً: اسم عجميّ لواد معروف، فلم ينصرف للعجمة والتعريف، أو للعدل عن «طاو» معرفة «1» .
15 أَكادُ أُخْفِيها: أريد أخفيها «2» .
لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ: لأنّ من شرط التكليف إخفاء أمر السّاعة والموت.
17 وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ: السؤال للتنبيه «3» ليقع المعجز بها بعد التثبت فيها.
__________
(1) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 351، وقد ورد هذا التوجيه لقراءة من لم ينوّن «طوى» ، وهذه القراءة لابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، كما في السبعة لابن مجاهد: 417، والتبصرة لمكي: 259، والتيسير للداني: 150.
وانظر توجيه هذه القراءة أيضا في إعراب القرآن للنحاس: 3/ 34، والكشف لمكي:
2/ 96، والتبيان للعكبري: 2/ 886.
(2) ذكر الطبري هذا الوجه في تفسيره: 16/ 151، وقال: «وذلك معروف في اللّغة، ثم أورد الأدلة والشواهد على ذلك» .
وانظر هذا القول في تفسير الماوردي: 3/ 11، وتفسير البغوي: 3/ 214، والمحرر الوجيز: 10/ 15.
(3) تفسير الطبري: 16/ 154، وتفسير البغوي: 3/ 214، والمحرر الوجيز: 10/ 17.
قال الزجاج في معانيه: 3/ 354: «وهذا الكلام لفظه لفظ الاستفهام ومجراه في الكلام مجرى ما يسأل عنه، ويجيب المخاطب بالإقرار له لتثبت عليه الحجة بعد ما قد اعترف مستغنى بإقراره عن أن يجحد بعد وقوع الحجة، ومثله من الكلام أن تري المخاطب ماء فتقول له: ما هذا؟ فيقول: ماء، ثم تحيله بشيء من الصبغ فإن قال إنه لم يزل هكذا قلت له: ألست قد اعترفت بأنه ماء؟!» اه.(2/546)
قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)
18 أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها: أعتمد، وَأَهُشُّ: أخبط الورق للغنم «1» .
23 آياتِنَا الْكُبْرى: الكبر، فجرى على نظم الآي. / أو هو من آياتنا [61/ أ] الآية الكبرى.
39 مَحَبَّةً مِنِّي: من رآك أحبّك «2» .
وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي: تغذّى وتربّى بإرادتي ورعايتي.
صنعت الجارية: تعهّدتها حتى سمنت «3» ، وهو صنيعه: تخريجه وتربيته.
40 وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً: بلوناك بلاء «4» بعد بلاء، أو خلّصناك تخليصا «5» ،
__________
(1) في غريب القرآن لليزيدي: 244: «خبطت وهششت واحد» .
وانظر المعنى الذي ذكره المؤلف في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 17، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 278، وتفسير الطبري: 16/ 154، والمفردات للراغب: 543.
(2) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 14 عن ابن زيد.
وأورد نحوه السيوطي في الدر المنثور: 5/ 567، وعزا إخراجه إلى عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وانظر معاني القرآن للفراء: 2/ 179، وتفسير الطبري: 16/ 161، وزاد المسير:
5/ 284.
(3) تهذيب اللغة: 2/ 38، واللسان: 8/ 210 (صنع) .
(4) ذكره أبو عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 19، والطبري في تفسيره: 16/ 164، والزجاج في معانيه: 3/ 357.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 14 عن قتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 569، وعزا إخراجه إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم.
(5) عن تفسير الماوردي: 3/ 14، ونص كلامه: «خلصناك تخليصا، من محنة بعد محنة، أولها أنها حملته في السنة التي كان يذبح فيها فرعون الأطفال ثم إلقاؤه في اليم، ومنعه الرضاع إلا من ثدي أمه، ثم جره بلحية فرعون حتى همّ بقتله، ثم تناوله الجمرة بدل التمرة فدرأ ذلك عنه قتل فرعون، ثم مجيء رجل من شيعته يسعى بما عزموا عليه من قتله» .
وأورد ابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 31 القول الذي ذكره المؤلف، ثم قال: «هذا قول جمهور المفسرين» .(2/547)
فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48) قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)
من فتنت الذهب بالنار «1» .
عَلى قَدَرٍ: موعد ومقدار الرسالة وهو أربعون سنة «2» .
44 لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ: على رجاء الرسل لا المرسل، إذ لو يئس الرسول من ذلك لم يحسن الإرسال، أو الكلام معدول إلى المرسل إليه، كأنه: لعلّه يتذكّر متذكر عنه وما حل به.
45 نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا: يعجل بقتلنا «3» .
47 وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى: أي: سلم من العذاب من اتبع الهدى.
50 أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ: صورته التي لا يشبهها فيها غيره «4» ، أو المراد صورة الأنواع المحفوظة بعضها عن بعض، أو أعطى كل شيء من الأعضاء خلقه، فأدرك كلّ حاسة بإدراك، وأنطق اللسان، ومكّن اليد من البطش والأعمال العجيبة، والرّجل من المشي، خلق كلّ شيء فقدّره تقديرا «5» .
__________
(1) في تهذيب اللغة للأزهري: 14/ 296: «فتنت الفضة والذهب إذا أذبتهما بالنار ليتميز الرديء من الجيد ... » .
وانظر الصحاح: 6/ 2175، واللسان: 13/ 317 (فتن) .
(2) ينظر تفسير الطبري: (16/ 167، 168) ، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 357، وتفسير الماوردي: 3/ 15. [.....]
(3) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 180، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 19، وغريب القرآن لليزيدي: 246.
وقال الطبري في تفسيره: 16/ 170: «وهو من قولهم: فرط مني إلى فلان أمر: إذا سبق منه ذلك إليه، ومنه: فارط القوم وهو المتعجل المتقدم أمامهم إلى الماء أو المنزل ... » .
(4) نقل البغوي نحو هذا القول في تفسيره: 3/ 220 عن مجاهد.
وذكره ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 291، وقال: «رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وسعيد بن جبير» .
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 582، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن مجاهد.
(5) تفسير القرطبي: 11/ 205.(2/548)
قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55) وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)
ثُمَّ هَدى: للمعيشة في الدنيا والسعادة في الآخرة.
51 فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى: حين حذّره البعث، فقال: ما بال الأمم الخالية كيف يبعثون ومتى وهم رمم بالية؟.
58 مَكاناً سُوىً: المكان النّصف بين الفريقين يستوي مسافته عليهما «1» .
59 يَوْمُ الزِّينَةِ: ارتفع يَوْمُ لأنّه خبر مَوْعِدُكُمْ، على أنّ الموعد اسم زمان الوعد أو مكانه، ومن نصب «2» نصبه على الظرف للموعد، وجعل الموعد حدثا كالوعد لئلا يتكرر الزمان.
61 فَيُسْحِتَكُمْ: يستأصلكم «3» . سحت وأسحت، وسمّي السّحت لأنّه مهلك «4» ، ودم سحت: هدر «5» .
63 إِنْ هذانِ لَساحِرانِ: قال أبو عمرو «6» ، إني لأستحي أن أقرأ: إِنْ هذانِ والقرآن أفصح اللّغات.
__________
(1) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 181، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 20، وغريب القرآن لليزيدي: 247، ومعاني الزجاج: (3/ 360، واللسان: (14/ 413، 414) (سوا) .
(2) تنسب قراءة النصب إلى الحسن رحمه الله تعالى، كما في إعراب القرآن للنحاس: 3/ 42، والبحر المحيط: 6/ 252، وإتحاف فضلاء البشر: 2/ 248.
وانظر توجيه هذه القراءة في معاني الزجاج: 3/ 360، ومشكل إعراب القرآن لمكي:
2/ 464، والتبيان للعكبري: 2/ 892، والبحر المحيط: 6/ 252.
وقال ابن الأنباري في البيان: 2/ 144: «ولا يجوز أن يكون يَوْمُ ظرفا لأن العرب لم تستعمله مع الظرف استعمال سائر المصادر، ولهذا قال تعالى: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ اه.
(3) معاني القرآن للفراء: 2/ 182، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 280، ومعاني الزجاج:
3/ 361، والمفردات للراغب: 225.
(4) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 21.
(5) اللسان: 2/ 41 (سحت) .
(6) قراءته في هذا الموضع: «إنّ هذين» .
ينظر السبعة لابن مجاهد: 419، وحجة القراءات: 454، والتبصرة لمكي: 260.(2/549)
وأمّا خط المصحف فروى عيسى «1» بن عمر أنّ عثمان- رضي الله عنه- قال: أرى فيه لحنا ستقيمه العرب بألسنتها «2» .
[60/ ب] وقرأ ابن كثير «3» : إِنْ هذانِ فهي ضعيفة في نفسها خفيفة/ من المثقلة، فلم تعمل فيما بعدها، فارتفع ما بعدها على الابتداء والخبر، ودخل اللام الخبر فرقا بينها وبين إن النافية، أو هي بمعنى «ما» نافية واللّام في
__________
(1) هو عيسى بن عمر الثقفي البصري، كان صديقا ملازما لأبي عمرو بن العلاء.
وصفه الذهبي بقوله: «العلّامة، إمام النحو ... » ، توفي عيسى بن عمر سنة 149 هـ.
أخباره في طبقات النحويين للزبيدي: 40، وسير أعلام النبلاء: 7/ 200، وتقريب التهذيب: 440.
(2) ذكر الفراء الرواية المنسوبة إلى أبي عمرو بن العلاء عن عثمان رضي الله عنه، لكنه لم يصرح بذكر عثمان، وإنما قال: «عن بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ... » .
معاني القرآن: 2/ 183.
وأورد الفخر الرازي في تفسيره: 22/ 74، والقرطبي في تفسيره: 11/ 216، نص الرواية التي وردت عند المؤلف هنا.
ودافع الفخر الرازي عن قراءة الجمهور، ونقد الرواية المذكورة عن عثمان رضي الله عنه، فقال: «إنه لما كان نقل هذه القراءة في الشهرة كنقل جميع القرآن فلو حكمنا ببطلانها جاز مثله في جميع القرآن، وذلك يفضي إلى القدح في التواتر وإلى القدح في كل القرآن وأنه باطل، وإذا ثبت ذلك وامتنع صيرورته معارضا بخبر الواحد المنقول عن بعض الصحابة.
وثانيها: أن المسلمين أجمعوا على أن ما بين الدفتين كلام الله تعالى، وكلام الله تعالى لا يجوز أن يكون لحنا وغلطا، فثبت فساد ما نقل عن عثمان وعائشة رضي الله عنهما أن فيها لحنا وغلطا.
وثالثها: قال ابن الأنباري: إن الصحابة هم الأئمة والقدوة، فلو وجدوا في المصحف لحنا لما فوضوا إصلاحه إلى غيرهم من بعدهم مع تحذيرهم من الابتداع وترغيبهم في الاتباع ... » .
وينظر نقد هذه الرواية عن عثمان رضي الله عنه في مجموع الفتاوى لابن تيمية رحمه الله (15/ 250- 254) .
(3) هو عبد الله بن كثير الداري، أحد القراء السبعة، توفي سنة 120 هـ.
ترجمته في: معرفة القراء الكبار: 1/ 86، وغاية النهاية: 1/ 443.
وانظر قراءته في السبعة لابن مجاهد: 419، وحجة القراءات: 456، والتبصرة لمكي:
260.(2/550)
خبرها بمعنى «إلا» ، أي: ما هذان إلّا ساحران «1» ، كقوله «2» : وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ.
وأما القراءة المعروفة «3» فهي على لغة كنانة، وبلحارث بن كعب، وخثعم، وزبيد، ومراد، وبني عذرة، فالتثنية في لغاتها بالألف أبدا «4» .
وقيل «5» : معنى إِنْ نعم، وقيل «6» : هو على حذف الهاء بمعنى «إنه» . وزبدة كلام أبي عليّ «7» أنّ هذانِ ليس بتثنية «هذا» «8» لأنّ «هذا» من أسماء الإشارة، فيكون معرفة أبدا، والتثنية والجمع من خصائص النكرات لأنّ واحدا أعرف، فلما لم يصح تنكير هذا لم يصح [تثنية] «9» «هذا» [وجمعه] «10» من لفظه.
__________
(1) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 23، ومشكل إعراب القرآن: 2/ 467، والبحر المحيط:
6/ 255.
(2) سورة الشعراء: آية: 186. [.....]
(3) يريد قراءة الجمهور بتشديد «إنّ» و «هذان» مرفوعا.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 419، وتفسير الطبري: 16/ 180، وإعراب القرآن للنحاس:
3/ 43، والبحر المحيط: 6/ 255.
(4) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 184، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 362، والكشف لمكي:
2/ 99، والمحرر الوجيز: (10/ 49، 50) ، والبحر المحيط: 6/ 255.
(5) ذكره أبو عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 22، والزجاج في معانيه: 3/ 363، وابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 48، وأبو حيان في البحر: 6/ 255.
(6) في معاني الزجاج: 3/ 362 عن النحويين القدماء.
وانظر إعراب القرآن للنحاس: 3/ 46، وحجة القراءات: 455، والمحرر الوجيز:
10/ 50.
(7) يريد أبا علي الفارسي.
(8) هذا معنى قول الفراء في معانيه: 2/ 184، ونقله ابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 50 عن الفراء أيضا.
(9) في الأصل: «تثنيته» ، والمثبت في النص عن «ك» .
(10) ما بين معقوفين ساقط من الأصل، والمثبت عن «ك» .(2/551)
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82) وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)
ألا ترى أنّ «أنت» و «هو» و «هي» لما كانت معارف لم تثنّ على لفظها، فلا يقال: «أنتان» و «هوان» ، بل يصاغ لها أسماء مبنيّة في التثنية لا يختلف أبدا على صورة الأسماء المثناة، وهي «أنتما» و «هما» ، فكذا صيغ ل «هذا» عند التثنية لفظ مبنيّ، ألا ترى كيف فعلوا في «الذين» هكذا.
وقيل «1» : إنّ الألف لما حذفت عوّضت منها ألف التثنية فلم تزل على حالها.
64 فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ: إجماع الأمر بمعنى جمعه، وبمعنى اجتماع الرأي والتدبير «2» .
ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا: مصطفين جميعا، والصفّ مجتمع القوم «3» .
67 فَأَوْجَسَ: أسرّ وأخفى «4» .
69 تَلْقَفْ ما صَنَعُوا: تأخذه بفيها وتبتلعها «5» .
77 لا تَخافُ دَرَكاً: منصوب على الحال، أي: اضرب لهم طريقا غير خائف «6» .
أو على نعت الطريق، أي: طريقا مأمونا غير مخشيّ فيه الدرك.
87 ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا: بطاقتنا «7» ، أو بملكنا
__________
(1) يريد أنه حذف ألف «هاذا» الأخيرة ثم عوض عنها بألف التثنية فقامت مقامها وسدت مسدها ولزمت حالها وأخذت حكمها فلم تتغير ألف البناء.
(2) اللسان: 8/ 57 (جمع) .
(3) ينظر تفسير البغوي: 3/ 223، واللسان: 9/ 194 (صفف) .
(4) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 23، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 280.
(5) تفسير الطبري: 16/ 186، وتفسير الماوردي: 3/ 21، وتفسير البغوي: 3/ 224.
(6) إعراب القرآن للنحاس: 3/ 50، ومشكل إعراب القرآن لمكي: 3/ 470، والبيان لابن الأنباري: 2/ 150، والتبيان للعكبري: 2/ 899. [.....]
(7) هذا قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 281، وأخرجه الطبري في تفسيره: 16/ 198 عن قتادة والسدي.
ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 314 عن قتادة والسدي أيضا.(2/552)
فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)
الصّواب «1» .
أو لم نملك اختيارنا، أو لم نملك أنفسنا «2» .
وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ: إذ السّامريّ قال لهم: إنّها أوزار الذنوب والمال الحرام فانبذوه في النّار، وكان صائغا «3» .
88 فَنَسِيَ: ترك السّامريّ إيمانه «4» ، أو هو قول السّامريّ: / نسي [62/ أ] موسى إلهه عندكم فلذلك أبطأ «5» .
96 فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ: من تراب حافر فرس الرسول، فحذف المضافات.
97 فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ: أمر موسى بني إسرائيل أن لا يقاربوه ولا يخالطوه «6» . وقيل: هرب السّامريّ وتوحش في البراري خوفا، لا يماسّ أحدا «7» .
لَنَنْسِفَنَّهُ: نذرّينّه، نسف الطعام بالمنسف ذرّاه ليطير قشوره «8» .
__________
(1) ذكره الفراء في معاني القرآن: 2/ 189، والزجاج في معانيه: 3/ 371.
(2) ينظر تفسير البغوي: 3/ 228، وزاد المسير: 5/ 314، وتفسير القرطبي: 11/ 234.
(3) نقله القرطبي في تفسيره: 11/ 235 عن قتادة.
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 16/ 201 عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وانظر معاني القرآن للزجاج: 3/ 372، وتفسير الماوردي: 3/ 25، والمحرر الوجيز: 10/ 78.
(5) أخرجه الطبري في تفسيره: 16/ 201 عن قتادة، ورجح هذا القول.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 25 عن قتادة، والضحاك.
(6) ذكره الطبري في تفسيره: 16/ 206 دون عزو، وكذا الماوردي في تفسيره: 3/ 28، والبغوي في تفسيره: 3/ 230، والقرطبي في تفسيره: 11/ 240.
(7) تفسير الماوردي: 3/ 28، وتفسير البغوي: 3/ 230.
(8) تهذيب اللغة: 13/ 6، والصحاح: 4/ 1431، واللسان: 9/ 328 (نسف) .
قال الجوهري: «والمنسف» : ما ينسف به الطعام، وهو شيء طويل منصوب الصدر أعلاه مرتفع» .(2/553)
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)
102 زُرْقاً: عميا «1» . وقيل «2» : عطاشا لأنّ سواد العين من شدّة العطش يتغيّر حتى يزرق.
103 يَتَخافَتُونَ: يتناجون «3» .
106 صَفْصَفاً: مستويا «4» .
107 عِوَجاً: غورا، أَمْتاً: نجدا «5» .
108 هَمْساً: صوتا خفيّا، وهو هاهنا صوت وطئ الأقدام «6» .
111 وَعَنَتِ الْوُجُوهُ: ذلّت وخشعت، والعاني: الأسير «7» .
114 وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ: لا تسأل إنزاله قبل الوحي إليك، وقيل «8» :
كان يعاجل جبريل في التلقن حرصا عليه.
__________
(1) ذكره الفراء في معاني القرآن: 2/ 191، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 282، والزجاج في معانيه: 3/ 376، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 29 عن الفراء.
(2) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 3/ 376.
وانظر معاني القرآن للفراء: 2/ 191، وتفسير الطبري: 16/ 210، وتهذيب اللغة للأزهري: 8/ 428.
(3) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 29، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 282، والمفردات للراغب: 152.
(4) في المفردات: 282: «والصفصف المستوي من الأرض كأنه على صف واحد» .
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 29، وغريب القرآن لليزيدي: 250، وتفسير القرطبي: 11/ 246.
(5) أي مرتفعا، والأمت ما ارتفع من الأرض.
معاني القرآن للفراء: 2/ 191، واللسان: 2/ 5 (أمت) . [.....]
(6) معاني القرآن للفراء: 2/ 192، وغريب القرآن لليزيدي: 251، والمفردات للراغب:
350.
(7) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 30، وغريب القرآن لليزيدي: 251، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 282، واللسان: 15/ 101 (عنا) .
(8) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 32 عن الكلبي.
وذكره البغوي في تفسيره: 3/ 232، وابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 98 دون عزو.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 602، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن السدي.(2/554)
فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128) وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)
121
فَغَوى: ضلّ عن الرأي.
124 وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى: لا حجة له يهتدي إليها «1» .
128 أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ: فاعل يَهْدِ مضمر يفسره كَمْ أَهْلَكْنا: ولا يجوز رفعها ب يَهْدِ، لأنه على طريق الاستفهام بمنزلة: قد تبيّن لي أقام زيد أم عمرو.
129 وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ: تقديره: ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمّى لكان لزاما، أي: عذابا لازما.
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (16/ 228، 229) عن مجاهد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 33، والبغوي في تفسيره: 3/ 235 عن مجاهد.(2/555)
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)
ومن سورة الأنبياء
1 اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ: لقلّة ما بقي بالإضافة إلى ما مضى «1» ، أو لأنّ كلّ آت قريب. وحساب الله العبد إظهاره تعالى ما للعبد وما عليه للجزاء.
2 مُحْدَثٍ: أي: في التنزيل «2» .
3 لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ: مشتغلة، من لهيت ألهى لهوا ولهيّا «3» .
أو طالبة للهو، من لهوت ألهو، وإذا تقدّمت الصّفة انتصب، كقول الشّاعر «4» :
لميّة موحشا طلل ... يلوح كأنّه خلل
وَأَسَرُّوا النَّجْوَى: تمّ الكلام عليه، ثم كأنه فسّره فقال: هم الذين
__________
(1) ذكر الماوردي هذا القول والذي يليه في تفسيره: 3/ 36، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 339.
وانظر تفسير القرطبي: 11/ 267، والبحر المحيط: 6/ 295.
(2) تفسير الطبري: 17/ 2، وتفسير الماوردي: 3/ 36، والمحرر الوجيز: 10/ 122.
قال القرطبي في تفسيره: 11/ 267: «أي ما يأتيهم ذكر من ربهم محدث، يريد في النزول وتلاوة جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان ينزل سورة بعد سورة، وآية بعد آية، كما كان ينزله الله تعالى عليه في وقت بعد وقت، لا أن القرآن مخلوق» .
(3) اللسان: 15/ 258 (لها) ، وانظر تفسير القرطبي: 11/ 267، والبحر المحيط: 6/ 295.
(4) هو كثيّر عزّة، والبيت له في الكتاب لسيبويه: 2/ 123، وخزانة الأدب: 2/ 211.
وهو في مغني اللبيب: 1/ 85، واللسان: 11/ 220 (خلل) دون نسبة.
قال الأستاذ عبد السلام هارون- رحمه الله- في هامش تحقيقه لكتاب سيبويه: «والشاهد فيه نصب «موحشا» على الحال، وكان أصله صفة ل «طلل» ، فتقدمت على الموصوف فصارت حالا» .(2/556)
لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10) وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)
ظلموا، كقوله»
: ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ.
أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ: أفتقبلونه «2» ؟.
10 فِيهِ ذِكْرُكُمْ: شرفكم «3» إن [عملتم] «4» به.
12 يَرْكُضُونَ: يسرعون ويستحثون.
13 لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ: لتسألوا عما كنتم تعملون «5» .
15 حَصِيداً خامِدِينَ/: خمدوا كالنّار وحصدوا كما يحصد الزّرع.
19 لا يَسْتَحْسِرُونَ: لا يتعبون ولا ينقطعون عن العمل، من البعير الحسير.
21 يُنْشِرُونَ: يحيون. أنشر الله الموتى فنشروا.
29 وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ: قيل «6» : إنّه إبليس في دعائه إلى طاعته.
30 كانَتا رَتْقاً: ملتصقتين، ففتق الله بينهما بالهواء «7» ، أو فتق السّماء بالمطر والأرض بالنبات «8» .
__________
(1) سورة المائدة: آية: 71.
(2) في تفسير الطبري: 17/ 3: «قال بعضهم لبعض: أتقبلون السحر، وتصدقون به وأنتم تعلمون أنه سحر؟ يعنون بذلك القرآن» .
(3) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 200، وتفسير الطبري: 17/ 7، ومعاني الزجاج:
3/ 385، وتفسير البغوي: 3/ 239.
(4) في الأصل: «علمتم» ، ولا يستقيم به السياق.
(5) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 39 عن ابن بحر.
(6) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 17 عن قتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 625، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة أيضا. [.....]
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 18 عن الحسن، وقتادة، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 42 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(8) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 201، وأبو عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 37، واليزيدي في غريب القرآن: 254، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 286.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 17/ 19 عن عكرمة، وعطية، وابن زيد.
وأخرجه الحاكم في المستدرك: 2/ 382، كتاب التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» .
وفي إسناده: طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي. قال عنه الذهبي في التلخيص: «واه» .
ووصفه الحافظ في التقريب: 283 بقوله: «متروك، من السابعة» .
وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات: 1/ 61 عن ابن عباس، وفي إسناده طلحة بن عمرو أيضا.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 625، وزاد نسبته إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ورجح الطبري هذا القول فقال: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا من المطر والنبات، ففتقنا السماء بالغيث، والأرض بالنبات. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب في ذلك لدلالة قوله:
جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ على ذلك، وأنه جلّ ثناؤه لم يعقب ذلك بوصف الماء بهذه الصفة إلا والذي تقدمه من ذكر أسبابه ... » .(2/557)
وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36) خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)
38 يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ: يعيبهم.
37 خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ: فسر بالجنس، أي: خلق على حبّ العجلة في أمره «1» ، كقوله «2» : وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا: وفسّر بآدم «3» - عليه السلام- وأنّه لمّا نفخ فيه الرّوح فقبل أن استكمله «4» نهض.
وقال الأخفش «5» : معناه: خلق الإنسان في عجلة.
__________
(1) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 3/ 45، وذكر نحوه الطبري في تفسيره: 17/ 26.
(2) سورة الأسراء: آية: 11.
(3) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 26 عن السدي، ونقله البغوي في تفسيره:
3/ 244 عن سعيد بن جبير، والسدي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 630، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، عن عكرمة.
(4) في «ك» : فقبل استكماله.
(5) الأخفش: (- 215 هـ) .
هو سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء، الإمام اللّغوي النّحويّ المشهور، أصله من «بلخ» .
لازم سيبويه وروى عنه كتابه.
أخباره في: إنباه الرواة: 2/ 36، ومعجم الأدباء: 4/ 242، وإشارة التعيين: 131.
ونص كلامه في معانيه: 2/ 633 كالتالي: «من تعجيل الأمر، لأنه قال: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ، فهذا العجل كقوله: فَلا تَسْتَعْجِلُونِ.
وانظر قوله في تفسير القرطبي: 11/ 289، والبحر المحيط: 6/ 313.(2/558)
بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43) بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44) قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50) وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)
وقيل العجل: الطين «1» وتلفيقه «2» بقوله: فَلا تَسْتَعْجِلُونِ أن من خلق الإنسان مع ما فيه من بديع الصّنعة لا يعجزه ما استعجلوه من الآيات.
40 فَتَبْهَتُهُمْ: فتفجؤهم أو تحيّرهم «3» .
46 نَفْحَةٌ: دفعة يسيرة «4» . وقيل «5» : نصيب، نفح له من عطائه «6» .
47 الْمَوازِينَ الْقِسْطَ: أي: ذوات القسط، والقسط: العدل، مصدر يوصف به، يكون للواحد وللجميع «7» .
58 جُذاذاً: قطعا، جمع جذاذة، ك «زجاجة» وزجاج.
__________
(1) ذكره اليزيدي في غريب القرآن: 254، وأورده ابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 151، ونقل القرطبي في تفسيره: 11/ 289 عن أبي عبيدة وكثير من أهل المعاني أن العجل الطين بلغة حمير.
وعقب ابن عطية على هذا القول بقوله: «وهذا أيضا ضعيف مغاير لمعنى الآية» .
(2) كذا في الأصل، ولعل المناسب للسياق هنا: «وتعقيبه» ، لدلالة: فَلا تَسْتَعْجِلُونِ عليه.
(3) في تفسير البغوي: 3/ 245: «يقال فلان مبهوت، أي: متحير» .
وقال القرطبي في تفسيره: 11/ 290: «يقال: بهته يبهته إذا واجهه بشيء يحيره. وقيل:
فتفجأهم» .
(4) قال القرطبي في تفسيره: 11/ 293: «والنفحة في اللغة الدفعة اليسيرة، فالمعنى: ولئن مسهم أقل شيء من العذاب لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ، أي: متعدين، فيعترفون حين لا ينفعهم الاعتراف» .
(5) ذكره الطبري في تفسيره: 17/ 32، ونقله البغوي في تفسيره: 3/ 246 عن ابن جريج، وكذا القرطبي في تفسيره: 11/ 293.
(6) في اللسان: 2/ 622 (نفح) : «ونفحه بشيء، أي: أعطاه، ونفحه بالمال نفحا: أعطاه» .
(7) معاني القرآن للزجاج: 3/ 394. [.....](2/559)
قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)
و «جذاذا» «1» جمع جذيذ «2» ، ك «خفيف» وخفاف.
63 بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ: أي: يجب أن يفعله كبيرهم أن لو كان معبودا لئلا يعبد معه غيره على إلزام الحجة لا الخبر، أو هو خبر معلق بشرط لا يكون، وهو نطق الأصنام فيكون نفيا للمخبر به «3» .
وإذا وقفت على بَلْ فَعَلَهُ «4» كان المعنى: بل فعله من فعله، ثم الابتداء بقوله: كَبِيرُهُمْ هذا.
68 حَرِّقُوهُ: قاله رجل من أكراد فارس «5» ، ولم تحرق النّار إلّا وثاقة «6» ، ولما أوثقوه قال: لا إله إلّا أنت سبحانك ربّ العالمين، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك «7» .
69 كُونِي بَرْداً: قيل: أحدث فيها البرد بدلا من الحرّ.
__________
(1) بكسر الجيم المعجمة، وهي قراءة الكسائي كما في السبعة: 429، وحجة القراءات:
468، والتبصرة لمكي: 264.
(2) قال اليزيدي في غريب القرآن: 255: «و «جذيذ» بمعنى مجذوذ كالقتيل والجريح» .
وانظر المعنى الذي أورده المؤلف في معاني الفراء: 2/ 206، ومعاني القرآن للزجاج:
3/ 396، والكشف لمكي: 2/ 112.
(3) ينظر هذا المعنى في تفسير الماوردي: 3/ 47، وتفسير البغوي: 3/ 249، وزاد المسير:
5/ 359.
(4) وقد نقل عن الكسائي أنه كان يقف على قوله تعالى: بَلْ فَعَلَهُ.
ينظر تفسير البغوي: 3/ 249، وتفسير القرطبي: 11/ 300، والبحر المحيط: 6/ 325.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 43 عن مجاهد.
(6) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه عبد الرزاق في تفسيره: 341، والطبري في تفسيره:
17/ 44 عن كعب الأحبار.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 639، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن كعب أيضا.
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 45 عن أرقم، وذكره ابن كثير في تفسيره:
5/ 345 دون عزو.(2/560)
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73) وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77) وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)
وقيل «1» : حيل بينها وبينه فلم تصل إليه.
71 إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها: أرض الشّام «2» . وبركتها أنّ أكثر الأنبياء منها، وهي أرض خصيب يطيب فيها عيش الغنيّ والفقير.
74 الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ/ الْخَبائِثَ: قرية سدوم «3» ، وخبائثهم إتيان الذكران وتضارطهم في أنديتهم «4» .
78 نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ: رعت ليلا «5» ، نفشت الغنم، ونفشها أهلها، وأسداها أيضا باللّيل، وأهملها بالنهار «6» .
79 فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ: دفع الغنم إلى صاحب الحرث لينتفع بدرها ونسلها ودفع الحرث إلى صاحب الغنم، وجعل عليه عمارته حتى إذا نبتت في السنة القابلة ترادّا «7» .
78 وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ: جمع في موضع التثنية لإضافته إلى المحكوم لهم ومن حكم.
__________
(1) ذكره الفخر الرازي في تفسيره: 22/ 189.
(2) ورد هذا القول في آثار أخرجها الطبري في تفسيره: (17/ 46، 47) عن أبيّ بن كعب، والحسن، وقتادة، والسدي، وابن جريج، وابن زيد.
وأورد ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 368 القول الذي ذكره المؤلف، ثم قال: «وهذا قول الأكثرين» .
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 642، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب.
(3) ذكره الطبري في تفسيره: 17/ 49، والماوردي في تفسيره: 3/ 50، والبغوي في تفسيره:
3/ 252، وابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 370.
(4) المصادر السابقة.
(5) غريب القرآن لليزيدي: 256، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 287، وتفسير الطبري:
17/ 53، والمفردات للراغب: 502، واللسان: 6/ 357 (نفش) .
(6) الهمل، بالتحريك: الإبل بلا راع، مثل النّفش، إلّا أن الهمل بالنهار والنّفش لا يكون إلّا ليلا. يقال: إبل همل وهاملة وهمّال وهوامل، وتركتها هملا أي: سدى إذا أرسلتها ترعى ليلا بلا راع.
ينظر اللسان: 11/ 710 (همل) .
(7) تفسير الطبري: (17/ 51- 54) ، وتفسير البغوي: 3/ 253، وتفسير ابن كثير: 5/ 349. [.....](2/561)
فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82) وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)
79 وَكُنَّا فاعِلِينَ: نقدر على ما نريد.
82 وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ: كثّف أجسام الجن حتى أمكنهم تلك الأعمال معجزة لسليمان «1» .
وسخّر الطير له بأن قوّى إفهامها كصبياننا الذين يفهمون التخويف.
83 أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ: لم يكن ما نزل به من المرض فعلا للشّياطين كما ذكره في سورة «ص» «2» ، ولكن إنّما آذاه «3» بالوسوسة ونحوها.
84 وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ: ابن عباس قال «4» : أبدل بكل شيء ذهب له ضعفين.
«ذو الكفل» «5» رجل صالح كفل لنبيّ بصيام النّهار وقيام اللّيل وألّا يغضب ويقضي بالحق «6» .
وذَا النُّونِ «7» صاحب الحوت، إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً: أي:
__________
(1) تفسير الفخر الرازي: (22/ 202، 203) .
(2) قوله تعالى: وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ [آية:
41] .
(3) في الأصل: «إنما وإنما آذاه ... » ، ولا يستقيم به السياق.
(4) أخرجه الطبري في تفسيره: 17/ 72 بسند فيه: محمد بن سعد عن أبيه عن عمه ... وقد سبق بيان ضعفهم ص (135) .
(5) في قوله تعالى: وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ [آية: 85] .
(6) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: (17/ 74، 75) عن أبي موسى الأشعري، ومجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 661، وزاد نسبته إلى ابن حاتم، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وعبد بن حميد عن مجاهد رحمه الله.
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 5/ 357: «الظاهر من السياق أنه ما قرن مع الأنبياء إلا وهو نبي.
وقال آخرون: إنما كان رجلا صالحا، وكان ملكا عادلا، وحكما مقسطا، وتوقف ابن جرير في ذلك، فالله أعلم» اه.
(7) في قوله تعالى: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً ... [آية: 87] .(2/562)
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)
مغاضبا لقومه حين استبطأ وعد الله، فخرج بغير أمر ولم يصبر بدليل قوله «1» : فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ.
87 فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ: لن نضيّق «2» ، كقوله «3» : وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ أو فظنّ أن لن نقدّر عليه البلاء من القدر «4» لا القدرة، كأنه: فظن أن لن نقدر عليه ما قدرنا من كونه في بطن الحوت، أو هو على تقدير الاستفهام «5» ، أي: أفظنّ؟.
فِي الظُّلُماتِ: ظلمة اللّيل والبحر وبطن الحوت «6» .
إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ: أي: لنفسي في خروجي قبل الإذن.
90 وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ: كانت عقيما فجعلها الله ولودا «7» .
وقيل «8» : كان في خلقها سوء فحسّن الله خلقها.
__________
(1) سورة القلم: آية: 48.
(2) هذا قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 287، وذكره الطبري في تفسيره: 17/ 78 ورجحه.
وانظر تفسير الماوردي: 3/ 57، والمحرر الوجيز: 10/ 196، وتفسير القرطبي:
11/ 329.
(3) سورة الطلاق: آية: 7.
(4) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 402.
(5) ذكره الطبري في تفسيره: 17/ 79، والماوردي في تفسيره: 3/ 58، وابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 196.
(6) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 80 عن ابن عباس، ومحمد بن كعب القرظي، وقتادة، وعمرو بن ميمون.
وذكره الفراء في معاني القرآن: 2/ 209، والزجاج في معانيه: 3/ 402، وابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 197.
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 83 عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة.
وذكره الفراء في معاني القرآن: 2/ 210، والماوردي في تفسيره: 3/ 59، ورجحه ابن كثير في تفسيره: 5/ 364. [.....]
(8) ذكره الطبري في تفسيره: 17/ 83، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 59 عن عطاء، وابن كامل.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 670، وعزا إخراجه إلى عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والخرائطي في «مساوئ الأخلاق» ، وابن عساكر عن عطاء بن أبي رباح.
وعقّب الطبري- رحمه الله- على القولين اللذين تقدما بقوله: «والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أصلح لزكريا زوجه، كما أخبر تعالى ذكره بأن جعلها ولودا حسنة الخلق، لأن كل ذلك من معاني إصلاحه إياها، ولم يخصص الله جل ثناؤه بذلك بعضا دون بعض في كتابه، ولا على لسان رسوله، ولا وضع على خصوص ذلك دلالة، فهو على العموم ما لم يأت ما يجب التسليم له بأن ذلك مراد به بعض دون بعض» .(2/563)
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91) إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94) وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)
91 فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا: أجرينا فيها روح المسيح كما يجري الهواء بالنّفخ «1» .
[63/ ب] 92 إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ: دينكم «2» ، أُمَّةً واحِدَةً: دينا واحدا، ونصبه على القطع «3» ، أو أنكم خلق واحد فكونوا على دين واحد «4» .
93 وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ: اختلفوا في الدين وتفرقوا «5» .
95 وَحَرامٌ: واجب «6» ، عَلى قَرْيَةٍ: على أهل قرية،
__________
(1) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 3/ 60، وانظر زاد المسير: 5/ 385.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 85 عن مجاهد، ونقله الماوردي في تفسيره:
3/ 60 عن ابن عباس، وقتادة.
(3) أي على الحال، وهو اصطلاح جرى عليه الفراء.
ينظر معاني القرآن له: 2/ 210، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 79، والتبيان للعكبري:
2/ 926، ومعجم المصطلحات النحوية: 188.
(4) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 60.
(5) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 288، وتفسير الطبري: 17/ 84، وتفسير البغوي:
3/ 268، وتفسير القرطبي: 11/ 341.
(6) نقل الزجاج هذا القول في معانيه: 3/ 405، وابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 387 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 672، وعزا إخراجه إلى الفريابي، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «الشعب» عن ابن عباس أيضا.
وفي توجيه هذا القول ذكر الفخر الرازي في تفسيره: 22/ 221: أن الحرام قد يجيء بمعنى الواجب، والدليل عليه الآية والاستعمال والشعر.
أما الآية فقوله تعالى: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وترك الشرك واجب وليس بمحرم، وأما الشعر فقول الخنساء:
وإن حراما لا أرى الدهر باكيا ... على شجرة إلا بكيت على عمرو
يعني: وإن واجبا. وأما الاستعمال فلأن تسمية أحد الضدين باسم الآخر مجاز مشهور، كقوله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها.
إذا ثبت هذا فالمعنى أنه واجب على أهل كل قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ... » اه.
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 204: «ويتجه في الآية معنى ضمنه وعيد بيّن، وذلك أنه ذكر من عمل صالحا وهو مؤمن، ثم عاد إلى ذكر الكفرة الذين من كفرهم ومعتقدهم أنهم لا يحشرون إلى ربّ، ولا يرجعون إلى معاد، فهم يظنون بذلك أنه لا عقاب ينالهم، فجاءت الآية مكذبة لظن هؤلاء، أي: ممتنع على الكفرة المهلكين أنهم لا يرجعون، بل هم راجعون إلى عقاب الله وأليم عذابه» .(2/564)
حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)
أَهْلَكْناها: بالعذاب، أو وجدناها هالكة بالذنوب، كقولك: أعمرت بلدة وأخربتها: وجدتها كذلك، أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ: لا يؤمنون.
96 حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ: أي: جهة يأجوج.
و «الحدب» : فجاج الأرض «1» .
يَنْسِلُونَ: يخرجون ويسرعون «2» ، من نسلان الذئب.
98 حَصَبُ جَهَنَّمَ: حطبها «3» . وقيل: يحصبون فيها بالحصباء «4» .
__________
(1) المفردات للراغب: 110، واللسان: 1/ 301 (حدب) .
(2) قال اليزيدي في غريب القرآن: 256: «والنسلان والنسول مشي سريع في استخفاء مثل نسلان الذئب» .
وانظر تفسير الطبري: 17/ 91، ومعاني الزجاج: 3/ 405، والمفردات للراغب: 491، واللسان: 11/ 661 (نسل) .
(3) معاني القرآن للفراء: 2/ 212، وأخرجه الطبري في تفسيره: 17/ 94 عن مجاهد، وقتادة، وعكرمة.
(4) أي: يرمون فيها بالحصى، وفي تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 288: «وأصله من الحصباء، وهي: الحصى. يقال: حصبت فلانا: إذا رميته حصبا- بتسكين الصاد- وما رميت به: حصب، بفتح الصاد ... واسم حصى الحجارة: حصب» .
وانظر تفسير الطبري: 17/ 94، واللسان: 1/ 320 (حصب) .(2/565)
لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)
100 لا يَسْمَعُونَ: أي: لا يسمعون ما ينتفعون به وإن سمعوا ما يسؤوهم «1» .
101 إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى: الطاعة لله «2» .
وقيل «3» : إنّهم عيسى وعزير والملائكة عبدوا وهم كارهون.
و «الحسيس» «4» : الصوت الذي يحسّ «5» .
103 الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ: النفخة الأخيرة «6» . وقيل «7» : إطباق باب النّار على أهلها.
__________
(1) ينظر تفسير الفخر الرازي: 22/ 225، وتفسير القرطبي: 11/ 345، والبحر المحيط:
6/ 341.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 96 عن مجاهد.
(3) ورد هذا القول في أثر طويل عن ابن عباس رضي الله عنهما، في سياق المناظرة بين أحد رؤوس الشرك في مكة- وهو ابن الزّبعرى- وبين النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد أخرجه الطبري في تفسيره: (17/ 96، 97) ، والطبراني في المعجم الكبير:
12/ 153، حديث رقم (12739) ، والحاكم في المستدرك: 2/ 385، كتاب التفسير، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
وأخرجه الواحدي في أسباب النزول: (353، 354) عن ابن عباس أيضا.
وانظر تفسير ابن كثير: (5/ 374، 375) ، والدر المنثور: 5/ 679. [.....]
(4) من قوله تعالى: لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ [آية: 102] .
(5) غريب القرآن لليزيدي: 357، وتفسير الطبري: 17/ 98، واللسان: 6/ 49 (حسس) .
(6) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 99 عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق محمد بن سعد عن أبيه عن عمه، وهو إسناد مسلسل بالضعفاء، تقدم بيان حالهم ص (135) .
ونقل الماوردي في تفسيره: 3/ 62 هذا القول عن الحسن رحمه الله تعالى.
(7) أخرجه الطبري في تفسيره: 17/ 98 عن سعيد بن جبير، وابن جريج.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 63 عن ابن جريج.
وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 394، وقال: «رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال الضحاك» .(2/566)
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111)
كَطَيِّ السِّجِلِّ: الصّحيفة «1» : فيكون «الكتاب» «2» مصدرا كالكتابة.
كَما بَدَأْنا: العامل في كَما ... : نُعِيدُهُ، أي: نعيد الخلق كما بدأناه «3» .
وَعْداً: مصدر، والعامل فيه معنى نُعِيدُهُ «4» .
105 وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ: الكتب المزبورة المنزلة على الأنبياء.
والذِّكْرِ: أم الكتاب «5» .
109 آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ: أمر بيّن سويّ «6» ، أو سواء في البلاغ، لم أظهر بعضكم على شيء كتمته عن غيره «7» ، فيدلّ على إبطال مذهب الباطنية «8» لعنهم الله.
111 لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ: أي: إبقاؤكم على ما أنتم عليه كناية عن مدلول غير مذكور.
__________
(1) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 213، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 288، وأخرجه الطبري في تفسيره: 17/ 100 عن ابن عباس، ومجاهد.
ورجح الطبري هذا القول.
(2) بالتوحيد على قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، وابن عامر، وعاصم في رواية شعبة.
كما في السبعة لابن مجاهد: 431، 471، والتبصرة لمكي: 264.
وانظر الكشف لمكي: 2/ 114، والبيان لابن الأنباري: 2/ 166، والبحر المحيط:
6/ 343.
(3) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 213، والتبيان للعكبري: 2/ 929.
(4) معاني القرآن للزجاج: 3/ 406، والتبيان للعكبري: 2/ 929، وتفسير القرطبي: 11/ 348.
(5) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 17/ 103 عن مجاهد، وابن زيد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 63 عن مجاهد.
(6) ذكر الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 64 عن السدي.
(7) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 64 عن علي بن عيسى. وذكره الفخر الرازي في تفسيره:
22/ 233، والقرطبي في تفسيره: 11/ 350.
(8) تفسير النسفي: 3/ 91.(2/567)
قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)
وعن الرّبيع بن أنس «1» أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به رأى فلانا- وهو بعض بني أميّة على المنبر يخطب النّاس- فشق عليه، فنزل: وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ.
112 رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ، بحكمك الحق «2» ، أو افصل بيننا بإظهار الحق «3» وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا شهد حربا قرأها «4» .
__________
(1) أورد الشوكاني هذا الأثر في فتح القدير: 3/ 433، وعزا إخراجه إلى ابن أبي خيثمة، وابن عساكر عن الربيع.
وذكر نحوه القرطبي في تفسيره: 11/ 351 دون عزو.
(2) ذكره الطبري في تفسيره: 17/ 108 فقال: «وقد زعم بعضهم أن معنى قوله: رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ قل: ربّ احكم بحكمك الحق، ثم حذف «الحكم» الذي «الحق» نعت له، وأقيم «الحق» مقامه ... » . [.....]
(3) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 64، وقال: «هذا معنى قول قتادة» .
(4) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره: 345 عن قتادة، وكذا الطبري في تفسيره: 17/ 108، وعزاه ابن كثير في تفسيره: 5/ 383 إلى زيد بن أسلم.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 689، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة رحمه الله.(2/568)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)
ومن سورة الحج
«الزّلزلة» «1» : شدّة الحركة على الحال الهائلة «2» ، من: «زلّت قدمه» ثمّ ضوعف لفظه ليتضاعف/ معناه «3» .
3 شَيْطانٍ مَرِيدٍ: أي: «مارد» «4» ، وهو المتجرد للفساد.
4 كُتِبَ عَلَيْهِ: الشّيطان، أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ: اتبعه.
فَأَنَّهُ: فإنّ الشّيطان، يُضِلُّهُ «5» . وفتح «أن» عطفا على الأولى للتوكيد «6» ، أو التقدير: فلأنه يضله.
5 مُخَلَّقَةٍ: مخلوقة تامّة التصوير «7» .
لِنُبَيِّنَ لَكُمْ: بدء خلقكم وترتيب إنشائكم «8» .
__________
(1) من قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [آية: 1] .
(2) ينظر تهذيب اللغة: 13/ 165، والكشاف: 3/ 3، وتفسير البغوي: 3/ 273.
(3) المفردات للراغب: 214، وتفسير القرطبي: 12/ 3، واللسان: 11/ 308 (زلل) .
(4) معاني القرآن للزجاج: 3/ 410.
(5) معاني القرآن للفراء: 2/ 215، وتفسير الطبري: 17/ 116، وتفسير البغوي:
3/ 275.
(6) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 411.
وانظر إعراب القرآن للنحاس: 3/ 86، ومشكل إعراب القرآن: 2/ 486، والبيان لابن الأنباري: 2/ 168.
(7) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 290، وتفسير الطبري: 17/ 117، وتفسير الماوردي:
3/ 67.
(8) ينظر هذا المعنى في تفسير الطبري: 17/ 118، وتفسير الماوردي: 3/ 67.(2/569)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10)
هامِدَةً: غبراء يابسة «1» ، همدت النّار «2» ، وهمد الثّوب: بلي «3» .
اهْتَزَّتْ: استبشرت وتحركت ببنائها، والاهتزاز شدّة الحركة في الجهات «4» ، وَرَبَتْ: انتفخت فطالت «5» .
مِنْ كُلِّ زَوْجٍ: نوع أو لون، بَهِيجٍ: يبهج من رآه «6» .
6 هُوَ الْحَقُّ: المستحق لصفات التعظيم.
9 ثانِيَ عِطْفِهِ: لاوى عنقه تكبّرا «7» .
10 ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ: ذلِكَ مبتدأ، والخبر بِما قَدَّمَتْ، وموضع «أنّ» خفض على العطف على «ما» «8» .
لَيْسَ بِظَلَّامٍ: على بناء المبالغة، وهو لا يظلم مثقال ذرة، إذ أقلّ قليل الظّلم- مع علمه بقبحه واستغنائه- كأكثر الكثير منّا.
وسبب النزول أنهم لم يعرفوا وجوه الثواب وأقدار الأعواض في الآخرة، ولا ما في الدنيا من ائتلاف المصالح باختلاف الأحوال فعدّوا شدائد الدنيا ظلما.
__________
(1) عن تفسير الماوردي: 3/ 68.
وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 290، والمفردات للراغب: 545.
(2) أي: طفئت.
المفردات: 545، واللسان: 3/ 436 (همد) .
(3) اللسان: 3/ 437 (همد) .
(4) عن المبرد في تفسير القرطبي: 12/ 13، وانظر اللسان: 5/ 424 (هزز) . [.....]
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 68، وقال: «فعلى هذا الوجه يكون مقدما ومؤخرا، وتقديره: فإذا أنزلنا عليها الماء ربت واهتزت، وهذا قول الحسن، وأبي عبيدة» .
وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 290، وتفسير القرطبي: 12/ 13، واللسان:
14/ 305 (ربا) .
(6) ينظر هذا المعنى في تفسير القرطبي: 12/ 14.
(7) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 45، وغريب القرآن لليزيدي: 259، وتفسير الطبري: 17/ 121.
(8) معاني القرآن للزجاج: 3/ 414، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 88.(2/570)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14) مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)
11 عَلى حَرْفٍ: ضعف رأي في العبادة مثل ضعف القائم على حرف «1» ، وباقي الآية أحسن تفسير للعبادة على حرف.
13 يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ: تقديره: تأخير «يدعو» ليصحّ موضع اللام «2» ، أي: لمن ضرّه أقرب من نفعه يدعو، أو يَدْعُوا موصول بقوله: هو الضّلال البعيد يدعوه، ولَمَنْ ضَرُّهُ مبتدأ وخبره «3» لَبِئْسَ الْمَوْلى.
15 أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ: أي: محمدا «4» ، فليتسبب أن يقطع عنه النّصر من السماء.
وقيل «5» : المعنى المعونة بالرزق، أي: من يسخط ما أعطى وظنّ أنّ الله لا يرزقه فليمدد بحبل في سماء بيته من حلقه ثم ليقطع الحبل حتى يموت مختنقا.
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 69 عن علي بن عيسى.
وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 411، وقال: «وبيان هذا أن القائم على حرف الشيء غير متمكن منه» .
(2) قال العكبري في التبيان: 2/ 934: «هذا موضع اختلف فيه آراء النحاة، وسبب ذلك أن اللام تعلّق الفعل الذي قبلها عن العمل إذا كان من أفعال القلوب، و «يدعو» ليس منها ... » اه، وأورد وجوه الإعراب التي قيلت في هذه الآية.
(3) عن معاني القرآن للزجاج: (3/ 415، 416) .
وانظر مشكل إعراب القرآن لمكي: 2/ 488، والبيان لابن الأنباري: 2/ 170، والتبيان:
2/ 935.
(4) ومعنى هذا القول كما في تفسير الطبري: 17/ 125 أن من كان يحسب أن لن ينصر الله محمدا في الدنيا والآخرة فليمدد بحبل إليّ، وهو «السبب» إلى سماء بيته، وهو سقفه ثم ليقطع الحبل ... » .
وقد أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (17/ 125- 127) عن ابن عباس، وقتادة، وابن زيد.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 137 عن مجاهد، وهو معنى قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 46.
وانظر تفسير الماوردي: 3/ 70، وتفسير البغوي: 3/ 278، وتفسير الفخر الرازي:
23/ 18.(2/571)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18) هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)
17 إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا: خبره إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ.
19 هذانِ خَصْمانِ: أهل القرآن وأهل الكتاب «1» .
وقيل «2» : الفريقان من المؤمنين والكافرين يوم بدر.
[64/ ب] قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ: أي: يحيط بهم/ النّار إحاطة الثياب «3» .
20 يُصْهَرُ: يذاب.
22 كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا: النّار ترميهم إلى أعلاها حتى يكادوا يخرجوا فتقمعهم الزّبانية إلى قعرها.
25 إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ: عطف المستقبل على الماضي لأنّه على تقدير: وهم يصدّون، أي: من شأنهم الصد «4» كقوله «5» : الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ.
سَواءً «6» الْعاكِفُ فِيهِ: سَواءً رفع بالابتداء. والْعاكِفُ
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 132 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ونقله الواحدي في أسباب النزول: 357 عن ابن عباس، وقتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 20، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة.
(2) ثبت هذا القول في أثر عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أخرجه الإمام البخاري في صحيحه:
5/ 242، كتاب التفسير، باب قوله: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ.
وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه: 4/ 2323، كتاب التفسير، باب في قوله تعالى:
هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ.
وانظر تفسير الطبري: (17/ 131، 132) ، وأسباب النزول للواحدي: 356، وتفسير ابن كثير: 5/ 401.
(3) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 72، والبغوي في تفسيره: 3/ 280.
(4) ينظر معاني القرآن للفراء: (2/ 220، 221) ، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 420، وإعراب القرآن للنحاس: (3/ 92، 93) ، والتبيان للعكبري: 2/ 938.
(5) سورة الرعد: آية: 28. [.....]
(6) بالرفع والتنوين، وهي قراءة السبعة إلا عاصما في رواية حفص، فإنه قرأ «سواء» بالنصب والتنوين.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 435، وحجة القراءات: 475، والتبصرة لمكي: 266.(2/572)
وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)
خبره وصلح مع تنكيره للابتداء لأنّه كالجنس في إفادة العموم الذي هو أخو العهد فكان في معنى المعرفة «1» .
والْعاكِفُ: المقيم «2» ، ووَ الْبادِ «3» : الطارئ، ولهذه الآية لم نجوّز بيع دور مكة «4» .
وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ: أي: من يرد فيه صدا، بِإِلْحادٍ: ميل عن الحق «5» ، ثم فسّر الإلحاد بظلم إذ يكون إلحاد وميل بغير ظلم.
وقال الزّجّاج «6» : المعنى من إرادته فيه بأن يلحد بظلم.
26 وَإِذْ بَوَّأْنا: قرّرنا وبيّنا «7» .
__________
(1) هذا قول الزجاج في معانيه: 3/ 420.
وذكره النحاس في إعراب القرآن: 3/ 93، وذكر وجهين آخرين هما: «أن ترفع «سواء» على خبر «العاكف» ، وتنوي به التأخير، أي: العاكف فيه والبادي سواء، والوجه الثالث:
أن تكون الهاء التي في «جعلناه» مفعولا أول و «سواء العاكف فيه والبادي في موضع المفعول الثاني ... » .
وقال أبو حيان في البحر المحيط: (6/ 362، 363) : «والأحسن أن يكون «العاكف والبادي» هو المبتدأ، و «سواء» الخبر، وقد أجيز العكس.
(2) معاني القرآن للفراء: 2/ 221، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 48، وغريب القرآن لليزيدي: 260، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 291.
(3) البادي- بالياء- قراءة ابن كثير وقفا ووصلا، وقرأ بها أبو عمرو ونافع في رواية ورش في حالة الوصل فقط.
السبعة لابن مجاهد: 436، والتبصرة لمكي: 268، والتيسير للداني: 158.
(4) مذهب الإمام أبي حنيفة في ذلك الكراهة، وذهب الإمام مالك إلى أن دور مكة لا تباع ولا تكرى، ومذهب الشافعية والجمهور على جواز ذلك.
ينظر أحكام القرآن للجصاص: (3/ 229، 230) ، وأحكام القرآن للكيا الهراس:
4/ 236، وأحكام القرآن لابن العربي: 3/ 1274، وتفسير القرطبي: (12/ 32، 33) .
(5) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 291، وتفسير الماوردي: 3/ 74.
(6) معاني القرآن: 3/ 421.
(7) اللسان: 1/ 38 (بوأ) .
.(2/573)
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)
قال السّدي «1» : كان ذلك بريح هفافة كنست مكان البيت يقال له:
الخجوج.
وقيل «2» : بسحابة بيضاء أظلّت على مقدار البيت.
27 وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ: قام إبراهيم في المقام فنادى: يا أيها النّاس إنّ الله دعاكم إلى الحج. فأجابوا ب «لبّيك اللهم لبيك» «3» .
رِجالًا: جمع «راجل» .
يَأْتِينَ: على معنى الركاب، أو كُلِّ ضامِرٍ: تضمّن معنى الجماعة.
و «الفجّ» : الطريق بين الجبلين «4» ، و «العميق» : البعيد الغائر «5» .
28 أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ: أيام العشر. عن ابن عبّاس «6» ، والنّحر ويومان
__________
(1) أخرجه الطبري في تفسيره: 17/ 143.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 31، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم عن السدي.
(2) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 74 عن قطرب، والبغوي في تفسيره: 3/ 283 عن الكلبي.
(3) أخرج- نحوه- ابن أبي شيبة في المصنف: 11/ 521، كتاب الفضائل حديث رقم (11875) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكذا الطبري في تفسيره: (17/ 144، 145) عن ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير.
وأخرجه الحاكم في المستدرك: (2/ 388، 389) ، كتاب التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 5/ 176، كتاب الحج، باب «دخول مكة بغير إرادة حج ولا عمرة» .
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 32، وزاد نسبته إلى ابن منيع، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(4) المفردات للراغب: 373، واللسان: 2/ 338 (فجج) .
(5) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 49، وغريب القرآن لليزيدي: 261، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 292، والمفردات للراغب: 348.
(6) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 76 عن ابن عباس رضي الله عنهما، وزاد نسبته إلى الحسن رحمه الله تعالى.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 37، وعزا إخراجه إلى أبي بكر المروزي في كتاب «العيدين» عن ابن عباس رضي الله عنهما. [.....](2/574)
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)
بعده عن ابن عمر «1» .
29 ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ: حاجتهم من مناسك الحجّ «2» من الوقوف، والطواف، والسّعي، والرّمي، والحلق بعد الإحرام من الميقات.
وقيل «3» : هو تقشّف الإحرام لأن «التفث» الوسخ «4» ، وقضاؤه:
التنظف بعده من الأخذ عن الأشعار وتقليم الأظفار «5» .
وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ: من الطّوفان «6» .
__________
(1) أورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 38 وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم، وابن المنذر عن ابن عمر رضي الله عنهما. وأورد الحافظ ابن كثير رواية ابن أبي حاتم عن ابن عمر وصحح إسناده.
ينظر تفسيره: 5/ 412.
(2) ذكر المؤلف- رحمه الله- هذا القول في كتابه وضح البرهان: 2/ 86 عن مجاهد، وأخرج نحوه الطبري في تفسيره: (17/ 149، 150) عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
(3) في النهاية: 4/ 66: «القشف: يبس العيش. وقد قشف يقشف ورجل متقشّف، أي: تارك للنظافة والترفّد» .
وانظر اللسان: 9/ 282 (قشف) .
(4) الكشاف: 3/ 11، وزاد المسير: 5/ 427.
وفي تفسير القرطبي: 12/ 50 عن قطرب قال: «تفث الرجل إذا كثر وسخه» .
(5) أخرجه الطبري في تفسيره: 17/ 149 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 77 عن الحسن.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 40، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما. ورجح ابن الجوزي هذا القول في زاد المسير: 5/ 427.
وانظر معاني القرآن للفراء: 2/ 224، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 50، وغريب القرآن لليزيدي: 261.
(6) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 424 بصيغة التمريض فقال: «وقيل: إن البيت العتيق الذي عتق من الغرق أيام الطوفان، ودليل هذا القول: وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ، فهذا دليل أن البيت رفع وبقي مكانه» .
وأورد السيوطي في الدر المنثور: 6/ 41 القول الذي ذكره المؤلف، وعزا إخراجه إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير.
ونقله ابن كثير في تفسيره: 5/ 414 عن عكرمة.(2/575)
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)
أو من استيلاء الجبابرة «1» .
أو «العتيق» : القديم «2» ، وهو أول بيت وضع للنّاس «3» ، بناه آدم ثم [65/ أ] جدّده إبراهيم عليهما السّلام «4» . / وهذا طواف الزيارة الواجب «5» .
30 إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ: أي: من الصّيد «6» .
__________
(1) يدل على هذا القول ما أخرجه الإمام البخاري في تاريخه: 1/ 201 عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما سمى الله البيت العتيق لأنه أعتقه من الجبابرة» .
وأخرج- نحوه- الترمذي في سننه: 5/ 324، كتاب تفسير القرآن، باب «ومن سورة الحج» عن عبد الله بن الزبير، وقال: «هذا حديث حسن صحيح وقد روي هذا الحديث عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا» .
وأخرجه الحاكم في المستدرك: 2/ 389، كتاب التفسير، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه» .
وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة: 1/ 125، والطبري في تفسيره: 17/ 151.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 41، وزاد نسبته إلى ابن مردويه، والطبراني عن ابن الزبير أيضا.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 151 عن ابن زيد، وعزاه الزجاج في معاني القرآن: 3/ 424 إلى الحسن. ورجحه الطبري، وكذا القرطبي في تفسيره: 12/ 52.
وانظر أخبار مكة للأزرقي: 1/ 280، والعقد الثمين: 1/ 35، وشفاء الغرام: 1/ 48.
(3) قال تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ [آل عمران:
96] .
(4) ينظر تفسير القرطبي: 2/ 120، وتفسير ابن كثير: 1/ 259، والدر المنثور: 1/ 308.
(5) وهو طواف الإفاضة.
قال الطبري- رحمه الله- في تفسيره: 17/ 152: «عني بالطواف الذي أمر جل ثناؤه حاجّ بيته العتيق به في هذه الآية طواف الإفاضة الذي يطاف به بعد التعريف، إما يوم النحر، وإما بعده، لا خلاف بين أهل التأويل في ذلك» .
وانظر أحكام القرآن لابن العربي: 3/ 1284، وزاد المسير: 5/ 427، وتفسير القرطبي:
12/ 50.
(6) لعله يريد: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ.
وقد ذكر هذا القول الماوردي في تفسيره: 3/ 78، وابن الجوزي في زاد المسير:
5/ 428، والقرطبي في تفسيره: 12/ 54.
وجمهور المفسرين على أن المراد: «إلا ما يتلى عليكم من: المنخنقة والموقودة والمتردية ... » .
ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 224، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 292، وتفسير الطبري: 17/ 153، ومعاني الزجاج: 3/ 424، وتفسير الماوردي: 3/ 78، وزاد المسير:
5/ 428، وتفسير القرطبي: 12/ 54.(2/576)
حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)
مِنَ الْأَوْثانِ: «من» لتلخيص الجنس، أي: اجتنبوا الرجس الذي هو وثن «1» .
31 حُنَفاءَ لِلَّهِ: مستقيمي الطريقة على أمر الله «2» .
32 وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ: مناسك الحج «3» ، أو يعظّم البدن المشعرة ويسمّنها ويكبّرها «4» .
33 إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى: إلى أن تقلد أو تنحر «5» .
34 جَعَلْنا مَنْسَكاً: حجا «6» . وقيل «7» : عيدا وذبائح.
وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ: المطمئنين بذكر الله.
__________
(1) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 3/ 425، وذكره النحاس في إعراب القرآن:
3/ 96، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 428 عن الزجاج.
(2) تفسير الماوردي: 3/ 78، والمفردات للراغب: 133، وتفسير القرطبي: 12/ 55. [.....]
(3) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 17/ 156 عن ابن زيد.
وانظر تفسير الماوردي: 3/ 79، والمفردات للراغب: 262، وزاد المسير: 5/ 430.
(4) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 17/ 156 عن ابن عباس، ومجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 56، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(5) ينظر تفسير الطبري: 17/ 158، وتفسير الماوردي: 3/ 79، وتفسير البغوي: 3/ 287.
(6) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 80 عن قتادة، وكذا القرطبي في تفسيره:
12/ 58.
(7) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 426، والماوردي في تفسيره: 3/ 80، ورجحه القرطبي في تفسيره: 12/ 58.(2/577)
الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)
35 الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ: الوجل يكون عند خوف الزّيغ والتقصير في حقوقه، والطمأنينة عن ثلج اليقين وشرح الصّدور بمعرفته، فهما حالان، فلهذا جمع بينهما مع تضادّهما.
36 وَالْبُدْنَ: الإبل المبدّنة بالسّمن، بدّنت النّاقة: سمّنتها «1» .
مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ: معالم دينه «2» .
صَوافَّ: مصطفة معقولة «3» ، وصوافي «4» : خالصة لله.
وصوافن «5» : معقّلة في قيامها بأزمّتها.
وَجَبَتْ: سقطت لنحرها «6» .
وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ: الْقانِعَ الذي ينتظر الهدية، وَالْمُعْتَرَّ من يأتيك سائلا «7» ،.....
__________
(1) ينظر الصحاح: 5/ 2077، واللسان: 13/ 48 (بدن) .
(2) تفسير القرطبي: 12/ 56، واللسان: 4/ 414 (شعر) .
(3) ورد هذا المعنى على قراءة الجمهور كما في معاني القرآن للفراء: 2/ 226، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 50.
(4) بكسر الفاء وبعدها ياء، ونسبت هذه القراءة إلى الحسن، وأبي موسى الأشعري، ومجاهد، وزيد بن أسلم، والأعرج، وسليمان التيمي، وهي من شواذ القراءات.
ينظر تفسير الطبري: 17/ 165، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 99، والمحتسب: 2/ 81، والبحر المحيط: 6/ 369.
(5) نسبت هذه القراءة إلى ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وقتادة، ومجاهد، وعطاء، والضحاك.
ينظر تفسير الطبري: 17/ 162، والمحتسب: 2/ 81، والبحر المحيط: 6/ 369، وإتحاف فضلاء البشر: 2/ 275.
(6) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 51، وغريب القرآن لليزيدي: 262، وتفسير الطبري:
17/ 166، والمفردات للراغب: 512.
(7) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 51، وأخرجه الطبري في تفسيره: (17/ 167، 168) عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 82 عن قتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 54، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.(2/578)
لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)
وقيل «1» على العكس.
وفي الحديث «2» : «لا تجوز شهادة القانع مع أهل البيت لهم» ، وهو كالتابع والخادم.
37 لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها: لن يتقبل الله اللّحم والدماء ولكن يتقبّل التقوى.
39 أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ: أول آية في القتال «3» .
__________
(1) أي أن القانع هو الذي يسأل، والمعتر الذي لا يتعرض للناس.
وهو قول الفراء في معانيه: 2/ 226، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 293.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 17/ 168 عن الحسن، وسعيد بن جبير.
ورجح الطبري هذا القول.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسنده: 2/ 204 عن عبد الله بن عمرو مرفوعا، وصحح الشيخ أحمد شاكر رحمه الله إسناده في شرح المسند: 11/ 122.
وأخرجه الترمذي في سننه: 4/ 545، كتاب الشهادات، باب «ما جاء فيمن لا تجوز شهادته» .
وأخرج- نحوه- أبو داود في سننه: 4/ 24، كتاب الأقضية، باب «من ترد شهادته» .
وفي معالم السنن للخطابي: «ومعنى رد هذه الشهادة: التهمة في جر النفع إلى نفسه، لأن التابع لأهل البيت ينتفع بما يصير إليهم من نفع، وكل من جر إلى نفسه بشهادته نفعا فهي مردودة ... » .
وانظر النهاية لابن الأثير: 4/ 114. [.....]
(3) ثبت ذلك في أثر أخرجه الإمام أحمد في مسنده: 1/ 216 عن ابن عباس رضي الله عنهما، وصحح الشيخ أحمد شاكر إسناده في شرح المسند: 3/ 261.
وأخرجه- أيضا- عبد الرزاق في تفسيره: 325، والنسائي في تفسيره: 6/ 2، كتاب الجهاد، باب «وجوب الجهاد» ، والطبري في تفسيره: 17/ 172، والحاكم في المستدرك:
2/ 390، كتاب التفسير، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 9/ 11، كتاب السير، باب «مبتدأ الإذن بالقتال» .
وانظر أسباب النزول للواحدي: 357، وتفسير ابن كثير: 6/ 430، والدر المنثور:
6/ 57.(2/579)
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)
40 وَبِيَعٌ: كنائس النّصارى «1» ، وَصَلَواتٌ: كنائس اليهود «2» ، وكانت «صلوتا» : فعرّبت «3» . والمراد من ذلك في أيام شريعتهم.
وقيل «4» : وَصَلَواتٌ مواضع صلوات المسلمين.
45 وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ: أي: أهلكنا البادية والحاضرة، فخلت القصور من أربابها والآبار من واردها «5» .
والمشيد: المبنيّ بالشّيد «6» .
46 وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ: لبيان أنّ محلّ العلم القلب، ولئلا يقال إنّ القلب يعنى به غير هذا العضو على قولهم: القلب لبّ كل شيء.
والهاء في فَإِنَّها للعماية، وهو الإضمار على شريطة التفسير «7» .
51 مُعاجِزِينَ: طالبين للعجز كقوله: غالبته «8» ، أو مسابقين «9» كأن المعاجز يجعل صاحبه في ناحية العجز منه كالمسابق.
__________
(1) ذكره الفراء في معاني القرآن: 2/ 227، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 293، وأخرجه الطبري في تفسيره: 17/ 176 عن قتادة.
(2) معاني القرآن للفراء: 2/ 227، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 293، وتفسير الطبري:
17/ 176، ومعاني الزجاج: 3/ 430.
(3) ينظر المعرّب للجواليقي: 259، والمهذّب للسيوطي: 107.
(4) أخرج نحوه الطبري في تفسيره: 17/ 177 عن ابن زيد.
(5) تفسير الطبري: 17/ 180.
(6) وهو الجصّ كما في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 53، وغريب القرآن لليزيدي: 262، ومعاني الزجاج: 3/ 432، واللسان: 3/ 244 (شيد) .
(7) تفسير القرطبي: 12/ 77، والبحر المحيط: 6/ 378.
(8) ذكره البغوي في تفسيره: 3/ 292، وابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 302.
(9) هذا قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 294، ونقله القرطبي في تفسيره: 12/ 79 عن الأخفش.
وذكر الزمخشري في الكشاف: 3/ 18، وقال: «وعاجزه: سابقه، لأن كل واحد منهما في طلب إعجاز الآخر عن اللحاق به، فإذا سبقه قيل: أعجزه وعجزه» .(2/580)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)
52 وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ: الرسول الشّارع، والنّبيّ:
الحافظ شريعة/ غيره «1» ، والرسول يعمّ البشر والملك «2» .
إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ: كلّ نبيّ يتمنى إيمان قومه فيلقي الشّيطان في أمنيته بما يوسوس إلى قومه ثم يحكم الله آياته «3» ، أو يوسوس إلى النبي بالخطرات المزعجة عند تباطئ القوم عن الإيمان، أو تأخر نصر الله.
وإن حملت الأمنية على التلاوة فيكون الشّيطان الملقي فيها من شياطين الإنس، فإنّه كان من المشركين من يلغوا في القرآن «4» ، فينسخ الله ذلك فيبطله ويحكم آياته.
وما يروى في سبب النزول أنّه- عليه السّلام- وصل وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى «5» ب «تلك الغرانقة الأولى «6» ، وإنّ شفاعتهن لترتجى» . إن
__________
(1) ذكر الماوردي نحو هذا القول في تفسيره: 3/ 87 عن الجاحظ.
وأورد الفخر الرازي- رحمه الله- عدة فروق بين الرسول والنبي، فقال:
«أحدها: أن الرسول من الأنبياء من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه، والنبي غير الرسول من لم ينزل عليه كتاب، وإنما أمر أن يدعو إلى كتاب من قبله.
والثاني: أن من كان صاحب المعجزة وصاحب الكتاب ونسخ شرع من قبله فهو الرسول، ومن لم يكن مستجمعا لهذه الخصال فهو النبي غير الرسول.
والثالث: أن من جاءه الملك ظاهرا وأمره بدعوة الخلق فهو الرسول، ومن لم يكن كذلك بل رأى في النوم كونه رسولا، أو أخبره أحد من الرسل بأنه رسول الله فهو النبي الذي لا يكون رسولا. وهذا هو الأولى» اه.
ينظر تفسيره: 23/ 50.
(2) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 86 دون عزو.
(3) ذكر المؤلف- رحمه الله- هذا القول في كتابه وضح البرهان: 2/ 91، وعزاه إلى جعفر بن محمد.
(4) واستدل قائلو هذا القول بقوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت: 26] . [.....]
(5) سورة النجم: آية: 20.
(6) في «ك» : «تلك الغرانيق العلى» .
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 307: «واختلفت الروايات في الألفاظ ففي بعضها: «تلك الغرانقة» ، وفي بعضها: «تلك الغرانيق» ، وفي بعضها: «وإن شفاعتهم» ، وفي بعضها: «فإن شفاعتهن ... » .(2/581)
وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57) وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65) وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (66) لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68)
ثبت «1» لم يكن ثناء على أصنامهم إذ مخرج الكلام على زعمهم، كقولهم «2» : يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ، أي: نزل عليه الذكر على زعمه وعند من آمن به، ولو كان عند القائل لما كان عنده مجنونا.
55 يَوْمٍ عَقِيمٍ: شديد لا رحمة فيه «3» ، أو فرد لا يوم مثله «4» .
68 وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ: أي: جادلوك مراء وتعنتا كما يفعله السّفهاء فلا تجادلهم وادفعهم بهذا القول، وينبغي أن يتأدّب بهذا كلّ أحد.
__________
(1) لكنه لم يثبت، وقد رد الأئمة العلماء هذه الرواية من أساسها، وأوردوا الأدلة على بطلانها نقلا وعقلا.
قال القاضي عياض رحمه الله في الشفا: 2/ 750: «يكفيك أن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل، وإنما أولع به ويمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب، المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم» اه.
ثم أورد القاضي عياض طرق الحديث وكشف ضعفها وبطلانها، ثم قال: «أما من جهة المعنى فقد قامت الحجة وأجمعت الأمة على عصمته صلى الله عليه وسلم ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة، إما من تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح آلهة غير الله، وهو كفر، أو أن يتسور عليه الشيطان، ويشبّه عليه القرآن حتى يجعل فيه ما ليس منه، ويعتقد النبي صلى الله عليه وسلم أن من القرآن ما ليس منه حتى ينبهه جبريل عليه السلام، وذلك كله ممتنع في حقه صلى الله عليه وسلم، أو يقول ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من قبل نفسه عمدا، وذلك كفر، أو سهوا، وهو معصوم من هذا كله ... » .
وأشار الحافظ ابن كثير في تفسيره: 5/ 438 إلى الروايات التي وردت في سياق هذه القصة ثم قال: «ولم أرها مسندة من وجه صحيح» .
وممن رد هذه الرواية ابن العربي في أحكام القرآن: (3/ 1300- 1303) ، وابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 305، والفخر الرازي في تفسيره: 23/ 51، والقرطبي في تفسيره:
12/ 80.
(2) سورة الحجر: آية: 6.
(3) نقل- نحوه- الماوردي في تفسيره: 3/ 88 عن الحسن رحمه الله تعالى.
(4) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 88، والبغوي في تفسيره: 3/ 295.(2/582)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)
73 وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ: بإفساده لطعامهم وثمارهم «1» .
76 ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: أول أعمالهم، وَما خَلْفَهُمْ: آخرها «2» .
78 مِلَّةَ أَبِيكُمْ: أي: حرمة إبراهيم- عليه السلام- على المسلمين كحرمة الوالد على الولد، وإلّا فليس يرجع جميعهم إلى ولادة إبراهيم.
لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ: بالطاعة والمعصية في تبليغه.
وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ: بأعمالهم فيما بلّغتموهم من كتاب ربّهم وسنّة نبيهم.
__________
(1) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 3/ 89.
وذكره القرطبي في تفسيره: 12/ 97، وقال: «وخص الذباب لأربعة أمور تخصه: لمهانته وضعفه ولاستقذاره وكثرته» .
(2) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: (3/ 89، 90) عن الحسن رحمه الله، وكذا البغوي في تفسيره: 3/ 299.(2/583)
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)
ومن سورة المؤمنين
1 قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ: فازوا بما طلبوا ونجوا عما هربوا «1» .
2 خاشِعُونَ: خائفون بالقلب، ساكنون بالجوارح. والخشوع في الصلاة بجمع الهمّة لها، والإعراض عمّا سواها، ومن الخشوع أن لا يجاوز بنظره موضع سجوده.
و «اللّغو» «2» : كلّ سلام ساقط حقّه أن يلغى «3» ، يقال: لغيت ألغى [66/ أ] ولغوت/ ألغو «4» .
4 لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ: لما كانت الزكاة توجب زكاء المال كان لفظ الفعل أليق به من لفظ الأداء والإخراج.
10 أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ: قال عليه السلام «5» : «ما منكم إلّا وله
__________
(1) ذكر المؤلف هذا القول في كتابه وضح البرهان: 2/ 95 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ونقل الماوردي في تفسيره: 3/ 92 عن ابن عباس قال: «المفلحون الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا» .
(2) من قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [آية: 3] .
(3) معاني القرآن للزجاج: 4/ 6، ومعاني النحاس: (4/ 442، 443) ، وزاد المسير:
5/ 460، والبحر المحيط: 6/ 395.
(4) اللسان: 15/ 250 (لغا) .
(5) أخرج نحوه ابن ماجة في سننه: 2/ 1453، كتاب الزهد، باب «صفة الجنة» عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا.
وصحيح البوصيري إسناده في مصباح الزجاجة: 2/ 361، وأخرجه الطبري في تفسيره:
18/ 6.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 90، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في كتاب «البعث» عن أبي هريرة مرفوعا.(2/584)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)
منزلان فإن مات على الضّلال ورث منزله في الجنة أهل الجنّة، وإن مات على الإيمان ورث منزله في النّار أهل النّار» .
12 مِنْ سُلالَةٍ: سلّ كلّ إنسان من ظهر أبيه «1» .
مِنْ طِينٍ: من آدم «2» عليه السلام.
وجمعت العظام مع إفراد أخواتها لاختلافها «3» بين صغير وكبير، ومدوّر وطويل، وصلب وغضروف.
14 ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ: بنفخ الروح فيه «4» ، أو بنبات الشّعر والأسنان «5» ، أو بإعطاء العقل والفهم «6» .
وقيل «7» : حين استوى شبابه.
__________
(1) والسّلّ: انتزاع الشيء وإخراجه في رفق. والسليل: الولد، سمي سليلا لأنه خلق من السلالة.
اللسان: (11/ 338، 339) (سلل) . [.....]
(2) رجحه الطبري في تفسيره: 18/ 8، والنحاس في معانيه: 4/ 447، وقال: «وهو أصح ما قيل فيه، ولقد خلقنا ابن آدم من سلالة آدم، وآدم هو الطين لأنه خلق منه» .
وانظر زاد المسير: 5/ 462، وتفسير القرطبي: 12/ 109.
(3) في قوله تعالى: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ... [آية: 14] .
(4) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 296، وأخرجه الطبري في تفسيره: (18/ 9، 10) عن ابن عباس، وعكرمة، والشعبي، ومجاهد، وأبي العالية، والضحاك، وابن زيد. ورجح الطبري هذا القول، وكذا النحاس في معانيه: 4/ 449.
(5) ذكره الزجاج في معاني القرآن: 4/ 9، والنحاس في معانيه: 4/ 449، وابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 463، والقرطبي في تفسيره: 12/ 110 عن الضحاك.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 92، وعزا إخراجه إلى عبد بن حميد عن الضحاك.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 95، والبغوي في تفسيره: 3/ 304 عن قتادة.
(6) نص هذا القول في زاد المسير: 5/ 463 عن الثعلبي.
وذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 95 دون عزو.
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 18/ 10 عن مجاهد.
وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 463، والقرطبي في تفسيره: 12/ 110 إلى ابن عمر، ومجاهد.(2/585)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17) وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20)
وقيل «1» : بل ذلك الإنشاء في السّنة الرابعة لأنّ المولود في سني التربية يعدّ في حيّز النقصان، والشّيء قبل التمام في حدّ العدم.
17 سَبْعَ طَرائِقَ: سبع سموات لأنها طرائق الملائكة»
، أو لأنها طباق بعضها على بعض. أطرقت النّعل: خصفتها «3» ، وأطبقت بعضها على بعض.
20 سَيْناءَ: فيعال «4» من السّناء، ك «ديّار» ، و «قيّام» . وسيناء «5»
__________
(1) تفسير البغوي: 3/ 304، وزاد المسير: 5/ 463.
وعقّب ابن عطية رحمه الله على هذه الأقوال بقوله: «وهذا التخصيص كله لا وجه له، وإنما هو عام في هذا وغيره من وجوه النطق والإدراك وحسن المحاولة هو بها آخر، وأول رتبة من كونه آخر هو نفخ الروح فيه، والطرف الآخر من كونه آخر تحصيله المعقولات إلى أن يموت» اه.
وانظر تفسير القرطبي: 12/ 110.
(2) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 95، وقال: «قاله ابن عيسى» .
وانظر هذا القول في تفسير البغوي: 3/ 305، وتفسير القرطبي: 12/ 111، والبحر المحيط: 6/ 400.
(3) ينظر الصحاح: 4/ 1516، واللسان: 10/ 219 (طرق) .
(4) على قراءة عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي بفتح السين.
السبعة لابن مجاهد: 445، وحجة القراءات: 484، والتبصرة لمكي: 269.
و «السّناء» : المجد والشرف.
ينظر اللسان: 14/ 403.
(5) على قراءة الكسر وهي لابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، كما في السبعة: 444، والتيسير للداني: 159.
ولم أقف على من ذكر أن «سيناء» على وزن «فيعال» .
قال الزجاج في معانيه: 4/ 10: «يقرأ: مِنْ طُورِ سَيْناءَ بفتح السين، وبكسر السين، ... فمن قال «سينا» فهو على وصف صحراء، لا ينصرف، ومن قال «سيناء» - بكسر السين- فليس في الكلام على وزن «فعلاء» على أن الألف للتأنيث، لأنه ليس في الكلام ما فيه ألف التأنيث على وزن «فعلاء» ، وفي الكلام نحو «علباء» منصرف، إلّا أن «سيناء» هاهنا اسم للبقعة فلا ينصرف» .
وانظر الكشف لمكي: (2/ 126، 127) .(2/586)
فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (26) فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (32) وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36)
فيعال. ك «ديماس» «1» و «قيراط» .
تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ: تنبت ما تنبت والدهن فيها «2» .
وذكر ابن درستويه «3» : أن الدّهن: المطر اللين «4» . ومن فتح التاء «5» فمعناه: تنبت وفيها دهن، تقول: جاء زيد بالسّيف، أي: سيفه معه «6» .
24 يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ: يكون أفضل منكم.
27 واصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا: أي: تصنعه وأنت واثق بحفظ الله له ورؤيته إياه فلا تخاف.
36 هَيْهاتَ: بعد الأمر جدا حتى امتنع. وبني لأنّها بمنزلة الأصوات غير مشتقة من فعل «7» .
__________
(1) الديماس: الكن والحمام.
الصحاح: 3/ 930 (دمس) ، والنهاية لابن الأثير: 2/ 133.
(2) هذا المعنى على قراءة «تنبت» بضم التاء وهي لابن كثير، وأبي عمرو.
ينظر توجيه هذه القراءة في الكشف لمكي: 2/ 127.
(3) ابن درستويه: (258- 347 هـ) .
هو عبد الله بن جعفر بن محمد بن درستويه، من أئمة اللغة في بغداد في عصره.
صنف تصحيح الفصيح، والإرشاد في النحو، وأخبار النحويين، ونقض كتاب العين ...
وغير ذلك.
وضبط ابن ماكولا في الإكمال: 3/ 322 درستويه بفتح الدال والراء. وفي الأنساب للسمعاني: 5/ 299 بضم الدال المهملة والراء وسكون السين المهملة وضم التاء.
وانظر ترجمته في تاريخ بغداد: 9/ 428، وإنباه الرواة: 2/ 113، وسير أعلام النبلاء:
15/ 531. [.....]
(4) ينظر قوله المذكور هنا في تفسير الماوردي: 3/ 96، وتفسير القرطبي: 12/ 116.
(5) قراءة عاصم، ونافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 445، وحجة القراءات: 484، والتبصرة لمكي: 269.
(6) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 4/ 10، وانظر معاني القرآن للنحاس:
4/ 453، ومشكل إعراب القرآن لمكي: 2/ 499، والكشاف: 3/ 29.
(7) قال النحاس في إعراب القرآن: 3/ 114: «وبنيت على الفتح وموضعها رفع لأن المعنى البعد لأنها لم يشتق منها فعل فهي بمنزلة الحروف فاختير لها الفتح لأن فيها هاء التأنيث، فهي بمنزلة اسم ضمّ إلى اسم، ك «خمسة عشر» ... » .
وانظر المحرر الوجيز: 10/ 354، والبيان لابن الأنباري: 2/ 184.(2/587)
قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ (40) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41) ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (42) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (43) ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (44)
40 عَمَّا قَلِيلٍ: «ما» في مثله لتقريب المدى «1» ، أو تقليل الفعل، كقوله بسبب ما، أي: بسبب وإن قلّ.
41 فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً: هلكى، كما يحتمله الماء من الزبد والورق البالي «2» .
فَبُعْداً: هلاكا، على طريق الدعاء عليهم، أو بعدا لهم من رحمة الله، فيكون بمعنى اللّعنة «3» .
44 تَتْرا: متواترا. وأصله: وتر، من وتر القوس لاتصاله «4» .
آيَةً: حجة على اختراع الأجسام من غير شيء، كاختراع عيسى من [66/ ب] غير أب وحمل أمه/ إياه من غير فحل «5» .
إِلى رَبْوَةٍ: الرّملة من فلسطين «6» .
__________
(1) البحر المحيط: 6/ 405.
(2) ينظر هذا المعنى في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 297، وتفسير الطبري: 18/ 22، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 13، ومعاني النحاس: 4/ 458.
(3) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 97، والقرطبي في تفسيره: 12/ 134.
(4) عن تفسير الماوردي: 3/ 97، وانظر اللسان: 5/ 278 (وتر) .
(5) ذكر نحوه الطبري في تفسيره: 18/ 25، وانظر معاني الزجاج: 4/ 14، وتفسير الماوردي: 3/ 98.
(6) أخرج عبد الرزاق هذا القول في تفسيره: 357 عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وكذا أخرجه الطبري في تفسيره: 18/ 26.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 101 وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وأبي نعيم، وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه.
واستبعد الطبري هذا القول، فقال: «لأن الرملة لا ماء بها معين، والله تعالى ذكره وصف هذه الربوة بأنها ذات قرار ومعين» .
وقال النحاس في معانيه: 4/ 463: «والصواب أن يقال: إنها مكان مرتفع، ذو استواء، وماء ظاهر» .(2/588)
وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)
ذاتِ قَرارٍ: استواء يستقر عليها. وقيل «1» : ثمارا، أي: لأجل الثمار يستقرّ فيها.
وَمَعِينٍ: مفعول عنته أعينه «2» ، أو هو «فعيل» من معن «يمعن» ، وهو الماعون للشيء القليل «3» .
52 وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً: سأل سهولة ملتكم وطريقتكم في التوحيد وأصول الشرائع. وفتح أن «4» على تقدير: ولأنّ هذه أمّتكم، أي: فاتقون لهذا «5» ، وانتصاب أُمَّةً على الحال.
53 فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً: افترقوا في دينهم فرقا، كلّ ينتحل كتابا ويدّعي نبيا.
وعن الحسن «6» : قطّعوا كتاب الله قطعا وحرفوه.
وهو في قراءة: زُبُراً «7» ظاهر، أي: قطعا جمع
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 18/ 28 عن قتادة، وعقب عليه بقوله: «وهذا القول الذي قاله قتادة في معنى ذاتِ قَرارٍ وإن لم يكن أراد بقوله: إنها إنما وصفت بأنها ذات قرار لما فيها من الثمار، ومن أجل ذلك يستقر فيها ساكنوها، فلا وجه له نعرفه» .
(2) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 237، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 297، وتفسير الطبري: 18/ 28، ومعاني القرآن للنحاس: 4/ 464.
(3) ذكره الطبري في تفسيره: 18/ 28، والزجاج في معانيه: 4/ 15، واستبعده بقوله: وهذا بعيد لأن «المعن» في اللغة الشيء القليل، والماعون هو الزكاة، وهو «فاعول» من المعن، وإنما سميت الزكاة بالشيء القليل، لأنه يؤخذ من المال ربع عشره، فهو قليل من كثير» .
(4) وهي قراءة نافع، وابن كثير، وأبي عمرو، كما في السبعة لابن مجاهد: 446، وحجة القراءات: 488، والتبصرة لمكي: 270. [.....]
(5) ذكر المؤلف- رحمه الله- هذا القول في كتابه وضح البرهان: 2/ 102 عن الخليل.
وانظر معاني القرآن للزجاج: 4/ 15، والتبيان للعكبري: 2/ 956.
(6) أورد السيوطي هذا المعنى في الدر المنثور: 6/ 103 عن الحسن، وعزا إخراجه إلى عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن جرير، وابن أبي حاتم عنه.
(7) بضم الزاي وفتح الباء، وهي قراءة شاذة.
انظر غرائب التفسير للكرماني: 2/ 779.
ونسبها النحاس في معاني القرآن: 4/ 466 إلى الأعمش، وابن عطية في المحرر الوجيز:
10/ 367 إلى أبي عمرو، والأعمش، وكذا القرطبي في تفسيره: 12/ 130، ونسبها ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 478 إلى ابن عباس، وأبي عمران الجوني.
وأشار الطبري- رحمه الله- إلى هذه القراءة فقال: «وقرأ ذلك عامة قراء الشام ...
بمعنى: فتفرقوا أمرهم بينهم قطعا كزبر الحديد، وذلك القطع منها واحدتها «زبرة» من قول الله: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ فصار بعضهم يهودا، وبعضهم نصارى.
والقراءة التي نختار في ذلك قراءة من قرأه بضم الزاي والباء لإجماع أهل التأويل في تأويل ذلك على أنه مراد به الكتب، فذلك يبين عن صحة ما اخترنا في ذلك لأن «الزبر» هي الكتب، يقال منه: زبرت الكتاب: إذا كتبته» اه. انظر تفسيره: 18/ 30.(2/589)
نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63) حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67)
«زبرة» «1» . ك «برمة» و «برم» » .
56 نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ: نقدّم لهم ثواب أعمالهم لرضانا عنهم!!.
بَلْ: لا، بل للاستدراج والابتلاء.
61 وَهُمْ لَها سابِقُونَ: لأجلها سبقوا الناس، أو سبقوا إلى الجنّة «3» .
63 وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ: من دون ما ذكروا بها من أعمال البرّ.
66 تَنْكِصُونَ: ترجعون إلى الكفر.
67 مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ: أي: بالحرم «4» ، أي: بلغ أمركم أنكم تسمرون
__________
(1) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 60، وغريب القرآن لليزيدي: 266، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 298، والكشاف: 3/ 34.
(2) في اللسان: 12/ 45 (برم) : «والبرمة: قدر من حجارة، والجمع برم وبرام وبرم» .
(3) ذكر الماوردي هذين الوجهين في تفسيره: 3/ 100.
وقال الزجاج في معانيه: 4/ 17: «فيه وجهان، أحدهما: معناه إليها سابقون، كما قال:
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها، أي: أوحى إليها.
ويجوز: وَهُمْ لَها سابِقُونَ، أي: من أجل اكتسابها، كما تقول: أنا أكرم فلانا لك، أي: من أجلك» .
(4) ذكره الفراء في معاني القرآن: 2/ 239، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 298.
وأخرجه الطبري في تفسيره: (18/ 38، 39) عن ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وسعيد ابن جبير، وقتادة، والضحاك.(2/590)
وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71)
بالبطحاء لا تخافون، وتوحيد سامِراً على المصدر «1» ، أي: تسمرون سمرا كقولك: قوموا قائما، ويجوز حالا للحرم «2» لأنّ السمر ظلّ القمر «3» ، يقال: جاء بالسّمر والقمر، أي: بكل شيء.
ويجوز السّامر جمعا «4» ، كالحاضر للحيّ الحلول «5» ، والباقر والجامل جمع البقر والإبل.
تَهْجُرُونَ: أي: القرآن. أو تقولون الهجر وهو البهتان «6» .
و «تهجرون» «7» من الإهجار، وهو الإفحاش في القول «8» ، وفي الحديث «9» : «إذ طفتم بالبيت فلا تلغوا ولا تهجروا» .
71 بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ: بشرفهم، بالرسول منهم، والقرآن بلسانهم «10» .
__________
(1) التبيان للعكبري: 2/ 958.
(2) مشكل إعراب القرآن لمكي: 2/ 504، والبيان لابن الأنباري: 2/ 187، والتبيان للعكبري: 2/ 958.
(3) ذكره الزجاج في معانيه: 4/ 18، وكذا النحاس في معاني القرآن: 4/ 475.
(4) وهو قول المبرد في الكامل: 2/ 799، وقال: «وهم الجماعة يتحدثون ليلا» .
وانظر معاني القرآن للنحاس: 4/ 475، وتهذيب اللّغة للأزهري: 4/ 199، واللسان:
4/ 197 (سمر) .
(5) في تهذيب اللغة: 4/ 199: «والعرب تقول: حيّ حاضر بغير هاء إذا كانوا نازلين على ماء عدّ ... » .
(6) عن معاني القرآن للزجاج: 4/ 18.
(7) بضم التاء وكسر الجيم، وهي قراءة نافع كما في السبعة لابن مجاهد: 446، وحجة القراءات: 489، والتبصرة لمكي: 270. [.....]
(8) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 299، والكشف لمكي: 2/ 129، والنهاية:
5/ 246، واللسان: 5/ 251 (هجر) .
(9) ذكره أبو عبيد في غريب الحديث: 2/ 64 موقوفا على أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وهو- أيضا- في غريب الحديث لابن الجوزي: 2/ 489، والنهاية: 5/ 246.
