عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)
قوله تعالى (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً)
قال البخاري: حدثنا عمرو بن عون، حدثنا هشيم، عن حميد، عن أنس قال: قال عمر - رضي الله عنه -: اجتمع نساء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الغَيرة عليه، فقلتُ لهنّ: عسى ربه إن طلقكن أن يبدّله أزواجا خيرا منكن. فنزلت هذه الآية.
(صحيح البخاري 8/528- ك التفسير- سورة التحريم (الآية) ح 4916) .
وانظر حديث مسلم الوارد تحت الآية رقم (83) من سورة النساء.
وانظر أنس في صحيح البخاري سورة النساء آية (34)) حديث.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (قانتات) قال: مطيعات.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (سائحات) قال: صائمات.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)
قال البخاري: حدثنا أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع عن عبد الله قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلكم راع وكلكم مسئول: فالإمام راع وهو مسئول، والرجل راع على أهله وهو مسئول، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسئولة، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول".
(الصحيح 9/163- ك النكاح، في (الآية) ح 5188) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) يقول: اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله ومروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) قال: اتقوا الله وأوصوا أهليكم بتقوى الله.(4/510)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) قال: قال: يقيهم أن يأمرهم بطاعة الله، وينهاهم عن معصيته، وأن يقوم عليهم بأمر الله يأمرهم به ويساعدهم عليه، فاذا رأيت لله معصية ردعتهم عنها، وزجرتهم عنها.
وانظر سورة البقرة الآية رقم (24) وتفسيرها لبيان نوع وقود جهنم.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
انظر سورة الروم آية (57) وسورة القيامة آية (15) .
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)
قال الطبري: حدثني أبو السائب قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله (توبة نصوحاً) قال: يتوب ثم لا يعود.
وصحح سنده الحافظ ابن حجر (الفتح 11/104) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (توبة نصوحا) قال: يستغفرون ثم لا يعودون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يا أيها الذين ءامنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً) قال: هي الصادقة الناصحة.
قوله تعالى (يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
انظر سورة الحديد الآية (27) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ربنا أتمم لنا نورنا) قال: قول المؤمنين حين يطفأ نور المنافقين.(4/511)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين) قال: أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يجاهد الكفار بالسيف ويغلظ على المنافقين بالحدود (واغلظ عليهم) يقول: واشدد عليهم في ذات الله (ومأواهم جهنم) يقول: ومكثهم جهنم، ومصيرهم الذي يصيرون إليه نار جهنم (وبئس المصير) قال: وبئس الموضع الذي يصيرون إليه جهنم.
قوله تعالى (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط) الآية هاتان زوجتا نبيي الله لما عصتا ربهما، لم يغن أزواجهما عنهما من الله شيئا.
قال البخاري: حدثنا يحيى بن جعفر، حدثنا وكيع، عن شعبة عن عمرو بن مرة الهمداني، عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام".
(الصحيح 6/514- ك أحاديث الأنبياء، ب (الآية) ح 3411 (مسلم 4/1886-1887- ك فضائل الصحابة، ب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون) وكان أعتى أهل الأرض على الله وأبعده من الله فو الله ماضر امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربها، لتعلموا أن الله حكم عدل لا يؤاخذه عبده إلا بذنبه.(4/512)
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)
قوله تعالى (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فنفخنا فيه من روحنا) فنفخنا في جيبها من روحنا (وصدقت بكلمات ربها) يقول: آمنت بعيسى وهو كلمة الله (وكتبه) يعني: التوراة والإنجيل (وكانت من القانتين) يقول: وكانت من القوم المطيعين.
وانظر سورة الأنبياء آية (91) .(4/513)
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)
سورة الملك
فضلها: قال إسحاق بن راهويه: قلت لأبى أسامة حدثكم شعبة، عن قتادة، عن عباس الجشمي، عن أبي هريرة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن سورة في القرآن ثلاثون آية شفعت لصاحبها حتى غفر له (تبارك الذي بيده الملك) فأقر به أبو أسامة وقال: نعم.
(انظر موسوعة فضائل سور وآيات القرآن القسم الصحيح ص 19) .
قوله تعالى (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
انظر سورة الفرقان آية (1) وسورة الزخرف آية (85) .
قوله تعالى (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (الذي خلق الموت والحياة) قال: أذل الله ابن آدم بالموت، وجعل الدنيا دار حياة ودار فناء، وجعل الآخرة دار جزاء وبغاء.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) : ما ترى فيهم اختلاف.
قال ابن كثير: ثم قال (الذي خلق سبع سموات طباقا) أي: طبقة بعد طبقة، وهل هن متواصلات بمعنى أنهن علويات بعضهن على بعض، أو متفاصلات بينهن خلاء؟ فيه قولان، أصحهما الثاني، كما دل على ذلك حديث الإسراء وغيره. ا.هـ. وتقدم ذلك في بداية سورة الإسراء.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (هل ترى من فطور) يقول: هل ترى من خلل يا ابن آدم.(4/514)
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (خاسئاً وهو حسير) يقول: ذليلا.
قوله تعالى (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين) إن الله جل ثناؤه إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصال: خلقها زينة للسماء الدنيا ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن يتأول منها غير ذلك، فقد قال برأيه، وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به.
قوله تعالى (وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ)
قال ابن كثير: أي جعلنا للشياطين هذا الخزي في الدنيا، وأعتدنا لهم عذاب السعير في الأخرى كما قال في أول الصافات (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب) .
وانظر سورة الصافات آية (6-10) .
قوله تعالى (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ)
انظر سورة الزمر آية (71) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (تكاد تميز من الغيظ) يقول: تتفرق.
قوله تعالى (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ)
قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب وحفص بن عمر، قالا: ثنا شعبة - وهذا لفظه - عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري قال: أخبرني من سمع(4/515)
وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16)
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:- وقال سليمان: حدثني رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لن يهلك الناس حتى يَعْذِروا - أو يُعْذِروا - من أنفسهم".
(السنن 4/125 ك الملاحم، ب الأمر والنهي ح 4347) ، وأخرجه أحمد (المسند 5/293) من طريق حسين بن محمد، عن شعبة به وحسنه البغوي في المصابيح (انظر المشكاة 3/1424 ح 5146) وحسنه السيوطي (الجامع الصغير مع فيض القدير 5/304 ح 7397) وقال الألباني: صحيح (صحيح أبي داود 3/820) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فسحقا لأصحاب السعير) يقول: بعدا.
قوله تعالى (إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير)
انظر حديث البخاري الوارد تحت الآية رقم (23) من سورة يوسف.
قوله تعالى (وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)
انظر سورة الرعد آية (8-10) وتفسيرها هذه الآيات.
قوله تعالى (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور)
انظر سورة البقرة آية (22) وتفسيرها لبيان تذليل الأرض لبني آدم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (في مناكبها) يقول: جبالها.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فامشوا في مناكبها) قال: طرقها وفجاها.
قوله تعالى (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) قال ابن كثير: وهذا أيضاً من لطفه ورحمته بخلقه أنه قادر على تعذيبهم، بسب كفر بعضهم به وعبادتهم معه غيره وهو مع هذا يعلم ويصفح، ويؤجل(4/516)
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)
ولا يعجل كما قال (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا) .
وانظر سورة الإسراء آية (67) .
قوله تعالى (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ)
انظر سورة الإسراء آية (68) .
قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (صافات) قال: الطير بصف جناحه كما رأيت، ثم يقبضه.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (صافات ويقبضن) بسطهن أجنحتهن وقبضهن.
وانظر سورة النحل آية (79) وتفسيرها.
قوله تعالى (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (بل لجوا في عتو ونفور) قال: كفور.
قال ابن كثير: هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، فالكافر مثله فيما هو فيه كمثل من يمشي منكبا على وجهه، أي يمشى منحنيا لا مستويا على وجهه لا يدري أين ولا كيف يذهب بل هو تائه حائر ضال أهذا أهدى (أمن يمشي سويا) أي: منتصب القامة ... هذا مثلهم في الدنيا وكذلك يكونون في الآخرة فالمؤمن يحشر يمشي سوياً ... وأما الكافر فإنه يحشر يمشى على وجهه إلى نار جهنم. اهـ
وانظر تفسير سورة الإسراء آية رقم (97) حديث أنس بن مالك.(4/517)
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (مكباً على وجهه) قال: في الضلالة (أم من يمشى سوياً على صراط مستقيم) قال: حق مستقيم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى) هو الكافر، أكب على معاصي الله في الدنيا، حشره الله يوم القيامة على وجهه، فقيل: يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه؟ قال: إن الذي أمشاه على رجليه قادر أن يحشره يوم القيامة على وجهه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يمشي سوياً على صراط مستقيم) قال: المؤمن عمل بطاعة الله، فيحشره الله على طاعته.
انظر سورة يس آية (48-53) .
تقوله تعالى (قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)
انظر سورة المؤمنون آية (79) .
قوله تعالى (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فلما رأوه زلفة) قال: قد اقترب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفرو) عاينت من عذاب الله.
قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا) أي: ذاهباً (فمن يأتيكم بماء معين) قال الماء المعين: الجاري.(4/518)
ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)
سورة القلم
قوله تعالى (ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون)
انظر بداية سورة البقرة في الحروف المقطعة.
قال الترمذي: حدثنا يحيى بن موسى، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا عبد الواحد بن سليم. قال: قدمت مكة فلقيت عطاء بن أبي رباح فقلت له: يا أبا محمد إن أناسا عندنا يقولون في القدر، فقال عطاء: لقيت الوليد بن عبادة بن الصامت قال: حدثني أبي قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب فجرى بما هو كائن إلى الأبد.
وفي الحديث قصة.. قال: هذا حديث حسن غريب. وفيه عن ابن عباس.
(السنن 5/424- ك تفسير القرآن ح 3319) ، وأخرجه الطبري (التفسير 29/16) من طريق عباد بن العوام، عن عبد الواحد بن سليم به، وأحمد (المسند 5/317) من طريق أيوب بن زياد، عن عبادة في الوليد بن عبادة، عن أبيه به، وأبو داود (السنن 4/225 ح 4700) من طريق أبي حفصة عن عبادة، وعند هؤلاء الثلاثة زيادة ليست عند الترمذي، قال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح 2645) . وصحح كذلك طريق أبي داود (صحيح أبي داود ح 3933) ، وصححه الحافظ ابن حجر (انظر كشف الخفاء 1/263) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (ن والقلم وما يسطرون) يقسم الله بما يشاء.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وما يسطرون) يقول: يكتبون.
قوله تعالى (وإن لك لأجرا غير ممنون)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (غير ممنون) قال: غير محسوب.
انظر سورة هود آية (108) .(4/519)
وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)
قوله تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم)
قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل سمع سلام بن مسكين قال: سمعت ثابتاً يقول: حدثنا أنس - رضي الله عنه - قال: خدمت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشر سنين، فما قال لي: أف، ولا: لم صنعت؟ ولا: ألا صنعت؟.
(الصحيح 10/471 ح 6038- ك الأدب، ب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/1804 ح 2309- ك الفضائل، ب كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحسن الناس خلقا) .
قال أحمد: ثنا سعيد بن منصور قال: ثنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنما بعثتُ لأتمم صالح الأخلاق".
(المسند 2/381) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/613- ك التاريخ) من طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي، عن عبد العزيز بن محمد به، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وقال ابن عبد البر: حديث صحيح متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة وغيره. وقال الألباني: صحيح (السلسلة الصحيحة ح 45) .
وانظر حديث مسلم عن عائشة عندما سئلت عن خلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: فإن خلق نبي الله.... كان القرآن. ا.هـ.
وهو جزء من حديث طويل يأتي عند بداية سورة المزمل.
قال الحاكم: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي الصنعاني بمكة، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ عبد الرزاق، أنبأ معمر، عن قتادة عن زرارة بن أوفى، عن سعد ابن هشام بن عامر في قول الله عز وجل: (وإنك لعلى خلق عظيم) قال سألت عائشة رضي الله عنها: يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: أتقرأ القرآن؟ فقلت: نعم. فقالت: إن خلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القرآن.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(المستدرك 2/499- ك التفسير وصححه الذهبي) ويشهد له ما قبله حديث مسلم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وإنك لعلى خلق عظيم) يقول: دين عظيم.(4/520)
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13)
قوله تعالى (فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون)
قال ابن كثير: أي: فستعلم يا محمد وسيعلم مخلفوك ومكذبوك من المفتون الضال منك ومنهم، وهذه كقوله تعالى (سيعلمون غدا من الكذاب الأشر) وكقوله (وإنا أو أياكم لعلى هدى أوفي ضلال مبين) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (بأيكم المفتون) قال: الشيطان.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون) يقول: بأيكم أولى بالشيطان.
قوله تعالى (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لو تدهن فيدهنون) يقول: لو ترخص لهم فيرخصون.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ودوا لو تدهن فيدهنون) قال: لو تركن إلى آلهتهم، وتترك ما أنت عليه من الحق فيمالئونك.
قوله تعالى (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (حلاف مهين) قال: ضعيف.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ولا تطع كل حلاف مهين) وهو المكثار في الشر.
قوله تعالى (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) قال البخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن همام قال: كنا مع حذيفة فقيل له: إن رجلا يرفع الحديث إلى عثمان. فقال حذيفة: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يدخلُ الجنة قتات".
(الصحيح 10/487- ك الأدب، ب ما يكره من النميمة ح 6056) .
وانظر حديث ابن عباس عند قوله تعالى (ولا يغتب بعضكم بعضا) الحجرات الآية (12) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هماز) يأكل لحوم المسلمين (مشاء بنميم) ينقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض.(4/521)
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (معتد) في عمله (أثيم) بربه.
قال البخاري: حدثنا محمود، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما (عتل بعد ذلك زنيم) قال: "رجل من قريش له زنمة مثل زنمة الشاة".
الزنمة: شيء يقطع من أذان الشاة ويترك معلقا بها، النهاية لابن الأثير 2/316.
(الصحيح 8/530- ك التفسير- سورة القلم- (الآية) ح 4917) .
وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن معبد بن خالد قال: سمعت حارثة بن وهب الخزاعي قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبرّه. ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر".
(الصحيح 8/530- ك التفسير- سورة القلم- (الآية) ح 4918) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (عتل) قال: هو الفاحش اللئيم الضريبة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (عتل) قال: شديد الأشر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (زنيم) قال: ظلوم.
قوله تعالى (أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين سنسمه على الخرطوم)
قال ابن كثير: يقول تعالى: هذا مقابلة ما أنعم الله عليه من المال والبنين، كفر بآيات الله وأعرض عنها وزعم أنها كذب مأخوذ من أساطير الأولين، كقوله (ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا سأرهقه صعودا أنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن(4/522)
سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26)
هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر) قال الله تعالى (سأصليه سقر) وقال تعالى ها هنا (سنسمه على الخرطوم) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (سنسمه على الخرطوم) شين لا يفارقه آخر ما عليه.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (سنسمه على الخرطوم) قال: سنسم على أنفه.
قوله تعالى (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (ليصرمنها مصبحين) قال: كانت الجنة لشيخ، وكان يتصدق، وكان بنوه ينهونه عن الصدقة، وكان يمسك قوت سنته، وينفق ويتصدق بالفضل فلما مات أبوهم غدوا عليها فقالوا: (لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين فانطلقوا وهم يتخافتون) يقول: يسرون (أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين)
وانظر سورة البقرة آية (205) لبيان (الحرث) .
قوله تعالى (وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وغدوا على حرد قادرين) قال: ذوي قدرة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (على حرد) قال: على أمر مجمع.
وعزاه الحافظ ابن حجر إلى سعيد بن منصور بسند صحيح عن عكرمة (الفتح 8/661) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فلما رأوها قالوا إنا لضالون) أي أضللنا الطريق (بل نحن محرومون) بل جوزينا فحرمنا.(4/523)
قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)
قوله تعالى (قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (قال أوسطهم) يقول: أعدلهم.
قوله تعالى (كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال الله: (كذلك العذاب) أي: عقوبة الدنيا (ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون) .
قوله تعالى (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (سلهم أيهم بذلك زعيم) يقول: أيهم بذلك كفيل.
قوله تعالى (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ) قال البخاري: حدثنا آدم، حدثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: يكشف الله ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رئاء وسمعة، فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقا واحداً".
(الصحيح 8/531- ك التفسير- سورة القلم- (الآية) (ح 4919) .
وانظر حديث مسلم الطويل في خروج الدجال المتقدم في سورة الصافات آية (24) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يوم يكشف عن ساق) هو الأمر الشديد المفظع من الهول يوم القيامة.
وصححه الحافظ ابن حجر (الفتح 13/428) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون) قال: هم الكفار كانوا يدعون في الدنيا وهم آمنون، فاليوم يدعون وهم خائفون، ثم أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك وبين أهل طاعته في الدنيا والآخرة، فأما في الدنيا فإنه قال:(4/524)
خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49)
(ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) وأما في الآخرة فإنه قال: (فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم) .
وانظر سورة الشورى آية (45) .
قوله تعالى (فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) انظر سورة الأعراف آية (182) .
قال ابن كثير: ثم قال تعالى (فذرني ومن يكذب بهذا الحديث) يعني القرآن وهذا تهديد شديد، أي: دعني وإياه مني ومنه أنا أعلم به كيف أستدرجه، وأمده في غيه وانظر، ثم آخذه أخذ عزيز مقتدر. ولهذا قال: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) أي: وهم لا يشعرون، بل يعتقدون أن ذلك من الله كرامة، وهو في نفس الأمر إهانة، كما قال (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون) .
قوله تعالى (وأملي لهم إن كيدي متين)
انظر سورة الأعراف آية (183) وانظر سورة هود الآية (102) وفيها حديث أبي موسى في صحيح مسلم.
قوله تعالى (أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون أم عندهم الغيب فهم يكتبون) انظر سورة الطور آية (40-41) .
قوله تعالى "فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم)
قال ابن كثير: يقول تعالى (فاصبر) يا محمد على أذى قومك لك وتكذيبهم، فإن الله سيحكم لك عليهم، ويجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة (ولا تكن كصاحب الحوت) يعني: ذا النون، وهو يونس بن متى عليه السلام، حين ذهب مغاضبا على قومه، فكان من أمره ما كان من ركوبه في البحر والتقام الحوت له، وشرود الحوت في البحر وظلمات غمرات اليم، وسماعه تسبيح البحر بما فيه للعلي القدير، الذي لا يرد ما أنفذه من التقدير، فحينئذ نادى في الظلمات (أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)(4/525)
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)
قال الله (فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) وقال تعالى: (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إذ نادى وهو مكظوم) يقول: مغموم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم) يقول: لا تعجل كما عجل، ولا تغضب كما غضب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (وهو مذموم) يقول: وهو مليم.
قوله تعالى (فاجتباه ربه فجعله من الصالحين)
قال البخاري: حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما ينبغي لعبد أن يقول إني خير من يونس بن متى" ونسبه إلى أبيه.
(الصحيح 6/519 ح 3413- ك أحاديث الأنبياء، ب قول الله تعالى (وإن يونس لمن المرسلين ... )) .
وانظر سورة الصافات آية (139-147) .
قوله تعالى (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ)
قال مسلم: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي وحجاج بن الشاعر وأحمد ابن خراش (قال عبد الله: أخبرنا. وقال الآخران: حدثنا) مسلم بن إبراهيم.
قال: حدثنا وُهيب عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "العين حق. ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا".
(الصحيح 4/1719 ك اللام، ب الطب والمرض والرقي ح 2188) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ليزلقونك بأبصارهم) يقول: لينفذونك بأبصارهم.
قوله تعالى (وما هو إلا ذكر للعالمين)
انظر سورة ص آية (87) .(4/526)
الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)
سورة الحاقة
قوله تعالى (الْحَاقّة)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (الحاقة) قال: من أسماء يوم القيامة، عظمه الله، وحذره عباده.
قوله تعالى (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (كذبت ثمود وعاد بالقارعة) أي: بالساعة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله عز وجل (فأهلكوا بالطاغية) قال: الذنوب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية) بعث الله عليهم الصيحة فأهمدتهم.
قوله تعالى (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ)
انظر حديث البخاري المتقدم تحت الآية رقم (9) من سورة الأحزاب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية) والصرر الباردة عتت عليهم حتى نقبت عن، أفئدتهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وثمانية أيام حسوما) يقول: تباعا.
وعزاه الحافظ ابن حجر إلى الطبراني بسند حسن عن ابن سعود بلفظ متتابعة (الفتح 8/664) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كأنهم أعجاز نخل خاوية) وهي أصول النخل.(4/527)
وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)
قوله تعالى (وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات) قرية لوط.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (بالخاطئة) قال: الخطايا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أخذة رابية) قال: شديدة.
قوله تعالى (إنا لما طغى الماء حملناكم بالجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية)
قال ابن كثير: ولهذا قال تعالى ممتنا على الناس (إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية) وهي السفينة الجارية على وجه الماء (لنجعلها لكم تذكرة) عاد الضمير على الجنس لدلالة المعنى عليه، أي: وأبقينا لكم من جنسها ما تركبون على تيار الماء في البحر، كما قال (وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه) وقال تعالى: (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية) إنما يقول: لما كثر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لنجعلها لكم تذكرة) فأبقاها الله تذكرة وعبرة وآية حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة، وكم من سفينة قد كانت بعد سفينة نوح قد صارت رمادا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وتعيها أذن واعية) يقول: حافظة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وتعيها أذن واعية) أذن عقلت عن الله، فانتفعت بما سمعت من كتاب الله.(4/528)
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)
قوله تعالى (فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة)
انظر سورة الأنعام آية (73) حديث الصور.
قوله تعالى (وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة)
انظر سورة الكهف آية (47) وطه آية (105) والمزمل (14) .
قوله تعالى (فيومئذ وقعت الواقعة)
انظر بداية سورة الواقعة.
قوله تعالى (وانشقت السماء فهي يومئذ واهية)
انظر سورة الفرقان آية (25) والرحمن (37) .
قوله تعالى (والملك على أرجائها)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (والملك على أرجائها) قال: أطرافها.
قوله تعالى (إني ظننت أني ملاق حسابيه)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (إني ظننت إني ملاق حسابيه) يقول: أيقنت.
قوله تعالى (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ)
انظر سورة الغاشة آية (7) .
تقوله تعالى (قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئاً بما اسلفتم في الأيام الخالية)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (قطوفها دانية) : دنت فلا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قال الله: (كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية) إن أيامكم هذه أيام خالية: هي أيام فانية، تؤدي إلى أيام باقية، فاعملوا في هذه الأيام، وقدموا فيها خيراً إن استطعتم، ولا قوة إلا بالله.(4/529)
يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36)
قوله تعالى (يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يا ليتها كانت القاضية) تمنى الموت، ولم يكن في الدنيا شيء أكره عنده من الموت.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (هلك عني سلطانيه) قال: حجتي.
قال الترمذي: حدثنا سويد، أخبرنا عبد الله: أخبرنا سعيد بن يزيد، عن أبي السمح، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو أن رُضاضة مثل هذه - وأشار إلى مثل الجمجمة - أرسلتُ من السماء إلى الأرض، وهي مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لصارت أربعين خريفا الليل والنهار قبل أن تبلغ أصلها أو قعرها".
(السنن 4/709 ح 2588- ك صفة جهنم، ب رقم 6) ، وقال: هذا حديث إسناده حسن صحيح. وأخرجه الإمام أحمد (المسند 2/197 ح 6856) ، قال محققه: إسناده صحيح، وذلك من طريق: علي بن إسحاق من عبد الله به. وعنده: "رصاصة" بالصاد المهملة فيهما، والرضاضة كما في رواية الترمذي: واحدة الرضاض، ورضاض كل شيء فتاته (مختار الصحاح ص 245 مادة: رض) .
وأخرجه الحاكم من طريق سعيد بن يزيد به وصححه وافقه الذهبي (المستدرك 2/432-439) ، وحسنه محققو مسند أحمد بإشراف أ. د. عبد الله التركي (11/444 ح 6856) . وذكره ابن كثير تحت تفسير الآية المذكورة في بيان "السلسلة" وفي تحفة الأحوذي نقل عن التوربشتي قوله: بين مدى قعر جهنم ببلغ ما يمكن من البيان فإن الرصاص من الجواهر الرزينة، والجواهر كلما كان أتم رزانه كان أسرع هبوطاً إلى مستقره لا سيما إذا انضم إلى رزانته كبر جرمه ... (7/313) .
وانظر سورة غافر آية (71) وسورة الإنسان آية (4) .
قوله تعالى (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) انظر سورة الأنعام آية (70) لبيان الحميم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ولا طعام إلا من غسلين) صديد أهل النار.(4/530)
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)
قوله تعالى (إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين)
انظر سورة يس آية (69) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون) طهره الله من ذلك وعصمه (ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون) طهره الله من الكهانة، وعصمه منها.
قوله تعالى (ثم لقطعنا منه الوتين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (تم لقطعنا منه الوتين) يقول: عرق القلب.
قوله تعالى (وإنه لتذكرة للمتقين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإنه لتذكرة للمتقين) قال: القرآن.
قوله تعالى (وإنه لحسرة على الكافرين وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإنه لحسرة على الكافرين) ذاكم يوم القيامة (وإنه لحق اليقين) يقول: وإنه للحق اليقين الذي لاشك فيه أنه من عند الله، لم يتقوله محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فسبح باسم ربك العظيم) بذكر ربك وتسميته العظيم، الذي كل شيء في عظمته صغير.(4/531)
سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13)
سورة المعارج
قوله تعالى (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (سأل سائل) قال: دعا داع (بعذاب واقع) قال: يقع في الآخرة، قال: وهو قولهم (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء) .
وانظر سورة الأنفال آية (32) المذكورة آنفاً.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (ذي المعارج) يقول: العلو والفواضل.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (من الله ذي المعارج) قال: معارج السماء.
قوله تعالى (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) فهذا يوم القيامة، جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة.
قوله تعالى (يوم تكون السماء كالمهل)
انظر حديث أبي سعيد المتقدم تحت الآية رقم (29) من سورة الكهف.
قوله تعالى (وتكون الجبال كالعهن)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (كالعهن) قال: كالصوف.
وانظر سورة القارعة آية (5) .
تقوله تعالى (وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: وقوله (ولا يسأل حميم حميما) يشغل كل إنسان بنفسه عن الناس.
وانظر سورة المؤمنون آية (101) .(4/532)
يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18) إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (يبصرونهم) المؤمنون يبصرون الكافرين.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وفصيلته التي تؤويه) قال: قبيلته.
قوله تعالى (ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه)
انظر سورة آل عمران آية (91) .
لقوله تعالى (كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى) انظر سورة الليل آية (14-16) (فأنذرتكم ناراً تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (نزاعة للشوى) قال: لجلود الرأس.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (تدعو من أدبر وتولى) قال: عن طاعة الله وتولى، قال: عن كتاب الله، وعن حقه.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (وجمع فأوعى) قال: جمع المال.
قوله تعالى (إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (خلق هلوعا) قال: جزوعا.
قوله تعالى (إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ) هذه الآيات مفسرة للآية السابقة لبيان: هلوعاً.
قوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ)
في هذه الآية وما بعدها إلى الآية (35) بيان لصفات المصلين وثوابهم.
قال البخاري: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى، عن هشام قال: أخبرني أبي عن عائشة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل عليها وعندها امرأة، قال: من هذه؟ قالت: فلانة(4/533)
الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)
-تذكر من صلاتها- قال: "مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا". وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه.
(الصحيح 1/124 ح 43- ك الإيمان، ب أحب الدين إلى الله أدومه) ، وأخرجه مسلم (الصحيح- ك الصلاة، في فضيلة العمل الدائم) ، وهو عند الإمام أحمد (المسند 6/165) عنها بلفظ: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل") .
قال البخاري: حدثنا معاذ بن فضالة: حدثنا هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة أن عائشة رضي الله عنها حدثته قالت: لم يكن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصوم شهرا أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله، وكان يقول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا". وأحب الصلاة إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما دُووم عليه وإن قَلتْ، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها.
(الصحيح 4/251- ك الصوم، ب صوم شعبان ح1970) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 2/811 ح 782- ك الصيام، ب صيام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غير رمضان) .
قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن ومؤمل، قالا: ثنا سفيان عن منصور، عن إبراهيم (الذين هم على صلاتهم دائمون) قال: المكتوبة.
قوله تعالى (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) قال: الحق المعلوم: الزكاة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) يقول: هو سوى الصدقة يصل بها رحمه، أو يقري بها ضيفا، أو يحمل بها كلا، أو يعين بها محروما.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: المحروم: هو المحارف الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه، فلا يسأل الناس.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (للسائل والمحروم) وهو سائل يسألك في كفه، وفقير متعفف لا يسأل الناس، ولكليهما عليك حق.(4/534)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38)
قوله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون)
انظر سورة المؤمنون آية (5-7) .
قوله تعالى (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)
انظر سورة المؤمنون آية (8) ، وانظر حديث البخاري المتقدم تحت الآية رقم (77) من سورة التوبة. وهو حديث: "آية المنافق ثلاث ... وإذا ائتمن خان".
قوله تعالى (والذين هم بشهاداتهم قائمون)
انظر حديث مسلم عن زيد بن خالد المتقدم عند الآية (282) من سورة البقرة. وهو حديث: "ألا أخبركم بني الشهداء ... ".
قال ابن كثير: وقوله (والذين بشهاداتهم قائمون) أي: محافظون عليها لا يزيدون فيها، ولا ينقصون منها، ولا يكتمونها (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) قوله تعالى (فمال الذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم)
قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أحمد بن الفضل الصائغ بعسقلان، ثنا آدم بن أبي اياس، ثنا جرير بن عثمان، ثنا عبد الرحمن بن ميسرة، عن جبير بن نفير، عن بسر بن جحاش القرشي قال: تلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذه الآية (فما للذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم كلا إنا خلقناهم مما يعلمون) ثم بزق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على كفه فقال يقول الله يا ابن آدم أني تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردتين وللأرض منك وئيد يعني شكوى فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة.
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/502- ك التفسير) وصححه الذهبي، وأخرجه ابن ماجة (2/903 ح 2707) ، وابن سعد في (الطبقات 7/472) من طرق عن حريز به، قال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات، وقال الألباني: إسناده حسن ... (الصحيحة رقم 9901) .(4/535)
فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فمال الذين كفروا قبلك مهطعين) يقول: عامدين.
قال ابن كثير: يقول تعالى منكرا علي الكفار الذين كانوا في زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهم مشاهدون له ولما أرسله الله به من الهدى وأيده الله به من المعجزات الباهرة، ثم هم مع هذا كله فارون منه متفرقون عنه شاردون يمينا وشمالا فرقا فرقا، وشيعا شيعا، كما قال تعالى (فمالهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة) .
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن تميم بن طرفة، عن جابر بن سمرة، قال: خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال: "مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ اسكنوا في الصلاة". قال ثم خرج علينا فرآنا حِلقا. فقال: "مالي أراكم عزين؟ " قال ثم خرج علينا فقال: "ألا تصُفون كما تصُف الملائكة عند ربها؟ " فقلنا: يا رسول الله! وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: "يتمون الصف الأول. ويتراصون في الصف".
(الصحيح 1/322 ح430- ك الصلاة، ب الأمر بالسكون في الصلاة ... ) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (عن اليمين وعن الشمال عزين) قال: مجالس مجنبين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (عزين) قال العزين: الحلق المجالس.
قوله تعالى (كلا إنا خلقناهم مما يعلمون)
قال ابن كثير: ثم قال تعالى مقررا لوقوع المعاد والعذاب بهم الذي أنكروا كونه واستبعدوا وجوده، مستدلا عليه بالبداءة التي الإعادة أهون منها وهم معترفون بها فقال (إنا خلقناهم مما يعلمون) أي: من المني الضعيف، كما(4/536)
كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39) فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)
قال (ألم نخلقكم من ماء مهين) وقال (فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر) .
قوله تعالى (فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين)
قال ابن كثير: (فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم) أي: يوم القيامة نعيدهم بأبدان خير من هذه، فإن قدرته صالحة لذلك (وما نحن بمسبوقين) أي: بعاجزين. كما قال تعالى (أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه) وقال تعالى (نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين. على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون) قوله تعالى (يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يوم يخرجون من الأجداث سراعا) أي: من القبور سراعا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (يوفضون) قال: يستبقون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كأنهم إلى نصب يوفضون) قال: إلى عَلَم يسعون.
لقوله تعالى (خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون) انظر سورة القلم آية (43) وسورة القمر آية (7-8) .(4/537)
إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)
سورة نوح
قوله تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ)
انظر سورة الأعراف آية (59-60) .
قوله تعالى (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون) قال: أرسل الله المرسلين بأن يعبد الله وحده، وأن تتقى محارمه، وأن يطاع أمره، أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (إلى أجل مسمى) قال: ما قد خط من الأجل فإذا جاء أجل الله لا يؤخر.
قوله تعالى (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (أعلنت لهم) قال: صحت.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وأسررت لهم إسرارا) قال: فيما بيني وبينهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ثم إني دعوتهم جهارا) ... إلى قوله (ويجعل لكم أنهارا) قال: رأى نوح قوماً تجزعت أعناقهم حرصاً على الدنيا، فقال: هلموا إلى طاعة الله، فإن فيها درك الدنيا والآخرة.
قوله تعالى (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ما لكم لا ترجون لله وقارا) يقول: عظمة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقد خلقكم أطوارا) طورا نطفة، وطورا علقة، وطورا عظاما، ثم كسا العظام لحما، ثم أنشأه خلقا آخر، أنبت به الشعر، فتبارك الله أحسن الخالقين.(4/538)
أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24)
قوله تعالى (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً)
انظر سورة تبارك آية 3 وبداية سورة الإسراء في حديث العروج.
قوله تعالى (وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجاً)
قال ابن كثير: أي فاوت بينهم في الاستنارة فجعل كل منهما أنموذجا على حده ليعرف الليل والنهار بمطلع الشمس ومغيبها، وقدر القمر منازل وبروجا، وفاوت نوره، فتارة يزداد حتى يتناهى ثم يشرع في النقص حتى يستتر، ليدل على مضى الشهور والأعوام كما قال (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون) .
قوله تعالى (وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً) انظر سورة طه آية (55) وسورة الروم آية (20) .
قوله تعالى (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطاً (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً) انظر سورة البقرة آية (22) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لتسلكوا منها سبلا فجاجاً) قال: طرقا وأعلاما.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (لتسلكوا منها سبلا فجاجاً) يقول: طرقاً مختلفة.
قوله تعالى (قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَاراً (21) وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (22) وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (كبارا) قال: عظيماً.
قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى: أخبرنا هشام، عن ابن جريج، وقال عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما: صارت الأوثان التي كانت في(4/539)
قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25)
قوم نوح في العرب بعد، أما ود فكانت لكلب بدَوْمة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمرادٍ، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ. وأما يعوق فكانت لهمدان. وأما نسر فكانت لِحمير، لآل ذي الكلاع. أسماء رجال صالحين من قوم نوح. فلمّا هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسمّوها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عُبدت.
(صحيح البخارى 8/535 ك التفسير - سورة نوح، ب (الآية) - ح 4920) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحه عن ابن عباس، قوله: (ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا) قال: هذه أصنام كانت تعبد في زمان نوح.
قال ابن كثير: وقوله (وقد أضلوا كثيرا) يعني: الأصنام التي اتخذوها أضلوا بها خلقا كثيرا، فإنه استمرت عبادتها في القرون إلى زماننا هذا في العرب والعجم وسائر صنوف بني آدم وقد قال الخليل عليه السلام في دعائه (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس) . وقوله (ولا تزد الظالمين إلا ضلالا) دعاء منه على قومه لتمردهم وكفرهم وعنادهم، كما دعا موسى على فرعون وملئه في قوله (ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) وقد استجاب الله لكل من النبيين في قومه، وأغرق أمته بتكذيبهم لما جاءهم به.
قوله تعالى (مما خطيئاتهم أغرقوا فادخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون الله أنصار)
قال ابن كثير: يقول تعالى (مما خطاياهم) وقرىء (خطيئاتهم) (أغرقوا) أي: من كثرة ذنوبهم وعتوهم وإصرارهم على كفرهم ومخالفتهم رسولهم (أغرقوا فأدخلوا ناراً) أي: نقلوا من تيار البحار إلى حرارة النار(4/540)
وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)
(فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا) أي: لم يكن لهم معين ولا مغيث ولا مجير ينقذهم من عذاب الله، كقوله (قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) .
قوله تعالى (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفاراً رب اغفر لي ولولدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تَبَارَا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) أما والله ما دعا عليهم حتى أتاه الوحي من السماء (إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) فعند ذلك دعا عليهم نبي الله نوح فقال: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) ثم دعاه دعوة عامة فقال (رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات) ... إلى قوله (تبارا) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، لما قوله (إلا تبارا) قال: خسارا.(4/541)
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1)
سورة الجن
قوله تعالى (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً)
قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: "انطلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عُكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشُهب، فرجعت الشياطين، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حِيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشُهب. قال: ما حالَ بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الأمر الذي حدث؟
فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الذي حال بينهم وبين خبر السماء؟ قال: فانطلق الذين توجهوا نحو تِهامة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنخلة وهو عامد إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن تسمّعوا له، فقالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء. فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا، إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به، ولن نشرك بربنا أحداً. وأنزل الله عز وجل على نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن) وإنما أوحي إليه قول الجن".
(صحيح البخاري 8/537-538 ك التفسير- سورة الجن ح 4921. صحيح مسلم 4/331- 332 ك الأذان، ب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن ح 449 نحوه) وانظر سورة الأحقاف آية (29) وسورة الجن آية (19) .
أخرج البخاري بسنده عن معن بن عبد الرحمن قال: سمعت أبي قال: سألت مسروقا: من آذن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ فقال: حدثني أبوك - يعني عبد الله - أنه آذنت بهم شجرة.
(الصحيح البخاري- ك مناقب الأنصار، ب ذكر الجن وقول الله تعالي (قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن) ح 3859. وعبد الله هو ابن مسعود ومعنى آذن أي أعلم (الفتح 7/210) .(4/542)
قوله تعالى (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أحداً (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً)
قال ابن كثير: أي: إلى السداد والنجاح (فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً) وهذا المقام شبيه بقوله تعالى (وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن) وانظر سورة الأحقاف آية (29-30) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (وأنه تعالى جد ربنا) يقول: فعله وأمره وقدرته.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وأنه تعالى جد ربنا) : أي تعالى جلاله وعظمته وأمره.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا) وهو إبليس.
قوله تعالى (وأنه كان رجال من الأنس يعوذون برجال من الجن زادوهم رهقاً) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (يعوذون برجال من الجن) قال: كانوا يقولون إذا هبطوا واديا: نعوذ بعظماء هذا الوادي.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: قال الله (فزادوهم رهقا) : أي إثما، وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فزادوهم رهقا) قال: زاد الكفار طغياناً.
وانظر سورة الإسراء آية (57) وفيها حديث البخاري كان ناس من الأنس يعبدون ناساً من الجن فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم.
قوله تعالى (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أحداً)
أخرج الطبري حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن الكلبى (وأنهم ظنوا كما ظننتم) ظن كفار الجن كما ظن كفرة الإنس أن لن يبعث الله رسولا.
وسنده صحيح إلى الكلبي.(4/543)
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12)
قوله تعالى (وأنا لمسنا السماء فوجدناها مُلئت حرساً شديد وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصداً)
قال الترمذي: حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا إسرائيل، حدثنا أبو إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان الجن يصعدون إلى السماء يسمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعا، فأما الكلمة فتكون حقا، وأما ما زاد فيكون باطلا، فلما بُعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منعوا مقاعدهم فذكروا ذلك لإبليس ولم تكن النجوم يُرمى بها قبل ذلك فقال لهم إبليس: ما هذا إلا من أمر قد حدث في أرض، فبعث جنوده فوجدوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قائما يصلي بين جبلين أراه قال بمكة، فأتوه فأخبروه، فقال: هذا الذي حدث في الأرض.
(السنن 5/427- 428- ك التفسير، ب ومن سورة الجن) ، وأخرجه النسائي (التفسير 2/469 ح 646) من طريق عبيد الله بن موسى، والطبري (التفسير 23/36) من طريق وكيع، وأحمد (المسند 1/274) عن أبي أحمد، كلهم عن إسرائيل به وعند أحمد: فيزيدون فيها عشراً، قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح 2646) . وصححه محقق تفسير النسائي، وصححه محققو المسند بإشراف أ. د. عبد الله التركي ح 2482.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وأنا لمسنا السماء) .. إلى قوله (فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا) كانت الجن تسمع سمع السماء، فلما بعث الله نبيه، حرست السماء، ومنعوا ذلك، فتفقدت الجن ذلك من أنفسها.
قوله تعالى (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كنا طرائق قددا) كان القوم على أهواء شتى.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (كنا طرائق قددا) قال: مسلمين وكافرين.
قوله تعالى (وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هرباً) انظر سورة الرحمن آية (33) .(4/544)
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)
قوله تعالى (فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فلا يخاف بخسا ولا رهقا) يقول: لا يخاف نقصا من حسناته، ولا زيادة في سيئاته.
قوله تعالى (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (القاسطون) قال: الظالمون.
قوله تعالى (وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعداً)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (لأسقيناهم ماء غدقا) قال: لأعطيناهم مالا كثيرا، قوله (لنفتنهم فيه) قال: لنبتليهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا) قال: لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا قال الله (لنفتنهم فيه) يقول: لنبتليهم بها.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (عذاباً صعدا) قال: مشقة من العذاب.
قوله تعالى (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله، فأمر الله نبيه أن يوحد الله وحده.
قوله تعالى (وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ... )
قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثني أبو الوليد، حدثنا أبو عوانه، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما قرأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الجنّ ولا رآهم، انطلق رسول الله في طائفة من أصحابه عامدين(4/545)
وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)
إلى سوق عكاظ وقد حِيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشُهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماوات وأرسلت علينا الشهب، فقالوا: ما حال بيننا وبين خبر السماء إلا أمر حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء؟ قال: فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها يبتغون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك النفر الذين توجّهوا إلى نحو تهامة إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بنخلة عامداً إلى سوق عكاظ وهو يصلى بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له، فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبن خبر السماء. قال: فهنالك رجعوا إلى قومهم، فقالوا: (يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً) فأنزل الله على نبيه (قل أوحي إلي أنه استمع) وإنما أوحى إليه قول الجن قال: وبهذا الإسناد عن ابن عباس قال قولُ الجنّ لقومهم (لمّا قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لِبداً) قال: لمّا رأوه يصلي وأصحابه يصلّون بصلاته فيسجدون بسجوده، قال: فعجبوا من طواعية أصحابه له قالوا لقومهم (لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً) .
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (السنن 5/426- 427 ك التفسير) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) ، وأخرجه أحمد في مسنده من طريق أبي عوانه، وصححه أحمد شاكر ح 2431، وأخرجه مسلم في (صحيحه- ك الصلاة، ب الجهر بقراءة الصبح 2/36 طبعة المكتب التجاري بيروت) من طريق أبي عوانه به، سبب نزول قوله تعالى (وأنه استمع نفر من الجن) . ونقل ابن كثير عن البيهقي قال: وهذا الذي حكاه ابن عباس رضي الله عنهما إنما هو في أول ما سمعت الجن قراءة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلمت حاله وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم ثم بعد ذلك أتاه داعي الجن فقرأ عليهم ودعاهم إلى الله عز وجل كما رواه ابن مسعود - رضي الله عنه - (انظر تفسير ابن كثير 7/274) أما حديث ابن مسعود فقد تقدم في سورة الأحقاف آية (29) .(4/546)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا) قال: تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه، فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه، ويظهره على من ناوأه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (كادوا يكونو عليه لبدا) يقول: أعوانا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (كادوا يكونون عليه لبدا) قال: جميعاً.
قوله تعالى (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (ولن أجد من دونه ملتحدا) : أي ملجئا ونصيرا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إلا بلاغا من الله ورسالاته) فذلك الذي أملك بلاغا من الله ورسالاته.
قوله تعالى (قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا)
قال ابن كثير: وقوله (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول) هذه كقوله تعالى (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) وهكذا قال ها هنا: إنه يعلم الغيب والثسهادة، وإنه لا يطلع أحد من خلقه على شيء من علمه إلا مما أطلعه تعالى عليه ولهذا قال (فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول) وهذا يعم الرسول الملكي والبشري.(4/547)
عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول) فأعلم الله سبحانه الرسل من الغيب الوحي وأظهرهم عليه بما أوحى إليهم من غيبه، وما يحكم الله، فإنه لا يعلم ذلك غيره.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول) فإنه يصطفيهم، ويطلعهم على ما يشاء من الغيب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا) قال: الملائكة.
قوله تعالى (ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم) قال: ليعلم من كذب الرسل أن قد أبلغوا رسالات ربهم.(4/548)
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3)
سورة المزمل
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً)
قال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى العنزي، حدثنا محمد بن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن زرارة أن سعد بن هشام بن عامر أراد أن يغزو في سبيل الله. فقدم المدينة. فأراد أن يبيع عقارا له بها. فيجعله في السلاح والكراع.
ويجاهد الروم حتى يموت. فلمّا قدم المدينة، لقي أناسا من أهل المدينة، فنهوه عن ذلك. وأخبروه أن رهطا ستة أرادوا ذلك في حياة نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنهاهم نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال: "أليس لكم فيّ أسوة؟ " فلما حدّثوه بذلك راجع امرأته.
وقد كان طلقها. وأشهد على رجعتها. فأتى ابن عباس فسأله عن وتر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال ابن عباس: ألا أدلّك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: من؟ قال: عائشة. فأتها فاسألها. ثم ائتني فأخبرني بردّها عليك. فانطلقتُ إليها. فأتيتُ على حكيم بن أفلح. فاستلحقته إليها.
فقال: ما أنا بقاربها. لأني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئا فأبت فيهما إلا مُضيا. قال فأقسمتُ عليه. فجاء. فانطلقنا إلى عائشة. فاستأذنا عليها.
فأذنت لنا، فدخلنا عليها، فقالت: أحكيم؟ (فعرفته) فقال: نعم. فقالت: من معك؟ قال: سعد بن هشام. قالت: من هشام؟ قال: ابن عامر.
فترحّمتْ عليه. وقالت خيراً. (قال قتادة وكان أصيب يوم أحد) فقلتُ: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن خُلُق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قالت: ألستَ تقرأ القرآن؟ قلتُ: بلى. قالت: فإن خُلق نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان القرآن. قال: فهممتُ أن أقوم، ولا أسأل أحداً عن شيء حتى أموت. ثم بدا لي فقلت: أنبئيني عن قيام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقالت: ألستَ تقرأ: (يا أيها المزمل) ؟ قلت: بلى.
قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -(4/549)
وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء، حتى أنزل الله في أخر هذه السورة التخفيف. فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة. قال: قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن وتر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقالت: كنا نعُدّ له سواكه وطهوره. فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل. فيتسوّك ويتوضأ ويُصلي تسع ركعات. لا يجلس فيها إلا في الثامنة.
(الصحيح 1/512-513- ك صلاة المسافرين، ب جامع صلاة الليل ... ح 746) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يا أيها المزمل) أي: المتزمل بثيابه.
قوله تعالى (أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (قم الليل إلا قليلا نصفه أو أنقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا) فأمر الله نبيه والمؤمنين بقيام الليل إلا قليلا، فشق ذلك على المؤمنين، ثم خفف عنهم فرحمهم، وأنزل الله بعد هذا (علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض) ... إلى قوله (فاقرءوا ما تيسر منه) فوسع الله وله الحمد، ولم يضيق.
انظر سورة الإسراء آية (79) . قوله تعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) .
قال البخاري: حدثنا إسحاق، حدثنا أبو عاصم، أخبرنا ابن جريج، أخبرنا ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن" وزاد غيره: "يجهر به".
(الصحيح 13/510- ك التوحيد، ب قوله تعالى (وأسروا قولكم أو اجهروا به ... ) ح 7527) .
قال البخاري: حدثنا محمد بن خلف أبو بكر، حدثنا أبو يحيى الحماني: حدثنا بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن جده أبي بردة، عن أبي موسى - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: "يا أبا موسى، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود".
(الصحيح 8/710 - ك فضائل القرآن، ب حسن الصوت بالقراءة للقرآن ح 5048) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 1/546- ك صلاة المسافرين، ب استحباب تحسين الصوت بالقرآن ح 793) بنحوه.(4/550)
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)
قال البخاري: حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا همام، عن قتادة قال: "سُئل أنس: كيف كانت قراءة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال: كانت مدّاً. ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمدّ ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم".
(الصحيح 8/709 ح 5046- ك فضائل القرآن، ب مد القراءة) .
قال أبو داود: حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، حدثني أبي، ثنا ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن أم سلمة (أنها) ذكرت، أو كلمة غيرها، قراءة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين) يقطع قراءته آية آية. (قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: القراءة القديمة (مالك يوم الدين) .
(السنن 4/37 ح 4001- ك الحروف والقراءات) ، وأخرجه الترمذي (السنن 5/185 ح 2927) من طريق علي بن حجر عن يحيى بن سعيد الأموي بنحوه، وقال: هذا حديث غريب. قال الألباني: صحيح (صحيح سنن الترمذي 3/13، الإرواء ح 343) ، وأخرجه الدارقطني وقال: إسناده صحيح (السنن 1321/313) ، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/231- 232) ، وذكره ابن الجزري وقال: وهو حديث حسن وسنده صحيح (النشر 1/226) .
قال أبو داود: حدثنا مسدد، ثنا يحيى، عن سفيان، حدثني عاصم بن بهدلة، عن زر، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتّل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند أخر آية تقرؤها".
(السنن 2/73- ك الصلاة، في استحباب الترتيل في القراءة ح 1464) ، وأخرجه الترمذي (السنن 5/177 ح 2914- ك فضائل القرآن، ب 18) من طريق أبي داود الحضري، وأبي نعيم، وأحمد (المسند 2/193) من طريق عبد الرحمن، وابن حبان في صحيحه) الإحسان 3/43 ح 766) من طريق ابن مهدي.
والحاكم (المستدرك 1/552-553) من طريق وكيع، كلهم عن سفيان به. قال الترمذي: حسن صحيح.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/162) وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح سنن الترمذي 3/10 ح 2329) .
قال ابن ماجة: حدثنا محمد بن بشار: ثنا يحيى بن سعيد، ومحمد ابن جعفر.
قالا: ثنا شعبة، قال: سمعت طلحة اليامي، قال: سمعت عبد الرحمن بن
عوسجة، قال: سمعت البراء بن عازب يُحدِّث قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "زينوا القرآن بأصواتكم".(4/551)
(السنن- ك إقامة الصلاة والسنة فيها، ب في حسن الصوت بالقرآن ح 1342) ، أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن البراء (المسند 4/283، 285، 296، 304) ، (السنن- الوتر، ب استحباب الترتيل في القراءة) ، (السنن- الافتتاح، ب تزيين القرآن بالصوت 2/179) . وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة 1/224، وانظر الصحيحة 772) ، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 1/571) ، وعلقه البخاري بصيغة الجزم وعزاه الحافظ ابن حجر إلى ابن خزيمة في صحيحه وذكر له شواهد (انظر الفتح 13/518) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن الحسن في قوله (ورتل القرآن ترتيلا) قال: اقرأه قراءة بينة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ورتل القرآن ترتيلا) قال: بينه بيانا.
قوله تعالى (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا)
قال الحاكم: أخبرنا أبو الفضل الحسن بن يعقوب بن يوسف العدل، ثنا يحيى ابن أبي طالب، ثنا زيد بن الحباب، حدثني سليمان بن المغيرة البصري، عن ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح الانصاري، عن أبي هريرة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أوحى إليه لم يستطع أحد منا يرفع طرفه إليه حتى ينقضي الوحي.
هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (المستدرك 2/222- ك التفسير) ووافقه الذهبي، وله شاهد صحيح عند مسلم (انظر صحيح الجامع ح 4562) .
قال أحمد: ثنا سليمان بن داود قال: أنا عبد الرحمن، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: إن كان ليوحي إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو على راحلته فتضرب بجرانها.
(المسند 6/118) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/505) ، والبيهقي (دلائل النبوة 2/53) من طريق محمد بن ثور، عن معمر، عن هشام به، وفيه زيادة وهي: وتلت قول الله عز وجل (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً) . قال الهيثمي - وقد عزاه لأحمد -: رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/257) ، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. قوله: فتضرب بجرانها الجران: باطن العنق.
(النهايه لإبن الاثير 1/263) .
انظر حديث البخاري عن عاثشة المتقدم عند الآية (3) من سورة الشورى.
انظر حديث البخاري عن زيد بن ثابت المتقدم عند الآية رقم (95) من سورة النساء.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) ثقيل والله فرائضه وحدوده.(4/552)
إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)
قوله تعالى (إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلا إن لك في النهار سبحا طويلا واذكر اسم ربك وتبتل اليه تبتيلا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (إن ناشئة الليل) قال: أي ساعة تهجد فيها متهجد من الليل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إن ناشئة الليل) قال: ناشئة الليل: ما كان بعد العشاء فهو ناشئة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هي أشد وطئا) أي: أثبت في الخير، وأحفظ في الحفظ.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أشد وطئا) قال: مواطأة للقول، وفراغا للقلب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (سبحا طويلا) قال: فراغا طويلا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وتبتل إليه تبتيلا) قال: أخلص إليه المسألة والدعاء.