قال ابن الأثير: «يروى بالضم والفتح» .
(10) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 3/ 103.
وانظر معاني القرآن للفراء: 2/ 239، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 299، وتفسير الطبري: 18/ 43، ومعاني الزجاج: 4/ 19.(2/591)
وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77)
76 فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ: بالجدب الذي أصابهم بدعائه عليه السلام «1» .
77 باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ: يوم بدر «2» .
87 سيقولون الله: لمطابقة السؤال في مَنْ، وذكر أنه في مصاحف الأمصار بغير ألف، إلّا مصحف أهل البصرة «3» ، فيكون على المعنى كقولك: من مولاك؟ فيقول: لفلان «4» .
__________
(1) ثبت ذلك في أثر أخرجه النسائي في تفسيره: 2/ 100 (السنن الكبرى) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكذا الطبري في تفسيره: (18/ 44، 45) ، والطبراني في المعجم الكبير:
11/ 370 حديث رقم (12038) .
وأخرجه الحاكم في المستدرك: 2/ 394، كتاب التفسير، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وأخرجه الواحدي في أسباب النزول: 362، والبيهقي في دلائل النبوة: 4/ 81.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 111، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 18/ 45 عن ابن عباس، وابن جريج.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 104، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 112، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 389: «و «العذاب الشديد» إمّا يوم بدر بالسيوف كما قال بعضهم، وإما توعد بعذاب غير معين، وهو الصواب لما ذكرناه من تقدم بدر للمجاعة» .
(3) قرأ أبو عمرو بن العلاء البصري، من السبعة، ويعقوب من القراء العشرة بإثبات الألف في لفظ الجلالة، وقرأ الباقون: لِلَّهِ بغير ألف.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 447، وحجة القراءات: 490، والتبصرة لمكي: 270، والغاية في القراءات العشر لابن مهران: 216، والنشر: 3/ 206.
وأورد الطبري- رحمه الله- القراءتين ثم قال: «والصواب من القراءة في ذلك أنهما قراءتان قد قرأ بهما علماء من القراء متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أني مع ذلك أختار جميع ذلك بغير ألف، لإجماع خطوط مصاحف الأمصار على ذلك، سوى خط مصحف أهل البصرة» .
(تفسير الطبري: 18/ 48) .
(4) ينظر هذا المعنى في تفسير الطبري: (18/ 47، 48) ، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 20.(2/592)
وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)
97 هَمَزاتِ الشَّياطِينِ: دفعهم/ بالإغواء إلى المعاصي.
100 وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ: من أمامهم حاجز، وهو ما بين الدنيا والآخرة «1» أو ما بين الموت والبعث «2» .
101 وَلا يَتَساءَلُونَ: أن يحمل بعضهم عن بعض، ولكن يتساءلون عن حالهم وما عمّهم من البلاء، كقوله «3» : فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ.
وسألت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله أإنا نتعارف؟ فقال:
«ثلاث مواطن تذهل فيها كلّ نفس: حين يرمى إلى كلّ إنسان كتابه، وعند الموازين، وعلى جسر جهنم» «4» .
و «اللّفح» «5» : إصابة سموم النّار «6» ، و «الكلوح» : تقلّص الشفتين عن الأسنان «7» .
__________
(1) ذكره أبو عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 62، واليزيدي في غريب القرآن: 268، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 300، وأخرجه الطبري في تفسيره: 18/ 53 عن الضحاك.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 18/ 53 عن مجاهد، وابن زيد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 105 عن ابن زيد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 115، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وهناد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وأبي نعيم عن مجاهد.
(3) سورة الصافات، آية: 50.
(4) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وأخرج- نحوه- الإمام أحمد في مسنده: 6/ 110، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد: (10/ 361، 362) ثم قال: رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف، وقد وثّق، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(5) من قوله تعالى: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ [آية: 104] .
(6) ينظر المفردات للراغب: 452.
(7) ورد هذا المعنى في حديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده: 3/ 88 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته» .
وأخرجه- أيضا- الترمذي في سننه: 5/ 328، كتاب التفسير، باب «ومن سورة المؤمنون» ، وقال: «هذا حديث حسن صحيح غريب» .
والحاكم في المستدرك: 2/ 395، كتاب التفسير، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 118، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في «صفة النار» ، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري مرفوعا.
وانظر تفسير الطبري: (18/ 55، 56) ، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 23. [.....](2/593)
قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111) قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114)
108 اخْسَؤُا: اسكتوا وابعدوا. خسأته فخسأ وخسئ وانخسأ «1» .
114 إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا: في الدنيا، أو في القبور بالإضافة إلى لبثهم في النّار «2» .
__________
(1) ينظر تفسير الطبري: 18/ 59، ومعاني الزجاج: 4/ 24، ومعاني النحاس: 4/ 488.
(2) أورد الماوردي القولين في تفسيره: 3/ 106 دون عزو.
وانظر تفسير البغوي: 3/ 319، وزاد المسير: 5/ 495، وتفسير القرطبي: 12/ 155.(2/594)
سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)
ومن سورة النور
1 سُورَةٌ: هذه سورة إذ لا يبتدأ بالنكرة، والسّورة المنزلة المتضمنة لآيات متصلة.
أَنْزَلْناها: أمرنا جبريل بإنزالها.
وَفَرَضْناها: فرضنا العمل بها، وَفَرَضْناها «1» : فصّلناها.
والفرض واجب بجعل جاعل، والواجب قد يكون بغير جاعل كشكر المنعم والكف عن الظّلم.
2 الزَّانِيَةُ: على تقدير فيما فرض، وإلّا كان نصبا على الأمر «2» .
والابتداء ب «الزانية» بخلاف آية السّارق «3» لأنّ المرأة هي الأصل في الزنا وزناهنّ أفحش وأقبح.
3 وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ: هو نكاح وطء لا عقد «4» فإنّ غير
__________
(1) بتشديد الراء المفتوحة: وهي قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، كما في السبعة لابن مجاهد:
452، والتبصرة لمكي: 272، والتيسير للداني: 161.
وانظر توجيه القراءتين في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 63، وغريب القرآن لليزيدي:
269، وتفسير الطبري: 18/ 65، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 27، والكشف لمكي:
2/ 133.
(2) والنصب اختيار سيبويه في الكتاب: 1/ 144، وذكره الزجاج في معانيه: 4/ 28 عن الخليل وسيبويه.
(3) يريد بذلك قوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ [المائدة: 38] .
(4) نص عليه الجصاص في أحكام القرآن: 3/ 266، فقال: «وحقيقة النكاح هو الوطء في اللّغة فوجب أن يكون محمولا عليه على ما روي عن ابن عباس ومن تابعه في أن المراد الجماع، ولا يصرف إلى العقد إلا بدلالة، لأنه مجاز، ولأنه إذا ثبت أنه قد أريد به الحقيقة انتفى دخول المجاز فيه ... » .
وأخرج الطبري في تفسيره: (18/ 73، 74) هذا القول عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ورجحه الطبري فقال: «وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال:
عني بالنكاح في هذا الموضع: الوطء، وأن الآية نزلت في البغايا المشركات ذوات الرايات، وذلك لقيام الحجة على أن الزانية من المسلمات حرام على كل مشرك، وأن الزاني من المسلمين حرام عليه كل مشركة من عبدة الأوثان. فمعلوم إذ كان ذلك كذلك، أنه لم يعن بالآية أن الزاني من المؤمنين لا يعقد عقد نكاح على عفيفة من المسلمات، ولا ينكح إلا بزانية أو مشركة. وإذ كان ذلك كذلك، فبين أن معنى الآية: الزاني لا يزني إلا بزانية لا تستحل الزنا، أو بمشركة تستحله» اه.
واستبعد الزجاج في معانيه: 4/ 29 قول الطبري، ورده الزمخشري في الكشاف: 3/ 49 لأمرين فقال:
«أحدهما: أن هذه الكلمة أينما وردت في القرآن لم ترد إلا في معنى العقد» .
والثاني: فساد المعنى وأداؤه إلى قولك: الزاني لا يزني إلا بزانية والزانية لا يزني بها إلا زان» .
وانظر أقوال العلماء في هذه المسألة في تفسير الماوردي: 3/ 109، وأحكام القرآن لابن العربي: 3/ 1329، وتفسير القرطبي: 12/ 167، وتفسير آيات الأحكام للسائس:
(3/ 117- 122) .(2/595)
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)
الزاني يستقذر الزّانية ولا يشتهيها.
5 إِلَّا الَّذِينَ تابُوا: الاستثناء من الفسق «1» لأنّ ما قبله ليس من جنسه «2» ، لأنّه اسم وخبر وما قبله فعل وأمر.
6 فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ نصبه «3» لوقوعه موقع المصدر أو مفعول به، كأنّه يشهد أحدهم الشّهادات الأربع، فتكون الجملة مبتدأ.....
__________
(1) في الآية قبل هذه، وهو قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ... وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ.
(2) وهو الاستثناء المنقطع.
(3) نصب (أربع) ، قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، وابن عامر، وعاصم في رواية شعبة.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 452، والتبصرة لمكي: 272، والتيسير لأبي عمرو الداني:
161.(2/596)
إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16)
والخبر إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ «1» ، ومن رفع أَرْبَعُ «2» جعله خبر «شهادة» .
11 بِالْإِفْكِ: بالكذب «3» لأنّه صرف عن الحق.
بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ: لأنّ الله برّأها، وأثابها.
وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ: عبد الله بن أبيّ بن سلول، جمعهم في بيته «4» .
ومن عدّ حسّان بن ثابت معه عدّ حدّه، وذهاب/ بصره من عذابه العظيم «5» .
16 وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ: هلّا «6» .
__________
(1) ينظر توجيه هذه القراءة في تفسير الطبري: 18/ 81، ومعاني الزجاج: 4/ 32، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 129، والكشف لمكي: 2/ 134.
(2) قراءة حمزة، والكسائي وعاصم في رواية حفص، كما في السبعة لابن مجاهد: 453، وحجة القراءات: 495، والتبصرة لمكي: 272.
(3) قال النحاس في معاني القرآن: 4/ 507: «وأصله من قولهم: أفكه يأفكه إذا صرفه عن الشيء، فقيل للكذب إفك. لأنه مصروف عن الصّدق ومقلوب عنه، ومنه المؤتفكات» .
(4) ثبت ذلك في أثر أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 6/ 5، كتاب التفسير، باب «قوله إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ... عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه: 4/ 2131، كتاب التوبة، باب «في حديث الإفك، وقبول توبة القاذف» .
وقال الطبري- رحمه الله- في تفسيره: 18/ 89: «لا خلاف بين أهل العلم بالسير أن الذي بدأ بذكر الإفك وكان يجمع أهله ويحدثهم عبد الله بن أبي بن سلول، وفعله ذلك على ما وصفت كان توليه كبر ذلك الأمر» اه.
(5) أخرج الإمام البخاري في صحيحه: 6/ 10، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «جاء حسّان بن ثابت يستأذن عليها. قلت: أتأذنين لهذا؟ قالت: أو ليس قد أصابه عذاب عظيم.
قال سفيان: تعني ذهاب بصره» .
وأخرج عن عائشة أنها قالت: «وأيّ عذاب أشدّ من العمى» . [.....]
(6) ذكره الزجاج في معانيه: 4/ 36، وقال: «لأنّ المعنى: ظن المؤمنون بأنفسهم، في موضع الكناية عنهم وعن بعضهم، وكذلك يقال للقوم الذين يقتل بعضهم بعضا أنهم يقتلون أنفسهم» .(2/597)
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)
15 تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ: كلّما سمعه سامع نشره كأنّه تقبّله «1» .
وقراءة عائشة «2» : تَلَقَّوْنَهُ وهو الاستمرار على الكذب «3» .
وشأن الإفك أنّها في غزوة بني المصطلق تباعدت لقضاء الحاجة، فرجعت وقد رحلوا، وحمل هودجها «4» على أنّها فيه، فمرّ بها صفوان «5» بن المعطّل السّهمي فأناخ لها بعيره وساقه حتى أتاهم بعد ما نزلوا «6» .
22 وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ: لا يحلف على حرمان أولي القربى.
أَنْ يُؤْتُوا: أن لا يؤتوا. في أبي بكر- رضي الله عنه- حين حرم
__________
(1) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 64، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 301.
(2) بكسر اللام وضم القاف، وردت هذه القراءة لعائشة رضي الله تعالى عنها في صحيح البخاري: 6/ 10، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ» .
وانظر هذه القراءة عن عائشة في معاني القرآن للفراء: 2/ 248، وتفسير الطبري:
18/ 98، وتفسير القرطبي: 12/ 204، والبحر المحيط: 6/ 438.
(3) معاني القرآن للفراء: 2/ 248، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 301، وتفسير القرطبي:
12/ 204.
(4) الهودج: بفتح الهاء والدال بينهما واو ساكنة وآخره جيم: محمل له قبة تستر بالثياب ونحوه، يوضع على ظهر البعير يركب عليه النساء.
اللسان: 2/ 389، وتاج العروس: 6/ 274 (هدج)) .
(5) هو صفوان بن المعطل بن ربيعة الذكواني، ورد ذكره في حديث الإفك، وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «ما علمت عليه إلّا خيرا» .
استشهد صفوان رضي الله عنه في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
انظر ترجمته في الاستيعاب: 2/ 725، وأسد الغابة: 3/ 30، والإصابة: 3/ 440.
(6) ينظر خبر الإفك في صحيح البخاري: 5/ 55، كتاب المغازي، باب «حديث الإفك» .
وصحيح مسلم: (4/ 2129- 2136) ، كتاب التوبة، باب «في حديث الإفك» .
والسيرة لابن هشام: (2/ 297- 302) ، وتفسير الطبري: (18/ 90- 94) ، وأسباب النزول للواحدي: (368- 373) .(2/598)
يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)
مسطح «1» بن أثاثة- ابن خالته- بسبب دخوله في الإفك.
24 يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ: شهادتهما بأن يبنيهما الله بنية تنطق. وشهادة الألسنة بعد شهادتهما لما رأوا أنّ الجحد لم ينفعهم.
ويجوز أن يخرج الألسنة ويختم على الأفواه.
25 يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ: جزاءهم «2» .
27 تَسْتَأْنِسُوا: تستبصروا، أي: تطلبوا من يبصركم «3» .
وقيل «4» : تَسْتَأْنِسُوا: بالتنحنح والكلام الذي يدل على الاستئذان.
__________
(1) مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي المطلبي.
قال الحافظ في الإصابة: 6/ 93: «كان اسمه عوفا، وأما مسطح فهو لقبه ... ومات مسطح سنة أربع وثلاثين في خلافة عثمان، ويقال: عاش إلى خلافة علي وشهد معه صفين، ومات في تلك السنة سنة سبع وثلاثين» .
وانظر ترجمته في الاستيعاب: 4/ 1472، وأسد الغابة: 4/ 156.
(2) ذكره ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: 453، وأخرجه الطبري في تفسيره: 18/ 106 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وانظر معاني القرآن للنحاس: 4/ 514، وتفسير القرطبي: 12/ 210.
(3) ذكر البغوي هذا القول في تفسيره: 3/ 336 عن الخليل.
وفي تهذيب اللغة للأزهري: 13/ 89: «وأصل الإنس والأنس والإنسان من الإيناس وهو الإبصار، يقال: أنسته وأنسته: أي أبصرته» .
وانظر الصحاح: 3/ 905، واللسان: 6/ 16 (أنس) .
(4) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: 8/ 419، كتاب الأدب، باب «في الاستئذان» عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! هذا السلام فما الاستئناس؟ قال: يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة ويتنحنح ويؤذن أهل البيت» .
وأخرجه ابن ماجة في سننه: 2/ 1221، كتاب الأدب، باب «الاستئذان» عن أبي أيوب مرفوعا وفي إسناده أبو سورة، قال في مصباح الزجاجة: 2/ 247: «هذا إسناد ضعيف، أبو سورة هذا قال فيه البخاري: منكر الحديث، يروى عن أبي أيوب مناكير لا يتابع عليها.
رواه أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده هكذا بإسناده سواء» .
وأخرجه- أيضا- ابن أبي حاتم في تفسيره: 221 (سورة النور) ، وأورده ابن كثير في تفسيره: 6/ 41 وقال: «هذا حديث غريب» .(2/599)
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)
29 بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ: حوانيت التجار ومناخات «1» الرّحال للسّابلة.
31 وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ: أمر لهن بالاختمار على أستر ما يكون دون التطوّق بالخمار.
أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ: من الإماء «2» .
أَوِ التَّابِعِينَ: الذي يتبعك بطعامه ولا حاجة له في النساء.
وقيل: هو العنّين «3» . وقيل «4» : الأبله الذي لا يقع في نفوس النساء.
لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ: لم يبلغوا أن يطيقوا النساء، ظهر عليه: قوي «5» .
وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ: إذ إسماع صوت الزينة كإظهارها، ومنه
__________
(1) أي: المواضع التي تناخ فيها الإبل، وهي مواضع بروكها.
والسابلة: أبناء السبيل المختلفون على الطرقات في حوائجهم.
اللسان: 3/ 65 (نوخ) ، 11/ 320 (سبل) . وانظر هذا القول في تفسير الماوردي:
3/ 119.
ونقل القرطبي في تفسيره: 12/ 221 عن محمد بن الحنفية، وقتادة، ومجاهد قالوا: «هي الفنادق التي في طرق السابلة» .
(2) نقل النحاس هذا القول في معاني القرآن: 4/ 525 عن سعيد بن المسيب، وكذا ابن العربي في أحكام القرآن: 3/ 1375، والقرطبي في تفسيره: 12/ 234، واستبعده النحاس بقوله:
«هذا بعيد في اللغة، لأن «ما» عامة» .
وهو مذهب الحنفية كما في أحكام القرآن للجصاص: 3/ 318، وأحد قولي الشافعي.
كما في أحكام القرآن للكيا الهراس: 4/ 288، وتفسير آيات الأحكام للسائس: 3/ 14.
(3) العنّين: الذي لا يأتي النساء ولا يريدهن.
الصحاح: 6/ 2166، واللسان: 13/ 291 (عنن) . [.....]
(4) أورد النحاس في معاني القرآن: 4/ 526 الأقوال السابقة وغيرها ثم قال: «وهذه الأقوال متقاربة، وهو الذي لا حاجة له في النساء، نحو الشيخ الهرم، والخنثى، والمعتوه، والطفل، والعنين» .
وانظر تفسير الطبري: 18/ 122، وأحكام القرآن لابن العربي: 3/ 1374، وزاد المسير:
(6/ 33، 34) .
(5) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 250، ومعاني النحاس: 4/ 526.(2/600)
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34) اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)
سمّي صوت الحليّ وسواسا «1» .
33 إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً: قوة على الاحتراف «2» . وقيل «3» : صدقا ووفاء.
وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ: هو حطّ شيء من الكتابة على الاستحباب «4» . أو سهمهم من الصّدقة «5» .
35 اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: هادي أهلها، ومدبّر أمرها.
أو منوّرهما «6» ، كما يقال: هو زادي، أي: مزوّدي/.
كَمِشْكاةٍ: كوّة لا منفذ لها.
كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ: منسوب إلى الدّر في حسنه وصفائه «7» .
__________
(1) الصحاح: 3/ 988 (وسوس) ، واللسان: 6/ 254 (وسس) .
(2) أخرج الطبريّ هذا القول في تفسيره: 18/ 127 عن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 127 عن ابن عمر، وابن عباس أيضا.
(3) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (18/ 127، 128) عن الحسن، ومجاهد، وطاوس، وعطاء، وابن زيد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 127 عن طاوس، وقتادة. وابن الجوزي في زاد المسير:
6/ 37 عن إبراهيم النخعي.
(4) هذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى كما في أحكام القرآن للجصاص: 3/ 322.
وحمله الشافعي- رحمه الله- على الوجوب، ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 127.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 18/ 131 عن إبراهيم النخعي.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 127 عن الحسن، وإبراهيم النخعي، وابن زيد.
وهو أولى القولين بالصواب عند الطبري في تفسيره: 18/ 132.
(6) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 129 دون عزو، وكذا البغوي في تفسيره: 4/ 345، ونقله القرطبي في تفسيره: 12/ 257 عن الضحاك، والقرظي، وابن عرفة، ونقله أبو حيان في البحر المحيط: 6/ 455 عن الحسن.
(7) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 4/ 44، وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة:
305.(2/601)
مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ: لأنّ الله بارك في زيتون الشّام، وزيتها أضوأ وأصفى، ويسيل من غير اعتصار.
لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ: ليست من الشّرق دون الغرب، أو الغرب دون الشّرق لكنها من شجر الشّام واسطة البلاد بين المشرق والمغرب «1» .
أو ليست بشرقية في جبل يدوم إشراق الشّمس عليها، ولا غربية نابتة في وهاد «2» لا يطلع عليها الشّمس، بل المراد أنها ليست من شجر الدنيا التي تكون شرقية أو غربية ولكنها من شجر الجنّة «3» ، وكما قال بأنه مَثَلُ نُورِهِ فلا يؤول على ظاهره، ولكن نور الله: الإسلام، والمشكاة: صدر المؤمن، والزّجاجة: قلبه، والمصباح: فيه الإيمان، والشّجرة المباركة: شجرة النّبوة «4» .
__________
(1) عن تفسير الماوردي: 3/ 130، ونص كلامه: «أنها ليست من شجر الشرق دون الغرب ولا من شجر الغرب دون الشرق، لأن ما اختص بأحد الجهتين أقل زيتا وأضعف، ولكنها شجر ما بين الشرق والغرب كالشام لاجتماع القوتين فيه. وهو قول ابن شجرة وحكى عن عكرمة» .
وأورد الفخر الرازي هذا القول في تفسيره: 23/ 237، وضعفه بقوله: «وهذا ضعيف لأن من قال: الأرض كرة لم يثبت المشرق والمغرب موضعين معينين، بل كل بلد مشرق ومغرب على حدة، ولأن المثل مضروب لكل من يعرف الزيت، وقد يوجد في غير الشام كوجوده فيها» .
(2) الوهاد: جمع وهدة، المكان المنخفض من الأرض.
الصحاح: 2/ 554، واللسان: 3/ 470 (وهد) .
(3) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 18/ 142 عن الحسن رحمه الله تعالى.
وهو عن الحسن أيضا في معاني القرآن للزجاج: 4/ 45، وتفسير الماوردي: 3/ 131، وتفسير البغوي: 3/ 346، وزاد المسير: 6/ 43، وغرائب التفسير للكرماني: 2/ 798.
وضعف الفخر الرازي هذا القول في تفسيره: 23/ 237 فقال: «وهذا ضعيف لأنه تعالى إنما ضرب المثل بما شاهدوه، وهم ما شاهدوا شجر الجنة» .
(4) ينظر ما سبق في تفسير البغوي: (3/ 346، 347) ، وزاد المسير: 6/ 45، وذكره الفخر الرازي في تفسيره: (23/ 235، 236) عن بعض الصوفية.
وفي هذا القول تكلف ظاهر لأن الله سبحانه وتعالى أثبت لنفسه نورا فلا حاجة لمثل هذا التأويل، ويقال في إثباته كما يقال في بقية صفاته.
ولا يلزم من المثل التشبيه، وإنما تقريب ذلك إلى الأذهان، ولله المثل الأعلى.(2/602)
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)
نُورٌ عَلى نُورٍ: فهو يتقلب في خمسة أنوار: فكلامه نور، وعمله نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصيره إلى النور يوم القيامة «1» .
36 فِي بُيُوتٍ: أي: المساجد «2» ، أي: هذه المشكاة فيها.
و «البيع» «3» قد يكون لغير التجارة فجمع بينهما.
37 تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ: ببلوغها إلى الحناجر، وَالْأَبْصارُ:
بالشّخوص والزّرقة والردّ على الأدبار.
39 كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ: جمع «قاع» . ك جار وجيرة «4» .
والسّراب: شعاع يتكثف فيتسرّب ويجري كالماء تخيّلا «5» .
40 فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ: مضاف إلى اللّجة وهو معظم البحر «6» .
__________
(1) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 18/ 138 عن أبي بن كعب رضي الله عنه، وكذا ابن أبي حاتم في تفسيره: 373 (سورة النور) .
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 197، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، والحاكم، وابن مردويه- كلهم- عن أبي بن كعب.
وانظر تفسير البغوي: 3/ 347، وتفسير الفخر الرازي: 23/ 238، وتفسير ابن كثير: 6/ 64. [.....]
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 18/ 144 عن ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وسالم بن عمر، وابن زيد.
ورجحه الطبري وقال: «وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في ذلك لدلالة قوله: يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ على أنها برزت وبنيت للصلاة، فلذلك قلنا هي المساجد» .
(3) في قوله تعالى: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [آية: 37] .
(4) عن معاني القرآن للفراء: 2/ 245، وقال الزجاج في معانيه: 4/ 47: «والقيعة والقاع ما انبسط من الأرض ولم يكن فيه نبات» .
وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 305، ومعاني القرآن للنحاس: 4/ 540، واللسان: 8/ 304 (قوع) .
(5) اللسان: 1/ 465 (سرب) .
(6) نص هذا القول في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 67.
وانظر غريب القرآن لليزيدي: 273، وتفسير الطبري: 18/ 150، وتفسير البغوي:
3/ 349.(2/603)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44) وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)
ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ: ظلمة اللّيل، وظلمة السّحاب، وظلمة البحر، مثل الكافر في ظلمة حاله واعتقاده ومصيره إلى ظلمة النار.
إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها: لم يرها إلّا بعد جهد، أو لم يرها ولم يكد «1» ، وهي نفي مقاربة الرّؤية، أي: لم يقارب أن يراها.
41 وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ: مصطفة الأجنحة في الهواء.
كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ: الإنسان، وَتَسْبِيحَهُ: ما سواه «2» .
43 يُزْجِي سَحاباً: يسيّره ويسوقه.
رُكاماً: متراكبا «3» .
والودق: المطر «4» لخروجه من السّحاب، ودقت سرّته: خرجت فدنت من الأرض «5» .
[68/ ب] وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ: «من» لابتداء/ الغاية.
مِنْ جِبالٍ: للتبيين فيها، مِنْ بَرَدٍ: للتبعيض لأنّ البرد بعض الجبال والجبال هي السّحاب على الكثرة والمبالغة.
45 وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ: أصل الخلق من الماء، ثم قلب إلى
__________
(1) ذكره المبرد في الكامل: 1/ 252، والزجاج في معانيه: 4/ 48.
وانظر معاني القرآن للنحاس: 4/ 542، وتفسير الطبري: 12/ 151، وتفسير القرطبي:
12/ 285.
(2) اختاره الطبري في تفسيره: 18/ 152، وأخرجه عن مجاهد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 136 عن مجاهد، وكذا البغوي في تفسيره: 3/ 350.
(3) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 67، وتفسير الطبري: 18/ 153، والمفردات للراغب:
203.
(4) معاني القرآن للفراء: 2/ 256، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 67، والمفردات للراغب:
517.
(5) في اللسان: 10/ 373 (ودق) : «ودقت سرّته تدق ودقا إذا سالت واسترخت» .(2/604)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)
النّار فخلق منه الجن، وإلى الريح «1» فخلق منه الملائكة، وإلى الطين فخلق منه آدم.
53 قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ
: أي: طاعة أمثل من أن تقسموا.
أو طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ
أولى من طاعتكم [المدخولة] «2» أو طاعتكم معروفة أنها كاذبة قول بلا عمل «3» .
58 وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ: أي: وهو مميّز ويصف.
ثَلاثُ عَوْراتٍ: أوقات عورة وخصّها بالاستئذان لأنّها أوقات تكشّف وتبذل.
60 وَالْقَواعِدُ: اللاتي قعدن بالكبر عن الحيض والحبل.
غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ: غير مظهرات زينتها.
61 أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ: من أموال عيالكم أو بيوت أولادكم.
أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ: ما يتولاه وكيل الرّجل في ماله وضياعه،
__________
(1) كذا في تفسير الماوردي: 3/ 137، ويبدو أنه مصدر المؤلف في هذا النص. وذكره أيضا البغوي في تفسيره: 3/ 351، والزمخشري في الكشاف: 3/ 71.
والمعروف أن الملائكة مخلوقون من نور كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: 4/ 2294، كتاب الزهد والرقائق، باب «في أحاديث متفرقة» عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» .
قال أبو حيان في البحر المحيط: 6/ 465: «ويخرج عما خلق من ماء ما خلق من نور وهم الملائكة، ومن نار وهم الجن، ومن تراب وهو آدم ... » .
وانظر تفسير الفخر الرازي: 24/ 16، وتفسير القرطبي: 12/ 291، وفتح القدير للشوكاني: (4/ 42، 43) .
(2) في الأصل: «المدخول» ، والمثبت هنا عن «ك» ، ووضح البرهان للمؤلف.
(3) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 306: «وفي هذا الكلام حذف للإيجاز، يستدل بظاهره عليه. كأن القوم كانوا ينافقون ويحلفون في الظاهر على ما يضمرون خلافه فقيل لهم: لا تقسموا، هي طاعة معروفة، صحيحة لا نفاق فيها، لا طاعة فيها نفاق» .(2/605)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)
فيأكل مما يقوم عليه «1» ، أو هو فيما يتولاه القيّم من أموال اليتامى.
وفي حديث الزهري «2» : كانوا إذا خرجوا إلى المغازي يدفعون مفاتيحهم إلى الضّيف «3» ليأكلوا مما في منازلهم فتوقّوا أكله، فنزلت: أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ.
أَوْ صَدِيقِكُمْ: إذا كان الطعام حاضرا غير محرز «4» ، أو كان الصديق بحيث لا يحتجب بعضهم عن بعض في مال ونفس.
فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ: أي: بيوتا فارغة فقولوا: السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين «5» .
62 عَلى أَمْرٍ جامِعٍ: الجهاد وكل اجتماع في الله حتى الجمعة والعيدين.
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 18/ 170، وابن أبي حاتم في تفسيره: 524 (سورة النور) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 224، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، والبيهقي عن ابن عباس أيضا. [.....]
(2) الزهري: (58- 124 هـ) .
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، الإمام التابعي الجليل.
وصفه الحافظ في التقريب: 606 بقوله: «الفقيه الحافظ، متفق على جلالته وإتقانه» .
ترجمته في حلية الأولياء: 3/ 360، وتذكرة الحفاظ: 1/ 108، وسير أعلام النبلاء:
5/ 326.
وانظر حديثه في تفسير عبد الرزاق: 2/ 64، وتفسير الطبري: 18/ 169، والدر المنثور:
6/ 225.
(3) الضيف: لإرادة الجنس كما في قوله تعالى: إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي.
(4) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 3/ 143.
(5) أخرجه الإمام البخاري في الأدب المفرد: 363 عن ابن عمر رضي الله عنهما، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: 8/ 460، كتاب الأدب، باب «في الرجل يدخل البيت ليس فيه أحد» عن ابن عمر أيضا.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 228، وعزا إخراجه إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، والبيهقي عن أبي مالك رضي الله عنه.(2/606)
لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)
63 لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ: أي: تحاموا «1» عن سخطته فإنّ دعاءه مسموع «2» .
وقيل: لا تدعوه باسمه ولكن: يا رسول الله.
يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً: يلوذ بعضهم ببعض ويستتر به حتى ينسلّ من بين القوم فرارا من الجهاد.
__________
(1) كذا في كتاب وضح البرهان للمؤلف، وورد في هامش الأصل: «تجافو» .
(2) أخرجه الطبري في تفسيره: 18/ 177 عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق محمد بن سعد، عن أبيه، عن عمه ... ، وهذا الإسناد مسلسل بالضعفاء.
راجع ص (135) .
وأورد النحاس هذا القول في معانيه: 4/ 565 عن ابن عباس بصيغة التمريض، واستحسن النحاس هذا القول فقال: «وهذا قول حسن، لكون الكلام متصلا، لأن الذي قبله والذي بعده نهي عن مخالفته، أي: لا تتعرضوا لما يسخطه، فيدعو عليكم فتهلكوا، ولا تجعلوا دعاءه كدعاء غيره من الناس» اه.
وذكر ابن عطية هذا القول في المحرر الوجيز: 10/ 556، وقال: «ولفظ الآية يدفع هذا المعنى» ، وأشار إلى القول الثاني ورجحه، وقال: «وذلك هو مقتضى التوقير والتعزير ... » .(2/607)
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13)
ومن سورة الفرقان
1 تَبارَكَ تفاعل من البركة، وهي الكثرة في كل خير «1» .
وقيل: أصله الثبوت، من بروك الإبل «2» .
[69/ أ] نَذِيراً: داعيا إلى الرشد وصارفا عن الغيّ، ويجوز صفة للنبي/ صلى الله عليه وسلم وللقرآن «3» .
6 يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: أي: أنزله على مقتضى علمه ببواطن الأمور.
9 فَضَلُّوا: ناقضوا إذ قالوا: اختلقها وافتراها وقالوا فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ «4» .
13 وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً: في الحديث «5» : «إنهم يستكرهون في
__________
(1) عن معاني القرآن للزجاج: 4/ 57.
وانظر معاني الفراء: 2/ 262، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 310، وتفسير الطبري:
18/ 179.
(2) ينظر المفردات للراغب: 44، وتفسير الفخر الرازي: 24/ 44، وتفسير القرطبي: 13/ 1، واللسان: 10/ 396 (برك) .
(3) تفسير البغوي: 3/ 360، وتفسير القرطبي: 13/ 2.
(4) سورة الفرقان: آية: 5.
(5) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: 587 (سورة الفرقان) عن يحيى بن أبي أسيد مرفوعا وإسناده منقطع، ويحيى مسكوت عنه.
ينظر الجرح والتعديل: 9/ 129.
وأورد الحافظ ابن كثير هذا الحديث في تفسيره: 6/ 105، ولم يعلق عليه، وكذا الشوكاني في فتح القدير: 4/ 66.(2/608)
وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14) قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)
النار كما يستكره الوتد في الحائط» .
مُقَرَّنِينَ: مصفّدين، قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال «1» ، أو قرنوا مع الشياطين «2» .
14 ثُبُوراً: هلاكا على هلاك «3» ، من ثابر على كذا: داوم.
16 وَعْداً مَسْؤُلًا: هو قول الملائكة: رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ «4» .
أو قول المؤمنين: رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا «5» .
18 بُوراً: هلكى «6» . أو كاسدين، من بوار التجارة، وبوار الأرض تعطيلها من الزرع «7» .
19 فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً: صرف العذاب «8» ، أو الصّرف: الحيلة «9»
__________
(1) تفسير الطبري: 18/ 187.
(2) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 150 عن يحيى بن سلام.
(3) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 310، وتفسير الطبري: 18/ 188، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 59، والمفردات للراغب: 78، واللسان: 4/ 99 (ثبر) . [.....]
(4) من آية 8 سورة غافر.
وانظر هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 4/ 60، وتفسير الماوردي: 3/ 151، وزاد المسير: 6/ 77.
(5) من آية 194 سورة آل عمران.
وذكر الفراء هذا القول في معانيه: 2/ 263، والطبري في تفسيره: 18/ 189، وابن الجوزي في زاد المسير: 6/ 77.
(6) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 72، وغريب القرآن لليزيدي: 276، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 311، وتفسير الطبري: 18/ 190، والمفردات للراغب: 65.
(7) تفسير الطبري: 18/ 191، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 61، وتفسير الماوردي: 3/ 152، والمفردات للراغب: 65، واللسان: 4/ 86 (بور) .
(8) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (18/ 192، 193) عن مجاهد، وابن زيد.
وانظر معاني القرآن للزجاج: 4/ 61، والمفردات للراغب: 279.
(9) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 311، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 152 عن ابن قتيبة.
وانظر تفسير البغوي: 3/ 364، واللسان: 9/ 189 (صرف) .(2/609)
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)
و «الصّيرفيّ» لاحتياله في الاستيفاء إذا اتزن والتطفيف إذا وزن «1» .
20 إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ: أي: إلّا قيل إنهم ليأكلون «2» .
بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً: هو افتنان المقلّ بالمثري والضّويّ «3» بالقويّ.
أَتَصْبِرُونَ: أي: على هذه الفتنة أم لا تصبرون فيزداد غمكم.
وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً: بالحكمة في اختلاف المعاش.
ويحكى أنّ بعض الصالحين تبرّم «4» بضنك عيشه، فخرج ضجرا فرأى أسود خصيا في موكب عظيم، فوجم لذلك، فإذا بإنسان قرأ عليه: وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ فتنبّه وازداد تبصّرا أو تصبّرا.
21 لا يَرْجُونَ لِقاءَنا: لا يخافون «5» ، وجاز «يرجو» بمعنى يخاف لأنّ الراجي قلق فيما يرجوه كالخائف.
22 وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً: كان الرجل في الجاهليّة يقول لمن يخافه في أشهر الحرم: حِجْراً مَحْجُوراً: أي: حراما محرّما عليك قتلي في هذا الشهر، فلا يبدأه بشرّ، فإذا كان القيامة رأى المشركون ملائكة
__________
(1) ينظر الصحاح: 4/ 1368، واللسان: 9/ 190 (صرف) .
(2) ذكره البغوي في تفسيره: 3/ 364، وقال: «كما قال في موضع آخر: ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ [سورة فصلت: آية: 43] .
وانظر هذا القول في تفسير القرطبي: 13/ 13، وغرائب التفسير للكرماني: 2/ 812.
(3) الضّوى: الضعيف.
النهاية: 3/ 106، واللسان: 14/ 489 (ضوا) .
(4) أي: سئم وملّ.
ينظر النهاية: 1/ 121، والصحاح: 5/ 1869، واللسان: 12/ 43 (برم) .
(5) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 265، وقال: «وهي لغة تهامية، يضعون الرجاء في موضع الخوف إذا كان معه جحد. من ذلك قول الله: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً، أي:
لا تخافون له عظمة ... » .(2/610)
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)
العذاب فقالوا: حِجْراً مَحْجُوراً وظنوا أنّه ينفعهم «1» .
23 وَقَدِمْنا: عمدنا وقصدنا «2» .
مِنْ عَمَلٍ: من قرب.
24 وَأَحْسَنُ مَقِيلًا: موضع قائلة، ولا نوم في الجنّة إلا أنه من تمهيدها تصلح للنوم.
تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ: أي: عن الغمام، وهو نزول الملائكة منها في الغمام «3» /.
27 يَعَضُّ الظَّالِمُ: وذلك فعل النّادم والغضبان، وفي المثل: يعلك على الأرّم و «يحرق» أيضا «4» . والأرّم الأصابع.
28 يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا: في عقبة «5» بن أبي معيط، كان يجالس النّبيّ صلى الله عليه وسلم وسمع القرآن فقال له أبيّ بن خلف: تجالسه وهو يسفّه أحلام قريش، وجهي من وجهك حرام حتى تشتمه، ففعل، فلمّا قتل من بين الأسارى قال: أأقتل من بين قريش؟!.
__________
(1) نص الكلام السالف في زاد المسير: (6/ 82، 83) عن ابن فارس.
وانظر نحوه في تفسير الطبري: 19/ 3، وتفسير البغوي: 3/ 365، والمحرر الوجيز:
11/ 26، وتفسير القرطبي: 13/ 21.
(2) عن معاني القرآن للزجاج: 4/ 64، وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: 11/ 27: «ومعنى الآية: وقصدنا إلى أعمالهم التي هي في الحقيقة لا تزن شيئا إذ لا نية معها، فجعلناها على ما تستحق لا تعدل شيئا، وصيرناها هباء منثورا، أي: شيئا لا تحصيل له» .
(3) تفسير الطبري: 19/ 6. وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 6/ 114: «يخبر تعالى عن هول يوم القيامة، وما يكون فيه من الأمور العظيمة، فمنها انشقاق القمر وتفطرها وانفراجها بالغمام، وهو ظلل النور العظيم الذي يبهر الأبصار، ونزول ملائكة السماء يومئذ، فيحيطون بالخلائق في مقام المحشر، ثم يجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء» . [.....]
(4) اللسان: 13/ 14 (أرم) .
(5) عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن عبد شمس، كان شديد الأذى للمسلمين في أول أمر الإسلام بمكة، أسر يوم بدر ثم قتل.
السيرة لابن هشام: 1/ 708، والروض الأنف: 3/ 65.(2/611)
وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31)
فتمثّل عمر: حنّ قدح ليس منها «1» ، وقال: فمن للصّبية؟ فقال عليه السلام: [النار] «2» .
30 هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً: بإعراضهم عن التدبر فيه «3» ، أو بقولهم فيه بالهجر «4» .
31 وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ: أي: جعلنا ببياننا أنهم أعداؤهم، كما تقول: جعله لصا «5» .
__________
(1) ورد هذا المثل في كتاب الأمثال لأبي عبيد: 285، ومجمع الأمثال للميداني: 1/ 341، والجمهرة للعسكري: 1/ 370، والمستقصى للزمخشري: 2/ 68، واللسان: 13/ 130 (حنن) ، ويضرب هذا المثل للرجل يدخل نفسه في القوم ليس منهم، أو يمتدح بما لا يوجد فيه.
والهاء في «منها» راجعة إلى القداح.
(2) في الأصل «النكد» ، والمثبت في النص موافق لما أخرجه عبد الرزاق في تفسيره: 376 عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأشار إليه ناسخ الأصل المعتمد هنا إلى وروده في نسخة أخرى.
وورد خبر عقبة- أيضا- في السيرة لابن هشام: 1/ 361، ودلائل النبوة لأبي نعيم:
(2/ 606، 607) .
وأسباب النزول للواحدي: 385، وتفسير البغوي: 3/ 367، والتعريف والإعلام للسهيلي: 123، الذي قال: «وكني عنه ولم يصرح باسمه لئلا يكون هذا الوعيد مخصوصا به ولا مقصورا عليه، بل يتناول جميع من فعل مثل فعليهما والله أعلم» اه.
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 6/ 116: «وسواء كان سبب نزولها في عقبة بن أبي معيط أو غيره من الأشقياء، فإنها عامة في كل ظالم ... » .
(3) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 19/ 9 عن ابن زيد، ونقله الماوردي في تفسيره:
3/ 156 عن ابن زيد أيضا.
قال الطبري رحمه الله: «وهذا القول أولى بتأويل ذلك، وذلك أن الله أخبر عنهم أنهم قالوا: لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه، وذلك هجرهم إياه» .
(4) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 313: «والهجر الاسم، يقال: فلان يهجر في منامه، أي: يهذي، وفي معاني الزجاج: 4/ 66: «والهجر ما لا ينتفع به من القول، وكانوا يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم يهجر» .
(5) ذكر الفخر الرازي هذا القول في تفسيره: 24/ 77 عن أبي علي الجبائي، ورده بقوله: «إن التبيين لا يسمونه ألبتة جعلا، لأن من بيّن لغيره وجود الصانع وقدمه لا يقال إنه جعل الصانع وجعل قدمه» .(2/612)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40) وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45)
وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً: يجوز حالا وتمييزا «1» .
32 لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ: أي: باتصال الوحي، أو لنثبته في فؤادك بالإنزال متفرقا.
وَرَتَّلْناهُ: فصّلناه، والرّتل في الثّغر أن يكون مفلّجا لا لصص فيه «2» .
والقرية التي أمطرت مطر السوء «3» : سدوم قرية لوط «4» عليه السلام.
45 مَدَّ الظِّلَّ: أي: اللّيل لأنّه ظل الأرض الممدود على قريب من نصف وجهها.
وقيل «5» : هو ما بين طلوع الفجر إلى شروق الشمس.
__________
(1) ينظر معاني القرآن للزجاج: 4/ 66، وتفسير القرطبي: 13/ 28، والبحر المحيط:
6/ 496.
(2) جاء في لسان العرب: «وثغر رتل ورتل: حسن التنضيد مستوى النبات، وقيل: المفلّج، وقيل: بين أسنانه فروج لا يركب بعضها بعضا» .
والفلج في الأسنان: تباعد ما بين الثنايا والرباعيات خلقة.
واللّصص: تقارب ما بين الأضراس حتى لا ترى بينها خللا» .
ينظر اللسان: 2/ 346 (فلج) ، 7/ 87 (لصص) ، 11/ 265 (رتل) .
(3) في قوله تعالى: وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ ... [آية: 40] .
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 19/ 16 عن ابن جريج.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 259، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة.
وانظر هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 4/ 69، وتفسير الماوردي: 3/ 158، وتفسير ابن كثير: 6/ 121، ومفحمات الأقران: 149.
(5) ذكره الفراء في معاني القرآن: 2/ 268، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 313.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 19/ 18 عن ابن عباس، وسعيد بن جبير.
وانظر هذا القول في معاني الزجاج: 4/ 70، وتفسير البغوي: 3/ 370، وزاد المسير:
6/ 93.(2/613)
ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46)
وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً: أي: بإبطال كلتي الحركتين: الغربيّة التي بها النهار واللّيل، والشّرقية التي بها فصول السّنة.
ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا: إذ كان طول الظل وقصره بحسب ارتفاع الشّمس وانحطاطها ولأنّ الظلّ إذا لم يدرك أطرافه لم يسمّ ظلا بل ظلاما وليلا.
46 ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا: [هو] «1» من الغداة إلى الظهيرة، والظلّ هو المخصوص بالقبض «2» كما أنّ الفيء مخصوص بالبسط وهذه الإضافة لأنّ غاية قصر الظل عند غاية تعالي الشمس، والعلو موضع الملائكة وجهة السّماء التي فيها أرزاق العباد، ومنها نزول الغيث والغياث، وإليها ترتفع أيدي الراغبين وتشخص أبصار الخائفين.
قَبْضاً يَسِيراً: خفيا سهلا «3» لبطء حركة الظل بالقرب من نصف النهار.
[70/ أ] و «النّشور» «4» : الانتشار/ للمعايش «5» ، و «السبات» : قطع العمل «6» .
و «الأناسي» «7» : جمع أنسي. ك «كرسي» ، و «كراسيّ» ، أو كان
__________
(1) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
(2) معاني القرآن للفراء: 2/ 268، وتفسير الطبري: 19/ 20، وتفسير القرطبي: 13/ 37. [.....]
(3) في تفسير الطبري: 19/ 20: «وقيل: إنما قيل: ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً لأن الظل بعد غروب الشمس لا يذهب كله دفعة، ولا يقبل الظلام كله جملة، وإنما يقبض ذلك الظل قبضا خفيا، شيئا بعد شيء ويعقب كل جزء منه يقبضه جزء من الظلام» .
وانظر القول الذي ذكره المؤلف في معاني القرآن للفراء: 2/ 268، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 313، وتفسير الماوردي: 3/ 158.
(4) من قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً [آية: 47] .
(5) المفردات للراغب: (492، 493) .
(6) تفسير الماوردي: 3/ 159، والمفردات: 221، واللسان: 2/ 38 (سبت) .
(7) من قوله تعالى: لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً [آية: 49] .(2/614)
وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55)
«أناسين» جمع «إنسان» ، فعوّضت الياء من النون «1» .
50 وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا: أي: المطر مرّة هاهنا ومرة هناك «2» .
وعن ابن عباس «3» رضي الله عنه: ما عام بأمطر من عام ولكنّ الله يصرّفه كيف يشاء.
فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً: يقولون مطرنا بنوء كذا «4» .
53 مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ: مرج وأمرج: خلّى «5» ، كأنّه أرسلهما في مجاريهما كما يرسل الخيل في المرج.
حِجْراً مَحْجُوراً: لا يفسد أحدهما الآخر «6» .
55 وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً: على أولياء ربّه معينا يعاديهم «7» .
__________
(1) عن معاني القرآن للفراء: 2/ 269، وانظر تفسير الطبري: 19/ 21، ومعاني الزجاج:
4/ 71.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 19/ 22 عن ابن زيد، وأخرج نحوه عن مجاهد.
وذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 314.
(3) أخرجه الطبري في تفسيره: 19/ 22، والحاكم في المستدرك: 2/ 403، كتاب التفسير، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
وأخرجه أيضا- البيهقي في السنن الكبرى: 3/ 363، كتاب صلاة الاستسقاء، باب «كثرة المطر وقلته» .
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 264، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(4) ينظر تفسير الطبري: 19/ 22، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 71، وتفسير الماوردي:
3/ 160، وتفسير البغوي: 3/ 373.
(5) في «ج» : خلط. وفي معاني القرآن للزجاج: 4/ 72: «معنى «مرج» خلّى بينهما، تقول:
مرجت الدابة وأمرجتها إذا خليتها ترعى ... » .
وانظر هذا المعنى في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 77، وغريب القرآن لليزيدي: 278، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 314، وتفسير الطبري: 19/ 23، واللسان: 2/ 364 (مرج) .
(6) معاني القرآن للفراء: 2/ 270، وتفسير الطبري: 19/ 24، وتفسير القرطبي: 13/ 59.
(7) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 162، وابن الجوزي في زاد المسير: 6/ 97 دون عزو.
قال الماوردي: «مأخوذ من المظاهرة، وهي المعونة» .(2/615)
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60) تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)
أو كان هيّنا عليه لا وزن له «1» ، من قولك: ظهرت بحاجتي إذا لم تعن بها.
59 فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً: سل بسؤالك إياه خبيرا، وسل به عارفا يخبرك بالحق في صفته.
58 وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ: احمده منزّها له عما لا يجوز عليه.
62 جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً: خلفا عن صاحبه فمن فاته من عمل في أحدهما قضاه في الآخر «2» ، أو إذا مضى أحدهما خلفه صاحبه «3» .
يقال: الأمر بينهم خلفة، أي: نوبة كل واحد يخلف صاحبه «4» ،
__________
(1) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 77.
وأورده القرطبي في تفسيره: 13/ 62، وقال: «هذا معنى قول أبي عبيدة» .
وذكره الطبري في تفسيره: 19/ 27، وعقب عليه بقوله: «وكأن «الظهير» كان عنده «فعيل» صرف من مفعول إليه من مظهور به، كأنه قيل: وكان الكافر مظهورا به ... » .
وقال الفخر الرازي في تفسيره: 24/ 102: «وقياس العربية أن يقال «مظهور» ، أي مستخف به متروك وراء الظهر، فقيل فيه «ظهير» في معنى «مظهور» ، ومعناه: هين على الله أن يكفر الكافر وهو- تعالى- مستهين بكفره» اه.
(2) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 271، وأخرجه الطبري في تفسيره: (19/ 30، 31) عن عمر ابن الخطاب، وابن عباس، والحسن رضي الله تعالى عنهم.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 163 عن عمر رضي الله عنه، والحسن رحمه الله تعالى.
وأورد السيوطي في الدر المنثور: 6/ 270 رواية أبي داود الطيالسي عن الحسن: أن عمر أطال صلاة الضحى، فقيل له: صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه فقال: إنه بقي عليّ من وردي شيء وأحببت أن أتمه أو أقضيه. وتلا هذه الآية: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً ... الآية، ولم أقف على هذا الخبر في مسند الطيالسي المطبوع. [.....]
(3) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 271، وأبو عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 79، واليزيدي في غريب القرآن: 279، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 314، وأخرجه الطبري في تفسيره: 19/ 31 عن مجاهد، وكذا ابن أبي حاتم في تفسيره: 772 (سورة الفرقان) .
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 270، وزاد نسبته إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد.
(4) المفردات للراغب: (155، 156) ، واللسان: 9/ 86 (خلف) .(2/616)
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)
والقوم خلفة، أي: مختلفون.
63 وَعِبادُ الرَّحْمنِ: مرفوع إلى آخر السورة على الابتداء، وخبره:
أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ «1» .
هَوْناً: بسكينة ووقار دون مرح واختيال.
وقيل «2» : حلماء علماء لا يجهلون، وإن جهل عليهم.
قالُوا سَلاماً: تسلما منكم، أي: نتارككم ولا نجاهلكم «3» .
وقيل «4» : سلما: سدادا من القول.
65 غَراماً: هلاكا لازما «5» .
68 أَثاماً: عقوبة وجزاء.
69 يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ: عذاب الدنيا والآخرة، وجزمه على البدل لأن مضاعفة العذاب هي لقيّ الآثام «6» .
__________
(1) من الآية: 75، من سورة الفرقان، وهذا القول الذي ذكره المؤلف في معاني القرآن للزجاج: 4/ 74.
ونقله النحاس في إعراب القرآن: 3/ 167 عن الزجاج، وكذا مكي في مشكل إعراب القرآن: 2/ 524.
قال الزجاج: «ويجوز أن يكون قوله: وَعِبادُ الرَّحْمنِ رفعا بالابتداء، وخبره الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً.
وقال أبو حيان في البحر المحيط: 6/ 512: «والظاهر أن وَعِبادُ مبتدأ، والَّذِينَ يَمْشُونَ الخبر» اه.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 19/ 34 عن عكرمة، والحسن.
(3) عن معاني القرآن للزجاج: 4/ 74.
(4) نص هذا القول في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 315، وتمامه: «لا رفث فيه، ولا هجر» .
وأخرج نحوه الطبري في تفسيره: 19/ 35 عن مجاهد.
(5) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 80، وغريب القرآن لليزيدي: 279، وتفسير الطبري:
19/ 35، والمفردات للراغب: 360.
(6) هذا قول سيبويه في الكتاب: 3/ 87، وهو في معاني القرآن للزجاج: 4/ 76، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 168، وتفسير القرطبي: 13/ 77 عن سيبويه أيضا.
وقراءة الجزم لنافع، وأبي عمرو، وحمزة، والكسائي، وعاصم في رواية حفص.
وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم يضاعف بالرفع.
السبعة لابن مجاهد: 467، والتبصرة لمكي: 276، والتيسير للداني: 164.
قال مكي في مشكل إعراب القرآن: 2/ 526: «من جزم جعله بدلا من يَلْقَ لأنه جواب الشرط ولأن لقاء الأثام هو تضعيف العذاب والخلود فأبدل منه، إذ المعنى يشتمل بعضه على بعض، وعلى هذا المعنى يجوز بدل الأفعال بعضها من بعض، فإن تباينت معانيها لم يجز بدل بعضها من بعض» .
وانظر حجة القراءات: 514، والكشف لمكي: 2/ 147، والبيان لابن الأنباري:
2/ 209.(2/617)
إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)
70 يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ: يغيّر أعمالهم أو يبدلها بالتوبة والندم على فعلها حسنات.
72 مَرُّوا كِراماً: أي: مرّ الكرماء الذين لا يرضون باللّغو ومخالطة أهله.
73 لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها: لم يسقطوا عليها.
صُمًّا وَعُمْياناً: بل سجّدا وبكيا.
[70/ ب] وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً: توحيده على المصدر «1» ، أمّ إماما/ كقام قياما أو هو جمع آم كقائم وقيام، أو إمام نفسه جمع إمام، وإن كان على لفظه كقولهم: درع دلاص «2» وأدرع دلاص، وناقة هجان «3» ونوق هجان،
__________
(1) ينظر هذا المعنى في الكشاف: 3/ 1040، والتبيان للعكبري: 2/ 992، وتفسير القرطبي:
13/ 83.
(2) درع دلاص: براقة ملساء لينة بينة الدّلص، ويقال: درع دلاص وأدرع دلاص، الواحد والجمع على لفظ واحد» .
انظر الصحاح: 3/ 1040، واللسان: 7/ 37 (دلص) .
(3) الهجان من الإبل: البيض الكرام ويستوي فيه المذكر والمؤنث والجمع، يقال: بعير هجان وناقة هجان.
وفي اللسان: 13/ 431 (هجن) عن ابن سيده: «الهجان من الإبل البيضاء الخالصة اللون» .
وانظر تهذيب اللغة: 6/ 58، والصحاح: 6/ 2216 (هجن) .(2/618)
قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)
وفقهه أنه يكسر فعيل على فعال كثيرا، فيكسر فعال على فعال أيضا لأنّ فعيلا وفعالا أختان كلاهما ثلاثي الأصل وثالثة حرف لين، وقد اعتقبا أيضا على الشيء الواحد، نحو عبيد وعباد، وكليب وكلاب.
77 ما يَعْبَؤُا بِكُمْ: ما يصنع بكم «1» ، أو أيّ وزن يكون لكم «2» ؟.
لَوْلا دُعاؤُكُمْ: رغبتكم إليه وطاعتكم له، أو دعاؤه إياكم إلى طاعته.
وقيل «3» : ما يصنع بعذابكم لولا ما تدعون من دونه.
فَقَدْ كَذَّبْتُمْ: على القول [الأول] «4» قصّرتم في طاعتي «5» .
لِزاماً: عذابا لازما.
__________
(1) هذا قول الفراء في معانيه: 2/ 275، وذكره الطبري في تفسيره: 19/ 55.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 169 عن مجاهد، وابن زيد.
ونقل الفخر الرازي في تفسيره: 24/ 116 عن الخليل: «ما أعبأ بفلان، أي: ما أصنع به.
كأنه يستقله ويستحقره» .
(2) في معاني القرآن للزجاج: 4/ 78: «وتأويل: ما يَعْبَؤُا بِكُمْ أي: أيّ وزن يكون لكم عنده، كما تقول: ما عبأت بفلان، أي: ما كان له عندي وزن ولا قدر.
وأصل العبء في اللغة الثقل، ومن ذلك: عبأت المتاع جعلت بعضه على بعض» .
وانظر هذا المعنى في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 82، وتفسير الطبري: 19/ 55، والكشاف: 3/ 103، والمفردات: 320.
(3) ذكر نحوه ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: 438، فقال: «في هذه الآية مضمر، وله أشكلت، أي: ما يعبأ بعذابكم ربي لولا ما تدعونه من دونه من الشريك والولد. ويوضح ذلك قوله: فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً، أي: يكون العذاب لمن كذب ودعا من دونه إلها لازما» اه.
وأشار الطبري في تفسيره: 19/ 57 إلى قول ابن قتيبة فقال: «وقد كان بعض من لا علم له بأقوال أهل العلم يقول في تأويل ذلك: قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ما تدعون من دونه من الآية والأنداد.
وهذا قول لا معنى للتشاغل به لخروجه عن أقوال أهل العلم من أهل التأويل» . [.....]
(4) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 169، وقال: «مأخوذ من قولهم: قد كذب في الحرب، إذا قصّر» .(2/619)
إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9) وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13)
ومن سورة الشعراء
4 فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ: جماعاتهم، عن عنق من النّاس:
جماعة «1» .
وقيل «2» : رؤساؤهم، ومن حملها على ظاهرها استعارة فتذكيرها للإضافة إلى المذكر.
ومعنى «ظلت» تظلّ، والماضي في الجزاء بمعنى المستقبل، كقولك:
إن زرتني أكرمتك، أي: أكرمك «3» .
7 زَوْجٍ كَرِيمٍ: منتفع به، ك الكريم في النّاس: النّافع المرضيّ، ومعنى الزوج: كلّ نوع معه قرينه من أبيض وأحمر وأصفر، ومن حلو وحامض، ومن رائحة مسكيّة وكافوريّة.
13 فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ: ليعينني ويؤازرني «4» .
__________
(1) ذكر الأخفش هذا القول في معانيه: 2/ 644، وقال الزجاج في معانيه: 4/ 83: «وجاء في اللغة: جماعاتهم، يقال: جاء لي عنق من الناس، أي: جماعة» .
(2) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 277، والطبري في تفسيره: 19/ 59، ونقله البغوي في تفسيره: 3/ 381، والقرطبي في تفسيره: 13/ 89 عن مجاهد.
وانظر المفردات للراغب: 350، وزاد المسير: 6/ 116.
(3) ينظر معاني القرآن للأخفش: 2/ 644، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 174، والبحر المحيط: 7/ 5.
(4) قال الفراء في معانيه: 2/ 278: «ولم يذكر معونة ولا مؤازرة. وذلك أن المعنى معلوم كما تقول: لو أتاني مكروه لأرسلت إليك، ومعناه: لتعينني وتغيثني وإذا كان المعنى معلوما طرح منه ما يرد الكلام إلى الإيجاز» .(2/620)
فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17) قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22) قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36)
16 إنَّا رَسُولُ
: يذكر الرسول بمعنى الجمع «1» ، أو كلّ واحد منا رسول «2» .
أو هو في موضع رسالة فيكون صفة بمعنى المصدر «3» .
20 وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ: الجاهلين «4» بأنّها تبلغ القتل. ومعنى إِذاً: إذ ذاك «5» .
19 وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ: أي: بحق نعمتي وتربيتي «6» .
22 وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ: كأنّه اعترف بنعمته أن «7» لم يستعبده كما استعبدهم، أو هو على الإنكار «8» ، وتقدير الاستفهام، كأنه: أو تلك نعمة؟ أي: تربيتك نفسا مع إساءتك إلى الجميع.
32 ثُعْبانٌ مُبِينٌ: أي: وجه الحجة به.
36 أَرْجِهْ «9» : أخّره واحبسه.
__________
(1) ذكره اليزيدي في غريب القرآن: 281، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 316.
(2) أورده الماوردي في تفسيره: 3/ 172، وقال: «ذكره ابن عيسى» .
وذكره البغوي في تفسيره: 3/ 382 دون عزو، وكذا الزمخشري في الكشاف: 3/ 108.
(3) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 84، وذكره اليزيدي في غريب القرآن: 281، ونقله ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 316 عن أبي عبيدة.
وانظر تفسير الطبري: 19/ 65، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 85، وتفسير الماوردي:
3/ 172.
(4) تفسير الطبري: 19/ 67، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 86، وتفسير الماوردي: 3/ 172.
والضمير في قول المؤلف: «بأنها» يرجع إلى الضربة التي قتل بها موسى عليه السلام القبطي.
(5) تفسير القرطبي: 13/ 95.
(6) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 279، وتفسير الطبري: 19/ 66، ومعاني الزجاج: 4/ 86.
(7) في «ك» : أنه، وفي معاني القرآن للفراء: 2/ 279: «يقول: هي- لعمري- نعمة إذ ربيتني ولم تستعبدني كاستعبادك بني إسرائيل. ف «أن» تدل على ذلك» .
(8) ذكره الزجاج في معانيه: 4/ 86. [.....]
(9) تقدم بيان معنى هذه اللفظة عند تفسير قوله تعالى: قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ ... فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ [الأعراف: آية: 111] .(2/621)
إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)
[71/ أ] لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ «1» : أي: كلّ واحد/ قليل ذليل، فجمع على المعنى «2» .
وشرذمة كلّ شيء: بقيّته «3» ، وكانوا ستمائة ألف وسبعين ألفا «4» .
56 حذرون «5» : متيقظون «6» ، وحاذِرُونَ: مستعدون بالسلاح ونحوه «7» .
وأصل «فعل» للطبع و «فاعل» للتكلّف «8» .
60 مُشْرِقِينَ: داخلين في وقت شروق الشّمس وهو طلوعها «9» .
__________
(1) من قوله تعالى: إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ [آية: 54] .
(2) ينظر تفسير الطبري: 19/ 75، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 91، وتفسير الماوردي:
3/ 174.
(3) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 86، وتفسير الطبري: 19/ 74، والمحرر الوجيز:
11/ 111.
(4) ورد هذا القول في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 19/ 75 عن ابن مسعود رضي الله عنه، وكذا ابن أبي حاتم في تفسيره: 100 (سورة الشعراء) .
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 295، وزاد نسبته إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن مسعود.
وانظر معاني القرآن للزجاج: 4/ 91، وتفسير الماوردي: 3/ 174، ومفحمات الأقران:
151.
(5) «حذرون» بغير ألف، قراءة أبي عمرو بن العلاء، ونافع، وابن كثير.
السبعة لابن مجاهد: 471، والتبصرة لمكي: 278، والتيسير لأبي عمرو الداني: 165.
(6) ينظر معاني القرآن للزجاج: 4/ 92، وحجة القراءات: 517، وتفسير الماوردي:
3/ 175.
(7) «حاذرون» بألف، قراءة عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، كما في السبعة لابن مجاهد: 471، والتيسير للداني: 165.
(8) معاني القرآن للفراء: 2/ 280، وغريب القرآن لليزيدي: 282، وتفسير الطبري:
19/ 77، والكشف لمكي: 2/ 151.
(9) تفسير الماوردي: 3/ 175.(2/622)
فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)
63 كُلُّ فِرْقٍ: كلّ جزء انفرق منه. والفرق والفريقة: القطيع من الغنم يشذّ عن معظمها «1» .
64 وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ: قرّبناهم إلى البحر- بحر القلزم «2» - الذي يسلك النّاس فيه من اليمن ومكة إلى مصر.
66 ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ: الآخر الثاني من قسمي أحد، كقولك: أعطي أحدهما وحرم الآخر، والآخر الثاني من قسمي الأول تقول: أعطي الأول وحرم الآخر.
67 وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ: أي: لم يؤمن أكثرهم مع هذا البرهان فلا تستوحش أيّها المحق «3» .
77 فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ: أي: إلّا من عبد ربّ العالمين «4» .
82 أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي: على التلطف فيما هو كائن كالعلم إذا جاء على المظاهرة في الحجاج ذكر بالظن، أي: يكفي في مثله الظن «5» .
84 لِسانَ صِدْقٍ: ثناء حسنا، أو خلفا يصدّق بالحق بعدي، وهو محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون «6» به.
__________
(1) ذكره الزجاج في معانيه: 4/ 92، وابن الجوزي في زاد المسير: 6/ 126.
ينظر الصحاح: (4/ 1542، 1543) ، واللسان: 10/ 304 (فرق) .
(2) وهو المعروف الآن بالبحر الأحمر.
(3) قال الفخر الرازي- رحمه الله- في تفسيره: 24/ 141: «وفي ذلك تسلية له (أي النبي صلى الله عليه وسلم) فقد كان يغتم بتكذيب قومه مع ظهور المعجزات عليه فنبهه الله تعالى بهذا الذكر على أن له أسوة بموسى وغيره، فإن الذي ظهر على موسى من هذه المعجزات العظام التي تبهر العقول لم يمنع من أن أكثرهم كذبوه وكفروا به مع مشاهدتهم لما شاهدوه في البحر وغيره. فكذلك أنت يا محمد لا تعجب من تكذيب أكثرهم لك واصبر على إيذائهم فلعلهم أن يصلحوا ويكون في هذا الصبر تأكيد الحجة عليهم» اه.
(4) ذكر البغوي هذا القول في تفسيره: 3/ 389 عن الحسين بن الفضل. [.....]
(5) ينظر تفسير الفخر الرازي: 24/ 145.
(6) ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز: 11/ 125 عن مكي، ثم قال: «وهذا معنى حسن إلا أن لفظ الآية لا يعطيه إلا بتحكم في اللفظ» .(2/623)
وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104) كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122) كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137)
86 وَاغْفِرْ لِأَبِي: اجعله من أهل المغفرة.
89 بِقَلْبٍ سَلِيمٍ: مسلم أو سالم من الشّكّ «1» ، والجوارح إنّما تسلم بسلامة القلب.
94 فَكُبْكِبُوا: قلبوا بعضهم على بعض «2» ، أو كبّوا وأسقطوا على وجوههم «3» ، وحقيقته تكرر الانكباب «4» .
98 نُسَوِّيكُمْ: نشرككم في العبادة.
101 صَدِيقٍ حَمِيمٍ: قريب. حمّ الشّيء: قرب «5» ، أو الصّديق: الذي يصدق في المودّة، والحميم: الذي يحمي لغضب صاحبه «6» .
128 رِيعٍ: مكان مشرف «7» ، آيَةً: بناء يكون لارتفاعه كالعلامة.
137 خُلُقُ «8» الْأَوَّلِينَ: خرصهم واختلاقهم «9» ، وإن أراد الإنشاء
__________
(1) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 19/ 87 عن مجاهد.
وقال البغوي في تفسيره: 3/ 390: «أي خالص من الشرك والشك، فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد، هذا قول أكثر المفسرين» .
(2) غريب القرآن لليزيدي: 282، ومعاني الزجاج: 4/ 94، ومعاني النحاس: 5/ 89.
(3) ذكره الطبري في تفسيره: 19/ 88، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 179 عن ابن زيد، وقطرب.
وانظر المفردات للراغب: 420، وتفسير القرطبي: 13/ 116.
(4) هذا قول الزجاج في معانيه: 4/ 94، ونص كلامه: «ومعنى «كبكبوا» طرح بعضهم على بعض، وقال أهل اللغة: معناه هوّروا، وحقيقة ذلك في اللغة تكرير الانكباب كأنه إذا ألقى ينكبّ مرة بعد مرة حتى يستقر فيها يستجير بالله منها» .
وانظر اللسان: 1/ 697 (كبب) ، وزاد المسير: 6/ 132.
(5) الصحاح: 5/ 1904، واللسان: 12/ 152 (حمم) .
(6) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 180 عن ابن عيسى.
(7) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 88، وغريب القرآن لليزيدي: 283، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 318، وتفسير الطبري: 19/ 93، والمفردات للراغب: 208.
(8) بفتح الخاء المعجمة وإسكان اللام، قراءة الكسائي، وأبي عمرو، وابن كثير.
السبعة لابن مجاهد: 472، والتبصرة لمكي: 278، والتيسير للداني: 166.
(9) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 281، وتفسير الطبري: 19/ 97، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 97.(2/624)
وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153)
فالمعنى: ما خلقنا إلا كخلق الأولين ونراهم يموتون ولا يبعثون.
و «خلق «1» الأولين» بالضّم: عادتهم في ادعاء الرسالة «2» ، فيرجع الضمير إلى الأنبياء أو إلى آبائهم، أي: تكذيبنا لك كتكذيب آبائنا للأنبياء.
148 طَلْعُها/ هَضِيمٌ «3» : منضمّ منفتق انشق عن البسر لتراكب «4» بعضه بعضا.
149 فرهين «5» : أشرين، وفارهين: حاذقين «6» .
153 الْمُسَحَّرِينَ: المسحورين مرّة بعد أخرى «7» . وقيل: المعلّلين بالطعام والشراب.
ولم يقل في شعيب: أخوهم «8» ، لأنه لم يكن من نسبهم «9» .
__________
(1) بضم الخاء واللام، قراءة نافع، وابن عامر، وعاصم، وحمزة.
(2) ينظر معاني الفراء: 2/ 281، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 97، والبحر المحيط: (7/ 33، 34) .
(3) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 319: «والهضيم: الطلع قبل أن تنشق عنه القشور وتنفتح. يريد: أنه منضم مكتنز. ومنه قيل: أهضم الكشحين، إذا كان منضمهما» . [.....]
(4) في «ج» : كتراكب.
(5) «فرهين» بغير ألف قراءة ابن كثير، ونافع وأبي عمرو، وقرأ عاصم وابن عامر، وحمزة، والكسائي «فارهين» بألف.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 472، والتبصرة لمكي: 278، والتيسير للداني: 166.
(6) راجع هذا المعنى، وتوجيه القراءتين في معاني القرآن للفراء: 2/ 282، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 88.
(7) ذكره الزجاج في معانيه: 4/ 97 فقال: «وجائز أن يكون من المسحرين، من «المفعلين» من السحر، أي ممن قد سحر مرة بعد مرة» .
وانظر تفسير الطبري: 19/ 102، وتفسير الماوردي: 3/ 183.
(8) إشارة إلى قوله تعالى: إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ [آية: 177] .
(9) قال ابن الجوزي في زاد المسير: 6/ 141: «إن قيل: لم لم يقل: أخوهم كما قال في الأعراف؟ (آية: 85) ، فالجواب: أن شعيبا لم يكن من نسل أصحاب الأيكة، فلذلك لم يقل: أخوهم، وإنما أرسل إليهم بعد أن أرسل إلى مدين، وهو من نسل مدين، فلذلك قال هناك: أخوهم» .
وانظر تفسير البغوي: 3/ 397، وتفسير القرطبي: 13/ 135.(2/625)
وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191) وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198)
182 بِالْقِسْطاسِ: بالميزان «1» ، وقيل «2» : بالعدل.
189 يَوْمِ الظُّلَّةِ: أظلهم سحاب فاستظلّوا بها من حرّ نالهم فأطبق عليهم فاحترقوا «3» .
193- قوله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ: جبريل عليه السلام لأنّ الأرواح تحيى بما ينزله من البركات، أو لأنّ جسمه رقيق روحانيّ، أو الحياة أغلب عليه فكأنّه روح كله.
عَلى قَلْبِكَ: أي: نزل عليه فوعاه فثبت فيه فلا ينساه.
197 أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ: أَنْ يَعْلَمَهُ اسم كان، وآيَةً خبرها، أي: أو لم يكن علم علماء بني إسرائيل ومن آمن منهم بمحمد- عليه السلام- آية لهم؟.
198 عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ: أي: إذا لم يؤمنوا به وأنفوا، كذلك حالهم، وقد أنزلنا عليهم وسلكناه في قلوبهم، أي: هم معاندون.
وحكى [محمد] «4» بن أبي موسى قال: كنت واقفا بعرفات مع عبد الله بن مطيع «5» فقرأت هذه الآية، فقال: لو أنزل على جملي هذا وعلى كلّ
__________
(1) ذكره الطبري في تفسيره: 19/ 108، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 183 عن الأخفش، والكلبي.
(2) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 90، وغريب القرآن لليزيدي: 284، والمفردات للراغب: 403.
(3) ينظر تفسير الطبري: (19/ 109، 110) ، وتفسير ابن كثير: 6/ 170، والدر المنثور: 6/ 320.
(4) في الأصل ونسخة «ك» و «ج» : عمر بن أبي موسى، والتصويب من تفسير الطبري:
19/ 114، والتاريخ الكبير للبخاري: 1/ 236، وتهذيب التهذيب: 9/ 483.
(5) هو عبد الله بن مطيع بن الأسود بن حارثة القرشي العدوي المدني، صحابي جليل.
أمره ابن الزبير على الكوفة، وقتل معه بمكة سنة ثلاث وسبعين للهجرة.
ينظر ترجمته في الاستيعاب: 3/ 994، وأسد الغابة: 3/ 393، والإصابة: 5/ 25.
وأشار الحافظ ابن حجر إلى هذا الأثر عن عبد الله بن مطيع، وعزا إخراجه إلى البغوي من طريق داود بن أبي هند عن محمد بن أبي موسى.
ووصف هذا الأثر بأنه موقوف.(2/626)
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220) هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)
دابّة عجماء فقرأ عليهم ما كانوا به مؤمنين «1» .
214 وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ: خصّهم لأنّه يمكنه أن يجمعهم.
أو الإنسان يساهل قرابته، فأمر بإنذارهم من غير تليين، أو ليعلموا أنّه لا يغني عنهم من الله شيئا «2» .
218 يَراكَ
: رؤية الله الإدراك بما يغني عن بصره «3» .
219 وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ: ليكفيك كيد من يعاديك.
223 يُلْقُونَ السَّمْعَ: الكهنة «4» .
225 يَهِيمُونَ: يجارون ويكذبون «5» .
227 وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا: شعراء المسلمين نافحوا عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال عليه السلام لحسّان: «اللهم أيده بروح القدس» «6» .
__________
(1) أخرج نحوه الطبري في تفسيره: 19/ 114 عن عبد الله بن مطيع موقوفا.
(2) يدل عليه الحديث الذي أخرجه الإمامان البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، قال: يا معشر قريش- أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم لا أغنى عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف لا أغنى عنكم من الله شيئا يا عباس بن عبد المطلب لا أغنى عنك من الله شيئا ... » .
الحديث في صحيح البخاري: 6/ 17، كتاب التفسير، باب قوله: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، وصحيح مسلم: (1/ 192، 193) ، كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى:
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ.
(3) الأولى إجراء هذه الصفة على ظاهرها بما يليق بجلاله، ولا داعي لمثل هذا التأويل. [.....]
(4) أي أن الشياطين يسترقون السمع ثم يلقون ما سمعوه إلى أوليائهم من الإنس وهم الكهنة.
ينظر تفسير الطبري: 19/ 125، وتفسير البغوي: 3/ 402، وزاد المسير: 6/ 149.
(5) تفسير الطبري: 19/ 128، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 104.
(6) أخرجه الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- في صحيحه: 4/ 79، كتاب بدء الخلق، باب «ذكر الملائكة صلوات الله عليهم» .
والإمام مسلم- رحمه الله تعالى- في صحيحه: 4/ 1933، كتاب فضائل الصحابة، باب «فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه» .(2/627)
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)
ومن سورة النمل
6 لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ: يقال: لقّاني كذا: أعطاني «1» ، فتلقّيته منه: قبلته.
7 بِشِهابٍ قَبَسٍ: مقبوس، أو ذي قبس على الوصف «2» .
وبالإضافة «3» يكون الشهاب قطعة من القبس «4» ، و «القبس» النار، كقولك/: ثوب خزّ «5» .
8 نُودِيَ أَنْ بُورِكَ: نودي موسى أنه قدّس من في النّار.
مَنْ إما صلة «6» ، أو بمعنى «ما» ، أي: ما في النار من النور أو
__________
(1) ينظر تفسير الماوردي: 3/ 188، والمحرر الوجيز: 11/ 168، واللسان: 15/ 255 (لقا) .
(2) أي أن «القبس» صفة ل «شهاب» ، وهي قراءة التنوين لعاصم، وحمزة، والكسائي.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 478، والتبصرة لمكي: 281، والتيسير للداني: 167، والكشف لمكي: 2/ 154.
(3) قراءة نافع، وابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر.
(4) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 322، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 199.
(5) أخرج الطبريّ هذا القول في تفسيره: 19/ 133 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 189 عن ابن عباس أيضا، وكذا البغوي في تفسيره:
3/ 407، ونقله القرطبي في تفسيره: 13/ 158 عن ابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير.
(6) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير: 6/ 155 عن مجاهد.
وقال القرطبي في تفسيره: 13/ 158: «وحكى أبو حاتم أن في قراءة أبيّ، وابن عباس، ومجاهد «أن بوركت النار ومن حولها» .
قال النحاس: «ومثل هذا لا يوجد بإسناد صحيح، ولو صح لكان على التفسير، فتكون البركة راجعة إلى النار، ومن حولها إلى الملائكة وموسى» .(2/628)
وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)
الشجرة التي في النار، وكانت تزداد على اشتعال النار اخضرارا.
وقيل «1» : بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ: أي: الملائكة، وَمَنْ حَوْلَها: أي:
موسى.
أو بورك من في طلب النّار، وَمَنْ حَوْلَها، من الملائكة «2» .
أو بورك من في النار سلطانه وكلامه، فيكون التقديس لله المتعالي عن المكان والزمان.
وفي التوراة «3» : جاء الله من سيناء وأشرق من [ساعير] «4» واستعلن من فاران.
أي: منها جاءت آيته ورحمته حيث كلّم موسى بسيناء، وبعث عيسى من [ساعير] ومحمدا من فاران جبال مكة «5» .
10 وَلَمْ يُعَقِّبْ: لم يرجع ولم يلتفت، من «العقب» «6» .
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 189.
(2) ذكره القرطبي في تفسيره: 13/ 159.
(3) سفر التثنية، الإصحاح الثالث والثلاثون، ص 280، والنص هناك: «وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته، فقال: جاء الربّ من سيناء، وأشرق من سعير، وتلألأ من جبل فاران، وأتى من ربوات القدس ... » ، وأورد البغوي في تفسيره:
3/ 407 هذا النص عن التوراة ولم يعلق عليه، وكذا ابن عطية في المحرر الوجيز:
(11/ 173، 174) وعزاه إلى الثعلبي.
(4) في الأصل: «ساعين» ، والمثبت في النص من «ك» و «ج» ، وفي معجم البلدان: 3/ 171:
«ساعير: في التوراة اسم لجبال فلسطين ... وهو من حدود الروم وهو قرية من الناصرية بين طبرية وعكا» .
(5) قال ياقوت في معجم البلدان: 4/ 225: «فاران: بعد الألف راء، وآخره نون، كلمة عبرانية معربة، وهي من أسماء مكة ذكرها في التوراة. وقيل: هو اسم لجبال مكة» . [.....]
(6) وهو مؤخر الرجل.
ينظر هذا المعنى في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 92، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة:
322، وتفسير الطبري: 19/ 136، والمفردات للراغب: 340، واللسان: 1/ 614 (عقب) .(2/629)
إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)
11 إِلَّا مَنْ ظَلَمَ: استثناء منقطع، أي: لكن من ظلم من غيرهم لأنّ الأنبياء لا يظلمون.
12 وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ: كان عليه مدرعة «1» صوف بغير كمين «2» .
13 مُبْصِرَةً: مبصّرة من البصيرة، أبصرته وبصّرته، مثل: أكذبته وكذبته أو ذوات بصر نحو أمر مبين، أي: ذو بيان.
16 وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ: أي: ملكه ونبوّته «3» ، وكانت له تسعة عشر ولدا «4» .
عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ: كان يفهمهم «5» كما يتفاهم بعضها عن بعض وكما يفهم بكاء الفرح من بكاء الحزن.
وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: يؤتاه الأنبياء والناس «6» .
17 وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ: كان معسكره مائة فرسخ
__________
(1) أي: القميص.
النهاية: 2/ 114، واللسان: 8/ 82 (درع) .
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 19/ 138 عن مجاهد، وكذا ابن أبي حاتم في تفسيره: 86 (سورة النمل) .
(3) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 288، وأخرجه الطبري في تفسيره: 19/ 141 عن قتادة، وكذا ابن أبي حاتم في تفسيره: 111 (سورة النمل) .
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 344، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
وذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره: 6/ 192، ثم قال: «وليس المراد وراثة المال إذ لو كان كذلك لم يخص سليمان وحده من بين سائر أولاد داود، فإنه كان لداود مائة امرأة، ولكن المراد بذلك وراثة الملك والنبوة فإن الأنبياء لا تورث أموالهم، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه» .
(4) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 288، والبغوي في تفسيره: 3/ 408، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 191 عن الكلبي.
(5) في «ج» : كان يفهم عنهم.
(6) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 4/ 111، وانظر تفسير البغوي: 3/ 410.(2/630)
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)
[خمسة] «1» وعشرون للإنس، ومثلها للجن، ومثلاها للطير والوحش «2» .
فَهُمْ يُوزَعُونَ: يكفّون ويحبسون، أي: يحبس أولهم على آخرهم «3» .
ومعرفة تلك النّملة لسليمان «4» ، وحديث هدهد، على اختصاصهما به وحدهما في زمن نبيّ بما يكون معجزة له، بمنزلة كلام الذئب «5» وكلام الصّبيّ في المهد، وأمّا من كلّ نوع من الحيوان وفي كل زمن فلا فضل في معارف العجم منها على خاص مصالحها.
19 أَوْزِعْنِي: ألهمني، وحقيقته: كفّني عن الأشياء إلّا عن شكرك «6» .
20 وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ: هذا التفقد منه أدب/ للملوك والأكابر في
__________
(1) في الأصل: «خمس» ، والمثبت في النص من «ك» .
(2) أخرج نحوه الطبريّ في تفسيره: 19/ 141 عن محمد بن كعب، وأخرجه الحاكم في المستدرك: 2/ 589، كتاب التاريخ، باب «ذكر نبي الله سليمان بن داود وما آتاه الله من الملك صلى الله عليه وسلم» .
(3) عن معاني القرآن للزجاج: 4/ 112، وقال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 323:
«وأصل «الوزع» : الكفّ والمنع. يقال: وزعت الرجل: إذا كففته. و «وازع الجيش» هو الذي يكفهم عن التفرق، ويردّ من شذّ منهم» .
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 92، وغريب القرآن لليزيدي: 286، وتفسير الطبري:
19/ 141، والمفردات للراغب: 521.
(4) يريد قوله تعالى: حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [آية: 18] .
(5) ثبت ذلك في حديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 4/ 149، كتاب الأنبياء عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وذلك أن ذئبا اختطف شاة من الغنم أيام مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتزعها الراعي منه، فقال الذئب: من لها يوم السّبع.
وأما كلام الصّبي في المهد فمنه معجزة عيسى عليه الصلاة والسلام. قال تعالى: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ [سورة آل عمران: آية: 46] .
(6) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: (4/ 112، 113) ، وانظر معاني القرآن للفراء:
2/ 289، وغريب القرآن لليزيدي: 286، وتفسير الطبري: 19/ 143، والمفردات للراغب: 522.(2/631)
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)
استشفاف «1» أمر الجند ومقابلة من أخلّ منهم بمكانه من الإمكان بما يستحقه.
21 لَيَأْتِيَنِّي: إن كانت النون ثقيلة مشاكلة لقوله: لَأُعَذِّبَنَّهُ، فحذفت إحداهما استثقالا، وإن كانت الخفيفة فلا حذف، ولكن أدغمت في نون الإضافة «2» .
22 مِنْ سَبَإٍ: صرفه لأنّه في الأصل اسم رجل غلب على اسم البلد «3» .
25 أَلَّا يَسْجُدُوا: ألا يا، ثم استؤنف وقال: اسجدوا، وليست «يا» للنداء «4» [بل استعملت للتنبيه كقول الشاعر:
ألا يا اسلمي ذات الدماليج والعقد
] «5» .
وقريء: أَلَّا «6» يَسْجُدُوا أي: زيّن الشّيطان أعمالهم لئلا يسجدوا.
__________
(1) بمعنى النظر في أمرهم.
اللسان: 9/ 180 (شفف) . [.....]
(2) ينظر هذا المعنى في إعراب القرآن للنحاس: (3/ 202، 203) ، والكشف لمكي:
2/ 155.
وقراءة التشديد لابن كثير، وقرأ باقي السبعة بالتخفيف.
السبعة لابن مجاهد: 479، والتيسير للداني: 167.
(3) ينظر تفسير الطبري: 19/ 147، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 114، والتبيان للعكبري:
2/ 1007، والبحر المحيط: 7/ 66.
(4) ورد هذا التوجيه على قراءة التخفيف، وهي للكسائي من السبعة، وهي أيضا قراءة أبي جعفر، ويعقوب في رواية رويس عنه، وهما من العشرة.
قال الزجاج في معانيه: 4/ 115: «من قرأ بالتخفيف ف «ألا» لابتداء الكلام والتنبيه، والوقوف عليه «ألايا» ، ثم يستأنف فيقول: اسجدوا لله» .
وانظر السبعة لابن مجاهد: 480، والغاية في القراءات العشر لابن مهران: 226، والكشف لمكي: 2/ 156، والنشر: 3/ 226.
(5) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» ، والبيت في البحر: 7/ 68 غير منسوب، وفي اللسان:
2/ 276 (دمج) : الدملجة تسوية الشيء كما يدملج السوار. دملج الشّيء: إذا سوّاه وأحسن صنعته.
(6) في الأصل: «أن لا» ، وأثبت رسم المصحف، والتوجيه الذي ذكره المؤلف ورد لقراءة التشديد، وعلى هذه القراءة القراء السبعة إلا الكسائي.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 480، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 115، وحجة القراءات:
527، والكشف لمكي: 2/ 157، والبحر المحيط: 7/ 68.(2/632)
أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)
31 أَلَّا «1» تَعْلُوا: موضع «أن» رفع على البدل من [كِتابٌ، أو نصب، بمعنى: بأن لا تعلوا «2» .
25 يُخْرِجُ الْخَبْءَ: غيب السّماوات والأرض «3» .
وقيل «4» : خبء السماوات المطر، وخبء الأرض النبات.
فِي السَّماواتِ: أي: منها، لأنّ ما أخرج من شيء فهو فيه قبله.
40 الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ: رجل من الإنس عنده علم اسم الله الأعظم الذي هو: يا إلهنا وإله الخلق جميعا إلها واحدا لا إله إلّا «5» أنت. وكان يجاب دعوته معجزة لسليمان.
قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ: أي: تديم النّظر حتى يرتدّ الطّرف كليلا «6» .
__________
(1) في الأصل: «أن لا» ، والمثبت موافق لرسم المصحف.
(2) إعراب القرآن للنحاس: 3/ 209، والبيان لابن الأنباري: (2/ 221، 222) ، والتبيان للعكبري: 2/ 1008.
(3) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 291.
(4) معاني القرآن للفراء: 2/ 291، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 324، وتفسير الطبري:
19/ 150.
(5) أخرجه الطبري في تفسيره: 13/ 163 عن الزهري، وكذا ابن أبي حاتم في تفسيره: 247 (سورة النمل) ، وفي إسناديهما عثمان بن مطر الشيباني، وهو ضعيف كما في التقريب:
386.
(6) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 19/ 164 عن مجاهد، وكذا ابن أبي حاتم بإسناد صحيح، ينظر تفسيره: 253 (سورة النمل) .
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 361، وزاد نسبته إلى الفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد.(2/633)
وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49)
وقيل «1» : هو على المبالغة في السرعة.
و «العفريت» «2» : النافذ في الأمر مع خبث ونكر «3» .
وفي الحديث «4» : «إنّ الله يبغض العفرية «5» النّفرية» ، أي: الداهي الخبيث.
43 وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ: عن أن تهتدي للحق «6» . وقيل «7» : صدها سليمان عما كانت تعبد.
47 تُفْتَنُونَ: تمتحنون بطاعة الله ومعصيته.
49 تَقاسَمُوا: تحالفوا.
51 إنا دمرناهم: على الاستئناف «8» ، أو معناه بيان العاقبة، أي: انظر أيّ شيء كان عاقبة مكرهم، ثم يفسّره إنا دمرناهم.
ويقرأ أَنَّا «9» بمعنى لأنا دمّرناهم، أو على البدل من كَيْفَ.
__________
(1) تفسير الفخر الرازي: 24/ 198.
(2) من قوله تعالى: قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ [آية: 39] .
(3) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 294، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 324، وغريب الحديث للخطابي: 1/ 249، واللسان: 4/ 586 (عفر) . [.....]
(4) أورده الحافظ ابن حجر في المطالب العالية: 2/ 341، كتاب الطب، باب «كفارات المرض وثواب المريض» بلفظ: «إن الله يبغض العفريت النفريت ... » ، وهو من مسند الحارث بن أبي أسامة، رواه مرسلا.
والحديث باللفظ الذي أورده المؤلف- رحمه الله- في الفائق: 1/ 414، وغريب الحديث لابن الجوزي: 2/ 107، والنهاية: 3/ 262.
(5) في «ج» : العفريت النفرية.
(6) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 19/ 167 عن مجاهد، وذكره الماوردي في تفسيره:
3/ 203 دون عزو.
(7) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 295، والطبري في تفسيره: 19/ 168، والماوردي في تفسيره:
3/ 203.
(8) على قراءة كسر الهمزة، وهي لنافع، وابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 484، والتبصرة لمكي: 282، والتيسير للداني: 168.
(9) وهي قراءة عاصم، وحمزة، والكسائي كما في السبعة: 484.
وانظر توجيه هذه القراءة في حجة القراءات: 532، والكشف لمكي: 2/ 163، والبحر المحيط: 7/ 86.(2/634)
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58) قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)
52 خاوِيَةً: خالية، وهي حال، أي: انظر إليها خاوية.
وهذه البيوت بواد القرى بين المدينة والشّام «1» .
54 تُبْصِرُونَ: تعلمون أنها فاحشة فهي أعظم لذنوبكم.
وقيل: يرى ذلك بعضهم من بعض/ عتوا وتمرّدا.
56 فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا: نصب جَوابَ خبرا ل «كان» لأنّ النفي أحق بالخبر «2» .
يَتَطَهَّرُونَ: قالوه هزءا.
والحاجز بين البحرين «3» : المانع أن يختلطا، وفيه دليل على إمكان كف النّار عن الحطب حتى لا تحرقه ولا تسخّنه.
66 بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ [تدارك] «4» أدغمت التاء في الدال واجتلبت ألف الوصل «5» ، والمعنى إحاطة علمهم في الآخرة بها عند مشاهدتهم وكانوا في [شك] «6» منها. أو هو تلاحق علمهم وتساويه بالآخرة بما في العقول من وجوب جزاء الأعمال.
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ من وقت ورودها، بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ: تاركون مع ذلك التأمل.
__________
(1) في تاريخ الطبري: 1/ 204: «وكانت ثمود بالحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وما حوله» .
وانظر هذا الموضع في معجم البلدان: 5/ 345، والروض المعطار: 602.
(2) معاني القرآن للزجاج: 4/ 126.
(3) من قوله تعالى: وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً ... [آية: 61] .
(4) ما بين معقوفين عن هامش الأصل، وعن نسخة «ك» و «ج» .
(5) جاء بعده في إعراب القرآن للنحاس: 3/ 218: «لأنه لا يبتدأ بساكن، فإذا وصلت سقطت ألف الوصل وكسرت اللّام لالتقاء الساكنين» .
وانظر معاني القرآن للزجاج: 4/ 128، والكشف لمكي: 2/ 165.
(6) في الأصل: «شد» ، والمثبت في النص من «ك» .(2/635)
قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75) إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)
72 رَدِفَ لَكُمْ: تبعكم ودنا منكم «1» ، واللام تقتضي زيادة تتابع واتصال مع الدنوّ حتى فسّر ب «عجل لكم» «2» .
82 وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ: وجب الغضب [عليهم] «3» - أو حق القول بأنهم لا يؤمنون- أخذوا بمبادئ العقاب بإخراج الدابّة.
وسئل- عليّ رضي الله عنه- عن دابّة الأرض فقال: والله ما لها ذنب وإنّ لها للحية «4» . وقال ابن عباس «5» - رضي الله عنهما-: هي دابّة ذات زغب «6» وريش تخرج من وادي تهامة «7» .
وفي الحديث «8» : «يخرج..........
__________
(1) انظر غريب القرآن لليزيدي: 288، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 326، والمفردات للراغب: 193.
(2) أخرجه الطبري في تفسيره: 20/ 10 عن مجاهد، وأورده السيوطي في الدر المنثور:
6/ 375، وزاد نسبته إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن مجاهد.
وانظر معاني القرآن للزجاج: 4/ 128، وتفسير الماوردي: 3/ 209. [.....]
(3) المثبت عن «ك» ، وانظر هذا القول في معاني القرآن للفراء: 2/ 300، وتفسير الطبري: 20/ 13.
(4) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: 397 (تفسير سورة النمل) ، وإسناده ضعيف لأن فيه يونس بن بكير، وهو صدوق يخطئ، ولعنعنة ابن إسحاق عمن روى عنه دون تصريحه بالسماع، وهو معروف بالتدليس.
ينظر ترجمة يونس بن بكير في الجرح والتعديل: 9/ 236، والتقريب: 613.
وترجمة ابن إسحاق في التقريب: 467.
(5) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: 404 (تفسير سورة النمل) - بلفظ: «هي دابة ذات زغب وريش لها أربع قوائم ثم تخرج في بعض أودية تهامة» .