قوله تعالى (رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلاً)
قال ابن كثير: أي هو المالك المتصرف في المشارق والمغارب الذي لا إله إلا هو وكما أفردته بالعبادة فأفرده بالتوكل (فاتخذه وكيلا) كما قال في الآية الأخرى (فاعبده وتوكل عليه) وكقوله (إياك نعبد وإياك نستعين) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلاً) براءة نسخت ماهاهنا، أمر بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا يقبل منهم غيرها.(4/553)
وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14) إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19)
قوله تعالى (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً (12) وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إن لدينا أنكالا وجحيما) يقول تعالى ذكره: إن عندنا لهؤلاء المكذبين بآياتنا أنكالا، يعني قيودا، واحدها: نكل.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وطعاما ذا غصة) قال: شجرة الزقوم.
قوله تعالى (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وكانت الجبال كثيبا مهيلا) يقول، الرمل السائل.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (كثيبا مهيلا) قال: ينهال.
قال ابن كثير: (وكانت الجبال كثيبا مهيلا) أي: تصير ككثبان الرمل بعد ما كانت حجارة صماء، ثم إنها تنسف نسفا فلا يبقى منها شيء إلا ذهب، حتى تصير الأرض قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا أي: واديا، ولا أمتا أي: رابية.
ومعناه: لا شيء ينخفض ولا شيء يرتفع. ا.هـ.
وهذا التفسير مأخوذ من سورة طه آية (105-107) .
قوله تعالى (فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أخذا وبيلا) قال: شديداً.
قوله تعالى (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (18) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً)
انظر حديث البخاري عن أبي سعيد المتقدم تحت الآية رقم (2) من سورة الحج. وحديث مسلم المتقدم تحت الآية رقم (24) من سورة الصافات.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا) يقول: كيف تتقون يوماً وأنتم قد كفرتم به ولا تصدقون به.(4/554)
إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19) إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (منفطر به) قال: مثقلة به.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إن هذه تذكرة) يعني: القرآن (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) بطاعة الله.
قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا)
قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنبأ محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أنبأ ابن وهب، أخبرني معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير قال: حججت فدخلت على عائشة رضي الله عنها فسألتها عن قيام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: ألست تقرأ (يا أيها المزمل) قلت: بلى. قالت: هو قيامه.
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (المستدرك 2/505- ك التفسير) ، ووافقه الذهبي، وأخرجه محمد بن نصر المروزي من طريق ابن وهب به، (مختصر قيام الليل ص 8) . وأبو الزاهرية هو: حدير بن كريب الحضرمي الحمصي معروف بالرواية عن جبير بن نفير وبرواية معاوية بن صالح عنه (تهذيب الكمال 5/491) .
قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا عيسى، عن زكريا، عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أهل القرآن أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر".
(السنن 2/61 ح 1416- ك الصلاة، ب استحباب الوتر) ، وأخرجه الترمذي (السنن 2/316 ح 453- ك الصلاة، ب ما جاء أن الوتر ليس بختم) ، والنسائي (السنن 3/228- ك الصلاة، ب الأمر بالوتر) ، وابن ماجة (السنن 1/370 ح 1169- ك إقامة الصلاة، ب ما جاء في الوتر) ، والحاكم (المستدرك 1/300- ك الوتر) أربعهم من طريق أبي بكر بن عياش، عن أبي إسحاق به. قال الترمذي: حديث حسن، وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة 1/193) .(4/555)
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (علم أن لن تحصوه) قيام الليل كتب عليكم (فاقرءوا ما تيسر من القرآن) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: ثم أنبأ بخصال المؤمنين، فقال: (علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه) قال: افترض الله القيام في أول هذه السورة.
قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، حدثني عروة أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عَبْدٍ القاريّ حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكدتُ أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلّم فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلت: كذبت أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إني سمعت هذا يقراُ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال: أرسله، اقرأ يا هشام؟ فقرأ القراءة التي سمعته، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذلك أنزلت، ثم قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اقرأ يا عمر؟ فقرأت فقال: كذلك أنزلت، إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه.
(الصحيح 13/530- ك التوحيد، ب (الآية) ح 7550) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - الصلاة، ب بيان أن القرآن على سبعة أحرف 1/560 ح 818) .
قال البخاري: حدثنا إسحاق بن منصور، أخبرنا عبد الله بن نمير، حدثنا عبيد الله، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلا دخل المسجد ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالس في ناحية المسجد- فصلّى ثم جاء فسلّم عليه، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وعليك السلام، ارجع فصلِّ، فإنك لم تُصل. فرجع فصلّى، ثم جاء فسلّم، فقال: وعليك السلام، فارجع فصلّ فإنك لم تصل.(4/556)
فقال في الثانية - أو في التي بعدها - علّمني يا رسول الله. فقال: "إذا قمتَ إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبّر، ثم اقرأ بما تيسّر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تستوي قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها".
وقال أبو أسامة في الأخير: "حتى تستوي قائما".
(الصحيح 11/38-39 ح 6251- ك الإستئذان، ب من رد فقال: عيك السلام ... ) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 1/298- ك الصلاة، ب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وأقيمو الصلاة وآتوا الزكاة) فهما فريضتان واجبتان، لا رخصة لأحد فيهما، فأدوهما إلى الله تعالى ذكره.
قال ابن كثير: وقوله تعالى (وأقرضوا الله قرضا حسناً) يعني من الصدقات فإن الله يجازي على ذلك أحسن الجزاء وأوفره، كما قال (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسناً فيضاعفه له أضعافا كثيرة) .
وانظر سورة البقرة آية (245) .
قال البخاري: حدثني عمر بن حفص، حدثني أبي، حدثنا الأعمش قال: حدثني إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد قال: قال عبد الله: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله"؟ قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه. قال: "فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر".
(الصحيح 11/264-265 ح 6442- ك الرقاق، ب ما قدّم من مال فهو له) .
قوله تعالى (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
انظر سورة البقرة آية (83) وفيها حديث مسلم عن أبي ذر - رضي الله عنه -: "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق".(4/557)
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)
سورة المدثر
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)
قال البخاري: حدثني يحيى، حدثنا وكيع، عن علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن قال: (يا أيها المدثر) قلتُ: يقولون: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) فقال أبو سلمة، سألتُ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن ذلك وقلتُ له مثل الذي قلتَ، فقال جابر: لا أحدثك إلا ما حدّثنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: جاورتُ بحِراء، فلما قضيتُ جِواري هبطتُ، فنوديت، فنظرتُ عن يميني فلم أرَ شيئا، ونظرتُ عن شمالي فلم أرَ شيئاً، ونظرت أمامي فلم أرَ شيئاً، ونظرت خلفي فلم أرَ شيئاً، فرفعتُ رأسي فرأيتُ شيئا، فأتيتُ خديجة فقلتُ: (دثّروني وصُبّوا علىّ ماءً بارداً، قال فدثروني وصبُّوا عليّ ماءً بارداً، قال فنزلت: (يا أيها المدثّر قم فأنذِرْ وربَّك فكبِّر) .
(الصحيح 8/545- ك التفسير- سورة المدثر، الآية ح 4922) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح - الإيمان، بدء الوحي 1/144 ح 161) .
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، عن عقيل قال ابن شهاب: سمعت أبا سلمة قال: أخبرني جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحدّث عن فترة الوحي: فبينا أنا أمشى إذ سمعت صوتا من السماء، فرفعتُ بصري قِبل السماء فإذا الملك الذي جاءني بحِراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض، فجئثتُ منه حتى هويتُ إلى الأرض، فجئتُ أهلي فقلت: زمّلوني زملوني. فزمَّلوني. فأنزل الله تعالى (يا أيها المدثر قم فأنذر - إلى قوله - فاهجر) ". قال أبو سلمة، والرجز الأوثان. ثم حميَ الوحي وتتابع.
(الصحيح 8/547- ك التفسير- سورة المدثر، الآية ح 4926)(4/558)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يا أيها المدثر) يقول: المتدثر في ثيابه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قم فأنذر) أي: أنذر عذاب الله ووقائعه في الأمم، وشدة نقمته.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وثيابك فطهر) يقول: طهرها من المعاصى، فكانت العرب تسمى الرجل إذا نكث ولم يف بعهد أنه دنس الثياب، وإذا وفى وأصلح قالوا: مطهر الثياب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (والرجز فاهجر) يقول: السخط وهو الأصنام.
قوله تعالى (ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر فإذا نقر في الناقور)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ولا تمنن تستكثر) يقول: لا تعط شيئا، إنما بك مجازاة الدنيا ومعارضها.
أخرج الطبري بأسانيد يقوى بعضها بعض: عن الحسن، في قوله (ولا تمنن تستكثر) قال: لا تمنن عملك تستكثره على ربك.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ولربك فاصبر) قال: على ما أوتيت.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فإذا نقر في الناقور) قال: في الصور، قال هو شىء كهيئة البوق.
قوله تعالى (فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فذلك يومئذ يوم عسير) شديد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال الله تعالى (فذلك يومئذ يوم عسير) فبين لله على من يقع (على الكافرين غير يسير) .(4/559)
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29)
قوله تعالى (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ذرني ومن خلقت وحيدا) قال: خلقته وحده ليس معه مال ولا ولد.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ومهدت له تمهيدا) قال: من المال والولد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (إنه كان لآياتنا عنيدا) قال: جحودا.
قوله تعالى (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (سأرهقه صعودا) قال: مشقة من العذاب.
قال ابن كثير: وقوله (إنه فكر وقدر) أي: إنما أرهقناه صعودا، أي: قربناه من العذاب الشاق، لبعده عن الإيمان لأنه فكر وقدر، أي: تروى ماذا يقول في القرآن حين سئل عن القرآن، ففكر ماذا يختلق من مقال (وقدر) أي: تروى (فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر) دعاء عليه (ثم نظر) أي: أعاد النظر والتروي (ثم عبس) أي: قبض بين عينيه وقطب (وبسر) أي: كلح وكره.
قوله تعالى (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (لا تبقى ولا تذر) قال: لا تميت ولا تحيى.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (لواحة للبشر) قال: الجلد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لواحة للبشر) أي: حراقة للجلد.(4/560)
عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31) كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37) كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42)
قوله تعالى (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا) : إلا بلاء. ا.هـ.
والضمير في عدتهم يعود إلى الملائكة المذكور عددهم تسعة عشر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وليقول الذين في قلوبهم مرض) أي: نفاق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما يعلم جنود ربك إلا هو) أي: من كثرتهم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وما هي إلا ذكرى للبشر) قال: النار.
قوله تعالى (كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37) كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والليل إذ أدبر) إذ ولى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والصبح إذا أسفر) إذا أضاء وأقبل (إنها لإحدى الكبر) يقول تعالى ذكره: إن جهنم لإحدى الكبر، يعني الأمور العظام.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: قال الحسن: والله ما أنذر الناس بشيء أدهى منها أو بداية هي أدهى منها.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين) قال: لا يحاسبون.
وانظر سورة الطور آية (21) قال تعالى (كل امرئ بما كسب رهين) .
قوله تعالى (فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) انظر سورة القمر آية (48) .(4/561)
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)
قوله تعالى (وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الذين حتى أتانا اليقين) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكنا نخوض مع الخائضين) قال: كلما غوى غاو غوى معه.
قال ابن كثير: (وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا القين) يعني: الموت.
كقوله (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) .
قوله تعالى (فما تنفعهم شفاعة الشافعين فما لهم عن التذكرة معرضين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) قال: تعلمن أن الله يشفع بعضهم في بعض.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فما لهم عن التذكرة معرضين) أي: عن هذا القرآن.
قوله تعالى (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (قسورة) قال: عصبة قناص من الرماة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فرت من قسورة) يقول: الأسد.
قوله تعالى (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآَخِرَةَ (53) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة) قال: إلى فلان من رب العالمين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (كلا بل لا يخافون الآخرة) إنما أفسدهم أنهم كانوا لا يصدقون بالآخرة ولا يخافونها هو الذي أفسدهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كلا إنه تذكرة) أي: القرآن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) ربنا محقوق أن تتقي محارمه وهو أهل المغفرة يغفر الذنوب.(4/562)
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6)
سورة القيامة
قوله تعالى (لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لا أقسم بيوم القيامة، ولا أقسم بالنفس اللوامة) قال: أقسم بهما جميعا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (بالنفس اللوامة) قال: تندم على ما فات وتلوم عليه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولا أقسم بالنفس اللوامة) أي: الفاجرة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (ولا أقسم بالنفس اللوامة) يقول: المذمومة.
قوله تعالى (أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه)
انظر سورة البقرة آية (259) ، وسورة الإسراء آية (49) .
قوله تعالى (بلى قادرين على أن نسوي بنانه بل يريد الإنسان ليفجر أمامه يسأل أيان يوم القيامة)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بلى قادرين على أن نسوى بنانه) قادر والله على أن يجعل بنانه كحافر الدابة أو كخف البعير ولو شاء لجعله كذلك فإنما ينقي طعامه بفيه.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ليفجر أمامه) قال: يمضي أمامه راكبا رأسه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) قال: قال الحسن: لا تلقى ابن آدم إلا تنزع نفسه إلى معصية الله قدما قدما إلا من قد عصم الله.(4/563)
بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) يقول: الكافر يكذب بالحساب.
قوله تعالى (فإذ برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (برق البصر) قال: عند الموت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وخسف القمر) ذهب ضوؤه فلا ضوء له.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وجمع الشمس والقمر) قال: كورا يوم القيامة.
قوله تعالى (يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لاوزر إلى ربك يومئذ المستقر ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (كلا لا وزر) يقول: لا حرز.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (لا وزر) لا ملجأ ولا جبل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إلى ربك يومئذ المستقر) أي: المنتهي.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر) يقول: ما عمل قبل موته وما سن فعمل به بعد موته.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم) من طاعة الله (وأخر) مما ضيع من حق الله.
قوله تعالى (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (بل الإنسان على نفسه بصيرة) يقول: سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه.(4/564)
بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بل الإنسان على نفسه بصيرة) إذا شئت والله رأيته بصيرا بعيوب الناس وذنوبهم غافلا عن ذنوبه قال: وكان يقال إن في الإنجيل مكتوبا: يا ابن آدم تبصر القذاة في عين أخيك ولا تبصر الجذع المعترض في عينيك.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره) ولو جادل عنها فهو بصيرة عليها.
ورجحه الحافظ ابن كثير ثم قال كقوله: (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) سورة الأنعام: 23.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولو ألقى معاذيره) قال: ولو اعتذر.
قوله تعالى (لا تحرك به لسانك لتعجل به إنّا علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه)
قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبو عوانة قال: حدثنا موسى بن أبي عائشة قال: حدثنا سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى (لا تحرك به لسانك لتعجل به) قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرّك شفتيه، فقال ابن عباس: فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحركهما. وقال سعيد: أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما - فحرّك شفتيه - فأنزل الله تعالى (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه) قال: جمعه لك في صدرك وتقرأه (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) قال فاستمع له وأنصت (ثم إن علينا بيانه) ثم إن علينا أن تقرأه، فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما قرأه.
(الصحيح 1/39- ك بدء الوحي ح 5 و8/549 و550- ك التفسير) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 1/330- ك الصلاة، ب الاستماع للقراءة) .
وانظر سورة طه آية (144) .(4/565)
لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لا تحرك به لسانك) قال: كان يستذكر القرآن مخافة النسيان فقال له: كفيناكه يا محمد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لا تحرك به لسانك لتعجل به) كان نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحرك به لسانه مخافة النسيان فأنزل الله ما تسمع.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن علينا جمعه وقرآنه) يقول: حفظه وتأليفه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) يقول: اتبع حلاله واجتنب حرامه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) يقول: اعمل به.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ثم إن علينا بيانه) بيان حلاله واجتناب حرامه ومعصيته وطاعته.
قوله تعالى (كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كلا بل تحبون الحاجلة وتذرون الآخرة) اختار أكثر الناس العاجلة إلا من رحم الله وعصم.
وانظر سورة الإسراء آية (18-19) .
قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة)
قال البخاري: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبرهما: أن الناس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا. قال: فإنكم ترونه كذلك…
(الصحيح 2/341-342- ك الآذان، ب فضل السجود ح 806) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - الإيمان، ب إثبات رؤية المؤمنين ربهم سبحانه 1/136- 164 ح 182) .(4/566)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25) كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وجوه يومئذ ناضرة) قال: مسرورة (إلى ربها ناظرة) .
قوله تعالى (ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (باسرة) قال: كاشرة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ووجوه يومئذ باسرة) أي: كالحة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (تظن أن يفعل بها فاقرة) قال: داهية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (تظن أن يفعل بها فاقرة) أي: شر.
قال ابن كثير: وهذا المقام كقوله (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) وكقوله (وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة) وكقوله (وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية) إلى قوله (وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية) .
قوله تعالى (كلا إذا بلغت التراقي)
قال ابن كثير: يخبر تعالى عن حالة الاحتضار وما عنده من أهوال - ثبتنا الله هناك بالقول الثابت - فقال تعالى (كلا إذا بلغت التراقي) إن جعلنا (كلا) رادعة فمعناها: لست يا ابن آدم تكذب هناك بما أخبرت به، بل صار ذلك عندك عيانا وإن جعلناها بمعنى: حقا فظاهر أي: حقا إذا بلغت التراقي أي: انتزعت روحك من جسدك وبلغت تراقيك، والتراقي: جمع ترقوة، وهى العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق كقوله (فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين) .(4/567)
وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33)
قوله تعالى (وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقيل من راق) أي: التمسوا له الأطباء فلم يغنوا عنه من قضاء الله شيئا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وظن أنه الفراق) أي: استيقن أنه الفراق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (والتفت الساق بالساق) يقول: آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة فتلتقي الشدة بالشدة إلا من رحم الله.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والتفت الساق بالساق) قال: التف أمر الدنيا بأمر الآخرة عند الموت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والتفت الساق بالساق) ماتت رجلاه فلا يحملانه إلى شئ فقد كان عليهما جوالا.
قوله تعالى (إلى ربك يومئذ المساق)
انظر سورة الأنعام آية (61-62) ، وفيها (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق) .
قوله تعالى (فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فلا صدق ولا صلى) لا صدق بكتاب الله ولا صلى لله (ولكن كذب وتولى) كذب بكتاب لله وتولى عن طاعة الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ثم ذهب إلى أهله يتمطى) أي: يتبختر.
وانظر قوله تعالى: (وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين) سورة المطففين آية (31) . وتقوله تعالى (إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور) سورة الإنشقاق (13-14) .(4/568)
أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)
قوله تعالى (أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى)
قال النسائي: أخبرني إبراهيم بن يعقوب، نا أبو النعمان، نا أبو عوانة. وأنا أبو داود، نا محمد بن سليمان، نا أبو عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: (أولى لك فأولى) قاله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنزله الله عز وجل؟ قال: قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنزله الله.
(التفسير 2/483 ح 658) ، وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير 11/458 ح 12298) ، والحاكم (المستدرك 2/510) من طريق أبي عوانه به. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي - وقد عزاه للطبراني -: رجاله ثقات (مجمع الزوائد 7/132) ، وقال محقق النسائي: إسناده صحيح ورجال إسناديه ثقات.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى) وعيد على وعيد كما تسمعون.
قوله تعالى (أيحسب الإنسان أن يترك سدى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) يقول هملا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) قال: لا يؤمر ولا ينهى.
لقوله تعالى (ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى)
انظر سورة النحل آية (4) وسورة الحج آية (5) وسورة المؤمنون آية (13-14) .
قوله تعالى (أليس ذلك بقادر على أن يحي الموتى)
قال ابن كثير: ثم قال (أليس ذلك بقادر على أن يحي الموتى) أي: أما هذا الذي أنشأ هذا الخلق السوي من هذه النطفة الضعيفة بقادر على أن يعيده كما بدأه؟ وتناول القدرة للإعادة إما بطريق الأولى بالنسبة إلى البداءة، وإما مساوية على قولين في قوله (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) والأول أشهر كما تقدم في سورة الروم.(4/569)
هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)
سورة الإنسان
قوله تعالى (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (هل أتى على الإنسان) آدم أتى عليه (حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) إنما خلق الإنسان هاهنا حديثا ما يعلم من خليقة الله كانت بعد الإنسان.
قوله تعالى (إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج) أطوار الخلق، طورا نطفة، وطورا علقة، وطورا مضغة، وطورا عظاما ثم كسى العظام لحما، ثم أنشأه خلقا آخر، أنبت له الشعر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (أمشاج نبتليه) يقول: مختلفة الألوان.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قال: أي الماءين سبق عليه أعمامه وأخواله.
قال ابن كثير: وقوله (نبتليه) أي: نختبره، كقوله (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) سورة الملك آية: 3.
قوله تعالى (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (إنا هديناه السبيل) قال: الشقوة والسعادة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنا هديناه السبيل إما شاكرا) للنعم (وإما كفورا) لها.
وانظر سورة البلد آية (10) قوله تعالى (وهديناه النجدين) طريق الخير وطريق الشر.(4/570)
إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)
قوله تعالى (إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالاً وسعيراً)
قال ابن كثير: يخبر تعالى عما أرصده للكافرين من خلقه به من السلاسل والأغلال والسعير، وهو اللهيب والحريق في نار جهنم، كما قال (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون) . ا. هـ.
انظر سورة غافر آية (71-72) لبيان: الأغلال.
قوله تعالى (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (مزاجها كافورا) قال: تمزج.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا) قال: قوم تمزج لهم بالكافور، وتختم لهم بالمسك.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (يفجرونها تفجيرا)
قال: يعدلونها حيث شاءوا.
قوله تعالى (يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيرا)
قال البخاري: حدثنا أبو عاصم، عن مالك، عن طلحة بن عبد الملك، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من نذر أن يطيع الله فليُطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه".
(الصحيح 11/594 ك الإيمان والنذور، ب النذر فيما لا يملك وفي معصية ح 6700) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (يوفون بالنذر) قال: إذا نذروا في حق الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يوفون بالنذر) قال: بطاعة الله، وبالصلاة، وبالحج، وبالعمرة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويخافون يرما كان شره مستطيرا) استطاروا الله شر ذلك اليوم حتى ملأ السماوات والأرض.(4/571)
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)
قوله تعالى (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً)
قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فكوا العاني - يعني الأسير - وأطعموا الجائع وعودوا المريض".
(الصحيح 6/193 ح 3046- ك الجهاد والسير، ب فكاك الأسير) .
انظر حديث البخاري المتقدم تحت الآية رقم (10) من سورة المنافقون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) قال: لقد أمر الله بالأسرى أن يحسن إليهم، وإن أسراهم يومئذ لأهل الشرك.
قال الطبري: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن سالم، عن مجاهد (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) قال: أما إنهم ما تكلموا به، ولكن علمه الله من قلوبهم، فأثنى به عليهم ليرغب في ذلك راغب.
وسنده حسن، وأخرجه بنحوه عن سعيد بن جبير.
قوله تعالى (إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنا نخاف من ربنا يوم عبوسا قمطريرا) عبست فيه الوجوه، وقبضت ما بين أعينها كراهية ذلك اليوم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (عبوسا) يقول: ضيقا. وقوله (قمطريرا) يقول: طويلا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ولقاهم نضرة وسرورا) نضرة في وجوههم، وسرورا في قلوبهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا) يقول: وجزاهم بما صبروا على طاعة الله، وصبروا عن معصيته ومحارمه، جنة وحريراً.(4/572)
مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17)
قوله تعالى (متكئين فيها على الآرائك لا يرون فها شمسا ولا زمهريرا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (متكئين فيها على الأرائك) كنا نحدث أنها الحجال فيها الأسرة.
الحجال جمع حجلة: بيت كالقبة يستر بالثياب وتكون له أزرار كبار (النهاية لابن الأثير 1/346) .
وانظر سورة الكهف آية (31) ، وسورة يس آية (56) .
قال مسلم: حدثني عمرو بن سواد، وحرملة بن يحيى (واللفظ لحرملة) أخبرنا ابن وهب: أخبرني يونس عن ابن شهاب، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اشتكت النار إلى ربها. فقالت: يا رب! أكل بعضي بعضا. فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف. فهو أشد ما تجدون من الحرّ. وأشد ما تجدون من الزمهرير".
(الصحيح 1/431-432- ك المساجد ومواضع الصلاة، ب استحباب الإيراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى جماعة ويناله الحر في طريقه ح 617) ، وأخرجه البخاري في صحيحه (بدء الخلق، ب صفة النار ح 3260) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قال الله (لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) يعلم أن شدة الحرارة تؤذى، وشدة القر تؤذى، فوقاهم الله أذاهما.
قوله تعالى (ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا)
انظر سورة الرحمن آية (54) وسورة الحاقة (23) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وذللت قطوفها تذليلا) قال: إذا قام ارتفعت بقدره، وإن قعد تدلت حتى ينالها، وإن اضطجع تدلت حتى ينالها، فذلك تذليلها.
قوله تعالى (ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قوارير من فضة قدروها تقديرا ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (قوارير من فضة) قال: صفاء القوارير وهى من فضة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قدروها تقديرا) قدرت على ري القوم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (مزاجها زنجبيلا) قال، تمزج بالزنجبيل.(4/573)
عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18)
قوله تعالى (عينا فيها تسمى سلسبيلا)
قال مسلم: حدثني الحسن بن علي الحلواني: حدثنا أبو توبة (وهو الربيع بن نافع) : حدثنا معاوية (يعني ابن سلام) ، عن زيد (يعني أخاه) ؛ أنه سمع أبا سلاّم قال: حدثني أبو أسماء الرحبي، أن ثوبان مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حدثه قال: كنتُ قائما عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فجاء حَبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليك يا محمد! فدفعته دفعة كاد يصرُع منها. فقال: لِمَ تدفعني؟ فقلت: ألا تقول يا رسول الله! فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سمّاه به أهله. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن اسمي محمد الذي سمّاني به أهلي" فقال اليهودي: جئت أسألك. فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أينفعك شيء إن حدثتك؟ " قال: أسمع بأُذنيَّ. فنكت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعُود معه. فقال "سَلْ" فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسموات؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هم في الظلمة دون الجسر" قال: فمن أوّل الناس إجازة؟ قال: "فقراء المهاجرين" قال اليهودي فما تحْفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: "زيادة كبد النون قال: فما غذاؤهم على إثرها؟ قال: "يُنحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها: قال: فما شرابهم عليه؟ قال: "مِن عين فيها تسمّى سلسبيلا".
(الصحيح 1/252-253- ك الحيض، ب بيان صفة مني الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما- ح 315) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا. عينا فيها تسمى سلسبيلا) رقيقة يشربها المقربون صرفا، وتمزج لسائر أهل الجنة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (عينا فيها تسمى سلسبيلا) : عينا سلسة مستقيدا ماؤها.(4/574)
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21)
قوله تعالى (ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ويطوف عليهم ولدان مخلدون) أي: لا يموتون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لؤلؤا منثورا) قال: من كثرتهم وحسنهم.
قوله تعالى (وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا)
قال ابن كثير: وقوله (وإذا رأيت) أي: وإذا رأيت يا محمد (ثم) أي: هناك يعني في الجنة ونعيمها وسعتها وارتفاعها وما فيها من الحبرة والسرور (رأيت نعيما وملكا كبيرا) أي: مملكة لله هناك عظيمة وسلطانا باهرا.
وثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول لآخر أهل النار خروجا منها وأخر أهل الجنة دخولا إليها: إن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها.
قوله تعالى (عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا)
قال ابن كثير: وقوله (عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق) أي: لباس أهل الجنة فيها الحرير، ومنه سندس، وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها مما يلي أبدانهم، والاستبرق منه ما فيه بريق ولمعان، وهو مما يلي الظاهر، كما هو المعهود في اللباس (وحلوا أساور من فضة) وهذه صفة الأبرار، وأما المقربون فكما قال (يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قال الإستبرق: الديباج الغليظ.
وانظر سورة الكهف آية (31) وفيها أساور من ذهب أيضا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (شرابا طهورا) قال: ما ذكر الله من الأشربة.(4/575)
إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30)
قوله تعالى (إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا) غفر لهم الذنب، وشكر لهم الحسن.
وانظر سورة الإسراء آية (19) .
قوله تعالى (إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا)
انظر سورة الإسراء آية (106) وسورة القدر آية (1) .
قوله تعالى (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا)
انظر سورة الأحزاب آية (42) وسورة آل عمران آية (41) .
قوله تعالى (ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا)
انظر سورة الإسراء آية 79 وسورة المزمل آية (1-4) .
قوله تعالى (إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا)
انظر سورة الإسراء آية (18) .
قوله تعالى (نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وشددنا أسرهم) قال: خلقهم.
قال ابن كثير: وإذا شئنا أتينا بقوم آخرين غيرهم، كقوله (إن يشأ يذهبكم أبها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قدير) وكقوله (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز) .
وانظر سورة النساء آية (133) وسورة إبراهيم آية (19-20) .
قوله تعالى (إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا)
تقدم تفسيرها في سورة المزمل آية (19) .
قوله تعالى (وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما) انظر سورة الكهف آية (24) .(4/576)
وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5)
سورة المرسلات
قوله تعالى (والمرسلات عرفا ... )
قال البخاري: حدثنا عبدة بن عبد الله، أخبرنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: "كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غار، فنزلت (والمرسلات عرفا) وإنا لنتلقاها من فيه إذ خرجت حية من جحرها، فابتدرناها لنقتلها، فسبقتنا فدخلت جحرها، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وقيت شركم كما وقيتم شرّها".
وعن إسرائيل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، مثله.
قال: "وإنا لنتلقاها من فيه رطبة". وتابعه أبو عوانة عن مغيرة.
(الصحيح 6/409- ك بدء الخلق، في إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ح 3317) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 4/1755- ك السلام، ب قتل الحيات وغيرها ح 2234) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (والمرسلات عرفا) قال: هي الرياح.
قوله تعالى (فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فالعاصفات عصفا) قال: الرياح.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والناشرات نشرا) قال: الرياح.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فالفارقات فرقا) يعنى القرآن ما فرق الله فيه بين الحق والباطل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فالملقيات ذكرا) قال: هي الملائكة تلقى الذكر على الرسل وتبلغه.(4/577)
عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19) أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21)
قوله تعالى (عذرا أو نذراً إنما توعدون لواقع فإذا النجوم طمست)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (عذراً أو نذراً) . قال: عذراً من الله ونذرا منه إلى خلقه.
قال ابن كثير: أي: ذهب ضوؤها كقوله (وإذا النجوم انكدرت) وكقوله (وإذا الكواكب انتثرت) .
قوله تعالى (وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ)
انظر سورة الرحمن آية (37) ، وسورة الحاقة آية (16) .
قوله تعالى (وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ)
قال ابن كثير: أي: ذهب بها، فلا يبقى لها عين ولا أثر كقوله (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (أقتت) قال: أجلت.
وانظر سورة المائدة آية (109) قوله تعالى (يوم يجمع الله الرسل) .
قوله تعالى (لأي يوم أجلت ليوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لأي يوم أجلت ليوم الفصل) يوم يفصل فيه بين الناس بأعمالهم إلى الجنة وإلى النار.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما أدراك ما يوم الفصل) تعظيما لذلك اليوم.
قوله تعالى (ويل يومئذ للمكذبين)
انظر سورة الطور (11) ، وسورة البقرة آية (79) .
قوله تعالى (ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين)
انظر سورة المؤمنون آية (13-14) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (في قرار مكين) قال: الرحم.(4/578)
إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28) انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35)
قوله تعالى (فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون ويل يومئذ للمكذبين)
قال ابن كثير: يعني إلى مدة معينة من ستة أشهر أو تسعة أشهر. ولهذا قال (فقدرنا فنعم القادرون ويل يومئذ للمكذبين) .
وانظر سورة البقرة آية (79) لبيان: الويل.
قوله تعالى (ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتاً وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (ألم نجعل الأرض كفاتا) يقول: كِنا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا) يسكن فيها حيهم، ويدفن فيها ميتهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (رواسي شامخات) يقول: جبالا مشرفات.
قوله تعالى (انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ)
قال البخَاري: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى، أخبرنا سفيان، حدثني عبد الرحمن بن عابس سمعت ابن عباس رضي الله عنهما (ترمى بشرر كالقصر) كنا نعمد إلى الخشبة ثلاثة أذرع وفوق ذلك فنرفعه للشتاء فنسميه القصر (كأنه جمالت صُفر) حِبال السفن، تُجمع حتى تكون كأوساط الرجال.
(الصحيح 8/556- ك التفسير- سورة المرسلات، الآية ح 4933) .
قوله تعالى (هذا يوم لا ينطقون)
قال القاسمي: (هذا يوم لا ينطقون) أي: بحجة، أو في وقت من أوقاته لأنه يوم طويل ذو مواقف ... فلا ينافي آية (والله ربنا ما كنا مشركين) سورة الأنعام: 6، وآية (ولا يكتمون الله حديثا) سورة النساء: 42،.ا. هـ.
(محاسن التأويل 10/23) .(4/579)
هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)
وقوله في وقت من أوقاته - أي وقت من أوقات يوم الحساب - يؤيده قوله تعالى (قال اخسئوا فيها ولا تكلمون) سورة المؤمنون آية: 108. فهم لا ينطقون بعد هذا الأمر والتوبيخ للكافرين.
قوله تعالى (ويل يومئذ للمكذبين)
تقدمت برقم (15) من السورة نفسها.
قوله تعالى (فإن كان لكم كيد فكيدون)
قال ابن كثير: تهديد شديد ووعيد أكيد، أي: إن قدرتم على أن تتخلصوا من قبضتي، وتنجوا من حكمي فافعلوا، فإنكم لا تقدرون على ذلك، كما قال تعالى (يا معشر الجن والإنس إن استطعم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) وقد قال تعالى (ولا تضرونه شيئا) وفِى الحديث: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني".
وانظر سورة هود آية (57) .
قوله تعالى (كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون)
قال ابن كثير: خطاب للمكذبين بيوم الدين وأمرهم أمر تهديد ووعيد فقال تعالى (كلوا وتمتعوا قليلا) أي: مدة قليلة قريبة قصيرة (إنكم مجرمون) أي: ثم تساقون إلى النار التي تقدم ذكرها (ويل يومئذ للمكذبين) كما قال تعالى (نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ) .
قوله تعالى (فبأي حديث بعده يؤمنون)
قال ابن كثير: أي: إذا لم يؤمنوا بهذا القرآن فبأي كلام يؤمنون به؟! كقوله تعالى: (فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون) .(4/580)
عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)
سورة النَّبَإِ
قوله تعالى (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (النباٍ العظيم) : القرآن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (الذي هم فيه مختلفون) : مصدق به ومكذب، فأما الموت فإنهم أقروا به كلهم لمعاينتهم إياه، واختلفوا في البعث بعد الموت.
قوله تعالى (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ)
قال الشيخ عطية سالم مكمل كتاب أضواء البيان: لم يبين هنا هل علموا أم لا.
ولكن ذكر آيات القدرة الآخرة على إحيائهم بعد الموت. بمثابة إعلامهم بما اختلفوا فيه، لأنه بمنزلة من يقول لهم: إن كنتم مختلفين في إثبات البعث ونفيه، فهذه هي آياته ودلائله فاعتبروا بها وقايسوه عليها، والقادر على إيجاد تلك، قادر على إيجاد نظيرها.
ولكن العلم الحقيقي بالمعاينة لم يأت بعد لوجود السين وهي للمستقبل، وقد جاء في سورة التكاثر في قوله: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ) ، وهذا الذي سيعلمونه يوم الفصل المنصوص عليه في السياق، (إن يوم
الفصل كان ميقاتاً) .
قوله تعالى (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (مهادا) : بساطا.
قوله تعالى (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والجبال أوتادا) : والجبال للأرض أوتادا أن تميد بكم.(4/581)
وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22)
قوله تعالى (وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (النهار معاشا) : يبتغون فيه من فضل الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وهاجا) : مضيئا.
قوله تعالى (وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (المعصرات) : السحاب، (ثجاجا) : منصبا.
قوله تعالى (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ألفافا) : مجتمعة
قوله تعالى (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن يوم الفصل كان ميقاتا) : هو يوم عظمة الله، يفصل الله فيه بين الأولين والآخرين بأعمالهم.
قوله تعالى (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا)
انظر سورة الأنعام آية (73) فيها حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً (الصور) : قرن ينفخ فيه.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (أفواجا) : زمرا زمرا.
انظر حديث أبي هريرة عند البخاري المتقدم عند الآية (68) من سورة الزمر.
قوله تعالى (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآَبًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن جهنم كانت مرصادا) : يعلمنا أنه لا سبيل إلى الجنة حتى يقطع النار.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (مآبا) : مرجعا ومنزلا.(4/582)
لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31)
قوله تعالى (لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الحسن عن أبي هريرة (أحقابا) : الحقب: ثمانون سنة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لابثين فيها أحقابا) : وهو ما لا انقطاع له كلما مضى حقب جاء حقب بعده.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا) يقول: الزمهرير.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وغساقا) : ما يسيل من بين جلده ولحمه.
قوله تعالى (جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (جزاء وفاقا) : وافق أعمالهم.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (إنهم كانوا لا يرجون حسابا) : لا يبالون الحساب ولا يخافونه.
قوله تعالى (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا)
قال الشيخ عطية سالم مكمل كتاب أضواء البيان: واللفظ عام في كل شيء، ويشهد له قوله تعالى (إنا كل شيء خلقناه بقدر) وبقدر فيه معنى الإحصاء، وفي السنة: حديث القلم المشهور، وكقوله: (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) وتقدم في سورة الجن قوله تعالى: (وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عدداً) .
قوله تعالى (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله تعالى: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) : منتزها.(4/583)
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (إن للمتقين مفازا) : مفازا من النار إلى الجنة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله تعالى: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) قال: فازوا بأن نجوا من النار.
قو له تعالى (وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أَبي طلحة عن ابن عباس (وكواعب) : ونواهد، وقوله (أترابا) : مستويات.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (أترابا) : سنا واحدا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (دهاقا) : ممتلئا.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (دهاقا) : الملأى المتتابعة.
قوله تعالى (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا) أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (لغوا ولا كذابا) قال: لا باطلا ولا مأثما.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (عطاء حسابا) : عطاء كثيرا.
قوله تعالى (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (خطابا) : كلا ما إلا من أذن له.
قوله تعالى (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (يوم يقوم الروح) : هو ملك أعظم الملائكة خلقا.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (الروح) : هم بنو آدم.(4/584)
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39) إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) : إلا من أذن له الرب بشهادة أن لا اله إلا الله، وهي منتهى الصواب.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (صوابا) : حقا في الدنيا وعمل به.
قوله تعالى (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (مئابا) : سبيلا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا) قال: اتخذوا إلى الله مآبا بطاعته، وما يقربهم إليه.
قوله تعالى (إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الحسن عن الحسن (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه) قال: ذاك المؤمن الكيس الحذر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا) وهو الهالك المفرط العاجز، وما يمنعه أنه يقول ذلك وقد راج عليه عورات عمله، وقد استقبل الرحمن وهو عليه غضبان، فتمنى الموت يومئذ، ولم يكن في الدنيا شيء أكره عنده من الموت.(4/585)
وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7)
سورة النازعات
قوله تعالى (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مسروق (والنازعات) : الملائكة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والنازعات غرقاً) قال: الموت.
قوله تعالى (وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والناشطات) : الموت.
قوله تعالى (وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والسابحات سبحاً) قال: هي النجوم.
قوله تعالى (فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا)
أخرج الطبري بسندَه الصحيح عن مجاهد (فالسابقات سبقا) قال: الموت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فالسابقات سبقا) قال: هي النجوم.
قوله تعالى (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (فالمدبرات) : الملائكة.
لقوله تعالى (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ)
قال الترمذي: حدثنا هناد وحدثنا قبيصة عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل
عن الطفيل بن أبيّ بن كعب عن أبيه قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا ذهب ثلثا الليل قام
فقال: يا أيها الناس اذكروا الله اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما
فيه جاء الموت بما فيه، قال أبي: قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكَم
أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئتَ. قال: قلتُ الربع؟ قال: ما شئت، فإن
زدت فهو خير لك، قل النصف؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قال:
قلتُ فالثلثين؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي
كلها قال: إذاً تكفى همك، ويُغفر لك ذنبك.
(السنن 4/636-637- ك صفة القيامة، ب 23 ح 2457. قال الترمذي: حديث حسن صحيح
وأخرجه الحاكم في (المستدرك 2/513- ك التفسير من طريق: معاذ بن نجدة القرشي، عن قبيصة به، وقال:
صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وابن الملقن وأخرجه الضياء المقدمي في (المختارة 3/388-390 ح
1184-1185 من طريق: أحمد بن منبع، ومحمد بن معمر كلاهما عن قبيصة به قال محققه: إسناده حسن)
وحسنه الألباني في (السلسلة الصحيحة 2/638 ح 954) .(4/586)
يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (يوم ترجف الراجفة) : النفخة الأولى. وقوله (تَتْبَعُهَا الرّادِفَة) يقول: النفخة الثانية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة) هما: الصيحتان، أما الأولى فتميت كل شيء بإذن الله، وأما الأخرى فتحيي كل شيء بإذن الله.
قوله تعالى (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (واجفة) خائفة.
قوله تعالى (أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (خاشعة) : ذليلة.
قوله تعالى (يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (الحافرة) : الأرض، يقولون: أنبعث خلقا جديداً؟.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (الحافرة) الحياة.
قوله تعالى (أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (نخرة) : مرفوتة.
قوله تعالى (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (زجرة واحدة) : صيحة واحدة.
قوله تعالى (فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (بالساهرة) : فإذا هم يخرجون من قبورهم فوق الأرض، والساهرة: الأرض.(4/587)
إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26) أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29)
لقوله تعالى (إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (طوى) : اسم الوادي.
قوله تعالى (فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (الآية الكبرى) : عصاه ويده.
قوله تعالى (ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (ثم أدبر يسعى) : يسعى بالفساد، كقوله (ويسعون في الأرض فسادا) .
قوله تعالى (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (نكال الآخرة والأولى) : عقوبة الدنيا والآخرة.
قوله تعالى (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا)
قال الشيخ عطية سالم مكمل كتاب أضواء البيان: وقد جاء الجواب مصرحا بأن السماء أشد خلقا منهم في قوله تعالى: (لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون) . وبين ضعف الإنسان في قوله في نفس المعنى (فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب) .
قوله تعالى (رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (رفع سمكها فسواها) : رفع بنيانها بغير عمد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (رفع سمكها فسواها) قال: بنيانها.
قوله تعالى (وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وأغطش ليلها) : أظلم ليلها.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وأخرج ضحاها) : أخرج نورها.(4/588)
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42)
قوله تعالى (وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ذكر خلق الأرض قبل السماء ثم ذكر السماء قبل الأرض، وذلك أن الله خلق الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات، ثم دحا الأرض بعد ذلك، فذلك قوله (والأرض بعد ذلك دحاها) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (دحاها) أي: بسطها.
قوله تعالى (وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والجبال أرساها) أي: أثبتها لا تميد بأهلها.
قوله تعالى (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (الطامة الكبرى) : من أسماء يوم القيامة، عظمه الله، وحذره عباده.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (فأما من طغى) يعني: من عصى.
تقوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا)
قال البخاري: حدثنا أحمد بن المقدام حدثنا الفضيل بن سليمان حدثنا أبو حازم حدثنا سهل بن سعد قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال بإصبعيه هكذا بالوسطي والتي تلي الإبهام: "بعثت والساعة كهاتين".
(صحيح البخاري 8/560 - ك التفسير - سورة النازعات الآية ح 4936) .
قال الطبري: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: لم يزل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسأل عن الساعة، حتى أنزل الله عز وجل (فيم أنت عن ذكراها إلى ربك منتهاها) .
(التفسير 30/49) ، وأخرجه البزار في مسنده (كشف الأستار ح 2279) ، وأخرجه الحاكم في (المستدرك 2/513) ، كلاهما من طريق ابن عيينة به قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم(4/589)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)
يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/133) .
وقد روى عن عروة مرسلا بدون ذكر عائشة، لكن الذين وصلوه جماعة كثيرون حفاظ وأثبات، ومع ذلك فله شاهد من حديث طارق بن شهاب بنحوه، أخرجه النسائي (التفسير 2/490 ح 665) بإسناد حسن، وقال عنه ابن كثير: إسناد جيد قوى (التفسير 2/432) وانظر حاشية التفسير للنسائي، ففيه مزيد تفصيل.
وانظر سورة الأعراف آية (187) .
قوله تعالى (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا)
قال ابن كثير: ثم قال تعالى (يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها) أي: ليس علمها إليك ولا إلى أحد من الخلق، بل مَرَدها ومَرجعها إلى الله عز وجل، فهو الذي يعلم وقتها على التعيين؛ (ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حَفِيٌّ عنها قل إنما علمها عند الله) وقال ها هنا (إلى ربك منتهاها) . ولهذا لما سأل جبريل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن وقت الساعة قال: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل".
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (فيم أنت من ذكراها) : من ذكر الساعة.
قوله تعالى (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) وقت الدنيا في أعين القوم حين عاينوا الآخرة.(4/590)
أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)
سورة عبس
نزولها
قال الترمذي: حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي، حدثني أبي قال: هذا ما عرضنا على هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: أنزل (عبس وتولى) في ابن أم مكتوم الأعمى، أتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل من عظماء المشركين فجعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعرض عنه ويُقبل على الآخر ويقول: أترى بما تقول بأسا، فيُقال لا، ففي هذا أنزل.
(السنن 5/432- ك التفسير وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي وأخرجه ابن حبان (الإحسان 2/293-294 ح 535 من طريق: عبد الرحيم بن سليمان) ، والحاكم في (المستدرك 2/514 من طريق محمد بن زياد، عن سعيد بن يحيى كلاهما عن هشام بن عروة به وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه الأرناؤوط محقق الإحسان) .
قوله تعالى (أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أن جاءه الأعمى) قال: رجل من بني فهر يقال له ابن أمّ مكتوم.
وأخرجه الطبري بنحوه بسنده الحسن عن قتادة.
قوله تعالى (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أما من استغنى) قال: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، (وما عليك ألا يزكى) يقول: وأي شيء عليك أن لا يتطهّر من كفره فيسلم؟، (وأما من جاءك يسعى وهو يخشى) يقول: وأما هذا الأعمى الذي جاءك سعيا، وهو يخشى الله ويتقيه (فأنت عنه تلهى) يقول: فأنت عنه تعرض، وتشاغل عنه بغيره وتغافل.(4/591)
فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22)
قوله تعالى (فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فمن شاء ذكره في صحف مكرّمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة) قال: هم القراء.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (بأيدي سفرة) يقول: كتبة.
قوله تعالى (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) قال: على نحو (إنا هديناه السّبيل) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) قال: أخرجه من بطن أمه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: قال الحسن في قوله (ثمّ السبيل يسّره) قال: سبيل الخير.
قوله تعالى (ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ)
قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي، حدثنا الأعمش قال: سمعت أبا صالح قال: سمعت أبا هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لما بين النفختين أربعون قالوا: يا أبا هريرة، أربعون يوماً؟ قال: أبيت قال: أربعون سنة؟ قال: أبيت قال: أربعون شهراً؟ قال: أبيت، ويبلى كل شي من الإنسان، إلا عَجْب ذنبه، فيه يُركب الخلق.
(الصحيح 8/414 ح 4814- ك التفسير، ب (ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 4/2270 ح 2955- ك الفتن، ب ما بين النفختين) .
قال الطبري (ثم إذا شاء أنشره) يقول: ثم إذا شاء أنشره بعد مماته وأحياه، يقال. أنشر الله الميت،. بمعنى: أحياه. ا. هـ.
ويدل عليه قوله تعالى (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) سورة الزخرف آية: 11.
وانظر سورة البقرة آية (259) .(4/592)
كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)
قوله تعالى (كَلاّ لَمّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (لَمّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ) قال: لا يقضي أحد أبداً ما افترض عليه.
قوله تعالى (فَلْيَنظرِ الإنسان إِلَى طَعَامِهِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فلينظر الإنسان إلى طعامه) قال: آية لهم.
قوله تعالى (وَعِنَباً وَقَضباً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وقضبا) يقول: الفصفصة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقضبا) قال: والقضب: الفصافص. -قال الطبري: الفصفصة: الرّطبة-.
قوله تعالى (وَحَدَائقَ غلْبًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وحدائق غلبا) يقول: طوالا.
قوله تعالى (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وفاكهة) قال: ما أكل الناس.
قال ابن خزيمة: حدثنا علي بن المنذر، حدثنا ابن فضيل، حدثنا عاصم بن كليب الجرمي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: كان عمر يدعوني مع أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فيقول لي: لا تكلم حتى يتكلموا قال: فدعاهم فسألهم عن ليلة القدر، فقال: أرأيتم قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "التمسوها في العشر الأواخر" أي ليلة ترونها؟ قال: فقال بعضهم: ليلة إحدى، وقال بعضهم: ليلة ثلاث، وقال آخر: خمس، وأنا ساكت، قال: فقال: مالك لا تتكلم؟ قال: قلت: إن أذنت في يا أمير المؤمنين تكلمت قال: فقال: ما أرسلت إليك إلا لتتكلم، قال: فقلت: أحدثكم برأيي؟ قال: عن ذلك نسألك قال، فقلت: السبع(4/593)
وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32) فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)
رأيت الله عز وجل ذكر سبع سموات، ومن الأرض سبعاً، وخلق الإنسان من سبع، ونبت الأرض سبع، قال، فقال: هذا أخبرتني ما أعلم، أرأيت ما لا أعلم؟ ما هو قولك نبت الأرض سبع؟ قال: فقلت: إن الله يقول: (ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا) إلى قوله (وفاكهة وأبا) والأب نبت الأرض ما يأكله الدواب ولا يأكله الناس قال، فقال عمر: أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الذي لم تجتمع شؤون رأسه بعد إني والله ما أرىَ القول إلا كما قلت، وقال: قد كنت أمرتك أن لا تكلم حتى يتكلموا، وإني آمرك أن تتكلم معهم.
(الصحيح 3/322-323 ح2172) ، قال محققه: إسناده صحيح وأخرجه (المستدرك 1/437-438 من طريق عبد الله بن إدريس عن عاصم به) ، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وذكره ابن حجر مختصراً في تفسير أباً وصحح إسناده (الفتح 13/271) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وأبّا) : الثمار الرطبة.
قوله تعالى (مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة عن الحسن (مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) قال: متاعا لكم الفاكهة، ولأنعامكم العشب.
قوله تعالى (فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فإذا جاءت الصاخّة) قال: هذا من أسماء يوم القيامة عظّمه الله، وحذّره عباده.
قوله تعالى (يَوْمَ يَفِرّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأمّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ)
قال أبو كثير: وفي الحديث الصحيح -في أمر الشفاعة-: أنه إذا طلب إلى كل من أولي العزم أن يشفع عند الله في الخلائق، يقول: نفسي نفسي، لا أسأله اليوم إلا نفسي، حتى أن عيسى ابن مريم يقول: لا أسأله اليوم إلا نفسي، لا أسأله مريم التي ولدتني، ولهذا قال تعالى: (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه) .(4/594)
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)
قوله تعالى (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)
قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا محمد بن الفضل، حدثنا ثابت بن يزيد، عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "تحشرون حفاة عراة غرلا"، فقالت امرأة: أيبصر أو أيرى بعضنا عورة بعض؟
قال "يا فلانة: (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) ".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (السنن 5/432-433 - ك التفسير، ب- سورة عبس-) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/514-515 من طريق أنس) ، وصححه ووافقه الذهبي.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (لكلّ امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) أفضى إلى كلّ إنسان ما يشغله عن الناس.
قوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (مسفرة) يقول: مشرقة.
قوله تعالى (تَرْهَقهَا قرة أُولَئِكَ همُ الْكفَرَة الْفَجَرَةُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ترهقها قترة) يقول: تغشاها ذلة.
قال ابن كثير: وقوله (أولئك هم الكفرة الفجرة) أي: الكفرة قلوبهم، الفجرة في أعمالهم، كما قال تعالى: (ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً) . سورة نوح آية: 27.(4/595)
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3)
سورة التكوير
فضلها
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا عبد الله بن بحير الصنعاني القاص أن عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني أخبره أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ: (إذا الشمس كورت) و (إذا السماء انفطرت) و (إذا السماء انشقت) .
(المسند 2/36 وأخرجه الترمذي ح3333 الحاكم من طريق عبد الرزاق به) ، وقال الترمذي: حسن غريب. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 4/576 وذكره الهيثمي وقال ورواه أحمد بإسنادين ورجالهما ثقات (مجمع الزوائد 7/134) ، وصححه الألباني (سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/70 ح1081) ، أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة مرفوعاً: الشمس والقمر مكوران يوم القيامة (الصحيح - بدء الخلق، ب صفة الشمس والقمر ح3200) ، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 4/576 - ك الأهوال، ووافقه الذهبي) .
قوله تعالى (إِذَا الشَّمْسُ كُوّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إذا الشّمس كوّرت) يقول: أظلمت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإذا النّجوم انكدرت) قال: تساقطت وتهافتت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وإذا النّجوم انكدرت) يقول: تغيرت.
قوله تعالى (وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ)
قال الشيخ عطية سالم مكمل كتاب أضواء البيان: أي ذهب بها من مكانها.
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه، بيان حالة الجبال في نهاية الدنيا في عدة مواطن. من أهمها عند قوله تعالى في سورة طه (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا) ، وعند قوله تعالى من سورة الكهف: (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة) .(4/596)
وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)
قوله تعالى (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطلَتْ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وإذا العشار عطّلت) قال: عشار الإبل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإذا العشار عطّلت) قال: عشار الإبل سيبت.
قوله تعالى (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ)
أخرج الطبري بسنده الجيد عن أبي العالية، قال: حدثني أبىّ بن كعب (وإذا الوحوش حشرت) قال: اختلطت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإذا الوحوش حشرت) هذه الخلائق موافية يوم القيامة، فيقضي الله فيها ما يشاء.
قوله تعالى (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإذا البحار سجّرت) قال: ذهب ماؤها فلم يبق فيها قطرة.
أخرج الطبري بسنده الجيد عن أبي العالية، قال: حدثني أبي بن كعب، قال: ستّ آيات قبل يوم القيامة بينا الناس في أسواقهم، إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك، إذ تناثرت النجوم، فبينما هم كذلك، إذ وقعت الجبال على وجه الأرض، فتحرّكت واضطربت واحترقت، وفزعت الجن إلى الإنس، والإنس إلى الجنّ، واختلطت الدوابّ والطير والوحش، وماجوا بعضهم في بعض (وإذا الوحوش حشرت) قال: اختلطت، (وإذا العشار عطّلت) قال: أهملها أهلها، (وإذا البحار سجّرت) قال: قالت الجنّ للإنس: نحن نأتيكم بالخبر، قال: فانطلقوا إلى البحار، فإذا هي نار تأجج، قال: فبينما هم كذلك إذ تصدّعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلي، وإلى السماء السابعة العليا، قال: فبينا هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم.
وانظر سورة الانفطار آية (3) : (وإذا البحار فجرت) .(4/597)
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10)
قوله تعالى (وَإِذَا النُّفُوسُ زوّجَتْ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وَإِذَا النُّفُوسُ زوّجَتْ) قال: الأمثال من الناس جمع بينهم.
قال الحافظ ابن حجر: قوله -أي الإمام البخاري- (وقال عمر: النفوس زوجت، يزوج نظيره من أهل الجنة والنار، ثم قرأ (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) . وصله عبد بن حميد والحاكم وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه من طريق الثوري وإسرائيل وحماد ابن سلمة وشريك كلهم عن سماك بن حرب سمعت النعمان بن بشير سمعت عمر يقول في قوله (وإذا النفوس زوجت) : هو الرجل يزوج نظيره من أهل الجنة، والرجل يزوج نظيره من أهل النار، ثم قرأ (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) . وهذا إسناد متصل صحيح، ولفظ الحاكم: هما الرجلان يعملان العمل يدخلان به الجنة والنار: الفاجر مع الفاجر والصالح مع الصالح.
(فتح الباري 8/694) .
قوله تعالى (وَإِذَا الْمَوْءُودَة سُئِلَتْ بِأَيّ ذَنب قُتِلَتْ)
قال مسلم: حدثنا عبيد الله بن سعيد ومحمد بن أبي عمر قالا: حدثنا المقرئ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، حدثني أبو الأسود عن عروة، عن عائشة، عن جدامة بنت وهب، أخت عكاشة، قالت: حضرت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أناس، وهو يقول: "لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، فنظرت في الروم وفارس، فإذا هم يغيلون أولادهم، فلا يضر أولادهم ذلك شيئاً". ثم سألوه عن العزل؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ذلك الوأد الخفي".
زاد عبيد الله في حديثه عن المقري وهي: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ) .
(الصحيح مسلم 2/1067 - ك النكاح، ب جواز الغيلة وهي وطء المرضع وكراهة العزل ح1442) .
قوله تعالى (وَإِذَا الصُّحفُ نُشِرَت)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإذا الصُّحف نشرت) : صحيفتك يا ابن آدم تملي ما فيها، ثم تطوى، ثم تنشر عليك يوم القيامة.(4/598)
وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14) فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)
قوله تعالى (وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (كشطت) قال: جذبت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإذا الجحيم سعرت) سعرها: غضب الله، وخطايا بني آدم.
قوله تعالى (وَإِذَا الجَنّة أُزْلِفَتْ)
انظر سورة ق آية (31) لبيان أزلفت أي: أُدنيت.
قوله تعالى (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ)
انظر سورة الانفطار آية (5) قوله تعالى (علمت نفس ما قدمت وأخرت) .
قوله تعالى (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن علي بن أبي طالب (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) قال: هي النجوم، تخنس بالنهار، وتكنس بالليل.
وأخرجه سعيد بن منصور بسند حسن عن علي بن أبي طالب (انظر فتح الباري 8/694) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) قال: هي النجوم تبدو بالليل: تخنس بالنهار.
قوله تعالى (وَاللَّيلِ إِذَا عَسْعَسَ)
أخرج الطبريَ بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (واللّيل إذا عسعس) يقول: إذا أدبر.
قوله تعالى (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) : إذا أضاء وأقبل.
قوله تعالى (إِنّهُ لَقَولُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنَّه لقول رسول كريم) يعني: جبريل.
قوله تعالى (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ) مطاع عند الله (ثمّ أمين) .(4/599)
وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28)
قوله تعالى (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بالأفق المبين) قال: كنا نحدّث أن الأفق حين تطلع الشمس.
وانظر حديث البخاري المتقدم تحت الآية رقم (13) من سورة النجم وهو: "أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى جبريل في صورته ساداً ما بين الأفق".
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وما هو على الغيب بضنين) قال: ما يضنّ عليكم بما يعلم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما هو على الغيب بضنين) قال: إن هذا القرآن غيب، فأعطاه الله محمدا، فبذله وعلّمه ودعا إليه، والله ما ضنّ به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال ابن حجر: وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن إبراهيم النخعي قال: الظنين المتهم، والضنين البخيل.
وروى ابن أبي حاتم بسند صحيح: كان ابن عباس يقرأ (بضنين) قال: والضنين والظنين سواء، يقول ما هو بكاذب، والظنين المتَّهم والضنين البخيل.
(فتح الباري 8/694 - وانظر تفسير عبد الرزاق 2/353) .
قوله تعالى (فَأيْنَ تَذهَبُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فأين تذهبون) يقول: فأين تعدلون عن كتابي وطاعتي.
قوله تعالى (لِمَن شَاءَ مِنكمْ أَن يَسْتَقِيمَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (لمن شاء منكم أن يستقيم) قال: يتبع الحقّ.
انظر سورة الكهف آية (24) ، وسورة الإنسان آية (30) .(4/600)
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)
سورة الانفطار
فضلها
انظر حديث الإمام أحمد المتقدم عند الآية رقم (1) من سورة التكوير.
قوله تعالى (إِذَا السّمَاءُ انفَطَرَتْ)
قال ابن كثير: يقول الله تعالى: (إذا السماء انفطرت) أي: انشقت كما قال: (السماء منفطر به) سورة المزمل آية: 18.
قوله تعالى (وَإِذَا الْبِحَارُ فجّرَتْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وإذا البحار فجّرت) يقول: بعضها في بعض.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإذا البحار فجرت) قال: فجر عذبها في مالحها، ومالحها في عذبها.
وانظر سورة التكوير آية (6) (وإذا البحار سجرت) وفيها رواية الطبري عن أُبي بن كعب والشاهد فيه: فانطلقوا إلى البحار فإذا هي نار تأجج ... قوله تعالى (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وإذا القبور بعثرت) يقول: بحثت.
قوله تعالى (عَلِمَتْ نَفْسٌ مّا قَدّمَتْ وَأَخّرَتْ)
قال الحاكم: أخبرنا الحسن بن حليم المروزي، ثنا أبو الموجه، أنبأ عبدان، أنبأ عبد الله، أنبأ هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي عبيدة بن حذيفة عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال: قام سائل على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأل فسكت القوم، ثم إن رجلاً أعطاه فأعطاه القوم، لقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من استنَّ خيراً فاستن به فله أجره ومثل أجور من اتبعه غير منتقص من أجورهم شيئا، ومن استنَّ شراً فاستن به فعليه وزره ومثل أوزار من اتبعه غير منتقص من أوزارهم شيئاً" قال: وتلا حذيفة بن اليمان (علمت نفس ما قدمت وأخرت) .(4/601)
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا اللفظ إنما اتفقا على حديث جرير بن عبد الله - رضي الله عنه -: من سنَّ في الإسلام فقط. (المستدرك 2/516-517 - ك التفسير) ، وصححه الذهبي وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعاً رواه ابن ماجة وقال البوصيري: إسناده صحيح (السنن - المقدمة، ب من سن حسنة أو سيئة ح204) وصححه الألباني في (صحيح سنن ابن ماجة ح195) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (علمت نفس ما قدمت وأخرت) قال: ما قدمت من خير، وأخرت من حق الله عليها لم تعمل به.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ما غرك بربك الكريم) شيء ما غرّ ابن آدم، هذا العدو الشيطان.
وانظر عن خلق الإنسان سورة الحج آية (5) وسورة المؤمنون آية (13-14) وانظر عن قوله (فسواك فعدلك) سورة الحجر آية (29) سورة ص آية (72) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (في أي صورة ما شاء ركبك) قال: في أي شبه أب أو أم أو خال أو عم.
قوله تعالى (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (بل تكذبون بالدين) قال: بالحساب.
انظر سورة الزخرف آية (80) ، وسورة يونس آية (21) ، وسورة ق آية (18) (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) .
قوله تعالى (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ) انظر عن نعيم الأبرار في سورة المطففين آية (18-28) قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) .(4/602)
فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)
وانظر عن الفجار سورة المطففين آية (7-17) قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (يوم الدين) قال: من أسماء يوم القيامة، عظّمه الله، وحذره عباده.
قوله تعالى (وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَائبينَ)
قال الشيخ عطية سالم مكمل كتاب أضواء البيان: دليل من أدلة خلود الكفار في النار. لقوله: (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ) كقوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) .
قوله تعالى (وَمَا أدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما أدراك ما يوم الدين) قال: تعظيما ليوم القيامة، يوم تدان فيه الناس بأعمالهم. ا. هـ.
وفي الآية التالية بيان لبعض صفات (يوم الذين) .
قوله تعالى (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والأمر يومئذ لله) قال: ليس ثم أحد يومئذ يقضي شيئا، ولا يصنع شيئا إلا ربّ العالمين.
وانظر سورة لقمان آية (33) قوله تعالى (واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جازٍ عن والده شيئًا) .(4/603)
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)
سورة المطففين
قوله تعالى (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ)
قال ابن ماجة: حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، ومحمد بن عقيل ابن خويلد قالا: ثنا علي بن الحسين بن واقد، حدثني أبي، حدثني يزيد النحوي؛ أن عكرمة حدثه عن ابن عباس؛ قال: لما قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً فأنزل الله سبحانه (ويل للمطففين) فأحسنوا الكيل بعد ذلك.
(السنن - التجارات، ب التوقي في الكيل والوزن - ح2223 قال البوصيري: هذا إسناد حسن، (مصباح الزجاجة 2/181) ، وقال الألباني: حسن (صحيح ابن ماجة 2/19) ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 7/208 ح4898) ، والحاكم في (المستدرك 2/33) في طرق عن يزيد النحوي به، قال الحاكم: حديث صحيح ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وصحح إسناده الحافظ ابن حجر (فتح الباري 8/695-696) ، وكذا (الحافظ السيوطي، ب النقول ص228) .
قال ابن حبان: أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، حدثنا عبد الجبار بن العلاء، حدثنا سفيان، حدثنا عثمان بن أبي سليمان، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة قال: قدمت المدينة والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخيبر ورجل من بني غفار يؤمهم في الصبح فقرأ في الأولى (كهيعص) وفي الثانية (ويل للمطففين) وكان عندنا رجل له مكيالان، مكيال كبير ومكيال صغير يعطي بهذا ويأخذ بهذا، فقلت: ويل لفلان.
(الإحسان 16/109-110 ح7156 - ك إخباره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن مناقب الصحابة قال محقق الإحسان: إسناده صحيح على شرط مسلم وعزاه الهيثمي للبزار. ثم قال: رجاله رجال الصحيح بن إسماعيل بن مسعود الجحدري - شيخ البزار- وهو ثقة، (مجمع الزوائد 7/135) .
وقد أمر الله تعالى بالوفاء بالكيل والوزن وحذر من النقصان منهما كما قال تعالى: (وأوفوا الكيل والميزان بالقسط) سورة الأنعام: 152. وقال تعالى في قصة شعيب مع أهل مدين (ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير) ... (ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم) سورة هود آية: 84-85.(4/604)
أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9)
قوله تعالى (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)
قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا معن، قال: حدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " (يوم يقوم الناس لرب العالمين) حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه".
(الصحيح 8/565 ح4938 - ك التفسير - سورة المطففين، ب (الآية) - و11/400 - ك الرقاق، ب قول الله تعالى (الآية) ح6531) ، (وأخرجه مسلم 4/2195 - ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب في صفة يوم القيامة - ح2862) .
قال مسلم: حدثنا الحكم بن موسى أبو صالح، حدثنا يحيى بن حمزة، عن عبد الرحمن بن جابر، حدثني سُليم بن عامر، حدثني المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "تُدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل". قال سليم بن عامر: فوالله! ما أدري ما يعني بالميل؟
أمسافة الأرض أم الميل الذي تُكتحل به العين. قال: "فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كَعْبيَه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حِقْوَيه، ومنهم من يُلجمه العرق إلجاماً". قال وأشار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده إلى فيه.
(الصحيح 4/2196 ح2864 - ك الجنة وصفة نعيمها، ب في صفة يوم القيامة) .
قوله تعالى (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (في سجين) قال: عملهم في الأرض السابعة لا يصعد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (في سجين) قال: في أسفل الأرض السابعة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كتاب مرقوم) قال: كتاب مكتوب.(4/605)
كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17) كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23)
قوله تعالى (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
قال ابن ماجة: حدثنا هشام بن عمار، ثنا حاتم بن إسماعيل والوليد بن مسلم، قالا: ثنا محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن المؤمن إذا أذنب، كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر، صُقل قلبه، فإن زاد زادت، فذلك الرّان الذي ذكره الله في كتابه (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) .
(السنن - الزهد، ب ذكر الذنوب ح4244 وأخرجه الترمذي من طريق قتيبة عن الليث عن محمد بن عجلان به) ، (الجامع الصحيح - التفسير - المطففين) ، وقال: حسن صحيح وقال الألباني: حسن.
(صحيح ابن ماجة 2/417) وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 1/5) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (بل ران على قلوبهم) قال: الخطايا حتى غمرته.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (كلاّ بل ران على قلوبهم) قال: يطبع.
تقوله تعالى (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (عليّين) قال: السماء السابعة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إن كتاب الأبرار لفي علّيّين) قال: الجنة.
قوله تعالى (كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يشهده المقربون) قال: من ملائكة الله.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (على الأرائك) قال: من اللؤلؤ والياقوت.(4/606)
يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27)
قوله تعالى (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (يسقون من رحيق مختوم) قال: من الخمر.
قال الطبري: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرّة، عن مسروق، عن عبد الله مختوم قال: ممزوج (ختامه مسك) قال: طعمه وريحه.
ورجاله ثقات، وإسناده صحيح.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ) قال: الخمر ختم بالمسك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ختامه مسك) قال: عاقبته مسك قوم تمزج لهم بالكافور، وتختم بالمسك.
قوله تعالى (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ)
قال الطبري: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله: مختوم، قال: ممزوج (من تسنيم) قال: عين في الجنة يشربها المقربون، وتمزج لأصحاب اليمين.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
قال الحافظ ابن حجر: وصل عبد بن حميد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: التسنيم يعلو شراب أهل الجنة، وهو صرف للمقربين، ويمزج لأصحاب اليمين.
(فتح الباري 6/321-8/696)(4/607)
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)
قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ) قال: في الدنيا، يقولون: والله إن هؤلاء لكذبة وما هم على شيء استهزاء بهم.
قوله تعالى (وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (انقلبوا فكهين) قال: معجبين.
وانظر سورة القيامة آية (33) قوله تعالى (ثم ذهب إلى أهله يتمطى) أي: يتبختر.
قوله تعالى (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ)
هذا جزاء ضحك الكفار من الذين آمنوا كما تقدم في الآية رقم (29) .
قوله تعالى (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) قال: جزى.(4/608)
إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5) يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)
سورة الانشقاق
قوله تعالى (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ)
انظر حديث الإمام أحمد المتقدم عند الآية رقم (1) من سورة التكوير لبيان فضلها.
قوله تعالى (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وأذنت لربها وحقت) قال: سمعت.
قوله تعالى (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (مدت) قال: يوم القيامة.
قوله تعالى (وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ) قال: أخرجت ما فيها من الموتى.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ)
قال البخاري: حدثنا حجاج، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أنس، عن عبادة بن الصامت، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه". قالت عائشة -أو بعض أزواجه- إنا لنكره الموت قال: ليس ذلك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه.
وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، فكره لقاء الله وكره الله لقاءه".
(الصحيح 11/364-365 ح6507 - ك الرقاق، في من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - ك الذكر والدعاء، ب من أحب لقاء الله ح2683) .(4/609)
يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) قال: إن كدحك يا ابن آدم لضعيف، فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل ولا قوة إلا بالله.
قوله تعالى (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا)
قال البخاري: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى عن عثمان بن الأسود قال: سمعت ابن أبي مليكة سمعت عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ح حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حمّاد بن زيد، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ح حدثنا مسدد، عن يحيى، عن أبي يونس حاتم بن أبي صغيرة، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس أحد يحاسب إلا هلك". قالت: قلت يا رسول الله جعلني الله فداءك، أليس يقول الله عز وجل (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً) قال: "ذاك العَرض يعرضون، ومن نوقش الحساب هلك".
أخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس أحد يحاسب إلا هلك"، قالت: قلت يا رسول الله جعلني الله فداءك، أليس يقول الله عز وجل (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً) ؟ قال: "ذاك العَرض يعرضون، ومن نوقش الحساب هلك".
(الصحيح 8/566-567 - ك التفسير - سورة الانشقاق، ب (الآية) - ح4939) ، (و11/407 ح6537- ك الرقاق، ب من نوقش الحساب عذب وفيه في آخره "وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب") ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2204 ح2876 - ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب إثبات الحساب) .
قوله تعالى (وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا) قال: إلى أهل أعد الله لهم الجنة.(4/610)
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15) فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)
قوله تعالى (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ) قال: يجعل يده من وراء ظهره.
قوله تعالى (فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا)
انظر سورة الفرقان آية (13) وسورة الإسراء آية (102) .
قوله تعالى (إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) قال: في الدنيا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) بلى قال: أن لا يرجع إلينا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) قال: يبعث.
قوله تعالى (فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (الشفق) قال: النهار كله.
قوله تعالى (وَاللّيْلِ وَمَا وَسَقَ)
(أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وما وسق) قال: وما جمع.
قوله تعالى (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (والقمر إذا اتسق) قال: إذا استوى.
قوله تعالى (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ)
أخرج البخاري بسنده عن مجاهد قال: قال ابن عباس (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) : "حالاً بعد حال"، قال: هذا نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.(4/611)
لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)
قال البخاري: حدثنا سعيد بن النضر، أخبرنا هُشيم، أخبرنا أبو بشر جعفر ابن إياس عن مجاهد قال: قال ابن عباس (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) : لحالاً بعد حال، قال: هذا نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(الصحيح 8/567 - ك التفسير - سورة الانشقاق، ب (الآية) - ح4940) .
قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد العزيز، حدثنا أبو عمر الصنعاني من اليمن عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً ذراعاً، حتى لو دخلوا جحر ضبّ تبعتموهم". قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟ ".
(الصحيح 13/300 ح7320 - ك الأعتصام، ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لتتبعن سنن ... ". وأخرجه
مسلم (الصحيح 2669 - ك العلم، ب اتباع سنن اليهود والنصارى) .
قوله تعالى (فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآَنُ لَا يَسْجُدُونَ)
قال البخاري: حدثنا أبو النعمان قال: حدثنا معتمر عن أبيه عن بكر عن أبي رافع قال: صلّيت مع أبي هريرة العتمة فقرأ (إذا السماء انشقت) فسجد، فقلت له. قال: سجدتُ خلف أبي القاسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه.
(الصحيح 2/292 - ك الأذان، ب الجهر في العشاء ح766) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 1/406 ح578 - ك المساجد ومواضع الصلاة، ب سجود التلاوة) .
قوله تعالى (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (يوعون) قال: يكتمون.
قوله تعالى (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (لهم أجر غير ممنون) يقول: غير منقوص.(4/612)
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3)
سورة البروج
قوله تعالى (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوج)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ذات البروج) قال البروج: النجوم.
قوله تعالى (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ)
قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا روح بن عبادة وعبيد الله بن موسى، عن موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة، وما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل منه، فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجاب الله له، ولا يستعيذ من شر إلا أعاذه الله منه.
(السنن 5/436 ح3339- ك التفسير، ب سورة البروج وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي) وله شاهد أخرجه الطبراني من حديث أبي مالك الأشعري (المعجم الكبير 3/338 ح3458) ، وحسنه الألباني بهذا الشاهد (السلسلة الصحيحة 4/4-6 ح1502) ، وصح عن ابن عباس ومجاهد فيما رواه الطبري عنهما.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وشاهد ومشهود) قال: الإنسان (ومشهود) قال: يوم القيامة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وشاهد ومشهود) قال: الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وشاهد) يقول الله (ومشهود) يوم القيامة.(4/613)
قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4)
قوله تعالى (قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدودِ)
قال مسلم: حدثنا هدّاب بن خالد، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر. فلمّا كبر قال للملك: إني قد كبرت، فابعث إلي غلاماً أعلمه السحر. فبعث إليه غلاماً يعلمه. فكان في طريقه، إذا سلك راهب. فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه. فكان إذا أتى الساحر مرّ بالراهب وقعد إليه. فإذا أتى الساحر ضربه. فشكا ذلك إلى الراهب. فقال: إذا خشيتَ الساحر فقل: حبسني أهلي. وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر.
فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس. فقال: اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجراً فقال: اللهم! إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة. حتى يمضى الناس. فرماها فقتلها.
ومضى الناس. فأتى الراهب فأخبره. فقال له الراهب: أي بُنيّ! أنت اليوم أفضل مني. قد بلغ من أمرك ما أرى. وإنك ستُبتلى. فإن ابتليت فلا تدلّ علىّ.
وكان الغلام يُبرئ الأكمه والأبرص ويُداوي الناس من سائر الأدواء فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال: ما ههنا لك أجمع، إن أنت شفيتني فقال: إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله فإن أنت آمنت بالله دعوتُ الله فشفاك فآمن بالله فشفاه الله فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك: من ردّ عليك بصرك؟ قال: ربي قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله فأخذه فلم يزل يُعذبه حتى دلّ على الغلام فجيء بالغلام فقال له الملك: أي بني! قد بلغ من سحرك ما تُبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل فقال: إني لا أشفي أحداً إنما يشفى الله، فأخذه فلم يزل يُعذبه حتى دل على الراهب فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه،(4/614)
ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه، فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال: اللهم! اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به فقال: اللهم! اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله. فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خُذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: باسم الله، رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهماً من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: باسم الله، رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صُدغه، فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات فقال الناس: آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام فأُتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد، والله! نزل بك حذرك قد آمن الناس فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخُدّت وأضرم النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها أو قيل له: اقتحم. ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام: يا أُمه! اصبري فإنك على الحق".
(الصحيح 4/2299-2301 - ك الزهد والرقائق، ب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قتل أصحاب الأخدود) قال: كان شقوق في الأرض بنجران كانوا يعذّبون فيها الناس.(4/615)
النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)
قوله تعالى (النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ) قال: يعني بذلك المؤمنين.
قوله تعالى (وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) قال: يعني بذلك الكفار.
قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إن الذين فتنوا) قالوا: عذبوا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات) قال: حرّقوهم بالنار.
قوله تعالى (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ)
انظر سورة الأنبياء آية (104) .
قوله تعالى (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (الغفور الودود) يقول: الحبيب.
قوله تعالى (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ذو العرش المجيد) يقول: الكريم.
قوله تعالى (بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بل هو قرآن مجيد) يقول: قرآن كريم.
قوله تعالى (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (في لوح محفوظ) قال: عند الله.(4/616)
وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)
سورة الطارق
قوله تعالى (وَالسّمَاءِ وَالطّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطّارِقُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَالسّمَاءِ وَالطّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطّارِقُ) قال: طارق يطرق بليل، ويخفى بالنهار.
ثم بيّن الله تعالى (ما الطارق) ، بأنه (النجم الثاقب) .
قوله تعالى (النَّجْمُ الثَّاقِبُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (النجم الثاقب) يعني: المضيء.
قوله تعالى (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن كل نفس لما عليها حافظ) : حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك إذا توفيته يا ابن آدم قبضت إلى ربك. ا. هـ.
وانظر سورة الانفطار آية (10-12) قوله تعالى (وإنّ عَلَيْكمْ لَحَافِظينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) .
قوله تعالى (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ)
قال ابن كثير: وقوله (خلق من ماء دافق) يعني: المني يخرج دفقاً من الرجل ومن المرأة، فيتولد منهما الولد بإذن الله عز وجل ولهذا قال: (يخرج من بين الصلب والترائب) يعني: صلب الرجل وترائب المرأة وهو صدرها.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (الترائب) قال: أسفل من التراقي.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (يخرج من بين الصلب والترائب) يقول: من بين ثدي المرأة.(4/617)
إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14)
قوله تعالى (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِر)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إنه على رجعه لقادر) قال: في الإحليل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنه على رجعه لقادر) قال: إن الله تعالى ذكره على بعثه وإعادته قادر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يوم تبلى السرائر) إن هذه السرائر مختبرة، فأسرّوا خيراً وأعلنوه إن استطعتم، ولا قوة إلا بالله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فما له من قوة ولا ناصر) قال: ينصره من الله.
قوله تعالى (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ذات الرجع) قال: السحاب يمطر، ثم يرجع بالمطر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والسماء ذات الرجع) قال: ترجع بأرزاق العباد كل عام، لولا ذلك هلكوا، وهلكت مواشيهم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (والأرض ذات الصدع) قال: مثل المأزم مأزم منى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والأرض ذات الصدع) قال: تصدع عن الثمار وعن النبات كما رأيتم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إنه لقول فصل) قال: حق.(4/618)
وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وما هو بالهزل) قال: بالباطل.
قوله تعالى (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا)
انظر سورة الأعراف آية (183) وانظر سورة هود آية (102) وفيها حديث أبي موسى في صحيح مسلم.
قوله تعالى (فَمَهّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (أمهلهم رويدا) قال: قريباً.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أمهلهم رويدا) قال الرويد: القليل.(4/619)
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5)
سورة الأعلى
قوله تعالى (سبح اسم ربك الأعلى)
قال الحاكم: أخبرنا إسماعيل بن أحمد، أخبرنا أبو يعلى، ثنا زهير ابن حرب، ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا قرأ (سبح اسم ربك الأعلى) قال: سبحان ربي الأعلى.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأخرجه أبو داود في (سننه ح883) وأحمد في (المسند 1/232 كلاهما من وكيع به وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ح785) ، (المستدرك 1/263-264 - ك الصلاة) ، ووافقه الذهبي.
انظر حديث عقبة بن عامر المتقدم عند الآية رقم (74) من سورة الواقعة.
قوله تعالى (الّذِي خَلَقَ فَسَوّى)
انظر سورة الانفطار آية (7) .