وإسناده صحيح ورجاله ثقات.
وأورد السيوطي هذا الأثر في الدر المنثور: 6/ 381، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، ونعيم بن حماد، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(6) الزّغب: صغار الريش ولينه، وقيل: هو دقاق الريش الذي لا يطول ولا يجود.
النهاية: 2/ 304، واللسان: 1/ 450 (زغب) .
(7) تهامة- بالكسر-: سهول ممتدة تساير البحر الأحمر من الجنوب إلى الشمال.
انظر معجم ما استعجم: 1/ 13، ومعجم البلدان: 2/ 63، والروض المعطار: 141.
(8) هذا جزء من حديث طويل أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: 396، (تفسير سورة النمل) عن علي رضي الله عنه واللفظ عنده: «لتخرج حضر الفرس ثلاثا، وما خرج ثلثاها» .
وفي إسناده الليث بن أبي سليم بن زنيم. قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب: 464:
«صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه فترك» .(2/636)
وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)
حضر «1» الفرس الجواد ثلاثا وما خرج ثلثها بعد» .
87 فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ: أسرع الإجابة «2» ، إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ:
من البهائم ومن لا ثواب له ولا عقاب.
ومن [حمله] «3» على الفزع بمعنى الخوف كان الاستثناء للملائكة والشهداء.
وفي الحديث «4» : «الشهداء ثنيّة الله في الخلق» : أي: استثناؤه فلا يصعقون وهم الأحياء المرزوقون.
89 مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ: أي: قال: لا إله إلّا الله «5» ، فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها:
أي: خيره كله منها، لا أنّ الجنّة خير من كلمة التوحيد.
88 وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً: أي: في يوم القيامة تجمع وتسيّر، وكلّ شيء عظم حتى غصّ به الهواء يكون في العين [واقفا وهو سائر] «6» .
صُنْعَ اللَّهِ: مصدر، وعامله معنى وَتَرَى الْجِبالَ: أي: صنع ذلك صنعا «7» .
__________
(1) في النهاية: 1/ 398: «الحضر- بالضم-: العدو، وأحضر يحضر فهو محضر إذا عدا» .
(2) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 212، ونقله القرطبي في تفسيره: 13/ 240 عن الماوردي.
(3) في الأصل: «حمل» ، والمثبت في النص عن «ك» و «ج» .
(4) ذكره البغوي في تفسيره: 3/ 431، وهو من قول كعب الأحبار كما في غريب الحديث لابن الجوزي: 1/ 130، والنهاية لابن الأثير: 1/ 225.
ونسب أيضا إلى سعيد بن جبير.
(5) تفسير الطبري: 20/ 22، وتفسير الماوردي: 3/ 213، وتفسير البغوي: 3/ 432.
(6) في الأصل و «ج» : «واقفة وهي سائرة» ، وأثبت ما أشار إليه الناسخ في نسخة أخرى.
وانظر هذا المعنى في تأويل مشكل القرآن: 4، وتفسير البغوي: 3/ 432، وتفسير القرطبي: 13/ 242.
(7) ينظر معاني القرآن للزجاج: 4/ 130، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 224، والبيان لابن الأنباري: 2/ 227.(2/637)
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)
ومن سورة/ القصص
[73/ أ]
4 شِيَعاً: فرقا، أي: فرّق بني إسرائيل فجعلهم خولا للقبط.
5 وَنُرِيدُ: واو الحال «1» ، أي: يريد فرعون أمرا في حال إرادتنا لضده. وفيه بيان أن سنتنا فيك وفي قومك كهي في موسى وفرعون.
7 وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى: ألهمناها «2» ، ويجوز رؤيا منام «3» .
فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ: أن يسمع جيرانك صوته «4» ، وكان موسى ولد في عام القتل، وهارون في عام الاستحياء إذ بنو إسرائيل تفانوا بالقتل «5» ،
__________
(1) قال أبو حيان في البحر المحيط: 7/ 104: وَنُرِيدُ: حكاية حال ماضية، والجملة معطوفة على قوله: إِنَّ فِرْعَوْنَ، لأن كلتيهما تفسير للبناء، ويضعف أن يكون حالا من الضمير في يَسْتَضْعِفُ لاحتياجه إلى إضمار مبتدأ، أي: ونحن نريد، وهو ضعيف.
وإذا كانت حالا فكيف يجتمع استضعاف فرعون وإرادة المنة من الله، ولا يمكن الاقتران» . [.....]
(2) ذكره الزجاج في معانيه: 4/ 133، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 216 عن ابن عباس، وقتادة.
(3) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 216، وقال: «حكاه أبو عيسى» ، وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 6/ 202 عن الماوردي.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 11/ 262: «وجملة أمر أم موسى أنها علمت أن الذي وقع في نفسها هو من عند الله ووعد منه، يقتضي ذلك قوله تعالى: فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ.
(4) الكشاف: 3/ 165، وزاد المسير: 6/ 202.
(5) في اللسان: 15/ 164 (فنى) : «تفانى القوم قتلا: أفنى بعضهم بعضا، وتفانوا أي أفنى بعضهم بعضا في الحرب» .(2/638)
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)
فقالت القبط: خولنا منهم، وقد فنيت شيوخهم موتا وأولادهم قتلا «1» .
10 فارِغاً: أي: من كلّ شيء إلّا من ذكر موسى «2» ، أو من موسى أيضا لأنّ الله أنساها ذكره، أو ربط على قلبها وآنسه.
والربط على القلب تقويته بإلهام الصّبر «3» .
إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ: لما رأت الأمواج تلعب بالتابوت كادت تصيح وتقول: يا ابناه «4» .
11 قُصِّيهِ: اتبعي أثره لتعلمي خبره «5» .
عَنْ جُنُبٍ: عن بعد وجنابة «6» . وقيل: عن جانب كأنها ليست تريده.
12 وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ: تحريم منع لا شرع «7» .
مِنْ قَبْلُ: من قبل أن تجيء أخته»
. ومن أمر الله أن استخدم لموسى- عليه السلام- عدوّه في كفالته وهو يقتل العالم لأجله.
__________
(1) تفسير ابن كثير: (6/ 231، 232) ، والدر المنثور: (6/ 389، 390) .
(2) ذكره اليزيدي في غريب القرآن: 289، وأخرجه الطبري في تفسيره: (20/ 35، 36) عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك.
ورجحه الطبري، وذكره البغوي في تفسيره: 3/ 437، وقال: «هذا قول أكثر المفسرين» .
(3) عن الزجاج في معاني القرآن: 4/ 134، وزاد المسير: 6/ 205.
(4) نص هذا القول في تفسير البغوي: 3/ 437 عن مقاتل.
وانظر معاني القرآن للفراء: 2/ 303، وتفسير الطبري: 20/ 37، وزاد المسير: 6/ 205.
(5) معاني القرآن للفراء: 2/ 202، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 98، والمفردات للراغب:
404.
(6) ورد هذا المعنى، وكذلك القول الذي بعده في أثر ذكره الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما معلقا. انظر صحيح البخاري: 6/ 18، كتاب التفسير، سورة القصص، الباب الأول.
(7) ينظر تفسير الطبري: 20/ 40، وتفسير القرطبي: 13/ 257.
(8) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 219، وقال: «وفي قوله: مِنْ قَبْلُ وجهان أحدهما: ما ذكرناه (أي من قبل مجيء أخته) ، الثاني: من قبل رده إلى أمه» .(2/639)
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17)
14 وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ: بلغ نهاية القوة وهي ثلاث وثلاثون سنة «1» .
ويجوز واحد الأشدّ «شدّة» «2» ك «نعمة» و «أنعم» ، وشد ك «فلس» و «أفلس» وشدّ يقال: هو «ودّي» والجمع أودّ «3» .
وَاسْتَوى: استحكم وانتهى شبابه، وذلك إذا تم له أربعون «4» .
15 عَلى حِينِ غَفْلَةٍ: نصف النهار وقت القائلة.
هذا مِنْ شِيعَتِهِ: إسرائيلي.
فَوَكَزَهُ مُوسى: دفعه بجمع «5» كفه.
فَقَضى عَلَيْهِ: قتله.
هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ: لأنّ الغضب من نفخ الشّيطان.
17 فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً: دخلت الفاء لأنه يدل أنه لا يكون ظهيرا لهم لما أنعم الله عليه، فهو كجواب الجزاء في أن الثاني لأجل الأول «6» .
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 20/ 42 عن قتادة، ونقله الماوردي في تفسيره:
3/ 220 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(2) قال المؤلف- رحمه الله- في كتابه وضح البرهان: 2/ 148: «والأشد لا واحد له من لفظه، وقيل: واحده شدة ... » .
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 99، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 215، واللسان: (3/ 235، 236) (شدد) . [.....]
(3) اللسان: 3/ 445 (ودد) .
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 20/ 42 عن مجاهد، وقتادة، وابن زيد.
وانظر هذا المعنى في معاني القرآن للفراء: 3/ 52، والمحرر الوجيز: 11/ 273.
(5) عن مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 99، وجمع الكفّ: حين تقبضها، يقال: ضربوه بإجماعهم إذا ضربوا بأيديهم. وضربته بجمع كفي- بضم الجيم-» .
وانظر الصحاح: 3/ 1198، واللسان: 8/ 56 (جمع) .
(6) ينظر إعراب القرآن للنحاس: 3/ 232، وتفسير القرطبي: 13/ 263، والبحر المحيط:
7/ 110.(2/640)
فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)
18 فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ: أي: الإسرائيلي الذي خلصه موسى استغاث به ثانيا، فقال له/ موسى: إِنَّكَ لَغَوِيٌّ، أي:
للقبطي «1» ، فظنّ الإسرائيليّ أنّه عناه، فقال: تريد أن تقتلني كما قتلت [نفسا بالأمس] «2» وسمعه القبطيّ فسعى به «3» .
20 وَجاءَ رَجُلٌ: كان نجارا مؤمنا من آل فرعون اسمه حزبيل «4» .
20 يَأْتَمِرُونَ بِكَ: يتشاورون في قتلك، أي: يأمر بعضهم بعضا.
21 خائِفاً يَتَرَقَّبُ: أن يلحقه من يطلبه.
تَذُودانِ: غنمهما أن تقرب الماء «5» .
يُصْدِرَ «6» الرِّعاءُ: ينصرف الرعاة، ويُصْدِرَ: قريب من يصدر لأنّ الرعاة إذا صدروا فقد أصدروا، إلّا أنّ المفعول في يُصْدِرَ
__________
(1) وقيل: بل قال ذلك للإسرائيلي. ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 222، والبغوي في تفسيره: 3/ 440. ووصفه البغوي بأنه أصوب وعليه الأكثرون.
(2) ما بين معقوفين عن «ك» .
(3) أخرج الطبري نحو هذه الرواية في تفسيره: 20/ 48 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وانظر تفسير الماوردي: 3/ 222، وتفسير ابن كثير: (6/ 235، 236) .
(4) كذا في «ك» ، والذي ورد في التفاسير: «حزقيل» .
ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 223 عن الضحاك، والكلبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 402 وعزا إخراجه إلى ابن المنذر عن ابن جريج.
قال القرطبي في تفسيره: 13/ 266: «قال أكثر أهل التفسير: هذا الرجل هو حزقيل بن صورا مؤمن آل فرعون، وكان ابن عم فرعون. ذكره الثعلبي» .
(5) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 332: «أي تكفان غنمهما» . وحذف «الغنم اختصارا» .
(6) بفتح الياء وضم الدال، وهي قراءة ابن عامر، وأبي عمرو. وقرأ باقي السبعة بضم الياء وكسر الدال.
السبعة لابن مجاهد: 492، والتبصرة لمكي: 286، والتيسير للداني: 171.
وانظر توجيه القراءتين في معاني الزجاج: 4/ 139، وحجة القراءات: 543، والكشف لمكي: 2/ 173.(2/641)
فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28) فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32)
محذوف كما هو محذوف في [قوله] «1» : لا نَسْقِي، وتَذُودانِ.
24 رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ: كان أدركه جوع شديد «2» .
25 نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ: ليس لفرعون سلطان بأرضنا. وكان بين مصر ومدين «3» ثماني ليال نحو ما بين الكوفة والبصرة.
26 الْقَوِيُّ الْأَمِينُ: قوّته سقية الماشية بدلو واحدة وحده.
وأمانته غضّ طرفه وأمره لها أن تمشي خلفه.
27 عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي: تأجر لي، أي: تكون أجيرا لي «4» ، وإن كان الصداق لها، إذ مال الولد في الإضافة للوالد، ولأنّ القبض إليه.
28 وَكِيلٌ: شاهد على عقدنا.
29 جَذْوَةٍ: قطعة من النار «5» . جذوت: قطعت.
31 تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ: انقلاب العصا حيّة دليل أن الجواهر جنس واحد، إذ لا حال أبعد إلى الحيوان من الخشب.
32 وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ: اضمم يدك إلى صدرك يذهب الله ما بك من فرق «6» ، أي: لأجل الحيّة. أو هو على التوطين والتسكين
__________
(1) عن نسخة «ج» .
(2) ينظر تفسير الطبري: (20/ 58، 59) ، وتفسير الماوردي: 3/ 225، وتفسير البغوي:
3/ 441.
(3) مدين: بفتح أوله وسكون ثانيه، وفتح الياء المثناة من تحت، وآخره نون مدينة على البحر الأحمر محاذية لتبوك، وهي مدينة شعيب عليه السلام.
معجم البلدان: 5/ 77، والروض المعطار: 525.
(4) هذا قول الزجاج في معانيه: 4/ 141، وانظر تفسير البغوي: 3/ 442، وزاد المسير:
6/ 215، واللسان: 4/ 11 (أجر) . [.....]
(5) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 332، وتفسير الطبري: 20/ 69، والمفردات: 90، واللسان: 14/ 138 (جذا) .
(6) الفرق- بالتحريك-: الخوف والفزع.
الصحاح: 4/ 1541، واللسان: 10/ 304 (فرق) ، والنهاية: 3/ 438.(2/642)
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)
كما يقال: ليسكن جأشك وليفرخ روعك «1» .
والحكمة في تكرر هذه القصص أنّ المواعظ تكرر على الأسماع ليتقرر في الطباع. أو هو التحدي إلى الإتيان بمثله، ولو بترديد بعض هذه القصص، أو تسلية للنّبيّ وتحسيرا للكافرين حالا بعد حال.
41 وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً: من الجعل بمعنى «الوصف» ، كقوله: جعلته رجل سوء «2» . أو ذلك في الحشر حيث يقدمون أتباعهم إلى النار.
42 مِنَ الْمَقْبُوحِينَ: الممقوتين، قبحه الله وقبّحه «3» .
قال عمّار لمن تناول عائشة: اسكت مقبوحا منبوحا «4» .
__________
(1) ينظر ما سبق في تفسير البغوي: 3/ 445، والكشاف: 3/ 175، والمحرر الوجيز:
11/ 298، وزاد المسير: 6/ 219، وتفسير القرطبي: 13/ 284.
(2) ذكر نحوه الزمخشري في الكشاف: 3/ 180، فقال: «معناه: ودعوناهم أئمة دعاة إلى النار، وقلنا: إنهم أئمة دعاة إلى النار كما يدعى خلفاء الحق أئمة دعاة إلى الجنة، وهو من قولك: جعله بخيلا وفاسقا إذا دعاه وقال إنه بخيل وفاسق. ويقول أهل اللغة في تفسير فسقه وبخله جعله بخيلا وفاسقا، ومنه قوله تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً اه.
وأورد الفخر الرازي نحو هذا القول في تفسيره: 24/ 254 عن الجبائي، من أئمة المعتزلة.
وقال الفخر الرازي: «تمسك به الأصحاب في كونه- تعالى- خالقا للخير والشر» .
وأورد أبو حيان في البحر: 7/ 120 نص كلام الزمخشري، وعقّب عليه بقوله: «وإنما فسر «جعلناهم» بمعنى: دعوناهم لا بمعنى صيّرناهم جريا على مذهبه من الاعتزال لأن في تصييرهم أئمة خلق ذلك لهم، وعلى مذهب المعتزلة لا يجوزون ذلك من الله ولا ينسبونه إليه» .
(3) إذا جعله قبيحا.
انظر تفسير البغوي: 3/ 447، والمفردات للراغب: 390، وتفسير القرطبي:
13/ 290.
(4) أي: مبعدا، وانظر قول عمار رضي الله عنه في الفائق: 3/ 402، وغريب الحديث لابن الجوزي: 2/ 215، والنهاية: 4/ 3.(2/643)
فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60) أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)
[74/ ب] ساحران «1» تظاهرا/: هما موسى ومحمد «2» عليهما السلام، وذلك حين بعث أهل مكة إلى يهود مدينة فأخبروه بنعته وأوان مبعثه من كتابهم، وسِحْرانِ: التوراة والقرآن «3» .
49 هُوَ أَهْدى مِنْهُما: من كتابي موسى ومحمد عليهما السلام.
51 وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ: في الخبر عن أمر الدنيا والآخرة «4» .
وقيل «5» : بما أهلكنا من القرون قبلهم ليتذكروا.
52 بِهِ يُؤْمِنُونَ: بالقرآن «6» .
54 مَرَّتَيْنِ: أي: بإيمانهم بالكتاب قبل محمد وبالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.
55 سَلامٌ عَلَيْكُمْ: بيننا وبينكم المتاركة والتسليم.
61 مِنَ الْمُحْضَرِينَ: للجزاء أو إلى النار «7» .
__________
(1) هذه قراءة نافع، وابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر، وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي سِحْرانِ بدون ألف قبل الحاء.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 495، والتبصرة لمكي: 287، والتيسير للداني: 172.
(2) معاني القرآن للفراء: 2/ 306، وتفسير الطبري: (20/ 83، 84) ، ومعاني الزجاج:
4/ 148، والكشف لمكي: 2/ 175.
(3) معاني القرآن للفراء: 2/ 306، وتفسير الطبري: 20/ 84، وتفسير الماوردي: 3/ 231، وحجة القراءات: 547.
(4) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 20/ 88 عن ابن زيد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 231، والبغوي في تفسيره: 3/ 449 عن ابن زيد أيضا.
(5) أخرجه الطبري في تفسيره: 20/ 88 عن قتادة، وانظر هذا القول في معاني القرآن للزجاج:
4/ 148، وتفسير الماوردي: 3/ 231، وتفسير القرطبي: 13/ 296.
(6) ذكره الطبري في تفسيره: 20/ 88، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 232 عن يحيى بن سلام.
وانظر تفسير البغوي: 3/ 449.
(7) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 334، وأخرجه الطبري في تفسيره: 20/ 97 عن قتادة، ومجاهد.
وانظر تفسير الماوردي: 3/ 235، وتفسير البغوي: 3/ 451.(2/644)
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69) وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74) وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75) إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)
68 وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ: أي: الذي هو خير «1» لهم.
ويجوز نفيا «2» ، أي: ما كان لهم الخيرة على الله وله الخيرة عليهم.
76 إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى: كان ابن أخته «3» .
بغى عليه «4» : طلب العلو بغير حق.
لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ: يثقلها حتى تمليها كأنه لتميل «5» بالعصبة من الثقل.
ناء: مال، والنّوء: الكوكب، مال عن العين عند الغروب «6» .
لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ: البطرين «7» .
__________
(1) تكون «ما» على هذا المعنى موصولة.
ذكره الزجاج في معانيه: 4/ 125، والنحاس في إعراب القرآن: 3/ 241، والزمخشري في الكشاف: 3/ 188، وأبو حيان في البحر المحيط: 7/ 129، وهو اختيار الطبري في تفسيره: 20/ 100. [.....]
(2) رجحه الزجاج في معانيه: (4/ 151، 152) ، وانظر هذا القول في البيان لابن الأنباري:
2/ 235، والتبيان للعكبري: 2/ 1024، والبحر المحيط: 7/ 129.
(3) كذا في «ك» ، ولم أقف على هذا القول، والذي ورد في التفاسير أنه ابن أخيه، فلعله تصحف هنا.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 11/ 329: «واختلف الناس في قرابة قارون لموسى عليه السلام، فقال ابن إسحاق: هو عمه. وقال ابن جريج، وإبراهيم النخعي: هو ابن عمه، وهذا أشهر، وقيل: ابن خالته، فهو بإجماع رجل من بني إسرائيل، كان ممن آمن بموسى، وحفظ التوراة، وكان من أقرأ الناس لها، وكان عند موسى عليه السلام من عبّاد المؤمنين، ثم لحقه الزهو والإعجاب ... » .
وانظر الاختلاف في قرابته لموسى عليه السلام في تفسير الطبري: 20/ 105، وتفسير البغوي: 3/ 454، وتفسير ابن كثير: 6/ 263.
(4) يريد قوله تعالى: فَبَغى عَلَيْهِمْ [آية: 76] .
(5) في «ج» : تميل.
(6) الصحاح: 1/ 79، واللسان: 1/ 176 (نوا) .
(7) غريب القرآن لليزيدي: 293، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 335، وتفسير الطبري:
20/ 111، وتفسير القرطبي: 13/ 313.(2/645)
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85)
79 فِي زِينَتِهِ: في موكبه على بغلة شهباء بمركب ذهب في لباس أرجواني «1» .
81 فَخَسَفْنا بِهِ: قال موسى: يا أرض خذيه فابتلعته، فقيل: أهلكه ليرثه، فخسف بداره «2» .
82 وَيْكَأَنَّ اللَّهَ: قيل: «وي» مفصول، وهو اسم سمّي به الفعل، أي:
أعجب، ثم ابتدأ وقال: «كأن الله يبسط» «3» .
وقيل «4» : بأنه «ويك بأنّ الله» فحذفت الباء، ومعناه: ألم تر؟ أو ألم تعلم؟ أو معناه: «ويح» أو «ويلك» «5» ، ومعنى الجميع التنبيه.
85 فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ: أنزل على لسانك فرائضه «6» ، أو فرض العمل به «7» أو حملك تبليغه «8» .
__________
(1) أخرج نحوه الطبري في تفسيره: 20/ 115، عن ابن جريج، والحسن.
ونقله البغوي في تفسيره: 3/ 455 عن مقاتل، وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير:
6/ 243 إلى وهب بن منبه.
قال الزجاج في معاني القرآن: 4/ 156: «الأرجوان في اللغة صبغ أحمر» .
(2) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 240 عن مقاتل، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 3/ 245، والقرطبي في تفسيره: 13/ 317.
(3) هذا قول الخليل في كتابه: العين 8/ 443، وهو عن الخليل أيضا في الكتاب لسيبويه:
2/ 154، وتأويل مشكل القرآن: 526، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 157، وصحح الزجاج هذا القول.
(4) انظر هذا القول في الكتاب لسيبويه: 2/ 154، ومعاني الأخفش: 2/ 654، وتفسير الطبري: 20/ 120، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 156، والبحر المحيط: 7/ 135.
(5) ذكره الخليل في العين: 8/ 442. وانظر معاني القرآن للفراء: 2/ 312، ومعاني الزجاج:
4/ 156، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 244.
(6) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 241 عن ابن بحر.
(7) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 336، والزجاج في معانيه: 4/ 157، وأورده الماوردي في تفسيره: 3/ 241، وقال: «حكاه النقاش» .
ونقله البغوي في تفسيره: 3/ 458 عن عطاء.
(8) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 241، وقال: «حكاه ابن شجرة» . [.....](2/646)
وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)
لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ: مكة «1» . نزلت ب «الجحفة» حين عسف «2» به الطريق إليها فحنّ.
88 إِلَّا وَجْهَهُ: إلّا ما أريد به وجهه «3» .
__________
(1) ورد هذا القول في أثر أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 6/ 18، كتاب التفسير، باب إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وانظر هذا القول في تفسير الطبري: 20/ 125، وتفسير الماوردي: 3/ 241، وتفسير ابن كثير: 6/ 270.
(2) قال ابن الأثير في النهاية: 3/ 237: «العسف في الأصل: أن يؤخذ المسافر على غير طريق ولا جادة ولا علم» .
وفي الصحاح: 4/ 1403 (عسف) : «العسف: الأخذ على غير الطريق» .
(3) ذكره الإمام البخاري في صحيحه: 6/ 17، كتاب التفسير، تفسير سورة القصص.
وذكره الطبري في تفسيره: 3/ 127، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 242 عن سفيان الثوري، وأورده ابن الجوزي في تفسيره: 6/ 252، وقال: «رواه عطاء عن ابن عباس، وبه قال الثوري» .(2/647)
أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10)
ومن سورة العنكبوت
2 أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا: موضع أَنْ نصب بمعنى: لأن يقولوا، أو على البدل من أَنْ الأولى فيعمل فيه «حسب» «1» .
وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ: بالأوامر والنواهي «2» ، أو في أموالهم وأنفسهم «3» .
3 فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ: يظهرنّه ويميّزنّه، أو يعلمه كائنا واقعا.
[75/ أ] 4 أَنْ يَسْبِقُونا: يفوتونا فوت السابق لغيره «4» /.
5 مَنْ كانَ يَرْجُوا: ... مَنْ رفع بالابتداء، وكانَ خبره، وجواب الجزاء فَإِنَّ، كقولك: إن كان زيد في الدار فقد صدق الوعد.
7 وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ: هو طاعتهم لله فلا شيء أحسن منه.
10 جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ: في قوم من مكة أسلموا، فلما فتنوا وأوذوا ارتدّوا «5» .
__________
(1) عن معاني القرآن للزجاج: (4/ 159، 160) ، وانظر معاني القرآن للفراء: 2/ 314، وتفسير الطبري: 20/ 128، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 247، والبحر المحيط:
7/ 139.
(2) ذكره البغوي في تفسيره: 3/ 460، وابن الجوزي في زاد المسير: 6/ 255 دون عزو.
(3) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 20/ 128 عن مجاهد. ونقله الماوردي في تفسيره:
3/ 243، عن مجاهد أيضا. وانظر معاني القرآن للزجاج: 4/ 159.
(4) تفسير الطبري: 20/ 130، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 160، وزاد المسير: 6/ 256.
(5) أخرجه الطبري في تفسيره: 20/ 133 عن الضحاك، ونقله الواحدي في أسباب النزول:
396 عن الضحاك أيضا.
وانظر الدر المنثور: 6/ 453.(2/648)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (15) وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22)
12 وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ: أي: اكفروا، فإن كان عليكم شيء فهو علينا.
13 وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ: أي: أثقال إضلالهم مع أثقال ضلالهم «1» ، أو هي أوزار السنن الجائرة «2» .
20 يُنْشِئُ النَّشْأَةَ: أي: ينشئ الخلق فينشئون. وقريء (النشاءة) «3» .
21 يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ: بالانقطاع إلى الدنيا «4» . وقيل «5» : بسوء الخلق.
22 وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ: لو كنتم فيها «6» ،
__________
(1) ذكره الطبري في تفسيره: 20/ 135، وأخرج نحو هذا القول عن ابن زيد.
وقال البغوي في تفسيره: 3/ 463: «نظيره قوله عز وجل: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ [النحل: 25] .
(2) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 3/ 245، ويدل عليه الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: 4/ 2674، كتاب العلم، باب «من سن سنة حسنة أو سيئة» عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» .
(3) هذه قراءة أبي عمرو، وابن كثير كما في السبعة لابن مجاهد: 498، والتبصرة لمكي:
289، والتيسير للداني: 173.
وقال مكي في الكشف: 2/ 178: «والنشاءة- بالمد- هو المصدر كالإعطاء، يدل على المدّة الثانية في الخلق كالكرة الثانية، فهو مصدر صدر من غير لفظ (ينشئ) ، ولو صدر عن لفظ (ينشى) لقال: الإنشاءة الآخرة، والتقدير فيه: ثم الله ينشئ الأموات، فينشئون النشأة الآخرة، فهو مثل قوله: وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً [آل عمران: 37] ... » .
(4) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 246.
(5) المصدر السابق.
(6) ذكره الطبري في تفسيره: 20/ 140، والزجاج في معانيه: 4/ 165.
وانظر تفسير البغوي: 3/ 464، والمحرر الوجيز: 11/ 375. [.....](2/649)
فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32)
أو هو على تقدير: ولا من في السماء «1» .
26 مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي: خارج عن جملة الظالمين على جهة الهجر لهم إلى حيث أمرني ربي، وقد كان هاجر من «كوثى» «2» قرية بسواد الكوفة إلى الشّام.
25 مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ: أي: الآلهة التي اتخذتموها من دونه تتوادّون بها في الدنيا وتتبرأون منها يوم القيامة، فتكون مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ مبتدأ «3» ، والخبر فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، أي: مودّة بينكم بسببها كائنة في الدنيا ثم ينقطع يوم القيامة.
29 وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ: أي: سبيل الولد برفض النساء «4» .
32 مِنَ الْغابِرِينَ: الباقين في العذاب.
__________
(1) ذكره الفراء في معاني القرآن: 2/ 315، ثم قال: «وهو من غامض العربية، للضمير الذي لم يظهر في الثاني» .
قال أبو حيان في البحر: 7/ 247: «وهذا عند البصريين لا يكون إلا في الشعر لأن فيه حذف الموصول وإبقاء صلته» .
وانظر القول الذي أورده المؤلف- رحمه الله- في تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة: 217، وتفسير الطبري: 20/ 139، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 165، والمحرر الوجيز:
11/ 375.
(2) كوثى- بالضم ثم السكون، والثاء مثلثة، وألف مقصورة.
كذا ضبطه ياقوت في معجم البلدان: 4/ 487.
وانظر هذا الموضع في معجم ما استعجم: 4/ 1138، والروض المعطار: 503.
أما السواد فسمي بذلك لسواده بالزروع والنخيل والأشجار.
معجم البلدان: 3/ 272.
(3) على قراءة أبي عمرو، والكسائي، وابن كثير برفع «مودة» .
انظر السبعة لابن مجاهد: 499، والتيسير للداني: 173، والكشف لمكي: 2/ 178، وحجة القراءات: 550، والتبيان للعكبري: 2/ 1031.
(4) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 316، وانظر معاني القرآن للزجاج: 2/ 168، وتفسير الماوردي: 2/ 247، والمحرر الوجيز: 11/ 383، وزاد المسير: 6/ 268.(2/650)
وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44) اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)
38 وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ: عقلاء ذوي بصائر «1» ، أو مستبصرين في ضلالتهم معجبين بها «2» .
41 لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ: إذ لا يكنّ «3» من حرّ أو برد ولا يحصّن عن طالب.
45 وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ: أي: ذكر الله لكم بالرحمة أكبر من ذكركم له بالثناء «4» ، أو ذكركم الله أفضل من جميع عملكم.
46 إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ: أي: في إيراد الحجة من غير سباب واضطراب.
إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ: أي: منع الجزية وقاتل «5» ، أو أقام على الكفر بعد أن حجّ وألزم «6» .
49 بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ: أي: حفظ القرآن وحفظ الكتاب
__________
(1) هذا قول الفراء في معانيه: 2/ 317، ونقله البغوي في تفسيره: 3/ 467 عن الفراء أيضا، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 6/ 272، والقرطبي في تفسيره: 13/ 344.
(2) نص هذا القول في تفسير القرطبي: 20/ 150، ونقله البغوي في تفسيره: 3/ 467 عن قتادة، ومقاتل، والكلبي.
(3) أي: لا يفي ولا يصون.
الصحاح: 6/ 2188، واللسان: 13/ 361 (كنن) .
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (20/ 156، 157) عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 466، وعزا إخراجه إلى ابن السّني، وابن مردويه، والديلمي عن ابن عمر مرفوعا.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 6/ 292: «روي هذا من غير وجه عن ابن عباس، وروي أيضا عن ابن مسعود، وأبي الدرداء، وسلمان الفارسي وغيرهم» .
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 21/ 1 عن مجاهد، وأورده السيوطي في الدر المنثور: (6/ 468، 469) ، وزاد نسبته إلى الفريابي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد أيضا.
(6) ذكره الطبري في تفسيره: 21/ 2، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 249 عن ابن زيد.(2/651)
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66)
بتمامه لهذه الأمّة «1» .
[75/ ب] وفي الحديث «2» : «أنا جيلهم في/ صدورهم وقرابينهم من نفوسهم» .
56 فَإِيَّايَ
: الفاء للجزاء، بتقدير: إن ضاق بكم موضع فإيّاي فاعبدون، لأنّ أرضي واسعة «3» .
60 وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ: لما أمروا بالهجرة قالوا: ليس لنا بالمدينة منازل ولا أموال «4» .
لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا: لا تدّخر «5» .
66 لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ: على الوعيد، كقوله «6» : فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ.
__________
(1) ذكره الطبري في تفسيره: 21/ 6، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 250، والبغوي في تفسيره: 3/ 471 عن الحسن.
(2) ورد نحو هذا القول في حديث طويل أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة: 1/ 77- 79 عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا وفي إسناده سهيل بن أبي صالح.
قال أبو نعيم: «وهذا الحديث من غرائب حديث سهيل، لا أعلم أحدا رواه مرفوعا إلا من هذا الوجه، تفرد به الربيع بن النعمان وبغيره من الأحاديث عن سهيل، وفيه لين» .
والحديث بلفظ: «أناجيلهم في صدورهم يصفون للصلاة كما يصفون للقتال، قربانهم الذي يتقربون به إليّ دماؤهم، رهبان بالليل ليوث بالنهار» .
في معجم الطبراني: 10/ 110 حديث رقم (10046) ، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد: 8/ 274 وقال: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم.
(3) ينظر معاني القرآن للزجاج: (4/ 172، 173) ، والكشاف: 3/ 210، والبحر المحيط:
7/ 157.
(4) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 253 عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكذا القرطبي في تفسيره: 13/ 360. [.....]
(5) معاني القرآن للفراء: 2/ 318، وتفسير الطبري: 21/ 11، ومعاني الزجاج: 4/ 173، وتفسير القرطبي: 13/ 359.
(6) سورة الكهف: آية: 29.(2/652)
غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)
ومن سورة الروم
2 غُلِبَتِ الرُّومُ: غلبتهم الفرس في زمن «أنو شروان» «1» ، فأخبر الله رسوله أنّ الروم ستدال «2» على فارس فغلبوهم عام الحديبية «3» .
3 فِي أَدْنَى الْأَرْضِ: في الجزيرة «4» ، وهي أقرب أرض الروم إلى فارس.
4، 5 وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ: الروم على فارس لتصديق الوعد.
أو لأنّ ضعف فارس قوة العرب» .
7 يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا: أي: عمرانها «6» ، متى يزرعون
__________
(1) ذكر السهيلي في التعريف والإعلام: 134 أن كسرى الفرس حين غلبوا الروم كان أبرويز بن هرمز بن أنو شروان.
وذكر الطبري في تاريخه: 2/ 154 أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم كان في عهد أنو شروان، وأنه مات وعمر النبي صلى الله عليه وسلم ست سنوات.
وانظر أخباره في تاريخ الطبري: (2/ 98، 154، 172) ، والمعارف لابن قتيبة: 663.
(2) في «ك» : «ستبدل» ، وفي «ج» : «يدال» .
(3) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 256، وانظر زاد المسير: 6/ 289، وتفسير القرطبي:
14/ 4.
(4) الجزيرة: موضع بين العراق والشام، ويطلق على البلاد العليا التي ما بين النهرين الجزيرة.
معجم ما استعجم: 2/ 381، ومعجم البلدان، 2/ 134، وبلدان الخلافة الشرقية: 40.
(5) عن تفسير الماوردي: 3/ 257، وانظر تفسير الطبري: 21/ 17، وتفسير البغوي:
(3/ 475، 476) .
(6) أخرج عبد الرزاق نحو هذا القول في تفسيره: 2/ 102 عن قتادة.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 21/ 22 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 484، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم عن ابن عباس.(2/653)
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10) اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16) فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24)
ويحصدون، وكيف يبنون، ومن أين يعيشون.
8 إِلَّا بِالْحَقِّ: إلّا بالعدل، أو إلّا للحق، أي: لإقامة الحق «1» .
10 السُّواى: أي: النّار «2» .
15 يُحْبَرُونَ: يسرّون «3» . والحبرة كل نعمة حسنة «4» .
17 فَسُبْحانَ اللَّهِ: سبحوا الله في هذه الأوقات، وهو مصدر عقيم بمعنى تسبيح الله وتنزيهه.
21 مِنْ أَنْفُسِكُمْ: من شكل أنفسكم.
لِتَسْكُنُوا إِلَيْها: سكون أنس إذا كانت من جنسها.
24 وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ: تقديره: ومن آياته البرق يريكم، أو آية يريكم البرق فيها «5» .
__________
(1) عن معاني القرآن للزجاج: 4/ 178، وانظر تفسير الطبري: 21/ 24، وتفسير الماوردي:
3/ 258، وتفسير البغوي: 3/ 478.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 21/ 25 عن قتادة، وذكره الفراء في معانيه:
2/ 322.
وانظر هذا القول في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 340، ومعاني الزجاج: 4/ 179، وتفسير القرطبي: 14/ 10.
(3) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 120، وغريب القرآن لليزيدي: 297، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 340، وتفسير الطبري: 21/ 27.
(4) هذا قول الزجاج في معانيه: 4/ 180، وانظر المحرر الوجيز: 11/ 436، وزاد المسير:
6/ 293، واللسان: 4/ 158 (حبر) .
(5) جاء في وضح البرهان: (2/ 166، 167) : «ولم يجيء «أن» في يُرِيكُمُ الْبَرْقَ لأنه عطف على وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ فكان المعطوف بمعنى المصدر، ليكون عطف اسم على اسم. وقيل: تقديره: ويريكم البرق خوفا وطمعا من آياته، فيكون عطف جملة على جملة» اه.
وانظر تفسير الطبري: 21/ 33، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 182، والبيان لابن الأنباري:
2/ 250.(2/654)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)
خَوْفاً: للمسافر، وَطَمَعاً: للمقيم «1» .
أو خَوْفاً: من الصّواعق، وَطَمَعاً: في الغيث «2» .
25 إِذا دَعاكُمْ: أخرجكم بما هو بمنزلة الدعاء «3» .
27 وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ: أي: عندكم «4» ، أو أهون على المعاد لأنّه في الابتداء ينقل حالا فحالا «5» .
وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى: الصفة العليا، أي: إذا كان من بنى بناء يهون «6» عليه إعادته مع نقصه فمن لا يلحقه النقص والعجز أحق بالإعادة لما خلق.
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 21/ 32 عن قتادة، ونقله الماوردي في تفسيره:
3/ 263 عن قتادة.
وكذا ابن عطية في المحرر الوجيز: 11/ 444، والقرطبي في تفسيره: 14/ 18.
وعقب عليه ابن عطية بقوله: «ولا وجه لهذا التخصيص ونحوه، بل الخوف والطمع لكل بشر» . [.....]
(2) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 263 عن الضحاك، وكذا ابن عطية في المحرر الوجيز: 11/ 445، والقرطبي: 14/ 18.
(3) عن تفسير الماوردي: 3/ 263، واللفظ هناك: «أنه أخرجه بما هو بمنزلة الدعاء، وبمنزلة قوله: كُنْ فَيَكُونُ. قاله ابن عيسى» .
(4) في تفسير البغوي: 3/ 481: «قيل: هو أهون عليه عندكم» ، ونقله ابن عطية في المحرر الوجيز: 11/ 450 عن الحسن، ثم قال: «وقال بعضهم: وهو أهون على المخلوق أن يعيد شيئا بعد إنشائه، فهذا عرف المخلوقين، فكيف تنكرون أنتم الإعادة في جانب الخالق؟» .
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 264، وقال: «وهذا مروي عن ابن عباس» ، وأورده البغوي في تفسيره: 3/ 481، وقال: «وهذا معنى رواية ابن حيان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس» .
قال ابن عطية- رحمه الله- في المحرر الوجيز: (11/ 450، 451) : «والأظهر عندي عود الضمير على الله تعالى، ويؤيده قوله: وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى، لما جاء بلفظ فيه استعارة واستشهاد بالمخلوق على الخالق، وتشبيه بما يعهده الناس من أنفسهم، خلص جانب العظمة بأن جعل له المثل الذي لا يصل إليه تكييف.
(6) في «ج» : «فيهون» .(2/655)
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40) ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43)
28 ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ: أي: لستم تجعلون عبيدكم شركاءكم فكيف «1» ؟.
كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ: معناه أن للسيد سلطانا على عبده/ وليس للعبد ذلك عليه، فلا يجوز «2» أن يستويا في الخوف إذا أجريت الأمور على حقها، وأنتم قد جعلتم الخيفة من العبد كالخيفة من مالك العبد إذ عبدتموه كعبادته «3» .
32 وَكانُوا شِيَعاً: صاروا فرقا.
38 فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ: من البرّ وصلة الرحم.
41 ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ: أجدب البر وانقطعت مادة البحر «4» .
وقيل «5» : البرّ مدائن البلاد والبحر جزائرها.
لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا: أي: جزاءه، أقيم السبب مكان المسبّب «6» .
43 فَأَقِمْ وَجْهَكَ: قصدك، أو اجعل وجهتك للدين القيّم «7» .
يَصَّدَّعُونَ: يتفرقون «8» ، فريق إلى الجنّة وفريق إلى النار.
__________
(1) على حذف المستفهم عنه لدلالة ما قبله عليه.
(2) في «ك» : «فلا يجب» ، وأشار إليه ناسخ الأصل في الهامش.
(3) ينظر ما سبق في تفسير الطبري: 21/ 39، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 184، وزاد المسير: 6/ 299.
(4) هذا قول الفراء في معانيه: 2/ 325.
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 269 عن الضحاك. ونقل ابن عطية في المحرر الوجيز:
11/ 465 عن الحسن أنه قال: «البر والبحر هما المعروفان المشهوران في اللغة» .
قال ابن عطية: «وهذا القول صحيح» ، وانظر تفسير القرطبي: 14/ 40.
(6) البحر المحيط: 7/ 176.
(7) عن معاني القرآن للزجاج: 4/ 188، وذكره ابن عطية في المحرر الوجيز: 11/ 466، ونقله القرطبي في تفسيره: 14/ 42 عن الزجاج.
(8) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 325، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 123، وتفسير الطبري:
21/ 51، والمفردات للراغب: 276، والبحر المحيط: 7/ 176.(2/656)
وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51) فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56)
49 وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ: الأول من قبل الإنزال، والثاني من قبل الإرسال «1» .
50 آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ: آثار المطر الذي هو رحمة.
51 وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا: أي: السّحاب، وإذا كان مصفرا لم يمطر «2» ، ولام لَئِنْ للقسم، ولام لَظَلُّوا جواب القسم «3» .
55 ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ: أي: من حين انقطاع عذاب القبر.
56 لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ: في علم الله «4» ، أو ما بيّن في كتابه «5» .
__________
(1) نقله الزجاج في معانيه: 4/ 189 عن قطرب.
وانظر هذا القول في تفسير البغوي: 3/ 487، وزاد المسير: 6/ 309، وتفسير القرطبي:
14/ 44. [.....]
(2) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 271، وقال: «حكاه علي بن عيسى» ، ونقله أبو حيان في البحر المحيط: 7/ 179 عن ابن عيسى، وضعفه. ثم قال: «والضمير في (فرأوه) عائد على ما يفهم من سياق الكلام، وهو النبات، وقيل إلى الأثر، لأن الرحمة هي الغيث وأثرها هو النبات» اه.
وانظر تفسير القرطبي: 14/ 45.
(3) البحر المحيط: (7/ 179، 180) .
(4) ذكره الزجاج في معانيه: 4/ 192، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 273 عن الفراء، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 6/ 312.
(5) تفسير الماوردي: 3/ 273 عن ابن عيسى.(2/657)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11) وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)
سورة لقمان
6 لَهْوَ الْحَدِيثِ: الغناء «1» . نزلت في قرشي اشترى مغنية «2» .
وقيل «3» : الأسمار الكسروية اشتراها النّضر بن الحارث المقتول في أسرى بدر.
12 وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ: قال طاوس: الْحِكْمَةَ: العقل، فقال له مجاهد: ما العقل؟ قال: [يؤتيها] «4» من يطيع الله، وإن كان أسود
__________
(1) ثبت هذا المعنى في عدة آثار وردت عن ابن عباس، وابن مسعود، وغيرهما من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم.
راجع ذلك في الأدب المفرد: 275، وتفسير الطبري: (21/ 61- 63) ، والمستدرك للحاكم: 2/ 411، كتاب التفسير، «تفسير سورة لقمان» ، والسنن الكبرى للبيهقي:
10/ 225، كتاب الشهادات، باب «الرجل يتخذ الغلام والجارية المغنيين ويجمع عليهما ويغنيان» .
وانظر تفسير ابن كثير: (6/ 333، 334) ، والدر المنثور: (6/ 504، 505) .
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 21/ 63 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 504، وزاد نسبته إلى الفريابي، وابن مردويه عن ابن عباس أيضا.
وانظر أسباب النزول للواحدي: 400، وتفسير الماوردي: 3/ 277.
(3) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 326، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 276 عن الفراء والكلبي.
ونقله الواحدي في أسباب النزول: 400 عن الكلبي، ومقاتل.
وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان: 4/ 305، حديث رقم (5194) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
والمراد ب «الأسمار الكسروية» كتب الأعاجم وحكاياتهم وأساطيرهم القديمة.
(4) عن نسخة «ج» .(2/658)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)
اللّون، منتن الريح، قبيح المنظر، صغير الخطر «1» .
14 وَهْناً عَلى وَهْنٍ: نطفة وجنينا «2» . أو ضعف الحمل على ضعف الأنوثة «3» .
أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ: اشكر لي حق النعمة، ولهما حق التربية «4» .
15 وَإِنْ جاهَداكَ: جهدا في قبولك الشرك وجهدت في الامتناع.
وسئل الحسن: أرأيت إن قالا له: لا تصل في المسجد. قال:
فليطعهما، فإنّما يأمرانه به شفقة أن يصيبه شيء «5» .
16 إِنَّها إِنْ تَكُ: الهاء كناية عن الخطيئة، أو عائدة إلى الحسنة «6» .
ويجوز رفع مِثْقالَ «7» مع هذا التأنيث لأنّ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ/ خَرْدَلٍ: معناه خردلة. و «المثقال» مقدار يوازن غيره ف «مثقال حبة» :
مقدار وزنها، وقد كثر المثقال على مقدار الدينار، فإذا قيل: مثقال كافور فمعناه: مقدار الدينار الوازن، وعلى هذا قول أبي حنيفة «8» في استثناء
__________
(1) لم أقف على تخريج هذا الخبر.
(2) ذكر نحوه الماوردي في تفسيره: 3/ 280.
(3) انظر هذا القول في تفسير الطبري: 21/ 69، وتفسير الماوردي: 3/ 280، والمحرر الوجيز: 11/ 494، وزاد المسير: 6/ 319.
(4) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 280، والقرطبي في تفسيره: 14/ 65.
(5) لم أقف على تخريج هذا الخبر.
(6) تفسير الطبري: 21/ 71، وتفسير البغوي: 3/ 492، والمحرر الوجيز: 11/ 499، والبحر المحيط: 7/ 187. [.....]
(7) وهي قراءة نافع كما في السبعة لابن مجاهد: 513.
وانظر توجيه هذه القراءة في معاني القرآن للفراء: 2/ 328، ومعاني القرآن للزجاج:
(4/ 197، 198) ، وحجة القراءات: 565، والكشف لمكي: 2/ 188، والبحر المحيط:
7/ 187.
(8) وهو قول أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، كما في تحفة الفقهاء للسمرقندي: (3/ 327- 328) .
وانظر أقوال العلماء في هذه المسألة في الاستغناء للقرافي: (723- 724) .(2/659)
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26) وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)
المقدر من المقدور وإن لم يكن جنسا.
18 وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ: لا تكثر إمالته كبرا وإعراضا «1» .
ولا تصاعر «2» : لا تلزم خدك الصّعر.
19 لَصَوْتُ الْحَمِيرِ: إذ أوّله زفير وآخره شهيق «3» .
28 كَنَفْسٍ واحِدَةٍ: كخلق نفس واحد «4» .
27 وَالْبَحْرُ: بالرفع على الابتداء، والخبر يَمُدُّهُ وحسن الابتداء في أثناء الكلام لأنّ قوله: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ قد فرغ فيها «أن» من عملها.
وقيل: واو وَالْبَحْرُ واو حال وليس للعطف، أي: والبحر هذه حاله «5» .
31 لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ: كل معتبر مفكّر في الخلق.
32 مَوْجٌ كَالظُّلَلِ: في ارتفاعه وتغطيته ما تحته.
فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ: عدل وفيّ بما عاهد الله عليه في
__________
(1) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 127، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 344، ومعاني الزجاج: 4/ 198، والمفردات للراغب: 281.
(2) هذه قراءة نافع، والكسائي وحمزة، وأبي عمرو، كما في السبعة لابن مجاهد: 513، والتبصرة لمكي: 295، والتيسير للداني: 176.
(3) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 21/ 77 عن قتادة، ونقله الماوردي في تفسيره:
3/ 284 عن قتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 524، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة أيضا.
(4) ينظر هذا القول في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 128، وتفسير الطبري: 21/ 82، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 200، وتفسير الماوردي: 3/ 286.
(5) عن معاني القرآن للزجاج: 4/ 200، وانظر إعراب القرآن للنحاس: (3/ 287، 288) ، والبيان لابن الأنباري: 2/ 256، والتبيان للعكبري: 2/ 1045.(2/660)
البحر «1» .
كُلُّ خَتَّارٍ: غدّار «2» ، وختره الشراب: أفسد مزاجه «3» .
__________
(1) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 288 عن النقاش، ونص كلامه: معناه: عدل في العهد، يفي في البر بما عاهد الله عليه في البحر» .
(2) غريب القرآن لليزيدي: 299، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 345، وتفسير الطبري:
21/ 85، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 201، والمفردات للراغب: 142.
(3) اللسان: 4/ 229 (ختر) .(2/661)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)
سورة السجدة
في الحديث «1» : أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان لا يأوي إلى فراشه حتى يقرأ تنزيل السجدة وتبارك الملك.
3 أَمْ يَقُولُونَ: فيه حذف، أي: فهل يؤمنون به أم يقولون «2» ؟ أو معناه: بل يقولون «3» .
5 يُدَبِّرُ الْأَمْرَ: معناه يدبّر الأمر من السّماء ثم ينزل بالأمر الملك إلى الأرض «4» .
__________
(1) أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن: 184 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
وكذا الإمام أحمد في مسنده: 3/ 340، والإمام البخاري في الأدب المفرد: 414، والدارمي في سننه: 2/ 547، كتاب فضائل القرآن، باب «في فضل سورة تنزيل السجدة وتبارك» والترمذي في سننه: 5/ 165، كتاب فضائل القرآن، باب «ما جاء في فضل سورة الملك» ، والنسائي في عمل اليوم والليلة: 431، وابن السّني في عمل اليوم والليلة: 318، والحاكم في المستدرك: 2/ 412، كتاب التفسير، «تفسير سورة السجدة» ، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
(2) تفسير البغوي: 3/ 497.
(3) ذكره أبو عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 130، وقال الزمخشري في الكشاف: 3/ 240:
«وهذا أسلوب صحيح محكم أثبت أولا أن تنزيله من رب العالمين، وأن ذلك ما لا ريب فيه، ثم أضرب عن ذلك إلى قوله: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ، لأن «أم» هي المنقطعة الكائنة بمعنى «بل» ، والهمزة إنكارا لقولهم وتعجيبا منه لظهور أمره في عجز بلغائهم عن مثل ثلاث آيات منه، ثم أضرب عن الإنكار إلى إثبات أنه الحق من ربك ... » .
وانظر هذا المعنى ل «أم» في كتاب حروف المعاني للزجاجي: 48، ورصف المباني:
179، والجنى الداني: 225، واللسان: 12/ 35 (أمم) .
(4) تفسير الماوردي: 3/ 291، وزاد المسير: 6/ 333. [.....](2/662)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)
ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ: إلى المكان الذي أمر أن يقوم فيه.
فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ: أي: الملائكة التي تصعد بأعمال العباد في يوم واحد، تصعد وتقطع مسافة ألف سنة «1» ، أو الله يقضي أمر العالم لألف سنة في يوم واحد ثمّ يلقيه إلى الملائكة «2» .
4 ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ: ب «ثمّ» صح معنى استولى على العرش بإحداثه «3» ، كقوله «4» : حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ حتى يصح معنى نَعْلَمَ، أي: معنى الصفة بهذا.
7 أحسن كل شيء خلقه «5» : خلقه بدل من كُلَّ شَيْءٍ بدل الشيء من نفسه، أي: أحسن خلق كل شيء حتى جعل الكلب في خلقه حسنا.
ولفظ الكسائي: أحسن ما خلق، وقول/ سيبويه «6» : إنه مصدر من
__________
(1) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 21/ 93 عن ابن زيد، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 292، والقرطبي في تفسيره: 14/ 87 عن ابن شجرة.
(2) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 292 عن مجاهد، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير:
6/ 334، والقرطبي في تفسيره: 14/ 87.
وأخرج نحوه الطبري في تفسيره: (21/ 92، 93) عن مجاهد. ثم قال: «وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معناه: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ثم يعرج إليه في يوم، كان مقدار ذلك اليوم في عروج ذلك الأمر إليه، ونزوله إلى الأرض ألف سنة مما تعدون من أيامكم، خمسمائة في النزول، وخمسمائة في الصعود، لأن ذلك أظهر معانيه، وأشبهها بظاهر التنزيل» اه.
(3) تقدم بيان مذهب السلف في الاستواء، وأنه معلوم والكيف مجهول.
ينظر ص 79.
(4) سورة محمد: آية: 31.
(5) بإسكان اللام، قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر.
السبعة لابن مجاهد: 516، والتبصرة لمكي: 296، وانظر توجيه هذه القراءة في معاني الزجاج: 4/ 204، وحجة القراءات: 568، والكشف لمكي: 2/ 191.
(6) ينظر قول سيبويه في إعراب القرآن للنحاس: 3/ 292، ومشكل إعراب القرآن لمكي:
2/ 567، والبحر المحيط: 7/ 199.(2/663)
وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)
غير صدر أي: خلق كل شيء خلقه، وعلى قراءة خلقه «1» الضمير في الهاء يجوز للفاعل وهو الله، وللمفعول [وهو] «2» المخلوق.
10 إِذا «3» ضَلَلْنا: هلكنا وبطلنا «4» ، وصللنا «5» : تغيّرنا أو يبسنا والصّلّة: الأرض اليابسة «6» .
13 لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها: بالإيحاء «7» . أو إلى طريق الجنّة «8» .
16 تَتَجافى جُنُوبُهُمْ: تنبو وترتفع «9» . وعن أنس «10» : أنها نزلت فينا
__________
(1) بفتح اللام، قراءة عاصم، ونافع، وحمزة، والكسائي.
السبعة لابن مجاهد: 516، والتبصرة لمكي: 296، والتيسير للداني: 177.
(2) ما بين معقوفين عن «ك» .
(3) هكذا في الأصل، وهي قراءة ابن عامر كما في السبعة لابن مجاهد: 516، وقرأ الباقون:
أَإِذا ضَلَلْنا.
(4) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 346، وتفسير الطبري: 21/ 97، والمفردات للراغب:
298، وتفسير القرطبي: 14/ 91.
(5) في الأصل: «وضللنا» بالضاد المعجمة، والصواب بالصاد المهملة عن معاني الزجاج:
4/ 205.
وهي قراءة شاذة نسبت إلى علي وابن عباس، وأبان بن سعيد بن العاص، والحسن، والأعمش.
ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 331، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 293، والمحتسب لابن جني: 2/ 173، والبحر المحيط: 7/ 200.
(6) ينظر معاني القرآن للزجاج: 4/ 205، والصحاح: 5/ 1744، واللسان: 11/ 384 (صلل) .
(7) في «ج» : بالإلجاء.
(8) ينظر تفسير الماوردي: 3/ 295، وتفسير القرطبي: 14/ 96. [.....]
(9) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 132، وغريب القرآن لليزيدي: 300، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 346، وتفسير الطبري: 21/ 99، واللسان: 14/ 148 (جفا) .
(10) أخرجه الواحدي في أسباب النزول: 404، وذكره البغوي في تفسيره: 3/ 500، بغير سند.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 546، وعزا إخراجه إلى ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه.(2/664)
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)
معشر الأنصار، كنا نصلي المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء.
21 مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى: مصائب الدنيا «1» .
27 الْأَرْضِ الْجُرُزِ: اليابسة، كأنها تأكل نباتها «2» . رجل جروز: لا يبقي من الزاد شيئا «3» .
23 وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ: أي: بعد الموت «4» .
أو لقاء ربه «5» .
قال الحسن «6» : آتيناه الكتاب فلقي من قومه أذى، فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ أذى مثله.
28 مَتى هذَا الْفَتْحُ: فتح الحكم بيننا وبينكم، ويوم الفتح: يوم القيامة «7» .
30 إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ: الموت الذي يؤدي إلى ذلك، أو سيأتيهم ذلك فكأنهم ينتظرونه.
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (21/ 108، 109) عن ابن عباس، وأبي بن كعب، وأبي العالية، والحسن، والضحاك.
(2) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 4/ 211.
وانظر هذا المعنى في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 133، وغريب القرآن لليزيدي: 300، وتفسير غريب القرآن: 347، والمفردات للراغب: 91.
(3) معاني القرآن للفراء: 2/ 333، واللسان: 5/ 316 (جرز) .
(4) لم أقف على هذا القول، وأورد الماوردي في تفسيره: 3/ 299 قولا لم ينسبه، وهو: «فلا تكن يا محمد في شك من لقاء موسى في القيامة وستلقاه فيها» .
وذكره- أيضا- القرطبي في تفسيره: 14/ 108.
(5) أي من لقاء موسى عليه السلام لربه. وأخرج الطبراني في المعجم الكبير: 12/ 160 عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ، قال: «جعل موسى هدى لبني إسرائيل، وفي قوله: فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ قال: «لقاء موسى ربه عز وجل» .
وانظر تفسير الماوردي: 3/ 299، وزاد المسير: 6/ 343، وتفسير ابن كثير: 6/ 372.
(6) ينظر قوله في تفسير الماوردي: 3/ 299، والمحرر الوجيز: (11/ 550، 551) ، وزاد المسير: 6/ 343، والبحر المحيط: 7/ 205.
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 21/ 116 عن مجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 557، وزاد نسبته إلى الفريابي، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد أيضا.(2/665)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3) مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)
سورة الأحزاب
1 اتَّقِ اللَّهَ: أكثر من التقوى، أو أدمها «1» .
وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ: فيما سألته وقد ثقيف أن يمتّعوا باللّات سنة «2» .
4 ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ: في رجل قال: لي نفس تأمرني بالإسلام ونفس تنهاني [عنه] «3» .
وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ: في زيد بن حارثة كان يدعى ابن النبي «4» صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) معاني القرآن للزجاج: 4/ 213، وتفسير الماوردي: 3/ 301، وتفسير البغوي: 3/ 505، وزاد المسير: 6/ 348.
(2) لم أقف على هذا القول في سبب نزول هذه الآية، وذكر الواحدي في أسباب النزول: 407 أن الآية نزلت في أبي سفيان، وعكرمة بن أبي جهل، وأبي الأعور السلمي، قدموا المدينة بعد قتال أحد، فنزلوا على عبد الله بن أبي، وقد أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم الأمان على أن يكلموه، فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وطعمة بن أبيرق، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم وعنده عمر بن الخطاب: ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومناة، وقل: إن لها شفاعة ومنفعة لمن عبدها، وندعك وربك. فشق على النبي صلى الله عليه وسلم قولهم، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ائذن لنا يا رسول الله في قتلهم فقال: إني قد أعطيتهم الأمان، فقال عمر: اخرجوا في لعنة الله وغضبه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر أن يخرجهم من المدينة، وأنزل الله عز وجل هذه الآية.
وأورده الحافظ في الكافي الشاف: 132، وقال: «هكذا ذكره الثعلبي والواحدي بغير سند» .
(3) ما بين معقوفين عن «ج» و «ك» .
وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 21/ 118 عن قتادة، ونقله الماوردي في تفسيره:
3/ 302 عن الحسن، وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 561، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن الحسن.
(4) ينظر صحيح البخاري: 6/ 22، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ، وصحيح مسلم: 4/ 1884، كتاب الفضائل، باب «فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد رضي الله عنهما» ، وتفسير الطبري: 21/ 119، وأسباب النزول للواحدي:
408.(2/666)
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6) وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9)
6 النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ: من بعضهم ببعض، أو أولى بهم فيما يراه لهم منهم بأنفسهم.
ولمّا نزلت قال- عليه السلام «1» -: «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، فأيّما رجل توفي وترك دينا، أو ضيعة فإليّ ومن ترك مالا فلورثته» .
وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ: في التحريم والتعظيم.
إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ: أي: لكن فعلكم إلى أوليائكم معروفا جائز، وهو أن يوصى لمن لا يرث.
8 لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ: الله كان أم للناس، أو ليسأل الأنبياء عن تبليغهم تبكيتا «2» لمن أرسل إليهم «3» .
9 إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ: لما أجلى النبيّ- عليه السلام- يهود بني النّضير/ قدموا مكة، وحزّبوا الأحزاب، وتذكّر قريش طوائلهم «4» ، وقائدهم أبو سفيان، وقائد غطفان عيينة بن حصن، وصار المشركون واليهود يدا واحدة، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم وادع بني قريظة وهم أصحاب حصون بالمدينة،
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 6/ 22، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ عن أبي هريرة مرفوعا واللفظ عنده: «ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة، اقرءوا إن شئتم: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فأيما مؤمن هلك وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فإني مولاه» . [.....]
(2) التبكيت: التقريع والتوبيخ.
الصحاح: 1/ 244، واللسان: 2/ 11 (بكت) .
(3) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 21/ 126 عن مجاهد، ونقله الماوردي في تفسيره:
3/ 307 عن النقاش.
(4) الطوائل: الأوتار والذحول، واحدتها طائلة، يقال: «فلان يطلب بني فلان بطائلة، أي بوتر، كأن له فيهم ثأرا ... » .
اللسان: 11/ 414 (طول) .(2/667)
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)
فاحتال لهم حييّ بن أخطب ولم يزل يفتلهم في الذّروة والغارب «1» حتى نقضوا العهد، فعظم البلاء. فأشار سلمان بالمقام بالمدينة، وأن يخندق «2» .
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً: كانت ريح صبا «3» [تطير] «4» الأخبية.
10 إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ: عيينة في أهل نجد، وأَسْفَلَ مِنْكُمْ:
أبو سفيان في قريش «5» .
وزاغَتِ الْأَبْصارُ: شخصت «6» ، وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ:
لشدّة الرعب والخفقان.
ويروى «7» أن المسلمين قالوا: بلغت الحناجر فهل من شيء نقوله؟.
__________
(1) هذا مثل يضرب في المخادعة، يقال ذلك للرجل لا يزال يخدع صاحبه حتى يظفر به.
جمهرة الأمثال للعسكري: 2/ 98، ومجمع الأمثال: 2/ 436، والنهاية: 3/ 410.
(2) ينظر خبر هذه الغزوة في السيرة لابن هشام: (2/ 214، 215) ، وتفسير الطبري:
(21/ 127، 128) ، ودلائل النبوة للبيهقي: 3/ 392، وفتح الباري: (7/ 453، 454) ، وعيون الأثر: 2/ 55.
(3) ورد هذا القول في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 21/ 127 عن مجاهد وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 573، وزاد نسبته إلى الفريابي وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ والبيهقي عن مجاهد.
ويدل عليه الحديث المرفوع: «نصرت بالصّبا وأهلكت عاد بالدبور» .
أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 2/ 22، كتاب الاستسقاء، باب «قول النبي صلى الله عليه وسلم:
نصرت بالصبا» .
وأخرجه- أيضا- الإمام مسلم في صحيحه: 2/ 617، كتاب صلاة الاستسقاء، باب «في ريح الصبا والدبور» .
(4) في الأصل: «نظير» ، والتصويب من نسخة «ج» ، ومن كتاب وضح البرهان للمؤلف.
(5) تفسير الطبري: 21/ 129، وفتح الباري: 7/ 462.
(6) تفسير الطبري: 21/ 131، والمفردات للراغب: 217، واللسان: 8/ 432 (زيغ) .
(7) أخرجه الإمام أحمد في مسنده: 3/ 3، والطبري في تفسيره: 21/ 127 عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه مرفوعا.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 573، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي سعيد أيضا.(2/668)
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19)
فقال عليه السلام: «قولوا: اللهم استر عورتنا وآمن روعتنا» .
وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا: الألف لبيان الحركة «1» ، إذ لو وقف بالسكون لخفي إعراب الكلمة، وكما تدخل الهاء لبيان الحركة في مالِيَهْ «2» وحِسابِيَهْ «3» .
12 ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً: قاله معتّب «4» بن قشير.
13 وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ: بنو سليم «5» .
يَقُولُونَ [إِنَ] «6» بُيُوتَنا عَوْرَةٌ: وهم بنو حارثة «7» .
19 سَلَقُوكُمْ: بلغوا في إيحاشكم «8» .
__________
(1) معاني القرآن للزجاج: 4/ 218، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 305، والبيان لابن الأنباري: 2/ 265، والتبيان للعكبري: 2/ 1053، والبحر المحيط: 7/ 217.
(2) من الآية: 28، سورة الحاقة.
(3) من الآية: 20، سورة الحاقة.
(4) ذكر الفراء في معانيه: 2/ 336 أن القائل هو معتب.
وأورده السيوطي في مفحمات الأقران: 164، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن السدي.
وذكره البغوي في تفسيره: 3/ 516، وابن عطية في المحرر الوجيز: 12/ 24. [.....]
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 310.
(6) سقط من الأصل.
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 21/ 135 عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق محمد بن سعد عن أبيه ... ، وهذا إسناد مسلسل بالضعفاء، وقد تقدم بيان أحوالهم ص (135) .
وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة: 3/ 433 عن ابن عباس أيضا.
وذكره البغوي في تفسيره: 3/ 516، وابن عطية في المحرر الوجيز: 12/ 25 دون عزو.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 579، وزاد نسبته إلى ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(8) كذا في «ك» وفي وضح البرهان: 2/ 182: «بلغوا في أذاكم بالكلام الموحش كل مبلغ» .
وفي مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 135: «أي بالغوا في عيبكم ... » .
وانظر معاني القرآن للفراء: 2/ 339، وغريب القرآن لليزيدي: 302، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 349، والمفردات للراغب: 239.(2/669)
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)
21 أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ: حسن مواساة ومشاركة «1» ، إذ قاتل يوم أحد حتى جرح وقتل عمّه وخاصّته.
23 مَنْ قَضى نَحْبَهُ: مات، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ: أي: الموت.
وإن كان النّحب: النّذر «2» ، فهو نذر صدق القتال.
25 وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ: لما اشتد الخوف أتى نعيم بن مسعود مسلما من غير أن علم قومه، فقال عليه السّلام: «إنّما أنت فينا رجل واحد وإنّما غناؤك أن تخادع عنّا فالحرب خدعة» .
فأتى بني قريظة وكان نديمهم، فذكّرهم ودّه، وقال: إنّ قريشا وغطفان طارئين على بلادكم، فإن وجدوا نهزة «3» وغنيمة أصابوها، وإلّا لحقوا ببلادهم، ولا قبل لكم بالرجل، فلا تقاتلوا حتى تأخذوا رهنا من أشرافهم [78/ أ] ليناجزوا القتال، ثم أتى قريشا وغطفان فذكرهم ودّه/ لهم، وقال: بلغني أمر أنصحكم فيه فاكتموه عليّ، إنّ معشر اليهود ندموا وترضّوا محمّدا على أن يأخذوا منكم أشرافا ويدفعوهم إليه، ثم يكونون معه عليكم، فوقع ذلك من القوم، وأرسل أبو سفيان وعيينة إلى بني قريظة: إنا لسنا بدار مقام، وقد هلك الخف والحافر «4» ، فلنناجز «5» محمدا. فطلبوا رهنا، فقالت قريش:
__________
(1) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 314 عن السدي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 583، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن السدي.
(2) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 349، والمفردات: 484، واللسان: 1/ 750 (نحب) .
(3) أي: فرصة.
الصحاح: 3/ 900 (نهز) ، والنهاية: 5/ 135.
(4) كناية عن الإبل والفرس، وفي النهاية لابن الأثير: 2/ 55: «ولا بد من حذف مضاف: أي ذي خف ... وذي حافر. والخفّ للبعير كالحافر للفرس» .
وانظر اللسان: 9/ 81 (خفف) .
(5) أي: نقاتل.
النهاية لابن الأثير: 5/ 21.(2/670)
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)
والله إنّ حديث نعيم لحقّ، وتخاذل القوم وانصرفوا «1» .
26 مِنْ صَياصِيهِمْ: حصونهم «2» . نزل جبريل ورسول الله في بيت زينب بنت جحش- تغسل رأسه- فقال: عفا الله عنك ما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة فانهض إلى بني قريظة فإني تركتهم في زلزال وبلبال. فحاصرهم عليه السلام وقتلهم وسباهم «3» .
27 وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها: أرض فارس والروم «4» .
30 يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ: لأنّ النّعمة عندهن بصحبة الرسول أعظم والحجة عليهن ألزم.
__________
(1) ينظر خبر نعيم بن مسعود رضي الله عنه في السيرة لابن هشام: (2/ 229، 230) ، وجوامع السيرة لابن حزم: (190، 191) ، وزاد المعاد: (3/ 273، 274) .
(2) معاني القرآن للفراء: 2/ 340، وغريب القرآن لليزيدي: 303، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 349، وتفسير الطبري: 21/ 150، والمفردات للراغب: 291.
(3) أخرجه الطبريّ في تفسيره: 21/ 150 عن قتادة، وأورده السيوطي في الدر المنثور:
6/ 591، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة.
وقيل: بل المراد خيبر، وقيل: اليمن، وقيل: مكة.
وعقب ابن عطية- رحمه الله- على هذه الأقوال بقوله: «ولا وجه لتخصيص شيء من ذلك دون شيء» .
المحرر الوجيز: 12/ 49.
وقال الطبري رحمه الله في تفسيره: 21/ 155: «والصواب من القول في ذلك أن يقال:
إن الله تعالى ذكره أخبر أنه أورث المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض بني قريظة وديارهم وأموالهم، وأرضا لم يطئوها يومئذ، ولم تكن مكة ولا خيبر، ولا أرض فارس والروم ولا اليمن، مما كان وطئوها يومئذ، ثم وطئوا ذلك بعد، وأورثهموه الله، وذلك كله داخل في قوله: وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها لأنه تعالى ذكره لم يخصص من ذلك بعضا دون بعض» اه.
(4) أخرج عبد الرزاق هذا القول في تفسيره: 2/ 115 عن الحسن، وكذا الطبري في تفسيره:
21/ 155.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 592، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم عن الحسن رحمه الله.(2/671)
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)
وقال أبو عمرو: أقرأ بالتشديد «1» للتفسير بالضعفين»
، ولو كان مضاعفة لكان العذاب ثلاثا أو أكثر.
33 وَقَرْنَ «3» : من: وقر يقر وقورا ووقارا، أي: كن ذوات وقار «4» ، ولا تخفقن بالخروج.
والتبرّج: التبختر والتكسر «5» .
36 وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ: في زينب بنت جحش ابنة عمة النّبيّ صلى الله عليه وسلم خطبها لزيد بن حارثة فامتنعت [هي] وأخوها عبد الله «6» .
__________
(1) قراءة أبي عمرو: يضعّف بالياء وتشديد العين وفتحها.
السبعة لابن مجاهد: 521، والتبصرة لمكي: 299، والتيسير للداني: 179. [.....]
(2) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 350: «كأنه أراد: يضاعف لها العذاب، فيجعل ضعفين، أي: مثلين، كل واحد منهما ضعف الآخر. وضعف الشيء: مثله، ولذلك قرأ أبو عمرو: يضعّف، لأنه رأى أن «يضعّف» للمثل، و «يضاعف» لما فوق ذلك» .
وانظر توجيه قراءة أبي عمرو في معاني القرآن للزجاج: 4/ 226، والكشف لمكي:
2/ 196، والبحر المحيط: 7/ 228.
(3) بكسر القاف، وهي قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي.
السبعة لابن مجاهد: 522، والتبصرة لمكي: 299، والتيسير للداني: 179.
(4) قال مكي في الكشف: 2/ 198: «فيكون الأصل في «وقرن» و «اقررن» ، فتحذف الراء الأولى استثقالا للتضعيف، بعد أن تلقى حركتها على القاف، فتنكسر القاف، فيستغنى بحركتها عن ألف الوصل، فيصير اللفظ «قرن» ... » .
(5) تفسير الطبري: 22/ 4، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 225، وتفسير الماوردي: 3/ 322.
(6) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
أي: وامتنع أخوها عبد الله بن جحش كذلك، وأخرج نحوه الطبري في تفسيره: 22/ 11 عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وعكرمة. دون ذكر عبد الله بن جحش.
وأخرج نحوه أيضا الدارقطني في سننه: 3/ 301، كتاب المهر، عن الكميت بن زيد عن مذكور مولى زينب بنت جحش عن زينب رضي الله عنها.
وأورده الزمخشري في الكشاف: 3/ 261، والحافظ في الكافي الشاف: 134، وقال:
«لم أجده موصولا- وأشار إلى رواية الدارقطني ثم قال-: وإسناده ضعيف» . وأشار المناوي في الفتح السماوي: (3/ 935، 936) إلى رواية الدارقطني، وضعف سنده.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 6/ 419: «هذه الآية عامة في جميع الأمور، وذلك إذا حكم الله ورسوله بشيء، فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحد هاهنا ولا رأى ولا قول كما قال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ... » .(2/672)
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)
37 أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ: [أي: على زيد] «1» بالإسلام، وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ:
بالعتق «2» .
وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ: من الميل إليها وإرادة طلاقها «3» .
وقيل «4» : هو ما أعلمه الله بأنها تكون زوجته.
فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً: من طلاقها «5» . وقيل «6» : من نكاحها.
38 وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً: جاريا على تقدير وحكمة.
40 ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ: [أي: من رجالكم البالغين] «7» الحسن والحسين إذ ذاك لم يكونا رجلين، والقاسم وإبراهيم والطيّب والمطهّر «8» توفوا صبيانا.
__________
(1) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
(2) ورد هذا القول في أثر أخرجه عبد الرزاق في تفسيره: 2/ 117 عن قتادة.
وكذا الطبري في تفسيره: 22/ 13، وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 614، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني عن قتادة أيضا.
وانظر هذا القول في تفسير البغوي: 3/ 531، وتفسير القرطبي: 14/ 188، وتفسير ابن كثير: 6/ 419.
(3) المصادر السابقة.
(4) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 327 عن الحسن، وأورده السيوطي في الدر المنثور:
6/ 616، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن السدي.
(5) ذكره الزجاج في معانيه: 4/ 229، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 327، والقرطبي في تفسيره: 14/ 194 عن قتادة.
(6) تفسير القرطبي: 14/ 194.
(7) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
(8) كذا ورد في رواية الطبري في تفسيره: 22/ 16 عن قتادة، وأيضا في معاني القرآن للزجاج: 4/ 230، وتفسير ابن كثير: 6/ 422.
وذكر ابن حبيب في المحبر: 53 أن عبد الله هو الطيب وهو الطاهر.
وقال ابن حزم في الجمهرة: 16: «وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الولد سوى إبراهيم:
القاسم، وآخر اختلف في اسمه، فقيل: الطاهر، وقيل: الطيب، وقيل: عبد الله ... » .(2/673)
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50) تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)
43 يُصَلِّي عَلَيْكُمْ: يوجب بركة الصلاة لكم، وهو الدعاء بالخير، وتوجبه الملائكة بفعل الدّعاء «1» ، وهذا مما يختلف فيه معنى الصفتين، ك «توّاب» بمعنى كثير القبول للتوبة، وبمعنى كثير الفعل لها.
[78/ ب] 48 وَدَعْ أَذاهُمْ: / لا تحزن وكلهم إلينا.
50 وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها: هي ميمونة «2» بنت الحارث.
وقيل «3» : زينب بنت خزيمة.
49 مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها: تحسبونها «تفتعلون» من العدّ «4» .
51 تُرْجِي: تؤخر، وَتُؤْوِي: تضم «5» ، ومعناهما الطلاق والإمساك.
__________
(1) قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله- في تفسيره: 6/ 428: «وأما الصلاة من الملائكة فبمعنى الدعاء للناس والاستغفار، كقوله: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً ...
الآية» اه. [.....]
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 22/ 23 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 333 عن ابن عباس، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير:
6/ 406، والقرطبي في تفسيره: 14/ 209.
(3) أخرجه الطبري في تفسيره: 22/ 23 عن علي بن الحسين، ونقله الماوردي في تفسيره:
3/ 333، والبغوي في تفسيره: 3/ 537 عن الشعبي.
وأورده الحافظ ابن حجر في الفتح: 8/ 386، وقال: «جاء عن الشعبي وليست بثابت ...
ومن طريق قتادة عن ابن عباس قال: التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم هي ميمونة بنت الحارث، وهذا منقطع، وأورده من وجه آخر مرسل وإسناده ضعيف، ويعارضه حديث سماك عن عكرمة عن ابن عباس، «لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له» .
أخرجه الطبري وإسناده حسن، والمراد أنه لم يدخل بواحدة ممن وهبت نفسها له وإن كان مباحا له، لأنه راجع إلى إرادته لقوله تعالى: إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها ... » .
(4) المحرر الوجيز: 12/ 83، والتبيان للعكبري: 2/ 1058.
(5) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 139، وغريب القرآن لليزيدي: 304، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 351، وتفسير الطبري: 22/ 24، وتفسير البغوي: 3/ 537.(2/674)
لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55) إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62) يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)
وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ: طلبت إصابته بعد العزل.
ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ: إذا علمن أنك لا تطلقهن أو لا تتزوج عليهن.
52 لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ: نكاح النساء أو شيء من النساء.
مِنْ بَعْدُ: من بعد التسع إذ لمّا خيّرن فاخترنه أمر أن يكتفي بهن «1» .
53 غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ: منتظرين وقت «2» نضجه «3» .
59 ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ: الحرّة من الأمة «4» ، أو الصالحات من المتبرجات «5» .
69 آذَوْا مُوسى: اتهموه بقتل هارون، فأحياه [الله] «6» فبرّأه ثم مات «7» .
__________
(1) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 22/ 29 عن قتادة، ونقله الماوردي في تفسيره:
3/ 334 عن ابن عباس، وقتادة.
وأورده ابن العربي في أحكام القرآن: 3/ 1570 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(2) في «ج» : بعد.
(3) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 140، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 352، والمفردات للراغب: 29.
والمعنى كما جاء في تفسير الطبري: 22/ 34: «يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله، لا تدخلوا بيوت نبي الله إلّا أن تدعوا إلى طعام غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ، يعني: غير منتظرين إدراكه وبلوغه، وهو مصدر من قولهم: قد أنى هذا الشيء يأني إليّ وأنيا وإناء ... وفيه لغة أخرى، يقال: قد آن لك، أي: تبين لك أينا، ونال لك، وأنال لك ... » .
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 22/ 46 عن قتادة، ومجاهد.
وذكره الواحدي في أسباب النزول: 421 عن السدي بغير سند.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 339 عن قتادة.
(5) ذكر الماوردي نحو هذا القول في تفسيره: 3/ 339.
(6) عن نسخة «ج» .
(7) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 22/ 52 عن ابن عباس رضي الله عنهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأخرجه- أيضا- الحاكم في المستدرك: 2/ 579، كتاب التاريخ، باب «ذكر وفاة هارون بن عمران» ، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 666، وزاد نسبته إلى ابن منيع، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه.
وأشار الحافظ في الفتح: 8/ 395 إلى رواية الطبري وابن أبي حاتم، وقوى إسنادهما.
وثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا أن بني إسرائيل اتهموا موسى عليه الصلاة والسلام بأنه آدر، أو به برص، أو آفة في جسمه. (صحيح البخاري: 4/ 129، كتاب الأنبياء) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «لا مانع أن يكون للشيء سببان فأكثر ... » ذكره تعقيبا على الروايتين.(2/675)
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)
وَجِيهاً: رفيع القدر إذا سأله أعطاه.
72 إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ: الأمانة: ما أودعها الله من دلائل التوحيد فأظهروها إلّا الإنسان «1» .
«الجهول» : الكافر بربه.
وقيل: هو على التمثيل أي منزلة الأمانة منزلة ما لو عرض على الأشياء مع عظمها وكانت تعلم ما فيها لأشفقت منها، إلّا أنّه خرج مخرج الواقع لأنّه أبلغ من المقدّر.
وقيل: العرض بمعنى المعارضة، أي: عورضت السّماوات والأرض، وقوبلت بثقل الأمانة، فكانت الأمانة أوزن وأرجح «2» .
فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها: لم يوازنها.
73 لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ: في الأمانة، وَالْمُشْرِكِينَ: بتضييعها.
وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ: بحفظهم لها.
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 343 وقال: «قاله بعض المتكلمين» .
وأورد الطبري- رحمه الله- عدة أقوال في المراد ب «الأمانة» هنا، ثم قال: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما قاله الذين قالوا: إنه عني بالأمانة في هذا الموضع جميع معاني الأمانات في الدين، وأمانات الناس، وذلك أن الله لم يخص بقوله: عَرَضْنَا الْأَمانَةَ بعض معاني الأمانات لما وصفنا» .
(تفسير الطبري: 22/ 57) .
وقال القرطبي في تفسيره: 14/ 253: «و «الأمانة» تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال» .
(2) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 343 عن ابن بحر.(2/676)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)
ومن سورة سبأ
1 وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ: حمد أهل الجنّة سرورا بالنعيم من غير تكلف «1» وذلك قولهم: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ «2» .
2 يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ: من المطر، وَما يَخْرُجُ مِنْها: من النبات، وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ: من الأقضية والأقدار، وَما يَعْرُجُ فِيها:
من الأعمال «3» .
7 إِذا مُزِّقْتُمْ: بليتم بتقطيع أجسامكم.
10 أَوِّبِي مَعَهُ: رجّعي بالتسبيح «4» ، وَالطَّيْرَ: نصبه بالعطف على موضع المنادى «5» .
__________
(1) في تفسير الماوردي: 3/ 345: «من غير تكلف» ، ويبدو أنه مصدر المؤلف في هذا النص. [.....]
(2) سورة الزمر: آية: 74.
(3) ينظر ما سبق في تفسير الماوردي: 3/ 345، وتفسير البغوي: 3/ 548، وزاد المسير:
6/ 532.
(4) معاني القرآن للفراء: 2/ 355، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 353، وتفسير الطبري:
22/ 65، والمفردات للراغب: 30.
(5) هذا قول سيبويه في الكتاب: (2/ 186، 187) .
وقال الزجاج في معانيه: 4/ 243: «والنصب من ثلاث جهات: أن يكون عطفا على قوله: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا ... وَالطَّيْرَ، أي: وسخرنا له الطير.
حكى ذلك أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء، ويجوز أن يكون نصبا على النداء، المعنى:
يا جبال أوّبي معه والطير، كأنه قال: دعونا الجبال والطير، فالطير معطوف على موضع «الجبال» في الأصل، وكل منادى- عند البصريين كلهم- في موضع نصب ... ويجوز أن يكون «والطير» نصب على معنى «مع» ، كما تقول: قمت وزيدا، أي: قمت مع زيد، فالمعنى: أوّبي معه ومع الطير» .(2/677)
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16)
و «السّرد» «1» : دفع المسمار في ثقب الحلقة، والتقدير فيه: أن يجعل [79/ أ] المسمار على قدر/ الثقب «2» .
12 وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ: سالت له عين القطر، وهو النحاس، من عين فيما وراء أندلس بمسيرة أربعة أشهر، فبنى منه قصرا، وحصر فيها مردة الشياطين، ولا باب لهذا القصر. ذكر ذلك في حكاية طويلة من أخبار عبد الملك بن مروان وأنّ من جرّده لذلك تسورها من أصحابه عدد فاختطفوا فكرّ راجعا «3» .
13 كَالْجَوابِ: كالحياض يجمع فيها الماء «4» .
وَقُدُورٍ راسِياتٍ: لا تزول عن أماكنها.
اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً: اعملوا لأجل شكر الله «5» . مفعول له.
14 مِنْسَأَتَهُ: عصاه. أنسأت الغنم: سقتها «6» .
16 سَيْلَ الْعَرِمِ: المسنيات واحدها عرمة «7» .
ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ: ثمر خمط، والخمط: شجر الأراك «8» ، عطف
__________
(1) من قوله تعالى: أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ... [آية: 11] .
(2) معاني القرآن للفراء: 2/ 356، وتفسير الطبري: (22/ 67، 68) ، وتفسير القرطبي:
14/ 267.
(3) لم أقف على أصل هذه الحكاية ولعلها من الخرافات الشائعة في ذلك العصر.
(4) معاني القرآن للفراء: 2/ 356، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 144، وتفسير الطبري:
22/ 71.
(5) في «ك» : «لأجل الشكر لله» .
(6) اللسان: 1/ 169 (نسأ) .
(7) معاني القرآن للفراء: 2/ 358، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 146، وغريب القرآن لليزيدي: 307.
و «المسناة» : الجسر، أو السد يقام فوق الوادي، والتقدير هنا: فأرسلنا سيل السد العرم.
(تفسير القرطبي: 14/ 285) ، والبحر المحيط: 7/ 370.
(8) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 22/ 81 عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وابن زيد.
وذكره الفراء في معانيه: 2/ 359، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 356.(2/678)
ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)
بيان، أي: الأكل ثمر هذا الشجر.
وقيل «1» : الخمط صفة حمل الشجر وهو المرّ الذي فيه حموضة.
والأثل: شبيه بالطرفاء «2» ، والسّدر: النّبق.
17 هَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ: أي: بمثل هذا الجزاء.
وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى: كانت بينهم وبين بيت المقدس «3» .
قُرىً ظاهِرَةً: إذا قاموا في واحدة ظهرت لهم الثانية.
وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ: للمبيت والمقيل من قرية إلى قرية.
19 باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا: قالوا: ليتها كانت بعيدة فنسير على نجائبنا.
فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ: حتى قيل في المثل: تفرقوا أيدي سبأ «4» .
وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ: ف «غسّان» لحقوا بالشّام [والأنصار] «5» بيثرب وخزاعة بتهامة، والأزد بعمان «6» .
__________
(1) هذا قول الزجاج في معانيه: 4/ 249، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 356 عن الزجاج.
وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 6/ 446، والقرطبي في تفسيره: 14/ 286.
(2) في اللسان عن أبي حنيفة الدينوري: «الطرفاء من العضاه وهدبه مثل هدب الأثل، وليس له خشب وإنما يخرج عصيا سمحة في السماء» .
اللسان: 9/ 220 (طرف) . [.....]
(3) ذكره الزجاج في معانيه: 4/ 250، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 356 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(4) مجمع الأمثال: 2/ 4، والمستقصى: 2/ 88، واللسان: 15/ 426 (يدي) عن ابن بري:
قولهم أيادي سبأ يراد به نعمهم، واليد: النعمة لأن نعمهم وأموالهم تفرقت بتفرقهم.
(5) في الأصل: «الأنمار» ، والمثبت في النص عن «ك» و «ج» ، وعن المصادر التي أوردت هذا القول.
(6) أخرجه الطبري في تفسيره: 22/ 86 عن عامر الشعبي. ونقله الماوردي في تفسيره:
3/ 358، والبغوي في تفسيره: 3/ 556 عن الشعبي. وأورده السيوطي في الدر المنثور:
6/ 693، وعزا إخراجه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الشعبي.(2/679)
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)
20 وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ: أصاب في ظنّه، وظنّه أنّ آدم لما نسي قال: لا يكون ذريته إلّا ضعافا عصاة «1» .
21 وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ: لولا التخلية [بينهم وبين وساوسه] «2» للمحنة.
إِلَّا لِنَعْلَمَ: لنظهر المعلوم.
23 فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ: أزيل عنها الفزع، أفزعته: ذعّرته، وفزّعته:
نفّست عنه «3» ، مثل: أقذيت وقذّيت، وأمرضت، ومرّضت، والمعنى: أنّ الملائكة يلحقهم فزع عند نزول جبريل- عليه السلام- بالوحي ظنا [منهم] «4» أنه ينزل بالعذاب، فكشف عن قلوبهم الفزع فقالوا: ماذا قالَ رَبُّكُمْ:
أي: لأيّ شيء نزل جبريل «5» .
وقيل «6» : حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين قالت
__________
(1) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه ابن أبي حاتم (كما في الدر المنثور: 6/ 695) عن الحسن رحمه الله تعالى.
وانظر تفسير ابن كثير: 6/ 500.
(2) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
(3) فهو من الأضداد كما في اللسان: 8/ 253 (فزع) .
(4) في الأصل: «منه» ، والمثبت في النص عن «ج» .
(5) عن معاني القرآن للزجاج: 4/ 252، وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: (12/ 180، 181) : «وتظاهرت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه الآية- أعني قوله تعالى:: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ إنما هي في الملائكة إذا سمعت الوحي إلى جبريل بالأمر يأمر الله به سمعت كجرّ سلسلة الحديد على الصفوان، فتفزع عند ذلك تعظيما وهيبة» .
وانظر الأحاديث التي أشار إليها ابن عطية- رحمه الله- في صحيح البخاري: 6/ 28، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ... الآية.
وتفسير ابن كثير: 6/ 503، والدر المنثور: 6/ 697.
(6) نقله البغوي في تفسيره: 3/ 557، وابن الجوزي في زاد المسير: 6/ 453 عن الحسن، وابن زيد.
واستبعده ابن عطية في المحرر الوجيز: 12/ 182.(2/680)
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (29) قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33) وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45) قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51) وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52)
الملائكة/: ماذا قال ربكم في الدنيا؟ قالوا: الحق.
24 وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ: أي: أنا وأنتم لسنا على أمر واحد، فيكون أحدنا على هدى والآخر في ضلال، فأضلهم بأحسن تعريض، كما يقول الصادق [للكاذب] «1» إنّ أحدنا لكاذب «2» .
28 إِلَّا كَافَّةً: رحمة «3» شاملة جامعة.
33 بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ: مكرهم فيها، أو كأنّهما يمكران بطول السّلامة فيهما، أو بمرّهما واختلافهما، فقالوا: إنّهما لا إلى نهاية «4» .
45 وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ: ما بلغ أهل مكة معشار ما أوتي الأولون من القوى والقدر، أو الأولون ما بلغوا معشار ما أوتوا، فلا أنتم أعلم منا، ولا كتاب أهدى من كتابنا.
46 أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى: تناظرون مثنى، وتفكرون في أنفسكم فرادى. فهل تجدون في أفعاله وأحواله ومنشأه ومبعثه ما يتهمه؟! «5» .
49 وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ: لا يثبت إذا [بدا] «6» وَما يُعِيدُ: لا يعود إذا زال. أو لا يأتي بخير في البدء والإعادة، أي: الدنيا والآخرة.
52 وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ: التناول «7» ، ناوشته: أخذته من بعيد، والمراد
__________
(1) في الأصل: «الكاذب» ، والمثبت في النص عن «ك» و «ج» ، ووضح البرهان للمؤلف.
(2) راجع هذا المعنى في معاني القرآن للفراء: 2/ 362، وتأويل مشكل القرآن: 269، وتفسير الطبري: 22/ 95، ومعاني الزجاج: 4/ 253.
(3) في «ج» : نعمة.
(4) تفسير غريب القرآن: 357، وتفسير الطبري: 22/ 98، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 354، وتفسير الماوردي: 3/ 360. [.....]
(5) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 364. وأخرج نحوه الطبري في تفسيره: (22/ 104، 105) عن قتادة.
(6) في الأصل: «أبدا» ، والمثبت في النص عن «ج» ، و «ك» وكتاب وضح البرهان: 2/ 208، وتفسير الماوردي: 3/ 365.
(7) معاني القرآن للفراء: 2/ 365، وغريب القرآن لليزيدي: 308، وتفسير غريب القرآن:
358، والمفردات للراغب: 509.(2/681)
وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53)
الإيمان والتوبة، أي: كيف التناول من بعيد لما كان قريبا فلم يتناولوه.
53 وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ: يقولون: لا بعث ولا حساب «1» .
مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ: أي: يقذفون من قلوبهم، وهي بعيدة عن الصدق والصّواب.
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 22/ 112 عن قتادة، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 6/ 470 عن الحسن، وقتادة.(2/682)
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)
ومن سورة الملائكة
1 مَثْنى وَثُلاثَ: هذه الأوزان لتكرير تلك الأعداد ولذلك عدل عن البناء الأول «1» ، ف ثُلاثَ هي ثلاث ثلاث فتكون ثلاثة أجنحة من جانب ومثله من جانب فيعتدل، فلا يصح قول الطاعن: إنّ صاحب الأجنحة الثلاثة لا يطير ويكون كالجادف. أو يجوز أن يكون موضع الجناح الثالث بين الجناحين فيكون عونا لهما فتستوي القوى والحصص.
3 هَلْ مِنْ خالِقٍ: لا أحد يطلق له صفة خالق، أو لا خالق على هذه الصّفة إلّا هو.
5 الْغَرُورُ: الشّيطان «2» . ويقرأ «الغرور» «3» أي: الأباطيل، جمع «غار» ك «قاعد» و «قعود» «4» .
__________
(1) البناء الأول هو اثنان، ثلاثة، أربعة ...
وانظر المعنى الذي ذكره المؤلف في الكشاف: 3/ 298، والمحرر الوجيز: (12/ 213، 214) ، وتفسير القرطبي: 14/ 319.
(2) ورد هذا القول في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 22/ 117 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ونقله ابن عطية في المحرر الوجيز: 12/ 217، وابن كثير في تفسيره: 6/ 521 عن ابن عباس أيضا.
وانظر هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 4/ 263، وتفسير البغوي: 3/ 565، وتفسير القرطبي: 14/ 323.
(3) بضم الغين المعجمة، وتنسب هذه القراءة إلى أبي حيوة، وأبي السّمال العدوي، ومحمد بن السميفع، وسماك بن حرب.
انظر إعراب القرآن للنحاس: 3/ 361، وتفسير القرطبي: 14/ 323، والبحر المحيط:
7/ 300.