قوله تعالى (وَالَّذِي قَدّرَ فَهَدَى)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قدر فهدى) قال: هدى الإنسان للشقوة والسعادة، وهدى الأنعام لمراتعها.
قوله تعالى (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والذي أخرج المرعى) قال: نبت كما رأيتم من أصفر وأحمر وأبيض.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (غثاء أحوى) قال: هشيماً متغيراً.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (غثاء أحوى) قال: يعود يبساً بعد خضرة.(4/620)
سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13)
تقوله تعالى (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (سنقرئك فلا تنسى) قال: كان يتذكر القرآن في نفسه مخافة أن ينسى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (سنقرئك فلا تنسى) قال: كان لا ينسى شيء (إلا ما شاء الله) .
قوله تعالى (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىَ)
انظر سورة البقرة آية (185) وفيها حديث: "يسروا ولا تعسروا"، حديث: "خير دينكم أيسره". وسورة مريم آية (97) وسورة الليل آية (7) ، قوله تعالى (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى) قال: فاتقوا الله، ما خشي الله عبد قط إلا ذكره (ويتجنبها الأشقى) قال: فلا والله لا يتنكب عبد هذا الذكر زهدا فيه وبغضا لأهله إلا شقي بين الشقاء. ا. هـ.
وقد بين الله تعالى مصير الأشقى في الآية التالية (الذي يصلى النار الكبرى) .
قوله تعالى (ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى)
قال مسلم: وحدثني نصر بن علي الجهضمي، حدثنا بشر (يعني ابن المفضل) عن أبي مسلمة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أمّا أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون. ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم (أو قال بخطاياهم) فأماتهم إماتة. حتى إذا كانوا فحما، أُذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبُثّوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل". فقال رجل من القوم: كأن رسول الله قد كان بالبادية.
(الصحيح 1/172-173 ح185 - ك الإيمان، ب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار) .(4/621)
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)
قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكّىَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (قد أفلح من تزكى) قال: من تزكى من الشرك.
قوله تعالى (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وذكر اسم ربه فصلى) قال: وحد الله سبحانه وتعالى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فصلى) قال: صلى الصلوات الخمس.
قوله تعالى (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) قال: فاختار الناس العاجلة إلا من عصم الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى) قال: تتابعت كتب الله كما تسمعون أن الآخرة خير وأبقي.
وقد ذكر الله عز وجل أشياء من صحف موسى وصحف إبراهيم في ثماني عشرة آية من سورة النجم من الآية (36-54) من قوله تعالى (أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى) ... إلى قوله تعالى (فعشاها ما غشى) .(4/622)
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11)
سورة الغاشية
قوله تعالى (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (الغاشية) قال: اسم من أسماء يوم القيامة، عظمه الله، وحذره عباده.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هل أتاك حديث الغاشية) قال: الغاشية: الساعة.
قوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ) قال: ذليلة.
قوله تعالى (عَامِلَةٌ نّاصِبَةٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (عاملة ناصبة) تكبرت في الدنيا عن طاعة الله، فأعملها وأنصبها في النار.
قوله تعالى (تَصْلَى ناراً حَامِيَةً تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ)
وانظر سورة الرحمن آية (44) وفيها حميم أي: حار جداً.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) قال: قد بلغت إناها، وحان شربها.
قوله تعالى (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ليس لهم طعام إلا من ضريع) قال: من شر الطعام، وأبشعه وأخبثه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ليس لهم طعام إلا من ضريع) يقول: شجر من نار.
قوله تعالى (فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً)
انظر سورة النساء آية (96) وفيها حديث مسلم عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: "أن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجين كما بين السماء والأرض".(4/623)
لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لا تسمع فيها لاغية) : لا تسمع فيها باطلا، ولا شاتما.
قال ابن كثير: وقوله (لا تسمع فيها لاغية) أي: لا يسمع في الجنة التي هم فيها كلمة لغو، كما قال (لا يسمعون فيها لغواً إلا سلاماً) سورة مريم: 62.
وقال (لا لغو فيها ولا تأثيم) سورة الطور: 23. ا. هـ.
وانظر سورة الطور آية (23) لبيان (لا لغو) أي: لا باطل فيها.
قوله تعالى (وَنَمَارِقُ مَصْفوفة)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ونمارق مصفوفة) قال: والنمارق: الوسائد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ونمارق مصفوفة) يقول: المرافق.
قوله تعالى (وَزَرَابِيّ مَبْثُوثَةٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وزرابي مبثوثة) : المبسوطة.
قوله تعالى (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ)
قال ابن كثير: يقول تعالى آمراً عباده بالنظر في مخلوقاته الدالة على قدرته وعظمته: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) فإنها خلق عجيب، وتركيبها غريب، فإنها في غاية القوة والشدة، وهي مع ذلك تلين للحمل الثقيل، وتنقاد للقائد الضعيف، وتؤكل، وينتفع بوبرها، ويشرب لبنها. ونبهوا بذلك لأن العرب غالب دوابهم كانت الإبل، وكان شريح القاضي يقول: اخرجوا بنا حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت؟ أي: كيف رفعها الله عز وجل عن الأرض هذا الرفع العظيم، كما قال تعالى: (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنياها وزيناها وما لها من فروج) .(4/624)
وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24)
قوله تعالى (وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإلى الأرض كيف سطحت) أي: بسطت.
قوله تعالى (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ)
قال مسلم: وحدثني أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع ح وحدثني محمد بن المثنى، حدثنا عبد الرحمن (يعني ابن مهدي) قالا جميعاً: حدثنا سفيان عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فإذا قالوا: لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها. وحسابهم على الله". ثم قرأ: (إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) .
(الصحيح 1/52-53 - ك الإيمان، ب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ح بعد رقم21) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (لست عليهم بمسيطر) يقول: لست عليهم بجبار.
قوله تعالى (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ)
قال أحمد: ثنا قتيبة، ثنا ليث، عن سعيد بن أبي هلال، عن علي بن خالد: أن أبا أمامة الباهلي مرّ على خالد بن يزيد بن معاوية فسأله عن ألين كلمة سمعها من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ألا كلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله شراد البعير على أهله".
(المسند 5/258) وعزاه الهيثمي لأحمد وقال: ورجاله رجال الصحيح غير علي بن خالد الدؤلي، وهو ثقة (معجم الزوائد 10/403) ، وأخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة بنحوه وصحه ووافقه الذهبي (المستدرك 1/55) وأخرجه ابن حبان من حديث أبي سعيد الخدري بنحوه (الإحسان 1/196 ح17) وذكره الحافظ ابن حجر ونسبه إلى الطبراني من حدث أبي أمامه وقال: سنده جيد (الفتح 13/254) ، وصححه السيوطي (فيض القدير مع الجامع الصغير 5/37 ح6369) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 4570 وذكر له شواهد في (السلسلة الصحيحة ح2043) .(4/625)
إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إلا من تولى وكفر) قال: حسابه على الله.
قوله تعالى (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ)
ومعنى (إيابهم) أي: مرجعهم كما في سورة النبأ آية (22) قوله تعالى: (للطّاغِينَ مَآباً) ، وانظر سورة ص آية (55) قوله تعالى (هَذَا وَاٍنّ لِلطّاغِينَ لَشَر مَآبٍ) .(4/626)
وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)
سورة الفجر
قوله تعالى (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ)
أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه. قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد، إلا رجلٌ خرج يُخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء".
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وليال عشر) قال: عشر ذي الحجة.
انظر حديث البخاري عن ابن عباس المتقدم عند الآية (28) من سورة الحج.
قال أحمد: ثنا زيد بن الحباب، ثنا عياش بن عقبة، حدثني خير بن نعيم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن العشر عشر الأضحى، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر".
(المسند 3/327) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 4/220 - ك الأضاحي) من طريق علي بن عفان العامري، عن زيد بن الحباب به، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي لأحمد والبزار، وقال: رجالهما رجال الصحيح غير عياش بن عقبة وهو ثقة (مجمع الزوائد 7/137) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والشفع والوتر) قال: كلّ خلق الله شفع، الماء والأرض والبر والبحر والجن والإنس والشمس والقمر، والله الوتر وحده.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: كان عكرمة يقول: الشفع: يوم الأضحى، والوتر: يوم عرفة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والشفع والوتر) قال: إن من الصلاة شفعا وإن منها وترا.(4/627)
وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9)
قال الطبري: والصواب من القول في ذلك إن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالشفع والوتر، ولم يخصص نوعا من الشفع ولا من الوتر دون نوع بخبر أو عقل، وكل شفع ووتر فهو مما أقسم به مما قال أهل التأويل أنه داخل في قسمة هذا لعموم قسمه بذلك.
قوله تعالى (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والليل إذا يسر) يقول: إذا سار.
قوله تعالى (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (هل في ذلك قسم لذي حجر) قال: لذي عقل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (لذي حجر) قال: لأولي النهى.
قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إرم ذات العماد) قال: كنا نحدث أن إرم قبيلة من عاد، بيت مملكة عاد.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إرم) قال: القديمة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (العماد) قال: أهل عمود لا يقيمون.
قوله تعالى (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ) ذكر أنهم كانوا اثنى عشر ذراعا طولا في السماء.
قوله تعالى (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) قال: جابوها ونحتوها بيوتا.(4/628)
وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) قال: فخرقوها.
قوله تعالى (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ)
أخرج الطبري بسنده الصَحيح عن مجاهد (ذي الأوتاد) قال: كان يوتد الناس بالأوتاد.
قوله تعالى (الذين طَغَوْاْ في الْبِلاَدِ فَأكْثَرُواْ فِيهَا الْفَسَادَ)
انظر سورة البقرة آية (49) قوله تعالى: (وَإِذْ نَجّيْنَاكم مِنْ آل فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أبْنَاَءَهُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكمْ وَفي ذَلِكمْ بَلاءٌ مّن ربِّكُمْ عَظِيم) .
قوله تعالى (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (سوط عذاب) قال: ما عذبوا به.
لقوله تعالى (إِن ربكَ لَبِالْمِرْصَادِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إن ربك لبالمرصاد) قال: يرى ويسمع.
قوله تعالى (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ)
قال الشيخ عطية سالم مكمل كتاب أضواء البيان: بيَّن تعالى أنه يعطي ويمسك ابتلاء للعبد. وقوله تعالى: كلا، وهي كلمة زجر وردع، وبيان أن للمعنى لا كما قلتم فيه تعديل لمفاهيم الكفار، بأن العطاء والمنع لا عن إكرام ولا لإهانة، ولكنه ابتلاء كما في قوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن) قال: ما أسرع كفر ابن آدم.(4/629)
كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال: حدثني عبد العزيز بن أبي حازم قال: حدثني أبي قال: سمعت عن سهل بن سعد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا" وقال: بإصبعيه السبابة والوسطى.
(الصحيح 10/450 ح6005 - ك الأدب، ب فضل من يعول يتيماً) .
قوله تعالى (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وتأكلون التراث) قال: أي الميراث، وكذلك في قوله (أكلاً لّمّاً) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أكلاً لّمّاً) قال: اللم السف، لف كل شيء.
قوله تعالى (وَتُحِبِّون الْمَالَ حبّا جَمّا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وتحبون المال حبا جما) قال: شديداً.
قوله تعالى (كَلاّ إذَا دُكّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إذا دكت الأرض دكا دكا) قال: تحريكها.
قوله تعالى (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وجاء ربك والملك صفا صفا) قال: صفوف الملائكة.
قوله تعالى (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) أخرج مسلم بسنده عن ابن مسعود مرفوعاً: "يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها".
(الصحيح - ك الجنة، ب شدة حر جهنم 8/149 - طبعة لبنان) .(4/630)
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وأنى له الذكرى) قال: وكيف له.
قوله تعالى (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (يا ليتني قدمت لحياتي) قال: الآخرة.
قوله تعالى (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (يا أيتها النفس المطمئنة) قال: المصدقة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يا أيتها النفس المطمئنة) قال: هو المؤمن اطمأنت نفسه إلى ما وعد الله.
تقوله تعالى (فَادْخلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنّتِي)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فادخلي في عبادي) قال: أدخلي في عبادي الصالحين (وادخلي جنتي) .(4/631)
لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3)
سورة البلد
قوله تعالى لاَ (قْسِمُ بِهًا الْبَلَدِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (لا أقسم بهذا البلد) قال: مكة.
قوله تعالى (وَأَنتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَدِ)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: "اقتلوه".
(الصحيح 4/70-71 ح1846 - ك جزاء الصيد، ب دخول الحرم ومكة بغير إحرام) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 2/989-990 ح450 - ك الحج، ب جواز دخول مكة بغير إحرام) .
قال البخاري: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم افتتح مكة: "لا هجرة، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا، فإنّ هذا بلد حرّم الله يوم خلق السماوات والأرض، وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يَحلّ القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل في إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يُعضد شوكه، ولا يُنفّر صيده، ولا يلتقط لُقطته إلا مَن عرّفها، ولا يُختلى خلاها" قال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر، فإنه لِقَينهم ولبيوتهم. قال: قال: "إلا الإذخر".
(الصحيح 4/56 - ك جزاء الصيد، ب لا يحل القتال بمكة ح1834) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 2/986 ح1353) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وأنت حل بهذا البلد) قال: لا تؤاخذ بما عملت فيه، وليس عليك فيه ما على الناس.
قوله تعالى (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ)
قال الطبري: حدثنا أبو كريب، ثنا وكيع، عن النضر بن عربي، عن عكرمة (ووالد وما ولد) قال: العاقر، والتي لا تلد.
ورجاله ثقات إلا النضر بن عربي لا بأس به، فالإسناد حسن.(4/632)
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)
قوله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) يقول: في نصب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لقد خلقنا الإنسان في كبد) حين خلق في مشقة لا يلفى ابن آدم إلا مكابدا أمر الدنيا والآخرة.
قوله تعالى (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَدًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (مَالاً لُّبَدًا) قال: كثيراً.
تقوله تعالى (أيحسب أن لم يره أحد)
أخرج الطبري بسنده الحسن (أيحسب أن لم يره أحد) ابن آدم إنك مسئول عن هذا المال، من أين اكتسبته، وأين أنفقته.
قوله تعالى (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ) قال: نعم من الله متظاهرة يقررك بها كيما تشكره.
قوله تعالى (وَهَدَينَاه النّجْدَينِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وهديناه النجدين) قال: الهدى والضلالة.
قال الحافظ ابن حجر: أخرج الطبراني بإسناد حسن عن ابن مسعود قال: (النجدين) سبيل الخير والشر.
وصححه الحاكم، (فتح الباري 8/704) .
قوله تعالى (فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فلا اقتحم العقبة) قال: للنار عقبة دون الجسر.
قوله تعالى (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما أدراك ما العقبة) ثم أخبر عن اقتحامها فقال (فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ) .(4/633)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)
قال البخاري: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا عاصم بن محمد قال: حدثني واقد بن محمد قال: حدثني سعيد بن مرجانة صاحب علي بن الحسين قال: قال لي أبو هريرة - رضي الله عنه -: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيما رجل أعتق امرءاً مسلماً استنقذ الله بكل عضو منه عضواً من النار". قال سعيد بن مرجانة: فانطلقت به إلى على بن الحسين، فعمد علي بن الحسين رضي الله عنهما إلى عبد له قد أعطاه به عبد الله ابن جعفر عشرة آلاف درهم -أو ألف دينار- فأعتقه.
(الصحيح 5/174 - ك العتق، ب في العتق وفضله ح2517) .
قال البخاري: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي مُراوح عن أبي ذرّ - رضي الله عنه - قال: سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أعلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها، قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تُعين ضائعا، أو تصنع لأخرق قال: فإن لم أفعل؟ قال: تدع الناس من الشر، فإنها صدقة تصدّق بها على نفسك".
(الصحيح 5/176 ح2518 - ك العتق، ب أي الرقاب أفضل) ، أخرجه مسلم (الصحيح 1/89 ح84 - ك الإيمان، ب بيان كون الأيمان بالله تعالى أفضل الأعمال) .
قال أبو داود: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بقية: ثنا صفوان بن عمرو: حدثني سليم بن عامر، عن شرحبيل بن السمط، أنه قال لعمرو بن عبسة: حدثنا حديثا سمعته من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار".
(السنن 4/30 ح3966 - ك العتق، ب أي الرقاب أفضل؟) ، وأخرجه أحمد (4/386) من طريق كثير بن مرة عن عمرو بزيادة فيه. قال ابن كثير في أسانيد عمر بن عبسة: هذه أسانيد جيدة قوية ولله الحمد (التفسير 8/429) ، وصححه الألباني (صحيح الجامع رقم (6050) .(4/634)
أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)
قوله تعالى (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ)
قال الحاكم: حدثنا أبو عبد الله عبد بن يعقوب الحافظ، ثنا حامد بن أبي حامد المقري، ثنا إسحاق بن سليمان الرازي قال: سمعت طلحة بن عمرو وسئل عن قول الله عز وجل (أو إطعام في يوم ذي مسغبة) ؟ فقال: ثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان".
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (المستدرك 2/524 - ك التفسير) وصححه الذهبي وابن الملقن.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (في يوم ذي مسغبة) قال: الجوع.
قوله تعالى (يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ)
انظر سورة البقرة آية (83) لبيان (اليتيم) .
قال ابن كثير: (ذا مقربة) أي: ذا قرابة منه، قاله ابن عباس وعكرمة والحسن والضحاك والسدي، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا يزبد، أخبرنا هشام عن حفصة بنت سيرين عن سلمان بن عامر قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة". وقد رواه الترمذي والنسائي، وهذا إسناد صحيح.
وهو كما قال الحديث (المسند 4/214) ، وفي سنن الترمذي (الزكاة، ب ما جاء في الصدقة على ذي القرابة ح653) كما في (تحفة الأحوذي 3/334- 335) ، وسنن النسائي (الزكاة، ب الصدقة على الأقارب 5/92) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (أو مسكينا ذا متربة) قال: شديد الحاجة.
قوله تعالى (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) قال البخاري: حدثنا عبد بن سلام، أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن زيد بن وهب وأبي ظبيان، عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يرحم الله من لا يرحم الناس".
(الصحيح 13/370 ح7376 - ك التوحيد، ب قول الله تبارك وتعالى: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن)) ، أخرجه مسلم (الصحيح 4/1809 ح2319) من طريق أبي معاوية وغيره عن الأعمش به.(4/635)
ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)
قال أبو داود: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومسدد، المعنى، قالا: ثنا سفيان، عن عمرو، عن أبي قابوس مولى لعبد الله بن عمرو، عن عبد الله ابن عمرو، يبلغ به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء".
(السنن 4/285 ح4941 - ك الألباني، ب في الرحمة) ، وأخرجه الترمذي (4/323 ح1924 - ك البر والصلة، ب ما جاء في رحمة المسلمين) عن ابن أبي عمر، والحاكم (المستدرك 4/159 - ك البر والصلة) من طريق علي بن المديني، كلاهما عن سفيان به، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الحاكم- وقد ذكره ضمن أحاديث: وهذه الأحاديث كلها صحيحة. وقال الألباني: صحيح (صحيح أبي داود ح32) .
قال أبو داود: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن السرح قالا: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن ابن عامر، عن عبد الله بن عمرو يرويه، قال ابن السرح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا".
(السنن 4/286 ح4943 - ك الأدب، ب في الرحمة) ، وأخرجه أحمد (المسند 2/222) عن علي بن عبد الله عن سفيان به، والترمذي (4/322 ح1920 - ك البر والصلة، ب ما جاء في رحمة الصبيان) من طريق محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به، وعنده: "ويعرف شرف كبيرنا". وقال الترمذي: حسن صحيح. وقال الألباني: صحيح (صحيح أبي داود ح4134) ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 4/178) .
قوله تعالى (أولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ)
انظر سورة الواقعة آية (9) .
قوله تعالى (عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (عليهم نار مؤصدة) قال: مطبقة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (عليهم نار مؤصدة) قال: أي مطبقة، أطبقها الله عليهم، فلا ضوء فيها ولا فرج، ولا خروج منها آخر الأبد.(4/636)
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)
سورة الشمس
قوله تعالى (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والشمس وضحاها) قال: ضوئها.
قوله تعالى (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والقمر إذا تلاها) قال: تبعها.
قوله تعالى (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والسماء وما بناها) قال وبناؤها: خلقها.
قوله تعالى (وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا) قال: دحاها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (والأرض وما طحاها) قال: قسمها.
قوله تعالى (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)
قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا عزرة بن ثابت، عن يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود الدئلي، قال: قال في عمران بن الحصين: أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر ما سبق؟ أو فيما يُستقبلون به مما أتاهم به نبيهم، وثبتت الحجة عليهم؟ فقلت: بل شيء قُضي عليهم، ومضى عليهم قال فقال: أفلا يكون ظلماً؟ قال: ففزعت من ذلك فزعاً شديداً وقلتُ: كل شيء خَلْق الله ومِلك يده فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون. فقال لي:(4/637)
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11)
يرحمك الله! إني لم أُرِدْ بما سألتك إلا لأحزر عقلك إن رجلين من مزينة أتيا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقالا: يا رسول الله! أرأيت ما يعمل الناس اليوم، ويكدحون فيه، أشيء قُضي عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق، أو فيما يُستقبلون به مما أتاهم به نبيهم، وثبتت الحجة عليهم؟ فقال: "لا. بل شيء قُضي عليهم ومضى فيهم. وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) ".
(الصحيح 4/2041-2042 - ك القدر، ب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه، وكتابة رزقه وأجله وعمله، وشقاوته وسعادته ح2650) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فألهمها فجورها وتقواها) قال: بين الخير والشر.
قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قد أفلح من زكّاها) من عمل خيرا زكاها بطاعة الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (قد أفلح من زكاها) يقول: قد أفلح من زكّى الله نفسه.
قوله تعالى (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقد خاب من دسّاها) قال: أثمها وأفجرها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وقد خاب من دسّاها) يقول: وقد خاب من دسى الله نفسه فأضله.
قوله تعالى (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا)
أخرج الطبري بسنده الصحيَح عن مجاهد (كذّبت ثمود بطغواها) قال: معصيتها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كذّبت ثمود بطغواها) أي: بالطغيان.(4/638)
إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)
قوله تعالى (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا)
قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وُهيب، حدثنا هشام عن أبيه أنه أخبره عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب وذكر الناقة والذي عقر، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذ انبعث أشقاها) انبعث لها رجل عزيزٌ عارم منيع في رهطه مثل أبي زمعة". وذكر النساء فقال: "يعمد أحدُكم يجلد امرأته جلد العبد. فلعله يضاجعها من آخر يومه". ثم وعظهم في ضحكهم من الضرطة وقال: "لِمَ يضحك أحدكم مما يفعل؟ ". وقال أبو معاوية: حدثنا هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مثل أبي زمعة عمّ الزبير بن العوام".
(الصحيح 8/575 - ك التفسير - سورة الشمس ح4942) ، واخرج مسلم في (الصحيح 4/2191 ح2855 - ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إذ انبعث أشقاها) يعني: أحيمر ثمود.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها) قال: قسم الله الذي قسم لها من هذا الماء.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ولا يخاف عقباها) قال: لا يخاف الله من أحد تبعه.
وانظر عن ناقة قوم ثمود سورة الأعراف آية (73-77) ، وسورة هود آية (64-65) ، وسورة القمر آية (29) .(4/639)
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)
سورة الليل
قوله تعالى (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) قال: آيتان عظيمتان يكورهما الله على الخلائق.
قال البخاري: حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا إسرائيل، عن المغيرة عن إبراهيم، عن علقمة قال: قدمت الشام فصليت ركعتين، ثم قلت: اللهم يسّر في جليسا صالحا فأتيت قوماً فجلست إليهم، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي، قلتُ من هذا؟ قالوا: أبو الدرداء فقلتُ: إني دعوت الله أن ييسّر لي جليسا صالحا، فيَسّرك لي قال: مِمّن أنت؟ قلت: من أهل الكوفة قال: أوَليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوساد والمطهرة؟ أفيكم الذي أجاره الله من الشيطان، يعني على لسان نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أوليس فيكم صاحب سرّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي لا يعلم أحدٌ غيره؟ ثم قال: كيف يَقرأ عبد الله (والليل إذا يغشى) فقرأت عليه (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى والذكر والأنثى) قال: والله لقد أقرأنيها رسول الله من فيِهِ إلى فيَّ.
(الصحيح 7/113-114 - ك فضائل الصحابة، ب مناقب عمار وحذيفة رضي الله عنهما ح3742) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 1/566 ح824 - ك صلاة المسافرين وقصرها، ب ما يتعلق بالقراءات) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن سعيكم لشتّى) يقول: لمختلف.
قوله تعالى (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)
قال البخاري: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير عن منصور عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي، عن علي - رضي الله عنه - قال: كنا لما جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقعد وقعدنا حوله، ومعه مِخصرة، فنكس فجعل(4/640)
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12)
ينكث بمخصرته، ثم قال: ما منكم من أحد، وما من نفس منفوسة، إلا كُتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتبت شقيةٍ أو سعيدة. قال رجلٌ: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة، ومن كان منا من أهل الشقاء فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة؟ قال: أما أهل السعادة فيُيسّرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فيُيسّرون لعمل أهل الشقاء، ثم قرأ (فأما من أعطى واتقى وصدّق بالحسنى) الآية.
(الصحيح 8/579 - ك التفسير - سورة اليل، ب (وكذب بالحسنى) ح4948 و13/531 -ك التوحيد، ب قول الله تعالى (ولقد يسرنا القرآن للذكر)) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2039 ح2647 - ك القدر، ب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فأما من أعطى) حقّ الله (واتقى) محارم الله التي نهى عنها.
أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضا عن ابن عباس (وصدق بالحسنى) قال: وصدق بالخلف من الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأما من بخل واستغنى) وأما من بخل بحق الله عليه، واستغنى في نفسه عن ربه.
أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضا عن ابن عباس (وكذب بالحسنى) بالخلف من الله.
ونسبه الحافظ ابن حجر إلى ابن أبي حاتم عن ابن عباس بسند صحيح (فتح الباري 8/706) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكذب بالحسنى) وكذب بموعود الله الذي وعد، قال الله (فسنيسره لليسرى) .
قوله تعالى (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إذا تردى) قال: إذا تردّى في النار.
قوله تعالى (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى) يقول: على الله البيان، بيان حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته.(4/641)
فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)
قوله تعالى (فَاَندَرْتكمْ ناراً تَلَظَّى)
قال البخاري: حدثني محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق قال: سمعت النعمان: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرة يغلي منها دماغه".
(الصحيح 11/424 ح6561 - ك الرقاق، ب صفة الجنة والنار) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 1/196 ح213- ك الإيمان، ب أهون أهل النار عذابًا) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ناراً تلظى) قال: توهّج.
وانظر سورة البقرة آية (24) لبيان وقود النار.
قوله تعالى (لاَ يَصْلاَهَا إِلاّ الأشْقَى)
بيّن الله تعالى صفة (الأشقى) في الآية التالية (الذي كذب وتولى) .
قوله تعالى (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى)
قال ابن كثير: وقوله تعالى (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) أي: وسيزَحزح عن النار التقي النقي الأتقى، ثم فسره بقوله: (الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى) أي: يصرف ماله في طاعة ربه، ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا.
قال البخاري: حدثنا محمد بن سنان، حدثنا فليح، حدثنا هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى". قالوا: يا رسول الله من يأبى؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى".
(الصحيح 3/363 ح7280 - ك الاعتصام بالكتاب والسنة، ب الاقتداء بسنن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) .
قوله تعالى (وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى) يقول: ليس به مثابة الناس ولا مجازاتهم إنما عطيته لله.(4/642)
وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)
سورة الضحى
نزولها
قال البخاري: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا الأسود بن قيس قال: سمعت جُندب بن سفيان - رضي الله عنه - قال: اشتكى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلم يقم ليلتين أو ثلاثا، فجاءت امرأة فقالت: يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد ترككَ، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثا، فأنزل الله عز وجل: (والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى) .
(الصحيح 8/580-581 - ك التفسير - سورة الضحى، الآية ح4950) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 3/1421-1422 ح1797 - ك الجهاد والسير، ب ما لقي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أذى المشركين والمنافقين) .
قوله تعالى (وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والضحى) قال: ساعة من ساعات النهار.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والليل إذا سجى) قال: سكن بالخلق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ما ودعك ربك وما قلى) يقول: ما تركك ربك، وما أبغضك.
قوله تعالى (وَلَلآَخِرَة خَيْزٌ لّكَ مِنَ الأُولَىَ)
قال ابن ماجة: حدثنا يحيى بن حكيم، ثنا أبو داود، ثنا المسعودي أخبرني عمرو ابن مرة عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: اضطجع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على حصير فأثَر في جلده فقلت: بأبي وأمي، يا رسول الله! لو كنتَ آذنتنا ففرشنا لك عليه شيئا يقيك منه! فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما أنا والدنيا! إنما أنا والدنيا كراكب استظلّ تحت شجرة ثم راح وتركها".
(السنن - الزهد - ب مثل الدنيا ح4109) ، أخرجه أحمد والترمذي من طريق المسعودي به نحوه، وقال الترمذي: حسن صحيح، (المسند 1/391) ، (السنن - الزهد 4/588، 589) . وللحديث شاهد عن ابن عباس عند ابن حبان والحاكم، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، وسكت الذهبي. ولذا صححه الألباني (انظر الصحيحة 439، 440) .(4/643)
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10)
قوله تعالى (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)
قال الطبري: حدثني موسى بن سهل الرملى، قال: ثنا عمرو بن هاشم. قال سمعت الأوزاعي يحدث عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه قال: عرض على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما هو مفتوح على أمته من بعده كنزاً كنزاً، فسر بذلك، فأنزل الله (ولسوف يعطيك ربك فترضى) فأعطاه في الجنة ألف قصر في كل قصر ما ينبغي من الأزواج والخدم.
وقوله (كنزاً كنزاً) ، ورد بلفظ (كفراً كفراً) والتصويب مما نقله ابن كثير عن الطبري ثم قال: إسناد صحيح إلى ابن عباس ومثل هذا ما يقال إلا عن توقيف (التفسير 8/448 ط الشعب) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولسوف يعطيك ربك فترضى) قال: وذلك يوم القيامة.
قوله تعالى (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ) قال: أي لا تظلم.
وانظر سورة البقرة آية (83) لبيان (اليتيم) .
قوله تعالى (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ)
قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبد الرحمن بن بجيد، عن جدته أم بجيد، وكانت ممن بايع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنها قالت له: يا رسول الله صلى الله عليك، إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد له شيئا أعطيه إياه، فقال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن لم تجدي له شيئا تعطينه إياه إلا ظلفا عرقا فادفعيه إليه في يده".
(السنن 2/126 ح1667 - ك الزكاة، ب حق السائل) ، وأخرجه الترمذي (السنن 3/43 ح665 -ك الزكاة ب في حق السائل) ، والنسائي (السنن 5/86 - ك الزكاة، ب تفسير المسكين) كلهم عن قتيبة ابن سعيد عن الليث به، وأخرجه أحمد (المسند 6/383) من طرق ابن أبي ذئب عن المقبري به، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الألباني: صحيح (صحيح أبي داود ح1466) .(4/644)
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
قوله تعالى (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)
قال الترمذي: حدثنا الحسين بن الحسن المروزي بمكة، حدثنا ابن أبي عدي، حدثنا حميد، عن إنس قال: لمّا قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة أتاه المهاجرون فقالوا: يا رسول الله ما رأينا قوماً أبذل من كثير ولا أحسن مواساة من قليل من قوم نزلنا بين أظهرهم، لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ حتى لقد خِفنا أن يذهبوا بالأجر كله. فقال النبي: "لا، ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم".
(السنن 4/653 ح2487 - ك صفة القيامة، ب 44) ، وأخرجه أحمد (المسند 3/200-201) عن يزيد عن حميد به، وأخرجه أبو داود (السنن 4/255 - ك الأدب، ب في شكر المعروف ح4812) عن ثابت أنس مختصراً قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح2020) .
قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم: ثنا الربيع بن مسلم، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس".
(السنن 4/355 ح4811 - ك الأدب، ب في شكر المعروف) ، وأخرجه الترمذي (السنن 4/339 ح1954 - ك البر والصلة، ب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك) من طريق عبد الله بن المبارك، وأحمد في (المسند 2/295) عن يزيد كلاهما عن الربيع بن مسلم. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الألباني: صحيح (السلسلة الصحيحة ح417) وللحديث شاهد عن أبي سعيد بمثله أخرجه الترمذي (ح1955) ، وقال: حسن صحيح، وحسنه الهيثمي بعد أن عراه للطبراني في الأوسط (مجمع الزوائد 8/181) .(4/645)
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3)
سورة الشرح
قوله تعالى (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)
قال مسلم: حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك؛ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتاه جبريل (وهو يلعب مع الغلمان. فأخذه فصرعه فشق عن قلبه. فاستخرج القلب. فاستخرج منه علقة. فقال: هذا حظ الشيطان منك. ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم. ثم لأمه. ثم أعاده في مكانه. وجاء الغلمان يسعون إلى أمه (يعني ظئره) فقالوا: إن محمداً قد قتل.
فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره.
(الصحيح 1/147 ح بعد 162 - ك الإيمان، ب الإسراء برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى السماوات) .
قال الترمذي: حدثنا محمد بن بشّار، حدثنا محمد بن جعفر وابن أبي عدي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة رجل من قومه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: بينما أنا عند البيت بين النائم واليقظان، إذ سمعت قائلا يقول: أحد بين الثلاثة، فأُتيت بطست من ذهب فيها ماءُ زمزم فشرح صدري إلى كذا وكذا. قال قتادة: قلتُ، يعني قلتُ لأنس بن مالك: ما يعني؟ قال: إلى أسفل بطني، فاستُخرج قلبي، فغسل قلبي بماء زمزم ثم أُعيد مكانه، ثم حُشِيَ إيمانا وحكمة، وفي الحديث قصة طويلة.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح (السنن 5/442-443- ك التفسير) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) .
وقصة شق الصدر في الصحيحين تقدمت في بداية سورة الإسراء.
قوله تعالى (وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ووضعنا عنك وزرك) قال: ذنبك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) قال: كانت للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذنوب قد أثقلته، فغفرها الله له.(4/646)
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)
قوله تعالى (وَرَفَعْنَا لَكَ ذكْرَكَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ورفعنا لك ذكرك) رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب، ولا متشهد، ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها، أشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله.
قوله تعالى (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إن مع العسر يسرى) قال: يتبع اليسر العسر.
وقد أخبر الله تعالى أنه سيجعل بعد العسر يسرى كما قال: (سيجعل الله بعد عسر يسرا) سورة الطلاق آية: 7.
قوله تعالى (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فإذا فرغت فانصب) قال: إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك إلى ربك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فإذا فرغت فانصب) يقول: في الدعاء.
قوله تعالى (وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وإلى ربك فارغب) قال: إذا قمت إلى الصلاة.(4/647)
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)
سورة التين
قوله تعالى (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والتين والزيتون) قال: الفاكهة التي تأكل الناس.
قوله تعالى (وَطُورِ سِينِينَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وطور) الجبل (سينين) قال: المبارك.
وانظر عن الطور سورة البقرة آية (63) ، وسورة مريم آية (52) ، وسورة طه آية (80) وسورة المؤمنون آية (20) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وطور سينين) قال جبل بالشام، مبارك حسن.
قوله تعالى (وهذا الْبَلَدِ الأمين)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وهذا البلد الأمين) قال مكة.
قوله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم)
قال الحافظ ابن حجر: أخرج ابن المنذر عن ابن عباس بإسناد حسن قال: أعدل خلق.
(فتح الباري 8/713) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (في أحسن تقويم) قال: في أحسن خلق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: وقع القسم ها هنا (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) .(4/648)
ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7)
قوله تعالى (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ثم رددناه أسفل سافلين) قال: رددناه إلى الهرم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ثم رددناه أسفل سافلين) قال: قال الحسن: جهنم مأواه.
قوله تعالى (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فلهم أجر غير ممنون) يقول: غير منقوص.
قوله تعالى (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فما يكذبك بعد بالدين) قال: أي استيقن بعد ما جاءك من الله البيان (أليس الله بأحكم الحاكمين) .(4/649)
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)
سورة العلق
قوله تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)
قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عُقيل، عن ابن شهاب، وحدثني سعيد بن مروان: حدثنا عبد بن عبد العزيز بن أبي رِزمة: أخبرنا أبو صالح سلمويه قال حدثني عبد الله عن يونس بن يزيد قال: أخبرني ابنُ شهاب أن عروة بن الزبير أخبره أن عائشة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: "كان أول ما بُدئ به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبّب إليه الخلاء فكان يلحق بغار حراء فيتحنث فيه. قال: والتحنث: التعبد الليالي ذوات العدد، قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود بمثلها، حتى فجئه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال. اقرأ. قلت ما أنا بقارئ.
فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم) الآيات إلى قوله (علم الإنسان ما لم يعلم) . فرجع بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ترجُف بوادره، حتى دخل على خديجة فقال: زمّلوني زمّلوني. فزملوه حتى ذهب عنه الروع.
قال لخديجة. أي خديجة، مالي لقد خشيت على نفسي؟ فأخبرها الخبر. قالت خديجة: كلا أبشر، فوالله لا يُخزيك الله أبداً، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل، وهو ابن عم خديجة(4/650)
أخي أبيها، وكان امرءاً تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، ويكتب الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت خديجة: يا عم، اسمع من ابن أخيك، قال ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟
فأخبره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خبر ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، ليتني فيها جذعاً، ليتني أكون حياً -ذكر حرفاً- قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أوَ مخرجي هم؟ قال ورقة: نعم، لم يأتِ رجل بما جئت به إلا أوذيَ، وإن يدركني يومك حياً أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(الصحيح 8/585-586- ك التفسير - سورة (اقرأ باسم ربك الذي خلق) ح4953) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 1/139-142 ح160 - ك الإيمان، ب بدء الوحي إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) .
قوله تعالى (الذي عَلّمَ بِالْقَلَمِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (علم بالقلم) قال: القلم: نعمة من نعم الله عظيمة، لولا ذلك لم يقم، ولم يصح العيش.
قوله تعالى (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) قال مسلم: حدثنا عبيد الله بن معاذ ومحمد بن عبد الأعلى القيسي قالا: حدثنا المعتمر عن أبيه: حدثني نعيم بن أبي هند عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال أبو جهل: هل يُعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم.
فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته. أو لأعَفرنَّ وجهه في التراب. قال فأتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلي. زعم ليطأ على رقبته. قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقى بيديه. قال فقيل له: مالك؟(4/651)
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)
فقال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولا وأجنحة. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا". قال فأنزل الله عز وجل -لا ندري في حديث أبي هريرة، أو شيء بلغه: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) يعني أبا جهل (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ) .
زاد عبيد الله في حديثه قال: وأمره بما أمره به. وزاد عبد الأعلى: (فليدع ناديه) يعني: قومه.
(الصحيح، 4/2154-2155 - ك صفات المنافقين وأحكامهم، ب قوله تعالى الآيات) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى) قال أبو جهل: ينهى محمدا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صلى.
وأخرجه بنحوه عن قتادة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى) قال محمد: كان على الهدى، وأمر بالتقوى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أرأيت إن كذب وتولى) يعني: أبا جهل.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (سندع الزبانية) قال: الملائكة.
قال الترمذي: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو خالد، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصلى، فجاء أبو جهل فقال: ألم أنهك عن هذا؟ ألم أنهك عن هذا؟ فانصرف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فزبره فقال(4/652)
أبو جهل: إنك لتعلم ما بها نادٍ أكثر مني، فأنزل الله (فليدع ناديه سندع الزباية) فقال ابن عباس: فوالله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله.
قال: هذا حديث حسن غريب صحيح (السنن 5/444 - ك التفسير، ب سورة اقرأ باسم ربك) ، وصححه الألباني في (صحيح سنمن الترمذي) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/487-488) من طريق عبد الوهاب بن عطاء وعبد الرحمن المحاربي كلاهما عن داود بن أبي هند به، وصححه ووافقه الذهبي) ، وأخرجه أحمد من طريق وهيب عن داود به، وصححه محققو المسند بإشراف أ. د. عبد الله التركي (المسند 5/167 ح 3044) .
قوله تعالى (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)
قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد، قالا: حدثنا سفيان ابن عيينة، عن أيوب بن موسى، عن عطاء بن ميناء، عن أبي هريرة، قال: سجدنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في: (إذا السماء انشقت) و (اقرأ باسم ربك) .
(الصحيح 1/406 - ك المساجد ومواضع الصلاة، ب سجود التلاوة ح578) .
قال مسلم: حدثنا هارون بن معروف وعمرو بن سوّاد قالا: حدثنا عبد الله ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن عمارة بن غَزية، عن سمي مولى أبي بكر، أنه سمع أبا صالح ذكوان يحدث عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء".
(الصحيح 1/350 ح482 - ك الصلاة، ب ما يقال في الركوع والسجود) .(4/653)
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)
سورة القدر
قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رجالاً من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرُوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أرى رُؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر".
(الصحيح 4/301 - ك فضل ليلة القدر، ب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر ح2015) .
قال البخاري: حدثنا معاذ بن فضالة، حدثنا هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة قال: سألت أبا سعيد -وكان لي صديقا- فقال: "اعتكفنا مع النبي (العشر الأوسط من رمضان، فخرج صبيحة عشرين فخطبنا وقال: إني أُريتُ ليلة القدر ثم أنسيتها -أو نسيتُها- فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر، وإني رأيتُ أني أسجد في ماء وطين، فمن كان اعتكف معي فليرجع. فرجعنا، وما نرى في السماء قزعة، فجاءت سحابة فمطرت حتى سال سقف المسجد، وكان من جريد النخل، وأقيمت الصلاة، فرأيتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسجد في الماء والطين، حتى رأيتُ أثر الطين في جبهته".
(الصحيح 4/301 - ك فضل ليلة القدر، ب التماس ليلة القدر في العشر الأواخر ح2016) .
وقال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن عبدة بن أبي لبابة وعاصم هو ابن بهدلة، سمعا زرّ بن حبيش، وزر حبيش يُكنى أبا مريم، يقول: قلتُ: لأُبيّ بن كعب: إن أخاك عبد الله بن مسعود يقول: من يقم الحول يُصب ليلة القدر، فقال: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، لقد علم أنها في العشرة الأواخر من رمضان، وأنها ليلة سبع وعشرين، ولكنه أراد أن لا يتكل الناس،(4/654)
ثم حلف لا يستثنى أنها ليلة سبع وعشرين قلتُ له: بأي شىء تقْول ذلك يا أبا المنذر؟ قال: بالآية التي أخبرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو بالعلامة أن الشمس تطلع يومئذ لا شعاع لها.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح (السنن 5/445-446 - ك التفسير، ب سورة القدر) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي ح3351) .
قال الحاكم: أخبرنا أبو زكريا العنبرى: ثنا محمد بن عبد السلام، أنبأ إسحاق ابن إبراهيم، أنبأ جرير عن منصور عن سعيد بن جبير في قوله تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر) قال أنزل القرآن في ليلة القدر جملة واحدة إلى سماء الدنيا كان بموقع النجوم فكان الله ينزله على رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعضه في إثر بعض قال عز وجل (وقالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا) .
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (المستدرك 2/530 -531- ك التفسير) وصححها الذهبي، وعزاه الحافظ ابن حجر إلى ابن أبي شيبة والبيهقي في دلائل النبوة وقال: إسناده صحيح (الفتح 9/4) .
أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضا عن ابن عباس قال: نزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا، فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا أنزله منه حتى جمعه.
قوله تعالى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان قال: حفظناه وأيما حفظ من الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه".
تابعه سليمان بن كثير عن الزهري، (الصحيح 4/300 - ك فضل ليلة القدر - ب فضل ليلة القدر ح2014) .(4/655)
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (خير من ألف شهر) قال: ليس فيها ليلة قدر.
وانظر عن ليلة القدر سورة عبس حديث ابن خريمة عن ابن عباس.
قوله تعالى (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (من كل أمر) قال: يقضى فيها ما يكون في السنة إلى مثلها، فعلى هذا القول منتهى التفسير، وموضع الوقف من كل أمر.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (من كل أمر سلام هي) قال: أي هي خير كلها إلى مطلع الفجر.(4/656)
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)
سورة البينة
قوله تعالى (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ)
قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار: حدثنا غندر: حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة، عن إني بن مالك - رضي الله عنه -: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأُبي: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك (لم يكن الذين كفروا) قال: وسماني؟ قال: نعم، فبكي".
(الصحيح 8/597 - ك التفسير - سورة البينة ح4959) ، وأخرجه مسلم 4/1915 ح122 -ك فضل الصحابة، ب عن فضائل أُبي بن كعب وجماعة من الأنصار رضي الله عنهم) ، وأخرجه الضياء في (المختارة 3/368-369 ح1162-1163) عن حديث زر بن حبيش، عن أبي به، وفيه زيادة وهي: فقرأ فيها ولو أن ابن آدم سأل وادياً من مال فأعطيته لسأل ثانيا وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير المشركة. وقال محققه: إسناده صحيح.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (منفكين) قال: لم يكونوا لينتهوا حتى يتبين لهم الحق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (منفكين حتى تأتيهم البينة) قال: أي هذا القرآن.
قوله تعالى (رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (رسول من الله يتلو صحفا مطهرة) قال: يذكر القرآن بأحسن الذكر، ويثني عليه بأحسن الثناء.
قوله تعالى (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ)
قال ابن كثير: وقوله تعالى (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) كقوله: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) يعني بذلك أهل الكتب المنزلة على(4/657)
وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)
الأمم قبلنا، بعد ما أقام الله عليهم الحجج والبينات تفرقوا واختلفوا في الذي أراده الله من كتبهم واختلفوا اختلافاً كثيراً، كما جاء في الحديث المروي من طرق: "إن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة، وإن النصارى اختلفوا على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي".
وهو كما قال فقد أخرجه أبو داود في (سننه ح4596) ، (والترمذي ح2640) ، وقال: حسن صحيح (وابن حبان ح6247) ، (والحاكم في المستدرك 1/128) وصححه ووافقه الذهبي وأحمد في (مسنده ح8396) ، وحسنه محققوه بإشراف أ. د. عبد الله التركي.
قوله تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) قال: والحنيفية: الختان، وتحريم الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات والمناسك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وذلك دين القيمة) هو الدين الذي بعث الله به رسوله، وشرع لنفسه ورضي به.
وانظر سورة الأنعام آية (161) .(4/658)
إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)
سورة الزلزلة
قوله تعالى (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا)
انظر سورة الحج آية (1) لبيان (الزلزلة) وسورة الواقعة آية (4) .
قوله تعالى (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وأخرجت الأرض أثقالها) قال: من في القبور.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان مالها يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها) قال: أمرها، فألقت ما فيها وتخلت.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (يومئذ تحدث أخبارها) قال: تخبر الناس بما عملوا عليها.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (بأن ربك أوحى لها) قال: أمرها.
قال مسلم: حدثنا واصل بن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن فضيل، عن أبيه، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تَقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً".
(الصحيح - ك الزكاة، ب الترغيب في الصدقة 3/84-85 ط. إحياء التراث) ، ومعنى أفلاذ: جمع فِلذة -بكسر الفاء- وهي: قطعة من الكبد مقطوعة طولاً. ومعنى الأسطوان. واحدة أسطوانة وهي السارية والعمود، وشبهه بالأسطوان لعظمه وكثرته.(4/659)
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
قوله تعالى (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ)
قال ابن كثير: وقوله تعالى (ليروا أعمالهم) أي: ليعلموا بما عملوه في الدنيا من خير وشر، ولهذا قال: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) .
قوله تعالى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت عبد الله بن معقل قال: سمعت عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "اتقوا النار ولو بشق تمرة".
(الصحيح 3/332 - ك الزكاة، ب اتقوا النار ولو بشق تمرة ح1417) .
وانظر حديث البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - المتقدم تحت الآية (60) من سورة الأنفال: "الخيل ثلاثة ... ".
أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الخيل لثلاثة: لرجل أجرٌ، ولرجل سِترٌ، وعلى رجل وِزر. فأما الذي له أجرٌ، فرجل ربطها في سبيل الله، فأطال لها في مَرْج أو روضة، فما أصابت في طِيَلها ذلك في المرج والروضة كان له حسنات. ولو أنها قطعت طِبَلها فاستنت شرفاً أو شرفين، كانت آثارها وأرواثها حسنات له، ولو أنها مرتْ بنهر فشربت منه -ولم يرد أن يسقي به- كان ذلك حسنات له، فهي لذلك الرجل أجر. ورجل ربطها تغنياً وتعففاً ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهُورها، فهي له ستر. ورجل ربطها فخراً ورثاء ونِواءٌ فهي على ذلك وزر". فسُئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الحُمر؟ قال: ما أُنزِلَ عليّ فيها إلا هذه الآية الفاذة الجامعة (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره) .
(الصحيح- التفسير، ب قوله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة ... ) 8/726 ح4962) .(4/660)
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا خالد بن مخلد، حدثني سعيد ابن مسلم بن بانك، قال: سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير يقول: حدثني عوف بن الحارث عن عائشة قالت: قال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا عائشة! إياك ومحقرات الأعمال فإن لها من الله طالبا".
(السنن 2/1417 ح 4243- ك الزهد، ب ذكر الذنوب) قال البوصيري في الزوائد: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات. وأخرجه أحمد (المسند 6/70) ، والدارمي (السنن 1/395- ك الزكاة، ب كراهية رد السائل بغير شيء) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 12/379 ح 5568) من طرق عن سعيد بن مسلم به، وقال محقق الإحسان: إسناده صحيح على شرط البخاري، رجاله رجال الشيخين.
وانظر سورة البقرة آية (83) وفيها حديث مسلم عن أبي ذر مرفوعاً: "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق".
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره) قال: ليس مؤمن ولا كافر عمل خيراً ولا شراً في الدنيا، إلا أتاه الله إياه. فأما المؤمن فيرى حسناته وسيئاته، فيغفر الله له سيئاته، وأما الكافر فيرد حسناته، ويعذبه بسيئاته.(4/661)
وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)
سورة العاديات
قوله تعالى (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والعاديات ضبحا) قال: هو في القتال.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والعاديات ضبحا) قال: هي الخيل، عدت حتى ضبحت.
قوله تعالى (فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فالموريات قدحا) قال: هجن الحرب بينهم وبين عدوهم.
قوله تعالى (فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فالمغيرات صبحا) قال: هي الخيل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فالمغيرات صبحا) قال: أغار القوم بعد ما أصبحوا على عدوهم.
قوله تعالى (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فأثرن به نقعا) قال: أثرن بحوافرها نقع التراب.
قوله تعالى (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فوسطن به جمعا) قال: جمع هؤلاء وهؤلاء.
قوله تعالى (إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إن الإنسان لربه لكنود) قال: لكفور.(4/662)
وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10)
قوله تعالى (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)
انظر سورة الفجر آية (20) قوله تعالى (وتحبون المال حباً جما) .
قوله تعالى (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بنَ أبي طلحة عن ابن عباس: (بعثر ما في القبور) قال: بحث.
قوله تعالى (وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وحصّل ما في الصدور) قال: أبرز.
وانظر سورة آل عمران آية (30) قوله تعالى (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا) وسورة التكوير آية (14) .(4/663)
الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)
سورة القارعة
قوله تعالى (الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (القارعة) قال: من أسماء يوم القيامة، عظمه الله وحذره عباده.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث) قال: هذا الفراش الذي رأيتم يتهافت في النار.
قوله تعالى (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وتكون الجبال كالعهن المنفوش) قال: الصوف المنفوش.
قوله تعالى (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فهو في عيشة راضية) قال: في عيشة قد رضيها في الجنة.
قوله تعالى (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأما من خفت موازينه فامه هاوية) قال: وهي النار وهي مأواهم.
بين الله تعالى الهاوية في الآية التالية (نار حامية) .
لقوله تعالى (نار حامية)
قال البخاري: حدثنا أيوب بن سليمان قال: حدثنا أبو بكر، عن سليمان قال: صالح بن كيسان حدثنا الأعرج عبد الرحمن وغيره، عن أبي هريرة ونافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر أنهما حدثاه عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم".
(الصحيح 2/20 ح 533، 534- ك مواقيت الصلاة، ب الإبراد بالظهر في شدة الحر) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 1/430، 431 ح 615- ك المساجد ومواضع الصلاة، ب استحباب الإبراد بالظهر) من طرق عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
وانظر تفسير سورة البقرة آية (24) .(4/664)
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)
سورة التكاثر
قوله تعالى (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ)
قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب قال: أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب.
وقال البخاري: وقال لنا أبو الوليد: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس عن أبيّ قال: كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت (ألهاكم التكاثر) .
(الصحيح 11/258 - ك الرقاق، ب ما يتقي من فتنة المال ح 6439-6440) .
وقال مسلم: حدثنا هداب بن خالد، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن مطرف، عن أبيه، قال: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يقرأ: (ألهاكم التكاثر) . قال: "يقول ابن آدم: مالي. مالي (قال) وهل لك، يا ابن آدم! من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت".
(الصحيح 4/2273- ك الزهد والرقائق ح 2958) .
قال أحمد: حدثنا محمد بن بكر البرساني، حدثنا جعفر -يعني ابن برقان- قال: سمعت يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما أخشى عليكم الفقر، ولكن أخشى عليكم التكاثر، وما أخشى عليكم الخطأ، ولكن أخشى عليكم العمد".
(المسند 2/308) ، وأخرجه ابن حبان في (صحيحه 8/16 ح 3222) من طريق خالد بن حبان، والحاكم في (المستدرك 2/534) من طريق البرساني، كلاهما عن جعف بن برقان به. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح - وقد عزاه لأحمد - (مجمع الزوائد 3/121) ، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (المسند بتحقيقه ح 8060) ، وحسن الأرنؤوط! إسناده (حاشية الإحسان) .