(4) عن معاني القرآن للزجاج: 4/ 263.(2/683)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13)
10 إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ: التوحيد والعمل الصالح يرفعه، أي:
[80/ أ] يرتفع الكلم الطّيّب بالعمل الصالح «1» ، أو العمل الصالح يرفعه/ الكلم الطّيّب «2» إذ لا يقبل العمل إلّا من موحد.
11 وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ: أي: من عمر آخر غير الأول كقولك: عندي درهم ونصفه «3» ، بل لا يمتنع أن يزيد الله في العمر أو ينقصه. كما روي «4» أنّ صلة الرحم تزيد في العمر. على أنّ الأحوال مستقرة في سابق العلم.
13 قِطْمِيرٍ: لفافة النّواة «5» ، والنّقير «6» : النقرة التي في ظهرها،
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 22/ 121 عن مجاهد، ونقله الماوردي في تفسيره:
3/ 370 عن سعيد بن جبير، والضحاك.
وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات: 2/ 168 عن مجاهد.
وأورده البغوي في تفسيره: 3/ 566، وقال: «وهو قول ابن عباس، وسعيد بن جبير والحسن، وعكرمة، وأكثر المفسرين» .
(2) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 367، والطبري في تفسيره: 22/ 120.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 370 عن يحيى بن سلام، وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 6/ 478، وقال: «وبه قال أبو صالح وشهر بن حوشب» .
(3) عن معاني القرآن للفراء: 2/ 368، ونص كلامه: ما يطوّل من عمر، ولا ينقص من عمره، يريد آخر غير الأول، ثم كنى عنه بالهاء كأنه الأول. ومثله في الكلام: عندي درهم ونصفه، يعني نصف آخر، فجاز أن يكنى عنه بالهاء، لأن لفظ الثاني كلفظ الأول، فكنى عنه ككناية الأول» .
(4) أخرج الإمام البخاري والإمام مسلم رحمهما الله تعالى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سره أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه» .
صحيح البخاري: 3/ 8، كتاب البيوع، باب «من أحب البسط في الرزق» .
صحيح مسلم: 4/ 1982، كتاب البر، باب «صلة الرحم وتحريم قطعها» .
(5) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 360، وتفسير الطبري: 22/ 125، ومعاني الزجاج:
4/ 266، والمفردات للراغب: 408.
قال ابن قتيبة- رحمه الله-: «وهو من الاستعارة في قلة الشيء وتحقيره» .
(6) وردت هذه اللفظة مرتين في سورة النساء في قوله تعالى: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً آية: 53.
وفي قوله تعالى: فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً [آية: 124] .
وانظر معاني القرآن للزجاج: 4/ 266، والمفردات للراغب: 503. [.....](2/684)
إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)
والفتيل «1» : الذي في وسطها.
14 يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ: بعبادتكم إياهم.
27 جُدَدٌ: طرائق، جمع «جدّة» ك «مدة» ومدد «2» .
والمقتصد «3» : المتوسط في الطاعة، والسّابق: أهل الدرجة القصوى منها، والظالم: مرتكب الصغيرة «4» ، كقوله في الآية الأخرى «5» : وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ فكان لهؤلاء الجنّة.
قال عمر- رضي الله عنه- «6» : «سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج،
__________
(1) من قوله تعالى: بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء: 49] ، ومن قوله تعالى:
قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء: 77] ، وقوله تعالى: فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [الإسراء: 17] .
وانظر المفردات للراغب: 371.
(2) معاني القرآن للفراء: 2/ 369، وغريب القرآن لليزيدي: 309، وتفسير غريب القرآن:
361، وتفسير الطبري: 22/ 131.
(3) في قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [آية: 32] .
(4) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 376، وابن الجوزي في زاد المسير: 6/ 489، والقرطبي في تفسيره: 14/ 346، ويكون الضمير في قوله تعالى: يَدْخُلُونَها عائدا على الأصناف الثلاثة، ولا يكون الظالم هاهنا كافرا ولا فاسقا.
قال القرطبي رحمه الله: «وممن روي عنه هذا القول عمر، وعثمان، وأبو الدرداء، وابن مسعود، وعقبة بن عمرو وعائشة» .
وذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره: 6/ 533 الاختلاف في هذه الآية، ثم قال: «والصحيح أن الظالم لنفسه من هذه الأمة، وهذا اختيار ابن جرير كما هو ظاهر الآية، وكما جاءت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق يشد بعضها بعضا ... » اه-.
وأورد طائفة من الآثار للدلالة على هذا القول.
(5) سورة فاطر: آية: 36.
(6) أخرجه البغوي في تفسيره: 3/ 571 عن عمر رضي الله تعالى عنه ورفعه. وأورده الحافظ ابن حجر في الكافي الشاف: 139 وعزاه إلى البيهقي في «الشعب» من رواية ميمون بن سياه عن عمر رضي الله عنه مرفوعا، وقال الحافظ: «وهذا منقطع، وأخرجه الثعلبي، وابن مردويه من وجه آخر عن ميمون بن سياه عن أبي عثمان النهدي عن عمر، فيه الفضل بن عميرة، وهو ضعيف. ورواه سعيد بن منصور عن فرج بن فضالة عن أزهر بن عبد الله الحرازي عمن سمع عمر، فذكره موقوفا» اه-.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 25، وعزا إخراجه إلى سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، والبيهقي في «البعث» عن عمر رضي الله عنه موقوفا.(2/685)
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)
وظالمنا مغفور له» .
45 عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ: لأنّها خلقت للنّاس.
ومن سورة يس
6 ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ: يجوز ما نافية، ويجوز بمعنى «الذي» «1» أي:
لتخوفنّهم الذي خوّف آباؤهم لأنّ الأرض لا تخلو من حجة.
8 إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ: هي صورة عذابهم، أو مثل امتناعهم عن الإيمان كالمغلول عن التصرف «2» .
وفي حديث النساء «3» : «منهن غلّ قمل» فإنّه إذا يبس الغلّ قمل في
__________
(1) معاني القرآن للأخفش: 2/ 666، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 278، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 383، والتبيان للعكبري: 2/ 1079.
(2) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 383 عن يحيى بن سلام، وذكره البغوي في تفسيره: 4/ 6، وابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 6، ونقله القرطبي في تفسيره: 15/ 8 عن يحيى بن سلام، وأبي عبيدة.
(3) هو من حديث عمر رضي الله عنه كما في غريب الحديث لابن قتيبة: (1/ 602، 603) ، ولفظ الحديث: «النساء ثلاث، فهينة لينة، عفيفة مسلمة تعين أهلها على العيش، ولا تعين العيش على أهلها، وأخرى وعاء للولد، وأخرى غل قمل، يضعه الله في عنق من يشاء، ويفكه عمّن يشاء ... » .
قال ابن قتيبة: «قوله: «غل قمل» ، الأصل فيه أنهم كانوا يغلون بالقدّ وعليه الشعر فيقمل على الرجل» .
وانظر الحديث ومعناه في الفائق: 4/ 122، وغريب الحديث لابن الجوزي: 2/ 161، والنهاية: 3/ 381.(2/686)
إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)
عنقه، فتجتمع عليه محنتان، فضربه مثلا للسليطة اللّسان، الغالية المهر.
مُقْمَحُونَ: مرفوعة رؤوسهم، والمقمح الذي يصوّب رأسه إلى ظهره على هيئة البعير، بعير قامح وإبل قماح «1» .
11 وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ: أي: بالغيب عن الناس، أو فيما غاب عنه من أمر الآخرة.
12 وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا: أعمالهم وَآثارَهُمْ: سننهم بعدهم في الخير والشر، كقوله «2» : يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ.
13 أَصْحابَ الْقَرْيَةِ: أهل أنطاكية «3» .
والرسولان الأولان: توصا وبولص «4» ، والثالث: شمعون «5» .
20 رَجُلٌ يَسْعى: حبيب النجّار «6» .
__________
(1) غريب القرآن لليزيدي: 311، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 363، ومعاني الزجاج:
4/ 279، وتهذيب اللغة: 4/ 81.
(2) سورة القيامة: آية: 13.
(3) ورد هذا القول في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 22/ 155 عن عكرمة، وقتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 49، وعزا إخراجه إلى الفريابي عن ابن عباس رضي الله عنهما. كما نسبه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر عن عكرمة.
وقال الماوردي في تفسيره: 3/ 385: «هي أنطاكية في قول جميع المفسرين» وأنطاكية:
بالفتح ثم السكون والياء مخففة مدينة بالشام قريبة من حلب.
انظر: معجم ما استعجم: 1/ 200، ومعجم البلدان: 1/ 266، والروض المعطار: 38.
(4) في «ك» : توماء وبولص، وجاء في هامش الأصل عن ابن إسحاق في اسميهما: «تاروص» و «ماروص» وعن كعب «صادوق» ، و «صدوق» ، وعن مقاتل: «تومان» ، و «مانوص» .
وانظر الأقوال في اسميهما في زاد المسير: 7/ 10، وتفسير القرطبي: 15/ 14.
(5) قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 12/ 286: «وذكر الناس في أسماء الرسل: صادق مصدوق، وشلوم، وغير هذا، والصحة معدومة فاختصرت» . [.....]
(6) تفسير الطبري: 22/ 158، وتفسير الماوردي: 3/ 388، والتعريف والأعلام للسهيلي:
144، وتفسير القرطبي: 15/ 17.(2/687)
بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32) وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)
وكانت السماء أمسكت فتطيروا بهم وقتلوهم، فلما رأى حبيب نعيم الجنة تمنى إيمان قومه.
27 بِما غَفَرَ لِي: بأي شيء غفر [لي] «1» .
[80/ ب] 28 مِنْ جُنْدٍ: / أي: لم نحتج إلى جند.
29 خامِدُونَ: ميتون «2» .
30 يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ: تلقين لهم أن يتحسروا على ما فاتهم، أو معناه: حلّوا محلّ من يتحسّر عليه «3» .
والحسرة: شدّة النّدم حتى يحسر كالحسير البعير المعيي «4» .
32 وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ: لما بالتخفيف «5» على أنّ «ما» صلة مؤكدة و «إن» مخففة من المثقلة، أي: إن كلا لجميع لدينا محضرون.
وبالتشديد «6» على أنها بمعنى الأوان جحدا، بمعنى: أي: ما كلّ إلّا جميع لدينا. وجَمِيعٌ في الوجهين تأكيد ل كُلٌّ.
35 لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ: أي: يأكلوا من ثمره بغير صنعة كالرطب والفواكه، ويعملون منه بأيديهم كالخبز والحلاوى.
__________
(1) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
(2) تفسير الطبري: 23/ 2، والمفردات للراغب: 158، واللسان: 3/ 165 (خمد) .
(3) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 389 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(4) أي: المتعب.
وانظر معاني القرآن للزجاج: 4/ 285، واللسان: 4/ 188 (حسر) .
(5) وهي قراءة نافع، وابن كثير، وأبي عمرو، والكسائي.
التبصرة لمكي: 306، والتيسير للداني: 126.
وانظر توجيه هذه القراءة، وقراءة التشديد في معاني القرآن للفراء: 2/ 377، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 286، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 393، والكشف لمكي: 2/ 215.
(6) قراءة عاصم، وابن عامر كما في الغاية في القراءات العشر: 246، والتبصرة لمكي:
306، والتيسير للداني: 126.(2/688)
سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)
أو هو على النفي، أي: ليأكلوا ولم يعملوا ذلك بأيديهم «1» .
36 خَلَقَ الْأَزْواجَ: الأشكال.
37 نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ: نخرج منه ضوءه كما تسلخ الشّاة من جلدها «2» .
38 لِمُسْتَقَرٍّ لَها: لأبعد مغاربها من الأفق ثم ترجع إليها «3» .
39 قَدَّرْناهُ مَنازِلَ: المنازل المعروفة الثمانية والعشرون [الشّرطان، البطين، الثّريا، الدّبران، الهقعة، الهنعة، الذّراع، النّثرة، الطّرف، الجبهة، الزّبرة، الصرفة، العوّاء، السّماك، الغفر، الزّباني، الإكليل، القلب، الشّولة،، النعائم، البلدة، سعد الذابح، سعد بلع، سعد السّعود، سعد الأخبية، فرغ الدلو المقدم، فرغ الدلو المؤخر، بطن الحوت. هذه ثمانية وعشرون منزلا، أربعة عشر منها شامية أولها الشرطان وآخرها السّماك، لأنها في شق الشام من السماء، وأربعة عشر منها يمانية أولها الغفر وآخرها بطن الحوت لأنها في شق اليمن عن السماء، وهي تعرف في الهيئات من النجوم] «4» .
__________
(1) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 365، وتفسير الطبري: 23/ 4، ومعاني الزجاج:
4/ 286.
(2) انظر معاني القرآن للزجاج: 4/ 287، والمفردات للراغب: 238، واللسان: 3/ 24 (سلخ) .
(3) انظر هذا المعنى في تفسير الطبري: 23/ 6، وتفسير البغوي: 4/ 12، وزاد المسير:
7/ 19.
وأخرج الإمام البخاري والإمام مسلم رحمهما الله تعالى عن أبي ذر رضي الله عنه قال:
«سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها قال: «مستقرها تحت العرش» .
صحيح البخاري: 6/ 30، كتاب التفسير، سورة يس، باب قوله: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها.
وصحيح مسلم: 1/ 139، كتاب الإيمان، باب «بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان» .
(4) ما بين معقوفين عن نسخة «ك» ، وانظر أسماء منازل القمر في كتاب الأزمنة وتلبية الجاهلية لقطرب: (23، 24) ، والأنواء لابن قتيبة: 4، واللسان: 1/ 176 (نوأ) .(2/689)
لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)
كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ: العذق اليابس «1» . يقولون: عرجون «فنعول» من «الانعراج» بل «فعلون» «2» .
40 لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ: لسرعة سير القمر «3» .
وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ: لا يأتي اللّيل إلّا بعد انتهاء النّهار.
وسئل الرضا «4» - عند المأمون- عن اللّيل والنهار أيّهما أسبق؟ فقال:
النهار ودليله: أمّا من القرآن: وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ، ومن الحساب أنّ الدنيا خلقت بطالع «السّرطان» والكواكب في إشرافها، فتكون الشّمس في «الحمل» عاشر الطالع وسط السّماء.
يَسْبَحُونَ: يسيرون بسرعة فرس سابح وسبوح «5» .
__________
(1) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 161، وغريب القرآن لليزيدي: 311، وتفسير الطبري:
23/ 6، وتفسير القرطبي: 15/ 30.
(2) في «ك» : بل فعلون، من الانعراج.
وفي وزن «عرجون» قال العكبري في التبيان: 2/ 1083: «فعلول، والنون أصل. وقيل:
هي زائدة لأنه من الانعراج وهذا صحيح المعنى، ولكنه شاذ في الاستعمال» .
وانظر الكشاف: 3/ 323، والبيان لابن الأنباري: 2/ 295، وتفسير القرطبي:
15/ 30.
(3) قال النحاس في إعراب القرآن: 3/ 395: «وأحسن ما قيل في معناه وأبينه مما لا يدفع أن سير القمر سير سريع فالشمس لا تدركه في السير» . [.....]
(4) الرّضا: (153- 203 هـ-) .
هو علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق، كان مقربا من الخليفة العباسي المأمون، الذي عهد إليه بالخلافة من بعده، لكنه مات في حياة المأمون ب «طوس» .
قال الحافظ ابن حجر في التقريب: 405: «صدوق، والخلل ممن روى عنه، من كبار العاشرة ... » .
وانظر أخباره في تاريخ الطبري: 8/ 568، وسير أعلام النبلاء: 9/ 387، وشذرات الذهب: 2/ 6.
(5) سبح الفرس: جريه، وفي النهاية: 2/ 332: «فرس سابح، إذا كان حسن مدّ اليدين في الجري» .
وانظر الصحاح: 1/ 372، واللسان: 2/ 470، وتاج العروس: 6/ 444 (سبح) .(2/690)
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)
41 حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ «1» : آباءهم «2» لأنّه ذرأ «3» الأبناء منهم، تسمية للسبب باسم المسبّب، وإن كان الذرية الأولاد فذكرهم لأنه لا قوة لهم على السّفر كقوّة الرجال.
42 مِنْ مِثْلِهِ: من سائر السّفن التي هي مثل سفينة نوح «4» ، أو هو الإبل فإنّهن سفن البرّ «5» .
45 اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ: من عذاب الدنيا، وَما خَلْفَكُمْ: من عذاب الآخرة «6» .
49 وَهُمْ يَخِصِّمُونَ: في متاجرهم ومبايعهم/.
وفي الحديث «7» : «النّفخات ثلاث: نفخة الفزع، والصعق، والقيام
__________
(1) بالجمع قراءة نافع، وابن عامر كما في السبعة لابن مجاهد: 540، والتبصرة لمكي:
307، والتيسير للداني: 184.
(2) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 392 عن أبان بن عثمان رضي الله عنهما. ولفظ الذرية يطلق على الآباء وعلى الأبناء، فهو من الأضداد كما في اللسان: (14/ 285، 286) (ذرا) .
(3) أي: خلق الأبناء منهم.
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/ 10 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ورجحه الطبري: «لدلالة قوله: وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ على أن ذلك كذلك، وذلك أن الغرق معلوم أنه لا يكون إلا في الماء، ولا غرق في البر» .
(5) أخرجه الطبري في تفسيره: (23/ 10، 11) عن محمد بن سعد عن أبيه ... ، وهو إسناد مسلسل بالضعفاء، تقدم بيان أحوالهم ص (135) .
وأخرجه أيضا عن عكرمة، وعبد الله بن شداد، والحسن.
(6) ذكره الزجاج في معانيه: 4/ 289، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 393 عن سفيان، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 23، والقرطبي في تفسيره: 15/ 36.
(7) هذا جزء من حديث طويل أخرجه الطبري في تفسيره: 23/ 14 عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا.
وأورده القرطبي في تفسيره: 13/ 240، ثم قال: «ذكره علي بن معبد والطبري والثعلبي وغيرهم، وصححه ابن العربي» .
وذكره ابن كثير في تفسيره: 5/ 385، وقال: «وهذا الحديث قد رواه الطبراني وابن جرير، وابن أبي حاتم، وغير واحد، مطولا جدا ... » .
قال القرطبي- رحمه الله تعالى- في التذكرة: 266: «واختلف في عدد النفخات، فقيل:
ثلاث، نفخة الفزع لقوله تعالى: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ ونفخة الصعق، ونفخة البعث، لقوله تعالى:
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ.
وهذا اختيار ابن العربي وغيره ... وقيل: هما نفختان، ونفخة الفزع هي نفخة الصعق، لأن الأمرين لا زمان لها، أي: فزعوا فزعا ماتوا منه ... » اه-.
وصحح القرطبي هذا القول وأورد الأدلة عليه، فانظره هناك.(2/691)
قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54) إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)
لرب العالمين» .
52 مِنْ مَرْقَدِنا: يخفّف عنهم بين النفختين فينامون «1» .
55 فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ: ناعمون «2» ، و «الشغل» : افتضاض الأبكار «3» .
وقيل: السّماع، بل هو كلّ راحة ونعيم.
والفكه الذي يتفكه مما يأكل، والفاكه صاحب الفاكهة ك «التامر» «4» .
__________
(1) أخرجه الطبري في تفسيره: 23/ 16 عن قتادة، ونقله البغوي في تفسيره: 4/ 15 عن ابن عباس، وأبي بن كعب، وقتادة.
(2) انظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 366، وتفسير الماوردي: 3/ 396، واللسان:
13/ 524 (فكه) .
(3) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 23/ 18 عن عبد الله بن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنهم.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 64، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا في «صفة الجنة» ، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما كما عزا إخراجه إلى عبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، وعبد الله بن أحمد، وابن مسعود رضي الله عنه.
وانظر هذا القول في معاني الزجاج: 4/ 291، وتفسير الماوردي: 3/ 396، وتفسير ابن كثير: 6/ 569.
(4) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: (2/ 163، 164) ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 366، واللسان: 13/ 524 (فكه) .(2/692)
هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)
56 والْأَرائِكِ: الفرش في الحجال «1» .
57 ما يَدَّعُونَ: يستدعون ويتمنّون «2» .
58 سَلامٌ قَوْلًا: أي: ولهم من الله سلام يسمعونه، وهو بشارتهم بالسّلامة أبدا.
59 وَامْتازُوا: ينفصل فرق المجرمين بعضهم عن بعض «3» .
62 جِبِلًّا «4» وجبلّا: خلقا «5» .
66 لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ: أعميناهم في الدنيا.
فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ: الطريق.
فَأَنَّى يُبْصِرُونَ: فكيف.
67 لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ: في منازلهم حيث يجترحون المآثم.
فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا: لم يقدروا على ذهاب ومجيء.
68 وَمَنْ نُعَمِّرْهُ: نبلغه ثمانين سنة «6» نُنَكِّسْهُ: نرده من القوة إلى
__________
(1) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 164، وغريب القرآن لليزيدي: 312، وتفسير غريب القرآن:
366، وتفسير الطبري: 23/ 20، والمفردات للراغب: 16.
قال الزجاج في معانيه: 4/ 292: «وهي في الحقيقة «الفرش» كانت في حجال أو غير حجال» .
وفي الصحاح: 4/ 1667 (حجل) : «والحجلة بالتحريك: واحدة حجال العروس، وهي بيت يزيّن بالثياب والأسرة والستور» . [.....]
(2) مجاز القرآن: 2/ 164، وتفسير الطبري: 20/ 21، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 292.
(3) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 397 عن الضحاك.
(4) بضم الجيم والباء وتخفيف اللام قراءة ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وقرأ نافع، وعاصم بكسر الجيم والباء وتشديد اللام.
السبعة لابن مجاهد: 542، والتبصرة لمكي: 308، والتيسير للداني: 184.
(5) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 164، وتفسير الطبري: 23/ 23، ومعاني الزجاج: 4/ 293، والمفردات للراغب: 87.
(6) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 399 عن سفيان، وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 70، وعزا إخراجه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سفيان.
والصواب في ذلك ما قاله المفسرون إن المراد من قوله تعالى: نُعَمِّرْهُ: نمد له في العمر ونطيل فيه، ونرده إلى أرذله.
انظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 368، وتفسير الطبري: 23/ 26، وتفسير البغوي:
4/ 18، وزاد المسير: 7/ 33، وتفسير القرطبي: 15/ 51.(2/693)
لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75)
الضعف ومن الزيادة إلى النقصان.
70 مَنْ كانَ حَيًّا: حيّ القلب «1» .
وَيَحِقَّ: يجب.
71 مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا: تولّينا خلقه «2» ، وكقوله «3» : فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ أو مما عملت قوانا.
واليد والأيد: القوّة «4» ، والله متعال أن تحله القوة أو الضعف، فالمعنى: قوانا التي أعطيناها الأشياء.
مالِكُونَ: ضابطون لأن القصد إلى أنها ذليلة لقوله: وَذَلَّلْناها لَهُمْ «5» .
75 جُنْدٌ مُحْضَرُونَ: في النار «6» ، أو عند الحساب «7» : أي: لا
__________
(1) أخرج الطبري في تفسيره: 23/ 28 عن قتادة قال: حيّ القلب حيّ البصر» .
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 400 عن قتادة، وكذا البغوي في تفسيره: 4/ 19، وابن عطية في المحرر الوجيز: 12/ 324.
(2) تفسير البغوي: 4/ 20.
(3) سورة الشورى: آية: 30.
(4) ينظر هذا المعنى في تفسير غريب القرآن: 368، وتأويل مشكل القرآن: 154، 155، والمحرر الوجيز: 12/ 325، والصحاح: 6/ 2540، واللسان: 15/ 424 (يدي) .
(5) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 4/ 294.
وانظر تفسير الطبري: 13/ 28، وتفسير الماوردي: 3/ 401، وتفسير البغوي: 4/ 20.
(6) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 401 عن الحسن، وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 73، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن الحسن رحمه الله تعالى.
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/ 29 عن مجاهد.(2/694)
وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)
ينصرون «1» وهم حاضرون.
78 قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ: قاله أبيّ بن خلف «2» .
ولا يجوز نصب فَيَكُونُ من قوله: كُنْ فَيَكُونُ «3» لأنّ الفعل واحد وإنما ينصب الثاني الذي يجب بوجوب الأول كقولك: ائتني فأكرمك.
ومن سورة الصافات
1 وَالصَّافَّاتِ: الملائكة «4» ، لأنها صفوف في السّماء «5» ، أو تصفّ أجنحتها حتى يؤمروا بما خلقوا لها.
2 فَالزَّاجِراتِ زَجْراً: أي: زجرا تدركه القلوب كما تدرك وسوسة الشّيطان «6» .
__________
(1) في «ك» و «ج» : ينصرونهم.
(2) انظر تفسير الطبري: 23/ 30، وأسباب النزول: 423، وتفسير ابن كثير: 6/ 579، والدر المنثور: (7/ 74، 75) . [.....]
(3) في هذا القول نظر، لأن قراءة النصب سبعية، قرأ بها ابن عامر والكسائي كما في السبعة لابن مجاهد: 544، والتيسير للداني: 137.
وانظر توجيه هذه القراءة في إعراب القرآن للنحاس: 3/ 408، وحجة القراءات:
3/ 408.
(4) هذا قول الجمهور، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره: 438 عن ابن مسعود، وقتادة.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 23/ 33 عن ابن مسعود، وقتادة، ومجاهد، والسدي.
وأخرجه الحاكم في المستدرك: 2/ 429 عن ابن مسعود رضي الله عنه، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 78، وزاد نسبته إلى الفريابي، وعبد بن حميد، والطبراني، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود.
وحكى الطبري- رحمه الله تعالى- إجماع أهل التأويل على هذا القول.
(5) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 404 عن مسروق، وقتادة. وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 44 إلى ابن عباس رضي الله عنهما.
(6) ينظر هذا المعنى في تفسير الفخر الرازي: 26/ 115، وتفسير القرطبي: 15/ 62، وروح المعاني: 23/ 65.(2/695)
فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11)
3 فَالتَّالِياتِ ذِكْراً: تلاوة كتاب الله على أنبيائه «1» . أو ذِكْراً [81/ ب] تسبيحه وتقديسه «2» ، وهذه/ جمع الجمع، لأنّ الملائكة ذكور فجمعهم «صافّة ثم صافات» .
6 بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ: الزينة اسم، أي: بزينة من الكواكب.
7 وَحِفْظاً: حفظناها حفظا.
مارِدٍ: خارج إلى أعظم الفساد «3» .
9 دُحُوراً: قذفا في النار «4» ، وقيل «5» : دفعا بعنف.
واصِبٌ: دائم «6» .
10 إِلَّا مَنْ خَطِفَ: استلب السّمع واسترق.
شِهابٌ ثاقِبٌ: شعلة من النار يثقب ضوؤها.
11 أَمْ مَنْ خَلَقْنا: من السماء والأرض «7» ، أو من الملائكة «8» ، أو
__________
(1) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 45، وقال: «قاله ابن مسعود، والحسن، والجمهور» .
(2) المحرر الوجيز: 12/ 333.
(3) اللسان: 3/ 400 (مرد) ، وروح المعاني: 23/ 69.
(4) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 406 عن قتادة.
(5) انظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 369، وتفسير الطبري: 23/ 39، وتفسير الماوردي:
3/ 406.
(6) معاني القرآن للفراء: 2/ 383، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 166، وغريب القرآن لليزيدي: 314، والمفردات للراغب: 524.
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/ 41 عن مجاهد، وقتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 81، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رحمه الله تعالى.
(8) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 407 عن سعيد بن جبير، وأورده السيوطي في الدر المنثور:
7/ 81، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير.(2/696)
وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)
من الأمم الذين أهلكوا «1» .
لازِبٍ: لاصق، لازق، لازم: ألفاظ أربعة متقاربة «2» .
14 يَسْتَسْخِرُونَ: يستدعون السّخرية «3» ، أو ينسبون الآيات إلى السّخرية [كقولك] «4» استحسنته: وصفته به.
18 داخِرُونَ: أذلّاء صاغرون «5» .
21 يَوْمُ الْفَصْلِ: يوم يفصل بينكم بالجزاء.
22 وَأَزْواجَهُمْ: أشباههم، يحشر الزاني مع الزاني «6» .
23 فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ: دلّوهم وحسنت الهداية فيه لأنّها أوقعت موقع الهداية إلى الجنّة، وهو كقوله «7» : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ.
24 وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ: أي: «عن عمره فيما أفناه، وعن جسده
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 407، وقال: «حكاه ابن عيسى» .
(2) انظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 369، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 299، واللسان:
1/ 738 (لزب) . [.....]
(3) قال الماوردي في تفسيره: 3/ 408: «هو أن يستدعي بعضهم من بعض السخرية بها لأن الفرق بين «سخر» و «استخسر» كالفرق بين «علم» و «استعلم» ..» .
(4) في الأصل و «ج» : «كقوله» ، والمثبت في النص عن «ك» .
(5) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 168، وغريب القرآن لليزيدي: 315، ومعاني الزجاج:
4/ 301، والمفردات للراغب: 166.
(6) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 23/ 46 عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأخرجه- أيضا- عن ابن عباس، ومجاهد، وأبي العالية، والسدي، وابن زيد.
وأخرجه الحاكم في المستدرك: 2/ 430 عن عمر بن الخطاب، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 83، وزاد نسبته إلى عبد الرازق، والفريابي، وابن أبي شيبة، وابن منيع في مسنده، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «البعث» - كلهم- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(7) بعض آية 21 من سورة آل عمران، وآية 34 سورة التوبة، وآية 24 سورة الانشقاق.(2/697)
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45)
فيما أبلاه، وعن ماله ممّ اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه فيما عمل به» «1» .
27 يَتَساءَلُونَ: يقول هذا لذاك: لم غرّرتني؟ وذلك يقول: لم قبلت مني؟.
28 تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ: تقهروننا بالقوة «2» ، أو «اليمين» مثل الدّين، أي: تأتوننا من قبله فتصدّوننا عنه «3» .
41 رِزْقٌ مَعْلُومٌ: لأنّ النّفس إلى المعلوم أسكن.
45 بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ: سمّيت الخمر ب «المعين» إمّا من ظهورها للعين، أو لامتداد العين بها لبعد اطّرادها، أو لشدّة جريها، من «الإمعان»
__________
(1) ورد هذا المعنى في عدة آثار من عدة طرق، منها ما أخرجه الدارمي في سننه: (1/ 144، 145) حديث رقم 537، باب «من كره الشهرة والمعرفة» عن أبي برزة الأسلمي مرفوعا، وأخرجه- أيضا- الترمذي في سننه: 4/ 612، كتاب صفة القيامة، باب «في القيامة» عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه- أيضا- عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا، وفي إسناده الحسين بن قيس الرّحبي المعروف ب «حنش» ، وهو ضعيف متهم كما في التقريب: 168.
قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث الحسين بن قيس، وحسين بن قيس يضعّف في الحديث من قبل حفظه.
والحديث أخرجه ابن عدي في الكامل: (2/ 763، 764) عن ابن مسعود مرفوعا، وفي إسناده- أيضا- الحسين بن قيس الرّحبي.
كما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: 11/ 102، حديث رقم (11177) عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 10/ 349: وفيه حسين بن الحسن الأشقر، وهو ضعيف جدا، وقد وثقه ابن حبان مع أنه يشتم السلف.
(2) و «اليمين» في اللغة القوة والقدرة.
انظر معاني القرآن للفراء: 2/ 384، وتفسير الطبري: 23/ 49، واللسان: 13/ 461 (يمن) .
(3) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 384، وأخرج- نحوه- الطبري في تفسيره: 23/ 49 عن مجاهد، وقتادة، والسدي، وابن زيد.
وانظر معاني القرآن للزجاج: 4/ 302، وتفسير الماوردي: 3/ 411.(2/698)
بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)
في السّير، أو لكثرتها، من «المعن» وهو الكثير، و «الماعون» لكثرة الانتفاع به.
ويقال «شرب ممعون» لا يكاد ينقطع «1» .
46 بَيْضاءَ: مشرقة منيرة فكأنّها بيضاء.
47 لا فِيها غَوْلٌ: أذى وغائلة «2» ، أو لا تغتال عقولهم «3» .
ولا يُنْزِفُونَ «4» : لا يسكرون لئلا يقل حظهم من النّعيم، أو لا ينفد شرابهم، من باب «أقل» و «أعسر» .
48 قاصِراتُ الطَّرْفِ: يقصرن طرفهن على أزواجهن «5» .
49 كَأَنَّهُنَّ/ بَيْضٌ: في نقائها واستوائها.
مَكْنُونٌ: مصون «6» ، أو الذي يكنّه ريش النّعام «7» .
__________
(1) راجع ما سبق في تفسير الطبري: 23/ 52، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 303، واللسان:
(13/ 410، 411) (معن) .
(2) تفسير الطبري: 23/ 53، وتفسير الماوردي: 3/ 412، واللسان: 11/ 509 (غول) .
(3) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/ 54 عن السدي، وذكره أبو عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 169، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 371، والزجاج في معانيه: 4/ 303.
(4) قرأ حمزة والكسائي بكسر الزاي، وقرأ الباقون بفتحها.
قال الزجاج في معانيه: 4/ 303: «فمن قرأ يُنْزَفُونَ فالمعنى: لا تذهب عقولهم بشربها، يقال للسكران نزيف ومنزوف. ومن قرأ ينزفون، فمعناه: لا ينفدون شرابهم، أي: هو دائم أبدا لهم.
ويجوز أيكون يُنْزَفُونَ: «يسكرون» .
وانظر معاني القرآن للفراء: 2/ 385، وغريب القرآن لليزيدي: 316، وتفسير الطبري:
23/ 55، والسبعة لابن مجاهد: 547، والكشف لمكي: 2/ 224.
(5) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 371، وتفسير الطبري: 23/ 56، ومعاني القرآن للزجاج:
4/ 56.
(6) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 170، وغريب القرآن لليزيدي: 317، والمفردات للراغب:
442. [.....]
(7) ذكره الزجاج في معانيه: 4/ 304، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 413 عن الحسن رحمه الله.(2/699)
فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61) أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74) وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)
مدينون «1» : مجزيّون «2» .
55 سَواءِ الْجَحِيمِ: وسطها، لاستواء المسافة منه إلى الجوانب «3» .
أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ: يقوله المؤمن سرورا بنعمة الله، أو توبيخا لقرينه بما كان ينكره «4» .
62 شَجَرَةُ الزَّقُّومِ: أخبث شجر، وتزقّم الطعام: تناوله على كره «5» .
65 طَلْعُها: ما يطلع منها، وقبح صورة الشّيطان متقرّر فجرى الشبيه عليه وإن لم ير.
67 مِنْ حَمِيمٍ: ماء حار.
68 ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ: النار الموقدة، وذلك يدل أنهم في تطعّمهم الزقوم بمعزل عنها، كما قال «6» : يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ.
77 وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ: النّاس كلّهم من ذريّته، فالعرب والعجم أولاد سام، والسّودان أولاد حام، والتّرك والصقالبة أولاد يافث «7» .
78 وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ: أبقينا له الثناء الحسن «8» .
__________
(1) قوله تعالى: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ [آية: 53] .
(2) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 170، وغريب القرآن لليزيدي: 316، وتفسير الطبري:
23/ 60.
(3) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 3/ 414.
(4) ذكره البغوي في تفسيره: 4/ 28 دون عزو، وكذا الزمخشري في الكشاف: 3/ 342، وابن عطية في المحرر الوجيز: 12/ 363.
وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 61، وقال: «ذكره الثعلبي» .
(5) الصحاح: 5/ 1942 (زقم) ، وتفسير الفخر الرازي: 26/ 141.
(6) سورة الرحمن: آية: 44.
(7) انظر تاريخ الطبري: (1/ 201- 203) ، وتفسير الماوردي: 3/ 417، والتعريف والإعلام: 145.
(8) معاني القرآن للفراء: 2/ 387، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 372، وتفسير الطبري:
23/ 68، وتفسير الماوردي: 3/ 417.(2/700)
إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)
84 بِقَلْبٍ سَلِيمٍ: سالم من الشّك والرياء.
87 فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ: أنّه [ماذا] «1» يصنع بكم حين خلقكم ورزقكم وعبدتم غيره «2» ؟.
88 فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ: للاستدلال بها على الصّانع، أو ليس هو نجوم السّماء، بل ما نجم في قلبه من الأصنام «3» ، وقصد إهلاكها.
وقيل: كان علم النّجوم حقا ومن النّبوة، ثم نسخ «4» . بل النّسخ في الأحكام وما كان من علم النّجوم ثابتا من تصريف الله على أمور في العالم، فذلك ثابت أبدا وما ليس بثابت اليوم من فعلها في العالم من تلقاء أنفسها فلم يكن قطّ إلّا أن يقال: الاشتغال بمعرفتها نسخ، فيكون صحيحا.
89 فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ: استدل بها على سقم في بدنه، أو خلقت للموت فأنا سقيم أبدا «5» .
__________
(1) ما بين معقوفين عن «ج» و «ك» .
(2) تفسير الطبري: 23/ 70، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 308، وتفسير البغوي: 4/ 30.
(3) نقل المؤلف- رحمه الله تعالى- هذا القول في كتابه وضح البرهان: 2/ 229 عن الحسن رحمه الله.
(4) نقله المؤلف في وضح البرهان: 2/ 230 عن الضحاك.
وذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 418، والقرطبي في تفسيره: 15/ 92 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: (335، 336) : «يريد علم النجوم، أي في مقياس من مقاييسها، أو سبب من أسبابها، ولم ينظر إلى النجوم أنفسها. يدل على ذلك قوله: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ، ولم يقل: إلى النجوم. وهذا كما يقال: فلان ينظر في النجوم، إذا كان حسابها، وفلان ينظر في الفقه والحساب والنحو.
وإنما أراد بالنظر فيها أن يوهمهم أنه يعلم منها ما يعلمون، ويتعرف في الأمور من حيث يتعرفون، وذلك أبلغ في المحال، وألطف في المكيدة ... » .
(5) قال الزجاج في معانيه: 4/ 308: «وإنما قال: إِنِّي سَقِيمٌ، لأن كل واحد وإن كان معافى فلا بد أن يسقم ويموت، قال الله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ، أي: إنك ستموت فيما يستقبل، كذلك قوله: إِنِّي سَقِيمٌ، أي سأسقم لا محالة» .
وانظر أقوال العلماء في توجيه هذه الآية في تأويل مشكل القرآن: 336، وتفسير الطبري:
23/ 71، وتفسير الماوردي: 3/ 418، وتفسير الفخر الرازي: 26/ 148. [.....](2/701)
فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)
93 فَراغَ عَلَيْهِمْ: مال «1» ، ضَرْباً بِالْيَمِينِ: بالقوة «2» ، أو باليمين الذي هي خلاف الشّمال «3» ، أو بالحلف التي تألّى بها «4» ، فمن قوله «5» :
وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ.
94 يَزِفُّونَ: يسرعون «6» . زفّ يزفّ زفيفا وأزفّ إزفافا. والزّفيف:
ابتداء عدو النعام «7» .
102 فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ: أوان السّعي في عبادة الله «8» ، أو أطاق أن يسعى معه.
[82/ ب] فَانْظُرْ ماذا تَرى: ليس على/ المؤامرة، ولكن اختبره أيجزع أم يصبر «9» .
فقال: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ.
103 وَتَلَّهُ: أضجعه على جبينه، أو ضرب به على تلّ «10» .
__________
(1) معاني القرآن للفراء: 2/ 388، وتفسير الطبري: 23/ 73، ومعاني الزجاج: 4/ 409.
(2) معاني الفراء: 2/ 384، وتفسير الطبري: 23/ 73، واللسان: 13/ 461 (يمن) .
(3) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 419 عن الضحاك، وقال: «لأنها أقوى والضرب بها أشد» .
وانظر تفسير البغوي: 4/ 31، وزاد المسير: 7/ 68، وتفسير ابن كثير: 7/ 22.
(4) ذكره الطبري في تفسيره: 23/ 73، والماوردي في تفسيره: 3/ 419، والبغوي: 4/ 31.
(5) سورة الأنبياء: آية: 57.
(6) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 171، وغريب القرآن لليزيدي: 317، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 372، والمفردات للراغب: 213.
(7) ذكره الزجاج في معانيه: 4/ 309.
وانظر اللسان: 9/ 137، وتاج العروس: 23/ 393 (زفف) .
(8) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 421 عن ابن زيد، وكذا البغوي في تفسيره:
4/ 32، وابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 72، والقرطبي في تفسيره: 15/ 99.
(9) عن تفسير الماوردي: 3/ 422، ويريد ب «المؤامرة» هنا: الأمر.
ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 390، وزاد المسير: 7/ 75.
(10) نقل المؤلف- رحمه الله- هذا القول في كتابه وضح البرهان: 2/ 235 عن قطرب.(2/702)
وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125)
ويروى «1» أنه كلما اعتمد بالشّفرة عليه انقلبت. ويروى أنه يذبح ويصل الله ما يفرى فلا فصل.
وإنما قيل للنّبيّ إنّه من المؤمنين «2» ترغيبا في الإيمان.
112 وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا: بشرناه بنبوّته بعد ما بشرناه بولادته.
130 «ياسين» : محمد وأمّته لأنّه أهل سورة ياسين «3» .
125 أَتَدْعُونَ بَعْلًا: صنم من ذهب، وبه سمّي بعلبك «4» .
مُغاضِباً «5» : المغاضب المتسخط للشّيء الكئيب به، ولمّا ركب السّفينة خافوا الغرق، فقالوا: هنا عبد مذنب لا ننجو أو نلقيه في البحر، فخرجت القرعة على يونس، فذلك قوله: فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ
أي: قارع بالسّهام «6» .
__________
(1) ذكر نحوه القرطبي في تفسيره: 15/ 102، وأورده السيوطي في الدر المنثور: (7/ 109- 111) ، وعزا إخراجه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد.
ونسبه- أيضا- إلى الخطيب في «تالي التلخيص» عن فضيل بن عياض رضي الله عنه.
(2) في قوله تعالى: إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ [آية: 111] .
(3) أورده البغوي في تفسيره: 4/ 41، وقال: «وهذا القول بعيد، لأنه لم يسبق له ذكر» .
وأبطله السهيلي في التعريف والإعلام: 148 وأورد الأدلة على ذلك.
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/ 92 عن الضحاك، وابن زيد.
وذكره الفراء في معانيه: 2/ 392، والماوردي في تفسيره: 3/ 425، والقرطبي في تفسيره: 15/ 116. [.....]
(5) هذه اللفظة الكريمة من الآية 87 من سورة الأنبياء، وقد وردت في سياق قصة يونس عليه السلام هناك.
(6) ورد ذلك في عدة آثار، منها ما أخرجه عبد الرازق في تفسيره: 2/ 154 عن طاوس عن أبيه، والطبري في تفسيره: 23/ 98 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 121، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم عن ابن عباس.
كما عزا إخراجه إلى أحمد في «الزهد» ، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن طاوس.
وانظر تفسير البغوي: 4/ 42، وتفسير ابن كثير: 7/ 33.(2/703)
فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148) فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158)
مِنَ الْمُدْحَضِينَ
: المقروعين المغلوبين «1» .
145 فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ: بالفضاء.
وَهُوَ سَقِيمٌ: كالصّبي المنفوس «2» .
146 مِنْ يَقْطِينٍ: [من] «3» قرع «4» ، أو ما يبسط ورقه على الأرض، «يفعيل» من قطن بالمكان «5» .
147 أَوْ يَزِيدُونَ: على شكّ المخاطبين «6» ، أو للإبهام كأنه قيل أحد العددين «7» .
158 وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً: قالوا: الملائكة بنات الله حتى قال لهم أبو بكر: فمن أمهاتهم «8» ؟.
أو الْجِنَّةِ: الأصنام لأن الجنّ تكلّمهم منها وتغويهم فيها،
__________
(1) معاني القرآن للفراء: 2/ 393، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 374، ومعاني الزجاج:
4/ 313.
(2) في تفسير الطبري: 23/ 101: «وهو كالصبي المنفوس: لحم نيئ» .
والنفوس: الطفل الصغير حين يولد.
الصحاح: 3/ 985، واللسان: 6/ 239 (نفس) .
(3) عن نسخة «ج» .
(4) القرع: بإسكان الراء وتحريكها، نبات معروف، وأكثر ما تسميه العرب: الدّباء.
اللسان: 8/ 269 (قرع) .
(5) عن معاني القرآن للزجاج: 4/ 314، وانظر الصحاح: 6/ 2183، واللسان: 13/ 345 (قطن) ، والتعريف والإعلام للسهيلي: 149.
(6) تفسير الطبري: 23/ 104، ومعاني الزجاج: 4/ 314، وزاد المسير: 7/ 90، وتفسير القرطبي: 15/ 132.
وهو أولى الأقوال عند الفخر الرازي في تفسيره: 26/ 166.
(7) انظر معاني القرآن للزجاج: 4/ 314، وتفسير الفخر الرازي: 26/ 166.
(8) أخرجه الطبري في تفسيره: 23/ 108 عن مجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 133، وزاد نسبته إلى آدم بن إياس، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «شعب الإيمان» عن مجاهد رحمه الله.(2/704)
وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172)
والنّسب: الشّركة، وهذا أولى لقوله: لَمُحْضَرُونَ أي: مزعجون في العذاب، فيكون على القول الأول لَمُحْضَرُونَ قائلو هذا القول.
بِفاتِنِينَ «1» : مضلّين «2» .
164 مَقامٌ مَعْلُومٌ: لا يتجاوزه.
165 لَنَحْنُ الصَّافُّونَ: حول العرش «3» .
172 إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ: لم يقتل نبيّ أمر بالجهاد.
وفي الحديث «4» : «من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر فليكن آخر كلامه في مجلسه: سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ ... الآيات.
ومن سورة ص
1 ذِي الذِّكْرِ: [ذي] «5» الشّرف، أو ذكر الأنبياء والأمم، أو ذكر جميع أغراض القرآن «6» ، وجواب القسم محذوف ليذهب فيه القلب كلّ
__________
(1) من قوله تعالى: ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ [آية: 162] .
(2) معاني القرآن للفراء: 2/ 394، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 375، وتفسير الطبري:
23/ 109، والمفردات للراغب: 372.
(3) وهو معنى قوله تعالى: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الزمر: آية: 75] .
وانظر تفسير الماوردي: 3/ 430، وتفسير ابن كثير: 7/ 115.
(4) أخرجه البغوي في تفسيره: 4/ 46 عن علي رضي الله تعالى عنه موقوفا.
وأورده ابن كثير في تفسيره: 7/ 42، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن الشعبي مرسلا، وأخرجه عبد الرازق في المصنف: 2/ 237، كتاب الصلاة، باب «التسبيح والقول وراء الصلاة» عن علي رضي الله عنه بلفظ: «من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى فليقل عند فروغه من صلاته ... » . [.....]
(5) عن نسخة «ج» .
(6) انظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 376، وتفسير الطبري: 23/ 118، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 319، وتفسير الماوردي: 3/ 433، وزاد المسير: 7/ 98.(2/705)
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10) جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11)
مذهب، فيكون دليله أغزر وتجوزه أزجر «1» .
[83/ أ] 2 فِي عِزَّةٍ: / منعة، وقيل «2» : حميّة الجاهلية.
شِقاقٍ: خلاف وعداوة.
3 لاتَ حِينَ مَناصٍ: ليس حين ملجأ «3» ، ولا تعمل «لات» بالنصب إلا في «الحين» وحده لأنّها مشبّهة ب «ليس» فلا تقوى قوة المشبّه به «4» .
7 وفِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ: التّنصر، لأنها آخر الملل «5» .
9 أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ: فيمنعونك ما منّ الله به عليك من الرسالة.
10 فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ: أي: إلى السّماء فليأتوا منها بالوحي إلى من يشاءوا.
11 جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ: بشارة بهزيمتهم، فكانت يوم
__________
(1) في «ك» وكتاب وضح البرهان: «وبحره أزخر» .
(2) ذكره الطبري في تفسيره: 23/ 119، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 434 عن قتادة.
(3) معاني القرآن للفراء: 2/ 397، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 176، والمفردات: 509.
(4) راجع هذا المعنى في الكتاب لسيبويه: (1/ 57، 58) ، ومعاني القرآن للأخفش: 2/ 670، وتفسير الطبري: (23/ 121، 122) ، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 320، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 451.
(5) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 23/ 126 عن ابن عباس، ومحمد بن كعب القرظي، والسدي.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 436 عن ابن عباس، وقتادة، والسدي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 146، وعزا إخراجه إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد.
كما نسبه إلى عبد حميد عن قتادة.
وانظر هذا القول في تفسير البغوي: 4/ 49، وزاد المسير: 7/ 103، وتفسير ابن كثير:
7/ 47.(2/706)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14) وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15) وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16)
بدر «1» .
وما صلة مقوية للنكرة المبتدأة.
12 ذُو الْأَوْتادِ: ذو الأبنية العالية كالجبال التي هي أوتاد الأرض.
أو ذو الملك الثابت ثبات الوتد في الجدار «2» .
15 ما لَها مِنْ فَواقٍ: بالفتح والضم «3» مثل غمار النّاس وغمارهم، بل «الفواق» ما بين الحلبتين مقدار ما يفوق اللّبن فيه إلى الضّرع ويجتمع.
و «الفواق» - بالضم- مصدر كالإفاقة مثل الجواب والإجابة، فالأول مقدار وقت الراحة والثاني نفي الإفاقة عن الغشية «4» .
16 عَجِّلْ لَنا قِطَّنا: حظّنا، أي: ما كتبت لنا من الرزق «5» . وقيل «6» :
من الجنّة. وقيل»
: من العذاب.
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/ 130 عن قتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 147، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة.
(2) في «ج» : الجبال.
(3) قراءة الضم لحمزة، والكسائي، وقرأ باقي السبعة بفتح الفاء.
السبعة لابن مجاهد: 552، والتبصرة لمكي: 311، والتيسير لأبي عمرو الداني: 187.
(4) انظر توجيه القراءتين في معاني الفراء: 2/ 400، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 179، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: (377، 378) ، وتفسير الطبري: (23/ 132، 133) ، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 323.
(5) أخرجه الطبري في تفسيره: 23/ 135 عن إسماعيل بن أبي خالد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 439، والقرطبي في تفسيره: 15/ 157 عن إسماعيل بن أبي خالد أيضا.
(6) أخرجه الطبري في تفسيره: 23/ 135 عن السدي، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 439 عن سعيد بن جبير، وكذا البغوي في تفسيره: 4/ 50، وابن الجوزي في زاد المسير:
7/ 109.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 148، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/ 134 عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.
وعقب الطبري- رحمه الله تعالى- على الأقوال السالفة بقوله: «وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن القوم سألوا ربهم تعجيل صكاكهم بحظوظهم من الخير أو الشر الذي وعد الله عباده أن يؤتيهموها في الآخرة قبل يوم القيامة في الدنيا استهزاء بوعيد الله ... » . [.....](2/707)
اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)
17 ذَا الْأَيْدِ: ذا القوّة في الدين «1» ، فكان يقوم نصف كلّ ليلة ويصوم نصف كلّ شهر «2» .
19 كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ: يرجّع التسبيح معه «3» . وقيل «4» : رجّاع إلى ما يريده.
20 وَفَصْلَ الْخِطابِ: علم الحكم بين الناس «5» ، أو قطع ما خاطب
__________
(1) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه عبد الرازق في تفسيره: 2/ 161 عن قتادة رحمه الله تعالى.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 23/ 136 عن قتادة، وابن زيد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 148، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد عن قتادة.
وانظر هذا المعنى في معاني القرآن للفراء: 2/ 401، ومجاز القرآن لأبي عبيدة:
2/ 179، ومعاني الزجاج: 4/ 323.
(2) ذكره الزجاج في معانيه: 4/ 323، والماوردي في تفسيره: 3/ 439.
وأخرج الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحبّ الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه» .
صحيح البخاري: 4/ 134، كتاب الأنبياء، باب «أحب الصلاة إلى الله صلاة داود ... » .
وصحيح مسلم: 2/ 816، كتاب الصيام، باب «النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به ... » .
(3) معاني القرآن للزجاج: 4/ 324، وتفسير البغوي: 4/ 51، وزاد المسير: 7/ 111.
(4) تفسير البغوي: 4/ 51، وزاد المسير: 7/ 111.
قال ابن الجوزي: «هذا قول الجمهور» .
(5) هو علم القضاء، وقد أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/ 139 عن مجاهد، والسدي، وابن زيد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 440 عن ابن عباس، والحسن.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 154، وعزا إخراجه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر عن الحسن رحمه الله تعالى.(2/708)
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)
بعض بعضا «1» .
21 نَبَأُ الْخَصْمِ: يتناول العدد والفرد لأنّه لفظ المصدر، والمصدر للجنس «2» .
تَسَوَّرُوا: أتوه من أعلى سوره، وجاء تَسَوَّرُوا، وهما اثنان لأن الاثنين جمع لأن الجمع ضم عدد إلى عدد «3» .
22 وَلا تُشْطِطْ: أشطّ في الحكم: عدل عن العدل وبعد عن الحق.
شطّت به النّوى: تباعدت «4» . وشأنها أنّ جماعة من أعدائه «5»
__________
(1) العبارة في وضح البرهان للمؤلف: 2/ 245: «كأنه قطع المخاطبة وفصل ما خاطب به بعض بعضا» .
(2) تفسير الطبري: 23/ 140، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 325، والبيان لابن الأنباري:
2/ 314.
(3) ينظر التبيان للعكبري: 2/ 1098، والبحر المحيط: 7/ 391.
(4) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 403، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 378، والمفردات للراغب: 260، واللسان: 7/ 334 (شطط) .
(5) جمهور المفسرين على أن «الخصم» كانوا ملائكة.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 12/ 437: «ولا خلاف بين أهل التأويل أن هؤلاء الخصم إنما كانوا ملائكة بعثهم الله ضرب مثل لداود عليه السلام، فاختصموا إليه في نازله قد وقع هو في نحوها ... » .
وقال القرطبي في تفسيره: 15/ 165: «ولا خلاف بين أهل التفسير أنه يراد به ها هنا ملكان» .
ينظر أيضا تفسير الماوردي: 3/ 441، وزاد المسير: 7/ 118، وتفسير الفخر الرازي:
26/ 189، وتفسير البيضاوي: 2/ 307، وروح المعاني: 23/ 178.
قال الكرماني في غرائب التفسير: 2/ 996: «اختلف المفسرون في «الخصم» فذهب الأكثرون إلى أنهم الملائكة. الغريب: كانا آدميين. العجيب: كانا ملكين على صورة آدميين. وقيل: لو كان ملكين لم يقولا: خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ، ولم يقولا:
إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً، لأن الملائكة لا تكذب ولا يبغي بعضهم على بعض، ولا يكونان خصمين، ولا يملكان النعجة ولا غيرها، بل كانا آدميين، دخلا بغير إذنه في غير وقت الخصوم ففزع منهم، ولا يأمرهم الله بالكذب أيضا.
وذهب بعضهم إلى أنهما كانا ملكين، وقالا: أرأيت إن كنا خصمين بغى بعضنا على بعض ... إلى آخر الآية. وقيل: تقديره، ما تقول: خصمان قال بغى بعضنا على بعض «الآيات، إنما هو مثل» اه-.(2/709)
قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25)
تسوّروا محرابه وقصدوه بسوء في وقت غفلة «1» ، فلما رأوه متيقظا انتقض تدبيرهم، فاخترع بعضهم خصومة أنهم قصدوه لأجلها، ففزع منهم، فقالوا:
لا بأس.
[83/ ب] خَصْمانِ «2» : / فقال داود: لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ.
أي [إن] «3» كان الأمر كما تقول، فحلم عنهم وصبر مع الأيد «4» وشدّة الملك.
24 وَخَرَّ راكِعاً: وقع من ركوعه إلى سجوده «5» .
وَأَنابَ: إلى الله شكرا لما وفّقه من الصّبر والحلم.
فَاسْتَغْفَرَ: لذنوب القوم، أو قال: ربّ اغفر لي ولهم.
25 فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ: أي: لأجله.
وقيل في تأويل خطيئته: إنّ الخصم لما قال: إِنَّ هذا أَخِي لَهُ كان الواجب أن يسأله تصحيح دعواه، أو يسأل الخصم الآخر عنه، فعجّل وقال:
لَقَدْ ظَلَمَكَ «6» ، وإن ثبت حديث.....
__________
(1) في «ج» : غفلته.
(2) يريد قوله تعالى: خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ ... وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ.
(3) ما بين معقوفين عن «ك» .
(4) أي: القوة، وقد تم بيان هذا المعنى قبل قليل. [.....]
(5) قال ابن العربي في أحكام القرآن: 4/ 1639: «لا خلاف بين العلماء أن الركوع ها هنا السجود لأنه أخوه إذ كل ركوع سجود، وكل سجود ركوع فإن السجود هو الميل، والركوع هو الانحناء، وأحدهما يدل على الآخر، ولكنه قد يختص كل واحد منهما بهيئة، ثم جاء على تسمية أحدهما بالآخر، فسمى السجود ركوعا» .
وانظر تفسير الماوردي: 3/ 443، وزاد المسير: 7/ 122، وتفسير القرطبي: 15/ 182.
(6) أورده النحاس في إعراب القرآن: 3/ 461، والماوردي في تفسيره: 3/ 443.
وقال ابن العربي- رحمه الله- في أحكام القرآن: 4/ 1638: «أما من قال: إنه حكم لأحد الخصمين قبل أن يسمع من الآخر فلا يجوز ذلك على الأنبياء ... » .(2/710)
إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29) وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31)
أوريا «1» ، فخطيئته خطبته على خطبته «2» ، أو استكثاره من النساء، ويكون فَغَفَرْنا لَهُ بعد الإنابة وإن كانت خطيئته مغفورة فتكون مغفرة على مغفرة.
23 أَكْفِلْنِيها: اجعلني كافلها وانزل أنت عنها «3» .
وَعَزَّنِي: غلبني «4» .
31 الصَّافِناتُ الْجِيادُ: القائمة على ثلاث قوائم «5» [الثّانية] «6» رابعتها.
__________
(1) لم يثبت هذا الحديث ورد جماهير العلماء هذه الرواية الدخيلة، الذي يتنزه عن ارتكاب بعض ما جاء فيها الفضلاء من الناس فضلا عن أنبياء الله المعصومين.
قال القاضي- رحمه الله تعالى- في الشفا: 2/ 827: «وأما قصة داود عليه السلام فلا يجب أن يلتفت إلى ما سطّره فيه الأخباريون من أهل الكتاب الذين بدلوا وغيروا، ونقله بعض المفسرين، ولم ينص الله على شيء من ذلك ولا ورد في حديث صحيح ... » .
ورده- أيضا- ابن العربي في أحكام القرآن: 4/ 1636، والفخر الرازي في تفسيره:
26/ 189 الذي أورد أدلة قوية في بطلان هذه القصة.
وانظر البحر المحيط: 7/ 393، وتفسير ابن كثير: 7/ 51.
(2) ذكره ابن العربي في أحكام القرآن: 4/ 1639، وقال: «وهذا باطل يرده القرآن والآثار التفسيرية كلها» .
(3) عن معاني القرآن للزجاج: 4/ 327.
وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 379، وتفسير الطبري: 23/ 143، وتفسير القرطبي: 15/ 174.
(4) معاني القرآن للفراء: 2/ 404، وغريب القرآن لليزيدي: 322، ومعاني الزجاج:
4/ 327.
(5) قال الزجاج في معانيه: 4/ 330: «الصافنات: الخيل القائمة، وقال أهل اللّغة وأهل التفسير: الصافن: القائم الذي يثنى إحدى يديه أو إحدى رجليه حتى يقف بها على سنبكه- وهو طرف الحافر- فثلاث من قوائمه متصلة بالأرض، وقائمة منها تتصل بالأرض طرف حافرها ... » .
ينظر- أيضا- تفسير الماوردي: 3/ 445، وتفسير البغوي: 4/ 60، واللسان: 13/ 248 (صفن) .
(6) في الأصل: «النايئة» ، والمثبت في النص عن «ك» .(2/711)
فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)
32 أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ: آثرت حبّ المال «1» على ذكر ربّي.
حَتَّى تَوارَتْ: أي: الخيل «2» ، أو الشمس «3» ، ودلّ عليها إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ.
33 فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ: كواها في الأعناق والقوائم «4» ، وجعلها حبيسا في سبيل الله مسوّمة كفارة لصلاة فاتته، أو ذبحها وعرقبها «5» وتصدّق بلحومها كفارة.
وقيل «6» : جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبّا لها.
__________
(1) أخرج عبد الرزاق نحو هذا القول في تفسيره: 2/ 163 عن الحسن، وقتادة.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 23/ 155 عن قتادة، والسدي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 177، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر عن الحسن، وقتادة رحمهما الله تعالى.
كما عزا إخراجه إلى ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
(2) ذكر الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 446، وقال: «حكاه ابن عيسى» . ونقله ابن عطية في المحرر الوجيز: 12/ 456 عن بعض المفسرين ولم يسمهم، وعده الكرماني في غرائب التفسير: 2/ 1000 من غرائب الأقوال، وعزاه إلى ابن عيسى.
(3) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/ 155 عن ابن مسعود رضي الله عنه.
ونقله البغوي في تفسيره: 4/ 60 عن مقاتل. وذكره ابن عطية في المحرر الوجيز:
12/ 456، وابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 130، والقرطبي في تفسيره: 15/ 196، وقال: «الأكثر في التفسير أن التي تواترت بالحجاب هي الشمس» .
(4) ذكره البغوي في تفسيره: 4/ 61، وابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 132، وقال: «حكاه الثعلبي» .
(5) أي: قطع عرقوبهما، وفي الصحاح: 1/ 180 (عرقب) : العصب الغليظ ... وعرقوب الدابة في رجلها بمنزلة الركبة في يدها.
(6) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/ 446 عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 178، وزاد نسبته إلى أبي حاتم عن ابن عباس أيضا، ونقله البغوي في تفسيره: 4/ 61 عن الزهري، وابن كيسان، ثم قال: «وهذا قول ضعيف» . [.....](2/712)
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35)
34 فَتَنَّا سُلَيْمانَ: خلّصناه «1» ، أو ابتليناه «2» .
وسبب فتنته قربانه بعض نسائه في الحيض. وقيل: احتجابه عن النّاس ثلاثة أيام. وقيل «3» : تزوّجه في غير بني إسرائيل.
وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً: أي: ألقيناه لأنه مرض فصار كالجسد الملقى «4» .
ثُمَّ أَنابَ: إلى الصحة.
35 لا يَنْبَغِي: لا يكون لأنه لما مرض عرض لقلبه زوال ملك الدنيا،
__________
(1) من قولهم: فتنت الذهب إذا خلصته، وهو أن يذاب بالنار ليتميز الرديء من الجيد.
الصحاح: 6/ 2175، والمفردات للراغب: 371، واللسان: 13/ 317 (فتن) .
(2) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 446 عن السدي.
(3) وردت هذه الأقوال في كتب التفسير، مثل تفسير الماوردي: 3/ 447، وتفسير البغوي:
4/ 64، وزاد المسير: (7/ 133، 134) ، وتفسير القرطبي: 15/ 199.
وأوردها الفخر الرازي في تفسيره: 26/ 208، وعقب عليها بقوله: «واعلم أن أهل التحقيق استبعدوا هذا الكلام ... » ، ثم ذكر الوجوه التي رد بها هذه الأقوال.
(4) ذكر الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 448 عن ابن بحر.
وأورده ابن عطية في المحرر الوجيز: 12/ 461، وغيره من الأقوال في الآية، ثم قال:
«وهذا كله غير متصل بمعنى هذه الآية» .
وذكر القرطبي في تفسيره: 15/ 202 القول الذي ذكره المؤلف فقال: «وقيل: إن الجسد كان سليمان نفسه وذلك أنه مرض مرضا شديدا حتى صار جسدا، وقد يوصف به المريض المضني فيقال: كالجسد الملقى» اه.
وأخرج الإمام البخاري في صحيحه: 3/ 209، كتاب الجهاد والسير، باب «من طلب الولد للجهاد» عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة على مائة امرأة- أو تسع وتسعين- كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، فلم يحمل منهن إلّا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، والذي نفس محمد بيده لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون» .
قال القاضي عياض في الشفا: 2/ 835، «قال أصحاب المعاني: والشق هو الجسد الذي ألقى على كرسيه حين عرض عليه، وهي عقوبته ومحنته» .(2/713)
فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40) وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43)
فسأل ملك الآخرة «1» .
36 حَيْثُ أَصابَ: قصد وأراد «2» . يقال: أصاب الصواب فأخطأ الجواب «3» .
41 بِنُصْبٍ: بضرّ «4» ، وبِنُصْبٍ «5» تعب، وإنما اشتكى وسوسة الشّيطان لا المرض، لقوله: إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً: كان الشّيطان يوسوس أن [84/ أ] داءه يعدي، فأخرجوه واستقذروه، وتركته امرأته «6» /.
42 ارْكُضْ بِرِجْلِكَ: حرّكها واضرب بها الأرض، فضرب فنبعت عينان «7» .
43 وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ: كانوا مرضى فشفاهم، وقيل «8» : غائبين فردّهم.
وقيل «9» : موتى فأحياهم.
__________
(1) ذكر نحوه الفخر الرازي في تفسيره: 6/ 210.
(2) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 405، وأبو عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 183، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 379، وأخرجه الطبري في تفسيره: 23/ 167 عن ابن عباس، ومجاهد، والحسن، والسدي، والضحاك، وابن زيد.
قال الزجاج في معانيه: 4/ 333: «إجماع المفسرين وأهل اللغة أنه حيث أراد، وحقيقته:
قصد وكذلك قولك للمجيب في المسألة: أصبت، أي: قصدت فلم تخطئ الجواب» .
(3) عن الأصمعي في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 380، وتفسير الماوردي: 3/ 450، وتفسير القرطبي: 15/ 205، واللسان: 1/ 535 (صوب) .
(4) معاني القرآن للفراء: 2/ 406، ومعاني الزجاج: 4/ 334، وتفسير القرطبي: 15/ 207.
(5) بفتح النون والصاد، قراءة يعقوب من القراء العشرة، وتنسب هذه القراءة أيضا إلى الحسن، وعاصم الجحدري.
ينظر الغاية لابن مهران: 250، والنشر: 3/ 277، والبحر المحيط: 7/ 400.
(6) ينظر تفسير الطبري: 23/ 168، وتفسير ابن كثير: 7/ 65.
(7) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 23/ 166 عن قتادة، وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 193، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد عن قتادة أيضا.
(8) ذكر الماوردي هذين القولين في تفسيره: (3/ 452، 453) ، وقال: «حكاهما ابن بحر» .
(9) ذكر الزجاج في معاني القرآن: 4/ 335، والماوردي في تفسيره: 3/ 453، وقال: «عليه الجمهور» .(2/714)
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46)
مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ: أي: الخول والمواشي، أو وهب لهم من أولادهم مثلهم «1» .
44 وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً: جاءته بأكثر مما كانت تأتيه من خير الخبز، فاتهمها «2» .
والضغث: الحزمة من الحشيش «3» .
45 أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ: القوى في العبادة والبصائر في الدين «4» .
46 بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ: إذا نونت الخالصة كانت ذِكْرَى الدَّارِ بدلا عنها، أي: أخلصناهم بذكرى الدار بأن يذكروا بها، أو يكون خبر مبتدأ محذوف، أي: بخالصة هي ذكر الدار.
وإن لم تنون «5» كانت «الخالصة» صفة لموصوف محذوف، أي:
__________
(1) تفسير الماوردي: 3/ 453، والمحرر الوجيز: 12/ 468. [.....]
(2) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 543 عن سعيد بن المسيب، وكذا القرطبي في تفسيره:
15/ 212.
(3) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 185، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 381، ومعاني الزجاج: 4/ 335، واللسان: 2/ 164 (ضغث) .
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/ 170 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 197، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضا.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 197، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضا.
وانظر هذا القول في معاني الزجاج: 4/ 336، وتفسير الماوردي: 3/ 454، وتفسير البغوي: 4/ 66.
(5) هذه قراءة نافع كما في السبعة لابن مجاهد: 554، والتبصرة لمكي: 311، والتيسير للداني: 188.
وانظر توجيه القراءتين في معاني القرآن للزجاج: 4/ 336، وإعراب القرآن للنحاس:
3/ 467، والكشف لمكي: (2/ 231، 232) ، والبحر المحيط: 7/ 402.(2/715)
هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54) هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ (59)
بخصلة خالصة ذكر الدار. وفي الخبر «1» : أن «الخالصة» هي الكتب المنزلة التي فيها ذكر الدار.
وعن مقاتل «2» : أَخْلَصْناهُمْ: بالنّبوّة، وذكر الدار: الآخرة، أي:
يكثرون ذكرها.
49 هذا ذِكْرٌ: أي: شرف يذكرون به، وإنّ لهم مع ذلك لَحُسْنَ مَآبٍ.
52 أَتْرابٌ: على مقدار أسنان الأزواج «3» .
57 هذا فَلْيَذُوقُوهُ: الأمر هذا حميم منه، حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ منتن مظلم «4» بالتخفيف «5» ، والتشديد غسق الجرح سال، وغسق اللّيل: أظلم «6» .
58 وَآخَرُ: عذاب آخر.
مِنْ شَكْلِهِ: شكل ما تقدم ذكره، ويجوز أن يتعلق ب آخَرُ.
أي: وعذاب آخر كائن من هذا الشّكل، ثم أَزْواجٌ صفة بعد صفة «7» .
59 هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ: هم فوج بعد فوج يقتحمون النّار، فالفوج
__________
(1) أورده الماوردي في تفسيره: 3/ 455، وقال: «وهذا قول مأثور» .
(2) ينظر قول مقاتل في تفسير الماوردي: 3/ 455.
(3) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 455.
(4) تفسير الطبري: 23/ 178، وتفسير الماوردي: 3/ 456، وتفسير البغوي: 4/ 67، وتفسير القرطبي: 15/ 222.
(5) بتخفيف السين قراءة نافع، وابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر، وأبي بكر عن عاصم، وتشديد السين قراءة حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم.
السبعة لابن مجاهد: 555، والتبصرة لمكي: 312، والتيسير للداني: 188.
(6) ينظر المفردات للراغب: 361، والكشاف: 3/ 379، واللسان: 10/ 288 (غسق) .
(7) التبيان للعكبري: 2/ 1105، والبحر المحيط: 7/ 406.(2/716)
أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64) قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84)
الأول: الشّياطين، والثاني: الإنس «1» ، أو الأول الرؤساء، والثاني الأتباع «2» .
لا مَرْحَباً بِهِمْ: لا اتسعت أماكنهم.
63 أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا: من الاستفهام الذي معناه التوبيخ، أي: كانوا من السّقوط بحيث يسخر منهم.
61 عَذاباً ضِعْفاً: لكفرهم ولدعائهم إليه.
69 بِالْمَلَإِ الْأَعْلى: بالملائكة «3» اختصموا في آدم حين قيل لهم «4» :
إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً.
72 نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي: توليت خلقه من غير سبب كالولادة التي تؤدي إليها، وكذا تفسير لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ كلّ ذلك لتحقيق الإضافة، وأنّه لم يكن بأمّ أو بسبب.
84 فَالْحَقُّ: [رفعه على أنه خبر المبتدأ، أي: قال: أنا الحق] «5» نصبه على التفسير «6» ، فقدّمه، أي: لأملأنّ جهنّم حقّا/. [84/ ب]
__________
(1) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 456 عن الحسن.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/ 180 عن قتادة، ونقله البغوي في تفسيره:
4/ 67، والقرطبي في تفسيره: 15/ 223 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(3) ورد هذا القول في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: (23/ 183، 184) عن ابن عباس، وقتادة، والسدي.
وأخرجه عبد الرازق في تفسيره: (2/ 168، 169) عن الحسن.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 202، وزاد نسبته إلى محمد بن نصر المروزي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
كما عزا إخراجه إلى عبد بن حميد، ومحمد بن نصر المروزي عن قتادة.
ينظر هذا القول- أيضا- في تفسير الماوردي: 3/ 458، وتفسير البغوي: 4/ 69، وزاد المسير: 7/ 154، وتفسير القرطبي: 15/ 226. [.....]
(4) سورة البقرة: آية: 30.
(5) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
(6) على قراءة نافع، وابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر، والكسائي.
السبعة لابن مجاهد: 557، والتبصرة لمكي: 312، والتيسير للداني: 188.
وانظر توجيه هذه القراءة في تفسير الطبري: 23/ 187، وإعراب القرآن للنحاس:
3/ 474، والكشف لمكي: 2/ 234، والبحر المحيط: 7/ 411.(2/717)
أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)
وَالْحَقَّ أَقُولُ: اعتراض أو قسم «1» ، كقولك: عزمة «2» صادقة لآتينّك.
ومن سورة الزمر
1 لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ: ما لا رياء له «3» . وقيل «4» : الطاعة بالعبادة المستحق بها الجزاء لأنه لا يملكه إلّا هو.
إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي: لحجته، أو لثوابه.
6 فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ: ظلمة البطن والرحم والمشيمة «5» .
9 أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ: استفهام محذوف الجواب، أي: كمن هو غير قانت «6» .
__________
(1) معاني القرآن للفراء: 2/ 412، والبيان لابن الأنباري: 2/ 320، والتبيان للعكبري:
2/ 1107.
(2) أشار ناسخ الأصل إلى نسخة أخرى ورد فيها «عزيمتي» .
وانظر هذه العبارة في معاني الفراء: 2/ 412.
(3) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 460.
(4) تفسير الطبري: 23/ 191، وزاد المسير: 7/ 161.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/ 196 عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، والضحاك.
وذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 382، والزجاج في معانيه: 4/ 345، والماوردي في تفسيره: 3/ 461.
وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: (7/ 163، 164) ، وقال: «قاله الجمهور» .
(6) معاني القرآن للفراء: 2/ 417، والبيان لابن الأنباري: 2/ 322، والبحر المحيط:
7/ 419.(2/718)
فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21)
15 خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ: بإهلاكها في النّار، وَأَهْلِيهِمْ: بأن لا يجدوا في النّار أهلا مثل ما يجد أهل الجنة «1» . أو أهليهم الذين كانوا أعدّوا لهم من الحور «2» .
16 لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ: الأطباق والسّرادقات.
وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ: الفرش والمهاد، وهي ظلل وإن كانت من تحت لأنّها ظلّل من هو تحتهم «3» .
19 أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ: معنى الألف هنا التوقيف «4» ، وألف أَفَأَنْتَ مؤكدة معادة لما طال الكلام، ومعنى الكلام: إنّك لا تقدر على إنقاذ من أضلّه الله.
21 يَهِيجُ: ييبس «5» ، حُطاماً: فتاتا متكسرا «6» .
__________
(1) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 464 عن مجاهد، وابن زيد. وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 169.
(2) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 464، وابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 169 عن الحسن، وقتادة، ونقله أبو حيان في البحر: 7/ 420 عن الحسن رحمه الله.
(3) تفسير البغوي: 4/ 74، والمحرر الوجيز: (12/ 518، 519) ، وزاد المسير: 7/ 169، وتفسير القرطبي: 15/ 343، والبحر المحيط: 7/ 420.
(4) عن معاني الزجاج: 4/ 349، ونص كلام الزجاج هناك: «هذا من لطيف العربية، ومعناه معنى الشرط والجزاء وألف الاستفهام ها هنا معناها معنى التوقيف، والألف الثانية في أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ جاءت مؤكدة معادة لمّا طال الكلام، لأنه لا يصلح في العربية أن تأتي بألف الاستفهام في الاسم وألف أخرى في الخبر. والمعنى: أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه؟ ومثله: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ [المؤمنون: 35] ، أعاد أَنَّكُمْ ثانية، والمعنى: أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما مخرجون ... » .
وانظر تفسير الطبري: 23/ 208، والمحرر الوجيز: 12/ 521.
(5) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 383، وتفسير الطبري: 23/ 208، واللسان: 2/ 395 (هيج) . [.....]
(6) معاني القرآن للزجاج: 4/ 351، والمفردات للراغب: 123.(2/719)
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40) إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)
22 فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ: أي: للقاسية من ترك ذكر الله.
23 كِتاباً مُتَشابِهاً: يشبه بعضه بعضا، مَثانِيَ: ثنّي فيها أقاصيص الأنبياء، وذكر الجنّة والنّار «1» . أو يثنّى فيها الحكم بتصريفها في ضروب البيان، أو يثنّى في القراءة فلا تملّ «2» .
28 غَيْرَ ذِي عِوَجٍ: غير معدول به عن جهة الصّواب.
29 مُتَشاكِسُونَ: متعاسرون «3» ، خلق شكس.
ورجلا سالما «4» : خالصا ليس لأحد فيه شركة، ليطابق قوله:
رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ، وسَلَماً «5» : مصدر سلم سلما: خلص خلوصا.
42 وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها: أي: يقبضها عن الحسّ والإدراك مع بقاء الروح.
قال عليّ «6» رضي الله عنه: «الرؤيا من النّفس في السّماء، والأضغاث
__________
(1) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 383، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 467 عن ابن زيد.
(2) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 467 عن ابن عيسى، وذكره الزمخشري في الكشاف:
3/ 395، والقرطبي في تفسيره: 15/ 249.
(3) هذا قول المبرد، وهو من: شكس يشكس فهو شكس، مثل: عسر يعسر عسرا فهو عسر.
(إعراب القرآن للنحاس: 4/ 10) .
وانظر تفسير المشكل لمكي: 303، واللسان: 6/ 112 (شكس) .
(4) بالألف وكسر اللام، وهي قراءة ابن كثير، وأبي عمرو كما في السبعة لابن مجاهد: 562، والتبصرة لمكي: 314، والتيسير للداني: 189.
(5) قراءة نافع، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وابن عامر.
وانظر توجيه القراءتين في معاني القرآن للزجاج: 4/ 352، وإعراب القرآن للنحاس:
4/ 10، والكشف لمكي: 2/ 338.
قال الزمخشري في الكشاف: 3/ 397: «وقرئ سَلَماً بفتح الفاء والعين، وفتح الفاء وكسرها مع سكون العين، وهي مصادر «سلم» ، والمعنى: ذا سلامة لرجل، أي:
ذا خلوص له من الشركاء، من قولهم: سلمت له الضيعة» .
(6) أورده الماوردي في تفسيره: 3/ 471 مع اختلاف في بعض ألفاظه.(2/720)
وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48) فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)
منها قبل الاستقرار في الجسد يلقيها الشّياطين» .
وقال ابن عبّاس «1» رضي الله عنهما: «لكلّ جسد نفس وروح، فالأنفس تقبض في المنام دون الأرواح» .
45 اشْمَأَزَّتْ: انقبضت «2» .
49 إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ: أي: سأصيبه «3» ، أو بعلم علّمنيه الله «4» .
أو على علم يرضاه عني «5» .
56 أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ: لئلا تقول «6» ، أو كراهة أن تقول/ «7» . [85/ أ] يا حَسْرَتى: الألف بدل ياء الإضافة لمدّ الصّوت بها في الاستغاثة «8» .
فِي جَنْبِ اللَّهِ: في طاعته «9» ، أو أمره «10» .
يقال: صغر في جنب ذلك، أي: أمره وجهته لأنّه إذا ذكر بهذا الذكر دلّ على اختصاصه به من وجه قريب من معنى صفته.
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 470، وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 230، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(2) تفسير الطبري: 24/ 10، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 15، وتفسير القرطبي: 15/ 264.
(3) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 471، وقال: «حكاه النقاش» .
(4) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 471 عن الحسن، وكذا القرطبي في تفسيره: 15/ 266.
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 471 عن ابن عيسى.
(6) ذكره الطبري في تفسيره: 24/ 18، ونقله النحاس في إعراب القرآن: 4/ 17 عن الكوفيين.
(7) قال الزجاج في معانيه: 4/ 359: «المعنى: اتبعوا أحسن ما أنزل خوفا أن تصيروا إلى حال يقال فيها هذا القول، وهي حال الندامة ... » . [.....]
(8) ينظر تفسير الطبري: 24/ 18، وتفسير القرطبي: 15/ 270، والبحر المحيط: 7/ 435.
(9) نقل البغوي هذا القول في تفسيره: 4/ 85 عن الحسن رحمه الله، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 192، والقرطبي في تفسيره: 15/ 271.
(10) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 24/ 19 عن مجاهد، والسدي.(2/721)
وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)
السَّاخِرِينَ: المستهزئين.
61 بِمَفازَتِهِمْ: ما فازوا به من الإرادة «1» .
67 وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ: في حكمه وتحت أمره «2» .
68 فَصَعِقَ: مات «3» ، أو غشي عليهم «4» .
إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ: من الملائكة «5» .
ثُمَّ نُفِخَ: يقال: بين النّفختين أربعون سنة «6» .
71 زُمَراً: أمما.
__________
(1) تفسير الماوردي: 3/ 473.
(2) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 7/ 104: «وقد وردت أحاديث كثيرة متعلقة بهذه الآية الكريمة، والطريق فيها وفي أمثالها مذهب السلف، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تحريف» .
(3) ذكره الطبري في تفسيره: 24/ 30، والزجاج في معانيه: 4/ 362، والماوردي في تفسيره: 3/ 474، وقال: «وهو قول الجمهور» .
ينظر أيضا تفسير البغوي: 4/ 87.
(4) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 474، وقال: «حكاه ابن عيسى» .
(5) راجع الاختلاف في المستثنين في هذه الآية عند تفسير قوله تعالى: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ [النمل: 87] .
ورجح الطبري في تفسيره: 24/ 30 القول الذي أورده المؤلف رحمه الله.
(6) ورد هذا القول في أثر طويل أخرجه ابن أبي داود في كتاب البعث: 80 عن أبي هريرة مرفوعا، وأخرجه ابن مردويه كما في فتح الباري: 8/ 552، والدر المنثور: 7/ 252 عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا.
قال الحافظ ابن حجر: «وهو شاذ» .
وأخرج الإمام البخاري والإمام مسلم رحمهما الله تعالى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«بين النفختين أربعون. قالوا: يا أبا هريرة! أربعون يوما، قال: أبيت. قال: أربعون سنة، قال: أبيت، قال: أربعون شهرا، قال: أبيت ... » .
ينظر صحيح البخاري: 6/ 34، كتاب التفسير، باب قوله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ.
وصحيح مسلم: 4/ 2270، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب «ما بين النفختين» .(2/722)
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)
73 وَفُتِحَتْ أَبْوابُها: واو الحال، أي: يجدونها عند المجيء مفتّحة الأبواب، وأمّا النّار فمغلقة لا تفتح إلّا عند دخولهم «1» .
71 حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ: ظهر حقّها بمجيء مصداقها.
74 وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ: أرض الجنّة «2» لأنّها صارت لهم في آخر الأمر كما يصير الميراث «3» .
75 حَافِّينَ: محدقين مطيفين «4» .
ومن سورة المؤمن
في الحديث «5» : «مثل الحواميم في القرآن مثل الحبرات في الثياب» .
3 وَقابِلِ التَّوْبِ: جمع «توبة» ك «دومة» ودوم، و «عومة» وعوم. أو
__________
(1) ينظر معاني القرآن للزجاج: 4/ 364، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 23، وزاد المسير:
7/ 199، والمحرر الوجيز: 12/ 571، وتفسير القرطبي: 15/ 285.
(2) هذا قول أكثر المفسرين كما في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 384، وتفسير الطبري:
24/ 37، ومعاني القرآن للزجاج، 4/ 364، وتفسير الماوردي: 3/ 476، وتفسير القرطبي: 15/ 287.
(3) عن تفسير الماوردي: 3/ 476.
(4) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 192، وتفسير الطبري: 24/ 37، ومعاني الزجاج:
4/ 463.
(5) ذكره الزجاج في معانيه: 4/ 365 مرفوعا، وكذا القرطبي في تفسيره: 15/ 288، وعزاه إلى الثعلبي.
وهو أيضا في المحرر الوجيز: 14/ 111 (ط. المغرب) ، والبحر المحيط: 7/ 446.
والحبرات جمع حبرة: ضرب من برود اليمن، والحبير من البرود ما كان موشيا مخططا.
النهاية لابن الأثير: 1/ 328، واللسان: 4/ 159 (حبر) . [.....](2/723)
وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15)
مصدر مثل «توبة «1» .
ذِي الطَّوْلِ: ذي الإنعام الطويل مدّته «2» .
وَالْأَحْزابُ: عاد وثمود «3» .
6 وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ: أي: على مشركي العرب كما حقّت على من قبلهم.
أَنَّهُمْ: بدل من كَلِمَةُ.
7 وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً: هذا مما نقل فيه الفعل إلى الموصوف مبالغة، نحو: طبت به نفسا، والتقدير: وسعت رحمتك وعلمك كلّ شيء.
10 لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ: حين يقول أهل النّار: مقتنا أنفسنا، وهي لام الابتداء «4» ، أو لام القسم «5» .
15 يُلْقِي الرُّوحَ: الوحي الذي يحيي به القلوب، أو يرسل جبريل.
يَوْمَ التَّلاقِ: يوم يتلقى «6» الأولون والآخرون «7» . أو يتلقى أهل
__________
(1) معاني القرآن للأخفش: 2/ 674، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 26، والمحرر الوجيز:
14/ 113.
(2) تفسير القرطبي: 15/ 291، واللسان: 11/ 414 (طول) .
(3) ينظر تفسير الطبري: 24/ 42، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 366، والكشاف: 3/ 415، وتفسير القرطبي: 15/ 293.
(4) هذا قول الأخفش في معانيه: 2/ 675، ونص كلامه: «فهذه اللام هي لام الابتداء، كأنه:
ينادون يقال لهم، لأن النداء قول، ومثله في الإعراب، يقال: لزيد أفضل من عمرو» .
وحكى الطبري هذا القول في تفسيره: 24/ 47 عن البصريين.
وانظر إعراب القرآن للنحاس: 4/ 27، وتفسير القرطبي: 15/ 296.
(5) اختاره الطبري في تفسيره: 24/ 47.
(6) في «ج» : يلتقي.
(7) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 482، وقال: «وهو معنى قول ابن عباس» .
وانظر هذا القول عن ابن عباس رضي الله عنهما في زاد المسير: 7/ 211، وتفسير القرطبي: 15/ 300.(2/724)
يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18)
السماء والأرض «1» ، أو يلقى فيه المرء عمله «2» .
16 لِمَنِ الْمُلْكُ: يقوله بين النّفختين «3» ، أو في القيامة «4» فيجيب الخلائق: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ.
18 يَوْمَ الْآزِفَةِ: القيامة «5» ، أو يوم الموت «6» الذي هو قريب.
إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ: تلصق بالحنجرة لا ترجع ولا تخرج فيستراح.
كاظِمِينَ: ساكتين «7» / مغتمين، حال محمولة على المعنى إذ [85/ ب]
__________
(1) ورد هذا القول في أثر أخرجه عبد الرازق في تفسيره: 2/ 180 عن قتادة، وأخرجه الطبري في تفسيره: 24/ 50 عن قتادة، والسدي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 279، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة.
(2) ذكره البغوي في تفسيره: 4/ 94 دون عزو، وكذا ابن عطية في المحرر الوجيز:
14/ 123.
وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 211، وقال: «حكاه الثعلبي» .
وذكر القرطبي في تفسيره: 15/ 300 الأقوال السابقة وقال: «وكله صحيح المعنى» .
(3) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 483 عن محمد بن كعب القرظي.
(4) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 483، وابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 212 وقال الماوردي رحمه الله: «وفي المجيب عن هذا السؤال قولان:
أحدهما: أن الله هو المجيب لنفسه وقد سكت الخلائق لقوله، فيقول: لله الواحد القهار.
قاله عطاء.
الثاني: أن الخلائق كلهم يجيبه من المؤمنين والكافرين، فيقولون: لله الواحد القهار. قاله ابن جريج» .
(5) وهو قول الجمهور كما في زاد المسير: 7/ 212.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 24/ 52 عن مجاهد، وقتادة، والسدي، وابن زيد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 281، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد.
(6) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 483 عن قطرب، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير:
7/ 212.
(7) المفردات للراغب: 432، واللسان: 12/ 520 (كظم) . [.....](2/725)
وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)
الكاظمون أصحاب القلوب «1» .
28 يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ: هذا باب من النظر يذهب فيه إلى إلزام الحجة بأيسر الأمر، وليس فيه نفي الكلّ. قال الشاعر- وهو النّابغة «2» -:
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته ... وقد يكون من المستعجل الزّلل
فكان مؤمن آل فرعون- وهو حزبيل «3» -، وكان لفرعون بمنزلة وليّ العهد قال: أقل ما يكون في صدقه: أن يصيبكم بعض الذي يعدكم، وفي بعض ذلك هلاككم.
19 خائِنَةَ الْأَعْيُنِ: هو مسارقة النّظر «4» ، أو النظر إلى ما نهي عنه «5» ، أي: يعلم الأعين الخائنة.
46 يُعْرَضُونَ: تجلد «6» جلودهم في النّار غدوة وعشيا بهذه المقادير من ساعات الدنيا.
قال الحسن «7» : وجميع أهل النّار تعرض أرواحهم على النّار غير
__________
(1) معاني القرآن للزجاج: 4/ 369، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 29، والتبيان للعكبري: 2/ 1117.
(2) كذا في الأصل ولم يرد اسمه في نسخة (ك) ، والصحيح أنه القطامي والبيت في ديوانه: 2 من قصيدة طويلة، وبعده:
والناس من يلق خيرا قائلون له ... ما يشتهي ولأم المخطئ الهبل
(3) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 485 عن الكلبي، وعزاه البغوي في تفسيره: 4/ 96 إلى ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر العلماء.
وقيل في اسمه: «شمعان» بالشين المعجمة، قال السهيلي في التعريف والإعلام: 151:
«وهو أصح ما قيل فيه» .
وانظر الاختلاف فيه في زاد المسير: 7/ 217، وتفسير القرطبي: 15/ 306.
(4) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 484 عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذكره البغوي في تفسيره: 4/ 95 دون عزو.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 24/ 54 عن مجاهد، وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 282 وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد أيضا.
(6) في «ج» : تجدد.
(7) لم أقف على تخريج هذا الأثر.(2/726)
مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74)
أنّ لأرواح آل فرعون من الألم والعذاب ما ليس لغيرهم، وكذلك أرواح المؤمنين يغدا بها ويراح على أرزاقها في الجنّة، غير أنّ لأرواح الشّهداء من السّرور واللّذة ما ليس لغيرهم، فاستدلّ بهذا من قوله على أنه يذهب إلى أنّ الأرواح أجسام.
74 بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً: ليس بإنكار، إذ لا يكذبون في تلك النّار، ولكنه كقولك: ما صنعت شيئا ولم أك في شيء.
سورة حم السجدة
4 لا يَسْمَعُونَ: لا يقبلون «1» .
9 خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ: ثم قال: فِي أَرْبَعَةِ: أي: الإكمال والإتمام في «أربعة» .
8 سَواءً: مصدر، أي: استوت سواء «2» ، ورفعه «3» على تقدير: فهي سواء.
لِلسَّائِلِينَ: معلّق بقوله: وَقَدَّرَ لأنّ كلّا يسأل الرزق «4» .
8 مَمْنُونٍ: منقوص «5» .
12 فَقَضاهُنَّ: أحكم خلقهنّ «6» .
__________
(1) أي: لا يسمعون سماع قبول.
(2) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 196، ومعاني الزجاج: 4/ 381، وإعراب القرآن للنحاس:
4/ 50.
(3) وهي قراءة أبي جعفر كما في تفسير الطبري: 24/ 98، والبحر المحيط: 7/ 486، والنشر: 3/ 288.
(4) عن معاني القرآن للزجاج: 4/ 381.
(5) تفسير الطبري: 24/ 93، والمفردات للراغب: 474.
(6) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 288، ومعاني الزجاج: 4/ 381، وتفسير الماوردي:
3/ 498.(2/727)
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14) فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)
11 أَتَيْنا طائِعِينَ: لم يمتنع عليه كونهما وكانتا كما أراد، وجمع العقلاء لأنّ الخبر عنهما وعمّن يكون فيهما من العباد المؤمنين.
ريح صرصر «1» : باردة «2» .
16 نَحِساتٍ: صفة مثل: حذر وفزع «3» .
ونَحِساتٍ: ساكنه الحاء «4» مصدر وجمعه لاختلاف أنواعه ومرّاته، أو نحسات هي الباردات «5» ، والنّحس: البرد «6» .
17 صاعِقَةُ: صيحة جبريل «7» عليه السّلام.
[86/ أم] 20 حَتَّى إِذا ما جاؤُها: «ما» بعد/ «إذا» تفيد معنى «قد» في تحقيق الفعل «8» .
19 يُوزَعُونَ: يدفعون «9» .
21 وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ: كناية عن الفروج «10» .
__________
(1) في قوله تعالى: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ ... [آية: 16] . [.....]
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 24/ 102 عن قتادة، والضحاك، والسدي.
(3) الكشاف: 3/ 449، والبحر المحيط: 7/ 490.
(4) قراءة نافع، وأبي عمرو، وابن كثير كما في السبعة لابن مجاهد: 576، والتبصرة لمكي:
319، والتيسير: 193.
(5) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 499 عن النقاش، وكذا القرطبي في تفسيره:
15/ 348.
(6) اللسان: 6/ 227 (نحس) .
(7) ينظر هذا القول في تفسير الماوردي: 2/ 219، وتفسير البغوي: 2/ 391، وتفسير القرطبي: 9/ 61.
(8) ذكر المؤلف- رحمه الله- هذا القول في وضح البرهان: 2/ 267 عن المغربي، والعبارة هناك: «ما إذا جاءت بعد إذا أفاد معنى «قد» في تحقيق وقوع الفعل الماضي» .
(9) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 197، وتفسير البغوي: 4/ 112، وتفسير القرطبي:
15/ 350.
(10) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 16، وذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 389، والزجاج في معانيه: 4/ 382، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 500 عن ابن زيد.
وعزاه البغوي في تفسيره: 4/ 112 إلى السدي وجماعة.
وضعف الطبري هذا القول في تفسيره: 24/ 106.(2/728)
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)
25 وَقَيَّضْنا: خلينا «1» ، يقال: هذا قيض لهذا وقيّاض، أي: مساو، وقضني به وقايضني: بادلني «2» .
ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: زيّنوا لهم الدنيا، وَما خَلْفَهُمْ: أنسوهم أمر الآخرة «3» أو هو دعاؤهم: أن لا بعث ولا جزاء «4» .
وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ: بمصيرهم إلى العذاب الذي أخبروا به.
26 وَالْغَوْا فِيهِ: لغا يلغو [لغوا] «5» ولغى يلغي لغا: إذا خلط الكلام «6» .
وقيل: لغى تكلم فقط «7» ، واللّغة [محذوفة اللام] «8» «فعلة» منه، أي:
تكلموا فيه بالرد.
ولا تَسْمَعُوا: لا تقبلوا.
29 أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا: إبليس وقابيل سنّا الفساد وبدءا به «9» .
__________
(1) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 501 عن ابن عيسى.
(2) ينظر تفسير القرطبي: 15/ 354، واللسان: 7/ 225 (قيض) .
(3) تفسير الطبري: 24/ 111، وتفسير الماوردي: 3/ 501.
(4) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 501 عن الكلبي.
(5) عن نسخة «ج» . [.....]
(6) معاني القرآن للزجاج: 4/ 384، والمفردات للراغب: 451، واللسان: 15/ 251 (لغا) .
(7) اللسان: 15/ 251 (لغا) .
(8) عن نسخة «ج» .
(9) ورد هذا القول في أثر أخرجه عبد الرازق في تفسيره: 2/ 186، والطبري في تفسيره:
(24/ 113- 114) عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وعن قتادة.
وأخرجه- أيضا- الحاكم في المستدرك: 2/ 440، كتاب التفسير، عن علي رضي الله عنه، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي.
ونقله القرطبي في تفسيره: 15/ 357 عن ابن عباس، وابن مسعود وغيرهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 321، وزاد نسبته إلى الفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن عساكر عن علي رضي الله عنه.
قال السهيلي في التعريف والإعلام: 152: «ويشهد لهذا القول الحديث المرفوع: «ما من مسلم يقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من ذنبه، لأنه أول من سن القتل» اه.
الحديث أخرجه البخاري في صحيحه: 4/ 104، كتاب الأنبياء، باب «خلق آدم وذريته» .
ومسلم في صحيحه: 3/ 1304، كتاب القسامة، باب «بيان إثم من سن القتل» عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وضعف ابن عطية في المحرر الوجيز: (14/ 181، 182) القول الذي ذكره المؤلف، لأن ولد آدم مؤمن وعاص، وهؤلاء إنما طلبوا المضلين بالكفر المؤدي إلى الخلود من النوعين ...
وقال: «ولفظ الآية يزحم هذا التأويل، لأنه يقتضي أن الكفرة إنما طلبوا اللذين أضلا» .
وقال أبو حيان في البحر المحيط: 7/ 495: «والظاهر أن «اللذين» يراد بهما الجنس، أي: كل مغو من هذين النوعين» اه.(2/729)
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)
30 ثُمَّ اسْتَقامُوا: جمعت «1» جميع الخيرات.
ُمُ الْبُشْرى
: يبشّرون في ثلاثة مواضع: عند الموت، وفي القبر، ويوم البعث «2» .
34 وادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ: التبسّم عند اللقاء، والابتداء بالسّلام.
35 وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا: أي: دفع السّيئة بالحسنة.
36 يَنْزَغَنَّكَ: يصرفنّك عن الاحتمال.
فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ: من شرّه وامض على علمك «3» .
37 الَّذِي خَلَقَهُنَّ: غلب تأنيث اسم الشّمس تذكير غيرها لأنّها أعظم.
أو يرجع على معنى الآيات، إذ قال: ومن آياته هذه الأشياء «4» .
__________
(1) في «ج» : جمعوا.
(2) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 3/ 503.
(3) عن معاني القرآن للزجاج: 4/ 387، وفيه: «وامض على حلمك» .
(4) الكشاف: 3/ 454، والبحر المحيط: 7/ 498.(2/730)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47)
39 خاشِعَةً: غبراء متهشمة «1» .
وَرَبَتْ: عظمت، ويقرأ «2» : وربأت لأنّ النّبت إذا همّ أن يظهر ارتفعت له الأرض «3» .
40 يُلْحِدُونَ: يميلون عن الحق في أدلّتنا.
42 مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ: لا يبطله شيء مما وجد قبله أو معه ولا يوجد بعده «4» .
وقيل «5» : لا في إخباره عمّا تقدم ولا عمّا تأخر.
44 ءَ أَعْجَمِيٌّ: أي: لو جعلناه أعجميا لقالوا: كتاب أعجميّ وقوم عرب.
والأعجميّ الذي لا يفصح ولو كان عربيا، والعجمي من العجم ولو تفاصح بالعربية «6» .
يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ: لقلة أفهامهم، أو لبعد إجابتهم.
48 مِنْ مَحِيصٍ: من محيد «7» .
47 آذَنَّاكَ: أعلمناك «8» .
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ: كلّ من سئل عنها قال: الله أعلم.
__________
(1) تفسير الطبري: 24/ 122، ومعاني الزجاج: 4/ 387، وتفسير البغوي: 4/ 116.
(2) هذه قراءة أبي جعفر من القراء العشرة.
النشر: 3/ 289، وإتحاف فضلاء البشر: 2/ 444.
(3) عن معاني الزجاج: 4/ 388، وانظر إعراب القرآن للنحاس: 4/ 63.
(4) ذكره الزجاج في معانيه: 4/ 388، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 507 عن قتادة.
(5) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 507 عن ابن جريج، وكذا القرطبي في تفسيره: 15/ 367 وذكره ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 262 دون عزو.
(6) معاني القرآن للزجاج: 4/ 389، واللسان: 12/ 387 (عجم) . [.....]
(7) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 198، والمفردات للراغب: 136.
(8) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 390، وتفسير الطبري: 25/ 2، ومعاني الزجاج: 4/ 391.(2/731)
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)
ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ: يشهد أن لك شريكا «1» ، أو شهيد لهم «2» .
ذو دعاء عريض «3» : كلّ عرض له طول، فقد تضمّن المعنيين، ولأنه [86/ ب] على مجانسة صدر/ الآية أَعْرَضَ «4» .
53 وَفِي أَنْفُسِهِمْ: بالأمراض والأسقام «5» .
وفِي الْآفاقِ: بالصّواعق «6» ، وقيل «7» : في ظهور مثل الكواكب ذوات الذوائب.
وقيل «8» : فِي الْآفاقِ: بفتح أقطار الأرض، وَفِي أَنْفُسِهِمْ بفتح مكة.
ومن سورة حم. عسق
3 كَذلِكَ يُوحِي: كالوحي المتقدم يوحي إليك.
5 يَتَفَطَّرْنَ: أي: تكاد القيامة تقوم والعذاب يحضر.
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (25/ 1، 2) عن السدي، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 265 عن مقاتل.
(2) هذا معنى قول الفراء في معانيه: 3/ 20، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 390، وانظر زاد المسير: 7/ 265، وتفسير الفخر الرازي: 27/ 138.
(3) من قوله تعالى: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ [آية: 51] .
(4) ينظر تفسير الماوردي: 3/ 509، والمحرر الوجيز: 14/ 199.
(5) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 510 عن ابن جريج، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 267، وذكره القرطبي في تفسيره: 15/ 374 دون عزو.
(6) ينظر المصادر السابقة.
(7) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 509، والفخر الرازي في تفسيره: 27/ 129 دون عزو.
ونقله البغوي في تفسيره: 4/ 119، وابن عطية في المحرر الوجيز: 14/ 199 عن عطاء، وابن زيد.
(8) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 509 عن السدي، وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير:
7/ 267 إلى السدي، ومجاهد، والحسن.
وانظر تفسير البغوي: 4/ 118، وتفسير الفخر الرازي: 27/ 139.(2/732)
فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16) اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18) اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)
11 لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ: لا مثل له ولا ما يقاربه في المماثلة، تقول: هو كزيد إذا أردت التشبيه المقارب «1» ، وإذا أردت أبعد منه قلت: هو كأنه زيد، والكاف أبلغ في نفي التشبيه «2» ، أي: لو قدّر له مثل في الوهم لم يكن لذلك المثل شبيه فكيف يكون لمن لا مثل له شبيه وشريك «3» ؟.
يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ: يخلقكم «4» ، أو يكثّركم «5» ، أي: على هذا الخلق المشتمل عليكم وعلى أنعامكم.
12 لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ: مفاتيحها بالمطر، وَالْأَرْضِ بالثمار والنّبات «6» .
15 لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ: لا حجاج بعد الذي أوضحناه من البينات، وتصديتم لها بالعناد.
وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ: أي: في التبليغ والإعلام «7» .
16 مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ: لظهور حجته بالمعجزات «8» .
19 لَطِيفٌ بِعِبادِهِ: في إيصال المنافع وصرف الآفات من وجه يلطف إدراكه.
__________
(1) في «ج» : المتقارب.
(2) كذا في «ك» ووضح البرهان للمؤلف، وعزا هذا القول هناك إلى القاضي كثير بن سهل، ولعل العبارة نفي الشبيه، وقد يكون المراد نفي التشبيه، لأن نفيه أبلغ من نفي المشابهة.
(3) راجع ما سبق في تفسير الفخر الرازي: (27/ 152، 153) .
(4) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 199، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 391، ومكي في تفسير المشكل: 307. [.....]
(5) اختاره الزجاج في معانيه: 4/ 395، والفخر الرازي في تفسيره: 27/ 149، وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 276 إلى الفراء، والزجاج.
(6) نقل البغوي هذا القول في تفسيره: 4/ 122 عن الكلبي.
وذكره الفخر الرازي في تفسيره: 27/ 154، والقرطبي في تفسيره: 15/ 274.
(7) ينظر تفسير الماوردي: 3/ 516، والمحرر الوجيز: 4/ 211، وتفسير القرطبي: 16/ 13.
(8) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 517.(2/733)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)
20 وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها: أي: كما نؤتي غيره، لا أنّه يؤتى كل ما يسأل وفي الحديث «1» : «اخرجوا إلى معايشكم وخرائثكم» .
23 إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى: إلّا أن توددوني لقرابتي منكم «2» ، أو إلّا أن تودّدوا قرابتي «3» ، أو إلّا التّودّد على التقرّب إلى الله بالعمل الصالح «4» .
24 يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ: ينسك القرآن «5» .
__________
(1) أخرجه الخطابي في غريب الحديث: 1/ 554 عن معتمر بن سليمان عن أبيه، وهو من قول المشركين في غزوة بدر عند ما بلغهم خروج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر يرصدون العير، وفي إسناد الخطابي يعقوب بن زهير، لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله ثقات.
والحديث أيضا في الفائق: 1/ 274، وغريب الحديث لابن الجوزي: 1/ 200.
قال الخطابي رحمه الله: «الحرائث: أنضاء الإبل، واحدتها حريثة، وأصله في الخيل إذا هزلت ... » .
(2) يدل على هذا القول الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 6/ 37، كتاب التفسير، باب قوله: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم. فقال ابن عباس:
عجلت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلّا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة. اه.
وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 25/ 23 عن ابن عباس، وعكرمة، وأبي مالك.
وهو قول الأكثرين كما في زاد المسير: 7/ 284، ورجحه- أيضا- ابن كثير في تفسيره:
(7/ 187، 188) .
(3) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 25/ 25 عن علي بن الحسين، وسعيد بن جبير، وعمرو بن شعيب.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 518 عن علي بن الحسين، وعمرو بن شعيب، والسدي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 348، وعزا إخراجه إلى سعيد بن منصور عن سعيد ابن جبير.
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (25/ 25، 26) عن الحسن رحمه الله تعالى.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 518، وابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 285 عن الحسن، وقتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 350، وعزا إخراجه إلى عبد بن حميد، والبيهقي في «شعب الإيمان» عن الحسن رحمه الله.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 25/ 27 عن قتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 350، وزاد نسبته إلى عبد الرازق، وعبد بن حميد عن قتادة.
وانظر تفسير الماوردي: 3/ 518، وتفسير البغوي: 4/ 126، وتفسير القرطبي: 16/ 25.(2/734)
وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26) وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31) وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35) فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)
26 وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا: أي: دعاء ربهم، أو في دعاء بعضهم لبعض.
و «السين» في مثله لتوكيد الفعل، كقولك: ثبت واستثبت، وتعظم واستعظم.
31 وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ: الكلمة التي سبقت في تأخير عذابهم.
35 وَيَعْلَمَ: نصبه على الصرف «1» من الجزم عطفا على قوله: وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ.
38 وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ: لا يستأثر بعضهم على بعض/ ولا ينفرد [87/ أ] برأي. ومثله: أمرهم فوضى. والشّور: العرض «2» .
48 كَفُورٌ: يعدّد المصائب ويجحد النعم «3» .
51 وَحْياً: إلهاما «4» .
أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ: بكلام بمنزلة ما يسمع من وراء حجاب.
52 رُوحاً مِنْ أَمْرِنا: القرآن «5» .
__________
(1) يعني أن يَعْلَمَ منصوب، وصرف عن الجزم مع أنه معطوف على الفعل وَيَعْفُ، وهو مجزوم، وعلامة الجزم حذف حرف العلة وهو الواو والضمة قبلها دليل عليها، وقد ورد هذا التوجيه على قراءة النصب، وهي لعاصم، وابن كثير، وحمزة، والكسائي، وأبي عمرو.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 581، والكشف لمكي: 2/ 252، والبيان لابن الأنباري: 2/ 349.
(2) ينظر اللسان: 4/ 435، وتاج العروس: 12/ 253 (شور) .
(3) نص هذا القول في تفسير الطبري: 25/ 44.
(4) ذكره الطبري في تفسيره: 25/ 45، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 525 عن مجاهد، وكذا القرطبي في تفسيره: 16/ 53.
(5) ذكر الطبري هذا القول في تفسيره: 25/ 46، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 298 عن ابن عباس رضي الله عنهما. [.....](2/735)
وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14) وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26)
سورة الزخرف
4 أُمِّ الْكِتابِ: اللّوح المحفوظ «1» .
لَعَلِيٌّ: في أعلى طبقات البلاغة، حَكِيمٌ: ناطق بالحكمة.
5 أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً: نعرض ولا نوجب الحجة.
أَنْ كُنْتُمْ: لأن كنتم.
13 لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ: على التذكير لأنّ الأنعام كالنّعم اسم جنس «2» .
مُقْرِنِينَ: مطيقين «3» .
15 جُزْءاً: نصيبا «4» .
26 بَراءٌ: مصدر لا يثنّى ولا يجمع «5» ، و «براء» »
جمع «برىء» .
__________
(1) ذكره الزجاج في معانيه: 4/ 405، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 527 عن مجاهد.
وانظر تفسير البغوي: 4/ 133، وزاد المسير: 7/ 302، وتفسير القرطبي: 16/ 62.
(2) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 28.
وأورده النحاس في إعراب القرآن: 4/ 101، ثم قال: «وأولى من هذا أن يكون يعود على لفظ «ما» لأن لفظها مذكر موحد، وكذا ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ جاء على التذكير» اه-.
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 202، ومعاني القرآن للأخفش: 2/ 688، وتفسير القرطبي: 16/ 65.
(3) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 202، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 395، ومعاني الزجاج: 4/ 406، وتفسير الطبري: 25/ 54.
(4) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 202، وتفسير غريب القرآن: 396، وتفسير الطبري:
25/ 55، والمفردات للراغب: 93.
(5) مجاز القرآن: 2/ 203، وتفسير الطبري: 25/ 62، ومعاني الزجاج: 4/ 409، والبحر المحيط: 18/ 11.
(6) بضم الباء، قرأ بها جماعة منهم الزعفراني، وأبو جعفر، وابن المناذري عن نافع.
(البحر المحيط: 8/ 11) ، وانظر هذه القراءة في الكشاف: 3/ 484، والمحرر الوجيز:
14/ 251.(2/736)
بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29) وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)
29 بَلْ مَتَّعْتُ: بلغ الإمتاع غايته فلم يبق إلّا الإيمان أو العذاب.
32 نَحْنُ قَسَمْنا: أي: «فرحمة ربّك» : [وهي] «1» النّبوّة أولى باختيار موضعها «2» .
31 عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ: من إحداهما: مكة والطائف، وهما الوليد بن المغيرة من مكة، وحبيب بن عمرو الثقفي من الطائف «3» .
والسّقف «4» : جمع «سقيفة» كل خشب عريض، أو جمع «سقف» ك «رهن» و «رهن» «5» .
والمعنى: أنّ في إغناء البعض وإحواج البعض مصلحة العالم، وإلّا لبسط على الكافر الرزق، وفيه توهين أمر الدنيا أيضا.
__________
(1) في الأصل و «ج» : وهو، والمثبت في النص عن «ك» وعن وضح البرهان للمؤلف، وذكر القرطبي في تفسيره: 16/ 84 هذا القول في المراد ب «الرحمة» دون عزو.
(2) في «ك» : مواضعها.
(3) ورد هذا القول في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 25/ 65 عن ابن عباس من طريق محمد بن سعد عن أبيه عن جده ... ، وهو إسناد مسلسل بالضعفاء.
تقدم بيان ذلك ص (135) .
وقد عقب الطبري- رحمه الله- على هذا القول وغيره من الأقوال في المراد ب «الرجل» فقال: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال جل ثناؤه، مخبرا عن هؤلاء المشركين: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ إذ كان جائزا أن يكون بعض هؤلاء، ولم يضع الله تبارك وتعالى لنا الدلالة على الذين عنوا منهم في كتابه، ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، والاختلاف فيه موجود على ما بينت» اه.
(4) من قوله تعالى: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ [آية: 33] .
(5) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 32، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 203، وتفسير الطبري:
25/ 69، ومعاني الزجاج: 4/ 410.(2/737)
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (40) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47) وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55)
36 وَمَنْ يَعْشُ: العشو: السّير في الظّلمة «1» .
نُقَيِّضْ لَهُ: نعوّضه عن إغفاله الذكر بتخلية الشّيطان وإغوائه.
38 الْمَشْرِقَيْنِ: المشرق والمغرب، كقولهم: العمران والقمران.
39 وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ: معناه: منع روح التآسي «2» .
49 يا أَيُّهَا السَّاحِرُ: خاطبوه بما تقدّم له عندهم من التسمية «3» .
بِما عَهِدَ عِنْدَكَ: فيمن آمن «4» به من كشف العذاب عنه «5» .
51، 52 أَفَلا تُبْصِرُونَ. أَمْ أَنَا خَيْرٌ: أي: أم أنتم بصراء لأنهم لو قالوا: أنت خير، كان كقولهم: نحن بصراء ليصحّ معنى المعادلة في أَمْ، والتقدير في المعادلة: على أي الحالين أنتم؟ أعلى حال البصر أم على خلافه «6» ؟.
مَهِينٌ: يمتهن نفسه في عمله، ليس له من يكفيه.
55 آسَفُونا:
__________
(1) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 3/ 534، وقال: «مأخوذ من «العشو» ، وهو البصر الضعيف، ومنه قول الشاعر:
لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره ... إذا الريح هبت والمكان جديب
وانظر اللسان: 15/ 57 (عشا) .
(2) ذكره الزجاج في معانيه: (4/ 412، 413) عن المبرد، وقال: «لأن التأسي يسهل المصيبة، فاعلموا أن لن ينفعهم الاشتراك في العذاب وأن الله- عز وجل- لا يجعل فيهم أسوة ... » .
(3) هذا قول الزجاج في معانيه: 4/ 414، ونص كلامه: «إن قال قائل: كيف يقولون لموسى- عليه السلام- يا أيها الساحر وهم يزعمون أنهم مهتدون؟ فالجواب أنهم خاطبوه بما تقدم له عندهم من التسمية بالسحر» . [.....]
(4) في «ج» : بربك.
(5) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 4/ 414، وأخرجه الطبري في تفسيره: 25/ 80 عن مجاهد، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 537 عن الضحاك.
(6) عن معاني القرآن للزجاج: 4/ 415.(2/738)
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)
أغضبونا «1» .
57 وَلَمَّا/ ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا: آية في القدرة على كلّ شيء بخلق [87/ ب] إنسان من غير أب.
يَصِدُّونَ: يضجّون «2» ، ومنه مُكاءً وَتَصْدِيَةً «3» .
والجدل والخصومة «4» قولهم: رضينا أن تكون آلهتنا مع المسيح لما نزل إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ «5» .
61 وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ: نزول عيسى «6» عليه السلام، أو القرآن «7» ، ففيه أنّ السّاعة كائنة قريبة.
__________
(1) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 35، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 399، وتفسير الطبري: 25/ 84، والمفردات للراغب: 17.
(2) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 205، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 400، وتفسير الطبري: 25/ 86.
(3) سورة الأنفال: آية: 35.
(4) من قوله تعالى: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [آية: 58] .
(5) سورة الأنبياء: آية: 98.
وانظر أسباب النزول للواحدي: 435، وتفسير الماوردي: 3/ 539.
(6) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (25/ 90، 91) عن ابن عباس، ومجاهد، والسدي، والضحاك، وابن زيد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 386، وزاد نسبته إلى الفريابي، وسعيد بن منصور، ومسدد، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ورجح الحافظ ابن كثير هذا القول في تفسيره: 7/ 222، فقال: «بل الصحيح أنه عائد على عيسى، فإن السياق في ذكره، ثم المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة، كما قال تبارك وتعالى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ... » .
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 25/ 91 عن الحسن، ونقله الماوردي في تفسيره:
3/ 541 عن الحسن، وسعيد بن جبير.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 387، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وعبد الرزاق عن قتادة.(2/739)
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88)
65 فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ: اليهود والنّصارى «1» ، مِنْ بَيْنِهِمْ: من تلقاء أنفسهم.
67 بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ: أي: المتحابون في الدنيا على المعاصي.
81 أَوَّلُ الْعابِدِينَ: من عبد: أنف «2» ، ولكنه عبد يعبد فهو عبد، فالمعنى: فأنا أول العابدين على أنه واحد ليس له ولد. أو معنى الْعابِدِينَ: الموحدين، إذ كل من يعبده يوحّده «3» .
86 إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ: أي: لا تشفع الملائكة إلّا من شهد بالحق وهو يعلم الحق «4» .
88 وَقِيلِهِ: أي: إلّا من شهد بالحقّ، وقال: «قيله» «5» ، نصبه على المصدر، وجرّه «6» على معنى عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وعلم قِيلِهِ.
__________
(1) تفسير الطبري: 25/ 93، وتفسير الماوردي: 3/ 542.
(2) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 401، وقال: «ويقال: عبدت من كذا أعبد عبدا، فأنا عبد وعابد. قال الشاعر:
وأعبد أن تهجى تميم بدارم
أي: آنف. اه-.
وأورد الطبري هذا القول في تفسيره: 25/ 102، والزجاج في معانيه: 4/ 420، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 545 عن الكسائي، وابن قتيبة.
(3) ينظر ما سبق في معاني القرآن للزجاج: 4/ 420.
(4) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 546 عن الحسن، وذكره القرطبي في تفسيره:
16/ 122. [.....]
(5) ورد هذا التوجيه لقراءة نافع، وابن كثير، وابن عامر، وأبي عمرو بنصب اللام في (قيله) .
ينظر إعراب القرآن للنحاس: 4/ 123، والكشف لمكي: 2/ 263، وتفسير الماوردي:
3/ 547، وزاد المسير: 7/ 434، والبحر المحيط: 8/ 30.
(6) وهي قراءة عاصم، وحمزة كما في السبعة لابن مجاهد: 589، والتبصرة لمكي: 325، والتيسير للداني: 197.
وانظر هذا المعنى في تفسير الطبري: 25/ 106، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 421، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 123، وتفسير القرطبي: 16/ 123.(2/740)
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)
سورة الدخان
3 إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ: [أي ليلة القدر] «1» أي: ابتداء إنزاله فيها «2» .
4 أَمْرٍ حَكِيمٍ: أمر فيه حكمة.
5 أَمْراً مِنْ عِنْدِنا: نصب أَمْراً، ورَحْمَةً على الحال، أي:
[إنا] أنزلناه آمرين أمرا وراحمين رحمة «3» .
10 بِدُخانٍ: أي: الظلمة التي تغشى الأبصار للجوع، حين دعا على قريش «4» .
13 أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى: أي: التذكر.
وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ: فكذبوه.
16 الْبَطْشَةَ الْكُبْرى: يوم القيامة «5» . وقيل «6» : يوم بدر.
__________
(1) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
(2) عن نسخة «ج» .
(3) ينظر معاني القرآن للأخفش: 2/ 691، ومعاني الزجاج: 4/ 424، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 126، وتفسير الطبري: 25/ 110.
(4) أي حين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بسنين كسني يوسف، فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان.
وقد ورد هذا المعنى في أثر طويل أخرجه البخاري في صحيحه: 5/ 19، كتاب التفسير، «تفسير سورة الروم» عن ابن مسعود رضي الله عنه.
وانظر تفسير الطبري: 25/ 111، وتفسير ابن كثير: 7/ 233.
(5) ورد هذا القول في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 25/ 117 عن ابن عباس، والحسن.
وصحح الحافظ ابن كثير في تفسيره: 7/ 237 إسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما، ورجح هذا القول فقال: «والظاهر أن ذلك يوم القيامة، وإن كان يوم بدر يوم بطشة أيضا» .
(6) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 40، وأبي عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 208، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 402.
وأخرجه الطبري في تفسيره: (25/ 116، 117) عن ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وابن زيد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 408، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه.(2/741)
وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29) وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31) وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38)
19 وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ: لا تستكبروا عن أمره، أو لا تطغوا بافتراء الكذب عليه «1» .
21 وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ: اصرفوا أذاكم عني.
24 رَهْواً: ساكنا «2» .
33 ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ: إحسان ونعمة «3» .
36 فَأْتُوا بِآبائِنا: لم يجابوا فيه لأنّ النشأة الأخيرة للجزاء لا لإعادة التكليف.
37 أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ: عدل عن جوابهم إلى الوعيد لأنّ من تجاهل وشغب فالوجه العدول إلى الوعظ له.
38 وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ: أي: لو بطل الجزاء على الأعمال لكان [88/ أ] الخلق/ أشبه شيء باللهو واللعب.
اعتلوه «4» - بكسر التاء وضمها «5» -: ادفعوه بعنف «6» ، و «العتل» أن
__________
(1) تفسير الطبري: 25/ 119.
(2) ينظر هذا المعنى في معاني القرآن: 3/ 41، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 208، ومعاني الزجاج: 4/ 426، والمفردات للراغب: 204، واللسان: 14/ 341 (رها) .
(3) معاني القرآن للفراء: 3/ 42، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 403، وتفسير القرطبي:
16/ 143.
(4) من قوله تعالى: خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ [آية: 47] .
(5) بكسر التاء قراءة عاصم، والكسائي، وحمزة، وأبي عمرو. وقرأ نافع، وابن كثير، وابن عامر بضم التاء.
ينظر السبعة لابن مجاهد: (592، 593) ، والتبصرة لمكي: 326، والتيسير للداني:
198.
(6) تفسير غريب القرآن: 403، وتفسير الطبري: 25/ 133، ومعاني الزجاج: 4/ 428، وتفسير المشكل لمكي: 313. [.....](2/742)
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)
تأخذ بمجامع ثوبه عند صدره تجرّه «1» .
49 إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ: كان أبو جهل يقول: أنا أعز من بها «2» وأكرم.
إستبرق «3» : قيل ذلك لشدّة بريقه «4» .
مُتَقابِلِينَ: أي: بالمحبة لا متدابرين بالبغضة.
سورة الجاثية
13 وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ: من الشّمس والقمر والنّجوم والأمطار ... وغيرها، فكلها تجري على منافع العباد.
14 لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ: لا يطمعون في نصره في الدنيا ولا في ثوابه في الآخرة «5» .
23 اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ: لا يعصيه ولا يمنعه منه خوف الله.
29 نَسْتَنْسِخُ: نستدعي. [نسخته] «6» أي: نأمر الملائكة بكتابه «7» لنحتج به عليهم.
__________
(1) المفردات للراغب: 321، واللسان: 11/ 424 (عتل) .
(2) أي بمكة، وانظر خبره في تفسير الطبري: 25/ 134، وتفسير الماوردي: 4/ 17، وأسباب النزول للواحدي: 436، وتفسير ابن كثير: 7/ 246.
(3) من قوله تعالى: يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ [آية: 53] .
(4) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 4/ 428.
(5) ينظر هذا المعنى في تفسير الماوردي: 4/ 20، والمحرر الوجيز: 14/ 310، وتفسير القرطبي: 16/ 162.
(6) في الأصل: «نسخت» ، والمثبت في النص عن «ك» و «ج» ، وذكر المؤلف رحمه الله هذا القول في وضح البرهان: 2/ 292 دون عزو.
(7) في «ك» : بكتابته.(2/743)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)
سورة الأحقاف
4 أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ: علم تأثرونه من غيركم «1» .
9 بِدْعاً: أي: لست بأول رسول.
10 وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ: عبد الله بن سلام «2» .
11 وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا: أسلمت جهينة ومزينة وأسلم وغفار، فقالت بنو عامر وغطفان وأسد وأشجع: هم رعاة البهم ونحن أعز منهم «3» .
15 ووصينا الإنسان بوالديه حسنا «4» : ليأتي فيهما حسنا لأنّ وَصَّيْنَا استوفى مفعوليه فلا يبقى له عمل «5» .
حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً: ثقل الحمل وأمراضه وأعراضه.
__________
(1) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 50، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 407، ومعاني الزجاج: 4/ 438.
(2) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 7/ 262: «وهذا الشّاهد اسم جنس يعم عبد الله بن سلام وغيره، فإن هذه الآية مكية نزلت قبل إسلام عبد الله بن سلام ... » .
وقد ثبت ذكر عبد الله بن سلام رضي الله عنه في سياق هذه الآية في أثر أخرجه الإمام البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال: «ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام. قال: وفيه نزلت هذه الآية: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ الآية.
صحيح البخاري: 4/ 229، كتاب مناقب الأنصار، باب «مناقب عبد الله بن سلام رضي الله عنه» .
(3) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 51، والزجاج في معاني القرآن: 4/ 440.
ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 29 عن الكلبي، وكذا البغوي في تفسيره: 4/ 166.
وانظر هذا القول في تفسير القرطبي: 16/ 190، والبحر المحيط: 8/ 59.
(4) هذه قراءة نافع، وأبي عمرو، وابن عامر، وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: (إِحْساناً) .
السبعة لابن مجاهد: 596، والتبصرة لمكي: 328، والتيسير للداني: 199.
(5) البحر المحيط: 8/ 60.(2/744)
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26)
20 أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ: إذهابها في الدنيا، من الذهاب بالشّيء على معنى الفوز به.
21 بِالْأَحْقافِ: الحقف نقاء «1» من الرمل يعوج ويدق «2» ، وكانت منازل عاد برمال مشرفة على البحر بالشّحر «3» من اليمن.
24 عارِضٌ: سحاب في عرض السّماء، أي: ناحيتها «4» .
26 فِيما إِنْ [مَكَّنَّاكُمْ] «5» فِيهِ: أي: في الذي ما مكناكم فيه لئلا يتكرر «ما» «6» .
__________
(1) النقاء: الكثيب من الرمل.
اللسان: 15/ 339 (نقا) .
(2) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 54، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 407، ومعاني الزجاج: 4/ 444، والمفردات للراغب: 176، واللسان: 9/ 52 (حقف) . [.....]
(3) الشّحر: بكسر أوله، وسكون ثانيه: موضع قريب من عدن على ساحل بحر الهند.
ونقل ياقوت عن الأصمعي: هو بين عدن وعمان.
ينظر معجم ما استعجم: 3/ 783، ومعجم البلدان: 3/ 327، والروض المعطار: 338.
وفي تحديد موضع «الأحقاف» خلاف، والذي ذكره المؤلف- رحمه الله- قول ابن زيد كما في تفسير الطبري: 26/ 23، وزاد المسير: 7/ 384، وتفسير القرطبي: (16/ 203، 204) وقيل غير ذلك، وعقب الطبري رحمه الله على ذلك بقوله: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تبارك وتعالى أخبر أن عادا أنذرهم أخوهم هود «بالأحقاف» ، والأحقاف ما وصفت من الرمال المستطيلة المشرفة ... وجائز أن يكون ذلك جبلا بالشام.
وجائز أن يكون واديا بين عمان وحضرموت.
وجائز أن يكون الشحر، وليس في العلم به أداء فرض، ولا في الجهل به تضييع واجب، وأين كان فصفته ما وصفنا من أنهم كانوا قوما منازلهم الرمال المستعلية المستطيلة» اه-
. (4) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 213، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 207، وتفسير الطبري: 26/ 25، والمفردات للراغب: 330.
(5) في الأصل: «مكناهم» .
(6) هذا معنى قول المبرد، وهو إن «ما» بمعنى الذي، و «أن» بمعنى ما.
وهو أيضا قول الزجاج في معانيه: 4/ 446.
وانظر معاني القرآن للفراء: 3/ 56، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 170، وتفسير البغوي:
4/ 171، وتفسير القرطبي: 16/ 208.(2/745)
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)
35 أُولُوا الْعَزْمِ: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين.
ومن سورة محمد صلى الله عليه وسلم
1 أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ: أبطلها «1» ، وهي نحو صدقاتهم، وصلة أرحامهم.
وَأَصْلَحَ بالَهُمْ: [أمرهم] «2» وحالهم في الدين.
4 فَضَرْبَ الرِّقابِ: نصب على الأمر، أي: فاضربوها ضربا «3» .
وفي الحديث «4» : «لم أبعث لأعذّب/ بعذاب الله، إنّما بعثت بضرب الرقاب وشدّ الوثاق» .
أَثْخَنْتُمُوهُمْ: أكثرتم فيهم القتل «5» ، فَشُدُّوا الْوَثاقَ: عند الأسر.
تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها: أهل الحرب آثامها، فلا يبقى إلّا مسلم أو
__________
(1) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 409، وتفسير الماوردي: 4/ 42، وتفسير البغوي:
4/ 177.
(2) ما بين معقوفين عن «ك» و «ج» .
(3) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 57. وانظر معاني القرآن للزجاج: 5/ 6، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 179.
(4) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: 12/ 390، كتاب الجهاد، باب «من نهى عن التحريق بالنار» عن القاسم بن عبد الرحمن ورفعه.
والحديث مرسل وفي إسناده عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي اختلط قبل موته.
ورواية وكيع عنه قبل اختلاطه، كما في الكواكب النيرات: 293.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 459، وزاد نسبته إلى الطبري عن القاسم عن عبد الرحمن مرفوعا.
(5) معاني القرآن للزجاج: 5/ 6، والكشاف: 3/ 531.(2/746)
وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)
مسالم «1» .
أو أَوْزارَها: أثقالها من الكراع والسّلاح «2» .
6 عَرَّفَها: طيّبها «3» ، أو إذا دخلوها عرف كلّ منزله فسبق إليه «4» .
15 غَيْرِ آسِنٍ: أسن الماء يأسن وياسن وياسن أسنا وأسنا وأسونا فهو آسن وأسن إذا تغير «5» ، ويجوز المعنى حالا، أي: غير متغير، واستقبالا، أي: غير صائر إلى التغير وإن طال جمامه بخلاف مياه الدنيا.
17 وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ: ثوابها «6» ، أو ألهموها «7» .
18 فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ: من أين لهم الانتفاع بها في ذلك الوقت.
19 فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ: دم عليه اعتقادا وقولا «8» .
__________
(1) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 57، وذكره الطبري في تفسيره: 26/ 42، والبغوي في تفسيره: 4/ 179، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 397 عن الفراء.
(2) هذا قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 409، ومكي في تفسير المشكل: 316 ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 398 عن ابن قتيبة.
و «الكراع» : السلاح، وقيل: هو اسم يجمع الخيل والسلاح.
ينظر اللسان: 8/ 307 (كرع) .
(3) ذكر ابن قتيبة هذا القول في تفسير غريب القرآن: 410، والماوردي في تفسيره: 4/ 45، وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 398، وقال: «رواه عطاء عن ابن عباس» .
وانظر هذا القول في تفسير البغوي: 4/ 179، وتفسير القرطبي: 16/ 231.
(4) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 26/ 44 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 45، والقرطبي في تفسيره: 16/ 231.
(5) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 60، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 215، وتفسير الطبري:
26/ 49، ومعاني الزجاج: 5/ 9، والمفردات للراغب: 18. [.....]
(6) ذكر الفراء هذا القول في معاني القرآن: 3/ 61، ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 48 عن السدي، وعزاه البغوي في تفسيره: 4/ 181 إلى سعيد بن جبير.
(7) ذكره الفراء في معاني القرآن: 3/ 61، والزجاج في معانيه: 5/ 11.
(8) معاني القرآن للزجاج: 5/ 12، وتفسير البغوي: 4/ 182، وتفسير الفخر الرازي:
28/ 61.(2/747)
طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)
21 طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ: أي: هذا قولهم في الأمر.
فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ: كرهوه «1» .
22 إِنْ تَوَلَّيْتُمْ: وليتم أمور النّاس أن تصيروا إلى أمركم الأول في الفساد وقطيعة الرحم.
30 لَحْنِ الْقَوْلِ: فحواه وكنايته «2» .
35 يَتِرَكُمْ: يسلبكم، والوتر: السلب «3» .
يحفكم «4» : يجهدكم في المسألة «5» .
38 فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ: عن داعي نفسه لا عن ربّه.
سورة الفتح
1 إِنَّا فَتَحْنا: صلح الحديبية «6» . «الحديبية» بوزن «تريقية» تصغير «ترقوة» .
__________
(1) في تفسير الطبري: 26/ 55: «فإذا وجب القتال وجاء أمر الله بفرض ذلك كرهتموه» .
(2) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 215، والمفردات للراغب: 449، والبحر المحيط:
8/ 71، واللسان: 13/ 380 (لحن) .
(3) اللسان: 5/ 274 (وتر) .
(4) من قوله تعالى: إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ [آية: 37] .
(5) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 411، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 17، وتفسير المشكل لمكي: 316، والمفردات للراغب: 125.
(6) قال الزجاج في معاني القرآن: 5/ 19: «وأكثر ما جاء في التفسير أنه فتح الحديبية» .
وقال البغوي في تفسيره: 4/ 188: «الأكثرون على أنه صلح الحديبية» .
ويدل على هذا القول ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 6/ 44، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً عن أنس رضي الله عنه قال: «الحديبية» ، وأخرج البخاري أيضا في صحيحه: 5/ 62، كتاب المغازي، باب «غزو الحديبية» عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: «تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية ... » .(2/748)
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)
وعد الله فتح مكة عند اللفاية «1» منها، وهي بئر وفيها تمضمض صلى الله عليه وسلم وقد غارت ففارت بالعذب للرواء، وعندها «2» بويع بيعة الرضوان، وأطعموا نخل خيبر، وظهرت الرّوم على فارس «3» ، فيكون معنى «الفتح المبين» القضاء الفصل في مهادنة أهل مكة. وقيل «4» : هو فتح المشكلات عليه في الدين، كقوله «5» : وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ فيكون معنى لِيَغْفِرَ لتهتدي أنت والمسلمون وعلى المعنى الظاهر لم يكن الفتح ليغفر له بل لينصره نصرا عزيزا، ولكنه لما عدّ عليه هذه النعمة وصله بما هو أعظم النعم.
2 ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ: ما كان قبل الفتح، أو قبل البعثة «6» .
وغفران/ الصّغيرة مع أنها مكفّرة: سترها سترا دائما ودفع الضّرر [89/ أ] عليها «7» .
4 أَنْزَلَ السَّكِينَةَ: الثقة بوعد الله والصّبر على حكم الله «8» .
لِيَزْدادُوا إِيماناً: يقينا «9» .
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ: أي: لو شاء نصركم بها عاجلا ودمّر على
__________
(1) كذا في الأصل، ولم أتبين معنى هذه الكلمة، وفي «ك» و «ج» : الكفاية منها، وفي وضح البرهان: 2/ 303: عند انكفائه منها.
(2) في الأصل: «وعندهما» ، والمثبت في النص عن نسخة «ك» .
(3) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 26/ 71 عن الشعبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 509، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وابن المنذر، والبيهقي في «البعث» .
وانظر معجزات هذه الغزوة في السيرة لابن هشام: 2/ 310، وفتح الباري: 7/ 507.
(4) ذكر الماوردي نحو هذا القول في تفسيره: 4/ 56، ونقله المؤلف- رحمه الله- في وضح البرهان: 342 عن ابن بحر.
(5) سورة الأنعام: آية: 59. [.....]
(6) ينظر تفسير الماوردي: 4/ 57، وتفسير القرطبي: 16/ 263.
(7) في «ك» : «وغفران الصغيرة على قول من يقول إنها تقع مكفرة ... » .
(8) عن تفسير الماوردي: 4/ 57.
(9) في «ك» : إيقانا.(2/749)
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11)
من منعكم الحرم، لكنه أنزل السكينة عليكم ليكون ظهور كلمته بجهادكم وثوابه لكم.
9 تُعَزِّرُوهُ: تنصروه «1» ، وَتُسَبِّحُوهُ: تنزهوه من كلّ ذمّ وعيب، أو تصلّوا عليه «2» .
10 إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ: هي بيعة الرضوان على أن تنصروا ولا تفروا.
وسمّيت بيعة لقوله تعالى «3» : إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، ولأنها في تواجب الجنة بالشّهادة كالبيع.
10 يَدُ اللَّهِ: أي: في الثواب، فَوْقَ أَيْدِيهِمْ: في النّصر. أو منّة الله عليهم بالهداية فوق طاعتهم، أو عقد الله في هذه البيعة فوق عقدهم، لأنّهم بايعوا الله ببيعة نبيّه «4» .
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ: لما أراد النّبيّ صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة عام الحديبية استنفر من حول المدينة.
مِنَ الْأَعْرابِ: جهينة ومزينة «5» .
شَغَلَتْنا أَمْوالُنا: ليس لنا من يقوم بأموالنا [ومن] «6» يخلفنا في أهلينا.
__________
(1) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 412 عن أبي صالح، وأخرجه الطبري في تفسيره:
26/ 74 عن قتادة.
وهو قول الزجاج في معانيه: 5/ 21، والبغوي في تفسيره: 4/ 190.
(2) كذا في «ك» ، وفي تفسير البغوي: 4/ 190: «تصلوا له» ، قال أبو حيان في البحر المحيط:
8/ 91: «والظاهر أن الضمائر عائدة على الله تعالى» .
واختاره ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 427، والفخر الرازي في تفسيره: 28/ 86.
(3) سورة التوبة: آية: 111.
(4) ينظر ما سبق في معاني القرآن للزجاج: 5/ 22، وتفسير الماوردي: (4/ 59، 60) ، وزاد المسير: (7/ 427، 428) ، وتفسير القرطبي: 16/ 267.
(5) ينظر خبرهم في السيرة لابن هشام: 1/ 308، وتفسير الطبري: 26/ 77، وزاد المسير:
7/ 429، وتفسير القرطبي: 16/ 268.
(6) ما بين معقوفين عن «ك» .(2/750)
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14) سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17) لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)
12 ظَنَّ السَّوْءِ: أنّ الرسول لا يرجع «1» .
15 يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ: وعده أهل الحديبية أنّ غنيمة خيبر لهم خاصة «2» .
16 سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ: الرّوم وفارس «3» . وقيل «4» : بني حنيفة مع مسيلمة.
18 إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ: وهي سمرة «5» ، وكانوا ألفا وخمسمائة «6»
__________
(1) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 60 عن مجاهد، وقتادة.
وانظر تفسير البغوي: 4/ 191، وتفسير القرطبي: 16/ 269.
(2) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 26/ 80 عن قتادة.
واختار الطبري هذا القول، وكذا البغوي في تفسيره: 4/ 192.
(3) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (26/ 82، 83) عن الحسن، وقتادة، وابن زيد، وابن أبي ليلى.
ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 431 عن الحسن، ومجاهد.
(4) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 66 عن الكلبي، وأخرجه الطبري في تفسيره: 26/ 83 عن الزهري، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 431 عن الزهري، وابن السائب الكلبي، ومقاتل.
وعقب الطبري- رحمه الله- على الأقوال التي قيلت في «القوم» فقال: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء المخلفين من الأعراب أنهم سيدعون إلى قتال قوم أولى بأس في القتال، ونجدة في الحروب، ولم يوضع لنا الدليل من خبر ولا عقل على أن المعنيّ بذلك هوازن، ولا بنو حنيفة ولا فارس ولا الروم، ولا أعيان بأعيانهم، وجائز أن يكون عنى بذلك بعض هذه الأجناس، وجائز أن يكون عني بهم غيرهم، ولا قول فيه أصح من أن يقال كما قال الله جل ثناؤه: إنهم سيدعون إلى قوم أولى بأس شديد اه-. [.....]
(5) السّمرة: ضرب من شجر الطلح، وهي نوع من شجر العضاة، والعضاة: كل شجر يعظم وله شوك.
النهاية: 2/ 399، واللسان: 4/ 379 (سمر) .
وقد ورد القول الذي ذكره المؤلف في معاني القرآن: 3/ 67، وتفسير الطبري: 26/ 86، ومعاني الزجاج: 5/ 25.
(6) ورد هذا القول في أثر أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 5/ 63، كتاب المغازي، باب «غزوة الحديبية» عن قتادة عن سعيد بن المسيب.
وأخرجه الطبري في تفسيره: (26/ 85، 87) عن قتادة.
ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 61 عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.(2/751)
وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21) وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25)
وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً: فتح خيبر «1» .
21 وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها: فارس وروم «2» .
قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها: قدر عليها «3» ، أو علمها «4» ، بل المعنى: جعلهم بمنزلة ما قد أدير حولهم فيمنع أن يفلت أحد منهم، وهذه غاية في البلاغة ليس وراءها.
24 وَهُوَ الَّذِي كَفَّ: بعث المشركون أربعين رجلا [ليصيبوا] «5» من المسلمين، فأتي بهم النّبي صلى الله عليه وسلم أسرى فخلّاهم «6» .
25 وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً: مجموعا موقوفا «7» ، وكان ساق
__________
(1) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 26/ 91 عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقتادة.
وذكره الزجاج في معانيه: 5/ 25، والماوردي في تفسيره: 4/ 62، وابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 435.
وفي معنى هذه الآية قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 7/ 322: «وهو ما أجرى الله على أيديهم من الصلح بينهم وبين أعدائهم، وما حصل بذلك من الخير العام المستمر المتصل بفتح خيبر وفتح مكة، ثم فتح سائر البلاد والأقاليم عليهم، وما حصل لهم من العز والنصر والرفعة في الدنيا والآخرة ... » .
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 26/ 91 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأخرجه- أيضا- عن قتادة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.
(3) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 63 عن ابن بحر.
(4) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 436، والقرطبي في تفسيره: 16/ 279.
(5) في الأصل: «ليصبو» ، والمثبت في النص عن «ك» و «ج» .
(6) ينظر صحيح مسلم: 3/ 1442، كتاب الجهاد، باب قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ.
وتفسير الطبري: 26/ 94، وأسباب النزول للواحدي: 443، وتفسير ابن كثير: 7/ 323.
(7) تفسير الماوردي: 4/ 64، عن أبي عمرو بن العلاء.
وانظر معاني الفراء: 3/ 67، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 27، والمفردات للراغب:
343، واللسان: 9/ 255 (عكف) .(2/752)
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)
أربعين «1» بدنة.
مَعَرَّةٌ: إثم «2» ، أو شدّة «3» .
تَزَيَّلُوا: تميّزوا «4» حتى لا يختلط بمشركي مكة مسلم/. [89/ ب]
26 فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ: لما أرادهم سهيل «5» بن عمرو أن يكتبوا:
باسمك اللهم «6» .
كَلِمَةَ التَّقْوى: سمعنا وأطعنا «7» . وقيل «8» : شهادة أن لا إله إلّا الله.
__________
(1) في «ك» : سبعين بدنة، وقد ورد كلا العددين.
ينظر مسند الإمام أحمد: 4/ 323، والسيرة لابن هشام: (2/ 308، 309) ، وتفسير الطبري: (26/ 95، 96) ، وتفسير ابن كثير: 7/ 327.
(2) تفسير الطبري: 6/ 102، وتفسير الماوردي: 4/ 64 عن ابن زيد.
(3) ذكر الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 64 عن قطرب.
(4) معاني القرآن للفراء: 3/ 68، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 217، وتفسير الطبري:
26/ 102، والمفردات للراغب: 218.
(5) هو سهيل بن عمرو بن شمس بن عبد ود القرشي العامري، أبو زيد.
صحابي جليل، وكان أحد الأشراف من قريش وساداتهم في الجاهلية.
ترجمته في الاستيعاب: 2/ 669، وأسد الغابة: 2/ 480، والإصابة: 3/ 212. [.....]
(6) ينظر خبر سهيل رضي الله عنه في صحيح البخاري: 3/ 181، كتاب الشروط، باب «الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحروب وكتابة الشروط» .
والسيرة لابن هشام: 2/ 317، وتفسير الطبري: 26/ 99، وتفسير ابن كثير: 7/ 327.
(7) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 65، وقال: «وسميت «كلمة التقوى» لأنهم يتقون بها غضب الله» .
(8) ورد هذا القول في أثر أخرجه الإمام أحمد في مسنده: 5/ 138 عن الطفيل بن أبيّ بن كعب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه- أيضا- الترمذي في سننه: 5/ 386، كتاب التفسير، تفسير سورة الفتح عن الطفيل من طريق الحسن بن قزعة ثم قال: «هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث الحسن بن قزعة، وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث فلم يعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه» .
وأخرجه الطبري في تفسيره: (26/ 104، 105) عن الطفيل ورفعه.
وأخرجه- أيضا- عن علي، وابن عباس، وعمرو بن ميمون، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد، والضحاك، وعكرمة.(2/753)
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)
27 إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ: الاستثناء للتأديب على مقتضى الدين، يعني:
لتدخلنه بمشيئة الله. أو الاستثناء في دخول جميعهم، إذ ربّما يموت بعضهم، أو إن] بمعنى: إذ شاء الله «1» .
29 مَثَلُهُمْ: صفتهم «2» .
شَطْأَهُ: الشّطأ والشّفاء والبهمى: شوك السّنبل «3» . وقيل «4» : فراخه الذي يخرج في جوانبه من شاطئ النّهر.
فَآزَرَهُ: قوّاه وشدّ أزره «5» ، أي: شدّ فراخ الزّرع أصوله.
فَاسْتَغْلَظَ: قوي باجتماع الفراخ مع الأصول «6» .
عَلى سُوقِهِ: السّاق: قصبه الذي يقوم عليه.
لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ: أهل مكة، وهذا مثل المؤمنين إذ كانوا أقلاء فكثروا وأذلاء فعزوا «7» .
__________
(1) هذا قول أبي عبيدة كما في تفسير البغوي: 4/ 205، وتفسير القرطبي: 16/ 290، والبحر المحيط: 8/ 101 وردّه النحاس في إعراب القرآن: 4/ 204 بقوله: «وهذا قول لا يعرج عليه، ولا يعرف أحد من النحويين «إن» بمعنى «إذ» ، وإنما تلك «أن» فغلط، وبينهما فصل في اللغة والأحكام عند الفقهاء والنحويين» .
(2) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 413، وتفسير الطبري: 26/ 112، ومعاني الزجاج: 5/ 29.
(3) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 4/ 66 عن قطرب.
وانظر اللسان: 1/ 100، وتاج العروس: 1/ 281 (شطأ) .
(4) نقله الماوردي في تفسيره: 4/ 67 عن الأخفش، وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة:
2/ 218، وتفسير المشكل لمكي: 317، والمفردات للراغب: 261.
(5) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 69، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 413، وتفسير المشكل لمكي: 317، والمفردات للراغب: 17.
(6) عن تفسير الماوردي: 4/ 67.
(7) ينظر تفسير الطبري: 26/ 15، وتفسير الماوردي: 4/ 67.(2/754)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ: قاموا على الإيمان.
مِنْهُمْ مَغْفِرَةً: ومنهم لتخليص الجنس، كقولك: أنفق من الدراهم لا من الدنانير «1» .
سورة الحجرات
1 لا تُقَدِّمُوا: لا تقدّموا، عجّل في الأمر وتعجل، ويقال: قدّم وأقدم، وتقدّم واستقدم، أو معنا: لا تقدّموا أمرا على ما أمركم الله به، فحذف المفعول «2» .
2 أَنْ تَحْبَطَ: فتحبط، أو لأن تحبط، لام الصّيرورة «3» .
3 امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى: أخلصها «4» ، قال عمر «5» رضي الله
__________
(1) عن معاني القرآن للزجاج: 5/ 29، وتتمة كلامه: «المعنى: اجعل نفقتك من هذا الجنس، وكما قال: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ، لا يريد أن بعضها رجس وبعضها غير رجس، ولكن المعنى: اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان» .
وانظر إعراب القرآن للنحاس: 4/ 206، وتفسير القرطبي: 16/ 296، والبحر المحيط:
8/ 103.
(2) قال أبو حيان في البحر المحيط: 8/ 105: «وحذف مفعوله ليتناول كل ما يقع في النفس مما تقدم فلم يقصد لشيء معين، بل النهي متعلق بنفس الفعل دون تعرض لمفعول معين، كقولهم: فلان يعطي ويمنع ... » .
(3) عن معاني القرآن للزجاج: 5/ 32، وانظر معاني القرآن للفراء: 3/ 70، وتفسير الطبري:
26/ 120، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 209.
(4) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 70، ونص كلامه: «أخلصها للتقوى كما يمتحن الذهب بالنار، فيخرج جيده، ويسقط خبثه» .
وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 415، وتفسير الطبري: 26/ 120، ومعاني الزجاج: 5/ 33، واللسان: 13/ 401 (محن) . [.....]
(5) نص قوله في الكشاف: 3/ 557، ولم يعلق عليه الحافظ ابن حجر في الكافي الشاف وورد في تفسير القرطبي: 16/ 309 بلفظ: «أذهب عن قلوبهم الشهوات» .(2/755)
إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
عنه: «أذهب الشّبهات عنها» .
4 الْحُجُراتِ: والحجرات جمع «حجرة» .
7 لَعَنِتُّمْ: أثمتم «1» أو حرجتم «2» .
11 لا يَسْخَرْ قَوْمٌ: رجال.
وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ: لا تعيبوا إخوانكم. واللّمز باللّسان، والهمز بالإشارة، والنّبز: اللّقب الثابت إذا ثلم العرض «3» .
12 إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ: الذي لصاحبه طريق إلى العلم.
وَلا تَجَسَّسُوا: لا تتبعوا عثرات النّاس، ولا تبحثوا عما خفي «4» .
والتجسس: التبحّث في الشر، وبالحاء في الخير «5» .
فَكَرِهْتُمُوهُ: أي: يكره لحم الميّت طبعا فأولى أن يكره الغيبة المحرمة عقلا لأنّ داعي العقل بصير وعالم و [داعي] «6» الطّبع أعمى جاهل.
[90/ أ] 13 لِتَعارَفُوا: نبّه أنّ اختلاف/ القبائل للتعارف لا للتفاخر.
والشّعب اسم الجنس لأنواع الأحياء، ثم أخص منه القبائل، ثم العمائر، ثم البطون، ثم الأفخاذ، ثم الفضائل، ثم
__________
(1) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 71 عن مقاتل. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 461، والقرطبي في تفسيره: 16/ 314.
(2) ينظر هذا القول في تفسير الطبري: 26/ 125، وتفسير المشكل لمكي: 318، وتفسير الماوردي: 4/ 71.
(3) هذا قول المبرد كما في إعراب القرآن للنحاس: 4/ 213، وتفسير الماوردي: 4/ 73.
(4) عن تفسير الماوردي: 4/ 75، وانظر تفسير البغوي: 4/ 215.
(5) ينظر اللسان: 6/ 50 (حسس) ، وفيه أيضا عن ابن الأعرابي: تجسست الخبر وتحسسته بمعنى واحد.
(6) في الأصل: «دواعي» ، والمثبت في النص عن «ك» و «ج» لأنه أنسب للسياق.(2/756)
قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
العشائر «1» .
14 قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا: أي: وإن صاروا سلما بالشّهادتين فإنهم لم يصدقوا ولم يثقوا بما دخلوا فيه.
لا يَلِتْكُمْ: و «لا يألتكم» «2» : لا ينقصكم «3» . ألت يألت ألتا، وولت يلت ولتا، ولات يليت ليتا، وألت يولت إيلاتا «4» ، [كلها بمعنى النقصان] «5» .
ومن سورة ق
4 عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ: علمنا الأجزاء التي تأكل الأرض منهم.
5 مَرِيجٍ: مختلط مختلف «6» ، مرّة يقولون: ساحر، ومرّة: شاعر ومعلّم ومجنون.
6 مِنْ فُرُوجٍ: شقوق وفتوق يمكن فيها السلوك.
9 حَبَّ الْحَصِيدِ: كل ما يحصد من الحبوب.
__________
(1) ينظر تفسير الطبري: 26/ 139، وتفسير القرطبي: 16/ 344، واللسان: 1/ 500 (شعب) .
(2) بالهمز قراءة أبي عمرو، كما في السبعة لابن مجاهد: 606، والتبصرة لمكي: 333، والتيسير للداني: 202.
(3) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 221، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 416، وتفسير المشكل لمكي: 318، وتفسير القرطبي: 16/ 348.
(4) ينظر معاني القرآن للزجاج: 5/ 39، وتفسير البغوي: 4/ 219، وتفسير القرطبي:
16/ 348.
(5) ما بين معقوفين ساقط من الأصل، والمثبت عن «ك» .
(6) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 222، وتفسير غريب القرآن: 417، والمفردات للراغب:
465.(2/757)
وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)
10 باسِقاتٍ: طوال «1» .
نَضِيدٌ: منضود متراكب «2» .
11 كَذلِكَ الْخُرُوجُ: أي: من القبور «3» ، أو من بطون الأمّهات «4» .
15 أَفَعَيِينا: عجزنا عن إهلاك الخلق الأول، ألف تقرير»
، لأنّهم اعترفوا بأنه الخالق وأنكروا البعث.
عييّ بالأمر: لم يعرف وجهه، وأعيى: تعب «6» .
16 حَبْلِ الْوَرِيدِ: حبل العاتق «7» ، وهو الوتين ينشأ من القلب فينبثّ في البدن.
17 الْمُتَلَقِّيانِ: ملكان يتلقيان عمل العبد وهما الكاتبان.
قَعِيدٌ: رصد «8» .
18 رَقِيبٌ: خبر واحد عن اثنين كأنه عن اليمين قعيد، وعن الشّمال
__________
(1) معاني القرآن للفراء: 3/ 76، وتفسير الطبري: 26/ 152، والمفردات: 46. [.....]
(2) ينظر معاني الفراء: 3/ 76، ومجاز القرآن: 2/ 223، وتفسير غريب القرآن: 418.
(3) هذا قول جمهور العلماء كما في تفسير الطبري: 26/ 154، وتفسير البغوي: 4/ 221، وزاد المسير: 8/ 8، وتفسير الفخر الرازي: 28/ 160، وتفسير القرطبي: 17/ 7.
(4) لم أقف على هذا القول.
(5) ذكره النحاس في إعراب القرآن: 4/ 223 وقال: «وهكذا الاستفهام الذي فيه معنى التقرير والتوبيخ يدخله معنى النفي، أي: لم يعي بالخلق الأول» .
وانظر معاني القرآن للزجاج: 5/ 43، والمفردات للراغب: 356، وتفسير البغوي:
4/ 222.
(6) معاني القرآن للزجاج: 5/ 43، واللسان: 15/ 113 (عيا) .
(7) قال الطبري في تفسيره: 26/ 157: «والحبل هو الوريد، فأضيف إلى نفسه لاختلاف لفظ اسمه» .
وقال القرطبي في تفسيره: 17/ 9: «وهذا تمثيل للقرب، أي: نحن أقرب إليه من حبل وريده الذي هو منه وليس على وجه قرب المسافة» .
(8) ينظر تفسير الطبري: 26/ 158، وتفسير الماوردي: 4/ 85، والمفردات: 409.(2/758)
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23)
قعيد «1» ، أو كلاهما قعيد.
19 وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ: الباء متعلقة ب جاءَتْ، كقولك:
جئت بزيد، أي: أحضرته وأجأته «2» .
21 مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ: سائِقٌ: من الملائكة يسوقها إلى المحشر.
وَشَهِيدٌ: من أنفسهم عليها بعملها «3» . وقيل «4» : هو العمل نفسه.
وعن سعيد «5» بن جبير: «السائق» «6» الذي يقبض نفسه، و «الشّهيد» الذي يحفظ عمله.
22 فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ: علمك نافذ «7» .
23 وَقالَ قَرِينُهُ: الملك الكاتب الشّهيد عليه «8» . وقيل «9» : قرينه الذي قيّض له من الشّياطين.
__________
(1) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 418، وتفسير الطبري: 26/ 158، ومعاني الزجاج:
5/ 44، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 224، وتفسير القرطبي: 17/ 10.
(2) ينظر معاني القرآن للزجاج: 5/ 45، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 225.
(3) ورد هذا القول في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: (26/ 161، 162) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعن الضحاك.
(4) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 5/ 45، ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 87 عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(5) لم أقف على هذا القول المنسوب إلى سعيد بن جبير رضي الله عنه.
(6) في «ج» : السائق من الملائكة ...
(7) قال الزجاج في معانيه: 5/ 45: «أي فعلمك بما أنت فيه نافذ، ليس يراد بهذا البصر- من بصر العين- كما تقول: فلان بصير بالنحو والفقه، تريد عالما بهما، ولم ترد بصر العين» . [.....]
(8) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 26/ 164 عن قتادة.
ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 88 عن قتادة، والحسن.
وأورده القرطبي في تفسيره: 17/ 16، وزاد نسبته إلى الضحاك.
(9) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 4/ 88 عن مجاهد، وعزاه القرطبي في تفسيره:
17/ 16 إلى مجاهد أيضا.(2/759)
أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)
هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ: عمله محصى عندي، وعلى القول الآخر المراد [90/ ب] به العذاب، و «ما» في مذهب النكرة، أي: هذا شيء لديّ عتيد/ «1» .
24 أَلْقِيا: خطاب [لمالك] «2» على مذهب العرب في تثنية خطاب الواحد «3» .
أو هو «القين» بالنون الخفيفة، فأجرى الوصل فيه مجرى الوقف «4» .
27 قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ: يقول شيطانه: ما أغويته «5» ، وعلى الأول يقول الكافر: إن الملك زاد عليّ فيما كتب «6» .
29 ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ: ما يكتب غير الحق ولا يكذب عندي.
30 هَلِ امْتَلَأْتِ: سؤال توبيخ لمن فيها «7» .
وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ: هل بقي فيّ موضع لم يملأ «8» ؟ .....
__________
(1) عن معاني القرآن للزجاج: 5/ 45.
(2) في الأصل: «للمالك» ، والمثبت في النص عن «ك» و «ج» .
(3) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 78، وتفسير الطبري: 26/ 165، ومعاني الزجاج:
(5/ 45، 46) ، ومشكل إعراب القرآن لمكي: 2/ 684.
(4) هذه قراءة تنسب إلى الحسن رحمه الله تعالى، كما في المحتسب لابن جني: 2/ 284، والكشاف: 4/ 8، وتفسير القرطبي: 17/ 16، والبحر المحيط: 8/ 126.
وقال أبو حيان: «وهي شاذة مخالفة لنقل التواتر بالألف» .
وانظر التبيان للعكبري: 3/ 1175.
(5) ورد نحوه في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 26/ 167 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأخرجه- أيضا- عن مجاهد، وقتادة، والضحاك.
ونسبه ابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 17 إلى الجمهور.
(6) ينظر تفسير البغوي: 4/ 224، وزاد المسير: 8/ 18، وتفسير القرطبي: 17/ 17.
(7) هذا قول الزجاج في معانيه: 5/ 47.
(8) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 5/ 47، وجاء بعده عند الزجاج: «أي قد امتلأت» .
ومعنى هذا القول أنه لا مزيد مكان في جهنم، وقيل في معنى هذه الآية أن قول جهنم هذا بمعنى الاستزادة أي: هل من شيء أزداده؟.
ورجحه الطبري في تفسيره: (26/ 170، 171) للحديث الذي أخرجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «اختصمت الجنة والنار.. وأما النار فيلقون فيها وتقول: هل من مزيد؟
ويلقون فيها وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع فيها قدمه، فهناك تملأ، ويزوى بعضها إلى بعض وتقول: قط قط» .
الحديث أخرجه الإمام البخاري: 6/ 47، كتاب التفسير، تفسير سورة «ق» عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا.(2/760)
هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)
كقوله- عليه السلام «1» -: «وهل ترك لنا عقيل من دار» .
32 حَفِيظٍ: في الخلوات، أو على الصّلوات.
34 ادْخُلُوها بِسَلامٍ: سلامة من الزوال.
35 وَلَدَيْنا مَزِيدٌ: مما لم يخطر ببالهم، أو على مقدار استحقاقهم «2» .
36 فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ: ساروا في طرقها وطوّفوا «3» .
والنّقب: الطريق في الجبل «4» .
37 أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ: ألقى سمعه نحو كتاب الله.
وَهُوَ شَهِيدٌ: حاضر قلبه.
39 قَبْلَ الْغُرُوبِ: صلاة الظهر والعصر «5» .
40 وَمِنَ اللَّيْلِ: العشاء والمغرب «6» .
__________
(1) أخرج- نحوه- الإمام البخاري في صحيحه: 5/ 92، كتاب المغازي، باب «أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح» . والإمام مسلم في صحيحه: 2/ 984، كتاب الحج، باب «النزول بمكة للحاج وتوريث دورها» عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
(2) ينظر معاني القرآن للزجاج: 5/ 47، وتفسير البغوي: 4/ 226، وزاد المسير: 8/ 21.
(3) معاني القرآن للفراء: 3/ 79، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 224، وتفسير الطبري:
26/ 176، ومعاني الزجاج: 5/ 48.
(4) المفردات للراغب: 503، واللسان: 1/ 767 (نقب) . [.....]
(5) نقل ابن الجوزي هذا القول في زاد المسير: 8/ 23 عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأورده البغوي في تفسيره: 4/ 226، وقال: «روى عن ابن عباس» .
(6) ذكره البغوي في تفسيره: 4/ 227، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 23 عن مقاتل.
وأخرج الطبري في تفسيره: 26/ 180 عن مجاهد قال: «من الليل كله» ، ورجح الطبري قول مجاهد فقال: «والقول الذي قاله مجاهد في ذلك أقرب إلى الصواب، وذلك أن الله جل ثناؤه قال: وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ فلم يحد وقتا من الليل دون وقت. وإذا كان ذلك كذلك كان على جميع ساعات الليل ... » .(2/761)
وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41)
وَأَدْبارَ السُّجُودِ: جمع «دبر» «1» ، وبالكسر «2» على المصدر، وفيه معنى الظرف والوقت، وهو ركعتان بعد المغرب «3» . و «إدبار النّجوم» «4» :
ركعتان قبل الفجر «5» .
41 مَكانٍ قَرِيبٍ: صخرة بيت المقدس «6» .
__________
(1) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 80، ومعاني الزجاج: 5/ 49، وتفسير القرطبي: 17/ 26، والبحر المحيط: 8/ 130.
(2) بكسر الهمزة قراءة نافع، وابن كثير، وحمزة كما في السبعة لابن مجاهد: 607، والتبصرة لمكي: 334.
وانظر توجيه هذه القراءة في الكشف لمكي: 2/ 285، وتفسير القرطبي: 17/ 26، والبحر المحيط: 8/ 130.
(3) هذا قول أكثر المفسرين كما في تفسير البغوي: 4/ 227.
وأخرج الترمذي في سننه: 5/ 393، كتاب التفسير، باب «ومن سورة الطور» عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إدبار النجوم: الركعتان قبل الفجر، وإدبار السجود: الركعتان بعد المغرب» .
أخرجه الترمذي عن أبي هشام الرفاعي، عن محمد بن فضيل، به، وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. اه-.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 610، وزاد نسبته إلى ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
كما أخرج الطبري هذا القول- الذي ذكره المؤلف- عن علي بن أبي طالب، وأبي هريرة، والحسن، ومجاهد، والشعبي، رضي الله تعالى عنهم.
ورجح الطبري- رحمه الله- هذا القول: «لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك» .
ينظر تفسيره: (26/ 180- 182) .
(4) من الآية: 49، من سورة الطور.
(5) ينظر هذا القول في تفسير الطبري: 27/ 39، وتفسير القرطبي: 17/ 25، وتفسير ابن كثير: 7/ 416، والدر المنثور 7/ 638.
(6) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 81، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 419.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 26/ 183 عن كعب، وقتادة.(2/762)
وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4)
وقيل «1» : من تحت أقدامهم.
جبّار «2» : مسلّط تجبرهم على الإيمان.
سورة والذاريات
1 وَالذَّارِياتِ: الرياح «3» .
2 فَالْحامِلاتِ: السحاب «4» .
3 فَالْجارِياتِ: السفن «5» .
4 فَالْمُقَسِّماتِ: الملائكة «6» . وهذه أقسام يقسم الله بها ولا يقسم بها الخلق لأنّ قسم الخلق استشهاد على صحة قولهم بمن يعلم السّرّ كالعلانية وهو الله، وقسم الخالق إرادة تأكيد الخبر في نفوسهم، فيقسم ببعض بدائع خلقه على وجه يوجب الاعتبار ويدل على توحيده.
فالرياح بهبوبها وسكونها لتأليف السّحاب، وتذرية الطّعام واختلاف «7» الهواء وبعصوفها «8» مرّة ولينها أخرى. والسّحاب بنحو وقوفها مثقلات بالماء من غير عماد، وصرفها في وقت الغنى عنها بما لو دامت لأهلكت، ولو انقطعت/ لم يقدر أحد على قطرة منها، وبتفريق المطر، وإلّا [91/ أ]
__________
(1) ذكره أبو حيان في البحر المحيط: 8/ 130 دون عزو.
(2) من قوله تعالى: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ [آية: 45] .
(3) معاني القرآن للفراء: 3/ 82، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 225، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 420، ومعاني الزجاج: 5/ 51، وتفسير المشكل لمكي: 321.
(4) المصادر السابقة.
(5) المصادر السابقة.
(6) المصادر السابقة. [.....]
(7) في «ك» : وإصلاح الهواء.
(8) عصوف الريح: هبوبها بشدة.
اللسان: 9/ 248 (عصف) .(2/763)
وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16)
لأهلك الحرث والنّسل، والسّفن فبتسخير البحر لجريانها، وتقدير الريح لها بما لو زاد لغرق، ولو ركد لأهلك. والملائكة بتقسيم الأمور بأمر ربّها.
6 وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ: الجزاء على الأعمال «1» .
7 الْحُبُكِ: طرائق الغيم وأثر حسن الصّنعة فيه «2» .
و «المحبوك» : ما أجيد عمله «3» .
8 لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ: أمر مختلف واحد مؤمن وآخر كافر، ومطيع وعاصي «4» . أو قائل إنّه ساحر، وآخر إنّه شاعر، وآخر [إنه] «5» مجنون، وفائدته أنّ أحدهما في هذه الاختلاف مبطل لأنّه اختلاف تناقض.
9 يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ: يصرف عن هذه الأقوال من صرف.
10 قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ: لعن الكذّابون. من «الخرص» ، والخرص:
القطع «6» ، فالخرّاص يقتطع الكلام من أصل لا يصحّ.
13 عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ: يحرقون كما يفتن الذهب بها.
16 آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ: من الفرائض «7» ، أم من الثواب «8» .
__________
(1) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 420، وأخرجه الطبري في تفسيره: 26/ 188 عن قتادة.
وانظر معاني القرآن للزجاج: 5/ 51، وتفسير الماوردي: 4/ 97.
(2) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 224، وتفسير غريب القرآن: 420، وتفسير الطبري:
26/ 189، والمفردات للراغب: 106.
(3) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 5/ 52.
وانظر اللسان: 10/ 408 (حبك) .
(4) ينظر تفسير الماوردي: 4/ 98، وتفسير البغوي: 4/ 229، وتفسير القرطبي: 17/ 33، وتفسير ابن كثير: 7/ 393.
(5) ساقط من الأصل، والمثبت في النص عن «ك» و «ج» .
(6) اللسان: 7/ 21 (خرص) .
(7) ورد هذا القول في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 26/ 196 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ونقله القرطبي في تفسيره: 17/ 35 عن ابن عباس، وسعيد بن جبير.
(8) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 99 عن الضحاك، وكذا القرطبي في تفسيره:
17/ 35.(2/764)
وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)
19 وَالْمَحْرُومِ: الذي لا يسأل حياء «1» . وقيل: المحارف «2» الذي نبا عنه مكسبه.
21 أَفَلا تُبْصِرُونَ: لا تنظرون بقلوبكم نظر من كأنّه يرى الحقّ بعينه.
22 وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ: الأمطار «3» ، أو تقدير رزقكم «4» .
وَما تُوعَدُونَ: من خير أو شرّ «5» . وقيل «6» : الجنّة لأنّها في السّماء الرابعة.
ونصب مِثْلَ على الحال، أي: إنّه لحق مماثلا لكونكم ناطقين.
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 26/ 202 عن قتادة، والزهري.
ونقله البغوي في تفسيره: 4/ 231 عن قتادة، والزهري، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 32، والقرطبي في تفسيره: 17/ 38.
(2) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 421: «وهو المقتر عليه في الرزق.
وقيل: الذي لا سهم له في الغنائم» .
وعقب الطبري- رحمه الله- على الأقوال التي قيلت في «المحروم» بقوله: «والصواب من القول في ذلك عندي أنه الذي قد حرم الرزق واحتاج، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره، فصار ممن حرمه الله ذلك، وقد يكون بسبب تعففه وتركه المسألة، ويكون بأنه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة، فلا قول في ذلك أولى بالصواب من أن تعم، كما قال جل ثناؤه: وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ اه-.
(3) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 26/ 205 عن مجاهد، والضحاك.
وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 34، وقال: «رواه أبو صالح عن ابن عباس، وليث عن مجاهد، وهو قول الجمهور» .
(4) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 4/ 102، وذكره- أيضا- القرطبي في تفسيره:
17/ 41. [.....]
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (26/ 205، 206) عن مجاهد، ورجحه: «لأن الله عم الخبر بقوله: وَما تُوعَدُونَ عن كل ما وعدنا من خير أو شر، ولم يخصص بذلك بعضا دون بعض، فهو على عمومه كما عمه الله جل ثناؤه» .
(6) أخرجه الطبري في تفسيره: 26/ 206 عن سفيان بن عيينة.
ونقله القرطبي في تفسيره: 17/ 41 عن سفيان بن عيينة أيضا.(2/765)
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37) وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41)
أو التقدير: إنه لحق حقا مثل نطقكم «1» . ومن رفع «2» جعله صفة لَحَقٌّ، والمعنى في الجميع: إنه لحق مثل أنكم ممّن ينطق حق.
25 قَوْمٌ مُنْكَرُونَ: غرباء لا تعرفون.
26 فَراغَ: مال في خفية «3» .
و «الصرّة» «4» : الصّيحة «5» ، من «الصّرير» .
33 حِجارَةً مِنْ طِينٍ: محجّر، كقوله «6» : مِنْ سِجِّيلٍ لا من حجارة البرد التي أصلها الماء.
38 وَفِي مُوسى: أي: آية فيه «7» ، عطف على وَتَرَكْنا فِيها آيَةً.
39 فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ: أعرض بجموعه وجنوده «8» .
41 الرِّيحَ الْعَقِيمَ: الدّبور «9» ، لا تلقح وتقشع السّحاب.
__________
(1) ينظر توجيه هذه القراءة في معاني القرآن للفراء: 3/ 85، ومعاني الزجاج: 5/ 54، والكشف لمكي: 2/ 287.
(2) قراءة حمزة، والكسائي، وشعبة عن عاصم.
السبعة لابن مجاهد: 609، والتبصرة لمكي: 335، والتيسير للداني: 203.
(3) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 86، وتفسير الطبري: 26/ 208، ومعاني الزجاج: 5/ 54، والمفردات: 208.
(4) من قوله تعالى: فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها ... [آية: 29] .
(5) معاني القرآن: 3/ 87، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 421، وتفسير الطبري:
26/ 209، والمفردات: 279.
(6) بعض آية: 82، سورة هود، وآية: 74، سورة الحجر، وآية: 4 سورة الفيل.
(7) إعراب القرآن للنحاس: 4/ 246، وتفسير القرطبي: 17/ 49، والبحر المحيط: 8/ 140.
(8) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 422، والطبري في تفسيره: 27/ 3.
ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 105، والقرطبي في تفسيره: 17/ 49 عن ابن زيد.
(9) يدل عليه الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن ابن عباس مرفوعا: «نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور» .
صحيح مسلم: 2/ 617، كتاب صلاة الاستسقاء، باب في ريح الصّبا والدبور» .
وانظر تفسير الطبري: 27/ 4، وتفسير الماوردي: 4/ 106، وتفسير البغوي: 4/ 233.(2/766)
مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46) وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59)
42 كَالرَّمِيمِ: كالتراب «1» . وقيل «2» : كل بال فان.
45 فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ: ما نهضوا بالعذاب وما قدروا على دفاع.
47 لَمُوسِعُونَ: / ذو سعة وقدرة، أو لموسعون السّماء أو الرزق. [91/ ب]
49 خَلَقْنا زَوْجَيْنِ: ضدين: غنى وفقرا، وحسنا وقبحا، وحياة وموتا.
58 ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ: المتين: القويّ، ولا يفسّر ب «الشّديد» لأنّه ليس في أسماء الله، فكأنه ذو القوة التي يعطيها خلقه، القويّ في نفسه، فخولف بين اللّفظين لتحسين النّظم «3» .
59 ذَنُوباً: نصيبا «4» مثل نصيب أصحابهم الذين أهلكوا «5» .
سورة والطور
1 وَالطُّورِ: اسم جبل بالسّرياني «6» ، وَكِتابٍ مَسْطُورٍ: القرآن «7» .
أو التوراة «8» بسبب الطور، أو اللّوح «9» ، أو صحيفة الأعمال «10» .
__________
(1) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 106 عن السدي.
وعزاه القرطبي في تفسيره: 17/ 51 إلى أبي العالية، والسدي.
(2) تفسير الطبري: 27/ 6، وتفسير البغوي: 4/ 234، وتفسير القرطبي: 17/ 52.
(3) تفسير الفخر الرازي: 28/ 237. [.....]
(4) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 90، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 228، وتفسير غريب القرآن: 423، ومعاني الزجاج: 5/ 59، والمفردات للراغب: 181.
(5) في «ك» : هلكوا.
(6) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 27/ 15 عن مجاهد، وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 627، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد أيضا،.
(7) ذكر الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 109 دون عزو.
وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 46 عن الماوردي.
(8) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 109 عن ابن بحر.
(9) أورده ابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 45، وقال: «قاله أبو صالح عن ابن عباس» .
وذكره ابن كثير في تفسيره: 7/ 403.
(10) ذكره المارودي في تفسيره: 4/ 109 عن الفراء. وكذا القرطبي في تفسيره: 17/ 59.(2/767)
وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9)
4 وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ: بيت الحرام «1» . وقيل «2» : بيت في السّماء السّادسة حيال الكعبة.
6 وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ: في الحديث «3» : «أنه جهنم» ولفظ مجاهد «4» :
«المسجور: الموقد نارا» .
9 تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً: تدور وترجع «5» . وقيل «6» : تجيء وتذهب كالدخان ثم تضمحل.
__________
(1) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 110 عن الحسن، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 47، والقرطبي في تفسيره: 17/ 60.
(2) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 91، وأخرجه الطبري في تفسيره: 27/ 16 عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقد ثبت في الصحيح أنه في السماء السابعة، وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث الإسراء: «ثم رفع إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألفا لا يعودون إليه آخر ما عليهم» .
أخرجه البخاري في صحيحه: 4/ 78، كتاب بدء الخلق، باب «ذكر الملائكة صلوات الله عليهم» .
ومسلم في صحيحه: 1/ 150، كتاب الإيمان، باب «الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات» .
قال الحافظ ابن كثير في معنى هذا الحديث: «يعني يتعبدون فيه ويطوفون به، كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم كذلك ذاك البيت، هو كعبة أهل السماء السابعة ... » .
ينظر تفسيره: 7/ 403.
(3) ورد نحوه في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 27/ 18 عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وذكره المارودي في تفسيره: 4/ 111، وقال: «رواه صفوان بن يعلى عن النبي صلى الله عليه وسلم» .
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 630، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ في «العظمة» عن علي رضي الله عنه.
(4) نص هذا القول في تفسير المارودي: 4/ 111، وأخرج نحوه الطبري في تفسيره: 27/ 19 عن مجاهد.
(5) ينظر هذا المعنى في معاني القرآن للفراء: 3/ 91، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 424، وتفسير الطبري: 27/ 21، ومعاني الزجاج: 5/ 61.
(6) تفسير القرطبي: 17/ 63.(2/768)
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44)
13 دَعًّا: دفعا عنيفا.
15 أَفَسِحْرٌ هذا: يقال لهم ذلك لما عاينوا العذاب توبيخا بما كانوا يقولون.
20 مُتَّكِئِينَ: مستندين استناد راحة.
19 هَنِيئاً: صفة في موضع المصدر، أي: هنئتم هنأتم هنيئا «1» .
21 وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ: أي بإيمان الآباء ألحقوا بدرجة الآباء كرامة لهم «2» .
وَما أَلَتْناهُمْ: من غير أن ينقص من أجور الآباء.
26 مُشْفِقِينَ: أي [الخائفين] «3» من المصير إلى عذاب الله.
35 أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ: لغير شيء، أي: باطلا «4» . وقيل «5» : أم خلقوا من غير خالق.
أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ: فلا يطيعون الله.
37 أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ: المسلّطون.
38 أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ: فيستمعون الوحي أو يصرفونه.
44 كِسْفاً مِنَ السَّماءِ: قطعة من العذاب يقولوا لطغيانهم: هذا سحاب.
__________
(1) عن معاني القرآن للزجاج: 5/ 63، وينظر تفسير القرطبي: 17/ 65، والبحر المحيط.
8/ 148. [.....]
(2) تفسير الطبري: 27/ 24، وتفسير ابن كثير: (7/ 407، 408) .
(3) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
(4) ذكر الطبري هذا القول في تفسيره: 27/ 33، وكذا الزجاج في معانيه: 5/ 65، وابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 56، والقرطبي في تفسيره: 17/ 74.
(5) أورده البغوي في تفسيره: 4/ 241، وقال: «ومعناه: أخلقوا من غير شيء خلقهم فوجدوا بلا خالق، وذلك مما لا يجوز أن يكون، لأن تعلق الخلق بالخالق من ضرورة الاسم، فلا بدّ له من خالق، فإن أنكروا الخالق لم يجز أن يوجدوا بلا خالق» اه-.
وانظر هذا القول في زاد المسير: 8/ 56، وتفسير القرطبي: 17/ 74.(2/769)
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6)
سورة والنجم
1 وَالنَّجْمِ إِذا هَوى: الثريا سقط مع الفجر «1» أو هو القرآن إذا نزل «2» .
2 ما غَوى: لم يخب عن الرّشد «3» .
6 ذُو مِرَّةٍ: حزم في قوة [ملكية «4» ] .
فَاسْتَوى: ارتفع إلى مكانه. أو استوى على صورته، وذلك أنّه [92/ أ] رأى/ جبريل- عليه السّلام- على صورته في الأفق الأعلى، أفق المشرق فملأه [أو] «5» : استوى جبريل ومحمد- عليهما السّلام- بِالْأُفُقِ الْأَعْلى «6» .
أو جبريل بالأفق: ثُمَّ دَنا أي جبريل نزل بالوحي في الأرض «7» ،
__________
(1) أخرج عبد الرازق نحو هذا القول في تفسيره: 2/ 250، والطبري في تفسيره: 27/ 40 عن مجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 640، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد.
ونقله البغوي في تفسيره: 4/ 244 عن ابن عباس رضي الله عنهما ورجح الطبري هذا القول في تفسيره: 27/ 41.
(2) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 427، وأخرجه الطبري في تفسيره: 27/ 40 عن مجاهد.
(3) تفسير الطبري: 27/ 41، وتفسير القرطبي: 17/ 84.
(4) ما بين معقوفين عن نسخة «ك» .
وانظر معاني القرآن للفراء: 3/ 95، وتفسير الطبري: 27/ 43، ومعاني الزجاج: 5/ 70.
(5) في الأصل: «أي» ، والمثبت في النص عن «ج» .
(6) عن معاني القرآن للزجاج: 5/ 70، وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 427، وتفسير الطبري: (27/ 43، 44) ، وتفسير البغوي: 4/ 245.
(7) عند ما نزل جبريل عليه السلام بالوحي لأول مرة على هيئته الملكية والنبي- صلى الله عليه وسلم- يتعبد في غار حراء.
ينظر هذا القول في تفسير القرطبي: 17/ 88، وتفسير ابن كثير: 7/ 420، وهو اختيار الحافظ ابن كثير.(2/770)
ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)
وعلى الأول محمد دنا من جبريل عليهما السّلام.
8 فَتَدَلَّى: زاد في القرب «1» ، والتدلي: النزول والاسترسال «2» .
9 فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ: قدر قوسين، أي: بحيث الوتر من القوس مرّتين.
وعن ابن عباس «3» رضي الله عنهما: «القوس: الذراع بلغة أزد شنوءة» .
ولا شكّ في الكلام، إذ المعنى: فكان على ما تقدرونه أنتم.
11 ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى: أي رآه فؤاده «4» ، يعني العلم- لأنّ محل الوحي القلب، كقوله «5» : فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ.
__________
(1) هذا قول الزجاج في معانيه: 5/ 70، ونص كلامه: «ومعنى دنا وتدلى» واحد لأن المعنى أنه قرب، و «تدلى» : زاد في القرب ... » .
(2) اللسان: 14/ 267 (دلا) .
(3) ورد هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله عنهما في أثر أخرجه الطبراني في المعجم الكبير:
12/ 103، حديث رقم (12603) ولكن دون ذكر أزد شنوءة، واللفظ عنده: «القاب القيد والقوسين الذراعين» .
وفي إسناده عاصم بن بهدلة، قال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد: 7/ 117: وهو ضعيف وقد يحسّن حديثه.
وأورد السيوطي الأثر الذي أخرجه الطبراني، وزاد نسبته إلى ابن مردويه، والضياء في «المختارة» عن ابن عباس رضي الله عنهما (الدر المنثور: 7/ 645) . [.....]
(4) ورد هذا القول في أثر أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: 1/ 158، كتاب الإيمان، باب «معنى قول الله عزّ وجلّ: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «رآه بفؤاده مرتين» .
وانظر تفسير الطبري: (27/ 47، 48) ، وتفسير البغوي: 4/ 246، وتفسير ابن كثير:
7/ 422.
(5) سورة البقرة: آية: 97.(2/771)
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)
وروى محمد بن كعب «1» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «2» : «رأيته بفؤادي ولم أره بعيني» .
13 وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى: رأى جبريل- عليه السّلام- في صورته مرّة أخرى «3» . عند السّدرة وقيل لها: الْمُنْتَهى لأنّ رؤية الملائكة إليها تنتهي.
أو إليها ينتهي ما يعرج إلى السماء من الملائكة وأرواح الشّهداء «4» .
12 أَفَتُمارُونَهُ: تجادلونه جدال الشّاكين، أَفَتُمارُونَهُ «5» : تجحدونه على علمه.
16 إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ: رأى رفرفا أخضر من رفارف الجنّة قد سدّ
__________
(1) هو محمد بن كعب بن سليم بن أسد القرظي، أبو حمزة، التابعي المعروف توفي سنة 120 هـ-.
قال عنه الحافظ في التقريب: 504: «ثقة عالم، من الثالثة، ولد سنة أربعين على الصحيح» .
(2) أخرجه الطبري في تفسيره: (27/ 46، 47) بلفظ: «لم أره بعيني، رأيته بفؤادي مرتين، ثم تلا ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى. اه-.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 648، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب مرفوعا.
(3) ينظر تفسير الطبري: 27/ 50، وتفسير البغوي: 4/ 247، وتفسير ابن كثير: 7/ 426.
(4) أورد الطبري- رحمه الله- في تفسيره: (27/ 52، 53) الأقوال التي قيلت في وجه تسمية السدرة ب «المنتهى» ثم عقّب عليها بقوله: «والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن معنى المنتهى الانتهاء، فكأنه قيل: عند سدرة الانتهاء» ، وأشار إلى الأقوال التي وردت في ذلك، وقال: «ولا خبر يقطع العذر به بأنه قيل ذلك لها لبعض ذلك دون بعض، فلا قول فيه أصح من القول الذي قال ربنا جل جلاله، وهو أنها سدرة المنتهى» اه-.
(5) بفتح التاء وإسكان الميم من غير ألف بعدها، وهي قراءة حمزة، والكسائي. كما في السبعة لابن مجاهد: 614، والتبصرة لمكي: 338، والتيسير للداني: 204، وانظر توجيه القراءتين في تفسير الطبري: (27/ 49، 50) ومعاني الزجاج: 5/ 72، والكشف لمكي:
(2/ 294، 295) وتفسير القرطبي: 17/ 93.(2/772)
مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)
الأفق «1» .
وفي الحديث «2» : «سدرة المنتهى: صبر الجنّة» ، أي: أعلى نواحيها، وصبر كل شيء ويصبره: جانبه «3» .
17 ما زاغَ الْبَصَرُ: ما أقصر عما أبصر.
وَما طَغى: ما طلب ما حجب «4» .
19 أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ: صنم لتثقيف، وَالْعُزَّى: سمرة «5» لغطفان.
20 وَمَناةَ: صخرة لهذيل وخزاعة «6» ، وأنثوا اسمها تشبيها لها بالملائكة على زعمهم أنّها بنات الله، فقال الله أَلَكُمُ الذَّكَرُ.
22 ضِيزى: جائرة ظالمة «7» . ضازه حقّه يضيزه، وضيزى «فعلى» إذ لا «فعلى» في النعوت «8» كسرت الضّاد لليائي مثل: الكيسى، والضيقي تأنيث «الأكيس» و «الأضيق» وهي «الكوسى» ، ومثل بيض وعين وهو
__________
(1) أخرج الإمام البخاري هذا القول في صحيحه: 6/ 51، كتاب التفسير، «تفسير سورة والنجم» عن ابن مسعود رضي الله عنه.
وانظر تفسير الطبري: 27/ 57، وتفسير البغوي: 4/ 71.
(2) أخرجه الطبري في تفسيره: 27/ 54 عن ابن مسعود- رضي الله عنه وهو في الفائق:
2/ 284، وغريب الحديث لابن الجوزي: 1/ 578، والنهاية: 3/ 9.
(3) اللسان: 4/ 440 (صبر) .
(4) تفسير البغوي: 4/ 249، وقال القرطبي في تفسيره: 17/ 98: «وهذا وصف أدب النبي- صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام، إذ لم يلتفت يمينا ولا شمالا» .
(5) السّمرة: ضرب من الشجر.
(6) ينظر ما سبق في تفسير الطبري: (27/ 58، 59) ، وزاد المسير: 8/ 72، وتفسير القرطبي:
17/ 100.
(7) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 428، وتفسير الطبري: 27/ 60، ومعاني الزجاج:
5/ 73، وتفسير المشكل لمكي: 327. [.....]
(8) قال الزجاج في معانيه: 5/ 73: «وأجمع النحويون أن أصل «ضيزى» ضوزى، وحجتهم أنها نقلت من «فعلى» إلى «فعلى» أي من «ضوزى» إلى «ضيزى» لتسلم الياء، كما قالوا:
أبيض وبيض، فهو مثل «أحمر» و «حمر» وأصله «بيض» ، فنقلت الضمة إلى الكسرة» .(2/773)
أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48)
[92/ ب] بوض، مثل حمر/ وسود.
24 أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى: أي من الذكور. أو له ما تمنى من غير جزاء «1» .
30 ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ: لأنّ علمهم انتهى إلى نفع الدنيا فاختاروها.
32 إِلَّا اللَّمَمَ: الصّغائر. قال السّدى: قال أبو صالح «2» : سئلت عنه فقلت: هو الرجل يلمّ بالذنب ثمّ لا يعاود: فقال ابن عبّاس رضي الله عنهما:
لقد أعانك عليه ملك كريم «3» .
33 أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى: هو العاص «4» بن وائل.
49 إِذا تُمْنى: تسأل وتصبّ «5» . أو تخلق وتقدّر «6» .
48 أَغْنى وَأَقْنى: أعطى الغنية والقنية «7» .
__________
(1) تفسير القرطبي: 17/ 104.
(2) هو ذكوان، أبو صالح السمّان الزيات.
قال الحافظ في التقريب: 203: «ثقة ثبت، وكان يجلب الزيت إلى الكوفة، من الثالثة، مات سنة إحدى ومائة» .
(3) ذكر البغوي هذا الأثر في تفسيره: 4/ 252، وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 657، وعزا إخراجه إلى عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(4) ينظر تفسير الماوردي: 4/ 129، وزاد المسير: 8/ 78، وتفسير القرطبي: 17/ 111، ومفحمات الأقران: 191، والدر المنثور: 7/ 659.
(5) تفسير البغوي: 4/ 255، وزاد المسير: 8/ 83، وتفسير القرطبي: 17/ 118.
(6) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 238، وذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن:
429 والراغب في المفردات: 475، ونقله القرطبي في تفسيره: 17/ 118 عن أبي عبيدة.
(7) قال الزجاج في معانيه: 5/ 76: «قيل في «أقنى» قولان: أحدهما أقنى هو أرضى، والآخر أقنى جعل له قنية، أي جعل الغنى أصلا لصاحبه ثابتا، ومن هذا قولك: قد اقتنيت كذا وكذا، أي عملت على أنه يكون عندي لا أخرجه من يدي» .
وقال أبو حيان في البحر: 8/ 168: «ولم يذكر متعلق (أغنى وأقنى) لأن المقصود نسبة هذين الفعلين له تعالى ... » .(2/774)
وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55)
و «الشّعرى» «1» أحد كوكبي ذراعي الأسد «2» ، وقد عبده أبو كبشة الخزاعي «3» وكان جدّ جدّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال أبو سفيان «4» : لقد عظم ملك ابن أبي كبشة.