انظر حديث أبي هريرة عند البخاري المتقدم عند الآية (37) من سورة فاطر، وهو حديث: "أعذر الله إلي امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة".(4/665)
حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ألهاكم التكاثر) قال: كانوا يقولون: نحن أكثر من بني فلان، ونحن أعد من بني فلان، وهم كل يوم يتساقطون إلى آخرهم، والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم.
قوله تعالى (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ)
انظر حديث مسلم عن أنس المتقدم عند الآية 101 من سورة المائدة، وهو حديث: "عرضت علىّ الجنة والنار ... ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ... ".
قوله تعالى (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)
قال البخاري: حدثنا المكي بن إبراهيم أخبرنا عبد الله بن سعيد - هو ابن أبي هند - عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ".
(الصحيح 11/233 ك الرقاق، ب ما جاء في الرقاق، وأن لا عيش إلا عيش الآخرة ح 6412) .
وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا خلف بن خليفة، عن يزيد ابن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال: "ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة"؟ قالا: الجوع يا رسول الله! قال: "وأنا. والذي نفسي بيده! لأخرجني الذي أخرجكما قوموا"، فقاموا معه فأتى رجلا من الأنصار فإذا هو ليس في بيته فلمّا رأته المرأة قالت: مرحبا! وأهلا! فقال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أين فلان؟ قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصاحبيه ثم قال: الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافاً مني قال فانطلق فجاءهم بعِذق فيه بُسْر وتمر ورطب فقال: كلوا من هذه وأخذ المدية فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إياك! والحلوب"، فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العِذق وشربوا فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي بكر وعمر:(4/666)
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
"والذي نفسي بيده! لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم".
(الصحيح 3/ 1609- ك الأشربة، في جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك ح 2038) .
وقال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن محمد بن عمرو ابن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن عبد الله بن الزبير ابن العوام عن أبيه قال: لما نزلت (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) قال الزبير: يا رسول الله فأيُّ النعيم نسأل عنه، وإنما هما الأسودان التمر والماء قال: أما إنه سيكون.
(السنن 5/448- ك التفسير - سورة التكاثر) قال الترمذي: حديث حسن، وأخرجه ابن ماجة (2/1392- ك الزهد، ب معيشة أصحاب النبي ح 4158) بإسناد الترمذي نفسه، وأخرجه الضياء المقدسي في (المختارة 3/54-55 ح 857-858) من طرق عن سفيان به، قال محققه فيهما: إسناده حسن. وحسنه محققو مسند أحمد بإشراف أ. د. عبد الله التركي 3/24 ح 1405) .
قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا شبابة، عن عبد الله بن العلاء، عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزم الأشعري قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن أول ما يسئل عنه يوم القيامة يعني العبد من النعيم أن يقال له: ألم نصح لك جسمك ونرويك من الماء البارد".
(السنن 5/448 ح 3358- ك التفسير، ب ومن سورة التكاثر) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 4/138) من طريق عبد الله بن روح المدائني عن شبابة به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال الألباني: صحيح. (صحيح سنن الترمذي ح 674) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) قال النعيم: صحة الأبدان والأسماع والأبصار، قال: يسأًل الله العباد فيما استعملوها، وهو أعلم بذلك منهم. وهو قوله (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) قال: عن كل شيء من لذة الدنيا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) قال: إن الله عز وجل سائل كل عبد عما استودعه من نعمه وحقه.(4/667)
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
سورة العصر
قوله تعالى (وَالْعَصْرِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (والعصر) قال العصر: ساعة من ساعات النهار.
قوله تعالى (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إن الإنسان لفي خسر) قال: إلا من آمن (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) قال: إلا الذين صدقوا الله ووحدوه، وأقروا له بالوحدانية والطاعة، وعملوا، الصالحات، وأدوا ما لزمهم من فرائضه، واجتنبوا ما نهاهم عنه من معاصيه، واستثنى الذين آمنوا من الإنسان، لأن الإنسان بمعنى الجمع، لا بمعنى الواحد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وتواصوا بالحق) قال: الحق: كتاب الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وتواصوا بالصبر) قال: الصبر: طاعة الله.(4/668)
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)
سورة الهُمَزة
قوله تعالى (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)
انظر حديث البخاري عن حذيفة المتقدم تحت الآية رقم (11) من سورة القلم، وهو حديث حذيفة: "لا يدخل الجنة قتات".
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ويل لكل همزة لمزة) قال: أحدهما الذي يأكل لحوم الناس، والآخر الطعان.
قوله تعالى (الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ)
قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا الأسود بن عامر، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن سعيد بن عبد الله بن جريج، عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسئل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، عن جسمه فيم أبلاه".
قال: هذا حديث حسن صحيح (السنن 4/612 ح 2417- ك صفة القيامة، ب في القيامة) ، وأخرجه الدارمي (السنن 1/135- المقدمة، ب من كره الشهرة والمعرفة) عن الأسود بن عامر به، وصححه الألباني (صحيح الترمذي ح 1970) ، وأورده المنذري من حديث ابن مسعود وغيره وقال عنه: هذا الحديث حسن في المتابعات إذا أضيف إلى ما قبله. (الترغيب 1/125) ، وعزاه الهيثمي للطبراني والبزار من حديث معاذ وقال: رجال الطبراني رجال الصحيح ... (المجمع 10/346) .
قوله تعالى (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ)
بينها الله تعالى في الآيات الثلاث التالية (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ)
قوله تعالى (إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنها عليهم مؤصدة) قال: أي مطبقة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (في عمد ممددة) كنا نحدث أنها عمد يعذبون بها في النار.(4/669)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)
سورة الفيل
قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) قال: أقبل أبرهة الأشرم من الحبشة يوما ومن معه من عداد أهل اليمن إلى بيت الله ليهدمه من أجل بيعه لهم أصابها العرب بأرض اليمن، فأقبلوا بفيلهم حتى إذا كانوا بالصفّاح برك، فكانوا إذا وجّهوه إلى بيت الله ألقى بجرانه على الأرض وإذا وجهوه إلى بلدهم انطلق وله هرولة، حتى إذا كانت بنخلة اليمانية بعث الله عليهم طيرا بيضاً أبابيل.: الأبابيل: الكثيرة، مع كل طير ثلاثة أحجار: حجران في رجليه، وحجر في منقاره، فجعلت ترميهم بها حتى جعلهم الله عز وجل كعصف مأكول، قال: فنجا أبو يكسوم وهو أبرهة، فجعل كلما قدم أرضا تساقط بعض لحمه، حتى أتى قومه. فأخبرهم الخبر ثم هلك.
وله شاهد ذكره الحافظ ابن حجر عن ابن مردويه بسند حسن عن عكرمة عن ابن عباس نحوه مختصراً (انظر فتح الباري 12/207) والصفاح: بكسر الصاد وتخفيف الفاء موضع بين حنين وأنصاب الحرم يسرة الداخل إلي مكة، من جهة طريق اليمن (انظر معجم معالم الحجاز 5/144-146) .
قوله تعالى (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ)
قال الطبري: حدثنا سوار بن عبد الله، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا عاصم ابن بهدلة، عن زرّ، عن عبد الله (طيرا أبابيل) قال: فرق.
وإسناده حسن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (طيرا أبابيل) قال: يتبع بعضها بعضا.
قال الحافظ ابن حجر: وعند الطبري بسند صحيح عن عكرمة أنها كانت طيرا خضرا خرجت من البحر لها رؤوس كرؤوس السباع (فتح الباري 12/207) .
قوله تعالى (تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (حجارة من سجيل) قال: هي من الطين.
قوله تعالى (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كعصف مأكول) قال: هو التبن.(4/670)
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
سورة قريش
قوله تعالى (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لإيلاف قريش) قال: عادة قريش عادتهم رحلة الشتاء والصيف.
قوله تعالى (إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إيلافهم رحلة الشتاء والصيف) قال: إيلافهم ذلك فلا يشقّ عليهم رحلة شتاء ولا صيف.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إيلافهم رحلة الشتاء والصيف) قال: لزومهم.
قوله تعالى (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (الذي أطعمهم من جوع) قال: يعني: قريشا أهل مكة بدعوة إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث قال (وارزقهم من الثمرات) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وآمنهم من خوف) قال: حيث قال إبراهيم عليه السلام: (رب اجعل هذا البلد آمنا) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وآمنهم من خوف) قال: آمنهم من كل عدوّ في حرمهم.(4/671)
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)
سورة الماعون
قوله تعالى (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)
انظر سورة الفاتحة آية (4) لبيان (الدين) هو المعاد والحساب ثم بين الله تعالى بعض صفات المكذب بيوم الحساب في الآيتين التاليتين.
وانظر سورة المدثر آية (42-46) قوله تعالى (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (يدع اليتيم) قال: يدفع اليتيم فلا يطعمه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فذلك الذي يدع اليتيم) قال: أي يقهره ويظلمه.
قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)
قال الطبري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن هشام الدستوائى، قال: ثنا عاصم بن بهدلة، عن مصعب بن سعد، قال: قلت لسعد (الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال: أهو ما يحدث به أحدنا نفسه في صلاته؟
قال: لا، ولكن السهو أن يؤخرها عن وقتها.
وسنده حسن.
قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق (الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال: الترك لوقتها.
وسنده صحيح.(4/672)
وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فريل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال: فهم المنافقون كانوا يراءون الناس بصلاتهم إذا حضروا ويتركونها إذا غابوا ويمنعونهم العارية بغضا لهم، وهو الماعون.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (عن صلاتهم ساهون) قال: لاهون.
قوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ)
قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا أبو عوانة، عن عاصم بن أبي النجود، عن شقيق، عن عبد الله قال: كنا نعد الماعون على عهد رسول الله عارية: الدلو والقدر.
(السنن ح 1657- ك الزكاة، ب في حقوق المال) ، وحسنه الألباني في (صحيح أبي داود ح 1459) ، وأخرجه أيضا البزار (كشف الأستار ح 2292) عن خالد بن يوسف من أبي عوانة بإسناده بلفظ: "كنا نعد الماعون علي عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدلو والفأس والقدر". قال الحافظ: إسناده حسن (مختصر زوائد البزار 2/121) وصحح الحافظ سند أبي داود (فتح الباري 8/731) ، وخالد ابن يوسف ضعيف كما في الميزان (1/648) ، وأخرجه الطبراني في الأوسط (مجمع البحرين 6/88 ح 3419) والكبير (9/235 ح 9014) من طريق منصور عن أبي وائل شقيق عن عبد الله بنحو لفظ البزار، وقال الهيثمي: ورجال الطبراني رجال الصحيح. (مجمع الزوائد 7/143) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (الماعون) قال: الزكاة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ويمنعون الماعون) قال: يمنعونهم العارية، وهو الماعون.(4/673)
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)
سورة الكوثر
قوله تعالى (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)
قال مسلم: حدثنا علي بن حُجْر السعدي: حدثنا علي بن مسهر، أخبرنا المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة (واللفظ له) ، حدثنا علي بن مسهر، عن المختار عن أنس، قال: بينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة. ثم رفع رأسه متبسما. فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله! قال: "أنزلت علىّ آنفا سورة". فقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر) ثم قال: "أتدرون ما الكوثر"؟ فقلنا: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل، عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم، فيُختلج العبد منهم. فأقول: رب! إنه من أمتي. فيقول: ما تدري ما أحدثتْ بعدك".
زاد ابن حُجر في حديثه: بين أظهرنا في المسجد. وقال: "ما أحدث بعدك".
(الصحيح 1/300 - ك الصلاة، ب حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة، سوى براءة) .
قال البخاري: حدثنا آدم، حدثنا شيبان، حدثنا قتادة، عن أنس - رضي الله عنه - قال: "لما عرج بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى السماء قال: أتيت على نهر حافتاه قِباب اللؤلؤ مجوف، ففلتُ ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر".
(الصحيح 8/603- ك التفسير- سورة الكوثر ح 4964) .
وقال البخاري: حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عائشة رضي الله عنها قال: سألتها عن قوله تعالى (إنا أعطيناك الكوثر) قالت: هو نهر أعطيه نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، شاطئاه عليه در مجوف آنيته كعدد النجوم.
رواه زكريا، وأبو الأحوص، ومطرف عن أبي إسحاق. (الصحيح 8/603- ك التفسير- سورة الكوثر ح 4965) .(4/674)
وقال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة قال قال عبد الله بن عَمْرو قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منها فلا يظمأ أبداً".
(الصحيح 11/472- ك الرقاق، ب في الحوض وقول الله تعالى (إنا أعطيناك الكوثر) ح 6579) .
قال البخاري: حدثنا سعيد بن عفير، قال: حدثني ابن وهب، عن يونس قال ابن شهاب: حدثني أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن، وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء.
قال البخاري! حدثنا أبو الوليد، حدثنا همام، عن قتادة، عن أنس، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ح وحدثنا هدْبة بن خالد، حدثنا همام، حدثنا قتادة، حدثنا أنس بن مالك، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " بينما أنا أسير في الجنة، إذ أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف"، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكَ ربك، فإذا طيبه - أو طينه - مسك أذفر. شك هُدبة.
(الصحيح 11/472- ك الرقاق، ب في الحوض، وقول الله تعالى (إنا أعطيناك الكوثر) ح 6580، 6581) .
قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فصل لربك وانحر) قال: نحر البدن والصلاة يوم النحر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فصل لربك وانحر) قال: اذبح يوم النحر.
قوله تعالى (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إن شانئك هو الأبتر) قال: عدوّك.
انظر حديث ابن عباس المتقدم عند الآية (51) من سورة النساء، وهو حديث: لما قدم كعب بن الأشرف مكة.(4/675)
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)
سورة الكافرون
فضلها
قوله تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)
قال أبو داود: حدثنا النفيلي، ثنا زهير، ثنا أبو إسحاق، عن فروة بن نوفل عن أبيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لنوفل: "اقرأ (قل يا أيها الكافرون) ثم نم على خاتمتها، فإنها براءة من الشرك".
(السنن 4/313 ح 5055- ك الأدب، ب ما يقال عند النوم) ، وأخرجه الدارمي (السنن 2/459 والحاكم (المستدرك 2/538) من طرق عن زهير بن معاوية به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الأذكار.
قوله تعالى (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)
قال ابن كثير: ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد) أي: ولا أعبد عبادتكم، أي: لا أسلكها ولا أقتدي بها، وإنما أعبد الله على الوجه الذي يحبه ويرضاه. ولهذا قال: (ولا أنتم عابدون ما أعبد) أي: لا تقتدون بأوامر الله وشرعه في عبادته، بل قد اخترعتم شيئاً من تلقاء أنفسكم، كما قال: (إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى) ، فتبرأ منهم في جمع ما هم فيه.
قال البخاري: يقال (لكم دينكم) الكفر (ولي دين) الإسلام. ولم يقل ديني لأن الآيات بالنون فحذفت الياء كما قال (يَهدين) و (يشفين) . وقال غيره (لا أعبد ما تعبدون) الآن؛ ولا أجيبكم فيما بقي من عمري (ولا أنتم عابدون ما أعبد) وهمُ الذين قال (وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً) سورة المائدة: 46.
(انظر فتح الباري 8/733) .(4/676)
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)
سورة النصر
لقوله تعالى (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)
قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا إبراهيم بن مرزوق، ثنا أبو داود، ثنا شعبة أخبرني عمرو بن مرة سمعت أبا البختري يحدث عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: لما نزلت هذه السورة (إذا جاء نصر الله والفتح) قرأها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى ختمها ثم قال: "أنا وأصحابي خير والناس خير لا هجرة بعد الفتح".
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/257- ك التفسير) ووافقه الذهبي وعزاه الهيثمي إلى أحمد والطبراني بأطول من هذا ثم قال: ورجال أحمد رجال الصحيح (مجمع الزوائد 5/250) .
أخرج مسلم عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال لي ابن عباس: تعلم آخر سورة نزلت من القرآن، نزلت جميعاً؟ قلت: نعم (إذا جاء نصر الله والفتح) قال: صدقت.
(الصحيح - التفسير 4/2318 ح 3024) .
قال النسائي: أنا عمرو بن منصور، نا محمد بن محبوب، نا أبو عوانة، عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما نزلت (إذا جاء نصر الله والفتح) إلى أخر السورة قال: نعيت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفسه حين أنزلت، فأخذ في أشد ما كان اجتهاداً في أمر الآخرة. وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ذلك: "جاء الفتح وجاء نصر الله، وجاء أهل اليمن" فقال رجل: يا رسول الله، وما أهل اليمن؟ قال: " قوم رقيقة قلوبهم، لينة قلوبهم، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفقه يمان".
(التفسير 2/566-567 ح 732) ، وأخرجه الدارمي (السنن 1/37- المقدمة) من طريق عباد ابن العوام، عن هلال به نحوه. وأخرجه الطبري (التفسير 30/332) من طريق الزهري، عن أبي حازم، عن ابن عباس، دون ذكر نصفه الأول. وعزاه الهيثمي للطبراني في الأوسط والكبير من طريق النسائي المتقدمة، ثم قال: وأحد أسانيده رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 9/22) وللحديث شاهد عن أبي هريرة، أخرجه أحمد (المسند ح 7709) من طريق هشام بن حسان، عن محمد، عن أبي هريرة به مختصراً، قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. وصححه محققا تفسير النسائي بشواهد.(4/677)
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش عن مسلم، عن مسروق، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكثر أن يقول قبل أن يموت: "سبحانك وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك".
قالت: قلتُ: يا رسول الله! ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها تقولها؟
قال: "جُعلت لي علامة في أمتي إذا رأيتها قلتها إذا جاء نصر الله والفتح" إلى أخر السورة.
(الصحيح 1/351 ح بعد، 484- ك الصلاة، ب ما يقال في الركوع والسجود) .
أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر ... قال: ما تقولون في قول الله تعالى (إذا جاء نصر الله والفتح) فقال بعضهم: أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم، فلم يقل شيئا، فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟
قلت: هو أجل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعلمه له، قال (إذا جاء نصر الله والفتح) - وذلك علامة أجلك - (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) قال عمر: لا أعلم منها إلا ما تقول.
(الصحيح - ك التفسير، ب فسبح بحمد ربك واستغفره ح 4970) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إذا جاء نصر الله والفتح) قال: فتح مكة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (في دين الله أفواجاً) قال: زمراً زمراً.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (واستغفره إنه كان تواباً) قال: اعلم أنك ستموت عند ذلك.(4/678)
تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)
سورة المسد
قوله تعالى (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)
قال البخاري: حدثنا يوسف بن موسى: حدثنا أبو أسامة: حدثنا الأعمش: حدثنا عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت: (وأنذر عشيرتك الأقربين) ورهطك منهم المخلصين خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى صعد الصفا فهتف: يا صباحاه. فقالوا: من هذا؟ فاجتمعوا إليه، فقال: أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلا تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟
قالوا: ما جرّبنا عليك كذبا. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. قال أبو لهب: تبا لك، ما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام. فنزلت: (تبت يدا أبي لهب وتبّ) . وقد تبّ. هكذا قرأها الأعمش يومئذ".
(الصحيح 8/609-610- ك التفسير- سورة المسد ح 4971) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 1/193-194 ح 308- ك الإيمان، ب في قوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (تبت يدا أبي لهب) قال: أي خسرت وتب.
قوله تعالى (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وما كسب) قال: ولده هم من كسبه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وامرأته حمالة الحطب) قال: أي كانت تنقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (حبل من مسد) قال: عود البكرة من حديد.(4/679)
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
سورة الإخلاص
فضلها
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أبيه عن أبي سعيد الخدري: أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ (قل هو الله أحد) يرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر له ذلك - وكاْن الرجل يتقالها - فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن".
(الصحيح- فضائل القرآن، ب فضل (قل هو الله أحد) ح 5013) .
قوله تعالى (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)
قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا المفضل بن فَضالة، عن عقيل ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاثَ مرات.
(المصدر السابق ح 5017)
قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال الله تعالى: كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي، فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أولُ الخلق بأهون على من إعادته وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً وأنا الأحدُ الصمد، لم أَلِدْ ولم أُولد، ولم يكن لي كفواً أحد".
(الصحيح 8/611- ك التفسير- سورة الإخلاص ح 4974) .(4/680)
قال الترمذي: حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا أبو سعد هو الصنعاني، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: انسب لنا ربك، فأنزل الله (قل هو الله أحد الله الصمد) فالصمد الذي (لم يلد ولم يولد) لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، ولا شيء يموت إلا سيورث، وإن الله عز وجل لا يموت ولا يورث.
(ولم يكن له كفوا أحد) قال: لم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله شيء.
(السنن 5/451-452 ح 3364- ك التفسير، ب ومن سورة الإخلاص) ، وأخرجه أحمد (المسند 5/133-134) عن أبي سعد، وابن خزيمة (التوحيد 1/95 ح11-45) عن أحمد بن منيع ومحمود بن خراش كلاهما عن أبي سعد، والحاكم (المستدرك 2/540) من طريق محمد بن سابق، كلهم عن أبي جعفر الرازي به. وليس عند الإمام أحمد كلام أبي المدكور عقب الحديث. قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وحسنه الحافظ ابن حجر (فتح الباري 13/356) . وقال الألباني: حسن دون قوله "والصمد الذي" (صحيح سنن الترمذي ح 2680) وللحديث شواهد ذكرها الشيخ الطرهوني في (موسوعة الفضائل 2/365-370) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (الصمد) قال: السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد عظم في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغنيّ الذي قد كمل في غناه، والجبّار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه هذه صفاته، لا تنبغى إلا له.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ولم يكن له كفوا أحد) قال: ليس كمثله شيء، فسبحان الله الواحد القهار.(4/681)
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)
سورة الفلق
فضل المعوذتين
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوّذات ويَنفث، فلما اشتد وجَعُه كنت أقرأ عليه وأَمسح بيَده رجاء بركَتها.
(المصدر السابق ح 5016) .
حال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي سمعت يحيى بن أيوب يحدث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أسلم أبي عمران التجيبي عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، اقرأ من سورة يوسف، وسورة هود قال: يا عقبة اقرأ بأعوذ برب الفلق، فإنك لن تقرأ بسورة أحب إلى الله وأبلغ عنده منها فإن استطعت أن لا تفوتك فافعل.
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، (المستدرك 2/540 - ك التفسير) ، وصححه الذهبي.
وقد قام بتخريجه الشيخ محمد رزق طرهوني تخريجا وافياً وتوصل إلى تصحيحه (موسوعة فضائل سور وآيات القرآن 2/509) .
وانظر سورة الإخلاص في فضلها.
قوله تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قل أعوذ برب الفلق) قال: الصبح.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (الفلق) قال: الخلق.
قوله تعالى (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (غاسق) قال: الليل (إذا وقب) قال: إذا دخل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إذا وقب) قال: إذا أقبل.(4/682)
وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)
قوله تعالى (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ)
قال الترمذي: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الملك بن عمرو العقدي، عن ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة، عن عائشة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نظر إلى القمر، فقال: "يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا؟ فإن هذا: الغاسق إذا وقب".
(السنن 5/452 ح 3366- ك التفسير، ب ومن سورة المعوذتين) ، وأخرجه النسائي في (عمل اليوم والليلة ح 306) من طريق سفيان، وأحمد (المسند 6/206) عن وكيع، والحاكم (المستدرك 2/540-541) من طريق آدم بن أبي إياس، كلهم عن ابن أبي ذئب به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح سنن الترمذي ح 2681) .
قوله تعالى (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: كان الحسن يقول إذا جاز (ومن شر النفاثات في العقد) قال: إياكم وما خالط السحر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن الحسن (النفاثات) : السواحر.
وصحح إسناده الحافظ ابن حجر (فتح الباري 10/225) .
قوله تعالى (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)
قال البخاري: حدثنا قتيبة حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تحاسد إلا في أثنتين: رجل أتاه الله القرآن فهو يتلوه أناء الليل وأناء النهار فهو يقول: لو أوتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت كما يفعل، ورجل أتاه الله مالاً فهو ينفقه في حقه فيقول لو أوتيت مثل ما أوتى، عملت فيه مثل ما يعمل".
(الصحيح 13/511- ك التوحيد، ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل آتاه الله القرآن ح 7528) .
وقال البخاري: حدثنا بشر بن محمد قال: أخبرنا عبد الله، أخبرنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسّسوا ولا تجسّسوا، ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا".
(الصحيح 10/496- ك الأدب، ب ما ينهي عن التحاسد والتدابر ح 6064) .(4/683)
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)
سورة الناس
فضلها
تقدم في سورة الإخلاص وسورة الفلق.
قوله تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ)
قال ابن كثير: هذه ثلاث صفات من صفات الرب عز وجل: الربوبية والملك والإلهية، فهو رب كل شيء ومليكه وإلهه فجميع الأشياء مخلوقة له مملوكة عبيد له، فأمر المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات من شر الوسواس الخناس، وهو الشيطان الموكل بالإنسان، فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يُزين له الفواحش، ولا يألوه جهداً في الخبال، والمعصوم من عَصَم الله.
وقد ثبت في الصحيح أنه: "ما منكم من أحد إلا قد وُكل به قرينه" قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: "نعم إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير".
والحديث أخرجه مسلم في (الصحيح 4/2167 - ك صفة القيامة، ب تحريش الشيطان ح 2814) ، وانظر بداية التفسير في الإستعاذة.
وانظر الاستعاذة في بداية التفسير وفيها حديث أحمد عن أبي تميمة: وفيه: "لا تقل تعس الشيطان، فإنك إذا قلت تعس الشيطان تعاظم وقال: بقوتي صرعته. وإذا قلت: باسم الله، تصاغر حتى يصير مثل الذباب".
قال ابن كثير: إسناده جيد قوي، وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغُلب، وإن لم يذكر الله تعاظم وغلب.
قوله تعالى (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (الوسواس الخناس) قال: الشيطان يكون على قلب الإنسان، فإذا ذكر الله خنس.(4/684)
مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)
ثم بين الله تعالى شمول وسوسة الشيطان في قلوب الجن والناس في قوله تعالى (الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس) .
قوله تعالى (الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس)
قال ابن كثير: وقوله تعالى (من الجنة والناس) هل هو تفصيل لقوله: (الذي يوسوس في صدور الناس) ثم بينهم فقال: (من الجنة والناس) وهذا يقوي القول الثاني. وقيل لقوله: (من الجنة والناس) تفسير للذي يوسوس في صدور الناس من شياطين الإنس والجن كما قال تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً) .
ثم ذكر حديث الإمام أحمد المتقدم في الإستعاذة عن أبي ذر وفيه: "يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن".
آخر التفسير ولله الحمد والمنة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه أجمعين.
وكان الفراغ منه في صباح يوم الأربعاء الثالث من شوال من عيد الفطر المبارك سنة تسع عشرة وأربعمائة وألف للهجرة.(4/685)