50 عاداً الْأُولى: ابن ارم أهلكوا بريح صرصر، وعادا الآخرة أهلكوا ببغي بعضهم على بعض «5» .
51 وَثَمُودَ: اتّسق على عاد، أي: أهلك ثمودا فما أبقاهم، ولا ينصب ب «ما أبقى» لأنّ «ما» بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها لأنّ لها صدر الكلام «6» .
53 وَالْمُؤْتَفِكَةَ: المنقلبة، مدائن قوم لوط.
أَهْوى: رفعها جبريل- عليه السّلام- إلى السّماء ثم أهوى بها «7» .
وفي حديث أنس «8» : «البصرة إحدى المؤتفكات» . أي: غرقت مرّتين.
55 فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ: ذكر النعمة لأنّ النقم المعدّدة التي نزلت بمن قبل
__________
(1) من قوله تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى آية: 49.
(2) هذا قول الزجاج في معانيه: 5/ 77، وانظر تفسير القرطبي: 17/ 119.
(3) تفسير القرطبي: 17/ 119، والبحر المحيط: 8/ 169.
(4) ورد هذا القول في سياق خبر أبي سفيان مع هرقل، وقد أخرجه البخاري في صحيحه:
1/ 6، كتاب بدء الوحي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن أبي سفيان رضي الله عنه بلفظ:
«لقد أمر أمر ابن أبي كبشة» ، ومعنى «أمر» : عظم كما في الفتح: 1/ 53.
(5) ينظر تفسير الطبري: 27/ 28.
(6) عن معاني القرآن للزجاج: 5/ 77، وانظر إعراب القرآن للنحاس: 4/ 281، والتبيان للعكبري: 2/ 1191. [.....]
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 27/ 79 عن مجاهد، وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 665، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وأبي الشيخ عن مجاهد.
وقد تقدم خبرهم ص 422.
(8) لم أقف على حديثه فيما تيسر لي من مصادر.(2/775)
أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61)
نعم على من جاء بعد لما فيها من المزاجر.
57 أَزِفَتِ الْآزِفَةُ: اقتربت القيامة، لَيْسَ لَها من يكشف عن علمها ويجلّيها. أو من يكشفها ويدفع شدائدها. والهاء من قبل إن كاشفة مصدر ك «عاقبة» و «عافية» «1» .
59 أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ: أي القرآن.
روى مجاهد أنّ النّبيّ- عليه السّلام- لم ير ضاحكا ولا مبتسما بعد نزول هذه الآية «2» .
61 سامِدُونَ: جائرون «3» . وقيل «4» : لاهون. وقال مجاهد: غضاب مبرطمون.
__________
(1) معاني القرآن للفراء: 3/ 103، وتفسير القرطبي: 17/ 122، والبحر المحيط: 8/ 170.
(2) لم أقف على هذا الأثر من طريق مجاهد رحمه الله تعالى، وأخرجه وكيع بن الجراح في الزهد: 1/ 266 حديث رقم (36) عن صالح بن أبي مريم، وكذا ابن أبي شيبة في المصنف: 13/ 224 رقم (16203) كتاب الزهد، باب «ما ذكر عن نبينا صلى الله عليه وسلم في الزهد.
وأخرجه- أيضا- هناد بن السري في الزهد: 1/ 562 رقم (482) وأورده الحافظ ابن حجر في الكافي الشاف: 161 وذكر أن الإمام أحمد أخرجه في الزهد، وكذا الثعلبي، كلاهما عن صالح بن أبي مريم.
وقال الحافظ: رواه ابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس بإسناد ضعيف.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 666، وعزا إخراجه إلى ابن أبي شيبة، وأحمد في الزهد، وهناد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن صالح.
ومعنى هذا الأثر ضعيف لأن هذه الآية مكية، وقد ورد في الصحيح ما يدل على خلاف هذا القول. وورد أنه صلى الله عليه وسلم تبسم وضحك حتى بدت نواجذه.
ينظر: صحيح البخاري (7/ 92- 94) كتاب الأدب، باب التبسم والضحك، وصحيح مسلم:
2/ 616، كتاب صلاة الاستسقاء، باب «التعوذ عند رؤية الريح والغيم والفرح بالمطر» .
(3) كذا في «ك» ، ولم أقف على هذا القول، وذكر الماوردي في تفسيره: 4/ 133 تسعة أقوال في هذه اللفظة، منها «خامدون» عن المبرد.
وانظر تفسير القرطبي: 17/ 123، والبحر المحيط: 8/ 170.
(4) هذا قول جمهور العلماء كما في معاني القرآن للفراء: 3/ 103، ومجاز القرآن: 2/ 239، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 430، وتفسير الطبري: 27/ 82، ومعاني الزجاج: 5/ 78.(2/776)
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)
فسئل عن البرطمة، فقال: الإعراض «1» .
سورة [القمر] «2»
1 وَانْشَقَّ الْقَمَرُ: قال الحسن «3» : أي ينشق، فجاء/ المستقبل على [93/ أ] صيغة الماضي لوجوب وقوعه. أو لتقارب وقته. أو لأنّ المعنى مفهوم أنّه في المستقبل.
وقيل: إنه على الاستعارة والمثل لوضوح الأمر كما يقال في المثل:
اللّيل طويل وأنت مقمر.
والمنقول المقبول «4» أنه على الحقيقة، انشق القمر نصفين حين سأله حمزة «5» بن عبد المطلب فرآه جلة الصّحابة.....
__________
(1) نص هذه الرواية عن مجاهد في تفسير البغوي: 4/ 257.
وأخرج- نحوه- الطبري في تفسيره: 27/ 83 عن مجاهد، وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 667، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد أيضا.
(2) في الأصل «الساعة» ، والمثبت في النص عن «ك» و «ج» .
(3) نقله الماوردي في تفسيره: 4/ 135، والقرطبي في تفسيره: 17/ 126.
وذكره ابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 88 دون عزو، وعقّب عليه بقوله: «وهذا القول الشاذ لا يقاوم الإجماع، ولأن قوله: وَانْشَقَّ لفظ ماض. وحمل لفظ الماضي على المستقبل يفتقر إلى قرينة تنقله ودليل، وليس ذلك موجودا.
وفي قوله: وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا دليل على أنه قد كان ذلك» . اه-.
وانظر رد أبي حيان في البحر المحيط: 8/ 173 لقول الحسن.
(4) ورد في ذلك أخبار صحيحة كثيرة.
ينظر ذلك في صحيح البخاري: (6/ 52، 53) ، كتاب التفسير، تفسير سورة اقتربت الساعة.
وصحيح مسلم: 4/ 2158 كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب «انشقاق القمر» .
وأسباب النزول للواحدي: 462، وتفسير ابن كثير: (7/ 447- 450) .
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 135، والقرطبي في تفسيره: 17/ 126.
والذي ورد في الصحيح أن أهل مكة هم الذين سألوا وطلبوا أن يريهم آية، فكانت هذه المعجزة العظيمة.(2/777)
وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3)
وقال ابن مسعود «1» : رأيت شقة من القمر على أبي قبيس «2» وشقة على السّويداء «3» . فقالوا: سحر القمر.
ولا يقال: لو انشق لما خفي على أهل الأقطار لجواز أن يحجبه الله عنهم بغيم.
2 سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ: من السّماء إلى الأرض «4» . وقيل «5» : شديد محكم.
استمرّ الأمر: استحكم، وأمّره: أحكمه «6» .
3 وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ: أي للجزاء «7» .
__________
(1) أخرج الحاكم هذا القول عن ابن مسعود في المستدرك: 2/ 471، كتاب التفسير: «سورة القمر» وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ... » ، ووافقه الذهبي.
وأخرجه- أيضا- البيهقي في الدلائل: 2/ 265.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 670، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه.
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن مسعود أنه قال: «انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين، فرقة فوق الجبل وفرقة دونه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشهدوا» .
صحيح البخاري: 6/ 52، كتاب التفسير، «تفسير سورة اقتربت الساعة» .
وصحيح مسلم: 4/ 2158، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب «انشقاق القمر» .
(2) أبو قبيس: جبل معروف بمكة المكرمة.
معجم البلدان: (1/ 80، 81) .
(3) السّويداء: موضع بمكة المكرمة تلى الخندمة، والخندمة: بفتح الخاء المعجمة- أحد جبال مكة يطل على أبي قبيس من جهة الشرق.
ينظر أخبار مكة للفاكهي: 4/ 47، والروض المعطار: (222، 223) . [.....]
(4) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 135 عن مجاهد.
وذكره القرطبي في تفسيره: 17/ 128، وأبو حيان في البحر المحيط: 8/ 174 دون عزو.
(5) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 240، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 431، ونقله القرطبي في تفسيره: 17/ 127 عن أبي العالية، والضحاك.
(6) تفسير البغوي: 4/ 258، واللسان: 5/ 169 (مرر) .
(7) معاني القرآن للزجاج: 5/ 85، وتفسير الماوردي: 4/ 136، وتفسير البغوي: 4/ 258، وزاد المسير: 8/ 89.(2/778)
حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)
5 حِكْمَةٌ بالِغَةٌ: نهاية الصّواب.
4 مُزْدَجَرٌ: منتهى «1» ، مفتعل من «الزّجر» ، أبدلت التاء دالا لتؤاخي الزاي بالجهر «2» .
و «النكر» : «3» ما تنكره النّفس. صفة ك «جنب» .
7 خاشعا «4» أبصارهم: لم يجمع خاشعا وأجرى مجرى الفعل أن «5» تخشع «6» أبصارهم، ووصف الأبصار بالخشوع لأنّ ذلة الذليل وعزّة العزيز في نظره.
8 مُهْطِعِينَ: مسرعين «7» ، وقيل «8» : ناظرين لا يقلعون البصر.
12 فَالْتَقَى الْماءُ: التقى المياه، إذ الجنس كالجمع. أو التقى ماء السماء، وماء الأرض «9» .
وكانت السّفينة تجري بينهما.
عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ: في أمّ الكتاب، وهو إهلاكهم.
__________
(1) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 104، وتفسير الطبري: 27/ 89، ومعاني الزجاج: 5/ 85.
(2) عن معاني القرآن للزجاج: 5/ 85، وانظر إعراب القرآن للنحاس: 4/ 286، وتفسير القرطبي: 17/ 128.
(3) من قوله تعالى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ: آية: 6.
(4) ينظر التبيان للعكبري: 2/ 1192، والبحر المحيط: 8/ 175.
(5) هذه قراءة حمزة، والكسائي، وأبي عمرو، كما السبعة لابن مجاهد: 618، والتبصرة لمكي: 340، والتيسير للداني: 205.
(6) في «ك» و «ج» : أي تخشع.
(7) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 240، واختاره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن:
233، وذكره مكي في تفسير المشكل: 329.
(8) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 5/ 86. وانظر معاني الفراء: 3/ 106، وتفسير الطبري: 27/ 91.
(9) ينظر هذا القول في معاني القرآن للفراء: 3/ 106، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 240، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 432، وتفسير الطبري: 27/ 92، ومعاني الزجاج:
5/ 87، وتفسير البغوي: 4/ 260.(2/779)
وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20)
وفي الحديث «1» : «خلقت الأقوات قبل الأجساد وخلق القدر قبل البلاء» .
13 وَدُسُرٍ: المسامير التي تدسر بها السّفن وتشدّ، واحدها دسار «2» .
14 تَجْرِي بِأَعْيُنِنا: بمرأى منا «3» . أو بوحينا وأمرنا «4» .
جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ: جزاء لهم لكفرهم بنوح عليه السلام.
أو فعلنا ذلك جزاء لنوح فنجيناه ومن معه وأغرقنا المكذّبين جزاء لما صنع به.
15 فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ: طالب علم فيعان عليه، وهو «مذتكر» مفتعل من الذكر فأدغم «5» .
19 يَوْمِ نَحْسٍ: يوم ريح النحس الدّبور.
مُسْتَمِرٍّ: دائم الهبوب.
[39/ ب] 20 تَنْزِعُ النَّاسَ: تقلعهم من حفر حفروها للامتناع/ من الريح، ثم ترمي بهم على رؤوسهم فيدقّ رقابهم.
كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ: أصولها التي قطعت فروعها «6» .
__________
(1) أخرجه الطبري في تفسيره: 27/ 93 عن محمد بن كعب القرظي بلفظ: «كانت الأقوات قبل الأجساد، وكان القدر قبل البلاء» .
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 675، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر عن محمد بن كعب رحمه الله تعالى. [.....]
(2) ينظر معاني الفراء: 3/ 106، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 240، والمفردات: 169، واللسان: 4/ 285 (دسر) .
(3) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 432، واختاره الطبري في تفسيره: 27/ 94، وانظر تفسير البغوي: 4/ 260، وزاد المسير: 8/ 93، والبحر المحيط: 8/ 178.
(4) نقله الماوردي في تفسيره: 4/ 137 عن الضحاك، وعزاه البغوي في تفسيره: 4/ 260 إلى سفيان.
(5) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 240، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 432، وتفسير الطبري: (27/ 95، 96) ، ومعاني الزجاج: 5/ 88.
(6) معاني القرآن للفراء: 3/ 108، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 241، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 433، وتفسير الطبري: 27/ 99.(2/780)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29)
مُنْقَعِرٍ: منقلع عن مكانه، و «كأنّ» في موضع الحال، أي: تنزعهم مشبهين بالنخل المقلوع من أصله «1» .
22 وَلَقَدْ يَسَّرْنَا: أعيد ذكر [التيسير] «2» ليتبين عن أنه يسّر بهذا الوجه من الوعظ كما يسّر بالوجه الأول. أو يسّر بحسن التأليف للحفظ كما يسّر بحسن البيان للفهم.
24 ضَلالٍ وَسُعُرٍ: أي تركنا دين آبائنا. أو التغير به كدخول النّار التي تنذرنا بها «3» . وقيل «سعر» : جنون ناقة مسعورة «4» .
29 فَنادَوْا صاحِبَهُمْ: نادى مصدع بن زهير «5» قدار «6» بن سالف بعد ما رماه مصدع سهمه «7» [فعقرها قدار] «8» .
__________
(1) عن معاني القرآن للزجاج: 5/ 89.
وانظر إعراب القرآن للنحاس: (4/ 291، 292) ، والتبيان للعكبري: 2/ 1194، وتفسير القرطبي: 17/ 137.
(2) في الأصل: «اليسير» ، والمثبت في النص عن هامش الأصل الذي أشار ناسخه إلى وروده في نسخة أخرى.
(3) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 139.
(4) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 433، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 89، والبحر المحيط: 8/ 180، واللسان: 4/ 366 (سعر) .
(5) في المحبّر لابن حبيب: 357 «مصدع بن دهر» ، وفي المعارف لابن قتيبة: 29، والبداية والنهاية: 1/ 127: «مصرع بن مهرج» .
قال ابن قتيبة: «كان رجلا نحيفا طويلا أهوج مضطربا» .
(6) قدار بن سالف: هو عاقر الناقة في ثمود، وكان رجلا قويا في قومه.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 8/ 437: «كان هذا الرجل عزيزا فيهم، شريفا في قومه، نسيبا رئيسا مطاعا.
وانظر المعارف لابن قتيبة: 29، والبداية والنهاية: 1/ 127.
(7) في «ك» : بسهمه.
(8) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .(2/781)
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40) وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)
31 الْمُحْتَظِرِ: المبتني الحظيرة التي يجمع فيها الهشيم «1» ، و «الهشيم» : حطام العشب إذا يبس «2» ، ومثله الدّرين والثّنّ «3» .
الحاصب «4» : السحاب حصبهم بالحجارة «5» .
وآل لوط: ابنتاه زعورا وريثا «6» .
37 وَنُذُرِ: هو الإنذار. ك [النكر] «7» . أو جمع «نذير» «8» .
44 أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ: أي: يدلّون بكثرتهم «9» .
45 سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ: أي: يوم بدر «10» ، وهذا من آياته صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) تفسير غريب القرآن: 434. [.....]
(2) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 241، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 434، وتفسير المشكل لمكي: 330، والمفردات للراغب: 543، واللسان: 12/ 612 (هشم) .
(3) الدّرين: يبيس الحشيش وكل حطام من حمض أو شجر.
والتّنّ: اليابس من العيدان.
ينظر اللسان (13/ 83، 153) (ثنن، درن) .
(4) من قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ آية: 34.
(5) ذكر الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 141 دون عزو.
(6) جاء في هامش الأصل: «الصحيح «ربثا» بالباء المنقوط بواحدة من تحت» ونقل ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 141 عن مقاتل أن اسميهما: ريثا وزعرثا، وعن السدي: رية وعروبة.
(7) في الأصل: النكير، والمثبت في النص عن «ج» .
(8) ينظر المفردات للراغب: 487، وتفسير القرطبي: 17/ 129، والبحر المحيط: 8/ 182.
(9) عن معاني القرآن للزجاج: 5/ 91.
(10) يدل عليه ما أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبة يوم بدر: اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تشأ لا تعبد بعد اليوم، فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك يا رسول الله ألححت على ربك وهو يثب في الدرع فخرج وهو يقول: (سيهزم الجمع ويولون الدّبر) اه-.
صحيح البخاري: 6/ 54، كتاب التفسير، تفسير سورة اقتربت الساعة.
وعدّ المؤلف- رحمه الله- هذه الآية من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذه السورة مكية ونزلت قبل وقعة بدر بسنين عديدة.(2/782)
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54)
48 ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ: هو كقولك: وجدت مسّ الحمّى «1» .
49 خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ: قدّر الله لكل خلق قدره الذي ينبغي له.
50 وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ: مرة واحدة. أو كلمة واحدة. أو إرادة واحدة «2» .
54 وَنَهَرٍ: سعة العيش «3» . أو وضع موضع «أنهار» على مذهب الجنس.
سورة الرحمن
1 الرَّحْمنُ: أي الله الرّحمن ولذلك عدّ آية «4» .
3 خَلَقَ الْإِنْسانَ: خلقه غير عالم فجعله عالما «5» . وقيل «6» : الإنسان آدم.
وقيل «7» : النبي عليه السّلام، و «البيان» : القرآن «8» .
__________
(1) تفسير الطبري: 27/ 110.
(2) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 110، وزاد المسير: 8/ 102، وتفسير القرطبي: 17/ 149.
(3) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 143 عن قطرب.
وذكر نحوه البغوي في تفسيره: 4/ 266 عن الضحاك.
(4) البحر المحيط: 8/ 188.
(5) المصدر السابق. [.....]
(6) أخرجه الطبريّ في تفسيره: 27/ 114 عن قتادة، ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 145 عن الحسن، وقتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 691، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة.
(7) نقله ابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 106 عن ابن كيسان، وكذا القرطبي في تفسيره:
17/ 152، وأبو حيان في البحر المحيط: 8/ 188.
(8) هذا قول الزجاج في معانيه: 5/ 95.(2/783)
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7)
5 الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ: يجريان بحساب «1» ، أو يدلان على عدد الشّهور والسّنين «2» .
6 وَالنَّجْمُ: النّبات الذي نجم في الأرض وانبسط ليس له ساق، والشّجر ما قام على ساق «3» . وسجودهما دوران الظّل معهما «4» ، أو ما فيهما من آثار الصّنعة الخاضعة لصانعهما، أو إمكانهما من الجني والرّيع وتذليل [94/ أ] الله إياهما للانتفاع/ بهما.
7 وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ أي: العدل، والمعادلة: موازنة الأشياء «5» .
__________
(1) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 112، وأبو عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 242، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 436.
وأخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 27/ 115 عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكذا الحاكم في المستدرك: 2/ 474، كتاب التفسير، «سورة الرحمن» ، وقال: «صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 691، وزاد نسبته إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(2) ذكره الزجاج في معانيه: 5/ 95.
(3) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 27/ 116، والحاكم في المستدرك:
2/ 474، كتاب التفسير، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قال الحاكم: «صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 692، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ في «العظمة» عن ابن عباس أيضا.
وهو قول الفراء في معانيه: 3/ 112، وأبي عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 242، والزجاج في معانيه: 5/ 69.
وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 107، وقال: «وهو مذهب ابن عباس، والسدي، ومقاتل، واللغويين» .
(4) هذا قول الزجاج في معاني القرآن: 5/ 96، وذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 146 عن الزجاج، وكذا القرطبي في تفسيره: 17/ 154.
(5) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 5/ 96.
وانظر هذا المعنى في معاني القرآن للفراء: 3/ 113، وتفسير الطبري: 27/ 118، وتفسير الماوردي: 4/ 147، وزاد المسير: 8/ 107.(2/784)
أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12)
8 أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ: في هذا الميزان الذي يتزن بها الأشياء.
9 وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ: ميزان الأعمال يوم القيامة «1» ، فتلك ثلاثة موازين.
و «الأنام» : «2» الثّقلان «3» ، وقيل: «4» كلّ شيء فيه روح، وأصله «ونام» ك «وناة» من ونم الذباب: صوت «5» .
11 ذاتُ الْأَكْمامِ: الطّلع متكمّم قبل أن ينفتق بالتمر «6» .
12 وَالرَّيْحانُ: الحبّ المأكول هنا «7» ، والعصف: ورقه [الذي] «8» ينفي عنه ويذرّى في الريح كالتبن لأن الرّيح تعصفه، ويقال لما يسقط منه:
العصافة «9» .
__________
(1) تفسير القرطبي: 17/ 155.
(2) في قوله تعالى: وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ آية: 10.
(3) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 27/ 119 عن الحسن.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 693، وزاد نسبته إلى ابن المنذر عن الحسن رحمه الله تعالى.
(4) أخرجه الطبري في تفسيره: 27/ 119 عن ابن عباس رضي الله عنهما عن طريق محمد بن سعد عن أبيه.... وهو إسناد مسلسل بالضعفاء، تقدم بيان ذلك ص 135.
ونقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 147 عن مجاهد، والسدي.
وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: (8/ 107، 108) ، وقال: «رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والشعبي، وقتادة، والسدي، والفراء» .
(5) اللسان: 12/ 643 (ونم) .
(6) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 27/ 120 عن ابن زيد.
وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 436، ومعاني الزجاج: 5/ 97، والمفردات للراغب: 441، وتفسير القرطبي: 17/ 156. [.....]
(7) معاني القرآن للفراء: 3/ 113، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 243، وتفسير الطبري:
27/ 122، والمفردات للراغب: 336.
(8) ما بين معقوفين ساقط من الأصل، والمثبت عن «ك» .
(9) اللسان: 9/ 247 (عصف) .(2/785)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22)
13 تُكَذِّبانِ: خطاب الجن والإنس «1» . أو خطاب الإنسان بلفظ التثنية على عادتهم «2» .
17 رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ: مشرق الشتاء والصّيف «3» . أو مطلع الفجر والشّمس «4» .
والْمَغْرِبَيْنِ: مغرب الشّمس والشّفق، والنعمة فيهما تدبيرهما على نفع العباد ضياء وظلمة على حاجاتهم إلى الحركة والسكون.
19 مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ: بحر فارس والرّوم «5» .
20 لا يَبْغِيانِ: لا يبغي الملح على العذب. أو لا يبغيان: لا يفيضان على الأرض فيغرقانها «6» .
22 يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ إنّما قيل: مِنْهُمَا لأنّه جمعهما وذكرهما فإذا
__________
(1) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 114، وأبو عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 243، والقرطبي في تفسيره: 17/ 158، وقال: «وهذا قول الجمهور» .
(2) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 114، وتفسير البغوي: 4/ 268، وتفسير القرطبي:
17/ 158.
(3) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 115، وأبو عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 243، وأخرجه الطبري في تفسيره: 27/ 127 عن ابن أبزى، ومجاهد، وقتادة.
ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 150 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(4) تفسير الماوردي: 4/ 150، والبحر المحيط: 8/ 191.
(5) أخرج عبد الرزاق هذا القول في تفسيره: 2/ 263 عن الحسن وقتادة وأخرجه الطبري في تفسيره: 27/ 128 عن قتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 696، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر عن الحسن رحمه الله تعالى.
(6) ينظر هذا القول في تفسير القرطبي: 17/ 162، والبحر المحيط: 8/ 191.
وقال الطبري- رحمه الله- في تفسيره: 27/ 130: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله وصف «البحرين» اللذين ذكرهما في هذه الآية أنهما لا يبغيان، ولم يخصص وصفهما في شيء دون شيء، بل عم الخبر عنهما بذلك، فالصواب أن يعمّ كما عمّ جل ثناؤه، فيقال: إنهما لا يبغيان على شيء، ولا يبغى أحدهما على صاحبه، ولا يتجاوزان حدّ الله الذي حدّه لهما» .(2/786)
وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (25) كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)
خرج من أحدهما فقد خرج منهما «1» ، كقوله «2» سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً والقمر في السّماء الدنيا.
وقيل «3» : الملح والعذب يلتقيان فيكون العذب كاللقاح للملح.
وَالْمَرْجانُ: اللؤلؤ المختلط صغاره بكباره «4» . مرجت الشيء:
خلطته، والمارج: ذؤابة لهب النّار التي تعلوها فيرى أخضر وأصفر مختلطا «5» .
24 الْمُنْشَآتُ: المرسلات في البحر المرفوعات الشرع «6» ، و «المنشئات» «7» : الحاملات الرافعات الشرع.
كَالْأَعْلامِ: كالجبال «8» .
27 وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ: يبقى ربّك الظاهر أدلته ظهور الإنسان بوجهه.
__________
(1) عن معاني القرآن للزجاج: 5/ 100، وانظر تفسير البغوي: 4/ 269، وزاد المسير:
8/ 113، وتفسير القرطبي: 17/ 163، والبحر المحيط: 8/ 192.
(2) سورة نوح: الآيتان: 15، 16.
(3) نص هذا القول في تفسير المارودي: 4/ 152، وتتمته: «فنسب إليهما كما نسب الولد إلى الذكر والأنثى، وإن ولدته الأنثى، ولذلك قيل إنه لا يخرج اللؤلؤ إلا من موضع يلتقي فيه العذب والمالح» .
وانظر هذا القول في تفسير القرطبي: 17/ 153، والبحر المحيط: 8/ 191.
(4) عن تفسير الماوردي: 4/ 151.
(5) المفردات للراغب: 465، واللسان: 2/ 365 (مرج) . [.....]
(6) تفسير الطبري: 27/ 133، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 100، والكشف لمكي:
2/ 301.
(7) بكسر الشين قراءة حمزة كما في السّبعة لابن مجاهد: 620، والتبصرة لمكي: 341، والتيسير للداني: 206.
وانظر توجيه هذه القراءة في معاني القرآن للزجاج: 5/ 100، والكشف لمكي: 2/ 301، والبحر المحيط: 8/ 192.
(8) معاني القرآن للفراء: 3/ 115، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 244، والمفردات للراغب:
344.(2/787)
يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)
29 كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ في الحديث «1» : «يجيب داعيا، ويفك عانيا، ويتوب على قوم ويغفر لقوم» .
وقال سويد «2» بن جبلة- وكان من التابعين-: يعتق رقابا، ويفحم [94/ ب] عقابا/ ويعطي رغابا «3» .
31 سَنَفْرُغُ لَكُمْ: نقصدكم ونعمد إليكم «4» ، وهذا اللّفظ من أبلغ التهديد والوعيد نعمة من الله للانزجار عن المعاصي، وفي إقامة الجزاء أعظم النعمة «5» ، ولو ترك لفسدت الدنيا والآخرة، ووصف الجن والإنس ب «الثقلين» لعظم شأنهما، كأن ما عداهما لا وزن له بالإضافة إليهما.
33 لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ أي: حيث ما كنتم شاهدتم حجّة لله وسلطانا يدل على أنّه واحد «6» .
__________
(1) أخرجه الطبري في تفسيره: 27/ 135 عن مجاهد، وعبيد بن عمير باختلاف في بعض ألفاظه.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: (7/ 699، 700) ، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي عن عبيد بن عمير.
(2) هو سويد بن جبلة الفزاري.
يروى عن العرباض بن سارية وعمرو بن عنبسة، روى عنه لقمان بن عامر الوصابي وأبو المصبح، المقرئ ترجمته في التاريخ الكبير للبخاري: 4/ 146، والجرح والتعديل:
4/ 236، والثقات لابن حبان: 4/ 325.
(3) نقل الماوردي هذا الأثر في تفسيره: 4/ 153 عن سويد بن جبلة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 700، وعزا إخراجه إلى عبد بن حميد عن سويد.
(4) ذكره الزجاج في معانيه: 5/ 99 وقال: «والفراغ في اللّغة على ضربين، أحدهما: الفراغ من شغل، والآخر: القصد للشيء، تقول: قد فرغت مما كنت فيه، أي: قد زال شغلي به، ويقال: سأتفرغ لفلان، أي: سأجعل قصدي له» .
وانظر تفسير الماوردي: 4/ 154، وتفسير البغوي: 4/ 270، وتفسير القرطبي:
17/ 168.
(5) في «ك» : النعم.
(6) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 5/ 99، وانظر تفسير البغوي: 4/ 271، وتفسير القرطبي: 17/ 170.(2/788)
يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44)
35 شُواظٌ: لهب، وَنُحاسٌ: دخان النّار «1» .
37 فَكانَتْ وَرْدَةً: حمراء مشرقة «2» ، وقيل «3» : متغيرة مختلفة الألوان كما تختلف ألوان الفرس الورد في فصول السّنة.
كَالدِّهانِ: صافية كالدهن «4» ، وقيل «5» : الدهان والدهين: الأديم الأحمر وأنّ لون السّماء أبدا أحمر، إلّا أنّ الزرقة بسبب اعتراض الهواء بينهما كما يرى الدم في العروق أزرق، وفي القيامة يشتعل الهواء نارا فيرى السّماء على لونها «6» .
39 لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ: لا يسأل أحد عن ذنب أحد «7» . أو لا يسألون سؤال استعلام «8» .
41 فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي: تضمّ الأقدام إلى النّواصي وتلقى في النّار «9» .
44 آنٍ: بالغ أناه وغايته في حرارته «10» .
__________
(1) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 117، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 244، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 438، والمفردات للراغب: (270، 485) .
(2) تفسير الطبري (27/ 141، 142) ، وتفسير المشكل لمكي: 334، وتفسير القرطبي:
17/ 173.
(3) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 117، ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 156 عن الكلبي، والفراء.
(4) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 156 عن الأخفش.
(5) ينظر هذا القول في تفسير الطبري: 27/ 142، وتفسير الماوردي: 4/ 156، وزاد المسير:
8/ 118. [.....]
(6) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 156، والقرطبي في تفسيره: 17/ 173 عن الماوردي.
(7) تفسير الطبري: 27/ 142، وتفسير القرطبي: 17/ 174.
(8) أورد نحوه الماوردي في تفسيره: 4/ 156، والبغوي في تفسيره: 4/ 272، والقرطبي في تفسيره: 17/ 174.
وذكر قائلو هذا القول إنهم يسألون سؤال توبيخ.
(9) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 5/ 102.
(10) معاني القرآن للزجاج: 5/ 102، وتفسير الماوردي: 4/ 157، والمفردات للراغب: 29.(2/789)
وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61) وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64)
وقيل «1» . حاضر، ومنه سمّي الحال ب «الآن» لأنه الحاضر الموجود فإنّ الماضي لا تدارك له، والمستقبل أمل، وليس لنا إلّا الآن، ثم ليس للآن ثبات طرفة عين.
46 مَقامَ رَبِّهِ: الموقف الذي يقف «2» فيه للمسألة «3» .
جَنَّتانِ: جنّة في قصره، وجنة خارج قصره على طبع العباد في شهوة ذلك.
أو هو جنّة للجنّ وجنّة للإنس «4» .
50 فِيهِما عَيْنانِ: التسنيم والسلسبيل «5» .
52 زَوْجانِ: ضربان متشاكلان تشاكل الذكر والأنثى.
54 بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ: ليستدل بالبطانة على شرف الظهارة.
56 لَمْ يَطْمِثْهُنَّ: لم يجامع الإنسية إنس ولا الجنيّة جنيّ «6» .
62 وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ: أقرب منهما فجعل لمن خاف مقام ربّه- وهو الرّجل يهمّ بالمعصية ثم يدعها من خوف الله- أربع جنان ليتضاعف سروره بالتنقل.
64 مُدْهامَّتانِ: مرتويتان من النضرة والخضرة ارتواء يضرب إلى
__________
(1) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 157 عن محمد بن كعب القرظي، وكذا القرطبي في تفسيره: 17/ 176.
(2) في «ج» : يقوم.
(3) ينظر تفسير الطبري: 27/ 145، وتفسير الماوردي: 4/ 157، وزاد المسير: 8/ 119، وتفسير الفخر الرازي: 29/ 123.
(4) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 157 دون عزو، وكذا الفخر الرازي في تفسيره:
29/ 124.
(5) نقل البغوي هذا القول في تفسيره: 4/ 274 عن الحسن، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 120 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(6) تفسير الطبري: 27/ 150، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 103، وتفسير البغوي: 4/ 181.(2/790)
فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)
السّواد «1» /.
66ضَّاخَتانِ
: فوّارتان «2» .
68 وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ: فصلا بالواو لفضلهما، كقوله «3» : مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ.
70 خَيْراتٌ: خيرات الأخلاق حسان الوجوه «4» ، وكانت [خيّرات] «5» فخففت.
72 مَقْصُوراتٌ: مخدرات قصرن على أزواجهن «6» . أو محبوسات صيانة عن التبذل.
فِي الْخِيامِ: وهي من درر جوف «7» .
__________
(1) معاني القرآن للفراء: 3/ 119، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 246، والمفردات للراغب:
173.
(2) مجاز القرآن: 2/ 246، وتفسير غريب القرآن: 443، وتفسير الطبري: 27/ 156، واللسان: 3/ 62 (نضخ) .
(3) سورة البقرة: آية: 98، وانظر هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 5/ 103، وتفسير القرطبي: (17/ 185، 186) ، والبحر المحيط: 8/ 198. [.....]
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 27/ 158 عن قتادة.
(5) في الأصل: «خيّرة» ، والمثبت في النص من «ك» ، وهي قراءة تنسب إلى قتادة، وأبي رجاء العطاردي، وبكر بن حبيب ينظر تفسير القرطبي: 17/ 187، والبحر المحيط: 8/ 198.
(6) أورد الطبري- رحمه الله- هذا القول والذي بعده، وعقّب عليهما بقوله: «والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تبارك وتعالى وصفهن بأنهن مقصورات في الخيام، والقصر: هو الحبس ولم يخصص وصفهن بأنهن محبوسات على معنى من المعنيين اللذين ذكرنا دون الآخر، بل عم وصفهن بذلك. والصواب أن يعمّ الخبر عنهن بأنهن مقصورات في الخيام على أزواجهن، فلا يرون غيرهم، كما عم ذلك» .
(7) أخرج الإمام البخاري عن عبد الله بن قيس الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الخيمة درة مجوّفة طولها في السماء ثلاثون ميلا في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون» .
صحيح البخاري: 6/ 88، كتاب بدء الخلق، باب «ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة» .(2/791)
مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)
76 رَفْرَفٍ: مجلس مفروش يرفّ بالبسط «1» . وقيل «2» : «الرفرف» :
رياض الجنة، و «العبقريّ» : الطّنافس المخملة «3» .
سورة الواقعة
في الحديث «4» : «من أراد نبأ الأولين والآخرين، ونبأ أهل الجنّة والنّار، ونبأ الدنيا والآخرة فليقرأ سورة «الواقعة» ، والواقعة: القيامة.
وقيل «5» : الصيحة.
2 كاذِبَةٌ: تكذيب. أو نفس كاذبة «6» لإخبار الله بها ودلالة العقل عليها.
3 خافِضَةٌ: لأهل المعاصي، رافِعَةٌ: لأهل الطاعات.
4 رُجَّتِ: زلزلت «7» ، وإِذا في موضع نصب، أي: إذا وقعت في ذلك الوقت.
__________
(1) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 246، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 444، والمفردات للراغب: 199.
(2) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 120، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 443، وأخرجه الطبري في تفسيره: 27/ 163 عن سعيد بن جبير.
ونقله القرطبي في تفسيره: 17/ 190 عن ابن عباس، وسعيد بن جبير.
(3) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 4/ 162 عن الحسن رحمه الله تعالى.
والطنافس: البسط التي لها خمل رقيق.
ينظر النهاية لابن الأثير: 3/ 140، واللسان: 6/ 127 (طنفس) .
(4) هذا الأثر مقطوع، وهو من قول مسروق كما في تفسير القرطبي: 7/ 194، ولم أقف عليه مسندا.
(5) أخرجه الطبري في تفسيره: 27/ 166 عن الضحاك، ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 163 عن الضحاك أيضا.
(6) ذكره القرطبي في تفسيره: 17/ 195.
(7) معاني القرآن للفراء: 3/ 121، ومعاني الزجاج: 5/ 108، والمفردات للراغب: 187.(2/792)
وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7)
5 بُسَّتِ: هدّت أو دقّت، والبسيسة: [بل] «1» السّويق.
7 أَزْواجاً ثَلاثَةً: أصنافا متشاكلة «2» ، وفسّر بما في سورة «الملائكة» من الظالم والمقتصد والسّابق «3» .
وروى النّعمان «4» بن بشير أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً إلى وَالسَّابِقُونَ، فقال «5» : «هم السّابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.
وروي «6» أيضا: «السّابقون يوم القيامة أربعة: فأنا سابق العرب، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة، وصهيب سابق الروم» .
وفي حديث «7» آخر: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة» .
__________
(1) في الأصل و «ج» : «زاد» ، والمثبت في النص عن «ك» .
وانظر معاني القرآن للفراء: 3/ 122، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 247، وتفسير الطبري: 27/ 167، والمفردات للراغب: 45، واللسان: 6/ 26 (بسس) .
(2) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 445، ومعاني الزجاج: 5/ 108، وتفسير القرطبي:
17/ 198، والبحر المحيط: 8/ 204.
(3) يريد قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ آية: 32.
وقد ورد هذا التفسير الذي أشار إليه المؤلف في أثر أخرجه ابن المنذر، وابن مردويه، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما كما في الدر المنثور: 8/ 6. [.....]
(4) هو النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس الأنصاري الخزرجي. صحابي جليل.
ترجمته في الاستيعاب: 4/ 1496، وأسد الغابة: 5/ 326، والإصابة: 6/ 440.
(5) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وأورد الحافظ ابن كثير في تفسيره: 7/ 490 رواية ابن أبي حاتم عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هم الضرباء» .
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 7، وزاد نسبته إلى ابن مردويه عن النعمان ورفعه.
(6) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: 8/ 131 حديث رقم (7526) عن أبي أمامة مرفوعا، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد: 9/ 308، وحسّن إسناده.
(7) هذا جزء من حديث طويل أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: (1/ 211، 212) ، كتاب الجمعة، باب «فرض الجمعة» ، والإمام مسلم في صحيحه: (2/ 585، 586) ، كتاب الجمعة، باب «هداية هذه الأمة ليوم الجمعة» عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا.(2/793)
فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17)
8 ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ: أيّ شيء هم؟ اللّفظ في العربية على التعجب، وهو من الله تعظيم الشأن «1» .
وتكرير «السّابقين» «2» لأنّ التقدير: السّابقون إلى الطّاعة هم السّابقون إلى الرحمة «3» .
13 ثُلَّةٌ: جماعة «4» .
14 وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ: لأنّ الذين سبقوا إلى الإيمان بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم قليل من كثير ممن سبق إلى الإيمان بالأنبياء قبله.
15 مَوْضُونَةٍ: مضفورة متداخلة.
17 وِلْدانٌ: وصفاؤهم أطفال الكفار «5» .
__________
(1) هذا نص قول الزجاج في معانيه (5/ 108، 109) . وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة:
445، وتفسير الطبري: 27/ 170، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 324، وزاد المسير:
8/ 133.
(2) في قوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ آية: 10.
(3) عن معاني القرآن للزجاج: 5/ 109، وانظر إعراب القرآن للنحاس: 4/ 324، وزاد المسير: 8/ 134.
(4) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 248، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 446، وتفسير الطبري: 27/ 172، والمفردات للراغب: 81.
(5) الوصيف: الخادم، أو العبد كما في اللسان: 9/ 357 (وصف) .
وأورد الزمخشري في الكشاف: 4/ 53 حديث: «أولاد الكفار خدّام أهل الجنة» .
وذكر الحافظ ابن حجر في الكافي الشاف: 162 أن البزار والطبراني في «الأوسط» أخرجاه من رواية عباد بن منصور عن أبي رجاء العطاردي عن سمرة بن جندب مرفوعا.
وقال أيضا: «رواه البزار من رواية علي بن زيد بن جدعان، والطيالسي، والطبراني، وأبو يعلى من رواية يزيد الرقاشي كلاهما عن أنس بهذا وأتم منه» .
قال الحافظ: «قلت: قد يعارضه حديث سمرة في صحيح البخاري، ففيه أنه رأى أولاد الناس تحت شجرة يكفلهم إبراهيم عليه السلام، قال: فقلنا: وأولاد المشركين؟ قال:
وأولاد المشركين» أخرجه بهذا اللفظ ويمكن الجمع بينهما بأن لا منافاة بينهما لاحتمال أن يكونوا في البرزخ كذلك، ثم بعد الاستقرار يستقرون في الجنة خدما لأهلها» اه.(2/794)
إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26) وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)
مُخَلَّدُونَ: مسوّرون «1» . وفي تاج المعاني «2» : روحانيون لم يتجسموا، من قولك: وقع في خلدي، أي: نفسي وروحي.
26 إِلَّا قِيلًا سَلاماً: بدل من «قيل» ، أي: لا يسمعون إلّا سلاما، أو نعت/ ل «قيل» ، أي: قيلا يسلم من اللّغو «3» . [95/ ب]
28 سِدْرٍ مَخْضُودٍ: ليّن لا شوك ولا عجم «4» .
29 وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ: قنو الموز: نضد بعضه على بعض «5» .
30 وَظِلٍّ مَمْدُودٍ: في الزمان والمكان في الزمان لأنّه غير متغيّر بضحّ يجيء بدله، وفي المكان لأنّه غير متناه إلى حد يفنى فيه «6» ، ولكنه ظل
__________
(1) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 123، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 446، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 136 عن الفراء، وابن قتيبة.
وأورد الطبري في تفسيره: 27/ 174 هذا القول وغيره من الأقوال، ثم عقّب عليها بقوله:
«والذي هو أولى بالصواب في ذلك قول من قال معناه أنهم لا يتغيرون، ولا يموتون، لأن ذلك أظهر معنييه، والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط: إنه لمخلد ... » .
(2) في كشف الظنون: 270: «تاج المعاني في تفسير السبع المثاني للشيخ الإمام أبي نصر منصور بن سعيد بن أحمد بن الحسن. وهو كبير في مجلدات.. ألفه سنه ثلاث وخمسين وثلاثمائة» .
(3) ينظر تفسير الطبري: 27/ 178، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 112، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 303، والتبيان للعكبري: 2/ 1204.
(4) العجم- بالتحريك-: نوى التمر والنبق، الواحدة عجمة، ولغة العوام إسكان الجيم.
اللسان: 12/ 291 (عجم) .
وانظر القول الذي ذكره المؤلف في معاني القرآن للفراء: 3/ 124، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 250، وتفسير الطبري: 27/ 179، ومعاني الزجاج: 5/ 112.
(5) أي وضع وجمع. ذكره المؤلف- رحمه الله- في وضح البرهان: 2/ 374. [.....]
(6) وفي هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، واقرؤا إن شئتم (وظل ممدود) اه-.
أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 6/ 57، كتاب التفسير، تفسير سورة الواقعة.
وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه: 4/ 2175، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها» .(2/795)
وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37)
ظليل لا شمس تنسخه، ولا حرور ينغّصه، ولا برد يفسده.
ولفظ ابن الأنباري «1» : ظل الجنة الكينونة في ذراها. تقول: لا أزال الله عنا ظلك، أي: الكينونة في ناحيتك والاستذراء بك.
31 وَماءٍ مَسْكُوبٍ: جار في غير أخدود يجري في منازلهم «2» .
34 وَفُرُشٍ: العرب تكني عن المرأة بالفراش «3» .
مَرْفُوعَةٍ: أي: على السّرر. أو مرتفعات الأقدار أدبا وحسنا.
35 أَنْشَأْناهُنَّ: أي: نساء أهل الدّنيا أعددناهنّ صبايا «4» .
36 أَبْكاراً: أو الحور أنشأناهنّ من غير ولادة.
37 عُرُباً العروب: الحسنة التبعل، الفطنة بمراد الزّوج كفطنة العرب «5» وفي الحديث «6» : «جهاد المرأة حسن التبعّل» .
__________
(1) ابن الأنباري: (271- 328 هـ-) .
هو محمد بن القاسم بن محمد بن بشار الأنباري البغدادي، أبو بكر الإمام المقرئ النحوي.
صنف كتاب الزاهر، والوقف والابتداء ... وغير ذلك.
أخباره في طبقات النحويين للزبيدي: 153، ووفيات الأعيان: 4/ 341، وبغية الوعاة: 1/ 212.
ونص قول ابن الأنباري في الزاهر: 2/ 74: «والظل معناه في اللّغة: الستر، يقال: لا أزال الله عنا ظلّ فلان، أي: ستره لنا. ويقال: هذا ظل الشجرة، أي: سترها وتغطيتها» اه.
(2) تفسير الطبري: 27/ 184، وتفسير الماوردي: 4/ 170، وتفسير البغوي: 4/ 282، وتفسير الفخر الرازي: 29/ 165، وتفسير القرطبي: 17/ 209.
قال القرطبي: «وكانت العرب أصحاب بادية وبلاد حارة، وكانت الأنهار في بلادهم عزيزة لا يصلون إلى الماء إلا بالدلو والرشاء فوعدوا في الجنة خلاف ذلك، ووصف لهم أسباب النزهة المعروفة في الدنيا، وهي الأشجار وظلالها، والمياه والأنهار واطرادها» اه.
(3) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 449، وتفسير البغوي: 4/ 283، والكشاف:
4/ 54، وزاد المسير: 8/ 141.
(4) ذكره البغوي في تفسيره: 4/ 283، والقرطبي في تفسيره: 17/ 210.
(5) المفردات: 328، واللسان: 1/ 591 (عرب) .
(6) ذكره ابن الجوزي في غريب الحديث: 1/ 79 بلفظ: «جهادكن حسن التبعل» .(2/796)
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40) وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53)
والأتراب: اللّواتي نشأن معا في حال الصّبا «1» ، أخذ من لعب الصّبيان بالتراب.
39، 40 ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ: لما نزلت في السّابقين ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ «2» عسر ذلك على الصّحابة فنزلت هذه «3» ، وفسّرها عليه السّلام فقال: «من آدم إلينا ثلّة ومنا إلى يوم القيامة ثلّة.
وقد تضمنت أنه ليس هذا لجميع الأولين ولجميع الآخرين بل لجماعة منهم، فاجتهد أن تكون من أولئك.
41 وَأَصْحابُ الشِّمالِ: تتشاءم العرب بالشمال وتعبّر به عن الشّيء الأخس والحظ الأنقص. وقيل «4» : هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال.
وقيل «5» : الذين يأخذون كتبهم بشمالهم.
43 مِنْ يَحْمُومٍ: الدخان الأسود «6» ، وسمّي فرس النّعمان بن المنذر «اليحموم» لسواده «7» . ولما كان فائدة الظل التروّح فمتى كان من الدخان كان غير بارد ولا كريم.
53 فَمالِؤُنَ مِنْهَا: من الشّجر على الجنس «8» .
__________
(1) المفردات للراغب: 74، واللسان: 1/ 231 (ترب) .
(2) الآيتان: 13، 14 من سورة الواقعة.
(3) انظر أسباب النزول للواحدي: 466، وتفسير البغوي: 4/ 284، وتفسير ابن كثير:
8/ 14، والدر المنثور: 8/ 7.
(4) ذكره الطبري في تفسيره: 27/ 191، والنحاس في إعراب القرآن: 4/ 333.
(5) ذكره النحاس في إعراب القرآن: 4/ 333، والقرطبي في تفسيره: 17/ 213.
(6) معاني القرآن للفراء: 3/ 126، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 449، وتفسير الطبري:
27/ 191، والمفردات للراغب: 130، واللسان: 12/ 157 (حمم) .
(7) ينظر كتاب أسماء خيل العرب للغندجاني: 270، والحلبة في أسماء الخيل المشهورة للصاحبي التاجي: 71، وكتاب الخيل لعبد الله بن جزي: 40. [.....]
(8) معاني الفراء: 3/ 127، وتفسير القرطبي: 17/ 214، والبحر المحيط: 8/ 210.(2/797)
فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71)
55 شُرْبَ الْهِيمِ: الإبل العطاش «1» . والهيام: داء تشرب معه الإبل فلا تروى «2» .
[96/ أ] 58 تُمْنُونَ منى و/ أمنى: أراق «3» ، و «منى» لإراقة الدّماء بها.
60 نَحْنُ قَدَّرْنا: كتبنا الموت على مقدار «4» .
61 وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ
: نخلقكم في أيّ خلق شئنا من ذكورة أو أنوثة أو حسن أو قبح.
65 حُطاماً: هشيما يابسا لا حبّ فيه «5» .
تَفَكَّهُونَ: تندّمون في لغة تميم «6» . وقيل «7» : تعجبون.
71 تُورُونَ: الإيراء استخراج النّار من الزّند «8» . وفي حديث علي «9» رضي الله عنه على ذكر النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أورى قبسا لقابس» أي: أظهر نورا من الحق.
__________
(1) ينظر تفسير الطبري: 27/ 195، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 113، وتفسير الماوردي:
4/ 173، والمفردات للراغب: 547.
(2) معاني القرآن للفراء: 3/ 128، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 450، واللسان:
12/ 626 (هيم) .
(3) تفسير الماوردي: 4/ 174، واللسان: 12/ 293 (منى) .
(4) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 4/ 174 عن ابن عيسى.
(5) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 251، وتفسير الطبري: 27/ 198، والمفردات للراغب:
123.
(6) التفكه: التندم، وتميم تقول يتفكنون أي: يتندمون، اللسان 13/ 524 (فكه) .
(7) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 128، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 450، والطبري في تفسيره: 27/ 198، والماوردي في تفسيره: 4/ 176.
(8) الزّند: خشب يحك بعضه على بعض فيخرج منه النار.
معاني القرآن للزجاج: 5/ 115، واللسان: 3/ 195 (زند) .
وانظر القول الذي أورده المؤلف في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 451، وتفسير الطبري: 27/ 201، والمفردات للراغب: 521.
(9) النهاية لابن الأثير: 4/ 4.(2/798)
نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81)
73 تَذْكِرَةً: تذكركم النّار الكبرى «1» ، وَمَتاعاً: في الاستضاءة، والاصطلاء. والإنضاج، والتحليل ... وغيرها من الإذابة والتعقيد والتكليس «2» .
وأقوى «3» من الأضداد «4» أغنى وافتقر ولذلك اختلف في تفسيره بالمسافرين وبالمستمتعين «5» .
75 بِمَواقِعِ النُّجُومِ: مطالعها ومساقطها «6» . أو انتثارها يوم القيامة «7» .
أو هو نجوم القرآن «8» ، نجّمه جبريل على النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
76 وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ: اعتراض، ولَوْ تَعْلَمُونَ اعتراض آخر في هذا الاعتراض «9» .
81 مُدْهِنُونَ: منافقون، أدهن وداهن، ويقال: داهنت: داريت،
__________
(1) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 451، وتفسير الطبري: 27/ 201، وتفسير القرطبي:
17/ 221.
(2) في اللسان: 6/ 197 (كلس) : «التكليس: التمليس» .
(3) من قوله تعالى: وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ آية: 73.
(4) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 252، واللسان: 15/ 210 (قوا) . [.....]
(5) ينظر هذه الأقوال في تفسير الطبري: (27/ 201، 202) ، وعقّب عليها الطبري بقوله:
«وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال: عني بذلك للمسافر الذي لا زاد معه، ولا شيء له، وأصله من قولهم: أقوت الدار: إذا خلت من أهلها وسكانها ... » .
(6) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 252، وأخرجه الطبري في تفسيره: 27/ 204 عن مجاهد، وقتادة.
ورجحه الطبري لأن «المواقع جمع «موقع» ، والموقع المفعل، من وقع يقع موقعا، فالأغلب من معانيه والأظهر من تأويله ما قلنا في ذلك، ولذلك قلنا: هو أولى معانيه به» .
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 27/ 204 عن الحسن رحمه الله تعالى.
ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 178 عن الحسن، وكذا البغوي في تفسيره: 4/ 289، وابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 151، والقرطبي في تفسيره: 17/ 223.
(8) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 451، وأخرجه الطبري في تفسيره: 27/ 203 عن ابن عباس، وعكرمة.
(9) ينظر الكشاف: 4/ 58، والتبيان للعكبري: 2/ 1206، والبحر المحيط: 8/ 214.(2/799)
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86)
وأدهنت: غششت «1» .
82 وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ أي: تجعلون جزاء رزقكم التكذيب، فيدخل فيه قول العرب: مطرنا بنوء كذا «2» .
وقيل «3» : تجعلون حظكم من القرآن الذي رزقتم التكذيب به.
83 فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ أي: هلا إذا بلغت هذه النّفس التي زعمتم أنها لا تبعث.
86 غَيْرَ مَدِينِينَ: الدّين هنا: الطاعة والعبادة لا الجزاء «4» ، أي: فهلّا أن كنتم غير مملوكين مطيعين مدبّرين، وكنتم كما قلتم مالكين حلتم بيننا وبين قبض الأرواح ورجعتموها في الأبدان، وإلّا فلا معنى للعجز عن ردّ الرّوح في الإلزام على إنكار الجزاء.
و «ترجعون» «5» جواب ل «لولا» الأولى والثانية «6» لأنّ المعنى
__________
(1) تفسير القرطبي: 17/ 228، واللسان: 13/ 162 (دهن) .
(2) يدل عليه الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «أصبح من الناس شاكر، ومنهم كافر» قالوا: هذه رحمة الله.
وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، فنزلت هذه الآية: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ حتى بلغ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ اه-.
صحيح مسلم: 1/ 84، كتاب الإيمان، باب «بيان كفر من قال مطرنا بالنوء» .
وانظر تفسير الطبري: 27/ 208، وأسباب النزول للواحدي: 467.
(3) ذكره الزجاج في معانيه: 5/ 116، والماوردي في تفسيره: 4/ 180.
(4) هذا معنى قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 452، ونقله عنه ابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 156.
(5) من قوله تعالى: تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ آية: 87.
(6) في قوله تعالى: فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ [آية: 83] ، وقوله: فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ [آية: 86] .
وانظر إعراب هذه الآية في معاني القرآن للفراء: 3/ 130، وتفسير الطبري: 27/ 211، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 345، والتبيان للعكبري: 2/ 1206.(2/800)
فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89)
متفق، ووجه الإلزام أنّ إنكار أن يكون القادر على النّشأة الأولى قادرا على الثانية كادعاء أنّ القادر على الثانية إنّما هو من لم يقدر على الأولى لأن إنكار الأولى يقتضي إيجاب الثاني كإنكار أن يكون زيد المتحرك، حرّك [96/ ب] نفسه في اقتضاء أنّ غيره حرّكه.
89 فَرَوْحٌ: راحة وبرد «1» . وفي قراءة النّبيّ صلى الله عليه وسلم برواية عائشة «2» ، وقراءة ابن العباس، والحسن، وقتادة، والضحاك، والأشهب»
، ونوح القاري «4» ، وبديل «5» ، وشعيب بن الحربي «6» ، وسليمان التيمي «7» ،
__________
(1) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 253، وتفسير الطبري: 27/ 211، ومعاني القرآن للزجاج:
5/ 117.
(2) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ فَرَوْحٌ بضم الراء، وقد أخرج هذا الأثر الإمام أحمد في مسنده: 6/ 64 من طريق هارون الأعور، وكذا البخاري في التاريخ الكبير: 8/ 223، وأبو داود في سننه 4/ 290 حديث رقم (3991) كتاب الحروف والقراءات، والترمذي في سننه: 5/ 190 رقم (2937) كتاب القراءات، باب «ومن سورة الواقعة» ، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث هارون الأعور، وأخرجه- أيضا- النسائي في التفسير: 2/ 382 رقم (586) ، والحاكم في المستدرك: 2/ 236، كتاب التفسير، وقال:
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
(3) هو الأشهب العقيلي. [.....]
(4) ترجم له ابن الجزري في غاية النهاية: 2/ 343، وقال: «ذكره الحافظ أبو عمرو، وقال:
قال محمد بن الحسن النقاش: ثم كان بعد أبي عمرو بن العلاء- يعني من رواة الحروف المتصدرين- نوح القاري. وذكر جماعة» .
(5) هو بديل- بضم الباء الموحدة- بن ميسرة العقيلي، روى عن أنس، وعبد الله بن شفيق وشهر، وروى عنه شعبة وهشام، وحماد بن زيد ... وغيرهم.
ترجمته في الجرح والتعديل: 2/ 428، والمؤتلف والمختلف للدارقطني: 1/ 165.
(6) كذا في «ك» ، وفي المحتسب: 2/ 310: «شعيب بن الحارث» ، وفي البحر المحيط:
8/ 215: «شعيب بن الحبحاب» .
ولعله شعيب بن حرب بن بسام بن يزيد المدائني البغدادي والمترجم في غاية النهاية:
1/ 327.
(7) هو سليمان بن قتّة- بفتح القاف ومثناة من فوق مشددة- كذا ضبطه ابن الجزري في غاية النهاية: 1/ 314، وقال: وقته أمه- ثقة، عرض على ابن عباس ثلاث عرضات، وعرض عليه عاصم الجحدري» .(2/801)
والربيع «1» بن خثيم، وأبي عمران «2» الجوني وأبي جعفر محمد بن علي، والفيّاض «3» فَرَوْحٌ بضم الراء «4» ، أي: حياة لا موت بعدها «5» .
وَرَيْحانٌ: استراحة «6» . أو رحمة. وقيل «7» : رزق.
وفي الحديث «8» : «إنّ المؤمن إذا نزل به الموت يلقّى
__________
(1) هو الربيع بن خثيم بن عائذ بن عبد الله الثوري الكوفي، أبو يزيد. الإمام التابعي الثقة.
ترجمته في غاية النهاية: 1/ 283، وتقريب التهذيب: 206.
(2) هو عبد الملك بن حبيب البصري، أبو عمران الجوني.
قال الحافظ في التقريب: 362: «مشهور بكنيته، ثقة، من كبار الرابعة، مات سنة ثمان وعشرين، وقيل بعدها» .
وانظر ترجمته في سير أعلام النبلاء: 5/ 255، وشذرات الذهب: 2/ 123.
(3) هو فياض بن غزوان الضبي الكوفي.
قال ابن الجزري في غاية النهاية: 2/ 13: «مقرئ موثق، أخذ القراءة عرضا عن طلحة بن مصرف ... » .
(4) ينظر هذه القراءة المنسوبة إلى هؤلاء في تفسير الطبري: 27/ 211، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 346، والكشاف: 4/ 60، والبحر المحيط: 8/ 215، والنشر: (3/ 325، 326) ، وإتحاف فضلاء البشر: 2/ 517.
(5) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 5/ 117، وانظر هذا المعنى في معاني الفراء:
3/ 131، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 452، وزاد المسير: 8/ 157.
(6) ورد هذا القول في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 27/ 212 عن الضحاك، وذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 181، والبغوي في تفسيره: 4/ 291.
(7) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 131، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 452، وأخرجه الطبري في تفسيره: (27/ 211، 212) عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وذكره الراغب في المفردات: 206.
وعقّب الطبري- رحمه الله- على الأقوال التي قيلت في «الروح» ، و «الريحان» بقوله:
«وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال: عني بالروح: الفرح والرحمة والمغفرة، وأصله من قولهم: وجدت روحا: إذا وجد نسيما يستروح إليه من كرب الحر وأما «الريحان» ، فإنه عندي الريحان الذي يتلقى به عند الموت ... لأن ذلك الأغلب والأظهر من معانيه» اه-.
(8) أورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 38، وعزا إخراجه إلى عبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في «ذكر الموت» وعبد الله بن أحمد في «زوائد الزهد» عن أبي عمران الجوني.(2/802)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6) آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13)
بضبائر «1» الرّيحان من الجنّة فيجعل روحه فيها» .
سورة الحديد
1 سَبَّحَ لِلَّهِ تسبيح ما لا يعقل تنزيه الله بما فيه من الآيات «2» .
3 هُوَ الْأَوَّلُ قبل كل شيء، وَالْآخِرُ بعد كل شيء، الظاهر بأدلته، الباطن عن إحساس خلقه.
4 ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ بالاستيلاء على التدبير «3» من جهته ليتصوّر العبد منشأ التدبير من أعلى مكان.
10 وَلِلَّهِ مِيراثُ: أي فيم «4» لا تنفقون وأنتم ميّتون وتاركون «5» ؟!.
لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ: لما نالهم من كثرة المشاق، ولأنّ بصائرهم كانت أنفذ، وما أنفقوا كان أعظم غناء وأنفع.
12 يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: نور أعمالهم المقبولة «6» ، أو نور الإيمان.
وَبِأَيْمانِهِمْ: وهو نور آخر بما أنفقته أيمانهم «7» .
13 قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ إذ لم يتقدّم بكم الإيمان.
__________
(1) الضبائر: الجماعات في تفرقة، واحدتها ضبارة.
النهاية: 3/ 71.
(2) في «ك» : لما فيه من الآيات، والأولى إجراء الآية على ظاهرها وإثبات التسبيح للجمادات الذي أثبته القرآن، وقد تقدم بيان ذلك ص 453. [.....]
(3) تقدم التعليق على تأويل المؤلف لمثل هذه ص 79.
(4) في «ك» : «ففيم لا تنفقون» .
(5) ينظر تفسير البغوي: 4/ 294، وزاد المسير: 4/ 163، وتفسير القرطبي: 17/ 239.
(6) ذكر نحوه الماوردي في تفسيره: 4/ 187.
(7) المصدر السابق.(2/803)
يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15) أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19) اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)
فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ وهو الأعراف «1» .
14 فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ: أهلكتم وأضللتم «2» .
وَتَرَبَّصْتُمْ: قلتم: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ «3» .
15 هِيَ مَوْلاكُمْ: أولى بكم.
16 أَلَمْ يَأْنِ أنى يأني وآن يئين: حان «4» .
18 إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ: أي الذين تصدقوا وأقرضوا بتلك الصدقة.
20 أَعْجَبَ الْكُفَّارَ: الزّراع «5» ، ويجوز الكافرين لأنّ الدنيا أمسّ «6» لهم وأعجب عندهم «7» .
22 مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها: نخلقها «8» . ولما حمل سعيد بن جبير إلى الحجاج بكى بعض أصحابه فسلّاه سعيد بهذه الآية «9» .
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 27/ 225 عن مجاهد، وابن زيد.
ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 166 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
واختاره الطبري في تفسيره: 12/ 449، وصححه الحافظ ابن كثير في تفسيره: 8/ 43.
(2) تفسير البغوي: 4/ 296، وتفسير القرطبي: 17/ 246.
(3) من آية: 30 سورة الطور.
(4) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 453، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 125، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 359.
(5) هذا قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 454، وقال أيضا: «يقال للزارع: كافر لأنه إذا ألقى البذر في الأرض: كفره، أي: غطاه» .
وانظر هذا القول في إعراب القرآن للنحاس: 4/ 362، وتفسير البغوي: 4/ 298، وزاد المسير: 8/ 171.
(6) في «ج» : أفتن بهم.
(7) ذكره الزجاج في معانيه: 5/ 127.
(8) معاني القرآن للفراء: 3/ 136، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 254، وتفسير الطبري:
27/ 233، ومعاني الزجاج: 5/ 128، واللسان: 1/ 31 (برأ) .
(9) ورد هذا المعنى في أثر أورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 63، وعزا إخراجه إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن أبي صالح.
وانظر تفسير القرطبي: (17/ 257، 258) . [.....](2/804)
لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24) لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (26) ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
23 لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ أي: أعلمناكم بذلك لتتسلّوا عن الدنيا إذا علمتم/ أن ما ينالكم في كتاب قد سبق لا سبيل إلى تغييره. [97/ أ] قال ابن مسعود «1» : «لجمرة على لساني تحرقه جزءا جزءا أحبّ إليّ من أن أقول لشيء كتبه الله: ليته لم يكن» .
27 وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها: رفض النساء، واتخاذ الصوامع «2» . وقيل «3» :
الانقطاع عن النّاس.
ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ أي: ما كتبنا عليهم غير ابتغاء رضوان الله، فيكون بدلا من «ها» «4» الذي يشتمل عليه المعنى.
28 كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ: نصيبين «5» لإيمانهم بالرسل الأولين، ثم لإيمانهم بخاتم النّبيّين.
29 لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ: لئلا يظن، كما جاء الظن في مواضع بمعنى العلم «6» .
__________
(1) لم أقف على هذا القول، وذكره المؤلف- رحمه الله- في كتابه وضح البرهان:
2/ 385. وانظر نحوه في المعجم الكبير للطبراني: 9/ 273.
(2) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 4/ 195 عن قتادة، وكذا في تفسير القرطبي:
17/ 263.
(3) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 195 دون عزو.
(4) في قوله تعالى: كَتَبْناها، ينظر إعراب هذه الآية في معاني الزجاج: 5/ 130، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 368، ومشكل إعراب القرآن لمكي: 2/ 720.
(5) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 254، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 455، ومعاني الزجاج: 5/ 131.
قال الزجاج: «وإنما اشتقاقه من اللغة من «الكفل» ، وهو كساء يجعله الراكب تحته إذا ارتدف لئلا يسقط، فتأويله: يؤتكم نصيبين يحفظانكم من هلكة المعاصي» .
(6) مثّل الدامغاني له في كتابه الوجوه والنظائر: 311 بقوله تعالى: وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ.(2/805)
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)
سورة المجادلة
1 قَدْ سَمِعَ اللَّهُ في خولة بنت ثعلبة بن خويلد. قال لها زوجها أوس بن الصّامت: أنت عليّ كظهر أمي «1» .
3 لِما قالُوا: لنقض ما قالوا «2» ، أو هو العود بالعزم على الوطء «3» .
قال عبد الله «4» بن الحسين أي: يعودون إلى المقول [فيهن] «5» ، أي:
إلى نسائهم، كأنّ التقدير: والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة لما قالوا، ثم يعودون إلى نسائهم فيكون «ما قالوا» بمعنى المصدر، والمصدر، بمعنى المفعول، كقولهم: ضرب الأمير ونسج بغداد.
__________
(1) ورد التصريح بذكر أوس بن الصّامت وخولة بنت ثعلبة في رواية الإمام أحمد في مسنده:
(6/ 410، 411) ، وأبي داود في سننه: 2/ 663، كتاب الطلاق، باب «في الظهار» حديث رقم 2214.
والحاكم في المستدرك: 2/ 481، والواحدي في أسباب النزول: 472 وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 8/ 62: «هذا هو الصحيح في سبب نزول صدر هذه السورة ... » .
وانظر الروايات التي صرحت بذكر أوس بن الصامت وخولة بنت ثعلبة رضي الله عنهما في الدر المنثور: (8/ 70، 71) .
(2) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 139، وقال: «وهو كما تقول: حلف أن يضربك فيكون معناه:
حلف لا يضربك وحلف ليضربنك» .
وانظر تفسير الطبري: 28/ 8، وزاد المسير: 8/ 183.
(3) هذا قول الحنفية كما في فتح القدير لابن الهمام: 4/ 85، ومجمع الأنهر: 1/ 448 ونسب إلى الإمام مالك في الخرشي على مختصر خليل: 4/ 110، وتفسير القرطبي: 17/ 280.
(4) لعله عبد الله بن الحسين الناصحي الخراساني، أبو محمد، قاضي القضاة، الإمام الفقيه الحنفي، المتوفي سنة 447 هـ-.
قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: 17/ 660: وطال عمره، وعظم قدره، وكان قاضي السلطان محمود بن سبكتكين. اه-.
له كتاب أدب القاضي، والجمع بين وقفي هلال والخصاف، جمع فيه بين كتاب الوقف لهلال بن يحيى وكتاب أحمد بن عمرو الخصاف.
وانظر ترجمته في تاريخ بغداد: 9/ 443، والجواهر المضيئة: 2/ 305.
(5) عن نسخة «ج» .(2/806)
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)
4 ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ: تطيعوه ولا تطلّقوا طلاق الجاهلية بالظّهار. أو ذلك لإيمانكم بالله، فيقتضي أن لا يصح ظهار الذميّ «1» .
5 كُبِتُوا في يوم الأحزاب. كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يوم بدر «2» .
8 نُهُوا عَنِ النَّجْوى: السّرار «3» .
حَيَّوْكَ كانوا يقولون: السّام عليك «4» .
10 إِنَّمَا النَّجْوى أي: النّجوى بالإثم.
11 تَفَسَّحُوا: توسّعوا.
انْشُزُوا: ارتفعوا «5» .
19 اسْتَحْوَذَ: استولى «6» ، جاء على الأصل لأنه لم يبن على «حاذ» «7» ، كما يقال: افتقر من غير أن قيل: فقر.
__________
(1) هذا قول الحنفية والمالكية كما في فتح القدير لابن الهمام: 4/ 85، وأحكام القرآن لابن العربي: 4/ 1750. قال القرطبي- رحمه الله- في تفسيره: 17/ 276: «ودليلنا قوله تعالى:
مِنْكُمْ يعني من المسلمين، وهذا يقتضي خروج الذمي من الخطاب ... » .
(2) ذكره القرطبي في تفسيره: 17/ 288، وأبو حيان في البحر المحيط: 8/ 234.
(3) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 457، وتفسير الماوردي: 4/ 200، واللسان: 15/ 308 (نجا) . [.....]
(4) أخرج الإمام مسلم في صحيحه: 4/ 1707، كتاب السلام، باب «النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم» عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «أتى النبي صلى الله عليه وسلم أناس من اليهود فقالوا: السّام عليك يا أبا القاسم! قال: وعليكم ... » .
وانظر تفسير الطبري: (27/ 13، 14) ، وأسباب النزول للواحدي: 474، وتفسير ابن كثير: 8/ 68.
(5) ينظر تفسير الماوردي: 4/ 202، والمفردات للراغب: 493، وتفسير القرطبي:
17/ 299، واللسان: 5/ 417 (نشز) .
(6) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 458، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 140، وتفسير البغوي:
4/ 312.
(7) عن معاني القرآن للزجاج: 5/ 140، ونص كلامه: «وهذا مما خرج على أصله ومثله في الكلام: أجودت وأطيبت، والأكثر: أجدت وأطبت، إلّا إنّ «استحوذ» جاء على الأصل، لأنه لم يقل على «حاذ» لأنه إنما بني على «استفعل» في أول وهلة كما بني «افتقر» على «افتعل» ، وهو من الفقر، ولم يقل منه: «فقر» ولا استعمل بغير زيادة، ولم يقل: «حاذ عليهم الشيطان» ، ولو جاء «استحاذ» لكان صوابا، ولكن «استحوذ» هاهنا أجود لأن الفعل في ذا المعنى لم يستعمل إلا بزيادة» اه-.(2/807)
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)
سورة الحشر
2 هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا: يهود بني النّضير، أجلاهم النّبيّ- عليه السّلام- من الحجاز إلى أذرعات «1» من الشّام بعد ما حاصرهم ثلاثا وعشرين يوما «2» .
لِأَوَّلِ الْحَشْرِ اجلوا إلى الشّام وهو أول حشر، ثم يحشر الخلق إلى الشّام أيضا «3» .
[97/ ب] وقال النبيّ «4» صلى الله عليه وسلم: «هو أول/ الحشر ونحن على الأثر» .
__________
(1) أذرعات: بفتح الهمزة، وسكون الذال، وكسر الراء: موضع في أطراف الشام بالقرب من عمّان.
معجم البلدان: 1/ 130، والروض المعطار: 19.
(2) عن تفسير الماوردي: 4/ 206.
وانظر خبر بني النضير في السيرة لابن هشام: 2/ 190، وتفسير الطبري: (28/ 27، 28) ، وأسباب النزول للواحدي: (479، 480) ، وتفسير ابن كثير: 8/ 83، وفتح الباري:
(7/ 384- 388) .
(3) ورد هذا المعنى في أثر أورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 89، وعزا إخراجه إلى البزار، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في «البعث» عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «من شك أن المحشر بالشام فليقرأ هذا الآية: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: أخرجوا، قالوا: إلى أين؟ قال: إلى أرض المحشر» اه-.
وانظر تفسير البغوي: 4/ 314، وتفسير ابن كثير: 8/ 81.
(4) أخرجه الطبري في تفسيره: 28/ 29 عن الحسن مرفوعا بلفظ: «امضوا فهذا أول الحشر، وإنا على الأثر» .
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 89، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن ورفعه.(2/808)
وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)
و «الحشر» : الجمع «1» .
يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ: المؤمنون يخربون حصونهم «2» ، وهم «يخرّبون» بيوتهم ليسدّوا بها خراب الحصون.
3 لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا: بالسّبي والقتل كما فعل ببني قريظة «3» .
5 مِنْ لِينَةٍ: اللّينة ما خلا العجوة من النّخل»
. وقيل «5» : هي الفسيل للينها.
وقال الأخفش «6» : هو من اللّون لا من اللّين، وكانت لونة فقلبت ياء لانكسار ما قبلها كالريح، واختلاف الألوان فيها ظاهر لأنها أوّل حالها بيضاء كصدف ملئ درّا منضّدا ثم غبراء ثم خضراء كأنها قطع زبرجد خلق فيها الماء، ثم حمراء [كيواقيت] «7» رصّ بعضها ببعض، ثم صفراء كأنها شذر عقيان «8» ، وكذلك إذا بلغ الأرطاب نصفها سمّيت «مجزّعة» لاختلاف لونيها كأنها الجزع الظفاريّ «9» .
__________
(1) في «ج» : الجمع بكرة.
وانظر تفسير القرطبي: 18/ 2، واللسان: 4/ 190 (حشر) .
(2) في «ج» بيوتهم.
(3) ينظر هذا المعنى في تفسير الطبري: 28/ 31، وتفسير الماوردي: 4/ 208، وتفسير البغوي:
4/ 315، وزاد المسير: 8/ 206.
(4) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 144، وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (28/ 32، 33) عن ابن عباس، وعكرمة، وقتادة.
وانظر غريب القرآن لليزيدي: 373، وتفسير القرطبي: 18/ 9.
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 209 دون عزو، وكذا القرطبي في تفسيره: 18/ 9.
(6) في معاني القرآن له: 2/ 706، ونص كلامه: وهي من اللّون في الجماعة، وواحدته «لينة» ، وهو ضرب من النخل، ولكن لما انكسر ما قبلها انقلبت إلى الياء» .
وأورد الطبري في تفسيره: 28/ 34 قول الأخفش، ثم قال: «وكان بعضهم ينكر هذا القول ويقول: لو كان كما قال لجمعوه: «اللوان» لا «الليان» ... » . [.....]
(7) في الأصل: «كياقوت» ، والمثبت في النص عن «ك» .
(8) العقيان: الذهب.
(9) الجزع: بفتح الجيم وسكون الزاي: الخرز اليماني، الواحدة جزعة.
النهاية: 1/ 269.
و «الظفاري» منسوب إلى «ظفار» موضع باليمن قرب صنعاء.
معجم البلدان: 4/ 60.(2/809)
مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)
أَوْجَفْتُمْ وجف الفرس وجيفا: أسرع «1» ، وأوجفته.
نزلت في مال بني النّضير، أي: الفيء الذي يكون من غير «2» قتال للرسول صلى الله عليه وسلم يضعه حيث وضعه أصلح، فوضعه في المهاجرين، وأما القرى والنّخيل فكان يوزع «3» لقوت أهله وكانت [صدقاته] «4» منها، ومن أموال مخيريق «5» سبعة حوائط «6» أحدها [مشربة] «7» أمّ إبراهيم مارية، وكان عليه السّلام يصير إليها هناك.
7 كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً: الدّولة في الحرب، وبالضّم «8» فيما يتداوله الناس من متاع الدنيا «9» .
__________
(1) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 460، ومعاني الزجاج: 5/ 145، وتفسير القرطبي:
18/ 10، واللسان: 9/ 352 (وجف) .
(2) تفسير الطبري: 28/ 35.
(3) في «ك» : «يزرع» .
(4) هو مخيريق النّضري الإسرائيلي، استشهد يوم أحد.
السيرة لابن هشام: (2/ 88، 89) ، والإصابة: (6/ 57، 58) .
(5) في الأصل «صداق مارية منها» ، والمثبت في النص عن «ج» ، «ك» .
(6) جمع «حائط» ، وهو البستان.
(7) في الأصل «مشرفة» ، وفي «ك» «مشرقة» ، والمثبت في النص هو الصواب.
ينظر الروض الأنف للسهيلي: 3/ 180، وتخريج الدلالات السمعية: 564.
قال السهيلي: وإنما سميت مشربة أم إبراهيم، لأنها كانت تسكنها. والمشربة: بفتح الميم وضم الراء: الغرفة، وفتح الراء لغة فيها.
اللسان: 1/ 491 (شرب) .
(8) هذه قراءة أبي جعفر من القراء العشرة.
ينظر النشر لابن الجزري: 3/ 221، وإتحاف فضلاء البشر: 2/ 530.
(9) ينظر المفردات للراغب: 174، وتفسير القرطبي: 18/ 16، والبحر المحيط: 8/ 245، واللسان: 11/ 252 (دول) .(2/810)
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)
9 وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ: المدينة دار الهجرة «1» .
وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي: تمكنوا في الإيمان واستقرّ في قلوبهم وجمعوه إلى سكنى الدار وهم الأنصار بالمدينة.
وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا أي: حسدا على إيثار المهاجرين بمال بني النّضير «2» .
وأصل الخصاصة «3» : الخلل والفرجة «4» ، وخصاص الأصابع الفرج التي بينها.
وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ قال عليه السّلام «5» : «وقى الشّحّ من أدى الزكاة وقرى الضّيف، وأعطى في النائبة» .
10 وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ أي: من بعد انقطاع الهجرة وإيمان الأنصار «6» .
14 تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى اجتمعوا على عداوتكم ومع ذلك اختلفت قلوبهم لاختلاف/ أديانهم. [98/ أ]
__________
(1) تفسير الطبري: 28/ 41، وتفسير البغوي: 4/ 319، وتفسير القرطبي: 18/ 20.
(2) ينظر تفسير الطبري: 28/ 41، وتفسير الماوردي: 4/ 212، وزاد المسير: 8/ 212، وتفسير ابن كثير: 8/ 96. [.....]
(3) من قوله تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ [آية: 9] .
(4) تفسير الطبري: 28/ 42، والمفردات للراغب: 149، والكشاف: 4/ 84، واللسان:
7/ 25 (خصص) .
(5) أخرجه الطبري في تفسيره: 28/ 44 عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعا.
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير: 4/ 188 (حديث رقم 4096) عن خالد بن زيد الأنصاري مرفوعا.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: (8/ 109، 110) ، وزاد نسبته إلى ابن مردويه عن أنس مرفوعا.
(6) تفسير البغوي: 4/ 320، وزاد المسير: 8/ 216، وتفسير الفخر الرازي: 29/ 289، وتفسير القرطبي: 18/ 31.(2/811)
كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)
15 كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ: أهل بدر «1» .
19 نَسُوا اللَّهَ: تركوا أداء حقّه.
فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ: بحرمان حظوظهم «2» . أو بخذلانهم حتى تركوا طاعته.
21 لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ أي: أنزلناه على جبل، والجبل ممّا يتصدّع خشية لتصدّع مع صلابته فكيف وقد أوضح هذا التأويل بقوله: وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها.
23 الْقُدُّوسُ: الطاهر المنزّه عن أن يكون له ولد «3» ، أو يكون في حكمه ما ليس بعدل.
والسّلام: ذو السّلام على عباده. أو الباقي، والسلامة: البقاء، والصفة منها للعبد: السّالم ولله السّلام «4» .
الْمُؤْمِنُ: المصدق وعده. أو المؤمن من عذابه من أطاعه «5» .
__________
(1) من المشركين، كما في تفسير الطبري: 28/ 48 عن مجاهد.
وقيل: هم يهود بن قينقاع، أخرجه الطبري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
قال الطبري- رحمه الله-: «وأولى الأقوال بالصواب أن يقال: إن الله عزّ وجلّ مثّل هؤلاء الكفار من أهل الكتاب مما هو مذيقهم من نكاله بالذين من قبلهم من مكذبي رسوله صلى الله عليه وسلم، الذين أهلكهم بسخطه، وأمر بني قينقاع ووقعة بدر كانا قبل جلاء بني النضير، وكل أولئك قد ذاقوا وبال أمرهم، ولم يخصص الله عزّ وجلّ منهم بعضا في تمثيل هؤلاء بهم دون بعض، وكل ذائق وبال أمره، فمن قربت مدته منهم قبلهم، فهم ممثلون بهم فيما عنوا به من المثل» .
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 28/ 52 عن سفيان.
وذكره البغوي في تفسيره: 4/ 326، وابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 224، وأبو حيان في البحر المحيط: 8/ 251.
(3) زاد المسير: 8/ 225 عن الخطابي.
(4) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 219.
(5) ينظر تفسير الماوردي: 4/ 219، وزاد المسير: 8/ 225.(2/812)
قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)
و «المهيمن» مفيعل منه، وقيل: الشهيد على خلقه بما يفعلون «1» .
الْعَزِيزُ: الممتنع المنتقم.
الْجَبَّارُ العالي العظيم الذي يذل له من دونه الْمُتَكَبِّرُ: المستحق لصفات الكبر والتعظيم.
سورة الممتحنة
4 أُسْوَةٌ: قدوة «2» . وقيل «3» : عبرة، تأسّى به وأتسى: اتبع فعله.
وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ: بالفعال وَالْبَغْضاءُ بالقلوب.
إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ أي: تأسّوا به إلّا في استغفاره لأبيه المشرك «4» .
5 لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا: لا تظهرهم علينا فيظنوا أنهم على حق «5» ، وهذا من دعاء إبراهيم ولهذا تكررت «الأسوة» «6» إذ كان من إبراهيم فعل حسن تبرّؤه من الكافرين وقول حسن هذا الدعاء.
7 عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ في أبي سفيان، وكان استعمله النّبيّ صلى الله عليه وسلم
__________
(1) تفسير الطبري: 28/ 55، وتفسير الماوردي: 4/ 219، وتفسير البغوي: 4/ 326.
(2) تفسير الطبري: 28/ 62، والمفردات للراغب: 18، وتفسير القرطبي: 18/ 56.
(3) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 461، ومكي في تفسير المشكل: 343، ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 22 عن ابن قتيبة.
(4) أخرج الحاكم في المستدرك: 2/ 485، كتاب التفسير، تفسير سورة الممتحنة، عن ابن عباس في هذه الآية قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ قال: في صنع إبراهيم كله إلا في الاستغفار لأبيه لا يستغفر له وهو مشرك.
وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 28/ 63 عن قتادة، ومجاهد.
(5) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 5/ 157، وذكر نحوه الفراء في معانيه:
3/ 150، والطبري في تفسيره: 28/ 64، والبغوي في تفسيره: 4/ 330. [.....]
(6) في الآيتين 4، 6 من السورة نفسها.(2/813)
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)
على بعض اليمن فلما قبض عليه السّلام أقبل فلقى ذا الحمار «1» مرتدا فقاتله فكان أول من قاتل على الردة فتلك المودة بعد المعاداة «2» .
8 عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ: خزاعة «3» .
9 والَّذِينَ قاتَلُوكُمْ: أهل مكة «4» .
10 فَامْتَحِنُوهُنَّ استحلفوهن ما خرجن إلّا للإسلام دون بغض الأزواج.
فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ حين جاءت سبيعة «5» الأسلمّية مسلمة بعد الحديبية فجاء زوجها مسافر «6» فقال: يا محمد قد شرطت لنا ردّ النساء [98/ ب] وطين/ الكتاب لم يجف «7» .
__________
(1) هو الأسود العنسي المتنبي واسمه: عبهلة بن كعب بن غوث بن صعب بن مالك بن عنس.
كذا نسبه ابن حزم في الجمهرة: 405، ويعرف بذي الحمار من أجل حمار كان له.
ينظر خبر ردته في السيرة لابن هشام: 2/ 599، والطبقات لابن سعد: 5/ 534، وتاريخ الطبري: (3/ 184- 187) .
(2) ورد هذا المعنى في أثر أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره: 8/ 115، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن ابن هشام الزهري.
وانظر تفسير الماوردي: 4/ 222، والدر المنثور: 8/ 130.
(3) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 223 عن مقاتل، ونقله البغوي في تفسيره: 4/ 331 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 28/ 67 عن مجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 131، وعزا إخراجه إلى ابن المنذر عن مجاهد.
(5) هي سبيعة بنت الحارث الأسلمية، صحابية جليلة.
ترجمتها في الاستيعاب: 4/ 1859، والإصابة: 7/ 692.
(6) هو مسافر المخزومي، وقيل إن زوجها كان صيفي بن الراهب.
ينظر الكشاف: 4/ 92، والكافي الشاف: 168، وتفسير القرطبي: 18/ 61، ومفحمات الأقران: 196.
(7) ذكر الماوردي هذا القول في سبب نزول هذه الآية وقال: «حكاه الكلبي» .
(تفسيره: 4/ 224) ، ونقله البغوي في تفسيره: 4/ 332 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأورده الحافظ ابن حجر في الكافي الشاف: 168، وقال: «هكذا ذكره البغوي عن ابن عباس بغير سند» .(2/814)
وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا أي: من المهور ووجب بالشّرط «1» ، ثم نسخ.
11 فَعاقَبْتُمْ: غزوتم بعقب ما يغزونكم فغنمتم «2» ، له معنيان وفيه لغتان «3» : عاقب وعقّب وأحد المعنيين من المعاقبة المناوبة، والثاني من الإصابة في العاقبة سبيا واغتناما «4» .
12 يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ ما تلقطه المرأة بيدها من لقيط فتلحقه بالزوج «5» .
وَأَرْجُلِهِنَّ ما تلحقه به من الزنا «6» .
__________
(1) أي بشرط إرجاع من يفد من الكفار إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد شروط صلح الحديبية.
قال الماوردي في تفسيره: 4/ 224: «فنسخ الله ردهن من العقد ومنع منه، وأبقاه من الرجال على ما كان، وهذا يدل على أن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجتهد برأيه في الأحكام، ولكن لا يقره الله تعالى على خطأ.
وقالت طائفة من أهل العلم: لم يشترط ردهن في العقد لفظا، وإنما أطلق العقد في رد من أسلم، فكان ظاهر العموم اشتماله عليهن مع الرجال، فبين الله خروجهن عن العموم، وفرّق بينهن وبين الرجال لأمرين:
أحدهما: أنهن ذوات فروج يحرمن عليهم.
الثاني: أنهن أرأف قلوبا وأسرع تقلبا منهم» اه-.
(2) عن معاني القرآن للزجاج: 5/ 160، وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 462.
(3) وهما قراءتان، فَعاقَبْتُمْ وعليها القراء السبعة، و «عقبتم» بتشديد القاف بغير ألف وتنسب هذه القراءة إلى علقمة، والنخعي، والأعرج، والحسن، ومجاهد، وعكرمة.
ينظر إعراب القرآن للنحاس: 4/ 416، وتفسير القرطبي: 18/ 69، والبحر المحيط:
8/ 257.
(4) ينظر ما سبق في تفسير الطبري: (28/ 75، 76) ، ومعاني الزجاج: 5/ 160، وتفسير الماوردي: 4/ 227، والمفردات للراغب: 340، واللسان: (1/ 619 (عقب) .
(5) ورد هذا القول في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 28/ 77 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 141، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس.
(6) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 228. [.....](2/815)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)
13 لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أي: اليهود «1» .
قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ ممن مات كافرا وصار إلى القبر.
سورة الصف
4 مَرْصُوصٌ: مكتنز ملتصق بعضه ببعض كأنها رصّ بالرصاص «2» .
12 وَأُخْرى تُحِبُّونَها جرّ الموضع عطفا على تِجارَةٍ «3» أو رفع بتقدير: ولكم تجارة أخرى «4» .
سورة الجمعة
2 بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ ليوافق ما تقدمت به البشارة، ولئلا يتوهّم الاستعانة بالكتب وليشاكل حال الأمة التي بعث فيها وذلك أقرب إلى مساواته لو أمكنهم.
__________
(1) تفسير الطبري: 28/ 81، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 161، وتفسير الماوردي: 4/ 229، وتفسير البغوي: 4/ 336.
(2) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 464، وتفسير الطبري: 28/ 86، ومعاني الزجاج:
5/ 164، والمفردات للراغب: 196.
(3) من قوله تعالى: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ [آية: 10] ، وهذا الوجه في إعراب (وأخرى) قول الأخفش في معانيه: 2/ 708، وإعراب القرآن للنحاس:
(4/ 422، 423) .
(4) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 154، ووصفه النحاس في إعراب القرآن: 4/ 423 بأنه أصح من قول الأخفش، فقال: «يدل على ذلك: نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ بالرفع ولم يخفضا، وعلى قول الأخفش الرفع بإضمار مبتدأ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ، أي: بالنصر والفتح» .
وانظر تفسير الطبري: 28/ 90، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 166، والتبيان للعكبري:
2/ 1221.(2/816)
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
3 وَآخَرِينَ مِنْهُمْ أي: ويعلم آخرين. أو ويزكي آخرين، وهم العجم «1» .
لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ: لم يدركوهم. قال عليه السّلام «2» : «رأيت غنما سودا تتبعها غنم عفر «3» فقال أبو بكر: تلك العجم تتبع العرب فقال: كذلك عبّرها لي الملك» .
5 أَسْفاراً: كتبا. واحدها «سفر» «4» .
11 انْفَضُّوا: أقبل عير ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الخطبة. فذهبوا نحوها «5» .
و «اللهو» : طبل يضرب إذا وردت العير.
وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ لا يفوتهم رزق الله بترك البيع.
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 28/ 95 عن مجاهد.
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال: قلت: من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلاثا وفينا سلمان الفارسي- وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال: لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال، أو رجل من هؤلاء» .
صحيح البخاري: 6/ 63، كتاب التفسير، تفسير سورة الجمعة.
وصحيح مسلم: (4/ 1972، 1973) كتاب فضائل الصحابة، باب «فضل فارس» .
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك: 4/ 395 كتاب تعبير الرؤية، وسكت عنه الحاكم، وكذا الذهبي، وأورده الماوردي في تفسيره: 4/ 235، والقرطبي في تفسيره: 18/ 93.
(3) العفرة: البياض غير الناصع.
النهاية: 3/ 261، واللسان: 4/ 585 (عفر) .
(4) معاني القرآن للفراء: 3/ 155، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 258، وتفسير الطبري:
28/ 97، والمفردات للراغب: 233.
(5) ينظر سبب نزول هذه الآية في صحيح البخاري: 6/ 63، كتاب التفسير، تفسير سورة الجمعة» .
وصحيح مسلم: 2/ 590، كتاب الجمعة، باب في قوله تعالى: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً.
وتفسير الطبري: (28/ 103، 104) ، وأسباب النزول للواحدي: 493.(2/817)
وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)
سورة المنافقين
4 كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ في سكوتهم عن الحق وجمودهم عن الهدى، أشباح بلا أرواح وأجسام بلا أحلام. وفي الحديث «1» في ذكرهم: «خشب باللّيل صخب «2» بالنّهار» .
قاتَلَهُمُ اللَّهُ أحلهم محلّ من يقاتله عدو قاهر له.
5 لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ: كثّروا تحريكها استهزاء «3» .
10 فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ: «أكن» عطف على موضع فَأَصَّدَّقَ وهو مجزوم [99/ أ] لولا الفاء، لأن لَوْلا/ أَخَّرْتَنِي بمنزلة الأمر وبمعنى الشرط «4» .
سورة التغابن
9 ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ لأن الله أخفاه «5» . والغبن: الإخفاء «6» ، ومغابن الجسد ما يخفى عن العين، والغبن في البيع لخفائه على صاحبه. أو هو من إخفاء أمر المؤمن على الكافر، فالكافر أو الظالم يظن أنه غبن المؤمن بنعيم الدنيا والمظلوم بما نقصه، وقد غبنهما المؤمن والمظلوم على الحقيقة بنعيم الآخرة وجزائها.
14 وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ كانوا يمنعونهم من الهجرة «7» .
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده: 2/ 293، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا.
(2) قال ابن الأثير في النهاية: 3/ 14: «أي: صياحون فيه ومتجادلون» .
(3) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 159، وتفسير الطبري: 28/ 108، وتفسير القرطبي:
18/ 126.
(4) معاني القرآن للزجاج: 5/ 178، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 436، والتبيان للعكبري:
2/ 1225.
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 246. [.....]
(6) اللسان: 13/ 310 (غبن) .
(7) ينظر تفسير الطبري: 28/ 124، وأسباب النزول للواحدي: 500، وتفسير الماوردي:
4/ 247، وتفسير ابن كثير: 8/ 165.(2/818)
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)
وَإِنْ تَعْفُوا كان من المهاجرين من قال: إذا [رجعت] «1» إلى مكة لا ينال أهلي مني خيرا بصدّهم إياي عن الهجرة فأمروا بالصّفح «2» ، ويكون العفو بإذهاب آثار الحقد عن القلوب كما تعفو الريح الأثر.
والصّفح: الإعراض عن المعاتبة. وفي الحديث «3» : «لا يستعيذنّ أحدكم من الفتنة فإن الله يقول: نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
فأيّكم استعاذ فليستعذ بالله من مضلات الفتن» .
16 فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وذلك فيما قد وقع بالنّدم مع العزم على ترك معاودته وفيما لم يقع بالاحتراز عن أسبابه.
وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ ايتوا في الإنفاق خيرا لكم.
سورة الطلاق
1 فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ عند عدتهنّ، أي: بحسابها وفي وقت أقرائها «4» ، كقوله «5» : لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها، أي: عند وقتها، ويؤيده القراءة المرويّة
__________
(1) في الأصل: «راجعت» ، والمثبت في النّص عن «ك» .
(2) تفسير الطبري: (28/ 124، 125) ، وتفسير الماوردي: 4/ 248.
(3) أخرج نحوه الطبراني في المعجم الكبير: 9/ 213 حديث رقم (8931) عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفا، واللفظ عنده: «لا يقل أحدكم: اللهم إني أعوذ بك من الفتنة، فإنه ليس منكم أحد إلا يشتمل على فتنة، ولكن من استعاذ فليستعذ من معضلاتها، فإن الله عزّ وجلّ يقول: نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ اه-.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد: 7/ 223: وإسناده منقطع.
والحديث ذكره البغوي في تفسيره: 4/ 354 عن ابن مسعود بدون سند.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 185، وعزا إخراجه إلى الطبراني وابن المنذر عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفا.
(4) في «ج» أطهارها.
(5) سورة الأعراف: آية: 187.(2/819)
عن النّبيّ «1» صلى الله عليه وسلم، وابن عبّاس «2» ، وعثمان، وأبيّ «3» ، وخالد «4» بن عبد الله، ومجاهد، وعلي «5» بن الحسن وزيد بن علي، وجعفر بن محمد لقبل عدّتهنّ «6» .
بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ: بزنا فيخرجن لإقامة الحدّ «7» . وقيل «8» : الفاحشة أن تبذوا على أحمائها وتفحش في القول.
__________
(1) صحيح مسلم: 2/ 1098، حديث رقم (1471) ، كتاب الطلاق، باب «تحريم طلاق الحائض بغير رضاها» عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا.
وينظر المصنف لعبد الرزاق: 6/ 304 حديث رقم (10931) ، كتاب الطلاق، باب «وجه الطلاق وهو طلاق العدة والسنّة» .
وسنن أبي داود: 2/ 637 حديث رقم (2185) كتاب الطلاق، باب «في طلاق السنّة» .
وتفسير النسائي: 2/ 441 حديث رقم (621) .
والقراءة الواردة في المصادر السابقة «في قبل عدتهن» .
(2) المصنف للإمام عبد الرزاق: 6/ 303، حديث رقم (10928) .
(3) هو أبي بن كعب الأنصاري رضي الله تعالى عنه.
(4) كذا في النّسخ المعتمدة هنا، وفي وضح البرهان للمؤلف: 385 (مخطوط) ، وتحرف عند المحقق في المطبوعة: 2/ 411 إلى: وأبيّ بن خلف وعبد الله خلف بن عبد الله. وفي المحتسب لابن جني: 2/ 323: «جابر بن عبد الله» .
(5) في المحتسب: علي بن الحسين.
(6) ينظر هذه القراءة في المحتسب: 2/ 323، والكشاف: 4/ 118، وتفسير القرطبي:
18/ 153، والبحر المحيط: 8/ 281، ومعجم القراءات: 7/ 165.
قال أبو حيان «وما روى عن جماعة من الصحابة والتابعين- رضي الله تعالى عنهم- من أنهم قرءوا «فطلقوهن في قبل عدتهن» ، وعن بعضهم «في قبل عدتهنّ» . وعن عبد الله «لقبل طهرهن» هو على سبيل التفسير لا على أنه قرآن لخلافه سواد المصحف الذي أجمع عليه المسلمون شرقا وغربا ... » .
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 28/ 133 عن الحسن، ومجاهد، ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 252 عن ابن عمر، والحسن، ومجاهد. [.....]
(8) أخرجه الطبري في تفسيره: (28/ 133، 134) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 193، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن راهويه، وعبد بن حميد، وابن مردويه- من طرق- عن ابن عباس رضي الله عنهما.(2/820)
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5) أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)
2 فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ: قاربن انقضاء العدة.
وَأَشْهِدُوا أي: على الرجعة.
4 إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ لمّا نزلت عدّة ذوات الأقراء في «البقرة» «1» ارتابوا في غيرهن.
6 وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ: تضايقتم «2» ، وهو إذا امتنعت من الإرضاع يستأجر الزّوج أخرى.
10، 11 قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً، رَسُولًا أي: رسولا ذكركم به وهداكم/ [99/ ب] على لسانه.
12 وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ أي: [سبعة] «3» أقاليم، وهي قطع من الأرض بخطوط متوازية لبلدان كثيرة تمرّ على بسيط الأرض طولا وعرضا، ويزداد النّهار الأطول الصيفيّ في الخط المجتاز بالطول على وسط كل واحد منها على مقداره في خط وسط الذي هو عنه أجنب بنصف ساعة «4» .
يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ: تنزلت «5» القضاء والقدر بينهن منازل من شتاء وصيف ونهار وليل، ومطر ونبات، ومحيا وممات، ومحبوب ومحذور، واختلاف وائتلاف.
سورة التحريم
1 لِمَ تُحَرِّمُ: أصاب النّبيّ- عليه السّلام- من مارية في بيت حفصة
__________
(1) في قوله تعالى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ... [آية: 228] .
(2) هذا قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 471، ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 256 عن ابن قتيبة، وانظر تفسير القرطبي: 18/ 169.
(3) في الأصل: «مسبعة» ، والمثبت في النص عن «ك» و «ج» .
(4) ينظر تفسير الفخر الرازي: 30/ 40.
(5) في «ج» : يترتب.(2/821)
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
وقد خرجت إلى أبيها، فلمّا علمت عتبت، فقال: «حرّمتها عليّ» .
وقيل «1» : إنه كان في يوم عائشة وكانت وحفصة متصافيتين فأخبرت عائشة، وكان قال لها: لا تخبريها، فطلّق حفصة، واعتزل النساء شهرا وحرّم مارية.
وقيل «2» : حرّم شراب عسل كان يشربه عند زينب بنت جحش، فأنكرت ذلك عائشة وحفصة وقالتا: إنا نشمّ منك ريح المغافير «3» - وهي بقلة متغيرة- فحرّم ذلك الشّراب.
3 عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ: أعلمها بعض الأمر أنه وقف عليه.
وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ: حياء وإبقاء. و «عرف» بالتخفيف «4» : جازى
__________
(1) أخرج نحوه الطبري في تفسيره: 28/ 258 عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكذا الواحدي في أسباب النزول: 504، وذكره البغوي في تفسيره: 4/ 363 بغير سند.
وأورد الحافظ ابن كثير في تفسيره: 8/ 186 نحو هذا القول من رواية الهيثم بن كليب في مسنده عن عمر رضي الله عنه، وعقب عليه بقوله: «وهذا إسناد صحيح، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، وقد اختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه المستخرج.
(2) صحح الحافظ ابن كثير في تفسيره: 8/ 187 هذا القول في نزول هذه الآية.
وقد ثبت هذا في صحيح البخاري: 6/ 68، كتاب التفسير «تفسير سورة التحريم» .
وصحيح مسلم: 2/ 1100، كتاب الطلاق، باب «وجوب الكفارة على من حرم امرأته ولم ينو الطلاق» .
وعقب الحافظ في الفتح: 9/ 289 على الروايات المختلفة في سبب نزول هذه الآية بقوله: «وطريق الجمع بين هذا الاختلاف الحمل على التعدد، فلا يمتنع تعدد السبب للأمر الواحد..» .
(3) جاء في هامش الأصل: «المغفور مثل الصمغ يخرج من الرّمث: ضرب من الشجر مما ينبت في السهل، وهو من الحمض.
وفي الدستور: المغفور شيء ينضحه العرفط حلو ... ، والعرفط من شجر العضاة» اه.
ينظر النهاية لابن الأثير: 3/ 218، واللسان: 7/ 350 (عرفط) .
(4) هذه قراءة الكسائي كما في السبعة لابن مجاهد: 640، والتبصرة لمكي: 354، والتيسير للداني: 212.(2/822)
عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)
عليه وغضب منه، كقولك لمن تهدده: عرفت ما عملت ولأعرفنّك ما فعلت، أي: أجازيك.
وقيل «1» : لمّا حرّم مارية أخبر حفصة أنّه يملك من بعده أبو بكر وعمر، فعرّفها بعض ما أفشت، وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ: عن خلافتهما.
5 قانِتاتٍ: دائمات على الطاعة «2» .
سائِحاتٍ: ماضيات «3» فيها. وقيل «4» : صائمات، لأنّ السّائح لا مأوى له ولا زاد، وإنّما يأكل ما وجد إذا آواه اللّيل، كالصّائم يأكل ما وجد إذا أدركه اللّيل «5» .
6 قُوا أَنْفُسَكُمْ يقال: ق، وقيا، وقوا، وقى، وقيا، وقين، وبالنون الثقيلة قينّ يا رجل «6» .
8 تَوْبَةً نَصُوحاً كلّ «فعول» بمعنى الفاعل يستوي فيه المذكّر،
__________
(1) ورد هذا القول في أثر أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: 12/ 117 حديث رقم (12640) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 261 عن الضحاك.
وأورد الحافظ ابن كثير في تفسيره: 8/ 192 رواية الطبراني، ثم قال: إسناده فيه نظر.
وأورد الحافظ ابن حجر في الفتح: رواية الطبراني وزاد نسبتها إلى ابن مردويه، ثم قال وفي كل منهما ضعف.
(2) ينظر تفسير الطبري: 28/ 164، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 193، والمفردات للراغب:
413، واللسان: 2/ 73 (قنت) .
(3) تفسير القرطبي: 18/ 194، والبحر المحيط: 8/ 292.
(4) أخرجه الطبري في تفسيره: (28/ 164، 165) عن ابن عباس، وقتادة، والضحاك..
وانظر مجاز القرآن لابن عبيدة: 2/ 261، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 472، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 194. [.....]
(5) عن معاني القرآن للفراء: 3/ 167.
(6) في «ك» : «يا امرأة قيان وقينان يا نسوة» .
وانظر اللسان: 15/ 405 (وقي) .(2/823)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)
[100/ أ] والمؤنث «1» ، ف «توبة نصوح» : ناصحة/ صادقة لا يهمّ معها بالمعاودة.
وقيل «2» : هي التي يناصح المرء فيها نفسه فيعلم بعدها مالها وما عليها.
9 جاهِدِ الْكُفَّارَ: بالسّيف، وَالْمُنافِقِينَ: بالقول الغليظ والوعظ البليغ.
وقيل «3» : بإقامة الحدود، وكانوا أكثر الناس مواقعة للكبائر.
10 فَخانَتاهُما: امرأة نوح كانت تقول: إنه مجنون، وامرأة لوط كانت تدل على الضّيف «4» .
12 فَنَفَخْنا فِيهِ نفخ جبريل في جيبها بأمر الله.
سورة الملك
2 خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ الحياة لنختبركم فيها، والموت للبعث والجزاء. أو تعبّد بالصّبر على الموت والشكر في الحياة «5» .
3 طِباقاً: جمع «طبق» جمل وجمال، أي: بعضها فوق بعض «6» . أو
__________
(1) ينظر معاني القرآن للزجاج: 5/ 194، وزاد المسير: 8/ 313، وتفسير القرطبي:
18/ 199.
(2) ذكر نحوه أبو حيان في البحر المحيط: 8/ 293.
(3) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 4/ 267، وكذا في تفسير القرطبي: 18/ 201.
(4) ورد هذا القول في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: (28/ 169، 170) ، والحاكم في المستدرك: 2/ 496، كتاب التفسير- كلاهما عن ابن عباس رضي الله عنهما- قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 228، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق والفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
(5) تفسير القرطبي: 18/ 207.
(6) ينظر تفسير الطبري: 29/ 2، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 198، وتفسير البغوي:
4/ 370، وتفسير القرطبي: 18/ 208.(2/824)
إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7)
من التطابق والتشابه «1» .
مِنْ تَفاوُتٍ، وتفوّت «2» مثل: تعاهد وتعهّد، وتجاوز وتجوّز «3» .
وقيل: التفوّت مخالفة الجملة ما سواها، والتفاوت مخالفة بعض [الجملة] «4» . بعضا كأنه الشّيء المختلف لا على نظام. ومن لطائف المعاني أنّ الفوت الفرجة بين الإصبعين، والفوت والتفوّت واحد «5» ، فمعنى: «من تفوّت» معنى هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ، أي: صدوع.
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ارجع البصر وكرّر النّظر أبدا قد أمرناك بذلك كرّتين.
خاسِئاً: صاغرا ذليلا «6» .
وَهُوَ حَسِيرٌ: معيى كليل «7» .
«شهيق» «8» : زفرة من زفرات جهنّم «9» .
7 تَفُورُ: تغلي.
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 271 عن ابن بحر.
(2) بتشديد الواو من غير ألف، وهي قراءة حمزة، والكسائي.
السبعة لابن مجاهد: 644، والتبصرة لمكي: 355، والتيسير للداني: 212.
(3) تفسير الطبري: 29/ 2، وتفسير القرطبي: 18/ 208.
(4) في الأصل: الحكمة والمثبت في النص عن «ج» .
(5) معاني القرآن للفراء: 3/ 170، وتفسير القرطبي: 18/ 208.
(6) تفسير الطبري: 29/ 3، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 198، وتفسير الماوردي: 4/ 272، والمفردات للراغب: 148. [.....]
(7) الكليل: الذي ضعف عن إدراك مرآه.
ينظر هذا المعنى في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 474، وتفسير الطبري: 29/ 3، ومعاني الزجاج: 5/ 198، وتفسير الماوردي: 4/ 272.
(8) من قوله تعالى: إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ [آية: 7] .
(9) تفسير الفخر الرازي: 30/ 63، وتفسير القرطبي: 18/ 211.(2/825)
تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)
8 تَمَيَّزُ: تتقطع وتتفرّق «1» .
15 ذَلُولًا: سهلة «2» ذات أنهار وأشجار ومساكن مطمئنّة.
فِي مَناكِبِها: أطرافها [وأقطارها] «3» . وقيل «4» : جبالها وإذا أمكن سلوك جبالها فهو أبلغ في التذليل.
16 أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ من الملائكة «5» . أو من في السّماء عرشه أو سلطانه «6» أو «في» [بمعنى] «7» «فوق» ، كقوله «8» : فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ، فيكون المراد العلوّ والظهور. أو المعنى: من هو المعبود في السّماء وخصّ السّماء للعبادة برفع [الأيدي في] «9» الأدعية إليها ونزول الأقضية منها.
19 صافَّاتٍ أي: أجنحتها في الطيران وبقبضها عند الهبوط. أو «يقبضن» يسرعن، من «القبيض» : شدّة العدو «10» .
__________
(1) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 170، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 474، وتفسير الطبري: 29/ 5، والمفردات للراغب: 478.
(2) المفردات للراغب: 181، وزاد المسير: 6/ 321، وتفسير القرطبي: 18/ 214.
(3) في الأصل: وإظهارها، وفي «ك» : وأطوارها، والمثبت في النص عن «ج» .
واختار الطبري هذا القول في تفسيره: 29/ 7، ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 274 عن مجاهد، والسدي.
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 262، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 475، ومعاني الزجاج: 5/ 199.
(4) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 5/ 199، واختاره.
وأخرجه الطبري في تفسيره: (29/ 6، 7) عن ابن عباس، وبشير بن كعب، وقتادة.
(5) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 274 عن ابن بحر وذكره القرطبي في تفسيره:
18/ 215، وأبو حيان في البحر المحيط: 8/ 302.
(6) ينظر تفسير الفخر الرازي: 30/ 70، وتفسير القرطبي: 18/ 215.
(7) في الأصل: «معنى» ، والمثبت في النص عن «ك» و «ج» .
(8) سورة التوبة: آية: 2.
(9) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
(10) اللسان: 7/ 215 (قبض) .(2/826)
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)
ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ لو غيّر الهواء والأجنحة/ عن الهيئة التي [100/ ب] تصلح لطيرانهن لسقطن، وكذلك العالم كله فلو أمسك حفظه وتدبيره عنها طرفة عين لتهافتت الأفلاك وتداعت الجبال.
21 لَجُّوا: تقحّموا في المعاصي «1» ، و «اللّجاج» : تقحّم الأمر مع [كثرة] «2» الصّوارف عنه.
و «العتوّ» : الخروج إلى فاحش الفساد «3» .
22 مُكِبًّا: ساقطا «4» . كببته على وجهه فأكبّ، ومثله: نزفت ماء البئر، وأنزفت البئر: نضب ماؤها «5» ، ومريت النّاقة وأمرت: درّ لبنها «6» .
27 زُلْفَةً: قريبا «7» .
سِيئَتْ: ظهر السّوء في وجوههم «8» .
تَدَّعُونَ تتداعون بوقوعه بمعنى الدعوى التي هي الدعاء «9» ،
__________
(1) المفردات للراغب: 447. [.....]
(2) في الأصل: «كثر» ، والمثبت في النص عن «ك» و «ج» .
(3) اللسان: 15/ 27 (عثا) .
(4) المفردات: 420.
(5) اللسان: 9/ 325 (نزف) عن ابن جني قال: «نزفت البئر وأنزفت هي، فإنه جاء مخالفا للعادة، وذلك أنك تجد فيها «فعل» متعديا، و «أفعل» غير متعد» .
وهذه الأفعال التي ذكرها المؤلف تتعدى إن جردت عن الألف، وتلزم إذا اتصلت بها.
وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 475، وتفسير القرطبي: 18/ 219.
(6) اللسان: 15/ 278 (مرا) .
(7) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 262، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 475، وتفسير الطبري: 29/ 11، وزاد المسير: 8/ 324.
(8) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 4/ 276، وانظر معاني القرآن للزجاج: 5/ 201، وزاد المسير: 8/ 324.
(9) عن معاني القرآن للزجاج: 5/ 201، وأورده القرطبي في تفسيره: 18/ 220، وقال: «وهو قول أكثر العلماء» .
وانظر هذا القول في تفسير المشكل لمكي: 349، وتفسير الماوردي: 4/ 276، وتفسير البغوي: 4/ 373.(2/827)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)
وجاء في التفسير: تكذبون، وتأويله: تدّعون الأكاذيب «1» .
30 غَوْراً: غائرا «2» ، وصف الفاعل بالمصدر، كقولهم: رجل عدل، [أي: عادل] «3» .
سورة ن
2 ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ أي: انتفى عنك الجنون بنعمته «4» .
وقيل «5» : هو كقولك: ما أنت بحمد الله مجنون.
3 غَيْرَ مَمْنُونٍ: غير مقطوع، مننت الحبل: قطعته «6» .
4 خُلُقٍ عَظِيمٍ: سئلت عائشة عن خلقه فقالت «7» : «اقرأ الآي العشر
__________
(1) ذكره الزجاج في معانيه: 5/ 201، وابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 324، ونقله القرطبي في تفسيره: 18/ 221 عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
(2) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 262، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 476، وتفسير الطبري: 29/ 13، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 201.
(3) ما بين معقوفين عن «ك» ، وانظر معاني القرآن للفراء: 3/ 172، ومعاني الزجاج:
5/ 201، وتفسير القرطبي: 18/ 222.
(4) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 5/ 204، وانظر هذا القول في تفسير الماوردي:
4/ 278، وتفسير البغوي: 4/ 375.
(5) ذكره البغوي في تفسيره: 4/ 375.
(6) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 477، وتفسير الطبري: 29/ 18، ومعاني الزجاج:
5/ 204، وتفسير المشكل لمكي: 350. [.....]
(7) لم أقف على نص هذا القول المنسوب إلى عائشة رضي الله عنها، وأورده القرطبي في تفسيره: 18/ 227 بلفظ: «وسئلت (عائشة) أيضا عن خلقه عليه السلام، فقرأت: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ إلى عشر آيات، وقال: ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ... » .
وفي صحيح مسلم: 1/ 513، كتاب صلاة المسافرين، باب «جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض» أن سعد بن هشام سأل عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: «ألست تقرأ القرآن؟ قال: بلى. قالت: فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن ... » .(2/828)
بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13)
في سورة المؤمنين فذلك خلقه» .
6 بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ: مصدر، مثل: الفتون وهو الجنون بلغة قريش «1» ، كما يقال: ما به معقول وليس له مجلود «2» .
10 مَهِينٍ: وضيع بإكثاره من الفساد «3» .
13 عُتُلٍّ: قويّ في خلقه، فاحش في فعله «4» . وسئل عنه النّبي صلى الله عليه وسلم فقال «5» : «الشّديد الخلق، الرحيب الجوف، الأكول، الشّروب، الظّلوم للنّاس» .
والوقف على «عتل» «6» ، ثم بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ، أي: مع ذلك كلّه زنيم «7» معروف بالشر كما يعرف التيس بزنمته «8» .
__________
(1) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 477، وتفسير الطبري: 29/ 20.
(2) ذكره البغوي في تفسيره: 4/ 377، وقال: أي: جلادة وعقل» .
وفي تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 478: «ليس له معقول- أي عقل- ولا معقود، أي رأي» .
وانظر تفسير الطبري: 29/ 20، والكشاف: 4/ 141، وتفسير القرطبي: 18/ 229.
(3) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 478، وتفسير الماوردي: 4/ 280، وتفسير البغوي:
4/ 377، وتفسير القرطبي: 18/ 231.
(4) تفسير الطبري: 29/ 24، وتفسير القرطبي: 18/ 233.
(5) أخرج- نحوه- الإمام أحمد في مسنده: 4/ 227 عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 247، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن عساكر عن عبد الرحمن بن غنم مرفوعا.
(6) الوصل أولى من الوقف في هذا الموضع. وذكر العلماء أن الوقف التام على زَنِيمٍ آخر الآية، ويبتدأ بقوله تعالى: أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ.
ينظر إيضاح الوقف والابتداء لابن الأنباري: 2/ 943، والقطع والائتناف للنحاس: 736، والمكتفي للداني: (581، 582) .
(7) قال الفراء في معانيه: 3/ 173: «والزنيم: الملصق بالقوم، وليس منهم، وهو الدعي» .
(8) قال ابن الأثير في النهاية: 2/ 316: «هي شيء يقطع من أذن الشاة ويترك معلقا بها، وهي أيضا هنة مدلّاة في حلق الشّاة كالملحقة بها» .(2/829)
أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28)
14 أَنْ كانَ ذا مالٍ فيه حذف وإضمار، أي: ألأن كان ذا مال تطيعه أو يطاع «1» ؟!.
16 سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ نقبّح ذكره بخزي يبقى عليه. في الوليد «2» بن المغيرة.
19 فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ طارق «3» . خرجت عنق من النّار في واديهم «4» .
20 كَالصَّرِيمِ كالرّماد الأسود «5» .
23 يَتَخافَتُونَ يسارّ بعضهم بعضا لئلا يسمع المساكين.
25 عَلى حَرْدٍ: منع وغضب «6» .
26 إِنَّا لَضَالُّونَ: ظللنا الطّريق فما هذه جنّتنا.
[101/ أ] 28 لَوْلا تُسَبِّحُونَ: تستثنون «7» إذ كلّ/ تعظيم لله تسبيح «8» .
__________
(1) ورد هذا المعنى على قراءة حمزة، وعاصم في رواية شعبة: أأن كان ذا مال بالاستفهام بهمزتين.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 646، وتفسير الطبري: 29/ 27، ومعاني الزجاج: 5/ 206، وإعراب القرآن للنحاس: 5/ 10.
(2) تفسير الماوردي: 4/ 280، وغرائب التفسير للكرماني: 2/ 1237، وزاد المسير:
8/ 331.
(3) تفسير الطبري: 29/ 30.
(4) ذكر الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 284 عن ابن جريج.
(5) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 284 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وكذا البغوي في تفسيره: 4/ 379، وابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 336. [.....]
(6) مجاز القرآن: 2/ 265، وتفسير غريب القرآن: 479، ومعاني الزجاج: 5/ 207، والمفردات للراغب: 113.
(7) أي تقولوا: إن شاء الله، كما في تفسير الطبري: 29/ 35، ومعاني القرآن للزجاج:
5/ 209، وزاد المسير: 8/ 335.
قال ابن الجوزي: «قاله الأكثرون» .
(8) معاني الزجاج: 5/ 209، وزاد المسير: 8/ 338.(2/830)
قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42)
31 فقالوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ قال عمرو «1» بن عبيد: ما أدري أكان هذا إيمانا منهم أو على حدّ ما يكون من المشركين إذا أصابتهم الشّدائد.
40 زَعِيمٌ: كفيل «2» .
42 يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ: غطاء «3» . وقيل «4» : عن شدة وعناء. وفي الحديث «5» : «يخرّ المؤمنون سجّدا ويبقى الكافرون كأنّ في ظهورهم السّفافيد» «6» .
__________
(1) لم أقف على هذا القول منسوبا إلى عمرو بن عبيد، ونقله القرطبي في تفسيره: 18/ 345، وأبو حيان في البحر المحيط: 8/ 313 عن الحسن رحمه الله.
قال الفخر الرازي في تفسيره: 30/ 91: واختلف العلماء هاهنا، فمنهم من قال إن ذلك كان توبة منهم، وتوقف بعضهم في ذلك، قالوا: لأن هذا الكلام يحتمل أنهم إنما قالوه رغبة منهم في الدنيا» .
(2) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 177، وتفسير الطبري: 29/ 37، ومعاني الزجاج:
5/ 210، والمفردات للراغب: 213، واللسان: 12/ 266 (زعم) .
(3) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 286 عن الربيع بن أنس.
(4) هذا قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 481، وأخرجه الطبري في تفسيره (29/ 38، 39) عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة.
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: 3/ 27: «فسر ابن عباس وجمهور أهل اللغة وغريب الحديث «الساق» هنا بالشدة، أي: يكشف عن شدة وأمر مهول» .
(5) هذا جزء من حديث طويل أخرجه الطبري في تفسيره: 29/ 40 عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وأخرجه أيضا الطبراني في المعجم الكبير: 9/ 414 حديث رقم (9761) ، والحاكم في المستدرك: 4/ 598، كتاب الأهوال، وفي إسناده أبو الزعراء، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: ما احتجا بأبي الزعراء.
والحديث أورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 259 وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «البعث والنشور» كلهم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه.
(6) جمع «سفود» : حديدة ذات شعب معقفة يشوى بها اللحم.
اللسان: 3/ 218 (سفد) .(2/831)
خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)
43 وَهُمْ سالِمُونَ يسمعون النّداء فلا يأتونه «1» .
44 سَنَسْتَدْرِجُهُمْ نستدرجهم أعمارهم وإن أطلنا [ها] «2» إلى عقابهم.
والاستدراج: الأخذ على غرّة «3» .
48 وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ في العجلة والمغاضبة «4» .
و «المكظوم» : المحبوس على الحزن فلا ينطق ولا يشكو «5» ، من «كظم القربة» .
51 لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ: يعينوك بها حتى تزلق قدمك.
سورة الحاقة
1 الْحَاقَّةُ فاعلة من «الحق» ، وهي القيامة التي يحقّ فيها الأمر.
3 وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ إذ لم تعاين أهوالها. أو لم يكن هذا الاسم في لسانهم.
4 بِالْقارِعَةِ: بالقيامة لأنها تقرع القلوب مخافة. وقوارع القرآن هي قوارع الشّيطان وزواجره.
5 بِالطَّاغِيَةِ: بالصّيحة العظيمة «6» ، [كقوله] «7» : طَغَى الْماءُ،
__________
(1) ينظر تفسير الطبري: 29/ 43.
(2) في الأصل «اطلنا» ، والزيادة من «ك» و «ج» والعبارة هناك:
«نستدرج أعمارهم وإن أطلناها إلى عقابهم» .
(3) اللسان: 2/ 268، وتاج العروس: 5/ 560 (درج) .
(4) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 178، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 342 عن قتادة، وانظر تفسير القرطبي: 18/ 253.
(5) نقله الماوردي في تفسيره: 4/ 288 عن ابن بحر، وانظر المفردات للراغب: 432، وتفسير القرطبي: 18/ 253. [.....]
(6) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 29/ 49 عن قتادة، وهو اختيار الطبري.
(7) في الأصل و «ج» : «كقولك» ، والمثبت في النص عن «ك» .(2/832)
سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8) وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)
أي: عظم ارتفاعه وجاوز حدّه.
7 حُسُوماً: متتابعة، جمع «حاسم» ، من «حسم» الكي، إذا تابعت عليه بالمكواة «1» .
وقيل «2» : قاطعة آثارهم، فالتقدير: تحسمهم حسما.
خاوِيَةٍ: ساقطة «3» . خوى النّجم: سقط في المغرب «4» .
8 مِنْ باقِيَةٍ: «بقاء» مصدر «5» . أو من نفس باقية «6» .
9 وَمَنْ قَبْلَهُ: من يليه من أهل دينه «7» ، ونصبه على ظرف المكان.
وَالْمُؤْتَفِكاتُ: المنقلبات بالخسف «8» .
10 رابِيَةً: زائدة.
12 وَتَعِيَها
أي: حملناكم في السّفينة لأن نجعلها لكم تذكرة ولأن تعيها فلما توالت الحركات اختلست حركة العين «9» .
__________
(1) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 180، واختيار الطبري في تفسيره: 29/ 50.
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 267، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 483.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (29/ 51، 52) عن ابن زيد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 292 عن ابن زيد، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير:
8/ 347، والقرطبي في تفسيره: 18/ 259.
(3) تفسير الماوردي: 4/ 292 عن السدي.
(4) في المفردات للراغب: 163: «خوى النجم وأخوى إذا لم يكن منه عند سقوطه مطر ... » .
(5) في «ك» : مصدر بمعنى البقاء.
وانظر معاني القرآن للفراء: 3/ 180، وتفسير الطبري: 29/ 52، وتفسير القرطبي:
18/ 261، والبحر المحيط: 8/ 321.
(6) نص هذا القول في تفسير البغوي: 4/ 386، وذكره- أيضا- الزمخشري في الكشاف:
4/ 150، والقرطبي في تفسيره: 18/ 261.
(7) ورد هذا المعنى على قراءة أبي عمرو، والكسائي بكسر القاف وفتح الباء.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 648، والتيسير للداني: 213.
وزاد المسير: 8/ 347، وتفسير القرطبي: 18/ 261، والبحر المحيط: 8/ 321.
(8) ينظر هذا المعنى فيما سبق ص: (775) .
(9) في وضح البرهان: 2/ 431: «فلما توالت الحركات اختلست حركة العين، وجعلت بين الحركة والإسكان» .(2/833)
وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)
14 فَدُكَّتا: بسطتا بسطة واحدة، ومنه الدّكّان، واندكّ سنام البعير: إذا انفرش في ظهره «1» .
16 واهِيَةٌ: ضعيفة لا تستمسك فصار الملك في نواحيها ثمانية صفوف أو ثمانية أصناف «2» .
18 لا يخفى «3» منكم خافية لا يستر شيء مما تسرّون.
وفي خطبة عمر رضي الله عنه «4» : «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا 101/ ب] وزنوا أعمالكم/ قبل أن توزنوا، وأعدّوا للعرض الأكبر يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية» .
وفي خطبة الحجاج «5» : امرؤ زود نفسه، امرؤ لم يأتمن نفسه على نفسه، امرؤ يجد نفسه عدوه، امرؤ كان له من قلبه «6» مدّكر وزاجر يأخذ بعنان عمله فينظر حاله يوم يعرض على ربه، امرؤ نظر إلى ميزانه وحاسب نفسه قبل أن يكون حسابه إلى غيره.
19 هاؤُمُ اقْرَؤُا: خذوا. تقول للمذكّر هاء بالفتح، وهاؤما وهاؤم.
وللمرأة هاء- بالكسر- وهاؤما وهاؤنّ «7» .
__________
(1) ينظر المفردات للراغب: 171، وتفسير القرطبي: 18/ 265، واللسان: 10/ 425 (دكك) .
(2) تفسير الطبري: (29/ 57، 58) ، وتفسير الماوردي: 4/ 295، وزاد المسير: 8/ 350، وتفسير القرطبي: (18/ 265، 266) .
(3) كذا في الأصل: (يخفى) بالياء، وهي قراءة حمزة، والكسائي كما في السبعة لابن مجاهد:
648، والتبصرة لمكي: 358، والتيسير للداني: 213. [.....]
(4) وردت هذه الخطبة في أثر أخرجه ابن المبارك في الزهد: 103 رقم (306) .
وأخرجه- أيضا- أبو نعيم في الحلية: 1/ 52.
وانظر هذه الخطبة في البداية والنهاية: 9/ 130.
(5) ينظر هذه الخطبة في البداية والنهاية: 9/ 130.
(6) في «ك» : «قبله» .
(7) قال الزجاج في معانيه: 5/ 217: «هاؤم: أمر للجماعة بمنزلة هاكم، تقول للواحد: هاء يا رجل، وللاثنين: هاؤما يا رجلان، وللثلاثة: هاؤم يا رجال، وللمرأة: هاء يا امرأة- بكسر الهمزة- وللاثنين: هاؤما، وللجماعة: النساء هاؤنّ» .
وانظر تفسير القرطبي: 18/ 269، واللسان: 12/ 625 (هوم) .(2/834)
إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36)
20 ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ: ظننت أنّ الله يؤاخذني فعفا عني.
21 عِيشَةٍ راضِيَةٍ: ذات رضا، ك «ليل نائم» ، و «ماء دافق» ، و «امرأة طامث، وحامل، وطالق» «1» .
27 كانَتِ الْقاضِيَةَ: موتة لا بعث بعدها، وفي الحديث «2» : «تمنّوا الموت ولم يكن في الدنيا شيء أكره منه عندهم» .
29 سُلْطانِيَهْ: ما كان من تسليط على نفسه «3» .
32 سَبْعُونَ ذِراعاً ابن عباس «4» : «العرب تفخّم من العدد السّبعة والسّبعين» .
35 حَمِيمٌ: صديق، وهو من إذا أصابك مكروه احترق لك «5» .
36 غِسْلِينٍ: بوزن «فعلين» غسالة جروحهم «6» . والنار دركات فمن أهل النار من ليس له طعام إلّا من ضريع، ومنهم من طعامه غسلين، وآخرون طعامهم الزّقوم.
__________
(1) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 182، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 268.
(2) أخرجه الطبري في تفسيره: 29/ 62 عن قتادة، ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 298، والبغوي في تفسيره: 4/ 389 عن قتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 273، وعزا إخراجه إلى عبد بن حميد عن قتادة رحمه الله تعالى.
(3) ذكر نحوه الماوردي في تفسيره: 4/ 298 عن قتادة، ونص كلامه: «سلطانه الذي تسلط به على بدنه حتى أقدم على معصيته» .
(4) لم أقف على هذا القول المنسوب إلى ابن عباس رضي الله عنهما.
(5) ينظر المفردات للراغب: 130، وتفسير القرطبي: 18/ 273.
(6) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 484، وتفسير الطبري: 29/ 65، ومعاني الزجاج:
5/ 218، والمفردات للراغب: 361، واللسان: 11/ 495 (غسل) .(2/835)
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)
40 إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ تلاوة محمد «1» عليه السّلام.
41 بِقَوْلِ شاعِرٍ إذ الغالب في الشعر أن يدعو [إلى الهوى] «2» .
وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ وهو السّجع المتكلف باتّباع المعنى له ليشاكل المقاطع.
وموجب الحكمة أن يتّبع اللّفظ المعنى، وتشاكل المقاطع فواصل بلاغة وسجع كهانه وقوافي زنة.
45 لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ: لقطعنا يمينه «3» . أو لأخذنا منه بالقوة «4» ، أو لأخذنا منه بالحق «5» .
46 والْوَتِينَ: عرق بين العلباء والحلقوم «6» .
__________
(1) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 474: «لم يرد أنه قول الرسول وإنما أراد: أنه قول رسول عن الله جلّ وعزّ، وفي «الرسول» ما دل على ذلك فاكتفى به من أن يقول: عن الله» .
وانظر تفسير الطبري: 29/ 66، وتفسير الماوردي: 4/ 299، وتفسير القرطبي:
18/ 274.
(2) في الأصل: «أن يدعو إليه الهوى» ، والمثبت في النص عن «ك» و «ج» .
(3) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 300 عن الحسن، وكذا القرطبي في تفسيره:
18/ 276.
(4) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 183، والطبري في تفسيره: 29/ 66، ومكي في تفسير المشكل: 354، ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 300 عن مجاهد. [.....]
(5) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 299 عن السدي، والحكم.
وذكره البغوي في تفسيره: 4/ 390 دون عزو.
(6) نقله الماوردي في تفسيره: 4/ 300 عن الكلبي، وكذا القرطبي في تفسيره: 18/ 276.
وقيل: (الوتين) : نياط القلب، أخرجه الطبري في تفسيره: 29/ 67 عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة.
واختار الطبري هذا القول، وأورده البغوي في تفسيره: 4/ 391، وقال: «وهو قول أكثر المفسرين» .(2/836)
سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)
سورة المعارج
1 سَأَلَ سائِلٌ: دعا داع وهو النّبيّ عليه السلام، دعا عليهم «1» .
وقيل «2» : النّضر بن الحارث قال: إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ [مِنْ عِنْدِكَ] «3» فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً «4» فقتل يوم بدر هو وعقبة «5» .
3 ذِي الْمَعارِجِ: ذي المعالي والدّرجات لأوليائه، أو هي معارج السّماء للملائكة» .
4 وَ/ الرُّوحُ إِلَيْهِ: هو روح المؤمن حين يقبض. رواه قبيصة «7» بن [102/ أ] ذؤيب عن النبي «8» صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) هذا من غريب الأقوال، وقد ذكره الكرماني في غريب التفسير: 2/ 1249، والزمخشري في الكشاف: 4/ 156، والفخر الرازي في تفسيره: 30/ 121، والقرطبي في تفسيره:
18/ 279، وأبو حيان في البحر المحيط: 8/ 332، والسيوطي في مفحمات الأقران: 201.
(2) أخرجه النسائي في التفسير: 2/ 463، حديث رقم (640) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وكذا الحاكم في المستدرك: 2/ 502، كتاب التفسير (سورة المعارج) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ، وذكر الذهبي أنه على شرط البخاري.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 277، وزاد نسبته إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأورد ابن الجوزي هذا القول في زاد المسير: 8/ 357، وقال: «وهذا مذهب الجمهور منهم ابن عباس ومجاهد» .
وينظر أسباب النزول للواحدي: 512، وتفسير البغوي: 4/ 392.
(3) ما بين معقوفين عن «ك» و «ج» .
(4) سورة الأنفال، آية: 32.
(5) هو عقبة بن أبي معيط.
(6) ينظر تفسير الطبري: 29/ 70، وتفسير الماوردي: 4/ 302، وتفسير البغوي: 4/ 392.
(7) هو قبيصة بن ذؤيب الخزاعي، ولد يوم الفتح، وقيل: يوم حنين، وأتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له.
توفي سنة ست وثمانين، وقيل قبل ذلك.
ترجمته في الاستيعاب: 3/ 1272، والإصابة: 5/ 517.
(8) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 303 عن قبيصة مرفوعا.
وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 359 موقوفا عليه، وكذا القرطبي في تفسيره:
18/ 281.(2/837)
يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16)
فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ [خَمْسِينَ] «1» أَلْفَ سَنَةٍ: لو صعده غير الملائكة «2» .
8 كَالْمُهْلِ: كذائب الصفر «3» .
والعهن «4» : الصّوف المصبوغ «5» ، والمعنى: لين الجبال وتفتتها بعد شدّتها واجتماعها.
و «الفصيلة» من العشيرة كالفخذ من القبيلة.
13 تُؤْوِيهِ: يلجأ إليه فتلجئه. وقيل «6» : الفصيلة الأمّ التي أرضعته وفصلته.
15 كَلَّا: ليس كذا، أي: لا ينجيه شيء.
إِنَّها لَظى: لا تنصرف لَظى للتأنيث والتعريف، والالتظاء:
الاتقاد «7» .
16 نَزَّاعَةً لِلشَّوى: لجلدة الرأس «8» .
__________
(1) في الأصل: «خمسون» .
(2) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 184، وتفسير الطبري: 29/ 70، ومعاني الزجاج:
5/ 219، وتفسير البغوي: 4/ 392، وزاد المسير: 8/ 360.
(3) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 485، وتفسير الطبري: 29/ 73، وتفسير المشكل لمكي:
355، وتفسير الماوردي: 4/ 304.
(4) من قوله تعالى: وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ [آية: 9] . [.....]
(5) المفردات للراغب: 351، وتفسير القرطبي: (18/ 284، 285) ، واللسان: 13/ 297 (عهن) .
(6) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 304 عن مالك، ونقله القرطبي في تفسيره: 18/ 286 عن مجاهد.
(7) اللسان: 15/ 248 (لظي) .
(8) معاني القرآن للفراء: 3/ 185، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 270، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 486، وتفسير الطبري: 29/ 76.(2/838)
تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18) إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37)
17 تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ: لما كان مصيره إليها كانت كأنها دعته «1» .
18 فَأَوْعى: جعله في وعاء فلم يفعل زكاة ولم يصل رحما «2» .
19 هَلُوعاً: سأله محمد «3» بن عبد الله ثعلبا «4» فقال: ما فسّره الله به إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ ... [الآيتان] «5» .
34 عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ: النّافلة، والأولى «6» الفريضة.
36 مُهْطِعِينَ: مسرعين «7» لتسمّع الحديث.
37 عِزِينَ: جماعات في تفاريق «8» . جمع «عزة» . وجلس رجل خلف
__________
(1) ذكر الماوردي هذا المعنى في تفسيره: 4/ 305.
(2) نص هذا القول في معاني القرآن للفراء: 3/ 185، وانظر تفسير الطبري: 29/ 78، وتفسير الماوردي: 4/ 306.
(3) هو محمد بن عبد الله بن طاهر الخزاعي، كان أميرا لبغداد في عهد المتوكل.
وصفه ابن خلكان في وفيات الأعيان: 5/ 92 بقوله: كان شيخا فاضلا وأديبا شاعرا، وهو أمير بن أمير بن أمير ... وكان مألفا لأهل العلم والأدب.
وكان ثعلب مقربا لدى الأمير، وصحبه ثلاث عشرة سنة، أي حتى وفاة الأمير.
وذكر الزجاجي في مجالس العلماء: (79، 84، 85، 86، 87، 91) عدة مجالس جمعت الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر وثعلب وغيره من العلماء.
وانظر أخبار الأمير محمد بن عبد الله في تاريخ بغداد: 5/ 418، وإنباه الرواة:
(1/ 140، 141، 147) .
(4) ثعلب: (200- 291 هـ-) .
هو أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار الشيباني، أبو العباس، الإمام العلامة، المحدث، اللغوي، النحوي.
من مصنفاته: الفصيح، وقواعد الشعر، ومعاني القرآن.
أخباره في طبقات النحويين للزبيدي: 141، وتاريخ بغداد: 5/ 204، وبغية الوعاة:
1/ 396.
(5) ما بين معقوفين عن نسخة «ك» .
(6) يريد قوله تعالى: الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ [آية: 23] .
(7) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 270، وتفسير الطبري: 29/ 85.
(8) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 186، ومجاز القرآن: 2/ 270، ومعاني الزجاج: 5/ 223، والمفردات للراغب: 334.(2/839)
يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43)
أخيه فقال عليه السّلام «1» : «لا تكونوا عزين كخلق الجاهليّة» .
43 إِلى نُصُبٍ «2» ، ونصب معا، شيء منصوب مصدر بمعنى المفعول ك «نسج بغداد» «3» .
يُوفِضُونَ: يسرعون «4» . وفض يفض وأوفض يوفض.
ومن سورة نوح
4 وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى: في الدنيا «5» .
إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ: أي: يوم القيامة «6» .
7 وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ: تغطّوا بها لا ننظر إليك «7» ولا نسمع منك.
8 ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ: دعاهم فوضى وفرادى وجهرا وسرا.
10 فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا: قحط النّاس على عهد عمر، فصعد المنبر
__________
(1) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وأخرج الإمام مسلم في صحيحه: 1/ 322 حديث رقم (430) كتاب الصلاة، باب «الأمر بالسكون في الصلاة، والنهي عن الإشارة باليد ... » عن جابر بن سمرة رضي الله عنه مرفوعا بلفظ: «ما لي أراكم عزين ... » .
(2) بفتح النون وإسكان الصاد قراءة أبي عمرو، وابن كثير، ونافع، وحمزة، وعاصم في رواية شعبة.
وقرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم بضم النون والصاد.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 651، والتبصرة لمكي: 359، والتيسير للداني: 214. [.....]
(3) ينظر توجيه القراءتين في الكشف لمكي: 3/ 336، وتفسير القرطبي: (18/ 296، 297) .
(4) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 270، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 486، وتفسير الطبري: 29/ 89، والمفردات للراغب: 528، واللسان: 7/ 251 (وفض) .
(5) قال الماوردي في تفسيره: 4/ 309: «يعني إلى موتكم وأجلكم الذي خط لكم ... » .
وانظر تفسير البغوي: 4/ 397، وزاد المسير: 8/ 369.
(6) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 310، عن الحسن.
(7) في «ج» : لا ينظرون إليك ولا يسمعون منك.(2/840)
وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26)
ليستسقي فلم يزد على الاستغفار، فلمّا نزل، قيل: يا أمير المؤمنين ما رأيناك استسقيت، فقال: لقد طلبت الغيث بمجاديح «1» السماء التي بها يستنزل القطر، ثم قرأ هذه الآية «2» .
14 أَطْواراً: تارات وأحوالا «3» نطفة، ثم علقة، ثمّ مضغة، ثمّ رضيعا، ثمّ طفلا، ثمّ يافعا، ثم شابا، ثمّ شيخا، ثمّ همّا «4» ، ثم فانيا.
وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً: أحد وجهيه يضيء الأرض، والثّاني السّماء «5» .
16 وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً: فيه إشارة إلى أنّ نور القمر/ من الشّمس، [102/ ب] فالشّمس سراج والقمر نور.
17 أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ: جعل أصلكم من الطّين وغذّاكم بنباتها «6» .
26 دَيَّاراً: أحدا يدور في الأرض، «فيعال» من «الدّوران» «7» .
__________
(1) جمع «مجدح» بكسر الميم وسكون الجيم، ومجاديح السماء: نجومها.
النهاية لابن الأثير: 1/ 243، واللسان: 2/ 421 (جدح) .
(2) أخرجه عبد الرزاق في المصنف: 3/ 87 حديث رقم (4902) كتاب الصلاة، باب الاستسقاء، وأخرجه- أيضا- ابن أبي شيبة في المصنف: 2/ 474، كتاب الصلوات، باب: «من قال لا يصلي في الاستسقاء» ، والطبراني في الدعاء: 2/ 1252 حديث رقم (964) ، باب «ما يستحب من كثرة الاستغفار عند الاستقساء» ، وأورده الحافظ ابن حجر في الكافي الشاف: 177، وعزا إخراجه إلى عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، والطبراني في «الدعاء» وغيرهم من رواية الشعبي ثم قال: ورجاله ثقات إلا أنه منقطع. وقال فضيلة الدكتور محمد سعيد البخاري محقق كتاب الدعاء: إسناده حسن لغيره. لضعف شيخ الطبراني ومتابعة غيره له.
(3) تفسير الطبري: 29/ 95، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 229، وتفسير الماوردي: 4/ 312، والمفردات للراغب: 309.
(4) في «ك» : هرما، والهمّ: الشيخ الكبير البالي، كما في اللسان: 12/ 621 (همم) .
(5) ينظر هذا المعنى في معاني القرآن للفراء: 3/ 188، ومعاني الزجاج: 5/ 230، وتفسير القرطبي: 18/ 305.
(6) ذكر نحوه الماوردي في تفسيره: 4/ 313، والبغوي في تفسيره: 4/ 398.
(7) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 190، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 488، وتفسير الطبري: 29/ 100، ومعاني الزجاج: 5/ 231، واللسان: 4/ 298 (دور) .(2/841)
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)
28 وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ: سفينتي «1» .
ومن سورة الجن
3 تَعالى جَدُّ رَبِّنا: عظمته «2» . عن أنس «3» رضي الله عنه: «كان الرّجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ فينا» ، أي: عظم.
4 سَفِيهُنا: إبليس «4» .
شَطَطاً: كفرا لبعده عن الحق.
6 يَعُوذُونَ: كان الرجل في الجاهلية إذا نزل بواد، نادى: أعوذ بسيّد هذا الوادي من سفهائه «5» .
__________
(1) ذكره البغوي في تفسيره: 4/ 400 دون عزو، وكذا الفخر الرازي في تفسيره: 30/ 147، والقرطبي في تفسيره: 18/ 314، وأبو حيان في البحر المحيط: 8/ 343.
وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 375، وقال: «حكاه الثعلبي» ، وذكره الكرماني في غرائب التفسير: 2/ 1258 دون عزو.
(2) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 489، وتفسير الطبري: 29/ 104، ومعاني الزجاج:
5/ 234، والمفردات للراغب: 89.
وهو رأي الجمهور كما في البحر المحيط: 8/ 347. [.....]
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسنده: 3/ 120، وأورده الحافظ ابن حجر في الكافي الشاف:
5، وقال: «هذا طرف من حديث أخرجه أحمد وابن أبي شيبة» .
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 1/ 49 وعزا إخراجه إلى أحمد، ومسلم، وأبي نعيم في «الدلائل» عن أنس رضي الله تعالى عنه. ولم أقف عليه في صحيح مسلم ولا في الدلائل لأبي نعيم.
(4) ورد هذا القول في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 29/ 107، عن مجاهد، وقتادة. وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 298، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد.
وانظر تفسيره الماوردي: 4/ 320، وتفسير البغوي: 4/ 401.
(5) تفسير الطبري: 29/ 108، وتفسير الماوردي: 4/ 320، وتفسير البغوي: 4/ 402.(2/842)
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16)
رَهَقاً: فسادا وإثما «1» .
8 لَمَسْنَا السَّماءَ: طلبنا، أي: التمسنا «2» .
مُلِئَتْ حَرَساً: ملائكة، وَشُهُباً: كواكب الرجم «3» .
9 رَصَداً: أي: إرصادا، إرهاصا، أي: إعظاما للنبوة من قولهم رهصه الله: إذا أهله للخير.
11 طَرائِقَ قِدَداً: فرقا شتّى. جمع «قدّة» «4» . وقيل «5» : أهواء مختلفة.
14 الْقاسِطُونَ: الجائرون.
تَحَرَّوْا: تعمّدوا الصّواب.
16 وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ: أي: على طريقة الكفر لزدنا في نعمتهم وأموالهم فتنة «6» ، قال عمر «7» رضي الله عنه: «حيث الماء كان المال وحيث المال كانت الفتنة» .
وقيل على عكسه «8» ، أي: على طريقة الحق لوسّعنا عليهم.
__________
(1) تفسير الطبري: 29/ 109، وتفسير الماوردي: 4/ 320، وتفسير القرطبي: 19/ 10.
(2) تفسير الطبري: 29/ 110، وتفسير الماوردي: 4/ 321، واللسان: 6/ 209 (لمس) .
(3) ينظر تفسير الطبري: 29/ 110، وتفسير البغوي: 4/ 402، وزاد المسير: 8/ 380.
(4) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 272، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 490، وتفسير الطبري: 29/ 112، والمفردات للراغب: 394.
(5) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 193، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 490، وأخرجه الطبري في تفسيره: 29/ 111 عن قتادة، وعكرمة.
(6) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 193، وأخرجه الطبري في تفسيره: 29/ 115 عن أبي مجلز.
(7) ذكره القرطبي في تفسيره: 19/ 18، بلفظ: «أينما كان الماء كان المال، وأينما كان المال كانت الفتنة» .
(8) اختاره الطبري في تفسيره: 29/ 114، والزجاج في معانيه: 5/ 236، وقال: «والذي يختار وهو أكثر التفسير أن يكون يعنى بالطريقة طريق الهدى لأن «الطريقة» معرّفة بالألف واللام، والأوجب أن يكون طريقة الهدى والله أعلم» .(2/843)
لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27)
وقيل «1» : هو إدرار مواد الهوى، فتكون «الفتنة» بمعنى التخليص «2» كقوله «3» : فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً.
و «الغدق» : الغمر الغزير «4» .
17 صَعَداً: شديدا شاقا «5» .
18 وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ: ما يسجد من جسد المصلى «6» .
19 لِبَداً: جمع «لبدة» ، و «لبدا» «7» جمع «لبدة» ، أي: ازدحم الجنّ على النّبيّ عليه السلام حتى تراكب بعضهم بعضا تراكب اللّبد.
27 رَصَداً: طريقا إلى علم بعض ما قبله وما يكون بعده، والرسول:
النبي عليه السلام، والرّصد: الملائكة يحفظونه، ليعلم النّبيّ أنّ الرّسل المتقدمين أبلغوا «8» ، أو ليعلم النّاس ذلك، أو ليعلم الله «9» . لام
__________
(1) ينظر هذا القول في تفسير الماوردي: 4/ 326، وتفسير الفخر الرازي: 30/ 162.
(2) يقال: فتنت الذهب بالنار: خلصته.
اللسان: 13/ 317 (فتن) .
(3) سورة طه: آية: 40. [.....]
(4) معاني القرآن للزجاج: 5/ 236، والمفردات للراغب: 358، وتفسير القرطبي: 19/ 18.
(5) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 272، ومعاني الزجاج: 5/ 236، وتفسير الطبري:
29/ 116، والمفردات للراغب: 280.
(6) ذكره الفراء في معاني القرآن: 3/ 194، والزجاج في معانيه: 5/ 236، ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 327 عن الربيع بن أنس. وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 382، إلى سعيد بن جبير، وابن الأنباري.
(7) بضم اللام قراءة ابن عامر كما في السبعة لابن مجاهد: 656، والتبصرة لمكي: 362 والمعنى على القراءتين واحد كما في معاني الزجاج: 5/ 237، والكشف لمكي: 2/ 342.
(8) أخرج عبد الرازق هذا القول في تفسيره: 2/ 323 عن قتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 210، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة أيضا، وهو اختيار الطبري في تفسيره: (29/ 122، 123) .
(9) هذا قول الزجاج في معانيه: 5/ 238، وقال: «وما بعده يدل على هذا، وهو قوله:
وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً اه-.
وانظر هذا القول عن الزجاج في تفسير الماوردي: 4/ 330، وتفسير القرطبي: 19/ 30.(2/844)
قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)
الصيرورة، أي: ليتبين علم الله.
ومن سورة المزمل
تزمّل وتدثر: تلفف بغطاء.
2 قُمِ اللَّيْلَ اسم الجنس، أي: كل ليلة، إِلَّا قَلِيلًا: من اللّيالي، فقاموا على ذلك سنة «1» ثمّ خفّف بقوله: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ.
4 وَرَتِّلِ: بيّن وفصل، من الثغر: الرّتل «2» . ابن مسعود رضي الله عنه: «اقرءوا القرآن ولا تهذوه هذّ الشعر ولا تنثروه نثر الدّقل «3» ، وقفوا عند عجائبه، وحرّكوا به القلوب، ولا يكونن همّ أحدكم/ آخر السّورة» «4» . [103/ أ]
5 قَوْلًا ثَقِيلًا: راجحا ليس بسخيف مهلهل.
6 ناشِئَةَ اللَّيْلِ: ساعته التي تنشأ «5» .
__________
(1) في مدة فرضه اختلاف، والقول الذي ذكره المؤلف- رحمه الله- مرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما كما في تفسير الطبري: 29/ 124، وتفسير الماوردي: 4/ 332.
(2) اللسان: 11/ 265 (رتل) ، وفيه أيضا: «وثغر رتل ورتل: حسن التنضيد مستوى النبات ... وكلام رتل ورتل، أي: مرتّل حسن على تؤدة» .
(3) الدقل: رديء التمر كما في النهاية: 2/ 127.
قال ابن الجوزي في غريب الحديث: 1/ 344: «وذلك أن الدّقل من التمر لا يكاد يلصق بعضه ببعض فإذا نثر يفرق سريعا» .
(4) أخرجه البغوي في تفسيره: 4/ 407، عن ابن مسعود رضي الله عنه، وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره: 8/ 277، وعزا إخراجه إلى البغوي.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده: 1/ 417، وأبو داود في سننه: 2/ 117، كتاب الصلاة، باب «تحزيب القرآن» عن علقمة والأسود قالا: أتى ابن مسعود رجل فقال: إني أقرأ المفصل في ركعة، فقال: أهذا كهذ الشعر ونثرا كنثر الدقل؟؟! ... » .
(5) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 333 عن عطاء وعكرمة.
وقال الراغب في المفردات: 493: «يريد القيام والانتصاب للصلاة» .
وأكثر العلماء على أن ناشِئَةَ اللَّيْلِ أوقاته وساعاته.
ذكره القرطبي في تفسيره: 19/ 39، وقال: «لأن أوقاته تنشأ أولا فأولا يقال: نشأ الشيء ينشأ: إذا ابتدأ وأقبل شيئا بعد شيء، فهو ناشئ، وأنشأه الله فنشأ» .(2/845)
إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14) إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16)
وطاء «1» : مصدر كالمواطأة مثل: الوفاق والموافقة، أي: اللّيل أبلغ في مواطأة قلبك لعملك ولسانك وكذا تفسير وَطْئاً «2» .
7 سَبْحاً: فراغا للعمل «3» ، والاستراحة والسّبح: سهولة الحركة «4» .
8 وَتَبَتَّلْ: انقطع إلى عبادته عن كل شيء.
9 وَكِيلًا: وليا معينا «5» .
12 أَنْكالًا: قيودا «6» .
13 غُصَّةٍ: يأخذ الحلق فلا يسوغ.
14 كَثِيباً مَهِيلًا: رملا سائلا «7» ، هلت الرّمل: حرّكت أسفله فانهار أعلاه «8» .
16 وَبِيلًا: ثقيلا شديدا «9» .
__________
(1) هذه قراءة أبي عمرو، وابن عامر، وهي بكسر الواو وفتح الطاء والمد.
السبعة لابن مجاهد: 608، والتبصرة لمكي: 363، والتيسير للداني: 216.
(2) ينظر توجيه القراءتين في معاني القرآن للفراء: 3/ 197، ومعاني الزجاج: 5/ 240، والكشف لمكي: 2/ 344، والبحر المحيط: 8/ 363.
(3) تفسير الطبري: 29/ 131، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 240، واللسان: 2/ 470 (سبح) . [.....]
(4) المفردات للراغب: 221.
(5) تفسير الماوردي: 4/ 335، والمفردات للراغب: 531.
(6) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 273، وتفسير الطبري: 29/ 134، ومعاني القرآن للزجاج:
5/ 241، والمفردات للراغب: 506.
(7) تفسير الطبري: 29/ 136، ومعاني الزجاج: 5/ 242، والمفردات: 426.
(8) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 198، وتفسير الطبري: 29/ 136، واللسان: 11/ 633 (مهل) .
(9) تفسير الطبري: 29/ 137، وتفسير الماوردي: 4/ 336، وتفسير القرطبي: 19/ 48.(2/846)
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10) ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11)
ومن سورة المدثر
4 وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ: لا تلبسها «1» على غدر ولا إثم «2» . [وقيل: قلبك طهّر] «3» .
5 وَالرُّجْزَ بالكسر «4» : العذاب، وبالضمّ: الأوثان.
6 وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ: لا تعط شيئا لتصيب أكثر منه «5» . وقيل «6» : لا تمنن لعملك تستكثر على ربك. وقيل «7» : لا تنقص من الخير تستكثر الثّواب.
8 النَّاقُورِ: أول النّفختين، فاعول من «النّقر» .
11 ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ: الوليد بن المغيرة «8» ، وَحِيداً: لا مال ولا بنين.
__________
(1) في «ج» : أي الثياب الملبوسة، فَطَهِّرْ: نقها مما يفسد الصلاة. وقيل: لا تلبسها على غدر ولا إثم.
(2) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 200، ونقله ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 495 عن سفيان ابن عيينة.
وأخرجه الطبري في تفسيره: (29/ 144، 145) عن ابن عباس، وعكرمة.
(3) ما بين معقوفين عن «ك» ، وذكر الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 341، ونقله البغوي في تفسيره: 4/ 413 عن سعيد بن جبير، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 401.
(4) هذه قراءة السبعة إلّا عاصما كما في السبعة لابن مجاهد: 659، والتبصرة لمكي: 364 وانظر معنى القراءتين في معاني الفراء: 3/ 201، وتفسير الطبري: 29/ 147، والكشف لمكي: 2/ 347.
(5) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 201، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 496، وأخرجه الطبري في تفسيره: (29/ 148، 149) عن ابن عباس، وعكرمة، والضحاك، ومجاهد، وقتادة.
قال البغوي في تفسيره: 4/ 414: «هذا قول أكثر المفسرين» .
(6) أخرجه الطبري في تفسيره: 29/ 149 عن الحسن، والربيع بن أنس.
(7) نقله الماوردي في تفسيره: 4/ 343 عن مجاهد، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير:
8/ 402.
(8) كما في تفسير الطبري: 29/ 12، وتفسير الماوردي: 4/ 344، وأسباب النزول للواحدي:
514، وتفسير ابن كثير: 8/ 292، ومفحمات الأقران: 202. [.....](2/847)
وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)
13 وَبَنِينَ شُهُوداً: كانوا عشرة بنين لا يغيبون عن عينه.
17 سَأُرْهِقُهُ: أعجله بعنف، صَعُوداً: عقبة في النار «1» .
29 لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ: مسوّدة للجلود «2» . وقيل «3» : معطشة للنّاس.
30 عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ: هكذا ذكره في الكتب المتقدمة، فذكره كذا في القرآن ليستيقنوا.
وقيل: التسعة نهاية الآحاد، والعشرة بداية العشرات، وتسعة عشر جامعة لهما لأكثر القليل وأقل الكثير فكان أجمع الأعداد فجعلت بحسابها خزنة النّار «4» .
31 وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ: من كثرتهم «5» .
وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى: أي: هذه النّار «6» .
__________
(1) قال الفخر الرازي في تفسيره: 30/ 200: «وفي الصعود» قولان:
الأول: أنه مثل لما يلقى من العذاب الشاق الصعب الذي لا يطاق مثل قوله: يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً، و «صعود» من قولهم: عقبة صعود وكدود: شاقه المصعد.
والثاني: أن صَعُوداً اسم لعقبة في النار كلما وضع يده عليها ذابت، فإذا رفعها عادت، وإذا وضع رجله ذابت وإذا رفعها عادت، وعنه عليه الصلاة والسلام: «الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي فيه أبدا» اه-.
ينظر الحديث عن أبي سعيد الخدري مرفوعا في مسند الإمام أحمد: 3/ 75، وسنن الترمذي: 5/ 429، كتاب التفسير، تفسير سورة الأنبياء، حديث رقم (3326) ، وتفسير الطبري: 29/ 155، والمستدرك للحاكم: 2/ 507، كتاب التفسير، سورة المدثر.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(2) معاني القرآن للفراء: 3/ 203، وتفسير الطبري: 29/ 159، ومعاني الزجاج: 5/ 247، وتفسير البغوي: 4/ 416، وتفسير القرطبي: 19/ 77.
(3) نقله الماوردي في تفسيره: 4/ 348 عن الأخفش.
واللّوح: العطش كما في المفردات للراغب: 456، واللسان: 2/ 585 (لوح) .
(4) ينظر ما سبق في تفسير الماوردي: 4/ 349.
(5) تفسير الطبري: 29/ 162.
(6) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 29/ 162 عن قتادة، ومجاهد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 350 عن قتادة.
وانظر هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 5/ 248، وتفسير البغوي: 4/ 417.(2/848)
وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37) كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)
33 إِذْ أَدْبَرَ: جاء بعد النّهار. دبر الشّيء وأدبر. وقبل وأقبل «1» .
38 كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ. قال قتادة»
: غلق النّاس إلّا أصحاب اليمين، ثم قرأ: وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ «3» .
50 مُسْتَنْفِرَةٌ: بكسر الفاء نافرة، وبفتحها «4» منفّرة.
و «القسورة» : الرماة «5» . وقيل «6» : الأسد، فعولة من «القسر» .
56 هُوَ أَهْلُ التَّقْوى: أهل أن يتقى.
ومن سورة القيامة
1 لا أُقْسِمُ: دخول/ لا لتأكيد القسم، والإثبات من طريق النّفي [103/ ب]
__________
(1) بمعنى واحد كما في معاني القرآن للفراء: 3/ 204، وتفسير الطبري: 29/ 162، ومعاني الزجاج: 5/ 248.
(2) أخرجه الطبري في تفسيره: 29/ 165، وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 418، وعزا إخراجه إلى عبد بن حميد عن قتادة.
(3) سورة الأنعام: آية: 69.
(4) بالفتح قراءة نافع، وابن عامر كما في السبعة لابن مجاهد: 660، والتبصرة لمكي: 364، والتيسير للداني: 216.
وانظر توجيه القراءتين في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 498، والكشف لمكي:
2/ 347، وتفسير القرطبي: 19/ 89، والبحر المحيط: 8/ 380.
(5) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 206، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 498، وأخرجه الطبري في تفسيره: (29/ 168، 169) عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وعكرمة.
(6) بلسان الحبشة، وقيل: بلغة قريش.
ينظر: كتاب اللغات الواردة في القرآن لأبي عبيدة: 302.
ومعاني القرآن للفراء: 3/ 276، والبحر المحيط: 8/ 380، واللسان: 5/ 92 (قسر) .
وروى هذا القول عن أبي هريرة، وابن عباس، وزيد بن أسلم رضي الله تعالى عنهم.
ينظر تفسير الطبري: 29/ 170، وتفسير ابن كثير: 8/ 298، والدر المنثور:
8/ 339.(2/849)
وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)
آكد، كأنه ردّ على المنكر أولا، ثم إثبات بالقسم ثانيا «1» .
وقيل «2» : المراد نفي القسم لوضوح الأمر. وقيل «3» : هو «لأقسم» ، لام الابتداء.
2 بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ: كل يلومه نفسه على الشر لم عمل، وعلى الخير لم لم تستكثر «4» ؟.
4 نُسَوِّيَ بَنانَهُ: نجعلها مستوية كخف البعير، فيعدم الارتفاق بالأعمال اللّطيفة «5» .
5 لِيَفْجُرَ أَمامَهُ: يمضي راكبا رأسه في هواه «6» . وقيل «7» : يتمنى العمر ليفجر.
7 بَرِقَ الْبَصَرُ: بالكسر: دهش، وبالفتح «8» : شخص.
8 وَخَسَفَ الْقَمَرُ: ذهب ضوؤه كأنه ذهب في خسيف وهي البئر
__________
(1) ينظر تفسير الطبري: 29/ 173، وتفسير الماوردي: 4/ 355، والكشاف: 4/ 189، والبحر المحيط: 8/ 384.
(2) ذكره الفخر الرازي في تفسيره: 30/ 215. [.....]
(3) ورد هذا القول توجيها لقراءة ابن كثير كما في السبعة لابن مجاهد: 661، والتبصرة لمكي: 365، والبحر المحيط: 8/ 384.
(4) ذكره الزجاج في معانيه: 5/ 251، ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 356 عن مجاهد، وكذا القرطبي في تفسيره: 19/ 93.
(5) معاني القرآن للفراء: 3/ 208، وتفسير الطبري: 29/ 175.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 417: «هذا قول الجمهور» .
(6) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 29/ 177 عن مجاهد.
ونقله البغوي في تفسيره: 4/ 421 عن مجاهد، والحسن، وعكرمة، والسدي.
(7) تفسير الماوردي: 4/ 357، وتفسير القرطبي: 19/ 95.
(8) بفتح الراء قراءة نافع، وأبي عمرو كما في السبعة لابن مجاهد: 661، والتيسير للداني:
216.
ينظر توجيه القراءتين في معاني القرآن للفراء: 3/ 209، والكشف لمكي: 2/ 350، وتفسير القرطبي: 19/ 95.(2/850)
وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)
القديمة «1» .
9 وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ: في طلوعهما من المغرب «2» ، أو في ذهاب ضوئهما «3» ، أو في التسخير بهما.
10 أَيْنَ الْمَفَرُّ: الفرار: مصدر، والمفرّ- بكسر الفاء «4» - الموضع، والمفرّ «5» : الجيّد الفرار، أي: الإنسان الجيد الفرار لا ينفعه الفرار «6» .
11 لا وَزَرَ: لا ملجأ «7» .
13 بِما قَدَّمَ
: من عمل وَأَخَّرَ
: من سنّة.
14 بَصِيرَةٌ
: شاهد، والهاء للمبالغة «8» ، أو عين بصيرة «9» .
وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ
: ألقى ثيابه وأرخى ستوره «10» ، أي: ولو خلا
__________
(1) اللسان: 9/ 68 (خسف) .
(2) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 358، دون عزو، وكذا البغوي في تفسيره: 4/ 422.
ونقله القرطبي في تفسيره: 19/ 97 عن ابن مسعود، وابن عباس رضي الله تعالى عنهم.
(3) ينظر هذا القول في معاني القرآن للفراء: 3/ 209، وتفسير الطبري: 29/ 180، ومعاني الزجاج: 5/ 252، وتفسير الماوردي: 4/ 358، وتفسير البغوي: 4/ 422.
(4) وهي- أيضا- قراءة تنسب إلى ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعكرمة ... وغيرهم.
ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 210، وإعراب القرآن للنحاس: 5/ 81، والمحتسب:
2/ 341، والبحر المحيط: 8/ 386، وإتحاف فضلاء البشر: 2/ 574.
(5) بكسر الميم وفتح الفاء، وتنسب هذه القراءة إلى الحسن، والزهري.
وهي شاذة كما في المحتسب: 2/ 341، والبحر المحيط: 8/ 386.
(6) راجع الوجوه السابقة في معاني القرآن للزجاج: 5/ 252، والكشاف: 4/ 191، وزاد المسير: 8/ 420، وتفسير القرطبي: (19/ 97، 98) ، والبحر المحيط: 8/ 386.
(7) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 210، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 499، والمفردات للراغب: 521.
(8) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 277، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 500، وتفسير الطبري: 29/ 184، وتفسير الماوردي: 4/ 359. [.....]
(9) ذكر البغوي هذا القول في تفسيره: 4/ 423 دون عزو، وكذا القرطبي في تفسيره:
19/ 100.
(10) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 211، وأخرجه الطبري في تفسيره: 29/ 186 عن السدي.(2/851)
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)
بنفسه، والمعذار: الستر «1» .
17 إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ
: أي: في صدرك «2» ، وإعادة قرآنه عليك، أي:
قراءته حتى تحفظ ثمّ إنّا نبيّن لك معانيه إذا حفظته.
22 ناضِرَةٌ: حسنة مستبشرة «3» ، وجه نضر وناضر، ونضر الله وجهه فهو منضور.
23 إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ: تنظر ما يأتيها من ثواب ربها. عن مجاهد «4» وأبي صالح «5» وعكرمة «6» .
وقيل «7» : إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ: لا تنظر إلى غيره ولا ترجو الحق إلّا
__________
(1) بلغة اليمن.
ينظر تفسير الماوردي: 4/ 360، وتفسير البغوي: 4/ 423.
(2) ينظر صحيح البخاري: 6/ 76، كتاب التفسير، تفسير سورة القيامة.
وتفسير الطبري: (29/ 188، 189) ، وتفسير الماوردي: 4/ 461، وتفسير البغوي: 4/ 423.
(3) تفسير الطبري: 29/ 191، وتفسير البغوي: 4/ 424، والمفردات للراغب: 496، واللسان: 5/ 213 (نضر) .
(4) أخرجه الطبري في تفسيره: 29/ 192.
(5) أورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 360، وعزا إخراجه إلى ابن جرير، وابن أبي شيبة عن أبي صالح.
(6) لم أقف على هذا القول منسوبا إلى عكرمة، وأخرج الطبري في تفسيره: 29/ 192 عن عكرمة قال: «تنظر إلى ربها نظرا» .
وعقب القرطبي على نسبة هذا القول إلى عكرمة بقوله: «وليس معروفا إلا عن مجاهد وحده» (تفسير القرطبي: 19/ 108) .
وهذا القول الذي ذكره المؤلف رحمه الله عن مجاهد وأبي صالح، وعكرمة، هو أحد تأويلات المعتزلة في نفي رؤية الله سبحانه وتعالى في الآخرة.
وقد خطّأ النحاس هذا القول في إعراب القرآن: 5/ 84، وقال: «لأنه لا يجوز عندهم (عند النحويين) ولا عند أحد علمته: نظرت زيدا، أي: نظرت ثوابه» .
ورد الأزهري هذا القول- أيضا- في تهذيب اللغة: 14/ 371، والفخر الرازي في تفسيره: 30/ 227.
(7) هذا نص قول الزمخشري في الكشاف: 4/ 192، وهو أحد تأويلات المعتزلة كما في البحر المحيط: 8/ 389.(2/852)
تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25) كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27)
من عنده.
وعن أبي سعيد الخدري «1» رضي الله عنه: قلنا للنّبي صلى الله عليه وسلم أنرى ربّنا؟
فقال: «أتضارون في رؤية الشّمس في الظّهيرة في غير سحابة؟ أفتضارون في [رؤية] «2» القمر ليلة البدر في غير سحاب؟ فإنكم لا تضارّون في رؤيته إلّا كما تضارون في رؤيتهما» أي: لا تنازعون ولا تخالفون.
ويروى «3» : «لا تضامون» أي: لا ينضمّ بعضكم إلى بعض في وقت النظر لخفائه كما تفعلون بالهلال.
25 فاقِرَةٌ: داهية تكسر/ الفقار «4» .
27 مَنْ راقٍ
: من يرقى بروحه أملائكة الرّحمة أم العذاب «5» ؟ أو هو قول أهله: هل من راق يرقيه «6» .
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 8/ 181، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ، والإمام مسلم في صحيحه: 1/ 164 رقم (302) .
كتاب الإيمان، باب «معرفة طريق الرؤية» باختلاف في بعض ألفاظه.
(2) في الأصل: «ليله» ، والمثبت في النص عن «ك» و «ج» .
(3) ينظر صحيح البخاري: 8/ 179، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ. وصحيح مسلم: 1/ 164 حديث رقم (299) ، كتاب الإيمان، باب: «معرفة طريق الرؤية» .
(4) هذا قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 500، وقال أيضا: «تقول: فقرت الرجل، إذا كسرت فقاره. كما تقول: رأسته، إذا ضربت رأسه، وبطنته، إذا ضربت بطنه» .
وانظر معاني القرآن للفراء: 3/ 212، والمفردات للراغب: 383، واللسان: 5/ 62 (فقر) .
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 29/ 195 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 361، وزاد نسبته إلى ابن أبي الدنيا، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
وانظر هذا القول في معاني الزجاج: 5/ 254، وتفسير الماوردي: 4/ 362، وتفسير البغوي: 4/ 424. [.....]
(6) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 212، وأخرجه الطبري في تفسيره: (29/ 194، 195) عن قتادة، وابن زيد.(2/853)
وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)
29 وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ: من كرب الموت وهول المطلع. وقال الضحاك «1» : اجتمع عليه أمران: أهله يجهزون جسده، والملائكة يجهزون روحه.
33 يَتَمَطَّى: يتبختر «2» ، والمطيطاء: مشية يهتزّ فيها المطا وهو الظهر «3» .
34 أَوْلى لَكَ فَأَوْلى: قاربك ما تكره، و «وليك» من الوليّ: القرب «4» .
36 سُدىً: مهملا لا يؤمر ولا ينهى.
37 تمنى «5» : تراق. وقيل: تقدّر وتخلق، والمنا القدر «6» .
ومن سورة الإنسان
2 أَمْشاجٍ: المشج: الخلط «7» ، وهي ماء الرّجل والمرأة.
قال عليه السّلام «8» : «أيّ الماءين سبق فمنه الشّبه» .
__________
(1) أخرجه الطبري في تفسيره: 29/ 196، وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 362، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد عن الضحاك.
(2) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 212، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 501، وتفسير الطبري: 29/ 199، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 254.
(3) المفردات للراغب: 470، واللسان: 7/ 404 (مطط) .
(4) اللسان: 15/ 411 (ولي) .
(5) كذا في الأصل، و «ك» بالتاء، وهي قراءة نافع، وابن عامر، وابن كثير.
السبعة لابن مجاهد: 662، والتبصرة لمكي: 365، والتيسير للداني: 217.
(6) المفردات للراغب: 475، واللسان: 15/ 293 (مني) .
(7) معاني القرآن للفراء: 3/ 214، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 502، وتفسير الطبري:
29/ 203، والمفردات للراغب: 469.
(8) هذا جزء من حديث طويل أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 5/ 149، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ، وأخرجه- أيضا- الإمام مسلم في صحيحه:
1/ 250، حديث رقم (311) كتاب الحيض، باب «جواز نوم الجنب ... » .(2/854)
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)
3 إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً: ال «فعول» للمبالغة والكثرة «1» ، وشكر الإنسان قليل وكفرانه كثير.
4 سلاسلا: بالتنوين «2» لتشاكل أَغْلالًا وَسَعِيراً أو أجرى «السّلاسل» مجرى الواحد «3» والجمع «السّلاسلات» ، وفي الحديث «4» :
«إنكنّ صواحبات يوسف» .
5 كانَ مِزاجُها كافُوراً: مزج بالكافور وختم بالمسك «5» .
6 يُفَجِّرُونَها: يجرونها كيف شاؤوا «6» .
7 مُسْتَطِيراً: منتشرا «7» .
10 قَمْطَرِيراً: شديدا طويلا «8» .
__________
(1) تفسير الماوردي: 4/ 368، والبحر المحيط: 8/ 394.
(2) قراءة نافع، والكسائي، وشعبة بن عاصم.
السبعة لابن مجاهد: 663، والتبصرة لمكي: 366، والتيسير للداني: 217.
(3) ينظر معاني القرآن للزجاج: 5/ 258، والكشف لمكي: 2/ 352، والبحر المحيط:
8/ 394.
(4) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 4/ 122، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا. وأخرجه- أيضا- الإمام مسلم في صحيحه: 1/ 313 حديث رقم (418) كتاب الصلاة، باب «استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر ... » .
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 29/ 207 عن قتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 369، وعزا إخراجه إلى ابن المنذر، وعبد بن حميد عن قتادة. [.....]
(6) ينظر تفسير الطبري: (29/ 207، 208) ، وتفسير الماوردي: 4/ 369، وتفسير البغوي:
4/ 428، وتفسير ابن كثير: 8/ 312.
(7) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 502، وتفسير الطبري: 29/ 209، واللسان: 4/ 513 (طير) .
(8) معاني القرآن للفراء: 3/ 216، وتفسير الطبري: 29/ 211، والمفردات للراغب: 413، واللسان: 5/ 116 (قمطر) .(2/855)
قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28)
16 قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ: أي: كأنها في بياضها من فضة على التشبيه من غير أداة أراد به.
قال ابن عبّاس «1» : «قوارير كلّ أرض من تربتها وأرض الجنة فضة» .
17 مِزاجُها زَنْجَبِيلًا: أي: في لذاذة المقاطع، والزّنجبيل يحذى اللّسان، وهو عند العرب من أجود أوصاف الخمر «2» .
21 عالِيَهُمْ: نصبه على أنه صفة جعلت ظرفا «3» ، كقوله»
: وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ.
28 أَسْرَهُمْ: خلقهم «5» . قال المبرد «6» : الأسر القوى كلها، وأصله القدّ يشدّ به الأقتاب. وقيل: أسير لأنّه مشدود بالقدّ.
ومن سورة المرسلات
1 وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً: الملائكة ترسل بالمعروف «7» .
__________
(1) أورده الماوردي في تفسيره: 4/ 372.
(2) قال ابن دحية في تنبيه البصائر: 53/ ب: العرب تضرب المثل بالخمر إذا مزجت بالزنجبيل، وكانوا يستطيبون ذلك، فخاطبهم الله- تعالى- على ما يعرفون.
وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 503، واللسان: 11/ 312 (زنجبيل) .
(3) معاني القرآن للفراء: 3/ 218، ومعاني الزجاج: 5/ 262، وإعراب القرآن للنحاس:
5/ 104، والبحر المحيط: 8/ 399.
(4) سورة الأنفال: آية: 42.
(5) معاني الفراء: 3/ 220، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 504، وتفسير الطبري:
29/ 226، ومعاني الزجاج: 5/ 263، والمفردات للراغب: 18.
(6) الكامل: (964، 965) .
(7) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 221، وأخرجه الطبري في تفسيره: 29/ 229 عن مسروق.
وأخرجه الحاكم في المستدرك: 2/ 511 عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفا، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 381، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه.(2/856)
وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9)
وقيل «1» : السّحائب والرياح.
عُرْفاً: متتابعة كعرف الفرس «2» .
3 وَالنَّاشِراتِ: المطر لنشرها النّبات «3» .
4 فَالْفارِقاتِ: الملائكة تفرّق بين الحقّ والباطل «4» .
5 فَالْمُلْقِياتِ: / الملائكة تلقي الرّوح «5» . [104/ ب]
6 عُذْراً: نصب على الحال أو على المفعول له «6» ، أي: عذرا من الله إلى عباده ونذرا لهم من عذابه.
8 طُمِسَتْ: محيت «7» .
9 فُرِجَتْ: شقّت «8» .
__________
(1) أخرجه الطبري في تفسيره: (29/ 228، 229) عن ابن مسعود، وابن عباس، وأبي صالح، ومجاهد، وقتادة.
(2) معاني القرآن للفراء: 3/ 221، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 505، وتفسير الطبري:
29/ 229، ومعاني الزجاج: 5/ 265.
(3) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 29/ 331 عن أبي صالح، وانظر هذا القول في تفسير الماوردي: 4/ 378، وزاد المسير: 8/ 445.
(4) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 222، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 505، والطبري في تفسيره: 29/ 232، والزجاج في معانيه: 5/ 265، ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 378 عن ابن عباس رضي الله عنهما. [.....]
(5) في «ج» و «ك» : الوحي.
وانظر معاني الفراء: 3/ 222، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 505، وتفسير الماوردي: 4/ 378.
(6) معاني القرآن للزجاج: 5/ 266، والتبيان للعكبري: 2/ 1262، والبحر المحيط:
8/ 405.
(7) ينظر تفسير الماوردي: 4/ 379، وتفسير البغوي: 4/ 433، والمفردات للراغب: 307.
(8) معاني القرآن للزجاج: 5/ 266، وتفسير الماوردي: 4/ 379، وزاد المسير: 8/ 447، وتفسير الفخر الرازي: 30/ 269.(2/857)
وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19) أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28) انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32)
10 نُسِفَتْ: قلعت «1» .
11 أُقِّتَتْ: جمعت لوقت «2» .
25 كِفاتاً: كنّا ووعاء «3» ، وأصلها الضمّ «4» . يقال للرطب: كفت وكفيت لضمّه ما يحويه.
30 ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ: اللهب والشّرر والدخان «5» .
وقيل: إنّ الشّكل الحسكيّ يلقّب ب «النّاري» ، فليس لها فوق ووراء وتحت يدرك.
32 بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ: بمعنى القصور «6» ، وهي بيوت من أدم «7» .
33 جمالت «8» جمع «جمالة» : قلوس....
__________
(1) نقل القرطبي هذا القول في تفسيره: 19/ 57 عن المبرد.
وانظر المفردات للراغب: 490، وتفسير البغوي: 4/ 433، واللسان: 9/ 327 (نسف) .
(2) أي: لوقت القيامة.
ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 506، وتفسير البغوي: 4/ 433، وتفسير القرطبي:
19/ 157.
(3) معاني القرآن للفراء: 3/ 224، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 281، وتفسير الطبري:
29/ 236، ومعاني الزجاج: 5/ 267.
(4) ينظر المفردات للراغب: 433، واللسان: 2/ 79 (كفت) .
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 380، والقرطبي في تفسيره: 19/ 163.
(6) قال الطبري رحمه الله في تفسيره: 29/ 241: ولم يقل «كالقصور» و «الشرر» جماع، كما قيل: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ولم يقل: الأدبار، لأن الدبر بمعنى الأدبار، وفعل ذلك توفيقا بين رؤوس الآيات ومقاطع الكلام لأن العرب تفعل ذلك كذلك، وبلسانها نزل القرآن» .
وانظر معاني القرآن للفراء: 3/ 224، وتفسير القرطبي: 19/ 163.
(7) أخرج الإمام البخاري في صحيحه: 6/ 78، كتاب التفسير، تفسير سورة «المرسلات» عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كنا نرفع الخشب بقصر ثلاثة أذرع أو أقل فنرفعه للشتاء فنسميه القصر» .
(8) بضم الجيم وصيغة الجمع، وتنسب هذه القراءة إلى ابن عباس، وقتادة، وسعيد بن جبير، والحسن، ومجاهد، ويعقوب.
ينظر تفسير الطبري: 29/ 243، وإعراب القرآن للنحاس: 15/ 121، والبحر المحيط:
8/ 407، ومعجم القراءات: 8/ 39.(2/858)
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)
السّفن «1» . وقريء: جمالات «2» جمال وجمالات ك «رجال» و «رجالات» «3» .
و «الصفر» : السّود «4» لأنّ سود الإبل فيها شكلة من صفرة.
50 فَبِأَيِّ حَدِيثٍ: أي: إذا كفروا بالقرآن فبأيّ حديث يؤمنون؟!.
سورة النبأ إلى آخر القرآن
9 نَوْمَكُمْ سُباتاً: قطعا لأعمالكم «5» ، ويوم السّبت لقطعهم العمل فيه.
والسّبت: نوع من النعال الحسنة التحضير والتقطيع «6» .
وقيل «السّبات» : النّوم الممتدّ، سبتت شعرها: مددت عقيصتها المفتولة «7» .
__________
(1) فلوس السفن: حبالها.
وقد ورد هذا المعنى في أثر أخرجه البخاري في صحيحه: 6/ 78، كتاب التفسير، تفسير سورة «المرسلات» عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وانظر معاني القرآن للفراء: 3/ 225، واللسان: 6/ 180 (قلس) .
(2) هذه قراءة ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر.
السبعة لابن مجاهد: 666، والتبصرة لمكي: 368، والتيسير للداني: 218. [.....]
(3) معاني القرآن للزجاج: 5/ 268، والكشف لمكي: 2/ 358، والبحر المحيط: 8/ 407.
(4) معاني القرآن للفراء: 3/ 225، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 281، وتفسير الطبري:
29/ 241، واللسان: 4/ 460 (صفر) .
(5) ينظر معاني القرآن للزجاج: 5/ 272، وتفسير الماوردي: 4/ 382، والمفردات للراغب:
220، واللسان: 2/ 37 (سبت) .
(6) اللسان: 2/ 36 (سبت) .
(7) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 508، وتفسير المشكل لمكي: 371، وتفسير القرطبي:
19/ 171.(2/859)
وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24)
14 الْمُعْصِراتِ: السّحائب التي دنت أن تمطر «1» ، كالمعصرة التي دنت من الحيض.
16 أَلْفافاً: مجتمعة بعضها إلى بعض، جنّة لفّاء، وجمعها «لفّ» ، ثم «ألفاف» «2» .
وفي الحديث «3» : «كان عمر وعثمان وابن عمر رضي الله عنهم لفا» ، أي: حزبا.
21 مِرْصاداً: مفعال من الرّصد «4» .
24 بَرْداً: نوما «5» ، يقال: منع البرد البرد «6» .
__________
(1) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 508، وأخرجه الطبري في تفسيره: 30/ 5 عن ابن عباس رضي الله عنهما. ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 383 عن سفيان، والربيع بن أنس.
وانظر معاني القرآن للزجاج: 5/ 272، والمفردات للراغب: 336، واللسان: 4/ 577 (عصر) .
(2) ف «ألفاف» جمع الجمع كما في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 282.
وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 509، وتفسير الطبري: 30/ 7، وتفسير البغوي:
4/ 437، وتفسير القرطبي: 19/ 174.
(3) أخرجه ابن قتيبة في غريب الحديث: 2/ 37 عن عثمان بن نائل عن أبيه بلفظ: «سافرت مع مولاي عثمان بن عفان وعمر في حج أو عمرة، فكان عمر وعثمان وابن عمر لفا ... » .
ينظر هذا الأثر أيضا في الفائق: 3/ 323، وغريب الحديث لابن الجوزي: 2/ 327، والنهاية: 4/ 621.
(4) الجمهرة لابن دريد: 2/ 629، وتفسير البغوي: 4/ 438، وزاد المسير: 9/ 7، وتفسير القرطبي: 19/ 177.
(5) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 228، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 509، والطبري في تفسيره: 30/ 12.
وقيل: إنه بلغة هذيل كما في كتاب اللغات الواردة في القرآن: 308، والبحر المحيط:
8/ 414.
ونقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 385 عن مجاهد، والسدي، وأبي عبيدة.
(6) أي: أذهب البرد النوم كما في تفسير البغوي: 4/ 438، وتفسير القرطبي: 19/ 180، والبحر المحيط: 8/ 414.(2/860)
جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38)
وقيل «1» : برد الماء والهواء.
26 جَزاءً وِفاقاً: جازيا على وفاق أعمالهم.
28 كِذَّاباً: كذب يكذب كذبا وكذابا، وكذّب كذّابا، ومثله: كلّم كلّاما وقضى قضاء. وقال أعرابي: القصّار أفضل أم الحلق «2» ؟.
31 مَفازاً: موضع الفوز «3» .
34 دِهاقاً: ملاء ولاء «4» .
36 عَطاءً حِساباً: كافيا «5» .
38 الرُّوحُ: ملك عظيم يقوم وحده صفا ويقوم الملائكة صفا «6» .
[سورة النازعات]
1 وَالنَّازِعاتِ: الملائكة تنزع الأرواح «7» .
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 385، وقال: «وهو قول كثير من المفسرين» .
(2) أورده الفراء في معانيه: 3/ 229، على أنه هو المسؤول.
(3) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 510، وتفسير الماوردي: 4/ 386، والمفردات للراغب:
387. [.....]
(4) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 283، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 510، وتفسير الطبري: 30/ 18، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 275.
(5) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 283، وذكره الزجاج في معانيه: 5/ 275، ومكي في تفسير المشكل: 372، ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 387 عن الكلبي.
(6) ورد نحوه في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 30/ 22 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأورد الطبري- رحمه الله- أقوالا أخرى في المراد ب- «الروح» - ثم قال: «والصواب من القول أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنّ خلقه «لا يملكون منه خطابا، يوم يقوم الروح» -، والروح: خلق من خلقه، وجائز أن يكون بعض هذه الأشياء التي ذكرت والله أعلم أيّ ذلك هو، ولا خبر بشيء من ذلك أنه المعنيّ به دون غيره يجب التسليم له، ولا حجة تدل عليه، وغير ضائر الجهل به» .
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 8/ 334: «والأشبه- والله أعلم- أنهم بنو آدم» .
(7) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 230، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 512، والطبري في تفسيره: 30/ 27، والزجاج في معانيه: 5/ 277.
ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 390 عن ابن مسعود، ومسروق.(2/861)
وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6)
غَرْقاً: إغراقا في النّزع.
[105/ أ] 2 نَشْطاً: تنشطها كنشط/ العقال «1» . وقيل «2» : النّاشطات النّجوم السيّارة، ويقال للحمار الوحشي: ناشط لإسراعه أو لذهابه من مكان إلى آخر «3» .
3 وَالسَّابِحاتِ: النّجوم تسبح في الأفلاك «4» أو الفلك في البحر، أو الخيل السّوابق «5» .
4 فَالسَّابِقاتِ: الملائكة تسبق الشّياطين بالوحي إلى الأنبياء «6» .
وقيل «7» : المنايا تسبق الأماني.
6 الرَّاجِفَةُ: النّفخة الأولى تميت الأحياء، والرَّادِفَةُ: التي تحيي الموتى «8» .
__________
(1) أي: كربط العقال، وهذا مثال لقبض روح المؤمن كما في معاني القرآن للفراء: 3/ 230، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 512، وتفسير الطبري: 30/ 28.
(2) أخرجه الطبريّ في تفسيره: 30/ 29 عن قتادة.
(3) ينظر مجاز القرآن لابن قتيبة: 2/ 284، وتفسير البغوي: 4/ 442، واللسان: 7/ 413 (نشط) .
(4) مجاز القرآن: 2/ 284، وتفسير الماوردي: 4/ 291، وزاد المسير: 9/ 16، وتفسير القرطبي: 19/ 193.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 30/ 30 عن عطاء، وذكره الماوردي في تفسيره:
4/ 391، وابن الجوزي في زاد المسير: 9/ 16.
(6) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 230، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 512، ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 391 عن علي رضي الله عنه، ومسروق.
(7) ذكره أبو حيان في البحر المحيط: 8/ 419 دون عزو.
(8) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 30/ 31، عن الحسن، وقتادة.
ونقله الحافظ ابن كثير في تفسيره: 8/ 336 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال: «وهكذا قال مجاهد، والحسن، وقتادة، والضحاك، وغير واحد» .
وانظر تفسير الماوردي: 4/ 392، وتفسير البغوي: 4/ 442.(2/862)
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26) أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34)
8 واجِفَةٌ: خافقة مضطربة «1» ، من «الوجيف» .
10 فِي الْحافِرَةِ: في الأمر الأول، رجع في حافرته: ذهب في طريقه الأول «2» .
11 نَخِرَةً: بالية متآكلة، نخر العظم: بلي ورمّ «3» . وناخرة «4» :
صيّتة صافرة، كأنّ الريح تنخر فيها نخيرا.
14 بِالسَّاهِرَةِ: أرض القيامة «5» .
29 وَأَغْطَشَ لَيْلَها: جعلها مظلمة «6» .
30 وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ: مع ذلك، كقوله «7» : عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ.
دَحاها: بسطها «8» ، وأدحي النّعام لبسطها موضعه «9» .
34 الطَّامَّةُ الْكُبْرى: الداهية العظمى «10» ، وفي الحديث «11» : «ما من
__________
(1) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 513، وتفسير الطبري: 30/ 33، واللسان: 9/ 352 وجف) .
(2) ينظر معاني القرآن للزجاج: 5/ 278، واللسان: 4/ 205 (حفر) . [.....]
(3) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 284، وتفسير الطبري: 30/ 34، والمفردات للراغب: 486.
(4) بالألف، قراءة حمزة، والكسائي، وشعبة عن عاصم.
السبعة لابن مجاهد: 670، والتبصرة لمكي: 370، والتيسير للداني: 219.
وانظر توجيه هذه القراءة في معاني القرآن للفراء: 3/ 232، وتفسير الطبري: 30/ 35، ومعاني الزجاج: 5/ 279، والكشف لمكي: 2/ 361.
(5) تفسير الماوردي: 3/ 394، وتفسير الفخر الرازي: 31/ 39، وتفسير القرطبي: 19/ 200.
(6) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 233، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 285، وتفسير الطبري:
30/ 43، ومعاني الزجاج: 5/ 280، والمفردات للراغب: 362.
(7) سورة القلم: آية: 13.
(8) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 285، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 513، وتفسير الطبري: 30/ 46، وتفسير القرطبي: 19/ 204.
(9) ينظر المفردات للراغب: 166، وتفسير القرطبي: 19/ 204، واللسان: 14/ 251 (دحا) .
(10) غريب الحديث للخطابي: 2/ 29، وتفسير الفخر الرازي: 31/ 50، وتفسير القرطبي:
19/ 206.
(11) نسب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد ورد هذا القول في أثر طويل أخرجه البيهقي في دلائل النبوة: 2/ 424 عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وذكره الخطابي في غريب الحديث: 2/ 29 عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وكذا ابن الجوزي في غريب الحديث: 2/ 40، والمحب الطبري في الرياض النضرة:
1/ 102، وأشار العقيلي إليه في كتاب الضعفاء: 1/ 38 وقال: «وليس لهذا الحديث أصل، ولا يروى من وجه يثبت إلا شيء يروى في مغازي الواقدي وغيره مرسلا.(2/863)
أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12)
طامّة إلّا وفوقها طامة» .
[سورة عبس]
2 الْأَعْمى: عبد الله بن أمّ مكتوم «1» .
6 تَصَدَّى: تعرض. وبالتشديد «2» : تتعرّض.
10 تَلَهَّى: تشاغل وتغافل.
11 تَذْكِرَةٌ: أي: هذه السّورة «3» .
12 فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ: أي: القرآن «4» .
__________
(1) ورد ذلك في حديث أخرجه الترمذي في سننه: 5/ 432 حديث رقم (3331) كتاب التفسير، باب «ومن سورة عبس» عن عائشة رضي الله عنها.
قال الترمذي: «هذا حديث غريب» .
وأخرجه- أيضا- الطبري في تفسيره: 30/ 50، والحاكم في المستدرك: 2/ 514، كتاب التفسير، «سورة عبس وتولى» .
وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي» .
وانظر هذا الخبر في أسباب النزول للواحدي: (517، 518) ، والتعريف والإعلام للسهيلي: 179، ومفحمات الأقران: 205.
(2) بتشديد الصاد، قراءة نافع، وابن كثير كما في السّبعة لابن مجاهد: 672، والتبصرة لمكي: 371، والتيسير للداني: 220.
وانظر توجيه القراءتين في الكشف لمكي: 2/ 362، وتفسير القرطبي: 19/ 214، والبحر المحيط: 8/ 427.
(3) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 236، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 514، والطبري في تفسيره: 30/ 53، ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 399، عن الفراء، والكلبي.
(4) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 236، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 514، وتفسير الماوردي: 4/ 400.(2/864)
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21)
15 سَفَرَةٍ: كتبه «1» ، أو ملائكة يسفرون بالوحي.
17 قُتِلَ الْإِنْسانُ: لعن وعذّب «2» ، وهو أميّة «3» بن خلف.
21 فَأَقْبَرَهُ: جعل له قبرا يدفن فيه ولم يجعله جيفة ملقاة.
قالت بنو تميم لابن هبيرة «4» - لما قتل صالح «5» بن عبد الرحمن: أقبرنا صالحا قال: فدونكموه «6» .
والقضب «7» : كل رطب يقضب «8» فينبت.
__________
(1) وهم الملائكة كما في تفسير الطبري: 30/ 54، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 284 وهو قول الجمهور كما في زاد المسير: 9/ 29.
وانظر معاني القرآن للفراء: 3/ 236، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 286، وتفسير الماوردي: 4/ 400. [.....]
(2) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 514، وتفسير الطبري: 30/ 54، وزاد المسير:
9/ 30، وتفسير القرطبي: 19/ 217.
(3) هذا قول الضحاك كما في تفسير الماوردي: 4/ 401، وزاد المسير: 9/ 30.
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 8/ 345: «وهذا الجنس الإنسان المكذب، لكثرة تكذيبه بلا مستند، بل بمجرد الاستبعاد وعدم العلم» .
(4) هو عمر بن هبيرة بن معاوية بن سكين الفزاري، أبو المثنى.
كان أميرا للخليفة يزيد بن عبد الملك على العراق وخراسان، ثم عزله هشام بن عبد الملك.
أخباره في المعارف لابن قتيبة: 408، والكامل لابن الأثير: (5/ 98، 99) ، وسير أعلام النبلاء: 4/ 562.
(5) هو صالح بن عبد الرحمن التميمي، كان عاملا على خراج العراق في عهد الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، وعزل في عهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
ينظر المعارف لابن قتيبة: 361، والكامل لابن الأثير: (4/ 588، 589) .
(6) ينظر هذا الخبر في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 286، وزاد المسير: (9/ 31، 32) ، وتفسير القرطبي: (19/ 219) .
(7) في قوله تعالى: وَعِنَباً وَقَضْباً [آية: 28] .
(8) أي: يقطع، وانظر هذا القول في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 514، والمفردات للراغب: 406، وتفسير القرطبي: 19/ 221، واللسان: 1/ 679 (قضب) .(2/865)
وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32) فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41)
30 غُلْباً: غلاظ الأشجار [ملتفة] «1» الأغصان.
و «الفاكهة» «2» : الثّمرة الرّطبة، و «الأبّ» : اليابسة لأنه يعدّ للشتاء «3» ، و «الأبّ» : الاستعداد «4» .
33 الصَّاخَّةُ: صيحة القيامة تصكّ الأسماع وتصخّها «5» .
37 شَأْنٌ يُغْنِيهِ: يكفيه ويشغله.
41 تَرْهَقُها قَتَرَةٌ: تغشاها ظلمة الدخان «6» .
[سورة التكوير]
1 كُوِّرَتْ: طويت «7» .
2 انْكَدَرَتْ: انقضت «8» .
6 سُجِّرَتْ: ملئت نارا «9» .
__________
(1) في الأصل: «متلفة» ، والتصويب من نسخة «ج» والمصادر التي أوردت هذا القول.
ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 238، وتفسير الطبري: 30/ 57، ومعاني الزجاج:
5/ 286، وتفسير الفخر الرازي: 31/ 63، وتفسير القرطبي: 19/ 222.
(2) في قوله تعالى: وَفاكِهَةً وَأَبًّا [آية: 31] .
(3) ذكر الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 404 عن بعض المتأخرين.
وأورده الفخر الرازي في تفسيره: 31/ 64 دون عزو.
(4) اللسان: 1/ 205 (أبب) .
(5) وهي الصيحة الثانية كما في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 515، وتفسير الطبري: 30/ 61، وتفسير البغوي: 4/ 449، وتفسير القرطبي: 19/ 224، وتفسير ابن كثير: 8/ 348.
(6) معاني القرآن للزجاج: 5/ 287، والمفردات للراغب: 393، وتفسير القرطبي:
19/ 226.
(7) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 287، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 516، وتفسير الطبري: 30/ 64، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 289. [.....]
(8) تفسير البغوي: 4/ 451، وتفسير القرطبي: 19/ 227، واللسان: 5/ 135 (كدر) .
(9) ينظر تفسير الطبري: 30/ 67، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 290، والمفردات للراغب:
224، واللسان: 4/ 345 (سجر) .(2/866)
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14) فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16)
7 زُوِّجَتْ: ضمّ الشّكل إلى شكله، الفاجر مع الفاجر/ والصّالح مع [105/ ب] الصّالح «1» . وقيل «2» : قرنت بجزائها وأعمالها.
8 الْمَوْؤُدَةُ: المثقلة بالتراب.
11 كُشِطَتْ: «الكشط» : النزع عن شدّة التزاق «3» .
15 بِالْخُنَّسِ: الخمسة السّيّارة «4» لأنّها تخنس في سيرها وتتردد، وربّما وقفت مدة أو رجعت القهقرى، ومعنى رجوعها: مسيرها إلى خلاف التوالي في أسافل التدوير، ومعنى وقوفها: إبطاؤها [في السير] «5» في حالتي الاستقامة والرجوع «6» .
16 الْجَوارِ الْكُنَّسِ: أي: تكنس وتستتر العلوي منها بالسّفلي عند
__________
(1) أخرج عبد الرازق نحو هذا القول في تفسيره: 2/ 351 عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكذا الطبري في تفسيره: 30/ 69، والحاكم في المستدرك: 2/ 603، كتاب التفسير: «تفسير سورة إذا الشمس كورت» ، قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 429، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في «البعث» ، وأبي نعيم عن عمر رضي الله تعالى عنه. واختار الطبري هذا القول وكذا ابن كثير في تفسيره: 8/ 355.
(2) ذكره الزجاج في معانيه: 5/ 290، والماوردي في تفسيره: 4/ 308، والبغوي في تفسيره:
4/ 452، ونقله الفخر الرازي في تفسيره: 31/ 70 عن الزجاج.
(3) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 516، وتفسير الطبري: 30/ 73، وتفسير المشكل لمكي: 377، وتفسير القرطبي: 19/ 235، واللسان: 7/ 378 (كشط) .
(4) وهي زحل، وعطارد، والمشتري، والمريخ، والزهرة.
ينظر هذا القول في معاني الفراء: 3/ 242، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 517، وتفسير الطبري: 30/ 74، وتفسير القرطبي: 19/ 236.
(5) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» و «ك» .
(6) راجع هذا المعنى في تفسير البغوي: 4/ 453، وزاد المسير: 9/ 42، وتفسير الفخر الرازي: 31/ 72، وتفسير القرطبي: 19/ 237.(2/867)
وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)
القرانات كما تستتر الظباء في الكناس «1» .
17 عَسْعَسَ: أظلم «2» .
18 وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ: يقال: تنفّس الصّبح عن ريحانة، وأنت في نفس من أمرك، أي: في سعة «3» .
وفي الحديث «4» : «الرّيح نفس الرّحمن» ، أي: تفرّج الكرب وتنشر الغيث «5» .
24 بظنين «6» : بمتّهم «7» . قال ابن سيرين «8» : لم يكن عليّ يظنّ في قتل عثمان، أي: يتّهم.
وبالضّاد: بخيل «9» ، أي: لا يبخل بأخبار السّماء كما يضنّ الكاهن رغبة في الحلوان.
__________
(1) معاني القرآن للفراء: 3/ 242، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 517، واللسان: 6/ 198 (كنس) .
(2) معاني الفراء: 3/ 242، وتفسير المشكل لمكي: 377، وتفسير الماوردي: 4/ 411، واللسان: 6/ 139 (عسس) .
(3) ينظر النهاية لابن الأثير: 5/ 93، واللسان: 6/ 237 (نفس) .
(4) أخرجه الحاكم في المستدرك: 2/ 272، كتاب التفسير، «من سورة البقرة» عن أبي بن كعب رضي الله عنه موقوفا، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(5) غريب الحديث لابن الجوزي: 2/ 425، والنهاية: 5/ 94.
(6) بالظاء، قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، والكسائي، وقرأ باقي السبعة بالضاد.
السبعة لابن مجاهد: 673، والتبصرة لمكي: 372، والتيسير للداني: 220. [.....]
(7) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 243، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 288، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 517، وتفسير الطبري: 30/ 81، ومعاني الزجاج: 5/ 293.
(8) هو محمد بن سيرين البصري الأنصاري، أبو بكر، الإمام التابعي الفقيه المفسر المحدث الثقة. توفي سنة 110 للهجرة.
ترجمته في الطبقات الكبرى لابن سعد: 7/ 193، والمعرفة والتاريخ: 2/ 54، وتقريب التهذيب: 483.
(9) ينظر معاني الفراء: 3/ 342، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 517، وتفسير الطبري:
30/ 81، ومعاني الزجاج: 5/ 293.(2/868)
وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5) يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)
[سورة الانفطار]
4 بُعْثِرَتْ: بحثت وثوّرت «1» .
7 فَعَدَلَكَ: معتدل البنية لا يفضل عضو في خاصّ وضعه على عضو.
8 فِي أَيِّ صُورَةٍ: في أيّ شبه من أب أو أم «2» .
[سورة المطففين]
3 وَإِذا كالُوهُمْ: كالوا لهم، ولكنّه لما تقدم «اكتال» عليه كان «كاله» أفصح «3» .
7 سِجِّينٍ: «فعّيل» من «السّجن» «4» ، وهو تحت الأرض السّابعة. عن ابن عباس «5» .
9 مَرْقُومٌ: [مكتوب] «6» كالرّقم في الحجر لا ينمحي «7» .
__________
(1) أي: قلبت وأخرج ما فيها من أهلها أحياء، كما في تفسير الطبري: 30/ 85، ومعاني الزجاج: 5/ 295، وتفسير البغوي: 4/ 455، وتفسير القرطبي: 19/ 244.
(2) هذا قول مجاهد كما في تفسير الطبري: 30/ 87، وتفسير الماوردي: 4/ 415، وتفسير ابن كثير: 8/ 365، والدر المنثور: 8/ 440.
(3) تفسير القرطبي: 19/ 252.
(4) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 289، وتفسير الطبري: 30/ 94، ومعاني الزجاج:
5/ 298، واللسان: 13/ 203 (سجن) .
(5) نقله القرطبي في تفسيره: 19/ 257، وعزاه- أيضا- إلى قتادة، وسعيد بن جبير، ومقاتل، وكعب.
وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 30/ 94 عن مجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 444، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد رحمه الله.
(6) في الأصل: «مكتوم» ، والمثبت في النص عن «ك» و «ج» .
(7) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 289، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 519، وتفسير القرطبي: 19/ 258.(2/869)
كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17) كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)
14 رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ: غلب وغطّى «1» . وفي حديث «2» عمر رضي الله عنه: «أصبح قد رين به» أي: أحاط بماله الدّين.
18 عِلِّيِّينَ: مراتب عالية، جمعت جمع العقلاء تفخيما، والواحد «علّيّ» وهي في السّماء السّابعة «3» .
26 خِتامُهُ مِسْكٌ: آخر طعمه «4» .
27 مِنْ تَسْنِيمٍ: عين عالية «5» تتسنّم منازل أهل الجنّة.
36 ثُوِّبَ: جوزي.
[سورة الانشقاق]
2 أَذِنَتْ: سمعت وأطاعت، وَحُقَّتْ: حقّ لها السّمع والطاعة «6» .
__________
(1) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 519، وتفسير الطبري: 30/ 97، وتفسير القرطبي:
30/ 260.
(2) أخرجه الإمام مالك في الموطأ: 2/ 770 كتاب الوصية، باب «جامع القضاء» وذكره الفراء في معانيه: 3/ 246، وأبو عبيد في غريب الحديث: 3/ 269، والزمخشري في الفائق:
2/ 184، وابن الجوزي في غريب الحديث: 1/ 427، وابن الأثير في النهاية: 2/ 290، والقرطبي في تفسيره: 19/ 360.
(3) ورد هذا القول في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 30/ 101 عن كعب، ومجاهد. ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 421 عن ابن زيد.
قال الطبري- رحمه الله-: «والصّواب أن يقال في ذلك كما قال جل ثناؤه: إن كتاب أعمال الأبرار لفي ارتفاع إلى حد قد علم الله جل وعز منتهاه، ولا علم عندنا بغايته، غير أن ذلك لا يقصر عن السماء السابعة، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك» .
(4) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 520، وتفسير المشكل لمكي: 379، وتفسير القرطبي: 19/ 265. [.....]
(5) تفسير الطبري: 30/ 108، وتفسير الماوردي: 4/ 422، واللسان: 12/ 307 (سنم) .
(6) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 249، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 521، وتفسير الطبري: 30/ 113، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 303.(2/870)
وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5) يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15) فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)
3 مُدَّتْ: بسطت وسوّيت باندكاك الجبال «1» .
6 كادِحٌ: ساع دؤوب «2» .
17 وَسَقَ: جمع «3» .
18 اتَّسَقَ: استوى «4» .
19 طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ: حالا عن حال «5» .
[سورة البروج]
«الشّاهد» «6» : الملك والرّسول، و «المشهود» /: الإنسان «7» . [106/ أ] و «الأخدود» «8» : شقّ في الأرض «9» . هبّت نار الأخدود إلى أصحابها
__________
(1) معاني القرآن للفراء: 3/ 250، وتفسير الطبري: 30/ 113، وتفسير القرطبي: 19/ 270.
(2) معاني القرآن للزجاج: 5/ 304، والمفردات للراغب: 426، واللسان: 2/ 569 (كدح) .
(3) معاني القرآن للفراء: 3/ 251، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 521، وتفسير الطبري:
30/ 119، وتفسير القرطبي: 19/ 276.
(4) ينظر تفسير الطبري: (30/ 121، 122) ، ومعاني الزجاج: 5/ 305، وتفسير القرطبي:
19/ 278.
(5) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 251، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 521، وأخرجه الطبري في تفسيره: (30/ 122، 123) عن ابن عباس، والحسن، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، والضحاك.
(6) في قوله تعالى: وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ [آية: 3] .
(7) في معنى «الشاهد» ، و «المشهود» اختلاف كثير، وقد ذكر الطبري- رحمه الله- في تفسيره: (30/ 128- 131) الأقوال التي وردت في ذلك، ثم عقّب عليها بقوله:
«والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله أقسم بشاهد شهد، ومشهود شهد، ولم يخبرنا مع إقسامه بذلك أيّ شاهد وأيّ مشهود أراد، وكل الذي ذكرنا أن العلماء قالوا:
هو المعنى مما يستحق أن يقال: «شاهد ومشهود» اه-.
(8) في قوله تعالى: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ [آية: 4] .
(9) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 522، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 307، واللسان:
3/ 161 (خدد) .(2/871)
فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)
القعود عليها فأحرقتهم «1» .
22 فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ عن أنس «2» : إنّه على التمثيل، أي: كأنّ القرآن لحفظ القلوب إياه في لوح محفوظ، وإلّا فإنّما يحتاج إليه من ينسى.
ويروى «3» : أنّ اللّوح شيء يلوح للملائكة فيعرفون به ما يلقى إليهم.
[سورة الطارق]
«الطّارق» : النّجم وهو هنا زحل «4» لأنّه يثقب السّماء السّبع نوره.
9 تُبْلَى السَّرائِرُ: تظهر الخفايا «5» .
16 وَأَكِيدُ كَيْداً: انقض كيدهم وأبطله وأجازيهم عليه.
17 فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ: كرر للتوكيد بتغيير المثال أولا وتبديل اللّفظ ثانيا «6» .
قيل «7» : وتقديرها: مهّل ثم أمهل ثم رويدا، أي: أرودهم رويدا، و «أرود» و «أمهل» بمعنى لتحسين اللّفظ.
رُوَيْداً: انظرهم قليلا، ولا يتكلم بها إلّا مصغّرة، وهو من رادت
__________
(1) ينظر خبر أصحاب الأخدود في تفسير الطبري: (30/ 132- 134) ، وتفسير البغوي:
4/ 467، وتفسير ابن كثير: 8/ 388.
(2) لم أقف على هذا القول المنسوب إلى أنس رضي الله تعالى عنه.
(3) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 431، عن بعض المفسرين، وكذا القرطبي في تفسيره:
19/ 299، وعزاه الفخر الرازي في تفسيره: 31/ 126، إلى بعض المتكلمين. [.....]
(4) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 432 عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير: 9/ 81، إلى علي بن أبي طالب، وابن عباس.
ونقله الفخر الرازي في تفسيره: 31/ 128 عن الفراء.
(5) ينظر تفسير الطبري: 30/ 146، وتفسير البغوي: 4/ 473.
(6) البحر المحيط: 8/ 456.
(7) ذكره الفخر الرازي في تفسيره: 31/ 134 عن أبي علي الفارسي، وانظر تفسير القرطبي:
20/ 12، والبحر المحيط: 8/ 453.(2/872)
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6)
الريح ترود رودا: تحركت حركة ضعيفة «1» .
[سورة الأعلى]
1 سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ: لا تسمّ أحدا باسمي «2» .
والغثاء «3» : ما يبس من النّبات فتحتمله الرّيح والماء «4» .
و «الأحوى» : الأسود «5» ، والنّبات إذا يبس اسودّ، ويجوز صفة ل الْمَرْعى أي: أخرجه أحوى لشدّة الخضرة ثمّ جعله غثاء «6» .
6 فَلا تَنْسى: سأل ابن كيسان «7» النّحوي جنيدا «8» الصّوفي عنه،
__________
(1) اللسان: 3/ 188 (رود) .
(2) أي: نزّه اسم ربك عن أن يسمى به أحد سواه.
ينظر تفسير الطبري: 30/ 152، وتفسير الماوردي: 4/ 437.
(3) من الآية: 5، قوله تعالى: فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى.
(4) تفسير الطبري: 30/ 153، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 315، والمفردات للراغب: 358، واللسان: 15/ 116 (غثا) .
(5) معاني القرآن للفراء: 3/ 256، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 524، وتفسير الطبري:
30/ 153، والمفردات للراغب: 140، واللسان: 14/ 207 (حوا) .
(6) ينظر معاني القرآن للزجاج: 5/ 315، وإعراب القرآن للنحاس: 5/ 204، وتفسير القرطبي: 20/ 17.
(7) ابن كيسان: (؟ - 299 هـ-) .
هو محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كيسان النحوي.
أخذ النحو عن محمد بن يزيد المبرد، وثعلب وغيرهما، صنف كتاب المذكر والمؤنث، والمقصور والممدود، والوقف والابتداء ... وغير ذلك.
أخباره في طبقات النحويين للزبيدي: 153، وإنباه الرواة: 3/ 57، وبغية الوعاة:
1/ 18.
(8) الجنيد: (؟ - 297 هـ-) .
هو الجنيد بن محمد الخزاز القواريري، الإمام الزاهد المعروف. صحب الحارث المحاسبي والسري السقطي ... وغيرهما، وصفه السبكي في طبقات الشافعية الكبرى:
2/ 260 بقوله: سيد الطائفة، ومقدم الجماعة، وإمام أهل الخرقة، وشيخ طريقة التصوف، وعلم الأولياء في زمانه، وبهلوان العارفين.
ينظر ترجمته أيضا في طبقات الصوفية: 155، وتاريخ بغداد: 7/ 241، وطبقات الأولياء: 126، وسير أعلام النبلاء: 14/ 66.(2/873)
فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)
فقال: لا تنسى العمل به. فقال: لا فضّ الله فاك، مثلك يصدّر «1» .
9 فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى التذكير: تكثير الإنذار وتكريره «2» ، ولا يجب إلّا فيمن ينفعه.
14 قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى: أي: زكاة الفطر «3» ، وتقدّم على صلاة العيد عملا بالآية.
[سورة الغاشية]
1 الْغاشِيَةِ: تغشى النّاس بأهوالها «4» .
3 ناصِبَةٌ: ذات نصب.
4 ناراً حامِيَةً: الحمى لازم. أو تحمي نفسها فلا يطفئها شيء.
و «الضّريع» «5» : شجرة شائكة «6» إذا أكلته الإبل هزلت، أو هو
__________
(1) ينظر هذا الخبر في تفسير القرطبي: 20/ 19.
(2) ينظر الكشاف: 4/ 244. [.....]
(3) ورد هذا القول في عدة آثار منها المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها الموقوف على أبي سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، ومنها المقطوع عن قتادة، وأبي العالية، وعطاء، ومحمد بن سيرين.
ينظر تفسير البغوي: 4/ 476، وسنن البيهقي: 4/ 159، كتاب الزكاة، «جماع أبواب زكاة الفطر» ، وتفسير ابن كثير: (8/ 403، 404) ، والدر المنثور: (8/ 485، 486) .
(4) وهي القيامة كما في تفسير غريب القرآن: 525، وتفسير الطبري: 30/ 159، وتفسير الماوردي: 4/ 442.
(5) في قوله تعالى: لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ [آية: 6] .
(6) هي الشّبرق كما في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 296، وتفسير غريب القرآن: 525، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 317.
وانظر تفسير القرطبي: 20/ 30، واللسان: 8/ 223 (ضرع) .(2/874)
لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11)
وصف من «الضّراعة» لا اسم، أي: ليس فيها طعام إلّا ما أعدّ للهوان، أو إذا طعموه تضرّعوا عنده.
11 لاغِيَةً: مصدر ك «اللّغو» ، أو وصف مصدر محذوف، أي: كلمة لاغية ذات لغو» .
[سورة الفجر]
1، 2 وَالْفَجْرِ: صلاة الفجر «2» ، وَلَيالٍ عَشْرٍ: / عشر ذي الحجة «3» . [106/ ب]
3 وَالشَّفْعِ: الخلق، وَالْوَتْرِ: الخالق «4» .
4 وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ: سأل المؤرّج «5» الأخفش عن سقوط الياء فقال:
__________
(1) ينظر معاني القرآن للأخفش: 2/ 737، وتفسير الطبري: 30/ 163، وإعراب القرآن للنحاس: 5/ 212، والكشاف: 4/ 247، والبحر المحيط: 8/ 463.
(2) أخرج الطبريّ هذا القول في تفسيره: 30/ 168 عن ابن عباس، وعكرمة.
(3) أخرج عبد الرزاق هذا القول في تفسيره: 2/ 369 عن مسروق، ومجاهد، وقتادة.
وأخرجه الطبري في تفسيره: (30/ 168، 169) عن ابن عباس، وعبد الله بن الزبير، ومسروق، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وابن زيد.
وأخرجه الحاكم في المستدرك: 2/ 552، كتاب التفسير، «تفسير سورة والفجر» عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، واختار الطبري هذا القول، وصححه ابن كثير في تفسيره: 8/ 413.
(4) أخرج الفراء هذا القول في معانيه: 3/ 259 عن عطاء، وأخرجه الطبري في تفسيره:
30/ 171 عن مجاهد، والحسن.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 503، وزاد نسبته إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(5) المؤرج: (؟ - 195 هـ-) .
هو مؤرج بن عمرو بن الحارث السدوسي الإمام اللغوي، النحوي، الشاعر، قيل: إن اسمه «مرثد» و «مؤرج» لقب له.
صنف كتاب جماهير القبائل، وغريب القرآن، والأنواء، والأمثال ... وغير ذلك.
وقد طبع الكتاب الأخير بتحقيق الدكتور رمضان عبد التواب.
أخباره في تاريخ بغداد: 13/ 258، وإنباه الرواة: 3/ 327، ووفيات الأعيان: 5/ 304، وبغية الوعاة: 2/ 305.(2/875)
هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)
لا، حتى تخدمني سنة. فسأله بعد سنة. فقال: أمّا الآن فاللّيل لا يسري وإنّما يسرى فيه، فقد عدل به عن معناه فوجب أن يعدل عن لفظه، كقوله «1» :
وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ولم يقل «بغية» لأنّه معدول عن «الباغية» «2» .
5 لِذِي حِجْرٍ: عقل «3» .
9 جابُوا الصَّخْرَ: قطعوها ونحتوها بيوتا.
14 إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ: لا يفوته شيء من أمور العباد.
19 أَكْلًا لَمًّا: قال الحسن «4» : أن يأكل نصيبه ونصيب صاحبه أو خادمه.
22 وَجاءَ رَبُّكَ: أمره وقضاؤه.
25 فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ: لا ينقل عذابه عنه إلى غيره فدية له.
27 يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ: أي: إلى الدّنيا «5» ، وقيل «6» :
المخبتة.
__________
(1) سورة مريم: آية: 28.
(2) ينظر خبر المؤرج والأخفش في تفسير القرطبي: 20/ 43، وببعض الاختلاف في تفسير البغوي: 4/ 482.
(3) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 260، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 297، وتفسير الطبري:
30/ 173، والمفردات للراغب: 109.
(4) أخرجه الطبري في تفسيره: 30/ 183، وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 509، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد عن الحسن رحمه الله تعالى.
(5) جاء بعده في تفسير الماوردي: 4/ 454: «ارجعي إلى ربك في تركها» ، ذكره عن بعض أصحاب الخواطر.
وأورده البغوي في تفسيره: 4/ 487، وابن الجوزي في زاد المسير: 9/ 124. [.....]
(6) أخرجه الطبري في تفسيره: 30/ 190 عن مجاهد، وأورده السيوطي في الدر المنثور:
8/ 515، وعزا إخراجه إلى الفريابي، وعبد بن حميد عن مجاهد رحمه الله.(2/876)
لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4)
[سورة البلد]
1 لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ: أي: وأنت مستحل الحرمة، فيكون واو وَأَنْتَ واو الحال «1» ، وهذا قبل الهجرة، ثم استأنف وأقسم بقوله:
وَوالِدٍ. أي: آدم، وَما وَلَدَ: ذريته «2» .
وقيل «3» : إنه إثبات القسم، والمعنى: وأنت حلال تصنع ما تشاء، كما روي أنه أحلّ له يوم الفتح «4» .
وقيل «5» : حِلٌّ: حالّ، أي: ساكن.
4 فِي كَبَدٍ: في شدائد «6» لو وكلناه إلى نفسه فيها لهلك.
__________
(1) قال أبو حيان في البحر المحيط: 8/ 474: «والإشارة لهذا البلد إلى مكة، وَأَنْتَ حِلٌّ جملة حالية تفيد تعظيم المقسم به، أي: فأنت مقيم به، وهذا هو الظاهر» .
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (30/ 195، 196) عن مجاهد، وقتادة، وأبي صالح، والضحاك.
وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره: 8/ 425، وزاد نسبته إلى سفيان الثوري، وسعيد بن جبير، والسّدّي، والحسن البصري، وخصيف، وشرحبيل بن سعد وغيرهم ثم قال: «وهذا الذي ذهب إليه مجاهد وأصحابه حسن قوي لأنه تعالى لما أقسم بأم القرى وهي المساكن أقسم بعده بالساكن، وهو آدم أبو البشر وولده» ، وتوقف الطبري في القول بتخصيص هذه الآية بآدم وذريته، فقال: «والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين قالوا: إن الله أقسم بكل والد وولده، لأن الله عم كل ذلك، ولا برهان يجب التسليم له بخصوصه، فهو على عمومه كما عمه» .
(3) وهو أصح الوجوه عند الماوردي في تفسيره: 4/ 456.
وانظر معاني القرآن للزجاج: 5/ 327، وزاد المسير: 9/ 126، وتفسير القرطبي:
20/ 59.
(4) ينظر صحيح البخاري: 1/ 35، كتاب العلم، باب «ليبلغ العلم الشاهد الغائب» ، وصحيح مسلم: 2/ 988، كتاب الحج، باب «تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها» .
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 456، والفخر الرازي في تفسيره: 31/ 180.
(6) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 299، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 528، وتفسير الطبري: 30/ 196، والمفردات للراغب: 420.(2/877)
يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)
6 لُبَداً: كثيرا، من «التلبّد» «1» .
10 وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ: طريقين في ارتفاع «2» ، وهما ثديا أمّه «3» .
وفي الحديث «4» : «إنّهما طريقا الخير والشّر» .
11 فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ: الاقتحام: الدخول السّريع، والعقبة: طريق النّجاة «5» .
وقيل «6» : الصراط. وقيل «7» : الهوى والشّيطان واقتحامها فك رقبة،
__________
(1) معاني القرآن للفراء: 3/ 463، ومجاز القرآن: 2/ 299، وتفسير الطبري: 30/ 198.
(2) مجاز القرآن: 2/ 299، والمفردات للراغب: 482، واللسان: 3/ 415 (نجد)
. (3) ذكر ابن قتيبة هذا القول في تفسير غريب القرآن: 528، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 30/ 201 عن ابن عباس.
ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 459 عن قتادة، والربيع بن خثيم.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 522، وعزا إخراجه إلى الفريابي، وعبد بن حميد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. كما عزا إخراجه إلى عبد بن حميد عن عكرمة، والضحاك.
(4) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره: 2/ 374 عن ابن مسعود رضي الله عنه، وكذا الطبري في تفسيره: 30/ 199، والحاكم في المستدرك: 2/ 523 كتاب التفسير، «تفسير سورة البلد» وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
وروي مرفوعا في رواية عبد الرزاق في تفسيره: 619 عن الحسن وأرسله وكذا أخرجه الطبري في تفسيره: 30/ 200 عن الحسن مرفوعا.
ورجح الطبري هذا القول.
(5) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 459 عن ابن زيد، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 9/ 134.
(6) نقله الماوردي في تفسيره: 4/ 459 عن الضحاك، ونقله البغوي في تفسيره: 4/ 489 عن الضحاك، ومجاهد، والكلبي.
وانظر زاد المسير: 9/ 134، وتفسير القرطبي: 20/ 67.
(7) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 459 عن الحسن، وكذا القرطبي في تفسيره: 20/ 67، وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 9/ 134 وقال: «ذكره علي بن أحمد النيسابوري في آخرين» . [.....](2/878)
أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)
ثم كان المقتحم من الذين آمنوا.
16 ذا مَتْرَبَةٍ: مطروحة على التراب «1» .
و «المسغبة» «2» : المجاعة «3» .
20 مُؤْصَدَةٌ: مطبقة.
[سورة الشمس]
2 وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها: ليلة إبداره «4» .
3 جَلَّاها: أبداها «5» ، أي: الظّلمة «6» . جلّى الشّيء فتجلّى، وجلّى ببصره: رمى به، وجلا لي الخبر: وضح «7» .
4 يَغْشاها: يسترها «8» ، أي: الشّمس.
5 وَما بَناها بمعنى المصدر، أي: وبنائها «9» ، أو ما بمعنى
__________
(1) كناية عن شدة الفقر كما في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 299، وتفسير الطبري:
30/ 204، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 330، واللسان: 1/ 229 (ترب) .
(2) في قوله تعالى: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ [آية: 14] .
(3) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 265، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 528، وتفسير الطبري: 30/ 203، والمفردات للراغب: 233.
(4) ينظر تفسير الماوردي: 4/ 462، وتفسير البغوي: 4/ 491، وزاد المسير: 9/ 138، والبحر المحيط: 8/ 478.
(5) في «ج» : كشفها.
(6) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 266، وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 529، وتفسير الطبري: 30/ 208، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 332.
(7) اللسان: 14/ 150 (جلا) .
(8) تفسير الماوردي: 4/ 463.
(9) هذا قول الزجاج في معانيه: 5/ 332، وانظر تفسير الماوردي: 4/ 463، وتفسير القرطبي: 20/ 74، والبحر المحيط: 8/ 478.(2/879)
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)
«الذي» أي: وبانيها «1» .
[207/ أ] 7 وَما سَوَّاها: أي: وربّ تسويتها «2» ، وكان من دعاء النّبي «3» صلى الله عليه وسلم/:
«اعط قلوبنا تقواها، زكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليّها ومولاها» .
10 دَسَّاها: أهلكها بالذنوب «4» ، أو دسّ نفسه في الصّالحين وليس منهم «5» .
أو أخفاها وأخملها من «الدّسيس» فكان «دسّسها» ، والعرب تقلب المضعّف إلى الياء تحسينا «6» للفظ.
14 فَدَمْدَمَ: أهلك واستأصل «7» ، و «الدمدمة» : تحريك البناء حتى ينقلب «8» .
فَسَوَّاها: سوّى بلادهم بالأرض.
15 وَلا يَخافُ عُقْباها: تبعة إهلاكهم.
[سورة الليل]
5 فَأَمَّا مَنْ أَعْطى: أي: حق الله، وَاتَّقى: محارمه.
__________
(1) اختاره الطبري في تفسيره: 30/ 209.
(2) ينظر تفسير الطبري: 30/ 210، وتفسير القرطبي: 20/ 75.
(3) أخرجه الإمام مسلم- رحمه الله تعالى- في صحيحه: 4/ 2088، حديث رقم (2723) كتاب الذكر والدعاء، باب «التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل» عن زيد بن أرقم رضي الله عنه مرفوعا.
(4) ذكره البغوي في تفسيره: 4/ 492.
(5) ذكره الفخر الرازي في تفسيره: 31/ 195 دون عزو، ونقله القرطبي في تفسيره: 20/ 77 عن ابن الأعرابي. [.....]
(6) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 267، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 300، وتفسير الطبري:
30/ 212، ومعاني الزجاج: 5/ 332، واللسان: 6/ 82 (دسس) .
(7) تفسير البغوي: 4/ 494، وزاد المسير: 9/ 143، وتفسير القرطبي: 20/ 79.
(8) اللسان: 12/ 209 (دمم) .(2/880)
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15)
6 بِالْحُسْنى: بالجنّة «1» .
7 فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى: نهيّئه، يسّرت الغنم: تهيأت للولادة «2» .
11 تَرَدَّى: مات فوقع في قبره، فالموت من الرّدى والوقوع في القبر من التردي «3» .
15 لا يَصْلاها أبو أمامة «4» : «لا يبقى أحد من هذه الأمّة إلّا أدخله الله الجنّة إلّا من شرد على الله كما يشرد البعير السّوء على أهله، فإن لم تصدقوني فاقرؤوا: لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
[سورة الضحى]
2 سَجى: سكن «5» .
__________
(1) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 531، وهو قول مجاهد كما في تفسير الطبري:
30/ 220، وتفسير البغوي: 4/ 495، وزاد المسير: 9/ 149، وتفسير القرطبي:
20/ 83.
(2) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 271، وانظر تفسير الطبري: 30/ 221، وتفسير البغوي:
4/ 495، واللسان: 5/ 295 (يسر) .
(3) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 531، وتفسير الطبري: 30/ 225، وتفسير الماوردي:
4/ 468، وزاد المسير: 9/ 151، وتفسير القرطبي: 20/ 85، واللسان: 14/ 316 (ردي) .
(4) هو أبو أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه، والخبر عنه والخبر عنه في المعجم الكبير للطبراني:
8/ 206، حديث رقم (7730) وحسن الهيثمي في مجمع الزوائد: 10/ 74 إسناد الطبراني.
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده: 5/ 258 مرفوعا بلفظ: «ألا كلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله شراد البعير على أهله» . قال الهيثمي في مجمع الزوائد: 10/ 74: رجاله رجال الصحيح غير علي بن خالد وهو ثقة. اه-.
وأخرجه- أيضا- الحاكم في المستدرك: (1/ 55، 56) كتاب الإيمان.
(5) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 302، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 531، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 9/ 156 عن عطاء، وعكرمة، وابن زيد. ورجح القرطبي هذا القول في تفسيره: 20/ 92.
وانظر تفسير الطبري: 30/ 229، والمفردات للراغب: 225، واللسان: 14/ 371 (سجا) .(2/881)
وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10)
وقيل «1» : أقبل.
7 ضَالًّا: لا تعرف الحق فهداك إليه «2» . وقيل «3» : ضائعا في قومك فهداهم إليك.
8 عائِلًا: ذا عيال «4» ، بل ضارعا للفقر «5» .
10 فَلا تَنْهَرْ: لا تجبهه بالرّدّ.
[سورة الشرح]
3 أَنْقَضَ ظَهْرَكَ: أثقله حتى سمع نقيضه «6» .
__________
(1) تفسير الطبري: 30/ 229، وتفسير الماوردي: 4/ 470، وزاد المسير: 9/ 156، وتفسير القرطبي: 20/ 92.
(2) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 4/ 472، عن ابن عيسى.
وأخرج الطبري نحوه عن السدي.
ينظر تفسيره: (30/ 232، 233) ، وعصمة الأنبياء للفخر الرازي: 121.
(3) ذكره الفخر الرازي في تفسيره: 31/ 217، والقرطبي في تفسيره: 20/ 97.
(4) هذا قول الأخفش كما في تفسير الماوردي: 4/ 473، وتفسير القرطبي: 20/ 99.
(5) وهو قول الجمهور كما في معاني القرآن للفراء: 3/ 274، ومجاز القرآن لأبي عبيدة:
2/ 302، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 531، وتفسير الطبري: 30/ 233، والمفردات للراغب: 354، وتفسير الفخر الرازي: 31/ 218.
قال النحاس في إعراب القرآن: 5/ 205: «وقد عال يعيل عيلة إذا افتقر، وأعال يعيل إذا كثر عياله، لا نعلم بين أهل اللغة فيه اختلافا» .
(6) أي: صوته كما في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 532، والمفردات للراغب: 504، وتفسير القرطبي: 20/ 106.
وفي اللسان: 7/ 244 (نقض) : «والأصل فيه أن الظهر إذا أثقله الحمل سمع له نقيض، أي: صوت خفي» . [.....](2/882)
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7)
4 وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ: فهو ذكره مع ذكر الله تعالى.
5 فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً: قال ابن مسعود «1» : «لن يغلب عسر يسرين» .
لأنّ النكرة إذا كرّرت فالثاني غير الأول «2» .
7 فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ: إذا فرغت من دعوة الخلق فاجتهد في عبادة الرّبّ.
[سورة التين]
1 وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ: جبلان «3» . وعن ابن عباس «4» : «هو تينكم وزيتونكم» .
2 سِينِينَ: الشّجرة الحسناء «5» ،............... .........
__________
(1) هكذا ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 476، والزمخشري في الكشاف: 4/ 267.
موقوفا على ابن مسعود رضي الله عنه.
وأورده الحافظ في الكافي الشاف: 185، وعزا إخراجه إلى عبد الرازق عن ابن مسعود.
وروى هذا الأثر مرفوعا في تفسير عبد الرزاق: 624، وتفسير الطبري: 30/ 236، والمستدرك للحاكم: 2/ 528، كتاب التفسير: «تفسير سورة ألم نشرح» .
(2) ينظر تفسير البغوي: 4/ 502، والكشاف: 4/ 267، وتفسير القرطبي: 20/ 107، والبحر المحيط: 8/ 488.
(3) ذكره الفراء في معاني القرآن: 3/ 276، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 532، والزجاج في معانيه: 5/ 343.
ونقله البغوي في تفسيره: 4/ 504، عن عكرمة، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 9/ 169.
(4) نقله الفراء في معانيه: 3/ 376، والبغوي في تفسيره: 4/ 504، وابن الجوزي في زاد المسير: 9/ 168، والقرطبي في تفسيره: 20/ 110.
وأخرج الحاكم في المستدرك: 2/ 528 كتاب التفسير، «تفسير سورة التين» ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «الفاكهة التي يأكلها الناس» . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. واختار الطبري هذا القول في تفسيره:
30/ 240.
(5) ينظر تفسير الماوردي: 4/ 479، وزاد المسير: 9/ 170، وتفسير القرطبي: 20/ 112، والبحر المحيط: 8/ 490.(2/883)
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)
والسّين: الحسن «1» ، وهي أقسام بمنازل الوحي.
4 فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ: أعدل خلق، وهي القامة المنتصبة وغيرها مكبة منكوسة.
5 أَسْفَلَ سافِلِينَ: في قراءة عبد الله «2» أسفل السّافلين، وهو ردّه إلى أرذل العمر «3» .
6 غَيْرُ مَمْنُونٍ: [غير] «4» منقوص «5» ، وهو كتابة ثواب الصّالحين بعد الوهن «6» .
[سورة العلق]
7 أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى: أن رأى نفسه، مثل: رأيتني وظننتني «7» .
[107/ ب] 15 لَنَسْفَعاً/ بِالنَّاصِيَةِ: يجرن بناصيته إلى النّار «8» . وقيل: معناه تسويد الوجه، والسّفعة: السّواد. وفي الحديث «9» : «أنا وسفعاء الخدين
__________
(1) بلغة الحبشة كما في تفسير القرطبي: 30/ 240، وتفسير الفخر الرازي: 32/ 10.
(2) هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، والقراءة منسوبة إليه في معاني القرآن للفراء:
3/ 277، والكشاف: 4/ 269، وتفسير القرطبي: 20/ 115، والبحر المحيط: 8/ 490.
(3) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 303، وتفسير الطبري: 30/ 244، وتفسير البغوي:
4/ 504.
(4) ما بين معقوفين عن «ج» .
(5) تفسير الطبري: 30/ 348، وتفسير الفخر الرازي: 32/ 11، والمفردات للراغب: 474.
(6) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 480.
(7) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 278، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 533، وتفسير البغوي: 4/ 507، والكشاف: 4/ 271.
(8) ذكره الزجاج في معانيه: 5/ 345، وقال: «يقال: سفعت بالشيء: إذا أقبضت عليه وجذبته جذبا شديدا» .
وانظر تفسير البغوي: 4/ 508، وزاد المسير: 9/ 179، واللسان: 8/ 158 (سفع) .
(9) أخرجه الإمام أحمد في مسنده: 6/ 29، وأبو داود في سننه: 5/ 356 حديث رقم (5145) .
كتاب الأدب، باب «في فضل من عال يتيما» عن عوف بن مالك الأشجعي مرفوعا. [.....](2/884)
نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17)
كهاتين» ، وضمّ إصبعيه، أي: التي بدّل بياض وجهها سوادا إقامة على ولدها بعد وفاة زوجها «1» .
16 ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ، المعنيّ [بها] «2» النّفس، وخص موضع النّاصية لأنّه أول ما يبدو من الوجه «3» ، كما قال تبارك وتعالى «4» : سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ، وكسرها على البدل، ويجوز بدل النكرة من المعرفة «5» .
17 فَلْيَدْعُ نادِيَهُ: أهل ناديه «6» .
و «الزّبانية» «7» : العظام الخلق، الشّداد البطش «8» . وفي حديث معاوية «9» : «ربّما زبنت النّاقة فكسرت أنف حالبها» .
[سورة القدر]
1 الْقَدْرِ: تقدير أمور السّنة «10» ، وأخفيت ليلته ليستكثر من العبادة
__________
(1) ينظر غريب الحديث لابن الجوزي: 1/ 484، والنهاية لابن الأثير: 2/ 374.
(2) في الأصل: «به» ، والمثبت في النص عن «ج» .
(3) تفسير الطبري: 30/ 255، وتفسير الماوردي: 4/ 486.
(4) سورة القلم: آية: 16.
(5) لأن النكرة هنا موصوفة.
ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 304، وإعراب القرآن للنحاس: 5/ 263، والكشاف:
4/ 272، والتبيان للعكبري: 2/ 1295.
(6) والنادي: المجلس، كما في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 533، وتفسير الطبري:
30/ 355، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 346، واللسان: 15/ 317 (ندي) .
(7) في قوله تعالى: سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ [آية: 18] .
(8) وهم ملائكة العذاب.
ينظر معاني القرآن للزجاج: 5/ 346، وتفسير الماوردي: 4/ 486، وتفسير ابن كثير: 8/ 460.
(9) أورده ابن الجوزي في غريب الحديث: 1/ 431، وابن الأثير في النهاية: 2/ 295.
قال ابن الأثير: يقال للناقة إذا كان من عادتها أن تدفع حالبها عن حلبها: زبون.
(10) ينظر تفسير الطبري: 30/ 258، وتفسير الماوردي: 4/ 490، وتفسير البغوي: 4/ 509.(2/885)
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
ولا يستند إلى واحدة.
3 خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ: خالية عنها «1» .
4 وَالرُّوحُ: أشرف الملائكة «2» .
مِنْ كُلِّ أَمْرٍ: أمر يقضى فيها.
5 سَلامٌ: أي: هي سلام الملائكة إلى أن يطلع الفجر «3» .
[سورة البينة]
1 مُنْفَكِّينَ: منتهين عن الشّرك.
3 قَيِّمَةٌ: قائمة على سنن الحق.
6 الْبَرِيَّةِ: «فعيلة» من «برأ الله الخلق» ، أو من «البرى» وهو التراب أو من بريت القلم: قدّرت قطعه «4» .
[سورة الزلزلة]
1 زِلْزالَها: غاية زلزلتها، أو بأجمعها «5» .
__________
(1) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 534، وأخرجه الطبري في تفسيره: 30/ 259 عن قتادة.
وانظر هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 5/ 347، وتفسير الماوردي: 4/ 491، وتفسير القرطبي: 20/ 131.
(2) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 4/ 491، عن مقاتل، وأكثر المفسرين على أنه جبريل عليه السلام.
ينظر زاد المسير: 9/ 193، وتفسير الفخر الرازي: 32/ 34، وتفسير القرطبي: 20/ 133.
(3) نقله الماوردي في تفسيره: 4/ 492 عن الكلبي، وذكره الفخر الرازي في تفسيره: 22/ 36 دون عزو.
(4) راجع ما سبق في تفسير الطبري: 30/ 264، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 350، وإعراب القرآن للنحاس: 5/ 274، والمفردات للراغب: 45، واللسان: 14/ 70 (برى) . [.....]
(5) ذكر الماوردي هذين القولين في تفسيره: 4/ 496.(2/886)
وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)
2 أَثْقالَها: من الموتى والكنوز «1» .
3 ما لَها: أيّ شيء حدث بها؟.
4 تُحَدِّثُ أَخْبارَها: تشهد بما عمل عليها من خير أو شر «2» .
5 بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها: أمرها أن تشهد.
6 أَشْتاتاً: فريقا إلى الجنّة وفريقا إلى النّار.
[سورة العاديات]
1 ضَبْحاً: تضبح ضبحا وهو حمحمتها عند العدو «3» .
2 فَالْمُورِياتِ: الخيل تورى النّار بسنابكها «4» . وقيل «5» : إنّها نيران الحروب والقرى.
__________
(1) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 283، وتفسير الطبري: 30/ 266، ومعاني الزجاج:
5/ 351، وتفسير البغوي: 4/ 515، وزاد المسير: 9/ 202.
(2) ورد هذا المعنى في أثر مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الإمام أحمد في مسنده: 2/ 374، والترمذي في سننه: 4/ 374 أبواب صفة القيامة، حديث رقم (2429) ، والنسائي في التفسير: 2/ 544، وأخرجه- أيضا- الحاكم في المستدرك: 2/ 533، وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 592، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في «شعب الإيمان» عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا.
وانظر تفسير الطبري: 30/ 267، وتفسير الماوردي: 4/ 497، وتفسير البغوي:
4/ 515، وتفسير ابن كثير: 8/ 481.
(3) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 284، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 535، وتفسير الطبري: 30/ 271.
وحممة الفرس: صوت أنفاسها.
(4) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 307، وأخرجه الطبري في تفسيره: 30/ 273 عن الكلبي، والضحاك، ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 500 عن عطاء، واختار الطبري هذا القول.
(5) ينظر هذا القول في تفسير الطبري: 30/ 274، وتفسير الماوردي: 4/ 501.(2/887)
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)
4 نَقْعاً: غبارا «1» .
ويقال «وسط الدار» «2» : إذا نزل وسطها، وكان عليه السّلام بعث سريّة إلى بني كنانة فأبطأت عليه، فأخبر بها في هذه السّورة «3» .
6 لَكَنُودٌ: يكفر اليسير ولا يشكر الكثير «4» ، أو ينسى كثير النّعمة لقليل المحنة «5» .
[108/ أ] وفي الحديث «6» : «الكنود: الكفور الذي يأكل وحده، ويضرب عبده/ ويمنع رفده «7» » .
[سورة القارعة]
4 كَالْفَراشِ: همج الطّير وخشاشها «8» .
__________
(1) معاني القرآن للفراء: 3/ 284، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 307، ومعاني الزجاج:
5/ 353، واللسان: 8/ 362 (نقع) .
(2) إشارة إلى قوله تعالى: فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً [آية: 5] .
(3) ينظر خبر هذه السرية في أسباب النزول للواحدي: 536، والدر المنثور: 8/ 600، وفتح القدير للشوكاني: 5/ 471.
(4) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 4/ 502.
(5) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 30/ 278 عن الحسن.
(6) أخرجه الطبري في تفسيره: 30/ 278 عن أبي أمامة مرفوعا.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 603، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي، وابن عساكر عن أبي أمامة مرفوعا.
وأورد الحافظ ابن كثير في تفسيره: 8/ 488، رواية ابن أبي حاتم وضعّف إسناده، لوجود جعفر بن الزبير فيه.
(7) الرّفد: بكسر الراء: العطاء والصلة.
اللسان: 3/ 181 (رفد) .
(8) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 286، وذكره الطبري في تفسيره: 30/ 281، والزجاج في معانيه: 5/ 355، ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 504 عن الفراء، وكذا البغوي في تفسيره: 4/ 519، وابن الجوزي في زاد المسير: 9/ 213. [.....](2/888)
فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)
و «العهن» «1» : الصّوف بألوانه «2» ، و «المنفوش» : المندوف «3» .
9 فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ: يهوي على أمّ رأسه «4» . وقيل «5» : الهاوية جهنّم، فهو يأوي إليها كما يأوي الولد إلى أمّه.
[سورة التكاثر]
3 كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ: في القبر، ثُمَّ كَلَّا: في البعث «6» .
6 لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ: في الموقف، ثُمَّ لَتَرَوُنَّها: بالملابسة والدخول «7» .
8 ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ، نزلت والصّحابة في جهد من العيش فقالوا: يا رسول الله كيف نسأل عن النّعيم؟ وإنّما نأكل الشّعير في نصف بطوننا ونلبس الصوف مثل الضأن. فقال: «شرب الماء البارد، وحذو النّعال، وظل الجدر» «8» .
__________
(1) في قوله تعالى: وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [آية: 5] .
(2) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 309، وتفسير الطبري: 30/ 281، ومعاني الزجاج:
5/ 355، واللسان: 13/ 297 (عهن) .
(3) أي: المطروق كما في اللسان: 9/ 325 (ندف) .
وانظر تفسير البغوي: 4/ 519، وزاد المسير: 9/ 214.
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (30/ 282، 283) عن أبي صالح، وقتادة، ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 506 عن عكرمة.
(5) أخرجه الطبري في تفسيره: 30/ 283 عن ابن عباس، وابن زيد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 505 عن ابن زيد.
ونسبه ابن الجوزي في زاد المسير: 9/ 215، إلى ابن زيد، والفراء، وابن قتيبة، والزجاج.
(6) ينظر تفسير الطبري: 30/ 284، وتفسير الماوردي: 4/ 508، وتفسير القرطبي:
20/ 172.
(7) تفسير الماوردي: 4/ 508، وتفسير القرطبي: 20/ 174.
(8) أورد- نحوه- السيوطي في الدر المنثور: 8/ 613، وعزا إخراجه إلى عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن عكرمة.
وذكر الطبري في تفسيره: 30/ 289 عدة أقوال في المراد ب- «النعيم» -، وعقب عليها بقوله: «والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر أنه سائل هؤلاء القوم، عن النعيم، ولم يخصص في خبره أنه سائلهم عن نوع من النعيم دون نوع، بل عم بالخبر في ذلك عن الجميع، فهو سائلهم كما قال عن جميع النعيم، لا عن بعض دون بعض» .(2/889)
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
[سورة العصر]
1 وَالْعَصْرِ: الدهر «1» . وقيل «2» : ما بعد الظّهر لأنه وقت اختتام الأعمال وانصرام النّهار.
2 لَفِي خُسْرٍ: لفي نقصان «3» .
3 إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا: فإن الله يوفّي أجورهم في حال نقص قواهم.
[سورة الهمزة]
«الهمزة» «4» : الهمز باليد والعين، واللّمز باللّسان «5» . وقيل «6» : الهمز في الوجه واللّمز في القفا.
__________
(1) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 289، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 538، وأخرجه الطبري في تفسيره: 30/ 289 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 510، عن ابن عباس وزيد بن أسلم ورجح الطبري هذا القول.
(2) نقله الماوردي في تفسيره: 4/ 510 عن الحسن، وقتادة، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 9/ 224، والقرطبي في تفسيره: 20/ 179.
(3) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 310، وغريب القرآن لليزيدي: 440، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 538، والمفردات للراغب: 147.
(4) في قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [آية: 1] .
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (30/ 292، 293) عن مجاهد، وابن زيد.
(6) أخرجه الطبري في تفسيره: 30/ 292، عن أبي العالية، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير:
9/ 227 عن الحسن، وعطاء بن أبي رباح، وأبي العالية، وكذا القرطبي في تفسيره:
20/ 181. [.....](2/890)
الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)
2 وَعَدَّدَهُ: للدهور من غير أداء حق الله تعالى «1» .
4 الْحُطَمَةِ: كثير الحطم، وهو الأكل هنا «2» ، وفي الحديث «3» : «شر الرعاء الحطمة» وهو العنيف بالمال.
9 فِي عَمَدٍ: أي: بعمد «4» .
أوصدت «5» وأغلقت.
[سورة الفيل]
1 «أصحاب الفيل» «6» : قوم من الحبشة رئيسهم أبرهة «7» .
2 فِي تَضْلِيلٍ: عمّا قصدوا له.
3 أَبابِيلَ: جماعات «8» ، واحدها: «إبّول» «9» ، والإبل المؤبلة:
__________
(1) ينظر تفسير الطبري: 30/ 293، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 361، وزاد المسير:
9/ 229.
(2) تفسير البغوي: 4/ 524، والكشاف: 4/ 284، واللسان: 12/ 138 (حطم) .
(3) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: 3/ 1461 حديث رقم (1830) كتاب الإمارة، باب «فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر ... » عن عبيد الله بن زياد مرفوعا.
وانظر غريب الحديث لابن قتيبة: (1/ 587، 588) ، والنهاية لابن الأثير: 1/ 402.
(4) فالفاء هنا بمعنى الباء كما في تفسير الطبري: 30/ 295، وزاد المسير: 9/ 230، وتفسير القرطبي: 20/ 185.
(5) إشارة إلى قوله تعالى: إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ [آية: 8] .
(6) إشارة إلى قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ [آية: 1] .
(7) ينظر خبر أبرهة وجيشه وهلاكهم في السيرة لابن هشام: (1/ 52- 54) ، وتفسير الطبري:
(30/ 300- 304) ، وتفسير ابن كثير: (8/ 504- 506) .
(8) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 312، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 539، ومعاني الزجاج: 5/ 363، واللسان: 11/ 6 (أبل) .
(9) وقيل: «إبّالة» ، وقيل: «إيبالة» ، وقيل: «إبّيل» ، وقيل: «إبّال» ، وقيل: لا واحد لها.
ينظر معاني الفراء: 3/ 292، وتفسير الطبري: 30/ 296، ومعاني الزجاج: 5/ 364، وتفسير المشكل لمكي: 397.
وقال النحاس في إعراب القرآن: 5/ 292: «وأصح ما قيل في واحد «الأبابيل» ما قاله محمد بن يزيد قال: واحدها «إبّيل» ك «سكين» وسكاكين.(2/891)
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1)
الكثيرة «1» .
[قالت] «2» عائشة رضي الله عنها: رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان» «3» .
[سورة قريش]
1 لِإِيلافِ قُرَيْشٍ: ليؤلف قريشا وإنّما أمكنتهم الرحلتان لعزّ البيت «4» .
[سورة الماعون]
1 يُكَذِّبُ بِالدِّينِ: بالجزاء.
2 يَدُعُّ الْيَتِيمَ: يدفعه عن حقه «5» .
7 الْماعُونَ: الزّكاة «6» . فاعول من «المعن» الشّيء
__________
(1) ينظر تفسير القرطبي: 20/ 198، واللسان: 11/ 4 (أبل) .
(2) ما بين معقوفين عن «ك» و «ج» .
(3) أخرجه ابن إسحاق كما في السيرة لابن هشام: 1/ 57، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد:
3/ 288 وقال: رواه البزار ورجاله ثقات، وأورده- أيضا- السيوطي الدر المنثور:
8/ 633، وزاد نسبته إلى الواقدي، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
(4) ينظر هذا المعنى في تفسير الطبري: 30/ 306، وتفسير الماوردي: 4/ 523، وتفسير البغوي: 4/ 529، وتفسير القرطبي: 20/ 201.
(5) معاني القرآن للفراء: 3/ 294، وتفسير الطبري: 30/ 310، ومعاني القرآن للزجاج:
5/ 367. [.....]
(6) روى هذا القول عن جماعة من الصحابة والتابعين كما في تفسير القرطبي: (30/ 314- 316) ، وتفسير الماوردي: 4/ 530، وتفسير البغوي: 4/ 532، وتفسير ابن كثير:
8/ 516، والدر المنثور: (8/ 644، 645) .
وقيل: المراد ب «الماعون» : الطاعة، وقيل: المعروف، وقيل: المال ... وغير ذلك وعقّب الطبري- رحمه الله- على الأقوال التي وردت فيه بقوله: «وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ... أن يقال: إن الله وصفهم بأنهم يمنعون ما يتعاورونه بينهم، ويمنعون أهل الحاجة والمسكنة ما أوجب الله لهم في أموالهم من الحقوق لأن كل ذلك من المنافع التي ينتفع بها الناس بعضهم من بعض» .(2/892)
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)
القليل «1» .
وعن عكرمة «2» : رأس الماعون زكاة مالك، وأدناه المنخل والإبرة والدلو تعيره.
[سورة الكوثر]
1 الْكَوْثَرَ: «فوعل» من الكثرة «3» . ك «الجوهر» من الجهر.
2 وَانْحَرْ: استقبل القبلة بنحرك «4» . وقيل «5» : هو الاستواء جالسا
__________
(1) تفسير الفخر الرازي: (32/ 115، 116) ، وتفسير القرطبي: 20/ 214، واللسان:
13/ 409 (معن) .
(2) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره: 8/ 518، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن عكرمة، وكذا السيوطي في الدر المنثور: 8/ 645.
(3) نص هذا القول في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 541، وذكره- أيضا- النحاس في إعراب القرآن: 5/ 298، والزمخشري في الكشاف: 4/ 290.
وثبت في الصحيح أنه نهر في الجنة كما في صحيح البخاري: 6/ 92، كتاب التفسير، تفسير سورة الكوثر، وصحيح مسلم: 1/ 300 حديث رقم (400) كتاب الصلاة، باب «حجة من قال: البسملة آية من كل سورة سوى براءة» .
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 8/ 523: «أي: كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة، ومن ذلك النهر» .
(4) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 296، وذكره الطبري في تفسيره: 3/ 328، عن بعض أهل العربية.
ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 532 عن أبي الأحوص.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 651، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن أبي الأحوص.
(5) نقله القرطبي في تفسيره: (20/ 219، 220) عن عطاء.
وقول عامة المفسرين أن المراد هو نحر البدن، كما في تفسير الفخر الرازي: 32/ 129، والبحر المحيط: 8/ 520.
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 8/ 524: «والصحيح ... أن المراد بالنحر ذبح المناسك، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد ثم ينحر نسكه ... » .(2/893)
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
بين السّجدتين حتى يستوي نحرك.
3 شانِئَكَ: العاص «1» بن وائل.
[108/ ب] هُوَ الْأَبْتَرُ: المقطوع عن كلّ/ خير «2» .
[سورة الكافرون]
6 لَكُمْ دِينُكُمْ: حين قالوا: نتداول العبادة، تعبد آلهتنا ونعبد إلهك.
وهو على الإنكار «3» ، كقوله «4» : اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ، وليس في السّورة تكرير معنى، وأَعْبُدُ، أحدهما للحال، والثاني للاستقبال «5» .
وسورتا الكافرين والإخلاص المقشقشتان لأنهما تبريان من النّفاق والشّرك «6» ، وتقشقش المريض من علته: أفاق «7» .
__________
(1) كما في تفسير الطبري: 30/ 329، وأسباب النزول للواحدي: 541.
والتعريف والإعلام للسهيلي: 187، والدر المنثور: 8/ 652.
قال السيوطي: «والمشهور أنها نزلت في العاصي بن وائل» .
(2) ينظر معاني القرآن للزجاج: 5/ 370، وتفسير الماوردي: 4/ 532، واللسان: 4/ 37 (بتر) .
(3) ينظر تفسير الماوردي: 4/ 534، وتفسير الفخر الرازي: 32/ 147، وتفسير القرطبي:
20/ 229.
(4) سورة فصلت: آية: 40.
(5) معاني القرآن للزجاج: 5/ 371، وتفسير الماوردي: 4/ 533، والبحر المحيط: 8/ 521.
(6) تفسير الماوردي: 4/ 534، وتفسير الفخر الرازي: 32/ 136، وتفسير القرطبي:
2/ 225.
(7) اللسان: 6/ 337 (قشش) .(2/894)
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)
[سورة النصر]
2 أَفْواجاً: زمرا، أمّة بعد أمّة «1» .
3 وَاسْتَغْفِرْهُ: في ترك بعض ما لزمك من شكر نعمة الفتح «2» .
[سورة المسد]
1 تَبَّتْ: خابت وخسرت «3» والإضافة إلى اليد لأنّ العمل باليد.
وَتَبَّ: أي: وقد تب، فالأول دعاء والثاني خبر «4» .
4 حَمَّالَةَ الْحَطَبِ: تمشي بالنّمائم فتشعل بين النّاس نار العداوة «5» .
5 مِنْ مَسَدٍ: مسدت وفتلت «6» .
__________
(1) ينظر تفسير الطبري: 30/ 333، وتفسير البغوي: 4/ 541، والمفردات للراغب: 386، وتفسير القرطبي: 20/ 386، واللسان: 2/ 350 (فوج) . [.....]
(2) ذكره الفخر الرازي في تفسيره: 32/ 162، وذكر أيضا وجوها أخرى في الجواب عما يرد على هذه الآية من شبه.
(3) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 298، وتفسير الطبري: 30/ 336، ومعاني الزجاج:
5/ 375، والمفردات للراغب: 72.
(4) نص هذا القول في معاني الفراء: 3/ 298، وانظر إعراب القرآن للنحاس: 5/ 305، وتفسير القرطبي: 20/ 236.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 30/ 339، عن مجاهد، وقتادة، وعكرمة.
وقيل: إنها كانت تحمل الشوك فتطرحه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أولى الأقوال عند الطبري بالصواب.
(6) كذا في الأصل، وفي «ج» : مسد وفتل.
وفي معاني القرآن للفراء: 3/ 299: «ويقال: (من مسد) هو ليف المقل» .
وفي اللسان: 3/ 402 (مسد) عن ابن سيده قال: «المسد: حبل من ليف أو خوص أو شعر أو وبر أو صوف أو جلود الإبل ... » .
وحبل من مسد أي: حبل مسد أي مد، أي فتل فلوي، أي أنها تسلك في النار، أي في سلسلة ممسود، وانظر تفسير الطبري: 30/ 340، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 376.(2/895)
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)
[سورة الإخلاص]
1 قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ: أَحَدٌ ليس بنعت بل ابتداء بيان «1» كقوله «2» :
إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ، وأَحَدٌ أبلغ من واحِدٌ لأنّه لا يدخل في العدد، وإذا قلت: لا يقاومه واحد يجوز أن يقاومه اثنان «3» .
والصَّمَدُ: السيّد يصمد إليه في الحوائج «4» .
وانتصاب كُفُواً على خبر يَكُنْ قدّم على الاسم وهو أَحَدٌ.
[سورة الفلق]
1 الْفَلَقِ: الخلق كلهم «5» ، وقيل «6» : الْفَلَقِ: الصبح.
__________
(1) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 299، وتفسير الطبري: 30/ 343، ومعاني الزجاج:
5/ 377، وإعراب القرآن للنحاس: 5/ 308.
(2) سورة النساء: آية: 171.
(3) عن تفسير الماوردي: 4/ 545، وقال مكي في مشكل إعراب القرآن: 2/ 853: «وفي أَحَدٌ فائدة ليست في (واحد) لأنك إذا قلت: لا يقوم لزيد واحد، جاز أن يقوم له اثنان فأكثر، وإذا قلت: لا يقوم له أحد، نفيت الكل، وهذا إنما يكون في النفي خاصة، فأما في الإيجاب فلا يكون فيه ذلك المعنى.
وأَحَدٌ إذا كان بمعنى «واحد» وقع في الإيجاب، تقول: مرّ بنا أحد، أي: واحد، فكذا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، أي: «واحد» اه-.
(4) هذا قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 542، ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 546 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وانظر المفردات للراغب: 286، وزاد المسير: 9/ 368، وتفسير القرطبي: 20/ 254.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 30/ 351 عن ابن عباس رضي الله عنهما، ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 548 عن الضحاك.
وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 9/ 273، وقال: «رواه الوالبي عن ابن عباس، وكذلك قال الضحاك» .
(6) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 301، وأبي عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 317، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 543، واختاره الطبري في تفسيره: 30/ 351.(2/896)
وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)
3 غاسِقٍ إِذا وَقَبَ: القمر دخل في الكسوف «1» .
4 النَّفَّاثاتِ: السّواحر «2» .
[سورة الناس]
1 بِرَبِّ النَّاسِ: حافظهم وملكهم يملك أمرهم. وإلههم لا يحق لعبادتهم غيره.
4 الْوَسْواسِ: حديث النّفس بالصّوت الخفي وهو الموسوس هنا، سمّي باسم المصدر.
الْخَنَّاسِ: الشّيطان لأنّه يخنس عند ذكر الله «3» .
__________
(1) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 543.
ونقله الفخر الرازي في تفسيره: 32/ 194 عن ابن قتيبة، وكذا القرطبي في تفسيره:
2/ 257، وأبو حيان في البحر المحيط: 8/ 531.
(2) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 301، وتفسير الطبري: 30/ 353، وتفسير ابن كثير:
8/ 555.
(3) أي ينقبض ويتأخر.
ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 302، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 543، وتفسير الطبري: 30/ 355، ومعاني الزجاج: 5/ 381، وتفسير الماوردي: 4/ 552، واللسان:
6/ 71 (خنس) . [.....](2/897)
تم كتاب إيجاز البيان عن معاني القرآن بحمد الله ومنه والصلاة على محمد وآله الطاهرين أجمعين وسلم تسليما كثيرا «1»
__________
(1) جاء في آخر «ج» ما يلي: تم الكتاب بعون القادر الوهاب على جارحة أقل خلق الله محمد بن فضل الله الملقب بالضياء أحسن الله عواقبه وبصره بعيوب نفسه ثالث آخر الربيعين سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، حامدا ومصليا.(2/898)
الفهارس
فهرس الآيات.
فهرس الأحاديث المرفوعة والموقوفة.
فهرس الآثار المقطوعة.
فهرس الأعلام.
فهرس المفردات اللغوية.
فهرس المواضع.
فهرس الأمثال والأقوال.
فهرس الأشعار.
فهرس الجماعات والقبائل والفرق.
فهرس المصادر والمراجع.
فهرس الموضوعات.(2/899)
فهرس الآيات القرآنية
الآية/ السورة/ رقم الآية/ الصفحة
إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ/ البقرة/ 14/ 258
وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً/ البقرة/ 25/ 181
إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً/ البقرة/ 30/ 717
فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ/ البقرة/ 97/ 771
مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ/ البقرة/ 98/ 791
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ/ البقرة/ 106/ 83
يَأْتِينَكَ سَعْياً/ البقرة/ 260/ 334
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ/ آل عمران/ 21/ 697
مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ/ آل عمران/ 52/ 103
رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا/ آل عمران/ 194/ 609
فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ/ النساء/ 3/ 427
نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى/ النساء/ 115/ 312
وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ/ النساء 129/ 225
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا/ النساء/ 136/ 147
إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ/ النساء/ 171/ 896
ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ/ المائدة/ 71/ 557
وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ/ المائدة/ 59/ 749(2/901)
الآية/ السورة/ رقم الآية/ الصفحة
وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ/ الأنعام/ 61/ 484
تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا/ الأنعام/ 61/ 298
تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً/ الأنعام/ 63/ 340
وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ/ الأنعام/ 69/ 849
وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ/ الأنعام/ 70/ 165
وَهذا لِشُرَكائِنا/ الأنعام/ 136/ 485
رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا/ الأعراف/ 23/ 87
لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ/ الأعراف/ 154/ 197
لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ/ الأعراف/ 187/ 350
يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً/ الأنفال/ 29/ 94
إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً/ الأنفال 32/ 837
وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ/ الأنفال/ 42/ 856
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ/ التوبة/ 2/ 826
إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ/ التوبة/ 39/ 395
يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ/ التوبة/ 47/ 199
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ/ التوبة/ 111/ 750
مِنْ سِجِّيلٍ/ هود/ 82/ 766
ما لَكَ لا تَأْمَنَّا/ يوسف/ 11/ 521
إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ/ يوسف/ 66/ 108
قُلْ هذِهِ سَبِيلِي/ يوسف/ 108/ 297
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ/ الرعد/ 28/ 572
ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا/ الحجر/ 3/ 301
يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ/ الحجر/ 6/ 582
وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ... أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ/ الحجر/ 66/ 495
لَبِإِمامٍ مُبِينٍ/ الحجر/ 79/ 471(2/902)
الآية/ السورة/ رقم الآية/ الصفحة
وْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ
/ النحل/ 33/ 148
وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى / النحل/ 60/ 446
فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ/ النحل/ 74/ 485
وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا/ الإسراء/ 11/ 558
وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ/ الإسراء/ 60/ 494
مُدْخَلَ صِدْقٍ/ الإسراء/ 80/ 524
لِيُنْذِرَ بَأْساً/ الكهف/ 2/ 220
وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ/ الكهف/ 22/ 388
فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ/ الكهف/ 29/ 652
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ/ الكهف/ 42/ 109
تَذْرُوهُ الرِّياحُ/ الكهف/ 45/ 188
ما كُنَّا نَبْغِ/ الكهف/ 64/ 259
وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا/ مريم/ 28/ 876
وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ/ طه/ 17/ 111
فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً/ طه/ 40/ 844
مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ/ طه/ 55/ 328
فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ/ طه/ 62/ 536
وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ/ الأنبياء/ 57/ 702
فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ/ الحج/ 30/ 200
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ/ النور/ 25/ 378
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ/ النور/ 45/ 81
حِجْراً مَحْجُوراً/ الفرقان/ 22/ 535
وَأَحْسَنُ مَقِيلًا/ الفرقان/ 24/ 321
وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً/ الفرقان/ 55/ 423
أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ/ الفرقان/ 75/ 617(2/903)
الآية/ السورة/ رقم الآية/ الصفحة
وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي/ الشعراء/ 82/ 91
وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ/ الشعراء/ 186/ 551
يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ/ النمل 18/ 430
رَدِفَ لَكُمْ/ النمل/ 72/ 384
يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ/ القصص/ 4/ 108
بَطِرَتْ مَعِيشَتَها/ القصص/ 58/ 123
إِنَّ فِيها لُوطاً/ العنكبوت/ 32/ 418
خَلْقُ اللَّهِ/ لقمان/ 11/ 340
أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ/ السجدة/ 10/ 504
يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ/ السجدة/ 11/ 298
يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ/ الأحزاب/ 57/ 68
وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ/ سبأ/ 19/ 526
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ/ فاطر/ 36/ 685
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ/ الصافات/ 50/ 593
إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي/ الصافات/ 99/ 193
وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ/ الصافات/ 147/ 107
لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ/ ص/ 75/ 108
فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ/ الزمر/ 22/ 69
وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ/ الزمر/ 29/ 119
عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ/ الزمر/ 31/ 475
فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ/ الزمر/ 68/ 97
وَفُتِحَتْ أَبْوابُها/ الزمر/ 73/ 388
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ/ الزمر/ 74/ 677
رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ/ غافر/ 8/ 609
يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ/ غافر/ 15/ 478(2/904)
الآية/ السورة/ رقم الآية/ الصفحة
أَسْبابَ السَّماواتِ/ غافر/ 37/ 530
اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ/ فصلت/ 40/ 894
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ/ الشورى/ 11/ 181
فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ/ الشورى/ 30/ 694
إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ/ الزخرف/ 57/ 363
وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً/ الدخان/ 24/ 438
أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ/ الأحقاف/ 31/ 441
أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ/ محمد/ 1/ 504
حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ/ محمد/ 31/ 663
وَحَبَّ الْحَصِيدِ/ ق/ 9/ 448
أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ/ ق/ 37/ 199
يُنادِ الْمُنادِ/ ق/ 41/ 259
عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ/ الذاريات/ 13/ 277
فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ/ الذاريات/ 39/ 509
نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ/ الطور/ 30/ 804
قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى / النجم/ 9/ 107
وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى / النجم/ 20/ 581
يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ/ القمر/ 6/ 259
لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ/ الرحمن/ 39/ 475
يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ/ الرحمن/ 44/ 700
لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ/ الواقعة/ 95/ 304
لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ/ الحشر/ 12/ 117
مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ/ الصف/ 14/ 103
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ/ الجمعة/ 3/ 149
وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ/ الطلاق/ 7/ 563(2/905)
الآية/ السورة/ رقم الآية/ الصفحة
سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ/ القلم/ 16/ 885
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ/ القلم/ 48/ 563
إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ/ الحاقة/ 20/ 669
ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ/ الحاقة/ 28/ 669
سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً، وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً/ نوح/ 15، 16/ 787
يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
القيامة/ 13/ 687
هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ/ المرسلات/ 35/ 475
وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ/ النبأ/ 14/ 439
عَطاءً حِساباً/ النبأ/ 36/ 148
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها/ النازعات / 30/ 79
لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ/ الطارق/ 4/ 426
يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ/ الطارق/ 9/ 399
يَتَجَنَّبُهَا / الأعلى/ 11/ 116
سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ/ العلق/ 18/ 259(2/906)
فهرس الأحاديث والآثار
أولا: الأحاديث المرفوعة والموقوفة
الأحاديث المرفوعة والموقوفة الصفحة
1- «أبدل بكل شيء ذهب له ضعفين» 562
2- «أبو بكر رضي الله عنه سلم من الدنيا وسلمت منه ... » 278
3- «أتضارون في رؤية الشّمس في غير سحابة؟» 853
4- «أتي بشاة مصلية» 228
5- «أجمع آية في القرآن لخير وشر إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ» 490
6- «أخرج الله من ظهر آدم ذريته، وأراه إياهم كهيئة الذّر ... » 346
7- «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب» 65
8- «إذا طفتم بالبيت فلا تلغوا ولا تهجروا» 591
9- «أذهب الشبهات عنها» 756
10- «اسكت مقبوحا منبوحا» 643
11- «أشدّ الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون خلق الله» 377
12- «اعذبوا عن ذكر النساء فإن ذلك يكسركم عن الغزو» 68
13- «اعط قلوبنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها» 880
14- «اقتلوا القاتل واصبروا الصابر» 91
15- «اقرأ الآي العشر في سورة المؤمنون فذلك خلقه» 828
16- «اقرؤا القرآن ولا تهذوه هذّ الشعر» 845
17- «الآن حمي الوطيس» 411
18- «اللهم إن كتبت عليّ إثما أو ضغثا فامحه عني فإنك تمحو ما تشاء» 437
19- «اللهم أيده بروح القدس» 627(2/907)
الأحاديث المرفوعة والموقوفة الصفحة
20- «اللهم غبطا لا هبطا» 88
21- «اللهمّ لا ترني زمانا لا يتّبع فيه العليم» 76
22- «اللهمّ لا تكلني إلى نفسي طرفة عين» 507
23- «أنا أحقّ بالشّك منه» 168
24- «أنا الله أعلم وأفصل» 319
25- «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، فأيّما رجل توفي وترك دينا أو ضيعة فإلي..» 667
26- «أناجيلهم في صدورهم وقرابينهم من نفوسهم» 652
27- «أنا من القليل الذي استثنى الله» 516
28- «إنا نشمّ منك ريح المغافير» 822
29- «أنا وسفعاء الخدين كهاتين» 882
30- «أنت خليفة رسول الله، فقال: لا أنا الخالفة بعده» 80
31- «إنكن صواحبات يوسف» 855
32- «إنما أنت فينا رجل واحد ... » 667
33- «أن إبليس كان ملكا» 84
34- «إنّ أهل الجنة ليرون أهل عليين كما يرى النجم في السماء» 217
35- «أن جنّة العدن في السماء الدنيا، لا يدخلها إلا نبيّ أو صديق، أو شهيد، أو إمام عدل، أو محكّم في نفسه» 388
36- «إنّ الخلق من الذّر» 187
37- «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع أيدي رجال وأرجلهم وسمل أعينهم» 276
38- «إنّ الله كلّم آدم قبلا» 545
39- «إنّ الله يبغض العفرية النفرية» 634
40- «إنّ الله يمحو ويثبت مما كتب من أمر العباد، إلا أصل السعادة والشّقاوة» 457
41- «إن قريشا وغطفان طارئين على بلادكم ... » 670
42- «أنّ المثبور ناقص العقل» 511
43- «أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان لا يأوي إلى فراشه حتى يقرأ تنزيل السّجدة وتبارك الملك» 662
44- «إنّما الصابون ما يغسل به الثياب» 280(2/908)
الأحاديث المرفوعة والموقوفة الصفحة
45- «أنه أتي بأسير يوعك فقال: أدفوه» 479
46- «أنّه كان يكره المحاريب» 189
47- «أنّه ما يحول به بين المؤمن والمعاصي» 360
48- «أنها نزلت فينا معشر الأنصار، كنا نصلى المغرب فلا نرجع إلى رحالنا ... » 664
49- «أنها اليتيمة في حجر وليّها فيرغب فيها ويقصّر في صداقها» 223
50- «إنهم يستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط» 608
51- «إنّهما طريقا الخير والشر» 878
52- «أو تسريح» 154
53- «أورى قبسا لقابس» 798
54- «أيقنت بالورود؟ قال: نعم» 541
55- «أي الماءين سبق فمنه الشّبه» 913
56- «البّصرة إحدى المؤتفكات» 775
57- «بين يدي الساعة سنون خداعة» 68
58- «حاذ عليها بحدودها» 258
59- «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا» 834
60- «حبّذا أرض الكوفة سواء سهلة» 66
61- «حرمتها عليّ» 822
62- «الحمد لله الذي هذا من رياشه» 326
63- «حيث كان الماء وحيث المال كانت الفتنة» 843
64- «خرج اللبن من طعنة عمر أبيض يصلد» 171
65- «خشب بالليل صخب بالنهار» 818
66- «خير المال مهرة مأمورة» 498
67- «رأيت شقة من القمر على أبي قبيس ... » 778
68- «رأيت غنما سودا تتبعها غنم عفر» 817
69- «رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين» 892
70- «رأيته بفؤادي ولم أره بعيني» 772(2/909)
الأحاديث المرفوعة والموقوفة الصفحة
71- «ربما زبنت الناقة فكسرت أنف حالبها» 885
72- «ركب شريا وأخذ خطيّا» 71
73- «الرؤيا من النفس في السماء» 720
74- «الريح نفس الرحمن» 868
75- «سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له» 685
76- «السابقون يوم القيامة أربعة: فأنا سابق العرب وسلمان سابق فارس ... » 793
77- «سدرة المنتهى: صبر الجنّة» 773
78- «سرادقها: البحر المحيط بالدنيا» 519
79- «سورة الأنعام من نواجب القرآن» 318
80- «سياحة أمتي الصوم» 393
81- «سيروا وأبشروا فإنّ الله قد وعدني إحدى الطائفتين ... » 356
82- «شاهت الوجوه» 358
83- «الشديد الخلق، الرحيب الجوف، الأكول» 829
84- «شرّ الرعاء الحطمة» 891
85- «شرب الماء البارد، وحذو النعال» 889
86- «العرب تفخّم من العدد السبعة والسبعين» 835
87- «على ابن آدم القاتل أولا كفل من إثم كلّ قاتل بني آدم» 275
88- «عليكم بالشفاءين القرآن والعسل» 488
89- «فانتكف العرق عن جبينه» 261
90- «فرشنا للنبي- عليه السلام- بناء في يوم مطر» 73
91- «فمن أمهاتهم؟» 704
92- «فوددت أني متّ قبل أن حدّثته» 276
93- «قد رين به» 870
94- «قوارير كلّ أرض من تربتها وأرض الجنّة فضة» 856
95- «القوس: الذراع بلغة أزدشنوءة» 771
96- «قولوا: اللهم استر عورتنا» 669(2/910)
الأحاديث المرفوعة والموقوفة الصفحة
97- «قيل للنبي عليه السلام: إذا كانت الجنة عرضها السماوات والأرض فأين النار؟ قال: سبحان الله إذا جاء النهار فأين الليل؟» 206
98- «كان ابن مسعود يقرأ «النساء» على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغ الآية دمعت عيناه صلى الله عليه وسلم» 240
99- «كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ فينا» 842
100- «كان عمر يعقّب الجيوش كلّ عام» 452
101- «كانت سودة امرأة ثبطة» 380
102- «كأنك لم تعلم ما قال الله في الإنصات عند قراءة القرآن» 354
103- «كنت أرجو أن يعيش رسول الله حتى يدبرنا» 335
104- «الكنود الكفور الذي يأكل وحده ويضرب عبده» 888
105- «لأقضينّ بكتاب الله» 65
106- «لا أريّن وجهه» 375
107- «لا تجوز شهادة القانع مع أهل البيت لهم» 579
108- «لا تعلّموا أبكار أولادكم كتب النّصارى» 105
109- «لا تكونوا عزين كخلق الجاهلية» 840
110- «لا تنظروا إلى صوم الرجل وصلاته ولكن إلى ورعه إذا أشفى» 200
111- «لا يبقى أحد من هذه الأمة إلا أدخله الله الجنّة إلا من شرد على الله» 881
112- «لا يبلّغ عني إلا رجل مني» 372
113- «لا يستعيذن أحدكم من الفتنة» 819
114- «لا يضرّ المرأة أن لا تنقض شعرها» 74
115- «لا يورّث حتى يستهل صارخا» 268
116- «لجمرة على لساني تحرقه جزء جزء أحبّ إليّ من أقول لشيء كتبه الله: ليته لم يكن» 805
117- «لعن الله العاضهة والمستعضهة» 474
118- «لقد أعانك عليه ملك كريم» 774
119- «لقد ذهبتم منها عريضة» 214
120- «لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي بها يستنزل القطر» 841(2/911)
الأحاديث المرفوعة والموقوفة الصفحة
121- «لقد عظم ملك ابن أبي كبشة» 775
122- «لكل جسد نفس وروح» 721
123- «لكلّ شيء قلب وقلب القرآن يس» 67
124- «لم أبعث لأعذّب بعذاب الله، وإنما بعثت بضرب الرقاب وشدّ الوثاق» 746
125- «لما كان يوم بدر اختلفنا في النفل ... » 355
126- «لن يغلب عسر يسرين» 883
127- «ما أوحي إليّ أن اجمع المال فأكون من التاجرين، ولكن أوحي إليّ أن سبّح بحمد ربك ... » 477
128- «ما عام بأمطر من عام ... » 615
129- «ما من طامة إلّا وفوقها طامة» 863
130- «ما منكم إلا وله منزلان» 584
131- «ما يمنعك أن تزورنا أكثر» 540
132- «مثل الحواميم في القرآن مثل الحبرات في الثياب» 723
133- «من آدم إلينا ثلة ومنا إلى يوم القيامة ثلّة» 797
134- «من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر فليكن آخر كلامه في مجلسه:
سبحان ربك رب العزة ... » 705
135- «من أحبّ أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله» 429
136- «من بكّر وابتكر ودنا كان له كفلان من الإصر» 177
137- «من سأل وله أربعون درهما فقد ألحف» 173
138- «من ولي من أمر الناس شيئا فلم يعطهم كتاب الله فعليه بهلة الله» 194
139- «منهن غل قمل» 686
140- «مه يا علي ... أعياني أزواج الأخوات أن يتحابوا» 214
141- «قال عقبة بن أبي معيط: فمن للصّبية؟ فقال عليه السلام: النار» 612
142- «الناس كسهام الجعبة منها القائم الرائش» 312
143- «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة» 793
144- «النفخات ثلاث: نفخة الفزع، والصّعق، والقيام لرب العالمين» 691(2/912)
الأحاديث المرفوعة والموقوفة الصفحة
145- «نهى عن السّوم قبل طلوع الشمس» 93
146- «هم الأفجران من قريش: بنو أمية، وبنو المغيرة ... » 461
147- «هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان» 793
148- «هو أول الحشر ونحن على الأثر» 808
149- «هو تينكم وزيتونكم» 883
150- «هي دابة ذات زغب» 636
151- «وفيّ الإل، كريم الخلّ، برود الظل» 373
152- «وقد دلونا به إليك» 137
153- «وقى الشح من أدّى الزكاة» 811
154- «والله ما لها ذنب وإنّ لها للحية» 636
155- «وهل ترك لنا عقيل من داره» 761
156- «يا بني هذا مما أخطأت فيه الكتّاب» 276
157- «يا رسول الله كيف نسأل عن النعيم وإنما نأكل الشعير في نصف بطوننا» 896
158- «يا معشر المسلمين قفوا» 211
159- «يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله تعالى» 185
160- «يخرج حضر الفرس الجواد ثلاثا» 637
161- «يخر المؤمنون سجدا ويبقى الكافرون كأن في ظهورهم السفافيد» 831
162- «يفتح لهم باب الجنة ثم يصرفون إلى النار» 70(2/913)
ثانيا: الآثار المقطوعة
الآثار المقطوعة الصفحة
163- «آتيناه الكتاب فلقي من قومه أذى» 665
164- «أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم قومه فأضلّهم» 77
165- «أخذته من عين صافية» 263
166- «الله الحقّ فمن دعاه دعا بحق» 454
167- «إن آكلي الرّبا يعرفون في الآخرة كما يعرف المجنون في الدنيا» 174
168- «أن جبريل- عليه السلام- أخذ بعروتها الوسطى ثم حرجم بعضها على بعض» 422
169- «أنّ السجيل السماء الدنيا، والسجين الأرض السفلى» 422
170- «إن المؤمن إذا نزل به الموت يلقى بضبائر الريحان من الجنة» 802
171- «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به رأى فلانا ... » 568
172- «أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم ير ضاحكا ولا مبتسما بعد نزول هذه الآية» 776
173- «أن يأكل نصيبه ونصيب صاحبه» 876
174- «أنّها بروج السماء» 249
175- «أهل الطبع لا يؤمنون أصلا» 260
176- «تمنّوا الموت ولم يكن في الدنيا شيء أكره منه عندهم» 835
177- «جاء الإسلام وبمكة مائة رجل كلّهم قد قنطر» 183
178- «جاء جيش لا ينكف آخره» 262
179- «جهاد المرأة حسن التبعل» 796
180- «الحكمة: العقل» 658
181- «خلقت الأقوات قبل الأجساد» 780(2/914)
الآثار المقطوعة الصفحة
182- «الرّابّ كافل» 188
183- «رأس الماعون زكاة مالك وأدناه المنخل والإبرة» 893
184- «الرياح أربعة: الأولى تقمّ الأرض قما ... » 467
185- «السائق الذي يقبض نفسه، والشهيد الذي يحفظ عمله» 759
186- «سرادقها: دخانها ولهبها» 519
187- «الشهداء ثنية الله في الخلق» 637
188- «العنت ما يكون من العشق فلا يتزوج الحرّ بأمة إلا إذا أعتقها» 236
189- « (قال مجاهد) : غضاب مبرطمون» 776
190- «غلق الناس إلا أصحاب اليمين» 849
191- «فقرات ابن آدم ثلاث: يوم ولد، ويوم يموت، ويوم يبعث حيا» 383
192- «قطّعوا كتاب الله قطعا وحرفوه» 589
193- «كان أحدهم إذا مرّ برسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وتغشّى بثوبه حتى لا يراه النبيّ صلى الله عليه وسلم» 407
194- «كان ذلك بريح هفافة كنست مكان البيت يقال له: الخجوج» 574
195- «كان عمر وعثمان وابن عمر لفا» 50
196- «لا سلب إلّا لمن أشعر أو قتل» 266
197- «لا يقضي ما صرفه إلى ستر العورة ورد الجوعة» 227
198- «لم يكن عليّ يظنّ في قتل عثمان» 868
199- «ليس القرد من بهيمة الأنعام» 266
200- «ما أدري أكان هذا إيمانا منهم» 831
201- «مضر صخرة الله التي لا تنكل» 104
202- «الملائكة لباب الخليقة من الأرواح لا يتناسلون» 83
203- «من أراد نبأ الأولين والآخرين، ونبأ أهل الجنة والنار ... » 792
204- «من قرأ القرآن في أربعين ليلة فقد عزب» 400
205- «نعم إذا استيئس الرسل من قومهم أن يصدقوهم» 449
206- «هم أهل الكتاب معهم شرك وإيمان» 448(2/915)
الآثار المقطوعة الصفحة
207- «هو الدنيا بحذافيرها» 90
208- «هو الذكر وإن لم يؤمنوا» 466
209- «هو الرجل يلمّ بالذنب ثم لا يعاود» 774
210- «وجميع أهل النار تعرض أرواحهم على النار» 726
211- «الوزن في الآخرة العدل» 321
212- «وسوس لهم ذلك ولم يظهر» 367
213- «ويرعون عفاءها» 160
214- «يجيب داعيا، ويفك عانيا، ويتوب على قوم ويغفر لقوم» 788
215- «يعتق رقابا، ويفحم عقابا، ويعطى رغابا» 788
216- «ينتظر بالمصعوق ثلاثا ما لم يخافوا عليه نتنا» 73
217- «يؤتى الشهيد بكتاب فيه من يقدم عليه من أهله» 218(2/916)
فهرس الأعلام
محمد صلى الله عليه وسلم: 55، 76، 77، 83، 93، 97، 102، 108، 185، 194، 206، 210، 211، 212، 213، 214، 240، 245، 246، 257، 265، 276، 280، 291، 297، 298، 315، 349، 355، 356، 364، 366، 368، 372، 373، 375، 379، 385، 386، 388، 391، 392، 404، 418، 448، 453، 457، 474، 478، 491، 503، 507، 508، 519، 532، 548، 553، 568، 581، 584، 592، 593، 608، 611، 612، 621، 626، 627، 629، 644، 662، 666، 667، 669، 670، 671، 672، 703، 746، 749، 770، 750، 752، 770، 771، 772، 775، 782، 783، 793، 794، 797، 798، 799، 801، 808، 810، 811، 813، 814، 817، 820، 821، 829، 836، 837، 840، 844، 853، 880، 881، 889.
آدم (عليه السلام) : 80، 81، 83، 87، 88، 108، 144، 275، 322، 346، 347، 351، 558، 576، 585، 680، 717، 783، 877.
إبراهيم (عليه السلام) : 91، 121، 144، 145، 187، 193، 199، 449، 491، 576، 583.
إبراهيم (ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم) : 81.
إبراهيم (ابن السري الزجاج) : 20، 295، 573.
أبرهة: 891.
أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) : 194، 260، 278، 372، 375، 379، 704، 817، 823.
أبي بن خلف: 611، 695.
أبي بن كعب الأنصاري: 820.
أحمد بن يحيى ثعلب: 839.
الأخفش (الأوسط) : 558، 809.
الأزهري محمد بن أحمد.(2/917)